Professional Documents
Culture Documents
القَّبااله (الكاباال)
|
يدل مصطلح القّبااله على مذهب يهودي باطني (غنوصي) في تفسير الكتاب المقدس يقوم على افتراض أن لكل كلمة ولكل حرف معنى خفيا ،ويتضمن نظريات
مستوردة من فلسفات أخرى لتفسير وفهم الخلق وطبيعة البشر وحقيقة الروح والقدر ،ويحاول أتباعه اليوم نشره عالميا بمعزل عن الدين اليهودي بحيث ُيقدم كفلسفة
روحانية يمكن اعتناقها دون أن يغير المرء دينه.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعة اليهودية إن القبااله هي مجموعة التفسيرات والتأويالت الباطنية والصوفية عند اليهود ،فاسمها مشتق من كلمة
عبرية تفيد معنى التواتر أو القبول أو التقبل أو ما تلقاه المرء عن السلف ،أي «التقاليد والتراث» ,وكان ُيقصد بها أصًال تراث اليهودية الشفوي المتناقل فيما يعرف
باسم «الشريعة الشفوية» ،ثم أصبحت الكلمة تعني منذ أواخر القرن الثاني عشر «أشكال التصوف والعلم الحاخامي المتطورة» ،وقد أطلق العارفون بأسرار القَّبااله
على أنفسهم لقب “العارفين بالفيض الرباني” ،ويمكن القول إن هذا المذهب يمثل الجانب الصوفي الباطني لليهودية[ .موسوعة اليهودية.]17 /14 ،
ويجدر بالذكر أن هناك أنواع من الباطنية (التصوف العرفاني) تحرص على البقاء في نطاق توحيد هللا وتنزيهه عن االندماج بالمخلوقات ،فاإلله بهذا المعنى يتجاوز
اإلنسان والكون والتاريخ ،ويحاول المتصوف من خالل مجاهدة شهواته وعشقه لإلله أن يتقرب منه .لكن هناك نوعا آخر للتصوف ينتهي به الحال إلى “وحدة
الوجود” و”الحلولية” ،حيث يؤمن بالواحدية الكونية وبأن اإلله يحل في الطبيعة واإلنسان والتاريخ ويتوحد معها ،وبدال من المجاهدة والزهد يهتم المتصوف هنا
بالفلسفة الباطنية التي يحاول فيها تفسير اندماجه باإلله وتأّلهه ،فهذا التصوف أقرب للعلمنة من الدين ألنه يسعى لتعظيم اإلنسان وتأليهه بدال من تكريس عبوديته هلل.
ونجد أثر هذا المذهب الحلولي الغنوصي في بعض أشكال التصوف الفلسفي داخل أديان عدة بما فيها اإلسالم ،لكنه في القبااله يبلغ أقصى درجات التطرف حتى
يصبح ضربا من محاوالت التدخل في اإلرادة اإللهية ،أمال في أن يتمكن اليهودي المتصوف من التحكم في الكون من خالل االندماج باإلله وفهم آلية عمل الكون
وسر الخليقة[ .الغنوصية في اإلسالم ،ص.]11-7
يبدو أن هذا الفكر الغنوصي المتطرف هو الذي مّه د لحركات اإللحاد في عصر النهضة المستمرة حتى اليوم ،والتي زعمت أن
اكتشاف قوانين نيوتن وغيرها من السنن الكونية الفيزيائية يبرر تأليه اإلنسان وعدم احتياجه لإلله .وهذا ما يؤكده الفليسوف اليهودي
باروخ إسبينوزا الذي تأثر بالصوفية الحلولية واعتبر أن حلول اإلله في المادة يسمح للطبيعة بأن تصبح هي اإلله ،وأن الصوفي
صاحب العرفان يصبح قادرًا على التحكم في اإلله والطبيعة والكون.
ويمكننا هنا أن نرى مالمح “سوبرمان” الذي اخترعه الفيلسوف األلماني نيتشه ،فهو الذي أطلق فكرة “موت اإلله” وقدرة اإلنسان
على التحكم بالعالم ،وهو أيضا الذي مّه د لألفكار النازية المتطرفة التي ال تؤمن إال بإرادة القوة وتتجاوز أخالق الضعفاء ،كما يمكننا
إسبينوزا أن نلمس آثار القبااله في نظرية عالم النفس النمساوي اليهودي سيغموند فرويد ،فقد وضع تعريفاته لما يسمى باألنا “إيغو” وفقا
لمفاهيم القبااله للنفس البشرية.
في كتابه “مفاتيح هذا الدم” The Keys of This Bloodيكشف القس الكاثوليكي والبروفسور في جامعة الفاتيكان مالخي مارتن األثر
الذي تركته الغنوصية القّبالية في العقل األوروبي على يد حركة النهضة اإليطالية ،حيث تعاونت مع الماسونية العالمية على نشر الفلسفة
اإلنسانوية “الهيومانية” المادية التي تستغني في جوهرها عن اإلله.
في كتابه “القبااله وما بعد الحداثة” يؤكد المؤلف “سانفورد إل درور” تأثر الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا بالقبااله
في وضع أفكاره للفلسفة التفكيكية ،ومن المعروف أن فلسفات ما بعد الحداثة انتهت إلى العدمية والسفسطة ،فهي تنتقد
اإليمان بالمطلقات وتميل إلى التشكيك والنقد.
يقول باحثون متخصصون في الغوص بأسرار القبااله إن هناك جزءا خفيا وراء ما يعلنه “حكماؤها” من االندماج
باإلله ،فالحقيقة هي أن فكرة االتحاد باإلله تطورت إلى االتحاد بالشيطان نفسه عبر السحر ،وذلك بعد أن تداخلت
العقيدة اليهودية الحلولية باألفكار الثنوية (ثنائية اإلله) ،فنتجت فكرة تأليه إبليس كإله أرضي مقابل لإلله السماوي ،ومن ثم فإن إبليس وشياطينه يقدمون لهم عبر
طقوس السحر -من باب التضليل -من الخدمات والقدرات الخارقة ما يكفي لالعتقاد بألوهيته ،لكن هذه األسرار ال ُتكشف إال لمن يرتقي إلى أعلى الدرجات كما هو
حال الجمعيات السرية التي تستمد بناءها الفكري من القبااله ،في حين يعلن بعض أتباعهم أن السحر ليس إال علما خاصا أنزله الخالق إلى البشر عن طريق األنبياء
ليبلغوه إلى الحكماء[ .مفهوم الخالص في الديانة اليهودية.]94 ،
القبااله والعلم
يجاهر معلمو القبااله في العصر الحديث بأن كتبهم القديمة تضمنت الكثير من أسرار الكون التي لم ُيكشف عنها إال في هذا العصر،
وأن علماء الغرب تعلموا القبااله قبل أن يكتشفوا قوانين الطبيعة ،فهم يؤكدون أن اكتشافات فيثاغورس الرياضية وفلسفة أفالطون
وأرسطو استندت إلى أسرار القبااله[ .موقع حكمة الكاباال].
