You are on page 1of 144

‫*‪*1‬الجزء ‪ 12‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة الحج‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ وهحي مكيحة‪ ،‬سحوى ثلث آيات‪ :‬قوله تعالى‪" :‬هذان خصحمان" [الححج‪ ]19 :‬إلى تمام ثلث‬
‫آيات‪ ،‬قاله ابحن عباس ومجاهحد‪ .‬وعحن ابحن عباس أيضحا (أنهحن أربحع آيات)‪ ،‬قوله "عذاب الحريحق"‬
‫[الحج‪ ]22 :‬وقال الضحاك وابن عباس أيضا‪( :‬هي مدنية) ‪ -‬وقاله قتادة ‪ -‬إل أربع آيات‪" :‬وما‬
‫أرسحلنا محن قبلك محن رسحول ول نحبي" [الححج‪ ]52 :‬إلى "عذاب يوم عقيحم" [الححج‪ ]55 :‬فهحن‬
‫مكيات‪ .‬وعححد النقاش مححا نزل بالمدينححة عشححر آيات‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬السححورة مختلطححة‪ ،‬منهححا مكححي‬
‫ومنهحا مدنحي‪ .‬وهذا هحو الصحح؛ لن اليات تقتضحي ذلك‪ ،‬لن "يحا أيهحا الناس" مكحي‪ ،‬و"يحا أيهحا‬
‫الذيحن آمنوا" مدنحي‪ .‬الغزنوي‪ :‬وهحي محن أعاجيحب السحور‪ ،‬نزلت ليل ونهارا‪ ،‬سحفرا وحضرا‪ ،‬مكيحا‬
‫ومدنيا‪ ،‬سلميا وحربيا‪ ،‬ناسخا ومنسوخا‪ ،‬محكما ومتشابها؛ مختلف العدد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وجاء في فضلها ما رواه الترمذي وأبو داود والدارقطني عن عقبة بن عامر قال قلت‪ :‬يا‬
‫رسول ال‪ ،‬فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال‪( :‬نعم‪ ،‬ومن لم يسجدهما فل يقرأهما)‪ .‬لفظ‬
‫الترمذي‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن ليس إسناده بالقوي‪.‬‬
‫واختلف أهحل العلم فحي هذا؛ فروي عحن عمحر بحن الخطاب ‪ -‬رضحي ال عنحه ‪ -‬وابحن عمحر أنهمحا‬
‫قال‪" :‬فضلت سحورة الححج بأن فيهحا سحجدتين"‪ .‬وبحه يقول ابحن المبارك والشافعحي وأحمحد وإسححاق‪.‬‬
‫ورأى بعضهحم أن فيهحا سحجدة واحدة؛ وهحو قول سحفيان الثوري‪ .‬روى الدارقطنحي عحن عبدال بحن‬
‫ثعلبة قال‪ :‬رأيت عمر بن الخطاب سجد في الحج سجدتين؛ قلت في الصبح؟ قال في الصبح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}‬
‫@ روى الترمذي عن عمران بن حصين أن النبي صلى ال عليه وسلم لما نزلت "يا أيها الناس‬
‫اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ولكن عذاب ال شديد" قال‪ :‬أنزلت عليه هذا‬
‫اليحة وهحو فحي سحفر فقال‪( :‬أتدرون أي يوم ذلك؟ فقالوا‪ :‬ال ورسحول أعلم؛ قال‪ :‬ذاك يوم يقول ال‬
‫لدم ابعث بعث النار قال يا رب وما بعث النار قال تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى‬
‫الجنة)‪ .‬فأنشأ المسلمون يبكون؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬قاربوا وسددوا فإنه لم تكن‬
‫نبوة قححط إل كان بيححن يديهححا جاهليححة ‪ -‬قال ‪ -‬فيؤخححذ العدد مححن الجاهليححة فإن تمححت وإل كملت مححن‬
‫المنافقين وما مثلكم والمم إل كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ‪ -‬ثم قال ‪-‬‬
‫إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ‪ -‬فكبروا؛ ثم قال ‪ -‬إني لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ‪-‬‬
‫فكبروا؛ ثم قال ‪ -‬إني لرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) فكبروا‪ .‬قال‪ :‬ل أدري قال الثلثين أم ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬قد روي من غير وجه الحسن عن عمران بن حصين‪ .‬وفيه‪ :‬فيئس‬
‫القوم حتحى محا أبدوا بضاحكحة‪ ،‬فلمحا رأى رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬اعملوا وأبشروا‬
‫فوالذي نفسحي بيده إنكحم لمحع خليقتيحن محا كانتحا محع شيحء إل كثرتاه يأجوج ومأجوج ومحن مات محن‬
‫بنححي آدم وبنحي إبليحس قال‪ :‬فسححري عحن القوم بعححض الذي يجدون؛ فقال‪( :‬اعملوا وأبشروا فوالذي‬
‫نفحس محمحد بيده محا أنتحم فحي الناس إل كالشامحة فحي جنحب البعيحر أو كالرقمحة فحي ذراع الدابحة) قال‪:‬‬
‫هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬يقول ال تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك ‪ -‬قال ‪ -‬يقول أخرج بعث‬
‫النار قال ومحا بعحث النار قال محن كحل ألف تسحعمائة وتسحعة وتسحعين قال فذاك حيحن يشيحب الصحغير‬
‫وتضحع كحل ذات حمحل‪ ،‬حملهحا وترى الناس سحكارى ومحا هحم بسحكارى ولكحن عذاب ال شديحد‪ .‬قال‪:‬‬
‫فاشتد ذلك عليهم؛ قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أينا ذلك الرجل؟ فقال‪ :‬أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا‬
‫ومنكم رجل)‪ .‬وذكر الحديث بنحو ما تقدم في حديث عمران بن حصين‪ .‬وذكر أبو جعفر النحاس‬
‫قال‪ :‬حدثنحا أحمحد بحن محمحد بحن نافحع قال حدثنحا سحلمة قال حدثنحا عبدالرزاق قال أخبرنحا معمحر عحن‬
‫قتادة عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم‬
‫‪ -‬إلى ‪ -‬ولكحن عذاب ال شديحد" قال‪ :‬نزلت على النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وهحو فحي مسحير له‪،‬‬
‫فرفحع بهحا صحوته حتحى ثاب إليحه أصححابه فقال‪( :‬أتدرون أي يوم هذا هذا يوم يقول ال عحز وجحل‬
‫لدم صحلى ال عليحه وسحلم يحا آدم قحم فابعحث بعحث أهحل النار محن كحل ألف تسحعمائة وتسحعة وتسحعون‬
‫إلى النار وواحححد إلى الجنححة‪ .‬فكححبر ذلك على المسححلمين؛ فقال النححبي صححلى ال عليححه وسححلم‪ :‬سححدوا‬
‫وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسحي بيده محا أنتحم فحي الناس إل كالشامة فحي جنحب البعيحر أو كالرقمة فحي‬
‫ذراع الحمار وإن معكحم خليقتيحن محا كانتحا محع شيحء إل كثرتاه يأجوج ومأجوج ومحن هلك محن كفرة‬
‫الجن والنس)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم" المراد بهذا النداء المكلفون؛ أي اخشوه في أوامره أن‬
‫تتركوهحا‪ ،‬ونواهيحه أن تقدموا عليهحا‪ .‬والتقاء‪ :‬الحتراس محن المكروه؛ وقحد تقدم فحي أول "البقرة"‬
‫القول فيه مستوفى‪ ،‬فل معنى لعادته‪ .‬والمعنى‪ :‬احترسوا بطاعته عن عقوبته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن زلزلة الساعة شيء عظيم" الزلزلة شدة الحركة؛ ومنه "وزلزلوا حتى يقول‬
‫الرسول" [البقرة‪ .]214 :‬وأصل الكلمة من زل عن الموضع؛ أي زال عنه وتحرك‪ .‬وزلزل ال‬
‫قدمه؛ أي حركها‪ .‬وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء‪ .‬وقيل‪ :‬هي الزلزلة المعروفة التي هي‬
‫إحدى شرائط السحاعة‪ ،‬التحي تكون فحي الدنيحا قبحل يوم القيامحة؛ هذا قول الجمهور‪ .‬وقحد قيحل‪ :‬إن هذه‬
‫الزلزلة تكون في النصف من شهر رمضان‪ ،‬ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى‬
‫الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ال شديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم ترونهحا" الهاء فحي "ترونهحا" عائدة عنحد الجمهور على الزلزلة؛ ويقوي هذا‬
‫قوله عحز وجحل‪ " :‬تذهحل كحل مرضعحة عمحا أرضعحت وتضحع كحل ذات حمحل حملهحا" والرضاع‬
‫والحمحل إنمحا هحو فحي الدنيحا‪ .‬وقالت فرقحة‪ :‬الزلزلة فحي يوم القيامحة؛ واحتجوا بحديحث عمران بحن‬
‫حصحين الذي ذكرناه‪ ،‬وفيحه‪( :‬أتدرون أي يوم ذلك‪ )...‬الحديحث‪ .‬وهحو الذي يقتضيحه سحياق مسحلم فحي‬
‫حديث أبي سعيد الخدري‪.‬‬
‫@قوله‪" :‬تذهل" أي تشتغل؛ قاله قطرب‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫ويذهل الخليل عن خليله‬ ‫ضربا يزيل الهام عن مقيله‬
‫وقيل تنسى‪ .‬وقيل تلهو؛ وقيل تسلو؛ والمعنى متقارب‪" .‬عما أرضعت" قال المبرد‪" :‬ما" بمعنى‬
‫المصححدر؛ أي تذهححل عححن الرضاع‪ .‬قال‪ :‬وهذا يدل على أن هذه الزلزلة فححي الدنيححا؛ إذ ليححس بعححد‬
‫البعحث حمحل وإرضاع‪ .‬إل أن يقال‪ :‬محا ماتحت حامل تبعحث حامل فتضحع حملهحا للهول‪ .‬ومحن ماتحت‬
‫مرضعحة بعثحت كذلك‪ .‬ويقال‪ :‬هذا كمحا قال ال عحز وجحل‪" :‬يومحا يجعحل الولدان شيبحا" [المزمحل‪:‬‬
‫‪ .]17‬وقيحل‪ :‬تكون محع النفخحة الولى‪ .‬وقيحل‪ :‬تكون محع قيام السحاعة‪ ،‬حتحى يتحرك الناس محن‬
‫قبورهحم فحي النفخحة الثانيحة‪ .‬ويحتمحل أن تكون الزلزلة فحي اليحة عبارة عحن أهوال يوم القيامحة؛ كمحا‬
‫قال تعالى‪" :‬مسحتهم البأسحاء والضراء وزلزلوا" [البقرة‪ .]214 :‬وكمحا قال عليحه السحلم‪( :‬اللهحم‬
‫اهزمهححم وزلزلهححم)‪ .‬وفائدة ذكححر هول ذلك اليوم التحريححض على التأهححب له والسححتعداد بالعمححل‬
‫الصحالح‪ .‬وتسحمية الزلزلة بحح "شيحء" إمحا لنهحا حاصحلة متيقحن وقوعهحا‪ ،‬فيسحتسهل لذلك أن تسحمى‬
‫شيئا وهحي معدومحة؛ إذ اليقيحن يشبحه الموجدات‪ .‬وإمحا على المآل؛ أي هحي إذا وقعحت شيحء عظيحم‪.‬‬
‫وكأنه لم يطلق السم الن‪ ،‬بحل المعنحى أنهحا إذا كانت فهي إذا شيحء عظيحم‪ ،‬ولذلك تذهل المراضحع‬
‫وتسكر الناس؛ كما قال‪:‬‬
‫@قوله تعالى‪ " :‬وترى الناس سكارى" أي من هولها ومما يدركهم من الخوف والفزع‪ " .‬وما هم‬
‫بسكارى" من الخمر‪ .‬وقال أهل المعاني‪ :‬وترى الناس كأنهم سكارى‪ .‬يدل عليه قراءة أبي زرعة‬
‫هرم بن عمرو بن جرير بن عبدال "وترى الناس" بضم التاء؛ أي تظن ويخيل إليك‪ .‬وقرأ حمزة‬
‫والكسائي "سكرى" بغير ألف‪ .‬الباقون "سكارى" وهما لغتان لجمع سكران؛ مثل كسلى وكسالى‪.‬‬
‫والزلزلة‪ :‬التحريحك العنيحف‪ .‬والذهول‪ .‬الغفلة عن الشيحء بطروء محا يشغحل عنه من هحم أو وجحع أو‬
‫غيره‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬المعنى تترك ولدها للكرب الذي نزل بها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ويتبع كل شيطان مريد}‬
‫@قوله تعالى‪ " :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير علم" قيل‪ :‬المراد النضر بن الحارث‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إن ال عحز وجحل غيحر قادر على إحياء محن قحد بلي وعاد ترابحا‪" .‬ويتبحع" أي فحي قوله ذلك‪ " .‬كحل‬
‫شيطان مريد" متمرد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬كتب عليه أنه من توله فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير}‬
‫@ قال قتادة ومجاهد‪ :‬أي من تولى الشيطان‪" .‬فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من‬
‫علقحة ثحم محن مضغحة مخلقحة وغيحر مخلقحة لنحبين لكحم ونقحر فحي الرحام محا نشاء إلى أجحل مسحمى ثحم‬
‫نخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد‬
‫علم شيئا وترى الرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كنتم في ريب" متضمنة التوقيف‪ .‬وقرأ الحسن بن أبي الحسن "البعث" بفتح‬
‫العيحن؛ وهحي لغحة فحي "البعحث" عنحد البصحريين‪ .‬وهحي عنحد الكوفييحن بتخفيحف "بعحث"‪ .‬والمعنحى‪ :‬يحا‬
‫أيها الناس إن كنتم في شك من العادة‪" .‬فإنا خلقناكم" أي خلقنا أباكم الذي هو أصل البشر‪ ،‬يعني‬
‫آدم عليحه السلم "من تراب"‪" .‬ثحم" خلقنحا ذريتحه‪" .‬من نطفحة" وهو المنحي؛ سحمي نطفة لقلته‪ ،‬وهو‬
‫القليحل محن الماء‪ ،‬وقحد يقحع على الكثيحر منحه؛ ومنحه الحديحث (حتحى يسحير الراكحب بيحن النطفتيحن ل‬
‫يخشحى جورا)‪ .‬أراد بححر المشرق وبححر المغرب‪ .‬والنطحف‪ :‬القطحر‪ .‬نطحف ينطحف وينطحف‪ .‬وليلة‬
‫نطوفة دائمة القطر‪" .‬ثم من علقة" وهو الدم الجامد‪ .‬والعلق الدم العبيط؛ أي الطري‪ .‬وقيل‪ :‬الشديد‬
‫الحمرة‪" .‬ثححم مححن مضغححة" وهححي لحمححة قليلة قدر مححا يمضححغ؛ ومنححه الحديححث (أل وإن فححي الجسححد‬
‫مضغحة)‪ .‬وهذه الطوار أربعحة أشهحر‪ .‬قال ابحن عباس‪( :‬وفحي العشحر بعحد الشهحر الربعحة ينفحخ فيحه‬
‫الروح)‪ ،‬فذلك عدة المتوفى عنها زوجها؛ أربعة أشهر وعشر‪.‬‬
‫@ روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثنا داود عن عامر عن علقمة عن ابن مسعود وعن ابن‬
‫عمر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه فقال‪" :‬يا رب‪ ،‬ذكر أم أنثى‪ ،‬شقي أم سعيد‪،‬‬
‫مححا الجححل والثححر‪ ،‬بأي أرض تموت؟ فيقال له انطلق إلى أم الكتاب فإنححك تجححد فيهححا قصححة هذه‬
‫النطفة‪ ،‬فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب‪ ،‬فتخلق فتأكل رزقها وتطأ أثرها فإذا جاء أجلها قبضت‬
‫فدفنحت فحي المكان الذي قدر لهحا؛ ثحم قرأ عامحر "يحا أيهحا الناس إن كنتحم فحي ريحب محن البعحث فإنحا‬
‫خلقناكحم محن تراب"‪ .‬وفحي الصححيح عحن أنحس بحن مالك ‪ -‬ورفحع الحديحث ‪ -‬قال‪( :‬إن ال قحد وكحل‬
‫بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة‪ .‬أي رب علقة‪ .‬أي رب مضغة‪ .‬فإذا أراد ال أن يقضي خلقا قال‬
‫قال الملك أي رب ذكر أو أنثى شقي أو سعيد‪ .‬فما الرزق فما الجل‪ .‬فيكتب كذلك في بطن أمه)‪.‬‬
‫وفحي الصححيح أيضحا عحن حذيفحة بحن أسحيد الغفاري قال‪ :‬سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‬
‫يقول‪( :‬إذا محر بالنطفحة اثنتان وأربعون ليلة بعحث ال إليهحا ملكحا فصحورها وخلق سحمعها وبصحرها‬
‫وجلدهحا ولحمهحا وعظامهحا ثحم يقول أي رب أذكحر أم أنثحى‪ )...‬وذكحر الحديحث‪ .‬وفحي الصححيح عحن‬
‫عبدال بن مسعود قال‪ :‬حدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم‬
‫يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم‬
‫يرسحل الملك فينفحخ فيحه الروح ويؤمحر بأربحع كلمات بكتحب رزقحه وأجله وعمله وشقحي أو سحعيد‪)...‬‬
‫الحديحث‪ .‬فهذا الحديحث مفسحر للحاديحث الول؛ فإنحه فيحه‪( :‬يجمحع أحدكحم فحي بطحن أمحه أربعيحن يومحا‬
‫نطفحة ثحم أربعيحن يومحا علقحة ثحم أربعيحن يومحا مضغحة ثحم يبعحث الملك فينفحخ فيحه الروح) فهذه أربعحة‬
‫أشهر وفي العشر ينفخ الملك الروح‪ ،‬وهذه عدة المتوفى عنها زوجها كما قال ابن عباس‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه) قد فسره ابن مسعود‪ ،‬سئل العمش‪ :‬ما يجمع في بطن أمه؟‬
‫فقال‪ :‬حدثنحا خيثمحة قال قال عبدال‪ :‬إذا وقعحت النطفحة فحي الرححم فأراد أن يخلق منهحا بشرا طارت‬
‫فحي بشرة المرأة تححت كحل ظفحر وشعحر ثحم تمكحث أربعيحن يومحا ثحم تصحير دمحا فحي الرححم؛ فذلك‬
‫جمعها‪ ،‬وهذا وقت كونها علقة‪.‬‬
‫@ نسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية ل حقيقية‪ ،‬وأن ما صدر عنه فعل ما في المضغة‬
‫كان عنحد التصحوير والتشكيحل بقدرة ال وخلقحه واختراعحه؛ أل تراه سحبحانه قحد أضاف إليحه الخلقحة‬
‫الحقيقيحة‪ ،‬وقطحع عنهحا نسحب جميحع الخليقحة فقال‪" :‬ولقحد خلقناكحم ثحم صحورناكم" [العراف‪.]11 :‬‬
‫وقال‪" :‬ولقد خلقنا النسان من سللة من طين‪ .‬ثم جعلناه نطفة في قرار مكين" [المؤمنون‪- 12 :‬‬
‫‪ .]13‬وقال‪" :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة"‪ .‬وقال‬
‫تعالى‪" :‬هحو الذي خلقكحم فمنكحم كافحر ومنكحم مؤمحن" [التغابحن‪ .]2 :‬ثحم قال‪" :‬وصحوركم فأحسحن‬
‫صحوركم" [غافحر‪ .]64 :‬وقال‪" :‬لقحد خلقنحا النسحان فحي أحسحن تقويحم" [التيحن‪ .]4 :‬وقال‪" :‬خلق‬
‫النسان من علق" [العلق‪ .]2 :‬إلى غير ذلك من اليات‪ ،‬مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن ل‬
‫خالق لشيحء محن المخلوقات إل رب العالميحن‪ .‬وهكذا القول فحي قوله‪" :‬ثحم يرسحل الملك فينفحخ فيحه‬
‫الروح" أي أن النفحخ سحبب خلق ال فيهحا الروح والحياة‪ .‬وكذلك القول فحي سحائر السحباب المعتادة؛‬
‫فإنه بإحداث ال تعالى ل بغيره‪ .‬فتأمل هذا الصل وتمسك به‪ ،‬ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلل‬
‫الطبعيين وغيرهم‪.‬‬
‫@ لم يختلف العلماء أن نفحخ الروح فيحه يكون بعحد مائة وعشريحن يومحا‪ ،‬وذلك تمام أربعحة أشهحر‬
‫ودخوله في الخامس؛ كما بيناه بالحاديث‪ .‬وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الحكام في الستلحاق‬
‫عنحد التنازع‪ ،‬وفحي وجوب النفقات على حمحل المطلقات؛ وذلك لتيقنحه بحركحة الجنيحن فحي الجوف‪.‬‬
‫وقحد قيحل‪ :‬إنحه الحكمحة فحي عدة المرأة محن الوفاة بأربعحة أشهحر وعشحر‪ ،‬وهذا الدخول فحي الخامحس‬
‫يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل‪.‬‬
‫@ النطفة ليست بشيء يقينا‪ ،‬ول يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم‪ ،‬فهي كما‬
‫لو كانححت فححي صححلب الرجححل؛ فإذا طرحتححه علقححة فقححد تحققنححا أن النطفححة قححد اسححتقرت واجتمعححت‬
‫واستحالت إلى أول أحوال يتحقق به أنه ولد‪ .‬وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة‬
‫وضحع حمحل‪ ،‬تحبرأ بحه الرححم‪ ،‬وتنقضحي بحه العدة‪ ،‬ويثبحت بحه لهحا حكحم أم الولد‪ .‬وهذا مذهحب مالك‬
‫رضي ال عنه وأصحابه‪ .‬وقال الشافعي رضي ال عنه‪ :‬ل اعتبار بإسقاط العلقة‪ ،‬وإنما العتبار‬
‫بظهور الصورة والتخطيط؛ فإن خفي التخطيط وكان لحما فقولن بالنقل والتخريج‪ ،‬والمنصوص‬
‫أنه تنقضي به العدة ول تكون أم ولد‪ .‬قالوا‪ :‬لن العدة تنقضي بالدم الجاري‪ ،‬فبغيره أولى‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬مخلقة وغير مخلقة" قال الفراء‪" :‬مخلقة" تامة الخلق‪" ،‬وغير مخلقة" السقط‪ .‬وقال‬
‫ابن العرابي‪" :‬مخلقة" قد بدأ خلقها‪" ،‬وغير مخلقة" لم تصور بعد‪ .‬ابن زيد‪ :‬المخلقة التي خلق‬
‫ال فيهحا الرأس واليديحن والرجليحن‪ ،‬وغيحر مخلقحة التحي لم يخلق فيهحا شيحء‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬إذا‬
‫رجعنححا إلى أصححل الشتقاق فإن النطفححة والعلقحة والمضغححة مخلقححة؛ لن الكححل خلق ال تعالى‪ ،‬وإن‬
‫رجعنا إلى التصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال ال تعالى‪" :‬ثم أنشأناه خلقا آخر" [المؤمنون‪:‬‬
‫‪ ]14‬فذلك ما قال ابن زيد‪ .‬قلت‪ :‬التخليق من الخلق‪ ،‬وفيه معنى الكثرة‪ ،‬فما تتابع عليه الطوار‬
‫فقحد خلق خلقحا بعحد خلق‪ ،‬وإذا كان نطفحة فهحو مخلوق؛ ولهذا قال ال تعالى‪" :‬ثحم أنشأناه خلقحا آخحر"‬
‫[المؤمنون‪ ]14 :‬وال أعلم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن قوله‪" :‬مخلقة وغير مخلقة" يرجع إلى الولد بعينه ل إلى‬
‫السقط؛ أي منهم من يتم الرب سبحانه مضغته فيخلق له العضاء أجمع‪ ،‬ومنهم من يكون خديجا‬
‫ناقصحا غيحر تمام‪ .‬وقيحل‪( :‬المخلقحة أن تلد المرأة لتمام الوقحت)‪ .‬ابحن عباس‪ :‬المخلقحة محا كان حيحا‪،‬‬
‫وغير المخلقة السقط‪ .‬قال‪.‬‬
‫فأين الحزم ويحك والحياء‬ ‫أفي غير المخلقة البكاء‬
‫@ أجمع العلماء على أن المة تكون أم ولد بما تسقطه من ولد تام الخلق‪ .‬وعند مالك والوزاعي‬
‫وغيرهما بالمضغة كانت مخلقة أو غير مخلقة‪ .‬قال مالك‪ :‬إذا علم أنها مضغة‪ .‬وقال الشافعي وأبو‬
‫حنيفححة‪ :‬إن كان قححد تححبين له شيححء مححن خلق بنححي آدم أصححبع أو عيححن أو غيححر ذلك فهححي له أم ولد‪.‬‬
‫وأجمعوا على أن المولود إذا اسحتهل صحارخا يصحلى عليحه؛ فإن لم يسحتهل صحارخا لم يصحل عليحه‬
‫عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم‪ .‬وروي عن ابن عمر أنه يصلى عليه؛ وقال ابن المسيب‬
‫وابحن سحيرين وغيرهمحا‪ .‬وروي عحن المغيرة بحن شعبحة أنحه (كان يأمحر بالصحلة على السحقط‪ ،‬ويقول‬
‫سموهم واغسلوهم وكفنوهم وحنطوهم؛ فإن ال أكرم بالسلم كبيركم وصغيركم‪ ،‬ويتلو هذه الية‬
‫"فإنحا خلقناكحم محن تراب ‪ -‬إلى ‪ -‬وغيحر مخلقحة"‪ ).‬قال ابحن العربحي‪ :‬لعحل المغيرة بحن شعبحة أراد‬
‫بالسقط ما تبين خلقه فهو الذي يسمى‪ ،‬وما لم يتبين خلقه فل وجود له‪ .‬وقال بعض السلف‪ :‬يصلى‬
‫عليحه متحى نفحخ فيحه الروح وتمحت له أربعحة أشهحر‪ .‬وروى أبحو داود عحن أبحي هريرة رضحي ال عنحه‬
‫عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬إذا اسحتهل المولود ورث)‪ .‬السحتهلل‪ :‬رفحع الصحوت؛ فكحل‬
‫مولود كان ذلك منه أو حركة أو عطاس أو تنفس فإنه يورث لوجود ما فيه من دللة الحياة‪ .‬وإلى‬
‫هذا ذهب سفيان الثوري والوزاعي والشافعي‪ .‬قال الخطابي‪ :‬وأحسنه قول أصحاب الرأي‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬ل ميراث له وإن تحرك أو عطححس مححا لم يسححتهل‪ .‬وروي عححن محمححد بححن سححيرين والشعححبي‬
‫والزهري وقتادة‪.‬‬
‫@ قال مالك رضي ال عنه‪ :‬ما طرحته المرأة من مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد إذا ضرب‬
‫بطنها ففيه الغرة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل شيء فيه حتى يتبين من خلقه‪ .‬قال مالك‪ :‬إذا سقط الجنين فلم‬
‫يستهل صارخا ففيه الغرة‪ .‬وسواء تحرك أو عطس فيه الغرة أبدا‪ ،‬حتى يستهل صارخا ففيه الدية‬
‫كاملة‪ .‬وقال الشافعي رضي ال عنه وسائر فقهاء المصار‪ :‬إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو‬
‫باستهلك أو بغير ذلك مما تستيقن به حياته ففيه الدية‪.‬‬
‫@ ذكر القاضي إسماعيل أن عدة المرأة تنقضي بالسقط الموضوع‪ ،‬واحتج عليه بأنه حمل‪ ،‬وقال‬
‫قال ال تعالى‪" :‬وأولت الحمال أجلهحن أن يضعحن حملهحن"‪ .‬قال القاضحي إسحماعيل‪ :‬والدليحل على‬
‫ذلك أنه يرث أباه‪ ،‬فدل على وجوده خلقا وكونه ولدا وحمل‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬ول يرتبط به شيء‬
‫من هذه الحكام إل أن يكون مخلقا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما ذكرناه من الشتقاق وقول عليه الصلة والسلم‪( :‬إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه)‬
‫يدل على صححة محا قلناه‪ ،‬ولن مسحقطة العلقحة والمضغحة يصحدق على المرأة إذا ألقتحه أنهحا كانحت‬
‫حامل وضعحت محا اسحتقر فحي رحمهحا‪ ،‬فيشملهحا قوله تعالى‪" :‬وأولت الحمال أجلهحن أن يضعحن‬
‫حملهن" [الطلق‪ ]4 :‬ولنها وضعت مبدأ الولد عن نطفة متجسدا كالمخطط‪ ،‬وهذا بين‪.‬‬
‫@ روى ابحن ماجحه حدثنحا أبحو بكحر بحن أبحي شيبحة حدثنحا خالد بحن مخلد حدثنحا يزيحد عحن عبدالملك‬
‫النوفلي عن يزيد بن رومان عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لسقط أقدمه‬
‫بيحن يدي أححب إلي محن فارس أخلفحه [خلفحي])‪ .‬وأخرجحه الحاكحم فحي معرفحة علوم الحديحث له عحن‬
‫سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة فقال‪( :‬أحب إلي من ألف فارس أخلفه ورائي)‪.‬‬
‫@ "لنحبين لكحم" يريحد‪ :‬كمال قدرتنحا بتصحريفنا أطوار خلقكحم‪" .‬ونقحر فحي الرحام" قرئ بنصحب‬
‫"نقر" و"نخرج"‪ ،‬رواه أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم قال قال أبو حاتم‪ :‬النصب‬
‫على العطحف‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬نقحر" بالرفحع ل غيحر؛ لنحه ليحس المعنحى‪ :‬فعلنحا ذلك لنقحر فحي الرحام‬
‫ما نشاء‪ ،‬وإنما خلقهم عز وجل ليدلهم على الرشد والصلح‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لنبين لهم أمر البعث؛‬
‫فهحو اعتراض بيحن الكلميحن‪ .‬وقرأت هذه الفرقحة بالرفحع "ونقحر"؛ المعنحى‪ :‬ونححن نقحر‪ .‬وهحي قراءة‬
‫الجمهور‪ .‬وقرئ‪" :‬ويقر" و"يخرجكم" بالياء‪ ،‬والرفع على هذا سائغ‪ .‬وقرأ‪ .‬ابن وثاب "ما نشاء"‬
‫بكسحر النون‪ .‬والجحل المسحمى يختلف بحسحب جنيحن جنيحن؛ فثحم محن يسحقط وثحم محن يكمحل أمره‬
‫ويخرج حيحا‪ .‬وقال "محا نشاء" ولم يقحل محن نشاء لنحه يرجحع إلى الحمحل؛ أي يقحر فحي الرحام محا‬
‫نشاء من الحمل ومن المضغة وهي جماد فكنى عنها بلفظ ما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم نخرجكم طفل" أي أطفال؛ فهو اسم جنس‪ .‬وأيضا فإن العرب قد تسمي الجمع‬
‫باسم الواحد؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫إن العواذل ليس لي بأمير‬ ‫يلحينني في حبها ويلمنني‬
‫ولم يقححل أمراء‪ .‬وقال المححبرد‪ :‬وهححو اسححم يسححتعمل مصححدرا كالرضححا والعدل‪ ،‬فيقححع على الواحححد‬
‫والجمححع؛ قال ال تعالى‪" :‬أو الطفححل الذيححن لم يظهروا على عورات النسححاء" [النور‪ .]31 :‬وقال‬
‫الطبري‪ :‬وهو نصب على التمييز‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا" [النساء‪.]4 :‬‬
‫وقيحل‪ :‬المعنحى ثحم نخرج كحل واححد منكحم طفل‪ .‬والطفحل يطلق محن وقحت انفصحال الولد إلى البلوغ‪.‬‬
‫وولد كحل وحشيحة أيضحا طفحل‪ .‬ويقال‪ :‬جاريحة طفحل‪ ،‬وجاريتان طفحل وجوار طفحل‪ ،‬وغلم طفحل‪،‬‬
‫وغلمان طفحححل‪ .‬ويقال أيضحححا‪ :‬طفحححل وطفلة وطفلن وطفلتان وأطفال‪ .‬ول يقال‪ :‬طفلت‪ .‬وأطفلت‬
‫المرأة صحارت ذات طفحل‪ .‬والمطفلة‪ :‬الظبيحة معهحا طفلهحا‪ ،‬وهحي قريبحة عهحد بالنتاج‪ .‬وكذلك الناقحة‪،‬‬
‫[والجمع] مطافل ومطافيل‪ .‬والطفل (بالفتح في الطاء) الناعم؛ يقال‪ :‬جارية طفلة أي ناعمة‪ ،‬وبنان‬
‫طفل‪ .‬وقد طفل الليل إذا أقبل ظلمه‪ .‬والطفل (بالتحريك)‪ :‬بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب‪.‬‬
‫والطفل (أيضا)‪ :‬مطر؛ قال‪:‬‬
‫لوهد جاده طفل الثريا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم لتبلغوا أشدكم" قيل‪ :‬إن "ثم" زائدة كالواو في قوله "حتى إذا جاؤوها وفتحت‬
‫أبوابها" [الزمحر‪]73 :‬؛ لن ثم من حروف النسق كالواو‪" .‬أشدكحم" كمال عقولكم ونهاية قواكم‪.‬‬
‫وقحد مضحى فحي "النعام" بيانحه‪" .‬ومنكحم محن يرد إلى أرذل العمحر" أي أخسحه وأدونحه‪ ،‬وهحو الهرم‬
‫والخرف حتحى ل يعقحل؛ ولهذا قال‪" :‬لكيل يعلم محن بعحد علم شيئا" كمحا قال فحي سحورة يحس‪" :‬ومحن‬
‫نعمره ننكسحه فحي الخلق" [يحس‪ .]68 :‬وكان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يدعحو فيقول‪( :‬اللهحم إنحي‬
‫أعوذ بحك محن البخحل وأعوذ بحك محن الجبحن وأعوذ بحك أن أرد إلى أرذل العمحر وأعوذ بحك محن فتنحة‬
‫الدنيا وعذاب القبر)‪ .‬أخرجه النسائي عن سعد‪ ،‬وقال‪ :‬وكان يعلمهن بنيه كما يعلم المكتب الغلمان‪.‬‬
‫وقد مضى في النحل هذا المعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وترى الرض هامدة" ذكر دللة أقوى على البعث فقال في الول‪" :‬فإنا خلقناكم‬
‫محن تراب" فخاطحب جمعحا‪ .‬وقال فحي الثانحي‪" :‬وترى الرض" فخاطحب واحدا‪ ،‬فانفصحل اللفحظ عحن‬
‫اللفظ‪ ،‬ولكن المعنى متصل من حيث الحتجاج على منكري البعث‪" .‬هامدة" يابسة ل تنبت شيئا؛‬
‫قال ابن جريج‪ .‬وقيل‪ :‬دارسة‪ .‬والهمود الدروس‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫وأرى ثيابك باليات همدا‬ ‫قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا‬
‫الهروي‪" :‬هامدة" أي جافححة ذات تراب‪ .‬وقال شمححر‪ :‬يقال‪ :‬همححد شجححر الرض إذا بلي وذهححب‪.‬‬
‫وهمدت أصححواتهم إذا سححكنت‪ .‬وهمود الرض أل يكون فيهححا حياة ول نبححت ول عود ولم يصححبها‬
‫مطر‪ .‬وفي الحديث‪( :‬حتى كاد يهمد من الجوع) أي يهلك‪ .‬يقال‪ :‬همد الثوب يهمد إذا بلي‪ .‬وهمدت‬
‫النار تهمد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا أنزلنحا عليهحا الماء اهتزت" أي تحركحت‪ .‬والهتزاز‪ :‬شدة الحركحة؛ يقال‪:‬‬
‫هززت الشيء فاهتز؛ أي حركته فتحرك‪ .‬وهز الحادي البل هزيزا فاهتزت هي إذا تحركت في‬
‫سيرها بحدائه‪ .‬واهتز الكوكب في انقضاضه‪ .‬وكوكب هاز‪ .‬فالرض تهتز بالنبات؛ لن النبات ل‬
‫يخرج منهحا حتحى يزيحل بعضهحا محن بعحض إزالة خفيحة؛ فسحماه اهتزازا مجازا‪ .‬وقيحل‪ :‬اهتحز نباتهحا‪،‬‬
‫فحذف المضاف؛ قال المبرد‪ ،‬واهتزازه شدة حركته‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫كما اهتز غصن البان في ورق خضر‬ ‫تثنى إذا قامت وتهتز إن مشت‬
‫والهتزاز فححي النبات أظهححر منححه فححي الرض‪" .‬وربححت" أي ارتفعححت وزادت‪ .‬وقيححل‪ :‬انتفخححت؛‬
‫والمعنى واحد‪ ،‬وأصله الزيادة‪ .‬ربا الشيء يربو ربوا أي زاد؛ ومنه الربا والربوة‪ .‬وقرأ يزيد بن‬
‫القعقاع وخالد بن إلياس "وربأت" أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة‪ ،‬وهو الذي يحفظ القوم‬
‫على شيء مشرف؛ فهو رابئ وربيئة على المبالغة‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي‬ ‫بعثنا ربيئا قبل ذاك مخمل‬
‫"وأنبتت" أي أخرجت‪" .‬من كل زوج" أي لون‪" .‬بهيج" أي حسن؛ عن قتادة‪ .‬أي يبهج من يراه‪.‬‬
‫والبهجحة الحسحن؛ يقال‪ :‬رجحل ذو بهجحة‪ .‬وقحد بهحج (بالضحم) بهاجحة وبهجحة فهحو بهيحج‪ .‬وأبهجنحي‬
‫أعجبنححي بحسححنه‪ .‬ولمححا وصححف الرض بالنبات دل على أن قوله‪" :‬اهتزت وربححت" يرجححع إلى‬
‫الرض ل إلى النبات‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 7 - 6 :‬ذلك بأن ال هحو الححق وأنحه يحيحي الموتحى وأنحه على كحل شيحء قديحر‪ ،‬وأن‬
‫الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث من في القبور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأن ال هحو الححق" لمحا ذكحر افتقار الموجودات إليحه وتسحخيرها على وفحق‬
‫اقتداره واختياره في قوله‪" :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬بهيج"‪ .‬قال بعد‬
‫ذلك‪" :‬ذلك بأن ال هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير‪ .‬وأن الساعة آتية ل ريب‬
‫فيهححا وأن ال يبعححث مححن فححي القبور"‪ .‬فنبححه سححبحانه وتعالى بهذا على أن كححل مححا سححواه وإن كان‬
‫موجودا حقححا فإنححه ل حقيقححة له مححن نفسححه؛ لنححه مسححخر مصححرف‪ .‬والحححق الحقيقححي‪ :‬هححو الموجود‬
‫المطلق الغنحي المطلق؛ وأن وجود كحل ذي وجود عحن وجوب وجوده؛ ولهذا قال فحي آخحر السحورة‪:‬‬
‫"وأن محا يدعون محن دونحه هحو الباطحل" [الححج‪ .]62 :‬والححق الموجود الثابحت الذي ل يتغيحر ول‬
‫يزول‪ ،‬وهحو ال تعالى‪ .‬وقيحل‪ :‬ذو الححق على عباده‪ .‬وقيحل‪ :‬الححق بمعنحى فحي أفعاله‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫"ذلك" في موضع رفع؛ أي المر ما وصف لكم وبين‪" .‬بأن ال هو الحق" أي لن ال هو الحق‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ويجوز أن يكون "ذلك" نصحبا؛ أي فعحل ال ذلك بأنحه هحو الححق‪" .‬وأنحه يحيحي الموتحى" أي‬
‫بأنه "وأنه على كل شيء قدير" أي وبأنه قادر على ما أراد‪" .‬وأن الساعة آتية" عطف على قوله‪:‬‬
‫"ذلك بأن ال هو الحق" من حيث اللفظ‪ ،‬وليس عطفا في المعنى؛ إذ ل يقال فعل ال ما ذكر بأن‬
‫الساعة آتية‪ ،‬بل لبد من إضمار فعل يتضمنه؛ أي وليعلموا أن الساعة آتية "ل ريب فيها" أي ل‬
‫شك‪" .‬وأن ال يبعث من في القبور" يريد للثواب والعقاب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 10 - 8 :‬ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير‪ ،‬ثاني‬
‫عطفحه ليضحل عحن سحبيل ال له فحي الدنيحا خزي ونذيقحه يوم القيامحة عذاب الحريحق‪ ،‬ذلك بمحا قدمحت‬
‫يداك وأن ال ليس بظلم للعبيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومحن الناس محن يجادل فحي ال بغيحر علم ول هدى ول كتاب منيحر" أي نيحر بيحن‬
‫الحجحة‪ .‬نزلت فحي النضحر بحن الحارث‪ .‬وقيحل‪ :‬فحي أبحي جهحل بحن هشام؛ قال ابحن عباس‪( .‬والمعظحم‬
‫على أنها نزلت في النضر بن الحارث كالية الولى‪ ،‬فهما في فريق واحد‪ ،‬والتكرير للمبالغة في‬
‫الذم؛ كمحا تقول للرجحل تذمحه وتوبخحه‪ :‬أنحت فعلت هذا! أنحت فعلت هذا! ويجوز أن يكون التكريحر‬
‫لنه وصفه في كل آية بزيادة؛ فكأنه قال‪ :‬إن النضر بن الحارث يجادل في ال بغير علم ويتبع كل‬
‫شيطان مريححد‪ ،‬والنضححر بححن الحارث يجادل فححي ال مححن غيححر علم ومحن غيححر هدى وكتاب منيححر؛‬
‫ليضل عن سبيل ال)‪ .‬وهو كقولك‪ :‬زيد يشتمني وزيد يضربني؛ وهو تكرار مفيد؛ قال القشيري‪.‬‬
‫وقحد قيحل‪ :‬نزلت فيحه بضحع عشرة آيحة‪ .‬فالمراد باليحة الولى إنكاره البعحث‪ ،‬وبالثانيحة إنكاره النبوة‪،‬‬
‫وأن القرآن منزل محن جهحة ال‪ .‬وقحد قيحل‪ :‬كان محن قول النضحر بحن الحارث أن الملئكحة بنات ال‪،‬‬
‫وهذا جدال في ال تعالى‪" :‬من" في موضع رفع بالبتداء‪ .‬والخبر في قوله‪" :‬ومن الناس"‪" .‬ثاني‬
‫عطفححه" نصححب على الحال‪ .‬ويتأول على معنييححن‪ :‬أحدهمححا‪ :‬روي عححن ابححن عباس أنححه قال‪( :‬هححو‬
‫النضر بن الحارث‪ ،‬لوى عنقه مرحا وتعظما)‪ .‬والمعنى الخر‪ :‬وهو قول الفراء‪ :‬أن التقدير‪ :‬ومن‬
‫الناس من يجادل في ال بغير علم ثاني عطفه‪ ،‬أي معرضا عن الذكر؛ ذكره النحاس‪ .‬وقال مجاهد‬
‫وقتادة‪ :‬لويححا عنقححه كفرا‪ .‬ابححن عباس‪ :‬معرضححا عمححا يدعححى إليححه كفرا‪ .‬والمعنححى واحححد‪ .‬وروى‬
‫الوزاعحي عحن مخلد بحن حسحين عحن هشام بحن حسحان عحن ابحن عباس فحي قوله عحز وجحل‪"( :‬ثانحي‬
‫عطفه ليضل عن سبيل ال" قال‪ :‬هو صاحب البدعة‪ .‬المبرد)‪ :‬العطف ما انثنحى من العنق‪ .‬وقال‬
‫المفضحل‪ :‬والعطحف الجانحب؛ ومنحه قولهحم‪ :‬فلن ينظحر فحي أعطافحه‪ ،‬أي فحي جوانبحه‪ .‬وعطفحا الرجحل‬
‫من لدن رأسه إلى وركه‪ .‬وكذلك عطفا كل شيء جانباه‪ .‬ويقال‪ :‬ثنى فلن عني عطفه إذا أعرض‬
‫عنحك‪ .‬فالمعنحى‪ :‬أي هحو معرض عحن الححق فحي جداله ومول عحن النظحر فحي كلمحه؛ وهحو كقوله‬
‫تعالى‪" :‬ولى مسحتكبرا كأن لم يسحمعها" [لقمان‪ .]7 :‬وقوله تعالى‪" :‬لووا رؤوسحهم" [المنافقون‪:‬‬
‫‪ .]5‬وقوله‪" :‬أعرض ونأى بجانبحه" [السحراء‪ .]83 :‬وقوله‪" :‬ذهحب إلى أهله يتمطحى" [القيامحة‪:‬‬
‫‪" .]33‬ليضحل عحن سحبيل ال" أي عحن طاعحة ال تعالى‪ .‬وقرئ "ليضحل" بفتحح الياء‪ .‬واللم لم‬
‫العاقبحة؛ أي يجادل فيضحل؛ كقوله تعالى‪" :‬ليكون لهحم عدوا وحزنحا" [القصحص‪ .]8 :‬أي فكان لهحم‬
‫كذلك‪ .‬ونظيره "إذا فريحق منكحم بربهحم يشركون‪ .‬ليكفروا" [النححل‪" .]55 - 54 :‬له فحي الدنيحا‬
‫خزي" أي هوان وذل بمحا يجري له محن الذكحر القبيحح على ألسحنة المؤمنيحن إلى يوم القيامحة؛ كمحا‬
‫قال‪" :‬ول تطحع كحل حلف مهيحن" [القلم‪ ]10 :‬اليحة‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬تبحت يدا أبحي لهحب وتحب"‬
‫[المسد‪ .]1 :‬وقيل‪ :‬الخزي ههنا القتل؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم قتل النضر بن الحارث يوم‬
‫بدر صبرا؛ كما تقدم في آخر النفال‪" .‬ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق" أي نار جهنم‪" .‬ذلك بما‬
‫قدمححت يداك" أي يقال له فححي الخرة إذا دخححل النار‪ :‬ذلك العذاب بمححا قدمححت يداك مححن المعاصححي‬
‫والكفر‪ .‬وعبر باليد عن الجملة؛ لن اليد التي تفعل وتبطش للجملة‪ .‬و"ذلك" بمعنى هذا‪ ،‬كما تقدم‬
‫في أول البقرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬ومن الناس من يعبد ال على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة‬
‫انقلب على وجهه خسر الدنيا والخرة ذلك هو الخسران المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومحن الناس محن يعبحد ال على حرف" "محن" فحي موضحع رفحع بالبتداء‪ ،‬والتمام‬
‫"انقلب على وجهه" على قراءة الجمهور "خسر"‪ .‬وهذه الية خبر عن المنافقين‪ .‬قال ابن عباس‪:‬‬
‫يريحد شيبحة بحن ربيعحة كان قحد أسحلم قبحل أن يظهحر رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؛ فلمحا أوححى إليحه‬
‫ارتحد شيبحة بحن ربيعحة‪ .‬وقال أبو سحعيد الخدري‪ :‬أسحلم رجحل محن اليهود فذهحب بصحره وماله؛ فتشاءم‬
‫بالسحلم فأتحى النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فقال أقلنحي! فقال‪( :‬إن السحلم ل يقال) فقال‪ :‬إنحي لم‬
‫أصححب فححي دينححي هذا خيرا! ذهححب بصححري ومالي وولدي! فقال‪( :‬يححا يهودي إن السححلم يسححبك‬
‫الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب)؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬ومن الناس من يعبد ال‬
‫على حرف"‪ .‬وروى إسحرائيل عحن أبحي حصحين عحن سحعيد بحن جحبير عحن ابحن عباس قال‪"( :‬ومحن‬
‫الناس مححن يعبححد ال على حرف" قال‪ :‬كان الرجححل يقدم المدينححة فإن ولدت امرأتححه غلمححا ونتجححت‬
‫خيله قال هذا ديحن صحالح؛ فإن لم تلد امرأتحه ولم تنتحج خيله قال هذا ديحن سحوء)‪ .‬وقال المفسحرون‪:‬‬
‫نزلت فحي أعراب كانوا يقدمون على النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فيسحلمون؛ فإن نالوا رخاء أقاموا‪،‬‬
‫وإن نالتهححم شدة ارتدوا‪ .‬وقيححل نزلت فححي النضححر بححن الحارث‪ .‬وقال ابححن زيححد وغيره‪ :‬نزلت فححي‬
‫المنافقيححن‪ .‬ومعنححى "على حرف" على شححك؛ قاله مجاهححد وغيره‪ .‬وحقيقتححه أنححه على ضعححف فححي‬
‫عبادتحه‪ ،‬كضعحف القائم على حرف مضطرب فيحه‪ .‬وحرف كحل شيحء طرفحه وشفيره وحده؛ ومنحه‬
‫حرف الجبحل‪ ،‬وهحو أعله المحدد‪ .‬وقيحل‪" :‬على حرف" أي على وجحه واححد‪ ،‬وهحو أن يعبده على‬
‫السحراء دون الضراء؛ ولو عبدوا ال على الشكحر فحي السحراء والصحبر على الضراء لمحا عبدوا ال‬
‫على حرف‪ .‬وقيحل‪" :‬على حرف" على شرط؛ وذلك أن شيبحة بحن ربيعحة قال للنحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم قبحل أن يظهحر أمره‪ :‬ادع لي ربحك أن يرزقنحي مال وإبل وخيل وولدا حتحى أومحن بحك وأعدل‬
‫إلى دينك؛ فدعا له فرزقه ال عز وجل ما تمنى؛ ثم أراد ال عز وجل فتنته واختباره وهو أعلم به‬
‫فأخذ منه ما كان رزقه بعد أن أسلم فارتد عن السلم فأنزل ال تبارك وتعالى فيه‪" :‬ومن الناس‬
‫من يعبد ال على حرف" يريد شرط‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هو المنافق يعبد ال بلسانه دون قلبه‪ .‬وبالجملة‬
‫فهذا الذي يعبد ال على حرف ليس داخل بكليته؛ وبين هذا بقوله‪" :‬فإن أصابه خيحر" صححة جسم‬
‫ورخاء معيشحة رضحي وأقام على دينحه‪" .‬وإن أصحابته فتنحة" أي خلف ذلك ممحا يختحبر بحه‪" .‬انقلب‬
‫على وجهحه" أي ارتحد فرجحع إلى وجهحه الذي كان عليحه محن الكفحر‪" .‬خسحر الدنيحا والخرة ذلك هحو‬
‫الخسحران المحبين" قرأ مجاهحد وحميحد بحن قيحس والعرج والزهري وابحن أبحي إسححاق ‪ -‬وروي عن‬
‫يعقوب ‪" -‬خاسر الدنيا" بألف‪ ،‬نصبا على الحال‪ ،‬وعليه فل يوقف على "وجهه"‪ .‬وخسرانه الدنيا‬
‫بأن لحظ في غنيمة ول ثناء‪ ،‬والخرة بأن ل ثواب له فيها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬يدعو من دون ال ما ل يضره وما ل ينفعه ذلك هو الضلل البعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يدعو من دون ال" أي هذا الذي يرجع إلى الكفر يعبد الصنم الذي ول ينفع ول‬
‫يضر‪" .‬ذلك هو الضلل البعيد" قال الفراء‪ :‬الطويل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يدعو لمن ضره أقرب من نفعه" أي هذا الذي انقلب على وجهه يدعو من ضره‬
‫أدنحى محن نفعحه؛ أي فحي الخرة لنحه بعبادتحه دخحل النار‪ ،‬ولم يحر منحه نفعحا أصحل‪ ،‬ولكنحه قال‪ :‬ضره‬
‫أقرب محن نفعحه ترفيعحا للكلم؛ كقوله تعالى‪" :‬وإنحا أو إياكحم لعلى هدى أو فحي ضلل محبين" [سحبأ‪:‬‬
‫‪ .]24‬وقيل‪ :‬يعبدونهم توهم أنهم يشفعون لهم غدا كما؛ قال ال تعالى‪" :‬ويعبدون من دون ال ما‬
‫ل يضرهحم ول ينفعهحم ويقولون هؤلء شفعاؤنحا عنحد ال" [يونحس‪ .]18 :‬وقال تعالى‪" :‬محا نعبدهحم‬
‫إل ليقربونحا إلى ال زلفحى" [الزمحر‪ .]3 :‬وقال الفراء والكسحائي والزجاج‪ :‬معنحى الكلم القسحم‬
‫والتأخيحر؛ أي يدعحو وال لمحن ضره أقرب محن نفعحه‪ .‬فاللم مقدمحه فحي غيحر موضعهحا‪ .‬و"محن" فحي‬
‫موضحع نصحب بحح "يدعحو" واللم جواب القسحم‪ .‬و"ضره" مبتدأ‪ .‬و"أقرب" خحبره‪ .‬وضعحف النحاس‬
‫تأخيحر الكلم وقال‪ :‬وليحس للم محن التصحرف محا يوجحب أن يكون فيهحا تقديحم ول تأخيحر‪ .‬قلت‪ :‬ححق‬
‫اللم التقديم وقد تؤخر؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫ينل العلء ويكرم الخوال‬ ‫خالي لنت ومن جرير خال‬
‫أي لخالي أنحت؛ وقحد تقدم‪ .‬النحاس‪ :‬وحكحى لنحا علي بن سحليمان عن محمحد بن يزيحد قال‪ :‬فحي الكلم‬
‫حذف؛ والمعنحى يدعحو لمحن ضره أقرب محن نفعحه إلهحا‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأحسحب هذا القول غلطحا على‬
‫محمحد بحن يزيحد؛ لنحه ل معنحى له‪ ،‬لن محا بعحد اللم مبتدأ فل يجوز نصحب إله‪ ،‬ومحا أحسحب مذهحب‬
‫محمحد بحن يزيحد إل قول الخفحش‪ ،‬وهحو أحسحن محا قيحل فحي اليحة عندي‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬قال‪" :‬يدعحو"‬
‫بمعنى يقول‪ .‬و"من" مبتدأ وخبره محذوف‪ ،‬والمعنى يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكحر هذا القول القشيري رحمحه ال عحن الزجاج والمهدوي عحن الخفحش‪ ،‬وكمحل إعرابحه‬
‫فقال‪" :‬يدعحو" بمعنحى يقول‪ ،‬و"محن" مبتدأ‪ ،‬و"ضره" مبتدأ ثان‪ ،‬و"أقرب" خحبره‪ ،‬والجملة صحلة‬
‫"من"‪ ،‬وخبر "من" محذوف‪ ،‬والتقدير يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه؛ ومثله قول عنترة‪:‬‬
‫أشطان بئر في لبان الدهم‬ ‫يدعون عنتر والرماح كأنها‬
‫قال القشيري‪ :‬والكافححر الذي يقول الصححنم معبودي ل يقول ضره أقرب مححن نفعححه؛ ولكححن المعنححى‬
‫يقول الكافحر لمحن ضره أقرب محن نفعحه فحي قول المسحلمين معبودي وإلهحي‪ .‬وهحو كقوله تعالى‪" :‬يحا‬
‫أيها الساحر ادع لنا ربك" [الزخرف‪]49 :‬؛ أي يا أيها الساحر عند أولئك الذين يدعونك ساحرا‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬يجوز أن يكون "يدعو" في موضع الحال‪ ،‬وفيه هاء محذوفة؛ أي ذلك هو الضلل‬
‫البعيحد يدعوه‪ ،‬أي فحي حال دعائه إياه؛ ففحي "يدعحو" هاء مضمرة‪ ،‬ويوقحف على هذا على "يدعحو"‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬لمحن ضره أقرب محن نفعحه" كلم مسحتأنف مرفوع بالبتداء‪ ،‬وخحبره "لبئس المولى" وهذا‬
‫لن اللم لليميحن والتوكيحد فجعلهحا أول الكلم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويجوز أن يكون "ذلك" بمعنحى الذي‪،‬‬
‫ويكون فحي محل النصحب بوقوع "يدعو" عليه؛ أي الذي هو الضلل البعيحد يدعو؛ كمحا قال‪" :‬ومحا‬
‫تلك بيمنك يا موسى" أي ما الذي‪ .‬ثم قوله "لمن ضره" كلم مبتدأ‪ ،‬و"لبئس المولى" خبر المبتدأ؛‬
‫وتقديحر اليحة على هذا‪ :‬يدعحو الذي هحو الضلل البعيحد؛ قدم المفعول وهحو الذي؛ كمحا تقول‪ :‬زيدا‬
‫يضرب؛ واستحسنه أبو علي‪ .‬وزعم الزجاج أن النحويين أغفلوا هذا القول؛ وأنشد‪:‬‬
‫نجوت وهذا تحملين طليق‬ ‫عدس ما لعباد عليك إمارة‬
‫أي والذي‪ .‬وقال الزجاج أيضحا والفراء‪ :‬يجوز أن يكون "يدعحو" مكررة على محا قبلهحا‪ ،‬على جهحة‬
‫تكثيحر هذا الفعحل الذي هحو الدعاء‪ ،‬ول تعديحه إذ قحد عديتحه أول؛ أي يدعحو محن دون ال محا ل ينفعحه‬
‫ول يضره يدعحو؛ مثحل ضربحت زيدا ضربحت‪ ،‬ثحم حذفحت يدعحو الخرة اكتفاء بالولى‪ .‬قال الفراء‪:‬‬
‫ويجوز "لمن ضره" بكسر اللم؛ أي يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه‪ ،‬قال ال عز وجل‪" :‬بأن‬
‫ربحك أوححى لهحا" أي إليهحا‪ .‬وقال الفراء أيضحا والقفال‪ :‬اللم صحلة؛ أي يدعحو محن ضره أقرب محن‬
‫نفعه؛ أي يعبده‪ .‬وكذلك هو في قراءة عبدال بن مسعود‪" .‬لبئس المولى" أي في التناصر "ولبئس‬
‫العشير" أي المعاشر والصاحب والخليل‪ .‬مجاهد‪ :‬يعني الوثن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار إن‬
‫ال يفعل ما يريد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار" لما‬
‫ذكر حال المشركين وحال المنافقين والشياطين ذكر حال المؤمنين في الخرة أيضا‪" .‬إن ال يفعل‬
‫مححا يريححد" أي يثيححب مححن يشاء ويعذب مححن يشاء؛ فللمؤمنيححن الجنححة بحكححم وعده الصححدق وبفضله‪،‬‬
‫وللكافرين النار بما سبق من عدله؛ ل أن فعل الرب معلل بفعل العبيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬من كان يظن أن لن ينصره ال في الدنيا والخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم‬
‫ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من كان يظن أن لن ينصره ال في الدنيا والخرة فليمدد بسبب إلى السماء" قال‬
‫أبو جعفر النحاس‪ :‬من أحسن ما قيل فيها أن المعنحى من كان يظن أن لن ينصحر ال محمدا صلى‬
‫ال عليحه وسحلم وأنحه يتهيحأ له أن يقطحع النصحر الذي أوتيحه‪" .‬فليمدد بسحبب إلى السحماء" أي فليطلب‬
‫حيلة يصل بها إلى السماء‪" .‬ثم ليقطع" أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له "فلينظر هل يذهبن كيده ما‬
‫يغيظ" وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬والفائدة في الكلم أنه إذا لم يتهيأ له‬
‫الكيحد والحيلة بأن يفعحل مثحل هذا لم يصحل إلى قطحع النصحر‪ .‬وكذا قال ابحن عباس‪( :‬إن الكنايحة فحي‬
‫"ينصحره ال" ترجحع إلى محمحد صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬وهحو وإن لم يجحر ذكره فجميحع الكلم دال‬
‫عليه؛ لن اليمان هو اليمان بال وبمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والنقلب عن الدين انقلب عن‬
‫الدين الذي أتى به محمد صلى ال عليه وسلم؛ أي من كان يظن ممن يعادي محمدا صلى ال عليه‬
‫وسحلم ومحن يعبحد ال على حرف أنحا ل ننصحر محمدا فليفعحل كذا وكذا)‪ .‬وعحن ابحن عباس أيضحا (أن‬
‫الهاء تعود على "محن" والمعنحى‪ :‬محن كان يظحن أن ال ل يرزقحه فليختنحق‪ ،‬فليقتحل نفسحه؛ إذ ل خيحر‬
‫فحي حياة تخلو محن عون ال)‪ .‬والنصحر على هذا القول الرزق؛ تقول العرب‪ :‬محن ينصحرني نصحره‬
‫ال؛ أي محححن أعطانححححي أعطاه ال‪ .‬ومحححن ذلك قول العرب‪ :‬أرض منصححححورة؛ أي ممطورة‪ .‬قال‬
‫الفقعسي‪:‬‬
‫ول تملك الشق الذي الغيث ناصره‬ ‫وإنك ل تعطي امرأ فوق حقه‬
‫وكذا روى ابحن أبحي نجيحح عحن مجاهحد قال‪" :‬محن كان يظحن أن لن ينصحره ال" أي لن يرزقحه‪ .‬وهحو‬
‫قول أبحي عحبيدة‪ .‬وقيحل‪ :‬إن الهاء تعود على الديحن؛ والمعنحى‪ :‬محن كان يظحن أن لن ينصحر ال دينحه‪.‬‬
‫"فليمدد بسبب" أي بحبل‪ .‬والسبب ما يتوصل به إلى الشيء‪" .‬إلى السماء" إلى سقف البيت‪ .‬ابن‬
‫زيحد‪ :‬هحي السحماء المعروفحة‪ .‬وقرأ الكوفيون "ثحم ليقطحع" بإسحكان اللم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا بعيحد فحي‬
‫العربيححة؛ لن "ثححم" ليسححت مثححل الواو والفاء‪ ،‬لنهححا يوقححف‪ ،‬عليهححا وتنفرد‪ .‬وفححي قراءة عبدال‬
‫"فليقطعه ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظه"‪ .‬قيل‪" :‬ما" بمعنى الذي؛ أي هل يذهبن كيده الذي‬
‫يغيظه‪ ،‬فحذف الهاء ليكون أخف‪ .‬وقيل‪" :‬ما" بمعنى المصدر؛ أي هل يذهبن كيده غيظه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن ال يهدي من يريد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك أنزلناه آيات بينات" يعني القرآن‪" .‬وأن ال" أي وكذلك أن ال "يهدي من‬
‫يريد" علق وجود الهداية بإرادته؛ فهو الهادي ل هادي سواه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 17 :‬إن الذيحن آمنوا والذيحن هادوا والصحابئين والنصحارى والمجوس والذيحن أشركوا‬
‫إن ال يفصل بينهم يوم القيامة إن ال على كل شيء شهيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيحن آمنوا" أي بال وبمحمحد صحلى ال عليحه وسحلم‪" .‬والذيحن هادوا" اليهود‪،‬‬
‫وهحم المنتسحبون إلى ملة موسحى عليحه السحلم‪" .‬والصحابئين" هحم قوم يعبدون النجوم‪" .‬والنصحارى"‬
‫هححم المنتسححبون إلى ملة عيسححى‪" .‬والمجوس" هححم عبدة النيران القائليححن أن للعالم أصححلين‪ :‬نور‬
‫وظلمحة‪ .‬قال قتادة‪ :‬الديان خمسحة‪ ،‬أربعحة للشيطان وواححد للرحمحن‪ .‬وقيحل‪ :‬المجوس فحي الصحل‬
‫النجوس لتدينهحم باسحتعمال النجاسحات؛ والميحم والنون يتعاقبان كالغيحم والغيحن‪ ،‬واليحم واليحن‪ .‬وقحد‬
‫مضححى فححي البقرة هذا كله مسححتوفى‪" .‬والذيححن أشركوا" هححم العرب عبدة الوثان‪" .‬إن ال يفصححل‬
‫بينهحم يوم القيامحة" أي يقضحي ويحكحم؛ فللكافريحن النار‪ ،‬وللمؤمنيحن الجنحة‪ .‬وقيحل‪ :‬هذا الفصحل بأن‬
‫يعرفهم المحق من المبطل بمعرفة ضرورية‪ ،‬واليوم يتميز المحق عن المبطل بالنظر والستدلل‪.‬‬
‫"إن ال على كل شيء شهيد" أي من أعمال خلقه وحركاتهم وأقوالهم‪ ،‬فل يعزب عنه شيء منها‪،‬‬
‫سحبحانه! وقوله "إن ال يفصحل بينهحم" خحبر "إن" فحي قوله "إن الذيحن آمنوا" كمحا تقول‪ :‬إن زيدا إن‬
‫الخيحر عنده‪ .‬وقال الفراء‪ :‬ول يجوز فحي الكلم إن زيدا إن أخاه منطلق؛ وزعحم أنحه إنمحا جاز فحي‬
‫اليححة لن فححي الكلم معنححى المجازاة؛ أي مححن آمححن ومححن تهود أو تنصححر أو صححبأ يفصححل بينهححم‪،‬‬
‫وحسحابهم على ال عحز وجحل‪ .‬ورد أبحو إسححاق على الفراء هذا القول‪ ،‬واسحتقبح قوله‪ :‬ل يجوز إن‬
‫زيدا إن أخاه منطلق؛ قال‪ :‬لنه ل فرق بين زيد وبين الذين‪ ،‬و"إن" تدخل على كل مبتدأ فتقول إن‬
‫زيدا هو منطلق‪ ،‬ثم تأتي بإن فتقول‪ :‬إن زيدا إنه منطلق‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫سربال عز به ترجى الخواتيم‬ ‫إن الخليفة إن ال سربله‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 18 :‬ألم تحر أن ال يسحجد له محن فحي السحماوات ومحن فحي الرض والشمحس والقمحر‬
‫والنجوم والجبال والشجحر والدواب وكثيحر محن الناس وكثيحر ححق عليحه العذاب ومحن يهحن ال فمحا له‬
‫من مكرم إن ال يفعل ما يشاء}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تر أن ال يسجد له من في السماوات ومن في الرض" هذه رؤية القلب؛ أي‬
‫ألم تحر بقلبحك وعقلك‪ .‬وتقدم معنحى السحجود فحي "البقرة"‪ ،‬وسحجود الجماد فحي "النححل"‪" .‬والشمحس"‬
‫معطوفة على "من"‪ .‬وكذا "والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس"‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫"وكثير حق عليه العذاب" وهذا مشكل من العراب‪ ،‬كيف لم ينصب ليعطف ما عمل فيه الفعل‬
‫على محا عمحل فيحه الفعحل؛ مثحل "والظالميحن أعحد لهحم عذابحا أليمحا"؟ [النسحان‪ ]31 :‬فزعحم الكسحائي‬
‫والفراء أنه لو نصب لكان حسنا‪ ،‬ولكن اختير الرفع لن المعنى وكثير أبي السجود‪ ،‬فيكون ابتداء‬
‫وخبرا‪ ،‬وتم الكلم عند قوله "وكثير من الناس"‪ .‬ويجوز أن يكون معطوفا‪ ،‬على أن يكون السجود‬
‫التذلل والنقياد لتدبيحر ال عز وجل محن ضعحف وقوة وصححة وسقم وحسحن وقبح‪ ،‬وهذا يدخل فيه‬
‫كل شيء‪ .‬ويجوز أن ينتصب على تقدير‪ :‬وأهان كثيرا حق عليه العذاب‪ ،‬ونحوه‪ .‬وقيل‪ :‬تم الكلم‬
‫عنحد قوله "والدواب" ثحم ابتدأ فقال "وكثيحر محن الناس" فحي الجنحة "وكثيحر ححق عليحه العذاب"‪ .‬وكذا‬
‫روي عن ابن عباس أنه قال‪( :‬المعنى وكثير من الناس في الجنة وكثير حق عليه العذاب)؛ ذكره‬
‫ابحن النباري‪ .‬وقال أبحو العاليحة‪ :‬محا فحي السحماوات نجحم ول قمحر ول شمحس إل يقحع سحاجدا ل حيحن‬
‫يغيحب‪ ،‬ثحم ل ينصحرف حتحى يؤذن له فيرجحع محن مطلعحه)‪ .‬قال القشيري‪ :‬وورد هذا فحي خحبر مسحند‬
‫في حق الشمس؛ فهذا سجود حقيقي‪ ،‬ومن ضرورته تركيب الحياة والعقل في هذا الساجد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الحديحث المسحند الذي أشار إليحه خرجحه مسحلم‪ ،‬وسحيأتي فحي سحورة "يحس" عنحد قوله تعالى‪:‬‬
‫"والشمس تجري لمستقر لها" [يس‪ .]38 :‬وقد تقدم في البقرة معنى السجود لغة ومعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يهن ال فما له من مكرم" أي من أهانه بالشقاء والكفر ل يقدر أحد على دفع‬
‫الهوان عنه‪ .‬وقال ابن عباس‪( :‬إن تهاون بعبادة ال صار إلى النار)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يفعحل محا يشاء" يريحد أن مصحيرهم إلى النار فل اعتراض لححد عليحه‪.‬‬
‫وحكى الخفش والكسائي والفراء "ومن يهن ال فما له من مكرم" أي إكرام‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 21 - 19 :‬هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من‬
‫نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم‪ ،‬يصهر به ما في بطونهم والجلود‪ ،‬ولهم مقامع من حديد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذان خصمان اختصموا في ربهم" خرج مسلم عن قيس بن عباد قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫ذر يقسم قسما إن "هذان خصمان اختصموا في ربهم" إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر‪ :‬حمزة‬
‫وعلي وعبيدة بن الحارث رضي ال عنهم وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة‪ .‬وبهذا الحديث‬
‫ختحم مسحلم رحمحه ال كتابحه‪ .‬وقال ابحن عباس‪( :‬نزلت هذه اليات الثلث على النحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم بالمدينحة فحي ثلثحة نفحر محن المؤمنيحن وثلثحة نفحر كافريحن)‪ ،‬وسحماهم‪ ،‬كمحا ذكحر أبحو ذر‪ .‬وقال‬
‫علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪( :‬إني لول من يجثو للخصومة بين يدي ال يوم القيامة؛ يريد‬
‫قصحته فحي مبارزتحه هحو وصحاحباه)؛ ذكره البخاري‪ .‬وإلى هذا القول ذهحب هلل بحن يسحاف وعطاء‬
‫بحن يسحار وغيرهمحا‪ .‬وقال عكرمحة‪ :‬المراد بالخصحمين الجنحة والنار؛ اختصحمتا فقالت النار‪ :‬خلقنحي‬
‫لعقوبته‪ .‬وقالت الجنة خلقني لرحمته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد ورد بتخاصحم الجنحة والنار حديحث عن أبى هريرة قال قال رسول ال صحلى ال عليحه‬
‫وسحححلم‪( :‬احتجحححت الجنحححة والنار فقالت هذه يدخلنحححي الجبارون والمتكحححبرون وقالت هذه يدخلنحححي‬
‫الضعفاء والمسحاكين فقال ال تعالى لهذه أنحت عذابحي أعذب بحك محن أشاء وقال لهذه أنحت رحمتحي‬
‫أرححم بحك محن أشاء ولكحل واحدة منكمحا ملؤهحا)‪ .‬خرجحه البخاري ومسحلم والترمذي وقال‪ :‬حديحث‬
‫حسن صحيح‪ .‬وقال ابن عباس أيضا‪( :‬هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين نحن أولى بال منكم‪ ،‬وأقدم‬
‫منكحم كتابحا‪ ،‬ونبينحا قبحل نحبيكم‪ .‬وقال المؤمنون‪ :‬نححن أححق بال منكحم‪ ،‬آمنحا بمحمحد وآمنحا بنحبيكم وبمحا‬
‫أنزل إليحه محن كتاب‪ ،‬وأنتحم تعرفون نبينحا وتركتموه وكفرتحم بحه حسحدا؛ فكانحت هذه خصحومتهم)‪،‬‬
‫وأنزلت فيهحم هذه اليحة‪ .‬وهذا قول قتادة‪ ،‬والقول الول أصحح رواه البخاري عحن حجاج بحن منهال‬
‫عحن هشيحم عحن أبحي هاشحم عحن أبحي مجلز عحن قيحس بحن عباد عحن أبحي ذر‪ ،‬ومسحلم عحن عمرو بحن‬
‫زرارة عن هشيم‪ ،‬ورواه سليمان التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن علي قال‪ :‬فينا نزلت‬
‫هذه اليحححة وفحححي مبارزتنحححا يوم بدر "هذان خصحححمان اختصحححموا فحححي ربهحححم ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬عذاب‬
‫الحريحق"‪ .‬وقرأ ابحن كثيححر "هذان خصححمان" بتشديححد النون محن "هذان"‪ .‬وتأول الفراء الخصححمين‬
‫على أنهمحا فريقان أهحل دينيحن‪ ،‬وزعحم أن الخصحم الواححد المسحلمون والخحر اليهود والنصحارى‪،‬‬
‫اختصحموا فحي ديحن ربهحم؛ قال‪ :‬فقال "اختصحموا" لنهحم جمحع‪ ،‬قال‪ :‬ولو قال "اختصحما" لجاز‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهذا تأويحل محن ل درايحة له بالحديحث ول بكتحب أهحل التفسحير؛ لن الحديحث فحي هذه اليحة‬
‫مشهور‪ ،‬رواه سفيان الثوري وغيره عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال‪ :‬سمعت‬
‫أبحا ذر يقسحم قسحما إن هذه اليحة نزلت فحي حمزة وعلي وعحبيدة بحن الحارث بحن عبدالمطلب وعتبحة‬
‫وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة‪ .‬وهكذا روى أبو عمرو بن العلء عن مجاهد عن ابن عباس‪.‬‬
‫وفيحه قول رابححع (أنهححم المؤمنون كلهححم والكافرون كلهححم مححن أي ملة كانوا)؛ قاله مجاهححد والحسحن‬
‫وعطاء بححن أبححي رباح وعاصححم بححن أبححي النجود والكلبححي‪ .‬وهذا القول بالعموم يجمححع المنزل فيهححم‬
‫وغيرهم‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في الخصومة في البعث والجزاء؛ إذ قال به قوم وأنكره قوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فالذين كفروا" يعني من الفرق الذين تقدم ذكرهم‪" .‬قطعت لهم ثياب من نار" أي‬
‫خيطت وسويت؛ وشبهت النار بالثياب لنها لباس لهم كالثياب‪ .‬وقوله "قطعت" أي تقطع لهم في‬
‫الخرة ثياب محن نار؛ وذكحر بلفحظ الماضحي لن محا كان محن أخبار الخرة فالموعود منحه كالواقحع‬
‫المحقحق؛ قال ال تعالى‪" :‬وإذ قال ال يحا عيسحى بحن مريحم أأنحت قلت للناس" [المائدة‪ ]116 :‬أي‬
‫يقول ال تعالى‪ .‬ويحتمححل أن يقال قححد أعدت الن تلك الثياب لهححم ليلبسححوها إذا صححاروا إلى النار‪.‬‬
‫وقال سححعيد بححن جححبير‪" :‬مححن نار" مححن نحاس؛ فتلك الثياب مححن نحاس قححد أذيبححت وهححي السححرابيل‬
‫المذكورة في "قطران" [إبراهيم‪ ]50 :‬وليس في النية شيء إذا حمي يكون أشد حرا منه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المعنحى أن النار قحد أحاطحت بهحم كإحاطحة الثياب المقطوعحة إذا لبسحوها عليهحم؛ فصحارت محن هذا‬
‫الوجحه ثيابحا لنهحا بالحاطحة كالثياب؛ مثحل "وجعلنحا الليحل لباسحا" [النبحأ‪" .]10 :‬يصحب محن فوق‬
‫رؤوسحهم الحميحم" أي الماء الحار المغلى بنار جهنحم‪ .‬وروى الترمذي عحن أبحي هريرة عحن النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬إن الحميحم ليصحب على رؤوسحهم فينفحذ الحميحم حتحى يخلص إلى جوفحه‬
‫فيسحلت محا فحي جوفحه حتحى يمرق محن قدميحه وهحو الصحهر ثحم يعاد كمحا كان)‪ .‬قال‪ :‬حديحث حسحن‬
‫صححيح غريحب‪" .‬يصحهر" يذاب‪" .‬بحه محا فحي بطونهحم" والصحهر إذابحة الشححم‪ .‬والصحهارة محا ذاب‬
‫منه؛ يقال‪ :‬صهرت الشيء فانصهر‪ ،‬أي أذبته فذاب‪ ،‬فهو صهير‪ .‬قال ابن أحمر يصف فرخ قطاة‪:‬‬
‫تصهره الشمس فما ينصهر‬ ‫تروي لقى ألقي في صفصف‬
‫أي تذيبححه الشمححس فيصححبر على ذلك‪" .‬والجلود" أي وتحرق الجلود‪ ،‬أو تشوى الجلود؛ فإن الجلود‬
‫ل تذاب؛ ولكن يضم في كل شيء ما يليق به‪ ،‬فهو كما تقول‪ :‬أتيته فأطعمني ثريدا‪ ،‬إي وال ولبنا‬
‫قارصا؛ أي وسقاني لبنا‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫علفتها تبنا وماء باردا‬
‫"ولهحم مقامحع محن حديحد" أي يضربون بهحا ويدفعون؛ الواحدة مقمعحة‪ ،‬ومقمحع أيضحا كالمحجحن‪،‬‬
‫يضرب به على رأس الفيل‪ .‬وقد قمعته إذا ضربته بها‪ .‬وقمعته وأقمعته بمعنى؛ أي قهرته وأذللته‬
‫فانقمحع‪ .‬قال ابحن السحكيت‪ :‬أقمعحت الرجحل عنحي إقماعحا إذا طلع عليحك فرددتحه عنحك‪ .‬وقيحل‪ :‬المقامحع‬
‫المطارق‪ ،‬وهحي المرازب أيضحا‪ .‬وفحي الحديحث (بيحد كحل ملك محن خزنحة جهنحم مرزبحة لهحا شعبتان‬
‫فيضرب الضربحة فيهوي بهحا سحبعين ألفحا)‪ .‬وقيحل‪ :‬المقامحع سحياط محن نار‪ ،‬وسحميت بذلك لنهحا تقمحع‬
‫المضروب‪ ،‬أي تذل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كلمحا أرادوا أن يخرجوا منهحا محن غحم" أي محن النار‪" .‬أعيدوا فيهحا" بالضرب‬
‫بالمقامحع‪ .‬وقال أبحو ظحبيان‪ :‬ذكحر لنحا أنهحم يحاولون الخروج محن النار حيحن تجيحش بهحم وتفور فتلقحي‬
‫محن فيهحا إلى أعلى أبوابهحا فيريدون الخروج فتعيدهحم الخزان إليهحا بالمقامحع‪ .‬وقيحل‪ :‬إذا اشتحد غمهحم‬
‫فيهحا فروا؛ فمحن خلص منهحم إلى شفيرهحا أعادتهحم الملئكحة فيهحا بالمقامحع‪ ،‬ويقولون لهحم "وذوقوا‬
‫عذاب الحريححق" أي المحرق؛ مثححل الليححم والوجيححع‪ .‬وقيححل‪ :‬الحريححق السححم مححن الحتراق‪ .‬تحرق‬
‫الشيء بالنار واحترق‪ ،‬والسم الحرقة والحريق‪ .‬والذوق‪ :‬مماسة يحصل معها إدراك الطعم؛ وهو‬
‫هنا توسع‪ ،‬والمراد به إدراكهم اللم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 23 :‬إن ال يدخحل الذيحن آمنوا وعملوا الصحالحات جنات تجري محن تحتهحا النهار‬
‫يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار" لما‬
‫ذكر أحد الخصمين وهو الكافر ذكر حال الخصم الخر وهو المؤمن‪" .‬يحلون فيها من أساور من‬
‫ذهب" "من" صلة‪ .‬والساور جمع أسورة‪ ،‬وأسورة واحدها سوار؛ وفيه ثلث لغات‪ :‬ضم السين‬
‫وكسرها وإسوار‪ .‬قال المفسرون‪ :‬لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الساور والتيجان جعل ال ذلك‬
‫لهحل الجنحة‪ ،‬وليحس أححد محن أهحل الجنحة إل وفحي يده ثلثحة أسحورة‪ :‬سحوار محن ذهحب‪ ،‬وسحوار محن‬
‫فضة‪ ،‬وسوار من لؤلؤ‪ .‬قال هنا وفي فاطر‪" :‬من أساور من ذهب ولؤلؤا" [فاطر‪ ]33 :‬وقال في‬
‫سحورة النسحان‪" :‬وحلوا أسحاور محن فضحة" [النسحان‪ .]21 :‬وفحي صححيح مسحلم محن حديحث أبحي‬
‫هريرة سحمعت خليلي صحلى ال عليحه وسحلم يقول‪( :‬تبلغ الحليحة محن المؤمحن حيحث يبلغ الوضوء)‪.‬‬
‫وقيحل‪ :‬تحلى النسحاء بالذهحب والرجال بالفضحة‪ .‬وفيحه نظحر‪ ،‬والقرآن يرده‪" .‬ولؤلؤا" قرأ نافحع وابحن‬
‫القعقاع وشيبححة وعاصححم هنححا وفححي سححورة الملئكححة "لؤلؤا" بالنصححب‪ ،‬على معنححى ويخلون لؤلؤا؛‬
‫واستدلوا بأنها مكتوبة فحي جميحع المصاحف هنحا بألف‪ .‬وكذلك قرأ يعقوب والجحدري وعيسحى بن‬
‫عمحر بالنصحب هنحا والخفحض فحي "فاطحر" اتباعحا للمصححف‪ ،‬ولنهحا كتبحت ههنحا بألف وهناك بغيحر‬
‫ألف‪ .‬الباقون بالخفحض فحي الموضعيحن‪ .‬وكان أبحو بكحر ل يهمحز "اللولؤ" فحي كحل القرآن؛ وهحو محا‬
‫يسحتخرج محن البححر محن جوف الصحدف‪ .‬قال القشيري‪ :‬والمراد ترصحيع السحوار باللؤلؤ؛ ول يبعحد‬
‫أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مصمت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهحو ظاهحر القرآن بحل نصحه‪ .‬وقال ابحن النباري‪ :‬محن قرأ "ولؤلؤ" بالخفحض وقحف عليحه‬
‫ولم يقحف على الذهحب‪ .‬وقال السحجستاني‪ :‬محن نصحب "اللؤلؤ" فالوقحف الكافحي "محن ذهحب"؛ لن‬
‫المعنى ويحلون لؤلؤا‪ .‬قال ابن النباري‪ :‬وليس كما قال‪ ،‬لنا إذا خفضنا "اللؤلؤ" نسقناه على لفظ‬
‫الساور‪ ،‬وإذا نصحبناه نسقناه على تأويل الساور‪ ،‬وكأنا قلنحا‪ :‬يحلون فيها أساور ولؤلؤا‪ ،‬فهو فحي‬
‫النصب بمنزلته في الخفض‪ ،‬فل معنى لقطعه من الول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولباسهم فيها حرير" أي وجميع ما يلبسونه من فرشهم ولباسهم وستورهم حرير‪،‬‬
‫وهو أعلى مما في الدنيا بكثير‪ .‬وروى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الخرة‬
‫ومحن شرب فحي آنيحة الذهحب والفضحة لم يشرب فيهحا فحي الخرة ‪ -‬ثحم قال رسحول ال صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم‪ :‬لباس أهحل الجنحة وشراب أهحل الجنحة وآنيحة أهحل الجنحة)‪ .‬فإن قيحل‪ :‬قحد سحوى النحبي صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم بيحن هذه الشياء الثلثحة وأنحه يحرمهحا فحي الخرة؛ فهحل يحرمهحا إذا دخحل الجنحة؟ قلنحا‪:‬‬
‫نعم! إذا لم يتب منها حرمها في الخرة وإن دخل الجنة؛ لستعجاله ما حرم ال عليه في الدنيا‪ .‬ل‬
‫يقال‪ :‬إنمحا يحرم ذلك فحي الوقحت الذي يعذب فحي النار أو بطول مقامحه فحي الموقحف‪ ،‬فأمحا إذا دخحل‬
‫الجنة فل؛ لن حرمان شيء من لذات الجنة لمن كان في الجنة نوع عقوبة ومؤاخذة والجنة ليست‬
‫بدار عقوبححة‪ ،‬ول مؤاخذة فيهححا بوجححه‪ .‬فإنححا نقول‪ :‬مححا ذكرتموه محتمححل‪ ،‬لول مححا جاء مححا يدفححع هذا‬
‫الحتمال ويرده محن ظاهحر الحديحث الذي ذكرناه‪ .‬ومحا رواه الئمحة محن حديحث ابحن عمحر عحن النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم (محن شرب الخمحر فحي الدنيحا ثحم لم يتحب منهحا حرمهحا فحي الخرة)‪ .‬والصحل‬
‫التمسحك بالظاهحر حتحى يرد نحص يدفعحه‪ ،‬بل قحد ورد نص على صححة ما ذكرناه‪ ،‬وهو محا رواه أبو‬
‫داود الطيالسي في مسنده‪ :‬حدثنا هشام عن قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري قال قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الخرة وإن دخل الجنة‬
‫لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو)‪ .‬وهذا نص صريح وإسناده صحيح‪ .‬فإن كان (وإن دخل الجنة لبسه‬
‫أهحل الجنة ولم يلبسحه هو) من قول النحبي صحلى ال عليه وسلم فهو الغايحة في البيان‪ ،‬وإن كان من‬
‫كلم الراوي على محححا ذكحححر فهحححو أعلى بالمقال وأقعحححد بالحال‪ ،‬ومثله ل يقال بالرأي‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وكذلك (من شرب الخمر ولم يتب) و(من استعمل آنية الذهب والفضة) وكما ل يشتهي منزلة من‬
‫هحو أرفحع منحه‪ ،‬وليحس ذلك بعقوبحة كذلك ل يشتهحي خمحر الجنحة ول حريرهحا ول يكون ذلك عقوبحة‪.‬‬
‫وقحد ذكرنحا هذا كله فحي كتاب التذكرة مسحتوفى‪ ،‬والحمحد ل‪ ،‬وذكرنحا فيهحا أن شجحر الجنحة وثمارهحا‬
‫يتفتق عن ثياب الجنة‪ ،‬وقد ذكرناه في سورة الكهف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهدوا إلى الطيب من القول" أي أرشدوا إلى ذلك‪ .‬قال ابن عباس‪( :‬يريد ل إله‬
‫إل ال والحمححد ل)‪ .‬وقيححل‪ :‬القرآن‪ ،‬ثححم قيححل‪ :‬هذا فححي الدنيححا‪ ،‬هدوا إلى الشهادة‪ ،‬وقراءة القرآن‪.‬‬
‫"وهدوا إلى صراط الحميد" أي إلى صراط ال‪ .‬وصراط ال‪ :‬دينه وهو السلم‪ .‬وقيل‪ :‬هدوا في‬
‫الخرة إلى الطيب من القول‪ ،‬وهو الحمد ل؛ لنهم يقولون غدا الحمد ل الذي هدانا لهذا‪ ،‬الحمد ل‬
‫الذي أذهب عنا الحزن؛ فليس في الجنة لغو ول كذب فما يقولونه فهو طيب القول‪ .‬وقد هدوا في‬
‫الجنحة إلى صحراط ال‪ ،‬إذ ليحس فحي الجنحة شيحء محن مخالفحة أمحر ال‪ .‬وقيحل‪ :‬الطيحب محن القول محا‬
‫يأتيهم من ال من البشارات الحسنة‪" .‬وهدوا إلى صراط الحميد" أي إلى طريق الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 25 :‬إن الذيحن كفروا ويصحدون عحن سحبيل ال والمسحجد الحرام الذي جعلناه للناس‬
‫سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيحن كفروا ويصحدون" أعاد الكلم إلى مشركحي العرب حيحن صحدوا رسحول‬
‫ال صحلى ال عليحه وسحلم عحن المسحجد الحرام عام الحديبيحة‪ ،‬وذلك أنحه لم يعلم لهحم صحد قبحل ذلك‬
‫الجمحع؛ إل أن يريحد صحدهم لفراد محن الناس‪ ،‬فقحد وقحع ذلك فحي صحدر المبعحث‪ .‬والصحد‪ :‬المنحع؛ أي‬
‫وهحم يصحدون‪ .‬وبهذا حسحن عطحف المسحتقبل على الماضحي‪ .‬وقيحل‪ :‬الواو زائدة "ويصحدون" خحبر‬
‫"إن"‪ .‬وهذا مفسد للمعنى المقصود‪ ،‬وإنما الخبر محذوف مقدر عند قوله (والباد) تقديره‪ :‬خسروا‬
‫إذا هلكوا‪ .‬وجاء "ويصححدون" مسححتقبل إذ هححو فعححل يديمونححه؛ كمححا جاء قوله تعالى‪" :‬الذيححن آمنوا‬
‫وتطمئن قلوبهم بذكر ال" [الرعد‪]28 :‬؛ فكأنه قال‪ :‬إن الذين كفروا من شأنهم الصد‪ .‬ولو قال إن‬
‫الذين كفروا وصدروا لجاز‪ .‬قال النحاس‪ :‬وفي كتابي عن أبي إسحاق قال وجائز أن يكون ‪ -‬وهو‬
‫الوجه ‪ -‬الخبر "نذقه من عذاب أليم"‪ .‬قال أبو جعفر‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬ولست أعرف ما الوجه فيه؛ لنه‬
‫جاء بخحبر "إن" جزمحا‪ ،‬وأيضحا فإنحه جواب الشرط‪ ،‬ولو كان خحبر "إن" لبقحي الشرط بل جواب‪،‬‬
‫ول سيما والفعل الذي في الشرط مستقبل فل بد له من جواب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمسجد الحرام" قيل‪ :‬إنه المسجد نفسه‪ ،‬وهو ظاهر القرآن؛ لنه لم يذكر غيره‪.‬‬
‫وقيححل‪ :‬الحرم كله؛ لن المشركيححن صححدوا رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم وأصحححابه عنححه عام‬
‫الحديبيحة‪ ،‬فنزل خارجحا عنحه؛ قال ال تعالى‪" :‬وصحدوكم عحن المسحجد الحرام" [الفتحح‪ ]25 :‬وقال‪:‬‬
‫"سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام" [السراء‪ .]1 :‬وهذا صحيح‪ ،‬لكنه قصد هنا‬
‫بالذكحر المهحم المقصحود محن ذلك‪" .‬الذي جعلناه للناس" أي للصحلة والطواف والعبادة؛ وهحو كقوله‬
‫تعالى‪" :‬إن أول بيت وضع للناس" [آل عمران‪" .]96 :‬سواء العاكف فيه والباد" العاكف‪ :‬المقيم‬
‫الملزم‪ .‬والبادي‪ :‬أهحل الباديحة ومحن يقدم عليهحم‪ .‬يقول‪ :‬سحواء فحي تعظيحم حرمتحه وقضاء النسحك فيحه‬
‫الحاضر والذي يأتيه من البلد؛ فليس أهل مكة أحق من النازح إليه‪ .‬وقيل‪ :‬إن المساواة إنما هي‬
‫فحي دوره ومنازله‪ ،‬ليحس المقيحم فيهحا أولى محن الطارئ عليهحا‪ .‬وهذا على أن المسحجد الحرام الحرم‬
‫كله؛ وهذا قول مجاهحد ومالك؛ رواه عنحه ابحن القاسحم‪ .‬وروي عحن عمحر وابحن عباس وجماعحة (إلى‬
‫أن القادم له النزول حيحححث وجحححد‪ ،‬وعلى رب المنزل أن يؤويحححه شاء أو أبحححى)‪ .‬وقال ذلك سحححفيان‬
‫الثوري وغيره‪ ،‬وكذلك كان المححر فححي الصححدر الول‪ ،‬كانححت دورهححم بغيححر أبواب حتححى كثرت‬
‫السحرقة؛ فاتخحذ رجحل بابحا فأنكحر عليحه عمحر وقال‪ :‬أتغلق بابحا فحي وجحه حاج بيحت ال؟ فقال‪ :‬إنمحا‬
‫أردت حفظ متاعهم من السرقة‪ ،‬فتركه فاتخذ الناس البواب‪ .‬وروي عن عمر بن الخطاب رضي‬
‫ال عنحه أيضحا أنحه كان يأمحر فحي الموسحم بقلع أبواب دور مكحة‪ ،‬حتحى يدخلهحا الذي يقدم فينزل حيحث‬
‫شاء‪ ،‬وكانححت الفسححاطيط تضرب فححي الدور‪ .‬وروي عححن مالك أن الدور ليسححت كالمسححجد ولهلهححا‬
‫المتناع منها والستبداد؛ وهذا هو العمل اليوم‪ .‬وقال بهذا جمهور من المة‪.‬‬
‫وهذا الخلف يبنى على أصلين‪ :‬أحدهما أن دور مكة هل هي ملك لربابها أم للناس‪ .‬وللخلف‬
‫سببان‪ :‬أحدهما هل فتح مكة كان عنوة فتكون مغنومة‪ ،‬لكن النبي صلى ال عليه وسلم لم يقسمها‬
‫وأقرهحا لهلهحا ولمحن جاء بعدهحم؛ كمحا فعحل عمحر رضحي ال عنحه بأرض السحواد وعفحا لهحم عحن‬
‫الخراج كمحا عفحا عحن سحبيهم واسحترقاقهم إحسحانا إليهحم دون سحائر الكفار فتبقحى على ذلك لتباع ول‬
‫تكرى‪ ،‬ومن سبق إلى موضع كان أولى به‪ .‬وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والوزاعي‪ .‬أو كان فتحها‬
‫صلحا ‪ -‬وإليه ذهب الشافعي ‪ -‬فتبقى ديارهم بأيديهم‪ ،‬وفي أملكهم يتصرفون كيف شاؤوا‪ .‬وروي‬
‫عحن عمحر أنحه اشترى دار صحفوان بحن أميحة بأربعحة آلف وجعلهحا سحجنا‪ ،‬وهحو أول محن حبحس فحي‬
‫السجن في السلم‪ ،‬على ما تقدم بيانه في آية المحاربين من سورة "المائدة"‪ .‬وقد روي أن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم حبس في تهمة‪ .‬وكان طاوس يكره السجن بمكة ويقول‪ :‬ل ينبغي لبيت عذاب‬
‫أن يكون في بيت رحمة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الصحيح ما قاله مالك؛ وعليه تدل ظواهر الخبار الثابتة بأنها فتحت عنوة‪ .‬قال أبو عبيد‪:‬‬
‫ول نعلم مكة يشبهها شيء من البلد‪ .‬وروى الدارقطني عن علقمة بن نضلة قال‪ :‬توفي رسول ال‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم وأبحو بكحر وعمحر رضحي ال عنهمحا ومحا تدعحى رباع مكحة إل السحوائب؛ محن‬
‫احتاج سحكن ومحن اسحتغنى أسحكن‪ .‬وزاد فحي روايحة‪ :‬وعثمان‪ .‬وروي أيضحا عحن علقمحة بحن نضلة‬
