You are on page 1of 11

‫‪1‬‬

‫القَّبااله (الكاباال)‬
‫|‬
‫يدل مصطلح القّبااله على مذهب يهودي باطني (غنوصي) في تفسير الكتاب المقدس يقوم على افتراض أن لكل كلمة ولكل حرف معنى خفيا‪ ،‬ويتضمن نظريات‬
‫مستوردة من فلسفات أخرى لتفسير وفهم الخلق وطبيعة البشر وحقيقة الروح والقدر‪ ،‬ويحاول أتباعه اليوم نشره عالميا بمعزل عن الدين اليهودي بحيث ُيقدم كفلسفة‬
‫روحانية يمكن اعتناقها دون أن يغير المرء دينه‪.‬‬

‫يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعة اليهودية إن القبااله هي مجموعة التفسيرات والتأويالت الباطنية والصوفية عند اليهود‪ ،‬فاسمها مشتق من كلمة‬
‫عبرية تفيد معنى التواتر أو القبول أو التقبل أو ما تلقاه المرء عن السلف‪ ،‬أي «التقاليد والتراث»‪ ,‬وكان ُيقصد بها أصًال تراث اليهودية الشفوي المتناقل فيما يعرف‬
‫باسم «الشريعة الشفوية»‪ ،‬ثم أصبحت الكلمة تعني منذ أواخر القرن الثاني عشر «أشكال التصوف والعلم الحاخامي المتطورة»‪ ،‬وقد أطلق العارفون بأسرار القَّبااله‬
‫على أنفسهم لقب “العارفين بالفيض الرباني”‪ ،‬ويمكن القول إن هذا المذهب يمثل الجانب الصوفي الباطني لليهودية‪[ .‬موسوعة اليهودية‪.]17 /14 ،‬‬

‫ويجدر بالذكر أن هناك أنواع من الباطنية (التصوف العرفاني) تحرص على البقاء في نطاق توحيد هللا وتنزيهه عن االندماج بالمخلوقات‪ ،‬فاإلله بهذا المعنى يتجاوز‬
‫اإلنسان والكون والتاريخ‪ ،‬ويحاول المتصوف من خالل مجاهدة شهواته وعشقه لإلله أن يتقرب منه‪ .‬لكن هناك نوعا آخر للتصوف ينتهي به الحال إلى “وحدة‬
‫الوجود” و”الحلولية”‪ ،‬حيث يؤمن‪ ‬بالواحدية الكونية وبأن اإلله يحل في الطبيعة واإلنسان والتاريخ ويتوحد معها‪ ،‬وبدال من المجاهدة والزهد يهتم المتصوف هنا‬
‫بالفلسفة الباطنية التي يحاول فيها تفسير اندماجه باإلله وتأّلهه‪ ،‬فهذا التصوف أقرب للعلمنة من الدين ألنه يسعى لتعظيم اإلنسان وتأليهه بدال من تكريس عبوديته هلل‪.‬‬

‫ونجد أثر هذا المذهب الحلولي الغنوصي في بعض أشكال التصوف الفلسفي داخل أديان عدة بما فيها اإلسالم‪ ،‬لكنه في القبااله يبلغ أقصى درجات التطرف حتى‬
‫يصبح ضربا من محاوالت التدخل في اإلرادة اإللهية‪ ،‬أمال في أن يتمكن اليهودي المتصوف من التحكم في الكون من خالل االندماج باإلله وفهم آلية عمل الكون‬
‫وسر الخليقة‪[ .‬الغنوصية‪ ‬في‪ ‬اإلسالم‪ ،‬ص‪.]11-7‬‬

‫“ليس هناك تقشف في الكاباال (القبااله)‪ ،‬فيجب أن يعيش حياته”‪.‬‬




‫كتاب علم الكاباال للمبتدئين‪ ،‬ص ‪.26‬‬

‫يبدو أن هذا الفكر الغنوصي المتطرف هو الذي مّه د لحركات اإللحاد في عصر النهضة المستمرة حتى اليوم‪ ،‬والتي زعمت أن‬
‫اكتشاف قوانين نيوتن وغيرها من السنن الكونية الفيزيائية يبرر تأليه اإلنسان وعدم احتياجه لإلله‪ .‬وهذا ما يؤكده الفليسوف اليهودي‬
‫باروخ إسبينوزا الذي تأثر بالصوفية الحلولية واعتبر أن حلول اإلله في المادة يسمح للطبيعة بأن تصبح هي اإلله‪ ،‬وأن الصوفي‬
‫صاحب العرفان يصبح قادرًا على التحكم في اإلله والطبيعة والكون‪.‬‬

‫ويمكننا هنا أن نرى مالمح “سوبرمان” الذي اخترعه الفيلسوف األلماني نيتشه‪ ،‬فهو الذي أطلق فكرة “موت اإلله” وقدرة اإلنسان‬
‫على التحكم بالعالم‪ ،‬وهو أيضا الذي مّه د لألفكار النازية المتطرفة التي ال تؤمن إال بإرادة القوة وتتجاوز أخالق الضعفاء‪ ،‬كما يمكننا‬
‫إسبينوزا‬ ‫أن نلمس آثار القبااله في نظرية عالم النفس النمساوي اليهودي سيغموند فرويد‪ ،‬فقد وضع تعريفاته لما يسمى باألنا “إيغو” وفقا‬
‫لمفاهيم القبااله للنفس البشرية‪.‬‬

‫في كتابه “مفاتيح هذا الدم” ‪ The Keys of This Blood‬يكشف القس الكاثوليكي والبروفسور في جامعة الفاتيكان مالخي مارتن األثر‬
‫الذي تركته الغنوصية القّبالية في العقل األوروبي على يد حركة النهضة اإليطالية‪ ،‬حيث تعاونت مع الماسونية العالمية على نشر الفلسفة‬
‫اإلنسانوية “الهيومانية” المادية التي تستغني في جوهرها عن اإلله‪.‬‬

‫في كتابه “القبااله وما بعد الحداثة” يؤكد المؤلف “سانفورد إل درور” تأثر الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا بالقبااله‬
‫في وضع أفكاره للفلسفة التفكيكية‪ ،‬ومن المعروف أن فلسفات ما بعد الحداثة انتهت إلى العدمية والسفسطة‪ ،‬فهي تنتقد‬
‫اإليمان بالمطلقات وتميل إلى التشكيك والنقد‪.‬‬

‫يقول باحثون متخصصون في الغوص بأسرار القبااله إن هناك جزءا خفيا وراء ما يعلنه “حكماؤها” من االندماج‬
‫باإلله‪ ،‬فالحقيقة هي أن فكرة االتحاد باإلله تطورت إلى االتحاد بالشيطان نفسه عبر السحر‪ ،‬وذلك بعد أن تداخلت‬
‫العقيدة اليهودية الحلولية باألفكار الثنوية (ثنائية اإلله)‪ ،‬فنتجت فكرة تأليه إبليس كإله أرضي مقابل لإلله السماوي‪ ،‬ومن ثم فإن إبليس وشياطينه يقدمون لهم عبر‬
‫طقوس السحر ‪-‬من باب التضليل‪ -‬من الخدمات والقدرات الخارقة ما يكفي لالعتقاد بألوهيته‪ ،‬لكن هذه األسرار ال ُتكشف إال لمن يرتقي إلى أعلى الدرجات كما هو‬
‫حال الجمعيات السرية التي تستمد بناءها الفكري من القبااله‪ ،‬في حين يعلن بعض أتباعهم أن السحر ليس إال علما خاصا أنزله الخالق إلى البشر عن طريق األنبياء‬
‫ليبلغوه إلى الحكماء‪[ .‬مفهوم الخالص في الديانة اليهودية‪.]94 ،‬‬

