Professional Documents
Culture Documents
الشريط المرقط
الشريط المرقط
واطسون :كنت قبل زواجً أسكن مع شارلوك هولمز فً شقة واحدة ،
وتقوم على خدمتنا إمرأة عجوز تدعى السٌدة هدسون ،ولقد اعتاد
هولمز أن ٌنام متأخرا وال ٌنهض باكرا ،لذلك شعرت بالدهشة حٌنما
طرق باب غرفتً فً ساعة مبكرة ،وأٌقظنً من نومً قائال :اعذرنً
إن أٌقظتك من نومك باكرا ٌا واطسون ،ولكنه المصٌر المشترك ،إذ
إن السٌدة هدسون استٌقظت فأٌقظتنً وجئت أوقظك.
فقال واطسون وهو ٌفرك عٌنٌه :ماذا حدث ؟ هل اشتعلت النار فً
المنزل ؟
فقال هولمز :ال :ولكنً جاءتنً زبونة شابة وهً تنتظرنً فً القاعة
،وحٌن ٌستٌقظ الشبان مبكرا ،فمعنى ذلك أن القضٌة خطرة ولم أشأ
أن أفوت علٌك متعة المشاركة منذ بداٌتها فأٌقظتك.
فقال هولمز :أنا ال أعرفك ولكنً أرى أن بطاقة الدعوة ٌطل رأسها من
حقٌبة ٌدك .
فقالت :بعد أربعة أجٌال فقدت هذه األسرة ممتلكاتها كلها ،ولم ٌبق لها
فً مطلع القرن التاسع عشر سوى هكتارات من األراضً ،ومنزل
قدٌم عمره مائتا عام كأنه األطالل ،وهً مرهونة كلها ،وقد حاول
زوج أمً أن ٌبتعد عن حٌاة الوهم التً عاشها أبوه ،فاقترض بعض
المال من أخواله ،ودرس الطب واستقر فً كلوكوتا بالهند ،وسارت
أموره على أحسن حال ألنه طبٌب بارع ،ولكنه مولع بضرب الخدم
الهنود ،وقد انهال بالضرب على أحدهم ذات ٌوم حتى قتله ،فحكم
علٌه بالسجن لمدة طوٌلة ،وحٌن خرج منه كان حطام إنسان ،فً
الهند تزوج ( روالوت ) أمً التً كانت أرملة ستونر القائد العام لقوات
المدفعٌة فً البنغال ،ولً أخت توأم تدعى جولً ،ولم ٌكن عمرها
أكثر من عامٌن حٌنما تزوجت أمً الدكتور روالوت ،وكانت مٌسورة
الحال ،بل ثرٌة ألن دخلها ٌتجاوز األلف غنٌة سنوٌا
اآلنسة هٌلٌن :منذ سنتٌن ،و هذا موضوع حدٌثً األساسً ،إذ أن
لنا خالة عزباء تسكن منطقة ( هارو ) فكنا نزورها من حٌن إلى آخر ،
و ذات ٌوم تعرفت أختً لدٌها إلى ضابط فً البحرٌة ،و أعلنت
زواجها ،و حٌن علم زوج امً باألمر لم ٌعترض بل أظهر ابتهاجه ،و
لكن أختً توفٌت قبل أسبوعٌن منذ زواجها.
و كان هولمز ٌصغً إلٌها مغمض العٌنٌن ،ففتحهما فجأة و قال :
أذكري لً التفاصٌل ،أرجوك.
فقالت :وهذه الغرف تطل على الحدٌقة ،وذلك المساء نفسه ذهب
الدكتور إلى غرفته ،ولكنه لم ٌنم ألننا كنا نشم رائحة سٌكاره القوٌة ،
ولبثت أختً معً ،وتجادلنا طوٌال حول زواجها ،ثم تركتنً حوالً
الحادٌة عشر ،وقبل أن تغلق الباب
سألتنً :هل سمعت فً اللٌل صفٌرا ٌا هٌلٌن ؟
األنسة هٌلٌن :أي صفٌر
جولً :صفٌرا خافتا .فً المنزل أو حوله حوالً الثالثة صباحا لعله
صوت شخٌرك
هٌلٌن :ال ……فأنا ال أشخر
جولً :كٌف لم تسمعٌه إذا!