‫الكنانحي قال‪ :‬كانحت تدعحى بيوت مكحة على عهحد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم وأبحي بكحر وعمحر‬
‫رضي ال عنهما السوائب‪ ،‬ل تباع؛ من احتاج سكن ومن استغنى أسكن‪ .‬وروي أيضا عن عبدال‬
‫بحن عمرو عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬إن ال تعالى حرم مكحة فحرام بيحع رباعهحا وأكحل‬
‫ثمنهحا ‪ -‬وقال ‪ -‬محن أكحل محن أجحر بيوت مكحة شيئا فإنمحا يأكحل نارا)‪ .‬قال الدارقطنحي‪ :‬كذا رواه أبحو‬
‫حنيفة مرفوعا ووهم فيه‪ ،‬ووهم أيضا في قوله عبيدال بن أبي يزيد وإنما هو ابن أبي زياد القداح‪،‬‬
‫والصححيح أنحه موقوف‪ ،‬وأسحند الدارقطنحي أيضحا عحن عبدال بحن عمرو قال قال رسحول ال‪( :‬مكحة‬
‫مناخ ل تباع رباعها ول تؤاجر بيوتها)‪ .‬وروى أبو داود عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬قلت يا‬
‫رسحول ال؛ أل أبنحي لك بمنحى بيتحا أو بناء يظلك محن الشمحس؟ فقال‪( :‬ل‪ ،‬إنمحا هحو مناخ محن سحبق‬
‫إليحه)‪ .‬وتمسحك الشافعحي رضحي ال عنحه بقوله تعالى‪" :‬الذيحن أخرجوا محن ديارهحم" الححج‪]40 :‬‬
‫فأضافها إليهم‪ .‬وقال عليه السلم يوم الفتح‪( :‬من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو‬
‫آمن)‪.‬‬
‫@ قرأ جمهور الناس "سحواء" بالرفحع‪ ،‬وهحو على البتداء‪ ،‬و"العاكحف" خحبره‪ .‬وقيحل‪ :‬الخحبر‬
‫"سحواء" وهحو مقدم؛ أي العاكحف فيحه والبادي سحواء؛ وهحو قول أبحي علي‪ ،‬والمعنحى‪ :‬الذي جعلناه‬
‫للناس قبلة أو متعبدا العاكحف فيحه والبادي سحواء‪ .‬وقرأ حفحص عحن عاصحم "سحواء" بالنصحب‪ ،‬وهحي‬
‫قراءة العمححش‪ .‬وذلك يحتمححل أيضححا وجهيححن‪ :‬أحدهمححا‪ :‬أن يكون مفعول ثانيححا لجعححل‪ ،‬ويرتفححع‬
‫"العاكف" به لنه مصدر‪ ،‬فأعمل عمل اسم الفاعل لنه في معنى مستو‪ .‬والوجه الثاني‪ :‬أن يكون‬
‫حال من الضمير في جعلناه‪ .‬وقرأت فرقة "سواء" بالنصب "العاكف" بالخفض‪ ،‬و"البادي" عطفا‬
‫على الناس‪ ،‬التقديحر‪ :‬الذي جعلناه للناس العاكحف والبادي‪ .‬وقراءة ابحن كثيحر فحي الوقحف والوصحل‬
‫بالياء‪ ،‬ووقف أبو عمرو بغير ياء ووصل بالياء‪ .‬وقرأ نافع بغير ياء في الوصل والوقف‪ .‬وأجمع‬
‫الناس على الستواء في نفس المسجد الحرام‪ ،‬واختلفوا في مكة؛ وقد ذكرناه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومحن يرد فيحه بإلحاد بظلم" شرط‪ ،‬وجوابحه "نذقحه محن عذاب أليحم"‪ .‬واللحاد فحي‬
‫اللغحة‪ :‬الميحل؛ إل أن ال تعالى بيحن أن الميحل بالظلم هحو المراد‪ .‬واختلف فحي الظلم؛ فروى علي ابحن‬
‫أبي طلحة عن ابن عباس ("ومن يرد فيه بإلحاد بظلم" قال‪ :‬الشرك)‪ .‬وقال عطاء‪ :‬الشرك والقتل‪.‬‬
‫وقيححل‪ :‬معناه صححيد حمامححه‪ ،‬وقطححع شجره؛ ودخول غيححر محرم‪ .‬وقال ابححن عمححر‪( :‬كنححا نتحدث أن‬
‫اللحاد فيححه أن يقول النسححان‪ :‬ل وال! وبلى وال! وكل وال! ولذلك كان له فسححطاطان‪ ،‬أحدهمححا‬
‫في الحل والخر في الحرم؛ فكان إذا أراد الصلة دخل فسطاط الحرم‪ ،‬وإذا أراد بعض شأنه دخل‬
‫فسطاط الحل‪ ،‬صيانة للحرم عن قولهم كل وال وبلى وال‪ ،‬حين عظم ال الذنب فيه)‪ .‬وكذلك كان‬
‫لعبدال بحن عمرو بحن العاص فسحطاطان أحدهمحا فحي الححل والخحر فحي الحرم‪ ،‬فإذا أراد أن يعاتحب‬
‫أهله عاتبهم في الحل‪ ،‬وإذا أراد أن يصلي صلى في الحرم‪ ،‬فقيل له في ذلك فقال‪ :‬إن كنا لنتحدث‬
‫أن محن اللحاد فحي الحرم أن نقول كل وال وبلى وال‪ ،‬والمعاصحي تضاعحف بمكحة كمحا تضاعحف‬
‫الحسنات‪ ،‬فتكون المعصية معصيتين‪ ،‬إحداهما بنفس المخالفة والثانية بإسقاط حرمة البلد الحرام؛‬
‫وهكذا الشهحر الحرم سحواء‪ .‬وقحد تقدم‪ .‬وروى أبحو داود عحن يعلى بحن أميحة أن رسحول ال صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم قال‪( :‬احتكار الطعام فحي الحرم إلحاد فيحه)‪ .‬وهحو قول عمحر بحن الخطاب‪ .‬والعموم يأتحي‬
‫على هذا كله‪.‬‬
‫@ ذهحب قوم محن أهحل التأويحل منهحم الضحاك وابحن زيحد إلى أن هذه اليحة تدل على أن النسحان‬
‫يعاقب على ما ينويه محن المعاصحي بمكحة وإن لم يعمله‪ .‬وقحد روي نححو ذلك عن ابن مسحعود وابحن‬
‫عمر قالوا‪ :‬لو هم رجل بقتل رجل بهذا البيت وهو (بعدن أبين) لعذبه ال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا صححيح‪ ،‬وقحد جاء هذا المعنحى فحي سحورة "ن والقلم" القلم‪ ]1 :‬مبينحا‪ ،‬على محا يأتحي‬
‫بيانه هناك إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ الباء فحي "بإلحاد" زائدة كزيادتهحا فحي قوله تعالى‪" :‬تنبحت بالدهحن" [المؤمنون‪]20 :‬؛ وعليحه‬
‫حملوا قول الشاعر‪:‬‬
‫نضرب بالسيف ونرجو بالفرج‬ ‫نحن بنو جعدة أصحاب الفلج‬
‫أراد‪ :‬نرجو الفرج‪ .‬وقال العشى‪:‬‬
‫ضمنت برزق عيالنا أرماحنا‬
‫أي رزق‪ :‬وقال آخر‪:‬‬
‫بما لقت لبون بني زياد‬ ‫ألم يأتيك والنباء تنمي‬
‫أي ما لقت؛ والباء زائدة‪ ،‬وهو كثير‪ .‬وقال الفراء‪ :‬سمعت أعرابيا وسألته عن شيء فقال‪ :‬أرجو‬
‫بذاك‪ ،‬أي أرجو ذاك‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وأسفله بالمرخ والشبهان‬ ‫بواد يمان ينبت الشث صدرة‬
‫أي المرخ‪ .‬وهحو قول الخفحش‪ ،‬والمعنحى عنده‪ :‬ومحن يرد فيحه إلحادا بظلم‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬دخلت‬
‫الباء لن المعنى بأن يلحد‪ ،‬والباء مع أن تدخل وتحذف‪ .‬ويجوز أن يكون التقدير‪ :‬ومن برد الناس‬
‫فيحه بإلحاد‪ .‬وهذا اللحاد والظلم يجمحع المعاصحي محن الكفحر إلى الصحغائر؛ فلعظحم حرمحة المكان‬
‫توعد ال تعالى على نية السيئة فيه‪ .‬ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إل في مكة‪ .‬هذا‬
‫قول ابن مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم‪ .‬وقد ذكرناه آنفا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 26 :‬وإذ بوأنحا لبراهيحم مكان البيحت أن ل تشرك بحي شيئا وطهحر بيتحي للطائفيحن‬
‫والقائمين والركع السجود}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ بوأنحا لبراهيحم مكان البيحت" أي واذكحر إذ بوأنحا لبراهيحم؛ يقال‪ :‬بوأتحه منزل‬
‫وبوأت له‪ .‬كمحا يقال‪ :‬مكنتحك ومكنحت لك؛ فاللم فحي قوله‪" :‬لبراهيحم" صحلة للتأكيحد؛ كقوله‪" :‬ردف‬
‫لكم" [النمل‪ ،]72 :‬وهذا قول الفراء‪ .‬وقيل‪" :‬بوأنا لبراهيم مكان البيت" أي أريناه أصله ليبنيه‪،‬‬
‫وكان قحد درس بالطوفان وغيره‪ ،‬فلمحا جاءت مدة إبراهيحم عليحه السحلم أمره ال ببنيانحه‪ ،‬فجاء إلى‬
‫موضعحه وجعحل يطلب أثرا‪ ،‬فبعحث ال ريححا فكشفحت عحن أسحاس آدم عليحه السحلم؛ فرتحب قواعده‬
‫عليحه؛ حسحبما تقدم بيانحه فحي "البقرة"‪ .‬وقيحل‪" :‬بوأنحا" نازلة منزلة فعحل يتعدى باللم؛ كنححو جعلنحا‪،‬‬
‫أي جعلنا لبراهيم مكان البيت مبوأ‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫بوأته بيدي لحدا‬ ‫كم من أخ لي ماجد‬
‫@ "أن ل تشرك" هحي مخاطبحة لبراهيحم عليحه السحلم فحي قول الجمهور‪ .‬وقرأ عكرمحة "أن ل‬
‫يشرك" بالياء‪ ،‬على نقل معنى القول الذي قيل له‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬ول بد من نصب الكاف على هذه‬
‫القراءة‪ ،‬بمعنى لئل يشرك‪ .‬وقيل‪ :‬إن "أن" مخففة من الثقيلة‪ .‬وقيل مفسرة‪ .‬وقيل زائدة؛ مثل "فلما‬
‫أن جاء البشيحر" [يوسحف‪ .]96 :‬وفحي اليحة طعحن على محن أشرك محن قطان البيحت؛ أي هذا كان‬
‫الشرط على أبيكححم ممححن بعده وأنتححم‪ ،‬فلم تفوا بححل أشركتححم‪ .‬وقالت فرقححة‪ :‬الخطاب مححن قول "أن ل‬
‫تشرك" لمحمد صلى ال عليه وسلم؛ وأمر بتطهيحر البيت والذان بالحج‪ .‬والجمهور على أن ذلك‬
‫لبراهيم؛ وهو الصح‪ .‬وتطهير البيت عام في الكفر والبدع وجميع النجاس والدماء‪ .‬وقيل‪ :‬عنى‬
‫بحه التطهيحر عحن الوثان؛ كمحا قال تعالى‪" :‬فاجتنبوا الرجحس محن الوثان" [الححج‪]30 :‬؛ وذلك أن‬
‫جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام في محل البيت وحوله قبل أن يبنيه إبراهيم عليه السلم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المعنحى نزه بيتحي عحن أن يعبحد فيحه صحنم‪ .‬وهذا أمحر بإظهار التوحيحد فيحه‪ .‬وقحد مضحى محا للعلماء فحي‬
‫تنزيححه المسححجد الحرام وغيره مححن المسححاجد بمححا فيححه كفايححة فححي سححورة "التوبححة"‪ .‬والقائمون هححم‬
‫المصلون‪ .‬وذكر تعالى من أركان الصلة أعظمها‪ ،‬وهو القيام والركوع والسجود‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬وأذن في الناس بالحج يأتوك رجال وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأذن في الناس بالحج" قرأ جمهور الناس "وأذن" بتشديد الذال‪ .‬وقرأ الحسن بن‬
‫أبحي الحسحن وابحن محيصحن "وآذن" بتخفيحف الذال ومحد اللف‪ .‬ابحن عطيحة‪ :‬وتصححف هذا على ابحن‬
‫جنححي‪ ،‬فإنححه حكححى عنهمححا "وآذن" على أنححه فعححل ماض‪ ،‬وأعرب على ذلك بأن جعله عطفححا على‬
‫"بوأنا"‪ .‬والذان العلم‪ ،‬وقد تقدم في "التوبة"‪.‬‬
‫@ لما فرغ إبراهيم عليه السلم من بناء البيت‪ ،‬وقيل له‪ :‬أذن في الناس بالحج‪ ،‬قال‪ :‬يا رب! وما‬
‫يبلغ صحوتي؟ قال‪ :‬أذن وعلي البلغ؛ فصحعد إبراهيحم خليحل ال جبحل أبحي قحبيس وصحاح‪ :‬يحا أيهحا‬
‫الناس! إن ال قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار‪ ،‬فحجوا؛ فأجابه‬
‫محن كان فحي أصحلب الرجال وأرحام النسحاء‪ :‬لبيحك اللهحم لبيحك! فمحن أجاب يومئذ ححج على قدر‬
‫الجابحة؛ إن أجاب مرة فمرة‪ ،‬وإن أجاب مرتيحن فمرتيحن؛ وجرت التلبيحة على ذلك؛ قاله ابن عباس‬
‫وابن جبير‪ .‬وروي عن أبي الطفيل قال قال لي ابن عباس‪( :‬أتدري ما كان أصل التلبية؟ قلت ل!‬
‫قال‪ :‬لمحا أمحر إبراهيحم عليحه السحلم أن يؤذن فحي الناس بالححج خفضحت الجبال رؤوسحها ورفعحت له‬
‫القرى؛ فنادى فحي الناس بالححج فأجابحه كحل شيحء‪ :‬لبيحك اللهحم لبيحك)‪ .‬وقيحل‪ :‬إن الخطاب لبراهيحم‬
‫عليحه السحلم تحم عنحد قوله "السحجود"‪ ،‬ثحم خاطحب ال عحز وجحل محمدا عليحه الصحلة والسحلم فقال‬
‫"وأذن فحي الناس بالححج" أي أعلمهحم أن عليهحم الححج‪ .‬وقول ثالث‪ :‬إن الخطاب محن قوله "أن ل‬
‫تشرك" مخاطبحة للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ .‬وهذا قول أهحل النظحر؛ لن القرآن أنزل على النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬فكحل محا فيحه محن المخاطبحة فهحي له إل أن يدل دليحل قاطحع على غيحر ذلك‪.‬‬
‫وههنا دليل آخر يدل على أن المخاطبة للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو "أن ل تشرك بي" بالتاء‪،‬‬
‫وهذا مخاطبحة لمشاهحد‪ ،‬وإبراهيحم عليحه السحلم غائب‪ ،‬فالمعنحى على هذا‪ :‬وإذ بوأنحا لبراهيحم مكان‬
‫البيحت فجعلنحا لك الدلئل على توحيحد ال تعالى وعلى أن إبراهيحم كان يعبحد ال وحده‪ .‬وقرأ جمهور‬
‫الناس "بالححج" بفتحح الحاء‪ .‬وقرأ ابحن أبحي إسححاق فحي كحل القرآن بكسحرها‪ .‬وقيحل‪ :‬إن نداء إبراهيحم‬
‫من جملة ما أمر به من شرائع الدين‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يأتوك رجال وعلى كل ضامر" وعده إجابة الناس إلى حج البيت ما بين راجل‬
‫وراكحب‪ ،‬وإنمحا قال "يأتوك" وإن كانوا يأتون الكعبحة لن المنادي إبراهيحم‪ ،‬فمحن أتحى الكعبحة حاجحا‬
‫فكأنما أتى إبراهيم؛ لنه أجاب نداءه‪ ،‬وفيه تشريف إبراهيم‪ .‬ابن عطية‪" :‬رجال" جمع راجل مثل‬
‫تاجحر وتجار‪ ،‬وصحاحب وصححاب‪ .‬وقيحل‪ :‬الرجال جمحع رجحل‪ ،‬والرجحل جمحع راجحل؛ مثحل تجار‬
‫وتجحر وتاجحر‪ ،‬وصححاب وصححب وصحاحب‪ .‬وقحد يقال فحي الجمحع‪ :‬رجال‪ ،‬بالتشديحد؛ مثحل كافحر‬
‫وكفار‪ .‬وقرأ ابحن أبحي إسححاق وعكرمحة "رجال" بضحم الراء وتخفيحف الجيحم‪ ،‬وهحو قليحل فحي أبنيحة‬
‫الجمححع‪ ،‬ورويححت عححن مجاهححد‪ .‬وقرأ مجاهححد "رجالى" على وزن فعالى؛ فهححو مثححل كسححالى‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬في جمع راجل خمسة أوجه‪ ،‬ورجالة مثل ركاب‪ ،‬وهو الذي روي عن عكرمة‪ ،‬ورجال‬
‫مثحل قيام‪ ،‬ورجلة‪ ،‬ورجحل‪ ،‬ورجالة‪ .‬والذي روي عحن مجاهحد رجال غيحر معروف‪ ،‬والشبحه بحه أن‬
‫يكون غيحر منون مثحل كسحالى وسحكارى‪ ،‬ولو نون لكان على فعال‪ ،‬وفعال فحي الجمحع قليحل‪ .‬وقدم‬
‫الرجال على الركبان فحي الذكحر لزيادة تعبهحم فحي المشحي‪" .‬وعلى كحل ضامحر يأتيحن" لن معنحى‬
‫"ضامر" معنى ضوامر‪ .‬قال الفراء‪ :‬ويجوز "يأتي" على اللفظ‪ .‬والضامر‪ :‬البعير المهزول الذي‬
‫أتعبحه السحفر؛ يقال‪ :‬ضمحر يضمحر ضمورا؛ فوصحفها ال تعالى بالمآل الذي انتهحت عليحه إلى مكحة‪.‬‬
‫وذكر سبب الضمور فقال‪" :‬يأتين من كل فج عميق" أي أثر فيها طول السفر‪ .‬ورد الضمير إلى‬
‫البل تكرمة لها لقصدها الحج مع أربابها؛ كما قال‪" :‬والعاديات ضبحا" [العاديات‪ ]1 :‬في خيل‬
‫الجهاد تكرمة لها حين سعت في سبيل ال‪.‬‬
‫قال بعضهحححححم‪ :‬إنمحححححا قال "رجال" لن الغالب خروج الرجال إلى الححححححج دون الناث؛ فقول‬
‫"رجال" من قولك‪ :‬هذا رجل؛ وهذا فيه بعد؛ لقوله "وعلى كل ضامر" يعني الركبان‪ ،‬فدخل فيه‬
‫الرجال والنسحاء‪ .‬ولمحا قال تعالى‪" :‬رجال" وبدأ بهحم دل ذلك على أن ححج الراجحل أفضحل محن ححج‬
‫الراكب‪ .‬قال ابن عباس‪( :‬ما آسى على شيء فاتني إل أن ل أكون حججت ماشيا‪ ،‬فإني سمعت ال‬
‫عحز وجحل يقول "يأتوك رجال")‪ .‬وقال ابحن أبحي نجيحح‪ :‬ححج إبراهيحم وإسحماعيل عليهمحا السحلم‬
‫ماشييححن‪ .‬وقرأ أصحححاب ابححن مسححعود "يأتون" وهححي قراءة ابححن أبححي عبلة والضحاك‪ ،‬والضميححر‬
‫للناس‪.‬‬
‫@ ل خلف في جواز‪ .‬الركوب والمشي‪ ،‬واختلفوا في الفضل منهما؛ فذهب مالك والشافعي في‬
‫آخريحن إلى أن الركوب أفضحل‪ ،‬اقتداء بالنحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬ولكثرة النفقحة ولتعظيحم شعائر‬
‫الحج بأهبة الركوب‪ .‬وذهب غيرهم إلى أن المشي أفضل لما فيه من المشقة على النفس‪ ،‬ولحديث‬
‫أبي سعيد قال‪ :‬حج النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة‪ ،‬وقال‪( :‬اربطوا‬
‫أوسحاطكم بأزركحم) ومشحى خلط الهرولة؛ خرجحه ابحن ماجحه فحي سحننه‪ .‬ول خلف فحي أن الركوب‬
‫عند مالك في المناسك كلها أفضل؛ للقتداء بالنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ استدل بعض العلماء بسقوط ذكر البحر من هذه الية على أن فرض الحج بالبحر ساقط‪ .‬قال‬
‫مالك فحي الموازيحة‪ :‬ل أسحمع للبححر ذكرا‪ ،‬وهذا تأنحس‪ ،‬ل أنحه يلزم محن سحقوط ذكره سحقوط الفرض‬
‫فيه؛ وذلك أن مكة ليست في ضفة بحر فيأتيها الناس في السفن؛ ولبد لمن ركب البحر أن يصير‬
‫فحي إتيان مكحة إمحا راجل وإمحا على ضامحر؛ فإنمحا ذكرت حالتحا الوصحول؛ وإسحقاط فرض الححج‬
‫بمجرد البحححر ليححس بالكثيححر ول بالقوي‪ .‬فأمححا إذا اقترن بححه عدو وخوف أو هول شديححد أو مرض‬
‫يلحححق شخصححا‪ ،‬فمالك والشافعححي وجمهور الناس على سححقوط الوجوب بهذه العذار‪ ،‬وأنححه ليححس‬
‫بسححبيل يسححتطاع‪ .‬قال ابححن عطيححة‪ :‬وذكححر صححاحب السححتظهار فححي هذا المعنححى كلمححا‪ .‬ظاهره أن‬
‫الوجوب ل يسقط بشيء من هذه العذار؛ وهذا ضعيف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأضعحف محن ضعيحف‪ ،‬وقحد مضحى فحي "البقرة" بيانحه‪ .‬والفحج‪ :‬الطريحق الواسحعة‪ ،‬والجمحع‬
‫فجاج‪ .‬وقحد مضحى فحي "النحبياء"‪ .‬والعميحق معناه البعيحد‪ .‬وقراءة الجماعحة "يأتيحن"‪ .‬وقرأ أصححاب‬
‫عبدال "يأتون" وهذا للركبان و"يأتيحن" للجمال؛ كأنحه قال‪ :‬وعلى إبحل ضامرة يأتيحن "محن كحل فحج‬
‫عميق" أي بعيد؛ ومنه بئر عميقة أي بعيدة القعر؛ ومنه‪:‬‬
‫وقاتم العماق خاوي المخترق‬
‫@ واختلفوا فحي الواصحل إلى البيحت‪ ،‬هحل يرفحع يديحه عنحد رؤيتحه أم ل؛ فروى أبحو داود قال‪ :‬سحئل‬
‫جابر بححن عبدال عححن الرجححل يرى البيححت ويرفححع يديححه فقال‪ :‬مححا كنححت أرى أن أحدا يفعححل هذا إل‬
‫اليهود‪ ،‬وقحد حججنحا محع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فلم نكحن نفعله‪ .‬وروى ابحن عباس رضحي‬
‫ال عنهمحا عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم أنحه قال‪( :‬ترفحع اليدي فحي سحبع مواطحن افتتاح الصحلة‬
‫واستقبال البيت والصفا والمروة والموقفين والجمرتين)‪ .‬وإلى حديث ابن عباس هذا ذهب الثوري‬
‫وابن المبارك وأحمد وإسحاق وضعفوا حديث جابر؛ لن مهاجرا المكي راوية مجهول‪ .‬وكان ابن‬
‫عمر يرفع يديه عند رؤية البيت‪ .‬وعن ابن عباس مثله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 29 - 28 :‬ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم ال في أيام معلومات على ما رزقهم‬
‫محن بهيمحة النعام فكلوا منهحا وأطعموا البائس الفقيحر‪ ،‬ثحم ليقضوا تفثهحم وليوفوا نذورهحم وليطوفوا‬
‫بالبيت العتيق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليشهدوا" أي أذن بالحج يأتوك رجال وركبانا ليشهدوا؛ أي ليحضروا‪ .‬والشهود‬
‫الحضور‪" .‬منافع لهم" أي المناسك‪ ،‬كعرفات والمشعر الحرام‪ .‬وقيل المغفرة‪ .‬وقيل التجارة‪ .‬وقيل‬
‫هحو عموم؛ أي ليحضروا منافحع لهحم‪ ،‬أي محا يرضحي ال تعالى محن أمحر الدنيحا والخرة؛ قال مجاهحد‬
‫وعطاء واختاره ابحن العربحي؛ فإنحه يجمحع ذلك كله محن نسحك وتجارة ومغفرة ومنفعحة دنيحا وأخرى‪.‬‬
‫ول خلف فححي أن المراد بقوله‪" :‬ليححس عليكححم جناح أن تبتغوا فضل مححن ربكححم" [البقرة‪]198 :‬‬
‫التجارة‪" .‬ويذكروا اسحم ال فحي أيام معلومات" قحد مضحى فحي "البقرة" الكلم فحي اليام المعلومات‬
‫والمعدودات‪ .‬والمراد بذكحر اسحم ال ذكحر التسحمية عنحد الذبحح والنححر؛ مثحل قولك‪ :‬باسحم ال وال‬
‫أكحبر‪ ،‬اللهحم منحك ولك‪ .‬ومثحل قولك عنحد الذبحح "إن صحلتي ونسحكي" [النعام‪ ]162:‬اليحة‪ .‬وكان‬
‫الكفار يذبحون على أسحماء أصحنامهم‪ ،‬فحبين الرب أن الواجحب الذبحح على اسحم ال؛ وقحد مضحى فحي‬
‫"النعام"‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فحي وقحت الذبحح يوم النححر؛ فقال مالك رضحي ال عنحه‪ :‬بعحد صحلة المام‬
‫وذبححه؛ إل أن يؤخحر تأخيرا يتعدى فيحه فيسحقط القتداء بحه‪ .‬وراعحى أبحو حنيفحة الفراغ محن الصحلة‬
‫دون ذبححح‪ .‬والشافعححي دخول وقححت الصححلة ومقدار مححا توقححع فيححه الخطبتيححن؛ فاعتححبر الوقححت دون‬
‫الصلة‪ ،‬هذه رواية المزني عنه‪ ،‬وهو قول الطبري‪ .‬وذكر الربيع عن البويطي قال قال الشافعي‪:‬‬
‫ول يذبح أحد حتى يذبح المام إل أن يكون ممن ل يذبح‪ ،‬فإذا صلى وفرغ من الخطبة حل الذبح‪.‬‬
‫وهذا كقول مالك‪ .‬وقال أحمحد‪ :‬إذا انصحرف المام فاذبحح‪ .‬وهحو قول إبراهيحم‪ .‬وأصحح هذه القوال‬
‫قول مالك؛ لحديححث جابر بححن عبدال قال‪ :‬صححلى بنححا رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم يوم النحححر‬
‫بالمدينحة‪ ،‬فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قحد نححر‪ ،‬فأمحر النحبي صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم محن كان نححر أن يعيحد بنححر آخحر‪ ،‬ول ينحروا حتحى ينححر النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‬
‫خرجحه مسحلم والترمذي وقال‪ :‬وفحي الباب عحن جابر وجندب وأنحس وعويمحر بحن أشقحر وابحن عمحر‬
‫وأبحي زيحد النصحاري‪ ،‬وهذا حديحث حسحن صححيح‪ ،‬والعمحل على هذا عنحد أهحل العلم أل يضححى‬
‫بالمصر حتى يصلي المام‪ .‬وقد احتج أبو حنيفة بحديث البراء‪ ،‬وفيه‪( :‬ومن ذبح بعد الصلة فقد‬
‫تحم نسحكه وأصحاب سحنة المسحلمين)‪ .‬خرجحه مسحلم أيضحا‪ .‬فعلق الذبحح على الصحلة ولم يذكحر الذبحح‪،‬‬
‫وحديث جابر يقيده‪ .‬وكذلك حديث البراء أيضا‪ ،‬قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أول ما‬
‫نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا) الحديث‪ .‬وقال أبو‬
‫عمر بن عبدالبر‪ :‬ل أعلم خلفا بين العلماء أن من ذبح قبل الصلة وكان من أهل المصر أنه غير‬
‫مضح؛ لقوله عليه السلم‪( :‬من ذبح قبل الصلة فتلك شاة لحم)‪.‬‬
‫وأمححا أهححل البوادي ومححن ل أمام له فمشهور مذهححب مالك يتحرى وقححت ذبححح المام‪ ،‬أو أقرب‬
‫الئمحة إليحه‪ .‬وقال ربيعحة وعطاء فيمحن ل إمام له‪ :‬إن ذبحح قبحل طلوع الشمحس لم يجزه‪ ،‬ويجزيحه إن‬
‫ذبحح بعده‪ .‬وقال أهحل الرأي‪ :‬يجزيهحم محن بعحد الفجحر‪ .‬وهحو قول ابحن المبارك‪ ،‬ذكره عنحه الترمذي‪.‬‬
‫وتمسحكوا بقوله تعالى‪" :‬ويذكروا اسحم ال فحي أيام معلومات على محا رزقهحم محن بهيمحة النعام"‪،‬‬
‫فأضاف النحر إلى اليوم‪ .‬وهل اليوم من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس‪ ،‬قولن‪ .‬ول خلف أنه‬
‫ل يجزى ذبح الضحية قبل طلوع الفجر من يوم النحر‪.‬‬
‫@ واختلفوا كحم أيام النححر؟ فقال مالك‪ :‬ثلثحة‪ ،‬يوم النححر ويومان بعده‪ .‬وبحه قال أبحو حنيفحة‬
‫والثوري وأحمحد بحن حنبحل‪ ،‬وروي ذلك عحن أبحي هريرة وأنحس بحن مالك محن غيحر اختلف عنهمحا‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬أربعة‪ ،‬يوم النحر وثلثة بعده‪ .‬وبه قال الوزاعي‪ ،‬وروي ذلك عن علي رضي ال‬
‫عنه وابن عباس وابن عمر رضي ال عنهم‪ ،‬وروي عنهم أيضا مثل قول مالك وأحمد‪ .‬وقيل‪( :‬هو‬
‫يوم النححر خاصحة وهحو العاشحر محن ذي الحجحة)؛ وروي عحن ابحن سحيرين‪ .‬وعحن سحعيد بحن جحبير‬
‫وجابر بححن زيححد أنهمححا قال‪ :‬النحححر فححي المصححار يوم واحححد وفححي منححى ثلثححة أيام‪ .‬وعححن الحسححن‬
‫البصري في ذلك ثلث روايات‪ :‬إحداها كما قال مالك‪ ،‬والثانية كما قال الشافعي‪ ،‬والثالثة إلى آخر‬
‫يوم من ذي الحجة؛ فإذا أهل هلل المحرم فل أضحى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهحو قول سحليمان بحن يسحار وأبحي سحلمة بحن عبدالرحمحن‪ ،‬ورويحا حديثحا مرسحل مرفوعحا‬
‫خرجححه الدارقطنححي‪ :‬الضحايححا إلى هلل ذي الحجححة؛ ولم يصححح‪ ،‬ودليلنححا قوله تعالى‪" :‬فححي أيام‬
‫معلومات" الية‪ ،‬وهذا جمع قلة؛ لكن المتيقن منه الثلثة‪ ،‬وما بعد الثلثة غير متيقن فل يعمل به‪.‬‬
‫قال أبحو عمحر بحن عبدالبر‪ :‬أجمحع العلماء على أن يوم النححر يوم أضححى‪ ،‬وأجمعوا أن ل أضححى‬
‫بعححد انسححلخ ذي الحجححة‪ ،‬ول يصححح عندي فححي هذه إل قولن‪ :‬أحدهمححا‪ :‬قول مالك والكوفييححن‪.‬‬
‫والخحر‪ :‬قول الشافعحي والشامييحن؛ وهذان القولن مرويان عحن الصححابة فل معنحى للشتغال بمحا‬
‫خالفهما؛ لن ما خالفهما ل أصل له في السنة ول في قول الصحابة‪ ،‬وما خرج عن هذين فمتروك‬
‫لهمحا‪ .‬وقحد روي عحن قتادة قول سحادس‪ ،‬وهحو أن الضححى يوم النححر وسحتة أيام بعده؛ وهذا أيضحا‬
‫خارج عحن قول الصححابة فل معنحى له‪ .‬واختلفوا فحي ليالي النححر هحل تدخحل محع اليام فيجوز فيهحا‬
‫الذبححح أول؛ فروي عححن مالك فححي المشهور أنهححا ل تدخححل فل يجوز الذبححح بالليححل‪ .‬وعليححه جمهور‬
‫أصحابه وأصحاب الرأي؛ لقوله تعالى‪" :‬ويذكروا اسم ال في أيام" فذكر اليام‪ ،‬وذكر اليام دليل‬
‫على أن الذبحح فحي الليحل ل يجوز‪ .‬وقال أبحو حنيفحة والشافعحي وأحمحد وإسححاق وأبحو ثور‪ :‬الليالي‬
‫داخلة فحي اليام ويجزى الذبحح فيهحا‪ .‬وروي عحن مالك وأشهحب نحوه‪ ،‬ولشهحب تفريحق بيحن الهدي‬
‫والضحية‪ ،‬فأجاز الهدي ليل ولم يجز الضحية ليل‪ .‬قوله تعالى‪" :‬على ما رزقهم" أي على ذبح ما‬
‫رزقهحم‪" .‬محن بهيمحة النعام" والنعام هنحا البحل والبقحر والغنحم‪ .‬وبهيمحة النعام هحي النعام‪ ،‬فهحو‬
‫كقولك صلة الولى‪ ،‬ومسجد الجامع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكلوا منهحا" أمحر معناه الندب عنحد الجمهور‪ .‬ويسحتحب للرجحل أن يأكحل من هديحه‬
‫وأضحيتحه وأن يتصحدق بالكثحر‪ ،‬محع تجويزهحم الصحدقة بالكحل وأكحل الكحل‪ .‬وشذت طائفحة فأوجبحت‬
‫الكححل والطعام بظاهححر اليححة‪ .‬ولقول عليححه السححلم‪( :‬فكلوا وادخروا وتصححدقوا)‪ .‬قال الكيححا‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬فكلوا منها وأطعموا" يدل على أنه ل يجوز بيع جميعه ول التصدق بجميعه‪.‬‬
‫@ دماء الكفارات ل يأكل منها أصحابها‪ .‬ومشهور مذهب مالك رضي ال عنه أنه ل يأكل من‬
‫ثلث‪ :‬جزاء الصحيد‪ ،‬ونذر المسحاكين وفديحة الذى‪ ،‬ويأكحل ممحا سحوى ذلك إذا بلغ محله واجبحا كان‬
‫أو تطوعا‪ ،‬ووافقه على ذلك جماعة من السلف وفقهاء المصار‪.‬‬
‫فإن أكل مما منع منه فهل يغرم قدر ما أكل أو يغرم هديا كامل؛ قولن في مذهبنا‪ ،‬وبالول قال‬
‫ابحن الماجشون‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬وهحو الححق‪ ،‬ل شيحء عليحه غيره‪ .‬وكذلك لو نذر هديحا للمسحاكين‬
‫فيأكل منه بعد أن بلغ محله ل يغرم إل ما أكل ‪ -‬خلفا للمدونة ‪ -‬لن النحر قد وقع‪ ،‬والتعدي إنما‬
‫هو على اللحم‪ ،‬فيغرم قدر ما تعدى فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليوفوا نذورهحم" يدل على وجوب إخراج النذر إن كان دمحا أو هديحا أو غيره‪،‬‬
‫ويدل ذلك على أن النذر ل يجوز أن يأكل منه وفاء بالنذر‪ ،‬وكذلك جزاء الصيد وفدية الذى؛ لن‬
‫المطلوب أن يأتي به كامل من غير نقص لحم ول غيره‪ ،‬فإن أكل من ذلك كان عليه هدي كامل‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫هحل يغرم قيمحة اللححم أو يغرم طعامحا؛ ففحي كتاب محمحد عحن عبدالملك أنحه يغرم طعامحا‪ .‬والول‬
‫أصح؛ لن الطعام إنما هو في مقابلة الهدي كله عند تعذره عبادة‪ ،‬وليس حكم التعدي حكم العبادة‪.‬‬
‫فإن عطحب محن هذا الهدي المضمون الذي هحو جزاء الصحيد وفديحة الذى ونذر المسحاكين شيحء‬
‫قبحل محله أكحل منحه صحاحبه وأطعحم منحه الغنياء والفقراء ومحن أححب‪ ،‬ول يحبيع محن لحمحه ول جلده‬
‫ول محن قلئده شيئا‪ .‬قال إسحماعيل بحن إسححاق‪ :‬لن الهدي المضمون إذا عطحب قبحل أن يبلغ محله‬
‫كان عليحه بدله‪ ،‬ولذلك جاز أن يأكحل منحه صحاحبه ويطعحم‪ .‬فإذا عطحب الهدي التطوع قبحل أن يبلغ‬
‫محله لم يجز أن يأكل منه ول يطعم؛ لنه لما لم يكن عليه بدله خيف أن يفعل ذلك بالهدي وينحر‬
‫من غير أن يعطب‪ ،‬فاحتيط على الناس‪ ،‬وبذلك مضى العمل‪ .‬وروى أبو داود عن ناجية السلمي‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث معه بهدي وقال‪( :‬إن عطب منها شيء فانحره ثم اصبغ‬
‫نعله فحي دمحه ثحم خحل بينحه وبيحن الناس)‪ .‬وبهذا الحديحث قال مالك والشافعحي فحي أححد قوليحه‪ ،‬وأحمحد‬
‫وإسححاق وأبحو ثور وأصححاب الرأي ومحن اتبعهحم فحي الهدي التطوع‪ :‬ل يأكحل منهحا سحائقها شيئا‪،‬‬
‫ويخلى بينهحا وبيحن الناس يأكلونهحا‪ .‬وفحي صححيح مسحلم‪( :‬ول تأكحل منهحا أنحت ول أححد محن أهحل‬
‫رفقتحك)‪ .‬وبظاهحر هذا النهحي قال ابحن عباس والشافعحي فحي قوله الخحر‪ ،‬واختاره ابحن المنذر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل يأكل منها ول أحد من أهل رفقته‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬قوله عليه السلم (ول يأكل منها أحد ول أحد‬
‫من أهل رفقتك) ل يوجد إل في حديث ابن عباس‪ .‬وليس ذلك في حديث هشام بن عروة عن أبيه‬
‫عن ناجية‪ .‬وهو عندنا أصح من حديث ابن عباس‪ ،‬وعليه العمل عند الفقهاء‪ .‬ويدخل في قوله عليه‬
‫السحلم‪( :‬خحل بينهحا وبيحن الناس) أهحل رفقتحه وغيرهحم‪ .‬وقال الشافعحي وأبحو ثور‪ :‬محا كان محن الهدي‬
‫أصحله واجبحا فل يأكحل منحه‪ ،‬ومحا كان تطوعحا ونسحكا أكحل منحه وأهدى وادخحر وتصحدق‪ .‬والمتعحة‬
‫والقرآن عنده نسحك‪ .‬ونحوه مذهحب الوزاعحي‪ .‬وقال أبحو حنيفحة وأصححابه‪ :‬يأكحل محن هدي المتعحة‬
‫والتطوع‪ ،‬ول يأكحل ممحا سحوى ذلك ممحا وجحب بحكحم الحرام‪ .‬وحكحي عحن مالك‪ :‬ل يأكحل محن دم‬
‫الفسحاد‪ .‬وعلى قياس هذا ل يأكحل محن دم الجحبر؛ كقول الشافعحي والوزاعحي‪ .‬تمسحك مالك بأن جزاء‬
‫الصحيد جعله ال للمسحاكين بقوله تعالى‪" :‬أو كفارة طعام مسحاكين" [المائدة‪ .]95 :‬وقال فحي فديحة‬
‫الذى‪" :‬ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" [البقرة‪ .]196 :‬وقال صلى ال عليه وسلم لكعب بن‬
‫عجرة‪( :‬أطعحم سحتة مسحاكين مديحن لكحل مسحكين أو صحم ثلثحة أيام أو انسحك شاة)‪ .‬ونذر المسحاكين‬
‫مصحرح بحه‪ ،‬وأمحا غيحر ذلك محن الهدايحا فهحو باق على أصحل قوله‪" :‬والبدن جعلناهحا لكحم محن شعائر‬
‫ال" إلى قوله "فكلوا منهحا" [الححج‪ .]36 :‬وقحد أكحل النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وعلي رضحي ال‬
‫عنححه مححن الهدي الذي جاء بححه وشربححا مححن مرقححه‪ .‬وكان عليححه السححلم قارنححا فححي أصححح القوال‬
‫والروايات؛ فكان هديه على هذا واجبا‪ ،‬فما تعلق به أبو حنيفة غير صحيح‪ .‬وال أعلم‪ .‬وإنما أذن‬
‫ال سحبحانه محن الكحل محن الهدايحا لجحل أن العرب كانحت ل ترى أن تأكحل محن نسحكها‪ ،‬فأمحر ال‬
‫سحبحانه وتعالى نحبيه صحلى ال عليحه وسحلم بمخالفتهحم؛ فل جرم كذلك شرع وبلغ‪ ،‬وكذلك فعحل حيحن‬
‫أهدى وأحرم صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ "فكلوا منها" قال بعض العلماء‪ :‬قوله تعالى‪" :‬فكلوا منها" ناسخ لفعلهم‪ ،‬لنهم كانوا يحرمون‬
‫لحوم الضحايحا على أنفسحهم ول يأكلون منهحا ‪ -‬كمحا قلناه فحي الهدايحا ‪ -‬فنسحخ ال ذلك بقوله‪" :‬فكلوا‬
‫منها" وبقول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من ضحى فليأكل من أضحيته) ولنه عليه السلم أكل‬
‫من أضحيته وهديه‪ .‬وقال الزهري‪ :‬من السنة أن تأكل أول من الكبد‪.‬‬
‫ذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب أن يتصدق بالثلث ويطعم الثلث ويأكل هو وأهله الثلث‪ .‬وقال‬
‫ابن القاسم عن مالك‪ :‬ليس عندنا في الضحايا قسم معلوم موصوف‪ .‬قال مالك في حديثه‪ :‬وبلغني‬
‫عحن ابحن مسحعود‪ ،‬وليحس عليحه العمحل‪ .‬روى الصححيح وأبحو داود قال‪ :‬ضححى رسحول ال صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم بشاة ثحم قال‪( :‬يحا ثوبان‪ ،‬أصحلح لححم هذه الشاة) قال‪ :‬فمحا زلت أطعمحه منهحا حتحى قدم‬
‫المدينة‪ .‬وهذا نص في الفرض‪ .‬واختلف قول الشافعي؛ فمرة قال‪ :‬يأكل النصف ويتصدق بالنصف‬
‫لقوله تعالى‪" :‬فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" فذكر شخصين‪ .‬وقال مرة‪ :‬يأكل ثلثا ويهدي ثلثا‬
‫ويطعم ثلثا‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر" [الحج‪ ]36 :‬فذكر ثلثة‪.‬‬
‫@ المسافر يخاطب بالضحية كما يخاطب بها الحاضر؛ إذ الصل عموم الخطاب بها‪ ،‬وهو قول‬
‫كافححة العلماء‪ .‬وخالف فححي ذلك أبححو حنيفححة والنخعححي‪ ،‬وروي عححن علي؛ والحديححث حجححة عليهححم‪.‬‬
‫واستثنى مالك من المسافرين الحاج بمنى‪ ،‬فلم ير عليه أضحية‪ ،‬وبه قال النخعي‪ .‬وروي ذلك عن‬
‫الخليفتيحن أبحي بكحر وعمحر وجماعحة محن السحلف رضحي ال عنهحم؛ لن الحاج إنمحا هحو مخاطحب فحي‬
‫الصحححل بالهدي‪ .‬فإذا أراد أن يضححححي جعله هديحححا‪ ،‬والناس غيحححر الحاج إنمحححا أمروا بالضحيحححة‬
‫ليتشبهوا بأهل منى فيحصل لهم حظ من أجرهم‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في الدخار على أربعة أقوال‪ .‬روي عن علي وابن عمر رضي ال عنهما من‬
‫وجه صحيح أنه ل يدخر من الضحايا بعد ثلث‪ .‬وروياه عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫وقالت جماعحة‪ :‬محا روي محن النهحي عحن الدخار منسحوخ؛ فيدخحر إلى أي وقحت أححب‪ .‬وبحه قال أبحو‬
‫سحعيد الخدري وبريدة السحلمي‪ ،‬وقالت فرقحة‪ :‬يجوز الكحل منهحا مطلعحا‪ .‬وقالت طائفحة‪ :‬إن كانحت‬
‫بالناس حاجحة إليهحا فل يدخحر‪ ،‬لن النهحي إنمحا كان لعلة وهحي قوله عليحه السحلم‪( :‬إنمحا نهيتكحم محن‬
‫أجل الدافة التي دفت) ولما ارتفعت ارتفع المنع المتقدم لرتفاع موجبه‪ ،‬ل لنه منسوخ‪ .‬وتنشأ هنا‬
‫مسألة أصولية‪ :‬وهي الفرق بين رفع الحكم بالنسخ ورفعه لرتفاع علته‪ .‬أعلم أن المرفوع بالنسخ‬
‫ل يحكحححم بحححه أبدا‪ ،‬والمرفوع لرتفاع علتحححه يعود الحكحححم لعود العلة؛ فلو قدم على أهحححل بلدة ناس‬
‫محتاجون فحي زمان الضححى؛ ولم يكحن عنحد أهحل ذلك البلد سحعة يسحدون بهحا فاقتهحم إل الضحايحا‬
‫لتعين عليهم أل يدخروها فوق ثلث كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ الحاديحث الواردة فحي هذا الباب بالمنحع والباححة صححاح ثابتحة‪ .‬وقحد جاء المنحع والباححة معحا؛‬
‫كمحا هحو منصحوص فحي حديحث عائشحة وسحلمة بحن الكوع وأبحي سحعيد الخدري رواهحا الصححيح‪.‬‬
‫وروى الصحيح عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب قال‪ :‬ثم صليت‬
‫العيد مع علي بن أبي طالب رضي ال عنه؛ قال‪ :‬فصلى لنا قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال‪ :‬إن‬
‫رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم قححد نهاكححم أن تأكلوا لحوم نسححككم فوق ثلث ليال فل تأكلوهححا‪.‬‬
‫وروي عحن ابحن عمحر أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قحد نهحى أن تؤكحل لحوم الضاححي فوق‬
‫ثلث‪ .‬قال سحالم‪ :‬فكان ابحن عمحر ل يأكحل لحوم الضاححي فوق ثلث‪ .‬وروى أبحو داود عحن نبيشحة‬
‫قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إنا كنا نهيناكحم عن لحومها فوق ثلث لكي تسحعكم جاء‬
‫ال بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا إل أن هذه اليام أيام أكل وشرب وذكر ل عز وجل)‪ .‬قال أبو‬
‫جعفر النحاس‪ :‬وهذا القول أحسن ما قيل في هذا حتى تتفق الحاديث ول تضاد‪ ،‬ويكون قول أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب وعثمان محصور‪ ،‬لن الناس كانوا في شدة محتاجين‪ ،‬ففعل كما فعل‬
‫رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم حيحن قدمحت الدافحة‪ .‬والدليحل على هذا محا حدثنحا إبراهيحم بحن شريحك‬
‫قال‪ :‬حدثنا أحمد قال حدثنا ليث قال حدثني الحارث بن يعقوب عن يزيد بن أبي يزيد عن امرأته‬
‫أنهحا سحألت عائشحة رضحي ال عنهحا عحن لحوم الضاححي فقالت‪ :‬قدم علينحا علي بحن أبحي طالب محن‬
‫سفر فقدمنا إليه منه‪ ،‬فأبى أن يأكل حتى يسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسأله فقال‪" :‬كل‬
‫محن ذي الحجحة إلى ذي الحجحة)‪ .‬وقال الشافعحي‪ :‬محن قال بالنهحي عحن الدخار بعحد ثلث لم يسحمع‬
‫الرخصحة‪ .‬ومحن قال بالرخصحة مطلقحا لم يسحمع النهحي عحن الدخار‪ .‬ومحن قال بالنهحي والرخصحة‬
‫سحمعهما جميعحا فعمحل بمقتضاهمحا‪ .‬وال أعلم‪ .‬وسحيأتي فحي سحورة "الكوثحر" الختلف فحي وجوب‬
‫الضحية وندبيتها وأنها ناسخة لكل ذبح تقدم‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأطعموا البائس الفقير" "الفقير" من صفة البائس‪ ،‬وهو الذي ناله البؤس وشدة‬
‫الفقحر؛ يقال‪ :‬بئس يبأس بأسحا إذا افتقحر؛ فهحو بائس‪ .‬وقحد يسحتعمل فيمحن نزلت بحه نازلة دهحر وإن لم‬
‫يكن فقيرا؛ ومنه قوله عليه السلم‪( :‬لكن البائس سعد بن خولة)‪ .‬ويقال‪ :‬رجل بئيس أي شديد‪ .‬وقد‬
‫بؤس يبؤس بأسححا إذ اشتححد؛ ومنححه قوله تعالى‪" :‬وأخذنححا الذيححن ظلموا بعذاب بئيححس" [العراف‪:‬‬
‫‪ ]165‬أي شديد‪ .‬وكلما كان التصدق بلحم الضحية أكثر كان الجر أوفر‪ .‬وفي القدر الذي يجوز‬
‫أكله خلف قحد ذكرناه؛ فقيحل النصحف؛ لقوله‪" :‬فكلوا"‪" ،‬وأطعموا" وقيحل الثلثان؛ لقوله‪( :‬أل فكلوا‬
‫وادخروا واتجروا) أي اطلبوا الجحر بالطعام‪ .‬واختلف فحي الكحل والطعام؛ فقيحل واجبان‪ .‬وقيحل‬
‫مستحبان‪ .‬وقيل بالفرق بين الكل والطعام؛ فالكل مستحب والطعام واجب؛ وهو قول الشافعي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم ليقضوا تفثهم" أي ثم ليقضوا بعد نحر الضحايا والهدايا ما بقي عليهم من أمر‬
‫الحج؛ كالحلق ورمي الجمار وإزالة شعث ونحوه‪ .‬قال ابن عرفة‪ :‬أي ليزيلوا عنهم أدرانهم‪ .‬وقال‬
‫الزهري‪ :‬التفحث الخحذ محن الشارب وقحص الظفار ونتحف البحط وحلق العانحة؛ وهذا عنحد الخروج‬
‫محن الحرام‪ .‬وقال النضححر بحن شميحل‪ :‬التفحث فححي كلم العرب إذهاب الشعحث وسحمعت الزهري‬
‫يقول‪ :‬التفحث فحي كلم العرب ل يعرف إل محن قول ابحن عباس وأهحل التفسحير‪ .‬وقال الحسحن‪( :‬هحو‬
‫إزالة قشححف الحرام‪ .‬وقيححل‪ :‬التفححث مناسححك الحححج كلهححا)‪ ،‬رواه ابححن عمححر وابححن عباس‪ .‬قال ابححن‬
‫العربحي‪ :‬لو صحح عنهمحا لكان حجحة لشرف الصححبة والحاطحة باللغحة‪ ،‬قال‪ :‬وهذه اللفظحة غريبحة لم‬
‫يجد أهل العربية فيها شعرا ول أحاطوا بها خبرا؛ لكني تتبعت التفث لغة فرأيت أبا عبيدة معمر‬
‫بحن المثنحى قال‪ :‬إنحه قحص الظفار وأخحذ الشارب‪ ،‬وكحل محا يحرم على المحرم إل النكاح‪ .‬قال‪ :‬ولم‬
‫يجيء فيه شعر يحتج به‪ .‬وقال صاحب العين‪ :‬التفث هو الرمي والحلق والتقصير والذبح وقص‬
‫الظفار والشارب والبحط‪ .‬وذكحر الزجاج والفراء نحوه‪ ،‬ول أراه أخذوه إل محن قول العلماء‪ .‬وقال‬
‫قطرب‪ :‬تفث الرجل إذا كثر وسخه‪ .‬قال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫ولم يسلوا لهم قمل وصئبانا‬ ‫حفوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثا‬
‫ومحا أشار إليحه قطرب هحو الذي قال ابحن وهحب عحن مالك‪ ،‬وهحو الصححيح فحي التفحث‪ .‬وهذه صحورة‬
‫إلقاء التفث لغة‪ ،‬وأما حقيقته الشرعية فإذا نحر الحاج أو المعتمر هديه وحلق رأسه وأزال وسخه‬
‫وتطهر وتنقى ولبس فقد أزال تفثه ووفى نذره؛ والنذر ما لزم النسان والتزمه‪ .‬قلت‪ :‬ما حكاه عن‬
‫قطرب وذكر من الشعر قد ذكره في تفسيره الماوردي وذكر بيتا آخر فقال‪:‬‬
‫إلى نجد وما انتظروا عليا‬ ‫قضوا تفثا ونحبا ثم ساروا‬
‫وقال الثعلبحي‪ :‬وأصحل التفحث فحي اللغحة الوسحخ؛ تقول العرب للرجحل تسحتقذره‪ :‬محا أتفثحك؛ أي محا‬
‫أوسخك وأقذرك‪ .‬قال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫وينزعوا عنهم قمل وصئبانا‬ ‫ساخين آباطهم لم يقذفوا تفثا‬
‫الماوردي‪ :‬قيححل لبعححض الصححلحاء مححا المعنححى فححي شعححث المحرم؟ قال‪ :‬ليشهححد ال تعالى منححك‬
‫العراض عن العناية بنفسك فيعلم صدقك في بذلها لطاعته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليوفوا نذورهم" أمروا بوفاء النذر مطلقا إل ما كان معصية؛ لقوله عليه السلم‪:‬‬
‫(ل وفاء لنذر فحي معصحية ال)‪ ،‬وقوله‪( :‬محن نذر أن يطيحع ال فليطعحه ومحن نذر أن يعصحيه فل‬
‫يعصحه) "وليطوفوا بالبيحت العتيحق" الطواف المذكور فحي هذه اليحة هحو طواف الفاضحة الذي هحو‬
‫محن واجبات الححج‪ .‬قال الطحبري‪ :‬ل خلف بيحن المتأوليحن فحي ذلك‪ .‬للححج ثلثحة أطواف‪ :‬طواف‬
‫القدوم‪ ،‬وطواف الفاضححة‪ ،‬وطواف الوداع‪ .‬قال إسححماعيل بححن إسحححاق‪ :‬طواف القدوم سححنة‪ ،‬وهححو‬
‫ساقط عن المراهق وعن المكي وعن كل من يحرم بالحج من مكة‪ .‬قال‪ :‬والطواف الواجب الذي‬
‫ل يسححقط بوجححه مححن الوجوه‪ ،‬وهححو طواف الفاضححة الذي يكون بعححد عرفححة؛ قال ال تعالى‪" :‬ثححم‬
‫ليقضوا تفثهححم وليوفوا نذورهححم وليطوفوا بالبيححت العتيححق"‪ .‬قال‪ :‬فهذا هححو الطواف المفترض فححي‬
‫كتاب ال عحز وجحل‪ ،‬وهحو الذي يححل بحه الحاج محن إحرامحه كله‪ .‬قال الحافحظ أبحو عمحر‪ :‬محا ذكره‬
‫إسحماعيل فحي طواف الفاضحة هحو قول مالك عنحد أهحل المدينحة‪ ،‬وهحي روايحة ابحن وهحب وابحن نافحع‬
‫وأشهحب عنحه‪ .‬وهحو قول جمهور أهحل العلم محن فقهاء أهحل الحجاز والعراق‪ .‬وقحد روى ابحن القاسحم‬
‫وابحن عبدالحكحم عحن مالك أن طواف القدوم واجحب‪ .‬وقال ابحن القاسحم فحي غيحر موضحع محن المدونحة‬
‫ورواه أيضححا عححن مالك‪ :‬الطواف الواجححب طواف القادم مكححة‪ .‬وقال‪ :‬مححن نسححي الطواف فححي حيححن‬
‫دخوله مكة أو نسي شوطا منه‪ ،‬أو نسي السعي أو شوطا منه حتى رجع إلى بلده ثم ذكره‪ ،‬فإن لم‬
‫يكحن أصحاب النسحاء رجحع إلى مكحة حتحى يطوف بالبيحت ويركحع ويسحعى بيحن الصحفا والمروة‪ ،‬ثحم‬
‫يهدي‪ .‬وإن أصحاب النسحاء رجحع فطاف وسحعى‪ ،‬ثحم اعتمحر وأهدى‪ .‬وهذا كقوله فيمحن نسحي طواف‬
‫الفاضحة سحواء‪ .‬فعلى هذه الروايحة الطوافان جميعحا واجبان‪ ،‬والسحعي أيضحا‪ .‬وأمحا طواف الصحدر‬
‫وهو المسمى بطواف الوداع فروى ابن القاسم وغيره عن مالك فيمن طاف طواف الفاضة على‬
‫غيحر وضوء‪ :‬أنحه يرجحع محن بلده فيفيحض إل أن يكون تطوع بعحد ذلك‪ .‬وهذا ممحا أجمحع عليحه مالك‬
‫وأصحابه‪ ،‬وأنه يجزيه تطوعه عن الواجب المفترض عليه من طوافه‪ .‬وكذلك أجمعوا أن من فعل‬
‫فحي حجه شيئا تطوع به من عمحل الحج‪ ،‬وذلك الشيء واجب فحي الحج قحد جاز وقته‪ ،‬فإن تطوعه‬
‫ذلك يصير للواجب ل للتطوع؛ بخلف الصلة‪ .‬فإذا كان التطوع ينوب عن الفرض في الحج كان‬
‫الطواف لدخول مكححة أحرى أن ينوب عححن طواف الفاضححة‪ ،‬إل مححا كان مححن الطواف بعححد رمححي‬
‫جمرة العقبحة يوم النححر أو بعده للوداع‪ .‬ورواية ابحن عبدالحكحم عن مالك بخلف ذلك؛ لن فيهحا أن‬
‫طواف الدخول محع السحعي ينوب عحن طواف الفاضحة لمحن رجحع إلى بلده محع الهدي‪ ،‬كمحا ينوب‬
‫طواف الفاضحة محع السحعي لمحن لم يطحف ولم يسحع حيحن دخوله مكحة محع الهدي أيضحا عحن طواف‬
‫القدوم‪ .‬ومن قال هذا قال‪ :‬إنمحا قيحل لطواف الدخول واجحب ولطواف الفاضحة واجحب لن بعضهمحا‬
‫ينوب عحن بعحض‪ ،‬ولنحه قحد روي عحن مالك أنحه يرجحع محن نسحي أحدهمحا محن بلده على محا ذكرنحا‪،‬‬
‫ولن ال عحز وجحل لم يفترض على الحاج إل طوافحا واحدا بقوله‪" :‬وأذن فحي الناس بالححج"‪ ،‬وقال‬
‫في سياق الية‪" :‬وليطوفوا بالبيت العتيق" والواو عندهم في هذه الية وغيرها ل توجب رتبة إل‬
‫بتوقيحف‪ .‬وأسحند الطحبري عحن عمرو بحن أبحي سحلمة قال‪ :‬سحألت زهيرا عحن قوله تعالى‪" :‬وليطوفوا‬
‫بالبيت العتيق" فقال‪ :‬هو طواف الوداع‪ .‬وهذا يدل على أنه واجب‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي؛ لنه‬
‫عليه السلم رخص للحائض أن تنفر دون أن تطوفه‪ ،‬ول يرخص إل في الواجب‪.‬‬
‫@ اختلف المتأولون فحي وجحه صحفة البيحت بالعتيحق؛ فقال مجاهحد والحسحن‪ :‬العتيحق القديحم‪ .‬يقال‪:‬‬
‫سيف عتيق‪ ،‬وقد عتق أي قدم؛ وهذا قول يعضده النظر‪ .‬وفي الصحيح (أنه أول مسجد وضع في‬
‫الرض)‪ .‬وقيححل عتيقححا لن ال أعتقححه مححن أن يتسححلط عليححه جبار بالهوان إلى انقضاء الزمان؛ قال‬
‫معناه ابحن الزبيحر مجاهحد‪ .‬وفحي الترمذي عحن عبدال بحن الزبيحر قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه‬
‫وسلم‪( :‬إنما سمي البيت العتيق لنه لم يظهر عليه جبار) قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬وقد روي‬
‫عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم مرسحل‪ .‬فإن ذكحر ذاكحر الحجاج بحن يوسحف ونصحبه المنجنيحق على‬
‫الكعبححة حتححى كسححرها قيححل له‪ :‬إنمححا أعتقهححا عححن كفار الجبابرة؛ لنهححم إذا أتوا بأنفسححهم متمرديححن‬
‫ولحرمحة البيحت غيحر معتقديحن‪ ،‬وقصحدوا الكعبحة بالسحوء فعصحمت منهحم ولم تنلهحا أيديهحم‪ ،‬كان ذلك‬
‫دللة على أن ال عحز وجحل صحرفهم عنهحا قسحرا‪ .‬فأمحا المسحلمون الذيحن اعتقدوا حرمتهحا فإنهحم إن‬
‫كفوا عنهحا لم يكحن فحي ذلك محن الدللة على منزلتهحا عنحد ال مثحل محا يكون منهحا فحي كحف العداء؛‬
‫فقصححر ال تعالى هذه الطائفححة عححن الكححف بالنهححي والوعيححد‪ ،‬ولم يتجاوزه إلى الصححرف باللجاء‬
‫والضطرار‪ ،‬وجعحل السحاعة موعدهحم‪ ،‬والسحاعة أدهحى وأمحر‪ .‬وقالت طائفحة‪ :‬سحمي عتيقحا لنحه لم‬
‫يملك موضعه قط‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬سمي عتيقا لن ال عز وجل يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب‪.‬‬
‫وقيحل‪ :‬سحمي عتيقحا لنحه أعتحق محن غرق الطوفان؛ قال ابحن جحبير‪ .‬وقيحل‪ :‬العتيحق الكريحم‪ .‬والعتحق‬
‫الكرم‪ .‬قال طرفة يصف أذن الفرس‪:‬‬
‫كسامعتي مذعورة وسط ربرب‬ ‫مؤللتان تعرف العتق فيهما‬
‫وعتق الرقيق‪ :‬الخروج من ذل الرق إلى كرم الحرية‪ .‬ويحتمل أن يكون العتيق صفة مدح تقتضي‬
‫جودة الشيححء؛ كمححا قال عمححر‪ :‬حملت على فرس عتيححق؛ الحديححث‪ .‬والقول الول أصححح للنظححر‬
‫والحديحث الصححيح‪ .‬قال مجاهحد‪ :‬خلق ال البيحت قبحل الرض بألفحي عام‪ ،‬وسحمي عتيقحا لهذا؛ وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 31 - 30 :‬ذلك ومن يعظم حرمات ال فهو خير له عند ربه وأحلت لكم النعام إل‬
‫محا يتلى عليكحم فاجتنبوا الرجحس محن الوثان واجتنبوا قول الزور‪ ،‬حنفاء ل غير مشركين به ومن‬
‫يشرك بال فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك" يحتمحل أن يكون فحي موضحع رفحع بتقديحر‪ :‬فرضكحم ذلك‪ ،‬أو الواجحب ذلك‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون في موضع نصب بتقدير‪ :‬امتثلوا ذلك؛ ونحو هذه الشارة البليغة قول زهير‪:‬‬
‫وسط الندي إذا ما قائل نطقا‬ ‫هذا وليس كمن يعيا بخطته‬
‫والحرمات المقصححودة هنححا هححي أفعال الحححج المشار إليهححا فححي قوله‪" :‬ثححم ليقضوا تفثهححم وليوفوا‬
‫نذورهحم" ويدخحل فحي ذلك تعظيحم المواضحع؛ قاله ابحن زيحد وغيره‪ .‬ويجمحع ذلك أن تقول‪ :‬الحرمات‬
‫امتثال المر من فرائضه وسننه‪ .‬وقوله‪" :‬فهو خير له عند ربه" أي التعظيم خير له عند ربه من‬
‫التهاون بشيء منها‪ .‬وقيل‪ :‬ذلك التعظيم خير من خيراته ينتفع به‪ ،‬وليست للتفضيل وإنما هي عدة‬
‫بخيحر‪" .‬وأحلت لكحم النعام" أن تأكلوهحا؛ وهحي البحل والبقحر والغنحم‪" .‬إل محا يتلى عليكحم" أي فحي‬
‫الكتاب محن المحرمات؛ وهحي الميتحة والموقوذة وأخواتهحا‪ .‬ولهذا اتصحال بأمحر الححج؛ فإن فحي الححج‬
‫الذبح‪ ،‬فبين ما يحل ذبحه وأكل لحمه‪ .‬وقيل‪" :‬إل ما يتلى عليكم" غير محلي الصيد وأنتم حرم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاجتنبوا الرجس من الوثان" الرجس‪ :‬الشيء القذر‪ .‬الوثن‪ :‬التمثال من خشب أو‬
‫حديحد أو ذهحب أو فضحة ونحوهحا‪ ،‬وكانحت العرب تنصحبها وتعبدهحا‪ .‬والنصحارى تنصحب الصحليب‬
‫وتعبده وتعظمحه فهحو كالتمثال أيضحا‪ .‬وقال عدي بحن حاتحم‪ :‬أتيحت النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وفحي‬
‫عنقحي صحليب من ذهحب فقال‪( :‬ألق هذا الوثحن عنحك) أي الصحليب؛ وأصحله من وثحن الشيحء أي أقام‬
‫فحي مقامحه‪ .‬وسحمي الصحنم وثنحا لنحه ينصحب ويركحز فحي مكان فل يحبرح عنحه‪ .‬يريحد اجتنبوا عبادة‬
‫الوثان‪ ،‬روي عن ابن عباس وابن جريج‪ .‬وسماها رجسا لنها سبب الرجز وهو العذاب‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫وصحفها بالرجحس‪ ،‬والرجحس النجحس فهحي نجسحة حكمحا‪ .‬وليسحت النجاسحة وصحفا ذاتيحا للعيان وإنمحا‬
‫هححي وصححف شرعححي مححن أحكام اليمان‪ ،‬فل تزال إل باليمان كمححا ل تجوز الطهارة إل بالماء‪.‬‬
‫"من" في قوله‪" :‬من الوثان" قيل‪ :‬إنها لبيان الجنس‪ ،‬فيقع نهيه عن رجس الوثان فقط‪ ،‬ويبقى‬
‫سحائر الرجاس نهيهحا فحي غيحر هذا الموضحع‪ .‬ويحتمحل أن تكون لبتداء الغايحة؛ فكأنحه نهاهحم عحن‬
‫الرجحس عامحا ثحم عيحن لهحم مبدأه الذي منحه يلحقهحم؛ إذ عبادة الوثحن جامعحة لكحل فسحاد ورجحس‪ .‬ومحن‬
‫قال إن "من" للتبعيض‪ ،‬قلب معنى الية وأفسده‪" .‬واجتنبوا قول الزور" والزور‪ :‬الباطل والكذب‪.‬‬
‫وسمي زورا لنه أميل عن الحق؛ ومنه "تزاور عن كهفهم"‪[ ،‬الكهف‪ ،]17 :‬ومدينة زوراء؛ أي‬
‫مائلة‪ .‬وكحل محا عدا الححق فهحو كذب وباطحل وزور‪ .‬وفحي الخحبر أنحه عليحه السحلم قام خطيبحا فقال‪:‬‬
‫(عدلت شهادة الزور الشرك بال) قالها مرتين أو ثلثا‪ .‬يعني أنها قد جمعت مع عبادة الوثن في‬
‫النهي عنها‪.‬‬
‫@ هذه الية تضمنت الوعيد على الشهادة بالزور‪ ،‬وينبغي للحاكم إذا عثر على الشاهد بالزور أن‬
‫يعزره وينادي عليحه ليعرف لئل يغتحر بشهادتحه أححد‪ .‬ويختلف الحكحم فحي شهادتحه إذا تاب؛ فإن كان‬
‫محن أهحل العدالة المشهور بهحا المحبرز فيهحا لم تقبحل؛ لنحه ل سحبيل إلى علم حاله فحي التوبحة؛ إذ ل‬
‫يستطيع أن يفعل من القربات أكثر مما هو عليه‪ .‬وإن كان دون ذلك فشمر في العبادة وزادت حاله‬
‫في التقى قبل شهادته‪ .‬وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إن من أكبر الكبائر‬
‫الشراك بال وعقوق الوالدين وشهادة الزور وقول الزور)‪ .‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حنفاء ل" معناه مسحتقيمين أو مسحلمين مائليحن إلى الححق‪ .‬ولفظحة "حنفاء" محن‬
‫الضداد تقححع على السححتقامة وتقححع على الميححل‪ .‬و"حنفاء" نصححب على الحال‪ .‬وقيححل‪" :‬حنفاء"‬
‫حجاجا؛ وهذا تخصيص ل حجة معه‪" .‬ومن يشرك بال فكأنما خر من السماء" أي هو يوم القيامة‬
‫بمنزلة من ل يملك لنفسه نفعا ول يدفع عن نفسه ضرا ول عذابا؛ فهو بمنزلة من خر من السماء‪،‬‬
‫فهحو ل يقدر أن يدفحع عحن نفسحه‪ .‬ومعنحى "فتخطفحه الطيحر" أي تقطعحه بمخالبهحا‪ .‬وقيحل‪ :‬هذا عنحد‬
‫خروج روحه وصعود الملئكة بها إلى سماء الدنيا‪ ،‬فل يفتح لها فيرمى بها إلى الرض؛ كما في‬
‫حديححث البراء‪ ،‬وقححد ذكرناه فححي التذكرة‪ .‬والسحححيق‪ :‬البعيححد؛ ومنححه قوله تعالى‪" :‬فسحححقا لصحححاب‬
‫السعير" [الملك‪ ،]11 :‬وقوله عليه الصلة والسلم‪( :‬فسحقا فسحقا)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 33 - 32 :‬ذلك ومن يعظم شعائر ال فإنها من تقوى القلوب‪ ،‬لكم فيها منافع إلى‬
‫أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك" فيحه ثلثحة أوجحه‪ .‬قيحل‪ :‬يكون فحي موضحع رفحع بالبتداء‪ ،‬أي ذلك أمحر ال‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون فحي موضحع رفحع على خحبر ابتداء محذوف‪ .‬ويجوز أن يكون فحي موضحع نصحب‪،‬‬
‫أي اتبعوا ذلك‪" .‬ومحن يعظحم شعائر ال" الشعائر جمحع شعيرة‪ ،‬وهحو كحل شيحء ل تعالى فيحه أمحر‬
‫أشعر به وأعلم؛ ومنه شعار القوم في الحرب؛ أي علمتهم التي يتعارفون بها‪ .‬ومنه إشعار البدنة‬
‫وهو الطعن في جانبها اليمن حتى يسيل الدم فيكون علمة‪ ،‬فهي تسمى شعيرة بمعنى المشعورة‪.‬‬
‫فشعائر ال أعلم دينحه ل سحيما محا يتعلق بالمناسحك‪ .‬وقال قوم‪ :‬المراد هنحا تسحمين البدن والهتمام‬
‫بأمرهحا والمغالة بهحا؛ قال ابحن عباس ومجاهحد وجماعحة‪ .‬وفيحه إشارة لطيفحة‪ ،‬وذلك أن أصحل شراء‬
‫البدن ربمححا يحمححل على فعححل مححا ل بححد منححه‪ ،‬فل يدل على الخلص‪ ،‬فإذا عظمهححا مححع حصححول‬
‫الجزاء بما دونه فل يظهر له عمل إل تعظيم الشرع‪ ،‬وهو من تقوى القلوب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإنهحا محن تقوى القلوب" الضميحر فحي "إنهحا" عائد على الفعلة التحي يتضمنهحا‬
‫الكلم‪ ،‬ولو قال فإنحححه لجاز‪ .‬وقيحححل إنهحححا راجعحححة إلى الشعائر؛ أي فإن تعظيحححم الشعائر‪ ،‬فحذف‬
‫المضاف لدللة الكلم عليحححه‪ ،‬فرجعحححت الكنايحححة إلى الشعائر‪" .‬فإنهحححا محححن تقوى القلوب" قرئ‬
‫"القلوب" بالرفحع على أنهحا فاعلة بالمصحدر الذي هحو "تقوى" وأضاف التقوى إلى القلوب لن‬
‫حقيقحة التقوى فحي القلب؛ ولهذا قال عليحه الصحلة والسحلم فحي صححيح الحديحث‪( :‬التقوى هاهنحا)‬
‫وأشار إلى صدره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكم فيها منافع" يعني البدن من الركوب والدر والنسل والصوف وغير ذلك‪ ،‬إذا‬
‫لم يبعثها ربها هديا‪ ،‬فإذا بعثها فهو الصل المسمى؛ قال ابن عباس‪ .‬فإذا صارت بدنا هديا فالمنافع‬
‫فيهحا أيضحا ركوبهحا عنحد الحاجحة‪ ،‬وشرب لبنهحا بعحد ري فصحيلها‪ .‬وفحي الصححيح عحن أبحي هريرة أن‬
‫رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم (رأى رجل يسحوق بدنحة فقال‪( :‬اركبهحا) فقال‪ :‬إنهحا بدنحة‪ .‬فقال‪:‬‬
‫(اركبهحا) قال‪ :‬إنهحا بدنحة‪ .‬قال‪( :‬اركبهحا ويلك) فحي الثانيحة أو الثالثحة)‪ .‬وروي عحن جابر بحن عبدال‬
‫وسحئل عحن ركوب الهدي فقال‪ :‬سحمعت النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يقول‪( :‬اركبهحا بالمعروف إذا‬
‫ألجئت إليها حتى تجد ظهرا)‪ .‬والجل المسمى على هذا القول نحرها؛ قاله عطاء بن أبي رباح‪.‬‬
‫ذهب بعض العلماء إلى وجوب ركوب البدنة لقوله عليه الصلة والسلم‪( :‬اركبها)‪ .‬وممن أخذ‬
‫بظاهره أحمحد واسححاق وأهحل الظاهحر‪ .‬وروى ابحن نافحع عحن مالك‪ :‬ل بأس بركوب البدنحة ركوبحا‬
‫غير فادح‪ .‬والمشهور أنه ل يركبها إل إن اضطر إليها لحديث جابر فإنه مقيد والمقيد يقضي على‬
‫المطلق‪ .‬وبنحححو ذلك قال الشافعححي وأبححو حنيفححة‪ .‬ثححم إذا ركبهححا عنده الحاجححة نزل؛ قال إسححماعيل‬
‫القاضحي‪ .‬وهو الذي يدل عليه مذهب مالك‪ ،‬وهو خلف ما ذكره ابن القاسحم أنه ل يلزمه النزول‪،‬‬
‫وحجته إباححة النبي صلى ال عليه وسحلم له الركوب فجاز له اسحتصحابه‪ .‬وقوله‪( :‬إذا ألجئت إليها‬
‫حتحى تجحد ظهرا) يدل على صححة محا قاله المام الشافعحي وأبحو حنيفحة رضحي ال عنهمحا؛ ومحا حكاه‬
‫إسماعيل عن مذهب مالك‪ .‬وقد جاء صريحا أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى رجل يسوق بدنة‬
‫وقحد جهحد‪ ،‬فقال‪( :‬اركبهحا)‪ .‬وقال أبحو حنيفحة والشافعحي‪ :‬إن نقصحها الركوب المباح فعليحه قيمحة ذلك‬
‫ويتصدق به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثحم محلهحا إلى البيحت العتيحق" يريحد أنهحا تنتهحي إلى البيحت‪ ،‬وهحو الطواف‪ .‬فقول‪:‬‬
‫"محلهحا" مأخوذ محن إحلل المحرم‪ .‬والمعنحى أن شعائر الححج كلهحا محن الوقوف بعرفحة ورمحي‬
‫الجمار والسحعي ينتهحي إلى طواف الفاضحة بالبيحت العتيحق‪ .‬فالبيحت على هذا التأويحل مراد بنفسحه؛‬
‫قاله مالك فحي الموطحأ‪ .‬وقال عطاء‪ :‬ينتهحي إلى مكحة‪ .‬وقال الشافعحي‪ :‬إلى الحرم‪ .‬وهذا بناء على أن‬
‫الشعائر هحي البدن‪ ،‬ول وجحه لتخصحيص الشعائر محع عمومهحا وإلغاء خصحوصية ذكحر البيحت‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم ال على ما رزقهم من بهيمة النعام فإلهكم‬
‫إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكل أمة جعلنا منسكا" لما ذكر تعالى الذبائح بين أنه لم يخل منها أمة‪ ،‬والمة‬
‫القوم المجتمعون على مذهب واحد؛ أي ولكل جماعة مؤمنة جعلنا منسكا‪ .‬والمنسك الذبح وإراقة‬
‫الدم؛ قاله مجاهحد‪ .‬يقال‪ :‬نسحك إذا ذبحح ينسحك نسحكا‪ .‬والذبيححة نسحيكة‪ ،‬وجمعهحا نسحك؛ ومنحه قوله‬
‫تعالى‪" :‬أو صحدقة أو نسحك" [البقرة‪ .]196 :‬والنسحك أيضحا الطاعحة‪ .‬وقال الزهري فحي قوله‬
‫تعالى‪" :‬ولكحل أمحة جعلنحا منسحكا"‪ :‬إنحه يدل على موضحع النححر فحي هذا الموضحع‪ ،‬أراد مكان نسحك‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬منسك ومنسك‪ ،‬لغتان‪ ،‬وقرئ بهما‪ .‬قرأ الكوفيون إل عاصما بكسر السين‪ ،‬الباقون بفتحها‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬المنسحك فحي كلم العرب الموضحع المعتاد فحي خيحر أو شحر‪ .‬وقيحل مناسحك الححج لترداد‬
‫الناس إليها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي‪ .‬وقال ابن عرفة في قوله "ولكل أمة جعلنا‬
‫منسحكا"‪ :‬أي مذهبحا محن طاعحة ال تعالى؛ يقال‪ :‬نسحك نسحك قومحه إذا سحلك مذهبهحم‪ .‬وقيحل‪ :‬منسحكا‬
‫عيدا؛ قاله الفراء‪ .‬وقيحل حجحا؛ قاله قتادة‪ .‬والقول الول أظهحر؛ لقوله تعالى‪" :‬ليذكروا اسحم ال على‬
‫ما رزقهم من بهيمة النعام" ي على ذبح ما رزقهم‪ .‬فأمر تعالى عند الذبح بذكره وأن يكون الذبح‬
‫له؛ لنحه رازق ذلك‪ .‬ثحم رجحع اللفحظ محن الخحبر عحن المحم إلى إخبار الحاضريحن بمحا معناه‪ :‬فالله‬
‫واحد لجميعكم‪ ،‬فكذلك المر في الذبيحة إنما ينبغي أن تخلص له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فله أسححلموا" معناه لحقححه ولوجهححه وإنعامححه آمنوا وأسححلموا‪ .‬ويحتمححل أن يريححد‬
‫السحتسلم؛ أي له أطيعوا وانقادوا‪" .‬وبشحر المخبتيحن" المخبحت‪ :‬المتواضحع الخاشحع محن المؤمنيحن‪.‬‬
‫والخبت ما انخفض من الرض؛ أي بشرهم بالثواب الجزيل‪ .‬قال عمرو بن أوس‪ :‬المخبتون الذين‬
‫ل يظلمون‪ ،‬وإذا ظلموا لم ينتصححروا‪ .‬وقال مجاهححد فيمححا روى عنححه سححفيان عححن ابححن أبححي نجيححح‪:‬‬
‫المخبتون المطمئنون بأمر ال عز وجل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 :‬الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلة‬
‫ومما رزقناهم ينفقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجلت قلوبهم" أي خافت وحذرت مخالفته‪ .‬فوصفهم بالخوف والوجل عند ذكره‪،‬‬
‫وذلك لقوة يقينهم ومراعاتهم لربهم‪ ،‬وكأنهم بين يديه‪ ،‬ووصفهم بالصبر وإقامة الصلة وإدامتها‪.‬‬
‫وروي أن هذه الية قوله‪" :‬وبشحر المخبتين" نزلت فحي أبي بكر وعمر وعلي رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫وقرأ الجمهور "الصحلة" بالخفحض على الضافحة‪ ،‬وقرأ أبحو عمرو "الصحلة" بالنصحب على توهحم‬
‫النون‪ ،‬وأن حذفها للتخفيف لطول السم‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫الحافظو عورة العشيرة‪...‬‬
‫هذه اليحة نظيحر قوله تعالى‪" :‬إنمحا المؤمنون الذيحن إذا ذكحر ال وجلت قلوبهحم وإذا تليحت عليهحم‬
‫آياتحه زادتهحم إيمانحا وعلى ربهحم يتوكلون" [النفال‪ ،]2 :‬وقوله تعالى‪" :‬ال نزل أحسحن الحديحث‬
‫كتابحا متشابهحا مثانحي تقشعحر منحه جلود الذيحن يخشون ربهحم ثحم تليحن جلودهحم وقلوبهحم إلى ذكحر ال"‬
‫[الزمر‪ .]23 :‬هذه حالة العارفين بال‪ ،‬الخائفين من سطوته وعقوبته؛ ل كما يفعله جهال العوام‬
‫والمبتدعحة الطغام محن الزعيحق والزئيحر‪ ،‬ومحن النهاق الذي يشبحه نهاق الحميحر‪ ،‬فيقال لمحن تعاطحى‬
‫ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع‪ :‬إنك لم تبلغ أن تساوي حال رسول ال صلى ال عليه وسلم ول‬
‫حال أصححابه فحي المعرفحة بال تعالى والخوف منحه والتعظيحم لجلله؛ ومحع ذلك فكانحت حالهحم عنحد‬
‫المواعحظ الفهحم عحن ال والبكاء خوفحا محن ال‪ .‬وكذلك وصحف ال تعالى أحوال أهحل المعرفحة عنحد‬
‫سحماع ذكره وتلوة كتابحه‪ ،‬ومن لم يكحن كذلك فليحس على هديهحم ول على طريقتهحم؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا‬
‫آمنحا فاكتبنحا محع الشاهديحن" [المائدة‪ .]83 :‬فهذا وصحف حالهحم وحكايحة مقالهحم؛ فمحن كان مسحتنا‬
‫فليسححتن‪ ،‬ومححن تعاطححى أحوال المجانيححن والجنون فهححو مححن أخسححهم حال؛ والجنون فنون‪ .‬روى‬
‫الصححيح عحن أنحس بحن مالك أن الناس سحألوا النحبي صحلى ال عليحه وسحلم حتحى أحفوه فحي المسحألة‪،‬‬
‫فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال‪( :‬سلوني ل تسألوني عن شيء إل بينته لكم ما دمت في مقامي‬
‫هذا) فلمححا سححمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بيححن [يدي] أمححر قححد حضححر‪ .‬قال أنححس‪ :‬فجعلت‬
‫ألتفت يمينا وشمال فإذا كل إنسان لف رأسه في ثوبه يبكي‪ .‬وذكر الحديث‪ .‬وقد مضى القول في‬
‫هذه المسألة بأشبع من هذا في سورة "النفال" والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬والبدن جعلناها لكم من شعائر ال لكم فيها خير فاذكروا اسم ال عليها صواف‬
‫فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال ُبدْن" وقرأ ابحن أبحي إسححاق "وال ُبدُن" لغتان‪ ،‬واحدتهحا َبدَنَة‪ .‬كمحا يقال‪ :‬ثمرة‬
‫و ُثمُر و ُثمْر‪ ،‬وخشبحة وخشُب وخشْب‪ .‬وفحي التنزيحل "وكان له ثمحر" وقرئ "ثمحر" لغتان‪ .‬وسحميت‬
‫بدنة لنها تبدن‪ ،‬والبدانة السمن‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذا السم خاص بالبل‪ .‬وقيل‪ :‬البدن جمع "بدن" بفتح‬
‫الباء والدال‪ .‬ويقال‪ :‬بدن الرجححل (بضححم الدال) إذا سححمن‪ .‬وبدن (بتشديدهححا) إذا كححبر وأسححن‪ .‬وفححي‬
‫الحديحث (إنحي قحد بدنحت) أي كحبرت وأسحننت‪ .‬وروي (بدنحت) وليحس له معنحى؛ لنحه خلف صحفته‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومعناه كثرة اللحم‪ .‬يقال‪ :‬بدن الرجل يبدُن بدنا وبدانة فهو بادن؛ أي ضخم‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فحي البدن هل تطلق على غير البل محن البقحر أم ل؛ فقال ابن مسحعود وعطاء‬
‫والشافعي‪ :‬ل‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة‪ :‬نعم‪ .‬وفائدة الخلف فيمن نذر بدنة فلم يجد البدنة أو لم يقدر‬
‫عليهحا وقدر على البقرة؛ فهحل تجزيحه أم ل؛ فعلى مذهحب الشافعحي وعطاء ل تجزيحه‪ .‬وعلى مذهحب‬
‫مالك تجزيه‪ .‬والصحيح ما ذهب إليه الشافعي وعطاء؛ لقوله عليه السلم في الحديث الصحيح في‬
‫يوم الجمعحة‪( :‬محن راح فحي السحاعة الولى فكأنمحا قرب بدنحة ومحن راح فحي السحاعة الثانيحة فكأنمحا‬
‫قرب بقرة) الحديث‪ .‬فتفريقه عليه السلم بين البقرة والبدنة يدل على أن البقرة ل يقال عليها بدنة؛‬
‫وال أعلم‪ .‬وأيضححا قوله تعالى‪" :‬فإذا وجبححت جنوبهححا" يدل على ذلك؛ فإن الوصححف خاص بالبححل‪.‬‬
‫والبقحر يضجحع ويذبحح كالغنحم؛ على محا يأتحي‪ .‬ودليلنحا أن البدنحة مأخوذة محن البدانحة وهحو الضخامحة‪،‬‬
‫والضخامححة توجححد فيهمححا جميعححا‪ .‬وأيضححا فإن البقرة فححي التقرب إلى ال تعالى بإراقححة الدم بمنزلة‬
‫البحل؛ حتحى تجوز البقرة فحي الضحايحا على سحبعة كالبحل‪ .‬وهذا حجحة لبحي حنيفحة حيحث وافقحه‬
‫الشافعحي على ذلك‪ ،‬وليحس ذلك فحي مذهبنحا‪ .‬وحكحى ابحن شجرة أنحه يقال فحي الغنحم بدنحة‪ ،‬وهحو قول‬
‫شاذ‪ .‬والبدن هي البل التي تهدى إلى الكعبة‪ .‬والهدي عام في البل والبقر والغنم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محن شعائر ال" نحص فحي أنهحا بعحض الشعائر‪ .‬وقوله‪" :‬لكحم فيهحا خيحر" يريحد بحه‬
‫المنافحع التحي تقدم ذكرهحا‪ .‬والصحواب عمومحه فحي خيححر الدنيحا والخرة‪" .‬فاذكروا اسحم ال عليهحا‬
‫صواف" أي انحروها على اسم ال‪ .‬و"صواف" أي قد صفت قوائمها‪ .‬والبل تنحر قياما معقولة‪.‬‬
‫وأصل هذا الوصف في الخيل؛ يقال‪ :‬صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلثة قوائم وثنى سنبك‬
‫الرابعة؛ والسنبك طرف الحافر‪ .‬والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فيقوم على ثلث قوائم‪.‬‬
‫وقرأ الحسحن والعرج ومجاهحد وزيحد بحن أسحلم وأبحو موسحى الشعري "صحوافي" أي خوالص ل‬
‫عز وجل ل يشركون به في التسمية على نحرها أحدا‪ .‬وعن الحسن أيضا "صواف" بكسر الفاء‬
‫وتنوينهحا مخففحة‪ ،‬وهحي بمعنحى التحي قبلهحا‪ ،‬لكحن حذفحت الياء تخفيفحا على غيحر قياس و"صحواف"‬
‫قراءة الجمهور بفتححح الفاء وشدهححا؛ مححن صححف يصححف‪ .‬وواحححد صححواف صححافة‪ ،‬وواحححد صححوافي‬
‫صحافية‪ .‬وابحن مسحعود وابحن عباس وابحن عمحر وأبحو جعفحر محمحد بحن علي "صحوافن" بالنون جمحع‬
‫صافنة‪ .‬ول يكون واحدها صافنا؛ لن فاعل ل يجمع على فواعل إل في حروف مختصة ل يقاس‬
‫عليهحا؛ وهحي فارس وفوارس‪ ،‬وهالك وهوالك‪ ،‬وخالف وخوالف‪ .‬والصحافنة هحي التحي قحد رفعحت‬
‫إحدى يديها بالعقل لئل تضطرب‪ .‬ومنه قوله تعالى‪" :‬الصافنات الجياد" [ص‪ .]31 :‬وقال عمرو‬
‫بن كلثوم‪:‬‬
‫مقلدة أعنتها صفونا‬ ‫تركنا الخيل عاكفة عليه‬
‫ويروي‪:‬‬
‫مقلدة أعنتها صفونا‬ ‫تظل جياده نوحا عليه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫مما يقوم على الثلث كسيرا‬ ‫ألف الصفون فما يزال كأنه‬
‫وقال أبححو عمرو الجرمححي‪ :‬الصححافن عرق فححي مقدم الرجححل‪ ،‬فإذا ضرب على الفرس رفححع رجله‪.‬‬
‫وقال العشى‪:‬‬
‫ق يرنو القناء إذا ما صفن‬ ‫وكل كميت كجذع السحو‬
‫@ قال ابن وهب‪ :‬أخبرني ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب عن الصواف فقال‪ :‬تقيدها ثم تصفها‪.‬‬
‫وقال لي مالك بن أنس مثله‪ .‬وكافة العلماء على استحباب ذلك؛ إل أبا حنيفة والثوري فإنهما أجازا‬
‫أن تنححر باركحة وقيامحا‪ .‬وشحذ عطاء فخالف واسحتحب نحرهحا باركحة‪ .‬والصححيح محا عليحه الجمهور؛‬
‫لقوله تعالى‪" :‬فإذا وجبحت جنوبهحا" معناه سحقطت بعحد نحرهحا؛ ومنحه وجبحت الشمحس‪ .‬وفحي صححيح‬
‫مسحلم عحن زياد بحن جحبير أن ابحن عمحر أتحى على رجحل وهحو ينححر بدنتحه باركحة فقال‪ :‬ابعثهحا قائمحة‬
‫مقيدة سححنة نححبيكم صححلى ال عليححه وسححلم‪ .‬وروى أبححو داود عححن أبححي الزبيححر عححن جابر‪ ،‬وأخححبرني‬
‫عبدالرحمححن بححن سححابط أن النححبي صححلى ال عليححه وسححلم وأصحححابه كانوا ينحرون البدنححة معقولة‬
‫اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬فإن ضعحححف إنسحححان أو تخوف أن تنفلت بدنتحححه فل أرى بأسحححا أن ينحرهحححا معقولة‪.‬‬
‫والختيار أن تنححر البحل قائمحة غيحر معقولة؛ إل أن يتعذر ذلك فتعقحل ول تعرقحب إل أن يخاف أن‬
‫يضعف عنها ول يقوى عليها‪ .‬ونحرها باركة أفضل من أن تعرقب‪ .‬وكان ابن عمر يأخذ الحربة‬
‫بيده فحي عنفوان أيده فينحرهحا فحي صحدرها ويخرجهحا على سحنامها‪ ،‬فلمحا أسحن كان ينحرهحا باركحة‬
‫لضعفه‪ ،‬ويمسك معه الحربة رجل آخر‪ ،‬وآخر بخطامها‪ .‬وتضجع البقر والغنم‪.‬‬
‫ول يجوز النححر قبحل الفجحر محن يوم النححر بإجماع‪ .‬وكذلك الضحيحة ل تجوز قبحل الفجحر‪ .‬فإذا‬
‫طلع الفجر حل النحر بمنى‪ ،‬وليس عليهم انتظار نحر إمامهم؛ بخلف الضحية في سائر البلد‪.‬‬
‫والمنححر منحى لكحل حاج‪ ،‬ومكحة لكحل معتمحر‪ .‬ولو نححر الحاج بمكحة والمعتمحر بمنحى لم يحرج واححد‬
‫منهما‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا وجبحت جنوبهحا" يقال‪ :‬وجبحت الشمحس إذا سحقطت‪ ،‬ووجحب الحائط إذا سحقط‪.‬‬
‫قال قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫عن السلم حتى كان أول واجب‬ ‫أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم‬
‫وقال أوس بن حجر‪:‬‬
‫واكب للجبل الواجب‬ ‫ألم تكسف الشمس والبدر وال‬
‫فقوله تعالى‪" :‬فإذا وجبحت جنوبهحا" يريحد إذا سحقطت على جنوبهحا ميتحة‪ .‬كنحى عحن الموت بالسحقوط‬
‫على الجنب كما كنى عن النحر والذبح بقوله تعالى‪" :‬فاذكروا اسم ال عليها" والكنايات في أكثر‬
‫المواضع أبلغ من التصريح‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ما بين قلة رأسه والمعصم‬ ‫فتركته جزر السباع ينشنه‬
‫وقال عنترة‪:‬‬
‫وضربت قرني كبشها فتجدل‬
‫أي سقط مقتول إلى الجدالة‪ ،‬وهي الرض؛ ومثله كثير‪ .‬والوجوب للجنب بعد النحر علمة نزف‬
‫الدم وخروج الروح منهحا‪ ،‬وهحو وقحت الكحل‪ ،‬أي وقحت قرب الكحل؛ لنهحا إنمحا تبتدأ بالسحلخ وقطحع‬
‫شيء من الذبيحة ثم يطبخ‪ .‬ول تسلخ حتى تبرد لن ذلك من باب التعذيب؛ ولهذا قال عمر رضي‬
‫ال عنه‪ :‬ل تعجلوا النفس أن تزهق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكلوا منهحا" أمحر معناه الندب‪ .‬وكحل العلماء يسحتحب أن يأكحل النسحان محن هديحة‬
‫وفيححه أجححر وامتثال؛ إذا كان أهححل الجاهليححة ل يأكلون مححن هديهححم كمححا تقدم‪ .‬وقال أبححو العباس بححن‬
‫شريحح‪ :‬الكحل والطعام مسحتحبان‪ ،‬وله القتصحار على أيهمحا شاء‪ .‬وقال الشافعحي‪ :‬الكحل مسحتحب‬
‫والطعام واجب‪ ،‬فإن أطعم جميعها أجزاه وإن أكل جميعها لم يجزه‪ ،‬وهذا فيما كان تطوعا؛ فأما‬
‫واجبات الدماء فل يجوز أن يأكححل منهححا شيئا حسححبما تقدم بيانححه‪" .‬وأطعموا القانححع والمعتححر" قال‬
‫مجاهحد وإبراهيحم والطحبري‪ :‬قوله "وأطعموا" أمحر إباححة‪ .‬و"القانحع" السحائل‪ .‬يقال‪ :‬قنحع الرجحل يقنحع‬
‫قنوعحا إذا سحأل‪ ،‬بفتحح النون فحي الماضحي وكسحرها فحي المسحتقبل‪ ،‬يقنحع قناعحة فهحو قنحع‪ ،‬إذا تعفحف‬
‫واسحتغنى ببلغتحه ولم يسحأل؛ مثحل حمحد يحمحد‪ ،‬قناعحة وقنعحا وقنعانحا؛ قاله الخليحل‪ .‬ومحن الول قول‬
‫الشماخ‪:‬‬
‫مفاقره أعف من القنوع‬ ‫لمال المرء يصلحه فيغني‬
‫وقال ابححن السححكيت‪ :‬مححن العرب مححن ذكححر القنوع بمعنححى القناعححة‪ ،‬وهححي الرضححا والتعفححف وترك‬
‫المسححألة‪ .‬وروي عححن أبححى رجاء أنححه قرأ "وأطعموا القنححع" ومعنححى هذا مخالف للول‪ .‬يقال‪ :‬قنححع‬
‫الرجل فهو قنع إذا رضي‪ .‬وأما المعتر فهو الذي يطيف بك يطلب ما عندك‪ ،‬سائل كان أو ساكنا‪.‬‬
‫وقال محمححد بححن كعححب القرظححي ومجاهححد وإبراهيححم والكلبححي والحسححن بححن أبححي الحسححن‪ :‬المعتححر‬
‫المعترض من غير سؤال‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫وعند المقلين السماحة والبذل‬ ‫على مكثريهم رزق من يعتريهم‬
‫وقال مالك‪ :‬أحسححن مححا سححمعت أن القانححع الفقيححر‪ ،‬والعتححر الزائر‪ .‬وروي عححن الحسححن أنححه قرأ‬
‫"والمعتري" ومعناه كمعنحى المعتحر‪ .‬يقال‪ :‬اعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لمحا عنده أو‬
‫طلبه؛ ذكره النحاس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 37 :‬لن ينال ال لحومهحا ول دماؤهحا ولكحن يناله التقوى منكحم كذلك سحخرها لكحم‬
‫لتكبروا ال على ما هداكم وبشر المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لن ينال ال لحومها" قال ابن عباس‪( :‬كان أهل الجاهلية يضرجون البيت بدماء‬
‫البدن‪ ،‬فأراد المسححلمون أن يفعلوا ذلك) فنزلت اليححة‪ .‬والنيححل ل يتعلق بالبارئ تعالى‪ ،‬ولكنححه عححبر‬
‫عنحه تعححبيرا مجازيححا عحن القبول‪ ،‬المعنححى‪ :‬لن يصححل إليحه‪ .‬وقال ابحن عباس‪ :‬لن يصححعد إليححه‪ .‬ابحن‬
‫عيسحى‪ :‬لن يقبحل لحومهحا ول دماءهحا‪ ،‬ولكحن يصحل إليحه التقوى منكحم؛ أي محا أريحد بحه وجهحه‪ ،‬فذلك‬
‫الذي يقبله ويرفحع إليحه ويسحمعه ويثيحب عليحه؛ ومنحه الحديحث (إنمحا العمال بالنيات)‪ .‬والقراءة "لن‬
‫ينال ال" و"يناله" بالياء فيهما‪ .‬وعن يعقوب بالتاء فيهما‪ ،‬نظرا إلى اللحوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك سحخرها لكحم" محن سحبحانه علينحا بتذليلهحا وتمكيننحا محن تصحريفها وهحي أعظحم‬
‫منا أبدانا وأقوى منا أعضاء‪ ،‬ذلك ليعلم العبد أن المور ليست على ما تظهر إلى العبد من التدبير‪،‬‬
‫وإنمحا هحي بحسحب محا يريدهحا العزيحز القديحر‪ ،‬فيغلب الصحغير الكحبير ليعلم الخلق أن الغالب هحو ال‬
‫الواححد القهار فوق عباده‪" .‬لتكحبروا ال على محا هداكحم" ذكحر سحبحانه ذكحر اسحمه عليهحا محن اليحة‬
