You are on page 1of 20

‫الشرٌط المرقط‬

‫واطسون ‪ :‬كنت قبل زواجً أسكن مع شارلوك هولمز فً شقة واحدة ‪،‬‬
‫وتقوم على خدمتنا إمرأة عجوز تدعى السٌدة هدسون ‪ ،‬ولقد اعتاد‬
‫هولمز أن ٌنام متأخرا وال ٌنهض باكرا ‪ ،‬لذلك شعرت بالدهشة حٌنما‬
‫طرق باب غرفتً فً ساعة مبكرة ‪ ،‬وأٌقظنً من نومً قائال ‪ :‬اعذرنً‬
‫إن أٌقظتك من نومك باكرا ٌا واطسون ‪ ،‬ولكنه المصٌر المشترك ‪ ،‬إذ‬
‫إن السٌدة هدسون استٌقظت فأٌقظتنً وجئت أوقظك‪.‬‬

‫فقال واطسون وهو ٌفرك عٌنٌه ‪ :‬ماذا حدث ؟ هل اشتعلت النار فً‬
‫المنزل ؟‬

‫فقال هولمز ‪ :‬ال ‪ :‬ولكنً جاءتنً زبونة شابة وهً تنتظرنً فً القاعة‬
‫‪ ،‬وحٌن ٌستٌقظ الشبان مبكرا ‪ ،‬فمعنى ذلك أن القضٌة خطرة ولم أشأ‬
‫أن أفوت علٌك متعة المشاركة منذ بداٌتها فأٌقظتك‪.‬‬

‫واطسون ‪ :‬هذا لطف منك …………… إنً قادم‪.‬‬


‫والحق أن هولمز ٌغرف شغفً بالقضاٌا التً ٌعالجها ‪ ،‬وإعجابً‬
‫بمنطقه العلمً وتفكٌره السدٌد ‪ ،‬فارتدٌت ثٌابً على عجل ولحقت به‬
‫إلى قاعة االستقبال ‪.‬‬
‫وكانت فً القاعة فتاة شابة مرتدٌة ثٌابا سوداء ‪ ،‬وقد غطت وجهها‬
‫بشبكة حرٌرٌة ‪ ،‬فنهضت لدخولنا ‪ ،‬فقال هولمز ‪ :‬صباح الخٌر ٌا‬
‫سٌدتً ………… إنً شارلوك هولمز وهذا مساعدي وصدٌقً‬
‫الدكتور واطسون ‪ ،‬وتستطٌعٌن الكالم أمامه على راحتك ‪ .‬آه ……‬
‫أرى أن السٌدة هدسون هدسون قد أشعلت المدفأة ‪ ،‬وسوف أنادٌها‬
‫لتغلً لنا بعض الشاي ‪ ،‬فأنت تشعرٌن بالبرد كما أرى‬
‫فقالت ‪ :‬ال ٌا سٌد هولمز ……… ال أرتجف من البرد ‪ ،‬بل من الخوف‬
‫‪.‬‬
‫وكان ٌبدو علٌها الذعر حقا بحركاتها العشوائٌة ونظراتها الحائرة ‪،‬‬
‫وهً لم تتجاوز الثالثٌن من العمر ‪ ،‬ولكن شعرها انتشر فٌه الشٌب ‪،‬‬
‫فبدت أكبر من سنها الحقٌقً ‪ ،‬إنها إمرأة خائرة القوى…………‬
‫فقال لها هولمز بلهجة حانٌة ‪ :‬ال تخافً ……… سنحل هذه القصٌة‬
‫بأسرع ما ٌمكن ‪ ،‬إنً واثق من ذلك ‪ ،‬هل جئت بالقطار هذا الصباح ؟‬
‫فقالت ‪ :‬وكٌف عرفت ‪ ،‬هل رأٌتنً من قبل ؟‬

‫فقال هولمز ‪ :‬أنا ال أعرفك ولكنً أرى أن بطاقة الدعوة ٌطل رأسها من‬
‫حقٌبة ٌدك ‪.‬‬

‫فقالت ‪ :‬نعم … لقد غادرت منزلً فً الساعة السادسة ‪ ،‬وركبت‬


‫القطار ثم توجهت إلى المحطة مباشرة ‪ ،‬لٌس لدي أحد أقضً إلٌه‬
‫بهمومً ‪ ،‬وقد حدثتنً السٌدة ( فارنتوش ) عنك وعن مساعدتك لها ‪،‬‬
‫فهل تلبً إلً طلبً وتمد إلً ٌد العون ؟ ولكنً ال أملك ماال فً الوقت‬
‫الحاضر ………… ولكنً سأتزوج خالل شهر أو شهرٌن ولن أكون‬
‫ناكرة للمعروف‪.‬‬

‫فتوجه هولمز نحو مصنفاته وبدأ ٌبحث فٌها‪:‬‬


‫فارنتوش …… فارنتوش …… نعم … إنها قضٌة مجوهرات ‪،‬‬
‫سنهتم بقضٌتك كما اهتممنا بقضٌة السٌدة فارنتوش و أكثر ‪ ،‬وأما‬
‫أتعابً فأترك لك أمر دفعها حٌن ٌتٌسر لك ذلك …واآلن قصً بوضوح‬
‫ما ٌشغل بالك‪.‬‬

‫قالت المرأة ‪ :‬المخٌف فً حالتً ٌا سٌد هولمز إنً ال أعرف سبب‬


‫خوفً ‪ ،‬وتحوم شكوكً حول تفاصٌل دقٌقة ال ٌمكن ألحد إدراكها‬
‫سواي ‪ ،‬حتى أعز الناس لدي وأحبهم ٌظن أنها أوهام إمرأة ‪ ،‬وقد قٌل‬
‫لً انك رجل إنسانً متفهم آلالم الناس ‪ ،‬هل هذا صحٌح ؟‬

