Professional Documents
Culture Documents
ثم قال :لست نادما يا زينب ولن أكون كذلك ولِما أندم وفترة
احتجازي لن تدوم على أية حال بما أن القاضي ال يملك األدلة
الكافية ضدي.
الزلت راضية بمهنتي ففي النهاية تبقى على قول زمالئي األكثر
مالئمة المرأة تجاوزت سن األربعين والتزال عزباء تعيش
وحيدة وتعاني من انحناء في العمود الفقري وتساقط في الشعر،
ضف للقائمة مزاجي المتقلب باستمرار...
-آآه الهواء نقي وكأن ِرأتاي تتذوقان األكسجين ألول مرة .قالت
رزان وهي تفتح ذراعيها وترفع رأسها عاليا للسماء.
بعد ان رسمت ابتسامة عريضة على ثغري قلت- :أي منطق هذا
تعتمدين عليه؟ الفيزياء تقول أنّ نسبة األكسجين تقل كلما ارتقيت
إلى ارتفاع أعلى ،وكما تالحظين نحن على قمة جبل.
-يبدو للعيان من الخارج أنه شخص طيب لكن كيف يمكنه أن
يكون سعيدا هكذا بعد كل شيء؟
تعجبت من كالمها وقلت وأنا أفتح باب الكوخ:
أوال بالل وزوجته اللذان قرّرا قضاء جزء من شهر العسل في
مخيم ثلجي على سبيل التجديد واالختالف.
وهناك رزان وهناك أنا الطبيبة النفسية التي يطلب منها الجميع
األن "تحليل شخصية" ولكن لألسف أخبرتهم أنني نسيت بلورتي
السحرية وبطاقات التكهن في المنزل على سبيل المزاح من
طلباتهم الغريبة.
ويجلس بجوارها زوجها الذي ال يفتح فمه إال للتثاؤب ...غير أن
الوضع لم يستمر طويال على نفس النحو كانت البداية حين سأل
بالل السيد جمال بكل عفوية عن إمكانية تمديد الرحلة.
أومأت برأسي موافقة وذهبنا إلى بيتهما الذي سبقنا إليه زوجها.
دلفنا إلى الداخل لنجلس على طاولة كانت تتوسط الردهة وبدون
إطالة قالت وهي تعقد يديها في توتر:
-انه يوم العاشر من ديسمبر ...يوم ملعون ...منذ ستة سنين وفي
مثل هذا اليوم من كل عام تحدث جريمة قتل هنا.
-أنا أعتقد أنه مجرم يترصد لنا الهالك ولكن لزوجي رأي اخر.
يعتقد أن
-األمر يعود لوجود روح غاضبة.
ثم رحلت ألن األمر ببساطة يعني الشرطة أكثر مما يعنيني.
قضيت الليلة وعيناي معلقتان على رزان ولكنها لم تبد أية حركة
مشبوهة...
مرت تلك اللية في سالم ولم تكن هناك أي جثث أو جرائم قتل
الضحايا رزان!
!
تفاصيل
استمرت تحقيقات الشرطة يومين ومُنع الجميع من المغادرة...
سبب الحريق كان تسرب الغاز.
المشتبه به طبعا هو أول شخص خطر على بالك .نعم كان الشيخ
الذي لم يمتلك حجة غياب.
لكني الوحيدة التي تعلم أنه ليس القاتل وأعلم أنك ستكتشف األمر
أنت كذالك بمجرد التفكير قليال...هناك تفصيل بسيط غفل عليه
الجميع .هل تذكرته؟ أنا أؤمن بذكائك يا عزيزي وأعلم أنك
حللت اللغز.
كشك
ذهبت مسرعة إلى نقطة االنطالق...إلى كشك صاحب المخيم
كان مفتوحا لحسن حظي ولم يكن هناك أحد
بدأت أفتش المكان بعيناي ...وكان كما توقعت تماما إنها غير
موجودة.
ثم أرتدى مالبسه ذاهبا ً إلى ذلك الطريق الذي وجد فيه تلك
الورقة من عدة شهور مضت .وأخرج ورقته من جيب سترته
وأرسلها مع الرياح لتصل لمن ستختاره األقدار .حتى وقعت في
يد طفل ربما في الثامنة من العمر ،فبينما هو قد أدار ظهره
عائداً قد سمع ذلك الطفل يتهجأ كلمات رسالته تلك بصوت
طفولي لذيذ محبب وقد التف حوله مجموعة من األطفال
محاولين اكتشاف تلك الورقة التي اختارتهم هم دون غيرهم.
إسراء طارق
تلك الحافة المجهولة
١
صورة ضبابية ،مشهد غير واضحُ ،ج َّل ما تعرفه أن هناك
الكثير من األشخاص كأنه احتفال أو اجتماع من نوع ما ،ولكنك
ً
مدعوا لهذا الحفل. ال تدري لما أنت هنا ،فيبدو أنك لست
ُتشاهد كل ذلك ،فتضحك حي ًنا على سذاجته ،وتشفق أحيا ًنا على
حالهَّ ،تود لو أن بإمكانك الصراخ لتحذيره أن العالم لن يسع
خياله البريء ،وأن كل شيء يخص مستقبله مرسوم بدقة ،ولو
و َّد أن يحيد عنه ،اتهموه بالجنون.
تسمع أصوا ًتا حول الصغير ،تب َّدل المشهد من غرفته الصغيرة
ذات األحالم الوردية ،إلى غرفة كبيرة تحوي أشخاصًا ُكثر،
أحدهم يخبره أن يبذل قصارى جهده ،وصوت يقول إن بذلت
جهدك وتعبت في هذه المرحلة سوف ترتاح فيما بعد.
٤
َكبُر الصغير ،لم يعد كسابق عهده ،شخصيته الصغيرة لم تعد
كما كانت ،أحالمه ال تمت بصلة لتلك األحالم الصغيرة التي
كانت تسكن عالمه الخاص به ،كل شيء لم يعد يشبه الماضي،
هو يذكر الماضي بشكل طفيف ،ولكن رغم ذلك هو يشعر في
قرارة نفسه أنه تغير ،وتغير كثيرً ا أيضً ا.
٥
ها هو اآلن على عتبات التخرج ،ما كان يحلم به منذ زمن،
أخيرً ا تحقق ،لم يكن يعلم أنه سيصل إلى هذه اللحظة ،كان دائمًا
يرى هذه اللحظة بعيدة ،كان يستغرب هؤالء الذين يتخرجون من
حوله ويتسائل كيف يفعلون ذلك؟.
فجأة تسمع أصوا ًتا كثيرة ،ماذا سوف أفعل اآلن؟ هل هذا هو ما
أريد ح ًقا؟ أخبروني أنني سوف أجد الراحة عندما أفعل كذا وكذا
فأين الراحة؟ كيف السبيل إلى الخالص من كل هذه األفكار؟.
ال أحد في المكان سواك أنت والصغير ،يبدو أنك تسمع أفكاره،
ولكن كيف؟ ال تدري ،أهي َمل َك ٌة اكتشفت وجودها مثل تلك التي
تشاهدها في أفالم الخيال العلمي! أم أنك فقط تتخيل أنك تسمع
أفكاره رغم أنه ال يتحدث مطل ًقا! ،يبدو أن هذا الكابوس سيُفقدك
عقلك ويجعلك تصدق األوهام والترهات.
فجأة تبدلت مالمح الصغير ولكن الغرفة كما هي ،كل شيء كما
هو المالمح فقط اختلفت ،هذه مالمح صديقك المقرب ،ثم مالمح
جارك ،مالمح زميلتك في الجامعة ،المالمح تتغير ولكن كل
شيء كما هو ،مالمح ألشخاص عرفتهم طوال حياتك فرقتكم
الطرقات ،بقي من بقى وغادر من غادر ،ولكن ما الرابط بين
كل هؤالء؟.
ً
متنهدا بعد أن قلبت المكان رأسً ا على عقب جلست مكانك
لتهرب ،ولكن بال جدوى ،أخذت تفكر ما عالقة هؤالء
األشخاص ببعضهم ،ال شيء يجمعهم ،ال مدينة وال شارع وال
حي ،ال يجمعهم شيء سوى أنهم متماثلون في العمر.
٧
تحول المشهد الذي كنت فيه إلى مكان أبيض واسع ،ال شيء
فيه سوى اللون األبيض ،تنظر إلى أعلى فتجد لو ًنا أبيضًا أيضا
ولكن يشوبه قليل من السواد ،ال تفهم ما هذا المكان ،يبدو أن هذا
الكابوس لن ينتهي قريبًا.
مشهد الختام لم يُكتب بعد لذا فالمشهد بال رقم إلى حين مسمى،
ربما لن يُكتب اآلن ،ربما يأخذ وق ًتا حتى يُكتب ،لم يُسدل الستار
بعد فمازال للمسرحية بقية ،فهل يمكن للستار أن يُسدل رغمًا
َّ
تخطينا لذاك الحاجز محظ ترهات ع َّنا؟ ،ربما كانت محاولة
وأوهام ،ومحاولة تشكيل اللوحة تبعً ا إلرادتنا صعبة ،ربما كان
السعي ال يستدعي حتمية الوصول ،ولكن عزاؤنا أن السعي
يستدعي حتمية الجزاء ،عزاؤنا هي محاوالتنا للتمسك بخيوط
األمل التي تبعث بها الشمس ،رغم أنها على حين غرة م َّنا تأف ُل
وتتركنا في الظالم الحالك ،عزاؤنا كما قالت رضوى عاشور -
بغير هّٰللا
رحمة عليها " -هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا ِ
الهزيمة ما ُدمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا ".