‫القبااله والعلم‬


‫يجاهر معلمو القبااله في العصر الحديث بأن كتبهم القديمة تضمنت الكثير من أسرار الكون التي لم ُيكشف عنها إال في هذا العصر‪،‬‬
‫وأن علماء الغرب تعلموا القبااله قبل أن يكتشفوا قوانين الطبيعة‪ ،‬فهم يؤكدون أن اكتشافات فيثاغورس الرياضية وفلسفة أفالطون‬
‫وأرسطو استندت إلى أسرار القبااله‪[ .‬موقع حكمة الكاباال]‪.‬‬

‫ومع بدء النهضة في القرن الخامس عشر كان اإليطالي ليوناردو دافنشي منكبًا على دراسة القبااله‪ ،‬وما زال مؤرخون غربيون‬
‫يتساءلون عن مصدر عبقريته المفاجئة التي أنتجت مخترعات غير مسبوقة ورسوما تشريحية لتفاصيل جسم اإلنسان واألجنة في‬
‫األرحام‪ ،‬حيث تقول بعض المصادر إن أفكاره اإلبداعية السابقة لزمانها لم تظهر إال بعد أن اعتزل الناس سنتين في أحد الكهوف وفقا‬
‫دافنشي‬
‫لما ورد في بعض أوراقه‪ ،‬ما دفع البعض الفتراض اتصاله بكائنات فضائية لديها حضارة متقدمة‪ ،‬بينما ال نستبعد ‪-‬إن صحت الرواية‪-‬‬
‫أن يكون قد اتصل بعالم الشياطين عبر بوابة القبااله السحرية‪ .‬لكن آخرين يرون أن ما ذكره دافنشي عن دخوله الكهف لم يكن سوى‬
‫استعارة مجازية‪[ .‬موقع الماركسي]‪.‬‬
‫خريطة مطابقة للواقع رسمها دافنشي لمدينة إيموال اإليطالية وكأنه ينظر إليها من السماء‬

‫وفي كتابه “دين إسحاق نيوتن” يقول المؤلف فرانك مانويل إن عاِلم الرياضيات والفيزياء الشهير نيوتن (القرن السابع‬
‫عشر) كان يؤمن بأن النبي موسى لم يتلق التوراة فقط بل أوحيت إليه أيضا قوانين التحكم بالطبيعة‪ ،‬لذا انشغل نيوتن‬
‫بحل ألغاز القبااله واكتشاف العالقة بين بناء “خيمة االجتماع” التي كان يحملها بنو إسرائيل أثناء التيه وبين بنية الكون‪.‬‬
‫[‪.]The Religion of Isaac Newton, 364‬‬

‫كما كتب رائد الرياضيات الحديثة األلماني غوتفريد اليبنتز (القرن الثامن عشر) أن المدينة الفاضلة “يوتيوبيا” يجب أن‬
‫تبنى على أساس مفاهيم القبااله التي ُتشتق منها كل العلوم‪[ .‬انظر كتاب‪.]Leibniz And The Kabbalah :‬‬

‫أما ماكس ديمونت فيقول في كتابه “اليهود‪ ،‬هللا والتاريخ” إن أبرز علماء القرن السابع عشر في أوروبا كانوا قد تتلمذوا‬
‫على يد معلمي القبااله‪ ،‬وإنهم لم يجدوا مشكلة في الخلط بين ألغاز القبااله والخيمياء والعلوم التجريبية كما كان يفعل‬
‫جميع أتباع الجمعيات السرية‪ ،‬مؤكدا أن القبااله هي التي قادت إلى النهضة العلمية في ذلك العصر‪ .‬لذا ال نستبعد أن تلك‬
‫النهضة العلمية التي تسارعت بطريقة غير مسبوقة في تاريخ البشرية لم تكن نتيجة تراكم علمي تجريبي بحت‪ ،‬بل‬
‫نيوتن‬ ‫انطلق العلماء أساسا في تجاربهم مما اكتسبوه من عوالم القبااله وما يسمى بالحكمة القديمة‪Jews, God and[ .‬‬
‫‪.]History, 292‬‬

‫في هذا المقطع القصير‪ ،‬يتحدث عدة علماء معاصرين عن أسبقية القبااله في الكشف قبل آالف السنين عن نظريات علمية حديثة‪ ،‬مثل تكوين الذرة وتشريح‬
‫اإلنسان ونشأة الكون عبر االنفجار العظيم‪.‬‬
‫‪ALAH‬‬

‫تاريخ القبااله‬
‫يزعم القباليون أن فلسفتهم قديمة قدم البشرية‪ ،‬وأنها بدأت مع آدم عليه السالم نفسه‪ ،‬ثم نقلت عنه إلى نوح عليه السالم‪ ،‬ثم إلى النبي إبراهيم عليه السالم الذي يقولون‬
‫إنه تأمل في عظمة ومعجزة الوجود اإلنساني وبنية الكون وعمل قوانين الطبيعة فظهر له العالم األعلى من خالل الوحي واإللهام‪ ،‬فقام بنقل جزء من أسرار هذه‬
‫المعرفة إلى أتباعه الذين نقلوها بدورهم شفهيا عبر األجيال‪ ،‬كما كان كل معلم يضيف براهين تجربته الشخصية‪[ .‬موقع حكمة الكاباال]‪.‬‬

‫ويؤمن المسلمون واليهود بأن النبي موسى تلقى التوراة عن ربه في جبل الطور بسيناء‪ ،‬لكن القباليين زعموا أنه ذهب إلى الجبل ثالث مرات‪ ،‬مدة كل منها ‪40‬‬
‫يوما‪ ،‬حيث تلقى في األولى نصوص الشريعة الظاهرية التي تم تدوينها في التوراة ويتم تعليمها للعوام من بني إسرائيل‪ ،‬وفي الثانية تلقى روح الشريعة التي يتعلمها‬
‫األحبار (الحاخامات)‪ ،‬أما الثالثة فتلقى فيها روح روح الشريعة‪ ،‬أي األسرار الخاصة بعلماء القبااله‪ ،‬ويزعمون أن موسى أخفاها في النصوص وال يتم فهمها إال‬
‫باستخدام شفرات معينة وعبر التأمل الخاص‪.‬‬

‫خالل تعرض اليهود للسبي البابلي‪ُ ،‬نسبت إلى حزقيال رواية وردت في سفر يحمل اسمه‪ ،‬حيث تقول إنه رأى رؤيا عن صعوده إلى‬
‫السماء تمكن فيها من رؤية اإلله على عرشه‪ ،‬فاستفاد القباليون من هذه القصة البتكار عقيدة رؤية اإلله واالتحاد فيه‪ ،‬وفي عام‬
‫‪ ٥۸٦‬قبل الميالد بدأوا بتدريس القبااله ضمن مجموعات صغيرة من التالميذ‪.‬‬

‫وعندما سيطر الرومان على أرض فلسطين واضطهدوا بني إسرائيل عادت القبااله إلى السرية‪ .‬ويقولون إن الحاخام شمعون بن‬
‫يوحاي والملقب “بالراشبي” بدأ مرحلة جديدة عام ‪ 150‬بعد الميالد‪ ،‬حيث اختفى في كهف لمدة ‪ 13‬سنة بعد أن تعرض أستاذه‬
‫عاكيفا وزمالؤه للقتل من قبل الرومان‪ ،‬ثم خرج الراشبي ومعه كتاب الزوهار زاعما أن النبي إيليا (إلياس) عليه السالم ظهر له‬
‫خالل اعتكافه وأماله عليه كلمة كلمة‪ ،‬كما زعم أنه طّبق ما أماله عليه بنفسه وترقى إلى أعلى درجات العالم الروحي متخطيا كافة‬
‫شمعون بن يوحاي‬ ‫درجات السّلم البالغ عددها ‪ 125‬التي وضعها اإلله‪ ،‬والتي بإمكان اإلنسان إحرازها في هذا العالم‪.‬‬