‫فقال هولمز ‪ :‬حسنا ……… إنً أستمع إلٌك‪.‬‬

‫فقالت ‪ :‬إنً أدعى (( هٌلٌن ستوتر )) وأعٌش مع زوج أمً المنحدر‬


‫من عائلة إنكلٌزٌة عرٌقة ‪ ،‬وهً عائلة (( رالوت )) من منطقة (‬
‫سوزي‪) .‬‬

‫قال هولمز ‪ :‬هذا اسم معروف‪.‬‬

‫فقالت ‪ :‬بعد أربعة أجٌال فقدت هذه األسرة ممتلكاتها كلها ‪ ،‬ولم ٌبق لها‬
‫فً مطلع القرن التاسع عشر سوى هكتارات من األراضً ‪ ،‬ومنزل‬
‫قدٌم عمره مائتا عام كأنه األطالل ‪ ،‬وهً مرهونة كلها ‪ ،‬وقد حاول‬
‫زوج أمً أن ٌبتعد عن حٌاة الوهم التً عاشها أبوه ‪ ،‬فاقترض بعض‬
‫المال من أخواله ‪ ،‬ودرس الطب واستقر فً كلوكوتا بالهند ‪ ،‬وسارت‬
‫أموره على أحسن حال ألنه طبٌب بارع ‪ ،‬ولكنه مولع بضرب الخدم‬
‫الهنود ‪ ،‬وقد انهال بالضرب على أحدهم ذات ٌوم حتى قتله ‪ ،‬فحكم‬
‫علٌه بالسجن لمدة طوٌلة ‪ ،‬وحٌن خرج منه كان حطام إنسان ‪ ،‬فً‬
‫الهند تزوج ( روالوت ) أمً التً كانت أرملة ستونر القائد العام لقوات‬
‫المدفعٌة فً البنغال ‪ ،‬ولً أخت توأم تدعى جولً ‪ ،‬ولم ٌكن عمرها‬
‫أكثر من عامٌن حٌنما تزوجت أمً الدكتور روالوت ‪ ،‬وكانت مٌسورة‬
‫الحال ‪ ،‬بل ثرٌة ألن دخلها ٌتجاوز األلف غنٌة سنوٌا‬

‫و شاءت األقدار أن تموت فً حادثة قطار منذ ثمانً سنوات ‪ ،‬وقد‬


‫أوصت بثروتها إلى زوجها مادمنا نعٌش معه ‪ ،‬ما عدا مبلغا من المال‬
‫ٌدفعه إلٌنا سنوٌا استعدادا لزواجنا ‪،‬‬
‫ولم ٌشأ الدكتور روالوت أن ٌستقر فً لندن كما قرر أوال ‪ ،‬فذهبنا‬
‫لإلقامة فً مسكن أجداده فً ( سنوك موران ) ‪ ،‬غٌر خائفٌن من غدر‬
‫الزمان ‪ ،‬ألن والدتنا تركت لنا ما ٌكفً من المال ‪ ،‬وسرعان ما تبدلت‬
‫شخصٌة لدكتور روالوت تماما ‪ ،‬فلم ٌعقد صداقة مع جٌرانه الذٌن‬
‫ابتهجوا لقدوم أحد أفراد هذه العائلة العرٌقة إلى منطقتهم ‪ ،‬وأغلق‬
‫الباب على نفسه لئال ٌقابل أحدا ‪ ،‬وإذا خرج لكً ٌتشاجر مع الناس ‪،‬‬
‫والظاهر إنها طبٌعة متوارثة فً العائلة ‪ ،‬وقد اشتدت حدتها بإقامته‬
‫الطوٌلة فً الهند ‪ ،‬وقضائه أعواما فً السجن ‪ ،‬فأصبح ٌثٌر الرعب‬
‫فً القرٌة لسوء خلقه ‪ ،‬حتى أنه رمً الحداد فً النهر ودفعت إلٌه ما‬
‫أملك لئال ٌقاضٌه ‪ ،‬و أما أصدقائه فهم الغجر الذٌن سمح لهم باإلقامة‬
‫فً أراضٌه المهملة فٌزورهم و ٌقضً نهاٌة األسبوع معهم فً‬
‫ترحالهم ‪ ،‬و زاد األمر سوءا ولعه بالحٌوانات المتوحشة ‪ ،‬فكان ٌراسل‬
‫أحد أصدقائه فً الهند ‪ ،‬فٌبعث إلٌه من حٌن إلى آخر حٌوانات حٌة و‬
‫ٌوجد فً حدٌقته اآلن نمر و غورٌال ‪ ،‬و ال أدري أٌهما أشد فتكا من‬
‫اآلخر ‪ ،‬و قد أطلقهما فً الحدٌقة ٌتجوالن مما أثار الرعب فً القرٌة‬
‫كلها‪.‬‬

‫و تستطٌع ٌا سٌد هولمز أن تتصور حٌاتنا بعدئذ ‪ ،‬فالخدم ٌهربون بعد‬


‫أسبوع ‪ ،‬مما ٌضطرنا إلى القٌام وحدنا بأعباء المنزل الفسٌح ‪ ،‬و حٌن‬
‫توفٌت أختً لم تكن قد تجاوزت الثالثٌن ‪ ،‬و لكن شعرها أكثر شٌبا من‬
‫شعري اآلن‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬هل توفٌت أختك ؟‬

‫اآلنسة هٌلٌن ‪ :‬منذ سنتٌن ‪ ،‬و هذا موضوع حدٌثً األساسً ‪ ،‬إذ أن‬
‫لنا خالة عزباء تسكن منطقة ( هارو ) فكنا نزورها من حٌن إلى آخر ‪،‬‬
‫و ذات ٌوم تعرفت أختً لدٌها إلى ضابط فً البحرٌة ‪ ،‬و أعلنت‬
‫زواجها ‪ ،‬و حٌن علم زوج امً باألمر لم ٌعترض بل أظهر ابتهاجه ‪ ،‬و‬
‫لكن أختً توفٌت قبل أسبوعٌن منذ زواجها‪.‬‬

‫و كان هولمز ٌصغً إلٌها مغمض العٌنٌن ‪ ،‬ففتحهما فجأة و قال ‪:‬‬
‫أذكري لً التفاصٌل ‪ ،‬أرجوك‪.‬‬