هٌلٌن :لعله أحد هؤالء الغجر المخٌمٌن تحت األشجار
جولً :فكٌف لم تسمعٌه أنت أٌضا ؟
هٌلٌن :ألن نومك أخف من نومً
هٌلٌن :كانت لٌلة عاصفة لم أذق فٌها طعم النوم لقصف الرعد ولمعان
البرق ،وفجأة سمعت صوتا شق سكون اللٌل إنه صوت أختً ففتحت
الباب فخٌل إلً إنً أسمع فحٌحا أو صفٌرا خافتا ،وبعد لحظة سمعت
صوت شًء معدنً كأنه سلسلة تسقط على األرض أو أداة ما شبٌهة
بها كنت جامدة فً الممر من الهلع و إذا بباب أختً ٌفتح و رأٌتها
تخرج شاحبة تترنح ٌمٌنا و شماال فسارعت إلٌها أسندها فانهارت على
األرض بٌن ٌدي وكانت ترتجف وجسدها ملوي إلى الخلف كأنها تتألم
ألما شدٌدا ،ثم همست إلً قائلة هٌلٌن إنه الشرٌط المرقط ،ولعلها
ترٌد أن تقول شٌئا آخر وهً تشٌر إلى غرفة زوج أمً و فار الزبد من
فمها وانقلبت عٌناها فهرعت إلى تلك الغرفة وطرقته بعنف فخرج
ملهوفا و جرى إلى أختً و حاول أن ٌسقٌها بعض الماء و لكنها فقدت
الوعً ثم توفٌت بعد لحظات دون أن تستعٌد وعٌها.
سألها هولمز :هل أنت واثقة من أنك ذلك الصفٌر الخافت وذلك الصوت
المعدنً وهل تعرفٌن ما مصدره ؟
هٌلٌن :كانت ترتدي فستان نومها وبٌدها علبة كبرٌت وكان ما ٌزال
العود مشتعال بٌدها األخرى
شارلوك :هذا مهم ألن معناه أنها حٌن استٌقظت على الضجة أشعلت
عود الكبرٌت لتعرف ما هو .ما رأي مفتش الشرطة ؟
هٌلٌن :قد قام بتحقٌق جاد بسبب السمعة السٌئة لزوج أمً ولكنه لم
ٌستطع تحدٌد سبب الموت و قد شهدت بأن النوافذ مغلقة من الداخل و
أي سمعتها تغلق غرفتها بالمفتاح ولم نجد شقا فً الحائط أو األرضٌة
فثبت بالدلٌل أن أختً ،لقٌت مصرعها وهً بالغرفة وحدها ،ولم نجد
آثار عنف على جسده.
و قبل البارحة اضطررت إلى ترك غرفتً ألن العمال هدموا الجناح
الشرقً إلصالحه و نمت فً غرفة أختً المتوفاة و البارحة أحسست
بالرعب الشدٌد لسماع الصفٌر الخافت نفسه الذي وصفته لك ،فنهضت
من سرٌري و أشعلت المصباح فلم أجد شٌئا ،فارتدٌت مالبسً و
ركبت عربة إلى محطة القطار و جئت إلٌك.
فأمسك هولمز بمعصمها قائال :و لكنك تتسترٌن على زوج أمك….
هٌلٌن :و كٌف ذلك ؟؟
فكشف معصمها فإذا علٌها أصابع زرقاء و قال :إنه ٌسًء معاملتك
….
هٌلٌن :نعم … ..إنه رجل قاسً القلب.
و لم ٌجبها و جعل ٌحدق فً النار مفكرا ،ثم قال :هذه قضٌة معقدة
حقا :و البد من التحقق من بعض التفاصٌل فٌها ،و لكن الوقت قصٌر
،البد من زٌارة ستون موران الٌوم ،ورؤٌة الغرف دون أن ٌدري
زوج أمك فهل هذا ممكن ؟؟؟؟؟
هٌلٌن :نعم ،ألنه ذاهب الٌوم إلى لندن و سوف ٌتغٌب النهار كله و
لدٌنا خادمة منذ أسابٌع و لكنها عجوز بلهاء أستطٌع إبعادها بسهولة
…....
فأحكمت هٌلٌن ستونر الشبكة الحرٌرٌة على وجهها و مضت فقلت له :
ما رأٌك ٌا هولمز ؟
هولمز :إنها قضٌة غامضة و محزنة.