‫قبلهحا فقال عحز محن قائل‪" :‬فاذكروا اسحم ال عليهحا"‪ ،‬وذكحر هنحا التكحبير‪ .‬وكان ابحن عمحر رضحي ال‬
‫عنهما يجمع بينهما إذا نحر هديه فيقول‪ :‬باسم ال وال أكبر؛ وهذا من فقهه رضي ال عنه‪ .‬وفي‬
‫الصححيح عحن أنحس قال‪ :‬ضححى رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم بكبشيحن أملحيحن أقرنيحن‪ .‬قال‪:‬‬
‫ورأيته يذبحها بيده‪ ،‬ورأيته واضعا قدمه على صفاحهما‪ ،‬وسمى وكبر‪.‬‬
‫وقحد اختلف العلماء فحي هذا؛ فقال أبحو ثور‪ :‬التسحمية متعينحة كالتكحبير فحي الصحلة؛ وكافحة العلماء‬
‫على استحباب ذلك‪ .‬فلو قال ذكرا أخر فيه اسم من أسماء ال تعالى وأراد به التسمية جاز‪ .‬وكذلك‬
‫لو قال‪ :‬ال أكبر فقط‪ ،‬أول إله إل ال؛ قال ابحن حبيب‪ .‬فلو لم يرد التسمية لم يجحز عن التسمية ول‬
‫تؤكحل؛ قال الشافعحي ومحمحد بحن الحسحن‪ .‬وكره كافحة العلماء محن أصححابنا وغيرهحم الصحلة على‬
‫النحبي صحلى ال عليحه وسحلم عنحد التسحمية فحي الذبحح أو ذكره‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يذكحر هنحا إل ال وحده‪.‬‬
‫وأجاز الشافعححي الصححلة على النححبي صححلى ال عليححه وسححلم أو ذكره‪ ،‬وقالوا‪ :‬ل يذكححر هنححا إل ال‬
‫وحده‪ .‬وأجاز الشافعي الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم عند الذبح‪.‬‬
‫ذهحب الجمهور إلى أن قول المضححي‪ :‬اللهحم تقبحل منحي؛ جائز‪ .‬وكره ذلك أبحو حنيفحة؛ والحجحة‬
‫عليحه محا رواه الصححيح عحن عائشحة رضحي ال عنهحا‪ ،‬وفيحه‪ :‬ثحم قال (باسحم ال اللهحم تقبحل محن محمحد‬
‫وآل محمحد ومحن أمحة محمحد) ثحم ضححى بحه‪ .‬واسحتحب بعضهحم أن يقول ذلك بنحص اليحة "ربنحا تقبحل‬
‫منحا إنحك أنحت السحميع العليحم" [البقرة‪ .]127 :‬وكره مالك قولهحم‪ :‬اللهحم منحك وإليحك‪ ،‬وقال‪ :‬هذه‬
‫بدعحة‪ .‬وأجاز ذلك ابحن ححبيب محن أصححابنا والحسحن‪ ،‬والحجحة لهمحا محا رواه أبحو داود عحن جابر بحن‬
‫عبدال قال‪ :‬ذبحح النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يوم الذبحح كبشيحن أقرنيحن موجوءيحن أملحيحن‪ ،‬فلمحا‬
‫وجههمحا قال‪( :‬إنحي وجهحت وجهحي للذي فطحر السحموات والرض حنيفحا ‪ -‬وقرأ إلى قوله‪ :‬وأنحا أول‬
‫المسحلمين ‪ -‬اللهحم منحك ولك عحن محمحد وأمتحه باسحم ال وال أكحبر) ثحم ذبحح‪ .‬فلعحل مالكحا لم يبلغحه هذا‬
‫الخبر‪ ،‬أو لم يصح عنده‪ ،‬أو رأى العمل يخالفه‪ .‬وعلى هذا يدل قوله‪ :‬إنه بدعة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبشر المحسنين" روي أنها نزلت في الخلفاء الربعة؛ حسبما تقدم في الية التي‬
‫قبلها‪ .‬فأما ظاهر اللفظ فيقتضي العموم في كل محسن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬إن ال يدافع عن الذين آمنوا إن ال ل يحب كل خوان كفور}‬
‫@ روي أنها نزلت بسحبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجحر من هاجر إلى أرض‬
‫الحبشحة؛ أراد بعحض مؤمنحي مكحة أن يقتحل محن أمكنحه محن الكفار ويغتال ويغدر ويحتال؛ فنزلت هذه‬
‫اليحة إلى قوله‪" :‬كفور"‪ .‬فوعحد فيهحا سحبحانه بالمدافعحة ونهحى أفصحح نهحي عحن الخيانحة والغدر‪ .‬وقحد‬
‫مضحى فحي "النفال" التشديحد فحي الغدر؛ وأنه (ينصحب للغادر لواء عنحد اسحته بقدر غدرتحه يقال هذه‬
‫غدرة فلن)‪ .‬وقيحل‪ :‬المعنحى يدفحع عحن المؤمنيحن بأن يديحم توفيقهحم حتحى يتمكحن اليمان محن قلوبهحم‪،‬‬
‫فل تقدر الكفار على إمالتهم عن دينهم؛ وإن جرى إكراه فيعصمهم حتى ل يرتدوا بقلوبهم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يدفع عن المؤمنين بإعلئهم بالحجة‪ .‬ثم قتل كافر مؤمنا نادر‪ ،‬وإن فيدفع ال عن ذلك المؤمن بأن‬
‫قبضحه إلى رحمتحه‪ .‬وقرأ نافحع "يدافحع" "ولول دفاع"‪ .‬وقرأ أبحو عمرو وابحن كثيحر "يدفحع" "ولول‬
‫دفحع"‪ .‬وقرأ عاصحم وحمزة والكسحائي "يدافحع" "ولول دفحع ال"‪ .‬ويدافحع بمعنحى يدفحع؛ مثحل عاقبحت‬
‫اللص‪ ،‬وعافاه ال؛ والمصدر دفعا‪ .‬وحكى الزهراوي أن "دفاعا" مصدر دفع؛ كحسب حسابا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أذن للذين يقاتلون" قيل‪ :‬هذا بيان قوله "إن ال يدافع عن الذين آمنوا" أي يدفع‬
‫عنهحم غوائل الكفار بأن يبيحح لهحم القتال وينصحرهم؛ وفيحه إضمار‪ ،‬أي أذن للذيحن يصحلحون للقتال‬
‫فحي القتال؛ فحذف لدللة الكلم على المحذوف‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬اسحتأذن أصححاب رسحول ال صحلى‬
‫ال عليحه وسحلم فحي قتال الكفار إذ آذوهحم بمكحة؛ فأنزل ال "إن ال ل يححب كحل خوان كفور" فلمحا‬
‫هاجحر نزلت "أذن للذيحن يقاتلون بأنهحم ظلموا"‪ .‬وهذا ناسحخ لكحل محا فحي القرآن محن إعراض وترك‬
‫صحفح‪ .‬وهحي أول آيحة نزلت فحي القتال‪ .‬قال ابحن عباس وابحن جحبير‪ :‬نزلت عنحد هجرة رسحول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إلى المدينة‪ .‬وروى النسائي والترمذي عن ابن عباس قال‪( :‬لما أخرج النبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم محن مكحة قال أبحو بكحر‪ :‬أخرجوا نحبيهم ليهلكحن؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬أذن للذيحن‬
‫يقاتلون بأنهم ظلموا وإن ال على نصرهم لقدير" فقال أبو بكر‪ :‬لقد علمت أنه سيكون قتال)‪ .‬فقال‪:‬‬
‫هذا حديحث حسحن‪ .‬وقحد روى غيحر واححد عحن سحفيان عحن العمحش عحن مسحلم البطيحن عحن سحعيد بحن‬
‫جبير مرسل‪ ،‬ليس فيه‪ :‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على أن الباحة من الشرع‪ ،‬خلفا للمعتزلة؛ لن قوله‪" :‬أذن" معناه أبيح؛‬
‫وهحو لفحظ موضوع فحي اللغحة لباححة كحل ممنوع‪ .‬وقحد تقدم هذا المعنحى فحي "البقرة" وغيحر موضحع‪.‬‬
‫وقرئ "أذن" بفتحححححح الهمزة؛ أي أذن ال‪" .‬يقاتلون" بكسحححححر التاء أي يقاتلون عدوهحححححم‪ .‬وقرئ‬
‫"يقاتلون" بفتح التاء؛ أي يقاتلهم المشركون وهم المؤمنون‪ .‬ولهذا قال‪" :‬بأنهم ظلموا" أي أخرجوا‬
‫من ديارهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال ولول دفع ال الناس‬
‫بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا ولينصرن ال من‬
‫ينصره إن ال لقوي عزيز}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين أخرجوا من ديارهم" هذا أحد ما ظلموا به؛ وإنما أخرجوا لقولهم‪ :‬ربنا ال‬
‫وحده‪ .‬فقوله‪" :‬إل أن يقولوا ربنحا ال" اسحتثناء منقطحع؛ أي لكحن لقولهحم ربنحا ال؛ قال سحيبويه‪ .‬وقال‬
‫الفراء يجوز أن تكون فححي موضححع خفححض‪ ،‬يقدرهححا مردودة على الباء؛ وهححو قول أبححي إسحححاق‬
‫الزجاج‪ ،‬والمعنحى عنده‪ :‬الذيحن أخرجوا محن ديارهحم بغيحر ححق إل بأن يقولوا ربنحا ال؛ أي أخرجوا‬
‫بتوحيدهححم‪ ،‬أخرجهحم أهحل الوثان‪ .‬و"الذيحن أخرجوا" فحي موضحع خفحض بدل محن قوله‪" :‬للذيحن‬
‫يقاتلون"‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬قال علماؤنا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له‬
‫فححي الحرب ولم تحححل له الدماء؛ إنمححا يؤمححر بالدعاء إلى ال والصححبر على الذى والصححفح عححن‬
‫الجاهحل مدة عشرة أعوام؛ لقامحة حجحة ال تعالى عليهحم‪ ،‬ووفاء بوعده الذي امتحن بحه بفضله فحي‬
‫قوله‪" :‬ومحا كنحا معذبيحن حتحى نبعحث رسحول" [السحراء‪ .]15 :‬فاسحتمر الناس فحي الطغيان ومحا‬
‫اسحتدلوا بواضحح البرهان‪ ،‬وكانحت قريحش قحد اضطهدت محن اتبعحه محن قومحه محن المهاجريحن حتحى‬
‫فتنوهحم عحن دينهحم ونفوهحم عحن بلدهحم؛ فمنهحم محن فحر إلى أرض الحبشحة‪ ،‬ومنهحم محن خرج إلى‬
‫المدينحة‪ ،‬ومنهحم محن صحبر على الذى‪ .‬فلمحا عتحت قريحش على ال تعالى وردوا أمره وكذبوا نحبيه‬
‫عليه السلم‪ ،‬وعذبوا من آمن به ووحده وعبده‪ ،‬وصدق نبيه عليه السلم واعتصم بدينه‪ ،‬أذن ال‬
‫لرسوله في القتال والمتناع والنتصار ممن ظلمهم‪ ،‬وأنزل "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ‪ -‬إلى‬
‫قوله ‪ -‬المور"‪.‬‬
‫في هذه الية دليل على أن نسبة الفعل الموجود من الملجأ المكره إلى الذي ألجأه وأكرهه؛ لن‬
‫ال تعالى نسحب الخراج إلى الكفار‪ ،‬لن الكلم فحي معنحى تقديحر الذنحب وإلزامحه‪ .‬وهذه اليحة مثحل‬
‫قوله تعالى‪" :‬إذ أخرجحه الذيحن كفروا" [التوبحة‪ ]40 :‬والكلم فيهمحا واححد؛ وقحد تقدم فحي "التوبحة"‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول دفحع ال الناس بعضهحم ببعحض" أي لول محا شرعحه ال تعالى للنحبياء‬
‫والمؤمنيحن محن قتال العداء‪ ،‬لسحتولى أهحل الشرك وعطلوا محا بينتحه أرباب الديانات محن مواضحع‬
‫العبادات‪ ،‬ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة‪ .‬فالجهاد أمر متقدم في المم‪ ،‬وبه‬
‫صحلحت الشرائع واجتمعحت المتعبدات؛ فكأنحه قال‪ :‬أذن فحي القتال‪ ،‬فليقاتحل المؤمنون‪ .‬ثحم قوي هذا‬
‫المحر فحي القتال بقوله‪" :‬ولول دفحع ال الناس" اليحة؛ أي لول القتال والجهاد لتغلب على الححق فحي‬
‫كل أمة‪ .‬فمن استبشع من النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه؛ إذ لول القتال لما بقي‬
‫الديحن الذي يذب عنحه‪ .‬وأيضحا هذه المواضحع التحي اتخذت قبحل تحريفهحم وتبديلهحم وقبحل نسحخ تلك‬
‫الملل بالسحلم إنمحا ذكرت لهذا المعنحى؛ أي لول هذا الدفحع لهدم فحي زمحن موسحى الكنائس‪ ،‬وفحي‬
‫زمن عيسى الصوامع والبيع‪ ،‬وفي زمن محمد عليه السلم المساجد‪" .‬لهدمت" من هدمت البناء‬
‫أي نقضتحه فانهدم‪ .‬قال ابحن عطيحة‪ :‬هذا أصحوب محا قيحل فحي تأويحل اليحة‪ .‬وروي عحن علي بحن أبحي‬
‫طالب رضحي ال عنحه أنحه قال‪ :‬ولول دفحع ال بأصححاب محمحد صحلى ال عليحه وسحلم الكفار عحن‬
‫التابعيحن فمححن بعدهححم‪ .‬وهذا وإن كان فيححه دفححع قوم بقوم إل أن معنححى القتال أليححق؛ كمحا تقدم‪ .‬وقال‬
‫مجاهحد لول دفحع ال ظلم قوم بشهادة العدول‪ .‬وقالت فرقحة‪ :‬ولول دفحع ال ظلم الظلمحة بعدل الولة‪.‬‬
‫وقال أبو الدرداء‪ :‬لول أن ال عز وجل يدفع بمن في المساجد عمن ليس في المساجد‪ ،‬وبمن يغزو‬
‫عمححن ل يغزو‪ ،‬لتاهححم العذاب‪ .‬وقالت فرقححة‪ :‬ولول دفححع ال العذاب بدعاء الفضلء والخيار إلى‬
‫غيحر ذلك محن التفصحيل المفسحر لمعنحى اليحة؛ وذلك أن اليحة ول بحد تقتضحي مدفوعحا محن الناس‬
‫ومدفوعا عنه‪ ،‬فتأمله‪.‬‬
‫@ قال ابحن خويحز منداد‪ :‬تضمنحت هذه اليحة المنحع محن هدم كنائس أهحل الذمحة وبيعهحم وبيوت‬
‫نيرانهم‪ ،‬ول يتركون أن يحدثوا ما لم يكن‪ ،‬ول يزيدون في البنيان ل سعة ول ارتفاعا‪ ،‬ول ينبغي‬
‫للمسلمين أن يدخلوها ول يصلوا فيها‪ ،‬ومتى أحدثوا زيادة وجب نقضها‪ .‬وينقض ما وجد في بلد‬
‫الحرب محن البيحع والكنائس‪ .‬وإنمحا لم ينقحض محا فحي بلد السحلم لهحل الذمحة؛ لنهحا جرت مجرى‬
‫بيوتهحم وأموالهحم التحي عاهدوا عليهحا فحي الصحيانة‪ .‬ول يجوز أن يمكنوا محن الزيادة لن فحي ذلك‬
‫إظهار أسحباب الكفحر‪ .‬وجائز أن ينقحض المسحجد ليعاد بنيانحه؛ وقحد فعحل ذلك عثمان رضحي ال عنحه‬
‫بمسجد النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬قرئ "لهدمت" بتخفيف الدال وتشديدها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬صحوامع وبيحع" جمحع صحومعة‪ ،‬وزنهحا فوعلة‪ ،‬وهحي بناء مرتفحع حديحد العلى؛‬
‫يقال‪ :‬صحمع الثريدة أي رفحع رأسحها وحدده‪ .‬ورجحل أصحمع القلب أي حاد الفطنحة‪ .‬والصحمع محن‬
‫الرجال الحديحد القول‪ .‬وقيحل‪ :‬هحو الصحغير الذن محن الناس وغيرهحم‪ .‬وكانحت قبحل السحلم مختصحة‬
‫برهبان النصحارى وبعباد الصحابئين ‪ -‬قال قتادة ‪ -‬ثحم اسحتعمل فحي مئذنحة المسحلمين‪ .‬والبيحع‪ .‬جمحع‬
‫بيعحة‪ ،‬وهحي كنيسحة النصحارى‪ .‬وقال الطحبري‪ :‬قيحل هحي كنائس اليهود؛ ثحم أدخحل عحن مجاهحد محا ل‬
‫يقتضي ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وصحلوات ومسحاجد يذكحر فيهحا اسحم ال كثيرا" قال الزجاج والحسحن‪ :‬هحي كنائس‬
‫اليهود؛ وهحي بالعبرانيحة صحلوتا‪ .‬وقال أبحو عحبيدة‪ :‬الصحلوات بيوت تبنحى للنصحارى فحي البراري‬
‫يصحلون فيهحا فحي أسحفارهم‪ ،‬تسحمى صحلوتا فعربحت فقيحل صحلوات‪ .‬وفحي "صحلوات" تسحع قراءات‬
‫ذكرها ابن عطية‪ :‬صحلوات‪ ،‬صحلوات‪ ،‬صحلوات‪ ،‬صحلولي على وزن فعولي‪ ،‬صلوب بالباء بواحدة‬
‫جمع صليب‪ ،‬صلوث بالثاء المثلثة على وزن فعول‪ ،‬صلوات بضم الصاد واللم وألف بعد الواو‪،‬‬
‫صحلوثا بضحم الصحاد واللم وقصحر اللف بعحد الثاء المثلثحة‪[ ،‬صحلويثا بكسحر الصحاد وإسحكان اللم‬
‫وواو مكسورة بعدها ياء بعدها ثاء منقوطة بثلث بعدها ألف]‪ .‬وذكر النحاس‪ :‬وروي عن عاصم‬
‫الجحدري أنحه قرأ "وصحلوب"‪ .‬وروي عحن الضحاك "وصحلوث" بالثاء معجمحة بثلث؛ ول أدري‬
‫أفتح الصاد أم ضمها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا تجيحء هنحا عشحر قراءات‪ .‬وقال ابحن عباس‪( :‬الصحلوات الكنائس)‪ .‬أبحو العاليحة‪:‬‬
‫الصحلوات مسحاجد الصحابئين‪ .‬ابحن زيحد‪ :‬هحي صحلوات المسحلمين تنقطحع إذا دخحل عليهحم العدو وتهدم‬
‫المسححاجد؛ فعلى هذا اسححتعير الهدم للصححلوات مححن حيححث تعطححل‪ ،‬أو أراد موضححع صححلوات فحذف‬
‫المضاف‪ .‬وعلى قول ابححححن عباس والزجاج وغيرهححححم يكون الهدم حقيقححححة‪ .‬وقال الحسححححن‪ :‬هدم‬
‫الصحلوات تركهحا‪ ،‬قطرب‪ :‬هحي الصحوامع الصحغار ولم يسحمع لهحا واححد‪ .‬وذهحب خصحيف إلى أن‬
‫القصححد بهذه السححماء تقسححيم متعبدات المححم‪ .‬فالصححوامع للرهبان‪ ،‬والبيححع للنصححارى‪ ،‬والصححلوات‬
‫لليهود‪ ،‬والمسحاجد للمسحلمين‪ .‬قال ابحن عطيحة‪ :‬والظهحر أنهحا قصحد بهحا المبالغحة فحي ذكحر المتعبدات‪.‬‬
‫وهذه السحماء تشترك المحم فحي مسحمياتها‪ ،‬إل البيعحة فإنهحا مختصحة بالنصحارى فحي لغحة العرب‪.‬‬
‫ومعانححي هذه السححماء هححي فححي المححم التححي لهححا كتاب على قديححم الدهححر‪ .‬ولم يذكححر فححي هذه اليححة‬
‫المجوس ول أهل الشراك؛ لن هؤلء ليس لهم ما يجب حمايته‪ ،‬ول يوجد ذكر ال إل عند أهل‬
‫الشرائع‪ .‬وقال النحاس‪" :‬يذكححر فيهححا اسححم ال" الذي يجححب فححي كلم العرب على حقيقححة النظححر أن‬
‫يكون "يذكر فيها اسم ال" عائدا على المساجد ل على غيرها؛ لن الضمير يليها‪ .‬ويجوز أن يعود‬
‫على "صحوامع" ومحا بعدهحا؛ ويكون المعنحى وقحت شرائعهحم وإقامتهحم الححق‪ .‬فإن قيحل‪ :‬لم قدمحت‬
‫مسحاجد أهحل الذمحة ومصحلياتهم على مسحاجد المسحلمين؟ قيحل‪ :‬لنهحا أقدم بناء‪ .‬وقيحل لقربهحا محن الهدم‬
‫وقرب المسحاجد محن الذكحر؛ كمحا أخحر السحابق فحي قوله‪" :‬فمنهحم ظالم لنفسحه ومنهحم مقتصحد ومنهحم‬
‫سابق بالخيرات" [فاطر‪.]32 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولينصحرن ال محن ينصحره" أي محن ينصحر دينحه ونحبيه‪" .‬إن ال لقوي" أي قادر‪.‬‬
‫قال الخطابحي‪ :‬القوي يكون بمعنحى القادر‪ ،‬ومحن قوي على شيحء فقحد قدر عليحه‪" .‬عزيحز" أي جليحل‬
‫شريحف؛ قال الزجاج‪ .‬وقيحل الممتنحع الذي ل يرام؛ وقحد بيناهمحا فحي الكتاب السحنى فحي شرح أسحماء‬
‫ال الحسنى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 41 :‬الذيحن إن مكناهحم فحي الرض أقاموا الصحلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف‬
‫ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور}‬
‫@ قال الزجاج‪" :‬الذين" في موضع نصب ردا على "من"‪ ،‬يعني في قوله‪" :‬ولينصرن ال من‬
‫ينصححره"‪ .‬وقال غيره‪" :‬الذيححن" فححي موضححع خفححض ردا على قوله‪" :‬أذن للذيححن يقاتلون" ويكون‬
‫"الذيحن إن مكناهحم فحي الرض" أربعحة محن أصححاب رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لم يكحن فحي‬
‫الرض غيرهحم‪ .‬وقال ابحن عباس‪( :‬المراد المهاجرون والنصحار والتابعون بإحسحان)‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫هحم أصححاب محمحد صحلى ال عليحه وسحلم‪ .‬وقال عكرمحة‪ :‬هحم أهحل الصحلوات الخمحس‪ .‬وقال الحسحن‬
‫وأبو العالية‪ :‬هم هذه المة إذا فتح ال عليهم أقاموا الصلة‪ .‬وقال ابن أبي نجيح‪ :‬يعني الولة‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬هحو شرط شرطحه ال عحز وجحل على محن أتاه الملك؛ وهذا حسحن‪ .‬قال سحهل بحن عبدال‪:‬‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على السلطان وعلى العلماء الذين يأتونه‪ .‬وليس على‬
‫الناس أن يأمروا السلطان؛ لن ذلك لزم له واجب عليه‪ ،‬ول يأمروا العلماء فإن الحجة قد وجبت‬
‫عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 44 - 42 :‬وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود‪ ،‬وقوم إبراهيم وقوم‬
‫لوط‪ ،‬وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير}‬
‫@ هذا تسليه للنبي صلى ال عليه وسلم وتعزية؛ أي كان قبلك أنبياء كذبوا فصبروا إلى أن أهلك‬
‫ال المكذبيحن‪ ،‬فاقتحد بهحم واصحبر‪" .‬وكذب موسحى" أي كذبحه فرعون وقومحه‪ .‬فأمحا بنحو إسحرائيل فمحا‬
‫كذبوه‪ ،‬فلهذا لم يعطفححه على مححا قبله فيكون وقوم موسححى‪" .‬فأمليححت للكافريححن" أي أخرت عنهححم‬
‫العقوبحة‪" .‬ثحم أخذتهحم" فعاقبتهحم‪" .‬فكيحف كان نكيحر" اسحتفهام بمعنحى التغييحر؛ أي فانظحر كيحف كان‬
‫تغييري ما كانوا فيه من النعم بالعذاب والهلك‪ ،‬فكذلك أفعل بالمكذبين من قريش‪ .‬قال الجوهري‪:‬‬
‫النكير والنكار تغيير المنكر‪ ،‬والمنكر واحد المناكير‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 45 :‬فكأيحن محن قريحة أهلكناهحا وهحي ظالمحة فهحي خاويحة على عروشهحا وبئر معطلة‬
‫وقصر مشيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكأين من قرية أهلكناها" أي أهلكنا أهلها‪ .‬وقد مضى في "آل عمران" الكلم في‬
‫كأيححن‪" .‬وهححي ظالمححة" أي بالكفححر‪" .‬فهححي خاويحة على عروشهححا" تقدم فححي الكهححف‪" .‬وبئر معطلة‬
‫وقصر مشيد" قال الزجاج‪" :‬وبئر معطلة" معطوف على "من قرية" أي ومن أهل قرية ومن أهل‬
‫بئر‪ .‬والفراء يذهب إلى أن "وبئر" معطوف على "عروشها"‪ .‬وقال الصمعي‪ :‬سألت نافع بن أبي‬
‫نعيححم أيهمححز البئر والذئب؟ فقال‪ :‬إن كانححت العرب تهمزهمححا فاهمزهمححا‪ .‬وأكثححر الرواة عححن نافححع‬
‫بهمزهما؛ إل ورشا فإن روايته عنه بغير همز فيهما‪ ،‬والصل الهمز‪ .‬ومعنى "معطلة" متروكة؛‬
‫قاله الضحاك‪ .‬وقيححل‪ :‬خاليححة مححن أهلهححا لهلكهححم‪ .‬وقيححل‪ :‬غائرة الماء‪ .‬وقيححل‪ :‬معطلة مححن دلئهححا‬
‫وأرشيتها؛ والمعنى متقارب‪" .‬وقصر مشيد" قال قتادة والضحاك ومقاتل‪ :‬رفيع طويل‪ .‬قال عدي‬
‫بن زيد‪:‬‬
‫حسا فللطير في ذراه وكور‬ ‫شاده مرمرا وجلله كلح‬
‫أي رفعه‪ .‬وقال سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد‪ :‬مجصص؛ من الشيد وهو الجص‪ .‬قال‬
‫الراجز‪:‬‬
‫كحية الماء بين الطين والشيد‬ ‫ل تحسبني وإن كنت امرأ غمرا‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ول أطما إل مشيدا بجندل‬
‫وقال ابحن عباس‪"( :‬مشيحد" أي حصحين)؛ وقال الكلبحي‪ .‬وهحو مفعحل بمعنحى مفعول كمحبيع بمعنحى‬
‫محبيوع‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬والمشيحد المعمول بالشيحد‪ .‬والشيحد (بالكسحر)‪ :‬كحل شيحء طليحت بحه الحائط‬
‫مححن جححص أو بلط‪ ،‬وبالفتححح المصححدر‪ .‬تقول‪ :‬شاده يشيده شيدا جصححصه‪ .‬والمشيححد (بالتشديححد)‬
‫المطول‪ .‬وقال الكسحائي‪" :‬المشيحد" للواححد‪ ،‬محن قوله تعالى‪" :‬وقصحر مشيحد" والمشيحد للجمحع‪ ،‬محن‬
‫قوله تعالى‪" :‬في بروج مشيدة"‪[ .‬النساء‪ .]78 :‬وفي الكلم مضمر محذوف تقديره‪ :‬وقصر مشيد‬
‫مثلهحا معطحل‪ .‬ويقال‪ :‬إن هذه البئر والقصحر بحضرموت معروفان‪ ،‬فالقصحر مشرف على قلة جبحل‬
‫ل يرتقى إليه بحال‪ ،‬والبئر في سفحه ل تقر الريح شيئا سقط فيه إل أخرجته‪ .‬وأصحاب القصور‬
‫ملوك الحضر‪ ،‬وأصحاب البار ملوك البوادي؛ أي فأهلكنا هؤلء وهؤلء‪ .‬وذكر الضحاك وغيره‬
‫فيما ذكر الثعلبي وأبو بكر محمد بن الحسن المقرئ وغيرهما أن البئر الرس‪ ،‬وكانت بعدن باليمن‬
‫بحضرموت‪ ،‬فحي بلد يقال له حضور‪ ،‬نزل بهحا أربعحة آلف ممحن آمحن بصحالح‪ ،‬ونجوا محن العذاب‬
‫ومعهم صالح‪ ،‬فمات صالح فسمي المكان حضرموت؛ لن صالحا لما حضره مات فبنوا حضور‬
‫وقعدوا على هذه البئر‪ ،‬وأمروا عليهحححم رجل يقال له العلس بحححن جلس بحححن سحححويد؛ فيمحححا ذكحححر‬
‫الغزنوي‪ .‬الثعلبححي‪ :‬جلهححس بححن جلس‪ .‬وكان حسححن السححيرة فيهححم عامل عليهححم‪ ،‬وجعلوا وزيره‬
‫سنحاريب بن سوادة‪ ،‬فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا‪ ،‬وكانت البئر تسقي المدينة كلها وباديتها‬
‫وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك؛ لنها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها‪،‬‬
‫ورجال كثيرون موكلون بهححا‪ ،‬وأبازن (بالنون) مححن رخام وهححي شبححه الحياض كثيرة تمل للناس‪،‬‬
‫وأخحر للدواب‪ ،‬وأخحر للبقحر‪ ،‬وأخحر للغنحم‪ .‬والقوام يسحقون عليهحا بالليحل والنهار يتداولون‪ ،‬ولم يكحن‬
‫لهححم ماء غيرهححا‪ .‬وطال عمححر الملك الذي أمروه‪ ،‬فلمححا جاءه الموت طلي بدهححن لتبقححى صححورته ل‬
‫تتغير‪ ،‬وكذلك كانوا يفعلون إذا مات منهم الميت وكان ممن يكرم عليهم‪ .‬فلما مات شق ذلك عليهم‬
‫ورأوا أن أمرهم قد فسد‪ ،‬وضجوا جميعا بالبكاء‪ ،‬واغتنمها الشيطان منهم فدخل في جثة الملك بعد‬
‫موتحه بأيام كثيرة‪ ،‬فكلمهحم وقال‪ :‬إنحي لم أمحت ولكحن تغيبحت عنكحم حتحى أرى صحنيعكم؛ ففرحوا أشحد‬
‫الفرح وأمحر خاصحته أن يضربوا له حجابحا بينحه وبينهحم ويكلمهحم محن ورائه لئل يعرف الموت فحي‬
‫صحورته‪ .‬فنصحبوا صحنما محن وراء الحجاب ل يأكحل ول يشرب‪ .‬وأخحبرهم أنحه ل يموت أبدا وأنحه‬
‫إلههحم؛ فذلك كله يتكلم بحه الشيطان على لسحانه‪ ،‬فصحدق كثيحر منهحم وارتاب بعضهحم‪ ،‬وكان المؤمحن‬
‫المكذب منهم أقل من المصدق له‪ ،‬وكلما تكلم ناصح لهم زجر وقهر‪ .‬فأصفقوا على عبادته‪ ،‬فبعث‬
‫ال إليهم نبيا كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة‪ ،‬كان اسمه حنظلة بن صفوان‪ ،‬فأعلمهم‬
‫أن الصححورة صححنم ل روح له‪ ،‬وأن الشيطان قححد أضلهححم‪ ،‬وأن ال ل يتمثححل بالخلق‪ ،‬وأن الملك ل‬
‫يجوز أن يكون شريكحا ل‪ ،‬ووعظهحم ونصححهم وحذرهحم سحطوة ربهحم ونقمتحه؛ فآذوه وعادوه وهحو‬
‫يتعهدهححم بالموعظححة ول يغبهححم بالنصححيحة‪ ،‬حتححى قتلوه فححي السححوق وطرحوه فححي بئر؛ فعنححد ذلك‬
‫أصحابتهم النقمحة‪ ،‬فباتوا شباعحا رواء محن الماء وأصحبحوا والبئر قحد غار ماؤهحا وتعطحل رشاؤهحا‪،‬‬
‫فصحاحوا بأجمعهحم وضحج النسحاء والولدان‪ ،‬وضجحت البهائم عطشحا؛ حتحى عمهحم الموت وشملهحم‬
‫الهلك‪ ،‬وخلفتهحم فحي أرضهحم السحباع‪ ،‬وفحي منازلهحم الثعالب والضباع‪ ،‬وتبدلت جناتهحم وأموالهحم‬
‫بالسححدر وشوك العضاه والقتاد‪ ،‬فل يسححمع فيهححا إل عزيححف الجححن وزئيححر السححد‪ ،‬نعوذ بال مححن‬
‫سطواته؛ ومن الصرار على ما يوجب نقماته‪.‬‬
‫قال السهيلي‪ .‬وأما القصر المشيد فقصر بناه شداد بن عامر بن إرم‪ ،‬لم يبن في الرض مثله ‪-‬‬
‫فيما ذكروا وزعموا ‪ -‬وحاله أيضا كحال هذه البئر المذكورة فحي إيحاشه بعد النيس‪ ،‬وإقفاره بعد‬
‫العمران‪ ،‬وإن أحدا ل يستطيع أن يدنو منه على أميال؛ لما يسمع فيه من عزيف الجن والصوات‬
‫المنكرة بعحد النعيحم والعيحش الرغحد وبهاء الملك وانتظام الهحل كالسحلك فبادروا ومحا عدوا؛ فذكرهحم‬
‫ال تعالى فحي هذه اليحة موعظحة وعحبرة وتذكرة‪ ،‬وذكرا وتحذيرا محن مغبحة المعصحية وسحوء عاقبحة‬
‫المخالفة؛ نعوذ بال من ذلك ونستجير به من سوء المآل‪ .‬وقيل‪ :‬إن الذي أهلكهم بختنصر على ما‬
‫تقدم فحي سحورة "النحبياء" فحي قوله‪" :‬وكحم قصحمنا محن قريحة" [النحبياء‪ .]11 :‬فتعطلت بئرهحم‬
‫وخربت قصورهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها‬
‫ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفلم يسيروا في الرض" يعني كفار مكة فيشاهدوا هذه القرى فيتعظوا‪ ،‬ويحذروا‬
‫عقاب ال أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم‪" .‬فتكون لهم قلوب يعقلون بها" أضاف العقل إلى القلب‬
‫لنه محله كما أن السمع محله الذن‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن العقل محله الدماغ؛ وروي عن أبي حنيفة؛ وما‬
‫أراها عنه صحيحة‪" .‬فإنها ل تعمى البصار" قال الفراء‪ :‬الهاء عماد‪ ،‬ويجوز أن يقال فإنه‪ ،‬وهي‬
‫قراءة عبدال بن مسحعود‪ ،‬والمعنحى واححد‪ ،‬التذكيحر على الخحبر‪ ،‬والتأنيحث على البصحار أو القصحة؛‬
‫أي فإن البصار ل تعمى‪ ،‬أو فإن القصة‪" .‬ل تعمى البصار" أي أبصار العيون ثابتة لهم‪" .‬ولكن‬
‫تعمحى القلوب التحي فحي الصحدور" أي عحن درك الححق والعتبار‪ .‬وقال قتادة‪ :‬البصحر الناظحر جعحل‬
‫بلغة ومنفعة‪ ،‬والبصر النافع في القلب‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬لكل عين أربع أعين؛ يعني لكل إنسان أربع‬
‫أعين‪ :‬عينان في رأسه لدنياه‪ ،‬وعينان في قلبه لخرته؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت‪ .‬عينا قلبه‬
‫فلم يضره عماه شيئا‪ ،‬وإن أبصحرت عينحا رأسحه وعميحت عينحا قلبحه فلم ينفعحه نظره شيئا‪ .‬وقال قتادة‬
‫وابحن جحبير‪ :‬نزلت هذه اليحة فحي ابحن أم مكتوم العمحى‪ .‬قال ابحن عباس ومقاتحل‪( :‬لمحا نزل "ومحن‬
‫كان في هذه أعمى" [السراء‪ ]72 :‬قال ابن أم مكتوم‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬فأنا في الدنيا أعمى أفأكون‬
‫في الخرة أعمى؟ فنزلت "فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"‪ .‬أي من‬
‫كان في هذه أعمى بقلبه عن السلم فهو في الخرة في النار)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف ال وعده وإن يوما عند ربحك كألف سنة مما‬
‫تعدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويستعجلونك بالعذاب" نزلت في النضر بن الحارث‪ ،‬وهو قوله‪" :‬فأتنا بما تعدنا‬
‫إن كنت من الصادقين" [العراف‪ .]70 :‬وقيل‪ :‬نزلت في أبي جهل بن هشام‪ ،‬وهو قوله‪" :‬اللهم‬
‫إن كان هذا هحو الححق محن عندك" [النفال‪" .]32 :‬ولن يخلف ال وعده" أي فحي إنزال العذاب‪.‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬استعجلوا العذاب فأعملهم ال أنه ل يفوته شيء؛ وقد نزل بهم في الدنيا يوم بدر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يومحا عنحد ربحك كألف سحنة ممحا تعدون" قال ابحن عباس ومجاهحد‪( :‬يعنحي محن‬
‫اليام التححي خلق ال فيهححا السححموات والرض)‪ .‬عكرمححة‪ :‬يعنححي مححن أيام الخرة؛ أعلمهححم ال إذ‬
‫اسحتعجلوه بالعذاب فحي أيام قصحيرة أنحه يأتيهحم بحه فحي أيام طويلة‪ .‬قال الفراء‪ :‬هذا وعيحد لهحم بامتداد‬
‫عذابهحم فحي الخرة؛ أي يوم محن أيام عذابهحم فحي الخرة ألف سحنة‪ .‬وقيحل‪ :‬المعنحى وإن يومحا فحي‬
‫الخوف والشدة فحي الخرة كألف سحنة محن سحني الدنيحا فيهحا خوف وشدة؛ وكذلك يوم النعيحم قياسحا‪.‬‬
‫وقرأ ابححن كثيححر وحمزة والكسححائي "ممححا يعدون" بالياء المثناة تحححت‪ ،‬واختاره أبححو عبيححد لقوله‪:‬‬
‫"ويستعجلونك"‪ .‬والباقون بالتاء على الخطاب‪ ،‬واختاره أبو حاتم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة" أي أمهلتها مع عتوها‪" .‬ثم أخذتها" أي‬
‫بالعذاب‪" .‬وإلي المصير"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 - 49 :‬قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين‪ ،‬فالذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫لهم مغفرة ورزق كريم‪ ،‬والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل يا أيها الناس" يعني أهل مكة‪" .‬إنما أنا لكم نذير" أي منذر مخوف‪ .‬وقد تقدم‬
‫فحي البقرة النذار فحي أولهحا‪" .‬محبين" أي أبيحن لكحم محا تحتاجون إليحه محن أمحر دينكحم‪" .‬فالذيحن آمنوا‬
‫وعملوا الصحالحات لهحم مغفرة ورزق كريحم" يعنحي الجنحة‪" .‬والذيحن سحعوا فحي آياتنحا" أي فحي إبطال‬
‫آياتنححا‪" .‬معاجزيححن" أي مغالبيححن مشاقيححن؛ قال ابححن عباس‪( .‬الفراء‪ :‬معانديححن)‪ .‬وقال عبدال ابححن‬
‫الزبير‪ :‬مثبطين عن السلم‪ .‬وقال الخفش‪ :‬معاندين مسابقين‪ .‬الزجاج‪ :‬أي ظانين أنهم يعجزوننا‬
‫لنهححم ظنوا أن ل بعححث‪ ،‬وظنوا أن ال ل يقدر عليهححم؛ وقاله قتادة‪ .‬وكذلك معنححى قراءة ابححن كثيححر‬
‫وأبحححي عمرو "معجزيحححن" بل ألف مشددا‪ .‬ويجوز أن يكون معناه أنهحححم يعجزون المؤمنيحححن فحححي‬
‫اليمان بالنبي عليه السلم وباليات؛ قاله السدي‪ .‬وقيل‪ :‬أي ينسبون من اتبع محمدا صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى العجز؛ كقولهم‪ :‬جهلته وفسقته‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 52 :‬ومحا أرسحلنا محن قبلك محن رسحول ول نحبي إل إذا تمنحى ألقحى الشيطان فحي أمنيتحه‬
‫فينسخ ال ما يلقي الشيطان ثم يحكم ال آياته وال عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تمنى" أي قرأ وتل‪ .‬و"ألقى الشيطان في أمته" أي قراءته وتلوته‪ .‬وقد تقدم في‬
‫البقرة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وجاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ "وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي‬
‫ول محدث" ذكره مسلمة بن القاسم بن عبدال‪ ،‬ورواه سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس‪.‬‬
‫قال مسححلمة‪ :‬فوجدنححا المحدثيححن معتصححمين بالنبوة ‪ -‬على قراءة ابححن عباس ‪ -‬لنهححم تكلموا بأمور‬
‫عاليححة مححن أنباء الغيححب خطرات‪ ،‬ونطقوا بالحكمححة الباطنححة فأصححابوا فيمححا تكلموا وعصححموا فيمححا‬
‫نطقوا؛ كعمر بن الخطاب في قصة سارية‪ ،‬وما تكلم به من البراهين العالية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقحد ذكحر هذا الخحبر أبحو بكحر النباري قحي كتاب الرد له‪ ،‬وقحد حدثنحي أبحي رحمحه ال حدثنحا‬
‫علي بحن حرب حدثنحا سحفيان بحن عيينحة عحن عمرو عحن ابحن عباس رضحي ال عنهمحا أنحه قرأ "ومحا‬
‫أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي ول محدث" قال أبو بكر‪ :‬فهذا حديث ل يؤخذ به على أن ذلك‬
‫قرآن‪ .‬والمحدث هو الذي يوحي إليه في نومه؛ لن رؤيا النبياء وحي‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬إن هذه الية مشكلة من جهتين‪ :‬إحداهما‪ :‬أن قوما يرون أن النبياء صلوات ال‬
‫عليهم فيهم مرسلون وفيهم غير مرسلين‪ .‬وغيرهم يذهب إلى أنه ل يجوز أن يقال نبي حتى يكون‬
‫مرسحل‪ .‬والدليحل على صححة هذا قوله تعالى‪" :‬ومحا أرسحلنا محن قبلك محن رسحول ول نحبي" فأوجحب‬
‫للنحبي صحلى ال عليه وسلم الرسالة‪ .‬وأن معنحى "نبي" أنبحأ عن ال عحز وجحل‪ ،‬ومعنحى أنبحأ عن ال‬
‫عز وجل الرسال بعينه‪ .‬وقال الفراء‪ :‬الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل عليه السلم‬
‫إليحه عيانحا‪ ،‬والنحبي الذي تكون نبوتحه إلهامحا أو منامحا؛ فكحل رسحول نحبي وليحس كحل نحبي رسحول‪ .‬قال‬
‫المهدوي‪ :‬وهذا هو الصحيح‪ ،‬أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول‪ .‬وكذا ذكر القاضي عياض‬
‫في كتاب الشفا قال‪ :‬والصحيح والذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول؛‬
‫واحتحج بحديحث أبحي ذر‪ ،‬وأن الرسحل محن النحبياء ثلثمائة وثلثحة عشحر‪ ،‬أولهحم آدم وآخرهحم محمحد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫والجهحة الخرى التحي فيهحا الشكال وهحي الحاديحث المرويحة فحي نزول هذه اليحة‪ ،‬وليحس منهحا‬
‫شيء يصح‪ .‬وكان مما تموه به الكفار على عوامهم قولهم‪ :‬حق النبياء أل يعجزوا عن شيء‪ ،‬فلم‬
‫ل يأتينحا محمحد بالعذاب وقحد بالغنحا فحي عداوتحه؟ وكانوا يقولون أيضحا‪ :‬ينبغحي أل يجري عليهحم سحهو‬
‫وغلط؛ فحبين الرب سحبحانه أنهحم بشحر‪ ،‬والتحي بالعذاب هحو ال تعالى على محا يريحد‪ ،‬ويجوز على‬
‫البشر السهو والنسيان والغلط إلى أن يحكم ال آياته وينسخ حيل الشيطان‪ .‬روى الليث عن يونس‬
‫عن الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال‪ :‬قرأ رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسحلم "والنجحم إذا هوى" [النجحم‪ ]1 :‬فلمحا بلغ "أفرأيتحم اللت والعزى‪ .‬ومناة الثالثحة الخرى"‬
‫[النجم‪ ]20 - 19 :‬سها فقال‪( :‬إن شفاعتهم ترتجى) فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض‬
‫فسحلموا عليحه وفرحوا؛ فقال‪( :‬إن ذلك محن الشيطان) فأنزل ال تعالى‪" :‬ومحا أرسحلنا محن قبلك محن‬
‫رسول ول نبي" الية‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا حديث منقطع وفيه هذا المر العظيم‪ .‬وكذا حديث قتادة‬
‫وزاد فيحه (وإنهحن لهحن الغرانيحق العل)‪ .‬وأقطحع محن هذا محا ذكره الواقدي عحن كثيحر بحن زيحد عحن‬
‫المطلب بحن عبدال قال‪ :‬سحجد المشركون كلهحم إل الوليحد بحن المغيرة فإنحه أخحذ ترابحا محن الرض‬
‫فرفعه إلى جبهته وسجد عليه‪ ،‬وكان شيخا كبيرا‪ .‬ويقال إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص‪ ،‬حتى نزل‬
‫جبريحل عليحه السحلم فقرأ عليحه النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ فقال‪( :‬محا جئتحك بحه)! وأنزل ال "لقحد‬
‫كدت تركن إليهم شيئا قليل" [السراء‪ .]74 :‬قال النحاس‪ :‬وهذا حديث منكر منقطع ول سيما من‬
‫حديث الواقدي‪ .‬وفي البخاري أن الذي أخذ قبضة من تراب ورفعها إلى جبهته هو أمية بن خلف‪.‬‬
‫وسحيأتي تمام كلم النحاس على الحديحث ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬أخحر الباب‪ .‬قال ابحن عطيحة‪ :‬وهذا الحديحث‬
‫الذي فيحه هحي الغرانيحق العل وقحع فحي كتحب التفسحير ونحوهحا‪ ،‬ولم يدخله البخاري ول مسحلم‪ ،‬ول‬
‫ذكره فحي علمحي مصحنف مشهور؛ بحل يقتضحي مذهحب أهحل الحديحث أن الشيطان ألقحى‪ ،‬ول يعينون‬
‫هذا السحبب ول غيره‪ .‬ول خلف أن إلقاء الشيطان إنمحا هحو للفاظ مسحموعة؛ بهحا وقعحت الفتنحة‪ .‬ثحم‬
‫اختلف الناس فحي صحورة هذا اللقاء‪ ،‬فالذي فحي التفاسحير وهحو مشهور القول أن النحبي صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم تكلم بتلك اللفاظ على لسحانه‪ .‬وحدثنحي أبحي رضحي ال عنحه أنحه لقحي بالشرق محن شيوخ‬
‫العلماء والمتكلميححن مححن قال‪ :‬هذا ل يجوز على النححبي صححلى ال عليححه وسححلم وهححو المعصححوم فححي‬
‫التبليحغ‪ ،‬وإنمحا المحر أن الشيطان نطحق بلفحظ أسحمعه الكفار عنحد قول النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪:‬‬
‫"أفرأيتحم اللت والعزى‪ .‬ومناة الثالثحة الخرى" [النجحم‪ ]20 - 19 :‬وقرب صحوته محن صحوت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم حتى التبس المر على المشركين‪ ،‬وقالوا‪ :‬محمد قرأها‪ .‬وقد روي نحو‬
‫هذا التأويحل عحن المام أبحي المعالي‪ .‬وقيحل‪ :‬الذي ألقحى شيطان النحس؛ كقوله عحز وجحل‪" :‬والغوا‬
‫فيه" [فصلت‪ .]26 :‬قتادة‪ :‬هو ما تله ناعسا‪.‬‬
‫وقال القاضي عياض في كتاب الشفا بعد أن ذكر الدليل على صدق النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وأن المة أجمعت فيما طريقه البلغ أنه معصوم فيه من الخبار عن شيء بخلف ما هو عليه‪،‬‬
‫ل قصحدا ول عمدا ول سحهوا وغلطحا‪ :‬اعلم أكرمحك ال أن لنحا فحي الكلم على مشكحل هذا الحديحث‬
‫مأخذين‪ :‬أحدهمحا‪ :‬فحي توهيحن أصله‪ ،‬والثانحي على تسليمه‪ .‬أمحا المأخحذ الول فيكفيحك أن هذا حديحث‬
‫لم يخرجه أحد من أهل الصحة‪ ،‬ول رواه بسند سليم متصل ثقة؛ وإنما أولع به وبمثله المفسرون‬
‫والمؤرخون المولعون بكل غريب‪ ،‬المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم‪ .‬قال أبو بكر البزار‪:‬‬
‫وهذا الحديحث ل نعلمحه يروى عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم بإسحناد متصحل يجوز ذكره؛ إل محا‬
‫رواه شعبحة عحن أبحي بشحر عحن سحعيد بحن جحبير عحن ابحن عباس (فيمحا أحسحب‪ ،‬الشحك فحي الحديحث أن‬
‫النحبي صحلى ال عليحه وسحلم كان بمكحة‪ )...‬وذكحر القصحة‪ .‬ولم يسحنده عحن شعبحة إل أميحة بحن خالد‪،‬‬
‫وغيره يرسله عن سعيد بن جبير‪ .‬وإنما يعرف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس؛ فقد بين‬
‫لك أبحو بكحر رحمحه ال أنحه ل يعرف محن طريحق يجوز ذكره سحوى هذا‪ ،‬وفيحه محن الضعحف محا نبحه‬
‫عليه مع وقوع الشك فيه الذي ذكرناه‪ ،‬الذي ل يوثق به ول حقيقة معه‪ .‬وأما حديث الكلبي فما ل‬
‫تجوز الروايحة عنحه ول ذكره لقوة ضعفحه وكذبحه؛ كمحا أشار إليحه البزار رحمحه ال‪ .‬والذي منحه فحي‬
‫الصحححيح‪ :‬أن النححبي صححلى ال عليححه وسححلم قرأ "والنجححم" بمكححة فسححجد وسححجد معححه المسححلمون‬
‫والمشركون والجن والنس؛ هذا توهينه من طريق النقل‪.‬‬
‫وأما المأخذ الثاني فهو مبني على تسليم الحديث لو صح‪ .‬وقد أعاذنا ال من صحته‪ ،‬ولكن على‬
‫كحل حال فقحد أجاب أئمحة المسحلمين عنحه بأجوبحة؛ منهحا الغحث والسحمين‪ .‬والذي يظهحر ويترجحح فحي‬
‫تأويله على تسليمه أن النبي صلى ال عليه وسلم كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيل‪ ،‬ويفصل‬
‫الي تفصحيل فحي قراءتحه؛ كمحا رواه الثقات عنحه‪ ،‬فيمكحن ترصحد الشيطان لتلك السحكنات ودسحه فيهحا‬
‫ما اختلقه من تلك الكلمات‪ ،‬محاكيا نغمة النبي صلى ال عليه وسلم بحيث يسمعه من دنا إليه من‬
‫الكفار‪ ،‬فظنوها من قول النبي صلى ال عليه وسلم وأشاعوها‪ .‬ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ‬
‫السحورة قبحل ذلك على محا أنزلهحا ال‪ ،‬وتحققهحم محن حال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فحي ذم الوثان‬
‫وعيبها ما عرف منه؛ فيكون ما روي من حزن النبي صلى ال عليه وسلم لهذه الشاعة والشبهة‬
‫وسبب هذه الفتنة‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪" :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي" الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا التأويل‪ ،‬أحسن ما قيل في هذا‪ .‬وقد قال سليمان بن حرب‪ :‬إن "في" بمعنى عنده؛ أي‬
‫ألقحى الشيطان فحي قلوب الكفار عنحد تلوة النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ كقوله عحز وجحل‪" :‬ولبثحت‬
‫فينا" [الشعراء‪ ]18 :‬أي عندنا‪ .‬وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء الشرق‪،‬‬
‫وإليحه أشار القاضحي أبحو بكحر بحن العربحي‪ ،‬وقال قبله‪ :‬إن هذه اليحة نحص فحي غرضنحا‪ ،‬دليحل على‬
‫صححة مذهبنحا‪ ،‬أصحل فحي براءة النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ممحا ينسحب إليحه أنحه قاله؛ وذلك أن ال‬
‫تعالى قال‪" :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" أي في‬
‫تلوته‪ .‬فأخبر ال تعالى أن من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه إذا قالوا عن ال تعالى قول زاد‬
‫الشيطان فيحه من قبحل نفسه كمحا يفعحل سائر المعاصحي‪ .‬تقول‪ :‬ألقيحت في دار كذا وألقيحت فحي الكيحس‬
‫كذا؛ فهذا نص في الشيطان أنه زاد في الذي قال النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم تكلم به‪ .‬ثم ذكر معنى كلم عياض إلى أن قال‪ :‬وما هدي لهذا إل الطبري لجللة قدره‬
‫وصفاء فكره وسعة باعه في العلم‪ ،‬وشدة ساعده في النظر؛ وكأنه أشار إلى هذا الغرض‪ ،‬وصوب‬
‫على هذا المرمحى‪ ،‬وقرطحس بعدمحا ذكحر فحي ذلك روايات كثيرة كلهحا باطحل ل أصحل لهحا‪ ،‬ولو شاء‬
‫ربك لما رواها أحد ول سطرها‪ ،‬ولكنه فعال لما يريد‪.‬‬
‫وأمححا غيره مححن التأويلت فمححا حكاه قوم أن الشيطان أكرهححه حتححى قال كذا فهححو محال؛ إذ ليححس‬
‫للشيطان قدرة على سحلب النسحان الختيار‪ ،‬قال ال تعالى مخحبرا عنحه‪" :‬ومحا كان لي عليكحم محن‬
‫سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي" [إبراهيم‪]22 :‬؛ ولو كان للشيطان هذه القدرة لما بقي لحد‬
‫محن بنحي آدم قوة فحي طاعحة‪ ،‬ومحن توهحم أن للشيطان هذه القوة فهحو قول الثنويحة والمجوس فحي أن‬
‫الخير من ال والشر من الشيطان‪ .‬ومن قال جرى ذلك على لسانه سهوا قال‪ :‬ل يبعد أنه كان سمع‬
‫الكلمتيحن محن المشركيحن وكانتحا على حفظحه فجرى عنحد قراءة السحورة محا كان فحي حفظحه سحهوا؛‬
‫وعلى هذا يجوز السححهو عليهححم ول يقرون عليححه‪ ،‬وأنزل ال عححز وجححل هذه اليححة تمهيدا لعذره‬
‫وتسحليه له؛ لئل يقال‪ :‬إنحه رجحع عحن بعحض قراءتحه‪ ،‬وبيحن أن مثحل هذا جرى على النحبياء سحهوا‪،‬‬
‫والسحهو إنمحا ينتفحي عحن ال تعالى‪ ،‬وقحد قال ابحن عباس‪( :‬إن شيطانحا يقال له البيحض كان قحد أتحى‬
‫رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فحي صحورة جبريحل عليحه السحلم وألقحى فحي قراءة النحبي صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم‪ :‬تلك الغرانيحق العل‪ ،‬وأن شفاعتهحن لترتجحى)‪ .‬وهذا التأويحل وإن كان أشبحه ممحا قبله‬
‫فالتأويححل الول عليححه المعول‪ ،‬فل يعدل عنححه إلى غيره لختيار العلماء المحققيححن إياه‪ ،‬وضعححف‬
‫الحديحث مغحن عحن كحل تأويحل‪ ،‬والحمحد ل‪ .‬وممحا يدل على ضعفحه أيضحا وتوهينحه محن الكتاب قوله‬
‫تعالى‪" :‬وإن كادوا ليفتنونحك" [السحراء‪ ]73 :‬اليتيحن؛ فإنهمحا تردان الخحبر الذي رووه؛ لن ال‬
‫تعالى ذكححر أنهححم كادوا يفتنونححه حتححى يفتري‪ ،‬وأنححه لول أن ثبتححه لكان يركححن إليهححم‪ .‬فمضمون هذا‬
‫ومفهومحه أن ال تعالى عصحمه محن أن يفتري وثبتحه حتحى لم يركحن إليهحم قليل فكيحف كثيرا‪ ،‬وهحم‬
‫يروون فحي أخبارهحم الواهيحة أنحه زاد على الركون والفتراء بمدح آلهتهحم‪ ،‬وأنحه قال عليحه الصحلة‬
‫والسلم‪ :‬افتريت على ال وقلت ما لم يقل‪ .‬وهذا ضد مفهوم الية‪ ،‬وهي تضعف الحديث لو صح؛‬
‫فكيف ول صحة له‪ .‬وهذا مثل قوله تعالى‪" :‬ولول فضل ال عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن‬
‫يضلوك ومحا يضلون إل أنفسحهم ومحا يضرونحك محن شيحء" [النسحاء‪ .]113 :‬قال القشيري‪ :‬ولقحد‬
‫طالبتحه قريحش وثقيحف إذ محر بآلهتهحم أن يقبحل بوجهحه إليهحا‪ ،‬ووعده باليمان بحه إن فعحل ذلك‪ ،‬فمحا‬
‫فعححل! ول كان ليفعححل! قال ابححن النباري‪ :‬مححا قارب الرسححول ول ركححن‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي كادوا‪،‬‬
‫ودخلت إن واللم للتأكيححد‪ .‬وقححد قيححل‪ :‬إن معنححى "تمنححى" حدث‪ ،‬ل "تل"‪ .‬روي عححن علي بححن أبححي‬
‫طلححة عحن ابحن عباس فحي قوله عحز وجحل‪"( :‬إل إذا تمنحى" قال‪ :‬إل إذا حدث "ألقحى الشيطان فحي‬
‫أمنيتححه") قال‪ :‬فححي حديثححه "فينسححخ ال مححا يلقححي الشيطان" قال‪ :‬فيبطححل ال مححا يلقححي الشيطان‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهذا من أحسن ما قيل في الية وأعله وأجله‪ .‬وقد قال أحمد بن محمد بن حنبل بمصر‬
‫صحيفة في التفسير‪ ،‬رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا‪.‬‬
‫والمعنحى عليحه‪ :‬أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم كان إذا حدث نفسحه ألقحى الشيطان فحي حديثحه على‬
‫جهحة الحيطحة فيقول‪ :‬لو سحألت ال عحز وجحل أن يغنمحك ليتسحع المسحلمون؛ ويعلم ال عحز وجحل أن‬
‫الصحلح فحي غيحر ذلك؛ فيبطحل محا يلقحي الشيطان كمحا قال ابحن عباس رضحي ال عنهمحا‪ .‬وحكحى‬
‫الكسائي والفراء جميعا "تمنى" إذا حدث نفسه؛ وهذا هو المعروف في اللغة‪ .‬وحكيا أيضا "تمنى"‬
‫إذا تل‪ .‬وروي عن ابن عباس أيضا وقاله مجاهد والضحاك وغيرهما‪ .‬وقال أبو الحسن بن مهدي‪:‬‬
‫ليحس هذا التمنحي محن القرآن والوححي فحي شيحء‪ ،‬وإنمحا كان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم إذا صحفرت‬
‫يداه محن المال‪ ،‬ورأى محا بأصححابه محن سحوء الحال‪ ،‬تمنحى الدنيحا بقلبحه ووسحوسة الشيطان‪ .‬وذكحر‬
‫المهدوي عن ابن عباس أن المعنى‪( :‬إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه)؛ وهو اختيار الطبري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله تعالى‪" :‬ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة" الية‪ ،‬يرد حديث النفس‪ ،‬وقد قال ابن عطية‪:‬‬
‫ل خلف أن إلقاء الشيطان إنما هو للفاظ مسموعة‪ ،‬بها وقعت الفتنة؛ فال أعلم‪ .‬قال النحاس‪ :‬ولو‬
‫صحح الحديحث واتصحل إسحناده لكان المعنحى فيحه صححيحا‪ ،‬ويكون معنحى سحها أسحقط‪ ،‬ويكون تقديره‪:‬‬
‫أفرأيتم اللت والعزى؛ وتم الكلم‪ ،‬ثم أسقط (والغرانيق العل) يعني الملئكة (فإن شفاعتهم) يعود‬
‫الضميحر على الملئكحة‪ .‬وأمحا محن روى‪ :‬فإنهحن الغرانيحق العل‪ ،‬ففحي روايتحه أجوبحة؛ منهحا أن يكون‬
‫القول محذوفحا كمحا تسحتعمل العرب فحي أشياء كثيرة‪ ،‬ويجوز أن يكون بغيحر حذف‪ ،‬ويكون توبيخحا؛‬
‫لن قبله "أفرأيتححم" ويكون هذا احتجاجححا عليهححم؛ فإن كان فححي الصححلة فقححد كان الكلم مباحححا فححي‬
‫الصلة‪ .‬وقد روى في هذه القصة أنه كان مما يقرأ‪ :‬أفرأيتم اللت والعزى‪ .‬ومناة الثالثة الخرى‪.‬‬
‫والغرانقححة العل‪ .‬وأن شفاعتهححن لترتجححى‪ .‬روى معناه عححن مجاهححد‪ .‬وقال الحسححن‪ :‬أراد بالغرانيححق‬
‫العل الملئكححة؛ وبهذا فسححر الكلبححي الغرانقححة أنهححا الملئكححة‪ .‬وذلك أن الكفار كانوا يعتقدون [أن]‬
‫الوثان والملئكحة بنات ال‪ ،‬كمحا حكحى ال تعالى عنهحم‪ ،‬ورد عليهحم فحي هذه السحورة بقوله "ألكحم‬
‫الذكحر وله النثحى" فأنكحر ال كحل هذا محن قولهحم‪ .‬ورجاء الشفاعحة محن الملئكحة صححيح؛ فلمحا تأوله‬
‫المشركون على أن المراد بهذا الذكححر آلهتهححم ولبححس عليهححم الشيطان بذلك‪ ،‬نسححخ ال مححا ألقححى‬
‫الشيطان‪ ،‬وأحكم ال آياته‪ ،‬ورفع تلوة تلك اللفظتين اللتين وجد الشيطان بهما سبيل للتلبيس‪ ،‬كما‬
‫نسخ كثير من القرآن؛ ورفعت تلوته‪ .‬قال القشيري‪ :‬وهذا غير سديد؛ لقوله‪" :‬فينسخ ال ما يلقي‬
‫الشيطان" أي يبطله‪ ،‬وشفاعحة الملئكحة غيحر باطلة‪" .‬وال عليحم حكيحم" "عليحم" بمحا أوححى إلى نحبيه‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" .‬حكيم" في خلقه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 53 :‬ليجعحل محا يلقحي الشيطان فتنحة للذيحن فحي قلوبهحم مرض والقاسحية قلوبهحم وإن‬
‫الظالمين لفي شقاق بعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليجعحل محا يلقحي الشيطان فتنحة" أي ضللة‪" .‬للذيحن فحي قلوبهحم مرض" أي شرك‬
‫ونفاق‪" .‬والقاسحية قلوبهحم" فل تليحن لمحر ال تعالى‪ .‬قال الثعلبحي‪ :‬وفحي اليحة دليحل على أن النحبياء‬
‫يجوز عليهحم السحهو والنسحيان والغلط بوسحواس الشيطان أو عنحد شغحل القلب حتحى يغلط‪ ،‬ثحم ينبحه‬
‫ويرجع إلى الصحيح؛ وهو معنى قوله‪" :‬فينسخ ال ما يلقي الشيطان ثم يحكم ال آياته"‪ .‬ولكن إنما‬
‫يكون الغلط على حسحب محا يغلط أحدنحا‪ ،‬فأمحا محا يضاف إليه محن قولهحم‪ :‬تلك الغرانيحق العل‪ ،‬فكذب‬
‫على النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ لن فيحه تعظيحم الصحنام‪ ،‬ول يجوز ذلك على النحبياء‪ ،‬كمحا ل‬
‫يجوز أن يقرأ بعض القرآن ثم ينشد شعرا ويقول‪ :‬غلطت وظننته قرآنا‪" .‬وإن الظالمين لفي شقاق‬
‫بعيد" أي الكافرين لفي خلف وعصيان ومشاقة ل عز وجل ولرسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد‬
‫تقدم في "البقرة" والحمد ل وحده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن ال‬
‫لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليعلم الذين أوتوا العلم" أي من المؤمنين‪ .‬وقيل‪ :‬أهل الكتاب‪" .‬أنه" أي أن الذي‬
‫أحكم من آيات القرآن هو "الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم" أي تخشع وتسكن‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫تخلص‪" .‬وإن ال لهادي الذيححن آمنوا" قرأ أبححو حيوة "وإن ال لهاد الذيححن آمنوا" بالتنويححن‪" .‬إلى‬
‫صراط مستقيم" أي يثبتهم على الهداية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬ول يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم‬
‫عقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يزال الذين كفروا في مرية منه" يعني في شك من القرآن؛ قال ابن جريج‪.‬‬
‫وغيره‪ :‬محن الديحن؛ وهحو الصحراط المسحتقيم‪ .‬وقيحل‪ :‬ممحا ألقحى الشيطان على لسحان محمحد صحلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ويقولون‪ :‬ما باله ذكر الصنام بخير ثم ارتد عنها‪ .‬وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي "في‬
‫مريحة" بضحم الميحم‪ .‬والكسحر أعرف؛ ذكره النحاس‪" .‬حتحى تأتيهحم السحاعة" أي القيامحة‪" .‬بغتحة" أي‬
‫فجأة‪" .‬أو يأتيهححم عذاب يوم عقيححم" قال الضحاك‪ :‬عذاب يوم ل ليلة له وهححو يوم القيامححة‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫سمي يوم القيامة عقيما لنه ليس يعقب بعده يوما مثله؛ وهو معنى قول الضحاك‪ .‬والعقيم في اللغة‬
‫عبارة عمححن ل يكون له ولد؛ ولمححا كان الولد يكون بيححن البويححن وكانححت اليام تتوالى قبححل وبعححد‪،‬‬
‫جعحل التباع فيهحا بالبعديحة كهيئة الولدة‪ ،‬ولمحا لم يكحن بعحد ذلك اليوم يوم وصحف بالعقيحم‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس ومجاهحد وقتادة‪ :‬المراد عذاب يوم بدر‪ ،‬ومعنحى عقيحم ل مثحل له فحي عظمحه؛ لن الملئكحة‬
‫قاتلت فيحه‪ .‬ابحن جريحج‪ :‬لنهحم لم ينظروا فيحه إلى الليحل‪ ،‬بحل قتلوا قبحل المسحاء فصحار يومحا ل ليلة له‪.‬‬
‫وكذلك يكون معنحى قول الضحاك أنحه يوم القيامحة؛ لنحه ل ليلة له‪ .‬وقيحل‪ :‬لنحه لم يكحن فيحه رأفحة ول‬
‫رحمحة‪ ،‬وكان عقيمحا محن كحل خيحر؛ ومنحه قوله تعالى‪" :‬إذ أرسحلنا عليهحم الريحح العقيحم" [الذاريات‪:‬‬
‫‪ ]41‬أي التي ل خير فيها ول تأتي بمطر ول رحمة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 57 - 56 :‬الملك يومئذ ل يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات‬
‫النعيم‪ ،‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الملك يومئذ ل يحكحم بينهحم" يعنحي يوم القيامحة هحو ل وحده ل منازع له فيحه ول‬
‫مدافحع‪ .‬والملك هحو اتسحاع المقدور لمحن له تدبيحر المور‪ .‬ثحم بيحن حكمحه فقال‪" :‬فالذيحن آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات في جنات النعيم‪ .‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقحد يحتمحل أن تكون الشارة بحح "يومئذ" ليوم بدر‪ ،‬وقحد حكحم فيحه بإهلك الكافحر وسحعادة‬
‫المؤمن؛ وقد قال عليه السلم لعمر‪( :‬وما يدريك لعل ال اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم‬
‫فقد غفرت لكم)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 59 - 58 :‬والذين هاجروا في سبيل ال ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم ال رزقا حسنا‬
‫وإن ال لهو خير الرازقين‪ ،‬ليدخلنهم مدخل يرضونه وإن ال لعليم حليم}‬
‫@ أفرد ذكر المهاجرين الذين ماتوا وقتلوا تفضيل لهم وتشريفا على سائر الموتى‪.‬‬
‫وسحبب نزول هذه اليحة أنحه لمحا مات بالمدينحة عثمان بحن مظعون وأبحو سحلمة بحن عبحد السحد قال‬
‫بعحض الناس‪ :‬محن قتحل فحي سحبيل ال أفضحل ممحن مات حتحف أنفحه؛ فنزلت هذه اليحة مسحوية بينهحم‪،‬‬
‫وأن ال يرزق جميعهحم رزقحا حسحنا‪ .‬وظاهحر الشريعحة يدل على أن المقتول أفضحل‪ .‬وقحد قال بعحض‬
‫أهل العلم‪ :‬إن المقتول في سبيل ال والميت في سبيل ال شهيد؛ ولكن للمقتول مزية ما أصابه في‬
‫ذات ال‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬هما سواء‪ ،‬واحتج بالية‪ ،‬وبقوله تعالى‪" :‬ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى‬
‫ال ورسحوله ثحم يدركحه الموت فقحد وقحع أجره على ال" [النسحاء‪ ،]100 :‬وبحديحث أم حرام؛ فإنهحا‬
‫صحرعت عحن دابتهحا فماتحت ولم تقتحل فقال لهحا النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬أنحت محن الوليحن)‪،‬‬
‫وبقول النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فحي حديحث عبدال بحن عتيحك‪( :‬محن خرج محن بيتحه مهاجرا فحي‬
‫سبيل ال فخر عن دابته فمات أو لدغته حية فمات أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على ال ومن‬
‫مات قعصحا فقحد اسحتوجب المآب)‪ .‬وذكحر ابحن المبارك عحن فضالة بحن عبيحد فحي حديحث ذكحر فيحه‬
‫رجلين أحدهما أصيب في غزاة بمنجنيق فمات والخر مات هناك؛ فجلس فضالة عند الميت فقيل‬
‫له‪ :‬تركححت الشهيححد ولم تجلس عنده؟ فقال‪ :‬مححا أبالي مححن أي حفرتيهمححا بعثححت؛ ثححم تل قوله تعالى‪:‬‬
‫"والذين هاجروا فحي سحبيل ال ثحم قتلوا أو ماتوا" اليحة كلها‪ .‬وقال سليمان بن عامر‪ :‬كان فضالة‬
‫برودس أميرا على الرباع فخرج بجنازتي رجلين أحدهما قتيل والخر متوفي؛ فرأى ميل الناس‬
‫مع جنازة القتيل إلى حفرته؛ فقال‪ :‬أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل! فوالذي نفسي بيده ما أبالي‬
‫من أي حفرتيهما بعثت‪ ،‬اقرؤوا قوله تعالى‪" :‬والذين هاجروا في سبيل ال ثم قتلوا أو ماتوا"‪ .‬كذا‬
‫ذكره الثعلبحي فحي تفسحيره‪ ،‬وهحو معنحى محا ذكره ابحن المبارك‪ .‬واحتحج محن قال‪ :‬إن للمقتول زيادة‬
‫فضل بما ثبت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه سئل‪ :‬أي الجهاد أفضل؟ قال‪( :‬من أهريق‬
‫دمه وعقر جواده)‪ .‬وإذا كان من أهريق دمه وعقر جواده أفضل الشهداء علم أنه من لم يكن بتلك‬
‫الصححفة مفضول‪ .‬قرأ ابححن عامححر وأهححل الشام "قتلوا" بالتشديححد على التكثيححر‪ .‬الباقون بالتخفيححف‪.‬‬
‫"ليدخلنهحم مدخل يرضونحه" أي الجنان‪ .‬قراءة أهحل المدينحة "مدخل" بفتحح الميحم؛ أي دخول‪.‬‬
‫وضمها الباقون‪ ،‬وقد مضى في السراء‪" .‬وإن ال لعليم حليم" قال ابن عباس‪ :‬عليم بنياتهم‪ ،‬حليم‬
‫عن عقابهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 60 :‬ذلك ومحن عاقحب بمثحل محا عوقحب بحه ثحم بغحي عليحه لينصحرنه ال إن ال لعفحو‬
‫غفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك ومحن عاقحب" "ذلك" فحي موضحع رفحع؛ أي ذلك المحر الذي قصحصنا عليحك‪.‬‬
‫قال مقاتل‪ :‬نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا‪:‬‬
‫إن أصحححاب محمححد يكرهون القتال فححي الشهححر الحرام فاحملوا عليهححم؛ فناشدهححم المسححلمون أل‬
‫يقاتلوهم في الشهر الحرام؛ فأبى المشركون إل القتال‪ ،‬فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم ال‬
‫على المشركين؛ وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء؛ فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫وقيحل‪ :‬نزلت فحي قوم محن المشركيحن‪ ،‬مثلوا بقوم محن المسحلمين قتلوهحم يوم أححد فعاقبهحم رسحول ال‬
‫بمثله‪ .‬فمعنحى "محن عاقحب بمثحل محا عوقحب بحه" أي محن جازى الظالم بمثحل محا ظلمحه؛ فسحمى جزاء‬
‫العقوبة عقوبة لستواء الفعلين في الصورة؛ فهو مثل "وجزاء سيئة سيئة مثلها" [الشورى‪.]40 :‬‬
‫ومثحل "فمحن اعتدى عليكحم فاعتدوا عليحه بمثحل محا اعتدى عليكحم" [البقرة‪ .]194 :‬وقحد تقدم‪" .‬ثحم‬
‫بغحي عليحه" أي بالكلم والزعاج محن وطنحه؛ وذلك أن المشركيحن كذبوا نحبيهم وآذوا محن آمحن بحه‬
‫وأخرجوه وأخرجوهحم محن مكحة‪ ،‬وظاهروا على إخراجهحم‪" .‬لينصحرنه ال" أي لينصحرن ال محمدا‬
‫صلى ال عليه وسلم وأصحابه؛ فإن الكفار بغوا عليهم‪" .‬إن ال لعفو غفور" أي عفا عن المؤمنين‬
‫ذنوبهم وقتالهم في الشهر الحرام وستر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 :‬ذلك بأن ال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن ال سميع بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأن ال يولج الليحل فحي النهار" أي ذلك الذي قصحصت عليحك محن نصحر‬
‫المظلوم هو بأني أنا الذي أولج الليل في النهار فل يقدر أحد على ما أقدر عليه؛ أي من قدر على‬
‫هذا قدر على أن ينصحر عبده‪ .‬وقحد مضحى فحي "آل عمران" معنحى يولج الليحل فحي النهار‪" .‬وأن ال‬
‫سحميع بصحير" يسحمع القوال ويبصحر الفعال‪ ،‬فل يعزب عنحه مثقال ذرة ول دبيحب نملة إل يعلمهحا‬
‫ويسمعها ويبصرها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 62 :‬ذلك بأن ال هحو الححق وأن محا يدعون محن دونحه هحو الباطحل وأن ال هحو العلي‬
‫الكبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأن ال هحو الححق" أي ذو الححق؛ فدينحه الححق وعبادتحه ححق‪ .‬والمؤمنون‬
‫يستحقون منه النصر بحكم وعده الحق "وأن ما يدعون من دونه هو الباطل" أي الصنام التي ل‬
‫استحقاق لها في العبادات‪ .‬وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر "وأن ما تدعون" بالتاء على‬
‫الخطاب‪ ،‬واختاره أبو حاتم‪ .‬الباقون بالياء على الخبر هنا وفي لقمان‪ ،‬واختاره أبو عبيد‪" .‬وأن ال‬
‫هححو العلي" أي العالي على كححل شيححء بقدرتححه‪ ،‬والعالي عححن الشباه والنداد‪ ،‬المقدس عمححا يقول‬
‫الظالمون مححن الصححفات التححي ل تليححق بجلله‪" .‬الكححبير" أي الموصححوف بالعظمححة والجلل وكححبر‬
‫الشأن‪ .‬وقيححل‪ :‬الكححبير ذو الكححبرياء‪ .‬والكححبرياء عبارة عححن كمال الذات؛ أي له الوجود المطلق أبدا‬
‫وأزل‪ ،‬فهو الول القديم‪ ،‬والخر الباقي بعد فناء خلقه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 63 :‬ألم تحر أن ال أنزل محن السحماء ماء فتصحبح الرض مخضرة إن ال لطيحف‬
‫خبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تحر أن ال أنزل محن السحماء ماء فتصحبح الرض مخضرة" دليحل على كمال‬
‫قدرته؛ أي من قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت؛ كما قال ال عز وجل‪" :‬فإذا أنزلنا‬
‫عليها الماء اهتزت وربت" [فصلت‪ .]39 :‬ومثله كثير‪" .‬فتصبح" ليس بجواب فيكون منصوبا‪،‬‬
‫وإنمحا هحو خحبر عنحد الخليحل وسحيبويه‪ .‬قال الخليحل‪ :‬المعنحى انتبحه! أنزل ال محن السحماء ماء فكان كذا‬
‫وكذا؛ كما قال‪:‬‬
‫وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق‬ ‫ألم تسأل الربع القواء فينطق‬
‫معناه قحد سحألته فنطحق‪ .‬وقيحل اسحتفهام تحقيحق؛ أي قحد رأيحت‪ ،‬فتأمحل كيحف تصحبح! أو عطحف لن‬
‫المعنى ألم تر أن ال ينزل‪ .‬وقال الفراء‪" :‬ألم تر" خبر؛ كما تقول في الكلم‪ :‬اعلم أن ال عز وجل‬
‫ينزل محن السحماء ماء‪" .‬فتصحبح الرض مخضرة" أي ذات خضرة؛ كمحا تقول‪ :‬مقلة ومسحبعة؛ أي‬
‫ذات بقحل وسحباع‪ .‬وهحو عبارة عحن اسحتعجالها إثحر نزول الماء بالنبات واسحتمرارها كذلك عادة‪ .‬قال‬
‫ابحن عطيحة‪ :‬وروي عحن عكرمحة أنحه قال‪ :‬هذا ل يكون إل بمكحة وتهامحة‪ .‬ومعنحى هذا‪ :‬أنحه أخحذ قوله‬
‫"فتصحبح" مقصحودا بحه صحباح ليلة المطحر وذهحب إلى أن ذلك الخضرار يتأخحر فحي سحائر البلد‪،‬‬
‫وقحد شاهدت هذا [فحي] السحوس القصحى نزل المطحر ليل بعحد قححط أصحبحت تلك الرض الرملة‬
‫التححي نسححفتها الرياح قححد أخضرت بنبات ضعيححف رقيححق‪" .‬إن ال لطيححف خححبير" قال ابححن عباس‪:‬‬
‫("خحبير" بمحا ينطوي عليحه العبحد محن القنوط عنحد تأخيحر المطحر‪" .‬لطيحف" بأرزاق عباده)‪ .‬وقيحل‪:‬‬
‫لطيف باستخراج النبات من الرض‪ ،‬خبير بحاجتهم وفاقتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 :‬له ما في السماوات وما في الرض وإن ال لهو الغني الحميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬له ما في السماوات وما في الرض" خلقا وملكا؛ وكل محتاج إلى تدبيره وإتقانه‪.‬‬
‫"وإن ال لهو الغني الحميد" فل يحتاج إلى شيء‪ ،‬وهو المحمود في كل حال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 65 :‬ألم تحر أن ال سحخر لكم ما فحي الرض والفلك تجري في البححر بأمره ويمسحك‬
‫السماء أن تقع على الرض إل بإذنه إن ال بالناس لرؤوف رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تر أن ال سخر لكم ما في الرض" ذكر نعمة أخرى‪ ،‬فأخبر أنه سخر لعباده‬
‫محا يحتاجون إليحه محن الدواب والشجحر والنهار‪" .‬والفلك" أي وسحخر لكحم الفلك فحي حال جريهحا‪.‬‬
‫وقرأ أبحو عبدالرحمحن العرج "والفلك" رفعحا على البتداء ومحا بعده خحبره‪ .‬الباقون بالنصحب نسحقا‬
‫على قوله "مححا فححي الرض"‪" .‬ويمسححك السححماء أن تقححع على الرض" أي كراهيححة أن تقححع‪ .‬وقال‬
‫الكوفيون‪ :‬لئل تقحع‪ .‬وإمسحاكه لهحا خلق السحكون فيهحا حال بعحد حال‪" .‬إل بإذنحه" أي إل بإذن ال لهحا‬
‫بالوقوع‪ ،‬فتقع بإذنه‪ ،‬أي بإرادته وبحيلته‪" .‬إن ال بالناس لرؤوف رحيم" أي في هذه الشياء التي‬
‫سخرها لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 66 :‬وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن النسان لكفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهحو الذي أحياكحم" أي بعحد أن كنتحم نطفحا‪" .‬ثحم يميتكحم" عنحد انقضاء آجالكحم‪" .‬ثحم‬
‫يحييكم" أي للحساب والثواب والعقاب‪" .‬إن النسان لكفور" أي لجحود لما ظهر من اليات الدالة‬
‫على قدرته ووحدانيته‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬يريد السود بن عبد السد وأبا جهل بن هشام والعاص بن‬
‫هشام وجماعحة محن المشركيحن‪ .‬وقيحل‪ :‬إنمحا قال ذلك لن الغالب على النسحان كفحر النعحم؛ كمحا قال‬
‫تعالى‪" :‬وقليل من عبادي الشكور" [سبأ‪.]13 :‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 67 :‬لكحل أمحة جعلنحا منسحكا هحم ناسحكوه فل ينازعنحك فحي المحر وادع إلى ربحك إنحك‬
‫لعلى هدى مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكل أمة جعلنا منسكا" أي شرعا‪" .‬هم ناسكوه" أي عاملون به‪" .‬فل ينازعنك في‬
‫المر" أي ل ينازعنك أحد منهم فيما يشرع لمتك؛ فقد كانت الشرائع في كل عصر‪ .‬وروت فرقة‬
‫أن هذه اليححة نزلت بسححبب جدال الكفار فححي أم الذبائح‪ ،‬وقولهححم للمؤمنيححن‪ :‬تأكلون مححا ذبحتححم ول‬
‫تأكلون محا ذبحح ال محن الميتحة‪ ،‬فكان محا قتحل ال أححق أن تأكلوه ممحا قتلتحم أنتحم بسحكاكينكم؛ فنزلت‬
‫اليحة بسحبب هذه المنازعحة‪ .‬وقحد مضحى هذا فحي "النعام" والحمحد ل‪ .‬وقحد تقدم فحي هذه السحورة محا‬
‫للعلماء فحي قوله تعالى "منسحكا" [الححج‪ .]34 :‬وقوله‪" :‬هحم ناسحكوه" يعطحي أن المنسحك المصحدر‪،‬‬
‫ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيحه‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬فل ينازعنحك فحي المر" أي فل يجادلنحك؛‬
‫ودل على هذا "وإن جادلوك"‪ .‬ويقال‪ :‬قحد نازعوه فكيحف قال فل ينازعنحك؛ فالجواب أن المعنحى فل‬
‫تنازعهحم أنحت‪ .‬نزلت اليحة قبحل المحر بالقتال؛ تقول‪ :‬ل يضاربنحك فلن فل تضاربحه أنحت؛ فيجري‬
‫هذا فحي باب المفاعلة‪ .‬ول يقال‪ :‬ل يضربنحك زيحد وأنحت تريحد ل تضرب زيدا‪ .‬وقرأ أبحو مجلز "فل‬
‫ينزعنحك فحي المحر" أي ل يسحتخلفنك ول يغلبنحك عحن دينحك‪ .‬وقراءة الجماعحة محن المنازعحة‪ .‬ولفحظ‬
‫النهحي فحي القراءتيحن للكفار‪ ،‬والمراد النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪" .‬وادع إلى ربحك" أي إلى توحيده‬
‫ودينه واليمان به‪" .‬إنك لعلى هدى" أي دين‪" .‬مستقيم" أي قويم ل اعوجاج فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 69 - 68 :‬وإن جادلوك فقل ال أعلم بما تعملون‪ ،‬ال يحكم بينكم يوم القيامة فيما‬
‫كنتم فيه تختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن جادلوك" أي خاصحموك يحا محمحد؛ يريحد مشركحي مكحة‪" .‬فقحل ال أعلم بمحا‬
‫تعملون" يريحد محن تكذيبهحم محمدا صحلى ال عليحه وسحلم؛ عحن ابحن عباس‪ .‬وقال مقاتحل‪( :‬هذه اليحة‬
‫نزلت على النبي صلى ال عليه وسلم ليلة السراء وهو في السماء السابعة لما رأى من آيات ربه‬
‫الكبرى؛ فأوحى ال إليه) "وإن جادلوك" بالباطل فدافعهم بقولك "ال أعلم بما تعملون" من الكفر‬
‫والتكذيحب؛ فأمره ال تعالى بالعراض عحن مماراتهحم صحيانة له عحن الشتغال بتعنتهحم؛ ول جواب‬
‫لصحاحب العناد‪" .‬ال يحكحم بينكحم يوم القيامحة" يريحد بيحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وقومحه‪" .‬فيمحا‬
‫كنتم فيه تختلفون" يريد في خلفكم آياتي‪ ،‬فتعرفون حينئذ الحق من الباطل‪.‬‬
‫مسحألة‪ :‬فحي هذه اليحة أدب حسحن علمحه ال عباده فحي الرد على محن جادل تعنتحا ومراء أل يجاب‬
‫ول يناظحر ويدفحع بهذا القول الذي علمحه ال لنحبيه صحلى ال عليحه وسحلم‪ .‬وقحد قيحل‪ :‬إن هذه اليحة‬
‫منسوخة بالسيف؛ يعني السكوت عن مخالفه والكتفاء بقوله‪" :‬ال يحكم بينكم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 70 :‬ألم تعلم أن ال يعلم ما في السماء والرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على ال‬
‫يسير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تعلم أن ال يعلم محا فحي السحماء والرض" أي وإذ قحد علمحت يحا محمحد هذا‬
‫وأيقنحت فاعلم أنحه يعلم أيضحا محا أنتحم مختلفون فيحه فهحو يحكحم بينكحم‪ .‬وقحد قيحل‪ :‬إنحه اسحتفهام تقريحر‬
‫للغيحر‪" .‬إن ذلك فحي كتاب" أي محا يجري فحي العالم فهحو مكتوب عنحد ال فحي أم الكتاب‪" .‬إن ذلك‬
‫على ال يسير" أي إن الفصل بين المختلفين على يسير‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى إن كتاب القلم الذي أمره أن‬
‫يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة على ال يسير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 71 :‬ويعبدون من دون ال ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين‬
‫من نصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويعبدون" يريحد كفار قريحش‪" .‬محن دون ال محا لم ينزل بحه سحلطانا" أي حجحة‬
‫وبرهانا‪ .‬وقد تقدم في (آل عمران)‪" .‬وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 72 :‬وإذا تتلى عليهحم آياتنحا بينات تعرف فحي وجوه الذيحن كفروا المنكحر يكادون‬
‫يسحطون بالذيحن يتلون عليهحم آياتنحا قحل أفأنبئكحم بشحر محن ذلكحم النار وعدهحا ال الذيحن كفروا وبئس‬
‫المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا تتلى عليهحم آياتنحا بينات" يعنحي القرآن‪" .‬تعرف فحي وجوه الذيحن كفروا‬
‫المنكر" أي الغضب والعبوس‪" .‬يكادون يسطون" أي يبطشون‪ .‬والسطوة شدة البطش؛ يقال‪ :‬سطا‬
‫بحه يسحطو إذا بطحش بحه؛ كان ذلك بضرب أو بشتحم‪ ،‬وسحطا عليحه‪" .‬بالذيحن يتلون عليهحم آياتنحا" وقال‬
‫ابححن عباس‪( :‬يسححطون يبسححطون إليهححم أيديهححم)‪ .‬محمححد بححن كعححب‪ :‬أي يقعون بهححم‪ .‬الضحاك‪ :‬أي‬
‫يأخذونهحم أخذا باليحد‪ ،‬والمعنحى واححد‪ .‬وأصحل السحطو القهحر‪ .‬وال ذو سحطوات؛ أي أخذات شديدة‪.‬‬
‫"قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار" أي أكره من هذا القرآن الذي تسمعون هو النار‪ .‬فكأنهم قالوا‪ :‬ما‬
‫الذي هحو شحر؛ فقيحل هحو النار‪ .‬وقيحل‪ :‬أي هحل أنبكحم بشحر ممحا يلححق تالي القرآن منكحم هحو النار؛‬
‫فيكون هذا وعيدا لهححم على سححطواتهم بالذيححن يتلون القرآن‪ .‬ويجوز فححي "النار" الرفححع والنصححب‬
‫والخفحض؛ فالرفحع على هحو النار‪ ،‬أو هحي النار‪ .‬والنصحب بمعنحى أعنحي‪ ،‬أو على إضمار فعحل مثحل‬
‫الثانحي‪ ،‬أو يكون محمول على المعنحى؛ أي أعرفكحم محن ذلكحم النار‪ .‬والخفحض على البدل‪" .‬وعدهحا‬
‫ال الذين كفروا" في القيامة‪" .‬وبئس المصير" أي الموضع الذي يصيرون إليه وهو النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 73 :‬يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون ال لن يخلقوا‬
‫ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا ل يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له" هذا متصل بقوله‪" :‬ويعبدون من دون ال‬
‫ما لم ينزل به سلطانا"‪ .‬وإنما قال "ضرب مثل" لن حجج ال تعالى عليهم بضرب المثال أقرب‬
‫إلى أفهامهحم‪ .‬فإن قيحل‪ :‬فأيحن المثحل المضروب؛ ففيحه وجهان‪ :‬الول‪ :‬قال الخفحش‪ :‬ليحس ثحم مثحل‪،‬‬
‫وإنما المعنى ضربوا لي مثل فاستمعوا قولهم؛ يعني أن الكفار جعلوا ل مثل بعبادتهم غيره؛ فكأنه‬
‫قال جعلوا لي شبيها في عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه‪ .‬الثاني‪ :‬قول القتبي‪ :‬وأن المعنى يا أيها‬
‫الناس‪ ،‬مثحل محن عبحد آلهحة لم تسحتطع أن تخلق ذبابحا وإن سحلبها الذباب شيئا لم تسحتطع أن تسحتنقذه‬
‫منحه‪ .‬وقال النحاس‪ :‬المعنحى ضرب ال عحز وجحل محا يعبحد محن دونحه مثل‪ ،‬قال‪ :‬وهذا محن أحسحن محا‬
‫قيل فيه؛ أي بين ال لكم شبها ولمعبودكم‪" .‬إن الذين تدعون من دون ال" قراءة العامة "تدعون"‬
‫بالتاء‪ .‬وقرأ السححلمي وأبححو العاليححة ويعقوب "يدعون" بالياء على الخححبر‪ .‬والمراد الوثان الذيححن‬
‫عبدوهحم محن دون ال‪ ،‬وكانحت حول الكعبححة‪ ،‬وهحي ثلثمائة وسحتون صحنما‪ .‬وقيححل‪ :‬السحادة الذيححن‬
‫صرفوهم عن طاعة ال عز وجل‪ .‬وقيل‪ :‬الشياطين الذين حملوهم على معصية ال تعالى؛ والول‬
‫أصوب‪" .‬لن يخلقوا ذبابا" الذباب اسم واحد للذكر والنثى‪ ،‬والجمع القليل أذبة والكثير ذبان؛ على‬
‫مثل غراب وأغربة وغربان؛ وسمي به لكثرة حركته‪ .‬الجوهري‪ :‬والذباب معروف الواحدة ذبابة‪،‬‬
‫ول تقحل ذبانحة‪ .‬والمذبحة محا يذب بحه الذباب‪ .‬وذباب أسحنان البحل حدهحا‪ .‬وذباب السحيف طرفحه الذي‬
‫يضرب بحه‪ .‬وذباب العيحن إنسحانها‪ .‬والذبابحة البقيحة محن الديحن‪ .‬وذبحب النهار إذا لم يبحق منحه إل بقيحة‪.‬‬
‫والتذبذب التحرك‪ .‬والذبذبحة نوس الشيحء المعلق فحي الهواء‪ .‬والذبذب الذكحر لتردده‪ .‬وفحي الحديحث‬
‫(من وقي شر ذبذبه)‪ .‬وهذا مما لم يذكره ‪ -‬أعني ‪ -‬قوله‪ :‬وفي الحديث‪" .‬وإن يسلبهم الذباب شيئا‬
‫ل يسحتنقذوه منحه" السحتنقاذ والنقاذ التخليحص‪ .‬قال ابحن عباس‪( :‬كانوا يطلون أصحنامهم بالزعفران‬
‫فتجححف فيأتححي فيختلسححه)‪ .‬وقال السححدي‪ :‬كانوا يجعلون للصححنام طعامححا فيقححع عليححه الذباب فيأكله‪.‬‬