ومع بدء النهضة في القرن الخامس عشر كان اإليطالي ليوناردو دافنشي منكبًا على دراسة القبااله ،وما زال مؤرخون غربيون
يتساءلون عن مصدر عبقريته المفاجئة التي أنتجت مخترعات غير مسبوقة ورسوما تشريحية لتفاصيل جسم اإلنسان واألجنة في
األرحام ،حيث تقول بعض المصادر إن أفكاره اإلبداعية السابقة لزمانها لم تظهر إال بعد أن اعتزل الناس سنتين في أحد الكهوف وفقا
دافنشي
لما ورد في بعض أوراقه ،ما دفع البعض الفتراض اتصاله بكائنات فضائية لديها حضارة متقدمة ،بينما ال نستبعد -إن صحت الرواية-
أن يكون قد اتصل بعالم الشياطين عبر بوابة القبااله السحرية .لكن آخرين يرون أن ما ذكره دافنشي عن دخوله الكهف لم يكن سوى
استعارة مجازية[ .موقع الماركسي].
خريطة مطابقة للواقع رسمها دافنشي لمدينة إيموال اإليطالية وكأنه ينظر إليها من السماء
وفي كتابه “دين إسحاق نيوتن” يقول المؤلف فرانك مانويل إن عاِلم الرياضيات والفيزياء الشهير نيوتن (القرن السابع
عشر) كان يؤمن بأن النبي موسى لم يتلق التوراة فقط بل أوحيت إليه أيضا قوانين التحكم بالطبيعة ،لذا انشغل نيوتن
بحل ألغاز القبااله واكتشاف العالقة بين بناء “خيمة االجتماع” التي كان يحملها بنو إسرائيل أثناء التيه وبين بنية الكون.
[.]The Religion of Isaac Newton, 364
كما كتب رائد الرياضيات الحديثة األلماني غوتفريد اليبنتز (القرن الثامن عشر) أن المدينة الفاضلة “يوتيوبيا” يجب أن
تبنى على أساس مفاهيم القبااله التي ُتشتق منها كل العلوم[ .انظر كتاب.]Leibniz And The Kabbalah :
أما ماكس ديمونت فيقول في كتابه “اليهود ،هللا والتاريخ” إن أبرز علماء القرن السابع عشر في أوروبا كانوا قد تتلمذوا
على يد معلمي القبااله ،وإنهم لم يجدوا مشكلة في الخلط بين ألغاز القبااله والخيمياء والعلوم التجريبية كما كان يفعل
جميع أتباع الجمعيات السرية ،مؤكدا أن القبااله هي التي قادت إلى النهضة العلمية في ذلك العصر .لذا ال نستبعد أن تلك
النهضة العلمية التي تسارعت بطريقة غير مسبوقة في تاريخ البشرية لم تكن نتيجة تراكم علمي تجريبي بحت ،بل
نيوتن انطلق العلماء أساسا في تجاربهم مما اكتسبوه من عوالم القبااله وما يسمى بالحكمة القديمةJews, God and[ .
.]History, 292
في هذا المقطع القصير ،يتحدث عدة علماء معاصرين عن أسبقية القبااله في الكشف قبل آالف السنين عن نظريات علمية حديثة ،مثل تكوين الذرة وتشريح
اإلنسان ونشأة الكون عبر االنفجار العظيم.
ALAH
تاريخ القبااله
يزعم القباليون أن فلسفتهم قديمة قدم البشرية ،وأنها بدأت مع آدم عليه السالم نفسه ،ثم نقلت عنه إلى نوح عليه السالم ،ثم إلى النبي إبراهيم عليه السالم الذي يقولون
إنه تأمل في عظمة ومعجزة الوجود اإلنساني وبنية الكون وعمل قوانين الطبيعة فظهر له العالم األعلى من خالل الوحي واإللهام ،فقام بنقل جزء من أسرار هذه
المعرفة إلى أتباعه الذين نقلوها بدورهم شفهيا عبر األجيال ،كما كان كل معلم يضيف براهين تجربته الشخصية[ .موقع حكمة الكاباال].
ويؤمن المسلمون واليهود بأن النبي موسى تلقى التوراة عن ربه في جبل الطور بسيناء ،لكن القباليين زعموا أنه ذهب إلى الجبل ثالث مرات ،مدة كل منها 40
يوما ،حيث تلقى في األولى نصوص الشريعة الظاهرية التي تم تدوينها في التوراة ويتم تعليمها للعوام من بني إسرائيل ،وفي الثانية تلقى روح الشريعة التي يتعلمها
األحبار (الحاخامات) ،أما الثالثة فتلقى فيها روح روح الشريعة ،أي األسرار الخاصة بعلماء القبااله ،ويزعمون أن موسى أخفاها في النصوص وال يتم فهمها إال
باستخدام شفرات معينة وعبر التأمل الخاص.
خالل تعرض اليهود للسبي البابليُ ،نسبت إلى حزقيال رواية وردت في سفر يحمل اسمه ،حيث تقول إنه رأى رؤيا عن صعوده إلى
السماء تمكن فيها من رؤية اإلله على عرشه ،فاستفاد القباليون من هذه القصة البتكار عقيدة رؤية اإلله واالتحاد فيه ،وفي عام
٥۸٦قبل الميالد بدأوا بتدريس القبااله ضمن مجموعات صغيرة من التالميذ.