مباركة الميطة /الجزائر
قبص شهاب
بين صراعات القلب وانكسار العين ،بين تالحم الشفق واستيقاظ
الفجر ،وبين تنفس الجبال ورقصات األشجار أعلنت أرتيميس
ميالد موسم اإلصطياد ،وصدح صوتها بين ثنايا المجرات لتكن
كل األنفس مثلي المرمى مستنير والسهم مشدود على قوس
االنتصار ليبجل الصيادون ولينزلوا لبالد الضعفاء أرض القلوب
الميتة من صعقات الحياة وليبرزوا قوة النجوم.
كعادتي استرقت السمع لحكايا النجوم من شرفة منزلي
وكانت خير جليس لضعف إرادتي جسد انصاع لويالت المرض
وأرجل كبلت بأصفاد الشلل ،صدامات نزلت على هذا الجسد
وجدت في قدمي مسرحا لترسيخ انتقام القدر ،فحبست قلبي
وعقلي عند هذا الحد ،سمعت تلك األرتيميس تردد هيا هذه
أرضكم يا محاربي فانزلوا ولتكن غنائمكم أنفس من البشر.
فجأة سطع ذاك الوميض بين عيني شهاب سلك طريق الغيوم
ليسقط أمام قدمي ...إقتص من ذات اإلنتقام ...ليعود البصر
رويدا رويدا وتفك األصفاد قفال واء قفل ...
أساور غجرية وثياب عربية وأفكار جهنمية ،تقبع بين يدي
إدعت العلم والمعرفة ،وجالت في علم الغيب تعبث بأصابعها
بين دفاترنا ،قالت مسكت بين يدي قارات سبع حولتها لسبع
حجرات ،فإن كنت ذا علم ومعرفة صارت بقرات سمان تنبئ
بالخير والبركة ،وإن كانت بالعكس ،فأنت ذا طالع نحس ،صرن
عجاف ال يسمن وال يغنين من جوع ،خطت بأصابعها على
شاطئ بحري حكايات وروايات ،ارتوت بمطر السماوات السبع،
وشقت طريقها نحو سابع أرض ،سلبت لب العاقلين واتهمت
الباقون بالجهل ،فكان لكل سطر رواية تقص مستقبلك ،نجاح،
عمل ،مال ،خطبة وزفاف ،أو ولد ،استهوت صاحب نفس
تطمع لما فقدت من خط القدر .
في قلبي قلت شتان بين علم رصد حركة الرياح والنجوم
واستخلص حركة الغيوم ،علم علم إن كانت السحابة تحمل
بجعبتها ما يثلج قحل األرض ،أم خاوية ليس فيها سوى صدى
قارورة فارغة مثلي ،لما لم أقل ذالك وأرفض حوارها
وانصرف لهمي ال أعلم ،بل استرسلت وقلت :هاتي لنرى يا
صاحبة العلم فأساسا كنت هائمة على وجهي في أرض نبذت
كياني ،ليس لي فيها عمل إنما فراغ يتلوه فراغ.
ماذا اأنا بصحة جيدة لم أشتكي مرضا وال حمة وال شيء كيف
تقولين أيامي في الحياة معدودة ....آه رأيتني مقعدة فضننت أن
مرضا فتك بي بل أعظم األطباء قال خلل في نفس وليس جسد
يشفى ويقوى مع مرور الزمن .
ما إن قالت هذا حتى عاد صوت أرتيميس ليصدح بين النجوم
ليجتمع المحاربون فقد سرى القلم بقلوب المستضعفين ولهم قرار
المضي أو الرضوخ فلسنا سوى رسائل تخاطب الروح.
عادل عبد العاطي الغنام/.مصر
الهاربون إلى الكهف
-1-
" أدهم ...حبيبي ...أثق أنك عندما تأتي سوف نصنع ما هو
أفضل من هذا ...أحبك!" (ميرنا).
-2-
التاكسي يقطع قيظ القاهرة متجهًا الى المطار ،بحركة ال إرادية
يتفحص تذكرة الطيران وجواز السفر ،يتأمل التأشيرة السياحية
التي سيدخل بها الدولة التركية ،بوابة أوروبا ،حلم جيله كله.
تعتصره لحظات وداع "حسناء" الباكية ،يهدأ من روعها
ويطمئنها فكل ذلك من أجل المستقبل وتحقيق حلم العالمية ،وهي
ترد بجملة واحدة "كنت أنا حلمك الدائم" .ال يعقب ويسحب باب
الشقة ملقيًا بقلبها المتحطم وراءه.
-3-
لم يفهم سر هروب طيور الحمام الذي كان تعتني به أمه "فرح"
كأبنائها فوق سطح منزلهم ،ولِ َم سكنت الفراشات الملونة باحة
منزلهم الرحيب؟ هل ح ًقا تسكن األرواح الفراشات لتطل بين كل
حين وآخر على أحبابها؟ هل كان عمره ال يسمح له باالستيعاب؟
ال يظن ،فلقد أتم وقتها المرحلة الثانوية ويترقب دخول الجامعة.
لكن رحيله مع "حسناء" أخته الكبرى بعد ذلك لإلقامة وحدهم في
شقة جدهم القديمة ،تجنبًا لالختالط مع زوجة أبيهم ومعاملتها
تفسير واحد ،أنه بعد موت
ٍ السيئة لهم ،كل ذلك جعله يستقر على
"فرح" ،غابت كل البهجة عن الحياة!
-4-
" -حسناء" ...أريد أن أحول غرفتي إلى "أستوديو" كي أتمكن من
القيام بالتسجيالت الصوتية وتصوير الفيديوهات بطريقة
احترافية ،إن دراستي في كلية اإلعالم قد فتحت لي الكثير من
األبواب ،ورأيت نماذج خاصة بشباب معي في الكلية و...
-انتظر قلياًل يا "أدهم" ...أظن مشروعً ا مثل هذا يكلف الكثير،
وأنت تعرف أننا نعيش على ميزانية محدودة من مصروف أبيك
مع فوائد الودائع البنكية التي ورثناها عن أمك.
جدا ،وممكن القيام به بإمكانات قليلة .ما رأيك؟ ً
بسيطا ً -ما أريده
ت تعرفين حلمي منذ صغري...
أن ِ
-رحمك هللا يا "فرح" ...أوصتني أال أكون سببًا لحزنك ً
أبدا!
-5-
ْ
حملت حقيبة يدها وهمت ِرت كثيراً لدهشته من طلبها،
َسخ ْ
باالنصراف ،عادت ونظرت في عينيه بعمق "انظر للحياة من
حولك ،وال تعِش كأهل الكهف!"
-6-
أعاد األوراق الى حقيبة يده ،ال يحمل غيرها ،لذا حاول حشوها
بكل ما أمكنه من مستندات مهمة وبعض الصور القديمة ،أخرج
هاتفه الذكي ،فتح برنامج "الواتساب" ليتابع آخر الرسائل الواردة
إليه .الفتة صالة المغادرين َتلَ ُّوح أمامه ،ومعها وجه "ميرنا"
المضيء الذي فتنه في عدسة الكاميرا .تسلمت "ميرنا" رسالته
األخيرة دون أن تقرأها( .يقولون إن السحر وه ٌم للعيون ،فكيف
يكون سحرك في غيابك أشد من صحبتك؟ أم أنه العشق الذي
يأسرني إليكِ ؟ ...أدهم) .عالمة وصول الرسالة تتلون لألزرق
إشار ًة على قراءتها .يتوقف التاكسي ،حمل الحقيبة وغادر نحو
بوابة المطار مع نغمة وصول رسالة جديده!
-7-
-ال أحتمل الحياة في هذا البلد ،أريد الرحيل إلى أي مكان .لن
أعيش وأموت مثل أهل الكهف!
-هذا الموضوع فيه التباس كبير يا أدهم.
-هل من الممكن أن توضحي رأيكِ يا دكتوره حسناء؟
-دكتورة رغمًا عنك!
-أعرف ذلك ...ماجستير في آداب اللغة اإلنجليزية وبدرجة
امتياز ...أكيد دكتورة وبال جدال.
-حس ًنا يا مراوغ...المهم في الموضوع أن عبارة أهل الكهف التي
ال تعجبك تستخدم اآلن في الحياة كداللة على الرجعية والتأخر
مع أن الحقيقة غير ذلك .إن شباب الكهف كانوا أكثر تقدمية من
مجتمعهم التقليدي الذي لم يسمح بالتجديد أو حتى محاوالت
التفكير المغايرة ،لذا لم يكن أمامهم إال أن ينصاعوا ويكبلوا
أنفسهم بالجهل والجبن ،أو أن يهربوا بمعتقدهم وإيمانهم الى
مكان بعيد يعيشون فيه دون خوف أو قيد .إن مكوثهم في الكهف
لم يكن غايتهم قط ،بل وسيلة لتحقيق ما هو أهم وأثمن ومن أجل
بناء حياة جديدة .لكن يوجد أمر غريب في كالمك.
-غريب !؟
-نعم ،لدي صديقة في الكلية تردد مثل هذا الكالم ،متمردة على كل
شيء ,وتبحث عن أي طريقة للهجرة خارج البالد .هل تعرفها؟
َ -من؟
" -ميرنا" ...صديقتي التي أحكي لك عنها .لعلك قابلتها هنا في
شقتنا ،كانت معتادة على حضور حفالتنا الشهرية ،لكنها انقطعت
عنها منذ فترة وكذلك كل أخبارها دون سبب واضح .هل
تذكرها؟
-ال أظن!
-لكن "ميرنا" تختلف عنك بشكل كبير ,وذلك بسبب ما مرت به
من ظروف غير طبيعية .فبالرغم من صغر سنها ،فقد مرت
بتجربتين للزواج؛ في المرة األولى تزوجت من ابن عمتها وهي
ما زالت تدرس في المرحلة الثانوية ،لكنها انفصلت عنه بعد
دخولها الجامعة ،على ما يبدو كان زواجً ا تقليديًا مفروضًا عليها
من األسرة ،ومن عمتها التي كانت ترعاها بعد وفاة والديها .بعد
طالقها ،استقلت "ميرنا" بحياتها الخاصة ،وكانت تنفق على
نفسها من عمل مؤقت في أحد مطاعم البيتزا .في المرة الثانية
ارتبطت عرفيًا بأحد زمالئنا في الكلية ،زواجً ا عابرً ا لم يستمر
سوى عدة أشهر ،ولسوء حظها أصيبت في التجربتين بأزمة
نفسية كبرى وأجرت في كل مرة عملية إجهاض للتخلص من
جنين لم ترغب في وجوده .كانت في دفعتي والتحقنا بالكلية معًا
لكنها متأخرة اآلن في الدراسة...