‫اآلنسة هٌلٌن ‪ :‬سأحاول … فالمشهد ما ٌزال محفورا فً ذاكرتً‪.‬‬


‫قلت لك أن المنزل قدٌم ‪ ،‬فلم نكن نشغل سوى طابقه األرضً ‪ ،‬حٌث‬
‫انتشرت الغرف الثالث حول الممر دون أن ٌفضً بعضها إلى بعض‬
‫……… هل تتابعنً ؟‬
‫هولمز ‪ :‬تماما ‪ ،‬أكملً!‬

‫فقالت ‪ :‬وهذه الغرف تطل على الحدٌقة ‪ ،‬وذلك المساء نفسه ذهب‬
‫الدكتور إلى غرفته ‪ ،‬ولكنه لم ٌنم ألننا كنا نشم رائحة سٌكاره القوٌة ‪،‬‬
‫ولبثت أختً معً ‪ ،‬وتجادلنا طوٌال حول زواجها‪ ،‬ثم تركتنً حوالً‬
‫الحادٌة عشر ‪ ،‬وقبل أن تغلق الباب‬
‫سألتنً ‪ :‬هل سمعت فً اللٌل صفٌرا ٌا هٌلٌن ؟‬
‫األنسة هٌلٌن‪ :‬أي صفٌر‬
‫جولً ‪ :‬صفٌرا خافتا ‪.‬فً المنزل أو حوله حوالً الثالثة صباحا لعله‬
‫صوت شخٌرك‬
‫هٌلٌن ‪ :‬ال ……فأنا ال أشخر‬
‫جولً ‪ :‬كٌف لم تسمعٌه إذا!‬
‫هٌلٌن ‪ :‬لعله أحد هؤالء الغجر المخٌمٌن تحت األشجار‬
‫جولً ‪ :‬فكٌف لم تسمعٌه أنت أٌضا ؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬ألن نومك أخف من نومً‬

‫وانصرفت بعدئذ و سمعت صوت المفتاح ٌدور فً باب غرفتها‬

‫فقاطعها هولمز قائال ‪ :‬هل من عادتك إقفال باب غرفتك ؟‬

‫هٌلٌن ‪ :‬نعم …… كل مساء‬

‫شارلوك ‪ :‬و ما السبب ؟‬

‫هٌلٌن ‪ :‬لقد حدثتك عن الغورٌال و النمر فنحن نخاف منهما‬

‫شارلوك ‪ :‬نعم…هذا صحٌح تفضلً‬

‫هٌلٌن ‪ :‬كانت لٌلة عاصفة لم أذق فٌها طعم النوم لقصف الرعد ولمعان‬
‫البرق ‪ ،‬وفجأة سمعت صوتا شق سكون اللٌل إنه صوت أختً ففتحت‬
‫الباب فخٌل إلً إنً أسمع فحٌحا أو صفٌرا خافتا ‪ ،‬وبعد لحظة سمعت‬
‫صوت شًء معدنً كأنه سلسلة تسقط على األرض أو أداة ما شبٌهة‬
‫بها كنت جامدة فً الممر من الهلع و إذا بباب أختً ٌفتح و رأٌتها‬
‫تخرج شاحبة تترنح ٌمٌنا و شماال فسارعت إلٌها أسندها فانهارت على‬
‫األرض بٌن ٌدي وكانت ترتجف وجسدها ملوي إلى الخلف كأنها تتألم‬
‫ألما شدٌدا ‪ ،‬ثم همست إلً قائلة هٌلٌن إنه الشرٌط المرقط ‪ ،‬ولعلها‬
‫ترٌد أن تقول شٌئا آخر وهً تشٌر إلى غرفة زوج أمً و فار الزبد من‬
‫فمها وانقلبت عٌناها فهرعت إلى تلك الغرفة وطرقته بعنف فخرج‬
‫ملهوفا و جرى إلى أختً و حاول أن ٌسقٌها بعض الماء و لكنها فقدت‬
‫الوعً ثم توفٌت بعد لحظات دون أن تستعٌد وعٌها‪.‬‬

‫سألها هولمز ‪ :‬هل أنت واثقة من أنك ذلك الصفٌر الخافت وذلك الصوت‬
‫المعدنً وهل تعرفٌن ما مصدره ؟‬

‫هٌلٌن ‪ :‬هذا ما طلبه منً مفتش الشرطة ولعلنً قد توهمته وسط‬


‫هبوب العاصفة ولكنً واثقة من سماعه‬

‫شارلوك‪ :‬ماذا كانت ترتدي أختك ؟‬

‫هٌلٌن ‪ :‬كانت ترتدي فستان نومها وبٌدها علبة كبرٌت وكان ما ٌزال‬
‫العود مشتعال بٌدها األخرى‬

‫شارلوك ‪ :‬هذا مهم ألن معناه أنها حٌن استٌقظت على الضجة أشعلت‬
‫عود الكبرٌت لتعرف ما هو ‪ .‬ما رأي مفتش الشرطة ؟‬

‫هٌلٌن ‪ :‬قد قام بتحقٌق جاد بسبب السمعة السٌئة لزوج أمً ولكنه لم‬
‫ٌستطع تحدٌد سبب الموت و قد شهدت بأن النوافذ مغلقة من الداخل و‬
‫أي سمعتها تغلق غرفتها بالمفتاح ولم نجد شقا فً الحائط أو األرضٌة‬
‫فثبت بالدلٌل أن أختً ‪ ،‬لقٌت مصرعها وهً بالغرفة وحدها ‪ ،‬ولم نجد‬
‫آثار عنف على جسده‪.‬‬

‫هولمز ‪ :‬و هل توجهت أبحاث المفتش إلى السم ؟؟‬


‫هٌلٌن ‪ :‬بالضبط…… و لكن التحالٌل لم تؤدي إلى شًء‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬هذا غرٌب … و ما سبب موت أختك فً رأٌك ؟؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬أظنها ماتت من الرعب و لكن ما الشًء الذي أرعبها إلى هذه‬
‫الدرجة ؟؟ لست أدري‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬ماذا كانت تعنً بقولها الشرٌط المرقط ؟؟؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬فكرت طوٌال فً معناها و قلت لنفسً لعلها تقصد المندٌل‬
‫المرقط الذي ٌضعه الغجر على رؤوسهم‪.‬‬
‫فهز هولمز رأسه و لم ٌظهر علٌه اإلقتناع ‪ :‬تابعً ماذا حدث بعدئذ ؟؟؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬انقضت سنتان ‪ ،‬فتقدم لخطبتً صدٌق أعرفه منذ زمن بعٌد ‪ ،‬و‬
‫لم ٌعترض زوج أمً على زواجنا فً الربٌع القادم‪.‬‬

