You are on page 1of 3

‫فهذا الباب أيضا ً من كمال التوحيد ومن كمال اإليمان النهي عن سب الريح‪ ،‬ذكره المؤلف في كتاب التوحيد؛ ألن

هذا من كمال‬
‫التوحيد ومن كمال اإليمان أن ال يسب الريح؛ ألنها خلق مدبّر ومأمور فال يجوز سبه‪ ،‬تأتي بالخير والشر؛ فإذا رأى اإلنسان من‬
‫الريح ما يكره فليقل‪ :‬اللهم إني أسألك من خير هذه الريح‪ ،‬وخير ما فيها‪ ،‬وخير ما أمرت به‪ ،‬ونعوذ بك من شرها‪ ،‬وشر ما فيها‪،‬‬
‫‪.‬وشر ما أمرت به‬

‫وفي اللفظ اآلخر‪ :‬وشر ما أرسلت به‪ ،‬وبهذا يحصل المطلوب وهو السالمة من المكروه‪ ،‬أما سبها‪ :‬لعن هللا هذه الريح‪ ،‬قاتل هللا هذه‬
‫الريح‪ ،‬كل هذا ال يجوز‪ ،‬ولكن يقول‪ :‬اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به‪ ،‬وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها‬
‫‪.‬وشر ما أرسلت به‪ ،‬وهذا كاف في األدب الشرعي‬

‫ً‬
‫متحفظا في‬ ‫وهكذا ال يسب األمراض‪ ،‬وال يسب الدنيا‪ ،‬ويحفظ لسانه عن الكالم السيئ إال من سبه هللا ورسوله‪ ،‬ويكون اإلنسان‬
‫ً‬
‫متحفظا في دعائه وسبّه وغير ذلك إال حسب ما تمليه الشريعة‬ ‫‪.‬كلماته‪،‬‬