وعندما سيطر الرومان على أرض فلسطين واضطهدوا بني إسرائيل عادت القبااله إلى السرية .ويقولون إن الحاخام شمعون بن
يوحاي والملقب “بالراشبي” بدأ مرحلة جديدة عام 150بعد الميالد ،حيث اختفى في كهف لمدة 13سنة بعد أن تعرض أستاذه
عاكيفا وزمالؤه للقتل من قبل الرومان ،ثم خرج الراشبي ومعه كتاب الزوهار زاعما أن النبي إيليا (إلياس) عليه السالم ظهر له
خالل اعتكافه وأماله عليه كلمة كلمة ،كما زعم أنه طّبق ما أماله عليه بنفسه وترقى إلى أعلى درجات العالم الروحي متخطيا كافة
شمعون بن يوحاي درجات السّلم البالغ عددها 125التي وضعها اإلله ،والتي بإمكان اإلنسان إحرازها في هذا العالم.
ويقولون إن الزوهار ظل مخفيا وال ُيتداول إال بالسر حتى نشر القبالي موسى بن ليون أول نسخة
منه في القرن الثالث عشر في إسبانيا ،بينما يرى بعض المؤرخين أن بن ليون هو الذي ألف
الزوهار ونسبه إلى القرن الثاني بعد الميالد مدعيا أن الراشبي تلقاه عن النبي إيليا[ .موقع حكمة
الكاباال].
وقبل ظهور الزوهار بقليل ،كان القباليون يعتمدون كتاب “الباهير” (اإلشراق) الذي ال ُيعرف على
وجه الدقة مؤلفه ،لكن بعض المصادر تقول إن الحاخام إسحاق األعمى جمعه من مخطوطات قديمة
وطرحه في فرنسا حوالي عام 1200م ،وهو يصنف ضمن كتب السحر.
مخطوط ُيعتقد أنه يصور
الزوهار
إسحاق األعمى
يقسم كتاب الزوهار مراحل تطور اإلنسانية على مدار ستة آالف سنة ،حيث تتطور خاللها النفس
البشرية بمراحل من النمو في كل جيل ،وصوال إلى “نهاية مراحل التصحيح” وهي المرحلة
األعلى في الكمال والروحية.
ونجد أثر هذه الفكرة اليوم لدى مفكرين يعتنقون أيديولوجيات مختلفة ،فالمفكر الفرنسي “أوغست كونت”
استخدمها في القرن التاسع عشر لتبرير التخلي عن الدين على اعتبار أن البشرية تنمو تاريخيا كما ينمو الفرد من
مرحلة الطفولة إلى النضج ،وهكذا ينتقل البشر من المرحلة الالهوتية إلى الميتافيزيقية وصوال إلى الوضعية التي
تنفي وجود أي علة إلهية للظواهر الطبيعية .كما استخدم بعض اإلسالميين (مثل مصطفى العقاد وجودت سعيد)
هذه الفكرة لوضع فرضية مفادها أن اإلنسان كان يحتاج إلى الوحي في مراحل سابقة بينما أصبح اليوم (بعد انتهاء
فترة النبوات) مكتفيا بالعقل.
والملفت أننا نجد في أدبيات الحركات السرية الفكرة نفسها ،والتي تقول إن اإلنسان في هذا العصر يزداد نضجا بما
يمهد لخروج المسيح المنتظر (الدجال الذي قال النبي محمد صلى هللا عليه وسلم إن كل األنبياء حذروا منه) لتحقيق
االستنارة المرتقبة لإلنسان ،بينما يزعم أتباع الديانة اإلبليسية أن إبليس يوحي لهم بأن وقت ظهوره اقترب بعد
انتظار آالف السنين ريثما يكتمل نضج اإلنسان.
وبحسب مراجعهم ،بدأ إسحاق لوريا ،ولقبه “اآلري” ،مرحلة أخرى في القرن السادس عشر عندما
وضع أسسا جديدة للقبااله التي أصبحت تدعى بالقبااله اللوريانية (نسبة إليه) حيث جعل منها مدخال
لعلم الالهوت والفلسفة وعلم النفس ،وبذلك اكتمل البناء الفكري للقبااله لتصبح نسقا أيديولوجيا يمكن
من خالله التأثير على علوم إنسانية شتى ،فكان له دور كبير في تطوير أفكار الحركات السرية
الشيطانية ،وعلى رأسها الماسونية في القرن الثامن عشر وجمعية الثيوصوفيا في القرن التاسع عشر.
[موقع حكمة الكاباال].
ومن مؤلفاته “شجرة الحياة” و”مداخل النوايا” و”مراحل دورة النفس” ،وهي كتب تركت أثرا في
فلسفة هيغل ونظريات فرويد .وقد فتح لوريا المجال جزئيا أمام العامة من الناس لدراسة القبااله ،ومن
قبر إسحاق لوريا في صفد الطريف أنه طلب عند موته عدم نشر مؤلفاته للعامة قبل حلول الوقت المناسب لنشرها.
تقول مصادر القبااله إن الرواد تعمدوا السرية ألنهم علموا أن أجيالهم لم تكن على قدر كاف من
الوعي ،بل إن بعضهم أحرقوا ما بين أيديهم من مدونات كي ال يتضرر بها العالم المادي لعدم قدرته على تحمل آثارها ،ولكن مع حلول منتصف القرن الثامن عشر
أصبحت دراسة الزوهار شائعة جدا بين العامة وخاصة في بولندا وروسيا والمغرب والعراق واليمن[ .موقع حكمة الكاباال].
وفي عام ۱٩٤٣بدأ المحامي اليهودي يهودا أشالغ بتأليف كتاب “الشرح الُسّلمي لكتاب الزوهار ولتعاليم اآلري” ،وذلك بعد هجرته من بولندا إلى فلسطين
وتفرغه للتأمل في تراث القبااله ،وصار لقبه “صاحب الُسّلم” ألنه فّص ل طريقة ترقي درجات السّلم المئة والخمسة والعشرين ،ثم جاء من بعده ابنه باروخ شالوم
أشالغ ،ولقبه “راباش” ،ليضع سلسلة مقاالت وشروح جديدة ،حيث أصبحت مع كتاب أبيه المصدر الرئيس اليوم لفهم الزوهار ،ال سيما وأنها تحاول التوفيق بين
القبااله ومكتشفات العصر الحديث.
وخالل تلك الفترة ظهر كتاب اسمه “سفر يتزيراه” (كتاب الخلق) لمتصوف يهودي مجهول ،شرح فيه نظريته عن خلق هللا للكون عبر تشكيل 20حرفًا من
األبجدية العبرية ،حيث زعم أن هللا ينطق بالعبرية ويشكل منها الموجودات عبر دمج الحروف.