‫و قبل البارحة اضطررت إلى ترك غرفتً ألن العمال هدموا الجناح‬
‫الشرقً إلصالحه و نمت فً غرفة أختً المتوفاة و البارحة أحسست‬
‫بالرعب الشدٌد لسماع الصفٌر الخافت نفسه الذي وصفته لك ‪ ،‬فنهضت‬
‫من سرٌري و أشعلت المصباح فلم أجد شٌئا ‪ ،‬فارتدٌت مالبسً و‬
‫ركبت عربة إلى محطة القطار و جئت إلٌك‪.‬‬

‫فأمسك هولمز بمعصمها قائال ‪ :‬و لكنك تتسترٌن على زوج أمك‪….‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬و كٌف ذلك ؟؟‬
‫فكشف معصمها فإذا علٌها أصابع زرقاء و قال ‪ :‬إنه ٌسًء معاملتك‬
‫‪….‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬نعم …‪ ..‬إنه رجل قاسً القلب‪.‬‬

‫و لم ٌجبها و جعل ٌحدق فً النار مفكرا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذه قضٌة معقدة‬
‫حقا ‪ :‬و البد من التحقق من بعض التفاصٌل فٌها ‪ ،‬و لكن الوقت قصٌر‬
‫‪ ،‬البد من زٌارة ستون موران الٌوم ‪ ،‬ورؤٌة الغرف دون أن ٌدري‬
‫زوج أمك فهل هذا ممكن ؟؟؟؟؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬نعم ‪ ،‬ألنه ذاهب الٌوم إلى لندن و سوف ٌتغٌب النهار كله و‬
‫لدٌنا خادمة منذ أسابٌع و لكنها عجوز بلهاء أستطٌع إبعادها بسهولة‬
‫‪…....‬‬

‫هولمز ‪ :‬و متى سترجعٌن إلى المنزل ؟؟‬


‫هٌلٌن سأستقل قطار الثانٌة عشر‪….‬‬
‫هولمز ‪ :‬حسنا ‪ ،‬سنستقل نحن القطار التالً علٌه‪.‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬أشكرك ٌا سٌد هولمز …‪ .‬و لكن هل ستساعدنً حقا ؟؟‬
‫هولمز ‪ :‬ال رٌب فً ذلك ……‪.‬اطمئنً ‪ ،‬إلى اللقاء‪.‬‬

‫فأحكمت هٌلٌن ستونر الشبكة الحرٌرٌة على وجهها و مضت فقلت له ‪:‬‬
‫ما رأٌك ٌا هولمز ؟‬
‫هولمز ‪ :‬إنها قضٌة غامضة و محزنة‪.‬‬
‫واطسون ‪ :‬و لكن الفتاة تؤكد أن أختها كانت وحدها‪.‬‬

‫هولمز ‪ :‬و الصفٌر أو الفحٌح ٌا واطسون ؟؟ و عبارة الشرٌط المرقط‬


‫؟؟ ٌجب أن نربط بٌن الصفٌر اللٌلً بوجود جماعة الغجر فً الحدٌقة‬
‫مع مصلحة زوج أمها فً أال تتزوج لئال ٌفقد ثروته ‪ ،‬أضف إلى ذلك‬
‫الصوت المعدنً الذي قد ٌكون صوت قضٌب من الحدٌد انتزع ثم أعٌد‬
‫إلى مكانه ‪ ،‬و أظن أن حل القضٌة ٌدور حول هذه العناصر‪.‬‬
‫واطسون ‪ :‬و لكن ما عسى الغجر ٌفعلون ؟؟‬
‫هولمز ‪ :‬لٌس لدي أي فكرة بعد ‪ ،‬و لكننا سنذهب بعد الظهر لنرى‬
‫تطابق الفرضٌة مع الواقع… ما هذا ؟‬

‫و فجأة انفتح الباب و دخل رجل ضخم فوقف و الشرر ٌتطاٌر من عٌنٌه‬
‫‪ .‬كان أصفر الوجه مألته التجاعٌد ‪ ،‬و عٌناه غائرتان تتحركان فً كل‬
‫اتجاه ‪ ،‬و أنف معقوف كأنه منقار طائر جارح ‪ ،‬و ٌحٌط بذلك كله تعبٌر‬
‫من الدهاء و الشر ال ٌمكن وصفه ‪ ،‬و كان ٌرتدي مالبس خلٌطا من‬
‫ثٌاب الفالحٌن و أهل المدٌنة ‪ ،‬و ٌمسك بٌده سوطا متٌنا‪.‬‬
‫فقال العمالق بصوت قوي ‪ :‬أي منكما المدعوهولمز ؟؟‬
‫فقال هولمز بهدوء ‪ :‬أنا هو ٌا سٌدي فهل أتشرف بمعرفة اسمك و‬
‫سبب زٌارتك ؟؟‬
‫فقال العمالق ‪ :‬إنً الدكتور ** كرٌمسباي روالوت ** من ستون‬
‫موران‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬حقا ‪….‬تشرفنا‪..‬‬
‫روالوت ‪ :‬لقد خرجت إبنة زوجتً من هنا ‪ ،‬فماذا ترٌد ؟؟‬
‫فقال هولمز بلهجة رزٌنة ‪ :‬أال تظن أن النهار مشرق بالنسبة لهذا‬
‫الفصل ؟؟‬
‫فزمجر الرجل ‪ :‬ماذا ترٌد ؟؟‬
‫فتابع هولمز سخرٌته ‪ :‬هل تظن أن موسم التفاح سٌكون جٌدا هذا العام‬
‫؟؟‬
‫فصاح الرجل بصوت متقطع ‪ :‬ال ترٌد أن تجٌبنً … أعرفك أنت‬
‫شرلوك هولمز …المحقق الجنائً الجاسوس …عمٌل الشرطة‪.‬‬
‫فابتسم هولمز راضٌا عن نفسه و قال ‪ :‬لقد كانت محادثة ممتعة و‬
‫مثٌرة ٌا دكتور ‪ ،‬و لكنً أرجوك أن تغلق الباب قبل أن تذهب ‪ ،‬ألنً‬
‫أكره التٌارات الهوائٌة !!‬
‫قال الرجل ‪ :‬سأذهب حٌن أرٌد … لكنً أحذرك بأنً أكره التدخل فً‬
‫شؤونً ‪ ،‬إنً خطر إذا هوجمت‪.‬‬