‫"ضعف الطالب والمطلوب" قيل‪ :‬الطالب اللهة والمطلوب الذباب‪ .‬وقيل بالعكس‪ .‬وقيل‪ :‬الطالب‬
‫عابححد الصححنم والمطلوب الصححنم؛ فالطالب يطلب إلى هذا الصححنم بالتقرب إليححه‪ ،‬والصححنم المطلوب‬
‫إليه‪ .‬وقد قيل‪" :‬وإن يسلبهم الذباب شيئا" راجع إلى ألمه في قرص أبدانهم حتى يسلبهم الصبر لها‬
‫والوقار معها‪ .‬وخص الذباب لربعة أمور تخصه‪ :‬لمهانته وضعفه ولستقذاره وكثرته؛ فإذا كان‬
‫هذا الذي هححو أضعححف الحيوان وأحقره ل يقدر مححن عبدوه مححن دون ال عححز وجححل على خلق مثله‬
‫ودفحع أذيتحه فكيحف يجوز أن يكونوا آلهحة معبوديحن وأربابحا مطاعيحن‪ .‬وهذا محن أقوى حجحة وأوضحح‬
‫برهان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 74 :‬ما قدروا ال حق قدره إن ال لقوي عزيز}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محا قدروا ال ححق قدره" أي محا عظموه ححق عظمتحه؛ حيحث جعلوا هذه الصحنام‬
‫شركاء له‪ .‬وقد مضى في "النعام"‪" .‬إن ال لقوي عزيز" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 76 - 75 :‬ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس إن ال سميع بصير‪ ،‬يعلم‬
‫ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى ال ترجع المور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس" ختم السورة بأن ال اصطفى محمدا‬
‫صلى ال عليه وسلم لتبليغ الرسالة؛ أي ليس بعثه محمدا أمرا بدعيا‪ .‬وقيل‪ :‬إن الوليد بن المغيرة‬
‫قال‪ :‬أو أنزل عليحه الذكحر محن بيننحا؛ فنزلت اليحة‪ .‬وأخحبر أن الختيار إليحه سحبحانه وتعالى‪" .‬إن ال‬
‫سميع" لقوال عباده "بصير" بمن يختاره من خلقه لرسالته‪" .‬يعلم ما بين أيديهم" يريد ما قدموا‪.‬‬
‫"ومحا خلفهحم وإلى ال ترجحع المور" يريحد محا خلفوا؛ مثحل قوله فحي يحس‪" :‬إنحا نححن نحيحي الموتحى‬
‫ونكتب ما قدموا" [يس‪ ]12 :‬يريد ما بين أيديهم "وآثارهم" يريد ما خلفوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا" تقدم في أول السورة أنها فضلت بسجدتين؛‬
‫وهذه السجدة الثانية لم يرها مالك وأبو حنيفة من العزائم؛ لنه قرن الركوع بالسجود‪ ،‬وأن المراد‬
‫بهحا الصحلة المفروضحة؛ وخحص الركوع والسحجود تشريفحا للصحلة‪ .‬وقحد مضحى القول فحي الركوع‬
‫والسحجود مبينحا فحي "البقرة" والحمحد ل وحده‪" .‬واعبدوا ربكحم" أي امتثلوا أمره‪" .‬وافعلوا الخيحر"‬
‫ندب فيما عدا الواجبات التي صح وجوبها من غير هذا الموضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 78 :‬وجاهدوا في ال حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة‬
‫أبيكحم إبراهيحم هحو سحماكم المسحلمين محن قبحل وفحي هذا ليكون الرسحول شهيدا عليكحم وتكونوا شهداء‬
‫على الناس فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة واعتصموا بال هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاهدوا فحي ال ححق جهاده" قيحل‪ :‬عنحى بحه جهاد الكفار‪ .‬وقيحل‪ :‬هحو إشارة إلى‬
‫امتثال جميحع محا أمحر ال بحه‪ ،‬والنتهاء عحن كحل محا نهحى ال عنحه؛ أي جاهدوا أنفسحكم فحي طاعحة ال‬
‫وردوهحا عحن الهوى‪ ،‬وجاهدوا الشيطان فحي رد وسحوسته‪ ،‬والظلمحة فحي رد ظلمهحم‪ ،‬والكافريحن فحي‬
‫رد كفرهحم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وقال مقاتحل وهذه الية منسوخة بقوله تعالى‪" :‬فاتقوا ال ما استطعتم"‬
‫[التغابن‪ .]16 :‬وكذا قال هبة ال‪ :‬إن قول "حق جهاده" وقوله في الية الخرى‪" .‬حق تقاته" [آل‬
‫عمران‪ ]102 :‬منسحوخ بالتخفيحف إلى السحتطاعة فحي هذه الوامحر‪ .‬ول حاجحة إلى تقديحر النسحخ؛‬
‫فإن هذا هحو المراد محن أول الحكحم؛ لن "ححق جهاده" محا ارتفحع عنحه الحرج‪ .‬وقحد روى سحعيد بحن‬
‫المسحيب قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬خيحر دينكحم أيسحره)‪ .‬وقال أبحو جعفحر النحاس‪.‬‬
‫وهذا ممحا ل يجوز أن يقحع فيحه نسحخ؛ لنحه واجحب على النسحان‪ ،‬كمحا روى حيوة بحن شريحح يرفعحه‬
‫إلى النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬المجاهد من جاهد نفسه ل عز وجل)‪ .‬وكما روى أبو غالب‬
‫عن أبي أمامة أن رجل سأل النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أي الجهاد أفضل؟ عند الجمرة الولى فلم‬
‫يجبحه‪ ،‬ثحم سحأله عنحد الجمرة الثانيحة فلم يجبحه‪ ،‬ثحم سحأله عنحد جمرة العقبحة؛ فقال النحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسلم‪( :‬أين السائل)؟ فقال‪ :‬أنا ذا؛ فقال عليه السلم‪( :‬كلمة عدل عند سلطان جائر)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هححو اجتباكححم" أي اختاركححم للذب عححن دينححه والتزام أمره؛ وهذا تأكيححد للمححر‬
‫بالمجاهدة؛ أي وجب عليكم أن تجاهدوا لن ال اختاركم له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من حرج" أي من ضيق‪ .‬وقد تقدم في "النعام"‪ .‬وهذه الية تدخل في كثير من‬
‫الحكام؛ وهي مما خص ال بها هذه المة‪ .‬روى معمر عن قتادة قال‪ :‬أعطيت هذه المة ثلثا لم‬
‫يعطها إل نبي‪ :‬كان يقال للنبي اذهب فل حرج عليك‪ ،‬وقيل لهذه المة‪" :‬وما جعل عليكم في الدين‬
‫محن حرج"‪ .‬والنحبي شهيحد على أمتحه‪ ،‬وقيحل لهذه المحة‪" :‬لتكونوا شهداء على الناس"‪ .‬ويقال للنحبي‪:‬‬
‫سل تعطه‪ ،‬وقيل لهذه المة‪" :‬ادعوني أستجب لكم"‪.‬‬
‫واختلف العلماء فحي هذا الحرج الذي رفعحه ال تعالى؛ فقال عكرمحة‪ :‬هحو محا أححل محن النسحاء‬
‫مثنحى وثلث ورباع‪ ،‬ومحا ملكحت يمينحك‪ .‬وقيحل‪ :‬المراد قصحر الصحلة‪ ،‬والفطار للمسحافر‪ ،‬وصحلة‬
‫اليماء لمحن ل يقدر على غيره‪ ،‬وححط الجهاد عحن العمحى والعرج والمريحض والعديححم الذي ل‬
‫يجحد محا ينفحق فحي غزوه‪ ،‬والغريحم ومحن له والدان‪ ،‬وححط الصحر الذي كان على بنحي إسحرائيل‪ .‬وقحد‬
‫مضى تفصيل أكثر هذه الشياء‪ .‬وروي عن ابن عباس والحسن البصري (أن هذا في تقديم الهلة‬
‫وتأخيرهحا فحي الفطحر والضححى والصحوم؛ فإذا أخطأت الجماعحة هلل ذي الحجحة فوقفوا قبحل يوم‬
‫عرفحة بيوم أو وقفوا يوم النححر أجزأهحم)‪ ،‬على خلف فيحه بيناه فحي كتاب المقتبحس فحي شرح موطحأ‬
‫مالك بحن أنحس رضحي ال عنحه‪ .‬ومحا ذكرناه هحو الصححيح فحي الباب‪ .‬وكذلك الفطحر والضححى؛ لمحا‬
‫رواه حماد بحن زيحد عحن أيوب عن محمحد بن المنكدر عن أبحي هريرة قال قال رسحول ال صحلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬فطركحم يوم تفطرون وأضحاكحم يوم تضحون)‪ .‬خرجحه أبو داود والدارقطنحي‪ ،‬ولفظحه‬
‫ما ذكرناه‪ .‬والمعنى‪ :‬باجتهادكم من غير حرج يلحقكم‪ .‬وقد روى الئمة أنه عليه السلم سئل يوم‬
‫النحر عن أشياء‪ ،‬فما يسأل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم المور بعضها قبل بعض‬
‫وأشباهها إل قال فيها‪( :‬أفعل ول حرج)‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬رفححع الحرج إنمححا هححو لمححن اسححتقام على منهاج الشرع‪ ،‬وأمححا السححلبة والسححراق‬
‫وأصححاب الحدود فعليهحم الحرج‪ ،‬وهحم جاعلوه على أنفسحهم بمفارقتهحم الديحن‪ ،‬وليحس فحي الشرع‬
‫أعظم حرجا من إلزام ثبوت رجل لثنين في سبيل ال تعالى؛ ومع صحة اليقين وجودة العزم ليس‬
‫بحرج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ملة أبيكم" قال الزجاج‪ :‬المعنى اتبعوا ملة أبيكم‪ .‬الفراء‪ :‬انتصب على تقدير حذف‬
‫الكاف؛ كأنه قال كملة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى وافعلوا الخير فعل أبيكم‪ ،‬فأقام الفعل مقام الملة‪ .‬وإبراهيم هو‬
‫أبو العرب قاطبة‪ .‬وقيل‪ :‬الخطاب لجميع المسلمين‪ ،‬وإن لم يكن الكل من ولده؛ لن حرمة إبراهيم‬
‫على المسحلمين كحرمحة الوالد على الولد‪" .‬هحو سحماكم المسحلمين محن قبحل" قال ابحن زيحد والحسحن‪:‬‬
‫"هو" راجع إلى إبراهيم؛ والمعنى‪ :‬هو سماكم المسلمين من قبل النبي صلى ال عليه وسلم‪" .‬وفي‬
‫هذا" أي وفي حكمه أن من اتبع محمدا صلى ال عليه وسلم فهو مسلم‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬وهو معنحى‬
‫قوله‪" :‬ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنحا أمة مسلمة لك" [البقرة‪ .]128 :‬قال النحاس‪ :‬وهذا‬
‫القول مخالف لقول عظماء المحة‪ .‬روى علي بحن أبحي طلححة عحن ابحن عباس قال‪( :‬سحماكم ال عحز‬
‫وجحل المسحلمين محن قبحل‪ ،‬أي فحي الكتحب المتقدمحة وفحي هذا القرآن)؛ قال مجاهحد وغيره‪" .‬ليكون‬
‫الرسحول شهيدا عليكحم" أي بتبليغحه إياكحم‪" .‬وتكونوا شهداء على الناس" أن رسحلهم قحد بلغتهحم؛ كمحا‬
‫تقدم فححي "البقرة"‪" .‬فأقيموا الصححلة وآتوا الزكاة واعتصححموا بال هححو مولكححم فنعححم المولى ونعححم‬
‫النصير" تقدم مستوفى والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة المؤمنون‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 11 - 1 :‬قد أفلح المؤمنون‪ ،‬الذين هم في صلتهم خاشعون‪ ،‬والذين هم عن اللغو‬
‫معرضون‪ ،‬والذيححن هححم للزكاة فاعلون‪ ،‬والذيححن هححم لفروجهححم حافظون‪ ،‬إل على أزواجهححم أو مححا‬
‫ملكحت أيمانهحم فإنهحم غيحر ملوميحن‪ ،‬فمحن ابتغحى وراء ذلك فأولئك هحم العادون‪ ،‬والذيحن هحم لماناتهحم‬
‫وعهدهم راعون‪ ،‬والذين هم على صلواتهم يحافظون‪ ،‬أولئك هم الوارثون‪ ،‬الذين يرثون الفردوس‬
‫هم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قد أفلح المؤمنون" روى البيهقي من حديث أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنحه قال‪( :‬لمحا خلق ال جنحة عدن وغرس أشجارهحا بيده قال لهحا تكلمحي فقالت قحد أفلح المؤمنون)‪.‬‬
‫وروى النسحائي عحن عبدال بحن السحائب قال‪ :‬حضرت رسحول ال صحلى يوم الفتحح فصحلى فحي قبحل‬
‫الكعبحة‪ ،‬فخلع نعليحه فوضعهمحا عحن يسحره فافتتحح سحورة المؤمنيحن‪ ،‬فلمحا جاء ذكحر موسحى أو عيسحى‬
‫عليهما السلم أخذته سعلة فركع‪ .‬خرجه مسلم بمعناه‪ .‬وفي الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي‬
‫ال عنه قال‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسحلم إذا أنزل علي الوححي سحمع عند وجهه كدوي النحل؛‬
‫وأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبل فرفع يديه وقال‪( :‬اللهم زدنا ول تنقصنا‬
‫وارضنحا وأرض عنحا ‪ -‬ثحم قال ‪ -‬أنزل علي عشحر آيات محن أقامهحن دخحل الجنحة ‪ -‬ثحم قرأ ‪ -‬قحد أفلح‬
‫المؤمنون) حتى ختم عشر آيات؛ صححه ابن العربي‪ .‬وقال النحاس‪ :‬معنى "من أقامهن" من أقام‬
‫عليهحن ولم يخالف محا فيهحن؛ كمحا تقول‪ :‬فلن يقوم بعمله‪ .‬ثحم نزل بعحد هذه اليات فرض الوضوء‬
‫والحححج فدخححل معهححن‪ .‬وقرأ طلحححة بححن مصححرف "قححد أفلح المؤمنون" بضححم اللف على الفعححل‬
‫المجهول؛ أي أبقوا فححي الثواب والخيححر‪ .‬وقححد مضححى فححي أول "البقرة" مححن الفلح لغححة ومعنححى‪،‬‬
‫والحمد ل وحده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خاشعون" روى المعتمر عن خالد عن محمد بن سيرين قال‪ :‬كان النبي صلى ال‬
‫عليحه وسحلم ينظحر إلى السحماء فحي الصحلة؛ فأنزل ال عحز وجحل هذه اليحة "الذيحن هحم فحي صحلتهم‬
‫خاشعون"‪ .‬فجعحل رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ينظحر حيحث يسحجد‪ .‬وفحي روايحة هشيحم‪ :‬كان‬
‫المسحلمون يلتفتون فحي الصحلة وينظرون حتحى أنزل ال تعالى‪" :‬قحد أفلح المؤمنون الذيحن هحم فحي‬
‫صحلتهم خاشعون"؛ فأقبلوا على صحلتهم وجعلوا ينظرون أمامهحم‪ .‬وقحد تقدم محا للعلماء فحي حكحم‬
‫المصححلي إلى حيححث ينظححر فححي "البقرة" عنححد قول "فول وجهححك شطححر المسححجد الحرام" [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]144‬وتقدم أيضا معنى الخشوع لغة ومعنى في البقرة أيضا عند قوله تعالى‪" :‬وإنها لكبيرة إل‬
‫على الخاشعين" [البقرة‪ .]45 :‬والخشوع محله القلب؛ فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لخشوعه؛‬
‫إذ هحو ملكهحا‪ ،‬حسححبما بيناه أول البقرة‪ .‬وكان الرجحل محن العلماء إذا أقام الصححلة وقام إليهحا يهاب‬
‫الرحمحن أن يمحد بصحره إلى شيحء وأن يحدث نفسحه بشيحء محن الدنيحا‪ .‬وقال عطاء‪ :‬هحو أل يعبحث‬
‫بشيحء محن جسحده فحي الصحلة‪ .‬وأبصحر صحلى ال عليحه وسحلم صحلى رجل يعبحث بلحيتحه فحي الصحلة‬
‫فقال‪( :‬لو خشع قلب هذا لخشعحت جوارحه)‪ .‬وقال أبو ذر قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( .‬إذا قام‬
‫أحدكم إلى الصلة فإن الرحمة تواجهه فل يحركن الحصى"‪ .‬رواه الترمذي‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫لن بها الراب ل تخضع‬ ‫أل الصلة الخير والفضل أجمع‬
‫وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع‬ ‫وأول فرض من شريعة ديننا‬
‫وكان كعبد باب موله يقرع‬ ‫فمن قام للتكبير لقته رحمة‬
‫نجيا فيا طوباه لو كان يخشع‬ ‫وصار لرب العرش حين صلته‬
‫وروى أبو عمر أن الجوني قال‪ :‬قيل لعائشة ما كان خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قالت‪:‬‬
‫أتقرؤون سحورة المؤمنيحن؟ قيحل نعحم‪ .‬قالت‪ :‬اقرؤوا؛ فقرئ عليهحا "قحد أفلح المؤمنون ‪ -‬حتحى بلغ ‪-‬‬
‫يحافظون"‪ .‬وروى النسحائي عحن ابحن عباس رضحي ال عنهمحا قال‪ :‬كان رسحول ال صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم يلححظ فحي صحلته يمينحا وشمال‪ ،‬ول يلوي عنقحه خلف ظهره‪ .‬وقال كعحب بحن مالك فحي حديثحه‬
‫الطويحل‪ :‬ثم أصلي قريبا منه ‪ -‬يعنحي من النحبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وأسارقه النظحر‪ ،‬فإذا أقبلت‬
‫على صلتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني‪ ...‬الحديث؛ ولم يأمره بإعادة‪.‬‬
‫@ اختلف الناس في الخشوع‪ ،‬هل هو من فرائض الصلة أو من فضائلها ومكملتها على قولين‪.‬‬
‫والصحححيح الول‪ ،‬ومحله القلب‪ ،‬وهححو أول علم يرفححع مححن الناس؛ قاله عبادة بححن الصححامت‪ ،‬رواه‬
‫الترمذي محن حديحث جحبير بحن نفيحر عحن أبحي الدرداء‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديحث حسحن غريحب‪ .‬وقحد خرجحه‬
‫النسائي من حديث جبير بن نفير أيضا عن عوف بن مالك الشجعي من طريق صحيحة‪ .‬قال أبو‬
‫عيسحى‪ :‬ومعاويحة بحن صحالح ثقحة عنحد أهحل الحديحث‪ ،‬ول نعلم أحدا تكلم فيحه غيحر يحيحى بحن سحعيد‬
‫القطان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬معاوية بن صحالح أبو عمرو ويقال أبو عمر الحضرمي الحمصحي قاضحي الندلس‪ ،‬سئل‬
‫عنه أبو حاتحم الرازي فقال‪ :‬صحالح الحديث‪ ،‬كتب حديثه ول يحتج به‪ .‬واختلف فيه قول يحيى بن‬
‫معيحن‪ ،‬ووثقحه عبدالرحمحن بحن مهدي أحمحد بحن حنبحل وأبحو زرعحة الرازي‪ ،‬واحتحج بحه مسحلم فحي‬
‫صححيحه‪ .‬وتقدم فحي "البقرة" معنحى اللغحو والزكاة فل معنحى للعادة‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إن اللغحو هنحا‬
‫الشرك‪ .‬وقال الحسحن‪ :‬إنحه المعاصحي كلهحا‪ .‬فهذا قول جامحع يدخحل فيحه قول محن قال‪ :‬هحو الشرك؛‬
‫وقول من قال هو الغناء؛ كما روى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر‪ ،‬على ما يأتي في "لقمان"‬
‫بيانه‪ .‬ومعنى "فاعلون" أي مؤدون؛ وهي فصيحة‪ ،‬وقد جاءت في كلم العرب‪ .‬قال أمية ابن أبي‬
‫الصلت‪:‬‬
‫مة والفاعلون للزكوات‬ ‫المطعمون الطعام في السنة الز‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيحن هحم لفروجهحم حافظون" قال ابحن العربحي‪" :‬محن غريحب القرآن أن هذه‬
‫اليات العشحر عامحة فحي الرجال والنسحاء‪ ،‬كسحائر ألفاظ القرآن التحي هحي محتملة لهحم فإنهحا عامحة‬
‫فيهحم‪ ،‬إل قول "والذيحن هحم لفروجهحم حافظون" فإنمحا خاطحب بهحا الرجال خاصحة دون الزوجات‪،‬‬
‫"إل على أزواجهحم أو محا ملكحت أيمانهحم" وإنمحا عرف حفحظ المرأة فرجهحا محن أدلة أخرى كآيات‬
‫الحصان عموما وخصوصا وغير ذلك من الدلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا التأويل في الية فل يحل لمرأة أن يطأها من تملكه إجماعا من العلماء؛ لنها‬
‫غيحر داخلة فحي اليحة‪ ،‬ولكنهحا لو أعتقتحه بعحد ملكهحا له جاز له أن يتزوجهحا كمحا يجوز لغيره عنحد‬
‫الجمهور‪ .‬وروي عن عبيدال بن عبدال بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو أعتقته حين ملكته كانا‬
‫على نكاحهما‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬ول يقل هذا أحد من فقهاء المصار؛ لن تملكها عندهم يبطل النكاح‬
‫بينهما‪ ،‬وليس ذلك بطلق وإنا هو فسخ للنكاح؛ وأنها لو أعتقته بعد ملكها له لم يراجعها إل بنكاح‬
‫جديد ولو كانت في عدة منه‪.‬‬
‫@ قال محمد بن الحكم‪ :‬سمعت حرملة بن عبدالعزيز قال‪ :‬سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة‪،‬‬
‫فتل هذه اليححة "والذيححن هححم لفروجهححم حافظون" ‪ -‬إلى قوله ‪" -‬العادون"‪ .‬وهذا لنهححم يكنون عححن‬
‫الذكر بعميرة؛ وفيه يقول الشاعر‪:‬‬
‫فاجلد عميرة ل داء ول حرج‬ ‫إذا حللت بواد ل أنيس به‬
‫ويسحميه أهحل العراق السحتمناء‪ ،‬وهحو اسحتفعال محن المنحي‪ .‬وأحمحد بحن حنبحل على ورعحه يجوزه‪،‬‬
‫ويحتحج بأنحه إخراج فضلة محن البدن فجاز عنحد الحاجحة؛ أصحله القصحد والحجامحة‪ .‬وعامحة العلماء‬
‫على تحريمه‪ .‬وقال بعض العلماء‪ :‬إنه كالفاعل بنفسه‪ ،‬وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين‬
‫الناس حتحى صحارت قيلة‪ ،‬ويحا ليتهحا لم تقحل؛ ولو قام الدليحل على جوازهحا لكان ذو المروءة يعرض‬
‫عنهحا لدناءتهحا‪ .‬فإن قيحل‪ :‬إنهحا خيحر محن نكاح المحة؛ قلنحا‪ :‬نكاح المحة ولو كانحت كافرة على مذهحب‬
‫بعض العلماء خير من هذا‪ ،‬وإن كان قد قال به قائل أيضا‪ ،‬ولكن الستمناء ضعيف في الدليل أو‬
‫بالرجل الدنيء فكيف بالرجل الكبير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل على أزواجهم" قال الفراء‪ :‬أي من أزواجهم اللتي أحل ال لهم ل يجاوزون‪.‬‬
‫"أو ما ملكت أيمانهم" في موضع خفض معطوفة على "أزواجهم" و"ما" مصدرية‪ .‬وهذا يقتضي‬
‫تحريم الزنى وما قلناه من الستنماء ونكاح المتعة؛ لن المتمتع بها ل تجري مجرى الزوجات‪ ،‬ل‬
‫ترث ول تورث‪ ،‬ول يلححق بحه ولدهحا‪ ،‬ول يخرج محن نكاحهحا بطلق يسحتأنف لهحا‪ ،‬وإنمحا يخرج‬
‫بانقضاء المدة التي عقدت عليها وصارت كالمسحتأجرة‪ .‬ابن العربحي‪ :‬إن قلنحا إن نكاح المتعحة جائز‬
‫فهحي زوجحة إلى أجحل ينطلق عليهحا اسحم الزوجيحة‪ .‬وإن قلنحا بالححق الذي أجمعحت عليحه المحة محن‬
‫تحريم نكاح المتعة لما كانت زوجة فلم تدخل في الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفائدة هذا الخلف هحل يجحب الححد ول يلححق الولد كالزنحى الصحريح أو يدفحع الححد للشبهحة‬
‫ويلححق الولد‪ ،‬قولن لصححابنا‪ .‬وقحد كان للمتعة فحي التحليل والتحريم أحوال؛ فمحن ذلك أنهحا كانحت‬
‫مباحة ثم حرمها رسول ال صلى ال عليه وسلم زمن خيبر‪ ،‬ثم حللها في غزاة الفتح؛ ثم حرمها‬
‫بعحد؛ قاله ابحن خويحز منداد محن أصححابنا وغيره‪ ،‬وإليحه أشار ابحن العربحي‪ .‬وقحد مضحى فحي "النسحاء"‬
‫القول فيها مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمحن ابتغحى وراء ذلك فأولئك هحم العادون" فسحمى محن نكحح محا ل يححل عاديحا‬
‫وأوجحب عليحه الححد لعدوانحه‪ ،‬واللئط عاد قرآنحا ولغحة‪ ،‬بدليحل قوله تعالى‪" :‬بحل أنتحم قوم عادون"‬
‫[الشعراء‪ ]166 :‬وكمحا تقدم فحي "العراف"؛ فوجحب أن يقام الححد عليهحم‪ ،‬وهذا ظاهحر ل غبار‬
‫عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فيحححه نظحححر‪ ،‬محححا لم يكحححن جاهل أو متأول‪ ،‬وإن كان الجماع منعقدا على أن قوله تعالى‪:‬‬
‫"والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" خص به‬
‫الرجال دون النسححاء؛ فقححد روى معمححر عححن قتادة قال‪ :‬تسححررت امرأة غلمهححا؛ فذكححر ذلك لعمححر‬
‫فسحألها‪ :‬محا حملك على ذلك؟ قالت‪ :‬كنحت أراه يححل لي ملك يمينحي كمحا يححل للرجحل المرأة بملك‬
‫اليمين؛ فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬تأولت كتاب ال‬
‫عز وجل على غير تأويله‪ ،‬ل رجم عليها‪ .‬فقال عمر‪ :‬ل جرم! وال ل أحلك لحر بعده أبدا‪ .‬عاقبها‬
‫ط لك ودرأ الححد عنهحا‪ ،‬وأم العبحد أل يقربهحا‪ .‬وعحن أبحي بكحر بحن عبدال أنحه سحمع أباه يقول‪ :‬أنحا‬
‫حضرت عمحر ابحن عبدالعزيحز جاءتحه امرأة بغلم لهحا وضيحء فقالت‪ :‬إنحي اسحتسررته فمنعنحي بنحو‬
‫عمي عن ذلك‪ ،‬وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها؛ فإنه عني بني عمي؛ فقال عمر‪:‬‬
‫أتزوجحت قبله؟ قالت نعحم؛ قال‪ :‬أمحا وال لول منزلتحك محن الجهالة لرجمتحك بالحجارة؛ ولكحن اذهبوا‬
‫بحه فحبيعوه إلى محن يخرج بحه إلى غيحر بلدهحا‪ .‬و"وراء" بممنحى سحوى‪ ،‬وهحو مفعول بحح "ابتغحى" أي‬
‫محن طلب سحوى الزواج والولئد المملوكحة له‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي فمحن ابتغحى محا بعحد ذلك؛ فمفعول‬
‫البتغاء محذوف‪ ،‬و"وراء" ظرف‪ .‬و"ذلك" يشار بحححححه إلى كحححححل مذكور مؤنثحححححا كان أو مذكرا‪.‬‬
‫"فأولئك هم العادون" أي المجاوزون الحد؛ من عدا أي جاوز الحد وجازه‪.‬‬
‫@ قرأ الجمهور "لماناتهحم" بالجمحع‪ .‬وابحن كثيحر بالفراد‪ .‬والمانحة والعهحد يجمحع كحل محا يحمله‬
‫النسان من أمر دينه ودنياه قول فعل‪ .‬وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك؛ وغاية ذلك‬
‫حفظه والقيام به‪ .‬والمانة أعم من العهد‪ ،‬وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد‪.‬‬
‫@ قرأ الجمهور "صلواتهم" وحمزة والكسائي "صلتهم" بالفراد؛ وهذا الفراد اسم جنس فهو‬
‫فحي معنحى الجميحع‪ .‬والمحافظحة على الصحلة إقامتهحا والمبادرة إليهحا أوائل أوقاتهحا‪ ،‬وإتمام ركوعهحا‬
‫وسجودها‪ .‬وقد تقدم في "البقرة" مستوفى‪ .‬ثم قال‪" :‬أولئك هم الوارثون" أي من عمل بما ذكر في‬
‫هذه اليات فهححم الوارثون؛ أي يرثون منازل أهححل النار مححن الجنححة‪ .‬وفححي الخححبر عححن أبححي هريرة‬
‫رضحي ال عنحه عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم (إن ال تعالى جعحل لكحل إنسحان مسحكنا فحي الجنحة‬
‫ومسكنا في النار فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويجعل الكفار في منازلهم‬
‫في النار)‪ .‬خرجه ابن ماجة بمعناه‪ .‬عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(ما منكم من أحد إل وله منزلن منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل‬
‫الجنة منزله فذلك قوله تعالى‪" :‬أولئك هم الوارثون")‪ .‬إسناده صحيح‪ .‬ويحتمل أن يسمى الحصول‬
‫على الجنحة وراثحة محن حيحث حصحولها دون غيرهحم‪ ،‬فهحو اسحم مسحتعار على الوجهيحن‪ .‬والفردوس‬
‫ربوة الجنحة وأوسحطها وأفضلهحا‪ .‬خرجحه الترمذي محن حديحث الربيحع بحن النضحر أم حارثحة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حديحث حسحن صححيح‪ .‬وفحي حديحث مسحلم (فإذا سحألتم ال فسحلوه الفردوس فإنحه أوسحط الجنحة وأعلى‬
‫الجنحة ومنحه تفجحر أنهار الجنحة)‪ .‬قال أبحو حاتحم محمحد بحن حبان‪ :‬قوله صحلى ال عليحه وسحلم (فإنحه‬
‫أوسط الجنة) يريد أن الفردوس في وسط الجنان في العرض وهو أعلى الجنة‪ ،‬يريد في الرتفاع‪.‬‬
‫وهذا كله يصححح قول أبحي هريرة‪ :‬إن الفردوس جبحل الجنحة التحي تتفجحر منحه أنهار الجنحة‪ .‬واللفظحة‬
‫فيما قال مجاهد‪ :‬رومية عربت‪ .‬وقيل‪ :‬هي فارسية عربت‪ .‬وقيل‪ :‬حبشية؛ وإن ثبت ذلك فهو وفاق‬
‫بيححن اللغات‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هححو عربححي وهححو الكرم؛ والعرب تقول للكروم فراديححس‪" .‬هححم فيهححا‬
‫خالدون" فأنث على معنى الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 14 - 12 :‬ولقد خلقنا النسان من سللة من طين‪ ،‬ثم جعلناه نطفة في قرار مكين‪،‬‬
‫ثحم خلقنحا النطفحة علقحة فخلقنحا العلقحة مضغحة فخلقنحا المضغحة عظامحا فكسحونا العظام لحمحا ثحم أنشأناه‬
‫خلقا آخر فتبارك ال أحسن الخالقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد خلقنا النسان" النسان هنا آدم عليه الصلة والسلم؛ قاله قتادة وغيره‪ ،‬لنه‬
‫اسحتل محن الطيحن‪ .‬ويجيحء الضميحر فحي قوله‪" :‬ثحم جعلناه" عائدا على ابحن آدم‪ ،‬وإن كان لم يذكحر‬
‫لشهرة المر؛ فإن المعنى ل يصلح إل له‪ .‬نظير ذلك "حتى توارت بالحجاب" [ص‪ .]32 :‬وقيل‪:‬‬
‫المراد بالسححللة ابححن آدم؛ قاله ابححن عباس وغيره‪ .‬والسححللة على هذا صححفوة الماء‪ ،‬يعنححي المنححي‪.‬‬
‫والسحللة فعالة محن السحل وهحو اسحتخراج الشيحء محن الشيحء؛ يقال‪ :‬سحللت الشعحر محن العجيحن‪،‬‬
‫والسيف من الغمد فانسل؛ ومنه قوله‪:‬‬
‫فسلي ثيابي من ثيابك تنسل‬
‫فالنطفة سللة‪ ،‬والولد سليل وسللة؛ عنى به الماء يسل من الظهر سل‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫سللة فرج كان غير حصين‬ ‫فجاءت به عضب الديم غضنفرا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫سليلة أفراس تجللها بغل‬ ‫وما هند إل مهرة عربية‬
‫وقوله "من طين" أي أن الصل آدم وهو من طين‪ .‬قلت‪ :‬أي من طين خالص؛ فأما ولده فهو من‬
‫طين ومني‪ ،‬حسبما بيناه في أول سورة النعام‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬السللة الطين إذا عصرته انسل من‬
‫بين أصابعك؛ فالذي يخرج هو السللة‪" .‬نطفة" قد مضى القول فيه‪" .‬ثم أنشأناه خلقا آخر" اختلف‬
‫الناس في الخلق الخر؛ فقال ابن عباس والشعبي وأبو العالية والضحاك وابن زيد‪ :‬هو نفخ الروح‬
‫فيححه بعححد أن كان جمادا‪ .‬وعححن ابححن عباس‪ :‬خروج إلى الدنيححا‪ .‬وقال قتادة عححن فرقححة‪ :‬نبات شعره‪.‬‬
‫الضحاك‪ :‬خروج السنان ونبات الشعر‪ .‬مجاهد‪ :‬كمال شبابه؛ وروي عن ابن عمر‪ :‬والصحيح أنه‬
‫عام في هذا وفي غيره من النطق والدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولت إلى أن يموت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتبارك ال أحسن الخالقين" يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الية إلى‬
‫قوله "خلقححا آخححر" قال فتبارك ال أحسححن الخالقيححن؛ فقال رسححو ال صححلى ال عليححه وسححلم‪( :‬هكذا‬
‫أنزلت)‪ .‬وفي مسند الطيالسي‪ :‬ونزلت "ولقد خلقنا النسان من سللة من طين" الية؛ فلما نزلت‬
‫قلت أنا‪ :‬تبارك ال أحسن الخالقين؛ فنزلت "تبارك ال أحسن الخالقين"‪ .‬ويروى أن قائل ذلك معاذ‬
‫ابحن جبحل‪ .‬وروي أن قائل ذلك عبدال بحن أبحي سحرح‪ ،‬وبهذا السحبب ارتحد وقال‪ :‬أتحي بمثحل محا يأتحي‬
‫محمد؛ وفيه نزل "ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن‬
‫قال سحأنزل مثحل محا أنزل ال" [النعام‪ ]93 :‬على محا تقدم بيانحه فحي "النعام"‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"فتبارك" تفاعحل محن البركحة‪" .‬أحسحن الخالقيحن" أتقحن الصحانعين‪ .‬يقال لمحن صحنع شيئا خلقحه؛ ومنحه‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫حض القوم يخلق ثم ل يفري‬ ‫ولنت تقري ما خلقت وبعح‬
‫وذهحب بعحض الناس إلى نفحي هذه اللفظحة عحن الناس وإنمحا يضاف الخلق إلى ال تعالى‪ .‬وقال ابحن‬
‫جريحج‪ :‬إنمحا قال "أحسحن الخالقيحن" لنحه تعالى قحد أذن لعيسحى عليحه السحلم أن يخلق؛ واضطرب‬
‫بعضهحم فحي ذلك‪ .‬ول تنفحى اللفظحة عحن البشحر فحي معنحى الصحنع؛ وإنمحا هحي منفيحة بمعنحى الختراع‬
‫وإيجاد من العدم‪.‬‬
‫مسحألة‪ :‬من هذه الية قال ابن عباس لعمحر حيحن سأل مشيخة الصححابة عن ليلة القدر فقالوا‪ :‬ال‬
‫أعلم؛ فقال عمر‪ :‬ما تقول يا ابن عباس؟ فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين إن ال تعالى خلق السموات سبعا‬
‫والرضيحن سحبعا‪ ،‬وخلق ابحن آدم محن سحبع وجعحل رزقحه فحي سحبع‪ ،‬فأراهحا فحي ليلة سحبع وعشريحن‪.‬‬
‫فقال عمحر رضحي ال عنه‪ :‬أعجزكحم أن تأتوا بمثل ما أتحى هذا الغلم الذي لم تجتمحع شؤون رأسه‪.‬‬
‫وهذا الحديث بطول في مسند ابن أبي شيبة‪ .‬فأراد ابن عباس "خلق ابن آدم من سبع" بهذه الية‪،‬‬
‫وبقوله "وجعحل رزقحه فحي سحبع" قوله "فأنبتنحا فيهحا حبحا‪ .‬وعنبحا وقضبحا‪ .‬وزيتونحا ونخل‪ .‬وحدائق‬
‫علبا‪ .‬وفاكهة وأبا" [عبس‪ ]31 - 27 :‬الية‪ .‬السبع منها لبن آدم‪ ،‬والب للنعام‪ .‬والقضب يأكله‬
‫ابحن آدم ويسحمن منحه النسحاء؛ هذا قول‪ .‬وقيحل‪ :‬القضحب البقول لنهحا تقضحب؛ فهحي رزق ابحن آدم‪.‬‬
‫وقيحل‪ :‬القضحب والب للنعام‪ ،‬والسحت الباقيحة لبحن آدم‪ ،‬والسحابعة هحي للنعام؛ إذ هحي محن أعظحم‬
‫رزق ابن آدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 16 - 15 :‬ثم إنكم بعد ذلك لميتون‪ ،‬ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أي بعد الخلق والحياة‪ .‬والنحاس‪ :‬ويقال في هذا المعنى لمائتون‪" .‬ثم أخبر بالبعث‬
‫بعد الموت فقال‪" :‬ثم إنكم يوم القيامة تبعثون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق" قال أبو عبيدة‪ :‬أي سبع سموات‪ .‬وحكى عنه أنه‬
‫يقال‪ :‬طارقت الشيء‪ ،‬أي جعل بعضه فوق بعض؛ فقيل للسموات طرائق لن بعضها فوق بعض‪.‬‬
‫والعرب تسحمي كحل شيحء فوق شيحء طريقحة‪ .‬وقيحل‪ :‬لنهحا طرائق الملئكحة‪" .‬ومحا كنحا عحن الخلق‬
‫غافليحن" قال بعحض العلماء‪ :‬عحن خلق السحماء‪ .‬وقال أكثحر المفسحرين‪ :‬أي عحن الخلق كلهحم محن أن‬
‫تسقط عليهم فتهلكهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويحتمحل أن يكون المعنحن "ومحا كنحا عحن الخلق غافليحن" أي فحي القيام بمصحالحه وحفظحه؛‬
‫وهو معنى الحي القيوم؛ على ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الرض وإنا على ذهاب به لقادرون}‬
‫@الولى‪ :‬هذه اليحة محن نعحم ال تعالى على خلقحه وممحا آمتحن بحه عليهحم؛ ومحن أعظحم المنحن الماء‬
‫الذي هححو حياة البدان ونماء الحيوان‪ .‬والماء المنزل مححن السححماء على قسححمين‪ :‬هذا الذي ذكححر ال‬
‫سححبحانه وتعالى وأخححبر بأنححه اسححتودعه فالرض‪ ،‬وجعله فيهححا مختزنححا لسححقي الناس يجدونححه عنححد‬
‫الحاجة إليه؛ وهو ماء النهار والعيون وما يستخرج من البار‪ .‬وروي عن ابن عباس وغيره أنه‬
‫إنمحا أراد النهار الربعحة‪ :‬سحيحان وجيحان ونيحل مصحر والفرات‪ .‬وقال مجاهحد‪ :‬ليحس فحي الرض‬
‫ماء إل وهحو محن السحماء‪ .‬وهذا ليحس على إطلقحه‪ ،‬وإل فالجاج ثابحت فحي الرض‪ ،‬فيمكحن أن يقيحد‬
‫قوله بالماء العذب‪ ،‬ول محالة أن ال تعالى قحد جعحل فحي الرض ماء وأنزل محن السحماء ماء‪ .‬وقحد‬
‫قيحل‪ :‬إن قوله "وأنزلنحا محن السحماء ماء" إشارة إلى الماء العذب‪ ،‬وأن أصحله محن البححر‪ ،‬رفعحه ال‬
‫تعالى بلطفه وحسن تقديره من البحر إلى السماء‪ ،‬حتى طاب بذلك الرفع والتصعيد؛ ثم أنزله إلى‬
‫الرض لنتفع به‪ ،‬ولو كان المر إلى ماء البحر لما انتفع به من ملوحته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بقدر" أي على مقدار مصحلح‪ ،‬لنحه لو كثحر أهلك؛ ومنحه قوله تعالى‪" :‬وإن محن‬
‫شيحء إل عندنحا خزائنحه ومحا تنزله إل بقدر معلوم" الحجحر‪" .]21 :‬وإنحا على ذهاب بحه لقادرون"‬
‫يعنحي الماء المختزن‪ .‬وهذا تهديحد ووعيحد؛ أي فحي قدرتنحا إذهابحه وتغويره‪ ،‬ويهلك الناس بالعطحش‬
‫وتهلك مواشيهحم؛ وهذا كقوله تعالى‪" :‬قحل أرأيتحم إن أصحبح ماؤكحم غورا" أي غائرا "فمحن يأتيكحم‬
‫بماء معين" [الملك‪.]30 :‬‬
‫@ ذكحر النحاس‪ :‬قرئ على أبحي يعقوب إسححاق بن إبراهيحم بحن يونحس عحن جامحع بن سحوادة فال‪:‬‬
‫حدثنحا سحعيد بحن سحابق قال حدثنحا مسحلمة بحن علي عحن مقاتحل بحن حيان عحن عكرمحة عحن ابحن عباس‬
‫رضحي ال عنهمحا عحن النحبي صحلى ال عليه وسحلم قال‪( :‬أنزل ال عحز وجحل محن الجنة إلى الرض‬
‫خمسحة أنهار سحيحون وهحو نهحر الهنحد وجيحون وهحو نهحر بلخ ودجلة والفرات وهمحا نهرا العراق‬
‫والنيحل وهحو نهحر مصحر أنزلهحا ال تعالى محن عيحن واحدة محن عيون الجنحة فحي أسحفل درجحة محن‬
‫درجاتها على جناح جبريل عليه السلم فاستودعها الجبال وأجراها في الرض وجعل فيها منافع‬
‫للناس فححي أصححناف معايشهححم وذلك قوله جححل ثناؤه‪" :‬وأنزلنححا مححن السححماء ماء بقدر فأسححكناه فححي‬
‫الرض" فإذا كان عنححد خروج يأجوج ومأجوج أرسححل ال عححز وجححل جبريححل فرفححع مححن الرض‬
‫القرآن والعلم وجميع النهار الخمسة فيرفع ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى‪" :‬وإنا على ذهاب به‬
‫لقادرون" فإذا رفعت هذه الشياء من الرض فقد أهلها خير الدين والدنيا)‪.‬‬
‫كل ما نزل من السماء مختزنا كان أو غير مختزن فهو طاهر مطهر يغتسل به ويتوضأ منه؛‬
‫على ما يأتي في "الفرقان" بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأنشأنحا" أي جعلنحا ذلك سحبب النبات‪ ،‬وأوجدناه بحه وخلقناه‪ .‬وذكحر تعالى النخيحل‬
‫والعناب لنهححا ثمرة الحجاز بالطائف والمدينححة وغيرهمححا؛ قاله الطححبري‪ .‬ولنهححا أيضححا أشرف‬
‫الثمار‪ ،‬فذكرهحا تشريفحا لهحا وتنبيهحا عليهحا‪" .‬لكحم فيهحا" أي فحي الجنات‪" .‬فواكحه" محن غيحر الرطحب‬
‫والعنب‪ .‬ويحتمل أن يعود على النخيل والعناب خاصة إذ فيها مراتب وأنواع؛ والول أعم لسائر‬
‫الثمرات‪.‬‬
‫@ محن حلف أل يأكحل فاكهحة؛ فحي الروايحة عندنحا يحنحث بالباقلء الخضراء ومحا أشبههحا‪ .‬وقال أبحو‬
‫حنيفححة‪ :‬ل يحنححث بأكححل القثاء والخيار والجزر‪ ،‬لنهححا مححن القبول ل مححن الفاكهححة‪ .‬وكذلك الجوز‬
‫واللوز والفستق؛ لن هذه الشياء ل تعد من الفاكهة وإن أكل تفاحا أو خوخا أو مشمشا أو تينا أو‬
‫إجاصحا يحنحث‪ .‬وكذلك البطيحخ؛ لن هذه الشياء كلهحا تؤكحل على جهحة التفكحه قبحل الطعام وبعده؛‬
‫فكانحت فاكهحة‪ .‬وكذلك يابحس هذه الشياء إل البطيحخ اليابحس لن ذلك ل يؤكحل إل فحي بعحض البلدان‪.‬‬
‫ول يحنث بأكل البطيخ الهندي لنه ل يعد من الفواكه‪ .‬وإن أكل عنبا أو رمانا أو رطبا ل يحنث‪.‬‬
‫وخالفه صاحباه فقال يحنث؛ لن هذه الشياء من أعز الفواكه‪ ،‬وتؤكل على وجه التنعم‪ .‬والفراد‬
‫لها بالذكر في كتاب ال عز جل لكمال معانيها؛ كتخصيص جبريل وميكائيل من الملئكة‪ .‬واحتج‬
‫أبححو حنيفححة بأن قال‪ :‬عطححف هذه الشياء على الفاكهححة مرة فقال "فيهمححا فاكهححة ونخححل ورمان"‬
‫‪]31‬‬ ‫[الرحمححن‪ ]68 :‬ومرة عطححف الفاكهححة على هذه الشياء فقال‪" :‬وفاكهححة وأبححا" [عبححس‪:‬‬
‫والمعطوف غيححر المعطوف عليححه‪ ،‬ول يليححق بالحكمححة ذكححر الشيححء الواحححد بلفظيححن مختلفيححن فححي‬
‫موضع المنة‪ .‬والعنب والرمان يكتفى بهما في بعض البلدان فل يكون فاكهة؛ ولن ما كان فاكهة‬
‫ل فرق بين رطبه ويابسه‪ ،‬ويابس هذه الشياء ل يعد فاكهة فكذلك رطبها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للكلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وشجرة" شجرة عطحف على جنات‪ .‬وأجاز الفراء الرفحع لنحه لم يظهحر الفعحل‪،‬‬
‫بمعنححى وثححم شجرة؛ ويريححد بهححا شجرة الزيتون‪ .‬وأفردهححا بالذكححر لعظيححم منافعهححا فححي أرض الشام‬
‫والحجاز وغيرهمحا محن البلد‪ ،‬وقلة تعاهدهحا بالسحقي والحفحر وغيحر ذلك محن المراعاة فحي سحائر‬
‫الشجار‪" .‬تخرج" فحي موضع الصفة‪" .‬من طور سيناء" أي أنبتها ال في الصحل من هذا الجبل‬
‫الذي بارك ال فيححه‪ .‬وطور سححيناء مححن أرض الشام وهححو الجبححل الذي كلم ال عليححه موسححى عليححه‬
‫السحلم؛ قال ابحن عباس وغيره‪ ،‬وقحد تقدم فحي البقرة والعراف‪ .‬والطور الجبحل فحي كلم العرب‪.‬‬
‫وقيحل‪ :‬هحو ممحا عرب محن كلم العجحم‪ .‬وقال ابحن زيحد‪ :‬هحو جبحل بيحت المقدس ممدود محن مصحر إلى‬
‫أيلة‪ .‬واختلف فححي سححيناء؛ فقال قتادة‪ :‬معناه الحسححن؛ ويلزم على هذا التأويححل أن ينون الطور على‬
‫النعت‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬معناه مبارك‪ .‬وقال معمر عن فرقة‪ :‬معناه شجر؛ ويلزمهم أن ينونوا الطور‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬هو اسم الجبل؛ كما تقول جبل أحد‪ .‬وعن مجاهد أيضا‪ :‬سيناء حجر بعينه أضيف‬
‫الجبل إليه لوجوده عنده‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬كل جبل يحمل الثمار فهو سيناء؛ أي حسن‪ .‬وقرأ الكوفيون‬
‫بفتححح السححين على وزن فعلء؛ وفعلء فححي كلم العرب كثيححر؛ يمنححع مححن الصححرف فححي المعرفححة‬
‫والنكرة؛ لن في آخرها ألف التأنيث‪ ،‬وألف التأنيث ملزمة لما هي فيه‪ ،‬وليس في الكلم فعلء‪،‬‬
‫ولكحن محن قرأ سحيناء بكسحر السحين جعحل فعلل؛ فالهمزة فيحه كهمزة حرباء‪ ،‬ولم يصحرف فحي هذه‬
‫الية لنه جعل اسم بقعة ‪ 0‬وزعم الخفش أنه اسم أعجمي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تنبت بالدهن" قرأ الجمهور "تنبت" بفتح التاء وضم الباء‪ ،‬والتقدير‪ :‬تنبت ومعها‬
‫الدهن؛ كما تقول‪ :‬خرج زيد بسلحه‪ .‬وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بقسم التاء وكسر الباء‪ .‬واختلف‬
‫فحي التقديحر على هذه القراءة؛ فقال أبحو علي الفارسحي‪ :‬التقديحر تنبحت جناهحا ومعحه الدهحن؛ فالمفعول‬
‫محذوف‪ .‬وقيل‪ :‬الباء زائدة؛ مثل "ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة‪ ]195 :‬وهذا مذهب أبي‬
‫عبيدة‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫نضرب بالسيف ونرجو بالفرج‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫سود المحاجر ل يقرأن بالسور‬ ‫هن الحرائر ل ربات أخمرة‬
‫ونححو هذا قال أبحو علي أيضحا؛ وقحد تقدم‪ .‬وقيحل‪ :‬نبحت وأنبحت بمعنحى؛ فيكون المعنحى كمحا مضحى فحي‬
‫قراءة الجمهور‪ ،‬وهو مذهب الفراء وأبي إسحاق‪ ،‬ومنه قول زهير‪:‬‬
‫حتى إذا أنبت البقل‬
‫والصمعي ينكر أنبت‪ ،‬ويتهم قصيدة زهير التي فيها‪:‬‬
‫قطينا بها حتى إذا أنبت البقل‬ ‫رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم‬
‫أي نبحت‪ .‬وقرأ الزهري والحسحن والعرج "تنبحت بالدهحن" برفحع التاء ونصحب الباء‪ .‬قال ابحن جنحي‬
‫والزجاج‪ :‬هحي باء الحال؛ أي تنبحت ومعهحا دهنهحا‪ .‬وفحي قراءة ابحن مسحعود‪" :‬تخرج بالدهحن" وهحي‬
‫باء الحال‪ .‬ابحن درسحتويه‪ :‬الدهحن الماء الليحن؛ تنبحت محن النبات‪ .‬وقرأ زر بحن حيحش "تنبحت ‪ -‬بضحم‬
‫التاء وكسحر الباء ‪ -‬الدهحن" بحذف الباء ونصحبه‪ .‬وقرأ سحليمان بحن عبدالملك والشهحب "بالدهان"‪.‬‬
‫والمراد محن اليحة تعديحه نعمحة الزيحت على النسحان‪ ،‬وهحي محن أركان النعحم التحي ل غنحى بالصححة‬
‫عنها‪ .‬ويدخل في معنى الزيتون شجر الزيت كله على اختلفه بحسب القطار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وصبغ للكلين" قراءة الجمهور‪ .‬وقرأت فرقة "وأصباغ" بالجمع‪ .‬وقرأ عامر بن‬
‫عبحد قيحس "ومتاعحا"؛ ويراد بحه الزيحت الذي يصحطبغ بحه الكحل؛ يقال‪ :‬صحبغ وصحباغ؛ مثحل دبحغ‬
‫ودباغ‪ ،‬ولبس ولباس‪ .‬وكل إدام يؤتدم به فهو صبغ؛ حكاه الهروي وغيره‪ .‬وأصل الصبغ ما يلون‬
‫بححه الثوب‪ ،‬وشبححه الدام بححه لن الخبححز يلون بالصححبغ إذا غمححس فيححه‪ .‬وقال مقاتححل‪ :‬الدم الزيتون‪،‬‬
‫والدهن الزيت‪ .‬وقد جعل ال تعالى في هذه الشجرة أدما ودهنا؛ فالصبغ على هذا الزيتون‪.‬‬
‫ل خلف أن كحل محا يصحطبغ فيحه محن المائعات كالزيحت والسحمن والعسحل والرب والخحل وغيحر‬
‫ذلك محن المراق أنحه إدام‪ .‬وقحد نحص رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم على الخحل فقال‪( :‬نعحم الدام‬
‫الخحل) رواه تسحعة محن الصححابة‪ ،‬سحبعة رجال وامرأتان‪ .‬وممحن رواه فحي الصححيح جابر وعائشحة‬
‫وخارجة وعمر وابنه عبيدال وابن عباس وأبو هريرة وسمرة بن جندب وأنس وأم هانئ‪.‬‬
‫واختلف فيمحا كان جامدا كاللححم والتمحر والزيتون وغيحر ذلك محن الجوامحد؛ فالجمهور أن ذلك‬
‫كله إدام؛ فمحن حلف أل يأكحل إدامحا فأكحل لحححا أو جبنحا حنحث‪ .‬وقال أبحو حنيفحة‪ :‬ل يحنحث؛ وخالفحه‬
‫صاحباه‪ .‬وقد روي عن أبي يوسف مثل قول أبي حنيفة‪ .‬والبقل ليس بإدام في قولهم جميعا‪ .‬وعن‬
‫الشافعحي فحي التمحر وجهان؛ والمشهور أنحه ليحس بإدام لقوله فحي التنحبيه‪ .‬وقيحل يحنحث؛ والصححيح أن‬
‫هذا كله إدام‪ .‬وقحد روى أبحو داود عحن يوسحف بحن عبدال بحن سحلم قال‪ :‬رأيحت النحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم أخحذ كسحرة محن خبحز شعيحر فوضحع عليهحا تمرة فقال‪( :‬هذا إدام هذه)‪ .‬وقال صحلى ال عليحه‬
‫وسلم‪( :‬سيد إدام الدنيا والخرة اللحم)‪ .‬ذكره أبو عمر‪ .‬وترجم البخاري (باب الدام) وساق حديث‬
‫عائشحة؛ ولن الدام مأخوذ محن المؤادمحة وهحي الموافقحة‪ ،‬وهذه الشياء توافحق الخبحز فكان إدامحا‪.‬‬
‫وفحي الحديحث عنحه عليحه السحلم‪( :‬ائتدموا ولو بالماء)‪ .‬ولبحي حنيفحة أن حقيقحة الدام الموافقحة فحي‬
‫الجتماع على وجحه ل يقبحل الفصحل؛ كالخحل والزيحت ونحوهمحا‪ ،‬وأمحا اللححم والبيحض وغيرهمحا ل‬
‫يوافحق الخبحز بحل يجاوزه كالبطيحخ والتمحر والعنحب‪ .‬والحاصحل‪ :‬أن كحل محا يحتاج فحي الكحل إلى‬
‫موافقة الخبز كان إداما‪ ،‬وكل ما ل يحتاج ويؤكل على حدة ل يكون إداما‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ روى الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسححلم‪( :‬لوا الزيححت وادهنوا بححه فإنححه مححن شجرة مباركححة)‪ .‬هذا حديححث ل يعرف إل مححن حديححث‬
‫عبدالرزاق‪ ،‬وكان يضطرب فيه‪ ،‬فربما يذكر فيه عن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وربما‬
‫رواه على الشحك فقال‪ :‬أحسحبه عحن عمحر عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬وربمحا قال‪ :‬عحن زيحد بحن‬
‫أسلم عن أبيه عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬خص الطور بالزيتون لن أول الزيتون‬
‫نبت منها‪ .‬وقيل‪ :‬إن الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 27 - 21 :‬وإن لكم في النعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة‬
‫ومنها تأكلون‪ ،‬وعليها وعلى الفلك تحملون‪ ،‬ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا ال ما‬
‫لكححم مححن إله غيره أفل تتقون‪ ،‬فقال المل الذيححن كفروا مححن قومححه مححا هذا إل بشححر مثلكححم يريححد أن‬
‫يتفضل عليكم ولو شاء ال لنزل ملئكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الولين‪ ،‬إن هو إل رجل به جنة‬
‫فتربصوا به حتى حين‪ ،‬قال رب انصرني بما كذبون‪ ،‬فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا‬
‫فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إل من سبق عليه القول منهم‬
‫ول تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن لكحم فحي النعام لعحبرة نسحقيكم ممحا فحي بطونهحا ولكحم فيهحا منافحع كثيرة ومنهحا‬
‫تأكلون‪ ،‬وعليها وعلى الفلك تحملون" تقدم القول فيهمحا فحي النححل‪" .‬وعليهحا" أي وعلى النعام فحي‬
‫البر‪" .‬وعلى الفلك" فحي البححر‪" .‬تحملون" وإنمحا يحمحل فحي البر على البر فيجوز أن ترجحع الكنايحة‬
‫إلى بعض النعام‪ .‬وروي أن رجل ركحب بقرة فحي الزمان الول فأنطقهحا ال تعالى معه فقالت‪ :‬إنا‬
‫لم نخلق لهذا! وإنما خلقت للحرث‪" .‬ما لكم من إله غيره" قرئ بالخفض ردا على اللفظ‪ ،‬وبالرفع‬
‫ردا على المعنى‪ .‬وقد مضى في "العراف"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محا هذا إل بشحر مثلكحم يريحد أن يتفضحل عليكحم" أي يسحودكم ويشرف عليكحم بأن‬
‫يكون متبوعا ونحن له تبع‪" .‬ولو شاء ال لنزل ملئكة" أي لو شاء ال أل يعبد شيء سواه لجعل‬
‫رسول ملكا‪" .‬ما سمعنا بهذا" أي بمثل دعوته‪ .‬وقيل‪ :‬ما سمعنا بمثله بشرا؛ أي برسالة ربه‪" .‬في‬
‫آبائنحا الوليحن" أي فحي المحم الماضيحة؛ قال ابحن عباس‪ .‬والباء فحي "بهذا" زائدة؛ أي محا سحمعنا هذا‬
‫كائنحا فحي أبائنحا الوليحن‪ ،‬ثحم عطحف بعضهحم على بعحض فقالوا‪" :‬إن هحو" يعنون نوححا "إل رجحل بحه‬
‫جنة" أي جنون ل يدري ما يقول‪" .‬فتربصوا به حتى حين" أي انتظروا موته‪ .‬وقيل‪ :‬حتى يستبين‬
‫جنونحه‪ .‬وقال الفراء‪ :‬ليحس يراد بالحيحن هحا هنحا وقحت بعينحه‪ ،‬إنمحا هحو كقول‪ :‬دعحه إلى يوم محا‪ .‬فقال‬
‫حيحن تمادوا على كفرهحم‪" :‬رب انصحرني بمحا كذبون" أي انتقحم ممحن لم يطعحن ولم يسحمع رسحالتي‪.‬‬
‫"فأوحينا إليه" أي أرسلنا إليه رسل من السماء "أن اصنع الفلك" على ما تقدم بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسلك فيها" أي أدخل فيها واجعل فيها؛ يقال‪ :‬سلكته في كذا وأسلكته فيه في كذا‬
‫وأسلكته فيه إذا أدخلته‪ .‬قال عبد مناف بن ربع الهذلي‪:‬‬
‫شل كما تطرد الجمالة الشردا‬ ‫حتى إذا أسلكوهم في قتائدة‬
‫"من كلّ زوجين اثنين" قرأ حفص "من كل" بالتنوين‪ ،‬الباقون بالضافة؛ وقد ذكر‪ .‬وقال الحسن‪:‬‬
‫لم يحتمل نوج في السفينة إل ما يلد ويبيض‪ ،‬فأما البق والذباب والدود فلم يحمل شيئا منها‪ ،‬وإنما‬
‫خرج من الطين‪ .‬وقد مضى القول في السفينة والكلم فيها مستوفى‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 28 :‬فإذا اسحتويت أنحت ومحن معحك على الفلك فقحل الحمحد ل الذي نجانحا محن القوم‬
‫الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا استويت" أي علوت‪" .‬أنت ومن معك على الفلك" راكبين‪" .‬فقل الحمد ل"‬
‫أي احمدوا ال على تخليصه إياكم‪" .‬الذي نجانا من القوم الظالمين" ومن الغرق‪ .‬والحمد ل‪ :‬كلمة‬
‫كل شاكر ل‪ .‬وقد مضى في الفاتحة بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬وقل رب أنزلني منزل مباركا وأنت خير المنزلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقحل رب أنزلنحي منزل مباركحا" قراءة العامحة "منزل" بضحم الميحم وفتحح الزاي‪،‬‬
‫على المصححدر الذي هححو النزال؛ أي انزلنححي إنزال مباركححا‪ .‬وقرأ زر بححن حححبيش وأبححو بكححر عححن‬
‫عاصحم والمفضحل "منزل" بفتحح الميحم وكسحر الزاي على الموضحع؛ أي أنزلنحي موضعحا مباركحا‪.‬‬
‫الجوهري‪ :‬المنزل (بفتح الميم والزاي) النزول وهو الحلول؛ تقول‪ :‬نزلت نزول ومنزل‪ .‬وقال‪:‬‬
‫بكيت فدم العين منحدر سجل‬ ‫أأن ذكرتك الدار منزلها جمل‬
‫نصححب "المنزل" لنححه مصححدر‪ .‬وأنزل غيره واسححتنزله بمعنححى‪ .‬ونزله تنزيل؛ والتنزيححل أيضححا‬
‫الترتيحب‪ .‬قال ابحن عباس ومجاهحد‪ :‬هذا حيحن خرج محن السحفينة؛ مثحل قوله تعالى‪" :‬اهبحط بسحلم منحا‬
‫وبركات عليحك وعلى أمحم ممحن معحك" [هود‪ .]48 :‬وقيحل‪ :‬حيحن دخلهححا؛ فعلى هذا يكون قول‬
‫"مباركا" يعني بالسلمة والنجاة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبالجملة فالية تعليم من ال عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا؛ بل وإذا‬
‫دخلوا بيوتهحم وسحلموا قالوا‪ .‬وروي عحن علي رضحي ال عنحه أنحه كان إذا دخحل المسحجد قال‪ :‬اللهحم‬
‫أنزلني منزل مباركا وأنت خير المنزلين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬إن في ذلك ليات وإن كنا لمبتلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن فحي ذلك" أي فحي أمحر نوج والسحفينة وإهلك الكافريحن‪" .‬ليات" أي دللت‬
‫على كمال قدرة ال تعالى‪ ،‬وأنحه ينصحر أنحبياءه ويهلك أعداءهحم‪" .‬وإن كنحا لمبتليحن" أي محا كنحا إل‬
‫مبتلين المم قبلكم؛ أي مختبرين لهم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي فيتبين للملئكة‬
‫حالهحم؛ ل أن يسحتجد الرب علمحا‪ .‬وقيحل‪ :‬أي نعاملهحم معاملة المختحبرين‪ .‬وقحد تقدم هذا المعنحى فحي‬
‫"البقرة" وغيرها‪ .‬وقيل‪" :‬إن كنا" أي وقد كنا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 32 - 31 :‬ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين‪ ،‬فأرسلنا فيهم رسول منهم أن اعبدوا‬
‫ال ما لكم من إله غيره أفل تتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم أنشأنا من بعدهم" أي من بعد هلك قوم نوح‪" .‬قرنا آخرين" قيل‪ :‬هم قوم عاد‪.‬‬
‫"فأرسلنا فيهم رسول" يعني هودا؛ لنه ما كانت أمة أنشأت في إثر قوم نوح إل عاد‪ .‬وقيل‪ :‬هم‬
‫قوم ثمود "فأرسلنا فيهم رسول" يعني صالحا‪ .‬قالوا‪ :‬والدليل عليه قوله تعالى آخر الية "فأخذتهم‬
‫الصيحة" [المؤمنون‪]41 :‬؛ نظيرها‪" :‬وأخذ الذين ظلموا الصيحة" [هود‪.]67 :‬‬
‫قلت‪ :‬وممن أخذ بالصيحة أيضا أصحاب مدين قوم شعيب‪ ،‬فل يبعد أن يكونوا هم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫"منهم" أي من عشيرتهم‪ ،‬يعرفون مولده ومنشأه ليكون سكونهم إلى قول أكثر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 35 - 33 :‬وقال المل محن قومحه الذيحن كفروا وكذبوا بلقاء الخرة وأترفناهحم فحي‬
‫الحياة الدنيحا محا هذا إل بشحر مثلكحم يأكحل ممحا تأكلون منحه ويشرب ممحا تشربون‪ ،‬ولئن أطعتحم بشرا‬
‫مثلكم إنكم إذا لخاسرون‪ ،‬أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال المل من قومه" أي الشراف والقادة والرؤساء‪" .‬الذين كفروا وكذبوا بلقاء‬
‫الخرة" يريحد بالبعحث والحسحاب‪" .‬وأترفناهحم فحي الحياة الدنيحا" أي وسحعنا عليهحم نعحم الدنيحا حتحى‬
‫بطروا وصحاروا يؤتون بالترفحة‪ ،‬وهحي مثحل التحفحة‪" .‬محا هذا إل بشحر مثلكحم يأكحل ممحا تأكلون منحه‬
‫ويشرب ممحا تشربون" فل فضحل له عليكحم لنحه محتاج إلى الطعام والشراب كأنتحم‪ .‬وزعحم الفراء‬
‫أن معنححى "ويشرب ممححا تشربون" على حذف مححن‪ ،‬أي ممححا تشربون منححه؛ وهذا ل يجوز عنححد‬
‫البصحريين ول يحتاج إلى حذف البتحة؛ لن "محا" إذا كان مصحدرا لم يحتحج إلى عائد‪ ،‬فإن جعلتهحا‬
‫بمعنحححى الذي حذفحححت المفعول ولم يحتحححج إلى إضمار محححن‪" .‬ولئن أطعتحححم بشرا مثلكحححم إنكحححم إذا‬
‫لخاسرون" يريد لمغبونون بترككم آلهتكم واتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم‪" .‬أيعدكم أنكم إذا‬
‫متحم وكنتحم ترابحا وعظامحا أنكحم مخرجون" أي مبعوثون محن قبوركحم‪ .‬و"أن" الولى فحي موضحع‬
‫نصححب بوقوع "يعدكححم" عليهححا‪ ،‬والثانيححة بدل منهححا؛ هذا مذهححب سححيبويه‪ .‬والمعنححى‪ :‬أيعدكححم أنكححم‬
‫مخرجون إذا متححم‪ .‬قال الفراء‪ :‬وفححي قراءة عبدال "أيعدكححم إذا متححم وكنتححم ترابححا وعظامححا أنكححم‬
‫مخرجون"؛ وهحو كقولك‪ :‬أظحن إن خرجحت أنحك نادم‪ .‬وذهحب الفراء والجرمحي وأبحو العباس المحبرد‬
‫إلى أن الثانيحة مكررة للتوكيحد‪ ،‬لمحا طال الكلم كان تكريرهحا حسحنا‪ .‬وقال الخفحش‪ :‬المعنحى أيعدكحم‬
‫أنكحم إذا متم وكنتم ترابحا وعظاما يحدث إخراجكحم؛ فحح "أن" الثانية فحي موضحع رفحع بفعحل مضمحر؛‬
‫كما تقول‪ :‬اليوم القتال‪ ،‬فالمعنى اليوم يحدث القتال‪ .‬وقال أبو إسحاق‪ :‬ويجوز "أيعدكم إنكم إذا متم‬
‫وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون"؛ لن معنى "أيعدكم" أيقول إنكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬هيهات هيهات لما توعدون}‬
‫@ قال ابن عباس‪ :‬هي كلمة للبعد؛ كأنهم قالوا بعيد ما توعدون؛ أي أن هذا ل يكون ما يذكر من‬
‫البعث‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬هي بمنزلة الفعل؛ أي بعد ما توعدون‪ .‬وقال ابن النباري‪ :‬وفي "هيهات"‬
‫عشححر لغات‪ :‬هيهات لك (بفتححح التاء) وهححي قراءة الجماعححة‪ .‬وهيهات لك (بخفححض التاء)؛ ويروى‬
‫عن أبي جعفر بن القعقاع‪ .‬وهيهات لك (بالخفض والتنوين) يروى عن عيسى ابن عمر‪ .‬وهيهات‬
‫لك (برفحع التاء)؛ الثعلبحي‪ :‬وبهحا قرأ نصحر بحن عاصحم وأبحو العاليحة‪ .‬وهيهات لك (بالرفحع والتنويحن)‬
‫وبها قرأ أبو حيوة الشامي؛ ذكره الثعلبي أيضا‪ .‬وهيهاتا لك (بالنصب والتنوين) قال الحوص‪:‬‬
‫وهيهات هيهاتا إليك رجوعها‬ ‫تذكرت أياما مضين من الصبا‬
‫واللغة السابعة‪ :‬أيهات أيهات؛ وأنشد الفراء‪:‬‬
‫به وأيهات خل بالعقيق نواصله‬ ‫فأيهات أيهات العقيق ومن‬
‫قال المهدوي‪ :‬وقرأ عيسى الهمداني "هيهات هيهات" بإسكان‪ .‬قال ابن النباري‪ :‬ومن العرب من‬
‫يقول "أيهان" بالنون‪ ،‬ومنهم من يقول "أيها" بل نون‪ .‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫وكتمان أيها ما أشت وأبعدا‬ ‫ومن دوني العيان والقنع كله‬
‫فهذه عشر لغات‪ .‬فمن قال "هيهات" بفتح التاء جعله مثل أين وكيف‪ .‬وقيل‪ :‬لنهما أداتان مركبتان‬
‫مثحل خمسحة عشحر وبعلبحك ورام هرمحز‪ ،‬وتقحف على الثانحي بالهاء؛ كمحا تقول‪ :‬خمحس عشرة وسحبع‬
‫عشرة‪ .‬وقال الفراء‪ :‬نصححبها كنصححب ثمحت وربححت‪ ،‬ويجوز أن يكون الفتحح إتباعححا لللف والفتححة‬
‫التي قبلها‪ .‬ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلء‪ .‬قال‪:‬‬
‫وهيهات هيهات إليك رجوعها‬
‫قال الكسحائي‪ :‬ومحن كسحر التاء وقحف عليهحا بالهاء؛ فيقول هيهاه‪ .‬ومحن نصحبها وقحف بالتاء وإن شاء‬
‫بالهاء‪ .‬ومن ضمها فعلى مثل منذ وقط وحيث‪ .‬ومن قرأ "هيهات" بالتنوين فهو جمع ذهب به إلى‬
‫التنكيححر؛ كأنححه قال بعدا بعدا‪ .‬وقيححل‪ :‬خفححض ونون تشبيهححا بالصححوات بقولهححم‪ :‬غاق وطاق‪ .‬وقال‬
‫الخفش‪ :‬يجوز في "هيهات" أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث‪ .‬ومن‬
‫قرأ "هيهات" جاز أن يكون أخلصحها اسحما معربحا فيحه معنحى البعحد‪ ،‬ولم يجعله اسحما للفعحل فيبنيحه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬شبه التاء بتاء الجمع‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬فإذا أفضتم من عرفات" [البقرة‪ .]198 :‬قال الفراء‪:‬‬
‫وكأنحي أسحتحب الوقحف على التاء؛ لن محن العرب محن يخفحض التاء على كحل حال؛ فكأنهححا مثحل‬
‫عرفات وملكوت ومحا أشبحه ذلك‪ .‬وكان مجاهحد وعيسحى بحن عمحر وأبحو عمرو بحن العلء والكسحائي‬
‫وابن كثير يقفون عليها هيهاه" بالهاء‪ .‬وقد روي عن أبي عمرو أيضا أنه كان يقف على "هيهات"‬
‫بالتاء‪ ،‬وعليحه بقيحة القراء لنهحا حرف‪ .‬قال ابحن النباري‪ .‬محن جعلهمحا حرفحا واحدا ل يفرد أحدهمحا‬
‫محن الخحر‪ ،‬وقحف على الثانحي بالهاء ولم يقحف على الول؛ فيقول‪ :‬هيهات هيهاه‪ ،‬كمحا يقول خمحس‬
‫عشرة‪ ،‬على مححا تقدم‪ .‬ومححن نوى إفراد أحدهمححا محن الخححر وقححف فيهمححا جميعححا بالهاء والتاء؛ لن‬
‫أصل الهاء تاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬إن هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن هي إل حياتنا الدنيا" "هي" كناية عن الدنيا؛ أي ما الحياة إل ما نحن فيه ل‬
‫الحياة الخرة التحي تعدنحا بعحد البعحث‪" .‬نموت ونحيحا" يقال‪ :‬كيحف قالوا نموت ونحيحا وهحم ل يقرون‬
‫بالبعث؟ ففي هذا أجوبة؛ منها أن يكون المعنى‪ :‬نكون مواتا‪ ،‬أي نطفا ثم نحيا في الدنيا‪ .‬وقيل‪ :‬فيه‬
‫تقديحم وتأخيحر؛ أي إن هحي إل حياتنحا الدنيحا نحيحا فيهحا ونموت؛ كمحا قال‪" :‬واسحجدي واركعحي" [آل‬
‫عمران‪ .]43 :‬وقيحل‪" :‬نموت" يعنحي الباء‪" ،‬ونحيحا" يعنحي الولد‪" .‬ومحا نححن بمبعوثيحن" بعحد‬
‫الموت‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 41 - 38 :‬إن هو إل رجل افترى على ال كذبحا ومحا نحن له بمؤمنين‪ ،‬قال رب‬
‫انصرني بما كذبون‪ ،‬قال عما قليل ليصبحن نادمين‪ ،‬فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا‬
‫للقوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن هو إل رجل" يعنون الرسول‪" .‬افترى" أي اختلق‪" .‬على ال كذبا وما نحن له‬
‫بمؤمنين‪ ،‬قال رب انصرني بما كذبون" تقدم‪" .‬قال عما قليل" أي عن قليل‪،‬و "ما" زائدة مؤكدة‪.‬‬
‫"ليصحبحن نادميحن" على كفرهحم‪ ،‬واللم لم القسحم؛ أي وال ليصحبحن‪" .‬فأخذتهحم الصحيحة" فحي‬
‫التفاسير‪ :‬صاح بهم جبريل عليه السلم صيحة واحدة مع الريح التي أهلكهم ال تعالى بها فماتوا‬
‫عن آخرهم‪" .‬فجعلناهم غثاء" أي هلكى هامدين كغثاء السيل‪ ،‬وهو ما يحمله من بالي الشجر من‬
‫الحشيحش والقصحب ممحا يبحس وتفتحت‪" .‬فبعدا للقوم الظالميحن" أي هلكحا لهحم‪ .‬وقيحل بعدا لهحم محن‬
‫رحمة ال؛ وهو منصوب على المصدر‪ .‬ومثله سقيا له ورعيا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 44 - 42 :‬ثحم أنشأنحا محن بعدهحم قرونحا آخريحن‪ ،‬محا تسحبق محن أمحة أجلهحا ومحا‬
‫يسحتأخرون‪ ،‬ثحم أرسحلنا رسحلنا تترا كلمحا جاء أمحة رسحولها كذبوه فأتبعنحا بعضهحم بعضحا وجعلناهحم‬
‫أحاديث فبعدا لقوم ل يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم أنشأنا من بعدهم" أي من بعد هلك هؤلء‪" .‬قرونا" أي أمما‪" .‬آخرين" قال‬
‫ابحن عباس‪ :‬يريحد بنحي إسحرائيل؛ وفحي الكلم حذف‪ :‬فكذبوا أنحبياءهم فأهلكناهحم‪" .‬محا تسحبق محن أمحة‬
‫أجلهحا" "محن" صحلة؛ أي محا تسحبق أمحة الوقحت المؤقحت لهحا ول تتأخره؛ مثحل قوله تعالى‪" :‬فإذا جاء‬
‫أجلهححم ل يسححتأخرون سححاعة ول يسححتقدمون" [العراف‪ .]34 :‬ومعنححى "تترى" تتواتححر‪ ،‬ويتبححع‬
‫بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا‪ .‬قال الصمعي‪ :‬وأترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا؛ إل أن بين‬
‫كل كل واحد وبين الخر مهلة‪ .‬وقال غيره‪ :‬المواترة التتابع بغير مهلة‪ .‬وقرأ ابن كثير وأبو عمرو‬
‫"تترى" بالتنويحن على أنحه مصحدر أدخحل فيحه التنويحن على فتحح الراء؛ كقولك‪ :‬حمدا وشكرا؛ فال‬
‫فالوقحف على هذا على اللف المعوضحة محن التنويحن‪ .‬ويجوز أن يكون ملحقحا بجعفحر‪ ،‬فيكون مثحل‬
‫أرطى وعلقى؛ كما قال‪:‬‬
‫يستن في علقى وفي مكور‬
‫فإذا وقححف على هذا الوجححه جازت المالة‪ ،‬على أن ينوي الوقححف على اللف الملحقححة‪ .‬وقرأ ورش‬
‫بيحن اللفظتيحن؛ مثحل سحكرى وغضحبى‪ ،‬وهحو اسحم جمحع؛ مثحل شتحى وأسحرى‪ .‬وأصحله وترى محن‬
‫المواترة والتواتحر‪ ،‬فقلبحت الواو تاء؛ مثحل التقوى والتكلن وتجاه ونحوهحا‪ .‬وقيحل‪ :‬هحو الوتحر وهحو‬
‫الفرد؛ فالمعنحححححى أرسحححححلناهم فردا فردا‪ .‬النحاس‪ :‬وعلى هذا يجوز "تترا" بكسحححححر التاء الولى‪،‬‬
‫وموضعهحا نصحب على المصحدر؛ لن معنحى "ثحم أرسحلنا" واترنحا‪ .‬ويجوز أن يكون فحي موضحع‬
‫الحال أي متواترين‪" .‬فأتبعنا بعضهم بعضا" أي بالهلك‪" .‬وجعلناهم أحاديث" جمع أحدوثة وهي‬
‫ما يتحدث به؛ كأعاجيب جمع أعجوبة‪ ،‬وهي ما يتعجب منه‪ .‬قال الخفش‪ :‬إنما يقال هذا في الشر‬
‫"جعلناهم أحاديث" ول يقال في الخير؛ كما يقال‪ :‬صار فلن حديثا أي عبرة ومثل؛ كما قال في‬
‫آية أخرى‪" :‬فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق" [سبأ‪.]19 :‬‬
‫قلت‪ :‬وقد يقال فلن حديث حسن‪ ،‬إذا كان مقيدا بذكر ذلك؛ ومنه قول ابن دريد‪:‬‬
‫فكن حديثا حسنا لمن وعى‬ ‫وإنما المرء حديث بعده‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 48 - 45 :‬ثحم أرسحلنا موسحى وأخاه هارون بآياتنحا وسحلطان محبين‪ ،‬إلى فرعون‬
‫وملئه فاسحتكبروا وكانوا قومحا عاليحن‪ ،‬فقالوا أنؤمحن لبشريحن مثلنحا وقومهمحا لنحا عابدون‪ ،‬فكذبوهمحا‬
‫فكانوا من المهلكين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثحم أرسحلنا موسحى وأخاه هارون بآياتنحا وسحلطان محبين" تقدم‪ .‬ومعنحى "عاليحن"‬
‫متكحبرين قاهريحن لغيرهحم بالظلم؛ كمحا قال تعالى‪" :‬إن فرعون عل فحي الرض" [القصحص‪]4 :‬‬
‫"فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا" الية‪ .‬تقدم أيضا‪ .‬ومعنى "من المهلكين" أي بالغرق في البحر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا موسى الكتاب" يعني التوراة؛ وخص موسى بالذكر لن التوراة أنزلت‬
‫عليحه فحي الطور‪ ،‬وهارون خليفحة فحي قومحه‪ .‬ولو قال "ولقحد آتيناهمحا" جاز؛ كمحا قال‪" :‬ولقحد آتينحا‬
‫موسى وهارون الفرقان" [النبياء‪.]48 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلنحا ابحن مريحم وأمحه آية" تقدم فحي "النحبياء" القول فيحه‪" .‬وآويناهمحا إلى ربوة‬
‫ذات قرار ومعين" الربوة المكان المرتفع من الرض؛ وقد تقدم في "البقرة"‪ .‬والمراد بها ههنا في‬
‫قول أبحي هريرة فلسحطين‪ .‬وعنحه أيضحا الرملة؛ وروي عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ .‬وقال ابحن‬
‫عباس وابحن المسحيب وابحن سحلم‪ :‬دمشحق‪ .‬وقال كعحب وقتادة‪ :‬بيحت المقدس‪ .‬قال كعحب‪ :‬وهحي أقرب‬
‫الرض إلى السماء بثمانية عشر ميل‪ .‬قال‪:‬‬
‫تعاورني ريح جنوب وشمال‬ ‫فكنت هميدا تحت رمس بربوة‬
‫وقال ابن زيد‪ :‬مصر‪ .‬وروى سالم الفطس عن سعيد بن جبير "وآويناهما إلى ربوة" قال‪ :‬النشز‬
‫محن الرض‪" .‬ذات قرار" أي مسحتوية يسحتقر عليهحا‪ .‬وقيحل‪ :‬ذات ثمار‪ ،‬ولجحل الثمار يسحتقر فيهحا‬
‫السحاكنون‪" .‬ومعيحن" ماء جار ظاهحر للعيون‪ .‬يقال‪ :‬معيحن ومعحن؛ كمحا يقال‪ :‬رغيحف ورغحف؛ قاله‬
‫علي بحن سحليمان‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬هحو الماء الجاري فحي العيون؛ فالميحم على هذا زائدة كزيادتهحا فحي‬
‫مححبيع‪ ،‬وكذلك الميححم زائدة فحي قول محن قال إنحه الماء الذي يرى بالعيحن‪ .‬وقيححل‪ :‬إنحه فعيححل بمعنححى‬
‫مفعول‪ .‬قال علي بحن سحليمان‪ :‬يقال محن الماء إذا جرى فهحو معيحن ومعيون‪ .‬ابحن العرابحي‪ :‬معحن‬
‫الماء يمعن معونا إذا جرى وسهل‪ ،‬وأمعن أيضا وأمعنته‪ ،‬ومياه معنان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}‬
‫@ روى الصححيح عن أبحي هريرة قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬أيهحا الناس إن ال‬
‫طيحب ل يقبحل إل طيبحا وإن ال أمحر المؤمنيحن بمحا أمحر بحه المرسحلين فقال "يحا أيهحا الرسحل كلوا محن‬
‫الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما‬
‫رزقناكم" [البقرة‪ - ]172 :‬ثم ذكر ‪ -‬الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب‬
‫يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)‪.‬‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬والخطاب في هذه الية للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأنه أقامه مقام الرسل؛‬
‫كمحا قال‪" :‬الذيحن قال لهحم الناس" [آل عمران‪ ]173 :‬يعنحي نعيحم بحن مسحعود‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬هذه‬
‫مخاطبحة للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬ودل الجمحع على أن الرسحل كلهحم كذا أمروا؛ أي كلوا محن‬
‫الحلل‪ .‬وقال الطبري‪ :‬الخطاب لعيسى عليه السلم؛ روي أنه كان يأكل من غزل أمه‪ .‬والمشهور‬
‫عنه أنه كان يأكل من بقل البرية‪ .‬ووجه خطابه لعيسى ما ذكرناه من تقديره لمحمد صلى ال عليه‬
‫وسحلم تشريفحا له‪ .‬وقيحل‪ :‬إن هذه المقالة خوطحب بهحا كحل نحبي؛ لن هذه طريقتهحم التحي ينبغحي لهحم‬
‫الكون عليهحا‪ .‬فيكون المعنحى‪ :‬وقلنحا يحا أيهحا الرسحل كلوا محن الطيبات؛ كمحا تقول لتاجحر‪ :‬يحا تجار‬
‫ينبغححي أن تجتنبوا الربححا؛ فأنححت تخاطبححه بالمعنححى‪ .‬وقححد اقترن بذلك أن هذه المقالة تصححلح لجميححع‬
‫صنفه‪ ،‬فلم يخاطبوا قط مجتمعين صلوات ال عليهم أجمعين‪ ،‬وإنما خوطب كل واحد في عصره‪.‬‬
‫قال الفراء‪ :‬هو كما تقول للرجل الواحد‪ :‬كفوا عنا أذاكم‪.‬‬
‫@ سحوى ال تعالى بيحن النحبيين والمؤمنيحن فحي الخطاب بوجوب أكحل الحلل وتجنحب الحرام‪ ،‬ثحم‬
‫شمحل الكحل فحي الوعيحد الذي تضمنحه قوله تعالى‪" :‬إنحي بمحا تعملون عليحم" صحلى ال على رسحله‬
‫وأنبيائه‪ .‬وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم‪ .‬وقد مضى القول في الطيبات والرزق في‬
‫غيحر موضحع‪ ،‬والحمحد ل‪ .‬وفحي قوله عليحه السحلم (يمحد يديحه) دليحل على مشروعيحة محد اليديحن عنحد‬
‫الدعاء إلى السحماء؛ وقحد مشحى الخلف فحي هذا والكلم فيحه والحمحد ل‪ .‬وقوله عليحه السحلم (فأنحى‬
‫يستجاب لذلك) على جهة الستبعاد؛ أي أنه ليس أهل لجابة دعائه لكن يجوز أن يستجيب ال له‬
‫تفضل ولطفا وكرما‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 54 - 52 :‬وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون‪ ،‬فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا‬
‫كل حزب بما لديهم فرحون‪ ،‬فذرهم في غمرتهم حتى حين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن هذه أمتكحم أمحة واحدة" المعنحى‪ :‬هذا الذي تقدم ذكره هحو دينكحم وملتكحم‬
‫فالتزموه‪ .‬والمححة هنححا الديححن؛ وقححد تقدم محامله؛ ومنححه قوله تعالى‪" :‬إنححا وجدنححا آباءنححا على أمححة"‬
‫[الزخرف‪ ]22 :‬أي على دين‪ .‬وقال النابغة‪:‬‬
‫وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع‬ ‫حلفت فلم أترك لنفسك ريبه‬
‫قرئ "وإن هذه" بكسحر "إن" على القطحع‪ ،‬وبفتحهحا وتشديحد النون‪ .‬قال الخليحل‪ :‬هحي فحي موضحع‬
‫نصب لما زال الخافض؛ أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به‪ .‬وقال الفراء‪" :‬أن"‬
‫متعلقححة بفعححل مضمححر تقديره‪ :‬واعلموا أن هذه أمتكححم‪ .‬وهحي عنححد سححيبويه متعلقحة بقوله "فاتقون"؛‬
‫والتقديححر فاتقون لن أمتكححم واحدة‪ .‬وهذا كقوله تعالى‪" :‬وأن المسححاجد ل فل تدعوا مححع ال أحححد"‬
‫[الجن‪]18 :‬؛ أي لن المساجد ل فل تدعوا معه غيره‪ .‬وكقوله‪" :‬ليلف قريش" [قريش‪]1 :‬؛‬
‫أي فليعبدوا رب هذا البيت ليلف قريش‪.‬‬
‫@ وهذه اليحة تقوي أن قوله تعالى‪" :‬يحا أيهحا الرسحل" إنمحا هحو مخاطبحة لجميعهحم‪ ،‬وأنحه بتقديحر‬
‫حضورهم‪ .‬وإذا قدرت "يا أيها الرسل" مخاطبة لمحمد صلى ال عليه وسلم فلق اتصال هذه الية‬
‫واتصحال قوله "فتقطعوا"‪ .‬أمحا أن قوله "وأنحا ربكحم فاتقونحي" وإن كان قيحل للنحبياء فأممهحم داخلون‬
‫فيحه بالمعنحى؛ فيحسحن بعحد ذلك اتصحال‪" .‬فتقطعوا" أي افترقوا‪ ،‬يعنحي المحم‪ ،‬أي جعلوا دينهحم أديانحا‬
‫بعد ما أمروا بالجتماع‪ .‬ثم ذكر تعالى أن كل منهم معجب برأيه وضللته وهذا غاية الضلل‪.‬‬
‫@ هذه الية تنظر إلى قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬أل إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على‬
‫اثنتيحن وسحبعين ملة وإن هذه المحة سحتفترق على ثلث وسحبعين اثنتان وسحبعون فحي النار وواحدة‬
‫في الجنة وهي الجماعة) الحديث‪ .‬خرجه أبو داود‪ ،‬ورواه الترمذي وزاد‪ :‬قالوا ومن هي يا رسول‬
‫ال؟ قال‪( :‬محا أنحا عليحه وأصححابي) خرجحه محن حديحث عبدال بحن عمرو‪ .‬وهذا يحبين أن الفتراق‬
‫المحذر منه في الية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده‪ ،‬لنه قد أطلق عليها ملل‪ ،‬وأخبر‬
‫أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار‪ .‬ومثل هذا ل يقال في الفروع‪ ،‬فإنه ل يوجب‬
‫تعديد الملل ول عذاب النار؛ قال ال تعالى‪" :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة‪.]48 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬زبرا" يعنحي كتبحا وضعوهحا وضللت ألفوهحا؛ قاله ابحن زيحد‪ .‬وقيحل‪ :‬إنهحم فرقوا‬
‫الكتحب فاتبعحت فرقحة الصححف وفرقحة التوراة وفرقحة الزبور وفرقحة النجيحل‪ ،‬ثحم حرف الكحل وبدل؛‬
‫قاله قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬أخذ كل فريق منهم كتابا آمن به وكفر بما سواه‪ .‬و"زبرا" بضم الباء قراءة نافع‪،‬‬
‫جمع زبور‪ .‬والعمش وأبو عمرو بخلف عنه "زبرا" بفتح الباء‪ ،‬أي قطعا كقطع الحديد؛ كقوله‬
‫تعالى‪" :‬آتوني زبر الحديد"‪[ .‬الكهف‪" .]96 :‬كل حزب" أي فريق وملة‪" .‬بما لديهم" أي عندهم‬
‫من الدين‪" .‬فرحون" أي معجبون به‪ .‬وهذه الية مثال لقريش خاطب محمدا صلى ال عليه وسلم‬
‫في شأنهم متصل بقوله "فذرهم في غمرتهم" أي فذر هؤلء الذين هم بمنزلة من تقدم‪ ،‬ول يضيق‬
‫صحدرك بتأخيحر العذاب عنهحم؛ فلكحل شيحء وقحت‪ .‬والغمرة فحي اللغحة محا يغمرك ويعلوك؛ وأصحله‬
‫الستر؛ ومنه الغمر الحقد لنه يغطي القلب‪ .‬والغمر الماء الكثير لنه يغطي الرض‪ .‬وغمر الرداء‬
‫الذي يشمل الناس بالعطاء؛ قال‪:‬‬
‫غلقت لضحكته رقاب المال‬ ‫غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا‬
‫المراد هنحا الحيرة الغفلة والضللة‪ .‬ودخحل فلن فحي غمار الناس‪ ،‬أي فحي زحمتهحم‪ .‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"حتى حين" قال مجاهد‪ :‬حتى الموت‪ ،‬فهو تهديد ل توقيت؛ كما يقال‪ :‬سيأتي لك يوم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 56 - 55 :‬أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين‪ ،‬نسارع لهم في الخيرات بل ل‬
‫يشعرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين" "ما" بمعنى الذي؛ أي أيحسبون يا محمد‬
‫أن الذي نعطيهححم فححي الدنيححا مححن المال والولد هححو ثواب لهححم‪ ،‬إنمححا هححو اسححتدراج وإملء‪ ،‬ليححس‬
‫إسححراعا فححي الخيرات‪ .‬وفححي خححبر "أن" ثلثححة أقوال‪ ،‬منهححا أنححه محذوف‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنححى‬
‫نسححارع لهححم بححه فححي الخيرات‪ ،‬وحذفححت بححه‪ .‬وقال هشام الضريححر قول دقيقححا‪ ،‬قال‪" :‬أنمححا" هححي‬
‫الخيرات؛ فصحار المعنحى‪ :‬نسحارع لهحم فيحه‪ ،‬ثحم أظهحر فقال "فحي الخيرات"‪ ،‬ول حذف فيحه على هذا‬
‫التقديحر‪ .‬ومذهحب الكسحائي أن "أنمحا" حرف واححد فل يحتاج إلى تقديحر حذف‪ ،‬ويجوز الوقحف على‬
‫قول "وبنيحن"‪ .‬ومحن قال "أنمحا" حرفان فل بحد محن ضميحر يرجحع محن الخحبر إلى اسحم "أن" ولم يتحم‬
‫الوقف على "وبنين"‪ .‬وقال السختياني‪ :‬ل يحسن الوقف على "وبنين"؛ لن "يحسبون" يحتاج إلى‬
‫مفعوليحن‪ ،‬فتمام المفعوليحن "فحي الخيرات" قال ابحن النباري‪ :‬وهذا خطحأ؛ لن "أن" كافيحة محن اسحم‬
‫أن وخبرها ول يجوز أن يؤتى بعد "أن" بمفعول ثان‪ .‬وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي وعبدالرحمن‬
‫بن أبي بكرة "يسارع" بالياء‪ ،‬على أن يكون فاعله إمدادنا‪ .‬وهذا يجوز أن يكون على غير حذف؛‬
‫أي يسارع لهم المداد‪ .‬ويجوز أن يكون فيه حذف‪ ،‬ويكون المعنى يسارع ال لهم‪ .‬وقرئ "يسارع‬
‫لهم في الخيرات" وفيه ثلثة أوجه‪ :‬أحدها على حذف به‪ .‬ويجوز أن يكون يسارع المداد‪ .‬ويجوز‬