لذا اهتم القباليون بما يسمى حساب الجّم ل (جماتريا) واالختصارات (نوطيرقون) ،وأصبحوا يستنتجون منهما معاني الكلمات وأسرارها ويتنبؤون بمستقبل األحداث.
يعتبر فالسفة القبااله أن التوراة هي مخَّطط اإلله للخلق كله ،ولكن فهمها ال يتم إال عبر التفسير الباطني ،فكل كلمة فيها تمثل رمزًا ،ولكل عالمة أو نقطة سرًا
داخليًا ،وبما أن األبجدية العبرية مقدسة فهي ليست مجرد حروف ،بل تنطوي على قوى خفية ،وبالذات األحرف األربعة التي تكِّو ن اسم يهوه (اإلله)[ .مفهوم
الخالص في الديانة اليهودية ،ص]93
وبينما حاول حاخامات اليهود تفسير ما ورد في التوراة من خلع صفات بشرية على اإلله وتجسيمه بأنها من قبيل المجاز ،فإن القَباليين أخذوها بمعنى حرفي ،وبما
أن التوراة تقول إن اإلله خلق اإلنسان على صورته ،فقد آمنوا بوجود مخلوق أول هو “آدم قدمون” وأنه كان إنسانا كامال ،حيث كان جسمه يعكس التجليات
النورانية العشرة (سفيروت).
وتتدرج هذه التجليات على هيئة فروع “شجرة الحياة” التي يتخيلون جذورها مغروسة في السماء بينما تالمس فروعها األرض ،فالحكيم القبالي يتسلق تلك الشجرة
المقلوبة بدءا من عالمه الدنيوي حتى يصل إلى اإلله في السماء.
حساب الجّم ل:
يستخدم هذا النظام عبر منح كل حرف رقما يدل عليه ،ومن خالله يتم احتساب المعادل الرقمي للكلمة أو الجملة ،وُيستنتج بذلك تفسير النص أو ُيتنبأ منه بحدث
مستقبلي يتعلق به عبر احتساب تاريخ حدوثه ،فمثال فسروا العبارة التي وردت في سفر التكوين « 318عضوًا في بيت إبراهيم» بأنها تعني «خادم إبراهيم»،
كما استخرجوا عدة مرات تواريخ ظهور الماشيح (المسيح المخّلص) .وقد امتد أثر هذه الخرافة إلى المسلمين في عصور سابقة ،ونجدها واضحة في كتاب
“القانون” ألبي الريحان البيروني الذي عاش بين القرنين الرابع والخامس الهجري ،ومازال البعض يستخدم هذا النظام للتنبؤ بزوال إسرائيل.
االختصارات:
استخدم القباليون هذا النظام أيضا للتالعب بالنصوص وتفسيرها كما يحلو لهم ،فمثال فسروا كلمة المسيح (يشو) بأنها كلمة مركبة من الحروف األولى لعبارة
“ليفنى اسمه ولتفَن ذكراه” .وبات بإمكان أي مفسر يزعم معرفته بهذا الفن أن يستخرج معان غامضة من أي كلمة أو نص ،وانتقلت هذه الخرافة أيضا إلى
المسلمين وأديان أخرى ،ونحن نجد أثر االختصارات في العصر الحديث حيث شاع اختصار أسماء المؤسسات والمنظمات إلى كلمة واحدة مكونة من الحروف
األولى.
السفيروت
السفيروت هي تجليات اإلشعاعات الصادرة من النور اإللهي التي يزعم القّباليون أنه تم بها خلق العالم ،وأنها أداة اإلله في خلق العالم وُح كمه ،وتأتي في عشر
درجات ُترسم على هيئة بلورات ،كما ُيطلق عليها اسم شجرة الحياة ،وكل منها تقابل عضوا من أعضاء الجسم البشري وجرما من أجرام السماء:
-1كيتير عليون ،أي التاج األعلى لإلله ،وهي اإلرادة المقَّدسة والعقل الفّعال ،وهي أول مرحلة تخرج من اإلله الخفي الذي يكون متوحدا مع العدم ،فيخرج من
هذا التجلي زوجان بال جنس محدد .وهي تقابل رأس اإلنسان والنور األساسي.
-2حوخمة ،أي الحكمة ،وهي أول التجِليات الصادرة عن اإلله المتخفي ،وتمثل العلة (الذكرية) األولى .ويقابلها النصف األيمن من المخ واألبراج االثني عشر
(زودياك).
3ـ بيناه ،أي الفهم أو الذكاء ،وهي العلة األنثوية األولى ،حيث يدخل مع التجلي السابق في عالقة جنسية إلنجاب التجليين السادس والعاشر .ويقابلها النصف
األيسر من المخ وكوكب زحل.
-5جبوراه ،أي الشدة ،وهي مصدر الحكم اإللهي والشريعة .يقابلها الذراع األيسر وكوكب المريخ.
ِ -6تفئيرت ،أي الجمال ،ويشار إليها بالشمس واالبن والملك المقدس ،وهي مصدر عقيدة الخالص المسيحية .يقابلها القلب والشمس.
-8هود ،أي جالل ومجد اإلله .يقابلها الساق اليسرى وكوكب عطارد.
-9ياسود عوالم ،أي أساس العالم ،وهي أساس كل القوى النشيطة في اإلله .يقابلها عضو التناسل والقمر.
-10ملخوت ،أي الملكوت ،وهي تمثل بني إسرائيل .يقابلها األقدام والعناصر األربعة.
وبحسب فلسفة القبااله ،كان اإلنسان والكون قبل الخلق داخل الذات اإللهية ،ثم انبثق آدم القديم عن هذه الذات على صورة اإلله ،ثم انبثق عنه الكون بنجومه
وكواكبه.
لذا يرسمون آدم القديم على شجرة التجليات اإللهية (شجرة الحياة) بحيث يناظر كل عضو فيه صفة أو تجليًا من تجليات الذات ،ويقع داخل البلورة النورانية التي
انبثق منها ،كما يناظر جزءا من الكون.
وبهذه الفلسفة يتم تقديس اإلنسان والموجودات الرتباطهما باإلله ،حيث ُيزرع في عقول األتباع أن هناك قنوات تصل اإلنسان باإلله ويمكن تنشيطها عبر تنشيط
الطاقة الروحية التي يتم جلبها من األجرام السماوية ،ما يسمح لإلنسان بالترقي الروحي والتحرر من الجسد عبر حالة من التأمل تدعى “كافاناه” ،ليتحد في النهاية
باإلله ،أو يحّل اإلله فيه ،وهذه الحالة تدعى “دفيقوت” وهي تشبه حالة النيرفانا في الديانات الشرقية.