‫ويقولون إن الزوهار ظل مخفيا وال ُيتداول إال بالسر حتى نشر القبالي موسى بن ليون أول نسخة‬
‫منه في القرن الثالث عشر في إسبانيا‪ ،‬بينما يرى بعض المؤرخين أن بن ليون هو الذي ألف‬
‫الزوهار ونسبه إلى القرن الثاني بعد الميالد مدعيا أن الراشبي تلقاه عن النبي إيليا‪[ .‬موقع حكمة‬
‫الكاباال]‪.‬‬

‫وقبل ظهور الزوهار بقليل‪ ،‬كان القباليون يعتمدون كتاب “الباهير” (اإلشراق) الذي ال ُيعرف على‬
‫وجه الدقة مؤلفه‪ ،‬لكن بعض المصادر تقول إن الحاخام إسحاق األعمى جمعه من مخطوطات قديمة‬
‫وطرحه في فرنسا حوالي عام ‪1200‬م‪ ،‬وهو يصنف ضمن كتب السحر‪.‬‬
‫مخطوط ُيعتقد أنه يصور‬
‫الزوهار‬
‫إسحاق األعمى‬
‫يقسم كتاب الزوهار مراحل تطور اإلنسانية على مدار ستة آالف سنة‪ ،‬حيث تتطور خاللها النفس‬
‫البشرية بمراحل من النمو في كل جيل‪ ،‬وصوال إلى “نهاية مراحل التصحيح” وهي المرحلة‬
‫األعلى في الكمال والروحية‪.‬‬
‫ونجد أثر هذه الفكرة اليوم لدى مفكرين يعتنقون أيديولوجيات مختلفة‪ ،‬فالمفكر الفرنسي “أوغست كونت”‬
‫استخدمها في القرن التاسع عشر لتبرير التخلي عن الدين على اعتبار أن البشرية تنمو تاريخيا كما ينمو الفرد من‬
‫مرحلة الطفولة إلى النضج‪ ،‬وهكذا ينتقل البشر من المرحلة الالهوتية إلى الميتافيزيقية وصوال إلى الوضعية التي‬
‫تنفي وجود أي علة إلهية للظواهر الطبيعية‪ .‬كما استخدم بعض اإلسالميين (مثل مصطفى العقاد وجودت سعيد)‬
‫هذه الفكرة لوضع فرضية مفادها أن اإلنسان كان يحتاج إلى الوحي في مراحل سابقة بينما أصبح اليوم (بعد انتهاء‬
‫فترة النبوات) مكتفيا بالعقل‪.‬‬

‫والملفت أننا نجد في أدبيات الحركات السرية الفكرة نفسها‪ ،‬والتي تقول إن اإلنسان في هذا العصر يزداد نضجا بما‬
‫يمهد لخروج المسيح المنتظر (الدجال الذي قال النبي محمد صلى هللا عليه وسلم إن كل األنبياء حذروا منه) لتحقيق‬
‫االستنارة المرتقبة لإلنسان‪ ،‬بينما يزعم أتباع الديانة اإلبليسية أن إبليس يوحي لهم بأن وقت ظهوره اقترب بعد‬
‫انتظار آالف السنين ريثما يكتمل نضج اإلنسان‪.‬‬

‫وبحسب مراجعهم‪ ،‬بدأ إسحاق لوريا‪ ،‬ولقبه “اآلري”‪ ،‬مرحلة أخرى في القرن السادس عشر عندما‬
‫وضع أسسا جديدة للقبااله التي أصبحت تدعى بالقبااله اللوريانية (نسبة إليه) حيث جعل منها مدخال‬
‫لعلم الالهوت والفلسفة وعلم النفس‪ ،‬وبذلك اكتمل البناء الفكري للقبااله لتصبح نسقا أيديولوجيا يمكن‬
‫من خالله التأثير على علوم إنسانية شتى‪ ،‬فكان له دور كبير في تطوير أفكار الحركات السرية‬
‫الشيطانية‪ ،‬وعلى رأسها الماسونية في القرن الثامن عشر وجمعية الثيوصوفيا في القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫[موقع حكمة الكاباال]‪.‬‬

‫ومن مؤلفاته “شجرة الحياة” و”مداخل النوايا” و”مراحل دورة النفس”‪ ،‬وهي كتب تركت أثرا في‬
‫فلسفة هيغل ونظريات فرويد‪ .‬وقد فتح لوريا المجال جزئيا أمام العامة من الناس لدراسة القبااله‪ ،‬ومن‬
‫قبر إسحاق لوريا في صفد‬ ‫الطريف أنه طلب عند موته عدم نشر مؤلفاته للعامة قبل حلول الوقت المناسب لنشرها‪.‬‬

‫تقول مصادر القبااله إن الرواد تعمدوا السرية ألنهم علموا أن أجيالهم لم تكن على قدر كاف من‬
‫الوعي‪ ،‬بل إن بعضهم أحرقوا ما بين أيديهم من مدونات كي ال يتضرر بها العالم المادي لعدم قدرته على تحمل آثارها‪ ،‬ولكن مع حلول منتصف القرن الثامن عشر‬
‫أصبحت دراسة الزوهار شائعة جدا بين العامة وخاصة في بولندا وروسيا والمغرب والعراق واليمن‪[ .‬موقع حكمة الكاباال]‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ۱٩٤٣‬بدأ المحامي اليهودي يهودا أشالغ بتأليف كتاب “الشرح الُسّلمي ‪ ‬لكتاب الزوهار ولتعاليم اآلري”‪ ،‬وذلك بعد هجرته من بولندا إلى فلسطين‬
‫وتفرغه للتأمل في تراث القبااله‪ ،‬وصار لقبه “صاحب الُسّلم” ألنه فّص ل طريقة ترقي درجات السّلم المئة والخمسة والعشرين‪ ،‬ثم جاء من بعده ابنه باروخ شالوم‬
‫أشالغ‪ ،‬ولقبه “راباش”‪ ،‬ليضع سلسلة مقاالت وشروح جديدة‪ ،‬حيث أصبحت مع كتاب أبيه المصدر الرئيس اليوم لفهم الزوهار‪ ،‬ال سيما وأنها تحاول التوفيق بين‬
‫القبااله ومكتشفات العصر الحديث‪.‬‬

‫فلسفة الخلق واالتحاد‬


‫استلهم القباليون كما أسلفنا من سفر حزقيال ممارساتهم الباطنية التي يهدفون من خاللها إلى رؤية اإلله واالتحاد فيه‪ ،‬ثم تطور األمر على يد شمعون بن يوحاي‬
‫الذي وصف في “الزوهار” طريقة الترقي في السماء واختراق البوابات التي تحرسها المالئكة‪ ،‬وذلك بتعلم أسرار الحروف واألعداد‪ ،‬وصوال إلى العرش‪.‬‬

‫وخالل تلك الفترة ظهر كتاب اسمه “سفر يتزيراه” (كتاب الخلق) لمتصوف يهودي مجهول‪ ،‬شرح فيه نظريته عن خلق هللا للكون عبر تشكيل ‪ 20‬حرفًا من‬
‫األبجدية العبرية‪ ،‬حيث زعم أن هللا ينطق بالعبرية ويشكل منها الموجودات عبر دمج الحروف‪.‬‬

‫لذا اهتم القباليون بما يسمى حساب الجّم ل (جماتريا) واالختصارات (نوطيرقون)‪ ،‬وأصبحوا يستنتجون منهما معاني الكلمات وأسرارها ويتنبؤون بمستقبل األحداث‪.‬‬