واطسون :و لكن الفتاة تؤكد أن أختها كانت وحدها.
و فجأة انفتح الباب و دخل رجل ضخم فوقف و الشرر ٌتطاٌر من عٌنٌه
.كان أصفر الوجه مألته التجاعٌد ،و عٌناه غائرتان تتحركان فً كل
اتجاه ،و أنف معقوف كأنه منقار طائر جارح ،و ٌحٌط بذلك كله تعبٌر
من الدهاء و الشر ال ٌمكن وصفه ،و كان ٌرتدي مالبس خلٌطا من
ثٌاب الفالحٌن و أهل المدٌنة ،و ٌمسك بٌده سوطا متٌنا.
فقال العمالق بصوت قوي :أي منكما المدعوهولمز ؟؟
فقال هولمز بهدوء :أنا هو ٌا سٌدي فهل أتشرف بمعرفة اسمك و
سبب زٌارتك ؟؟
فقال العمالق :إنً الدكتور ** كرٌمسباي روالوت ** من ستون
موران.
هولمز :حقا ….تشرفنا..
روالوت :لقد خرجت إبنة زوجتً من هنا ،فماذا ترٌد ؟؟
فقال هولمز بلهجة رزٌنة :أال تظن أن النهار مشرق بالنسبة لهذا
الفصل ؟؟
فزمجر الرجل :ماذا ترٌد ؟؟
فتابع هولمز سخرٌته :هل تظن أن موسم التفاح سٌكون جٌدا هذا العام
؟؟
فصاح الرجل بصوت متقطع :ال ترٌد أن تجٌبنً … أعرفك أنت
شرلوك هولمز …المحقق الجنائً الجاسوس …عمٌل الشرطة.
فابتسم هولمز راضٌا عن نفسه و قال :لقد كانت محادثة ممتعة و
مثٌرة ٌا دكتور ،و لكنً أرجوك أن تغلق الباب قبل أن تذهب ،ألنً
أكره التٌارات الهوائٌة !!
قال الرجل :سأذهب حٌن أرٌد … لكنً أحذرك بأنً أكره التدخل فً
شؤونً ،إنً خطر إذا هوجمت.
و ركبنا القطار أنا و هولمز ،ثم استأجرنا عربة من المحطة التً تبعد
حوالً 8كٌلومترات عن ستون موران ،فمشت بنا عبر الحقول
المزهرة و كان النهار جمٌال ٌتناقض مع البناء المتداعً الذي رأٌناه
قائما فوق تلة مرتفعة .و سأل هولمز السائق عن ستون موران فقال :
إن المزرعة أما منا ،و األفضل أن تسٌروا عبر الحقول لتصل إلٌها .
فنزلنا من العربة و دفعنا للسائق أجرته فعاد أدراجه .
صعدنا التلة إلى المزرعة ،فقال هولمز و قد رأى هٌلٌن :صباح الخٌر
ٌا آنسة هٌلٌن …لقد وفٌنا بوعدنا.
فأسرعت الفتاة إلى لقائنا و قد ظهرت بشائر الفرحة على وجهها ،و
صاحت :كنت أنتظركما بفارغ الصبر ،و لقد غادر زوج أمً المزرعة
،و لن ٌعود إال المساء..
و حكى لها بكلمات ما حدث هذا الصباح ،فاصفر وجهها و قالت :إنه
ماكر و لم أنتبه إلى إنه ٌراقبنً ..ماذا سٌقول لً بعد عودته ؟؟
هولمز :سٌكون حذرا ،أغلقً هذا المساء غرفتك بعناٌة ،و إذا خفت
أن ٌضربك أخذناك إلى عمتك ،و لكن علٌنا أال نضٌع الوقت اآلن ،أٌن
الغرف ؟؟
لم ٌهتم هولمز بغرفة هٌلٌن بل انصرف إلى الغرفة التً كانت تشغلها
المرحومة جولً ،وهً واطئة السقف فٌها مدفأة واسعة وسرٌر و
طاولة صغٌرة بجانب النافذة الٌسرى و فوق سجادة دائرٌة الشكل
كرسٌان من الخشب .