وتقول القبااله إن آدم القديم كان خنثى مثل اإلله (تتساوى فيه صفات الذكورة واألنوثة) ،وكذلك الكون ،وعليه فإن االتزان يتطلب عودة اإلنسان إلى صورته الكاملة
وحالته الروحانية المتسامية ،وذلك بالمساواة الكاملة بين الذكورة واألنوثة في الموقع ،واالشترك التام في الفعل ،وهذا ما نراه واضحا في الحركات الداعية إلى
المساواة بين الجنسين اليوم.
وتبدو القبااله أكثر تطرفا من اليهودية المحرفة في تقريب اإلنسان من اإلله والتعاطف مع إبليس ،فقد أوضحنا في مقال “اليهودية” أن محرفي التوراة وضعوا قصة
مختلفة تماما في سفر التكوين عن قصة الخلق التي نجدها في القرآن ،فجعلوا من الشجرة المحرمة في الجنة شجرة للمعرفة ،وزعموا أن اإلله نهى آدم عن األكل
منها كي ال يكتشف الحقيقة ويصبح خالدا مثله فخدعه وأوهمه بأنه إن أكلها سيموت ،وفي المقابل سعى الشيطان لمساعدة آدم بالتجسد على هيئة حية للتسلل خلسة
إلى الجنة وإطالع آدم على سر الشجرة ،ما يعني أن اإلله هو المضلل وإبليس هو المنقذ.
كما يزعم واضعو سفر التكوين أن اإلله ترك آدم ليضع بنفسه أسماء الموجودات ،وهذا على عكس الرواية التي يوثقها القرآن لهذه الحادثة ،حيث عّلم هللا آدم
األسماء كلها وترك آدم ليتحدى المالئكة بما لديه من المعرفة بعد أن تلقاها من خالقه ،فاليهودية المحرفة تزعم أن اإلله ترك اإلنسان ليصوغ معرفته ورؤيته للعالم
بنفسه دون تدخل إلهي
وإذا كانت اليهودية قد أنزلت من قيمة اإلله ورفعت مقام اإلنسان إلى هذه الدرجة ،فإن القبااله ذهبت إلى ما هو أبعد وقلبت المعادلة كلها ،فانصرفت إلى عبادة
الشيطان نفسه وجعلت من اإلله عدوا لها ،فنرى أن طقوسهم وعبادتهم وفلسفتهم قائمة على فكرة منازعة اإلله في قدراته وعلمه عبر اكتساب قدرات الشياطين
والتقرب إليهم ،وكأن بني آدم في عالقة منافسة مع اإلله لمحاولة الوصول إلى منزلته بعد أن حرمهم منها.
ويزعم القباليون أن هناك حاسة سادسة كامنة لدى اإلنسان ،وأنهم قادرون على تفعيلها ليكتسب بها المرء القدرة على فهم “العالم األعلى” ويدير بذلك حياته بنفسه،
ويقولون إن تعاليمهم هي الوسيلة الوحيدة لبناء الوعاء الروحي الذي يمكن لإلنسان أن يستخدمه لتلقي نور الخالق في نفسه ،وبدون هذا الوعاء فإن اإلنسان العادي ال
يدرك من الواقع سوى %10فقط ،بينما تبقى %90من الحقيقة غافلة عنه.
وبحسب مراجع القبااله المتاحة لعامة الناس ،فإن التتلمذ على أيديهم بنّية إحراز التقدم الروحي يتيح للمرء االستنارة وتصحيح ذاته ،أما إذا أراد أن يصبح حكيما فال
تكفيه المعرفة بل عليه أن يتسلح بالرغبة الملّحة لتلقي “الحكمة” ،ما يدل على دور االستعداد النفسي لدى هذا النوع من التصوف الباطني.
ويجزمون أيضا بأن هذه “الحكمة” ليست ضربا من الفلسفة التأملية ،فهي ليست من نتاج عقول البشر الذي يقبل الصواب والخطأ ،بل هي علم حقيقي واقعي ُم نزل
من الخالق إلى الصفوة من خلقه [كتاب علم الكاباال للمبتدئين ،ص ،]39ومن يتعمق في القبااله سيجد أنهم يعتبرونها منحة من إبليس نفسه لمنافسة الخالق.
كما يزعمون أن علماء القبااله ال يدركون العاَلم األعلى عن طريق خيالهم ،كما يحدث للصوفيين في األديان األخرى ،بل يدركونه على النحو نفسه في استخدام
حواسهم الخمسة إلدراك هذا العالم المادي[ .المرجع السابق ،ص .]33
القبااله والسحر
ال ُيعرف على وجه التحديد متى ظهر السحر في تاريخ اإلنسان للمرة األولى ،فهناك من ينسب بداياته إلى عصر نوح عليه السالم ،لكن المؤكد أنه كان شائعا لدى
شعوب كثيرة في عصور مغرقة في القدم ،وأن السحر تداخل مع األديان الوثنية حتى اختلط على العوام التمييز بين االستعانة بالشياطين والتوسل إلى اآللهة أو
المالئكة ،ومازال كثير من الناس يخلطون اليوم بين هذا وذاك ،إذ يستغل السحرة هذا الجهل للظهور بمظهر رجال الدين ،فهم غالبا يستخدمون النصوص الدينية في
التعويذات والطالسم كغطاء ألعمالهم القذرة.