‫يعتبر فالسفة القبااله أن التوراة هي مخَّطط اإلله للخلق كله‪ ،‬ولكن فهمها ال يتم إال عبر التفسير الباطني‪ ،‬فكل كلمة فيها تمثل رمزًا‪ ،‬ولكل عالمة أو نقطة سرًا‬
‫داخليًا‪ ،‬وبما أن األبجدية العبرية مقدسة فهي ليست مجرد حروف‪ ،‬بل تنطوي على قوى خفية‪ ،‬وبالذات األحرف األربعة التي تكِّو ن اسم يهوه (اإلله)‪[ .‬مفهوم‬
‫الخالص في الديانة اليهودية‪ ،‬ص‪]93‬‬

‫وبينما حاول حاخامات اليهود تفسير ما ورد في التوراة من خلع صفات بشرية على اإلله وتجسيمه بأنها من قبيل المجاز‪ ،‬فإن القَباليين أخذوها بمعنى حرفي‪ ،‬وبما‬
‫أن التوراة تقول إن اإلله خلق اإلنسان على صورته‪ ،‬فقد آمنوا بوجود مخلوق أول هو “آدم قدمون” وأنه كان إنسانا كامال‪ ،‬حيث كان جسمه يعكس التجليات‬
‫النورانية العشرة (سفيروت)‪.‬‬

‫وتتدرج هذه التجليات على هيئة فروع “شجرة الحياة” التي يتخيلون جذورها مغروسة في السماء بينما تالمس فروعها األرض‪ ،‬فالحكيم القبالي يتسلق تلك الشجرة‬
‫المقلوبة بدءا من عالمه الدنيوي حتى يصل إلى اإلله في السماء‪.‬‬
‫حساب الجّم ل‪:‬‬
‫يستخدم هذا النظام عبر منح كل حرف رقما يدل عليه‪ ،‬ومن خالله يتم احتساب المعادل الرقمي للكلمة أو الجملة‪ ،‬وُيستنتج بذلك تفسير النص أو ُيتنبأ منه بحدث‬
‫مستقبلي يتعلق به عبر احتساب تاريخ حدوثه‪ ،‬فمثال فسروا العبارة التي وردت في سفر التكوين «‪ 318‬عضوًا في بيت إبراهيم» بأنها تعني «خادم إبراهيم»‪،‬‬
‫كما استخرجوا عدة مرات تواريخ ظهور الماشيح (المسيح المخّلص)‪ .‬وقد امتد أثر هذه الخرافة إلى المسلمين في عصور سابقة‪ ،‬ونجدها واضحة في كتاب‬
‫“القانون” ألبي الريحان البيروني الذي عاش بين القرنين الرابع والخامس الهجري‪ ،‬ومازال البعض يستخدم هذا النظام للتنبؤ بزوال إسرائيل‪.‬‬

‫االختصارات‪:‬‬
‫استخدم القباليون هذا النظام أيضا للتالعب بالنصوص وتفسيرها كما يحلو لهم‪ ،‬فمثال فسروا كلمة المسيح (يشو) بأنها كلمة مركبة من الحروف األولى لعبارة‬
‫“ليفنى اسمه ولتفَن ذكراه”‪ .‬وبات بإمكان أي مفسر يزعم معرفته بهذا الفن أن يستخرج معان غامضة من أي كلمة أو نص‪ ،‬وانتقلت هذه الخرافة أيضا إلى‬
‫المسلمين وأديان أخرى‪ ،‬ونحن نجد أثر االختصارات في العصر الحديث حيث شاع اختصار أسماء المؤسسات والمنظمات إلى كلمة واحدة مكونة من الحروف‬
‫األولى‪.‬‬

‫السفيروت‬

‫السفيروت هي تجليات اإلشعاعات الصادرة من النور اإللهي التي يزعم القّباليون أنه تم بها خلق العالم‪ ،‬وأنها أداة اإلله في خلق العالم وُح كمه‪ ،‬وتأتي في عشر‬
‫درجات ُترسم على هيئة بلورات‪ ،‬كما ُيطلق عليها اسم شجرة الحياة‪ ،‬وكل منها تقابل عضوا من أعضاء الجسم البشري وجرما من أجرام السماء‪:‬‬
‫‪ -1‬كيتير عليون‪ ،‬أي التاج األعلى لإلله‪ ،‬وهي اإلرادة المقَّدسة والعقل الفّعال‪ ،‬وهي أول مرحلة تخرج من اإلله الخفي الذي يكون متوحدا مع العدم‪ ،‬فيخرج من‬
‫هذا التجلي زوجان بال جنس محدد‪ .‬وهي تقابل رأس اإلنسان والنور األساسي‪.‬‬

‫‪ -2‬حوخمة‪ ،‬أي الحكمة‪ ،‬وهي أول التجِليات الصادرة عن اإلله المتخفي‪ ،‬وتمثل العلة (الذكرية) األولى‪ .‬ويقابلها النصف األيمن من المخ واألبراج االثني عشر‬
‫(زودياك)‪.‬‬

‫‪3‬ـ بيناه‪ ،‬أي الفهم أو الذكاء‪ ،‬وهي العلة األنثوية األولى‪ ،‬حيث يدخل مع التجلي السابق في عالقة جنسية إلنجاب التجليين السادس والعاشر‪ .‬ويقابلها النصف‬
‫األيسر من المخ وكوكب زحل‪.‬‬

‫‪4‬ـ حيسيد‪ ،‬أي الرحمة‪ .‬يقابلها الذراع األيمن وكوكب المشتري‪.‬‬

‫‪ -5‬جبوراه‪ ،‬أي الشدة‪ ،‬وهي مصدر الحكم اإللهي والشريعة‪ .‬يقابلها الذراع األيسر وكوكب المريخ‪.‬‬

‫‪ِ -6‬تفئيرت‪ ،‬أي الجمال‪ ،‬ويشار إليها بالشمس واالبن والملك المقدس‪ ،‬وهي مصدر عقيدة الخالص المسيحية‪ .‬يقابلها القلب والشمس‪.‬‬

‫‪ -7‬نيتساح‪ ،‬أي التحمل والنصر‪ .‬يقابلها الساق اليمنى وكوكب الزهرة‪.‬‬

‫‪ -8‬هود‪ ،‬أي جالل ومجد اإلله‪ .‬يقابلها الساق اليسرى وكوكب عطارد‪.‬‬

‫‪ -9‬ياسود عوالم‪ ،‬أي أساس العالم‪ ،‬وهي أساس كل القوى النشيطة في اإلله‪ .‬يقابلها عضو التناسل والقمر‪.‬‬

‫‪ -10‬ملخوت‪ ،‬أي الملكوت‪ ،‬وهي تمثل بني إسرائيل‪ .‬يقابلها األقدام والعناصر األربعة‪.‬‬

‫وبحسب فلسفة القبااله‪ ،‬كان اإلنسان والكون قبل الخلق داخل الذات اإللهية‪ ،‬ثم انبثق آدم القديم عن هذه الذات على صورة اإلله‪ ،‬ثم انبثق عنه الكون بنجومه‬
‫وكواكبه‪.‬‬

‫لذا يرسمون آدم القديم على شجرة التجليات اإللهية (شجرة الحياة) بحيث يناظر كل عضو فيه صفة أو تجليًا من تجليات الذات‪ ،‬ويقع داخل البلورة النورانية التي‬
‫انبثق منها‪ ،‬كما يناظر جزءا من الكون‪.‬‬