-ميرنا ...ميرنا ...ال أعتقد أني أعرفها ،لكن قد تتشابه األفكار
على أية حال!
-8-
لم تكن رسالة نصية ،بل فيديو ،لكنه يحتاج بعض الوقت ليكتمل
تحميله .سحب حقيبة السفر متجهًا نحو بوابة المطار ،نفس
الحقيبة التي كان يحملها معه منذ أيام المدرسة .ابتاعتها له أمه
"فرح" في الصف األول الثانوي عندما حصد المركز األول في
امتحانات نهاية العام ،وتم ترشيحه لرحلة علمية ،وتوالت
الرحالت ،وكل مرة كانت "فرح" تهتم بالحقيبة وتجهزها له بكل
ما يمكن أن يحتاج إليه أثناء السفر ،كم كان يتعجب من مقدرتها
على التوقع ،لم ْ
تنس يومًا المخبوزات المحشوة بالتمر التي
يلتهمها في الطريق .تابعت "حسناء" مهمة "فرح" من يوم
التحاقه بالجامعة ،إال هذه المرة ،فال تحوي حقيبته غير الكاميرا
وأدوات التصوير .ينجز إجراءات التفتيش في يسر ،ينتظر دوره
في مكتب تسجيل الرحلة ،يتابع مراحل تنزيل الفيديو ،وصل
للمنتصف ،تظهر الصورة تدريجيًا ،وإن لم تتضح بشكل تام،
فتاةٌ ترتدي زيًا عسكريًا ,وتمسك بيدها جسمًا غريبًا أشبه بكرة
سوداء!
-9-
من وقت ما سبقته "ميرنا" بالهجرة وهما يتواصالن من خالل
الرسائل .ميرنا لها قدرة فائقة على قراءة أفكاره ،بل وتحفيزه
لفعل أمور لم تخطر يومًا بباله ،هي الوحيدة بعد أخته "حسناء",
وصديق عمره في الحياة والدراسة "محسن" ,من تستطيع أن
توجه مسار تفكيره ،وفي الفترة األخيرة كانت وحدها التي تقدر
على التأثير عليه ،هل ذلك بسبب مصاحبتها له أغلب الوقت؟
هل كانت تسحره ح ًقا بعينيها الزرقاوين؟ مازالت كلماتها تدور
َ
(أنت سجين كهف الرتابة والتقليدية ،قمة طموحك هي برأسه
أقصى درجات العادية ،هل جربت نشوة التحرر ولو لمرة
شخص آخر .لقد عشت
ٍ تالق وتشابه ،لم أجده في
ٍ واحدة؟ إن بيننا
ُ
وكنت أفكر مثلي بال أم أو أب أو حنانَ ،
كنت تحلم بعين أختك
بعقل عمتي ،واآلن علينا أن نختار الحياة التي نحبها وتجلب لنا
السعادة .إن المجتمع ما هو إال مجموعة من الجالدين .يجلدونك
بالعين وبالقول وينتقدون أفعالك بال مبرر وال رحمة! أما في
أوقات الحاجة إليهم فيقابلونك بالالمباالة والتجاهل .غايتهم أن
تكون أنت معذبًا .من هذه اللحظة ،لن نسمح لهم بذلك ،بإمكانك
الحصول على تأشيرة سفر للسياحة إلى تركيا ثم بعدها ستتمكن
من الوصول إلى أوروبا وساعتها نستطيع أن نعيش م ًعا الحياة
التي نحلم بها ،أنت مصور محترف ومخرج مبتكر ،وستموت
موهبتك معك .عليك أن تلحق بي إلى عالم ال يملكك فيه غير
ذاتك فقط" ...ميرنا")
-10-
بوابة رقم ( ...11من هنا ستبدأ في تحقيق مرادك يا أدهم،
ستقفز خلف أسوار حياتك المحدودة نحو أفق ال سماء له،
ستصنع واقعك بنفسك ،كم سأمت كل ذاك الوهم من حولك ،إن
الحياة في نشأتها بسيطة ،لكن تدخل اإلنسان جعلها معقدة ومملة،
وضع القوانين ثم عاقب نفسه على خرقها ،شرع للفن نماذج
وأنماط ثم هاجم بشراسه كل من يحيد عنها .كم تعرض عملك
لالنتقاد والسخرية بحجة عدم اتباعك لقواعد الفن! وهل لإلبداع
قالب يحكمه؟ وصل األمر الى اقتيادك ذات يوم إلى جهات األمن
والتحقيق معك بسبب فيديو ساخر صنعته بنفسك ،وانتشر عبر
َ
انتقدت فيه تناول السينما لبعض قناتك على اليوتيوب،
ً
ممتدا تجاه السينما موضوعات الحرب بسذاجة .كان بصرك
العالمية وعمقها في التناول واإلمكانيات الجبارة في اإلنتاج،
لكنهم زعموا أنك تقوم بمهاجمة الدولة والسخرية من الثوابت
الوطنية وتعكير مزاج المجتمع .كم من األيام قضيت يا "أدهم"
في استجوابات سخيفة وإهانات بشعة ،ولم تعد لبيتك إال بعد
تدخل غير متوقع من أبيك وعدد من معارف زوجته التي اهتمت
بك على غير العادة .هذا طبعً ا بعد التعهد بعدم العودة لمثل تلك
األمور فيما بعد وإال لن يتمكن أحد حينئ ٍذ من إنقاذك .األدهى من
ذلك كله هو ما حدث لألستوديو الخاص بك .قاموا بمصادرة
األجهزة وفحصها وتفريغ المعلومات والوسائط من جهاز
واحدا يدينك ،وحين بذل الوسطاء جه ًدا
ً الكمبيوتر .لم يجدوا دلياًل
مضنيًا ،ردوا األجهزة إليك مع اعتذار بارد لم يكن مكاف ًئا قط
لمصاريف إصالحها التي لم تتحملها ميزانيتك ،وبقي األستوديو
الخرب أمام عينيك ،تتحسر عليه كل ليلة وعلى حلمك الذي لم
يتم .على أية حال ،ال داعي لتعكير صفو ذاكرتك اآلن ،ففي
أوروبا ستعمل وف ًقا لهواك ،وتعيش مع الفتاة التي اختارها قلبك
وتؤمن بأفكارك).
-11-
الفيديو لم يكتمل بعد ،تضطرب خلجاته من الشوق لمشاهدة
محتواه ،شرع في تصفح بعض الرسائل التي وصلته مؤخرً ا .لم
يرد على معظمها .رسالة من صديقه محسن مكررة فوق العشر
مرات بخصوص االنضمام إلى فريق عمل مسلسل تليفزيوني
بطولة عدد من الشباب ،كم كان يبحث عن مثل هذه الفرصة من
قبل .كان هذا من أسباب بنائه لألستوديو في شقة جده ،ذلك
عام كامل .جاءت مع مجموعة من
المكان الذي جمعه بميرنا منذ ٍ
صديقات "حسناء" لمنزلهم من أجل الرقص! تلك الهواية الغير
معتادة بين فتيات األسر المتوسطة ،والتي كانت تجمع البنات
مرة كل شهر في بيوتهن الخاصة ،حيث أنه يصعب عليهن
الذهاب إلى صاالت الديسكو أو ما شابهها إما العتبارات
اجتماعية أو مادية ،ثم انتقلن الح ًقا إلى األستوديو الخاص به,
والذي وفر لهن الخصوصية وعدم إزعاج الجيران ،وكذلك البعد
عن أعين األهل الذين غالبًا ما كان يروق لهم تلك األمور أو
يتفهمونها .سأل أخته "حسناء" عن سبب شغفهن بالرقص،
أجابته بحماس:
"تلك فرصتنا الوحيدة لالنطالق وإخراج الطاقات السلبية
والتنفيس عن عناء وضغط الحياة .إن الرقص يساعدنا على
اإلحساس بذواتنا بل ومعرفة أنفسنا بشكل أفضل ،يعاوننا على
مواجهة مضايقات المجتمع والتحرش والشعور المستمر
بالدونية ،هل سألت نفسك عن سر رقص الصوفية وكيف
يتقربون به الى هللا؟ إنهم يغوصون في أنفسهم فيعرفونها بشكل
أفضل ،وإذا عرفت نفسك فقد عرفت هللا".
-12-
اكتمل تحميل الفيديو بنجاح...هي ...ميرنا .ارتجفت أطرافه ،إنها
المرة األولى التي يشاهدها فيها بهذا الشكل .لم يكن ليتعرف إليها
لكنه لم يخطأ عينيها الزرقاوين وشعرها األسود المسدل الذي
أثار أشواقه في لقائهما األول .التقيا يومها في كافيتريا ملحقة
بمركز تسوق كبير بالقرب من شقته .لم يتجادال كثيرً ا ,وسرعان
ما تفاهما على األمر برمته .يصورها بشكل احترافي وهي تقوم
بالرقص ،ثم يقوم بعمل المونتاج وإضافة المؤثرات الخاصة,
مقابل أجر محدد .الشرط الوحيد هو أن يتم الموضوع بشكل
سري ،وهذا سر لجوئها إليه ،فهي تثق به تمام الثقة .نفذ لها كل
طلباتها ،وطبع لها مجموعة من األقراص المدمجة ذات الجودة
العالية ،ربما لو عرضتها على أي قناة فضائية خاصة بالرقص
ألبرموا معها ً
عقدا مجزيًا في لحظتها .الصعوبة كانت في تخير
أوقات خالء المنزل من "حسناء" ومن أصدقائه ,وضبط أعصابه
في اللحظات التي تندمج فيها ميرنا بالرقص وتقوم بحركات
جريئة .انزعج في أول األمر ،إال أنها كانت تفعل ذلك بعفوية
وانسيابية ،ومن نفسها كافأته برفع المبلغ الذي تمنحه إياه مع قُبْلة
امتنان على خده.