وكما هو حال جميع الكتب السماوية ،فإن التوراة تحّر م السحر بوضوح ،فحتى ما بقي منها بعد التحريف مازال ينص على ذلك ،حيث نقرأ في سفر التثنية نصا
موجها إلى النبي موسى عليه السالم يقول “متى دخلت األرض التي يعطيك الرب إلهك ،ال تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك األمم ،وال يكن بينكم من يجيز ابنه أو
ابنته في النار وال من يعرف عرافة وال عانف وال متفائل وال ساحر ،وال من يرقى رقية وال من يسأل جانا أو تابعه ،وال من يستشير الموتى ألن كل من يفعل ذلك
مكروه عند الرب” .أما عقوبة الساحر فكانت الرجم كما جاء في سفر الالويين عند قوله “أي رجل أو امرأة يمارس الوساطة مع الجاّن أو مناجاة األرواح ،ارجموه
ويكون دمه على رأسه” [الالويين.]27 /20 :
وبالرغم من وضوح هذا التحريم فقد اشتهر اليهود بالسحر بعد السبي البابلي الذي حصلت خالله الكثير من التحريفات للدين ،ويقال إن اليهود الذين وجدوا أنفسهم
أسرى في بابل بعد أن كانوا من أغنى الناس وأقواهم بدأوا باالحتيال على أهل بابل ،فاشتغلوا بالسحر والتنجيم ،وراجت عنهم منذ ذلك الحين قصص تتهم النبي
سليمان عليه السالم –الذي كان أعظم ملوكهم قبل السبي -بأنه كان ساحرا يستخدم الجن في أعمال الشر ،حيث كان يملك بالفعل سلطة تسخير الجن في البناء
والنحت دون السحر ،لكنهم نسبوا إليه كتمان أسرار السحر في كتاب خاص ،وأنهم وحدهم من يعرف هذه األسرار.
وال ُيذكر الشيطان في األسفار القديمة للتوراة التي بين أيدينا اآلن إال قليال ،فالخير والشر وجهان متكامالن للرب يهوه الذي عبده اليهود وحّل فيهم -حسب معتقدهم-
وكأن الذين كتبوا التوراة لم يريدوا منح الشيطان أهمية كبيرة ،ألن قصة اإلنسان ال تدور حول صراعه مع الشياطين بل حول صراع بني إسرائيل مع بقية البشر.
وفي األسفار التوراتية (المنحولة) والتلمودية التي ظلت ُتكتب حتى نهاية القرن الثاني الميالدي وبتأثير كبير
من الفلسفات الشرقية [انظر مقال اليهودية] ،برز دور الشيطان بقوة ،فاعتبروا إبليس “مالكا ساقطا” اسمه
عزازيل ،حيث عصى ربه فُأبعده عن مملكة السماء مع مئتي مالك تمّكن من إغوائهم ،فتحول إلى شيطان
يعارض إرادة الرب ،ثم اشتهت بعض المالئكة الساقطة معه عددا من نساء البشر فتزوجوهن ،وولدن لهن
ساللة مميزة من العمالقة الذين عاثوا في األرض فسادا ،وهنا أرسل الرب نبيه أخنوخ (وهو إدريس عليه
السالم) مع مجموعة من المالئكة السماوية لعقابهم ،ويقول لهم الرب إن أرواحهم الشريرة ستظل حبيسة
األرض بعد موت أجسادهم ،بينما تمت ترقية إدريس إلى مستوى المالئكة بعد أن ُعرج به إلى السماء عدة
مرات والتقى بكل المالئكة على مختلف درجاتهم وأصبح اسمه المالك مطاطرون.
ومع أن تفاصيل سقوط عزازيل تأتي في عدة روايات ،إال أنها تنتهي إلى أن يصبح كائنا مواجها لإلله يهوه،
وكأنه ند له .ففي السفر المنحول المسمى باليوبيليات (الخمسينات) تصبح العالقة بين يهوه وإبليس متفاوتة بين
التقييد واإلطالق لمتابعة مهامه ،والعجيب أن إبليس هذا كان قادرا على خداع الرب في بعض الحاالت.
رسم تخيلي لعزازيل يعود للقرن التاسع عشر
أما عند القبااله فأصبح إلبليس (عزازيل) دور أكبر وأخطر ،ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري إنه امتداد لألفكار الوثنية الغنوصية التي أخذها القباليون من
األساطير الثنوية (مثل المانوية والمجوسية) التي تؤمن بإلهين متضادين أحدهما للخير واآلخر للشر ،فأصبح القباليون يقدمون أدعية وصلوات للشيطان لتجنب
شره ،ويقدمون له القرابين في األيام السبعة األولى من عيد المظال باعتباره حاكم األغيار (غير اليهود) ،لكي ينشغل عنهم ،ثم يقدمون القرابين لمعبودهم يهوه في
اليوم الثامن[ .موسوعة اليهود]300 /14 ،
وبينما تنظر األديان التوحيدية (المسيحية واإلسالم) إلى المالئكة على أنها مخلوقات نورانية تقوم بمهام أوكلها إليها هللا ،فإنها في األديان الحلولية (اليهودية
والقبااله) تصبح جزءا من اإلله ووسطاء له ،وهو موكلة بتصريف كل شؤون الكون مثل إنزال المطر وتحريك الكواكب وإنبات العشب ،لذا يشار إلى المالئكة في
التراث العبري بأنهم أبناء اإلله “بنو إلوهيم” .وبما أن اليهودية اعتبرت الشيطان إبليس من المالئكة ،فقد تم منحه من البداية منزلة عليا ،فالشياطين في ُعرفهم ليسوا
صنفا آخر من الكائنات التي تدعى بالجن كما هو واضح في اإلسالم ،بل هم مجرد مالئكة عصوا األوامر.
وفي اليهودية األرثوذكسية نجد صلوات موجهة للمالئكة ،وهو أمر تطور لدى القبااله الذين منحوا المالئكة منزلة أعلى ،واستخدموا أسماءهم في التمائم والتعاويذ،
وجعلوا لهم إرادة مستقلة عن إرادة اإلله مثل الشيطان عزازيل ،على نقيض ما هو معروف في اإلسالم الذي ينص على أن المالئكة “ال يعصون هللا ما أمرهم
ويفعلون ما يؤمرون” [سورة التحريم ،]6 :وهكذا تالشت الحدود الفاصلة لدى القبااله بين الشياطين والمالئكة ،وأصبحت جميعها كائنات مستقلة ذات قدرات خارقة
في تسيير الكون والتأثير في اإلنسان.
ويقول مؤلف كتاب الزوهار إن المالئكة تمتلك طبيعتين ،خيرة وشريرة ،حيث حاول األشرار منهم منع أخنوخ (إدريس) من الوصول إلى أعالي السماء أثناء
عروجه لكن المالئكة الخّيرة ساعدته .ويضيف أن أخنوخ تمكن من تطهير نفسه من بذرة الشر الموجودة في كل إنسان حتى ترقى إلى درجة األلوهية فمنحه الرب
درجة رئيس المالئكة وسماه مطاطرون.