‫أن يكون "لهم" اسم ما لم يسم فاعله؛ ذكره النحاس‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وقرأ الحر النحوي "نسرع لهم‬
‫فحي الخيرات" وهحو معنحى قراءة الجماعحة‪ .‬قال الثعلبحي‪ :‬والصحواب قراءة العامحة؛ لقوله "نمدهحم"‪.‬‬
‫"بل ل يشعرون" أن ذلك فتنة لهم واستدراج‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 60 - 57 :‬إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون‪ ،‬والذين هم بآيات ربهم يؤمنون‪،‬‬
‫والذين هم بربهم ل يشركون‪ ،‬والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لمحا فرغ محن ذكحر الكفرة وتوعدهحم عقحب ذلك بذكحر المؤمنيحن المسحارعين فحي‬
‫الخيرات ووعدهحم‪ ،‬وذكحر ذلك بأبلغ صحفاتهم‪ .‬و"مشفقون" خائفون وجلون ممحا خوفهحم ال تعالى‪.‬‬
‫"والذيحن يؤتون محا آتوا وقلوبهحم وجلة" قال الحسحن‪ :‬يؤتون الخلص ويخافون أل يقبحل منهحم‪.‬‬
‫وروى الترمذي عن عائشة رضي ال عنها زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت‪ :‬سألت رسول‬
‫ال صحلى ال عليحه وسحلم عحن هذه اليحة "والذيحن يؤتون محا آتوا وقلوبهحم وجلة" قالت عائشحة‪ :‬أهحم‬
‫الذيححن يشربون الخمححر ويسححرقون؟ قال‪( :‬ل يححا بنححت الصححديق ولكنهححم الذيححن يصححومون ويصححلون‬
‫ويتصحدقون وهحم يخافون أل يقبحل منهحم أولئك الذيحن يسحارعون فحي الخيرات)‪ .‬وقال الحسحن‪ :‬لقحد‬
‫أدركنحا أقوامحا كانوا محن حسحناتهم أن ترد عليهحم أشفحق منكحم على سحيئاتكم أن تعذبوا عليهحا‪ .‬وقرأت‬
‫عائشحة رضحي ال عنهحا وابحن عباس والنخعحي "والذيحن يأتون محا أتوا" مقصحورا محن التيان‪ .‬قال‬
‫الفراء‪ :‬ولو صححت هذه القراءة عحن عائشحة لم تخالف قراءة الجماعحة؛ لن الهمحز محن العرب محن‬
‫يلزم فيحه اللف فحي كحل الحالت إذا كتحب؛ فيكتحب سحئل الرجحل بألف بعحد السحين‪ ،‬ويسحتهزئون بألف‬
‫بيححن الزاي والواو‪ ،‬وشيححء وشيححء بألف بعححد الياء‪ ،‬فغيححر مسححتنكر فححي مذهححب هؤلء أن يكتححب‬
‫"يؤتون" بألف بعحد الياء‪ ،‬فيحتمحل هذا اللفحظ بالبناء على هذا الخحط قراءتيحن "يؤتون محا آتوا"‬
‫و"يأتون ما أتوا"‪ .‬وينفرد ما عليه الجماعة باحتمال تأويلين‪ :‬أحدهما‪ :‬الذين يعطون ما أعطوا من‬
‫الزكاة والصدقة وقلوبهم خائفة‪ .‬والخر‪ :‬والذين يؤتون الملئكة الذين يكتبون العمال على العباد‬
‫محا آتوا وقلوبهحم وجلة؛ فحذف مفعول فحي هذا الباب لوضوح معناه؛ كمحا حذف فحي قوله عز وجل‪:‬‬
‫"فيحه يغاث الناس وفيحه يعصحرون" [يوسحف‪ ]49 :‬والمعنحى يعصحرون السحمسم والعنحب؛ فاختزل‬
‫المفعول لوضوح تأويله‪ .‬ويكون الصحل فحي الحرف على هجائه الوجود فحي المام "يأتون" بألف‬
‫مبدلة من الهمزة فكتبت اللف واوا لتآخي حروف المد واللين في الخفاء؛ حكاه ابن النباري‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬المعروف محن قراءة ابحن عباس "والذيحن يأتون محا أتوا" وهحي القراءة المرويحة عحن النحبي‬
‫صححلى ال عليححه وسححلم وعححن عائشححة رضححي ال عنهححا‪ ،‬ومعناهححا يعملون مححا عملوا؛ مححا روي فححي‬
‫الحديحث‪ .‬والوجحل نححو الشفاق والخوف؛ فالتقحي والتائب خوفحه أمحر العاقبحة ومحا يطلع عليحه بعحد‬
‫الموت‪ .‬وفحي قوله‪" :‬أنهحم إلى ربهحم راجعون" تنحبيه على الخاتمحة‪ .‬وفحي صححيح البخاري (وإنمحا‬
‫العمال بالخواتيم)‪ .‬وأما المخلط فينبغي له أن يكون تحت خوف من أن ينفذ عليه الوعيد بتخليطه‪.‬‬
‫وقال أصحاب الخواطر‪ :‬وجل العارف من طاعته أكثر وجل من وجله من مخالفته؛ لن المخالفة‬
‫تمحوهحا التوبحة‪ ،‬والطاعحة تطلب بتصححيح الفرض‪" .‬أنهحم" أي لنهحم‪ ،‬أو محن أجحل أنهحم إلى ربهحم‬
‫راجعون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 :‬أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك يسارعون في الخيرات" أي في الطاعات‪ ،‬كي ينالوا بذلك أعلى الدرجات‬
‫والغرفات‪ .‬وقرئ "يسححرعون فححي الخيرات‪ ،‬أي يكونوا سححراعا إليهححا‪ .‬ويسححارعون على معنححى‬
‫يسابقون من سابقهم إليها؛ فالمفعول محذوف‪ .‬قال الزجاج‪ :‬يسارعون أبلغ من يسرعون‪" .‬وهم لها‬
‫سابقون" أحسن ما قيل فيه‪ :‬أنهم يسبقون إلى أوقاتها‪ .‬ودل بهذا أن الصلة في أول الوقت أفضل؛‬
‫كما تقدم في "البقرة" وكل من تقدم في شيء فهو سابق إليه‪ ،‬وكل من تأخر عنه فقد سبقه وفاته؛‬
‫فاللم في "لها" على هذا القول بمعنى إلى؛ كما قال "بأن ربك أوحى لها" [الزلزلة‪ ]5 :‬أي أوحى‬
‫إليها‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫وما قصدت من أهلها لسوائكا‬ ‫تجانف عن جو اليمامة ناقتي‬
‫وعحن ابحن عباس فحي معنحى "وهحم لهحا سحابقون" سحبقت لهحم محن ال السحعادة؛ فلذلك سحارعوا فحي‬
‫الخيرات‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى وهم من أجل الخيرات سابقون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 62 :‬ول نكلف نفسا إل وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم ل يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول نكلف نفسحا إل وسحعها" قحد مضحى فحي "البقرة"‪" .‬ولدينحا كتاب ينطحق بالححق"‬
‫أظهحر محا قيحل فيحه‪ :‬إنحه أراد كتاب إحصحاء العمال الذي ترفعحه الملئكحة؛ وأضافحه إلى نفسحه لن‬
‫الملئكحة كتبحت فيحه أعمال العباد بأمره‪ ،‬فهحو ينطحق بالححق‪ .‬وفحي هذا تهديحد وتأييحس محن الحيحف‬
‫والظلم‪ .‬ولفحظ النطحق يجوز فحي الكتاب؛ والمراد أن النحبيين تنطحق بمحا فيحه‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيحل‪ :‬عنحى‬
‫اللوح المحفوظ‪ ،‬وقححد أثبححت فيححه كححل شيححء‪ ،‬فهححم ل يجاوزون ذلك‪ .‬وقيححل‪ :‬الشارة بقوله "ولدينححا‬
‫كتاب" القرآن‪ ،‬فال أعلم‪ ،‬وكل محتمل والول أظهر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 65 - 63 :‬بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون‪،‬‬
‫حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون‪ ،‬ل تجأروا اليوم إنكم منا ل تنصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بحل قلوبهحم فحي غمرة محن هذا" قال مجاهحد‪ :‬أي فحي غطاء وغفلة وعمايحة عحن‬
‫القرآن‪ .‬ويقال‪ :‬غمره الماء إذا غطاه‪ .‬ونهر غمر يغطي من دخله‪ .‬ورجل غمر يغمره آراء الناس‪.‬‬
‫وقيحل‪" :‬غمرة" لنهحا تغطحي الوجحه‪ .‬ومنحه دخحل فحي غمار الناس وخمارهحم‪ ،‬أي فيمحا يغطيحه محن‬
‫الجمحع‪ .‬وقيحل‪" :‬بحل قلوبهحم فحي غمرة" أي فحي حيرة وعمحى؛ أي ممحا وصحف محن أعمال البر فحي‬
‫اليات المتقدمحة؛ قال قتادة‪ .‬أو محن الكتاب الذي ينطحق بالححق‪" .‬ولهحم أعمال محن دون ذلك هحم لهحا‬
‫عاملون" قال قتادة ومجاهحد‪ :‬أي لهحم خطايحا ل بحد أن يعملوهحا محن دون الححق‪ .‬وقال الحسحن وابحن‬
‫زيحد‪ :‬المعنحى ولهحم أعمال رديئة لم يعملوهحا محن دون محا هحم عليحه‪ ،‬ل بحد أن يعملوهحا دون أعمال‬
‫المؤمنيحن‪ ،‬فيدخلون بهحا النار‪ ،‬لمحا سحبق لهحم محن الشقوة‪ .‬ويحتمحل ثالثحا‪ :‬أنحه ظلم الخلق محع الكفحر‬
‫بالخالق؛ ذكره الماوردي‪ .‬والمعنحى متقارب‪" .‬حتحى إذا أخذنحا مترفيهحم بالعذاب" يعنحي بالسحيف يوم‬
‫بدر؛ قال ابحن عباس‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يعنحي بالجوع حيحن قال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم صحلى‪:‬‬
‫(اللهحم أشدد وطأتحك على مضحر ال اجعلهحا عليهحم سحنين كسحني يوسحف)‪ .‬فابتلهحم ال بالقححط‬
‫والجوع حتحى أكلوا العظام والميتحة والكلب والجيحف‪ ،‬وهلك الموال والولد‪" .‬إذا هحم يجأرون"‬
‫أي يضجون ويسحتغيثون‪ .‬وأصحل الجؤار رفحع الصحوت بالتضرع كمحا يفعحل الثور‪ .‬وقال العشحى‬
‫يصف بقرة‪:‬‬
‫وكان النكير أن تضيف وتجأرا‬ ‫فطافت ثلثا بين يوم وليلة‬
‫قال الجوهري‪ :‬الجؤار مثحل الخوار؛ يقال‪ :‬جأر الثور يجأر أي صحاح‪ .‬وقرأ بعضهحم "عجل جسحدا‬
‫له جؤار" حكاه الخفش‪ .‬وجأر الرجل إلى ال عز وجل تضرع بالدعاء‪ .‬قتادة‪ :‬يصرخون بالتوبة‬
‫فل تقبل منهم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فطورا سجودا وطورا جؤارا‬ ‫يراوج من صلوات المليك‬
‫وقال ابحن جريحج‪" :‬حتحى إذا أخذنحا مترفيهحم بالعذاب" هحم الذيحن قتلوا ببدر "إذا هحم يجأرون" هحم‬
‫الذيححن بمكححة؛ فجمححع بيححن القوليححن المتقدميححن‪ ،‬وهححو حسححن‪" .‬ل تجأروا اليوم" أي مححن عذابنححا‪" .‬ل‬
‫تنصحرون" ل تمنعون ول ينفعكحم جزعكحم‪ .‬وقال الحسحن‪ :‬ل تنصحرون بقبول التوبحة‪ .‬وقيحل‪ :‬معنحى‬
‫هذا النهي الخبار؛ أي إنكم إن تضرعتم لم ينفعكم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 67 - 66 :‬قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون‪ ،‬مستكبرين به‬
‫سامرا تهجرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون" اليات يريد بها القرآن‪.‬‬
‫"تتلى عليكحم" أي تقرأ‪ .‬قال الضحاك‪ :‬قبحل أن تعذبوا بالقتحل و"تنكصحون" ترجعون وراءكحم‪.‬‬
‫مجاهد‪ :‬تستأخرون؛ وأصله أن ترجع القهقرى‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ة وإنما نكص على العقاب‬ ‫زعموا بأنهم على سبل النجا‬
‫وهحو هنحا اسحتعارة للعراض عحن الححق‪ .‬قرأ علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنحه "على أدباركحم"‬
‫بدل "على أعقابكحم"‪" ،‬تنكصحون" بضحم الكاف‪ .‬و"مسحتكبرين بحه" حال‪ ،‬والضميحر فحي "بحه" قال‬
‫الجمهور‪ :‬هو عائد على الحرم أو المسجد أو البلد الذي هو مكة‪ ،‬وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في‬
‫المحر؛ أي يقولون نححن أهحل الحرم فل نخاف‪ .‬وقيحل‪ :‬المعنحى أنهحم يعتقدون فحي نفوسحهم أن لهحم‬
‫بالمسححجد والحرم أعظححم الحقوق على الناس والمنازل؛ فيسححتكبرون لذلك‪ ،‬وليححس السححتكبار مححن‬
‫الحق‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬الضمير عائد عل القرآن من حيث ذكرت اليات؛ والمعنى‪ :‬يحدث لكم سماع‬
‫آياتحي كحبرا وطغيانحا فل تؤمنوا بحه‪ .‬قال ابحن عطيحة‪ :‬وهذا قول جيحد‪ .‬النحاس‪ :‬والقول الول أولى‪،‬‬
‫والمعنى‪ :‬أنهم يفتخرون بالحرم ويقولون نحن أهل حرم ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سحامرا تهجرون" "سحامرا" نصحب على الحال‪ ،‬ومعناه سحمارا‪ ،‬وهحو الجماعحة‬
‫يتحدثون بالليححل‪ ،‬مأخوذ مححن السححمر وهححو ظححل القمححر؛ ومنححه سححمرة اللون‪ .‬وكانوا يتحدثون حول‬
‫الكعبحة فحي سحمر القمحر؛ فسحمي التحدث بحه‪ .‬قال الثوري‪ :‬يقال لظحل القمحر السحمر؛ ومنحه السحمرة فحي‬
‫اللون‪ ،‬ويقال له‪ :‬الفخحت؛ ومنحه قيحل فاختحة‪ .‬وقرأ أبحو رجاء "سحمارا" وهحو جمحع سحامر؛ كمحا قال‪:‬‬
‫ألسحت ترى السحمار والناس أحوالي وفحي حديحث قيلة‪ :‬إذا جاء زوجهحا محن السحامر؛ يعنحي محن القوم‬
‫الذيحن يسحمرون بالليحل؛ فهحو اسحم مفرد بمعنحى الجمحع‪ ،‬كالحاضحر وهحم القوم النازلون على الماء‪،‬‬
‫والباقر جمع البقر‪ ،‬والجامل جمع البل‪ ،‬ذكورتها وإناثها؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬ثم نخرجكم طفل"‬
‫[الحج‪ ]5 :‬أي أطفال‪ .‬يقال‪ :‬قوم سمر وسمر وسامر‪ ،‬ومعناه سهر الليل؛ مأخوذ من السمر وهو‬
‫مححا يقححع على الشجار محن ضوء القمححر‪ .‬قال الجوهري‪ :‬السححامر أيضححا السححمار‪ ،‬وهححم القوم الذيحن‬
‫يسمرون؛ كما يقال للحاج حجاج‪ ،‬وقول الشاعر‪:‬‬
‫وسامر طال فيه اللهو والسمر‬
‫كأنه سمى المكان الذي يجتمع فيه للسمر بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬وحد سامرا وهو بمعنى السمار؛ لنه وضع‬
‫موضع الوقت‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫عزف القيان ومجلس غمر‬ ‫من دونهم إن جئتهم سمرا‬
‫فقال‪ :‬سحمرا لن معناه‪ :‬إن جئتهحم ليل وجدتهحم وهحم يسحمرون‪ .‬وابنحا سحمير‪ :‬الليحل والنهار؛ لنحه‬
‫يسمر فيهما‪ ،‬يقال‪ :‬ل أفعله ما سمر ابنا سمير أبدا‪ .‬ويقال‪ :‬السمير الدهر‪ ،‬وابناه الليل والنهار‪ .‬ول‬
‫أفعله السحححمر والقمحححر؛ أي محححا دام الناس يسحححمرون فححي ليلة قمراء‪ .‬ول أفعله سحححمير الليالي‪ .‬قال‬
‫الشنفرى‪:‬‬
‫سمير الليالي مبسل بالجرائر‬ ‫هنالك ل أرجو حياة تسرني‬
‫والسححمار (بالفتححح) اللبححن الرقيححق‪ .‬وكانححت العرب تجلس للسححمر تتحدث‪ ،‬وهذا أوجححب معرفتهححا‬
‫بالنجوم؛ لنها تجلس في الصحراء فترى الطوالع من الغوارب‪ .‬وكانت قريش تسمر حول الكعبة‬
‫مجالس فححي أباطيلهححا وكفرهححا‪ ،‬فعابهححم ال بذلك‪ .‬و"تهجرون" قرئ بضححم التاء وكسححر الجيححم مححن‬
‫أهجر‪ ،‬إذا نطق بالفحش‪ .‬وبنصب التاء وضم الجيم من هجر المريض إذا هدى‪ .‬ومعناه‪ :‬يتكلمون‬
‫بهوس وسيء من القول في النبي صلى ال عليه وسلم وفي القرآن؛ عن ابن عباس وغيره‪.‬‬
‫@ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‪ :‬إنما كره السمر حين نزلت هذه الية "مستكبرين به‬
‫سحامرا تهجرون"؛ يعنحي أن ال تعالى ذم أقوامحا يسحمرون فحي غيحر طاعة ال تعالى‪ ،‬إمحا فحي هذيان‬
‫وإمحا فحي إذايحة‪ .‬وكان العمحش يقول‪ :‬إذا رأيحت الشيحخ ولم يكتحب الحديحث فاصحفعه فإنحه محن شيوخ‬
‫القمححر؛ يعنححي يجتمعون فححي ليالي القمححر فيتحدثون بأيام الخلفاء والمراء ول يحسححن أحدهححم أن‬
‫يتوضأ للصلة‪.‬‬
‫@ روى مسحلم عحن أبحي برزة قال‪ :‬كان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يؤخحر العشاء إلى ثلث الليحل‬
‫ويكره النوم قبلها والحديث بعدها‪ .‬قال العلماء‪ :‬أما الكراهية للنوم قبلها فلئل يعرضها للفوات عن‬
‫كحل وقتهحا أو أفضحل وقتهحا؛ ولهذا قال عمحر‪ :‬فمحن نام فل نامحت عينحه؛ ثلثحا‪ .‬وممحن كره النوم قبلهحا‬
‫عمحر وابنحه عبدال وابن عباس وغيرهحم‪ ،‬وهو مذهحب مالك‪ .‬ورخص فيحه بعضهحم‪ ،‬منه علي وأبو‬
‫موسى وغيرهم؛ وهو مذهب الكوفيين‪ .‬وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه للصلة‪ .‬وروي‬
‫عحن ابحن عمحر مثله‪ ،‬وإليحه ذهحب الطحاوي‪ .‬وأمحا كراهيحة الحديحث بعدهحا فلن الصحلة قحد كفرت‬
‫خطاياه فينام على سححلمة‪ ،‬وقححد ختححم الكتاب صحححيفته بالعبادة؛ فإن هححو سححمر وتحدث فيملؤهححا‬
‫بالهوس ويجعحل خاتمتهحا اللغحو والباطحل‪ ،‬وليحس هذا محن فعحل المؤمنيحن‪ .‬وأيضحا فإن السحمر فحي‬
‫الحديحث مظنحة غلبحة النوم آخحر الليحل فينام عحن قيام آخحر الليحل‪ ،‬وربمحا ينام عحن صحلة الصحبح‪ .‬وقحد‬
‫قيل‪ :‬إنما يكره السمر بعدها لما روى جابر بن عبدال قال قال رسول ال‪( :‬إياكم والسمر بعد هدأة‬
‫الرجححل فإن أحدكححم ل يدري مححا يبححث ال تعالى مححن خلقححه أغلقوا البواب وأوكوا السححقاء وخمروا‬
‫الناء وأطفؤوا المصححابيح)‪ .‬وروي عححن عمححر أنححه كان يضرب الناس على الحديححث بعححد العشاء‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬أسحمرا أول الليحل ونومحا آخره! أريحوا كتابكحم‪ .‬حتحى أنحه روي عحن ابحن عمحر أنحه قال‪ :‬محن‬
‫قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلة حتى يصبح‪ .‬وأسنده شداد بن أوس إلى النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الحكمة في كراهية الحديث بعدها إنما هو لما أن ال تعالى جعل الليل‬
‫سكنا‪ ،‬أي يسكن فيه‪ ،‬فإذا تحدث النسان فيه فقد جعله في النهار الذي هو متصرف المعاش؛ فكأنه‬
‫قصحد إلى مخالفحة حكمحة ال تعالى التحي أجرى عليهحا وجوده فقال "وهحو الذي جعحل لكحم الليحل لباسحا‬
‫والنوم سباتا وجعل النهار نشورا" [الفرقان‪.]47 :‬‬
‫هذه الكراهحة إنمحا تختحص بمحا ل يكون محن قبيحل القرب والذكار وتعليحم العلم‪ ،‬ومسحامرة الهحل‬
‫بالعلم وبتعليم المصالح وما شابه ذلك؛ فقد ورد عن النبي صلى ال عليه وسلم وعن السلف ما يدل‬
‫على جواز ذلك‪ ،‬بحل على ندبيتحه‪ .‬وقحد قال البخاري‪( :‬باب السحمر فححي الفقحه والخيحر بعحد العشاء)‬
‫وذكحر أن قرة بحن خالد قال‪ :‬انتظرنحا الحسحن وراث علينحا حتحى جاء قريبحا محن وقحت قيامحه‪ ،‬فجاء‬
‫فقال‪ :‬دعانحا جيراننحا هؤلء‪ .‬ثحم قال أنحس‪ :‬انتظرنحا رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ذات ليلة حتحى‬
‫كان شطحر الليحل فجاء فصحلى ثحم خطبنحا فقال‪( :‬إن الناس قحد صحلوا وإنكحم لم تزالوا فحي صحلة محا‬
‫انتظرتحم الصحلة)‪ .‬قال الحسحن‪ :‬فإن القوم ل يزالون فحي خيحر محا انتظروا الخيحر‪ .‬قال‪( :‬باب السحمر‬
‫محع الضيحف والهحل) وذكحر حديحث أبحي بكحر بحن عبدالرحمحن أن أصححاب الصحفة كانوا فقراء‪...‬‬
‫الحديث‪ .‬أخرجه مسلم أيضا‪ .‬وقد جاء في حراسة الثغور وحفظ العساكر بالليل من الثواب الجزيل‬
‫والجر العظيم ما هو مشهور في الخبار‪ .‬وقد مضى من ذلك جملة في آخر "آل عمران" والحمد‬
‫ل وحده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الولين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفلم يدبروا القول" يعنحي القرآن؛ وهحو كقوله تعالى‪" :‬أفل يتدبرون القرآن"‬
‫[النساء‪ .]82 :‬وسمى القرآن قول لنهم خوطبوا به‪" .‬أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الولين" فأنكره‬
‫وأعرضوا عنه‪ .‬وقيل‪" :‬أم" بمعنى بل؛ أي بل جاءهم ما ل عهد لبائهم به‪ ،‬فلذلك أنكروه وتركوا‬
‫التدبر له‪ .‬وقال ابحن عباس‪ :‬وقيحل المعنحى أم جاءهحم أمان محن العذاب‪ ،‬وهحو شيحء لم يأت آباءهحم‬
‫الولين فتركوا العز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون}‬
‫@ هذا تستعمله العرب على معنى التوقيف والتقبيح‪ ،‬فيقولون‪ :‬الخير أحب إليك أم الشر؛ أي قد‬
‫أخحبرت الشحر فتجنبحه‪ ،‬وقحد عرفوا رسحولهم وأنحه محن أهحل الصحدق والمانحة؛ ففحي اتباعحه النجاة‬
‫والخير لول العنت‪ .‬قال سفيان‪ :‬بلى! قد عرفوه ولكنهم حسدوه!‬
‫*‪*3‬الية‪{ 70 :‬أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يقولون بحه جنحة" أي أم يحتجون فحي ترك اليمان بحه بأنحه مجنون‪ ،‬فليحس هحو‬
‫هكذا لزوال أمارات الجنون عنحه‪" .‬بحل جاءهحم بالححق" يعنحي القرآن والتوحيحد الححق والديحن الححق‪.‬‬
‫"وأكثرهم" أي كلهم "للحق كارهون" حسدا وبغيا وتقليدا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 71 :‬ولو اتبحع الححق أهواءهحم لفسحدت السحماوات والرض ومحن فيهحن بحل أتيناهحم‬
‫بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو اتبع الحق" "الحق" هنا هو ال سبحانه وتعالى؛ قال الكثرون‪ ،‬منهم مجاهد‬
‫وابن جريج وأبو صالح وغيرهم‪ .‬وتقديره في العربية‪ :‬ولو اتبع صاحب الحق؛ قاله النحاس‪ .‬وقد‬
‫قيحل‪ :‬هحو مجاز‪ ،‬أي لو وافحق الححق أهواءهحم؛ فجعحل موافقتحه اتباعحا مجازا؛ أي لو كانوا يكفرون‬
‫بالرسل ويعصون ال عز وجل ثم ل يعاقبون ول يجازون على ذلك إما عجزا وإما جهل لفسدت‬
‫السحموات والرض‪ .‬وقيحل‪ :‬المعنحى ولو كان الححق محا يقولون محن اتخاذ آلهحة محع ال تعالى لتنافحت‬
‫اللهححة‪ ،‬وأراد بعضهححم مححا ل يريده بعححض‪ ،‬فاضطرب التدبيححر وفسححدت السححموات والرض‪ ،‬وإذا‬
‫فسحدتا فسحد محن فيهمحا‪ .‬وقيحل‪" :‬لو اتبحع الححق أهواءهحم" أي بمحا يهواه الناس ويشتهونحه لبطحل نظام‬
‫العالم؛ لن شهوات الناس تختلف وتتضاد‪ ،‬وسحبيل الحححق أن يكون متبوعححا‪ ،‬وسححبيل الناس النقياد‬
‫للححق‪ .‬وقيحل‪" :‬الححق" القرآن؛ أي لو نزل القرآن بمحا يحبون لفسحدت السحموات والرض‪" .‬ومحن‬
‫فيهحن" إشارة إلى محن يعقحل محن ملئكحة السحموات وإنحس الرض وجنهحا؛ الماوردي‪ .‬وقال الكلبحي‪:‬‬
‫يعني وما بينهما من خلق؛ وهي قراءة ابن مسعود "لفسدت السموات والرض وما بينهما" فيكون‬
‫على تأويل الكلبي وقراءة ابن مسعود محمول على فساد من يعقل وما ل يعقل من حيوان وجماد‪.‬‬
‫وظاهر التنزيل في قراءة الجمهور يكون محمول على فساد ما يعقل من الحيوان؛ لن ما ل يعقل‬
‫تابع لما يعقل في الصلح والفساد‪ ،‬فعلى هذا ما يكون من الفساد يعود على من في السموات من‬
‫الملئكة بأن جعلت أربابا وهي مربوبة‪ ،‬وعبدت وهي مستعبدة‪ .‬وفساد النس يكون على وجهين‪:‬‬
‫أحدهمححا‪ :‬باتباع الهوى‪ ،‬وذلك مهلك‪ .‬الثانححي‪ :‬بعبادة غيححر ال‪ ،‬وذلك كفححر‪ .‬وأمححا فسححاد مححا عدا ذلك‬
‫فيكون على وجه التبع؛ لنهم مدبرون بذوي العقول فعاد فساد المدبرين عليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل أتيناهم بذكرهم" أي بما فيه شرفهم وعزهم؛ قاله السدي وسفيان‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫أي بمحا لهحم فيحه ذكحر ثوابهحم وعقابهحم‪ .‬ابحن عباس‪ :‬أي بحبيان الححق وذكحر محا لهحم بحه حاجحة محن أمحر‬
‫الدين‪" .‬فهم عن ذكرهم معرضون"‬
‫*‪*3‬الية‪{ 72 :‬أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم تسألهم خرجا" أي أجرا على ما جئتهم به؛ قال الحسن وغيره‪" .‬فخراج ربك‬
‫خير" وقرأ حمزة والكسائي والعمش ويحيى بن وثاب "خراجا" بألف‪ .‬الباقون بغير ألف‪ .‬وكلهم‬
‫قحد قرؤوا "فخراج" باللف إل ابحن عامحر وأبحا حيوة فإنهمحا قرأ بغيحر اللف‪ .‬والمعنحى‪ :‬أم تسحألهم‬
‫رزقحا فرزق ربحك خيحر‪" .‬وهحو خيحر الرازقيحن" أي ليحس يقدر أححد أن يرزق مثحل رزقحه‪ ،‬ول ينعحم‬
‫مثل إنعامه‪ .‬وقيل‪ :‬أي ما يؤتيك ال من الجر على طاعتك له والدعاء إليه خير من عرض الدنيا‪،‬‬
‫وقححد عرضوا عليحك أموالهححم حتححى تكون كأعيحن رجحل محن قريحش فلم تجبهححم إلى ذلك؛ قال معناه‬
‫الحسححن‪ .‬والخرج والخراج واحححد‪ ،‬إل أن اختلف الكلم أحسححن؛ قال الخفححش‪ .‬وقال أبححو حاتححم‪:‬‬
‫الخرج الجعححل‪ ،‬والخراج العطاء‪ .‬المححبرد‪ :‬الخرج المصححدر‪ ،‬والخراج السححم‪ .‬وقال النضححر بححن‬
‫شميححل‪ :‬سححألت أبححا عمرو بححن العلء عححن الفرق بيححن الخرج والخراج فقال‪ :‬الخراج مححا لزمححك‪،‬‬
‫والخرج محا تحبرعت بحه‪ .‬وعنحه أن الخرج محن الرقاب‪ ،‬والخراج محن الرض‪ .‬ذكحر الول الثعلبحي‬
‫والثاني الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 74 - 73 :‬وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم‪ ،‬وإن الذين ل يؤمنون بالخرة عن‬
‫الصراط لناكبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنحك لتدعوهحم إلى صحراط مسحتقيم" أي إلى ديحن قويحم‪ .‬والصحراط فحي اللغحة‬
‫الطريححق؛ فسححمي الديححن طريقححا لنححه يؤدي إلى الجنححة فهححو طريححق إليهححا‪" .‬وإن الذيححن ل يؤمنون‬
‫بالخرة" أي بالبعحث‪" .‬عحن الصحراط لناكبون" قيحل‪ :‬هحو مثحل الول‪ .‬وقيحل‪ :‬إنهحم عحن طريحق الجنحة‬
‫لناكبون حتحى يصحيروا إلى النار‪ .‬نكحب عحن الطريحق ينكحب نكوبحا إذا عدل عنحه ومال إلى غيره؛‬
‫ومنه نكبت الريح إذا لم تستقم على مجرى‪ .‬وشر الريح النكباء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 75 :‬ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر" أي لو رددناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار‬
‫وامتحناهحم "للجوا فحي طغيانهحم" قال السحدي‪ :‬فحي معصحيتهم‪" .‬يعمهون" قال العمحش‪ :‬يترددون‪.‬‬
‫قال ابحن جريحج‪" :‬ولو رحمناهحم" يعنحي فحي الدنيحا "وكشفنحا محا بهحم محن ضحر" أي محن قححط وجوع‬
‫"للجوا" أي لتمادوا "في طغيانهم" وضللتهم وتجاوزهم الحد "يعمون" يتذبذبون ويخبطون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 76 :‬ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقححد أخذناهححم بالعذاب" قال الضحاك‪ :‬بالجوع‪ .‬وقيححل‪ :‬بالمراض والحاجححة‬
‫والجوع‪ .‬وقيحل‪ :‬بالقتحل والجوع‪" .‬فمحا اسحتكانوا لربهحم" أي محا خضعوا‪" .‬ومحا يتضرعون" أي محا‬
‫يخشعون ل عحز وجحل فحي الشدائد تصحيبهم‪ .‬قال ابحن عباس‪ :‬نزلت فحي قصحة ثمامحة بحن أثال لمحا‬
‫أسحرته السحرية وأسحلم وخلى رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم سحبيله‪ ،‬حال بيحن مكحة وبيحن الميرة‬
‫وقال‪ :‬وال ل يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وأخذ‬
‫ال قريشا بالقحط والجوع حتى أكلوا الميتة والكلب والعلهز؛ قيل وما العلهز؟ قل‪ :‬كانوا يأخذون‬
‫الصحوف والوبر فيبلونحه بالدم ثحم يشوونحه ويأكلونحه‪ .‬فقال له أبحو سحفيان‪ :‬أنشدك ال والرححم! أليحس‬
‫تزعم أن ال بعثك رحمة للعالمين؟ قال (بلى)‪ .‬قال‪ :‬فوال ما أراك إل قتلت الباء بالسيف‪ ،‬وقتلت‬
‫البناء بالجوع؛ فنزل قوله‪" :‬ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد" قال عكرمة‪ :‬هو باب من أبواب جهنم‪،‬‬
‫عليحه من الخزنحة أربعمائة ألف‪ ،‬سحود وجوههحم‪ ،‬كالححة أنيابهحم‪ ،‬وقحد قلعحت الرحمحة من قلوبهحم؛ إذا‬
‫بلغوه فتححه ال عحز وجحل عليهحم‪ .‬وقال ابحن عباس‪ :‬هحو قتلهحم بالسحيف يوم بدر‪ .‬مجاهحد‪ :‬هحو القححط‬
‫الذي أصابهم حتى أكلوا العلهز من الجوع؛ على ما تقدم‪ .‬وقيل فتح مكة‪" .‬إذا هم فيه مبلسون" أي‬
‫يائسححون متحيرون ل يدرون مححا يصححنعون‪ ،‬كاليححس مححن الفرج ومححن كححل خيححر‪ .‬وقححد تقدم فححي‬
‫"النعام"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 78 :‬وهو الذي أنشأ لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهو الذي أنشأ لكم السمع والبصار والفئدة" عرفهم كثرة نعمه وكمال قدرته‪.‬‬
‫"قليل ما تشكرون" أي ما تشكرون إل شكرا قليل‪ .‬وقيل‪ :‬أي ل تشكرون البتة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬وهو الذي ذرأكم في الرض وإليه تحشرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهحو الذي ذرأكحم فحي الرض" أي أنشأكحم وبثكحم وخلقكحم‪" .‬وإليحه تحشرون" أي‬
‫تجمعون للجزاء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 89 - 80 :‬وهحو الذي يحيحي ويميحت وله اختلف الليحل والنهار أفل تعقلون‪ ،‬بحل‬
‫قالوا مثل ما قال الولون‪ ،‬قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون‪ ،‬لقد وعدنا نحن وآباؤنا‬
‫هذا محن قبحل إن هذا إل أسحاطير الوليحن‪ ،‬قحل لمحن الرض ومحن فيهحا إن كنتحم تعلمون‪ ،‬سحيقولون ل‬
‫قحل أفل تذكرون‪ ،‬قحل محن رب السحماوات السحبع ورب العرش العظيحم‪ ،‬سحيقولون ل قحل أفل تتقون‪،‬‬
‫قحل محن بيده ملكوت كحل شيحء وهحو يجيحر ول يجار عليحه إن كنتحم تعلمون‪ ،‬سحيقولون ل قحل فأنحى‬
‫تسحرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهحو الذي يححي ويميحت وله اختلف الليحل والنهار" أي جعلهمحا مختلفيحن؛ كقولك‪:‬‬
‫لك الجحر والصحلة؛ أي إنحك تؤجحر وتوصحل؛ قاله الفراء‪ .‬وقيحل‪ :‬اختلفهمحا نقصحان أحدهمحا وزيادة‬
‫الخر‪ .‬وقيل‪ :‬اختلفهما في النور والظلمة‪ .‬وقيل‪ :‬تكررهما يوما بعد ليلة وليلة بعد يوم‪ .‬ويحتمل‬
‫خامسححا‪ :‬اختلف مححا مضححى فيهمححا مححن سححعادة وشقاء وضلل وهدى‪" .‬أفل تعقلون" كنححه قدرتححه‬
‫وربوبيته ووحدانيته‪ ،‬وأنه ل يجوز أن يكون له شريك من خلقه‪ ،‬وأنه قادر على البعث‪ .‬ثم عيرهم‬
‫بقولهحم وأخحبر عنهحم أنهحم "قالوا مثحل محا قال الولون" هذا ل يكون ول يتصحور‪" .‬لقحد وعدنحا نححن‬
‫وآباؤنا هذا من قبل" أي من قبل مجيء محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلم نر له حقيقة‪" .‬إن هذا" أي‬
‫محا هذا "إل أسحاطير الوليحن" أي أباطيلهحم وترهاتهحم؛ وقحد تقدم هذا كله‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬قحل" يحا‬
‫محمحد جوابحا لهحم عمحا قالوه "لمحن الرض ومحن فيهحا إن كنتحم تعلمون" يخحبر بربوبيتحه ووحدانيتحه‬
‫وملكححه الذي ل يزول‪ ،‬وقدرتححه التححي ل تحول؛ فحح "سححيقولون ل" ول بححد لهححم مححن ذلك‪" .‬قححل أفل‬
‫تتذكرون" أي أفل تتعظون وتعلمون أن محن قدر على خلق ذلك ابتداء فهحو على إحياء الموتحى بعحد‬
‫موتهم قادر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يريحد أفل تخافون حيحث تجعلون لي محا تكرهون؛ زعمتحم أن الملئكحة بناتحي‪،‬‬
‫وكرهتحم لنفسحكم البنات‪" .‬قحل محن بيده ملكوت كحل شيحء" بريحد السحموات ومحا فوقهحا ومحا بينهحن‪،‬‬
‫والرضيحن ومحا تحتهحن ومحا بينهحن‪ ،‬ومحا ل يعلمحه أححد إل هحو‪ .‬وقال مجاهحد‪" :‬ملكوت كحل شيحء"‬
‫خزائن كل شيء‪ .‬الضحاك‪ :‬ملك كل شيء‪ .‬والملكوت من صفات المبالغة كالجبروت والرهبوت؛‬
‫وقحد مضحى فحي "النعام"‪" .‬وهحو يجيحر ول يجار عليحه إن كنتحم تعلمون" أي يمنحع ول يمنحع منحه‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬يجير" يؤمن من شاء‪" .‬ول يجار عليه" أي ل يؤمن من أخافه‪ .‬ثم قيل‪ :‬هذا في الدنيا؛ أي‬
‫من أراد ال إهلكه وخوفه لم يمنعه منه مانع‪ ،‬ومن أراد نصره وأمنه لم يدفعه من نصره وأمنه‬
‫دافع‪ .‬وقيل‪ :‬هذا في الخرة‪ ،‬أي ل يمنعه من مستحق الثواب مانع ول يدفعه عن مستوجبه العذاب‬
‫دافحع‪" .‬فأنحى تسححرون" أي فكيحف تخدعون وتصحرفون عحن طاعتحه وتوحيده‪ .‬أو كيحف يخيحل إليكحم‬
‫أن تشركوا بحه محا ل يضحر ول ينفحع! والسححر هحو التخييحل‪ .‬وكحل هذا احتجاج على العرب المقريحن‬
‫بالصححانع وقرأ أبححو عمرو "سححيقولون ل" فححي الموضعيححن الخيريححن؛ وهححي قراءة أهححل العراق‪.‬‬
‫الباقون "ل"‪ ،‬ول خلف فحي الول أنحه "ل"؛ لنحه جواب لحح "قحل لمحن الرض ومحن فيهحا" فلمحا‬
‫تقدمحت اللم فحي "لمحن" رجعحت فحي الجواب‪ .‬ول خلف أنحه مكتوب فحي جميحع المصحاحف بغيحر‬
‫ألف‪ .‬وأمحا محن قرأ "سحيقولون ال" فحن السحؤال بغيحر لم فجاء الجواب على لفظحه‪ ،‬وجاء فحي الول‬
‫"ل" لما كان السؤال باللم‪ .‬وأما من قرأ "ل" باللم في الخيرين وليس في السؤال لم فن معنى‬
‫"محن رب السحموات السحبع ورب العرش العظيحم"‪ :‬قحل لمن السحموات السحبع ورب العرش العظيحم‪.‬‬
‫فكان الجواب "ل"؛ حين قدرت اللم في السؤال‪ .‬وعلة الثالثة كعلة الثانية‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫ورب الجياد الجرد قلت لخالد‬ ‫إذا قيل من رب المزالف والقرى‬
‫أي لمححن المزالف‪ .‬ودلت هذه اليات على جواز جدال الكفار وإقامححة الحجححة عليهححم‪ .‬وقححد تقدم فححي‬
‫"البقرة"‪ .‬ونبهحت على أن محن ابتدأ بالخلق والختراع واليجاد والبداع هحو المسحتحق لللوهيحة‬
‫والعبادة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 92 - 90 :‬بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون‪ ،‬ما اتخذ ال من ولد وما كان معه من‬
‫إله إذا لذهححب كحل إله بمحا خلق ولعل بعضهحم على بعحض سححبحان ال عمححا يصححفون‪ ،‬عالم الغيحب‬
‫والشهادة فتعالى عما يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل أتيناهم بالحق" أي بالقول الصدق‪ ،‬ل ما تقوله الكفار من إثبات الشريك ونفي‬
‫البعث‪" .‬وإنهم لكاذبون" أن الملئكة بنات ال‪ .‬فقال ال تعالى‪" :‬ما اتخذ ال من ولد" "من" صلة‪.‬‬
‫"وما كان معه من إله" "من" زائدة؛ والتقدير‪ :‬ما اتخذ ال ولدا كما زعمتم‪ ،‬ول كان معه إله فيما‬
‫خلق‪ .‬وفحي الكلم حذف؛ والمعنحى‪ :‬لو كانحت معحه آلهحة لنفرد كحل إله بخلقحه‪" .‬ولعل بعضهحم على‬
‫بعحححض" أي ولغالب وطلب القوي الضعيحححف كالعادة بيحححن الملوك‪ ،‬وكان الضعيحححف المغلوب ل‬
‫يستحق اللهية‪ .‬وهذا الذي يدل على نفي الشريك يدل على نفي الولد أيضا؛ لن الولد ينازع الب‬
‫في الملك منازعة الشريك‪" .‬سبحان ال عما يصفون" تنزيها له عن الولد والشريك‪" .‬عالم الغيب‬
‫والشهادة فتعالى عمححا يشركون" تنزيححه وتقديححس‪ .‬وقرأ نافححا وأبححو بكححر وحمزة والكسححائي "عالم"‬
‫بالرفحع على السحتئناف؛ أي هحو عالم الغيحب‪ .‬الباقون بالجحر على الصحفة ل‪ .‬وروى رويحس عحن‬
‫يعقوب "عالم" إذا وصل خفضا‪ .‬و"عالم" إذا ابتدأ رفعا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 94 - 93 :‬قل رب إما تريني ما يوعدون‪ ،‬رب فل تجعلني في القوم الظالمين}‬
‫@ علمه ما يدعو به؛ أي قل رب‪ ،‬أي يا رب إن أريتني ما يوعدون من العذاب‪" .‬فل تجعلني في‬
‫القوم الظالميحن" أي فحي نزول العذاب بهحم‪ ،‬بحل أخرجنحي منهحم‪ .‬وقيحل‪ :‬النداء معترض؛ و"محا" فحي‬
‫"إما" زائدة‪ .‬وقيل‪ :‬إن أصل إما إن ما؛ فح "إن" شرط و"ما" شرط‪ ،‬فجمع بين الشرطين توكيدا‪،‬‬
‫والجواب "فل تجعلنحي فحي القوم الظالميحن"؛ أي إذا أردت بهحم عقوبحة فأخرجنحي منهحم‪ .‬وكان عليحه‬
‫السححلم يعلم أن ال تعالى ل يجعله فححي القوم الظالميححن إذا نزل بهححم العذاب‪ ،‬ومححع هذا أمره الرب‬
‫بهذا الدعاء والسؤال ليعظم أجره وليكون في كل الوقات ذاكرا لربه تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 95 :‬وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون}‬
‫@ نبه على أن خلف المعلوم مقدور‪ ،‬وقد أراه ال تعالى ذلك فيهم بالجوع والسيف‪ ،‬ونجاه ال‬
‫ومن آمن به من ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 96 :‬ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ادفع بالتي هي أحسن السيئة" أمر بالصفح ومكارم الخلق؛ فما كان منها لهذه‬
‫المة فيما بينهم فهو محكم باق في المة أبدا‪ .‬وما كان فيها من موادعة الكفار وترك التعرض لهم‬
‫والصحفح عحن أمورهحم فمنسحوخ بالقتال‪" .‬نححن أعلم بمحا يصحفون" أي محن الشرك والتكذيحب‪ .‬وهذا‬
‫يقتضي أنها آية موادعة‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 98 - 97 :‬وقححل رب أعوذ بححك مححن همزات الشياطيححن‪ ،‬وأعوذ بححك رب أن‬
‫يحضرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محن همزات الشياطيحن" "الهمزات" هحي جمحع همزة‪ .‬والهمحز فحي اللغحة النخحس‬
‫والدفحع؛ يقال‪ :‬همزة ولمزه ونخسحه دفعحه‪ .‬قال الليحث‪ :‬الهمحز كلم محن وراء القفحا‪ ،‬واللمحز مواجهحة‪.‬‬
‫والشيطان يوسحوس فيهمحس فحي وسحواسه فحي صحدر ابحن آدم؛ وهحو قوله‪" :‬أعوذ بحك محن همزات‬
‫الشياطيحن" أي نزغات الشياطيحن الشاغلة عحن ذكحر ال تعالى‪ .‬وفحي الحديحث‪ :‬كان يتعوذ محن همحز‬
‫الشيطان ولمزه وهمسححه‪ .‬قال أبححو الهيثححم‪ :‬إذا أسححر الكلم وأخفاه فذلك الهمححس مححن الكلم‪ .‬وسححمي‬
‫السد هوسا؛ لنه يمشي بخفه ل يسمع صوت وطئه‪ .‬وقد تقدم في "طه"‪.‬‬
‫@ أمحر ال تعالى نحبيه صحلى ال عليحه وسحلم والمؤمنيحن بالتعوذ محن الشيطان فحي همزاتحه‪ ،‬وهحي‬
‫سورات الغضب التي ل يملك النسان فيها نفسه‪ ،‬كأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار‬
‫فتقححع المحادة فلذلك اتصححلت بهذه اليححة‪ .‬فالنزغات وسححورات الغضححب الواردة مححن الشيطان هححي‬
‫المتعوذ منهحا فحي اليحة؛ وقحد تقدم فحي آخحر "العراف" بيانحه مسحتوفى‪ ،‬وفحي أول الكتاب أيضحا‪.‬‬
‫وروي عحن علي بحن حرب بحن محمحد الطائي حدثنحا سحفيان عحن أيوب عحن محمحد بحن حبان أن خالدا‬
‫كان يؤرق من الليل؛ فذكر ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأمره أن يتعوذ بكلمات ال التامة من‬
‫غضحب ال وعقابحه ومحن شحر عباده ومحن همزات الشياطيحن وأن يحضرون‪ .‬وفحي كتاب أبحي داود‬
‫قال عمحر‪ :‬وهمزه الموتحة؛ قال ابحن ماجحة‪ :‬الموتحة يعنحي الجنون‪ .‬والتعوذ أيضحا محن الجنون وكيحد‪.‬‬
‫وفي قراءة أبي "رب عائذا بك من همزات الشياطين‪ ،‬وعائذا بك أن يحضرون"؛ أي يكونوا معي‬
‫فحي أموري‪ ،‬فإنهحم إذ ا حضروا النسحان كانوا معديحن للهمحز‪ ،‬وإذا لم يكحن حضور فل همحز‪ .‬وفحي‬
‫صححيح مسحلم عحن جابر قال‪ :‬سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقول‪" :‬إن الشيطان يحضحر‬
‫أحدكحم عنحد كحل شيحء محن شأنحه حتحى يحضره عنحد طعامحه فإذا سحقطت محن أحدكحم اللقمحة فليمحط محا‬
‫كان بهححا مححن أذى ثححم ليأكلهححا ول يدعهححا للشيطان فإذا فرغ فليلعححق أصححابعه فإنححه ل يدري فححي أي‬
‫طعامه البركة)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 100 - 99 :‬حتحى إذا جاء أحدهحم الموت قال رب ارجعون‪ ،‬لعلي أعمحل صالحا‬
‫فيما تركت كل إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى إذا جاء أحدهم الموت" عاد الكلم إلى ذكر المشركين؛ أي قالوا "أئذا متنا ‪-‬‬
‫إلى قوله ‪ -‬إن هذا إل أساطير الولين"‪ .‬ثم احتج عليهم وذكرهم قدرته على كل شيء‪ ،‬ثم قال هم‬
‫مصحرون على ذلك حتحى إذا جاء أحدهحم الموت تيقحن ضللتحه وعايحن الملئكحة التحي تقبحض روححه؛‬
‫كمحا قال تعالى‪" :‬ولو ترى إذ يتوفحى الذيحن كفروا الملئكحة" [النفال‪" .]50 :‬قال رب ارجعون"‬
‫تمنى الرجعة كي يعمل صالحا فيما ترك‪ .‬وقد يكون القول في النفس؛ قال ال عز وجل‪" :‬ويقولون‬
‫في أنفسهم لول يعذبنا ال بما نقول" [المجادلة‪ .]8 :‬فأما قوله "ارجعون" وهو مخاطب ربه عز‬
‫وجحل ولم يقحل "ارجعنحي" جاء على تعظيحم الذكحر للمخاطحب‪ .‬وقيحل‪ :‬اسحتغاثوا بال عحز وجحل أول‪،‬‬
‫فقال قائلهحم‪ :‬ثحم رجحع إلى مخاطبحة الملئكحة فقال‪ :‬ارجعون إلى الدنيحا؛ قال ابحن جريحج‪ .‬وقيحل‪ :‬إن‬
‫معنحى "ارجعون" على جهحة التكريحر؛ أي أرجعنحي أرجعنحي أرجعنحي وهكذا‪ .‬قال المزنحي فحي قوله‬
‫تعالى "ألقيا في جهنم" [ق‪ ]24 :‬قال‪ :‬معناه ألق ألق‪ .‬قال الضحاك‪ :‬المراد به أهل الشرك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ليس سؤال الرجعة مختصا بالكافر فقد يسألها المؤمن كما في آخر سورة المنافقين على‬
‫ما يأتي‪ .‬ودلت الية على أن أحدا ل يموت حتى يعرف اضطرارا أهو من أولياء ال أم من أعداء‬
‫ال‪ ،‬ولول ذلك لما سأل الرجعة‪ ،‬فيعلموا ذلك قبل نزول الموت وذواقه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعلي أعمل صحالحا" قال ابن عباس‪ :‬يريحد أشهحد أن ل إله إل ال‪" .‬فيما تركت"‬
‫أي فيما ضيعت وتركت العمل به من الطاعات‪ .‬وقيل "فيما تركت" من المال فأتصدق‪ .‬و"لعل"‬
‫تتضمن ترددا؛ وهذا الذي يسحأل الرجعة قحد استيقن العذاب‪ ،‬وهو يوطحن نفسه على العمل الصالح‬
‫قطعا من غير تردد‪ .‬فالتردد يرجع إما إلى رده إلى الدنيا‪ ،‬وإما إلى التوفيق؛ أي أعمل صالحا إن‬
‫وفقتنحي؛ إذ ليحس على قطحع محن وجود القدرة والتوفيحق لو رد إلى الدنيحا‪" .‬كل" هذه كلمحة رد؛ أي‬
‫ليس المر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا‪ ،‬بل هو كلم يطيح في أدراج الريح‪.‬‬
‫وقيححل‪ :‬لو أجيححب إلى مححا يطلب لمححا وفححى بمححا يقول؛ كمححا قال‪" :‬ولو ردوا لعادوا لمححا نهوا عنححه"‬
‫[النعام‪ .]28 :‬وقيل‪" :‬كل إنها كلمة هو قائلها" ترجع إلى ال تعالى؛ أي ل خلف في خبره‪ ،‬وقد‬
‫أخحبر أنحه لن يؤخحر نفسحا إذا جاء أجلهحا‪ ،‬وأخحبر بأن هذا الكافحر ل يؤمحن‪ .‬وقيحل‪" :‬إنهحا كلمحة هحو‬
‫قائلها" عند الموت‪ ،‬ولكن ل تنفع‪" .‬ومن ورائهم برزخ" أي ومن أمامهم وبين أيديهم‪ .‬وقيل‪ :‬من‬
‫خلفهحم‪" .‬برزخ" أي حاجحز بيحن الموت والبعحث؛ قال الضحاك ومجاهحد وابحن زيحد‪ .‬وعحن مجاهحد‬
‫أيحض أن البرز هحو الحاجحز بيحن الموت والرجوع إلى الدنيحا‪ .‬وعحن الضحاك‪ :‬هحو محا بيحن الدنيحا‬
‫والخرة‪ .‬ابن عباس‪ .‬حجاب‪ .‬السدي‪ :‬أجل‪ .‬قتادة‪ :‬بقية الدنيا‪ .‬وقيل‪ :‬المهال إلى يوم القيامة؛ حكاه‬
‫ابن عيسى‪ .‬الكلبي‪ :‬هو الجل ما بين النفختين‪ ،‬وبينهما أربعون سنة‪ .‬وهذه القوال متقاربة‪ .‬وكل‬
‫حاجز بين شيئين فهو برزخ‪ .‬قال الجوهري‪ :‬البرزخ الحاجز بين الشيئين‪ .‬والبرزخ ما بين الدنيا‬
‫والخرة محن وقحت الموت إلى البعحث؛ فمحن مات فقحد دخحل فحي البرز‪ .‬وقال رجحل بحضرة الشعحبي‪:‬‬
‫رححم ال فلنحا فقحد صحار محن أهحل الخرة! فقال‪ :‬لم يصحر محن أهحل الخرة‪ ،‬ولكنحه صحار محن أهحل‬
‫البرزخ‪ ،‬وليححس مححن الدنيححا ول مححن الخرة‪ .‬وأضيححف "يوم" إلى "يبعثون" لنححه ظرف زمان‪،‬‬
‫والمراد بالضافة المصدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 101 :‬فإذا نفخ في الصور فل أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا نفخ في الصور" المراد بهذا النفخ النفخة الثانية‪" .‬فل أنساب بينهم يومئذ ول‬
‫يتسححاءلون" قال ابحن عباس‪ :‬ل يفتخرون بالنسحاب فححي الخرة كمححا يفتخرون بهححا فححي الدنيححا‪ ،‬ول‬
‫يتساءلون فيها كما يتساءلون في الدنيا؛ من أي قبيلة أنت ول من أي نسب‪ ،‬ول يتعارفون لهول ما‬
‫أذهلهم‪ .‬وعن ابن عباس أن ذلك في النفخة الولى حين يصعق من في السموات ومن في الرض‬
‫إل محن شاء ال فل أنسحاب بينهحم يومئذ ول يتسحاءلون‪ ،‬ثحم نفحخ فيحه أخرى فإذا هحم قيام ينظرون‪،‬‬
‫وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون‪ .‬وسأل رجل ابن عباس عن هذه الية وقول‪" :‬فأقبل بعضهم‬
‫على بعض يتساءلون" [الصافات‪ ]50 :‬فقال‪ :‬ل يتساءلون في النفخة الولى؛ لنه ل يبقى على‬
‫الرض حي‪ ،‬فل أنساب ول تساؤل‪ .‬أما قوله "فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون فإنهم إذا دخلوا‬
‫الجنحة تسحاءلوا‪ .‬وقال ابحن مسحعود‪ :‬إنمحا عنحى فحي هذه اليحة النفخحة الثانيحة‪ .‬وقال أبحو عمحر زادان‪:‬‬
‫دخلت على ابن مسعود فوجدت أصحاب الخير واليمنة قد سبقوني إليه‪ ،‬فناديت بأعلى صوت‪ :،‬يا‬
‫عبدال بن مسعود! من أجل أني رجل أعجمي أدنيت هؤلء وأقصيتني! فقال‪ :‬ادنه؛ فدنوت‪ ،‬حتى‬
‫ما كان بيني وبينه جليس فسمعته يقول‪ :‬يؤخذ بيد العبد أو المة يوم القيامة فينصب على رؤوس‬
‫الولين والخرين ثم ينادي مناد‪ :‬هذا فلن بن فلن‪ ،‬من كان له حق فليأت إلى حقه؛ فتفرح المرأة‬
‫أن يدور لها الحق على أبيها أو على زوجها أو على أخيها أو على ابنها؛ ثم قرأ ابن مسعود‪" :‬فل‬
‫أنساب بينهم يومئذ ول يتساءلون" فيقول الرب سبحانه وتعالى (آت هؤلء حقوقهم) فيقول‪ :‬يا رب‬
‫قحد فنيحت الدنيحا فمحن أيحن أوتيهحم؛ فيقول الرب للملئكحة‪( :‬خذوا محن حسحناته فأعطوا كحل إنسحان بقدر‬
‫طلبته) فإن كان وليحا ل فضلت من حسحناته مثقال حبة من خردل فيضاعفها ال تعالى حتى يدخله‬
‫بهحا الجنحة‪ ،‬ثحم قرأ ابحن مسحعود "إن ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تحك حسحنة يضاعفهحا ويؤت محن لدنحه‬
‫أجرا عظيمحا" [النسحاء‪ .]40 :‬وإن كان شقيحا قالت الملئكحة‪ :‬رب! فنيحت حسحناته وبقحي طالبون؛‬
‫فيقول ال تعالى‪( :‬خذوا من أعمالهم فأضيفوها إلى سيئاته وصكوا له صكا إلى جهنم)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 105 - 102 :‬فمحن ثقلت موازينحه فأولئك هحم المفلحون‪ ،‬ومحن خفحت موازينحه‬
‫فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}‬
‫@ تقدم الكلم فيهما‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 105 - 104 :‬تلفح وجوههحم النار وهحم فيهحا كالحون‪ ،‬ألم تكحن آياتحي تتلى عليكحم‬
‫فكنتم بها تكذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلفحح وجوههحم النار" ويقال "تنفحح" بمعناه؛ ومنحه "ولئن مسحتهم نفححة محن عذاب‬
‫ربك" [النبياء‪ .]46 :‬إل أن "تلفح" أبلغ بأسا؛ يقال‪ :‬لفحته النار والسموم بحرها أحرقته‪ .‬ولفحته‬
‫بالسحيف لفحة إذا ضربته بحه [ضربة] خفيفة‪" .‬وهم فيها كالحون" قال ابن عباس‪ :‬عابسحون‪ .‬وقال‬
‫هل اللغة‪ :‬الكلوح تكشر في عبوس‪ .‬والكالح‪ :‬الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه‪ .‬قال العمش‪:‬‬
‫ساعة الشدق عن الناب كلح‬ ‫وله المقدم ل مثل له‬
‫وقحد كلح الرجحل كلوححا وكلححا‪ .‬ومحا أقبحح كلحتحه؛ يراد بحه الفحم ومحا حواليحه‪ .‬ودهحر كالح أي شديحد‪.‬‬
‫وعحن ابحن عباس أيضحا "وهحم فيهحا كالحون" يريحد كالذي كلح وتقلصحت شفتاه وسحال صحديده‪ .‬وقال‬
‫ابحن مسحعود‪ :‬ألم تحر إلى الرأس المشيحط بالنار‪ ،‬وقحد بدت أسحنانه وقلصحت شفتاه‪ .‬وفحي الترمذي عحن‬
‫أبحي سحعيد الخدري عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬وهحم فيهحا كالحون ‪ -‬قال ‪ -‬تشويحه النار‬
‫فتقلص شفتحه العليحا حتحى تبحل وسحط رأسحه وتسحترخي شفتحه السحفلى حتحى تضرب سحرته) قال‪ :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 108 - 106 :‬قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين‪ ،‬ربنا أخرجنا منها‬
‫فإن عدنا فإنا ظالمون‪ ،‬قال اخسؤوا فيها ول تكلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا" قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم "شقوتنا"‬
‫وقرأ الكوفيون إل عاصما "شقاوتنا"‪ .‬وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن‪ .‬ويقال‪ :‬شقاء‬
‫وشقححا؛ بالمححد والقصححر‪ .‬وأحسححن مححا قيححل فححي معناه‪ :‬غلبححت علينححا لذاتنححا وأهواؤنححا؛ فسححمى اللذات‬
‫والهواء شقوة‪ ،‬لنهما يؤديان إليها‪ ،‬كما قال ال عز وجل‪" :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما‬
‫إنما يأكلون في بطونهم نارا" [النساء‪]10 :‬؛ لن ذلك يؤديهم إلى النار‪ .‬وقيل‪ :‬ما سبق في علمك‬
‫وكتب علينا في أم الكتاب من الشقاوة‪ .‬وقيل‪ :‬حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق‪" .‬وكنا قوما‬
‫ضاليحن" أي كنحا فحي فعلنحا ضاليحن عحن الهدى‪ .‬وليحس هذا اعتذار منهحم إنمحا هحو إقرار‪ ،‬ويدل على‬
‫ذلك قولهحم "ربنحا أخرجنحا منهحا فإن عدنحا فإنحا ظالمون" طلبوا الرجعحة إلى الدنيحا كمحا طلبوهحا عنحد‬
‫الموت‪" .‬فإن عدنا" إلى الكفر "فإنا ظالمون" لنفسنا بالعود إليه فيجابون بعد ألف سنة‪" :‬اخسؤوا‬
‫فيهححا ول تكلمون" أي ابعدوا فححي جهنححم؛ كمححا يقال للكلب‪ :‬اخسححأ؛ أي أبعححد‪ .‬خسححأت الكلب خسححئا‬
‫طردتحه‪ .‬وخسحأ الكلب بنفسحه خسحوءا‪ ،‬يتعدى ول يتعدى‪ .‬وانخسحأ الكلب أيضحا‪ .‬وذكحر ابحن المبارك‬
‫قال‪ :‬حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة يذكره عن أبي أيوب عن عبدال بن عمرو بن العاصي‬
‫قال‪ :‬إن أهل جهنم يدعون مالكا فل يجيبهم أربعين عاما‪ ،‬ثم يرد عليهم‪ :‬إنكم ماكثون‪ .‬قال‪ :‬هانت‬
‫وال دعوتهم على مالك ورب مالك‪ .‬قال‪ :‬ثم يدعون ربهم فيقولون‪" :‬ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا‬
‫قوما ضالين‪ .‬ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون"‪ .‬قال‪ :‬فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين‪ .‬قال‪:‬‬
‫ثم يرد عليهم اخسؤوا فيها‪ .‬قال‪ :‬فوال ما نبس القوم بعدها بكلمة‪ ،‬وما هو إل الزفير والشهيق من‬
‫نار جهنحم فشبحه أصحواتهم بصحوت الحميحر‪ ،‬أولهحا زفيحر وآخرهحا شهيحق‪ .‬خرجحه الترمذي مرفوعحا‬
‫بمعناه مححن حيححث أبححي الدرداء‪ .‬وقال قتادة‪ :‬صححوت الكفار فححي النار كصححوت الحمار‪ ،‬أوله زفيححر‬
‫وآخره شهيحق‪ .‬وقال ابحن عباس‪ :‬يصحير لهحم نباح كنباح الكلب‪ .‬وقال محمحد بحن كعحب القرظحي‪:‬‬
‫بلغنحي أو ذكحر لي أن أهحل النار اسحتغاثوا بالخزنحة‪ ...‬الخحبر بطوله‪ ،‬ذكره ابحن المبارك‪ ،‬وقحد ذكرناه‬
‫بكمال فحي التذكرة‪ ،‬وفحي آخره‪ :‬ثحم مكحث عنهحم محا شاء ال‪ ،‬ثحم ناداهحم "ألم تكحن آياتحي تتلى عليكحم‬
‫فكنتحم بهحا تكذبون" قال‪ :‬فلمحا سحمعوا صحوته قالوا الن يرحمنحا ربنحا فقالوا عنحد ذلك "ربنحا غلبحت‬
‫علينحا شقوتنحا" أي الكتاب الذي كتحب علينحا "وكنحا قومحا ضاليحن‪ .‬ربنحا أخرجنحا منهحا فإن عدنحا فإنحا‬
‫ظالمون" فقال عنححد ذلك "اخسححؤوا فيهححا ول تكلمون" فانقطححع عنححد ذلك الدعاء والرجاء‪ ،‬وأقبححل‬
‫بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض‪ ،‬وأطبقت عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 111 - 109 :‬إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت‬
‫خير الراحمين‪ ،‬فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون‪ ،‬إني جزيتهم اليوم‬
‫بما صبروا أنهم هم الفائزون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا" الية‪ .‬قال مجاهد‪ :‬هم بلل‬
‫وخباب وصححهيب‪ ،‬وفلن وفلن مححن ضعفاء المسححلمين؛ كان أبححو جهححل وأصحححابه يهزؤون بهححم‪.‬‬
‫"فاتخذتموهم سخريا" بالضم قراءة نافع وحمزة والكسائي ها هنا وفي "ص"‪ .‬وكسر الباقون‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وفرق أبححو عمرو بينهمححا‪ ،‬فجعححل المكسححورة مححن جهححة التهزؤ‪ ،‬والمضمومححة مححن جهححة‬
‫السحخرة‪ ،‬ول يعرف هذا التفريحق الخليحل ول سحيبويه ول الكسحائي ول الفراء‪ .‬قال الكسحائي‪ :‬همحا‬
‫لغتان بمعنى واحد؛ كما يقال‪ :‬عصي وعصي‪ ،‬ولجي ولجي‪ .‬وحكى الثعلبي عن الكسائي والفراء‬
‫الفرق الذي ذكره أبححو عمرو‪ ،‬وأن الكسححر بمعنححى السححتهزاء والسححخرية بالقول‪ ،‬والضححم بمعنححى‬
‫التسخير والستبعاد بالفعل‪ .‬وقال المبرد‪ :‬إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب‪ ،‬وأما التأويل‬
‫فل يكون‪ .‬والكسر في سخري في المعنيين جميعا؛ لن الضمة تستثقل في مثل هذا‪" .‬حتى أنسوكم‬
‫ذكري" أي اشتغلتحم بالسحتهزاء بهحم عحن ذكرى‪" .‬وكنتحم منهحم تضحكون" اسحتهزاء بهحم‪ ،‬وأضاف‬
‫الساء إلى المؤمنين لنهم كانوا سببا لشتغالهم عن ذكره؛ وتعدي شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى‬
‫اسحتيلء الكفحر على قلوبهحم‪" .‬إنحي جزيتهحم اليوم بمحا صحبروا" على أذاكحم‪ ،‬وصحبروا على طاعتحي‪.‬‬
‫"أنهم هم الفائزون" قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على ابتداء المدح من ال تعالى لهم وفتح‬
‫الباقون؛ أي لنهححم هححم الفائزون‪ .‬ويجوز نصححبه بوقوع الجزاء عليححه‪ ،‬تقديره‪ :‬إنححي جزيتهححم اليوم‬
‫الفوز بالجنحة‪ .‬قلت‪ :‬وينظحر إلى معنحى هذا قوله تعالى فحي آخحر المطففيحن‪" :‬فاليوم الذيحن آمنوا محن‬
‫الكفار يضحكون" [المطففين‪ ]34 :‬إلى آخر السورة‪ ،‬على ما يأتي بيانه هناك إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫ويستفاد من هذا‪ :‬التحذير من السخرية والستهزاء بالضعفاء والمساكين والحتقار لهم‪ ،‬والزراء‬
‫عليهم والشتغال بهم فيما ل يغني‪ ،‬وأن ذلك مبعد من ال عز وجل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 114 - 112 :‬قال كم لبثتم في الرض عدد سنين‪ ،‬قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم‬
‫فاسأل العادين‪ ،‬قال إن لبثتم إل قليل لو أنكم كنتم تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال كحم لبثتحم فحي الرض" قيحل‪ :‬يعنحي فحي القبور‪ .‬وقيحل‪ :‬هحو سحؤال لهحم عحن مدة‬
‫حياتهحم فحي الدنيحا‪ .‬وهذا السحؤال للمشركيحن فحي عرصحات القيامحة أو فحي النار‪" .‬عدد سحنين" بفتحح‬
‫النون على أنحه جمحع مسحلم‪ ،‬ومحن العرب محن يخفضهحا وينونهحا‪" .‬قالوا لبثنحا يومحا أو بعحض يوم"‬
‫أنسحاهم شدة العذاب مدة مكثهحم فحي القبور‪ .‬وقيحل‪ :‬لن العذاب رفحع عنهحم بيحن النفختيحن فنسحوا محا‬
‫كانوا فيحه محن العذاب فحي قبورهحم‪ .‬قال ابحن عباس‪ :‬أنسحاهم محا كانوا فيحه محن العذاب محن النفخحة‬
‫الولى إلى الثانية؛ وذلك أنه ليحس من أحد قتله نحبي أو قتل نبيا أو مات بحضرة نحبي إل عذب محن‬
‫سححاعة يموت إلى النفخحة الولى‪ ،‬ثححم يمسححك عنححه العذاب فيكون كالماء حتححى ينفححخ الثانيححة‪ .‬وقيححل‪:‬‬
‫اسححتقصروا مدة لبثهححم فححي الدنيححا وفححي القبور ورأوه يسححيرا بالنسححبة إلى مححا هححم بصححدده‪" .‬فاسححأل‬
‫العادين" أي سل الحساب الذين يعرفون ذلك فإنا قد نسيناه‪ ،‬أو فاسأل الملئكة الذين كانوا معنا في‬
‫الدنيحا؛ الول قول قتادة‪ ،‬والثانحي قول مجاهحد‪ ،‬وقرأ ابحن كثيحر وحمزة والكسحائي "قحل كحم لبثتحم فحي‬
‫الرض" على المحر‪ .‬ويحتمحل ثلثحة معان‪ :‬أحدهححا‪ :‬قولوا كححم لبثتححم؛ فأخرج الكلم مخرج المحر‬
‫للواححد والمراد الجماعحة؛ إذ كان المعنحى مفهومحا‪ .‬الثانحي‪ :‬أن يكون أمرا للملك ليسحألهم يوم البعحث‬
‫عحن قدر مكثهحم فحي الدنيحا‪ .‬أو أراد قحل أيهحا الكافحر كحم لبثتحم‪ ،‬وهحو الثالث‪ .‬الباقون "قال كحم" على‬
‫الخحبر؛ أي قال ال تعالى لهحم‪ ،‬أو قالت الملئكحة لهحم كحم لبثتحم‪ .‬وقرأ حمزة والكسحائي أيضحا "قحل إن‬
‫لبثتم إل قليل" الباقون "قال" على الخبر‪ ،‬على ما ذكر من التأويل الول؛ أي ما لبثتم في الرض‬
‫إل قليل؛ وذلك أن مكثهحم فحي القبور وإن طال كان متناهيحا‪ .‬وقيحل‪ :‬هحو قليحل بالنسحبة إلى مكثهحم فحي‬
‫النار؛ لنه ل نهاية له‪" .‬لو أنكم كنتم تعلمون" ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 115 :‬أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا" أي مهملين كما خلقت البهائم ل ثواب لها ول عقاب‬
‫عليهحا؛ مثحل قوله تعالى‪" :‬أيحسحب النسحان أن يترك سحدى" [القيامحة‪ ]36 :‬يريحد كالبهائم مهمل‬
‫لغير فائدة‪ .‬قال الترمذي الحكيم أبو عبدال محمد بن علي‪ :‬إن ال تعالى خلق الخلق عبيدا ليعبدوه‪،‬‬
‫فيثيبهم على العبادة ويعاقبهم على تركها‪ ،‬فإن عبدوه فهم اليوم له عبيد أحرار كرام من رق الدنيا‪،‬‬
‫ملوك فححي دار السححلم؛ وإن رفضوا العبوديححة فهححم اليوم عبيححد أباق سححقاط لئام‪ ،‬وغدا أعداء فححي‬
‫السجون بين أطباق النيران‪ .‬و"عبثا" نصب على الحال عند سيبويه وقطرب‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬هو‬
‫نصحب على المصحدر أو لنحه مفعول له‪" .‬وأنكحم إلينحا ل ترجعون" فتجازون بأعمالكحم‪ .‬قرأ حمزة‬
‫والكسائي "ترجعون" بفتح التاء وكسر الجيم من الرجوع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 116 :‬فتعالى ال الملك الحق ل إله إل هو رب العرش الكريم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتعالى ال الملك الححق" أي تنزه وتقدس ال الملك الححق عحن الولد والشركاء‬
‫والنداد‪ ،‬وعن أن يخلق شيئا عبثحا أو سفها؛ لنحه الحكيم‪" .‬ل إله إل هو رب العرش الكريحم" ليس‬
‫في القرآن غيرها‪ .‬وقرأ ابن محيصن وروي عن ابن كثير "الكريم" بالرفع نعتا ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 118 - 117 :‬ومن يدع مع ال إلها آخر ل برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه‬
‫ل يفلح الكافرون‪ ،‬وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يدع مع ال إلها آخر ل برهان له به" أي ل حجة له عليه "فإنما حسابه عند‬
‫ربحه" أي هحو يعاقبحه ويحاسحبه‪" .‬إنحه" الهاء ضميححر المححر والشأن‪" .‬إنحه ل يفلح الكافرون" وقرأ‬
‫الحسحن وقتادة "ل يفلح" ‪ -‬بالفتحح ‪ -‬محن كذب وجححد محا جئت بحه وكفحر نعمتحي‪ .‬ثحم أمحر نحبيه عليحه‬
‫الصحلة والسحلم بالسحتغفار لتقتدي بحه المحة‪ .‬وقيحل‪ :‬أمره بالسحتغفار لمتحه‪ .‬وأسحند الثعلبحي محن‬
‫حديث ابن لهيعة عن عبدال بن هبيرة عن حنش بن عبدال الصنعاني عن عبدال بن مسعود أنه‬
‫مر بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا" حتى ختم السورة فبرأ‪ .‬فقال رسول‬
‫ال صححلى ال عليححه وسححلم‪( :‬ماذا قرأت فححي أذنححه)؟ فأخححبره‪ ،‬فقال‪( :‬والذي نفسححي بيده لو أن رجل‬
‫موقنا قرأها على جبل لزال)‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة النور‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون}‬
‫@ مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر‪ .‬وكتب عمر رضي ال عنه إلى أهل الكوفة‪:‬‬
‫(علموا نسحاءكم سحورة النور)‪ .‬وقالت عائشحة رضحي ال عنهحا‪( :‬ل تنزلوا النسحاء الغرف ول‬
‫تعلموهحن الكتابحة وعلموهحن سحورة النور والغزل)‪" .‬وفرضناهحا" قرئ بتخفيحف الراء؛ أي فرضنحا‬
‫عليكحم وعلى محن بعدكحم محا فيهحا محن الحكام‪ .‬وبالتشديحد‪ :‬أي أنزلنحا فيهحا فرائض مختلفحة‪ .‬وقرأ أبحو‬
‫عمرو‪" :‬وفرضناهحا" بالتشديحد أي قطعناهحا فحي النزال نجمحا نجمحا‪ .‬والفرض القطحع‪ ،‬ومنحه فرضحة‬
‫القوس‪ .‬وفرائض الميراث وفرض النفقحة‪ .‬وعنحه أيضحا "فرضناهحا" فصحلناها وبيناهحا‪ .‬وقيحل‪ :‬هحو‬
‫على التكثيحر؛ لكثرة محا فيهحا محن الفرائض‪ .‬والسحورة فحي اللغحة اسحم للمنزلة الشريفحة؛ ولذلك سحميت‬
‫السورة من القرآن سورة‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫ترى كل ملك دونها يتذبذب‬ ‫ألم تر أن ال أعطاك سورة‬
‫وقححد مضححى فححي مقدمححة الكتاب القول فيهححا‪ .‬وقرئ "سححورة" بالرفححع على أنهححا مبتدأ وخبرهححا‬
‫"أنزلناهحا"؛ قاله أبحو عحبيدة والخفحش‪ .‬وقال الزجاج والفراء والمحبرد‪" :‬سحورة" بالرفحع لنهحا خحبر‬
‫البتداء؛ لنهححا نكرة ول يبتدأ بالنكرة فححي كححل موضححع‪ ،‬أي هذه سححورة‪ .‬ويحتمححل أن يكون قوله‬
‫"سورة" ابتداء وما بعدها صفة لها أخرجتها عن حد النكرة المحضة فحسن البتداء لذلك‪ ،‬ويكون‬
‫الخحبر فحي قوله "الزانيحة والزانحي"‪ .‬وقرئ "سحورةً" بالنصحب‪ ،‬على تقديحر أنزلنحا سحورة أنزلناهحا‪.‬‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫وحدي وأخشى الرياح والمطرا‬ ‫والذئب أخشاه إن مررت به‬
‫أو تكون منصوبة بإضمار فعل أي اتل سورة‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هي حال من الهاء واللف والحال من‬
‫المكنى يجوز أن يتقدم عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة في دين‬
‫ال إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الزانيحة والزانحي" كان الزنحى فحي اللغحة معروفحا قبحل الشرع‪ ،‬مثحل اسحم السحرقة‬
‫والقتحل‪ .‬وهحو اسحم لوطحء الرجحل امرأة فحي فرجهحا محن غيحر نكاح ول شبهحة نكاح بمطاوعتهحا‪ .‬وإن‬
‫شئت قلت‪ :‬هحو إدخال فرج فحي فرج مشتهحى طبعحا محرم شرعحا؛ فإذا كان ذلك وجحب الححد‪ .‬وقحد‬
‫مضحى الكلم فحي ححد الزنحى وحقيقتحه ومحا للعلماء فحي ذلك‪ .‬وهذه اليحة ناسحخة ليحة الحبحس وآيحة‬
‫الذى اللتين في سورة "النساء" باتفاق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مائة جلدة" هذا حد الزاني الحر البالغ البكر‪ ،‬وكذلك الزانية البالغة البكر الحرة‪.‬‬
‫وثبحت بالسحنة تغريحب عام؛ على الخلف فحي ذلك‪ .‬وأمحا المملوكات فالواجحب خمسحون جلدة؛ لقوله‬
‫تعالى‪" :‬فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" [النساء‪ ]25 :‬وهذا في‬
‫المحة‪ ،‬ثحم العبحد فحي معناهحا‪ .‬وأمحا المحصحن محن الحرار فعليحه الرجحم دون الجلد‪ .‬ومحن العلماء محن‬
‫يقول‪ :‬يجلد مائة ثم يرجم‪ .‬وقد مضى هذا كله ممهدا في "النساء" فأغنى عن إعادته‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@ قرأ الجمهور "الزانية والزاني" بالرفع‪ .‬وقرأ عيسى بن عمر الثقفي "الزانية" بالنصب‪ ،‬وهو‬
‫أوجحه عنحد سحيبويه؛ لنحه عنده كقولك‪ :‬زيدا اضرب‪ .‬ووجحه الرفحع عنده‪ :‬خحبر ابتداء‪ ،‬وتقديره‪ :‬فيمحا‬
‫يتلى عليكم [حكم] الزانية والزاني‪ .‬وأجمع الناس على الرفع وإن كان القياس عند سيبويه النصب‪.‬‬
‫وأمححا الفراء والمححبرد والزجاج فإن الرفححع عندهححم هححو الوجححه‪ ،‬والخححبر فححي قوله "فاجلدوا" لن‬
‫المعنى‪ :‬الزانية والزاني مجلودان بحكم ال وهو قول جيد وهو قول أكثر النحاة‪ .‬وإن شئت قدرت‬
‫الخبر‪ :‬ينبغي أن يجلدا‪ .‬وقرأ ابن مسعود "والزان" بغير ياء‪.‬‬
‫@ ذكحر ال سحبحانه وتعالى الذكحر والنثحى‪ ،‬والزانحي كان يكفحي منهمحا؛ فقيحل‪ :‬ذكرهمحا للتأكيحد كمحا‬
‫قال تعالى‪" :‬والسحارق والسحارقة فاقطعوا أيديهمحا" [المائدة‪ .]38 :‬ويحتمحل أن يكون ذكرهمحا هنحا‬
‫لئل يظحن ظان أن الرجحل لمحا كان هحو الواطحئ والمرأة مححل ليسحت بواطئة فل يجحب عليهحا ححد‬
‫فذكرهححا رفعححا لهذا الشكال الذي أوقححع جماعححة مححن العلماء منهححم الشافعححي‪ .‬فقالوا‪ :‬ل كفارة على‬
‫المرأة فحي الوطحء فحي رمضان؛ لنحه قال جامعحت أهلي فحي نهار رمضان؛ فقال له النحبي صحلى ال‬
‫عليه وسلم (كفر)‪ .‬فأمره بالكفارة‪ ،‬والمرأة ليس بمجامعة ول واطئة‪.‬‬
‫@ قدمت "الزانية" في الية من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاش وكان لماء العرب‬
‫وبغايحا الوقحت رايات‪ ،‬وكحن مجاهرات بذلك‪ .‬وقيحل‪ :‬لن الزنحى فحي النسحاء أعحر وهحو لجحل الحبحل‬
‫أضر‪ .‬وقيل‪ :‬لن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب فصدرها تغليظا لتردع شهوتها وإن كان قد‬
‫ركحب فيهحا حياء لكنهحا إذا زنحت ذهحب الحياء كله‪ .‬وأيضحا فإن العار بالنسحاء ألححق إذ موضوعهحن‬
‫الحجب والصيانة فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما‪.‬‬
‫@ اللف واللم في قول "الزانية والزاني" للجنس‪ ،‬وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة‪ .‬ومن‬
‫قال بالجلد محع الرجحم قال‪ :‬السحنة جاءت بزيادة حكحم فيقام محع الجلد‪ .‬وهحو قول إسححاق بحن راهويحه‬
‫والحسححن بححن أبححي الحسححن‪ ،‬وفعله علي بححن أبححي طالب رضححي ال عنححه بشراحححة وقححد مضححى فححي‬
‫"النسحاء" بيانحه‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬هحي خاصحة فحي البكريحن‪ ،‬واسحتدلوا على أنهحا غيحر عامحة بخروج‬
‫العبيد والماء منها‪.‬‬
‫@ نص ال سبحانه وتعالى على ما يجب على الزانيين إذا شُهد بذلك عليهما على ما يأتي وأجمع‬
‫العلماء على القول به‪ .‬واختلفوا فيما يجب على الرجل يوجد مع المرأة في ثوب واحد فقال إسحاق‬
‫بحن راهويحه‪ :‬يضرب كحل واححد منهمحا مائة جلدة‪ .‬وروي ذلك عحن عمحر وعلى وليحس يثبحت ذلك‬
‫عنهمحا‪ .‬وقال عطاء وسحفيان الثوري‪ :‬يؤدبان‪ .‬وبحه قال مالك وأحمحد على قدر مذاهبهحم فحي الدب‪.‬‬
‫قال ابحن المنذر‪ :‬والكثحر ممحن رأيناه يرى على محن وجحد على هذه الحال الدب‪ .‬وقحد مضحى فحي‬
‫"هود" اختيار ما في هذه المسألة‪ ،‬والحمد ل وحده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاجلدوا" دخلت الفاء لنه موضع أمر والمر مضارع للشرط‪ .‬وقال المبرد‪ :‬فيه‬
‫معنححى الجزاء‪ ،‬أي إن زنححى زان فافعلوا بححه كذا‪ ،‬ولهذا دخلت الفاء؛ وهكذا "السححارق والسححارقة‬
‫فاقطعوا أيديهما" [المائدة‪.]38 :‬‬
‫@ ل خلف أن المخاطحب بهذا المحر المام ومحن ناب منابحه‪ .‬وزاد مالك والشافعحي‪ :‬السحادة فحي‬
‫العبيححد‪ .‬قال الشافعححي‪ :‬فححي كححل جلد وقطححع‪ .‬وقال مالك‪ :‬فححي الجلد دون القطححع‪ .‬وقيححل‪ :‬الخطاب‬
‫للمسححلمين لن إقامححة مراسححم الديححن واجبححة على المسححلمين‪ ،‬ثححم المام ينوب عنهححم إذ ل يمكنهححم‬
‫الجتماع على إقامة الحدود‪.‬‬
‫@ أجمحع العلماء على أن الجلد بالسحوط يجحب‪ .‬والسحوط الذي يجحب أن يجلد بحه يكون سحوطا بيحن‬
‫سوطين‪ .‬ل شديدا ول لينا‪ .‬وروى مالك عن زيد بن أسلم أن رجل اعترف على نفسه بالزنى على‬
‫عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فدعا له رسول ال صلى ال عليه وسلم بسوط‪ ،‬فأتي بسوط‬
‫مكسور‪ ،‬فقال‪( :‬فوق هذا) فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال‪( :‬دون هذا) فأتي بسوط قد ركب‬
‫بحه ولن‪ .‬فأمحر بحه رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فجلد‪ )...‬الحديحث‪ .‬قال أبحو عمحر‪ :‬هكذا روى‬
‫الحديث مرسل جميع رواة الموطأ ول أعلمه يستند بهذا اللفظ بوجه من الوجوه‪ ،‬وقد روى معمر‬
‫عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى ال عليه وسلم مثله سواء‪ .‬وقد تقدم في "المائدة" ضرب‬
‫عمر قدامة في الخمر بسوط تام‪ .‬يريد وسطا‪.‬‬
‫اختلف العلماء فحي تجريحد المجلود فحي الزنحى؛ فقال مالك وأبحو حنيفحة وغيرهمحا‪ :‬يجرد‪ ،‬ويترك‬
‫على المرأة ما يسترها دون ما يقيها الضرب‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬المام مخير إن شاء جرد وإن شاء‬
‫ترك‪ .‬وقال الشعبي والنخعي‪ :‬ل يجرد ولكن يترك عليه قميص‪ .‬قال ابن مسعود‪ :‬ل يحل في المة‬
‫تجريد ول مد وبه فال الثوري‪.‬‬
‫اختلف العلماء فحي كيفيحة ضرب الرجال والنسحاء؛ فقال مالك‪ :‬الرجحل والمرأة فحي الحدود كلهحا‬
‫سحواء ل يقام واححد منهمحا؛ ول يجزى عنده إل فحي الظهحر‪ .‬وأصححاب الرأي والشافعحي يرون أن‬
‫يجلد الرجحل وهحو واقحف‪ ،‬وهحو قول علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنحه‪ .‬وقال الليحث وأبحو حنيفحة‬
‫والشافعحي‪ :‬الضرب فحي الحدود كلهحا وفحي التعزيحر مجردا قائمحا غيحر ممدود إل ححد القذف فإنحه‬
‫يضرب وعليحه ثيابحه‪ .‬وحكاه المهدوي فحي التحصحيل عحن مالك‪ .‬وينزع عنحه الحشحو والفرو‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬إن كان مده صلحا مد‪.‬‬
‫واختلفوا فححي المواضححع التححي تضرب مححن النسححان فححي الحدود؛ فقال مالك‪ :‬الحدود كلهححا ل‬
‫تضرب إل فحي الظهحر‪ ،‬وكذلك التعزيحر‪ .‬وقال الشافعحي وأصححابه‪ :‬يتقحى الوجحه والفرج وتضرب‬
‫سائر العضاء؛ وروي عن علي‪ .‬وأشار ابن عمر بالضرب إلى رجلي أمة جلدها في الزنى‪ .‬قال‬
‫ابححن عطيححة‪ :‬والجماع فححي تسححليم الوجححه والعورة والمقاتححل‪ .‬واختلفوا فححي ضرب الرأس فقال‬
‫الجمهور‪ :‬يتقحى الرأس‪ .‬وقال أبحو يوسحف‪ :‬يضرب الرأس‪ .‬وروي عحن عمحر وابنحه فقال‪ :‬يضرب‬
‫الرأس‪ .‬وضرب عمحر رضحي ال عنحه صحبيا فحي رأسحه وكان تعزيرا ل حدا‪ .‬ومحن حجحة مالك محا‬
‫أدرك عليه الناس‪ ،‬وقوله عليه السلم‪( :‬البينة وإل حد في ظهرك) وسيأتي‪.‬‬
‫@ الضرب الذي يجب هو أن يكون مؤلما ل يجرح ول يبضع‪ ،‬ول يخرج الضارب يده من تحت‬
‫إبطه‪ .‬وبه قال الجمهور‪ ،‬وهو قول علي وابن مسعود رضي ال عنهما‪ .‬وأتي عمر رضي ال عنه‬
‫برجحل فحي ححد فأتحي بسحوط بيحن سحوطين وقال للضارب‪ :‬اضرب ول يرى إبطحك وأعحط كحل عضحو‬
‫حقه‪ .‬وأتي رضي ال عنه بشارب فقال‪ :‬لبعثنك إلى رجل ل تأخذه فيك هوادة فبعثه إلى مطيع بن‬
‫السحود العدوي فقال‪ :‬إذا أصحبحت الغحد فاضربحه الححد فجاء عمحر رضحي ال عنحه وهحو يضربحه‬
‫ضربا شديدا فقال‪ :‬قتلت الرجل كم ضربته؟ فقال ستين؛ فقال‪ :‬أقص عنه بعشرين‪ .‬قال أبو عبيدة‪:‬‬
‫(أقحص عنحه بعشريحن) يقول‪ :‬اجعحل شدة هذا الضرب الذي ضربتحه قصحاصا بالعشريحن التحي بقيحت‬
‫ول تضربه العشرين‪ .‬وفي هذا الحديث من الفقه أن ضرب الشارب ضرب خفيف‪.‬‬
‫وقحد اختلف العلماء فحي أشحد الحدود ضربحا فقال مالك وأصححابه والليحث بحن سحعد‪ :‬الضرب فحي‬
‫الحدود كلهحا سحواء ضرب غيحر محبرح؛ ضرب بيحن ضربيحن‪ .‬هحو قول الشافعحي رضحي ال عنحه‪.‬‬
‫وقال أبحو حنيفحة وأصححابه‪ :‬التعزيحر أشحد الضرب؛ وضرب الزنحى أشحد محن الضرب فحي الخمحر‪،‬‬
‫وضرب الشارب أشححد مححن ضرب القذف‪ .‬وقال الثوري‪ :‬ضرب الزنححى أشححد مححن ضرب القذف‪،‬‬
‫وضرب القذف أشد من ضرب الخمر‪ .‬احتج مالك بورود التوقيف عل عدد الجلدات‪ ،‬ولم يرد في‬
‫شيحء منهحا تخفيحف ول تثقيحل عمحن يجحب التسحليم له‪ .‬احتحج أبحو حنيفحة بفعحل عمحر‪ ،‬فإنحه ضرب فحي‬
‫التعزيححر ضربححا أشححد منححه فححي الزنححى‪ .‬احتححج الثوري بأن الزنححى لمححا كان أكثححر عددا فححي الجلدات‬
‫اسحتحال أن يكون القذف أبلغ فحي النكايحة‪ .‬وكذلك الخمحر؛ لنحه لم يثبحت الححد إل بالجتهاد‪ ،‬وسحبيل‬
‫مسائل الجتهاد ل يقوي قوة مسائل التوقيف‪.‬‬
‫@ الحد الذي أوجب ال في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن يقام بين أيدي الحكام‪ ،‬ول‬
‫يقيمه إل فضلء الناس وخيارهحم يختارهم المام لذلك‪ .‬وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬رضي ال عنهم‪ .‬وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية‪ ،‬تجب المحافظة‬
‫على فعلهححا وقدرهححا ومحلهححا وحالهححا‪ ،‬بحيححث ل يتعدى شيححء مححن شروطهححا ول أحكامهححا‪ ،‬فإن دم‬
‫المسلم وحرمته عظيمة‪ ،‬فيجب مراعاته بكل ما أمكن‪ .‬روى الصحيح عن حضين بن المنذر أبي‬
‫ساسان قال‪ :‬شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال‪ :‬أزيدكم؟ فشهد‬
‫عليه رجلن‪ ،‬أحدهما حمران أنه شرب الخمر‪ ،‬وشهد آخر أنه رآه يتقيأ؛ فقال عثمان‪ :‬إنه لم يتقيأ‬
‫حتحى شربهحا؛ فقال‪ :‬يحا علي قحم فاجلده‪ ،‬فقال علي‪ :‬قحم يحا حسحن فاجلده‪ .‬فقال الحسحن‪ :‬ول حارهحا محن‬
‫تولى قارها ‪ -‬فكأنه وجد عليه ‪ -‬فقال‪ :‬يا عبدال بن جعفر‪ ،‬قم فاجلده‪ ،‬فجلده وعلي يعد‪ )...‬الحديث‪.‬‬
‫وقد تقدم في المائدة‪ .‬فانظر قول عثمان للمام علي‪ :‬قم فاجلده‪.‬‬
‫نحص ال تعالى على عدد الجلد فحي الزنحى والقذف‪ ،‬وثبحت التوقيحف فحي الخمحر على ثمانيحن محن‬
‫فعحل عمحر فحي جميحع الصححابة ‪ -‬على محا تقدم فحي المائدة ‪ -‬فل يجوز أن يتعدى الححد فحي ذلك كله‪.‬‬
‫قال ابححن العربححي‪ :‬وهذا مححا لم يتابححع الناس فححي الشححر ول احلولت لهححم المعاصححي‪ ،‬حتححى يتخذوهححا‬
‫ضراوة ويعطفون عليها بالهوادة فل يتناهوا عن منكر فعلوه؛ فحينئذ تتعين الشدة ويزاد الحد لجل‬
‫زيادة الذنب‪ .‬وقد أتحي عمحر بسحكران فحي رمضان فضربحه مائة؛ ثمانين ححد الخمحر وعشريحن لهتك‬
‫حرمحة الشهحر‪ .‬فهكذا يجحب أن تركحب العقوبات على تغليحظ الجنايات وهتحك الحرمات‪ .‬وقحد لعحب‬
‫رجل بصبي فضربه الوالي ثلثمائة سوط فلم يغير ذلك مالك حين بلغه‪ ،‬فكيف لو رأى زماننا هذا‬
‫بهتحك الحرمات والسحتهتار بالمعاصحي‪ ،‬والتظاهحر بالمناكحر وبيحع الحدود واسحتيفاء العبيحد لهحا فحي‬
‫منصب القضاة‪ ،‬لمات كمدا ولم يجالس أحدا؛ وحسبنا ال ونعم الوكيل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولهذا المعنى ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬زيد في حد الخمر حتى انتهى إلى ثمانين‪ .‬وروى الدارقطني‬
‫حدثنحا القاضحي الحسحين بحن إسحماعيل حدثنحا يعقوب بحن إبراهيحم الدورقحي حدثنحا صحفوان بحن عيسحى‬
‫حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري قال أخبرني عبدالرحمن بن أزهر قال‪ :‬رأيت رسول ال صلى‬
‫ال عليحه وسحلم يوم حنيحن وهحو يتخلل الناس يسحأل عحن منزل خالد بحن الوليحد‪ ،‬فأتحي بسحكران‪ ،‬قال‬
‫فقال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لمحن عنده فضربوه بمحا فحي أيديهحم‪ .‬وقال‪ :‬وحثحا رسحول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عليه التراب‪ .‬قال‪ :‬ثم أتي أبو بكر رضي ال عنه بسكران‪ ،‬قال‪ :‬فتوخى الذي‬
‫كان محن ضربهحم يومئذ؛ فضرب أربعيحن‪ .‬قال الزهري‪ :‬ثحم أخحبرني حميحد بحن عبدالرحمحن عحن ابن‬
‫وبرة الكلبي قال‪ :‬أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر‪ ،‬قال فأتيته ومعه عثمان بن عفان وعبدالرحمن‬
‫بحن عوف وعلي وطلححة والزبيحر وهحم معحه متكئون فحي المسحجد فقلت‪ :‬إن خالد بحن الوليحد أرسحلني‬
‫إليحك وهحو يقرأ عليحك السحلم ويقول‪ :‬إن الناس قحد انهمكوا فحي الخمحر وتحاقروا العقوبحة فيحه؛ فقال‬