‫و تقدم خطوة إلى األمام و أمسك بمحرك المدفأة الحدٌدي و لواه‬


‫بسهولة ‪ ،‬و صاح ‪ :‬ابتعد عن طرٌقً و إال……‬
‫قال هولمز ‪ :‬أراك إنسان شدٌد التهذٌب قوي العضالت‪….‬‬
‫و أمسك بالمحرك و رده مستقٌما كما كان بحركة واحدة ‪ ،‬فرماه الرجل‬
‫بنظرة شرٌرة و غادر الغرفة مسرعا‪.‬‬
‫و حٌن بقٌنا وحدنا قال هولمز ‪ :‬ال أرٌد لهذه الفتاة أن تلقى المتاعب‬
‫بسببً ‪ ،‬أحتاج إلى بعض المعلومات ‪ ،‬و سوف أحصل علٌها ثم أعود‪.‬‬
‫و رجع هولمز بعد ساعة و قال ‪ :‬لقد اطلعت على وصٌة أم هٌلٌن ‪ ،‬إن‬
‫أموالها لم تعد طائلة بعد انهٌار العائدات الزراعٌة ‪ ،‬و إذا تزوجت‬
‫الفتاتان فسوف ٌواجه زوج أمهما اإلفالس‪.‬‬
‫و قد تخلص من األولى ‪ ،‬و أخشى على الثانٌة من شره ‪ ،‬لنسرع إلى‬
‫ستون موران و ال تنس أن تحمل مسدسك معك ٌا واطسون ‪ ،‬ألن من‬
‫ٌلوي محراك المدفأة ٌحتاج إلى شًء مختلف عن البراهٌن المنطقٌة‬

‫و ركبنا القطار أنا و هولمز ‪ ،‬ثم استأجرنا عربة من المحطة التً تبعد‬
‫حوالً ‪ 8‬كٌلومترات عن ستون موران ‪ ،‬فمشت بنا عبر الحقول‬
‫المزهرة و كان النهار جمٌال ٌتناقض مع البناء المتداعً الذي رأٌناه‬
‫قائما فوق تلة مرتفعة ‪ .‬و سأل هولمز السائق عن ستون موران فقال ‪:‬‬
‫إن المزرعة أما منا ‪ ،‬و األفضل أن تسٌروا عبر الحقول لتصل إلٌها ‪.‬‬
‫فنزلنا من العربة و دفعنا للسائق أجرته فعاد أدراجه ‪.‬‬
‫صعدنا التلة إلى المزرعة ‪ ،‬فقال هولمز و قد رأى هٌلٌن ‪ :‬صباح الخٌر‬
‫ٌا آنسة هٌلٌن …لقد وفٌنا بوعدنا‪.‬‬

‫فأسرعت الفتاة إلى لقائنا و قد ظهرت بشائر الفرحة على وجهها ‪ ،‬و‬
‫صاحت ‪ :‬كنت أنتظركما بفارغ الصبر ‪ ،‬و لقد غادر زوج أمً المزرعة‬
‫‪ ،‬و لن ٌعود إال المساء‪..‬‬

‫فقال هولمز بلهجة مخادعة ‪ :‬لقد تشرفنا بمعرفته‪.‬‬

‫و حكى لها بكلمات ما حدث هذا الصباح ‪ ،‬فاصفر وجهها و قالت ‪ :‬إنه‬
‫ماكر و لم أنتبه إلى إنه ٌراقبنً ‪ ..‬ماذا سٌقول لً بعد عودته ؟؟‬

‫هولمز ‪ :‬سٌكون حذرا ‪ ،‬أغلقً هذا المساء غرفتك بعناٌة ‪ ،‬و إذا خفت‬
‫أن ٌضربك أخذناك إلى عمتك ‪ ،‬و لكن علٌنا أال نضٌع الوقت اآلن ‪ ،‬أٌن‬
‫الغرف ؟؟‬

‫كان البناء متداعٌا و قد نصبت الصقاالت لترمٌمه ‪ ،‬و لكننا لم نجد‬


‫للعمال أثرا ‪ .‬و مشى هولمز عبر أطالل الحدٌقة و تأمل المنزل من‬
‫الخارج و قال ‪ :‬أظن أن هذه نافذة الغرفة التً تنامٌن فٌها ‪ ،‬و فً‬
‫الوسط غرفة أختك ‪ ،‬وهذه األخٌرة غرفة زوج أمك ؟؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬تماما … و لكنً قلت لك إنً أشغل اآلن الغرفة الوسطى‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬بسبب الترمٌم ‪ ،‬و لكن هل هذا الترمٌم ضروري فعال‪.‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬ال ‪ ،‬و أظن زوج أمً اخترعه لكً ٌضطرنً إلى تبدٌل غرفتً‬
‫‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬كالم صائب …و أظن أن الدهلٌز ٌمر أمام الغرف و لها نوافذ‬
‫تطل علٌه‪.‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬نعم ‪ ..‬ولكنها صغٌرة ضٌقة ال ٌستطٌع أحد الدخول منها ‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬حسنا ‪ ،‬ادخلً اآلن غرفتك ‪ ،‬وأرجو أن تغلقً أبواب النوافذ‬
‫الخشبٌة ‪.‬‬
‫فدخلت هٌلٌن و أغلقتها ‪ ،‬وحاول هولمز أن ٌفتحها من الخارج فلم‬
‫ٌقدر ‪ ،‬ولم ٌجد شقا ٌدخل منه سكٌنا ٌدفع به قضٌب الحدٌد الذي‬
‫ٌعترضها من الداخل‪.‬‬
‫فقال هولمز وهو ٌحك ذقنه ‪ :‬حسنا …‪ .‬ال ٌمكن فتحها من الخارج …‬
‫إن فرضٌتً أصٌبت بضربة عنٌفة ‪ ،‬لندخل اآلن‪.‬‬