ويزعم الحاخام أفراهام (في موقع بيت مدراش اإللكتروني) أن أخنوخ ترك تعاليمه في كتب سرية وأوصى بعدم كشفها إال لمن يفهمها ولمن لديه معرفة كافية بعلم
الفلك (التنجيم) من أبنائه ،متوعدا بعقوبة الطرد لمن يخالف ذلك كما ُطرد آدم من الجنة.
ويبدو أن هذا التدرج في فهم المفهوم القبالي للمالئكة والشياطين انتهى إلى تأليه الشياطين وتقديمها على المالئكة الخّيرة ،لما تتمتع به من قدرات خارقة يراها
ممارسو السحر بأنفسهم عبر اتصالهم بالشياطين وتعاونهم معهم ،وعبر المعارف الكونية التي اقتبسها القباليون من الشياطين الذين يتمتعون بأسبقية على البشر في
الوجود الزمني وفي القدرة على االنتقال المكاني.
وحسب بعض التأويالت ،أدخل القباليون في سحرهم نصوصا من كتاب المزامير ،وهو كتاب أوحى به هللا إلى النبي داود عليه السالم الذي كان مؤسس مملكة
إسرائيل ،فأصبحوا يكتبون بعض المزامير بطرق معينة ويضيفون عليها طالسم سحرية ،ويزعمون أن لها قدرات خاصة.
لكن المصادر اليهودية القّبالية تنفي أي عالقة لها بالسحر ،بل تسَخر من هذه األقوال وتزعم أنها مجرد اتهامات لتشويهها .وبما أن اليهود
والقباليين والحركات السرية قد سيطروا على معظم وسائل اإلعالم والمؤسسات العلمية في الغرب بشكل تراكمي منذ بداية حركة
النهضة في إيطاليا واندالع الثورة الفرنسية وحتى اليوم ،فإن الفكرة الشائعة اليوم هناك هي أن اليهودية والقبااله بريئتان من السحر
كبراءة الذئب من دم يوسف.
وال يشذ عن هذه القاعدة في الغرب سوى الناشطين ضد الحركات السرية ،وهم في معظمهم من الكاثوليك المتدينين ،إضافة إلى بعض
الماسون المتمردين ،ومنهم اليهودي وليام شنويبلين William Schnoebelenالذي انشق عن الماسونية ،ويقر بأن القبااله هي العنصر
شنويبلين األساسي في كل أنظمة السحر الحديثة ،وأن معظم السحرة والمشعوذين الكبار في القرن العشرين كانوا من القباليينThe Dark Side[ .
.]of Freemasonry, 267
يعتبر “سفر رازيل هامالخ” من الكتب القبالية التي ظهرت بالتزامن مع ظهور الزوهار في القرن الثالث عشر ،وهناك خالف حول أصوله ومصدره ،فهو
مكتوب بالعبرية واآلرامية ويتضمن أسطورة فريدة عن سقوط المالك “رازيل” من السماء لتعليم آدم وإبراهيم أسرار الكون ،لذا يتضمن الكتاب الكثير من
المعارف الفلكية ،ويربطها بمفاهيم الطاقة الروحية المعروفة لدى الباطنيين ،ويجعلها محور الوجود.
يتضمن الكتاب أيضا أسطورة عن امرأة تدعى ليليث ،ويقول إنها الزوجة األولى آلدم قبل حواء ،حيث تمردت عليه وأصبحت عشيقة الشيطان ،وُيعد الكتاب من
المصادر النفيسة للسحر واألساطير الغنوصية.
يعتقد باحثون أن هذا السفر ظهر على يد فرسان الهيكل الذين جلبوه من حفرياتهم في القدس أثناء الحروب الصليبية ،وأنه يتضمن أسرارا سحرية خطيرة.
ويجدر بالذكر أن ليليث أصبحت رمزا في الحضارة الغربية للتمرد النسوي ،وُيرمز لها بالبومة التي تحتل مركزا مهما في طقوس بعض الجمعيات السرية،
حيث نجد صورة مصغرة لها بين خفايا الدوالر ،كما يوجد تمثال عمالق لها في الغابة البوهيمية بالواليات المتحدة حيث يقال إن القرابين ُتقدم لها بحضور النخبة
السياسية والمالية.
اشتهر جميع مؤسسي الجمعيات السرية الحديثة بتلقيهم علوم القبااله على يد كبار أساتذتها ،وعلى رأسهم اليوناني فيثاغورس الذي رحل إلى المشرق قبل الميالد
بنحو خمسة قرون وتتلمذ على يد حاخامات القبااله ،ثم أسس جمعيته السرية في كروتونا بجنوب إيطاليا التي أصبحت المرجع الرئيسي للحركات السرية في الغرب
كله [انظر مقال الجمعيات السرية].
وفي العصر الحديث ،يظهر أثر القبااله الواضح في كتابات هيلينا بالفاتسكي مؤسسة جمعية الحكمة اإللهية ،وأليستر كراولي
مؤسس جمعية الفجر الذهبي ،وألبرت بايك األستاذ األعظم للمحافل الماسونية في أميركا بمنتصف القرن العشرين ،حيث
مارسوا جميعا السحر بدرجات مختلفة.
كما يظهر بوضوح تغلغل القبااله في الجمعيات السرية عن طريق عبادة كهنتها للشيطان الذي بات ُيعرف باسم “لوسيفر” ،وهي
كلمة التينية وردت في الكتاب المقدس وتعني حامل الضياء.
ولعل بايك هو أكثر هؤالء وضوحا في الكشف عن ارتباط القبااله والجمعيات السرية
بالشيطان وعبادتها له ،فيقول في كتابه “األخالق والعقيدة” Morals and Dogmaإن
بالفاتسكي “االسم الحقيقي للشيطان ،كما يقول القباليون ،هو نقيض يهوه (الرب عند اليهود )Yahveh؛
ألن الشيطان ليس إلها أسود ،بل هو نقيض الرب .Godالشيطان هو تجسيد لإللحاد والوثنية.