‫عمححر‪ :‬هححم هؤلء عندك فسححلهم‪ .‬فقال علي‪ :‬نراه إذا سححكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري‬
‫ثمانون؛ قال فقال عمححر‪ :‬أبلغ صححاحبك مححا قال‪ .‬قال‪ :‬فجلد خالد ثمانيححن وعمححر ثمانيححن‪ .‬قال‪ :‬وكان‬
‫عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الذلة ضربه أربعين‪ ،‬قال‪ :‬وجلد عثمان أيضا ثمانين‬
‫وأربعين‪ .‬ومن هذا المعنى قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬لو تأخر الهلل لزدتكم) كالمنكل لهم حين‬
‫أبوا أن ينتهوا‪ .‬في رواية (لو مد لنا الشهر لواصلنا وصال يدع المتعمقون تعمقهم)‪ .‬وروى حامد‬
‫بن يحيى عن سقيان عن مسعر عن عطاء بن أبي مروان أن عليا ضرب النجاشي في الخمر مائة‬
‫جلدة؛ ذكره أبو عمرو ولم يذكر سببا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تأخذكم بهما رأفة" أي ل تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقة على المحدود‪ ،‬ول‬
‫تخففوا الضرب من غير إيجاع‪ ،‬وهذا قول جماعة أهل التفسير‪ .‬وقال الشعبي والنخعي وسعيد بن‬
‫جبير‪" :‬ل تأخذكم بهما رأفة" قالوا في الضرب والجلد‪ .‬وقال أبو هريرة رضي ال عنه‪ :‬إقامة حد‬
‫بأرض خيحر لهلهحا محن مطحر أربعيحن ليلة؛ ثحم قرأ هذه اليحة‪ .‬والرأفحة أرق الرحمحة‪ .‬وقرئ "رأفحة"‬
‫بفتححح اللف على وزن فعلة‪ .‬وقرئ "رأفححة" على وزن فعالة؛ ثلث لغات‪ ،‬هححي كلهححا مصححادر‪،‬‬
‫أشهرهحا الولى؛ محن رؤوف إذا رق ورححم‪ .‬ويقال‪ :‬رأفحة ورآفحة؛ مثحل كأبحة وكآبحة‪ .‬وقحد رأفحت بحه‬
‫ورؤفت به‪ .‬والرؤوف من صفات ال تعالى‪ :‬العطوف الرحيم‪" .‬في دين ال" أي في حكم ال؛ كما‬
‫قال تعالى‪" :‬ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك" [يوسف‪ ]76 :‬أي في حكمه‪ .‬وقيل‪" :‬في دين ال"‬
‫أي فحي طاعحة ال وشرعحه فيمحا أمركحم بحه محن إقامحة الحدود‪" .‬إن كنتحم تؤمنون بال واليوم الخحر"‬
‫قررهحم على معنحى التثحبيت والححض بقوله تعالى‪":‬إن كنتحم تؤمنون بال"‪ .‬وهذا كمحا تقول لرجحل‬
‫تحضه‪ :‬إن كنت رجل فافعل كذا‪ ،‬أي هذه أفعال الرجال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليشهحد عذابهمحا طائفحة محن المؤمنيحن" قيحل‪ :‬ل يشهحد التعذيحب إل محن ل يسحتحق‬
‫التأديحب‪ .‬قال مجاهحد‪ :‬رجحل فمحا فوقحه إلى ألف‪ .‬وقال ابحن زيحد‪ :‬ل بحد محن حضور أربعحة قياسحا على‬
‫الشهادة على الزنحى‪ ،‬وأن هذا باب منحه؛ وهحو قول مالك والليحث والشافعحي‪ .‬وقال عكرمحة وعطاء‪:‬‬
‫ل بحد محن اثنيحن؛ وهذا مشهور قول مالك‪ ،‬فرآهحا موضحع شهادة‪ .‬وقال الزهري‪ :‬ثلثحة‪ ،‬لنحه أقحل‬
‫الجمحع‪ .‬الحسحن‪ :‬واححد فصحاعدا‪ ،‬وعنحه عشرة‪ .‬الربيحع‪ :‬محا زاد على الثلثحة‪ .‬وحجحة مجاهحد قوله‬
‫تعالى‪" :‬فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة" [التوبة‪ ،]122 :‬وقوله‪" :‬وإن طائفتان" [الحجرات‪:‬‬
‫‪ ،]9‬ونزلت في تقاتل رجلين؛ فكذلك قوله تعالى‪" :‬وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"‪ .‬والواحد‬
‫يسحمى طائفحة إلى اللف؛ وقاله ابحن عباس وإبراهيحم‪ .‬وأمحر أبحو برزة السحلمي بجاريحة له قحد زنحت‬
‫وولدت فألقى عليها ثوبا‪ ،‬وأمر ابنه أن يضربها خمسين ضربة غير مبرح ول خفيف لكن مؤلم‪،‬‬
‫ودعا جماعة ثم تل "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"‪.‬‬
‫@ اختلف في المراد بحضور الجماعة‪ .‬هل المقصود بها الغلط على الزناة والتوبيخ بحضرة‬
‫الناس‪ ،‬وأن ذلك يدع المحدود‪ ،‬ومن شهده وحضره يتعظ به ويزدجر لجله‪ ،‬ويشيع حديثه فيعتبر‬
‫به من بعده‪ ،‬أو الدعاء لهما بالتوبة والرحمة؛ قولن للعلماء‪.‬‬
‫روي عحن حذيفحة رضحي ال عنحه أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬يحا معاشحر الناس اتقوا‬
‫الزنحى فإن فيحه سحت خصحال ثلثحا فحي الدنيحا وثلثحا فحي الخرة فأمحا اللواتحي الدنيحا فيذهحب البهاء‬
‫ويورث الفقحر وينقص العمحر وأما اللواتحي فحي الخرة فيوجب السحخط وسوء الحسحاب والخلود فحي‬
‫النار)‪ .‬وعن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن أعمال أمتي تعرض علي كل جمعة‬
‫مرتين فاشتد غضب ال على الزناة)‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا كان ليلة النصف‬
‫محن شعبان اطلع ال على أمتحي فغفحر لكحل مؤمحن ل يشرك بال شيئا إل خمسحة سحاحرا أو كاهنحا أو‬
‫عاقا لوالديه أو مدمن خمر أو مصرا على الزنى)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك وحرم‬
‫ذلك على المؤمنين}‬
‫@ اختلف العلماء في معنى هذه الية على ستة أوجه من التأويل‪ :‬الول‪ :‬أن يكون مقصد الية‬
‫تشنيحع الزنحى وتبشيحع أمره‪ ،‬وأنحه محرم على المؤمنيحن‪ .‬واتصحال هذا المعنحى بمحا قبحل حسحن بليحغ‪.‬‬
‫ويريحد بقوله "ل ينكحح" أي ل يطحأ؛ فيكون النكاح بمعنحى الجماع‪ .‬وردد القصحة مبالغحة وأخذا كل‬
‫الطرفيححن‪ ،‬ثححم زاد تقسححيم المشركححة والمشرك مححن حيححث الشرك أعححم فححي المعاصححي مححن الزنححى؛‬
‫فالمعنححى‪ :‬الزانححي ل يطححأ فححي وقححت زناه إل زانيححة مححن المسححلمين‪ ،‬أو مححن هححي أحسححن منهححا مححن‬
‫المشركات‪ .‬وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الية الوطء‪ .‬وأنكر ذلك الزجاج‬
‫وقال‪ :‬ل يعرف النكاح فحي كتاب ال تعالى إل بمعنحى التزويحج‪ .‬وليحس كمحا قال؛ وفحي القرآن "حتحى‬
‫تنكح زوجا غيره" [البقرة‪ ]230 :‬وقد بينه النبي صلى ال عليه وسلم أنه بمعنى الوطء‪ ،‬وقد تقدم‬
‫فحي "البقرة"‪ .‬وذكحر الطحبري محا ينححو إلى هذا التأويحل عحن سحعيد بحن جحبير وابحن عباس وعكرمحة‪،‬‬
‫ولكن غير مخلص ول مكمل‪ .‬وحكاه الخطابي عن ابن عباس‪ ،‬وأن معناه الوطء أي ل يكون زنى‬
‫إل بزانية‪ ،‬ويفيد أنه زنى في الجهتين؛ فهذا قول‪.‬‬
‫الثانحي‪ :‬محا رواه أبحو داود والترمذي عحن عمرو بحن شعيحب عحن أبيحه عحن جده أن مرثحد بحن أبحي‬
‫مرثد كان يحمل السارى بمكة‪ ،‬وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقته‪ ،‬قال‪ :‬فجئت النبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم فقلت‪ :‬يحا رسحول ال؛ أنكحح عناق؟ قال‪ :‬فسحكت عنحي؛ فنزلت "والزانيحة ل‬
‫ينكحهححا إل زان أو مشرك"؛ فدعانححي فقرأهححا علي وقال‪( :‬ل تنكحهححا)‪ .‬لفححظ أبححي داود‪ ،‬وحديححث‬
‫الترمذي أكمححل‪ .‬قال الخطابححي‪ :‬هذا خاص بهذه المرأة إذ كانححت كافرة‪ ،‬فأمححا الزانيححة المسححلمة فإن‬
‫العقد عليها ل يفسخ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهحا مخصحوصة فحي رجحل من المسحلمين أيضحا اسحتأذن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‬
‫فحي نكاح امرأة يقال لهحا أم مهزول وكانحت محن بغايحا الزانيات‪ ،‬وشرطحت أن تنفحق عليحه؛ فأنزل ال‬
‫تعالى هذه الية؛ قاله عمرو بن العاصي ومجاهد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنها نزلت في أهل الصفة وكانوا قوما من المهاجرين‪ ،‬ولم يكن لهم في المدينة مساكن‬
‫ول عشائر فنزلوا صفة المسجد وكانوا أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة‬
‫بالليحل‪ ،‬وكان بالمدينحة بغايحا متعالنات بالفجور‪ ،‬مخاصحيب بالكسحوة والطعام؛ فهحم أهحل الصحفة أن‬
‫يتزوجوهن فيأووا إلى مساكنهن ويأكلوا من طعامهن وكسوتهن؛ فنزلت هذه الية صيانة لهم عن‬
‫ذلك؛ قال ابن أبي صالح‪.‬‬
‫الخامححس‪ :‬ذكره الزجاج وغيره عححن الحسححن‪ ،‬وذلك أنححه قال‪ :‬المراد الزانححي المحدو والزانيححة‬
‫المحدودة‪ ،‬قال‪ :‬وهذا حكحححم محححن ال فل يجوز لزان محدود أن يتزوج إل محدودة‪ .‬وقال إبراهيحححم‬
‫النخعحي نحوه‪ .‬وفحي مصحنف أبحي داود عحن أبحي هريرة قال‪ :‬قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪:‬‬
‫(ل ينكح الزاني المحدود إل مثله)‪ .‬وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ففرق علي رضي ال‬
‫عنحه بينهمحا‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬وهذا معنحى ل يصحح نظرا كمحا لم يثبحت نقل‪ ،‬وهحل يصحح أن يوقحف‬
‫نكاح من حد من الرجال على نكاح من حد من النساء فبأي أثر يكون ذلك‪ ،‬وعلى أي أصل يقاس‬
‫من الشريعة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكحى هذا القول الكيحا عحن بعحض أصححاب الشافعحي المتأخريحن‪ ،‬وأن الزانحي إذا تزوج‬
‫غير زانية فرق بينهما لظاهر الية‪ .‬قال الكيا‪ :‬وإن هو عمل بالظاهر فيلزمه عليه أن يجوز للزاني‬
‫التزوج بالمشركحة‪ ،‬ويجوز للزانيحة أن تزوج نفسحها محن مشرك؛ وهذا فحي غايحة البعحد‪ ،‬وهحو خروج‬
‫عن السلم بالكلية‪ ،‬وربما قال هؤلء‪ :‬إن الية منسوخة في المشرك خاص دون الزانية‪.‬‬
‫السحادس‪ :‬أنهحا منسحوخة؛ روى مالك عحن يحيحى بحن سحعيد عحن سحعيد بحن المسحيب قال‪" :‬الزانحي ل‬
‫ينكح إل زانية أو مشركة والزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك" قال‪ :‬نسخت هذه الية التي بعدها‬
‫"وأنكحوا اليامى منكم" [النور‪]32 :‬؛ وقاله ابن عمرو‪ ،‬قال‪ :‬دخلت الزانية في أيامى المسلمين‪.‬‬
‫قال أبو جعفر النحاس‪ :‬وهذا القول عليه أكثر العلماء‪ .‬وأهل الفتيا يقولون‪ :‬إن من زنى بامرأة فله‬
‫أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها‪ .‬وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك‬
‫بن أنس وهو قول أبي حنيفة وأصحابه‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬القول فيها كما قال سعيد بن المسيب‪ ،‬إن‬
‫شاء ال هي منسوخة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وذكر الشراك في هذه الية يضعف هذه المناحي‪ .‬قال ابن‬
‫العربحي‪ :‬والذي عندي أن النكاح ل يخلو أن يراد بحه الوطحء كمحا قال ابحن عباس أو العقحد؛ فإن أريحد‬
‫بحه الوطحء فإن معناه‪ :‬ل يكون زنحى إل بزانيحة‪ ،‬وذلك عبارة عحن أن الوطأيحن محن الرجحل والمرأة‬
‫زنى من الجهتين؛ ويكون تقدير الية‪ :‬وطء الزانية ل يقع إل من زان أو مشرك؛ وهذا يؤثر عن‬
‫ابحن عباس‪ ،‬وهحو معنحى صححيح‪ .‬فإن قيحل‪ :‬فإذا زنحى بالغ بصحبية‪ ،‬أو عاقحل بمجنونحة‪ ،‬أو مسحتيقظ‬
‫بنائمة فإن ذلك من جهة الرجل زنى؛ فهذا زان نكح غير زانية‪ ،‬فيخرج المراد عن بابه الذي تقدم‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬هو زنى من كل جهة‪ ،‬إل أن أحدهما سقط فيه الحد والخر ثبت فيه‪ .‬وإن أريد به العقد كان‬
‫معناه‪ :‬أن متزوج الزانية التي قد زنت ودخل بها ولم يستبرئها يكون بمنزلة الزاني‪ ،‬إل أنه ل حد‬
‫عليححه لختلف العلماء فححي ذلك‪ .‬وأمححا إذا عقححد عليهححا ولم يدخححل بهححا حتححى يسححتبرئها فذلك جائز‬
‫إجماعا‪ .‬وقيل‪ :‬ليس المراد في الية أن الزاني ل ينكح قط إل زانية إذ قد يتصور أن يتزوج غير‬
‫زانيححة‪ ،‬ولكححن المعنححى أن مححن تزوج بزانيححة فهححو زان‪ ،‬فكأنححه قال‪ :‬ل ينكححح الزانيححة إل زان فقلب‬
‫الكلم‪ ،‬وذلك أنحه ل ينكحح الزانيحة إل وهحو راض بزناهحا‪ ،‬وإنمحا يرضحى بذلك إذا كان هحو أيضحا‬
‫يزني‪.‬‬
‫@ فحي هذه اليحة دليحل على أن التزوج بالزانيحة صححيح‪ .‬وإذا زنحت زوجحة الرجحل لم يفسحد النكاح‬
‫وإذا زنححى الزوج لم يفسححد نكاححه مححع زوجتحه؛ وهذا على أن اليحة منسحوخة‪ .‬وقيحل إنهححا محكمححة‪.‬‬
‫وسيأتي‪.‬‬
‫روي أن رجل زنحى بامرأة فحي زمحن أبحي بكحر رضحي ال عنحه فجلدهمحا مائة جلدة‪ ،‬ثحم زوج‬
‫أحدهما من الخر مكانه‪ ،‬ونفاهما سنة‪ .‬وروي مثل ذلك عن عمر وابن مسعود وجابر رضي ال‬
‫عنهم‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أوله سفاح وآخره نكاح‪ .‬ومثل ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمرة ثم أتى‬
‫صحاحب البسحتان فاشترى منحه ثمرة فمحا سحرق حرام ومحا اشترى حلل‪ .‬وبهذا أخحذ الشافعحي وأبحو‬
‫حنيفححة‪ ،‬ورأوا أن الماء ل حرمححة له‪ .‬وروي عححن ابححن مسححعود رضححي ال عنححه أنححه قال‪ :‬إذا زنححى‬
‫الرجحل بالمرأة ثحم نكحهحا بعحد ذلك فهمحا زانيان أبدا‪ .‬وبهذا أخحذ مالك رضحي ال عنحه؛ فرأى أنحه ل‬
‫ينكحهححا حتححى يسححتبرئها مححن مائه الفاسححد لن النكاح له حرمححة ومححن حرمتححه أل يصححب على ماء‬
‫السفاح؛ فيختلط الحرام بالحلل ويمتزج ماء المهانة بماء العزة‪.‬‬
‫@ قال ابن خويز منداد‪ :‬من كان معروفا بالزنى أو بغيره من الفسوق معلنا به فتزوج إلى أهل‬
‫بيحت سحتر وغرهحم محن نفسحه فلهحم الخيار فحي البقاء معحه أو فراقحه؛ وذلك كعيحب محن العيوب واحتحج‬
‫بقوله عليحه السحلم‪( :‬ل ينكحح الزانحي المجلود إل مثله)‪ .‬قال ابحن خويحز منداد‪ .‬وإنمحا ذكحر المجلود‬
‫لشتهاره بالفسق‪ ،‬وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره؛ فأما من لم يشتهر بالفسق فل‪.‬‬
‫قال قوم محن المتقدميحن‪ :‬اليحة محكمحة غيحر منسحوخة‪ ،‬وعنحد هؤلء‪ :‬محن زنحى فسحد النكاح بينحه‬
‫وبيحن زوجتحه‪ ،‬وإذا زنحت الزوجحة فسحد النكاح بينهحا وبيحن زوجهحا‪ .‬وقال قوم محن هؤلء‪ :‬ل ينفسحخ‬
‫النكاح بذلك‪ ،‬ولكن يؤمر الرجل بطلقها إذا زنت‪ ،‬ولو أمسكها أثم‪ ،‬ول يجوز التزوج بالزانية ول‬
‫من الزاني‪ ،‬بل لو ظهرت التوبة فحينئذ يجوز النكاح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحرم ذلك على المؤمنين" أي نكاح أولئك البغايا؛ فيزعم بعض أهل التأويل أن‬
‫نكاح أولئك البغايا حرمه ال تعالى على أمة محمد عليه السلم‪ ،‬ومن أشهرهن عناق‪.‬‬
‫حرم ال تعالى الزنحى فحي كتابحه؛ فحيثمحا زنحى الرجحل فعليحه الححد‪ .‬وهذا قول مالك والشافعحي وأبحي‬
‫ثور‪ .‬وقال أصححاب الرأي فحي الرجحل المسحلم إذا كان فحي دار الحرت بأمان وزنحى هنالك ثحم خرج‬
‫لم يححد‪ .‬قال ابحن المنذر‪ :‬دار الحرب ودار السحلم سحواء‪ ،‬ومحن زنحى فعليحه الححد على ظاهحر قوله‬
‫"الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور‪.]2 :‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 5 - 4 :‬والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة‬
‫ول تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون‪ ،‬إل الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن ال غفور‬
‫رحيم}‬
‫@ هذه اليحة نزلت فحي القاذفيحن‪ .‬قال سحعيد بحن جحبير‪ :‬كان سحببها محا قيحل فحي عائشحة أم المؤمنيحن‬
‫رضي ال عنها‪ .‬وقيل‪ :‬بل نزلت بسبب القذفة عاما ل في تلك النازلة‪ .‬وقال ابن المنذر‪ :‬لم نجد في‬
‫أخبار رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم خححبرا يدل على تصححريح القذف‪ ،‬وظاهححر كتاب ال تعالى‬
‫مستغنى به دال على القذف الذي يوجب الحد‪ ،‬وأهل العلم على ذلك مجمعون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيحن يرمون" يريحد يسحبون‪ ،‬واسحتعير له اسحم الرمحي لنحه إذايحة بالقول كمحا قال‬
‫النابغة‪:‬‬
‫وجرح اللسان كجرح اليد‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بريئا ومن أجل الطوي رماني‬ ‫رماني بأمر كنت منه ووالدي‬
‫ويسمى قذفا ومنه الحديث‪ :‬إن ابن أمية قذف امرأته بشريك بن السحماء؛ أي رماها‪.‬‬
‫@ ذكحر ال تعالى فحي اليحة النسحاء محن حيحث هحن أهحم‪ ،‬ورميهحن بالفاحشحة أشنحع وأنكحى للنفوس‪.‬‬
‫وقذف الرجال داخل في حكم الية بالمعنى‪ ،‬وإجماع المة على ذلك‪ .‬وهذا نحو نصه على تحريم‬
‫لحححم الخنزيححر ودخححل شحمححه وغضاريفححه‪ ،‬ونحححو ذلك بالمعنححى والجماع‪ .‬وحكححى الزهراوي أن‬
‫المعنحححى‪ :‬والنفحححس المحصحححنات؛ فهحححي بلفظهحححا تعحححم الرجال والنسحححاء‪ ،‬ويدل على ذلك قوله‪:‬‬
‫"والمحصحنات محن النسحاء"‪[ .‬النسحاء‪ .]24 :‬وقال قوم‪ :‬أراد بالمحصحنات الفروج كمحا قال تعالى‪:‬‬
‫"والتي أحصنت فرجها" [النبياء‪ ]91 :‬فيدخل فيه فروج الرجال والنساء‪ .‬وقيل‪ :‬إنما ذكر المرأة‬
‫الجنبية إذا قذفت ليعطف علها قذف الرجل زوجته؛ وال أعلم‪ .‬وقرأ الجمهور "المحصنات" بفتح‬
‫الصاد‪ ،‬وكسرها يحيى بن وثاب‪ .‬والمحصنات العفائف في هذا الموضع‪ .‬وقد مضى في "النساء"‬
‫ذكر الحصان ومراتبه‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@ للقذف شروط عنحد العلماء تسحعة‪ :‬شرطان فحي القاذف‪ ،‬وهمحا العقحل والبلوغ؛ لنهمحا أصحل‬
‫التكليحف‪ ،‬إذ التكليحف سحاقط دونهمحا‪ .‬وشرطان فحي الشيحء المقذوف بحه وهحو أن يقذف بوطحء يلزمحه‬
‫فيحه الححد‪ ،‬وهحو الزنحى واللواط أو بنفيحه محن أبيحه دون سحائر المعاصحي‪ .‬وخمسحة محن المقذوف وهحي‬
‫العقحل والبلوغ والسحلم والحريحة والعفحة عحن الفاحشحة التحي رمحي بهحا كان عفيفحا محن غيرهحا أم ل‪.‬‬
‫وإنمححا شرطنححا فححي المقذوف العقححل والبلوغ كمححا شرطناهمححا فححي القاذف وإن لم يكونححا مححن معانححي‬
‫الحصححان لجححل أن الحححد إنمححا وضححع للزجححر عححن الذابححة بالمضرة الداخلة على المقذوف‪ ،‬ول‬
‫مضرة على من عدم العقل والبلوغ؛ إذ ل يوصف اللواط فيهما ول منهما بأنه زنى‪.‬‬
‫@ اتفحق العلماء على أنه إذا صحرح بالزنحى كان قذفحا ورميحا موجبحا للححد فإن عرض ولم يصحرح‬
‫فقال مالك‪ :‬هو قذف‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل يكون قذفا حتى يقول أردت به القذف‪ .‬والدليل‬
‫لما قال مالك هو أن موضوع الحد في القذف إنما هو لزالة المعرة التي أوقعها القاذف بالمقذوف‪،‬‬
‫فإذا حصحلت المعرة بالتعرض وجحب أن يكون قذفحا كالتصحريح والمعول على الفهحم وقحد قال تعالى‬
‫مخبرا عن شعيب‪" :‬إنك لنت الحليم الرشيد" [هود‪ ]87 :‬أي السفيه الضال فعرضوا له بالسب‬
‫بكلم ظاهر المدح في أحد التأويلت‪ ،‬حسبما تقدم في "هود"‪ .‬وقال تعالى في أبي جهل‪" :‬ذق إنك‬
‫أنت العزيز الكريم" [الدخان‪ .]49 :‬وقال حكاية عن مريم‪" :‬يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ‬
‫سححوء ومححا كانححت أمححك بغيححا" [مريححم‪]28 :‬؛ فمدحوا أباهححا ونفوا عححن أمهححا البغاء‪ ،‬أي الزنححى‪،‬‬
‫وعرضوا لمريحم بذلك؛ ولذلك قال تعالى‪" :‬وبكفرهحم وقولهحم على مريحم بهتانحا عظيمحا" [النسحاء‪:‬‬
‫‪ ،]156‬وكفرهحم معروف‪ ،‬والبهتان العظيحم هحو التعريحض لهحا؛ أي محا كان أبوك امرأ سحوء ومحا‬
‫كانت أمك بغيا‪ ،‬أي أنت بخلفهما وقد أتيت بهذا الولد‪ .‬وقال تعالى‪" :‬قل من يرزقكم من السموات‬
‫والرض قحل ال وإنحا أو إياكحم لعلى هدى أو فحي ضلل محبين" [سحبأ‪]24:‬؛ فهذا اللفحظ قحد فهحم منحه‬
‫أن المراد به أن الكفار على غير هدى‪ ،‬وأن ال تعالى ورسوله على الهدى ففهم من هذا التعريض‬
‫ما يفهم من صريحه‪ .‬وقد حبس عمر رضي ال عنه الحطيئة لما قال‪:‬‬
‫واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي‬ ‫دع المكارم ل ترحل لبغيتها‬
‫لنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون‪ .‬ولما سمع قول النجاشي‪:‬‬
‫ول يظلمون الناس حبة خردل‬ ‫قبيلته ل يغدرون بذمة‬
‫قال‪ :‬ليت الخطاب كذلك؛ وإنما أراد الشاعر ضعف القبيلة؛ ومثله كثير‪.‬‬
‫@ الجمهور من العلماء على أنه ل حد على من قذف رجل من أهل الكتاب أو امرأة منهم‪ .‬وقال‬
‫الزهري وسحعيد بحن المسيب وابن أبحي ليلى‪ :‬عليحه الحد إذا كان لها ولد من مسحلم‪ .‬وفيه قول ثالث‪:‬‬
‫وهححو أنححه إذا قذف النصححرانية تحححت المسححلم جلد الحححد‪ .‬قال ابححن المنذر‪ :‬وجححل العلماء مجمعون‬
‫وقائلون بالقول الول‪ ،‬ولم أدرك أحدا ول لقيته يخالف في ذلك‪ .‬وإذا قذف النصراني المسلم الحر‬
‫فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة؛ ل أعلم في ذلك خلفا‪.‬‬
‫@ والجمهور من العلماء على أن العبد إذا قذف حرا يجلد أربعين؛ لنه حد يتشطر بالرق كحد‬
‫الزنى‪ .‬وروي عن ابن مسعود وعمر بن عبدالعزيز وقبيصة بن ذؤيب يجلد ثمانين‪ .‬وجلد أبو بكر‬
‫بحن محمحد عبدًا قذف حرا ثمانيحن؛ وبحه قال الوزاعحي‪ .‬احتحج الجمهور بقول ال تعالى‪" :‬فإن أتيحن‬
‫بفاحشحة فعليهحن نصحف محا على المحصحنات محن العذاب" [النسحاء‪ .]25 :‬وقال الخرون‪ :‬فهمنحا‬
‫هناك أن حد الزنى ل تعالى‪ ،‬وأنه ربما كان أخف فيمن قلّت نعم ال عليه‪ ،‬وأفحش فيمن عظمت‬
‫نعم ال عليه‪ .‬وأما حد القذف فحق للدمي وجب للجناية على عرض المقذوف والجناية ل تختلف‬
‫بالرق والحرية‪ .‬وربما قالوا‪ :‬لو كان يختلف لذكر كما ذكر من الزنى‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬والذي عليه‬
‫علماء المصار القول الول‪ ،‬وبه أقول‪.‬‬
‫@ وأجمع العلماء على أن الحر ل يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما ولقوله عليه السلم‪:‬‬
‫(من قذف مملوكه بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إل أن يكون كما قال) خرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وفحي بعحض طرقحه‪( :‬محن قذف عبده بزنحى ثحم لم يثبحت أقيحم عليحه بوم القيامحة الححد ثمانون) ذكره‬
‫الدارقطنححي‪ .‬قال العلماء‪ :‬وإنمححا كان ذلك فححي الخرة لرتفاع الملك واسححتواء الشريححف والوضيححع‬
‫والححر والعبحد‪ ،‬ولم يكحن لححد فضحل إل بالتقوى؛ ولمحا كان ذلك تكافحأ الناس فحي الحدود والحرمحة‪،‬‬
‫واقتحص محن كحل واححد لصحاحبه إل أن يعفحو المظلوم عحن الظالم‪ .‬وإنمحا لم يتكافؤوا فحي الدنيحا لئل‬
‫تدخحل الداخلة على المالكيحن محن مكافأتهحم لهحم‪ ،‬فل تصحح لهحم حرمحة ول فضحل فحي منزلة‪ ،‬وتبطحل‬
‫فائدة التسخير؛ حكمة من الحكيم العليم‪ ،‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫@ قال مالك والشافعي‪ :‬من قذف من يحسبه عبدا فإذا هو حر فعليه الحد؛ وقاله الحسن البصري‬
‫واختاره ابححن المنذر‪ .‬قال مالك‪ :‬ومححن قذف أم الولد حححد وروى عححن ابححن عمححر وهححو قياس قول‬
‫الشافعي‪ .‬وقال الحسن البصري‪ :‬ل حد عليه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيمحن قال لرجحل‪ :‬يحا من وطحئ بين الفخذيحن؛ فقال ابن القاسحم‪ :‬عليه الحد لنه‬
‫تعريض‪ .‬وقال أشهب‪ :‬ل حد فيه لنه نسبة إلى فعل ل يعد زنى إجماعا‪.‬‬
‫الحاديحة عشرة‪ :‬إذا رمحى صحبية يمكحن وطؤهحا قبحل البلوغ بالزنحى كان قذفحا عنحد مالك‪ .‬وقال أبحو‬
‫حنيفة والشافعي وأبو ثور‪ :‬ليس بقذف؛ لنه ليس بزنى إذ ل حد عليها‪ ،‬ويعزر‪ .‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫والمسححألة محتملة مشكلة‪ ،‬لكححن مالك طلب حمايححة عرض المقذوف‪ ،‬وغيره راعححى حمايححة ظهححر‬
‫القاذف وحماية عرض المقذوف أولى؛ لن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد‪ .‬قال ابن‬
‫المنذر‪ :‬وقال أحمد في الجارية بنت تسع‪ :‬يجلد قاذفها‪ ،‬وكذلك الصبي إذا بلغ عشرا ضرب قاذفه‪.‬‬
‫قال إسححاق‪ :‬إذا قذف غلمحا يطحأ مثله فعليحه الححد‪ ،‬والجاريحة إذا جاوزت تسحعا مثحل ذلك‪ .‬قال ابحن‬
‫المنذر‪ :‬ل يححد محن قذف محن لم يبلغ؛ لن ذلك كذب‪ ،‬ويعزر على الذى‪ .‬قال أبحو عبيحد‪ :‬فحي حديحث‬
‫علي رضححي ال عنححه أن امرأة جاءتححه فذكرت أن زوجهححا يأتححي جاريتهححا فقال‪ :‬إن كنححت صححادق‬
‫رجمناه وإن كنححت كاذبححة جلدناك‪ .‬فقالت‪ :‬ردونححي إلى أهلي غيرى نغرة‪ .‬قال أبححو عبيححد‪ :‬فححي هذا‬
‫الحديث من الفقه أن على الرجل إذا واقع جارية امرأته الحد‪.‬‬
‫وفيحه أيضحا إذا قذفحه بذلك قاذف كان على قاذفحه الححد؛ أل تسحمع قوله‪ :‬وإن كنحت كاذبحة جلدناك‪.‬‬
‫ووجحه هذا كله إذا لم يكحن الفاعحل جاهل بمحا يأتحي وبمحا يقول‪ ،‬فإن كان جاهل وادعحى شبهحة درئ‬
‫عنه الحد في ذلك كله‪.‬‬
‫وفيحه أيضحا أن رجل لو قذف رجل بحضرة حاكحم وليحس المقذوف بحاضحر أنحه ل شيحء على‬
‫القاذف حتححى يجيححء فيطلب حده؛ لنححه ل يدري لعله يصححدقه؛ أل ترى أن عليححا عليححه السححلم لم‬
‫يعرض لها‪.‬‬
‫وفيه أن الحاكم إذا قذف عنده رجل ثم جاء المقذوف فطلب حقه أخذه الحاكم بالحد بسماعه أل‬
‫تراه يقول‪ :‬وإن كنت كاذبة جلدناك وهذا لنه من حقوق الناس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اختلف هححل هححو مححن حقوق ال أو مححن حقوق الدمييححن؛ وسححيأتي‪ .‬قال أبححو عبيححد‪ :‬قال‬
‫الصحمعي سحألني شعبحة عحن قول‪ :‬غيرى نغرة؛ فقلت له‪ :‬هحو مأخوذ محن نغحر القدر‪ ،‬وهحو غليانهحا‬
‫وفورهححا يقال منححه‪ :‬نغرت تنغححر‪ ،‬ونغرت تنغححر إذا غلت‪ .‬فمعناه أنهححا أرادت أن جوفهححا يغلي مححن‬
‫الغيظ والغيرة لما لم تجد عنده ما تريد‪ .‬قال‪ :‬ويقال منه رأيت فلنا يتنغر على فلن أي يغلي جوفه‬
‫عليه غيظا‪.‬‬
‫@ محن قذف زوجحة محن أزواج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ححد حديحن؛ قاله مسحروق‪ .‬قاله ابحن‬
‫العربححي‪ :‬والصحححيح أنححه حححد واحححد؛ لعموم قوله تعالى‪" :‬والذيححن يرمون المحصححنات" اليححة‪ ،‬ول‬
‫يقتضي شرفهن زيادة في حد من قذفهن؛ لن شرف المنزلة ل يؤثر في الحدود‪ ،‬ول نقصها يؤثر‬
‫في الحد بتنقيص وال أعلم‪ .‬وسيأتي الكلم فيمن قذف عائشة رضي ال عنها‪ ،‬هل يقتل أم ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثحم لم يأتوا بأربعحة شهداء" الذي يفتقحر إلى أربعحة شهداء دون سحائر الحقوق هحو‬
‫الزنى؛ رحمة بعباده وسترا لهم‪ .‬وقد تقدم في سورة "النساء"‬
‫محن شرط أداء الشهود الشهادة عنحد مالك رحمحه ال أن يكون ذلك فحي مجلس واححد فإن افترقحت‬
‫لم تكحن شهادة‪ .‬وقال عبدالملك‪ :‬تقبحل شهادتهحم مجتمعيحن ومفترقيحن‪ .‬فرأى مالك أن اجتماعهحم تعبحد؛‬
‫وبحه قال ابحن الحسحن‪ .‬ورأى عبدالملك أن المقصحود أداء الشهادة واجتماعهحا وقحد حصحل؛ وهحو قول‬
‫عثمان البتحي وأبحي ثور واختاره ابحن المنذر لقوله تعالى‪" :‬ثحم لم يأتوا بأربعحة شهداء" وقوله‪" :‬فإذ‬
‫لم يأتوا بالشهداء" [النور‪ ]13 :‬ولم يذكر مفترقين ول مجتمعين‪.‬‬
‫فإن تمححت الشهادة إل أنهححم لم يعدلوا؛ فكان الحسححن البصححري والشعححبي يريان أن ل حححد على‬
‫الشهود ول على المشهود؛ وبحه قال أحمحد والنعمان ومحمحد بحن الحسحن‪ .‬وقال مالك‪ :‬إذا شهحد عليحه‬
‫أربعحة بالزنحى فإن كان أحدهحم مسحقوطا عليحه أو عبدا يجلدون جميعحا‪ .‬وقال سحفيان الثوري وأحمحد‬
‫وإسحاق في أربعة عميان يشهدون على امرأة بالزنى‪ :‬يضربون‪.‬‬
‫فإن رجحع أححد الشهود وقحد رجحم المشهود عليحه فحي الزنحى؛ فقالت طائفحة‪ :‬يغرم ربحع الديحة ول‬
‫شيء على الخرين‪ .‬وكذلك قال قتادة وحماد وعكرمة وأبو هاشم ومالك وأحمد وأصحاب الرأي‪.‬‬
‫وقال الشافعححححي‪ :‬إن قال عمدت ليقتححححل؛ فالولياء بالخيار إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا وأخذوا‬
‫ربع الدية‪ ،‬وعليه الحد‪ .‬وقال الحسن البصري‪ :‬يقتل‪ ،‬وعلى الخرين ثلثة أرباع الدية‪ .‬وقال ابن‬
‫سيرين‪ :‬إذا قال أخطأت وأردت غيره فعليه الدية كاملة‪ ،‬وإن قال تعمدت قتل وبه قال ابن شبرمة‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فحي ححد القذف هحل هحو محن حقوق ال أو محن حقوق الدمييحن أو فيحه شائبحة‬
‫منهمحا؛ الول ‪ -‬قول أبحي حنيفحة‪ .‬والثانحي‪ :‬قول مالك والشافعحي‪ .‬والثالث‪ :‬قاله بعحض المتأخريحن‪.‬‬
‫وفائدة الخلف أنحححه إن كان حقحححا له تعالى وبلغ المام أقامحححه وإن لم يطلب ذلك المقذوف ونفعحححت‬
‫القاذف التوبة فيما بينه وبين ال تعالى‪ ،‬ويتشطر فيه الحد بالرق كالزنى‪ .‬وإن كان حقا للدمي فل‬
‫يقيمه المام إل بمطالبة المقذوف‪ ،‬ويسقط بعفوه‪ ،‬ولم تنفع القاذف التوبة حتى يحلله المقذوف‪.‬‬
‫@قوله تعالى "بأربعة شهداء" قراءة الجمهور على إضافة الربعة إلى الشهداء‪ .‬وقرأ عبدال بن‬
‫مسحلم بحن يسحار وأبحو زرعحة بحن عمرو بحن جريحر "بأربعحة" التنويحن "شهداء"‪ .‬وفيحه أربعحة أوجحه‪:‬‬
‫يكون في موضع جر على النعت لربعة‪ ،‬أو بدل‪ .‬ويجوز أن يكون حال من نكرة أو تمييزا؛ وفي‬
‫الحال والتمييحز نظحر؛ إذ الحال محن نكرة‪ ،‬والتمييحز مجموع‪ .‬وسحيبويه يرى أنحه تنويحن العدد‪ ،‬وترك‬
‫إضافتحه إنما يجوز فحي الشعحر‪ .‬وقد حسحن أبو الفتح عثمان بن جنحي هذه القراءة وحبحب على قراءة‬
‫الجمهور‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويجوز أن يكون "شهداء" في موضع نصب بمعنى ثم لم يحضروا أربعة‬
‫شهداء‪.‬‬
‫@ حكحم شهادة الربعحة أن تكون على معاينحة يرون ذلك كالمرود فحي المكحلة على محا تقدم فحي‬
‫"النساء" في نص الحديث‪ .‬وأن تكون في موطن واحد؛ على قول مالك‪ .‬وإن اضطرب واحد منهم‬
‫جلد الثلثة؛ كما فعل عمر في أمر المغيرة بن شعبة؛ وذلك أنه شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع بن‬
‫الحارث وأخوه نافححع؛ وقال الزهراوي‪ :‬عبدال بححن الحارث‪ ،‬وزياد أخوهمححا لم وهححو مسححتلحق‬
‫معاويححة‪ ،‬وشبححل بححن معبححد البجلي‪ ،‬فلمححا جاؤوا لداء الشهادة وتوقححف زياد ولم يؤدهححا‪ ،‬جلد عمححر‬
‫الثلثة المذكورين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاجلدوهم" الجلد الضرب‪ .‬والمجالدة المضاربة في الجلود أو بالجلود؛ ثم استعير‬
‫الجلد لغير ذلك من سيف أو غيره‪ .‬ومنه قول قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫كأن يدي بالسيف محراق لعب‬ ‫أجالدهم يوم الحديقة حاسرا‬
‫"ثمانيحن" نصحب على المصحدر‪" .‬جلدة" تمييحز‪" .‬ول تقبلوا لهحم شهادة أبدا" هذا يقتضحي مدة‬
‫أعمارهم‪ ،‬ثم حكم عليهم بأنهم فاسقون؛ أي خارجون عن طاعة ال عز وجل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل الذيحن تابوا" فحي موضحع نصحب على السحتثناء‪ .‬ويجوز أن يكون فحي موضحع‬
‫خفحض على البدل‪ .‬المعنحى ول تقبلوا لهحم شهادة أبدا إل الذيحن تابوا وأصحلحوا محن بعحد القذف "فإن‬
‫ال غفور رحيححم"‪ .‬فتضمنححت اليححة ثلثححة أحكام فححي القاذف‪ :‬جلده‪ ،‬ورد شهادتححه أبدا‪ ،‬وفسححقه‪.‬‬
‫فالسححتثناء غيححر عامححل فححي جلده بإجماع؛ إل مححا روي الشعححبي على مححا يأتححي‪ .‬وعامححل فححي فسححقه‬
‫بإجماع‪ .‬واختلف الناس فحي عمله فحي رد الشهادة؛ فقال شريحح القاضحي وإبراهيحم النخعحي والحسحن‬
‫البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة‪ :‬ل يعمل الستثناء في رد شهادته‪ ،‬وإنما يزول فسقه عند ال‬
‫تعالى‪ .‬وأمحححا شهادة القاذف فل تقبحححل البتحححة ولو تاب وأكذب نفسحححه ول بحال محححن الحوال‪ .‬وقال‬
‫الجمهور‪ :‬السحتثناء عامحل فححي رد الشهادة‪ ،‬فإذا تاب القاذف قبلت شهادتحه؛ وإنمحا كان ردهححا لعلة‬
‫الفسق فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا قبل الحد وبعده‪ ،‬وهو قول عامة الفقهاء‪ .‬ثم اختلفوا في‬
‫صحورة توبتحه؛ فمذهحب عمحر بحن الخطاب رضحي ال عنحه والشعحبي وغيره‪ ،‬أن توبتحه ل تكون إل‬
‫بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حد فيه‪ .‬وهكذا فعل عمر؛ فإنه قال للذين شهدوا على المغيرة‪:‬‬
‫محن أكذب نفسحه أجزت شهادتحه فيمحا اسحتقبل‪ ،‬ومن لم يفعحل لم أجحز شهادتحه؛ فأكذب الشبحل بحن معبحد‬
‫ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا‪ ،‬وأبى أبو بكرة أن يفعل فكان ل يقبل شهادته‪ .‬وحكى هذا‬
‫القول النحاس عححن أهححل المدينححة‪ .‬وقالت فرقححة ‪ -‬منهححا مالك رحمححه ال تعالى وغيره ‪ : -‬توبتححه أن‬
‫يصلح ويحسن حاله وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب وحسبه الندم على قذفه والستغفار منه وترك‬
‫العود إلى مثله؛ وهحو قول ابحن جريحر‪ .‬ويروى عحن الشعحبي أنحه قال‪ :‬السحتثناء محن الحكام الثلثحة‪،‬‬
‫إذا تاب وظهرت توبتحه لم يححد وقبلت شهادتحه وزال عنحه التفسحيق؛ لنحه قحد صحار ممحن يرضحى محن‬
‫الشهداء؛ وقد قال ال عز وجل‪" :‬وإني لغفار لمن تاب" [طه‪ ]82 :‬الية‪.‬‬
‫@ اختلف علماؤنا رحمهم ال تعالى متى تسقط شهادة القاذف؛ فقال ابن الماجشون‪ :‬بنفس قذفه‪.‬‬
‫وقال ابحن القاسحم وأشهحب وسححنون‪ :‬ل تسحقط حتحى يجلد‪ ،‬فإن منحع محن جلده مانحع عفحو أو غيره لم‬
‫ترد شهادتحه‪ .‬وقال الشيحخ أبحو الحسحن اللخمحي‪ :‬شهادتحه فحي مدة الجحل موقوفحة؛ ورجحح القول بأن‬
‫التوبة إنما تكون بالتكذيب في القذف‪ ،‬وإل فأي رجوع لعدل إن قذف وحد وبقي على عدالته‪.‬‬
‫واختلفوا أيضحا على القول بجواز شهادتحه بعحد التوبحة فحي أي شيحء تجوز؛ فقال مالك رحمحه ال‬
‫تعالى‪ :‬تجوز فحي كحل شيحء مطلقحا؛ وكذلك كحل محن ححد فحي شيحء محن الشياء؛ رواه نافحع وابحن‬
‫عبدالحكحم عحن مالك‪ ،‬وهحو قول ابحن كنانحة‪ .‬وذكحر الوقار عحن مالك أنحه ل تقبحل شهادتحه فيمحا ححد فيحه‬
‫خاصححة‪ ،‬وتقبححل فيمححا سححوى ذلك؛ وهححو قول مطرف وابححن الماجشون‪ .‬وروى العتححبي عححن أصححبغ‬
‫وسححنون مثله‪ .‬قال سححنون‪ :‬محن ححد فحي شيحء محن الشياء فل تجوز شهادتحه فحي مثحل محا ححد فيحه‪.‬‬
‫وقال مطرف وابحن الماجشون‪ :‬محن ححد فحي قذف أو زنحى فل تجوز شهادتحه فحي شيحء محن وجوه‬
‫الزنحححى‪ ،‬ول فحححي قذف ول لعان وإن كان عدل؛ وروياه عحححن مالك‪ .‬واتفقوا على ولد الزنحححى أن‬
‫شهادته ل تجوز في الزنى‪.‬‬
‫@ الستثناء إذا تعقب جمل معطوفة عاد إلى جميعها عند مالك والشافعي وأصحابهما‪ .‬وعند أبي‬
‫حنيفحة وجحل أصححابه يرجحع السحتثناء إلى أقرب مذكور وهحو الفسحق؛ ولهذا ل تقبحل شهادتحه‪ ،‬فإن‬
‫الستثناء راجع إلى الفسق خاصة ل إلى قبول الشهادة‪.‬‬
‫وسبب الخلف في هذا الصل سببان‪ :‬أحدهما‪ :‬هل هذه الجمل في حكم الجملة الواحدة للعطف‬
‫الذي فيهححا‪ ،‬أو لكححل جملة حكححم نفسححها فححي السححتقلل وحرف العطححف محسححن ل مشرك‪ ،‬وهححو‬
‫الصحيح في عطف الجمل؛ لجواز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض‪ ،‬على ما يعرف من‬
‫النحو‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬يشبه الستثناء بالشرط في عوده إلى الجمل المتقدمة‪ ،‬فإنه يعود إلى جميعها عند‬
‫الفقهاء‪ ،‬أو ل يشبحه بحه‪ ،‬لنحه محن باب القياس فحي اللغحة وهحو فاسحد على محا يعرف فحي أصحول الفقحه‪.‬‬
‫والصل أن كل ذلك محتمل ول ترجيح‪ ،‬فتعين ما قال القاضي من الوقف‪ .‬ويتأيد الشكال بأنه قد‬
‫جاء في كتاب ال عز وجل كل المرين؛ فإن آية المحاربة فيها عود الضمير إلى الجميع باتفاق‪،‬‬
‫وآية قتحل المؤمن خطحأ فيها رد السحتثناء إلى الخيرة باتفاق‪ ،‬وآية القذف محتملة للوجهين‪ ،‬فتعين‬
‫الوقف من غير مين‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬وهذا نظر كلي أصولي‪ .‬ويترجح قول مالك والشافعي رحمهما‬
‫ال محن جهحة نظحر الفقحه الجزئي بأن يقال‪ :‬السحتثناء راجحع إلى الفسحق والنهحي عحن قبول الشهادة‬
‫جميعحا إل أن يفرق بيحن ذلك بخحبر يجحب التسحليم له‪ .‬وأجمعحت المحة على أن التوبحة تمححو الكفحر‪،‬‬
‫فيجحب أن يكون محا دون ذلك أولى؛ وال أعلم‪ .‬قال أبحو عبيحد‪ :‬السحتثناء يرجحع إلى الجمحل السحابقة؛‬
‫قال‪ :‬وليس من نسب إلى الزنى بأعظم جرما من مرتكب الزنى‪ ،‬ثم الزاني إذا تاب قبلت شهادته؛‬
‫لن التائب من الذنب كمن ل ذنب له‪ ،‬وإذا قبل ال التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى؛ مع أن‬
‫مثل هذا الستثناء موجود في مواضع من القرآن؛ منها قوله تعالى‪" :‬إنما جزاء الذين يحاربون ال‬
‫ورسوله" [المائدة‪ ]33 :‬إلى قوله "إل الذين تابوا" [المائدة‪ .]34 :‬ول شك أن هذا الستثناء إلى‬
‫الجميححع؛ وقال الزجاج‪ :‬وليححس القاذف بأشححد جرمححا مححن الكافححر‪ ،‬فحقححه إذا تاب وأصححلح أن تقبححل‬
‫شهادتحه‪ .‬قال‪ :‬وقوله "أبدا" أي محا دام قاذفحا؛ كمحا يقال‪ :‬ل تقبحل شهادة الكافحر أبدا؛ فإن معناه محا دام‬
‫كافرا‪ .‬وقال الشعححبي للمخالف فححي هذه المسححألة‪ :‬يقبححل ال توبتححه ول تقبلون شهادتححه! ثححم إن كان‬
‫الستثناء يرجع إلى الجملة الخيرة عند أقوام من الصوليين فقوله‪" :‬وأولئك هم الفاسقون" تعليل‬
‫ل جملة مستقلة بنفسها؛ أي ل تقبلوا شهادتهم لفسقهم‪ ،‬فإذا زال الفسق فلم ل تقبل شهادتهم‪ .‬ثم توبة‬
‫القاذف إكذابحه نفسحه‪ ،‬كمحا قال عمحر لقذفحة المغيرة بحضرة الصححابة محن غيحر نكيحر‪ ،‬محع إشاعحة‬
‫القضيحة وشهرتهحا محن البصحرة إلى الحجاز وغيحر ذلك محن القطار‪ .‬ولو كان تأويحل اليحة محا تأوله‬
‫الكوفيون لم يجز أن يذهب علم ذلك عن الصحابة‪ ،‬ولقالوا لعمر‪ :‬ل يجوز قبول توبة القاذف أبدا‪،‬‬
‫ولم يسعهم السكوت عن القضاء بتحريف تأويل الكتاب؛ فسقط قولهم‪ ،‬وال المستعان‪.‬‬
‫@ قال القشيري‪ :‬ول خلف أنحه إذا لم يجلد القاذف بأن مات المقذوف قبحل أن يطالب القاذف‬
‫بالححد‪ ،‬أو لم يرفحع إلى السحلطان‪ ،‬أو عفحا المقذوف‪ ،‬فالشهادة مقبولة؛ لن عنحد الخصحم فحي المسحألة‬
‫النهي عن قبول الشهادة معطوف على الجلد؛ قال ال تعالى‪" :‬فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم‬
‫شهادة أبدا"‪ .‬وعند هذا قال الشافعي‪ :‬هو قبل أن يحد شر منه حين حد؛ لن الحدود كفارات فكيف‬
‫ترد شهادته في أحسن حاليه دون أخسهما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هكذا قال ول خلف‪ .‬وقد تقدم عن ابن الماجشون أنه بنفس القذف ترد شهادته‪ .‬وهو قول‬
‫الليث والوزاعي والشافعي‪ :‬ترد شهادته وإن لم يحد؛ لنه بالقذف يفسق‪ ،‬لنه من الكبائر فل تقبل‬
‫شهادته حتى تصح براءته بإقرار المقذوف له بالزنى أو بقيام البينة عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأصحلحوا" يريحد إظهار التوبحة‪ .‬وقيحل‪ :‬وأصحلحوا العمحل‪" .‬فإن ال غفور رحيحم"‬
‫حيث تابوا وقبل توبتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 10 - 6 :‬والذيحن يرمون أزواجهحم ولم يكحن لهحم شهداء إل أنفسحهم فشهادة أحدهحم‬
‫أربحع شهادات بال إنحه لمحن الصحادقين‪ ،‬والخامسحة أن لعنحة ال عليحه إن كان محن الكاذبيحن‪ ،‬ويدرأ‬
‫عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين‪ ،‬والخامسة أن غضب ال عليها إن كان‬
‫من الصادقين‪ ،‬ولول فضل ال عليكم ورحمته وأن ال تواب حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم" "أنفسهم" بالرفع على البدل‪ .‬ويجوز النصب على‬
‫الستثناء‪ ،‬وعلى خبر "يكن"‪" .‬فشهادة أحدهم أربع شهادات" بالرفع قراءة الكوفيين على البتداء‬
‫والخبر؛ أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات‪ .‬وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو‬
‫"أربع" بالنصب؛ لن معنى "فشهادة" أن يشهد؛ والتقدير‪ :‬فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات‪،‬‬
‫أو فالمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات؛ ول خلف في الثاني أنه منصوب بالشهادة‪" .‬والخامسة"‬
‫رفحع بالبتداء‪ .‬والخحبر "أن" وصحلتها؛ ومعنحى المخففحة كمعنحى المثقلة لن معناهحا أنحه‪ .‬وقرأ أبحو‬
‫عبدالرحمححن وطلحححة وعاصححم فححي روايححة حفححص "والخامسححة" بالنصححب‪ ،‬بمعنححى وتشهححد الشهادة‬
‫الخامسة‪ .‬الباقون بالرفع على البتداء‪ ،‬والخبر في "أن لعنة ال عليه"؛ أي والشهادة الخامسة قول‬
‫لعنة ال عليه‪.‬‬
‫@ فحي سحبب نزولهحا‪ ،‬وهحو محا رواه أبحو داود عحن ابحن عباس أن هلل بحن أميحة قذف امرأتحه عنحد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم بشريك بن سحماء؛ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬البينة أو حد في‬
‫ظهرك) قال‪ :‬يحا رسحول ال‪ ،‬إذا رأى أحدنحا رجل على امرأتحه يلتمحس البينحة فجعحل النحبي صحلى ال‬
‫عليه وسلم يقول‪( :‬البينة وإل حد في ظهرك) فقال هلل‪ :‬والذي بعثك بالحق إني لصادق‪ ،‬ولينزلن‬
‫ال فحي أمري محا يحبرئ ظهري محن الححد؛ فنزلت "والذيحن يرمون أزواجهحم ولم يكحن لهحم شهداء إل‬
‫أنفسحهم" فقرأ حتحى بلغ "محن الصحادقين الحديحث بكماله‪ .‬وقيحل‪ :‬لمحا نزلت اليحة المتقدمحة فحي الذيحن‬
‫يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الزواج وغيرهم قال سعد بن معاذ‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إن وجدت‬
‫مع امرأتي رجل أمهله حتى آتي بأربعة وال لضربنه بالسيف غير مصفح عنه‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬أتعجبون محن غيرة سحعد لنحا أغيحر منحه وال أغيحر منحي)‪ .‬وفحي ألفاظ سحعد‬
‫روايات مختلفة‪ ،‬هذا نحو معناها‪ .‬ثم جاء من بعد ذلك هلل بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك‬
‫بن سحماء البلوي على ما ذكرنا‪ ،‬وعزم النبي صلى ال عليه وسلم على ضربه حد القذف؛ فنزلت‬
‫هذه الية عنحد ذلك‪ ،‬فجمعهما رسحول ال صلى ال عليه وسحلم فحي المسحجد وتلعنا‪ ،‬فتلكأت المرأة‬
‫عند الخامسة لما وعظت وقيل إنها موجبة؛ ثم قالت‪ :‬ل أفضح قومي سائر اليوم؛ فالتعنت وفرق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما‪ ،‬وولدت غلما كأنه جمل أورق ‪ -‬على النعت المكروه ‪ -‬ثم‬
‫كان الغلم بعحد ذلك أميرا بمصحر‪ ،‬وهحو ل يعرف لنفسحه أبحا‪ .‬وجاء أيضحا عويمحر العجلنحي فرمحى‬
‫امرأتحه ولعحن‪ .‬والمشهور أن نازلة هلل كانحت قبحل‪ ،‬وأنهحا سحبب اليحة‪ .‬وقيحل‪ :‬نازلة عويمحر بحن‬
‫أشقححر كانححت قبححل؛ وهححو حديححث صحححيح مشهور خرجححه الئمححة قال أبححو عبدال بححن أبححي صححفرة‪:‬‬
‫الصححيح أن القاذف لزوجحه عويمحر‪ ،‬وهلل بحن أميحة خطحأ‪ .‬قال الطحبري يسحتنكر قوله فحي الحديحث‬
‫هلل بن أمية‪ :‬وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد بن العجلني‪ ،‬شهد أحدا مع النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬رماها بشريك بن السحماء‪ ،‬والسحماء أمه؛ قيل لها ذلك لسوادها‪ ،‬وهو ابن عبدة بن‬
‫الجد بن العجلني؛ كذلك كان يقول أهل الخبار‪ .‬وقيل‪ :‬قرأ النبي صلى ال عليه وسلم على الناس‬
‫في الخطبة يوم الجمعة "والذين يرمون المحصنات" فقال عاصم بن عدي النصاري‪ :‬جعلني ال‬
‫فداك لو أن رجل منحا وجحد على بطححن امرأتححه رجل؛ فتكلم فأخحبر بمححا جرى جلد ثمانيحن‪ ،‬وسحماه‬
‫المسحلمون فاسحقا فل تقبحل شهادتحه؛ فكيحف لحدنحا عنحد ذلك بأربعحة شهداء‪ ،‬وإلى أن يلتمحس أربعحة‬
‫شهود فقحد فرغ الرجحل محن حاجتحه فقال عليحه السحلم‪( :‬كذلك أنزلت يحا عاصحم بحن عدي)‪ .‬فخرج‬
‫عاصم سامعا مطيعا؛ فاستقبله هلل بن أمية يسترجع؛ فقال‪ :‬ما وراءك؟ فقال‪ :‬شر وجدت شريك‬
‫بحن السححماء على بطحن امرأتحي خولة يزنحي بهحا؛ وخولة هذه بنحت عاصحم بحن عدي‪ ،‬كذا فحي هذا‬
‫الطريق أن الذي وجد مع امرأته شريكا هو هلل بن أمية‪ ،‬والصحيح خلفه حسبما تقدم بيانه‪ .‬قال‬
‫الكلبي‪ :‬والظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكا عويمر العجلني؛ لكثرة ما روي أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم لعن بين العجلني وامرأته‪ .‬واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك بن عبدة وأمه‬
‫السححماء‪ ،‬وكان عويمحر وخولة بنحت قيحس وشريحك بنحي عحم عاصحم‪ ،‬وكانحت هذه القصحة فحي شعبان‬
‫سححنة تسححع مححن الهجرة‪ ،‬منصححرف رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم مححن تبوك إلى المدينححة؛ قال‬
‫الطحبري‪ .‬وروى الدارقطنحي عحن عبدال بحن جعفحر قال‪ :‬حضرت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‬
‫حين لعن بين عويمر العجلني وامرأته‪ ،‬مرجع رسول ال صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك‪،‬‬
‫وأنكحر حملهحا الذي فحي بطنهحا وقال هحو لبحن السححماء؛ فقال له رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪:‬‬
‫(هات امرأتك فقد نزل القرآن فيكما)؛ فلعن بينهما بعد العصر عند المنبر على خمل‪ .‬في طريقه‬
‫الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس قال‪ :‬سمعت عبدال بن جعفر يقول‪......‬‬
‫فذكره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيحن يرمون أزواجهحم" عام فحي كحل رمحي‪ ،‬سحواء قال‪ :‬زنيحت أو يحا زانيحة أو‬
‫رأيتهححا تزنححي‪ ،‬أو هذا الولد ليححس منححي؛ فإن اليححة مشتملة عليححه‪ .‬ويجححب اللعان إن لم يأت بأربعححة‬
‫شهداء؛ وهذا قول جمهور العلماء وعامحة الفقهاء وجماعحة أهحل الحديحث‪ .‬وقحد روي عحن مالك مثحل‬
‫ذلك‪ .‬وكان مالك يقول‪ :‬ل يلعن إل أن يقول‪ :‬رأيتك تزني؛ أو ينفي حمل أو ولدا منها‪ .‬وقول أبي‬
‫الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك‪ :‬إن الملعنة ل تجب بالقذف وإنما تجب بالرؤية أو‬
‫نفي الحمل مع دعوى الستبراء؛ هذا هو المشهور عند مالك‪ ،‬وقاله ابن القاسم‪ .‬والصحيح‪ .‬الول‬
‫لعموم قوله‪" :‬والذيححن يرمون أزواجهححم"‪ .‬قال ابححن العربححي‪ :‬وظاهححر القرآن يكفححي ليجاب اللعان‬
‫بمجرد القذف من غير رؤية؛ فلتعولوا عليه‪ ،‬ل سيما وفي الحديث الصحيح‪ :‬أرأيت رجل وجد مع‬
‫امرأته رجل؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬فاذهب فأت بها) ولم يكلفه ذكر الرؤية‪ .‬وأجمعوا‬
‫أن العمحى يلعحن إذا قذف امرأتحه‪ .‬ولو كانحت الرؤيحة محن شرط اللعان محا لعحن العمحى؛ قاله ابن‬
‫عمحر رضحي ال عنهحم‪ .‬وقحد ذكحر ابحن القصحار عحن مالك أن لعان العمحى ل يصحح إل أن يقول‪:‬‬
‫لمسحت فرجحه فحي فرجهحا‪ .‬والحجحة لمالك ومحن اتبعحه محا رواه أبحو داود عحن ابحن عباس رضحي ال‬
‫عنهمحا قال‪ :‬جاء هلل بحن أميحة وهحو أححد الثلثحة الذيحن تيحب عليهحم‪ ،‬فجاء محن أرضحه عشاء فوجحد‬
‫عنحد أهله رجل‪ ،‬فرأى بعينحه وسحمع بأذنحه فلم يهجه حتحى أصحبح‪ ،‬ثم غدا على رسول ال صحلى ال‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجل‪ ،‬فرأيت بعيني وسمعت‬
‫بأذنححي فكره رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم مححا جاء بححه واشتححد عليححه؛ فنزلت "والذيححن يرمون‬
‫أزواجهحم ولم يكحن لهحم شهداء إل أنفسحهم" اليحة؛ وذكحر الحديحث‪ .‬وهحو نحص على أن الملعنحة التحي‬
‫قضحى فيهحا رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إنمحا كانحت فحي الرؤيحة‪ ،‬فل يجحب أن يتعدى ذلك‪ .‬ومحن‬
‫قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد؛ لعموم قوله تعالى‪" :‬والذين يرون المحصنات"‪.‬‬
‫@ إذا نفى الحمل فإنه يلتعن؛ لنه أقوى من الرؤية ول بد من ذكر عدم الوطء والستبراء بعده‪.‬‬
‫واختلف علماؤنحا فحي السحتبراء؛ فقال المغيرة ومالك أححد قوليهمحا‪ :‬يجزى فحي ذلك حيضحة‪ .‬وقال‬
‫مالك أيضحا‪ :‬ل ينفيحه إل بثلث حيحض‪ .‬والصححيح الول؛ لن براءة الرححم محن الشغحل يقحع بهحا كمحا‬
‫في استبراء المة‪ ،‬وإنما راعينا الثلث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلق إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة‪ :‬ل يُنفى الولد بالستبراء؛ لن الحيض يأتي على‬
‫الحمحل‪ .‬وبحه قال أشهحب فحي كتاب ابحن المواز‪ ،‬وقاله المغيرة‪ .‬وقال‪ :‬ل ينفحى الولد إل بخمحس سحنين‬
‫لنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم‪.‬‬
‫@ اللعان عندنحا يكون فحي كحل زوجيحن حريحن كانحا أو عبديحن‪ ،‬مؤمنيحن أو كافريحن‪ ،‬فاسحقين أو‬
‫عدليحن‪ .‬وبحه قال الشافعحي‪ .‬ول لعان بيحن الرجحل وأمتحه‪ ،‬ول بينحه وبيحن أم ولده‪ .‬وقيحل‪ :‬ل ينتفحي ولد‬
‫المححة عنححه إل بيميححن واحدة؛ بخلف اللعان‪ .‬وقححد قيححل‪ :‬إنححه إذا نفححى ولد أم الولد لعححن‪ .‬والول‬
‫تحصححيل مذهححب مالك وهححو الصححواب‪ .‬وقال أبححو حنيفححة‪ :‬ل يصححح اللعان إل مححن زوجيححن حريححن‬
‫مسحلمين؛ وذلك لن اللعان عنده شهادة‪ ،‬وعندنحا وعنحد الشافعحي يميحن‪ ،‬فكحل محن صححت يمينحه صحح‬
‫قذفحه ولعانحه‪ .‬واتفقوا على أنحه ل بحد أن يكونحا مكلفيحن‪ .‬وفحي قوله‪" :‬وجحد محع امرأتحه رجل"‪ .‬دليحل‬
‫على أن الملعنحة تجحب على كحل زوجيحن؛ لنحه لم يخحص رجل محن رجحل ول امرأه محن امرأة‪،‬‬
‫ونزلت آيحة اللعان على هذا الجواب فقال‪" :‬والذيحن يرمون أزواجهحم" ولم يخحص زوجحا محن زوج‪.‬‬
‫وإلى هذا ذهحب مالك وأهحل المدينحة؛ وهحو قول الشافعحي وأحمحد وإسححاق وأبحي عبيحد وأبحي ثور‪.‬‬
‫وأيضحا فإن اللعان يوجحب فسحخ النكاح فأشبحه الطلق؛ فكحل محن يجوز طلقحه يجوز لعانحه‪ .‬واللعان‬
‫أيمان ل شهادات؛ قال ال تعالى وهححو أصححدق القائليححن‪" :‬لشهادتنححا أحححق مححن شهادتهمححا" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ]107‬أي أيماننا‪ .‬وقال تعالى‪" :‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إن لرسول ال" [المنافقون‪.]1 :‬‬
‫ثحم قال تعالى‪" :‬اتخذوا أيمانهحم جنحة" [المجادلة‪ .]16 :‬وقال عليحه السحلم‪( :‬لول اليمان لكان لي‬
‫ولها شأن)‪ .‬وأما ما احتج به الثوري وأبو حنيفة فهي حجج ل تقوم على ساق؛ منها حديث عمرو‬
‫بحن شعيحب عحن أبيحه عحن جده عبدال بحن عمرو قال‪ :‬قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬أربعحة‬
‫ليححس بينهححم لعان ليححس بيحن الحححر والمحة لعان وليححس بيححن الحرة والعبححد لعان وليححس بيححن المسححلم‬
‫واليهوديحة لعان وليحس بيحن المسحلم والنصحرانية لعان)‪ .‬أخرجحه الدارقطنحي محن طرق ضعفهحا كلهحا‪.‬‬
‫وروي عن الوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله‪ ،‬ولم‬
‫يرفعحه إلى النبي صحلى ال عليه وسحلم‪ .‬واحتجوا من جهة النظحر أن الزواج لمحا استثنوا من جملة‬
‫الشهداء بقول‪" :‬ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم" وجب أل يلعن إل من تجوز شهادته‪ .‬وأيضا فلو‬
‫كانحت يمينحا محا رددت‪ ،‬والحكمحة فحي ترديدهحا قيامهحا فحي العداد مقام الشهود فحي الزنحى‪ .‬قلنحا‪ :‬هذا‬
‫يبطل بيمين القسامة فإنها تكرر وليست بشهادة إجماعا؛ والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج‬
‫والدماء‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والفيصل في أنها يمين ل شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه‬
‫وتخليصه من العذاب‪ ،‬وكيف يجوز لحد أن يدعي في الشريعة أن شاهدا يشهد لنفسه بما يوجب‬
‫حكما على غيره هذا بعيد في الصل معدوم في النظر‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فحي ملعنحة الخرس؛ فقال مالك والشافعحي‪ :‬يلعحن؛ لنحه ممحن يصحح طلقحه‬
‫وظهاره وإيلؤه‪ ،‬إذا فهحم ذلك عنحه‪ .‬وقال أبحو حنيفحة‪ :‬ل يلعحن؛ لنحه ليحس محن أهحل الشهادة‪ ،‬ولنحه‬
‫قحد ينطحق بلسحانه فينكر اللعان‪ ،‬فل يمكننحا إقامة الححد عليه‪ .‬وقحد تقدم هذا المعنى فحي سحورة [مريحم]‬
‫والدليل عليه‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬رأى أبو حنيفة عموم الية فقال‪ :‬إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنى قبل أن‬
‫يتزوجهحا فإنحه يلعحن؛ ونسحي أن ذلك قحد تضمنحه قوله تعالى‪" :‬والذيحن يرمون المحصحنات" وهذا‬
‫رماها محصنة غير زوجة؛ وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب‪ ،‬وهذا قذف ل يلحق فيه‬
‫نسب فل يوجب لعانا‪ ،‬كما لو قذف أجنبية‪.‬‬
‫@ إذا قذفها بعد الطلق نظرت؛ فإن كان هنالك نسب يريد أن ينفيه أو حمل يتبرأ منه لعن وإل‬
‫لم يلعحن‪ .‬وقال عثمان البتحي‪ :‬ل يلعحن بحال لنهحا ليسحت بزوجحة‪ .‬وقال أبحو حنيفحة‪ :‬ل يلعحن فحي‬
‫الوجهيحن؛ لنهحا ليسحت بزوج‪ .‬وهذا ينتقحض عليحه بالقذف قبحل الزوجيحة كمحا ذكرناه آنفحا‪ ،‬بحل هذا‬
‫أولى؛ لن النكاح قد تقدم وهو يري النتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فل بد من اللعان‪.‬‬
‫وإذا لم يكحن هنالك حمحل يرجحى ول نسحب يخاف تعلقحه لم يكحن للعان فائدة فلم يحكحم بحه وكان قذفحا‬
‫مطلقا داخل تحت عموم قوله تعالى‪" :‬والذين يرمون المحصنات" الية‪ ،‬فوجب عليه الحد وبطل‬
‫ما قال البتي لظهور فساده‪.‬‬
‫@ ل ملعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إل في مسألة واحدة‪ ،‬وهي أن يكون الرجل‬
‫غائبحا فتأتحي امرأتحه بولد فحي مغيبحه وهحو ل يعلم فيطلقهحا فتنقضحي عدتهحا‪ ،‬ثحم يقدم فينفيحه فله أن‬
‫يلعنها ها هنا بعد العدة‪ .‬وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفي الولد لعن لنفسه وهي ميتة بعد مدة من‬
‫العدة‪ ،‬ويرثها لنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما‪.‬‬
‫@ إذا انتفى من الحمل ووقع ذلك بشرطه لعن قبل الوضع؛ وبه قال الشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫ل يلعن إل بعد أن تضع‪ ،‬لنه يحتمل أن يكون ريحا أو داء من الدواء‪ .‬ودليلنا النص الصريح‬
‫بأن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم لعحن قبحل الوضحع‪ ،‬وقال‪( :‬إن جاءت بحه كذا فهحو لبيحه وإن جاءت‬
‫به كذا فهو لفلن) فجاءت به على النعت المكروه‪.‬‬
‫@ إذا قذف بالوطء في الدبر [لزوجه] لعن‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يلعن؛ وبناه على أصله في أن‬
‫اللواط ل يوجحب الححد‪ .‬وهذا فاسحد؛ لن الرمحي بحه فيحه معرة وقحد دخحل تححت عموم قوله تعالى‪:‬‬
‫"والذين يرمون أزواجهم" وقد تقدم في "العراف والمؤمنون] أنه يجب به الحد‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬من غريب أمر هذا الرجل أنه قال إذا قذف زوجته وأمها بالزنى‪ :‬إنه إن حد‬
‫للم سقط حد البنت‪ ،‬وإن لعن للبنت لم يسقط حد الم؛ وهذا ل وجه له‪ ،‬وما رأيت لهم فيه شيئا‬
‫يحكحى‪ ،‬وهذا باطحل جدا؛ فإنحه خحص عموم اليحة فحي البنحت وهحي زوجحة بححد الم محن غيحر أثحر ول‬
‫أصل قاسه عليه‪.‬‬
‫@ إذا قذف زوجته ثحم زنحت قبحل التعانحه فل ححد ول لعان‪ .‬وبهذا قال أبحو حنيفحة والشافعحي وأكثحر‬
‫أهل العلم‪ .‬وقال الثوري والمزني‪ :‬ل يسقط الحد عن القاذف‪ ،‬وزنى المقذوف بعد أن قذف ل يقدح‬
‫فحي حصحانته المتقدمحة ول يرفعهحا؛ لن العتبار الحصحانة والعفحة فحي حال القذف ل بعده‪ .‬كمحا لو‬
‫قذف مسلما فارتد المقذوف بعد القذف وقبل أن يحد القاذف لم يسقط الحد عنه‪ .‬وأيضا فإن الحدود‬
‫كلها معتبرة بوقت الوجوب ل وقت القامة‪ .‬ودليلنا هو أنه قد ظهر قبل استيفاء اللعان والحد معنى‬
‫لو كان موجودا في البتداء منع صحة اللعان ووجوب الحد فكذلك إذا طرأ في الثاني؛ كما إذا شهد‬
‫شاهدان ظاهرهمحا العدالة فلم يحكحم الحاكحم بشهادتهمحا حتحى ظهحر فسحقهما بأن زنيحا أو شربحا خمرا‬
‫فلم يجحز للحاكحم أن يحكحم بشهادتهمحا تلك‪ .‬وأيضحا فإن الحكحم بالعفحة والحصحان يؤخحذ محن طريحق‬
‫الظاهحر ل محن حيحت القطحع واليقيحن‪ ،‬وقحد قال عليحه السحلم‪( :‬ظهحر المؤمحن حمحى)؛ فل يححد القاذف‬
‫إل بدليل قاطع‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@ محن قذف امرأتحه وهحي كحبيرة ل تحمحل تلعنحا؛ هحو لدفحع الححد‪ ،‬وهحي لدرء العذاب‪ .‬فإن كانحت‬
‫صحغيرة ل تحمحل لعحن هحو لدفحع الححد ولم تلعحن هحي لنهحا لو أقرت لم يلزمهحا شيحء‪ .‬وقال ابحن‬
‫الماجشون‪ :‬ل ححد على قاذف محن لم تبلغ‪ .‬قال اللخمحي‪ :‬فعلى هذا ل لعان على زوج الصحغيرة التحي‬
‫ل تحمل‪.‬‬
‫@ إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن الزوج يلعن وتحد الشهود الثلثة؛ وهو‬
‫أححد قولي الشافعحي‪ .‬والقول الثانحي أنهحم ل يحدون‪ .‬وقال أبحو حنيفحة‪ :‬إذا شهحد الزوج والثلثحة ابتداء‬
‫قبلت شهادتهم وحدت المرأة‪ .‬ودليلنا قوله تعالى‪" :‬والذين يرمون المحصنات" الية‪ .‬فأخبر أن من‬
‫قذف محصحنا ولم يأت بأربعحة شهداء ححد؛ فظاهره يقتضحي أن يأتحي بأربعحة شهداء سحوى الرامحي‪،‬‬
‫والزوج رام لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته‪ .‬وقال شريح ومجاهد‪ :‬له أن‬
‫ينفيه أبدا‪ .‬وهذا خطأ؛ لن سكوته بعد العلم به رضى به؛ كما لو أقر به ثم ينفيه فإنه ل يقبل منه‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@ فإن أخحر ذلك إلى أن وضعحت وقال‪ :‬رجوت أن يكون ريححا يفحش أو تسحقطه فأسحتريح محن‬
‫القذف؛ فهل لنفيه بعد وضعه مدة ما فإذا تجاوزها لم يكن له ذلك؛ فقد اختلف في ذلك‪ ،‬فنحن نقول‪:‬‬
‫إذا لم يكححن له عذر فححي سححكوته حتححى مضححت ثلثححة أيام فهححو راض بححه ليححس له نفيححه؛ وبهذا قال‬
‫الشافعي‪ .‬وقال أيضا‪ :‬متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة تمكنه من الحاكم فلم يفعل لم يكن له‬
‫نفيه من بعد ذلك‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل أعتبر مدة‪ .‬وقال أبو يوسف ومحمد‪ :‬يعتبر فيه أربعون يوما‪،‬‬
‫مدة النفاس‪ .‬قال ابن القصار‪ :‬والدليل لقولنا هو أن نفي ولده محرم عليه‪ ،‬واستلحاق ولد ليس منه‬
‫محرم عليه‪ ،‬فل بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه ويفكر‪ ،‬هل يجوز له نفيه أو ل‪ .‬وإنما جعلنا الحد‬
‫ثلثحة لنحه أول ححد الكثرة وآخحر ححد القلة‪ ،‬وقحد جعلت ثلثحة أيام يختحبر بهحا حال المصحراة؛ فكذلك‬
‫ينبغححي أن يكون هنححا‪ .‬وأمححا أبححو يوسححف ومحمححد فليححس اعتبارهححم بأولى مححن اعتبار مدة الولدة‬
‫والرضاع؛ إذ ل شاهد لهم في الشريعة‪ ،‬وقد ذكرنا نحن شاهدا في الشريعة من مدة المصراة‪.‬‬
‫@ قال ابحن القصحار‪ :‬إذا قالت امرأة لزوجهحا أو لجنحبي يحا زانيحه ‪ -‬بالهاء ‪ -‬وكذلك الجنحبي‬
‫لجنحبي‪ ،‬فلسحت أعرف فيحه نصحا لصححابنا‪ ،‬ولكنحه عندي يكون قذفحا وعلى قائله الححد‪ ،‬وقحد زاد‬
‫حرفا‪ ،‬وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن‪ .‬وقال أبو حنيفة وأبو يوسف‪ :‬ل يكون قذفا‪ .‬واتفقوا أنه‬
‫إذا قال لمرأته يا زان أنه قذف‪ .‬والدليل على أنه يكون في الرجل قذفا هو أن الخطاب إذا فهم منه‬
‫معناه ثبت حكمه‪ ،‬سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي‪ .‬أل ترى أنه إذا قال للمرأة زنيت (بفتح التاء)‬
‫كان قذفا؛ لن معناه يفهم منه‪ ،‬ولبي حنيفة وأبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب‬
‫المذكر لقوله تعالى‪" :‬وقال نسوة" صلح أن يكون قول يا زان للمؤنث قذفا‪ .‬ولما لم يجز أن يؤنث‬
‫فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫يلعن في النكاح الفاسد زوجته لنها صارت فراشا ويلحق النسب فيه فجرى اللعان عليه‪.‬‬
‫@ اختلفوا في الزوج إذا أبى من اللتعان؛ فقال أبو حنيفة‪ :‬ل حد عليه؛ لن ال تعالى جعل على‬
‫الجنححبي الحححد وعلى الزوج اللعان‪ ،‬فلمححا لم ينتقححل اللعان إلى الجنححبي لم ينتقححل الحححد إلى الزوج‪،‬‬
‫ويسجن أبدا حتى يلعن لن الحدود ل تؤخر قياسا‪ .‬وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء‪ :‬إن لم‬
‫يلتعحن الزوج ححد؛ لن اللعان له براءة كالشهود للجنحبي‪ ،‬فإن لم يأت الجنحبي بأربعحة شهداء ححد‪،‬‬
‫فكذلك الزوج إن لم يلتعححن‪ .‬وفحي حديحث العجلنححي محا يدل على هذا؛ لقوله‪ :‬إن سححكت سحكت على‬
‫ت جُلدت‪.‬‬
‫ت قُتلت وإن نطق ُ‬
‫غيظ وإن قتل ُ‬
‫واختلفوا أيضحا هحل للزوج أن يلعحن محع شهوده؛ فقال مالك والشافعحي‪ :‬يلعحن كان له شهود أو‬
‫لم يكن؛ لن الشهود ليس لهم عمل في غير درء الحد‪ ،‬وأما رفع الفراش ونفي الولد فل بد فيه من‬
‫اللعان‪ .‬وقال أبحو حنيفحة وأصححابه‪ :‬إنمحا جعحل اللعان للزوج إذا لم يكحن له شهود غيحر نفسحه؛ لقوله‬
‫تعالى‪" :‬ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم"‪.‬‬
‫البداءة في اللعان بما بدأ ال به‪ ،‬وهو الزوج؛ وفائدته درء الحد عنه ونفي النسب منه؛ لقوله عليه‬
‫السحلم‪( :‬البينحة وإل ححد فحي ظهرك)‪ .‬ولو بدئ بالمرأة قبله لم يجحز لنحه عكحس محا رتبحه ال تعالى‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬يجزى‪ .‬وهذا باطل؛ لنه خلف القرآن‪ ،‬وليس له أصل يرده إليه ول معنى يقوى‬
‫به‪ ،‬بل المعنى لنا؛ لن المرأة إذا بدأت باللعان فتنفي ما لم يثبت وهذا ل وجه له‪.‬‬
‫@ وكيفيحة اللعان أن يقول الحاكحم للملعحن‪ :‬قحل أشهحد بال لرأيتهحا تزنحي ورأيحت فرج الزانحي فحي‬
‫فرجهحا كالمرود فحي المكحلة ومحا وطئتهحا بعحد رؤيتحي‪ .‬وإن شئت فلت‪ :‬لقحد زنحت ومحا وطئتهحا بعحد‬
‫زناهحا‪ .‬يردد محا شاء محن هذيحن اللفظيحن أربحع مرات‪ ،‬فإن نكحل عحن هذه اليمان أو عحن شيحء منهحا‬
‫ححد‪ .‬وإذا نفحى حمل قال‪ :‬أشهحد بال لقحد اسحتبرأتها ومحا وطئتهحا بعحد‪ ،‬ومحا هذا الحمحل منحي‪ ،‬ويشيحر‬
‫إليه؛ فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها‪ :‬وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها‪.‬‬
‫ثم يقول في الخامسة‪ :‬علي لعنة ال إن كنت من الكاذبين‪ ،‬وإن شاء قال‪ :‬إن كنت كاذبا فيما ذكرت‬
‫عنها‪ .‬فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد‪ .‬فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده‬
‫فحلفحت بال أربعحة أيمان‪ ،‬تقول فيهحا‪ :‬أشهحد بال إنحه لكاذب أو إنحه لمحن الكاذبيحن فيمحا ادعاه علي‬
‫وذكحر عنحي‪ .‬وإن كانحت حامل قالت‪ :‬وإن حملي هذا منحه‪ .‬ثحم تقول فحي الخامسحة‪ :‬وعلي غضحب ال‬
‫إن كان صحادقا‪ ،‬أو إن كان محن الصحادقين فحي قول ذلك‪ .‬ومحن أوجحب اللعان بالقذف يقول فحي كحل‬
‫شهادة محن الربحع‪ :‬أشهحد بال إنحي لمحن الصحادقين فيمحا رميحت بحه فلنحة محن الزنححى‪ .‬ويقول فحي‬
‫الخامسة‪ :‬علي لعنة ال إن كنحت كاذبحا فيما رميت به من الزنحى‪ .‬وتقول هحي‪ :‬أشهحد بال إنه لكاذب‬
‫فيما رماني به من الزنى‪ .‬وتقول في الخامسة‪ :‬علي غضب ال إن كان صادقا فيما رماني به من‬
‫الزنحى‪ .‬وقال الشافعحي‪ :‬يقول الملعحن أشهحد بال إنحي لمحن الصحادقين فيمحا رميحت بحه زوجحي فلنحة‬
‫بنحت فلن‪ ،‬ويشيحر إليهحا إن كانحت حاضرة‪ ،‬يقول ذلك أربحع مرات‪ ،‬ثحم يوعظحه المام ويذكره ال‬
‫تعالى ويقول‪ :‬إنحي أخاف إن لم تكحن صحدقت أن تبوء بلعنحة ال؛ فإن رآه يريحد أن يمضحي على ذلك‬
‫أمر من يضع يده على فيه‪ ،‬ويقول‪ :‬إن قولك وعلي لعنة ال إن كنت من الكاذبين موجبا؛ فإن أبى‬
‫تركه يقول ذلك‪ :‬لعنة ال علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلنة من الزنى‪ .‬احتج بما رواه‬
‫أبحو داود عحن ابحن عباس أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أمحر رجل حيحث أمحر المتلعنيحن أن‬
‫يضع يده على فيه عند الخامسة يقول‪ :‬إنها موجبة‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه‪ ،‬هل يحد أم ل؛ فقال مالك‪ :‬عليه اللعان‬
‫لزوجتحه‪ ،‬وححد للمرمحي‪ .‬وبحه قال أبحو حنيفحة؛ لنحه قاذف لمحن لم يكحن له ضرورة إلى قذفحه‪ .‬وقال‬
‫الشافعحي‪ :‬ل ححد عليحه؛ لن ال عحز وجحل لم يجعحل على محن رمحى زوجتحه بالزنحى إل حدا واحدا‬
‫بقول‪" :‬والذين يرمون أزواجهم"‪ ،‬ولم يفرق بين من ذكر رجل بعينه وبين من لم يذكر؛ وقد رمى‬
‫العجلنحي زوجتحه بشريحك وكذلك هلل بحن أميحة؛ فلم يححد واححد منهمحا‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬وظاهحر‬
‫القرآن لنحا؛ لن ال تعالى وضحع الححد فحي قذف الجنحبي والزوجحة مطلقيحن‪ ،‬ثحم خحص ححد الزوجحة‬
‫بالخلص باللعان وبقي الجنبي على مطلق الية‪ .‬وإنما لم يحد العجلني لشريك ول هلل لنه لم‬
‫يطلبه؛ وحد القذف ل يقيمه المام إل بعد المطالبة إجماعا منا ومنه‪.‬‬
‫@ إذا فرغ المتلعنان محن تلعنهمحا جميعحا تفرقحا وخرج كحل واححد منهمحا على باب محن المسحجد‬
‫الجامحع غيحر الباب الذي يخرج منحه صحاحبه‪ ،‬ولو خرجحا محن باب واححد لم يضحر ذلك لعانهمحا‪ .‬ول‬
‫خلف فحي أنحه ل يكحن اللعان إل فحي مسحجد جامحع تجمحع فيحه الجمعحة بحضرة السحلطان أو محن يقوم‬
‫مقامحه محن الحكام‪ .‬وقحد اسحتحب جماعحة محن أهحل العلم أن يكون اللعان فحي الجامحع بعحد العصحر‪.‬‬
‫وتلتعحن النصحرانية محن زوجهحا المسحلم فحي الموضحع الذي تعظمحه محن كنيسحتها مثحل محا تلتعحن بحه‬
‫المسلمة‪.‬‬
‫@ قال مالك أصحابه‪ :‬وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلعنين‪ ،‬فل يجتمعان أبدا ول يتوارثان‪،‬‬
‫ول يحححل له مراجعتهححا أبدا ل قبححل زوج ول بعده؛ وهححو قول الليححث بححن سححعد وزفححر بححن الهذيححل‬
‫والوزاعي‪ .‬وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن‪ :‬ل تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان‬
‫حتى يفرق الحاكم بينهما؛ وهو قول الثوري؛ لقول ابن عمر‪ :‬فرق رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بين المتلعنين؛ فأضاف الفرقة إليه‪ ،‬ولقوله عليه السلم‪( :‬ل سبيل لك عليها)‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إذا‬
‫أكمل الزوج الشهادة واللتعان فقد زال فراش امرأته‪ ،‬التعنت أو لم تلتعن‪ .‬قال‪ :‬وأما التعان المرأة‬
‫فإنمحا هحو لدرء الححد عنهحا ل غيحر؛ وليحس للتعانهحا فحي زوال الفراش معنحى‪ .‬ولمحا كان لعان الزوج‬
‫ينفحي الولد ويسحقط الححد رفحع الفراش‪ .‬وكان عثمان البتحي ل يرى التلعحن ينقحص شيئا محن عصحمة‬
‫الزوجيححن حتححى يطلق‪ .‬وهذا قول لم يتقدمححه إليححه أحححد مححن الصحححابة؛ على أن البتححي قححد اسححتحب‬
‫للملعحن أن يطلق بعحد اللعان‪ ،‬ولم يسحتحسنه قبحل ذلك؛ فدل على أن اللعان عنده قحد أحدث حكمحا‪.‬‬
‫وبقول عثمان قال جابر بحن زيحد فيمحا ذكره الطحبري‪ ،‬وحكاه اللخمحي عحن محمحد بحن أبحي صحفرة‪.‬‬
‫ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة‪ .‬واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب ال‬
‫تعالى إذا لعحن أو لعنحت يجحب وقوع الفرقحة‪ ،‬وبقول عويمحر‪ :‬كذبحت عليهحا إن أمسحكتها؛ فطلقهحا‬
‫ثلثحا‪ ،‬قال‪ :‬ولم ينكحر النحبي صحلى ال عليحه وسحلم ذلك عليحه ولم يقحل له لم قلت هذا‪ ،‬وأنحت ل تحتاج‬
‫إليه؛ لن باللعان قد طلقت‪ .‬والحجة لمالك في المشهور ومن وافقه قوله عليه السلم‪( :‬ل سبيل لك‬
‫عليهحا)‪ .‬وهذا إعلم منحه أن تمام اللعان رفحع سحبيله عنهحا وليحس تفريقحه بينهمحا باسحتئناف حكحم وإنمحا‬
‫كان تنفيذا لما أوجب ال تعالى بينهما من المباعدة‪ ،‬وهو معنى اللعان في اللغة‪.‬‬
‫@ ذهب الجمهور من العلماء أن المتلعنين ل يتناكحان أبدا‪ ،‬فإن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به‬
‫الولد‪ ،‬ولم ترجحع إليحه أبدا‪ .‬وعلى هذا السحنة التحي ل شحك فيهحا ول اختلف‪ .‬وذكحر ابحن المنذر عحن‬
‫عطاء أن الملعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحد‪ ،‬وقال‪ :‬قد تفرقا بلعنة من ال‪ .‬وقال أبو حنيفة‬
‫ومحمحد‪ :‬إذا أكذب نفسحه جلد الححد ولححق بحه الولد‪ ،‬وكان خاطبحا محن الخطاب إن شاء؛ وهحو قول‬
‫سحعيد بن المسحيب والحسحن وسعيد بن جحبير وعبدالعزيحز بن أبحي سحلمة‪ ،‬وقالوا‪ :‬يعود النكاح حلل‬
‫كما لحق به الولد؛ لنه ل فرق بين شيء من ذلك‪ .‬وحجة الجماعة قوله عليه السلم‪( :‬ل سبيل لك‬
‫عليها)؛ ولم يقل إل أن تكذب نفسك‪ .‬وروى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري قال‪ :‬فمضت السنة‬
‫أنهمحا إذا تلعنحا فرق بينهمحا فل يجتمعان أبدا‪ .‬ورواه الدارقطنحي‪ ،‬ورواه مرفوعحا محن حديحث سحعيد‬
‫بن جبير عن ابن عمر رضي ال عنهما عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬المتلعنان إذا افترقا‬
‫ل يجتمعان أبدا)‪ .‬وروي عححن علي وعبدال قال‪ :‬مضححت السححنة أل يجتمححع المتلعنان‪ .‬عححن علي‪:‬‬
‫أبدا‪.‬‬
‫@ اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء‪:‬‬
‫عدد اللفاظ‪ :‬وهو أربع شهادات على ما تقدم‪.‬‬
‫والمكان‪ :‬وهحو أن يقصحد بحه أشرف البقاع بالبلدان‪ ،‬إن كان بمكحة فعنحد الركحن والمقام‪ ،‬وإن كان‬
‫بالمدينححة فعنححد المنححبر‪ ،‬وإن كان بححبيت المقدس فعنححد الصححخرة‪ ،‬وإن كان فححي سححائر البلدان ففححي‬
‫مسححاجدها‪ ،‬وإن كانححا كافريححن بعححث بهمححا إلى الموضححع الذي يعتقدان تعظيمححه‪ ،‬إن كانححا يهودييححن‬
‫فالكنيسة‪ ،‬وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار‪ ،‬وإن كانا ل دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلعن بينهما‬
‫في مجلس حكمه‪.‬‬
‫والوقت‪ :‬وذلك بعد صلة العصر‪.‬‬
‫وجمححع الناس‪ :‬وذلك أن يكون هناك أربعححة أنفححس فصححاعدا؛ فاللفححظ وجمححع الناس مشروطان‪،‬‬
‫والزمان والمكان مستحبان‪.‬‬
‫@ من قال‪ :‬إن الفراق ل يقحع إل بتمام التعانهمحا‪ ،‬فعليه لو مات أحدهما قبحل تمامحه ورثه الخحر‪.‬‬
‫ومحن قال‪ :‬ل يقحع إل بتفريحق المام فمات أحدهمحا قبحل ذلك وتمام اللعان ورثحه الخحر‪ .‬وعلى قول‬
‫الشافعي‪ :‬إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا‪.‬‬
‫قال ابن القصحار‪ :‬تفريحق اللعان عندنحا ليس بفسحخ؛ وهو مذهب المدونحة‪ :‬فإن اللعان حكم تفريحق‬
‫الطلق‪ ،‬ويعطى لغير المدخول بها نصف الصداق‪ .‬وفي مختصر ابن الجلب‪ :‬ل شيء لها؛ وهذا‬
‫على أن تفريق اللعان فسخ‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 22 - 11 :‬إن الذين جاؤوا بالفك عصبة منكم ل تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم‬
‫لكل امرئ منهم ما اكتسب من الثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم‪ ،‬لول إذ سمعتموه ظن‬
‫المؤمنون والمؤمنات بأنفسححهم خيرا وقالوا هذا إفححك مححبين‪ ،‬لول جاؤوا عليححه بأربعححة شهداء فإذ لم‬
‫يأتوا بالشهداء فأولئك عنححد ال هححم الكاذبون‪ ،‬ولول فضححل ال عليكححم ورحمتححه فححي الدنيححا والخرة‬
‫لمسحكم فيمحا أفضتحم فيحه عذاب عظيحم‪ ،‬إذ تلقونحه بألسحنتكم وتقولون بأفواهكحم محا ليحس لكحم بحه علم‬
‫وتحسبونه هينا وهو عند ال عظيم‪ ،‬ولول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا‬
‫بهتان عظيححم‪ ،‬يعظكححم ال أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتححم مؤمنيححن‪ ،‬ويححبين ال لكححم اليات وال عليححم‬
‫حكيحم‪ ،‬إن الذيحن يحبون أن تشيحع الفاحشحة فحي الذيحن آمنوا لهحم عذاب أليحم فحي الدنيحا والخرة وال‬
‫يعلم وأنتم ل تعلمون‪ ،‬ولول فضل ال عليكم ورحمته وأن ال رؤوف رحيم‪ ،‬يا أيها الذين آمنوا ل‬
‫تتبعوا خطوات الشيطان ومحن يتبحع خطوات الشيطان فإنحه يأمحر بالفحشاء والمنكحر ولول فضحل ال‬
‫عليكحم ورحمتحه محا زكحى منكحم محن أححد أبدا ولكحن ال يزكحي محن يشاء وال سحميع عليحم‪ ،‬ول يأتحل‬
‫أولوا الفضحل منكحم والسحعة أن يؤتوا أولي القربحى والمسحاكين والمهاجريحن فحي سحبيل ال وليعفوا‬
‫وليصفحوا أل تحبون أن يغفر ال لكم وال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين جاؤوا بالفك عصبة منكحم" "عصبة" خبر "إن"‪ .‬ويجوز نصبها على‬