‫لم ٌهتم هولمز بغرفة هٌلٌن بل انصرف إلى الغرفة التً كانت تشغلها‬
‫المرحومة جولً ‪ ،‬وهً واطئة السقف فٌها مدفأة واسعة وسرٌر و‬
‫طاولة صغٌرة بجانب النافذة الٌسرى و فوق سجادة دائرٌة الشكل‬
‫كرسٌان من الخشب ‪.‬‬
‫فجلس هولمز على أحد الكرسٌٌن ‪ ،‬وجعل ٌتأمل الغرفة كأنه ٌرٌد أن‬
‫ٌحفر تفاصٌلها فً ذاكرته‬

‫و أشار بعد قلٌل إلى حبل مجدول ٌتدلى فوق السرٌر و قال ‪ :‬أٌن نهاٌة‬
‫هذا الحبل ؟؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬فً غرفة الخادمة الستدعائها‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬و هل هو هنا منذ زمن طوٌل ؟؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬منذ ثالث أو أربع سنوات‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬و هل طلبت أختك أن ٌوضع فً غرفتها ؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬ال …… ونحن ال نستخدمه أبدا …‪ .‬فقد تعودنا أن ندبر‬
‫أمورنا بنفسنا ‪ ،‬و ال نحتاج إلى الخدم‪.‬‬
‫فأمسك هولمز بالحبل و جذبه بقوة فلم نسمع صوت الجرس و لم‬
‫ٌتحرك الحبل من مكانه ‪ ،‬فقال ‪ :‬آه ‪ ..‬إنه جرس زائف …‪ .‬و الحبل‬
‫مربوط بحلقة فوق فتحة التهوٌة‪.‬‬
‫فقالت هٌلٌن ‪ :‬لم أالحظ هذا من قبل …‪ .‬أمر عجٌب‪.‬‬

‫فقال هولمز ‪ :‬طبعا … و إنً ألتساءل كٌف ٌفكر المهندس المعماري‬


‫ببناء فتحة تهوٌة تؤدي إلى الغرفة المجاورة و ال تؤدي إلى الخارج‪.‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬هذه الفتحة أحدثت مؤخرا‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬لعلها أحدثت مع حبل الجرس أٌضا ‪.‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬نعم … فً الوقت نفسه‪.‬‬
‫فقال هولمز ‪ :‬جرس ال ٌقرع … و فتحة تهوٌة ال فائدة منها ‪ ،‬سأرى‬
‫الغرفة المجاورة إذا سمحت‪.‬‬

‫كانت غرفة الدكتور أوسع قلٌال ‪ ،‬و لكن فٌها األثاث البسٌط نفسه ‪،‬‬
‫سرٌر متنقل ‪ ،‬و مكتبة صغٌرة من الخشب األبٌض مملوءة بالكتب‬
‫الطبٌة ‪ ،‬و كنبة و كرسً خشبً و طاولة مدورة و حقٌبة معدنٌة كبٌرة‬
‫‪.‬‬

‫و تفحص هولمز األثاث بعناٌة ‪ ،‬و قال و هو ٌلمس الحقٌبة المعدنٌة‬


‫بقدمه ‪ :‬ماذا ٌوجد بداخلها ؟‬
‫هٌلٌن ‪ :‬فٌها أوراق زوج أمً ‪ ،‬و قد رأٌتها مفتوحة منذ سنوات ‪ ،‬و‬
‫أذكر أن فٌها أوراقا و مصنفات‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬و ال أظن أن فٌها مكانا للقطط‪.‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬قطط ؟ أي قطط ؟ لٌس لدٌنا قط‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬حقا ؟ و ما هذا ؟ و أشار إلى صحفة على األرض مملوءة‬
‫بالحلٌب‪.‬‬
‫فقالت هٌلٌن ‪ :‬فعال ‪ ..‬و لكن لٌس لدٌنا قط … لدٌنا نمر و غورٌال‬
‫فقال هولمز ‪ :‬على كل حال النمر قط كبٌر ‪ ،‬و لكن ال تشبعه صحفة‬
‫حلٌب‪.‬‬
‫تفحص هولمز األرضٌة بمكبرته ‪ ،‬ثم التقط شٌئا و قال ‪ :‬ما رأٌك بهذا‬
‫ٌا واطسون ؟‬
‫واطسون ‪ :‬إنه رسم كلب … و فً طرفه أنشوطة ‪ ،‬و ما فائدته ؟‬
‫فقال هولمز ‪ :‬سنعرف فٌما بعد …‪ .‬و اآلن ٌا آنسة هٌلٌن … إن‬
‫حٌاتك فً خطر ‪ ،‬و ال أرٌد أن ٌفاجئنا الرجل هنا ‪ ،‬و قد عزمنا أن‬
‫نقضً اللٌة فً غرفتك … فإذا أقبل المساء تذرعً بصداع لكً تدخلً‬
‫هذه الغرفة التً تنامٌن فٌها ‪ ،‬و حٌن ٌظلم اللٌل افتحً النافذة و‬
‫أضٌئً المصباح و اخفضٌه ‪ 3‬مرات ‪ ،‬ألننا سننزل فً فندق القرٌة‬
‫القرٌب ‪ ،‬ثم غادري هذه الغرفة إلى غرفتك السابقة ‪ ،‬و ال تنسً أن‬
‫تتركً النافذة مفتوحة ألننا سننام ألننا سننام فً غرفة أختك …‬

‫فقالت هٌلٌن ‪ :‬أظنك تدبر خطة‪.‬‬


‫هولمز ‪ :‬ممكن …‪ .‬و ال أرٌد الحدٌث عنها‪.‬‬
‫هٌلٌن ‪ :‬هل تصدقنً إذا قلت لك إن أختً ماتت من الخوف ؟‬
‫هولمز ‪ :‬ال… لقد ماتت من شًء ملموس ‪ ،‬سنسعى إلى اكتشافه … و‬
‫لكن افعلً ما أوصٌتك به حرفٌا!‬