لكن ما يحتويه هذا المقطع كان فوق تصوره" .ميرنا" في زي
عسكري ,يلتف حول كتفها بندقية كالشينكوف ,وتمسك بيدها
رأس رجل مبتورة ,يحيط بها شباب مختلطي األلوان ،يطلقون
صيحات احتفالية ,يرفعون رايات سوداء ,وفي نهاية الفيديو
تتحدث "ميرنا" بنفسها ضاحكة الى الكاميرا:
"عذرا حبيبي ...كما ترى...اإلخراج دون المستوى ...نحتاج
وجودك وخبراتك معنا هنا ...أثق أنك عندما تأتي سوف نصنع
ما هو أفضل من هذا ...أحبك!"
-13-
حقيبة مثقلة بالخيبة والصدمة تزحف فوق درج منتصف
ب تفتك به ٌ
دقات على قل ٍ الليل ...توقظ ذكريات الطفولة......
جراح الفقد للمرة الثانية في حياته ...حسناء تزيح الحجاب عن
نور يتسلل من باب أضعفه األلم والحسرة ...فرحة تهز العناق
بين الحنين والندم ...وآهات تعلن أن طريق الحرية يبدأ من
داخل الكهف!
محـمــد عبـد الجـبــــار
سراب المكان (!...؟)
( أنا الوحيدة التي يمكن أن تشكو لها ..انقبض قلبه وتمتم ) ـ
الروائي المصري نجيب محفوظ-
إعتاد على عادة من ك ّل عادة من ك ّل شهر وشهر أن يقتني كتابا
من الكتب من تلك المكتبة المتواجدة من بين مكتبات المدينة في
ذلك الحي المزدحم الّذي ليس كك ّل األحياء ،في تلك المدينة
تخطى بصعوبة سهلة ك ّل الخطوات والخطى ّ المختبئة وراءها ..
الغائبة وهدوء الضوضاء وصخبها ..ال ّ
شوارع ضيّقة وجميلة
بقبحها والمكتبة بعيدة ج ّدا عن مكان عمله وقريبة من أمله ..
الغبار يمأل الرفوف واألرصفة واألنفاس ..حين وصل وجد
طابورا طويال ج ّدا مثل أيّامه وفهرس المكتبات العتيقة ..لم يكن
في حساباته ذلك ،إنض ّم إليه وهو اآلن تترقبه ساعته كم يشير
(...؟) ..ال ّ
شمس محرقة تحضتنها نسمات باردة ..أصناف
مختلفة من ال ّناس كهوال وشبابا وشيوخا وأطفاال ..لم يكونوا
مر ّتبين ..هو خليط العمر ،وحتى في ال ّنساء أيضا طابور
مشابه.
ال زالت تسكنه ال ّدهشة ممّا رأى .اإلزدحام عند وعلى وفي
المكتبات.
طرح على نفسه أسئلة كثيرة وبرز سؤال كبير :ــ كيف بدأ
ال ّناس يقرأون ؟ لكن هم ال يحملون كتبا ( )!...ولم يطرح هذا
الطفل الّذي أمامه وال على الكهل الّذي أمام ّ
الطفل السؤال على ّ
شخص الّذي سيأتي بعد حين وراءه في
وال سيطرحه على ال ّ
الطابور.
اآلن عجوز جميلة تتوجّ ه نحوهم ربمّا تود اإلنضمام
للطابور ..من تكون ؟ تساءل الجميع ،هي ترجع اآلن من نفسّ
الطريق.
كان آخر واحد في الطابور ..
ق ّرر في لحظة هاربة زئبقية أالّ يطرح المزيد من األسئلة وال
يجيب عليها إالّ في البيت أو في منصّات الراحة المتعبة
وتقاليدها ،حينما يجلس لإلحتراق والتورّط ،إ ّنها كتابة الكلمة
الّتي ال يأبه لها أحد إالّ (...؟!) هو دائما يكتب عمّا يثير انتباهه
ويثري قلقه ،خاصّة وأنّ تخصّصه في ال ّ
شهادة التي تحصّلت
عليه يعينه على البوح والصراخ بالقلم ..فقد تعود على الكتابة
بقلقه الذي ال يفارقه من جيبه بجانب ذلك القلم األسود واألنيق.
واصل عقوقه للجلوس كالعادة فهو كثير العادات الّتي يراها
األخرون غريبة ..غريبة مثلهم ألنّ لهم عادات ينسون
ويتناسون وجودها فيهم ويلصقون الغرابة في غيرهم ..ومن
عاداته الغريبة القراءة واقفا وفي ك ّل مكان ،في ّ
الطوابير ..في
المقاهي ..في البيت ..في الحافلة ..قبل ال ّنوم وفي ال ّنوم
أيضا ..وهذا ما يفعله اآلن في طابوره الغريب هذه المرة ،هو
يكمل قراءة رواية مترجمة « المدينة والهوى » لصاحبتها
«أالن فوست» بدأها منذ ثالثة أيام ..هو يقرأ لينسى ..يقرأ
وينسى ما قرأ ،لينسى روتين العمل واألمل أيضا ..لينسى
غرابة الطابور وينسى هموم يوم عابر أو باألحرى ليتذ ّكر كل
الهموم السّابقة والالّحقة أيضا ..ألنّ الحياة موجودة في ك ّل
مكان بتلملم مكنوناتها وح ّتى عندما ننبش عنها بين الكتب وفي
تفلسفنا اليومي وفي سفسطتنا الالّمتناهية.
(هل تتذكرنا الكتب الّتي قرأناها يوما ؟).
فهو دائما يقول ألصدقائه :ــ الكتابة تأتي من األلم واأللم يأتي من
القراءة ( )...وكان يمازحه أحد األصدقاء :ــ من أين تأتي
القراءة ؟ وكان يحاول أن يجيبه :ــ القراءة تأتي من األمل ..
واألمل يأتي من الكبت والكبت يأتي من تاريخ ك ّل واحد منا
(...؟!).
في ك ّل م ّرة يحاول الغياب بالكلمات في الكلمات عن الكلمات
واللّحظات الواقعة الّتي ال يحب ..في ال ّرواية واقع أخر ..في
الواقع رواية أخرى ..في الواقع واقع أخر ..في الرواية رواية
أخرى أيضا.
تذ ّكر أ ّنه كان يشتري كتبه من دون طابور إالّ في احتفاالت البيع
باإلهداء في حضرة الكتاب والكاتب ..يشتري بال وقوف زائد،
وتحت أعين ال ّ
شمس المحرقة والمحترقة ..كان ينتقل بين رفوف
المكتبات لوحده ال يزاحمه أحد إالّ ذاته وشغفه للمطالعة ..يدفعه
كتاب من هنا إلى كتاب هناك ..ويقذفه فضوله إلى فضول متبق
بين الكتب من زيارة سابقة ..كانت سعادة ما مثلها سعادة ..
كانت سعادة نادرة مثل السّعادة الحقيقية.
هو الّذي كان يبحث عن أحالمه في أحالم الكتب وفي الحروف
الصامتة للكلمات ..كان يستعير أحالما من أحالم غيره كلّما
استعار كتابا ..وكان يقتنيها كلّما اقتنى كتابا من مر ّتبه القليل
والحائر مثله والمنقسم بين جذب الحاجيات الكثيرة ،منها ما هو
مهم وأساسي ومنها ما هو تافه ..تافه ..تافه ( ...؟؟؟ ).
سؤال أخر يقتحم المكان وجغرافيا األسئلة :ــ ترى هل يق ّدر
األخرون أحالمنا ؟ ..كان يتذ ّكر أ ّنه عندما كان يرجع الكتب
ألصحابها ترجع معها بعض األحالم وعندما يشتري كتبا تبقى
تلك األحالم بين دفتي كل كتاب إشتراه تنتظر التحقيق والتح ّقق
والهستيريا في المسافات المسروقة.
هل األحالم يجب أالّ تدوم ؟ ..كيف بعض األحالم يجب أالّ
تدوم ؟ ..لماذا األحالم كلّها يجب أن تدوم ؟.
الطابور يسير ببطىء سريع ..فضوله يزيد أكثر ال زال ّ
وأكثر ...
( ما الّذي جرى وما الّذي يحدث اليوم بالضّبط ؟ ).
هو في الصّفحة الخامسة والثالثين من الرواية ..مثل سنوات
عمره الثالثين وخمسة أخرى من رواية حياته الصادرة في طبعة
إستثنائية هذا الصّباح.
كان ك ّل يوم يقرأ من الرّواية الصّفحات الكثيرة ..ويقلّب
صفحات حياته كلّما سنحت الفرصة ليفعل ذلك ..بقي من طول
الطابور ما بقي من قصر صبره ّ
الطويل بالضّبط وطول الرواية ّ
المقتصرة على مسافات موضوعها ..في هذا الزمان أصبح كل
شيء يقاس بالمسافات ..حتىّ المشاعر واألحاسيس والعواطف
والحبّ والنقد ،وال ّنساء ،...و ،...كل شيء.
سأله أحدهم :ــ أخويا كم السّاعة ؟
دون أن يجيبه إكتفى برفع معصمه األيسر إلى عينيه ليرى
الساعة وهو يواصل قراءة الرواية بنفس المعصم ..هو فاصل
للرّ احة وليشير له متسائال بالتلميح :ــ أين كتابك ؟ ّ
الطابور
يتآكل شيئا فشيئا ..ال ّتعب يزيد أشياء فأشياء ..أمّا الرّواية فكلّما
التهم منها العديد من الصفحات تتناقص أوراقها وتزيد األوراق
التي قرأها وبالتالي يزيد التورّط فيها بعد ك ّل ورقة يقلّبها فتقترب
النهاية من بداية تورطات جديدة.