‫الحال‪ ،‬ويكون الخحبر "لكحل امرئ منهحم محا اكتسحب محن الثحم"‪ .‬وسحبب نزولهحا محا رواه الئمحة محن‬
‫حديححث الفححك الطويححل فححي قصححة عائشححة رضوان ال عليهححا‪ ،‬وهححو خححبر صحححيح مشهور‪ ،‬أغنححى‬
‫اشتهاره عن ذكره‪ ،‬وسيأتي مختصرا‪ .‬وأخرجه البخاري تعليقا‪ ،‬وحديثه أتم‪ .‬قال‪ :‬وقال أسامة عن‬
‫هشام بحن عروة عحن أبيحه عحن عائشحة‪ ،‬وأخرجحه أيضحا عحن محمحد بحن كثيحر عحن أخيحه سحليمان محن‬
‫حديحث مسحروق عحن أم رومان أم عائشحة أنهحا قالت‪ :‬لمحا رميحت عائشحة خرت مغشيحا عليهحا‪ .‬وعحن‬
‫موسحى بحن إسحماعيل محن حديحث أبحي وائل قال‪ :‬حدثنحي مسحروق بحن الجدع قال حدثتنحي أم رومان‬
‫وهي أم عائشة قالت‪ :‬بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من النصار فقالت‪ :‬فعل ال بفلن‬
‫وفعحل بفلن فقالت أم رومان‪ :‬ومحا ذاك؟ قالت ابنحي فيمحن حدّث الحديحث قالت‪ :‬ومحا ذاك؟ قالت كذا‬
‫وكذا‪ .‬قالت عائشحة‪ :‬سحمع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؟ قالت نعحم‪ .‬قالت‪ :‬وأبحو بكحر؟ قالت نعحم‬
‫فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إل وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها فجاء النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬ما شأن هذه؟) فقلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أخذتها الحمى بنافض‪ .‬قال‪( :‬فلعل‬
‫فحي حديحث ُتحُدث بحه) قالت نعحم‪ .‬فقعدت عائشحة فقالت‪ :‬وال‪ ،‬لئن حلفحت ل تصحدقوني ولئن قلت ل‬
‫تعذرونحي مثلي ومثلكحم كيعقوب وبنيحه وال المسحتعان على محا تصحفون‪ .‬قالت‪ :‬وانصحرف ولم يقحل‬
‫شيئا فأنزل ال عذرهححا‪ .‬قالت‪ :‬بحمححد ال ل بحمححد أحححد ول بحمدك‪ .‬قال أبححو عبدال الحميدي‪ :‬كان‬
‫بعض من لقينا من الحفاظ البغداديين يقول الرسال في هذا الحديث أبين واستدل على ذلك بأن أم‬
‫رومان توفيحت فحي حياة رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ومسحروق لم يشاهحد النحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم بل خلف‪ .‬وللبخاري محن حديحث عحبيدال بحن عبدال بحن أبحي مليكحة أن عائشحة كانحت تقرأ "إذ‬
‫تلقونه بألسنتكم" وتقول‪ :‬الولق الكذب‪ .‬قال ابن أبي مليكة‪ :‬وكانت أعلم بذلك من غيرها لنه نزل‬
‫فيها‪ .‬قال البخاري‪ :‬وقال معمر بن راشد عن الزهري‪ :‬كان حديث الفك في غزوة المريسيع‪ .‬قال‬
‫ابن إسحاق‪ :‬وذلك سنة ست‪ .‬وقال موسى بن عقبة‪ :‬سنة أربع‪ .‬وأخرج البخاري من حديث معمر‬
‫عحن الزهري قال‪ :‬قال لي الوليحد بحن عبدالملك‪ :‬أبلغحك أن عليحا كان فيمحن قذف؟ قال‪ :‬قلت ل‪ ،‬ولكحن‬
‫قحد أخحبرني رجلن من قومحك أبو سحلمة بحن عبدالرحمحن وأبحو بكحر بحن عبدالرحمحن بحن الحارث بن‬
‫هشام أن عائشحة قالت لهمحا‪ :‬كان عليّ مُسَحلّما فحي شأنهحا‪ .‬وأخرجحه أبحو بكحر السحماعيلي فحي كتابحه‬
‫المخرج على الصحيح من وجه آخر من حديث معمر عن الزهري‪ ،‬وفيه‪ :‬قال كنت عند الوليد بن‬
‫عبدالملك فقال‪ :‬الذي تولى كححبره منهححم علي بححن أبححي طالب؟ فقلت ل‪ ،‬حدثنححي سححعيد بححن المسححيب‬
‫وعروة وعلقمحة وعحبيدال بحن عبدال بحن عتبحة كلهحم يقول سحمعت عائشحة تقول‪ :‬والذي تولى كحبره‬
‫عبدال بحن أبحي‪ .‬وأخرج البخاري أيضحا محن حديحث الزهري عحن عروة عحن عائشحة‪ :‬والذي تولى‬
‫كبره منهم عبدال بن أبي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بالفحك" الفحك الكذب‪ .‬والعصحبة ثلثحة رجال؛ قال ابحن عباس‪ .‬وعنحه أيضحا محن‬
‫الثلثحة إلى العشرة‪ .‬ابحن عيينحة‪ :‬أربعون رجل‪ .‬مجاهحد‪ :‬محن عشرة إلى خمسحة عشحر‪ .‬وأصحلها فحي‬
‫اللغة وكلم العرب الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض‪ .‬والخير حقيقته ما زاد نفعه على ضره‪.‬‬
‫والشحر محا زاد ضره على نفعحه‪ .‬وإن خيرا ل شحر فيحه هحو الجنحة‪ .‬وشرا ل خيحر فيحه هحو جهنحم‪ .‬فأمحا‬
‫البلء النازل على الولياء فهححو خيححر؛ لن ضرره مححن اللم قليححل فححي الدنيححا‪ ،‬وخيره هححو الثواب‬
‫الكثيحر فحي الخرى‪ .‬فنبحه ال تعالى عائشحة وأهلهحا وصحفوان‪ ،‬إذ الخطاب لهحم فحي قوله "ل تحسحبوه‬
‫شرا لكم بل هو خير لكم"؛ لرجحان النفع والخير على جانب الشر‪.‬‬
‫لمححا خرج رسحول ال صححلى ال عليحه وسحلم بعائشحة معححه فححي غزوة بنححي المصححطلق وهحي غزوة‬
‫المريسيع‪ ،‬وقفل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل فمشت حتى جاوزت‬
‫الجيحش‪ ،‬فلمحا فرغحت محن شأنهحا أقبلت إلى الرححل فلمسحت صحدرها فإذا عقحد محن جزع ظفار قحد‬
‫انقطع‪ ،‬فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه‪ ،‬فوجدته وانصرفت فلما لم تجد أحدا‪ ،‬وكانت شابة قليلة‬
‫اللححم‪ ،‬فرفحع الرجال هودجهحا ولم يشعروا بزوالهحا منحه؛ فلمحا لم تجحد أحدا اضطجعحت فحي مكانهحا‬
‫رجاء أن تفتقحد فيرجحع إليهحا‪ ،‬فنامحت فحي الموضحع ولم يوقظهحا إل قول صحفوان بحن المعطحل‪ :‬إنحا ل‬
‫وإنححا إليححه راجعون؛ وذلك أنححه كان تخلف وراء الجيححش لحفححظ السححاقة‪ .‬وقيححل‪ :‬إنهححا اسححتيقظت‬
‫لسترجاعه‪ ،‬ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة‪ ،‬وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش‬
‫فحي نححر الظهيرة؛ فوقحع أهحل الفحك فحي مقالتهحم‪ ،‬وكان الذي يجتمحع إليحه فيحه ويسحتوشيه ويشعله‬
‫عبدال بحن أبحي بحن سحلول المنافحق‪ ،‬وهحو الذي رأى صحفوان آخذا بزمام ناقحة عائشحة فقال‪ :‬وال محا‬
‫نجت منه ول نجا منها‪ ،‬وقال‪ :‬امرأة نبيكم باتت مع رجل‪ .‬وكان من قالته حسان بن ثابت ومسطح‬
‫بن أثاثة وحمنة بنت جحش‪ .‬هذا اختصار الحديث‪ ،‬وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم‪ ،‬وهو‬
‫فحي مسحلم أكمحل‪ .‬ولمحا بلغ صحفوان قول حسحان فحي الفحك جاء فضربحه بالسحيف ضربحة على رأسحه‬
‫وقال‪:‬‬
‫غلم إذا هوجيت ليس بشاعر‬ ‫تلق ذباب السيف عني فإنني‬
‫فأخذ جماعة حسان ولببوه وجاؤوا به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأهدر رسول ال صلى‬
‫ال عليحه وسحلم جرح حسحان واسحتوهبه إياه‪ .‬وهذا يدل على أن حسحان ممحن تولى الكحبر؛ على محا‬
‫ب سحاقة رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم فحي غزواتحه‬ ‫يأتحي وال أعلم‪ .‬وكان صحفوان هذا صحاح َ‬
‫لشجاعتحه‪ ،‬وكان محن خيار الصححابة‪ .‬وقيحل‪ :‬كان حصحورا ل يأتحي النسحاء؛ ذكره ابحن إسححاق محن‬
‫طريق عائشة‪ .‬وقيل‪ :‬كان له ابنان؛ يدل على ذلك حديثه المروي مع امرأته‪ ،‬وقول النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في ابنيه‪( :‬لهما أشبه به من الغراب بالغراب)‪ .‬وقوله في الحديث‪ :‬وال ما كشف كنف‬
‫أنثحى قحط؛ يريحد بزنحى‪ .‬وقتحل شهيدا رضحي ال عنحه فحي غزوة أرمينيحة سحنة تسحع عشرة فحي زمان‬
‫عمر‪ ،‬وقيل‪ :‬ببلد الروم سنة ثمان وخمسين في زمان معاوية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكحل امرئ منهحم محا اكتسحب محن الثحم" يعنحي ممحن تكلم بالفحك‪ .‬ولم يسحم محن أهحل‬
‫الفك إل حسان ومسطح وحمنة وعبدال؛ وجهل الغير؛ قال عروة بن الزبير‪ ،‬وقد سأله عن ذلك‬
‫عبدالملك بححن مروان‪ ،‬وقال‪ :‬إل أنهححم كانوا عصححبة؛ كمححا قال ال تعالى‪ .‬وفححي مصحححف حفصححة‬
‫"عصبة أربعة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذي تولى كحبره منهحم" وقرأ حميحد العرج ويعقوب "كُبره" بضحم الكاف‪ .‬قال‬
‫الفراء‪ :‬وهحو وجحه جيحد؛ لن العرب تقول‪ :‬فلن تولى عظحم كذا وكذا؛ أي أكحبره‪ .‬روي عحن عائشحة‬
‫أنه حسان‪ ،‬وأنها قالت حين عمي‪ :‬لعل العذاب العظيم الذي أوعده ال به ذهاب بصره؛ رواه عنها‬
‫مسحروق‪ .‬وروي عنهحا أنحه عبدال بحن أبحي؛ وهحو الصححيح‪ ،‬وقال ابحن عباس‪ .‬وحكحى أبحو عمحر بحن‬
‫عبدالبر أن عائشة برأت حسان من الفرية‪ ،‬وقالت‪ :‬إنه لم يقل شيئا‪ .‬وقد أنكر حسان أن يكون قال‬
‫شيئا من ذلك في قوله‪:‬‬
‫وتصبح غرثى من لحوم الغوافل‬ ‫حصان رزان ما تزن بريبة‬
‫حليلة خير الناس دينا ومنصبا نبي الهدى والمكرمات الفواضل‬
‫كرام المساعي مجدها غير زائل‬ ‫عقيلة حي من لؤي بن غالب‬
‫وطهرها من كل شين وباطل‬ ‫مهذبة قد طيب ال خيمها‬
‫فإن كان ما بلغت أني قلته فل رفعت سوطي إلي أناملي‬
‫فكيف وودي ما حييت ونصرتي لل رسول ال زين المحافل‬
‫له رتب عال على الناس فضلها تقاصر عنها سورة المتطاول‬
‫وقد روي أنه لما أنشدها‪ :‬حصان رزان؛ قالت له‪ :‬لست كذلك؛ تريد أنك وقعت في الغوافل‪ .‬وهذا‬
‫تعارض‪ ،‬ويمكححن الجمححع بأن يقال‪ :‬إن حسححانا لم يقححل ذلك نصححا وتصححريحا‪ ،‬ويكون عرض بذلك‬
‫وأومأ إليه فنسب ذلك إليه؛ وال أعلم‪.‬‬
‫@ وقد اختلف الناس فيه هل خاض في الفك أم ل‪ ،‬وهل جلد الحد أم ل؛ فال أعلم أي ذلك كان‬
‫فروى محمححد بححن إسحححاق وغيره أن النححبي صححلى ال عليححه وسححلم جلد فححي الفححك رجليححن وامرأة‪:‬‬
‫مسطحا وحسان وحمنة‪ ،‬وذكره الترمذي وذكر القشيري عن ابن عباس قال‪ :‬جلد رسول ال صلى‬
‫ال عليحه وسحلم ابحن أبحي ثمانيحن جلدة‪ ،‬وله فحي الخرة عذاب النار‪ .‬قال القشيري‪ :‬والذي ثبحت فحي‬
‫الخبار أنه ضرب ابن أبي وضرب حسان وحمنة‪ ،‬وأما مسطح فلم يثبت عنه قذف صريح‪ ،‬ولكنه‬
‫كان يسحمع ويشيحع محن غيحر تصحريح‪ .‬قال الماوردي وغيره‪ :‬اختلفوا هحل ححد النحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسلم أصحاب الفك؛ على قولين‪ :‬أحدهما أنه لم يحد أحدا من أصحاب الفك لن الحدود إنما تقام‬
‫بإقرار أو ببينحة‪ ،‬ولم يتعبده ال أن يقيمهحا بإخباره عنهحا؛ كمحا لم يتعبده بقتحل المنافقيحن‪ ،‬وقحد أخحبره‬
‫بكفرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا فاسحد مخالف لنحص القرآن؛ فإن ال عحز وجحل يقول‪" :‬والذيحن يرمون المحصحنات ثحم‬
‫لم يأتوا بأربعحة شهداء" أي على صحدق قولهحم‪" :‬فاجلدوهحم ثمانيحن جلدة"‪ .‬والقول الثانحي‪ :‬أن النحبي‬
‫صلى ال عليه وسلم حد أهل الفك عبدال بن أبي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت‬
‫جحش؛ وفي ذلك قال شاعر من المسلمين‪:‬‬
‫لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح‬
‫وابن سلول ذاق في الحد خزية كما خاض في إفك من القول يفصح‬
‫وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا‬ ‫تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم‬
‫مخازي تبقى عمموها وفضحوا‬ ‫وآذوا رسول ال فيها فجلدوا‬
‫شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح‬ ‫فصب عليهم محصدات كأنها‬
‫قلت‪ :‬المشهور محن الخبار والمعروف عنحد العلماء أن الذي ححد حسحان ومسحطح وحمنحة‪ ،‬ولم‬
‫يسحمع بححد لعبدال بحن أبحي‪ .‬روى أبحو داود عحن عائشحة رضحي ال عنهحا قالت‪ :‬لمحا نزل عذري قام‬
‫النحبي صحلى ال عليحه وسحلم فذكحر ذلك‪ ،‬وتل القرآن؛ فلمحا نزل محن المنحبر أمحر بالرجليحن والمرأة‬
‫فضربوا حدهححم‪ ،‬وسححماهم‪ :‬حسححان بححن ثابححت ومسححطح بحن أثاثححة وحمنححة بنححت جحححش‪ .‬وفححي كتاب‬
‫الطحاوي "ثمانين ثمانين"‪ .‬قال علماؤنا‪ .‬وإنما لم يحد عبدال بن أبي لن ال تعالى قد أعد له في‬
‫الخرة عذابحا عظيمحا؛ فلو ححد فحي الدنيحا لكان ذلك نقصحا محن عذابحه فحي الخرة وتخفيفحا عنه محع أن‬
‫ال تعالى قد شهد ببراءة عائشة رضي ال عنها وبكذب كل من رماها؛ فقد حصلت فائدة الحد‪ ،‬إذ‬
‫مقصححوده إظهار كذب القاذف وبراءة المقذوف؛ كمححا قال ال تعالى‪" :‬فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك‬
‫عند ال هم الكاذبون"‪ .‬وإنما حد هؤلء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما صدر عنهم من القذف حتى ل‬
‫يبقحى عليهحم تبعحة محن ذلك فحي الخرة‪ ،‬وقحد قال صحلى ال عليحه وسحلم فحي الحدود (إنهحا كفارة لمحن‬
‫أقيمت عليه)؛ كما في حديث عبادة بن الصامت‪ .‬ويحتمل أن يقال‪ :‬إنما ترك حد ابن أبي استئلفا‬
‫لقومه واحتراما لبنه‪ ،‬وإطفاء لثائرة الفتنة المتوقعحة من ذلك‪ ،‬وقد كان ظهحر مبادئها من سحعد بحن‬
‫عبادة ومن قومه؛ كما في صحيح مسلم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لول إذ سحمعتموه ظحن المؤمنون والمؤمنات بأنفسحهم خيرا" هذا عتاب محن ال‬
‫سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنهم حين قال أصحاب الفك ما قالوا‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬ظن المؤمنون‬
‫أن المؤمححن ل يفجححر بأمححه؛ قال المهدوي‪ .‬و"لول" بمعنححى هل‪ .‬وقيححل‪ :‬المعنححى أنححه كان ينبغححي أن‬
‫يقيحس فضلء المؤمنيحن والمؤمنات المحر على أنفسحهم؛ فإن كان ذلك يبعحد فيهحم فذلك فحي عائشحة‬
‫وصفوان أبعد‪ .‬وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب النصاري وامرأته؛ وذلك أنه دخل‬
‫عليها فقالت له‪ :‬يا أبا أيوب أسمعت ما قيل فقال نعم وذلك الكذب أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك‬
‫قالت‪ :‬ل وال قال‪ :‬فعائشة وال أفضل منك؛ قالت أم أيوب نعم‪ .‬فهذا الفعحل ونحوه هو الذي عاتحب‬
‫ال تعالى عليه المؤمنين إذ لم يفعله جميعهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بأنفسهم" قال النحاس‪ :‬معنى "بأنفسهم" بإخوانهم‪ .‬فأوجب ال على المسلمين إذا‬
‫سحمعوا رجل يقذف أحدا ويذكره بقبيحح ل يعرفونحه بحه أن ينكروا عليحه ويكذبوه وتواعحد محن ترك‬
‫ذلك ومن نقله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولجل هذا قال العلماء‪ :‬إن الية أصل في أن درجة اليمان التي حازها النسان؛ ومنزلة‬
‫الصلح التي حلها المؤمن‪ ،‬ولبسة العفاف التي يستتر بها المسلم ل يزيلها عنه خبر محتمل وإن‬
‫شاع إذا كان أصله فاسدا أو مجهول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لول جاؤوا عليه بأربعة شهداء" هذا توبيخ لهل الفك‪ .‬و"لول" بمعنى هل؛ أي‬
‫هل جاؤوا بأربعححة شهداء على مححا زعموا مححن الفتراء‪ .‬وهذا رد على الحكححم الول وإحالة على‬
‫الية السابقة في آية القذف‪" .‬فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند ال هم الكاذبون" أي هم في حكم ال‬
‫كاذبون‪ .‬وقحد يعجحز الرجحل عحن إقامحة البينحة وهحو صحادق فحي قذفحه‪ ،‬ولكنحه فحي حكحم الشرع وظاهحر‬
‫المر كاذب ل في علم ال تعالى؛ وهو سبحانه إنما رتب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا‬
‫ل على مقتضى علمه الذي تعلق بالنسان على ما هو عليه‪ ،‬فإنما يبني على ذلك حكم الخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومما يقوي هذا المعنى ويعضده ما خرجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‬
‫أنه قال‪ :‬أيها الناس إن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الن بما ظهر لنا من أعمالكم‪ ،‬فمن أظهر لنا‬
‫خيرا أمناه وقربناه؛ وليس لنا من سريرته شيء ال يحاسبه في سريرته‪ ،‬ومن أظهر لنا سوءا لم‬
‫نؤمنحه ولم نصحدقه‪ ،‬وإن قال إن سحريرته حسحنة‪ .‬وأجمحع العلماء أن أحكام الدنيحا على الظاهحر‪ ،‬وأن‬
‫السرائر إلى ال عز وجل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فضحل" رفحع بالبتداء عنحد سحيبويه‪ ،‬والخحبر محذوف ل تظهره العرب‪ .‬وحذف‬
‫جواب "لول" لنحه قحد ذكحر مثله بعحد؛ قال ال عحز وجحل "ولول فضحل ال عليكحم ورحمتحه لمسحكم"‬
‫أي بسبب ما قلتم في عائشة عذاب عظيم في الدنيا والخرة‪ .‬وهذا عتاب من ال تعالى بليغ‪ ،‬ولكنه‬
‫برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم في الخرة من أتاه تائبا والفاضة‪ :‬الخذ في الحديث؛ وهو‬
‫الذي وقع عليه العتاب؛ يقال‪ :‬أفاض القوم في الحديث أي أخذوا فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ تلقّونه بألسنتكم" قراءة محمد بن السميقع بضم التاء وسكون اللم وضم القاف؛‬
‫من اللقاء‪ ،‬وهذه قراءة بينة‪ .‬وقرأ أبي وابن مسعود "إذ تتلقونه" من التلقي‪ ،‬بتاءين‪ .‬وقرأ جمهور‬
‫السححبعة بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام؛ وهذا أيضححا مححن التلقححي‪ .‬وقرأ أبححو عمرو‬
‫وحمزة والكسحائي بإدغام الذال فحي التاء‪ .‬وقرأ ابحن كثيحر بإظهار الذال وإدغام التاء فحي التاء؛ وهذه‬
‫قراءة قلقحة؛ لنهحا تقتضحي اجتماع سحاكنين‪ ،‬وليسحت كالدغام فحي قراءة محن قرأ "فل تناجوا‪ .‬ول‬
‫تنابزوا" لن دونه اللف الساكنة‪ ،‬وكونها حرف لين حسنت هنالك ما ل تحسن مع سكون الذال‪.‬‬
‫وقرأ ابحن يعمحر وعائشحة رضحي ال عنهمحا ‪ -‬وهحم أعلم الناس بهذا المحر ‪" -‬إذ تلقّونحه" بفتحح التاء‬
‫وكسححر اللم وضححم القاف؛ ومعنححى هذه القراءة مححن قول العرب‪ :‬ولق الرجححل يلق ولقححا إذا كذب‬
‫واسححتمر عليححه؛ فجاؤوا بالمتعدي شاهدا على غيححر المتعدي‪ .‬قال ابححن عطيححة‪ :‬وعندي أنححه أراد إذ‬
‫تلقون فيحه؛ فحذف حرف الجحر فاتصحل الضميحر‪ .‬وقال الخليحل وأبحو عمرو‪ :‬أصحل الولق السحراع؛‬
‫يقال‪ :‬جاءت البل تلق؛ أي تسرع‪ .‬قال‪:‬‬
‫جاؤوا بأسراب من الشأم ولق‬ ‫لما رأوا جيشا عليهم قد طرق‬
‫جاءت به عنس من الشأم تلق‬ ‫إن الحصين زلق وزملق‬
‫يقال‪ :‬رجححل زلق وزملق؛ مثال ُهدَبِحد‪ ،‬وزمالق وزملق (بتشديححد الميححم) وهححو الذي ينزل قبححل أن‬
‫يجامع؛ قال الراجز‪:‬‬
‫إن الحصين زلق وزملق‬
‫والولق أيضححا أخححف الطعححن‪ .‬وقحد ولقحه يلقحه ولقحا‪ .‬يقال‪ :‬ولقحه بالسححيف ولقات‪ ،‬أي ضربات؛ فهحو‬
‫مشترك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتقولون بأفواهكم ما" مبالغة وإلزام وتأكيد‪ .‬والضمير في "تحسبونه" عائد على‬
‫الحديث والخوض فيه والذاعة له‪ .‬و"هينا" أي شيئا يسيرا ل يلحقكم فيه إثم‪" .‬وهو عند ال" في‬
‫الوزر "عظيحم"‪ .‬وهذا مثحل قوله عليحه السحلم فحي حديحث القحبرين‪( :‬إنهمحا ليعذبان ومحا يعذبان فحي‬
‫كبير) أي بالنسبة إليكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم‪ ،‬يعظكم‬
‫ال أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتححم مؤمنيححن‪ ،‬ويححبين ال لكححم اليات وال عليححم حكيححم" عتاب لجميححع‬
‫المؤمنيححن أي كان ينبغححي عليكححم أن تنكروه ول يتعاطاه بعضكححم مححن بعححض على جهححة الحكايححة‬
‫والنقحل‪ ،‬وأن تنزهوا ال تعالى عحن أن يقحع هذا محن زوج نحبيه عليحه الصحلة والسحلم‪ .‬وأن تحكموا‬
‫على هذه المقالة بأنها بهتان؛ وحقيقة البهتان أن يقال في النسان ما ليس فيه‪ ،‬والغيبة أن يقال في‬
‫النسحان محا فيحه‪ .‬وهذا المعنحى قحد جاء فحي صححيح الحديحث عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ .‬ثحم‬
‫وعظهم تعالى في العودة إلى مثل هذه الحالة‪ .‬و"أن" مفعول من أجله‪ ،‬بتقدير‪ :‬كراهية أن ونحوه‪.‬‬
‫"إن كنتم مؤمنين" توقيف وتوكيد؛ كما تقول‪ :‬ينبغي لك أن تفعل كذا وكذا إن كنت رجل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يعظكم ال أن تعودوا لمثله" يعني في عائشة؛ لن مثله ل يكون إل نظير القول‬
‫المقول عنه بعينه‪ ،‬أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم؛ لما في ذلك من‬
‫إذاية رسول ال صلى ال عليه وسلم في عرضه وأهله؛ وذلك كفر من فاعله‪.‬‬
‫@ قال هشام بن عمار سمعت مالكا يقول‪ :‬من سب أبا بكر وعمر أدب‪ ،‬ومن سب عائشة قتل لن‬
‫ال تعالى يقول‪" :‬يعظكححم ال أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتححم مؤمنيححن" فمححن سححب عائشححة فقححد خالف‬
‫القرآن‪ ،‬ومن خالف القرآن قتل‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬قال أصحاب الشافعي من سب عائشة رضي ال‬
‫عنها أدب كما في سائر المؤمنين‪ ،‬وليس قوله‪" :‬إن كنتم مؤمنين" في عائشة لن ذلك كفر‪ ،‬وإنما‬
‫هو كما قال عليه السلم‪( :‬ل يؤمن من ل يأمن جاره بوائقه)‪ .‬ولو كان سلب اليمان في سب من‬
‫سب عائشة حقيقة لكان سلبه في قوله‪( :‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) حقيقة‪ .‬قلنا‪ :‬ليس‬
‫كمحا زعمتحم؛ فإن أهحل الفحك رموا عائشحة المطهرة بالفاحشحة فبرأهحا ال تعالى فكحل محن سحبها بمحا‬
‫برأها ال منه مكذب ل‪ ،‬ومن كذب ال فهو كافر؛ فهذا طريق قول مالك‪ ،‬وهي سبيل لئحة لهل‬
‫البصائر‪ .‬ولو أن رجل سب عائشة بغير ما برأها ال منه لكان جزاؤه الدب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيحن يحبون أن تشيحع الفاحشحة" أي تفشحو؛ يقال‪ :‬شاع الشيحء شيوعحا وشيعحا‬
‫وشيعانحا وشيوعحه؛ أي ظهحر وتفرق‪" .‬فحي الذيحن آمنوا" أي فحي المحصحنين والمحصحنات‪ .‬والمراد‬
‫بهذا اللفحظ العام عائشحة وصحفوان رضحي ال عنهمحا‪ .‬والفاحشحة‪ :‬الفعحل القبيحح المفرط القبحح‪ .‬وقيحل‪:‬‬
‫الفاحشة في هذه الية القول السيء‪" .‬لهم عذاب أليم في الدنيا" أي الحد‪ .‬وفي الخرة عذاب النار؛‬
‫أي للمنافقيحن‪ ،‬فهحو مخصحوص‪ .‬وقحد بينحا أن الححد للمؤمنيحن كفارة‪ .‬وقال الطحبري‪ :‬معناه إن مات‬
‫مصرا غير تائب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يعلم" أي يعلم مقدار عظم هذا الذنب والمجازاة عليه ويعلم كل شيء‪" .‬وأنتم‬
‫ل تعلمون" روي محن حديحث أبحي الدرداء أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬أيمحا رجحل شحد‬
‫عضد امرئ من الناس في خصومة ل علم له بها فهو في سخط ال حتى ينزع عنها‪ .‬وأيما رجل‬
‫قال بشفاعتحه دون ححد محن حدود ال أن يقام فقحد عانحد ال حقحا وأقدم على سحخطه وعليحه لعنحة ال‬
‫تتابحع إلى يوم القيامة‪ .‬وأيما رجل أشاع عل رجحل مسحلم كلمة وهو منهحا بريء يرى أن يشينه بهحا‬
‫في الدنيا كان حقا على ال تعالى أن يرميه بها في النار ‪ -‬ثم تل مصداقه من كتاب ال تعالى‪" :‬إن‬
‫الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا" الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان" يعني مسالكه ومذاهبه؛ المعنى‪ :‬ل‬
‫تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليها الشيطان‪ .‬وواحد الخطوات خطوة هو ما بين القدمين‪ .‬والخطوة‬
‫(بالفتح) المصدر؛ يقال‪ :‬خطوت خطوة‪ ،‬وجمعها خطوات‪ .‬وتخطى إلينا فلن؛ ومنه الحديث أنه‬
‫رأى رجل يتخطحححى رقاب الناس يوم الجمعحححة‪ .‬وقرأ الجمهور "خطوات" بضحححم الطاء‪ .‬وسحححكنها‬
‫عاصحم والعمحش‪ .‬وقرأ الجمهور "محا زكحى" بتخفيحف الكاف؛ أي محا اهتدى ول أسحلم ول عرف‬
‫رشدا‪ .‬وقيحل‪" :‬محا زكحى" أي محا صحلح؛ يقال‪ :‬زكحا يزكحو زكاء؛ أي صحلح‪ .‬وشددهحا الحسحن وأبحو‬
‫حيوة؛ أي أن تزكيتحه لكحم وتطهيره وهدايتحه إنمحا هحي بفضله ل بأعمالكحم‪ .‬وقال الكسحائي‪" :‬يحا أيهحا‬
‫الذيححن آمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان" معترض‪ ،‬وقوله‪" :‬مححا زكححى منكححم مححن أحححد أبدا" جواب‬
‫لقوله أول وثانيا‪" :‬ولول فضل ال عليكم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يأتحل أولو الفضحل منكحم والسحعة" اليحة‪ .‬المشهور محن الروايات أن هذه اليحة‬
‫نزلت فحي قصحة أبحي بكحر بحن أبحي قحافحة رضحي ال عنه ومسحطح بحن أثاثحة‪ .‬وذلك أنه كان ابحن بنحت‬
‫خالته وكان من المهاجرين البدريين المساكين‪ .‬وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد‬
‫مناف‪ .‬وقيححل‪ :‬اسححمه عوف‪ ،‬ومسححطح لقححب‪ .‬وكان أبححو بكححر رضححي ال عنححه ينفححق عليححه لمسححكنته‬
‫وقرابته؛ فلما وقع أمر الفك وقال فيه مسطح ما قال‪ ،‬حلف أبو بكر أل ينفق عليه ول ينفعه بنافعة‬
‫أبدا‪ ،‬فجاء مسطح فاعتذر وقال‪ :‬إنما كنت أغشى مجالس حسان فأسمع ول أقول‪ .‬فقال له أبو بكر‪:‬‬
‫لقحد ضحكحت وشاركحت فيمحا قيحل؛ ومحر على يمينحه‪ ،‬فنزلت اليحة‪ .‬وقال الضحاك وابحن عباس‪ :‬إن‬
‫جماعحة محن المؤمنيحن قطعوا منافعهحم عن كحل محن قال فحي الفحك وقالوا‪ :‬وال ل نصحل محن تكلم فحي‬
‫شأن عائشحة؛ فنزلت اليحة فحي جميعهحم‪ .‬والول أصحح؛ غيحر أن اليحة تتناول المحة إلى يوم القيامحة‬
‫بأل يغتاظ ذو فضحل وسحعة فيحلف أل ينفحع فحي هذه صحفته غابر الدهحر‪ .‬روي فحي الصححيح أن ال‬
‫تبارك وتعالى لمحا أنزل‪" :‬إن الذيحن جاؤوا بالفحك عصحبة منكحم" العشحر آيات‪ ،‬قال أبحو بكحر وكان‬
‫ينفححق على مسححطح لقرابتححه وفقره‪ :‬وال ل أنفححق عليححه شيئا أبدا بعححد الذي قال لعائشححة؛ فأنزل ال‬
‫تعالى‪" :‬ول يأتحل أولوا الفضحل منكحم والسحعة" إلى قوله "أل تحبون أن يغفحر ال لكحم"‪ .‬قال عبدال‬
‫بحن المبارك‪ :‬هذه أرجحى آيحة فحي كتاب ال تعالى؛ فقال أبحو بكحر‪ :‬وال إنحي لححب أن يغفحر ال لي؛‬
‫فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال‪ :‬ل أنزعها منه أبدا‪.‬‬
‫@ فحي هذه اليحة دليحل على أن القذف وإن كان كحبيرا ل يحبحط العمال؛ لن ال تعالى وصحف‬
‫مسححطحا بعححد قوله بالهجرة واليمان؛ وكذلك سححائر الكبائر؛ ول يحبححط العمال غيححر الشرك بال‪،‬‬
‫قال ال تعالى‪" :‬لئن أشركت ليحبطن عملك" [الزمر‪.]65 :‬‬
‫@ محن حلف على شيحء ل يفعله فرأى فعله أولى منحه أتاه وكفحر عحن يمينحه‪ ،‬أو كفحر عحن يمينحه‬
‫وأتاه؛ كمحا تقدم فحي "المائدة]‪ .‬ورأى الفقهاء أن محن حلف أل يفعحل سحنة محن السحنن أو مندوبحا وأبّد‬
‫ذلك أنها جُرحة في شهادته؛ ذكره الباجي في المنتقى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يأتحل أولوا الفضحل" "ول يأتحل" معناه يحلف؛ وزنهحا يفتعحل‪ ،‬محن الليحة وهحي‬
‫اليميحن؛ ومنحه قوله تعالى‪" :‬للذيحن يؤلون محن نسحائهم" وقحد تقدم فحي "البقرة"‪ .‬وقالت فرقحة‪ :‬معناه‬
‫يقصر؛ من قولك‪ :‬ألوت في كذا إذا قصرت فيه؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬ل يألونكم خبال" [آل عمران‪:‬‬
‫‪.]118‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل تحبون أن يغفحر ال لكحم" تمثيحل وحجحة أي كمحا تحبون عفحو ال عحن ذنوبكحم‬
‫فكذلك اغفروا لمن دونكم؛ وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلم‪( :‬من ل يرحم ل يرحم)‪.‬‬
‫@ قال بعض العلماء‪ :‬هذه أرجى آية في كتاب ال تعالى‪ ،‬من حيث لطف ال بالقذفة العصاة بهذا‬
‫اللفظ‪ .‬وقيل‪ .‬أرجى آية في كتاب ال عز وجل قوله تعالى‪" :‬وبشر المؤمنين بأن لهم من ال فضل‬
‫كحبيرا" [الحزاب‪ .]47 :‬وقحد قال تعالى فحي آيحة أخرى‪" :‬والذيحن آمنوا وعملوا الصحالحات فحي‬
‫روضات الجنات لهححم مححا يشاؤون عنححد ربهححم ذلك هححو الفضححل الكححبير" [الشورى‪]22 :‬؛ فشرح‬
‫الفضحل الكحبير فحي هذه اليحة‪ ،‬وبشحر بحه المؤمنيحن فحي تلك‪ .‬ومحن آيات الرجاء قوله تعالى‪" :‬قحل يحا‬
‫عبادي الذيحن أسحرفوا على أنفسحهم" [الزمحر‪ .]53 :‬وقوله تعالى‪" :‬ال لطيحف بعباده" [الشورى‪:‬‬
‫‪ .]19‬وقال بعضهححم‪ :‬أرجححى آيححة فححي كتاب ال عححز وجححل‪" :‬ولسححوف يعطيححك ربححك فترضححى"‬
‫[الضحى‪]5 :‬؛ وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يرضى ببقاء أحد من أمته في النار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن تؤتوا" أي أل يؤتوا‪ ،‬فحذف "ل"؛ كقول القائل‪:‬‬
‫فقلت يمين ال أبرح قاعدا‬
‫ذكره الزجاج‪ .‬وعلى قول أبي عبيدة ل حاجة إلى إضمار "ل"‪" .‬وليعفو" من عفا الربع أي درس‬
‫فهو محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬إن الذين يرمون المحصنات الغافلت المؤمنات لعنوا فحي الدنيحا والخرة ولهم‬
‫عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬المحصحنات" تقدم فحي "النسحاء"‪ .‬وأجمحع العلماء على أن حكحم المحصحنين فحي‬
‫القذف كحكحم المحصحنات قياسحا واسحتدلل‪ ،‬وقحد بيناه أول السحورة والحمحد ل‪ .‬واختلف فيمحن المراد‬
‫بهذه الية؛ فقال سعيد بن جبير‪ :‬هي في رماة عائشة رضوان ال عليها خاصة‪ .‬وقال قوم‪ :‬هي في‬
‫عائشحة وسحائر أزواج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ قاله ابحن عباس والضحاك وغيرهمحا‪ .‬ول تنفحع‬
‫التوبححة‪ .‬ومححن قذف غيرهححن مححن المحصححنات فقححد جعححل ال له توبححة؛ لنححه قال‪" :‬والذيححن يرمون‬
‫المحصححنات ثححم لم يأتوا بأربعححة شهداء ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬إل الذيححن تابوا" فجعححل ال لهؤلء توبححة‪ ،‬ولم‬
‫يجعحل لولئك توبحة؛ قاله الضحاك‪ .‬وقيحل هذا الوعيحد لمحن أصحر على القذف ولم يتحب‪ .‬وقيحل‪ :‬نزلت‬
‫في عائشة‪ ،‬إل أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة‪ .‬وقيل‪ :‬إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر‬
‫وأنثحى؛ ويكون التقديحر‪ :‬إن الذيحن يرمون النفحس المحصحنات؛ فدخحل فحي هذا المذكحر والمؤنحث؛‬
‫واختاره النحاس‪ .‬وقيحل‪ :‬نزلت فحي مشركحي مكحة؛ لنهححم يقولون للمرأة إذا هاجرت إنمحا خرجحت‬
‫لتفجر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لعنوا فحي الدنيحا والخرة" قال العلماء‪ :‬إن كان المراد بهذه اليحة المؤمنيحن محن‬
‫القذفة فالمراد باللعنة البعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم‪ ،‬وزوالهم عن‬
‫رتبه العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين‪ .‬وعلى قول من قال‪ :‬هي خاصة لعائشة‬
‫تترتب هذه الشدائد في جانب عبدال بن أبيّ وأشباهه‪ .‬وعلى قول من قال‪ :‬نزلت في مشركي مكة‬
‫فل كلم‪ ،‬فإنهم مبعدون‪ ،‬ولهم في الخرة عذاب عظيم؛ ومن أسلم فالسلم يجب ما قبله‪ .‬وقال أبو‬
‫جعفر النحاس‪ :‬من أحسن ما قيل في تأويل هذه الية إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى؛‬
‫ويكون التقديحر‪ :‬إن الذيحن يرمون النفحس المحصحنات‪ ،‬فدخحل فحي هذا المذكحر والمؤنحث‪ ،‬وكذا فحي‬
‫الذين يرمون؛ إل أنه غلب المذكر على المؤنث‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}‬
‫@ قراءة العامة بالتاء‪ ،‬واختاره أبو حاتم‪ .‬وقرأ العمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف "يشهد"‬
‫بالياء‪ ،‬واختاره أبحو عبيحد؛ لن الجار والمجرور قحد حال بيحن السحم والفعحل‪ ،‬والمعنحى‪ :‬يوم تشهحد‬
‫ألسحنة بعضهحم على بعحض بمحا كانوا يعملون محن القذف والبهتان‪ .‬وقيحل‪ :‬تشهحد عليهحم ألسحنتهم ذلك‬
‫اليوم بما تكلموا به‪" .‬وأيديهم وأرجلهم" أي وتتكلم الجوارح بما عملوا في الدنيا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬يومئذ يوفيهم ال دينهم الحق ويعلمون أن ال هو الحق المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يومئذ يوفيهم ال دينهم الحق" أي حسابهم وجزاؤهم‪ .‬وقرأ مجاهد "يومئذ يوفيهم‬
‫ال دينهحم الححق" برفحع "الححق" على أنحه نعحت ل عحز وجحل‪ .‬قال أبحو عبيحد‪ :‬ولول كراهحة خلف‬
‫الناس لكان الوجه الرفع؛ ليكون نعتا ل عز وجل‪ ،‬وتكون موافقة لقراءة أب يّ‪ ،‬وذلك أن جرير بن‬
‫حازم قال‪ :‬رأيحت فحي مصححف أبيّح "يوفيهحم ال الححق دينهحم"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا الكلم محن أبحي‬
‫عبيد غير مرضي؛ لنه احتج بما هو مخالف للسواد العظم‪ .‬ول حجة أيضا فيه لنه لو صح هذا‬
‫أنحه فحي مصححف أبيّح كذا جاز أن تكون القراءة‪ :‬يومئذ يوفيهحم ال الححق دينهحم‪ ،‬يكون "دينهحم" بدل‬
‫من الحق‪ .‬وعلى قراءة "دينهم الحق" يكون "الحق" نعتا لدينهم‪ ،‬والمعنى حسن؛ لن ال عز وجل‬
‫ذكحر المسحيئين وأعلم أنحه يجازيهحم بالححق؛ كمحا قال عحز وجحل‪" :‬وهحل نجازي إل الكفور" [سحبأ‪:‬‬
‫‪]17‬؛ لن مجازاة ال عحز وجحل للكافحر والمسحيء بالححق والعدل‪ ،‬ومجازاتحه للمحسحن بالحسحان‬
‫والفضحل‪" .‬ويعلمون أن ال هحو الححق المحبين" اسحمان محن أسحمائه سحبحانه‪ .‬وقحد ذكرناهمحا فحي غيحر‬
‫موضع‪ ،‬وخاصة في الكتاب السنى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 26 :‬الخحبيثات للخحبيثين والخحبيثون للخحبيثات والطيبات للطيحبين والطيبون للطيبات‬
‫أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم}‬
‫@ قال ابن زيد‪ :‬المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال‪ ،‬وكذا الخبيثون للخبيثات‪ ،‬وكذا‬
‫الطيبات للطيحبين والطيبون للطيبات‪ .‬وقال مجاهحد وابحن جحبير وعطاء وأكثحر المفسحرين‪ :‬المعنحى‬
‫الكلمات الخحبيثات محن القول للخحبيثين محن الرجال‪ ،‬وكذا الخحبيثون محن الناس للخحبيثات محن القول‪،‬‬
‫وكذا الكلمات الطيبات محن القول للطيحبين محن الناس‪ ،‬والطيبون محن الناس للطيبات محن القول‪ .‬قال‬
‫النحاس فحي كتاب معانحي القرآن‪ :‬وهذا أحسحن محا قيحل فحي هذه اليحة‪ .‬ودل على صححة هذا القول‬
‫"أولئك محبرؤون ممحا يقولون" أي عائشة وصحفوان مما يقول الخحبيثون والخبيثات‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذه‬
‫الية مبنية على قوله "الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة" [النور‪ ]3 :‬الية؛ فالخبيثات الزواني‪،‬‬
‫والطيبات العفائف‪ ،‬وكذا الطيبون والطيبات‪ .‬واختار هذا القول النحاس أيضا‪ ،‬وهو معنى قول ابن‬
‫زيد‪" .‬أولئك مبرؤون مما يقولون" يعني به الجنس‪ .‬وقيل‪ :‬عائشة وصفوان فجمع كما قال‪" :‬فإن‬
‫كان له إخوة" [النسحاء‪ ]11 :‬والمراد أخوان؛ قاله الفراء‪ .‬و"محبرؤون" يعنحي منزهيحن ممحا رموا‬
‫بحه‪ .‬قال بعحض أهحل التحقيحق‪ :‬إن يوسحف عليحه السحلم لمحا رمحي بالفاحشحة برأه ال على لسحان صحبي‬
‫في المهد‪ ،‬وإن مريم لما رميت بالفاحشة برأها ال على لسان ابنها عيسى صلوات ال عليه‪ ،‬وإن‬
‫عائشحة لمحا رميحت بالفاحشحة برأهحا ال تعالى بالقرآن؛ فمحا رضحي لهحا بحبراءة صحبي ول نحبي حتحى‬
‫برأهحا ال بكلمحه محن القذف والبهتان‪ .‬وروي عحن علي بحن زيحد بحن جدعان عحن جدتحه عحن عائشحة‬
‫رضححي ال عنهححا قالت‪( :‬لقححد أعطيححت تسححعا مححا أعطيتهححن امرأة‪ :‬لقححد نزل جبريححل عليححه السححلم‬
‫بصحورتي فحي راحتحه حيحن أمحر رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أن يتزوجنحي ولقحد تزوجنحي بكرا‬
‫ومحا تزوج بكرا غيري‪ ،‬ولقحد توفحي صحلى ال عليحه وسحلم وإن رأسحه لفحي حجري‪ ،‬ولقحد قحبر فحي‬
‫بيتحي‪ ،‬ولقحد حفحت الملئكحة بيتحي‪ ،‬وإن كان الوححي لينزل عليحه وهحو فحي أهله فينصحرفون عنه‪ ،‬وإن‬
‫كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه فما يبينني عن جسده‪ ،‬وإني لبنة خليفته وصديقه‪ ،‬ولقد نزل‬
‫عذري محن السحماء‪ ،‬ولقحد خلقحت طيبحة وعنحد طيحب‪ ،‬ولقحد وعدت مغفرة ورزقحا كريمحا؛ تعنحي قوله‬
‫تعالى‪" :‬لهم مغفرة ورزق كريم" وهو الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 27 :‬يحا أيهحا الذيحن آمنوا ل تدخلوا بيوتحا غيحر بيوتكحم حتحى تسحتأنسوا وتسحلموا على‬
‫أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون}‬
‫@ لمحا خصحص ال سحبحانه ابحن آدم الذي كرمحه وفضله بالمنازل وسحترهم فيهحا عحن البصحار‪،‬‬
‫وملكهححم السححتمتاع بهححا على النفراد‪ ،‬وحجححر على الخلق أن يطلعوا على مححا فيهححا مححن خارج أو‬
‫يلجوهحا محن غيحر إذن أربابهحا‪ ،‬أدبهحم بمحا يرجحع إلى السحتر عليهحم لئل يطلع أححد منهحم على عورة‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من اطلع في بيت قوم من‬
‫غيحر إذنهحم ححل لهحم أن يفقؤوا عينحه)‪ .‬وقحد اختلف فحي تأويله فقال بعحض العلماء‪ :‬ليحس هذا على‬
‫ظاهره‪ ،‬فإن فقحححأ فعليحححه الضمان‪ ،‬والخحححبر منسحححوخ‪ ،‬وكان قبحححل نزول قوله تعالى‪" :‬وإن عاقبتحححم‬
‫فعاقبوا" [النحل‪ ]126 :‬ويحتمل أن يكون خرج على وجه الوعيد ل على وجه الحتم‪ ،‬والخبر إذا‬
‫كان مخالفحا لكتاب ال تعالى ل يجوز العمحل بحه‪ .‬وقحد كان النحبي صحلى ال عليحه وسحلم يتكلم بالكلم‬
‫في الظاهر وهو يريد شيئا آخر؛ كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلل‪( :‬قم‬
‫فاقطع لسانه) وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا‪ ،‬ولم يرد به القطع في الحقيقة‪ .‬وكذلك هذا يحتمل‬
‫أن يكون ذكحر فقحء العيحن والمراد أن يعمحل بحه عمحل حتحى ل ينظحر بعحد ذلك فحي بيحت غيره‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬ل ضمان عليه ول قصاص؛ وهو الصحيح إن شاء ال تعالى لحديث أنس على ما يأتي‪.‬‬
‫@ سبب نزول هذه الية ما رواه الطبري وغيره عن عدي بن ثابت أن امرأة من النصار قالت‪:‬‬
‫يحا رسحول ال‪ ،‬إنحي أكون فحي بيتحي على حال ل أححب أن يرانحي عليهحا أححد‪ ،‬ل والد ول ولد فيأتحي‬
‫الب فيدخحل عليّح وإنحه ل يزال يدخحل عليّح رجحل محن أهلي وأنحا على تلك الحال‪ ،‬فكيحف أصحنع ؟‬
‫فنزلت اليحة‪ .‬فقال أبحو بكحر رضحي ال عنحه‪ :‬يحا رسحول ال‪ ،‬أفرأيحت الخانات والمسحاكن فحي طرق‬
‫الشام ليس فيها ساكن؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة"[النور‪:‬‬
‫‪.]29‬‬
‫@محد ال سحبحانه وتعالى التحريحم فحي دخول بيحت ليحس هحو بيتحك إلى غايحة هحي السحتئناس‪ ،‬وهحو‬
‫الستئذان‪ .‬قال ابن وهب قال مالك‪ :‬الستئناس فيما نرى وال أعلم الستئذان؛ وكذا في قراءة أب يّ‬
‫وابحن عباس وسحعيد بحن جحبير "حتحى تسحتأذنوا وتسحلموا على أهلهحا"‪ .‬وقيحل‪ :‬إن معنحى "تسحتأنسوا"‬
‫تستعلموا؛ أي تستعلموا من في البيت‪ .‬قال مجاهد‪ :‬بالتنحنح أو بأي وجه أمكن‪ ،‬ويتأنى قدر ما يعلم‬
‫أنحه قحد شعحر بحه‪ ،‬ويدخحل إثحر ذلك‪ .‬وقال معناه الطحبري؛ ومنحه قوله تعالى‪" :‬فإن آنسحتم منهحم رشدا"‬
‫[النساء‪ ]6 :‬أي علمتم‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫عصرا وقد دنا المساء‬ ‫آنست نبأة وأفزعها القناص‬
‫قلت‪ :‬وفي سنن ابن ماجه‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالرحيم بن سليمان عن واصل‬
‫بحن السحائب عحن أبحي سحورة عحن أبحي أيوب النصحاري قال قلنحا‪ :‬يحا رسحول ال‪ ،‬هذا السحلم‪ ،‬فمحا‬
‫الستئذان؟ قال‪( :‬يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا نص في أن الستئناس غير الستئذان؛ كما قال مجاهد ومن وافقه‪.‬‬
‫@ وروي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير "حتى تستأنسوا" خطأ أو وهم‬
‫محن الكاتحب‪ ،‬إنمحا هحو "حتحى تسحتأذنوا"‪ .‬وهذا غيحر صححيح عحن ابحن عباس وغيره؛ فإن مصحاحف‬
‫السلم كلها قد ثبت فيها "حتى تستأنسوا"‪ ،‬وصح الجماع فيها من لدن مدة عثمان‪ ،‬فهي التي ل‬
‫يجوز خلفها‪ .‬وإطلق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول ل يصح عن‬
‫ابن عباس؛ وقد قال عز وجل‪" :‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد"‬
‫[فصلت‪ ،]42 :‬وقال تعالى‪" :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر‪ .]9 :‬وقد روي عن‬
‫ابحن عباس أن فحي الكلم تقديمحا وتأخيرا؛ والمعنحى‪ :‬حتحى تسحلموا على أهلهحا وتسحتأنسوا حكاه أبحو‬
‫حاتحم‪ .‬قال ابحن عطيحة‪ .‬وممحا ينفحي هذا القول عحن ابحن عباس وغيره أن "تسحتأنسوا" متمكنحة فحي‬
‫المعنى‪ ،‬بينة الوجه في كلم العرب‪ .‬وقد قال عمر للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أستأنس يا رسول‬
‫ال؛ وعمر واقف على باب الغرفة‪ ،‬الحديث المشهور‪ .‬وذلك يقتضي أنه طلب النس به صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فكيف يخطّئ ابن عباس أصحاب الرسول في مثل هذا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قحد ذكرنحا محن حديحث أبحي أيوب أن السحتئناس إنمحا يكون قبحل السحلم‪ ،‬وتكون اليحة على‬
‫بابها ل تقديم فيها ول تأخير‪ ،‬وأنه إذا دخل سلم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ السنة في الستئذان ثلث مرات ل يزاد عليها‪ .‬قال ابن وهب قال مالك‪ :‬الستئذان ثلث‪ ،‬ل‬
‫أحب أن يزيد أحد عليها‪ ،‬إل من علم أنه لم يسمع‪ ،‬فل أرى بأسا أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع‪.‬‬
‫وصحورة السحتئذان أن يقول الرجحل‪ :‬السحلم عليكحم أأدخحل؛ فإن أذن له دخحل‪ ،‬وإن أمحر بالرجوع‬
‫انصرف‪ ،‬وإن سكت عنه استأذن ثلثا؛ ثم ينصرف من بعد الثلث‪ .‬وإنما قلنا‪ :‬إن السنة الستئذان‬
‫ثلث مرات ل يزاد عليها لحديث أبي موسى الشعري‪ ،‬الذي استعمله مع عمر بن الخطاب وشهد‬
‫بحه لبحي موسحى أبحو سحعيد الخدري‪ ،‬ثحم أبيّح بحن كعحب‪ .‬وهو حديحث مشهور أخرجحه الصححيح‪ ،‬وهحو‬
‫نص صريح؛ فإن فيه‪ :‬فقال ‪ -‬يعني عمر ‪ -‬ما منعك أن تأتينا؟ فقلت‪ :‬أتيت فسلمت على بابك ثلث‬
‫مرات فلم ترد علي فرجعت‪ ،‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا استأذن أحدكم ثلثا فلم‬
‫يؤذن له فليرجحع)‪ .‬وأمحا محا ذكرناه محن صحورة السحتئذان فمحا رواه أبحو داود عحن ربعحي قال‪ :‬حدثنحا‬
‫رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى ال عليه وسلم وهو في بيت‪ ،‬فقال‪ :‬ألج؟ فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لخادمه‪( :‬أخرج إلى هذا فعلمه الستئذان ‪ -‬فقال له ‪ -‬قل السلم عليكم أأدخل)‬
‫فسححمعه الرجححل فقال‪ :‬السححلم عليكححم أأدخححل؟ فأذن له النححبي صححلى ال عليححه وسححلم فدخححل‪ .‬وذكره‬
‫الطحبري وقال‪ :‬فقال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لمحة له يقال لهحا روضحة‪( :‬قولي لهذا يقول‬
‫السلم عليكم أدخل؟‪ )...‬الحديث‪ .‬وروي أن ابن عمر آذته الرمضاء يوما فأتى فسطاطا لمرأة من‬
‫قريححش فقال‪ :‬السححلم عليكححم أأدخححل؟ فقالت المرأة‪ :‬ادخححل بسححلم؛ فأعاد فأعادت‪ ،‬فقال لهححا‪ :‬قولي‬
‫أدخل‪ .‬فقالت ذلك فدخل؛ فتوقف لما قالت‪ :‬بسلم؛ لحتمال اللفظ أن تريد بسلمك ل بشخصك‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم‪ :‬إنما خص الستئذان بثلث لن الغالب من الكلم إذا كرر ثلثا‬
‫سمع وفهم؛ ولذلك كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلثا حتى يفهم عنه‪ ،‬وإذا‬
‫سححلم على قوم سححلم عليهححم ثلثححا‪ .‬وإذا كان الغالب هذا؛ فإذا لم يؤذن له بعححد ثلث ظهححر أن رب‬
‫المنزل ل يريحد الذن‪ ،‬أو لعله يمنعحه محن الجواب عنحه عذر ل يمكنحه قطعحه؛ فينبغحي للمسحتأذن أن‬
‫ينصحرف؛ لن الزيادة على ذلك قحد تقلق رب المنزل‪ ،‬وربمحا يضره اللحاح حتحى ينقطحع عمحا كان‬
‫مشغول بحه؛ كمحا قال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم لبحي أيوب حيحن اسحتأذن عليحه فخرج مسحتعجل‬
‫فقال‪( :‬لعلنحا أعجلناك‪ ) ...‬الحديحث‪ .‬وروى عقيحل عحن ابحن شهاب قال‪ :‬أمحا سحنة التسحليمات الثلث‬
‫فإن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أتحى سحعد بحن عبادة فقال‪( :‬السحلم عليكحم) فلم يردوا‪ ،‬ثحم قال‬
‫رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬السحلم عليكحم) فلم يردوا‪ ،‬فانصحرف رسحول ال صحلى ال عليحه‬
‫وسلم؛ فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف؛ فخرج سعد في أثره حتى أدركه‪ ،‬فقال‪ :‬وعليك‬
‫السحلم يحا رسحول ال‪ ،‬إنمحا أردنحا أن نسحتكثر محن تسحليمك‪ ،‬وقحد وال سحمعنا؛ فأنصحرف رسحول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته‪ .‬قال ابن شهاب‪ :‬فإنما أخذ التسليم ثلثا من قبل ذلك؛‬
‫رواه الوليحد بحن مسحلم عحن الوزاعحي قال‪ :‬سحمعت يحيحى بحن أبحي كثيحر يقول حدثنحي محمحد بحن‬
‫عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس بن سعد قال‪ :‬زارنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫منزلنحا فقال‪( :‬السحلم عليكحم ورحمحة ال) قال فرد سحعد ردا خفيحا‪ ،‬قال قيحس‪ :‬فقلت أل تأذن لرسحول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم؟ فقال‪ :‬ذره يكثر علينا من السلم‪ ...‬الحديث‪ ،‬أخرجه أبو داود وليس فيه‬
‫قال ابن شهاب فإنما أخذ التسليم ثلثا من قبل ذلك‪ .‬قال أبو داود‪ :‬ورواه عمر بن عبدالواحد وابن‬
‫سماعة عن الوزاعي مرسل لم يذكرا قيس بن سعد‪.‬‬
‫@ روي عن ابن عباس رضي ال عنهما أن الستئذان ترك العمل به الناس‪ .‬قال علماؤنا رحمة‬
‫ال عليهححم‪ :‬وذلك لتخاذ الناس البواب وقرعهححا؛ وال أعلم‪ .‬روى أبححو داود عححن عبدال بححن بسححر‬
‫قال‪ :‬كان رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إذا أتحى باب قوم لم يسحتقبل الباب محن تلقاء وجهحه ولكحن‬
‫محن ركنحه اليمحن أو اليسحر فيقول‪( :‬السحلم عليكحم السحلم عليكحم) وذلك أن الدور لم يكحن عليهحا‬
‫يومئذ ستور‪.‬‬
‫فإن كان الباب مردودا فله أن يقحف حيحث شاء منحه ويسحتأذن‪ ،‬وإن شاء دق الباب؛ لمحا رواه أبحو‬
‫موسحى الشعري أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم كان فحي حائط بالمدينحة على قُف البئر فمحد‬
‫رجليححه فححي البئر فدق الباب أبححو بكححر فقال له رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم‪( :‬إيذن له وبشره‬
‫بالجنحة)‪ .‬هكذا رواه عبدالرحمحن بحن أبحي الزناد وتابعحه صحالح بحن كيسحان ويونحس بحن يزيحد؛ فرووه‬
‫جميعا عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبدالرحمن بن نافع عن أبي موسى‪ .‬وخالفهم محمد بن‬
‫عمرو الليثحي فرواه عحن أبحي الزناد عحن أبحي سحلمة عحن نافحع بحن عبحد الحارث عحن النحبي صحلى ال‬
‫عليه وسلم كذلك؛ وإسناده الول أصح‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫وصفة الدق أن يكون خفيفا بحيث يسمع‪ ،‬ول يعنف في ذلك؛ فقد روى أنس بن مالك رضي ال‬
‫عنه قال‪ :‬كانت أبواب النبي صلى ال عليه وسلم تقرع بالظافير؛ ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن‬
‫ثابت الخطيب في جامعه‪.‬‬
‫@ روى الصححيحان وغيرهمحا عحن جابر بحن عبدال رضحي ال عنهمحا قال‪ :‬اسحتأذنت على النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم فقال‪( :‬محن هذا)؟ فقلت أنحا‪ ،‬فقال النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬أنحا أنحا)! كأنحه‬
‫كره ذلك‪ .‬قال علماؤنححا‪ :‬إنمححا كره النححبي صححلى ال عليححه وسححلم ذلك لن قوله أنححا ل يحصححل بهححا‬
‫تعريحف‪ ،‬وإنمحا الحكحم فحي ذلك أن يذكحر اسحمه كمحا فعحل عمحر بحن الخطاب رضحي ال عنحه وأبحو‬
‫موسى؛ لن في ذكر السم إسقاط كلفة السؤال والجواب‪ .‬ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم وهحو فحي مشربحة له فقال‪ :‬السحلم عليحك يحا رسحول ال‪ ،‬السحلم عليكحم أيدخحل‬
‫عمحر؟ وفحي صححيح مسحلم أن أبحا موسحى جاء إلى عمحر بحن الخطاب فقال‪ :‬السحلم عليكحم‪ ،‬هذا أبحو‬
‫موسى‪ ،‬السلم عليكم‪ ،‬هذا الشعري‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫@ ذكر الخطيب في جامعه عن علي بن عاصم الواسطي قال‪ :‬قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة‬
‫فدققت عليه الباب فقال‪ :‬من هذا؟ قلت أنا؛ فقال‪ :‬يا هذا ما لي صديق يقال له أنا ثم خرج إليّ فقال‪:‬‬
‫حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدال قال‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم في حاجة لي‬
‫فطرقت عليه الباب فقال‪( :‬من هذا)؟ فقلت أنا؛ فقال‪( :‬أنا أنا) كأن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كره قولي هذا‪ ،‬أو قوله هذا‪ .‬وذكحر عحن عمحر بحن شبحة حدثنحا محمحد بحن سحلم عحن أبيحه قال‪ :‬دققحت‬
‫على عمرو بحن عبيحد الباب فقال لي‪ :‬محن هذا؟ فقلت أنحا؛ فقال‪ :‬ل يعلم الغيحب إل ال‪ .‬قال الخطيحب‪:‬‬
‫سحمعت علي بن المحسحن القاضحي يحكحي عحن بعحض الشيوخ أنحه كان إذا دق بابحه فقال محن ذا؟ فقال‬
‫الذي على الباب أنا‪ ،‬يقول الشيخ‪ :‬أنا هم دق‪.‬‬
‫ثحم لكحل قوم فحي السحتئذان عرفهحم فحي العبارة؛ كمحا رواه أبحو بكحر الخطيحب مسحندا عحن أبحي‬
‫عبدالملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال‪ :‬أرسلتني مولتي إلى أبي هريرة‬
‫فجاء معي‪ ،‬فلما قام بالباب قال‪ :‬أندر؟ قالت أندرون‪ .‬وترجم عليه باب الستئذان بالفارسية‪ .‬وذكر‬
‫عحن أحمحد بحن صحالح قال‪ :‬كان الدراوردي محن أهحل أصحبهان نزل المدينحة‪ ،‬فكان يقول للرجحل إذا‬
‫أراد أن يدخل‪ :‬أندرون‪ ،‬فلقبه أهل المدينة الدراوردي‪.‬‬
‫@ روى أبو داود عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بلبحن وجدايحة وضغابيحس والنحبي صحلى ال عليحه وسحلم بأعلى مكحة‪ ،‬فدخلت ولم أسحلم فقال‪( :‬ارجحع‬
‫فقل السلم عليكم) وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية‪ .‬وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى‬
‫ال عليححه وسححلم قال‪( :‬مححن لم يبدأ بالسححلم فل تأذنوا له)‪ .‬وذكححر ابححن جريححج أخححبرني عطاء قال‪:‬‬
‫سحمعت أبحا هريرة يقول‪ :‬إذا قال الرجحل أدخحل؟ ولم يسحلم فقحل ل حتحى تأتحي بالمفتاح؛ فقلت السحلم‬
‫عليكحم؟ قال نعحم‪ .‬وروي أن حذيفحة جاءه رجحل فنظحر إلى محا فحي البيحت فقال‪ :‬السحلم عليكحم أأدخحل؟‬
‫فقال حذيفة‪ :‬أما بعينك فقد دخلت وأما باستك فلم تدخل‪.‬‬
‫ومما يدخل في هذا الباب ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(رسحول الرجحل إلى الرجحل إذنحه)؛ أي إذا أرسحل إليحه فقحد أذن له فحي الدخول‪ ،‬يحبينه قوله عليحه‬
‫السلم‪( :‬إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن)‪ .‬أخرجه أبو داود أيضا عن‬
‫أبي هريرة‪.‬‬
‫فإن وقعحت العيحن على العيحن فالسحلم قحد تعيحن‪ ،‬ول تعحد رؤيتحه إذنحا لك فحي دخولك عليحه‪ ،‬فإذا‬
‫قضيت حق السلم لنك الوارد عليه تقول‪ :‬أدخل؟ فإن أذن لك وإل رجعت‪.‬‬
‫@ هذه الحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك‪ ،‬فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فل إذن‬
‫عليهحا‪ ،‬إل أنحك تسحلم إذا دخلت‪ .‬قال قتادة‪ :‬إذا دخلت بيتحك فسحلم على أهلك‪ ،‬فهحم أححق محن سحلمت‬
‫عليهحم‪ .‬فإن كان فيحه معحك أمحك أو أختحك فقالوا‪ :‬تنحنحح واضرب برجلك حتحى ينتبهحا لدخولك؛ لن‬
‫الهحل ل حشمحة بينحك وبينهحا‪ .‬وأمحا الم والخحت فقحد يكونحا على حالة ل تححب أن تراهمحا فيهحا‪ .‬قال‬
‫ابحن القاسحم قال مالك‪ :‬ويسحتأذن الرجحل على أمحه وأختحه إذا أراد أن يدخحل عليهمحا‪ .‬وقحد روى عطاء‬
‫بن يسار أن رجل قال للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أستأذن على أمي؟ قال (نعم) قال‪ :‬إني أخدمها؟‬
‫قال‪( :‬اسحتأذن عليهحا) فعاوده ثلثحا؛ قال (أتححب أن تراهحا عريانحة)؟ قال ل؛ قال‪( :‬فاسحتأذن عليهحا)‬
‫ذكره الطبري‪.‬‬
‫@ فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد؛ فقال علماؤنا‪ :‬يقول السلم علينا من ربنا التحيات الطيبات‬
‫المباركات‪ ،‬ل السلم‪ .‬رواه ابن وهب عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسنده ضعيف‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫إذا دخلت بيتحا ليحس فيحه أححد فقحل السحلم علينحا وعلى عباد ال الصحالحين؛ فإنحه يؤمحر بذلك‪ .‬قال‪:‬‬
‫وذكر لنا أن الملئكة ترد عليهم‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والصحيح ترك السلم والستئذان‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول قتادة حسن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 28 :‬فإن لم تجدوا فيهحا أحدا فل تدخلوهحا حتحى يؤذن لكحم وإن قيحل لكحم ارجعوا‬
‫فارجعوا هو أزكى لكم وال بما تعملون عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن لم تجدوا فيها أحدا" الضمير في "تجدوا فيها" للبيوت التي هي بيوت الغير‪.‬‬
‫وحكحى الطحبري عحن مجاهحد أنحه قال‪ :‬معنحى قوله‪" :‬فان لم تجدوا فيهحا أحدا" أي لم يكحن لكحم فيهحا‬
‫متاع‪ .‬وضعحف الطحبري هذا التأويحل‪ ،‬وكذلك هحو فحي غايحة الضعحف؛ وكأن مجاهدا رأى أن البيوت‬
‫غيحر المسحكونة إنمحا تدخحل دون إذن إذا كان للداخحل فيهحا متاع‪ .‬ورأى لفظحة "المتاع" متاع البيحت‪،‬‬
‫الذي هو البسط والثياب؛ وهذا كله ضعيف‪ .‬والصحيح أن هذه الية مرتبطة بما قبلها والحاديث؛‬
‫التقديحر‪ :‬يحا أيهحا الذيحن أمنوا ل تدخلوا بيوتحا غيحر بيوتكحم حتحى تسحتأنسوا وتسحلموا‪ ،‬فإن أذن لكحم‬
‫فادخلوا وإل فارجعوا؛ كما فعل عليه السلم مع سعد‪ ،‬وأبو موسى مع عمر رضي ال عنهما‪ .‬فإن‬
‫لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فل تدخلوها حتى تجدوا إذنا‪ .‬وأسند الطبري عن قتادة قال‪ :‬قال رجل‬
‫محن المهاجريحن‪ :‬لقد طلبحت عمري هذه اليحة فمحا أدركتها أن أستأذن على بعحض إخواني فيقول لي‬
‫ارجع فارجع وأنا مغتبط؛ لقوله تعالى‪" :‬هو أزكى لكم"‪.‬‬
‫@ سواء كان الباب مغلقا أو مفتوحا؛ لن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الذن من‬
‫ربحه‪ ،‬بحل يجحب عليحه أن يأتحي الباب ويحاول الذن على صحفة ل يطلع منحه على البيحت ل فحي إقباله‬
‫ول في انقلبه‪ .‬فقد روى علماؤنا عن عمر بن الخطاب أنه قال‪( :‬من مل عينيه من قاعة بيت فقد‬
‫فسق) وروي في الصحيح عن سهل بن سعد أن رجل اطلع في جحر في باب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ومع رسول ال صلى ال عليه وسلم مدرى يرجل به رأسه؛ فقال له رسول ال صلى‬
‫ال عليحه وسحلم‪( :‬لو أعلم أنحك تنظحر لطعنحت بحه فحي عينحك إنمحا جعحل ال الذن محن أجحل البصحر)‪.‬‬
‫وروي عححن أنححس أن رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم قال‪( :‬لو أن رجل اطلع عليححك بغيححر إذن‬
‫فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)‪.‬‬
‫@ إذا ثبت أن الذن شرط في دخول المنزل فإنه يجوز من الصغير والكبير‪ .‬وقد كان أنس بن‬
‫مالك دون البلوغ يسححتأذن على رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم‪ ،‬وكذلك الصحححابة مححع أبنائهححم‬
‫وغلمانهم رضي ال عنهم‪ .‬وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر السورة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال بمحا تعملون عليحم" توعحد لهحل التجسحس على البيوت وطلب الدخول على‬
‫غفلة للمعاصي والنظر إلى ما ل يحل ول يجوز‪ ،‬ولغيرهم ممن يقع في محظور‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم وال يعلم ما تبدون‬
‫وما تكتمون}‬
‫@ روي أن بعض الناس لما نزلت آية الستئذان تعمق في المر‪ ،‬فكان ل يأتي موضعا خربا ول‬
‫مسحكونا إل سحلم واسحتأذن؛ فنزلت هذه اليحة‪ ،‬أباح ال تعالى فيهحا رفحع السحتئذان فحي كحل بيحت ل‬
‫يسحكنه أححد لن العلة فحي السحتئذان إنمحا هحي لجحل خوف الكشفحة على الحرمات فإذا زالت العلة‬
‫زال الحكم‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في المراد بهذه البيوت؛ فقال محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد‪ :‬هي الفنادق التي‬
‫في طرق السابلة‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ل يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل‪ ،‬وفيها متاع‬
‫لهم؛ أي استمتاع بمنفعتها‪ .‬وعن محمد بن الحنفية أيضا أن المراد بها دور مكة ويبينه قول مالك‪.‬‬
‫وهذا على القول بأنهحا غيحر متملكحة‪ ،‬وأن الناس شركاء فيهحا وأن مكحة أخذت عنوة‪ .‬وقال ابحن زيحد‬
‫والشعبي‪ :‬هي حوانيت القيساريات‪ .‬قال الشعبي‪ :‬لنهم جاؤوا بيوعهم فجعلوها فيها‪ ،‬وقالوا للناس‬
‫هلم‪ .‬وقال عطاء‪ :‬المراد بهحا الخرب التحي يدخلهحا الناس للبول والغائط؛ ففحي هذا أيضحا متاع‪ .‬وقال‬
‫جابر بن زيد‪ :‬ليس يعني بالمتاع الجهاز‪ ،‬ولكن ما سواه من الحاجة؛ أما منزل ينزله قوم من ليل‬
‫أو نهار‪ ،‬أو خربحة يدخلهحا لقضاء حاجحة‪ ،‬أو دار ينظحر إليهحا فهذا متاع وكحل منافحع الدنيحا متاع‪ .‬قال‬
‫أبحو جعفحر النحاس‪ :‬وهذا شرح حسحن محن قول إمام محن أئمحة المسحلمين‪ ،‬وهحو موافحق للغحة‪ .‬والمتاع‬
‫في كلم العرب‪ :‬المنفعة؛ ومنه أمتع ال بك‪ .‬ومنه "فمتعوهن" [الحزاب‪.]49 :‬‬
‫قلت‪ :‬واختاره أيضا القاضي أبو بكر بن العربي وقال‪ :‬أما من فسر المتاع بأنه جميع النتفاع‬
‫فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل‪ ،‬وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من النتفاع فالطالب يدخل‬
‫فححي الخانكات وهححي المدارس لطلب العلم‪ ،‬والسححاكن يدخححل الخانات وهححي الفناتححق‪ ،‬أي الفنادق‪،‬‬
‫والزبون يدخحل الدكان للبتياع‪ ،‬والحاقحن يدخحل الخلء للحاجحة؛ وكحل يؤتحي على وجهحه محن بابحه‪.‬‬
‫وأما قول ابن زيحد والشعبي فقول وذلك أن بيوت القيساريات محظورة بأموال الناس‪ ،‬غيحر مباححة‬
‫لكل من أراد دخولها بإجماع‪ ،‬ول يدخلها إل من أذن له ربها‪ ،‬بل أربابها موكلون بدفع الناس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 30 :‬قحل للمؤمنيحن يغضوا محن أبصحارهم ويحفظوا فروجهحم ذلك أزكحى لهحم إن ال‬
‫خبير بما يصنعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" وصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر‬
‫النظر؛ يقال‪ :‬غض بصره يغضه غضا؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫فل كعبا بلغت ول كلبا‬ ‫فغض الطرف إنك من نمير‬
‫وقال عنترة‪.‬‬
‫حتى يواري جارتي مأواها‬ ‫وأغض طرفي ما بدت لي جارتي‬
‫ولم يذكحر ال تعالى محا يغحض البصحر عنحه ويحفحظ الفرج‪ ،‬غيحر أن ذلك معلوم بالعادة‪ ،‬وأن المراد‬
‫منه المحرم دون المحلل‪ .‬وفي البخاري‪ :‬وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن‬
‫صحححدورهن ورؤوسحححهن؟ قال‪ :‬اصحححرف بصحححرك؛ يقول ال تعالى‪" :‬قحححل للمؤمنيحححن يغضوا محححن‬
‫أبصححارهم ويحفظوا فروجهححم" وقال قتادة‪ :‬عمححا ل يحححل لهححم؛ "وقححل للمؤمنات يغضضححن مححن‬
‫أبصارهن ويحفظن فروجهن" [النور‪ ]31 :‬خائنة العين من النظر إلى ما نهي عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محن أبصحارهم" "محن" زائدة؛ كقوله‪" :‬فمحا منكحم محن أححد عنه حاجزيحن" [الحاقحة‪:‬‬
‫‪ .]47‬وقيحل‪" :‬محن" للتبعيحض؛ لن محن النظحر محا يباح‪ .‬وقيحل‪ :‬الغحض النقصحان؛ يقال‪ :‬غض فلن‬
‫من فلن أي وضع منه؛ فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو موضوع منه ومنقوص‪" .‬فمن" صلة‬
‫للغض‪ ،‬وليست للتبعيض ول للزيادة‪.‬‬
‫@ البصر هو الباب الكبر إلى القلب‪ ،‬وأعمر طرق الحواس إليه‪ ،‬وبحسب ذلك كثر السقوط من‬
‫جهته‪ .‬ووجب التحذير منه‪ ،‬وغضه واجب عن جميع المحرمات‪ ،‬وكل ما يخشى الفتنة من أجله؛‬
‫وقحد قال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬إياكحم والجلوس على الطرقات) فقالوا‪ :‬يحا رسحول ال‪ ،‬محا لنحا محن‬
‫مجالسنا بد نتحدث فيها‪ .‬فقال‪( :‬فإذا أبيتم إل المجلس فأعطوا الطريق حقه) قالوا‪ :‬وما حق الطريق‬
‫يححا رسححول ال؟ قال‪( :‬غححض البصححر وكححف الذى ورد السححلم والمححر بالمعروف والنهححي عححن‬
‫المنكحر)‪ .‬رواه أبحو سحعيد الخدري‪ ،‬خرجحه البخاري ومسحلم‪ .‬وقال صحلى ال عليحه وسحلم لعلي‪( :‬ل‬
‫تتبع النظرة النظرة فإنما لك الولى وليست لك الثانية)‪ .‬وروى الوزاعي قال‪ :‬حدثني هارون بن‬
‫رئاب أن غزوان وأبححا موسححى الشعري كانححا فححي بعححض مغازيهححم‪ ،‬فكشفححت جاريححة فنظححر إليهححا‬
‫غزوان‪ ،‬فرفحع يده فلطحم عينحه حتحى نفرت‪ ،‬فقال‪ :‬إنحك للحاظحة إلى محا يضرك ول ينفعحك؛ فلقحي أبحا‬
‫موسحى فسحأله فقال‪ :‬ظلمحت عينحك‪ ،‬فاسحتغفر ال وتحب‪ ،‬فإن لهحا أول نظرة وعليهحا محا كان بعحد ذلك‪.‬‬
‫قال الوزاعي‪ :‬وكان غزوان ملك نفسه فلم يضحك حتى مات رضي ال عنه‪ .‬وفي صحيح مسلم‬
‫عحن جريحر بحن عبدال قال‪ :‬سحألت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم عحن نظرة الفجاءة؛ فأمرنحي أن‬
‫أصحرف بصحري‪ .‬وهذا يقوي قول محن يقول‪ :‬إن "محن" للتبعيحض؛ لن النظرة الولى ل تملك فل‬
‫تدخحل تححت خطاب تكليحف‪ ،‬إذ وقوعهحا ل يتأتحى أن يكون مقصحودا‪ ،‬فل تكون مكتسحبة فل يكون‬
‫مكلفحا بهحا؛ فوجحب التبعيحض لذلك‪ ،‬ولم يقحل ذلك فحي الفرج؛ لنهحا تملك‪ .‬ولقحد كره الشعحبي أن يديحم‬
‫الرجحل النظحر إلى ابنتحه أو أمه أو أخته؛ وزمانه خيحر محن زماننحا هذا وحرام على الرجحل أن ينظحر‬
‫إلى ذات محرمة نظر شهوة يرددها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويحفظوا فروجهحم" أي يسحتروها عحن أن يراهحا محن ل يححل‪ .‬وقيحل‪" :‬ويحفظوا‬
‫فروجهحم" أي عحن الزنحى؛ وعلى هذا القول لو قال‪" :‬محن فروجهحم" لجاز‪ .‬والصححيح أن الجميحع‬
‫مراد واللفظ عام‪ .‬وروى بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال‪ :‬قلت يا رسول‬
‫ال‪ ،‬عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال‪( :‬احفظ عورتك إل من زوجتك أو ما ملكت يمينك)‪ .‬قال‪:‬‬
‫الرجحل يكون محع الرجحل؟ قال‪( :‬إن اسحتطعت أل يراهحا فافعحل)‪ .‬قلت‪ :‬فالرجحل يكون خاليحا؟ فقال‪:‬‬
‫(ال أحق أن يستحيا منه من الناس)‪ .‬وقد ذكرت عائشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وحالها معه فقالت‪ :‬ما رأيت ذلك منه‪ ،‬ول رأى ذلك مني‪.‬‬
‫@ بهذه الية حرم العلماء نصا دخول الحمام بغير مئزر‪ .‬وقد روي عن ابن عمر أنه قال‪ :‬أطيب‬
‫محا أنفحق الرجحل درهحم يعطيحه للحمام فحي خلوة‪ .‬وصحح عحن ابحن عباس أنحه دخحل الحمام وهحو محرم‬
‫بالجحفحة‪ .‬فدخوله جائز للرجال بالمآزر‪ ،‬وكذلك النسحاء للضرورة كغسحلهن محن الحيحض أو النفاس‬
‫أو مرض يلحقهن؛ والولى بهن والفضل لهن غسلهن إن أمكن ذلك في بيوتهن‪ ،‬فقد روى أحمد‬
‫بحن منيحع حدثنحا الحسحن بن موسحى حدثنحا ابن لهيعحة حدثنحا زبان عن سحهل بحن معاذ عن أبيحه عن أم‬
‫الدرداء أنه سمعها تقول‪ :‬لقيني رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد خرجت من الحمام فقال‪( :‬من‬
‫أيحن يحا أم الدرداء)؟ فقالت محن الحمام؛ فقال‪( :‬والذي نفسحي بيده محا محن امرأة تضحع ثيابهحا فحي غيحر‬
‫بيحت أححد محن أمهاتهحا إل وهحي هاتكحة كحل سحتر بينهحا وبيحن الرحمحن عحز وجحل)‪ .‬وخرج أبحو بكحر‬
‫البزار عححن طاوس عحن ابحن عباس رضححي ال عنهمححا قال قال رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم‪:‬‬
‫(احذروا بيتا يقال له الحمام)‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ينقي الوسخ؟ قال‪( :‬فاستتروا)‪ .‬قال أبو محمد‬
‫عبدالححق‪ :‬هذا أصحح إسحناد حديحث فحي هذا الباب؛ على أن الناس يرسحلونه عحن طاوس‪ ،‬وأمحا محا‬
‫خرجحه أبحو داود فحي هذا محن الحظحر والباححة فل يصحح منحه شيحء لضعحف السحانيد‪ ،‬وكذلك محا‬
‫خرجه الترمذي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمححا دخول الحمام فححي هذه الزمان فحرام على أهححل الفضححل والديححن؛ لغلبححة الجهححل على‬
‫الناس واسحتسهالهم إذا توسحطوا الحمام رمحي مآزرهحم‪ ،‬حتحى يرى الرجحل البهحي ذو الشيبحة قائمحا‬
‫منتصبا وسط الحمام وخارجه باديا عن عورته ضاما بين فخذيه ول أحد يغير عليه‪ .‬هذا أمر بين‬
‫الرجال فكيحف محن النسحاء ل سحيما بالديار المصحرية إذ حماماتهحم خاليحة عحن المظاهحر التحي هحي محن‬
‫أعين الناس سواتر‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬فإن استتر فليدخل بعشرة شروط‬
‫الول‪ :‬أل يدخل إل بنية التداوي أو بنية التطهير عن الرحضاء‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يعتمد أوقات الخلوة أو قلة الناس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يستر عورته بإزار صفيق‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يكون نظره إلى الرض أو يستقبل الحائط لئل يقع بصره على محظور‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يغير ما يرى من منكر برفق‪ ،‬يقول‪ :‬استتر سترك ال‬
‫السادس‪ :‬إن دلكه أحد ل يمكنه من عورته‪ ،‬من سرته إلى ركبته إل امرأته أو جاريته‪ .‬وقد اختلف‬
‫في الفخذين هل هما عورة أم ل‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أن يدخله بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أن يصب الماء على قدر الحاجة‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أن يتذكر به جهنم‪ .‬فإن لم يمكنه ذلك كله فليستتر وليجتهد في غض البصر‪ .‬ذكر الترمذي‬
‫أبحو عبدال فحي نوادر الصحول محن حديحث طاوس عحن عبدال بحن عباس قال قال رسحول ال صحلى‬
‫ال عليحه وسحلم‪( :‬اتقوا بيتحا يقال له الحمام)‪ .‬قيحل‪ :‬يحا رسحول ال‪ ،‬إنحه يذهحب بحه الوسحخ ويذكّر النار‬
‫فقال‪( :‬إن كنتحم ل بحد فاعليحن فادخلوه مسحتترين)‪ .‬وخرج محن حديحث أبحي هريرة قال قال رسحول ال‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬نعحم البيحت يدخله الرجحل المسحلم بيحت الحمام ‪ -‬وذلك لنحه إذا دخله سحأل ال‬
‫الجنة واستعاذ به من النار ‪ -‬وبئس البيت يدخله الرجل بيت العروس)‪ .‬وذلك لنه يرغبه في الدنيا‬
‫وينسحيه الخرة‪ .‬قال أبحو عبدال‪ :‬فهذا لهحل الغفلة‪ ،‬صحير ال هذه الدنيحا بمحا فيهحا سحببا للذكحر لهحل‬
‫الغفلة ليذكروا بهححا آخرتهححم؛ فأمححا أهححل اليقيححن فقححد صححارت الخرة نصححب أعينهححم فل بيححت حمام‬
‫يزعجحه ول بيحت عروس يسحتفزه‪ ،‬لقحد دقحت الدنيحا بمحا فيهحا محن الصحنفين والضربيحن فحي جنحب‬
‫الخرة‪ ،‬حتى إن جميع نعيم الدنيا في أعينهم كنثارة الطعام من مائدة عظيمة‪ ،‬وجميع شدائد الدنيا‬
‫في أعينهم كتفلة عوقب بها مجرم أو مسيء قد كان استوجب القتل أو الصلب من جميع عقوبات‬
‫أهل الدنيا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك أزكحى لهحم" أي غحض البصحر وحفحظ الفرج أطهحر فحي الديحن وأبعحد محن دنحس‬
‫النام‪" .‬إن ال خبير" أي عالم‪" .‬بما يصنعون" تهديد ووعيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول يبدين زينتهن إل‬
‫محا ظهحر منهحا وليضربحن بخمرهحن على جيوبهحن ول يبديحن زينتهحن إل لبعولتهحن أو آبائهحن أو آباء‬
‫بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما‬
‫ملكحت أيمانهحن أو التابعيحن غيحر أولي الربحة محن الرجال أو الطفحل الذيحن لم يظهروا على عورات‬
‫النساء ول يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون لعلكم‬
‫تفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقحل للمؤمنات" خحص ال سحبحانه وتعالى الناث هنحا بالخطاب على طريحق‬
‫التأكيحد؛ فإن قوله "قحل للمؤمنين" يكفي؛ لنحه قول عام يتناول الذكر والنثحى من المؤمنين‪ ،‬حسب‬
‫كحل خطاب عام فحي القرآن‪ .‬وظهحر التضعيحف فحي "يغضضحن" ولم يظهحر فحي "يغضوا" لن لم‬
‫الفعل من الثاني ساكنة ومن الول متحركة‪ ،‬وهما في موضع جزم جوابا‪ .‬وبدأ بالغض قبل الفرج‬
‫لن البصر رائد للقلب؛ كما أن الحُمى رائد الموت‪ .‬وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال‪:‬‬
‫فما تألف العينان فالقلب آلف‬ ‫ألم تر أن العين للقلب رائد‬
‫وفحي الخحبر (النظحر سحهم محن سحهام إبليحس مسحموم فمحن غحض بصحره أورثحه ال الحلوة فحي قلبحه)‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزينها لمن ينظر؛ فإذا أدبرت جلس على‬
‫عجزها فزينها لمن ينظر‪ .‬وعن خالد بن أبي عمران قال‪ :‬ل تتبعن النظرة النظرة فربما نظر العبد‬
‫نظرة نغحل منهحا قلبحه كمحا ينغحل الديحم فل ينتفحع بحه‪ .‬فأمحر ال سحبحانه وتعالى المؤمنيحن والمؤمنات‬
‫بغححض البصححار عمححا ل يحححل؛ فل يحححل للرجححل أن ينظححر إلى المرأة ول المرأة إلى الرجححل؛ فإن‬
‫علقتها به كعلقته بها؛ وقصدها منه كقصده منها‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬سمعت‬
‫رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقول‪( :‬إن ال كتحب على ابحن آدم حظحه محن الزنحى أدرك ذلك ل‬
‫محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر‪ )...‬الحديث‪ .‬وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من‬
‫النساء‪ :‬ل يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليهن وإن كانت صغيرة‪ .‬وكره عطاء‬
‫النظحر إلى الجواري اللتحي يبعحن بمكحة إل أن يريحد أن يشتري‪ .‬وفحي الصححيحين عنحه عليحه السحلم‬
‫أنحه صحرف وجحه الفضحل عحن الخثعميحة حيحن سحألته‪ ،‬وطفحق الفضحل ينظحر إليهحا‪ .‬وقال عليحه السحلم‪:‬‬
‫(الغيرة محن اليمان والمذاء محن النفاق)‪ .‬والمذاء هحو أن يجمحع الرجحل بيحن النسحاء والرجال ثحم‬
‫يخليهم يماذي بعضهم بعضا؛ مأخوذ من المذي‪ .‬وقيل‪ :‬هو إرسال الرجال إلى النساء؛ من قولهم‪:‬‬
‫مذيحت الفرس إذا أرسحلتها ترعحى‪ .‬وكحل ذكحر يمذي‪ ،‬وكحل أنثحى تقذي؛ فل يححل لمرأة تؤمحن بال‬
‫واليوم الخحر أن تبدي زينتهحا إل لمحن تححل له؛ أو لمحن هحي محرمحة عليحه على التأبيحد؛ فهحو آمن أن‬
‫يتحرك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها‪.‬‬
‫@ روى الترمذي عن نبهان مولى أم سلمة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد‬
‫دخل عليها ابن أم مكتوم‪( :‬احتجبا) فقالتا‪ :‬إنه أعمى‪ ،‬قال‪( :‬أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه)‪ .‬فإن‬
‫قيل‪ :‬هذا الحديث ل يصح عند أهل النقل لن راويه عن أم سلمة نبهان مولها وهو ممن ل يحتج‬
‫بحديثحه‪ .‬وعلى تقديحر صححته فإن ذلك منحه عليحه السحلم تغليحظ على أزواجحه لحرمتهحن كمحا غلظ‬
‫عليهحن أمحر الحجاب؛ كمحا أشار إليحه أبحو داود وغيره محن الئمحة‪ .‬ويبقحى معنحى الحديحث الصححيح‬
‫الثابت وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم شريك؛ ثم قال‪:‬‬
‫(تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ول يراك)‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬قد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرأة يجوز لها أن تطلع من الرجل على ما ل‬
‫يجوز للرجحححححل أن يطلع محححححن المرأة كالرأس ومعلق القرط؛ وأمحححححا العورة فل‪ .‬فعلى هذا يكون‬
‫مخصحصا لعموم قوله تعالى‪" :‬وقحل للمؤمنات يغضضحن محن أبصحارهن"‪ ،‬وتكون "محن" للتبعيحض‬
‫كما هي في الية قبلها‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وإنما أمرها بالنتقال من بيت أم شريك إلى ببت ابن أم‬
‫مكتوم لن ذلك أولى بهحا محن بقائهحا فحي بيحت أمحر شريحك؛ إذ كانحت أم شريحك مؤثرة بكثرة الداخحل‬
‫إليها‪ ،‬فيكثر الرائي لها‪ ،‬وفي بيت ابن أم مكتوم ل يراها أحد؛ فكان إمساك بصرها عنه أقرب من‬