‫‪.syaikh bin baz‬نسأل هللا للجميع التوفيق والهداية‬

‫‪:‬باب النهي عن سب الريح‬

‫المؤلف رحمه اهلل أطلق النهي ولم يفصح‪ :‬هل المراد به التحريم أو الكراهية‪ ،‬وسيتبين إن شاء اهلل من‬
‫‪.‬الحديث‬
‫‪.‬قوله‪( :‬الريح)‪ .‬الهواء الذي يصرفه اهلل عز وجل‪ ،‬وجمعه رياح‬
‫وأصولها أربعة‪ :‬الشمال‪ ،‬والجنوب‪ ،‬والشرق‪ ،‬والغرب‪ ،‬وما بينهما يسمي النكباء‪ ،‬ألنها ناكبة عن‬
‫‪.‬االستقامة في الشمال‪ ،‬أو الجنوب‪ ،‬أو الشرق‪ ،‬أو الغرب‬
‫فأحيانا‪ 9‬تكون شديدة تقلع األشجار‪ 9‬وتهدم البيوت وتدفن الزروع‪9‬‬
‫ً‬ ‫وتصريفها‪ 9‬من آيات اهلل عز وجل‪،‬‬
‫وأحيانا‪9‬‬
‫ً‬ ‫وأحيانا‪ 9‬حارة‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأحيانا تكون باردة‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأحيانا‪ 9‬تكون هادئة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ويحصل معها فيضانات عظيمة‪،‬‬
‫وأحيانا نازلة‪ ،‬كل هذا بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬ولو أن الخلق اجتمعوا كلهم على أن يصرفوا الريح‬
‫ً‬ ‫عالية‪،‬‬
‫عن جهتها التي جعلها اهلل عليه ما استطاعوا إلى ذلك سبياًل ‪ ،‬ولو اجتمعت جميع المكائن العالمية النفاثة‬
‫لتوجد هذه الريح الشديدة ما استطاعت إلى ذلك سبياًل ‪ ،‬ولكن اهلل عز وجل بقدرته يصرفها‪ 9‬كيف يشاء‬
‫وعلي ما يريد‪ ،‬فهل يحق للمسلم أن يسب هذه الريح؟‬
‫أحيانا تضر بإحراقها‪ 9‬بعض األشجار‪،‬‬
‫ً‬ ‫الجواب‪ :‬ال‪ ،‬ألن هذه الريح مسخرة مدبرة‪ ،‬وكما أن الشمس‬
‫‪».‬ومع ذلك ال يجوز ألحد أن يسبها‪ ،‬فكذلك الريح‪ ،‬ولهذا قال‪« :‬ال تسبوا الريح‬
‫عن أبي بن كعب رضي اهلل عنه‪ ،‬أن رسول اهلل قال‪« :‬ال تسبوا الريح‪ ،‬فإذا رأيتم ما تكرهون‪ ،‬فقولوا‪:‬‬
‫اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به‪ ،‬ونعوذ بك من شر هذه الريح‬
‫‪.‬وشر‪ 9‬ما فيها وشر ما أمرت به»‪ ‬صححه الترمذي‬
‫‪.‬قوله‪«  :‬ال تسبوا الريح»‪( .‬ال) ناهية‪ ،‬والفعل مجزوم بحذف النون‪ ،‬والواو فاعل‪ ،‬والريح مفعول به‬
‫والسب‪ :‬الشتم‪ ،‬والعيب‪ ،‬والقدح‪ ،‬واللعن‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬وإ نما نهي عن سبها ألن سب المخلوق سب‬
‫مبنيا وفيه عيب فسببته‪ ،‬فهذا السب ينصب على من بناه‪ ،‬وكذلك سب الريح‪،‬‬
‫قصرا‪ّ 9‬‬
‫لخالقه فلو وجدت ً‬
‫‪.‬ألنها مدبرة مسخرة على ما تقتضيه حكمة اهلل عز وجل‬
‫ولكن إذا كانت الريح مزعجة‪ ،‬فقد أرشد النبي إلى ما يقال حينئذ في قوله‪« :‬ولكن قولوا‪ :‬اللهم إنا‬
‫‪».‬نسألك‪ ..‬إلخ‬
‫قوله‪«  :‬من خير هذه الريح»‪ .‬الريح نفسها فيها خير وشر‪ ،‬فقد تكون عاصفة تقلع األشجار وتهدم الديار‬
‫‪.‬وتفيض البحار واألنهار‪ 9،‬وقد تكون هادئة تبرد الجو وتكسب النشاط‬
‫خيرا‪ ،‬كتلقيح الثمار‪ ،‬وقد تحمل رائحة طيبة‬
‫قوله‪« :‬وخير ما فيها»‪ .‬أي‪ :‬ما تحمله‪ ،‬ألنها قد تحمل ً‬
‫شرا‪ ،‬كإزالة لقاح الثمار‪ ،‬وأمراض تضر‪ 9‬اإلنسان والبهائم‬
‫‪.‬الشم‪ ،‬وقد تحمل ًّ‬
‫‪.‬قوله‪« :‬وخير ما أمرت به»‪ .‬مثل إثارة السحاب وسوقه إلى حيث شاء اهلل‬
‫‪.‬قوله‪« :‬ونعوذ‪ 9‬بك»‪ .‬أي‪ :‬نعتصم‪ 9‬ونلجأ‬
‫‪.‬قوله‪« :‬من شر هذه الريح»‪ .‬أي‪ :‬شرها بنفسها‪ ،‬كقلع األشجار‪ ،‬ودفن الزروع‪ 9،‬وهدم البيوت‬
‫‪.‬قوله‪« :‬وشر ما فيها»‪ .‬أي‪ :‬ما تحمله من األشياء الضارة‪ ،‬كاألنتان‪ ،‬والقاذورات‪ ،‬واألوبئة وغيرها‬
‫قوله‪« :‬وشر ما أمرت به»‪ .‬كاإلهالك والتدمير‪ 9،‬قال تعالى في ريح عاد‪{ :‬تدمر كل شيء بأمر‬
‫ربها}‪[ ‬األحقاف‪ ،]25 :‬وتيبيس‪ 9‬األرض من األمطار‪ ،‬ودفن الرز وع‪ ،‬وطمس اآلثار والطرق‪ ،‬فقد‬
‫‪.‬تؤمر‪ 9‬بشر لحكمة بالغة قد نعجز عن إدراكها‬
‫وقوله‪« :‬ما أمرت به»‪  ‬هذا األمر حقيقي‪ ،‬أي‪ :‬يأمرها اهلل أن تهب ويأمرها أن تتوقف‪ ،‬وكل شيء من‬
‫كرها قالتا‬
‫طوعا أو ً‬
‫ً‬ ‫المخلوقات فيه إدراك بالنسبة إلى أمر اهلل‪ ،‬قال اهلل تعالى لألرض والسماء‪{ :‬ائتيا‬
‫أتينا طائعين}‪[ ‬فصلت‪ ،]11 :‬وقال للقلم‪« :‬اكتب‪ .‬قال‪ :‬ربي وماذا أكتب؟ قال‪ :‬اكتب ما هو كائن إلى‬
‫‪».‬قيام الساعة‬
‫‪:‬فيه مسائل *‬
‫األولى‪ :‬النهي عن سب الريح الثانية‪ :‬اإلرشاد‪ 9‬إلى الكالم النافع إذا رأى اإلنسان ما يكره‪ .‬الثالثة‪:‬‬
‫‪.‬اإلرشاد‪ 9‬إلى أنها مأمورة‪ .‬الرابعة‪ :‬أنها قد تومر بخير وقد تؤمر بشر‬
‫‪:‬فيه مسائل‬
‫‪.‬األولى‪ :‬النهي عن سب الريح‪ .‬وهذا للتحريم‪ ،‬ألن سبها سب لمن خلقها وأرسلها *‬
‫الثانية‪ :‬اإلرشاد إلى الكالم النافع إذا رأي اإلنسان ما يكره‪ .‬أي‪ :‬منها‪ ،‬وهو أن يقول‪« :‬اللهم إني *‬
‫أيضا‪ ،‬كاالتقاء من شرها بالجدران أو الجبال‬
‫أسألك من خيرها‪ »..‬الحديث‪ ،‬مع فعل األسباب الحسية ً‬
‫‪.‬ونحوها‬
‫‪.‬الثالثة‪ :‬اإلرشاد‪ 9‬إلى أنها مأمورة‪ .‬لقوله‪( :‬ما أمرت به) *‬
‫‪.‬الرابعة‪ :‬أنها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر‪ .‬لقوله‪( :‬خير ما أمرت به‪ ،‬وشر ما أمرت به) *‬
‫والحاصل‪ :‬أنه يجب على اإلنسان أن ال يعترض على قضاء اهلل وقدره‪ ،‬وأن ال يسبه‪ ،‬وأن يكون‬
‫مستسلما ألمره الشرعي‪ ،‬ألن هذه المخلوقات التملك أن‬
‫ً‬ ‫مستسلما ألمره الكوني كما يجب أن يكون‬
‫ً‬
‫شيئا إال بأمر اهلل سبحانه وتعالى‬
‫تفعل ً‬

You might also like