‫وبهذه الفلسفة يتم تقديس اإلنسان والموجودات الرتباطهما باإلله‪ ،‬حيث ُيزرع في عقول األتباع أن هناك قنوات تصل اإلنسان باإلله ويمكن تنشيطها عبر تنشيط‬
‫الطاقة الروحية التي يتم جلبها من األجرام السماوية‪ ،‬ما يسمح لإلنسان بالترقي الروحي والتحرر من الجسد عبر حالة من التأمل تدعى “كافاناه”‪ ،‬ليتحد في النهاية‬
‫باإلله‪ ،‬أو يحّل اإلله فيه‪ ،‬وهذه الحالة تدعى “دفيقوت” وهي تشبه حالة النيرفانا في الديانات الشرقية‪.‬‬
‫وتقول القبااله إن آدم القديم كان خنثى مثل اإلله (تتساوى فيه صفات الذكورة واألنوثة)‪ ،‬وكذلك الكون‪ ،‬وعليه فإن االتزان يتطلب عودة اإلنسان إلى صورته الكاملة‬
‫وحالته الروحانية المتسامية‪ ،‬وذلك بالمساواة الكاملة بين الذكورة واألنوثة في الموقع‪ ،‬واالشترك التام في الفعل‪ ،‬وهذا ما نراه واضحا في الحركات الداعية إلى‬
‫المساواة بين الجنسين اليوم‪.‬‬

‫وتبدو القبااله أكثر تطرفا من اليهودية المحرفة في تقريب اإلنسان من اإلله والتعاطف مع إبليس‪ ،‬فقد أوضحنا في مقال “اليهودية” أن محرفي التوراة وضعوا قصة‬
‫مختلفة تماما في سفر التكوين عن قصة الخلق التي نجدها في القرآن‪ ،‬فجعلوا من الشجرة المحرمة في الجنة شجرة للمعرفة‪ ،‬وزعموا أن اإلله نهى آدم عن األكل‬
‫منها كي ال يكتشف الحقيقة ويصبح خالدا مثله فخدعه وأوهمه بأنه إن أكلها سيموت‪ ،‬وفي المقابل سعى الشيطان لمساعدة آدم بالتجسد على هيئة حية للتسلل خلسة‬
‫إلى الجنة وإطالع آدم على سر الشجرة‪ ،‬ما يعني أن اإلله هو المضلل وإبليس هو المنقذ‪.‬‬

‫كما يزعم واضعو سفر التكوين أن اإلله ترك آدم ليضع بنفسه أسماء الموجودات‪ ،‬وهذا على عكس الرواية التي يوثقها القرآن لهذه الحادثة‪ ،‬حيث عّلم هللا آدم‬
‫األسماء كلها وترك آدم ليتحدى المالئكة بما لديه من المعرفة بعد أن تلقاها من خالقه‪ ،‬فاليهودية المحرفة تزعم أن اإلله ترك اإلنسان ليصوغ معرفته ورؤيته للعالم‬
‫بنفسه دون تدخل إلهي‬

‫وإذا كانت اليهودية قد أنزلت من قيمة اإلله ورفعت مقام اإلنسان إلى هذه الدرجة‪ ،‬فإن القبااله ذهبت إلى ما هو أبعد وقلبت المعادلة كلها‪ ،‬فانصرفت إلى عبادة‬
‫الشيطان نفسه وجعلت من اإلله عدوا لها‪ ،‬فنرى أن طقوسهم وعبادتهم وفلسفتهم قائمة على فكرة منازعة اإلله في قدراته وعلمه عبر اكتساب قدرات الشياطين‬
‫والتقرب إليهم‪ ،‬وكأن بني آدم في عالقة منافسة مع اإلله لمحاولة الوصول إلى منزلته بعد أن حرمهم منها‪.‬‬

‫ويزعم القباليون أن هناك حاسة سادسة كامنة لدى اإلنسان‪ ،‬وأنهم قادرون على تفعيلها ليكتسب بها المرء القدرة على فهم “العالم األعلى” ويدير بذلك حياته بنفسه‪،‬‬
‫ويقولون إن تعاليمهم هي الوسيلة الوحيدة لبناء الوعاء الروحي الذي يمكن لإلنسان أن يستخدمه لتلقي نور الخالق في نفسه‪ ،‬وبدون هذا الوعاء فإن اإلنسان العادي ال‬
‫يدرك من الواقع سوى ‪ %10‬فقط‪ ،‬بينما تبقى ‪ %90‬من الحقيقة غافلة عنه‪.‬‬

‫وبحسب مراجع القبااله المتاحة لعامة الناس‪ ،‬فإن التتلمذ على أيديهم بنّية إحراز التقدم الروحي يتيح للمرء االستنارة وتصحيح ذاته‪ ،‬أما إذا أراد أن يصبح حكيما فال‬
‫تكفيه المعرفة بل عليه أن يتسلح بالرغبة الملّحة لتلقي “الحكمة”‪ ،‬ما يدل على دور االستعداد النفسي لدى هذا النوع من التصوف الباطني‪.‬‬

‫ويجزمون أيضا بأن هذه “الحكمة” ليست ضربا من الفلسفة التأملية‪ ،‬فهي ليست من نتاج عقول البشر الذي يقبل الصواب والخطأ‪ ،‬بل هي علم حقيقي واقعي ُم نزل‬
‫من الخالق إلى الصفوة من خلقه [كتاب علم الكاباال للمبتدئين‪ ،‬ص ‪ ،]39‬ومن يتعمق في القبااله سيجد أنهم يعتبرونها منحة من إبليس نفسه لمنافسة الخالق‪.‬‬

‫كما يزعمون أن علماء القبااله ال يدركون العاَلم األعلى عن طريق خيالهم‪ ،‬كما يحدث للصوفيين في األديان األخرى‪ ،‬بل يدركونه على النحو نفسه في استخدام‬
‫حواسهم الخمسة إلدراك هذا العالم المادي‪[ .‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.]33‬‬

‫القبااله والسحر‬
‫ال ُيعرف على وجه التحديد متى ظهر السحر في تاريخ اإلنسان للمرة األولى‪ ،‬فهناك من ينسب بداياته إلى عصر نوح عليه السالم‪ ،‬لكن المؤكد أنه كان شائعا لدى‬
‫شعوب كثيرة في عصور مغرقة في القدم‪ ،‬وأن السحر تداخل مع األديان الوثنية حتى اختلط على العوام التمييز بين االستعانة بالشياطين والتوسل إلى اآللهة أو‬
‫المالئكة‪ ،‬ومازال كثير من الناس يخلطون اليوم بين هذا وذاك‪ ،‬إذ يستغل السحرة هذا الجهل للظهور بمظهر رجال الدين‪ ،‬فهم غالبا يستخدمون النصوص الدينية في‬
‫التعويذات والطالسم كغطاء ألعمالهم القذرة‪.‬‬

‫وكما هو حال جميع الكتب السماوية‪ ،‬فإن التوراة تحّر م السحر بوضوح‪ ،‬فحتى ما بقي منها بعد التحريف مازال ينص على ذلك‪ ،‬حيث نقرأ في سفر التثنية نصا‬
‫موجها إلى النبي موسى عليه السالم يقول “متى دخلت األرض التي يعطيك الرب إلهك‪ ،‬ال تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك األمم‪ ،‬وال يكن بينكم من يجيز ابنه أو‬
‫ابنته في النار وال من يعرف عرافة وال عانف وال متفائل وال ساحر‪ ،‬وال من يرقى رقية وال من يسأل جانا أو تابعه‪ ،‬وال من يستشير الموتى ألن كل من يفعل ذلك‬
‫مكروه عند الرب”‪ .‬أما عقوبة الساحر فكانت الرجم كما جاء في سفر الالويين عند قوله “أي رجل أو امرأة يمارس الوساطة مع الجاّن أو مناجاة األرواح‪ ،‬ارجموه‬
‫ويكون دمه على رأسه” [الالويين‪.]27 /20 :‬‬