هي فوبيا القراءة ..الفوبيا قراءة ..حينما تكون القراءة
فوبيا للذات والذاكرة والكتابة والطريق نحو الخموت.
ينظرون إليه بغرابة غريبة أل ّنه يحمل كتابا ..ال يبدو أ ّنهم
أناس يقرؤون ..يظهر أ ّنهم متعبون من حياة أخرى ..من آخر
الحياة ..من حياة الحياة.
ترى هل تتح ّدث عنهم الروايات والكتب ؟
يحدث أن تكون األسئلة مستعصية وعنيدة دائما ..بل في بعض
األحايين ..فهي تحبّ التسلّط واقتحام األمكنة ..ال يعرف عنها
متى تتو ّقف ؟ وال كيف ؟ هي ال تشبه األشياء (...؟!) هل تخاف
األسئلة ؟
ــ فهم لهم عذرهم ..أنا أحبهم ..أنا ( ...يقرأ جملة من الرواية)،
وفي ذات الوقت يحادث نفسه تزامنا مع نظرة شيخ وقعت عيناه
في عينيه !!! ؟؟؟ في عمر من األمل ولحظة ألم .في مأل من
وأزقة ال ّنفي وبين
العابرين وغير العابرين في شوارع المنفىّ ،
المساءات ..
كالهما يتساءل مع نفسه ويقول :ــ ما الّذي يفعله هذا الّذي
ينظر إلي في هذا المكان ؟!.
لم يتخيّل يوما أ ّنه سوف يقف بهذا ال ّ
شكل لكي يشتري كتابا ..
هو يقول في وهد ذاته هذا ما يجب أن يكون ..هكذا يجب أن
يكون ..هل آن أوانه ؟ هل هذا شكله حقيقة ؟
هو ال زال يتساءل ؟
قد تعوّ د على األسئلة ..تعوّ د على اإلجابة عليها بأسئلة أخرى
متعبة ..والمتعب أكثر هو عدم الوصول إلجابات مطلقة ومغلقة
..هذا ما تفعله الكتابة معه ..أو ما يفعله هو مع الكتابة ..بل
هذا ما فعلته األسئلة ،أو ما تفعله أسئلة األسئلة الغائبة الحضور
(...؟؟؟).
رغم ك ّل شيء سيطغى وجود ك ّل األشياء على شيء ..ويحت ّل
شيء ك ّل األشياء.
لم يبق القليل من الكثير ح ّتى يصل إلى باب المكتبة ويتوغ ّل في
بعد من أبعادها ..ينتقل من عتبة إلى عتبة ..الك ّل عابرون ..
الكالم عابر والزمن أيضا ..توقف الزمن اليوم ..هو السّفر في
الالّزمن ..مسافة الجسد وحيدة والكتاب أيضا ..الحوار متفجر
مع الذات وفيها ..الحضور نصف الغياب ..بعيدا عن اللّيل ..
ال ّنزيف للغاضبين والمنبوذين ..هتافهم ال لإلنكار ..أزمنة
البوح تعبر الجسور بشقاء ألجل البقاء.
مرّ ت دقيقة وثالثة أرباع السّاعة ..قرأ نصف الرّ واية ..تقاس
أعمار الرّ وايات بالفصول وأيضا أعمارنا ..قرأ فصلين
كاملين ..بل بقي منها ثالثة أقساط من الفضول وال ّتجول الفكري
..
( هل بالفضول يقرأ كتبه اإلنسان ؟ ).
بقي عمر مشترك من الوقت تتجاذبه الرّواية واإلنتظار
وتحوالت قد تحدث بين اللّحظات واللّحظة األخيرة وعنوان
الكتاب الذي سيقتنيه بعد عشرين شخصا في الطابور ..
( و هو كم بقي له من الوقت ؟ )
ال زال يتساءل ..لم تخمد ثورته الباطنية ونيرانه العميقة ..
الطريق هو ذاتيظهر شبه استقرار على شواطىء مالمحه ّ ..
ّ
الطريق ..أخيرا يصل إلى باب المكتبة ..الباب هو الباب ..
الالّفتة هي ذاتها مكتوب عليها مكتبة واإللتفاتات ليست هي ..
هو يتذ ّكر ك ّل شيء ..هو ال يتذ ّكر ك ّل شيء ..ذات اإلنسان
صاحب المكتبة شعره األبيض ال يرجع إليه سواده ..حينها
الذكريات ..عشرون سفرا وسفرا أشرقت وانطلقت بدأت تتف ّتح ّ
من جديد ..تقترب اللّذة من أن تخف ..أن تجف ،الوقوف
يتجسد حلما على الباب ..في لحظة صراع يتشتت اإلختيار و
تتمزق اإلنطالقات من بعيد ..
يتساءل مرة أخرى ( من ــ كيف ــ تكونين أيتها الطريق ؟ )
بدأ يح ّدث نفسه وقد أشرقت تفسيرات عابرة :ــ ك ّل شيء يقاس
بالكم ،ويقاس بالمال أيضا ،وبأشياء أخرى ...( .؟؟؟) ليس كل
شيء ..بعض األشياء فقط.
تصرخ الغربة عند اللّقاء ..وتتهاوى لحظات اإلنتظار ( لماذا
اإلنتظار ؟) ..يقترب الفجر لإلنسحاب ..
( هل هو الغريب في وطنه ؟ )
يم ّر عيد األوراق ببرودة ..ينتشر الصقيع ونزيف الكلمات ..
تتعب الذكريات وتباع األحالم على الرّصيف ،حين تنكسر
األسئلة وتغادر المحطات لتسكن المرافىء ..عندما يكبر في
الجسد األه وتهرع العيون لبريق دموع تنتظر ..كل شيء إنتهى
غدا ..باألمس كانت ستتمزق الحجب واألن أيضا ..باألمس
فقط وفي الصباح وبعد غروب إشراق ال ّ
شمس ( ..وبعد
ماذا ؟ ) إ ّنه فنّ الالّمباالة في زبائن المكتبة ..إنتهى كل شيء
أل ّنه سينتهي ..باألمس فقط حوّ لوا المكتبة والبيع األسرع
البطيء للكتب إلى محل لبيع األكالت الخفيفة والربح السريع ..
كل ذلك ألجل إنسان اإلنسان.
ليلى جزار/الجزائر
ه ََوس
َبدَأَ ال َّ
ش ِريط.
أحضان
ِ إخوتِي في صِ َغ ِرنا َعلَى أنْ َنج َتم َِع َحول لَ َقد َت َع ًّودنا أنا و َ
كاويها و قِصَصِ ها ال َقدِي َمة المُرعِ َبة، َج َّدتِنا الّتي ال َت َ
بخل َعلَينا ِب َح ِ
الج َّدةُ ِبعِنا َي ٍة فا ِئ َقة .خاص ًَّة فِي لَيالِي ال ِّشتا ِء
صص َتختارُها َ ك القِ َ تِل َ
ارة الرُّ عب في كان َذل َِك َقصدَ إ َث َ
ت َنومِنا ِب َقلِيل؛ و َ البار َدة َقب َل َتوقِي ِ
ِ
هر ُع لِل َنوم ِبسُر َع ِة ال َبرق !.. وبنا ما َيج َعلُنا َن َ قُلُ ِ
مر م َُجرَّ دَ َتسلِ َي ٍة ال َغير ،و لَطالَ َما نت أَ ِج ُد األَ َ
أمَّا ِبال ِّنس َب ِة لِي َف َقد ُك ُ
رواح ث إلَى ال َكثِير ِممَّا َتقولُ ُه َج َّدتِي َعن وُ جُو ِد أَنت الَ أَك َت ِر ُ ُك ُ
ٍ ِ
ين الم َُجرَّ دَ ة ،و َتقو ُل أَيضً ا ِبأ َّن ُه يرنا و ِبأ َ َّنها ال ُت َرى َ
بالع ِ َغري َب ٍة َغ َ
اإلحساسُ ِبها؛ لَكِنَّ َها ِت ِه األَرواح َت َرانا
َ ال يُم ِك ُننا لَمسُها أو
اس ِبنا أَو َح َّتى أ َّنها َقد ت َتلَ َّبسُنا َعلى
اإلحس َ
َ ُقابل و باِست َِط َ
اعتِها بالم ِ
نت أَن َف ِج ُر ضا ِح َكة َساخ َِر ًة مِنْ َكال ِم َها و
َح ِّد َقولِها ! ..حِي َنها ُك ُ
ير مُبالِ َية ِبأنَّ ُك َّل غر َب ًة لِ َمضمُونِه؛ فأ َنا دا ِئمًا َما أُجي ُب َها َغ َ
مُس َت ِ
ت و ال َتح ِم ُل َذرَّ ًة م َِن ِي م َُجرَّ دَ ُخرافا ٍ قِصَصِ ك يا َج َّدتِي ه َ
ُص ِّد ُق هُرا ًء َك َهذا ؟!..
الصِّحَّ ة ..و َمن ي َ
صرَ ،كبُرنا عُمراً و َكب َُرت َم َعنا َمرَّ ت األيَّا ُم و ال ُّس ُنونُ َكلَ ِ
مح ال َب َ
الج َّدة الِّتي اِع َت َبر ُتها ُخرافِ َية ..إلَى أنْ َجا َء َذ َ
اك ال َيو ُم َح َكايا َ
ال َمشؤوم و الّذِي َحدَ َ
ث َمعِي فِيه َما الَ يُح َم ُد عُق َباه..