‫استأجرنا غرفة و قاعة فً الطابق األول من فندق ** التاج ** و كانت‬


‫تطل على ستون موران ‪ ،‬و الجانب المسكون من البناء فٌه ‪ ،‬و مع‬
‫حلول الظالم رأٌنا الدكتور ٌعود إلى الدار ثم ٌضاء النور فً غرفته‪.‬‬

‫فقال هولمز لً ‪:‬إنً أشعر بتأنٌب الضمٌر ورطتك فً هذه القضٌة‬


‫واطسون ‪ :‬وهل تحسبنً خائفا من األخطار ؟ وهل نسٌت ما واجهناه‬
‫معا ؟ ولكن قل لً إلى أٌن وصلت تحرٌاتك ؟؟‬
‫هولمز ‪ :‬لقد رأٌت بنفسك ما رأٌته أنا‪..‬‬
‫واطسون ‪ :‬ولكنك استنتجت شٌئا … هذا واضح‬
‫هولمز ‪ :‬لم أستنتج شٌئا خاصا ‪ ،‬ولفت انتباهً رسن الكلب هذا ‪ ،‬فما‬
‫فائدته ؟؟‬
‫واطسون ‪ :‬وفتحة التهوٌة ؟ إنها صغٌرة ال تتسع لقبضة الٌد …‪..‬‬
‫ولكن ما العجٌب فٌها ؟؟‬
‫هولمز ‪ :‬كنت أتوقع وجودها قبل قدومً إلى ستون موران‬
‫واطسون ‪ :‬كٌف ذلك ؟؟‬
‫هولمز ‪ :‬ذكرت لنا الفتاة أنها شمت رائحة السٌجار من غرفتها ‪،‬‬
‫وعلمت أن زوج أمها ما ٌزال مستٌقظا ‪ ،‬مما ٌدل على وجود فتحة ٌنفذ‬
‫منها الدخان ‪ ،‬و أجد كثٌرا من المصادفات ‪ :‬فتحة تهوٌة و حبل جرس‬
‫وفتاة تموت فً سرٌرها‪.‬‬
‫فقال واطسون ‪ :‬وأٌن الغرابة فً هذا ؟‬
‫هولمز ‪ :‬ألم تتأمل السرٌر جٌدا ؟‬
‫واطسون ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬وهل الحظت شٌئا ؟‬
‫واطسون ‪ :‬ال لم أالحظ شٌئا‪.‬‬
‫هولمز ‪ :‬إنه مثبت باألرضٌة وال ٌمكن زحزحته من مكانه ‪ ،‬فهل رأٌت‬
‫أسرة من هذا النوع ؟؟‬
‫واطسون ‪ :‬هذا غرٌب!‬
‫هولمز ‪ :‬إنه أكثر من غرٌب ٌا واطسون ‪ ،‬فالفتاة ال تستطٌع إال أن تنام‬
‫تحت حبل الجرس المعلق تحت فتحة التهوٌة ‪.‬‬
‫فقال واطسون بلهجة الخائف ‪ :‬هولمز ! لقد بدات أدرك ما تعنً …‬
‫ولكن هذا أمر فظٌع !‬
‫فهز رأسه قائال ‪ :‬إنه ابتكار مخٌف … فال حد للشراسة اإلنسانٌة‪.‬‬

‫حوالً التاسعة أطفئت األضواء بالمنزل البعٌد وساد الظالم ‪ .‬وبعد‬


‫ساعتٌن التمع نور المصباح فً النافذة ثالث مرات ‪ ،‬فهب هولمز واقفا‬
‫وقال ‪ :‬اإلشارة … هٌا ٌا واطسون …‪ .‬جاء دورنا‪.‬‬

‫أعلمنا صاحب الفندق بأننا سنزور صدٌقا لنا فً الناحٌة ومن المحتمل‬
‫أن نقضً اللٌلة عنده ‪ ،‬وخرجنا فإذا اللٌل بارد والجو كئٌب ‪.‬‬
‫لم نجد صعوبة فً اجتٌاز السهل المحٌط بالمبنى ‪ ،‬ودخلنا الحدٌقة التً‬
‫انهارت أسوارها ‪ ،‬وما كنا نخطو بضع خطوات حتى رأٌنا مخلوقا قزما‬
‫شبٌها باإلنسان ٌلوح بٌدٌه وهو ٌمشً متماٌال على جانبٌه ‪ ،‬فأمسكت‬
‫بٌد هولمز خائفا وتشبث بً ومر بجانبنا دون ان ٌلتفت إلٌنا ‪ ،‬وابتعد‬
‫ٌجري‬

‫و همست بضحكة مكتومة ‪ :‬الغورٌال!‬

‫لقد نسٌنا هواٌة الدكتور فً جمع الحٌوانات فأسرعنا قبل أن ٌتعرف‬


‫علٌنا النمر ودخلنا الغرفة وأغلق هولمز النافذة ووضع مصباحا على‬
‫الطاولة فإذا الغرفة كما تركناها‪.‬‬
‫وقرب هولمز فمه فً أذنً وهمس بصوت ال ٌكاد ٌسمع ‪ٌ :‬جب أال‬
‫تحدث صوتا و إال فالموت بانتظارنا ‪ٌ ،‬جب أن نطفئ المصباح لئال ٌرى‬
‫نوره من فتحة التهوٌة واجعل مسدسك فً متناول ٌدك …‪ .‬سأجلس‬
‫بجانب السرٌر واجلس أنت على الكرسً ‪ ،‬الصمت او الموت!‬