‫وبالرغم من وضوح هذا التحريم فقد اشتهر اليهود بالسحر بعد السبي البابلي الذي حصلت خالله الكثير من التحريفات للدين‪ ،‬ويقال إن اليهود الذين وجدوا أنفسهم‬
‫أسرى في بابل بعد أن كانوا من أغنى الناس وأقواهم بدأوا باالحتيال على أهل بابل‪ ،‬فاشتغلوا بالسحر والتنجيم‪ ،‬وراجت عنهم منذ ذلك الحين قصص تتهم النبي‬
‫سليمان عليه السالم –الذي كان أعظم ملوكهم قبل السبي‪ -‬بأنه كان ساحرا يستخدم الجن في أعمال الشر‪ ،‬حيث كان يملك بالفعل سلطة تسخير الجن في البناء‬
‫والنحت دون السحر‪ ،‬لكنهم نسبوا إليه كتمان أسرار السحر في كتاب خاص‪ ،‬وأنهم وحدهم من يعرف هذه األسرار‪.‬‬

‫وال ُيذكر الشيطان في األسفار القديمة للتوراة التي بين أيدينا اآلن إال قليال‪ ،‬فالخير والشر وجهان متكامالن للرب يهوه الذي عبده اليهود وحّل فيهم ‪-‬حسب معتقدهم‪-‬‬
‫وكأن الذين كتبوا التوراة لم يريدوا منح الشيطان أهمية كبيرة‪ ،‬ألن قصة اإلنسان ال تدور حول صراعه مع الشياطين بل حول صراع بني إسرائيل مع بقية البشر‪.‬‬

‫وفي األسفار التوراتية (المنحولة) والتلمودية التي ظلت ُتكتب حتى نهاية القرن الثاني الميالدي وبتأثير كبير‬
‫من الفلسفات الشرقية [انظر مقال اليهودية]‪ ،‬برز دور الشيطان بقوة‪ ،‬فاعتبروا إبليس “مالكا ساقطا” اسمه‬
‫عزازيل‪ ،‬حيث عصى ربه فُأبعده عن مملكة السماء مع مئتي مالك تمّكن من إغوائهم‪ ،‬فتحول إلى شيطان‬
‫يعارض إرادة الرب‪ ،‬ثم اشتهت بعض المالئكة الساقطة معه عددا من نساء البشر فتزوجوهن‪ ،‬وولدن لهن‬
‫ساللة مميزة من العمالقة الذين عاثوا في األرض فسادا‪ ،‬وهنا أرسل الرب نبيه أخنوخ (وهو إدريس عليه‬
‫السالم) مع مجموعة من المالئكة السماوية لعقابهم‪ ،‬ويقول لهم الرب إن أرواحهم الشريرة ستظل حبيسة‬
‫األرض بعد موت أجسادهم‪ ،‬بينما تمت ترقية إدريس إلى مستوى المالئكة بعد أن ُعرج به إلى السماء عدة‬
‫مرات والتقى بكل المالئكة على مختلف درجاتهم وأصبح اسمه المالك مطاطرون‪.‬‬

‫ومع أن تفاصيل سقوط عزازيل تأتي في عدة روايات‪ ،‬إال أنها تنتهي إلى أن يصبح كائنا مواجها لإلله يهوه‪،‬‬
‫وكأنه ند له‪ .‬ففي السفر المنحول المسمى باليوبيليات (الخمسينات) تصبح العالقة بين يهوه وإبليس متفاوتة بين‬
‫التقييد واإلطالق لمتابعة مهامه‪ ،‬والعجيب أن إبليس هذا كان قادرا على خداع الرب في بعض الحاالت‪.‬‬
‫رسم تخيلي لعزازيل يعود للقرن التاسع عشر‬
‫أما عند القبااله فأصبح إلبليس (عزازيل) دور أكبر وأخطر‪ ،‬ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري إنه امتداد لألفكار الوثنية الغنوصية التي أخذها القباليون من‬
‫األساطير الثنوية (مثل المانوية والمجوسية) التي تؤمن بإلهين متضادين أحدهما للخير واآلخر للشر‪ ،‬فأصبح القباليون يقدمون أدعية وصلوات للشيطان لتجنب‬
‫شره‪ ،‬ويقدمون له القرابين في األيام السبعة األولى من عيد المظال باعتباره حاكم األغيار (غير اليهود)‪ ،‬لكي ينشغل عنهم‪ ،‬ثم يقدمون القرابين لمعبودهم يهوه في‬
‫اليوم الثامن‪[ .‬موسوعة اليهود‪]300 /14 ،‬‬

‫وبينما تنظر األديان التوحيدية (المسيحية واإلسالم) إلى المالئكة على أنها مخلوقات نورانية تقوم بمهام أوكلها إليها هللا‪ ،‬فإنها في األديان الحلولية (اليهودية‬
‫والقبااله) تصبح جزءا من اإلله ووسطاء له‪ ،‬وهو موكلة بتصريف كل شؤون الكون مثل إنزال المطر وتحريك الكواكب وإنبات العشب‪ ،‬لذا يشار إلى المالئكة في‬
‫التراث العبري بأنهم أبناء اإلله “بنو إلوهيم”‪ .‬وبما أن اليهودية اعتبرت الشيطان إبليس من المالئكة‪ ،‬فقد تم منحه من البداية منزلة عليا‪ ،‬فالشياطين في ُعرفهم ليسوا‬
‫صنفا آخر من الكائنات التي تدعى بالجن كما هو واضح في اإلسالم‪ ،‬بل هم مجرد مالئكة عصوا األوامر‪.‬‬

‫وفي اليهودية األرثوذكسية نجد صلوات موجهة للمالئكة‪ ،‬وهو أمر تطور لدى القبااله الذين منحوا المالئكة منزلة أعلى‪ ،‬واستخدموا أسماءهم في التمائم والتعاويذ‪،‬‬
‫وجعلوا لهم إرادة مستقلة عن إرادة اإلله مثل الشيطان عزازيل‪ ،‬على نقيض ما هو معروف في اإلسالم الذي ينص على أن المالئكة “ال يعصون هللا ما أمرهم‬
‫ويفعلون ما يؤمرون” [سورة التحريم‪ ،]6 :‬وهكذا تالشت الحدود الفاصلة لدى القبااله بين الشياطين والمالئكة‪ ،‬وأصبحت جميعها كائنات مستقلة ذات قدرات خارقة‬
‫في تسيير الكون والتأثير في اإلنسان‪.‬‬

‫ويقول مؤلف كتاب الزوهار إن المالئكة تمتلك طبيعتين‪ ،‬خيرة وشريرة‪ ،‬حيث حاول األشرار منهم منع أخنوخ (إدريس) من الوصول إلى أعالي السماء أثناء‬
‫عروجه لكن المالئكة الخّيرة ساعدته‪ .‬ويضيف أن أخنوخ تمكن من تطهير نفسه من بذرة الشر الموجودة في كل إنسان حتى ترقى إلى درجة األلوهية فمنحه الرب‬
‫درجة رئيس المالئكة وسماه مطاطرون‪.‬‬

‫ويزعم الحاخام أفراهام (في موقع بيت مدراش اإللكتروني) أن أخنوخ ترك تعاليمه في كتب سرية وأوصى بعدم كشفها إال لمن يفهمها ولمن لديه معرفة كافية بعلم‬
‫الفلك (التنجيم) من أبنائه‪ ،‬متوعدا بعقوبة الطرد لمن يخالف ذلك كما ُطرد آدم من الجنة‪.‬‬