أصا َبنِي َم َرضٌ َغامِض َع ِجز األطِ بَّا ُء مس َسنوا ٍ
ت م َِن اآلن َ م ُ
ُنذ َخ ِ
ب علَى عا ِئلَتِي َفه َم حالَتِي و إيجا ِد
في َتشخيصِ ِه لِي؛ ِممّا اِس َتص َع َ
َح ٍّل يُعافِيني ،لَم َت ُكن عِ لَّتِي واضِ َحة ل َِلعيان؛ َف َهذا ال َّشيء لَم يُصِ بْ
ِجسمِي و ال َج َسدِي ال َه ِزيل و ال َح َّتى َق ِلبي المُن َهك ،و إ َّنما َ
كان
َقد َت َخ َّطف َعقل َِي السَّلي َم ِم ِّني !
ِرار
او ُل الف َ ُ ِلك ال َف َ
سحبُني إلى ال َقاع لت َ أَ َخ َذت َت َ
جو ِة المُظلِ َمة ،أ َح ِ
ش ُّد َعلَى َيداي أَن َت َم َّسكِي َجي ًِّدا؛ لَ ِك َّننِي ال
مِنها لَ ِك ِّني اَل أَ َقوى ..أَ ُ
الجا ِّد لَهُمَ ..ت َّم َتشغي ُل األُسطوا َنة ال َمعهودَ ة ،و
الع َم ِل َ
قت َان َو ُ
َح َ
ُضلَّل َتن َه ِم ُر َفوقي؛ َفما َف َ
ات لَي َت ُه لَم َي ُكن إذا ِب َشرائِط المَاضِ ي الم َ
كل َعشوائي ُك َّل أالف ال َم ّرات ِب َش ٍ
َ طع ُننيمِن أَصلِهَ ..ف َقد َج َعلُوهُ َي َ
َيومَ ،ند َب ٌة هُنا و أ ُ َ
خرى هُناك .
عِ ن َد العا ِئلَة..
ون أ َّننِي
ُون بال َهلَع لِما َيح ُدث لِيَ ،يظ ُّن َنزل مُصاب َ َجمِي ُع َمن ِبال َم ِ
َ ُ ً
عجل َمع َباقِي ِماع مُس َت ََح ّقا ُجنِنت ! ..أمِّي و أ ِبي ِبالقُرب فِي إجت ٍ
بإلحاقِي ِب َطبي ٍ
رورة َ ض َ فاق علَى َ ون اإل ِّت َ أَفراد العا ِئلَة ي ِ
ُحاولَ َ
ض ًة
رص ٍة مُم ِك َنة ،لِ َتقُوم َج َّدتِي مِن َمكانِها َرافِ َ
سرع فُ َ َنف َسانِيّ فِيِ أَ َ
َّارم َبعدَها ِبم َُخ َّططٍ ُم َغ ِاير َمفا ُدهُ أنَّ
دَخلَها الص ِ َهذا ال َق َرار و ُتعلِن َت ُّ
وسة سِ َوى الرُّ ق َي ُة ال َّشرعِ يَّة و الّتِيال َشي َء َس َين َف ُع َم ِع َحالَتِي ال َميؤُ َ
الطاهر" و "الحاج ّ َس َت ُكون علَى َي ِد َشيخِها المُفضَّل ال َمدعُوا َ
فس َح ِّي َنا ..فُ ِه َي َتز ُع ُم أ َّن ُه ال َّشخص المُناسِ ب و َ
الوحِيد القاطِ ن ِب َن ِ
ال َقادِر علَى إخرا ِجي مِن َهذا ال َّتلَ ُّوث ال َم َرضِ ي ال ُم َت َف ِّشي ِبدا ِخلِي .
كريات َحولي ت َتصار ُع مِن أَجلي؛ أِل َ ُر َّد باِضطِ َراب :
ُ إصط َّفت ِّ
الذ َ
ست َن ِاب َغة ر َُويداً على َعقلي !" ..قا َمت ِب َع َملِها و َذ َب َحتني َذبحً ا
"لَ ُ
ُبرحً ا في ُك ِّل لَيلَة..
م ِ
فراد عا ِئلَتِي َحو َل َحالَتِي المُب َه َمةَ ،يمُرُّ ين أَ َال َيزا ُل ال ِّنقاشُ َي ُدو ُر َب َ
هريّ و لَم َي َت َحرَّ ك أَ َح ٌد َبعد؛ َفأنا لَم ان م َِن ال َعذاب ال َق ِ َعلَيَّ َيو َم ِ
يخ َج َّدتِيب َنفسانِيّ و ال َح َّتى علَى َش ِ أَح َظى إلَى اآلن ال علَى َطبي ٍ
ِكر ًة
ِيط ف َات َبي َنهُم؛ و ُك ٌّل َيخ ُ ار ُع األرا ُء و ال َّت َو ُّق َع ُ ص َ الراقِي !َ ..ت َت َ
ِيج ٍة ُتذ َكرَ ..ح َس ًنا؛ َيب ُدو لِي
ون الوُ صُول إلَى َنت َ
علَى مَقاسِ ه لَكِن ُد َ
الع َرب علَى أنْ ال َي َّتفِقُوا" ..ما َه ِذ ِه
بارة "إ َّت َف َق َ أ َّنهُم ُي َط ِبقُ َ
ون عِ َ
العا ِئلَة الّتِي أَملِك يا إلَ ِهي ! .
أَمَّا عِ ندِي..
ِكرتِها ال َّسدِيدَ ةَ ،ها َقد إس َتسلَ َم جل ف َ ارب مِن أَ ِ َج َّدتِي ال َتزا ُل ُت َح ِ
األفراد َبع َد أَخ ٍذ و َر ّد؛ و َت َّم األَ ُ
خذ ِب ُخ َّط ِة َج َّدتِي ِبما أ َّنها َ َبقِ َّي ُة
األسرع مِن حالَة ال ُج ُنون هاتِه ال َ َن َج َحت في إقناعِ ِهم ِبأنَّ ال ِّش َفاء
فكارها و ُحلُولِها الّتِي َت َرى ِبأ َّنها مِثالِ َية. َي ُكونُ إالَّ َع َ َ
بر أ ِ
صحِيح َتقصِ د "الحاج ّ
الطاهر" المِثالِيّ . مِثالِ َية !َ ..
ك األثناء..
أمَّا عِ ندِي فِي تِل َ
يف ال و َقد ياطين ُت َق ِّدسُ َع َملَها أَك َث َر مِن ال َب َشرَ ،ك َ
َ در ُ
كت أنَّ ال َش أَ َ
ب دَ فِي َنة َت َم َّك َنت مِن إلبَاسِ ي َه َو ًسا لَعي ًنا أَ َخ َذ َي ُم ُّدني بإمدَادا ِ
ت َخرا ٍ
ث اِن َت َش َر ِب َخالياي ِبغ َم َ
ض ِة بخاليا م ُِّخ َي ال َّتالِفَ ،ك َو َر ٍم َخبي ٍ
َتغوصُ َ
يس َز َمني؛ َز َمنٌ بز َم ٍن لَ َ
يست رُوحي و َ روح لَ َ عيش ِب ٍ َعين ..أِل َ َ
خاريف ،يُسافِ ُر ِبي ُرجُوعًا ير َمشحو َن ًة َت ِ روي بذِهنِي أَساطِ َ َي ِ
الو َراء؛ إلَى المَاضِ ي؛ َيأ ُخ ُذنِي في َها ِقل إلَى َ سحبُني بث ٍ هر ًّيا و َي َ
َق ِ
هاط ُل جُز ِئيَّا ُتها فِي بَاطِ نِي ِب َح َذاف ِ
ِير َها َو ث ُخرافِ َي ٍة َخلَتَ ..ت َت َ
أِل حدا ٍ
َت َفاصِ يلِ َها ال َغ َ
زيرة .
نزل..
ُناك في ال َم ِ
ه َ
ارق بال ِّنس َبة ِي العا ِئلَة ال َك ِري َمة َتأتِي ِبمُنقِذِي ال َف ّذ و َ
الخ ِ ها ه َ
أس
الر ِالطويلَة و َ ضاء َ ل َِج َّدتِي؛ إ َّن ُه َشي ُخ َحيِّنا ُذو اللِّح َي ِة ال َبي َ
ُرعة لِ َتس َت ِقبلَ ُه
الج َّدة ِبس َ األصلَع "الحاج ّ
الطاهر" دَا ِئمًا ..قا َمت َ
الحلَ ِو َيات و هُم َي ُخوض َ
ُون في العصائِر و َ فاوة و ُت َق ِّدم لَ ُه َ
ِب َح َ
جز ُم أ َّنهُم َن َسو َمج ُنو َن َتهُم ال ُم َت َقو ِق َعة علَى َنفسِ ها َ َ َ
األحادِيث؛ و أكا ُد أ ِ
فِي ال ُغر َفة الم ِ
ُجاو َرة.
يزة َكا َنت علَى َح ٍّق فِي ُك ِّل ما أس إنْ اِع َت َر ُ
فت ِبأنَّ َج َّدتِي ال َع ِز َ ال َب َ
ُ ُ الجها المِثالِي َم َع ال َشيخ ّ روي ِه لَنا؛ و أَنَّ عِ َ
الطاهر َقد أ َتى ِبط ِ
هر ِه َت ِ
الوقت بالفِعل .
ُرور َ َ
و أث َم َر َم َع م ِ
أمَّا اآلن..
ك األَطالل كا َنت م َُجرَّ دَ َخيال أو َح َّتىحت أَتم َّنى أَنَّ ُك َّل تِل َ
أَص َب ُ
كون واقِعً ا لِ َنفسِ ي َحبيس ..و إذاَكوابيس ،ال َبأس؛ الم ُِه ُّم أَنْ ال َت َ
بالواقِع ُي َك ِّشر َعن أَ ِ
نيابه و َير ِكلُني ِبكِل َتا َقدَ َميه !َ ..ساخِراً
ضا ِح ًكا َ " :بلَى أ َّي ُتها ال َمج ُنو َنة إ َّن ُه أ َنا" .