‫أخرجت مسدسً ووضعته على الطاولة ‪ ،‬وكان هولمز قد جلب معه‬


‫سوطا رفٌع مرنا ‪ ،‬فوضعه على السرٌر بجانب شمعة وعلبة كبرٌت ثم‬
‫أطفأ المصباح … ولبثنا فً الظالم ‪ ،‬ولن أنسى ما حٌٌت ذلك اإلنتظار‬
‫المرٌع ‪ ،‬إذا كنت ال أسمع تنفس هولمز وهو قرٌب منً … وتناهى‬
‫إلٌنا زئٌر النمر فً الحدٌقة ‪ ،‬فمر علٌنا الزمن كأنه دهر طوٌل ‪،‬‬
‫وتٌبس أطرافً وأنا ال أجرؤ على الحركة ‪ ،‬وتوفزت حواسً فً الظالم‬
‫‪.‬‬
‫وفجأة التمع برق أحمر من جهة فتحة التهوٌة ثم اختفى ‪،‬‬
‫وشممنا رائحة اشتعال الزٌت والمعدن الساخن ‪ ،‬فقد أضًء القندٌل فً‬
‫الغرفة المجاورة ‪ ،‬وسمعت حركة فتهٌأت للوثوب ‪ ،‬ولكن الوثوب على‬
‫أي شًء ؟؟‬
‫واشتدت الحركة ‪ ،‬واقشعر جسدي وانا أسمع صوت فحٌح كأنه الماء‬
‫ٌغلً على النار ‪ ،‬الصفٌر فً الحجرة‪.‬‬

‫فنهض هولمز و أشعل عود كبرٌت ‪ ،‬وبدا ٌضرب بسوطه حبل الجرس‬
‫المتدلً فوق السرٌر وهو ٌصٌح ‪ :‬هل تراه ٌاواطسون ؟ هل تراه ؟‬

‫و لكننً لم أر شٌئا ‪ ،‬وحٌن أشعل هولمز عود الكبرٌت ارتفع الفحٌح‬


‫وصار أقوى ‪ ،‬ولم أبصر على النور الضئٌل ما كان ٌضربه بهذا العنف‬
‫‪ ،‬وما كنت أرى سوى وجهه الشاحب الملًء بالغضب واالشمئزاز ‪.‬‬

‫وتوقف عن الضرب بسوطه وهو ٌلهث وٌنظر إلى فتحة التهوٌة‬


‫فارتفعت من الناحٌة الثانٌة من الجدار صرخة هائلة لم أسمع مثلها‬
‫صرخة ألم وخوف وغضب ‪ ،‬تعالت ثم انتهت باختناق المحتضر ‪.‬‬

‫و صحت ‪:‬ما هذا ؟‬


‫فنظر إلٌه هولمز ووجهه أصفر كاللٌمون ‪ :‬لقد انتهى كل شًء ‪ ..‬هذا‬
‫أفضل ‪..‬احمل مسدسك ولندخل غرفة الدٌكتور‪.‬‬
‫وطرق الباب المجاور فلم ٌسمع شٌئا ‪ ،‬فأدار المقبض وفتح الباب‬
‫وتبعته ومسدسً بٌدي ‪….‬‬
‫كان القندٌل على الطاولة ٌرمً شعاعه النحٌل والحقٌبة المعدنٌة‬
‫مفتوحة ‪ ،‬والدكتور روالوت على كرسٌه ثابت ال ٌتحرك ‪ ،‬وعلى ركبٌته‬
‫رسن الكلب الذي شغل فكري ‪ ،‬ورأسه ملقى إلى الوراء وعٌناه‬
‫مفتوحتان تحدقان فً السقف و على جبٌنه شرٌط أصفر مرقط ببقع‬
‫بنٌة ملتصق به ‪ .‬فهمس هولمز ‪ :‬الشرٌط …‪ .‬الشرٌط المرقط‬

‫وتقدمت خطوة إلى األمام فتحرك الشرٌط العجٌب على جبٌن المٌت‬
‫وارتفع طرفه ‪ ،‬فإذا هو رأس أفعى مثلث الشكل ‪.‬‬

‫وهمس هولمز لً ‪ :‬أفعى مائٌة …‪ .‬أشد أفاعً الهند فتكا ‪ ،‬وٌموت من‬
‫تلدغه بعد عشر ثوانً ‪ ،‬لقد قتل نفسه بنفسه ‪ ،‬لنرجع هذه األفعى إلى‬
‫الحقٌبة المعدنٌة ‪ .‬وأمسك بالرسن ذي األنشوطة ‪ ،‬وأحكمه على عنق‬
‫األفعى ثم انتزعها بجذٌة قوٌه وحملها بعٌدة عن جسمه ‪ ،‬ثم رماها فً‬
‫الحقٌبة الحدٌدٌة و أغلق غطاءها‬

‫كذلك كان موت الدكتور روالوت ‪ ،‬وغنً عن القول أن الشرطة اعتبرت‬


‫وفاته حادثا ‪ ،‬وقد ذهبت اآلنسة هٌلٌن إلى بٌت عمتها ‪ ،‬وتزوجت بعد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وما بقً علً قوله قد سمعته من هولمز ونحن فً طرٌق العودة ‪ ،‬قال‬
‫هولمز وهو ٌفكر بعمق ‪ :‬لقد سرت فً طرٌق خاطئة حٌن ربطت ما‬
‫بٌن الشرٌط المرقط وبٌن الغجر المقٌمٌن فً الحقول ‪ ،‬وسبب ذلك ما‬
‫قالته لً هٌلٌن ‪ ،‬ولكنً حٌن اكتشفت الرسن الذي تربط به األفاعً ‪،‬‬
‫وفتحة التهوٌة وجهت نظري إلى إمكانٌة وجود حٌوان ‪ ،‬ألن الدكتور‬
‫مولع بجلب الحٌوانات من الهند وكان ٌنبغً للمفتش أن ٌكتشف‬
‫العضتٌن اللتٌن تركتها األفعى فً عنق الفتاة ؟‬
‫والدكتور روالوت المجرم خبٌر بالسموم ‪ ،‬وهو ٌعرف ان سم هذه‬
‫األفعى ال ٌكتشف بالتحالٌل الكٌماوٌة أو الطبٌة الحالٌة ‪ ،‬ولعل جولً قد‬
‫نجت من لدغ األفعى مرات ومرات حتى ظفرت األفعى بها‪.‬‬

‫قد أكون مسؤوال عن موت الدكتور ألنً هاجمت األفعى بسوطً و‬


‫أجبرتها على العودة من فتحة التهوٌة فارتمت على الدكتور ‪ ،‬ولكنها‬
‫مسئولٌة ال تشغل بالً وال تمنع النوم من عٌنً‪.‬‬

You might also like