فجلس هولمز على أحد الكرسٌٌن ،وجعل ٌتأمل الغرفة كأنه ٌرٌد أن
ٌحفر تفاصٌلها فً ذاكرته
و أشار بعد قلٌل إلى حبل مجدول ٌتدلى فوق السرٌر و قال :أٌن نهاٌة
هذا الحبل ؟؟
هٌلٌن :فً غرفة الخادمة الستدعائها.
هولمز :و هل هو هنا منذ زمن طوٌل ؟؟
هٌلٌن :منذ ثالث أو أربع سنوات.
هولمز :و هل طلبت أختك أن ٌوضع فً غرفتها ؟
هٌلٌن :ال …… ونحن ال نستخدمه أبدا … .فقد تعودنا أن ندبر
أمورنا بنفسنا ،و ال نحتاج إلى الخدم.
فأمسك هولمز بالحبل و جذبه بقوة فلم نسمع صوت الجرس و لم
ٌتحرك الحبل من مكانه ،فقال :آه ..إنه جرس زائف … .و الحبل
مربوط بحلقة فوق فتحة التهوٌة.
فقالت هٌلٌن :لم أالحظ هذا من قبل … .أمر عجٌب.
كانت غرفة الدكتور أوسع قلٌال ،و لكن فٌها األثاث البسٌط نفسه ،
سرٌر متنقل ،و مكتبة صغٌرة من الخشب األبٌض مملوءة بالكتب
الطبٌة ،و كنبة و كرسً خشبً و طاولة مدورة و حقٌبة معدنٌة كبٌرة
.
أعلمنا صاحب الفندق بأننا سنزور صدٌقا لنا فً الناحٌة ومن المحتمل
أن نقضً اللٌلة عنده ،وخرجنا فإذا اللٌل بارد والجو كئٌب .
لم نجد صعوبة فً اجتٌاز السهل المحٌط بالمبنى ،ودخلنا الحدٌقة التً
انهارت أسوارها ،وما كنا نخطو بضع خطوات حتى رأٌنا مخلوقا قزما
شبٌها باإلنسان ٌلوح بٌدٌه وهو ٌمشً متماٌال على جانبٌه ،فأمسكت
بٌد هولمز خائفا وتشبث بً ومر بجانبنا دون ان ٌلتفت إلٌنا ،وابتعد
ٌجري
فنهض هولمز و أشعل عود كبرٌت ،وبدا ٌضرب بسوطه حبل الجرس
المتدلً فوق السرٌر وهو ٌصٌح :هل تراه ٌاواطسون ؟ هل تراه ؟
وتقدمت خطوة إلى األمام فتحرك الشرٌط العجٌب على جبٌن المٌت
وارتفع طرفه ،فإذا هو رأس أفعى مثلث الشكل .
وهمس هولمز لً :أفعى مائٌة … .أشد أفاعً الهند فتكا ،وٌموت من
تلدغه بعد عشر ثوانً ،لقد قتل نفسه بنفسه ،لنرجع هذه األفعى إلى
الحقٌبة المعدنٌة .وأمسك بالرسن ذي األنشوطة ،وأحكمه على عنق
األفعى ثم انتزعها بجذٌة قوٌه وحملها بعٌدة عن جسمه ،ثم رماها فً
الحقٌبة الحدٌدٌة و أغلق غطاءها
وما بقً علً قوله قد سمعته من هولمز ونحن فً طرٌق العودة ،قال
هولمز وهو ٌفكر بعمق :لقد سرت فً طرٌق خاطئة حٌن ربطت ما
بٌن الشرٌط المرقط وبٌن الغجر المقٌمٌن فً الحقول ،وسبب ذلك ما
قالته لً هٌلٌن ،ولكنً حٌن اكتشفت الرسن الذي تربط به األفاعً ،
وفتحة التهوٌة وجهت نظري إلى إمكانٌة وجود حٌوان ،ألن الدكتور
مولع بجلب الحٌوانات من الهند وكان ٌنبغً للمفتش أن ٌكتشف
العضتٌن اللتٌن تركتها األفعى فً عنق الفتاة ؟
والدكتور روالوت المجرم خبٌر بالسموم ،وهو ٌعرف ان سم هذه
األفعى ال ٌكتشف بالتحالٌل الكٌماوٌة أو الطبٌة الحالٌة ،ولعل جولً قد
نجت من لدغ األفعى مرات ومرات حتى ظفرت األفعى بها.