َ
***
أين هو فستاني األسود يا أمي ال أجده في أي مكان؟
***
أبي رأيت أنني أذوب كان الحياة تسلب مني تدريجيا و كان هناك
نار في وسط لهبها قطة تنظر إلي نظرة شريرة .لم افهم شيئا
استيقظت مرعوبة…
***
في صباح احد األيام صعدت أمها لغرفة ألينا لتطمئن عليها...
وجدتها ملقاة على األرض فاقدة الوعي .صرخت بأعلى صوتها
لكي يأتي زوجها و يأخذ ابنته للمستشفى...
"دكتور أرجوك اخبرني ما بها ابنتي هل هي بخير" تكلم هاري
مع الدكتور و هو قلق اشد قلق على ابنته الوحيدة..
أجابه الدكتور:
((كيف تقول هذا ,إنها ابنتي الوحيدة لن اتجرا أبدا على فعل
هذا))...
(( ألينا صديقتي لقد جئت ألطمئن عليك اختفيت فجأة و لكي ما
يقارب الشهر لم تأتي للثانوية ,قلقت جدا عليك))
((انظري لصفحاته))..
ما إن يمضى على وجود هذا الكتاب 21يوم عند شخص ما
يصبح ملكا له و سيستنزف الحياة منه تدريجيا و ببطء..
(( عليك أن تقلقي على نفسك أوال ..هيا ارتدي مالبسك إنها
الرابعة عصرا..اقترب المساء ..قرب منزلي هناك مقبرة قديمة
جدا تقع أعلى التلة سنذهب هناك و في طريقنا سنتدبر أمر
النصل و القطة..أبي كان محبا للمبارزة بالسيوف و كل ما
يخصها قد كان يجمع السيوف بكل أنواعها لن يمانع أن نستعير
من مجموعته النصل النحاسي...حسنا ,ال تقلقي يا صديقتي
سأساعدك و لن أتركك وحيدة مهما حصل))
رغم الوضعية التي كانت بها "ألينا" فقد اطمأنت لوجود صديقتها
بجانبها.
***
النهاية
بقلم :مح َّمد أمين جميل ال َّ
شامي
عزف مشترك
يجلس إلى طاولته كعادته ك َّل يوم .ير ِّتب كدسة أوراقه عليها
ويشرد فوق سطورها السُّود .هو يعيش تجلِّياته المعتادة بداية كل
وترتيب أفكاره الَّتي يبغي نقلها إلى تلك السُّطور الممت َّدة أمامه
مضى عليه زمن طويل وهو على هذه الحال ،ينسج حبكة القصَّة
الجديدة ويعمل على فتح األقنية أمام تد ُّفق أحداثها .لكن ،كلَّما
حاول تحويلها إلى نصٍّ تنحني األسطر وتنزوي الكلمات أمام
جداله المرير مع الهاتف ال ّداخلي الَّذي يشوِّ ش على تتابع
األحداث ويحاول جرَّ ها نحو مسارات مختلفة ،مسارات ال يريد
لقصَّته أن تتورَّ ط فيها.
اعتمد في بناء الرِّ واية على حبكة بسيطة تتناول جانبا ً من سيرة
روائي .كانت قصَّة عشق ملحميَّة اجتاحت حياة ذلك الكاتب
وتركت أثرها على إبداعاته .لم يكن هدفه أن يتعرَّ ض إلى
جوانب أخرى أبداً ،بل كان يريد أن يرسم صورته كإنسان،
كعاشق ،بعيداً عن ُّ
تدخل إبداعه أو شهرته في تجميل الصُّورة،
وبعيداً أيضا ً عن الهالة المالئكيَّة الَّتي تحيط بتلكم الصُّورة في
وجدان متابعيه.
يح ِّدق في األسطر الَّتي ما تزال بتوالً .يدوِّ ر القلم بين ال َّسبَّابة
والوسطى ،ث َّم ،في لحظة تجلٍّ ،يسنده إلى كتف اإلبهام ح َّتى
يركن إلى استوائه ويباشر الكتابة:
"ما زلت أذكر نظراتها حين تق َّدمت م ّني و سألتني عمَّن أكون
وعن موقعي في المؤسَّسة بينما كنت أجوب طوابق البناء
لل َّتعرف على جغرافيَّة المكان .هي عادتي كلَّما تقلَّدت منصبا ً
جديداً .استوقفتني إشارات االستفهام الَّتي ُّ
تنط في عينيها وهي
تنتظر ر ّداً على تساؤلها االستهاللي المشفوع بابتسامة أظهرت
خلالً في أسنانها وفي إطباق أحد جفنيها ورجا ًء خف ّيا ً في ال َّنبرة:
هل أنت مديرنا؟ ،ألجيبها بسرعة واقتضاب أن بلى وأنتقل إلى
طابق آخر تاركا ً إيَّاها مع حيرة أسئلتها الَّتي لم تطرح بعد".
يتو َّقف كي ِّ
ينظم تداعي األفكار الَّذي طرأ عليه ليسمع هاتفا ً
يقول:
"لك ِّني لم أنتقل في حياتي إلى مكان غير المكان الَّذي ولدت فيه".
يباغته الصَّوت وهو يه ُّم بالبدء برقن المقطع ال َّتالي فيتو َّقف عن
الكتابة ويبدأ بال َّتل ُّفت حوله.
"ال أراك".
"أل َّنك ال تريد أن تراني .تريد أن تكتبني كما يوحي إليك خيالك
ال كما ش َّكلتني الحقيقة".
"فمن أنت؟".
"فماذا تريد؟".
"قلت لك .أريدك أن تكتب ع ِّني كما أنا ال كما تتخيَّلني أنت".
"ماذا تكتب يا هذا؟ قلت لك اكتب عن نفسك .من أين أتيت بك ِّل
هذا الهراء؟ أنا لم أترأَّس مؤسَّسة في حياتي ولم أعقد اجتماعا ً
رسم ّيا ً مع أحد .أساسا ً ال خبرة لديَّ بتلك اإلجراءات أل َّنها
ببساطة تقع خارج نطاق اهتماماتي .ث َّم ،أنت تريد أن تكتب
ع ِّني ،وأنا كنت كاتبا ً وحسب ولم أرأس مؤسَّسة ،أم تراك غرقت
في طوفان الحبكة وتريد أيَّ ق َّشة للخالص؟ أكتب عن نفسك
ودعك م ِّني فهذا خير لك ولي".
يحاول الكاتب ال َّتغاضي عمَّا يحدث معه ويه ُّم بمتابعة الكتابة
حين يصرخ به الصَّوت:
"حين نظرت إليها باغتني هاتف داخلي يخبرني أنَّ هذه المرأة
لن تمرَّ في حياتي مرور الكرام .بك ِّل األحوال ،وبعيد سويعات
على تسلُّمي اإلدارة ،تبدأ حبال ال َّتواصل تمت ُّد بيني وبينها .طبيعة
وظيفتها تح ِّتم عليها زيارتي مرَّ ة على األق ِّل ك َّل يوم في مكتبي.
بدأ األمر في إطار العمل ،ث َّم أخذ ينساق خارجه ،مع تنامي
األلفة بيننا ،إلى سياقات أكثر شخصيَّة وخصوصيَّة .راحت
تسألني عن ."...
"ال ،ال ،ال .ماذا تفعل يا رجل؟ ما هذه السَّخافات الَّتي تكتبها؟
هذا أشبه بسيناريو باهت لفيلم تجاري لطالما تكرَّ رت قصَّته
ال ّتافهة في شرائط البسطات واألرصفة .لم يبق إاَّل أن تزيد بضع
تفاصيل ال معنى لها لتحت َّل ما بقي من أسطر وت َّدعي بعدها أ َّنك
أنجزت عملك اإلبداعي ع ّني ،وليكون المشهد األخير فيها عناق
العاش َقين كما عانقتني ج َّدتي يوماً ،تليه قبلة ال ِّنهاية كقبلتي
لقطتي .أهكذا تشوِّ ه سيرتي؟ أين الصِّدقيَّة؟ إن كنت ال تدري َّ
فحكايتي مع العشق بدأت مع زميلة لي في المدرسة االبتدائيَّة
حين ك َّنا نتشارك نفس المقعد .يومها كتبت لها رسالة أعبِّر فيها
عن رغبتي في أن تشاركني سريري وقلت فيها "...
هذه كانت َّأول رسالة أرسلها إلى َّأول وآخر أنثى أحببتها بصدق
وبراءة .لك أن تزوِّ ق الحقيقة لكن ،ال تزيِّفها".
"وفي الصَّيف ماذا كنت ستفعل معها؟ أكنت ستعيدها إلى أهلها
بسبب الحرِّ ؟ لم لَ ْم تشعل المدفأة أو تض َّم لعبتك كما يفعل األطفال
وتريحنا من معاناتك مع البرد والمغص؟ أغرب عن صفحاتي
أيُّها ال َّناعق".
يمسك بالمسكينتين َّ
الثالثة والرَّ ابعة ويرميهما مزقاً .يلتقط ورقات
جديدة ويعيد مألها بك ِّل ما سبق ،ث َّم يتابع:
"قلت لك ستر ِّقع هري حبكتك بتفاصيل مستهلكة تطيل بها عمر
العمل ليصبح رواية وهو بالكاد يصلح قصَّة قصيرة وحسب.
"من قال إ ِّني مهتم بإلباسك أو تعريتك .أنت مجرَّ د شخصية في
عمل أش ِّكله كما أريد وأح ِّدد أبعاده كما تقتضي سيرورة األحداث
والخاتمة المرجوّ ة".