وللمبتدئين ،هو ليس شخصا بل قوة ُخ لقت ألجل الخير ،لكنها قد تخدم الشر ،إنه أداة الحرية
واإلرادة الحرة” [.]Morals and Dogma, 102
وهناك نص متداول بكثافة في الكثير من المراجع منسوبا إلى بايك ،ويقال إنه ورد في إحدى
ألبرت بايك رسائله إلى رؤساء المحافل الماسونية الكبار ،ويقول فيه إن لوسيفر هو ند اإلله (أدوناي)،
وإن المسيحية (وكذلك األديان التوحيدية كلها) حاولت قلب هذه “الحقيقة” ألن أدوناي يكره
اإلنسان فحرمه من المعرفة وطرد لوسيفر من الجنة ألنه دله عليها ،لذا فإن أتباع الدرجات 31و 32و 33في الماسونية يعبدون لوسيفر مباشرة ،بينما يتركون بقية
أتباع الدرجات الدنيا غائبين عن هذه “الحقيقة” التي يعتبرونها السر األعظم للوجود .لكن المناوئين يقولون إن هذه الرسالة مختلقة من قبل الصحفي الفرنسي ليو
تاكسيل (وفي )1907وإنه ال يوجد دليل على صحتها ،وال يزال الجدل قائما بين الطرفين حتى اآلن ،وقد يستحيل البّت في األمر ألن الماسونية قائمة أساسا على
السرية ونقض كل ما يشاع عنها من مؤامرات[ .انظر مادة Luciferianism في موسوعة ويكيبيديا]
من جهة أخرى ،نرى أثر القبااله في الماسونية عبر رمز المثلث الذي تتوسطه أو تتربع على قمته “العين التي ترى كل شيء”
،All Seeing Eyeوهي ترمز إلى عين لوسيفر المطلعة على كل شيء وينبع منها النور ،بحسب الكثير من المؤرخين
والباحثين .وقد تم استيراد المثلث على األرجح من مثلث قّبالي ُيكتب فيه اسم يهوه (اإلله) ،حيث كان اليهود يعتبرون هذا االسم
مقدسا وال يجوز ألحد أن ينطق به إال الحبر األعظم داخل قدس األقداس بهيكل سليمان ،أما القباليون فيعتبرون اإلله قد تجلى عبر
ثالثة مراحل (كما هو حال األديان الغنوصية األخرى) فكان في آخر مرحلة يدعى بالنور الالنهائي (بالعبرية :عين صوف أور)،
وهو النور الذي ُيرمز له بالمثلث ،ولكن يبدو أنه مع االنتقال إلى عبادة الشيطان لوسيفر رسموا عينه داخل مثلث الوجود اإللهي
العين والهرم على الدوالر بدال من وضع اسم اإلله يهوه.
في كتابه “شفرة سورة اإلسراء” ،يرصد المؤلف بهاء األمير مالمح انتقال القبااله ومشروعها السري لتحريف الوحي وإفساد
البشرية عبر الزمان والمكان ،وال سيما في الهند التي تشربت أفكار القبااله وأعادت توليدها في أساطير البراهمية الهندوسية ،ثم في بعض األعمال األدبية التي
انتشرت في المشرق اإلسالمي مثل ألف ليلة وليلة ،وصوال إلى الغرب الذي تشبع عقله ووجدانه بأفكار القبااله دون أن يدري.
القبااله والمشاهير
بعد أن كانت طقوسا سرية على مدى قرون ،انتهجت القبااله نهج االنفتاح على شاكلة الماسونية ،فقدم
القباليون أنفسهم على أنهم رعاة الحكمة القديمة وسدنة أسرارها المحفوظة من أجل صالح البشرية
كلها ،وبدأوا بافتتاح المدارس والمعاهد لتعليم الراغبين بفهم علوم القدماء ،مع أن ما يتم تلقينه للناس
-وهم غالبا من الغربيين الذين تشكلت عقولهم في بيئة فارغة من الروحانيات والعقائد -ليس سوى
قشور القبااله وليس أسرارها.
يحرص القباليون أيضا على استقطاب النجوم ومشاهير الرياضة والفن كما هو حال منظمة
كوتشر (وسط) يحضر جنازة الحاخام القبالي فيليب “المتنورين” الماسونية ،وال سيما المغفلين منهم ،ففي إحدى المقابالت التلفزيونية أرادت الممثلة
بيرغ في صفد عام 2013 الهوليودية ديمي مور أن تستعرض اهتماماتها الجدية فقالت إنها منكبة على تلقي دروس “حكمة
القبااله” ،ووافقها المذيع بأمارات اإلطراء والتشجيع.
ويمكن للمتابع أن يالحظ غلبة الغفلة والسطحية لدى المشاهير الذين استقطبتهم القبااله ،ومن أبرزهم العب لاير مدريد السابق ديفيد بيكهام وزوجته المطربة
فيكتوريا ،وعارضتا األزياء ناعومى كامبل وباريس هلتون ،ومغنية البوب مادونا التي اتخذت االسم اليهودي “إستر” مرادفا السمها ،والممثل آشتون كوتشر الذي
زار مراكز القبااله في تل أبيب وصفد عام 2013وقال “إن إسرائيل قريبة وعزيزة على قلبي” ،وغيرهم كثير.
ويعلن هؤالء المشاهير وغيرهم الوالء للقبااله بارتداء “تميمة حمراء” على معاصمهم ،وهي خيط من الصوف األحمر يتم اقتطاعه من خيوط طويلة يلفها القباليون
حول قبر راحيل في فلسطين ،بزعمهم أن هذا الفعل يشحن الطاقة التي يبثها القبر ،ثم يقسم الخيط ويباع حول العالم .علما بأن بعض مواقع القبااله تعترض على هذه
الظاهرة وتعتبر أنها تشوه أسرار وحكمة أسالفهم.
ليوناردو دي كابريو (يمين) وأشتون كوتشر يرتديان التمائم الحمراء
أهم المراجع
عبد الوهاب المسيري ،موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ،دار الشروق ،القاهرة.
هدى درويش ،نبي هللا إدريس بين المصرية القديمة واليهودية واإلسالم ،دار السالم ،القاهرة.2009 ،
محمد حمزة الكتاني ،مفهوم الخالص في الديانة اليهودية ،دار الكتب العلمية.2012 ،
علي الرشيدي ،إرواء الظمآن بأخبار الشيطان ،الدار العالمية ،اإلسكندرية.2014 ،
Martin Malachi, The Keys of This Blood: Pope John Paul II Versus Russia and the West for Control of the New World
.Order, Simon & Schuster, New York, 1990
http://www.kabbalahmedia.info
http://www.learnkabbalah.com
http://www.livekabbalah.org
http://www.jewfaq.org