‫ويبدو أن هذا التدرج في فهم المفهوم القبالي للمالئكة والشياطين انتهى إلى تأليه الشياطين وتقديمها على المالئكة الخّيرة‪ ،‬لما تتمتع به من قدرات خارقة يراها‬
‫ممارسو السحر بأنفسهم عبر اتصالهم بالشياطين وتعاونهم معهم‪ ،‬وعبر المعارف الكونية التي اقتبسها القباليون من الشياطين الذين يتمتعون بأسبقية على البشر في‬
‫الوجود الزمني وفي القدرة على االنتقال المكاني‪.‬‬

‫وحسب بعض التأويالت‪ ،‬أدخل القباليون في سحرهم نصوصا من كتاب المزامير‪ ،‬وهو كتاب أوحى به هللا إلى النبي داود عليه السالم الذي كان مؤسس مملكة‬
‫إسرائيل‪ ،‬فأصبحوا يكتبون بعض المزامير بطرق معينة ويضيفون عليها طالسم سحرية‪ ،‬ويزعمون أن لها قدرات خاصة‪.‬‬

‫لكن المصادر اليهودية القّبالية تنفي أي عالقة لها بالسحر‪ ،‬بل تسَخر من هذه األقوال وتزعم أنها مجرد اتهامات لتشويهها‪ .‬وبما أن اليهود‬
‫والقباليين والحركات السرية قد سيطروا على معظم وسائل اإلعالم والمؤسسات العلمية في الغرب بشكل تراكمي منذ بداية حركة‬
‫النهضة في إيطاليا واندالع الثورة الفرنسية وحتى اليوم‪ ،‬فإن الفكرة الشائعة اليوم هناك هي أن اليهودية والقبااله بريئتان من السحر‬
‫كبراءة الذئب من دم يوسف‪.‬‬

‫وال يشذ عن هذه القاعدة في الغرب سوى الناشطين ضد الحركات السرية‪ ،‬وهم في معظمهم من الكاثوليك المتدينين‪ ،‬إضافة إلى بعض‬
‫الماسون المتمردين‪ ،‬ومنهم اليهودي وليام شنويبلين ‪ William Schnoebelen‬الذي انشق عن الماسونية‪ ،‬ويقر بأن القبااله هي العنصر‬
‫شنويبلين‬ ‫األساسي في كل أنظمة السحر الحديثة‪ ،‬وأن معظم السحرة والمشعوذين الكبار في القرن العشرين كانوا من القباليين‪The Dark Side[ .‬‬
‫‪.]of Freemasonry, 267‬‬

‫يعتبر “سفر رازيل هامالخ” من الكتب القبالية التي ظهرت بالتزامن مع ظهور الزوهار في القرن الثالث عشر‪ ،‬وهناك خالف حول أصوله ومصدره‪ ،‬فهو‬
‫مكتوب بالعبرية واآلرامية ويتضمن أسطورة فريدة عن سقوط المالك “رازيل” من السماء لتعليم آدم وإبراهيم أسرار الكون‪ ،‬لذا يتضمن الكتاب الكثير من‬
‫المعارف الفلكية‪ ،‬ويربطها بمفاهيم الطاقة الروحية المعروفة لدى الباطنيين‪ ،‬ويجعلها محور الوجود‪.‬‬

‫يتضمن الكتاب أيضا أسطورة عن امرأة تدعى ليليث‪ ،‬ويقول إنها الزوجة األولى آلدم قبل حواء‪ ،‬حيث تمردت عليه وأصبحت عشيقة الشيطان‪ ،‬وُيعد الكتاب من‬
‫المصادر النفيسة للسحر واألساطير الغنوصية‪.‬‬

‫يعتقد باحثون أن هذا السفر ظهر على يد فرسان الهيكل الذين جلبوه من حفرياتهم في القدس أثناء الحروب الصليبية‪ ،‬وأنه يتضمن أسرارا سحرية خطيرة‪.‬‬

‫ويجدر بالذكر أن ليليث أصبحت رمزا في الحضارة الغربية للتمرد النسوي‪ ،‬وُيرمز لها بالبومة التي تحتل مركزا مهما في طقوس بعض الجمعيات السرية‪،‬‬
‫حيث نجد صورة مصغرة لها بين خفايا الدوالر‪ ،‬كما يوجد تمثال عمالق لها في الغابة البوهيمية بالواليات المتحدة حيث يقال إن القرابين ُتقدم لها بحضور النخبة‬
‫السياسية والمالية‪.‬‬

‫القبااله والحركات السرية‬

‫اشتهر جميع مؤسسي الجمعيات السرية الحديثة بتلقيهم علوم القبااله على يد كبار أساتذتها‪ ،‬وعلى رأسهم اليوناني فيثاغورس الذي رحل إلى المشرق قبل الميالد‬
‫بنحو خمسة قرون وتتلمذ على يد حاخامات القبااله‪ ،‬ثم أسس جمعيته السرية في كروتونا بجنوب إيطاليا التي أصبحت المرجع الرئيسي للحركات السرية في الغرب‬
‫كله [انظر مقال الجمعيات السرية]‪.‬‬
‫وفي العصر الحديث‪ ،‬يظهر أثر القبااله الواضح في كتابات هيلينا بالفاتسكي مؤسسة جمعية الحكمة اإللهية‪ ،‬وأليستر كراولي‬
‫مؤسس جمعية الفجر الذهبي‪ ،‬وألبرت بايك األستاذ األعظم للمحافل الماسونية في أميركا بمنتصف القرن العشرين‪ ،‬حيث‬
‫مارسوا جميعا السحر بدرجات مختلفة‪.‬‬

‫كما يظهر بوضوح تغلغل القبااله في الجمعيات السرية عن طريق عبادة كهنتها للشيطان الذي بات ُيعرف باسم “لوسيفر”‪ ،‬وهي‬
‫كلمة التينية وردت في الكتاب المقدس وتعني حامل الضياء‪.‬‬

‫ولعل بايك هو أكثر هؤالء وضوحا في الكشف عن ارتباط القبااله والجمعيات السرية‬
‫بالشيطان وعبادتها له‪ ،‬فيقول في كتابه “األخالق والعقيدة” ‪ Morals and Dogma‬إن‬
‫بالفاتسكي‬ ‫“االسم الحقيقي للشيطان‪ ،‬كما يقول القباليون‪ ،‬هو نقيض يهوه (الرب عند اليهود ‪)Yahveh‬؛‬
‫ألن الشيطان ليس إلها أسود‪ ،‬بل هو نقيض الرب ‪ .God‬الشيطان هو تجسيد لإللحاد والوثنية‪.‬‬
‫وللمبتدئين‪ ،‬هو ليس شخصا بل قوة ُخ لقت ألجل الخير‪ ،‬لكنها قد تخدم الشر‪ ،‬إنه أداة الحرية‬
‫واإلرادة الحرة” [‪.]Morals and Dogma, 102‬‬