َّ
تتدخل في شؤون األحياء؟". "ما دمت ميتا ً فلماذا
"أل َّنهم يسرقون ذكريات الموتى ويعيدون تفصيلها على مقاس
عبثهم .أنت تحوِّ ل حياة نابضة بالصِّدق إلى فانتازيا شمعيَّة تنقط
تشويهاً .اصدقني القول ،هل أحببت يوماً؟ هل أخرج الحبُّ من
داخلك مكنونات وقوى لم تكن أنت نفسك تعرف بوجودها فيك
قبالً؟ هل جرَّ بت أن ."...
"تو َّقف .تكفي مجزرة األوراق الَّتي ارتكبتها ح َّتى اآلن .وتذ َّكر
أنَّ القمر الَّذي يلهمك بشاعريَّته ليس بهاء في حقيقته وحسب ،بل
هو بهاء وعتمة وعذابات محاق ،سعادة وحزن ومكابدة والدة،
فإمَّا أن تكتب عن القمر كما هو أو دع عنك الكتابة ،أو اسرد
سيرتك أنت وزوِّ ق بها كيفما تشاء .استعر من سير العاشقين
لكن ،استثن قصَّة حبّي من سج ِّل مشاريعك ،أو اكتبها كما هي،
كما ولدت وعاشت وبقيت في قلبي ح ّتى غربت أنا وبقيت هي
مشرقة".
" بل سأتابع قصَّتي كما حبكت سردها ألنَّ أحداثها ليست كما
أوحى إليك ظ ُّنك .اُغرب عن مسامعي ومالعب قلمي وكفاك
اعتراضاً".
يمزق المؤلِّف األوراق الَّتي كتبها ،ث َّم ،يجمع أشالءها ونتفها
ِّ
ليرمي بك ِّل هذا في سلَّة المهمالت الَّتي فاضت باألوراق
الممزقة .يعود إلى مقعده وهو يحاول لملمة شتات أفكاره الَّتي
َّ
بعثرتها ُّ
تدخالت الصَّوت الغامض.
"جاءتني عند المغيب تميس كأزهار الرَّ بيع حين يهدهدها ال َّنسيم،
مشرقة المحيَّا ،تمشي على استحياء .أستقبلها عند الباب بابتسامة
هادئة تستر قلبا ً متلهِّفا ً وعيونا ً نشوى .تدخل ويدخل معها ك ُّل
عطر ال ُّدنيا ،وتستوي على أريكة فرديَّة كمليكة من غير ما تاج.
كانت قصَّته تسير في مسارها الَّذي ش َّكله لها ،قصَّة حبٍّ من
طرف واحد .ظ َّنه ح َّبا ً يعوِّ ضه ما فقد ،لك َّنه بال ِّنسبة لها كان جزءاً
من َّ
خطة لتحديد مواضع ال َّتسريبات في المؤسَّسة .سيكتشف فيما
بعد أ َّنها هي صاحبة العمل ،ونتيجة لخيانة داخليَّة تتعرَّ ض
َّ
الموظفين المؤسَّسة إلى كارثة كادت تودي بسمعتها .فقد قام أحد
ببيع عمل أدبي لكاتب معروف إلى كاتب مغمور يتعامل مع
مؤسَّسة منافسة مقابل مبلغ مالي لينشر العمل بعد تعديله على أ َّنه
له ويتفجَّ ر الموقف بصورة َّأثرت على سمعة المؤسَّسة
وزعزعت مكانتها في سوق ال َّنشر وعند عمالئها .لتنتهي القصَّة
َّ
الموظفة وتركه للعمل بعد الصَّدمة الَّتي تل ّقاها إثر باكتشافه سرَّ
هذا االكتشاف.
هكذا كانت األفكار ،لكنَّ ما انتقل إلى الورق أخذ دربا ً مغايرة.
عندما يعاود صاحبنا قراءة ما كتب تعتريه ال َّدهشة.
كيف تب َّدلت تلك األفكار الَّتي جهدت في نظمها لم َّدة طويلة؟ أين
أنت أيُّها الصَّوت؟ أرأيت ما فعلت أيُّها َّ
الثرثار المتط ِّفل؟".
يضع القلم من يده محبطا ً ويلملم أوراقه وينحِّ يها جانباً ،ث َّم يمسك
رأسه بين ك َّفيه ويبدأ بمراجعة اإلطار العام وعناصر العمل
بمجمله .لقد استطاع الصَّوت أن ِّ
يؤثر فيه عبر الحكاية الَّتي
روى شذرات منها .بدأت القصَّة فعالً تمضي بحسب ما كان
يرغب في سردها بأحداثها وشخوصها وحبكتها ،إ َّنما بقي ترتيب
األحداث ووصولها إلى ُّ
الذروة .وفاة حبيبته لم تكن ال ِّنهاية كما
َّ
خطط بل بداية تف ُّتق إبداع أدبي عظيم عنده ،وقصَّة وفاء نادر.
*********
*********
حاولت أن أستجمع شتات روحي فلم أجد إلى ذلك سبيالً إاَّل
الهروب إلى الكتابة .أعترف أ َّنها لم تخرجني من تجاذبات
العاطفة تماماً ،لك َّنها جعلتني أتوازن نفس ّيا ً قليالً .بقيت على شفير
الضَّياع ح َّتى مرَّ ت سنتان نشرت خاللهما رواية أعادتني إلى
دائرة األضواء مج َّدداً ،ليبدأ تأثير غيابها يأخذ منحى آخر مختلفا ً
تماماً.
ينهى المراجعات ويطمئن إلى عدم وجود أخطاء .ث َّم ،يجمع
األوراق حسب تسلسلها ليسجِّ ل على الصَّفحة األخيرة تاريخ
إتمامه للعمل كما اعتاد أن يفعل على ال َّدوام.
**********
أُغلق القلم وأُلملم الصَّفحات وأهرع إلى زوجتي.
"أتممت مهمَّتك وستبدأ مهمَّتي .استع ّنا على ال َّشقا باهلل" ،بهذه
العبارة تستقبلني وهي ترى المخطوطة في يدي .أناولها إيّاها كي
تقرأها وتبدي مالحظاتها بشأنها كعادتها ،وأجلس قبالتها.
تهرب عيوني إلى حضن الغسق الَّذي احت َّل ال َّفضاء من حولنا.
"بلى".
" من يكتب من .كأ َّنني أمام لوحة اإلسباني أليكس حين رسم
نفسه وهو يرسم ،لك َّنها لوحة مرسومة بالكلمات هذه المرَّ ة"،
تطلق مالحظتها مشفوعة بابتسامة وهي تنظر إليَّ تلك ال َّنظرة
الَّتي خبرت ف َّ
ك أحاجيها.
منذ زمن بعيد وأنا أريد أن أنقل إلى الورق صراعي هذا مع
انقسامي الرُّ وحي والفكري ،بين ال ّ
شاهد القاص والفاعل المدوِّ ن،
الطرح والهو في السَّرد ،حين ُّ
أخط صراع بين صدقيَّة األنا في َّ
أحداث حكاية ،حين أحاول أن أتقمَّص دور الكاتب والرَّ اوي
والبطل بآن معاً.
ِّ
تشظياتي حين أش ِّكل الحكاية ما زلت أحاول نقل صراعي مع
وأصبح مصدر أفكارها وناظم عقد تفاعالتها وراوية حبكتها.
وهنا يبدأ الصِّراع الحقيقي عندي بين هذه األقطاب على شكل
َّ
الطرح وال َّدور ،والك ُّل يش ُّد البساط صوبه".
أعترف أ َّنني لم أرسم هذا الخط الَّذي سارت عليه القصَّة ،بل
كنت مجرَّ د حكواتي محايد في كثير من المواقف .البطل هو من
ح َّدد سيرورة الصِّراع وهذا ما أظ ُّنه أضفى مزيداً من الواقعيَّة
والجاذبيَّة .أكيد أنَّ تلك الهواجس ستبقى معلَّقة ،مثل نبوءة أو
لغز ،فوق الصَّفحات الَّتي سأكتبها الحقا ً عن أبطال آخرين
يعيشون في أمكنة وأزمنة أخرى ،لك َّنني لست متي ِّقنا ً من
اإلجابات.
************
عندما أنهي كالمي يخيَّل إليَّ أ َّنني أرى وجها ً يبسم لي ،ليأتيني
الصَّوت عميقاً:
ويضحك االثنان.
مرت النصف ساعة كالثانيه ،فلم أشعر بها قط ،ثم دخلت المكتب
لمقابلة المدير وقلبي يدعو من أعماقه أن تنجح المقابلة ويتم
قبولي في العمل.....
فأجبته:
1000"-اليك".
فقال لي:
"--ممتاز"
فأرسلت له كاتباً:
"-هذا ظلم! فمع كل هذه الشهادات التي تدل على كفاءتي بالشغل
ترفضني فقط بسبب الاليكات؟! ".
ثم قمت بعمل *بلوك* له وأنا مازلت اجلس على الكرسي أمامة.
حتى بعد ذلك وجدت األمن يقتحمون عليَّ المكتب وهم ينظرون
إليَّ بغضب ثم ارسلوا لي:
خرجت من البيت شديد الغضب ،ال أجد احد اتكلم معهُ ،فقط
اسي ُر في الشوارع وأج ُد كل الناس يحملون في أيديهم الموبايالت
وتمتلىء الشوارع بأصوات إشعارات الماسنچر البغيضة.
ُ
وتطرقت ُ
واخذت اتحدث إليه وانا ابكي بشدة ُ
وصلت إلى البحر
ُ
وجدت عدد كبير من في الحديث له حتى ما إن انتهيت
األشخاص يتجمعون حولي وينظرون إليَّ بدهشه وتعجب شديد،
ومن بينهم اثنان يرتدون بالطو ابيض ،يبدو عليهم انهم
ممرضين .وطلب مني هذان االثنان بطاقه الماسنچر الخاصة بي
ليتكلموا معي.
-ال يا أمي ال اقصد ذلك ولكن اما قولتي انك لن تتحدثي بصوتك
لكي اليقال عنك انك جاهله أو مجنونة في ظل هذا العصر
الحديث ،عصر 2035ميالدية؟!