‫وهناك نص متداول بكثافة في الكثير من المراجع منسوبا إلى بايك‪ ،‬ويقال إنه ورد في إحدى‬
‫ألبرت بايك‬ ‫رسائله إلى رؤساء المحافل الماسونية الكبار‪ ،‬ويقول فيه إن لوسيفر هو ند اإلله (أدوناي)‪،‬‬
‫وإن المسيحية (وكذلك األديان التوحيدية كلها) حاولت قلب هذه “الحقيقة” ألن أدوناي يكره‬
‫اإلنسان فحرمه من المعرفة وطرد لوسيفر من الجنة ألنه دله عليها‪ ،‬لذا فإن أتباع الدرجات ‪ 31‬و‪ 32‬و‪ 33‬في الماسونية يعبدون لوسيفر مباشرة‪ ،‬بينما يتركون بقية‬
‫أتباع الدرجات الدنيا غائبين عن هذه “الحقيقة” التي يعتبرونها السر األعظم للوجود‪ .‬لكن المناوئين يقولون إن هذه الرسالة مختلقة من قبل الصحفي الفرنسي ليو‬
‫تاكسيل (وفي ‪ )1907‬وإنه ال يوجد دليل على صحتها‪ ،‬وال يزال الجدل قائما بين الطرفين حتى اآلن‪ ،‬وقد يستحيل البّت في األمر ألن الماسونية قائمة أساسا على‬
‫السرية ونقض كل ما يشاع عنها من مؤامرات‪[ .‬انظر مادة‪ Luciferianism ‬في موسوعة ويكيبيديا]‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬نرى أثر القبااله في الماسونية عبر رمز المثلث الذي تتوسطه أو تتربع على قمته “العين التي ترى كل شيء”‬
‫‪ ،All Seeing Eye‬وهي ترمز إلى عين لوسيفر المطلعة على كل شيء وينبع منها النور‪ ،‬بحسب الكثير من المؤرخين‬
‫والباحثين‪ .‬وقد تم استيراد المثلث على األرجح من مثلث قّبالي ُيكتب فيه اسم يهوه (اإلله)‪ ،‬حيث كان اليهود يعتبرون هذا االسم‬
‫مقدسا وال يجوز ألحد أن ينطق به إال الحبر األعظم داخل قدس األقداس بهيكل سليمان‪ ،‬أما القباليون فيعتبرون اإلله قد تجلى عبر‬
‫ثالثة مراحل (كما هو حال األديان الغنوصية األخرى) فكان في آخر مرحلة يدعى بالنور الالنهائي (بالعبرية‪ :‬عين صوف أور)‪،‬‬
‫وهو النور الذي ُيرمز له بالمثلث‪ ،‬ولكن يبدو أنه مع االنتقال إلى عبادة الشيطان لوسيفر رسموا عينه داخل مثلث الوجود اإللهي‬
‫العين والهرم على الدوالر‬ ‫بدال من وضع اسم اإلله يهوه‪.‬‬

‫في كتابه “شفرة سورة اإلسراء”‪ ،‬يرصد المؤلف بهاء األمير مالمح انتقال القبااله ومشروعها السري لتحريف الوحي وإفساد‬
‫البشرية عبر الزمان والمكان‪ ،‬وال سيما في الهند التي تشربت أفكار القبااله وأعادت توليدها في أساطير البراهمية الهندوسية‪ ،‬ثم في بعض األعمال األدبية التي‬
‫انتشرت في المشرق اإلسالمي مثل ألف ليلة وليلة‪ ،‬وصوال إلى الغرب الذي تشبع عقله ووجدانه بأفكار القبااله دون أن يدري‪.‬‬

‫القبااله والمشاهير‬
‫بعد أن كانت طقوسا سرية على مدى قرون‪ ،‬انتهجت القبااله نهج االنفتاح على شاكلة الماسونية‪ ،‬فقدم‬
‫القباليون أنفسهم على أنهم رعاة الحكمة القديمة وسدنة أسرارها المحفوظة من أجل صالح البشرية‬
‫كلها‪ ،‬وبدأوا بافتتاح المدارس والمعاهد لتعليم الراغبين بفهم علوم القدماء‪ ،‬مع أن ما يتم تلقينه للناس‬
‫‪-‬وهم غالبا من الغربيين الذين تشكلت عقولهم في بيئة فارغة من الروحانيات والعقائد‪ -‬ليس سوى‬
‫قشور القبااله وليس أسرارها‪.‬‬

‫يحرص القباليون أيضا على استقطاب النجوم ومشاهير الرياضة والفن كما هو حال منظمة‬
‫كوتشر (وسط) يحضر جنازة الحاخام القبالي فيليب‬ ‫“المتنورين” الماسونية‪ ،‬وال سيما المغفلين منهم‪ ،‬ففي إحدى المقابالت التلفزيونية أرادت الممثلة‬
‫بيرغ في صفد عام ‪2013‬‬ ‫الهوليودية ديمي مور أن تستعرض اهتماماتها الجدية فقالت إنها منكبة على تلقي دروس “حكمة‬
‫القبااله”‪ ،‬ووافقها المذيع بأمارات اإلطراء والتشجيع‪.‬‬

‫ويمكن للمتابع أن يالحظ غلبة الغفلة والسطحية لدى المشاهير الذين استقطبتهم القبااله‪ ،‬ومن أبرزهم العب لاير مدريد السابق ديفيد بيكهام وزوجته المطربة‬
‫فيكتوريا‪ ،‬وعارضتا األزياء ناعومى كامبل وباريس هلتون‪ ،‬ومغنية البوب مادونا التي اتخذت االسم اليهودي “إستر” مرادفا السمها‪ ،‬والممثل آشتون كوتشر الذي‬
‫زار مراكز القبااله في تل أبيب وصفد عام ‪ 2013‬وقال “إن إسرائيل قريبة وعزيزة على قلبي”‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬

‫ويعلن هؤالء المشاهير وغيرهم الوالء للقبااله بارتداء “تميمة حمراء” على معاصمهم‪ ،‬وهي خيط من الصوف األحمر يتم اقتطاعه من خيوط طويلة يلفها القباليون‬
‫حول قبر راحيل في فلسطين‪ ،‬بزعمهم أن هذا الفعل يشحن الطاقة التي يبثها القبر‪ ،‬ثم يقسم الخيط ويباع حول العالم‪ .‬علما بأن بعض مواقع القبااله تعترض على هذه‬
‫الظاهرة وتعتبر أنها تشوه أسرار وحكمة أسالفهم‪.‬‬
‫ليوناردو دي كابريو (يمين) وأشتون كوتشر يرتديان التمائم الحمراء‬

‫أهم المراجع‬


‫عبد الوهاب المسيري‪ ،‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ميخائيل اليتمان‪ ،‬علم الكاباال للمبتدئين‪ ،‬موقع حكمة الكاباال‪.2005 ،‬‬

‫هاينس هالم‪ ،‬الغنوصية‪ ‬في‪ ‬اإلسالم‪ ،‬ترجمة رائد الباش‪ ،‬دار الجمل‪ ،‬ألمانيا‪.2003 ،‬‬

‫سامي اإلمام‪ ،‬الفكر العقدي اليهودي‪ ،‬جامعة األزهر‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬

‫هدى درويش‪ ،‬نبي هللا إدريس بين المصرية القديمة واليهودية واإلسالم‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪.2009 ،‬‬

‫بهاء األمير‪ ،‬التفسير القبالي للقرآن‪ ،‬بدون ناشر‪.2015 ،‬‬

‫محمد حمزة الكتاني‪ ،‬مفهوم الخالص في الديانة اليهودية‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.2012 ،‬‬

‫علي الرشيدي‪ ،‬إرواء الظمآن بأخبار الشيطان‪ ،‬الدار العالمية‪ ،‬اإلسكندرية‪.2014 ،‬‬

‫‪Martin Malachi, The Keys of This Blood: Pope John Paul II Versus Russia and the West for Control of the New World‬‬
‫‪.Order, Simon & Schuster, New York, 1990‬‬

‫‪Frank E. Manuel, The Religion of Isaac Newton, Clarendon Press, 1974.‬‬

‫‪Coudert Allison, Leibniz And The Kabbalah, 1996.‬‬

‫‪Max Dimont, Jews, God and History, 1962.‬‬

‫‪Ed Decker, The Dark Side of Freemasonry, 1994.‬‬

‫‪Albert Pike, Morals and Dogma, 1966.‬‬

‫‪Harun Yahya, Global Freemasonry, www.harunyahya.com‬‬


http://www.kabbalah.info

http://www.kabbalahmedia.info

http://www.learnkabbalah.com

http://www.livekabbalah.org

http://www.jewfaq.org

You might also like