‫ذلك وأولى‪ ،‬فرخص لها في ذلك‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ أمحر ال سحبحانه وتعالى النسحاء بأل يبديحن زينتهحن للناظريحن‪ ،‬إل محا اسحتثناه محن الناظريحن فحي‬
‫باقي الية حذارا من الفتتان‪ ،‬ثم استثنى‪ ،‬ما يظهر من الزينة؛ واختلف الناس في قدر ذلك؛ فقال‬
‫ابحن مسحعود‪ :‬ظاهحر الزينحة هحو الثياب‪ .‬وزاد ابحن جحبير الوجحه‪ .‬وقال سحعيد بحن جحبير أيضحا وعطاء‬
‫والوزاعحي‪ :‬الوجحه والكفان والثياب‪ .‬وقال ابحن عباس وقتادة والمسحور بحن مخرمحة‪ :‬ظاهحر الزينحة‬
‫هححو الكحححل والسححوار والخضاب إلى نصححف الذراع والقرطححة والفتححخ؛ ونحححو هذا فمباح أن تبديححه‬
‫المرأة لكل من دخل عليها من الناس‪ .‬وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذكر آخر عن عائشة رضي ال عنها عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنحه قال‪( :‬ل يححل لمرأة تؤمحن بال واليوم الخحر إذا عركحت أن تظهحر إل وجههحا ويديهحا إلى هحا‬
‫هنحا) وقبحض على نصحف الذراع‪ .‬قال ابحن عطيحة‪ :‬ويظهحر لي بحكحم ألفاظ اليحة أن المرأة مأمورة‬
‫بأل تبدي وأن تجتهد في الخفاء لكل ما هو زينة‪ ،‬ووقع الستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة‬
‫فيما ل بد منه‪ ،‬أو إصلح شأن ونحو ذلك‪ .‬فح "ما ظهر" على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة‬
‫في النساء فهو المعفو عنه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا قول حسحن‪ ،‬إل أنحه لمحا كان الغالب محن الوجحه والكفيحن ظهورهمحا عادة وعبادة وذلك‬
‫فحي الصحلة والححج‪ ،‬فيصحلح أن يكون السحتثناء راجعحا إليهمحا‪ .‬يدل على ذلك محا رواه أبحو داود عحن‬
‫عائشة رضي ال عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما دخلت على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وعليها ثياب رقاق‪ ،‬فأعرض عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال لها‪( :‬يا أسماء‬
‫إن المرأة إذا بلغحت المحيحض لم يصحلح أن يرى منهحا إل هذا) وأشار إلى وجهحه وكفيحه‪ .‬فهذا أقوى‬
‫مححن جانحب الحتياط؛ ولمراعاة فسححاد الناس فل تبدي المرأة مححن زينتهححا إل مححا ظهححر محن وجههحا‬
‫وكفيها‪ ،‬وال الموفق ل رب سواه‪ .‬وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا‪ :‬إن المرأة إذا كانت جميلة‬
‫وخيحف محن وجههحا وكفيهحا الفتنحة فعليهحا سحتر ذلك؛ وإن كانحت عجوزا أو مقبححة جاز أن تكشحف‬
‫وجهها وكفيها‪.‬‬
‫@ الزينحة على قسحمين‪ :‬خلقيحة ومكتسحبة؛ فالخلقيحة وجههحا فإنحه أصحل الزينحة وجمال الخلقة ومعنحى‬
‫الحيوانيحة؛ لمحا فيحه محن المنافحع وطرق العلوم‪ .‬وأمحا الزينحة المكتسحبة فهحي محا تحاوله المرأة فحي‬
‫تحسين خلقتها؛ كالثياب والحلي والكحل والخضاب؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬خذوا زينتكم" [العراف‪:‬‬
‫‪ .]31‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وإذا عطلن فهن خير عواطل‬ ‫يأخذن زينتهن أحسن ما ترى‬
‫@ من الزينة ظاهر وباطن؛ فما ظهر فمباح أبدا لكل الناس من المحارم والجانب؛ وقد ذكرنا ما‬
‫للعلماء فيحه‪ .‬وأمحا محا بطحن فل يححل إبداؤه إل لمحن سحماهم ال تعالى فحي هذه اليحة‪ ،‬أو ححل محلهحم‪.‬‬
‫واختلف في السوار؛ فقالت عائشة‪ :‬هي من الزينة الظاهرة لنها في اليدين‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬هي من‬
‫الزينحة الباطنحة‪ ،‬لنهحا خارج عحن الكفيحن وإنمحا تكون فحي الذراع‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬وأمحا الخضاب‬
‫فهو من الزينة الباطنة إذا كان في القدمين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليضربحن بخمرهحن على جيوبهحن" قرأ الجمهور بسحكون اللم التحي هحي للمحر‪.‬‬
‫وقرأ أبحو عمرو فحي روايحة ابحن عباس بكسحرها على الصحل؛ لن الصحل فحي لم المحر الكسحر‪،‬‬
‫وحذفت الكسرة لثقلها‪ ،‬وإنما تسكينها لتسكين عضد وفخذ‪ .‬و"يضربن" في موضع جزم بالمحر‪،‬‬
‫إل أنحه بنحي على حالة واحدة إتباعحا للماضحي عنحد سحيبويه‪ .‬وسحبب هذه اليحة أن النسحاء كحن فحي ذلك‬
‫الزمان إذا غطيححن رؤوسححهن بالخمرة وهححي المقانححع سححدلنها مححن وراء الظهححر‪ .‬قال النقاش‪ :‬كمححا‬
‫يصحنع النبحط؛ فيبقحى النححر والعنحق والذنان ل سحتر على ذلك؛ فأمحر ال تعالى بليّح الخمار على‬
‫الجيوب‪ ،‬وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارهحا على جيبهحا لتسححتر صحدرها‪ .‬روى البخاري عحن‬
‫عائشة أنها قالت‪ :‬رحم ال نساء المهاجرات الول؛ لما نزل‪" :‬وليضربن بخمرهن على جيوبهن"‬
‫شققحن أزرهحن فاختمرن بهحا‪ .‬ودخلت على عائشحة حفصحة بنحت أخيهحا عبدالرحمحن رضحي ال عنهحم‬
‫وقحد اختمرت بشيحء يشحف عحن عنقهحا ومحا هنالك؛ فشقتحه عليهحا وقالت‪ :‬إنمحا يضرب بالكثيحف الذي‬
‫يستر‪.‬‬
‫@ الخمر‪ :‬جمع الخمار‪ ،‬وهو ما تغطي به رأسها؛ ومنه اختمرت المرأة وتخمرت‪ ،‬وهي حسنة‬
‫الخِمرة‪ .‬والجيوب‪ :‬جمحع الجيحب‪ ،‬وهحو موضحع القطحع محن الدرع والقميحص؛ وهحو محن الجوب وهحو‬
‫القطحع‪ .‬ومشهور القراءة ضحم الجيحم محن "جيوبهحن"‪ .‬وقرأ بعحض الكوفييحن بكسحرها بسحبب الياء؛‬
‫كقراءتهححححم ذلك فححححي‪ :‬بيوت وشيوخ‪ .‬والنحويون القدماء ل يجيزون هذه القراءة ويقولون‪ :‬بيححححت‬
‫وبيوت كفلس وفلوس‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬يجوز على أن تبدل مححن الضمححة كسححرة؛ فأمححا مححا روي عححن‬
‫حمزة محن الجمحع بيحن الضحم والكسحر فمحال‪ ،‬ل يقدر أححد أن ينطحق بحه إل على اليماء إلى محا ل‬
‫يجوز‪ .‬وقال مقاتل‪" :‬على جيوبهن" أي على صدورهن؛ يعني على مواضع جيوبهن‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على أن الجيب إنما يكون في الثوب موضع الصدر‪ .‬وكذلك كانت الجيوب‬
‫في ثياب السلف رضوان ال عليهم؛ على ما يصنعه النساء عندنا بالندلس وأهل الديار المصرية‬
‫من الرجال والصبيان وغيرهم‪ .‬وقد ترجم البخاري رحمة ال تعالى عليه (باب جيب القميص من‬
‫عنحد الصحدر وغيره) وسحاق حديحث أبحي هريرة قال‪ :‬ضرب رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم مثحل‬
‫البخيححل والمتصححدق كمثححل رجليححن عليهمححا جبتان مححن حديححد قححد اضطرت أيديهمححا إلى ثُديّهمححا‬
‫وتراقيهمحا‪ ) ...‬الحديحث‪ ،‬وقحد تقدم بكماله‪ ،‬وفيحه‪ :‬قال أبحو هريرة‪ :‬فأنحا رأيحت رسحول ال صحلى ال‬
‫عليه وسلم يقول بإصبعيه هكذا في جيبه؛ فلو رأيته يوسعها ول تتوسع‪ .‬فهذا يبين لك أن جيبه عليه‬
‫السححلم كان فححي صححدره؛ لنححه لو كان فححي منكبححه لم تكححن يداه مضطرة إلى ثدييححه وتراقيححه‪ .‬وهذا‬
‫استدلل حسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لبعولتهن" والبعل هو الزوج والسيد في كلم العرب؛ ومنه قول النبي صلى ال‬
‫عليحه وسحلم فححي جبريححل‪( :‬إذا ولدت المحة بعلهححا) يعنححي سححيدها؛ إشارة إلى كثرة السححراري بكثرة‬
‫الفتوحات‪ ،‬فيأتي الولد من الماء فتعتق كل أم بولدها وكأنه سيدها الذي من عليها بالعتق إذ كان‬
‫العتق حاصل لها من سببه؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومنحه قوله عليحه السحلم فحي ماريحة‪( :‬أعتقهحا ولدهحا) فنسحب العتحق إليحه‪ .‬وهذا محن أحسحن‬
‫تأويلت هذا الحديث‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬فالزوج والسيد يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محل من بدنها حلل له‬
‫لذة ونظرا‪ .‬ولهذا المعنحححى بدأ بالبعولة؛ لن اطلعهحححم يقحححع على أعظحححم محححن هذا‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"والذيححن هححم لفروجهححم حافظون إل على أزواجهححم أو مححا ملكححت أيمانهححم فإنهححم غيححر ملوميححن"‬
‫[المؤمنون‪.]6 - 5 :‬‬
‫@ اختلف الناس فحي جواز نظحر الرجحل إلى فرج المرأة؛ على قوليحن‪ :‬أحدهمحا‪ :‬يجوز؛ لنحه إذا‬
‫جاز له التلذذ بحه فالنظحر أولى‪ .‬وقيحل‪ :‬ل يجوز؛ لقول عائشحة رضحي ال عنهحا فحي ذكحر حالهحا محع‬
‫رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم‪( :‬مححا رأيححت ذلك منححه ول رأى ذلك منححي) والول أصححح‪ ،‬وهذا‬
‫محمول على الدب؛ قال ابن العربي‪ .‬وقد قال أصبغ من علمائنا‪ :‬يجوز له أن يلحسه بلسانه‪ .‬وقال‬
‫ابن خويز منداد‪ :‬أما الزوج والسيد فيجوز له أن ينظر إلى سائر الجسد وظاهر الفرج دون باطنه‪.‬‬
‫وكذلك المرأة يجوز أن تنظر إلى عورة زوجها‪ ،‬والمة إلى عورة سيدها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬النظحر إلى الفرج يورث الطمس) أي العمى‪،‬‬
‫أي في الناظر‪ .‬وقيل‪ :‬إن الولد بينهما يولد أعمى‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ لما ذكر ال تعالى الزواج وبدأ بهم ثنى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة‪ ،‬ولكن‬
‫تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر‪ .‬فل مرية أن كشف الب والخ على المرأة أحوط من‬
‫كشحف ولد زوجهحا‪ .‬وتختلف مراتحب محا يبدى لهحم؛ فيبدى للب محا ل يجوز إبداؤه لولد الزوج‪ .‬وقحد‬
‫ذكر القاضي إسماعيل عن الحسن والحسين رضي ال عنهما أنهما كانا ل يريان أمهات المؤمنين‪.‬‬
‫وقال ابحن عباس‪ :‬إن رؤيتهمحا لهحن تححل‪ .‬قال إسحماعيل‪ :‬أحسحب أن الحسحن والحسحين ذهبحا فحي ذلك‬
‫إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا فحي اليحة التحي فحي أزواج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬وهحي قوله‬
‫تعالى‪" :‬ل جناح عليهن في آبائهن" [الحزاب‪ .]55 :‬وقال في سورة النور‪" :‬ول يبدين زينتهن‬
‫إل لبعولتهن" الية‪ .‬فذهب ابن عباس إلى هذه الية‪ ،‬وذهب الحسن والحسين إلى الية أخرى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو أبناء بعولتهحن" يريحد ذكور أولد الزواج‪ ،‬ويدخحل فيحه أولد الولد وإن‬
‫سفلوا‪ ،‬من ذكران كانوا أو إناث؛ كبني البنين وبني البنات‪ .‬وكذلك آباء البعولة والجداد وإن علوا‬
‫محن جهحة الذكران لباء الباء وآباء المهات‪ ،‬وكذلك أبناؤهحن وإن سحفلوا‪ .‬وكذلك أبناء البنات وإن‬
‫سحفلن؛ فيسحتوي فيحه أولد البنيحن وأولد البنات‪ .‬وكذلك أخواتهحن‪ ،‬وهحم محن ولد الباء والمهات أو‬
‫أححد الصحنفين‪ .‬وكذلك بنحو الخوة وبنحو الخوات وإن سحفلوا محن ذكران كانوا أو إناث كبنحي بنحي‬
‫الخوات وبنحي بنات الخوات‪ .‬وهذا كله فحي معنحى محا حرم محن المناكحح فإن ذلك على المعانحي فحي‬
‫الولدات وهؤلء محارم‪ ،‬وقحد تقدم فحي "النسحاء"‪ .‬والجمهور على أن العحم والخال كسحائر المحارم‬
‫في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم‪ .‬وليس في الية ذكر الرضاع‪ ،‬وهو كالنسب على ما تقدم‪.‬‬
‫وعند الشعبي وعكرمة ليس العم والخال من المحارم‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬لم يذكرهمحا في الية لنهما‬
‫تبعان لبنائهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو نسائهن" يعني المسلمات‪ ،‬ويدخل في هذا الماء المؤمنات‪ ،‬ويخرج منه نساء‬
‫المشركين من أهل الذمة وغيرهم؛ فل يحل لمرأة مؤمنة أن تكشف شيئا من بدنها بين يدي امرأة‬
‫مشركحة إل أن تكون أمحة لهحا؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬أو محا ملكحت أيمانهحن"‪ .‬وكان ابحن جريحج وعبادة‬
‫بححن نسححي وهشام القارئ يكرهون أن تقبححل النصححرانية المسححلمة أو ترى عورتهححا؛ ويتأولون "أو‬
‫نسحائهن"‪ .‬وقال عبادة بحن نسحي‪ :‬وكتحب عمحر رضحي ال عنحه إلى أبحي عبيدة بحن الجراح‪ :‬أنحه بلغنحي‬
‫أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين؛ فامنع من ذلك‪ ،‬وحل دونه؛ فإنه ل يجوز‬
‫أن ترى الذميحة عريحة المسحلمة‪ .‬قال‪ :‬فعنحد ذلك قام أبو عحبيدة وابتهحل وقال‪ :‬أيمحا امرأة تدخحل الحمام‬
‫محن غيحر عذر ل تريحد إل أن تحبيض وجههحا فسحود ال وجههحا يوم تحبيض الوجوه‪ .‬وقال ابحن عباس‬
‫رضحي ال عنهمحا‪ :‬ل يححل للمسحلمة أن تراهحا يهوديحة أو نصحرانية؛ لئل تصحفها لزوجهحا‪ .‬وفحي هذه‬
‫المسحألة خلف للفقهاء‪ .‬فإن كانحت الكافرة أمحة لمسحلمة جاز أن تنظحر إلى سحيدتها؛ وأمحا غيرهحا فل‪،‬‬
‫لنقطاع الولية بين أهل السلم وأهل الكفر‪ ،‬ولما ذكرناه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو محا ملكحت أيمانهحن" ظاهحر اليحة يشمحل العبيحد والماء المسحلمات والكتابيات‪.‬‬
‫وهو قول جماعة من أهل العلم‪ ،‬وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة رضي ال عنهما‪ .‬وقال‬
‫ابححن عباس‪ :‬ل بأس أن ينظححر المملوك إلى شعححر مولتححه‪ .‬وقال أشهححب‪ :‬سححئل مالك أتلقححي المرأة‬
‫خمارها بين يدي الخصي؟ فقال نعم‪ ،‬إذا كان مملوكا لها أو لغيرها؛ وأما الحر فل‪ .‬وإن كان فحل‬
‫كبيرا َوغْداً تملكه‪ ،‬ل هيئة له ول منظر فلينظر إلى شعرها‪ .‬قال أشهب قال مالك‪ :‬ليس بواسع أن‬
‫تدخل جارية الولد أو الزوجة على الرجل المرحاض؛ قال ال تعالى‪" :‬أو ما ملكت أيمانكم"‪ .‬وقال‬
‫أشهححب عححن مالك‪ :‬ينظححر الغلم الوغححد إلى شعححر سححيدته‪ ،‬ول أحبححه لغلم الزوج‪ .‬وقال سححعيد بححن‬
‫المسيب‪ :‬ل تغرنكم هذه الية "أو ما ملكت أيمانهن" إنما عني بها الماء ولم يعن بها العبيد‪ .‬وكان‬
‫الشعحبي يكره أن ينظحر المملوك إلى شعحر مولتحه‪ .‬وهحو قول مجاهحد وعطاء‪ .‬وروى أبحو داود عحن‬
‫أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها‪ ،‬قال‪ :‬وعلى فاطمة ثوب إذا‬
‫غطحت بحه رأسحها لم يبلغ إلى رجليهحا‪ ،‬وإذا غطحت بحه رجليهحا لم يبلغ إلى رأسحها؛ فلمحا رأى النحبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ما تلقى من ذلك قال‪( :‬إنه ل بأس عليك إنما هو أبوك وغلمك)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو التابعين غير أولي الربة من الرجال" أي غير أولي الحاجة والربة الحاجة‪،‬‬
‫يقال‪ :‬أربححت كذا آرب أربححا‪ .‬والرب والربححة والمأربححة والرب‪ :‬الحاجححة؛ والجمححع مأرب؛ أي‬
‫حوائج‪ .‬ومنه قوله تعالى‪" :‬ولي فيها مآرب أخرى" [طه‪ ]18 :‬وقد تقدم وقال طرفة‪:‬‬
‫تقدم يوما ثم ضاعت مآربه‬ ‫إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا‬
‫واختلف الناس في معنى قوله‪" :‬أو التابعين غير أولي الربة" فقيل‪ :‬هو الحمق الذي ل حاجة به‬
‫إلى النساء‪ .‬وقيل البله‪ .‬وقيل‪ :‬الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم؛ وهو ضعيف ل يكترث‬
‫للنسحاء ول يشتهيهحن‪ .‬وقيحل العنيحن‪ .‬وقيحل الخصحي‪ .‬وقيحل المخنحث‪ .‬وقيحل الشيحخ الكحبير‪ ،‬والصحبي‬
‫الذي لم يدرك‪ .‬وهذا الختلف كله متقارب المعنى‪ ،‬ويجتمع فيمن ل فهم له ول همة ينتبه بها إلى‬
‫أمر النساء‪ .‬وبهذه الصفة كان هيت المخنث عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما سمع منه ما‬
‫سحمع محن وصحف محاسحن المرأة‪ :‬باديحة ابنحة غيلن‪ ،‬أمحر بالحتجاب منحه‪ .‬أخرج حديثحه مسحلم وأبحو‬
‫داود ومالك فحي الموطحأ وغيرهحم عحن هشام بحن عروة عحن عروة عحن عائشحة‪ .‬قال أبحو عمحر‪ :‬ذكحر‬
‫عبدالملك بحن ححبيب عحن ححبيب كاتحب مالك قال قلت لمالك‪ :‬إن سحفيان زاد فحي حديحث ابنحة غيلن‪:‬‬
‫(أن مخنثا يقال له هيت) وليس في كتابك هيت؟ فقال مالك‪ :‬صدق‪ ،‬هو كذلك وغربه النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى الحمى وهو موضع من ذي الحليفة ذات الشمال من مسجدها‪ .‬قال حبيب وقلت‬
‫لمالك‪ :‬وقال سحفيان فحي الحديحث‪ :‬إذا قعدت تبنحت‪ ،‬وإذا تكلمحت تغنحت‪ .‬قال مالك‪ :‬صحدق‪ ،‬هحو كذلك‪.‬‬
‫قال أبحو عمحر‪ :‬محا ذكره ححبيب كاتحب مالك عحن سحفيان أنحه قال فحي الحديحث يعنحي حديحث هشام بحن‬
‫عروة (أن مخنثا يدعى هيتا) فغير معروف عند أحد من رواته عن هشام‪ ،‬ل ابن عيينة ول غيره‪،‬‬
‫ولم يقحل فحي نسحق الحديحث (إن مخنثحا يدعحى هيتحا) وإنمحا ذكره عحن ابحن جريحج بعحد تمام الحديحث‪،‬‬
‫وكذلك قوله عحن سحفيان أنحه يقول فحي الحديحث‪ :‬إذا قعدت تبنحت وإذا تكلمحت تغنحت‪ ،‬هذا محا لم يقله‬
‫سحفيان ول غيره فحي حديحث هشام بحن عروة‪ ،‬وهذا اللفحظ ل يوجحد إل محن روايحة الواقدي‪ ،‬والعجحب‬
‫أنحه يحكيحه عحن سحفيان ويحكحي عحن مالك أنحه كذلك‪ ،‬فصحارت روايحة عحن مالك‪ ،‬ولم يروه عحن مالك‬
‫غيححر حححبيب ول ذكره عححن سححفيان غيره أيضححا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وحححبيب كاتححب مالك متروك الحديححث‬
‫ضعيحف عنحد جميعهحم‪ ،‬ل يكتحب حديثحه ول يلتفحت إلى محا يجيحء بحه‪ .‬ذكحر الواقدي والكلبحي أن هيتحا‬
‫المخنث قال لعبدال بن أمية المخزومي وهو أخو أم سلمة لبيها وأمه عاتكة عمة رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬قال له وهو في بيت أخته أم سلمة ورسول ال صلى ال عليه وسلم يسمع‪ :‬إن فتح‬
‫ال عليكم الطائف فعليك ببادية بنت غيلن بن سلمة الثقفي‪ ،‬فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان‪ ،‬مع ثغر‬
‫كالقحوان‪ ،‬إن جلسحت تبنحت وإن تكلمحت تغنحت‪ ،‬بيحن رجليهحا كالناء المكفوء‪ ،‬وهحي كمحا قال قيحس‬
‫بن الخطيم‪:‬‬
‫كأنما شف وجهها نزف‬ ‫تغترق الطرف وهي لهية‬
‫قصد فل جبلة ول قضف‬ ‫بين شكول النساء خلقتها‬
‫قامت رويدا تكاد تنقصف‬ ‫تنام عن كبر شأنها فإذا‬
‫فقال له النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬لقد غلغلت النظر إليها يا عدو ال)‪ .‬ثم أجله عن المدينة إلى‬
‫الحمحى‪ .‬قال‪ :‬فلمحا افتتححت الطائف تزوجهحا عبدالرحمحن بحن عوف فولدت له منحه بريهحة؛ فحي قول‬
‫الكلبحي‪ .‬ولم يزل هيحت بذلك المكان حتحى قبحض النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬فلمحا ولي أبحو بكحر كلم‬
‫فيه فأبى أن يرده‪ ،‬فلما ولي عمر كلم فيه فأبى‪ ،‬ثم كلم فيه عثمان بعد‪ .‬وقيل‪ :‬إنه قد كبر وضعف‬
‫واحتاج‪ ،‬فأذن له أن يدخحل كحل جمعحة فيسحأل ويرجحع إلى مكانحه‪ .‬قال‪ :‬وكان هيحت مولى لعبدال بحن‬
‫أبحي أميحة المخزومحي‪ ،‬وكان له طُوَيحس أيضحا‪ ،‬فمحن ثحم قبحل الخنحث‪ .‬قال أبحو عمحر‪ :‬يقال باديحة بالياء‬
‫وبادنة بالنون‪ ،‬والصواب فيه عندهم بالياء‪ ،‬وهو قول أكثرهم‪ ،‬وكذلك ذكره الزبيري بالياء‪.‬‬
‫@ وصححف التابعيححن بحح "غيححر" لن التابعيححن غيححر مقصححودين بأعيانهححم‪ ،‬فصححار اللفححظ كالنكرة‪.‬‬
‫و"غيحر" ل يتمححض نكرة فجاز أن يجري وصحفا على المعرفحة‪ .‬وإن شئت قلت هحو بدل‪ .‬والقول‬
‫فيها كالقول في "غير المغضوب عليهم" [الفاتحة‪ .]7 :‬وقرأ عاصم وابن عامر "غير" بالنصب‬
‫فيكون اسحتثناء؛ أي يبديحن زينتهحن للتابعيحن إل ذا الربحة منهحم‪ .‬ويجوز أن يكون حال؛ أي والذيحن‬
‫يتبعونهن عاجزين عنهن؛ قاله أبو حاتم‪ .‬وذو الحال ما في "التابعين" من الذكر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو الطفحل" اسحم جنحس بمعنحى الجمحع‪ ،‬والدليحل على ذلك نعتحه "بالذيحن"‪ .‬وفحي‬
‫مصحححف حفصححة "أو الطفال" على الجمححع‪ .‬ويقال‪ :‬طفححل مححا لم يراهححق الحلم‪ .‬و"يظهروا" معناه‬
‫يطلعوا بالوطء؛ أي لم يكشفوا عن عوراتهن للجماع لصغرهن‪ .‬وقيل‪ :‬لم يبلغوا أن يطيقوا النساء؛‬
‫يقال‪ :‬ظهرت على كذا أي علمتحه‪ ،‬وظهرت على كذا أي قهرتحه‪ .‬والجمهور على سحكون الواو محن‬
‫"عورات" لسحتثقال الحركحة على الواو‪ .‬وروي عحن ابحن عباس فتحح الواو؛ مثحل جفنحة وجفنات‪.‬‬
‫وحكى الفراء أنها لغة قيس "عورات" بفتح الواو‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا هو القياس؛ لنه ليس بنعت‪ ،‬كما‬
‫تقول‪ :‬جفنة وجفنات؛ إل أن التسكين أجود في "عورات" وأشباهه‪ ،‬لن الواو إذا تحركت وتحرك‬
‫ما قبلها قلبت ألفا؛ فلو قيل هذا لذهب المعنى‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في وجوب ستر ما سوى الوجه والكفين منه على قولين‪ :‬أحدهما‪ :‬ل يلزم؛ لنه‬
‫ل تكليحف عليحه‪ ،‬وهحو الصححيح‪ .‬والخحر يلزمحه؛ لنحه قحد يشتهحي وقحد تشتهحي أيضحا هحي فإن راهحق‬
‫فحكمحه حكحم البالغ وجوب السحتر‪ .‬ومثله الشيحخ الذي سحقطت شهوتحه اختلف فيحه أيضحا على قوليحن‬
‫كما في الصبي‪ ،‬والصحيح بقاء الحرمة؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@ أجمحع المسحلمون على أن السحوأتين عورة محن الرجحل والمرأة‪ ،‬وأن المرأة كلهحا عورة‪ ،‬إل‬
‫وجههحا ويديهحا فإنهحم اختلفوا فيهمحا‪ .‬وقال أكثحر العلماء فحي الرجحل‪ :‬محن سحرته إلى ركبتحه عورة؛ ل‬
‫يجوز أن ترى‪ .‬وقد مضى في "العراف" القول في هذا مستوفى‪.‬‬
‫قال أصحاب الرأي‪ :‬عورة المرأة مع عبدها من السرة إلى الركبة‪ .‬ابن العربي‪ :‬وكأنهم ظنوها‬
‫رجل أو ظنوه امرأة‪ ،‬وال تعالى قحححد حرم المرأة على الطلق لنظحححر أو لذة‪ ،‬ثحححم اسحححتثنى اللذة‬
‫للزواج وملك اليميحن‪ ،‬ثحم اسحتثنى الزينحة لثنحي عشحر شخصحا العبحد منهحم‪ ،‬فمحا لنحا ولذلك هذا نظحر‬
‫فاسد واجتهاد عن السداد متباعد‪ .‬وقد تأول بعض الناس قوله‪" :‬أو ما ملكت أيمانهن" على الماء‬
‫دون العبيحد؛ منهحم سحعيد بحن المسحيب‪ ،‬فكيحف يحملون على العبيحد ثحم يلحقون بالنسحاء هذا بعيحد جدا‬
‫وقحد قيحل‪ :‬إن التقديحر أو محا ملكحت أيمانهحن محن غيحر أولي الربحة أو التابعيحن غيحر أولي الربحة محن‬
‫الرجال؛ حكاه المهدوي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يضربحن بأرجلهحن" أي ل تضرب المرأة برجلهحا إذا مشحت لتسحمع صحوت‬
‫خلخالها؛ فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشد‪ ،‬والغرض التستر‪ .‬أسند الطبري عن المعتمر‬
‫عحن أبيحه أنحه قال‪ :‬زعحم حضرمحي أن امرأة اتخذت برتيحن محن فضحة واتخذت جزعحا فجعلت فحي‬
‫سحاقها فمرت على القوم فضربحت برجلهحا الرض فوقحع الخلخال على الجزع فصحوت؛ فنزلت هذه‬
‫الية‪ .‬وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها؛ قاله الزجاج‪.‬‬
‫@ من فعل ذلك منهن فرحا بحليهن فهو مكروه‪ .‬ومن فعل ذلك منهن تبرجا وتعرضا للرجال فهو‬
‫حرام مذموم‪ .‬وكذلك مححن ضرب بنعله مححن الرجال‪ ،‬إن فعححل ذلك تعجبححا حرم فإن العجححب كححبيرة‪.‬‬
‫وإن فعل ذلك تبرجا لم يجز‪.‬‬
‫@ قال مكي رحمحه ال تعالى‪ :‬ليس فحي كتاب ال تعالى آية أكثحر ضمائر من هذه جمعت خمسة‬
‫وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتوبوا" أمحر‪ .‬ول خلف بيحن المحة فحي وجوب التوبحة‪ ،‬وأنهحا فرض متعيحن وقحد‬
‫مضحى الكلم فيهحا فحي "النسحاء" وغيرهحا فل معنحى لعادة ذلك‪ .‬والمعنحى‪ :‬وتوبوا إلى ال فإنكحم ل‬
‫تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق ال تعالى‪ ،‬فل تتركوا التوبة في كل حال‪.‬‬
‫@ قرأ الجمهور "أيحه" بفتحح الهاء‪ .‬وقرأ ابحن عامحر بضمهحا؛ ووجهحه أن تجعحل الهاء محن نفحس‬
‫الكلمحة‪ ،‬فيكون إعراب المنادى فيهحا‪ .‬وضعحف أبحو علي ذلك جدا وقال‪ :‬آخحر السحم هحو الياء الثانيحة‬
‫من أي‪ ،‬فالمضموم ينبغي أن يكون آخر السم‪ ،‬ولو جاز ضحم الهاء ها هنا لقترانها بالكلمة لجاز‬
‫ضم الميم في "اللهم" لقترانها بالكلمة في كلم طويل‪ .‬والصحيح أنه إذا ثبت عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قراءة فليس إل اعتقاد الصحة في اللغة‪ ،‬فإن القرآن هو الحجة‪ .‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫أفق عن البيض الحسان اللعس‬ ‫يا أيه القلب اللجوج النفس‬
‫اللعححس‪ :‬لون الشفححة إذا كانححت تضرب إلى السححواد قليل‪ ،‬وذلك يسححتملح؛ يقال‪ :‬شفححة لعسححاء‪ ،‬وفتيححة‬
‫ونسوة لعس‪ .‬وبعضهم يقف "أيه"‪ .‬وبعضهم يقف "أيها" باللف؛ لن علة حذفها في الوصل إنما‬
‫هحي سحكونها وسحكون اللم‪ ،‬فإذا كان الوقحف ذهبحت العلة فرجعحت اللف كمحا ترجحع الياء إذا وقفحت‬
‫على "محلي" محن قوله تعالى‪" :‬غيحر محلي الصحيد" [المائدة‪ .]1 :‬وهذا الختلف الذي ذكرناه‬
‫كذلك هو في "يا أيه الساحر"‪" .‬يا أيه الثقلن"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 32 :‬وأنكحوا اليامحى منكحم والصحالحين محن عبادكحم وإمائكحم إن يكونوا فقراء يغنهحم‬
‫ال من فضله وال واسع عليم}‬
‫@ هذه المخاطبحة تدخحل فحي باب السحتر والصحلح؛ أي زوجوا محن ل زوج له منكحم فإنحه طريحق‬
‫التعفحف؛ والخطاب للولياء‪ .‬وقيحل للزواج‪ .‬والصححيح الول؛ إذ لو أراد الزواج لقال "وأنكحوا"‬
‫بغيحر همحز‪ ،‬وكانحت اللف للوصحل‪ .‬وفحي هذا دليحل على أن المرأة ليحس لهحا أن تنكحح نفسحها بغيحر‬
‫ولي؛ وهو قول أكثر العلماء‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إذا زوجت الثيب أو البكر نفسها بغير ولي كفء لها‬
‫جاز‪ .‬وقد مضى هذا في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في هذا المر على ثلثة أقوال؛ فقال علماؤنا‪ :‬يختلف الحكم في ذلك باختلف‬
‫حال المؤمن من خوف العنت‪ ،‬ومن عدم صبره‪ ،‬ومن قوته على الصبر وزوال خشية العنت عنه‪.‬‬
‫وإذا خاف الهلك في الدين أو الدنيا أو فيهما فالنكاح حتم‪ .‬وإن لم يخش شيئا وكانت الحال مطلقة‬
‫فقال الشافعححي‪ :‬النكاح مباح‪ .‬وقال مالك وأبحو حنيفححة‪ :‬هحو مسحتحب‪ .‬تعلق الشافعححي بأنحه قضاء لذة‬
‫فكان مباحا كالكل والشرب‪.‬‬
‫وتعلق علماؤنا بالحديث الصحيح‪( :‬من رغب عن سنتي فليس مني)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اليامى منكم" أي الذين ل أزواج لهم من الرجال والنساء؛ واحدهم أيم‪ .‬قال أبو‬
‫عمرو‪ :‬أيامى مقلوب أيايم‪ .‬واتفق أهل اللغة على أن اليم في الصل هي المرأة التي ل زوج لها‪،‬‬
‫بكرا كانححت أو ثيبححا؛ حكححى ذلك أبححو عمرو والكسححائي وغيرهمححا‪ .‬تقول العرب‪ :‬تأيمححت المرأة إذا‬
‫أقامحت ل تتزوج‪ .‬وفحي حديحث النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬أنحا وامرأة سحفعاء الخديحن تأيمحت على‬
‫ولدها الصغار حتى يبلغوا أو يغنيهم ال من فضله كهاتين في الجنة)‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وإن كنت أفتى منكم أتأيم‬ ‫فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي‬
‫ويقال‪ :‬أيم بين اليمة‪ .‬وقد آمت هي‪ ،‬وإمت أنا‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫رجاء بسلمي أن تئيم كما إمت‬ ‫لقد إمت حتى لمني كل صاحب‬
‫قال أبحو عبيحد‪ :‬يقال رجحل أيحم وامرأة أيحم؛ وأكثحر محا يكون ذلك فحي النسحاء‪ ،‬وهحو كالمسحتعار فحي‬
‫الرجال‪ .‬وقال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫ل در بني علي أيم منهم وناكح‬
‫وقال قوم‪ :‬هذه اليحة ناسحخة لحكحم قوله تعالى‪" :‬والزانيحة ل ينكحهحا إل زان أو مشرك وحرم ذلك‬
‫على المؤمنين" [النور‪ .]3 :‬وقد بيناه في أول السورة والحمد ل‪.‬‬
‫@ المقصحود من قوله تعالى‪" :‬وأنكحوا اليامحى منكم" الحرائر والحرار؛ ثم بين حكحم المماليحك‬
‫فقال‪" :‬والصحالحين محن عبادكحم وإمائكحم"‪ .‬وقرأ الحسحن "والصحالحين محن عحبيدكم"‪ ،‬وعبيحد اسحم‬
‫للجمحع‪ .‬قال الفراء‪ :‬ويجوز "وإماءكحم" بالنصحب‪ ،‬يرده على "الصحالحين" يعنحي الذكور والناث؛‬
‫والصححلح اليمان‪ .‬وقيححل‪ :‬المعنححى ينبغححي أن تكون الرغبححة فححي تزويححج الماء والعبيححد إذا كانوا‬
‫صحالحين فيجوز تزويجهحم‪ ،‬ولكن ل ترغيحب فيحه ول اسحتحباب؛ كمحا قال "فكاتبوهحم إن علمتحم فيهحم‬
‫خيرا" [النور‪ .]33 :‬ثم قد تجوز الكتابة وإن لم يعلم أن في العبد خيرا‪ ،‬ولكن الخطاب ورد في‬
‫الترغيب واستحباب‪ ،‬وإنما يستحب كتابة من فيه خير‪.‬‬
‫@ أكثحر العلماء على أن للسحيد أن يكره عبده وأمتحه على النكاح؛ وهحو قول مالك وأبحي حنيفحة‬
‫وغيرهمححا‪ .‬قال مالك‪ :‬ول يجوز ذلك إذا كان ضررا‪ .‬وروي نحوه عححن الشافعححي‪ ،‬ثححم قال‪ :‬ليححس‬
‫للسحححيد أن يكره العبحححد على النكاح‪ .‬وقال النخعحححي‪ :‬كانوا يكرهون المماليحححك على النكاح ويغلقون‬
‫عليهحم البواب‪ .‬تمسحك أصححاب الشافعحي فقالوا‪ :‬العبحد مكلف فل يجحبر على النكاح؛ لن التكليحف‬
‫يدل على أن العبد كامل من جهة الدمية‪ ،‬وإنما تتعلق به المملوكية فيما كان حظا للسيد من ملك‬
‫الرقبة والمنفعة‪ ،‬بخلف المة فإنه له حق المملوكية في بضعها ليستوفيه؛ فأما بضع العبد فل حق‬
‫له فيححه‪ ،‬ولجححل ذلك ل تباح السححيدة لعبدهححا‪ .‬هذه عمدة أهححل خراسححان والعراق‪ ،‬وعمدتهححم أيضححا‬
‫الطلق‪ ،‬فإنحه يملكحه العبحد بتملك عقده‪ .‬ولعلمائنحا النكتحة العظمحى فحي أن مالكيحة العبحد اسحتغرقتها‬
‫مالكيحة السحيد؛ ولذلك ل يتزوج إل بإذنحه بإجماع‪ .‬والنكاح وبابحه إنمحا هحو محن المصحالح‪ ،‬ومصحلحة‬
‫العبد موكولة إلى السيد‪ ،‬هو يراها ويقيمها للعبد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يكونوا فقراء يغنهحم ال من فضله" رجع الكلم إلى الحرار؛ أي ل تمتنعوا‬
‫عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة؛ "إن يكونوا فقراء يغنهم ال من فضله"‪ .‬وهذا وعد بالغنى‬
‫للمتزوجيحن طلب رضحا ال واعتصحاما محن معاصحيه‪ .‬وقال ابحن مسحعود‪ :‬التمسحوا الغنحى فحي النكاح؛‬
‫وتل هذه اليحة‪ .‬وقال عمحر رضحي ال عنحه‪ :‬عجحبي ممحن ل يطلب الغنحي فحي النكاح‪ ،‬وقحد قال ال‬
‫تعالى‪" :‬إن يكونوا فقراء يغنهححم ال مححن فضله"‪ .‬وروي هذا المعنححى عححن ابححن عباس رضححي ال‬
‫عنهمحا أيضحا‪ .‬ومحن حديحث أبحي هريرة رضحي ال عنحه أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال‪:‬‬
‫(ثلثة كلهم حق على ال عونه المجاهد في سبيل ال والناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الداء)‪.‬‬
‫أخرجحه ابحن ماجحه فحي سحننه‪ .‬فإن قيحل‪ :‬فقحد نجحد الناكحح ل يسحتغني؛ قلنحا‪ :‬ل يلزم أن يكون هذا على‬
‫الدوام‪ ،‬بل لو كان في لحظة واحدة لصدق الوعد‪ .‬وقد قيل‪ :‬يغنيه؛ أي يغني النفس‪ .‬وفي الصحيح‬
‫(ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس)‪ .‬وقد قيل‪ :‬ليس وعد ل يقع فيه خلف‪ ،‬بل‬
‫المعنححى أن المال غاد ورائح‪ ،‬فارجوا الغنححى‪ .‬وقيححل‪ :‬المعنححى يغنهححم ال مححن فضله إن شاء؛ كقوله‬
‫تعالى‪" :‬فيكشحف محا تدعون إليحه إن شاء" [النعام‪ ،]41 :‬وقال تعالى‪" :‬يبسحط الرزق لمحن يشاء"‬
‫[الشورى‪ .]12 :‬وقيل‪ :‬المعنى إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم ال بالحلل ليتعففوا عن الزنى‪.‬‬
‫@ هذه الية دليل على تزويج الفقير‪ ،‬ول يقول كيف أتزوج وليس لي مال؛ فإن رزقه على ال‪.‬‬
‫وقحد زوج النحبي صحلى ال عليحه وسحلم المرأة التحي أتتحه تهحب له نفسحها لمحن ليحس له إل إزار واححد‪،‬‬
‫وليس لها بعد ذلك فسخ النكاح بالعسار لنها دخلت عليه؛ وإنما يكون ذلك إذا دخلت على اليسار‬
‫فخرج معسحرا‪ ،‬أو طرأ العسحار بعحد ذلك لن الجوع ل صحبر عليحه؛ قال علماؤنحا‪ .‬وقال النقاش‪:‬‬
‫هذه اليحة حجحة على محن قال‪ :‬إن القاضححي يفرق بيحن الزوجيحن إذا كان الزوج فقيرا ل يقدر على‬
‫النفقة؛ لن ال تعالى قال‪" :‬يغنهم ال" ولم يقل يفرق‪ .‬وهذا انتزاع ضعيف‪ ،‬وليس هذه الية حكما‬
‫فيمحن عجحز عحن النفقحة‪ ،‬وإنمحا هحي وعحد بالغناء لمحن تزوج فقيرا‪ .‬فأمحا محن تزوج موسحرا وأعسحر‬
‫بالنفقحة فإنحه يفرق بينهمحا؛ قال ال تعالى‪" :‬وإن يتفرقحا يغحن ال كل محن سحعته" [النسحاء‪.]130 :‬‬
‫ونفحات ال تعالى مأمولة في كل حال موعود بها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 34 - 33 :‬وليسحتعفف الذيحن ل يجدون نكاححا حتحى يغنيهحم ال محن فضله والذيحن‬
‫يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال ال الذي آتاكم ول‬
‫تكرهوا فتياتكحم على البغاء إن أردن تحصحنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيحا ومحن يكرههحن فإن ال محن‬
‫بعد إكراههن غفور رحيم‪ ،‬ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثل من الذين خلوا من قبلكم وموعظة‬
‫للمتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليسحتعفف الذيحن" الخطاب لمحن يملك أمحر نفسحه‪ ،‬ل لمحن زمامحه بيحد غيره فإنحه‬
‫يقوده إلى ما يراه؛ كالمحجور ‪ -‬قول واحدا ‪ -‬والمة والعبد؛ على أحد قولي العلماء‪.‬‬
‫و"اسحتعفف" وزنحه اسحتفعل؛ ومعناه طلب أن يكون عفيفحا؛ فأمحر ال تعالى بهذه اليحة كحل محن‬
‫تعذر عليه النكاح ول يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف‪ .‬ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم‬
‫المال وعحد بالغناء محن فضله؛ فيرزقحه محا يتزوج بحه‪ ،‬أو يجحد امرأة ترضحى باليسحير محن الصحداق‪،‬‬
‫أو تزول عنحه شهوة النسحاء‪ .‬وروى النسحائي عحن أبحي هريرة عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪:‬‬
‫(ثلثحة كلهحم ححق على ال عحز وجحل عونهحم المجاهحد فحي سحبيل ال والناكحح الذي يريحد العفاف‬
‫والمكاتب الذي يريد الداء)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يجدون نكاحا" أي طول نكاح؛ فحذف المضاف‪ .‬وقيل‪ :‬النكاح ها هنا ما تنكح‬
‫به المرأة من المهر والنفقة؛ كاللحاف اسم لما يلتحف به‪ .‬واللباس اسم لما يلبس فعلى هذا ل حذف‬
‫فحي اليحة‪ ،‬قاله جماعحة محن المفسحرين؛ وحملهحم على هذا قوله تعالى‪" :‬حتحى يغنيهحم ال محن فضله"‬
‫فظنوا أن المأمور بالسحتعفاف إنمحا هحو محن عدم المال الذي يتزوج بحه‪ .‬وفحي هذا القول تخصحيص‬
‫المأموريحن بالسحتعفاف؛ وذلك ضعيحف‪ ،‬بحل المحر بالسحتعفاف متوجحه لكحل محن تعذر عليحه النكاح‬
‫بأي وجه تعذر‪ ،‬كما قدمناه‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫@ من تاقت نفسه إلى النكاح فإن وجد الطول فالمستحب له أن يتزوج‪ ،‬وإن لم يجد الطول فعليه‬
‫بالستعفاف ما أمكن ولو بالصوم فإن الصوم له وجاء؛ كما جاء في الخبر الصحيح‪ .‬ومن لم تتق‬
‫نفسححه إلى النكاح فالولى له التخلي لعبادة ال تعالى‪ .‬وفححي الخححبر (خيركححم الخفيححف الحاذ الذي ل‬
‫أهل له ول ولد)‪ .‬وقد تقدم جواز نكاح الماء عند عدم الطول للحرة في "النساء" والحمد ل‪ .‬ولما‬
‫لم يجعحل ال له محن العفحة والنكاح درجحة دل على أن محا عداهمحا محرم ول يدخحل فيحه ملك اليميحن‬
‫لنححه بنححص آخححر مباح وهححو قوله تعالى‪" :‬أو مححا ملكححت أيمانهححم" فجاءت فيححه زيادة ويبقححى على‬
‫التحريححم السححتمناء ردا على أحمححد‪ .‬وكذلك يخرج عنححه نكاح المتعححة بنسححخه وقححد تقدم هذا فححي‬
‫"المؤمنون]‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيحن يبتغون الكتاب" "الذيحن" فحي موضحع رفحع‪ .‬وعنحد الخليحل وسحيبويه فحي‬
‫موضحع نصحب على إضمار فعحل؛ لن بعده أمرا‪ .‬ولمحا جرى ذكحر العبيحد والماء فيمحا سحبق وصحل‬
‫به أن العبد إن طلب الكتاب فالمستحب كتابته؛ فربما يقصد بالكتابة أن يستقل ويكتسب ويتزوج إذا‬
‫أراد‪ ،‬فيكون أعف له‪ .‬قيل‪ :‬نزلت في غلم لحويطب بن عبد العزى يقال له صبح ‪ -‬وقيل صبيح ‪-‬‬
‫طلب من موله أن يكاتبه فأبى؛ فأنزل ال تعالى هذه الية‪ ،‬فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب‬
‫له منها عشرين دينارا فأداها‪ ،‬وقتل بحنين في الحرب؛ ذكره القشيري وحكاه النقاش‪ .‬وقال مكي‪:‬‬
‫هحو صحبيح القبطحي غلم حاطحب بحن أبحي بلتعحة‪ .‬وعلى الجملة فإن ال تعالى أمحر المؤمنيحن كافحة أن‬
‫يكاتب منهم كل من له مملوك وطلب المملوك الكتابة وعلم سيده منه خيرا‪.‬‬
‫@ الكتاب والمكاتبحة سحواء؛ مفاعلة ممحا ل تكون إل بيحن اثنيحن‪ ،‬لنهحا معاقدة بيحن السحيد وعبده؛‬
‫يقال‪ :‬كاتحب يكاتحب كتابحا ومكاتبحة‪ ،‬كمحا يقال‪ :‬قاتحل قتال ومقاتلة‪ .‬فالكتاب فحي اليحة مصحدر كالقتال‬
‫والجلد والدفاع‪ .‬وقيحل‪ :‬الكتاب هحا هنحا هحو الكتاب المعروف الذي يكتحب فيحه الشيحء وذلك أنهحم‬
‫كانوا إذا كاتبوا العبحد كتبوا عليحه وعلى أنفسحهم بذلك كتابحا‪ .‬فالمعنحى يطلبون العتحق الذي يكتحب بحه‬
‫الكتاب فيدفع إليهم‪.‬‬
‫@ معنحى المكاتبحة فحي الشرع‪ :‬هحو أن يكاتحب الرجحل عبده على مال يؤديحه منجمحا عليحه؛ فإذا أداه‬
‫فهو حر‪ .‬ولها حالتان‪ :‬الولى‪ :‬أن يطلبها العبد ويجيبه السيد؛ فهذا مطلق الية وظاهرها‪ .‬الثانية‪:‬‬
‫أن يطلبهحا العبحد ويأباهحا السحيد؛ وفيهحا قولن‪ :‬الول‪ :‬لعكرمحة وعطاء ومسحروق وعمرو بحن دينار‬
‫والضحاك بحن مزاححم وجماعحة أهحل الظاهحر أن ذلك واجحب على السحيد‪ .‬وقال علماء المصحار‪ :‬ل‬
‫يجب ذلك‪ .‬وتعلق من أوجبها بمطلق المر‪ ،‬وأفعل بمطلقه على الوجوب حتى يأتي الدليل بغيره‪.‬‬
‫وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس‪ ،‬واختاره الطبري‪ .‬واحتج داود أيضا بأن سيرين أبا‬
‫محمحد بحن سحيرين سحأل أنحس بحن مالك الكتابحة وهحو موله فأبحى أنحس؛ فرفحع عمحر عليحه الدرة‪ ،‬وتل‪:‬‬
‫"فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا"‪ ،‬فكاتبه أنس‪ .‬قال داود‪ :‬وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما‬
‫له مباح أل يفعله‪ .‬وتمسححك الجمهور بأن الجماع منعقححد على أنححه لو سححأله أن يححبيعه مححن غيره لم‬
‫يلزمححه ذلك‪ ،‬ولم يجححبر عليححه وإن ضوعححف له فححي الثمححن‪ .‬وكذلك لو قال له أعتقنححي أو دبرنححي أو‬
‫زوجنحي لم يلزمحه ذلك بإجماع‪ ،‬فكذلك الكتابحة؛ لنهحا معاوضحة فل تصحح إل عحن تراض‪ .‬وقولهحم‪:‬‬
‫مطلق المحر يقتضحي الوجوب صححيح‪ ،‬لكحن إذا عري عحن قرينحة تقتضحي صحرفه عحن الوجوب‪،‬‬
‫وتعليقحه هنحا بشرط علم الخيحر فيحه؛ فعلق الوجوب على أمحر باطحن وهحو علم السحيد بالخيريحة‪ .‬وإذا‬
‫قال العبحد‪ :‬كاتبنحي؛ وقال السحيد‪ :‬لم أعلم فيحك خيرا؛ وهحو أمحر باطحن‪ ،‬فيرجحع فيحه إليحه ويعول عليحه‪.‬‬
‫وهذا قوي في بابه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فحي قوله تعالى‪" :‬خيرا" فقال ابحن عباس وعطاء‪ :‬المال‪ .‬مجاهحد‪ :‬المال‬
‫والداء‪ .‬والحسحن والنخعحي‪ :‬الديحن والمانحة‪ .‬وقال مالك‪ :‬سحمعت بعحض أهحل العلم يقولون هحو القوة‬
‫على الكتساب والداء‪ .‬وعن الليث نحوه‪ ،‬وهو قول الشافعي‪ .‬وقال عبيدة السلماني‪ :‬إقامة الصلة‬
‫والخير‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬وقول من قال إنه المال ل يصح عندنحا لن العبد مال لموله‪ ،‬فكيف يكون‬
‫له مال‪ .‬والمعنى عندنا‪ :‬إن علمتم فيهم الدين والصدق‪ ،‬وعلمتم أنهم يعاملونكم على أنهم متعبدون‬
‫بالوفاء لكحم بمحا عليهحم محن الكتابحة والصحدق فحي المعاملة فكاتبوهحم‪ .‬وقال أبحو عمحر‪ :‬محن لم يقحل إن‬
‫الخيححر هنححا المال أنكححر أن يقال إن علمتححم فيهححم مال‪ ،‬وإنمححا يقال‪ :‬علمححت فيححه الخيححر والصححلح‬
‫والمانة؛ ول يقال‪ :‬علمت فيه المال‪ ،‬وإنما يقال علمت عنده المال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحديث بريرة يرد قول من قال‪ :‬إن الخير المال؛ على ما يأتي‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فحي كتابحة محن ل حرفحة له؛ فكان ابحن عمحر يكره أن يكاتحب عبده إذا لم تكحن له‬
‫حرفة‪ ،‬ويقول‪ :‬أتأمرني أن آكل أوساخ الناس؛ ونحوه عن سلمان الفارسي‪ .‬وروى حكيم بن حزام‬
‫فقال‪ :‬كتحب عمحر بحن الخطاب إلى عميحر بحن سحعد‪ :‬أمحا بعحد فإنحه مَن ِقبَلك محن المسحلمين أن يكاتبوا‬
‫أرقاءهم على مسألة الناس‪ .‬وكرهه الوزاعي وأحمد وإسحاق‪ .‬ورخص في ذلك مالك وأبو حنيفة‬
‫والشافعي‪ .‬وروي عن علي رضي ال عنه أن ابن التياح مؤذنه قال له‪ :‬أكاتب وليس لي مال؟ قال‬
‫نعم؛ ثم حض الناس على الصدقة عليّ؛ فأعطوني ما فضل عن مكاتبتي‪ ،‬فأتيت عليا فقال‪ :‬اجعلها‬
‫في الرقاب‪ .‬وقد روي عن مالك كراهة ذلك‪ ،‬وأن المة التي ل حرفة لها يكره مكاتبتها لما يؤدي‬
‫إليه من فسادها‪ .‬والحجة في السنة ل فيما خالفها‪ .‬روى الئمة عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫دخلت علي بريرة فقالت‪ :‬إن أهلي كاتبونححي على تسححع أواق فححي تسححع سححنين كححل سححنة أوقيححة‪،‬‬
‫فأعينينحي‪ ). ..‬الحديحث‪ .‬فهذا دليحل على أن للسحيد أن يكاتحب عبده وهحو ل شيحء معحه؛ أل ترى أن‬
‫بريرة جاءت عائشحة تخبرهحا بأنهحا كاتبحت أهلهحا وسحألتها أن تعينهحا‪ ،‬وذلك كان فحي أول كتابتهحا قبحل‬
‫أن تؤدي منها شيئا؛ كذلك ذكره ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها‬
‫في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا؛ أخرجه البخاري وأبو داود‪ .‬وفي هذا دليل على جواز‬
‫كتابحة المحة‪ ،‬وهحي غيحر ذات صحنعة ول حرفحة ول مال‪ ،‬ولم يسحأل النحبي صحلى ال عليحه وسحلم هحل‬
‫لها كسب أو عمل واصب أو مال‪ ،‬ولو كان هذا واجبا لسأل عنه ليقع حكمه عليه؛ لنه بعث مبينا‬
‫معلما صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفي هذا الحديث ما يدل على أن من تأول في قوله تعالى‪" :‬إن علمتم‬
‫فيهم خيرا" أن المال الخير‪ ،‬ليس بالتأويل الجيد‪ ،‬وأن الخير المذكور هو القوة على الكتساب مع‬
‫المانة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ الكتابة تكون بقليل المال وكثيره‪ ،‬وتكون على أنجم؛ لحديث بريرة‪ .‬وهذا ما ل خلف فيه بين‬
‫العلماء والحمحد ل‪ .‬فلو كاتبحه على ألف درهحم ولم يذكحر أجل نجمحت عليحه بقدر سحعايته وإن كره‬
‫السحيد‪ .‬قال الشافعحي‪ :‬ل بحد فيهحا محن أجحل؛ وأقلهحا ثلثحة أنجحم‪ .‬واختلفوا إذا وقعحت على نجحم واححد‬
‫فأكثحر أهحل العلم يجيزونهحا على نجحم واححد‪ .‬وقال الشافعحي‪ :‬ل تجوز على نجحم واححد‪ ،‬ول تجوز‬
‫حالة البتحة‪ ،‬وإنمحا ذلك عتحق على صحفة؛ كأنحه قال‪ :‬إذا أديحت كذا وكذا فأنحت ححر وليسحت كتابحة‪ .‬قال‬
‫ابن العربي‪:‬‬
‫@ اختلف العلماء والسلف في الكتابة إذا كانت حالة على قولين‪ ،‬واختلف قول علمائنا كاختلفهم‪.‬‬
‫والصحيح في النظر أن الكتابة مؤجلة؛ كما ورد بها الثر في حديث بريرة حين كاتبت أهلها على‬
‫تسع أواق في كل عام أوقية‪ ،‬وكما فعلت الصحابة؛ ولذلك سميت كتابة لنها تكتب ويشهد عليها‪،‬‬
‫فقحد اسحتوسق السحم والثحر‪ ،‬وعضده المعنحى؛ فإن المال إن جعله حال وكان عنحد العبحد شيحء فهحو‬
‫مال مقاطعة وعقد مقاطعة ل عقد كتابة‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪ :‬إذا كاتبه على مال معجل كان عتقا‬
‫على مال‪ ،‬ولم تكحن كتابحة‪ .‬وأجاز غيره محن أصححابنا الكتابحة الحالة وسحماها قطاعحة‪ ،‬وهحو القياس؛‬
‫لن الجل فيها إنما هو فسحة للعبد في التكسب‪ .‬أل ترى أنه لو جاء بالمنجم عليه قبل محله لوجب‬
‫على السيد أن يأخذه ويتعجل للمكاتب عتقه‪ .‬وتجوز الكتابة الحالة؛ قاله الكوفيون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لم يرد عححن مالك نححص فححي الكتابححة الحالة؛ والصحححاب يقولون‪ :‬إنهححا جائزة‪ ،‬ويسححمونها‬
‫قطاعحة‪ .‬وأمحا قول الشافعحي إنهحا ل تجوز على أقحل محن ثلثحة أنجحم فليحس بصححيح؛ لنحه لو كان‬
‫صححيحا لجاز لغيره أن يقول‪ :‬ل يجوز على أقحل محن خمسحة نجوم؛ لنهحا أقحل النجوم التحي كانحت‬
‫على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم في بريرة‪ ،‬وعلم بها النبي صلى ال عليه وسلم وقضى‬
‫فيهحا‪ ،‬فكان بصحواب الحجحة أولى‪ .‬روى البخاري عحن عائشحة أن بريرة دخلت عليهحا تسحتعينها فحي‬
‫كتابتها وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين‪ )...‬الحديث‪ .‬كذا قال الليث عن يونس عن‬
‫ابحن شهاب عحن عروة عحن عائشحة‪ :‬وعليهحا خمسحة أواق نجمحت عليهحا فحي خمحس سحنين‪ .‬وقال أبحو‬
‫أسحامة عحن هشام بحن عروة عحن أبيحه عحن عائشحة رضحي ال عنهحا قالت‪ :‬جاءت بريرة فقالت‪ :‬إنحي‬
‫كاتبحت أهلي على تسحع أواق‪ )...‬الحديحث‪ .‬وظاهحر الروايتيحن تعارض‪ ،‬غيحر أن حديحث هشام أولى‬
‫لتصحاله وانقطاع حديحث يونحس؛ لقول البخاري‪ :‬وقال الليحث حدثنحي يونحس؛ ولن هشامحا أثبحت فحي‬
‫حديث أبيه وجده من غيره‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ المكاتب عبد ما بقي عليه من مال الكتابة شيء؛ لقوله عليه السلم‪( :‬المكاتب عبد ما بقي عليه‬
‫من مكاتبته درهم)‪ .‬أخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ .‬وروي عنه أيضا أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬أيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إل عشرة دنانير فهو عبد)‪.‬‬
‫وهذا قول مالك والشافعححي وأبححي حنيفححة وأصحححابهم والثوري وأحمححد وإسحححاق وأبححي ثور وداود‬
‫والطبري‪ .‬وروي ذلك عن ابن عمر من وجوه‪ ،‬وعن زيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة‪ ،‬لم يختلف‬
‫عنهحم فحي ذلك رضحي ال عنهحم‪ .‬وروي ذلك عحن عمحر بحن الخطاب‪ ،‬وبحه قال ابحن المسحيب والقاسحم‬
‫وسالم وعطاء‪ .‬قال مالك‪ :‬وكل من أدركنا ببلدنا يقول ذلك‪ .‬وفيها قول آخر روي عن علي أنه إذا‬
‫أدى الشطر فهو غريم؛ وبه قال النخعي‪ .‬وروي ذلك عن عمر رضي ال عنه‪ ،‬والسناد عنه بأن‬
‫المكاتب عبد ما بقي عليه درهم‪ ،‬خير من السناد عنه بأن المكاتب إذا أدى الشطر فل رق عليه؛‬
‫فال أبو عمر‪ .‬وعن علي أيضا يعتق منه بقدر ما أدى‪ .‬وعنه أيضا أن العتاقة تجري فيه بأول نجم‬
‫يؤديححه‪ .‬وقال ابححن مسححعود‪ :‬إذا أدى ثلث الكتابححة فهححو عتيححق غريححم؛ وهذا قول شريححح‪ .‬وعححن ابححن‬
‫مسعود‪ :‬لو كانت الكتابة مائتي دينار وقيمة العبد مائة دينار فأدى العبد المائة التي هي قيمته عتق؛‬
‫وهو قول النخعي أيضا‪ .‬وقول سابع‪ :‬إذا أدى الثلثة الرباع وبقي الربع فهو غريم ول يعود عبدا‬
‫قاله عطاء بحن أبحي رباح‪ ،‬رواه ابحن جريحج عنحه‪ .‬وحكحي عحن بعحض السحلف أنحه بنفحس عقحد الكتابحة‬
‫حر‪ ،‬وهو غريم بالكتابة ول يرجع إلى الرق أبدا‪ .‬وهذا القول يرده حديث بريرة لصحته عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفيه دليل واضح على أن المكاتب عبد‪ ،‬ولول ذلك ما بيعت بريرة‪ ،‬ولو كان‬
‫فيهحا شيحء محن العتحق محا أجاز بيحع ذلك؛ إذ محن سحنته المجمحع عليهحا أل يباع الححر‪ .‬وكذلك كتابحة‬
‫سلمان وجويرية؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم حكم لجميعهم بالرق حتى أدوا الكتابة‪ .‬وهي حجة‬
‫للجمهور في أن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء‪ .‬وقد ناظحر علي بن أبي طالب زيد بن ثابت في‬
‫المكاتب؛ فقال لعلي‪ :‬أكنت راجمه لو زنى‪ ،‬أو مجيزا شهادته لو شهد؟ فقال علي ل‪ .‬فقال زيد‪ :‬هو‬
‫عبحد ما بقي عليه شيحء‪ .‬وقحد روى النسحائي عن علي وابن عباس رضحي ال عنهم عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسم أنه قال‪( :‬المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما أدى ويرث‬
‫بقدر محا عتحق منحه)‪ .‬وإسحناده صححيح‪ .‬وهحو حجحة لمحا روي عحن علي‪ ،‬ويعتضحد بمحا رواه أبحو داود‬
‫عن نبهان مكاتب أم سلمة قال سمعت أم سلمة تقول‪ :‬قال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا‬
‫كان لحداكحن مكاتحب وكان عنده محا يؤدي فلتحتجحب منحه)‪ .‬وأخرجحه الترمذي وقال‪ :‬حديحث حسحن‬
‫صححيح‪ .‬إل أنحه يحتمحل أن يكون خطابحا محع زوجاتحه‪ ،‬أخذا بالحتياط والورع فحي حقهحن؛ كمحا قال‬
‫لسودة‪( :‬احتجبي منه) مع أنه قد حكم بأخوتها له‪ ،‬وبقوله لعائشة وحفصة‪( :‬أفعمياوان أنتما ألستما‬
‫تبصرانه) يعني ابن أم مكتوم‪ ،‬مع أنه قال لفاطمة بنت قيس‪( :‬اعتدي عند ابن أم مكتوم) وقد تقدم‬
‫هذا المعنى‪.‬‬
‫@ أجمع العلماء على أن المكاتب إذا حل عليه نجحم من نجومه أو نجمان أو نجومه كلها فوقف‬
‫السيد عن مطالبته وتركه بحال أن الكتابة ل تنفسخ ما داما على ذلك ثابتين‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬ليس للعبد أن يعجز نفسه إذا كان له مال ظاهر‪ ،‬وإن لم يظهر له مال فذلك إليه‪ .‬وقال‬
‫الوزاعحي‪ :‬ل يمكحن محن تعجيحز نفسحه إذا كان قويحا على الداء‪ .‬وقال الشافعحي‪ :‬له أن يعجحز نفسحه‪،‬‬
‫علم له مال أو قوة على الكتابححة أو لم يعلم؛ فإذا قال‪ :‬قححد عجزت وأبطلت الكتابححة فذلك إليححه‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬إذا عجحز المكاتحب فكحل محا قبضحه منحه سحيده قبحل العجحز ححل له‪ ،‬كان محن كسحبه أو محن صحدقة‬
‫عليه‪ .‬وأما ما أعين به على فكاك رقبته فلم يف ذلك بكتابته كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى‬
‫أو تحلل منحه المكاتحب‪ .‬ولو أعانوه صحدقة ل على فكاك رقبتحه فذلك إن عجحز ححل لسحيده ولو تحم بحه‬
‫فكاكحه وبقيحت منحه فضلة‪ .‬فإن كان بمعنحى الفكاك ردهحا إليهحم بالحصحص أو يحللونحه منهحا‪ .‬هذا كله‬
‫مذهحب مالك فيمحا ذكحر ابحن القاسحم‪ .‬وقال أكثحر أهحل العلم‪ :‬إن محا قبضحه السحيد منحه محن كتابتحه‪ ،‬ومحا‬
‫فضحل بيده بعحد عجزه محن صحدقة أو غيرهحا فهحو لسحيده‪ ،‬يطيحب له أخحذ ذلك كله‪ .‬هذا قول الشافعحي‬
‫وأبي حنيفة وأصحابهما وأحمد بن حنبل‪ ،‬ورواية عن شريح‪ .‬وقال الثوري‪ :‬يجعل السيد ما أعطاه‬
‫فحي الرقاب؛ وهحو قول مسحروق والنخعحي‪ ،‬وروايحة عحن شريحح‪ .‬وقالت طائفحة‪ :‬محا قبحض منحه السحيد‬
‫فهو له‪ ،‬وما فضل بيده بعد العجز فهو له دون سيده؛ وهذا قول بعض من ذهب إلى أن العبد يملك‪.‬‬
‫وقال إسحاق‪ :‬ما أعطي بحال الكتابة رد على أربابه‪.‬‬
‫@ حديحث بريرة على اختلف طرقحه وألفاظحه يتضمحن أن بريرة وقحع فيهحا بيحع بعحد كتابحة تقدمحت‪.‬‬
‫واختلف الناس فحي بيحع المكاتحب بسحبب ذلك‪ .‬وقحد ترجحم البخاري (باب بيحع المكاتحب إذا رضحي)‪.‬‬
‫وإلى جواز بيعحه للعتحق إذا رضحي المكاتحب بالبيحع ولو لم يكحن عاجزا‪ ،‬ذهحب ابحن المنذر والداودي‪،‬‬
‫وهحو الذي ارتضاه أبحو عمحر بحن عبدالبر‪ ،‬وبحه قال ابحن شهاب وأبحو الزناد وربيعحة غيحر أنهحم قالوا‪:‬‬
‫لن رضاه بالبيحع عجحز منحه‪ .‬وقال مالك وأبحو حنيفحة وأصححابهما‪ :‬ل يجوز بيحع المكاتحب محا دام‬
‫مكاتبحا حتحى يعجحز‪ ،‬ول يجوز بيحع كتابتحه بحال؛ وهحو قول الشافعحي بمصحر‪ ،‬وكان بالعراق يقول‪:‬‬
‫بيعحه جائز وأمحا بيحع كتابتحه فغيحر جائزة‪ .‬وأجاز مالك بيحع الكتابحة؛ فإن أداهحا عتحق وإل كان رقيقحا‬
‫لمشتري الكتابحة‪ .‬ومنحع محن ذلك أبحو حنيفحة؛ لنحه بيحع غرر‪ .‬واختلف قول الشافعحي فحي ذلك بالمنحع‬
‫والجازة‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬يجوز بيع المكاتب على أن يمضي في كتابته؛ فإن أدى عتق وكان ولؤه‬
‫للذي ابتاعححه‪ ،‬ولو عجححز فهححو عبححد له‪ .‬وبححه قال النخعححي وعطاء والليححث وأحمححد وأبححو ثور‪ .‬وقال‬
‫الوزاعحي‪ :‬ل يباع المكاتحب إل للعتحق‪ ،‬ويكره أن يباع قبحل عجزه؛ وهحو قول أحمحد وإسححاق‪ .‬قال‬
‫أبحو عمحر‪ :‬فحي حديحث بريرة إجازة بيحع المكاتحب إذا رضحي بالبيحع ولم يكحن عاجزا عحن أداء نجحم قحد‬
‫ححل عليحه؛ بخلف قول محن زعحم أن بيحع المكاتحب غيحر جائز إل بالعجحز؛ لن بريرة لم تذكحر أنهحا‬
‫عجزت عن أداء نجم‪ ،‬ول أخبرت بأن النجم قد حل عليها‪ ،‬ول قال لها النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أعاجزة أنحت أم هحل ححل عليحك نجحم‪ .‬ولو لم يجحز بيحع المكاتحب والمكاتبحة إل بالعجحز عحن أداء محا قحد‬
‫حل لكان النبي صلى ال عليه وسلم قد سألها أعاجزة هي أم ل‪ ،‬وما كان ليأذن في شرائها إل بعد‬
‫علمه صلى ال عليه وسلم أنها عاجزة ولو عن أداء نجم واحد قد حل عليها‪ .‬وفي حديث الزهري‬
‫أنها لم تكن قضت من كتابتها شيئا‪ .‬ول أعلم فحي هذا الباب حجة أصح من حديث بريرة هذا‪ ،‬ولم‬
‫يرو عن النبي صلى ال عليه وسلم شيء يعارضه‪ ،‬ول في شيء من الخبار دليل على عجزها‪.‬‬
‫اسحتدل محن منحع محن بيحع المكاتحب بأمور‪ :‬منهحا أن قالوا إن الكتابحة المذكورة لم تكحن انعقدت‪ ،‬وأن‬
‫قولها كاتبت أهلي معناه أنها راودتهم عليها‪ ،‬وقدروا مبلغها وأجلها ولم يعقدوها‪ .‬وظاهر الحاديث‬
‫خلف هذا إذا تؤمحل مسحاقها‪ .‬وقيحل‪ :‬إن بريرة عجزت عحن الداء فاتفقحت هحي وأهلهحا على فسحخ‬
‫الكتابحة‪ ،‬وحينئذ صحح البيحع؛ إل أن هذا إنمحا يتمشحى على قول محن يقول‪ :‬إن تعجيحز المكاتحب غيحر‬
‫مفتقر إلى حكم حاكم إذا اتفق العبد والسيد عليه؛ لن الححق ل يعدوهما‪ ،‬وهو المذهب المعروف‪.‬‬
‫وقال سححنون‪ :‬ل بحد من السحلطان؛ وهذا إنمحا خاف أن يتواطحأ على ترك ححق ال تعالى‪ .‬ويدل على‬
‫صحححة أنهحا عجزت محا روي أن بريرة جاءت عائشحة تسححتعينها فححي كتابتهححا ولم تكححن قضححت محن‬
‫كتابتها شيئا؛ فقالت لها عائشة‪ :‬ارجعحي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك فعلت‪ .‬فظاهر‬
‫هذا أن جميحع كتابتهحا أو بعضهحا اسحتحق عليهحا؛ لنحه ل يقضحى محن الحقوق إل محا وجبحت المطالبحة‬
‫بحه‪ ،‬وال أعلم‪ .‬هذه التأويلت أشبحه محا لهحم وفيهحا محن الدخحل محا بيناه‪ .‬وقال ابحن المنذر‪ :‬ول أعلم‬
‫حجحة لمحن قال ليحس له بيحع المكاتحب إل أن يقول لعحل بريرة عجزت‪ .‬قال الشافعحي‪ :‬وأظهحر معانيحه‬
‫أن لمالك المكاتب بيعه‪.‬‬
‫@ المكاتب إذا أدى كتابته عتق ول يحتاج إلى ابتداء عتق من السيد‪ .‬كذلك ولده الذين ولدوا في‬
‫كتابتحه محن أمتحه‪ ،‬يعتقون بعتقحه ويرقون برقحه؛ لن ولد النسحان محن أمتحه بمثابتحه اعتبارا بالححر‬
‫وكذلك ولد المكاتبة‪ ،‬فإن كان لهما ولد قبل الكتابة لم يدخل في الكتابة إل بشرط‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتوهم من مال ال الذي آتاكم" هذا أمر للسادة بإعانتهم في مال الكتابة إما بأن‬
‫يعطوهم شيئا مما في أيديهم ‪ -‬أعني أيدي السادة ‪ -‬أو يحطوا عنهم شيئا من مال الكتابة‪ .‬قال مالك‪:‬‬
‫يوضحع عحن المكاتحب محن آخحر كتابتحه‪ .‬وقحد وضحع ابحن عمحر خمسحة آلف محن خمسحة وثلثيحن ألفحا‪.‬‬
‫واسحتحسن علي رضحي ال عنحه أن يكون ذلك ربحع الكتابحة‪ .‬قال الزهراوي‪ :‬روي ذلك عحن النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم‪ .‬واسحتحسن ابحن مسحعود والحسحن بحن أبحي الحسحن ثلثهحا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬عشرهحا‪.‬‬
‫ابححن جححبير‪ :‬يسححقط عنححه شيئا‪ ،‬ولم يحده؛ وهححو قول الشافعححي‪ ،‬واسححتحسنه الثوري‪ .‬قال الشافعححي‪:‬‬
‫والشيء أقل شيء يقع عليه اسم شيء‪ ،‬ويجبر عليه السيد ويحكم به الحاكحم على الورثة إن مات‬
‫السححيد‪ .‬ورأى مالك رحمححه ال تعالى هذا المححر على الندب‪ ،‬ولم يححر لقدر الوضعيححة حدا‪ .‬احتححج‬
‫الشافعحي بمطلق المحر فحي قوله "وآتوهم"‪ ،‬ورأى أن عطحف الواجب على الندب معلوم في القرآن‬
‫ولسحان العرب كمحا قال تعالى‪" :‬إن ال يأمحر بالعدل والحسحان وإيتاء ذي القربحى" [النححل‪]90 :‬‬
‫ومحا كان مثله‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬وذكره قبله إسحماعيل بحن إسححاق القاضحي‪ ،‬جعحل الشافعحي اليتاء‬
‫واجبا‪ ،‬والكتابة غير واجبة؛ فجعل الصل غير واجب والفرع واجبا‪ ،‬وهذا ل نظير له‪ ،‬فصارت‬
‫دعوى محضحة‪ .‬فإن قيحل‪ :‬يكون ذلك كالنكاح ل يجحب فإذا انعقحد وجبحت أحكامحه‪ ،‬منهحا المتعحة‪ .‬قلنحا‪:‬‬
‫عندنحا ل تجحب المتعحة فل معنحى لصححاب الشافعحي‪ .‬وقحد كاتحب عثمان بحن عفان عبده وحلف أل‬
‫يحطه‪ ،...‬في حديث طويل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقححد قال الحسححن والنخعححي وبريدة إنمححا الخطاب بقوله "وآتوهححم" للناس أجمعيححن فححي أن‬
‫يتصحدقوا على المكاتحبين‪ ،‬وأن يعينوهحم فحي فكاك رقابهحم‪ .‬وقال زيحد بحن أسحلم‪ :‬إنمحا الخطاب للولة‬
‫بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم؛ وهو الذي تضمنه قوله تعالى "وفي الرقاب"‪ .‬وعلى‬
‫هذين القولين فليس لسيد المكاتب أن يضع شيئا عن مكاتبه‪ .‬ودليل هذا أنه لو أراد حط شيء من‬
‫نجوم الكتابة لقال وضعوا عنهم كذا‪.‬‬
‫@ إذا قلنحا‪ :‬إن المراد بالخطاب السحادة فرأى عمحر بحن الخطاب أن يكون ذلك محن أول نجومحه‪،‬‬
‫مبادرة إلى الخير خوفا أل يدرك آخرها‪ .‬ورأى مالك رحمه ال تعالى وغيره أن يكون الوضع من‬
‫آخر نجم‪ .‬وعلة ذلك أنه إذا وضع من أول نجم ربما عجز العبد فرجع هو وماله إلى السيد‪ ،‬فعادت‬
‫إليه وضيعته وهي شبه الصدقة‪ .‬وهذا قول عبدال بن عمر وعلي‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬يترك له من كل‬
‫نجححم‪ .‬قال ابححن العربححي‪ :‬والقوى عندي أن يكون فححي آخرهححا؛ لن السححقاط أبدا إنمححا يكون فححي‬
‫أخريات الديون‪.‬‬
‫@ المكاتب إذا بيع للعتق رضا منه بعد الكتابة وقبض بائعه ثمنه لم يجب عليه أن يعطيه من ثمنه‬
‫شيئا‪ ،‬سحواء باعحه لعتحق أو لغيحر عتحق‪ ،‬وليحس ذلك كالسحيد يؤدي إليحه مكاتحب كتابتحه فيؤتيحه منهحا أو‬
‫يضع عنه من آخرها نجما أو ما شاء؛ على ما أمر ال به في كتابه لن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫لم يأمر موالي بريرة بإعطائها مما قبضوا شيئا‪ ،‬وإن كانوا قد باعوها للعتق‪.‬‬
‫@ اختلفوا في صفة عقد الكتابة؛ فقال ابن خويز منداد‪ :‬صفتها أن يقول السيد لعبده كاتبتك على‬
‫كذا وكذا محن المال‪ ،‬فحي كذا وكذا نجمحا‪ ،‬إذا أديتحه فأنحت ححر‪ .‬أو يقول له أد إلي ألفحا فحي عشرة أنجحم‬
‫وأنحت ححر‪ .‬فيقول العبحد قحد قبلت ونححو ذلك محن اللفاظ؛ فمتحى أداهحا عتحق‪ .‬وكذلك لو قال العبحد‬
‫كاتبنححي‪ ،‬فقال السححيد قححد فعلت‪ ،‬أو قححد كاتبتححك‪ .‬قال ابححن العربححي‪ :‬وهذا ل يلزم لن لفححظ القرآن ل‬
‫يقتضيه والحال يشهد له؛ فإن ذكره فحسن‪ ،‬وإن تركه فهو معلوم ل يحتاج إليه‪ .‬ومسائل هذا الباب‬
‫وفروعه كثيرة‪ ،‬وقد ذكرنا من أصوله جملة‪ ،‬فيها لمن اقتصر عليها كفاية‪ ،‬وال الموفق للهداية‪.‬‬
‫@ في ميراث المكاتب؛ واختلف العلماء في ذلك على ثلثة أقوال‬
‫[فمذهحب مالك] أن المكاتحب إذا هلك وترك مال أكثحر ممحا بقحي عليه من كتابتحه وله ولد ولدوا فحي‬
‫كتابتحه أو كاتحب عليهحم‪ ،‬ورثوا محا بقحي محن المال بعحد قضاء كتابتحه؛ لن حكمهحم كحكمحه‪ ،‬وعليهحم‬
‫السحعي فيمحا بقحي محن كتابتحه لو لم يخلف مال‪ ،‬ول يعتقون إل بعتقحه‪ ،‬ولو أدى عنهحم محا رجحع بذلك‬
‫عليهم؛ لنهم يعتقون عليه؛ فهم أولى بميراثه لنهم مساوون له في جميع حاله‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أنه يؤدى عنه من مال جميع كتابته‪ ،‬وجعل كأنه قد مات حرا‪ ،‬ويرثه جميع ولده‬
‫وسحواء فحي ذلك محن كان حرا قبحل موتحه محن ولده ومحن كاتحب عليهحم أو ولدوا فحي كتابتحه لنهحم قحد‬
‫اسحتووا فحي الحريحة كلهحم حيحن تأدت عنهحم كتابتهحم‪ .‬روي هذا القول عحن علي وابحن مسحعود ومحن‬
‫التابعيحن عحن عطاء والحسحن وطاوس وإبراهيحم‪ ،‬وبحه قال فقهاء الكوفحة سحفيان الثوري وأبحو حنيفحة‬
‫وأصحابه والحسن بن صالح بن حي‪ ،‬وإليه ذهب إسحاق‪.‬‬
‫والقول الثالث‪ :‬أن المكاتحب إذا مات قبحل أن يؤدي جميحع كتابتحه فقحد مات عبدا‪ ،‬وكحل محا يخلفحه‬
‫من المال فهو لسيده‪ ،‬ول يرثه أحد من أولده‪ ،‬ل الحرار ول الذين معه في كتابته؛ لنه لما مات‬
‫قبحل أن يؤدي جميحع كتابتحه فقحد مات عبدا وماله لسحيده‪ ،‬فل يصحح عتقحه بعحد موتحه؛ لنحه محال أن‬
‫يعتق عبد بعد موته‪ ،‬وعلى ولده الذين كاتب عليهم أو ولدوا في كتابته أن يسعوا في باقي الكتابة‪،‬‬
‫ويسحقط عنهحم منهحا قدر حصححته‪ ،‬فإن أدوا عتقوا لنهحم كانوا فيهححا تبعححا لبيهححم‪ ،‬وإن لم يؤدوا ذلك‬
‫رقوا‪ .‬هذا قول الشافعحي‪ ،‬وبحه قال أحمحد بحن حنبحل‪ ،‬وهحو قول عمحر بحن الخطاب وزيحد بحن ثابحت‬
‫وعمر بن عبدالعزيز والزهري وقتادة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا" روي عن جابر بن عبدال وابن‬
‫عباس رضحي ال عنهحم أن هذه اليحة نزلت فحي عبدال بن أبيحّ‪ ،‬وكانحت له جاريتان إحداهمحا تسحمى‬
‫معاذة والخرى مسحيكة‪ ،‬وكان يكرههمحا على الزنحى ويضربهمحا عليحه ابتغاء الجحر وكسحب الولد‬
‫فشكتحا ذلك إلى النبي صحلى ال عليه وسحلم فنزلت الية فيحه وفيمن فعل فعله من المنافقيحن‪ .‬ومعاذة‬
‫هذه أم خولة التحي جادلت النحبي صحلى ال عليه وسحلم فحي زوجهحا‪ .‬وفحي صححيح مسحلم عحن جابر أن‬
‫جاريحة لعبدال بحن أبيّح يقال لهحا مسحيكة وأخرى يقال لهحا أميمحة فكان يكرههمحا على الزنحى‪ ،‬فشكتحا‬
‫ذلك إلى النححبي صححلى ال عليححه وسححلم فأنزل ال عحز وجحل "ول تكرهوا فتياتكححم على البغاء ‪ -‬إلى‬
‫قوله ‪ -‬غفور رحيححم"‪" .‬إن أردن تحصححنا" راجححع إلى الفتيات‪ ،‬وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصححن‬
‫فحينئذ يمكحن ويتصحور أن يكون السحيد مكرهحا‪ ،‬ويمكحن أن ينهحى عحن الكراه‪ .‬وإذا كانحت الفتاة ل‬
‫تريححد التحصححن فل يتصححور أن يقال للسححيد ل تكرههححا؛ لن الكراه ل يتصححور فيهححا وهححي مريدة‬
‫للزني‪ .‬فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه‪ .‬وإلى هذا المعنى أشار ابن العربي فقال‪ :‬إنما ذكر ال‬
‫تعالى إرادة التحصحن محن المرأة لن ذلك هحو الذي يصحور الكراه؛ فأمحا إذا كانحت هحي راغبحة فحي‬
‫الزنحى لم يتصحور إكراه‪ ،‬فحصلوه‪ .‬وذهحب هذا النظحر عن كثيحر من المفسحرين؛ فقال بعضهحم قوله‪:‬‬
‫"إن أردن تحصنا" راجع إلى اليامى‪ ،‬قال الزجاج والحسين بن الفضل‪ :‬في الكلم تقديم وتأخير؛‬
‫أي وأنكحوا اليامى والصالحين من عبادكم إن أردن تحصنا‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬هذا الشرط في قوله‪:‬‬
‫"إن أردن" ملغى‪ ،‬ونحو ذلك مما يضعف وال الموفق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتبتغوا عرض الحياة الدنيا" أي الشيء الذي تكسبه المة بفرجها والولد يسترق‬
‫فيباع‪ .‬وقيحل‪ :‬كان الزانحي يفتدي ولده محن المزنحي بهحا بمائة محن البحل يدفعهحا إلى سحيدها‪" .‬ومحن‬
‫يكرههحن" أي يقهرهحن‪" .‬فإن ال محن بعحد إكراههحن غفور" لهحن "رحيحم" بهحن‪ .‬وقرأ ابحن مسحعود‬
‫وجابر بن عبدال وابن جبير "لهن غفور" بزيادة لهن‪ .‬وقد مضى الكلم في الكراه في "النحل"‬
‫والحمحد ل‪ .‬ثحم عدد تعالى على المؤمنيحن نعمحه فيمحا أنزل إليهحم محن اليات المنيرات وفيهحا ضرب‬
‫لهم من أمثال الماضين من المم ليقع التحفظ مما وقع أولئك فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 35 :‬ال نور السحماوات والرض مثحل نوره كمشكاة فيهحا مصحباح المصحباح فحي‬
‫زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها‬
‫يضيحححء ولو لم تمسحححسه نار نور على نور يهدي ال لنوره محححن يشاء ويضرب ال المثال للناس‬
‫وال بكل شيء عليم}‬
‫@ النور فحي كلم العرب‪ :‬الضواء المدركحة بالبصحر‪ .‬واسحتعمل مجازا فيمحا صحح محن المعانحي‬
‫ولح فيقال منه‪ :‬كلم له نور‪ .‬ومنه‪ :‬الكتاب المنير‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫نورا ومن فلق الصباح عمودا‬ ‫نسب كأن عليه من شمس الضحا‬
‫والناس يقولون‪ :‬فلن نور البلد‪ ،‬وشمس العصر وقمره‪ .‬وقال‪:‬‬
‫فإنك شمس والملوك كواكب‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫قمر القبائل خالد بن يزيد‬ ‫هل خصصت من البلد بمقصد‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فقد سار منها نورها وجمالها‬ ‫إذا سار عبد ال من مرو ليلة‬
‫فيجوز أن يقال‪ :‬ل تعالى نور من جهة المدح لنه أوجحد الشياء ونور جميحع الشياء منه ابتداؤهحا‬
‫وعنحه صحدورها وهحو سحبحانه ليحس محن الضواء المدركحة جحل وتعالى عمحا يقول الظالمون علوا‬
‫كحبيرا‪ .‬وقحد قال هشام الجوالقحي وطائفحة محن المجسحمة‪ :‬هحو نور ل كالنوار‪ ،‬وجسحم ل كالجسحام‪.‬‬
‫وهذا كله محال على ال تعالى عقل ونقل على ما يعرف في موضعه من علم الكلم‪ .‬ثم إن قولهم‬
‫متناقض؛ فإن قولهم جسم أو نور حكم عليه بحقيقة ذلك‪ ،‬وقولهم ل كالنوار ول كالجسام نفي لما‬
‫أثبتوه من الجسمية والنور؛ وذلك متناقض‪ ،‬وتحقيقه في علم الكلم‪ .‬والذي أوقعهم في ذلك ظواهر‬
‫اتبعوهححا منهححا هذه اليححة‪ ،‬وقول عليححه السححلم إذا قام مححن الليححل يتهجححد (اللهححم لك الحمححد أنححت نور‬
‫السحموات والرض)‪ .‬وقال عليحه السحلم وقحد سحئل‪ :‬هحل رأيحت ربحك؟ فقال‪( :‬رأيحت نورا)‪ .‬إلى غيحر‬
‫ذلك من الحاديث‪.‬‬
‫واختلف العلماء في تأويل هذه الية؛ فقيل‪ :‬المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها‪ ،‬واستقامت‬
‫أمورهحا‪ ،‬وقامحت مصحنوعاتها‪ .‬فالكلم على التقريحب للذهحن؛ كمحا يقال‪ :‬الملك نور أهحل البلد؛ أي بحه‬
‫قوام أمرها وصلح جملتها؛ لجريان أموره على سنن السداد‪ .‬فهو في الملك مجاز‪ ،‬وهو في صفة‬
‫ال حقيقحة محضحة‪ ،‬إذ هحو الذي أبدع الموجودات وخلق العقحل نورا هاديحا؛ لن ظهور الموجود بحه‬
‫حصححل كمححا حصححل بالضوء ظهور المبصححرات‪ ،‬تبارك وتعالى ل رب غيره‪ .‬قال معناه مجاهححد‬
‫والزهري وغيرهمحا‪ .‬قال ابحن عرفحة‪ :‬أي منور السحموات والرض‪ .‬وكذا قال الضحاك والقرظحي‪.‬‬
‫كما يقولون‪ :‬فلن غياثنا؛ أي مغيثنا‪ .‬وفلن زادي؛ أي مزودي‪ .‬قال جرير‪:‬‬
‫ونبت لمن يرجو نداك وريق‬ ‫وأنت لنا نور وغيث وعصمة‬
‫أي ذو ورق‪ .‬وقال مجاهححد‪ :‬مدبر المور فححي السححموات والرض‪ .‬أبي حّ بححن كعححب والحسححن وأبححو‬
‫العاليحة‪ :‬مزيحن السحموات بالشمحس والقمحر والنجوم‪ ،‬ومزيحن الرض بالنحبياء والعلماء والمؤمنيحن‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وأنس‪ :‬المعنى ال هادي أهل السموات والرض‪ .‬والول أعم للمعاني وأصح مع‬
‫التأويل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مثحل نوره" أي صحفة دلئله التحي يقذفهحا فحي قلب المؤمحن؛ والدلئل تسحمى نورا‪.‬‬
‫وقد سمى ال تعالى كتابه نورا فقال‪" :‬وأنزلنا إليكم نورا مبينا" [النساء‪ ]174 :‬وسمى نبيه نورا‬
‫فقال‪" :‬قد جاءكم من ال نور وكتاب مبين" [المائدة‪ .]15 :‬وهذا لن الكتاب يهدي ويبين‪ ،‬وكذلك‬
‫الرسحول‪ .‬ووجحه الضافحة إلى ال تعالى أنحه مثبحت الدللة ومبينهحا وواضعهحا‪ .‬وتحتمحل اليحة معنحى‬
‫آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل به‪ ،‬بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة‪ ،‬وذلك‬
‫أن يريحد مثحل نور ال الذي هحو هداه وإتقانحه صحنعة كحل مخلوق وبراهينحه السحاطعة على الجملة‪،‬‬
‫كهذه الجملة محن النور الذي تتخذونحه أنتحم على هذه الصحفة‪ ،‬التحي هحي أبلغ صحفات النور الذي بيحن‬
‫أيدي الناس؛ فمثحل نور ال فحي الوضوح كهذا الذي هحو منتهاكحم أيهحا البشحر‪ .‬والمشكاة‪ :‬الكوة فحي‬
‫الحائط غيحر النافذة؛ قال ابحن جحبير وجمهور المفسحرين‪ ،‬وهحي أجمحع للضوء‪ ،‬والمصحباح فيهحا أكثحر‬
‫إنارة منحه فحي غيرهحا‪ ،‬وأصحلها الوعاء يجعحل فيحه الشيحء‪ .‬والمشكاة وعاء محن أدم كالدلو يحبرد فيهحا‬
‫الماء؛ وهو على وزن مفعلة كالمقراة والمصفاة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫قيضا اقتياضا بأطراف المناقير‬ ‫كأن عينيه مشكاتان في حجر‬
‫وقيحل‪ :‬المشكاة عمود القنديحل الذي فيحه الفتيلة‪ .‬وقال مجاهحد‪ :‬هحي القنديحل‪ .‬وقال "فحي زجاجحة" لنحه‬
‫جسحم شفاف‪ ،‬والمصحباح فيحه أنور منحه فحي غيحر الزجاج‪ .‬والمصحباح‪ :‬الفتيحل بناره "كأنهحا كوكحب‬
‫دري" أي فحي النارة والضوء‪ .‬وذلك يحتمحل معنييحن‪ :‬إمحا أن يريحد أنهحا بالمصحباح كذلك‪ ،‬وإمحا أن‬
‫يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك‪ .‬وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور‪ .‬قال‬
‫الضحاك‪ :‬الكوكب الدري هو الزهرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوقد من شجرة مباركة" أي من زيت شجرة‪ ،‬فحذف المضاف‪ .‬والمبارة المنماة؛‬
‫والزيتون مححن أعظححم الثمار نماء‪ ،‬والرمان كذلك‪ .‬والمعنححى يقتضححي ذلك‪ .‬وقول أبححي طالب يرثححي‬
‫مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبدشمس‪:‬‬
‫رو وليت يقولها المحزون‬ ‫ليت شعري مسافر بن أبي عمح‬
‫رك نبع الرمان والزيتون‬ ‫بورك الميت الغريب كما بو‬
‫وقيحل‪ :‬محن بركتهمحا أن أغصحانهما تورق محن أسحفلها إلى أعلهحا‪ .‬وقال ابحن عباس‪ :‬فحي الزيتونحة‬
‫منافع‪ ،‬يسرج بالزيت‪ ،‬وهو إدام ودهان ودباغ‪ ،‬ووقود يوقد بحطبه وتفله‪ ،‬وليس فيه شيء إل وفيه‬
‫منفعحة‪ ،‬حتحى الرماد يغسحل بحه البريسحم‪ .‬وهحي أول شجرة نبتحت فحي الدنيحا‪ ،‬وأول شجرة نبتحت بعحد‬
‫الطوفان‪ ،‬وتنبححت فححي منازل النححبياء والرض المقدسححة‪ ،‬ودعححا لهححا سححبعون نبيححا بالبركححة؛ منهححم‬
‫إبراهيحم‪ ،‬ومنهحم محمححد صحلى ال عليحه وسحلم فإنحه قال‪( :‬اللهحم بارك فححي الزيحت والزيتون)‪ .‬قاله‬
‫مرتين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل شرقية ول غربية" اختلف العلماء في قوله تعالى‪" :‬ل شرقية ول غربية" فقال‬
‫ابحن عباس وعكرمحة وقتادة وغيرهحم‪ :‬الشرقيحة التحي تصحيبها الشمحس إذا شرقحت ول تصحيبها إذا‬
‫غربحت لن لهحا سحترا‪ .‬والغربيحة عكسحها؛ أي أنهحا شجرة فحي صححراء ومنكشحف محن الرض ل‬
‫يواريهحا عحن الشمحس شيحء وهحو أجود لزيتهحا‪ ،‬فليسحت خالصحة للشرق فتسحمى شرقيحة ول للغرب‬
‫فتسحمى غربيحة‪ ،‬بحل هحي شرقيحة غربيحة‪ .‬وقال الطحبري عحن ابحن عباس‪ :‬إنهحا شجرة فحي دوححة قحد‬
‫أحاطت بها؛ فهي غير منكشفة من جهة الشرق ول من جهة الغرب‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا قول ل‬
‫يصحح عحن ابحن عباس لن الثمرة التحي بهذه الصحفة يفسحد جناهحا وذلك مشاهحد فحي الوجود‪ .‬وقال‬
‫الحسن‪ :‬ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا‪ ،‬وإنما هو مثل ضربه ال تعالى لنوره‪ ،‬ولو كانت في‬
‫الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية‪ .‬الثعلبي‪ :‬وقد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا؛ لنها بدل من‬
‫الشجرة‪ ،‬فقال "زيتونححة"‪ .‬وقال ابححن زيححد‪ :‬إنهححا مححن شجححر الشأم؛ فإن شجححر الشأم ل شرقححي ول‬
‫غربحي‪ ،‬وشجحر الشأم هحو أفضحل الشجحر‪ ،‬وهحي الرض المباركحة‪ ،‬و"شرقيحة" نعحت "لزيتونحة"‬
‫و"ل" ليست تحول بين النعت والمنعوت‪" ،‬ول غربية" عطف عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار" مبالغة في حسنه وصفائه وجودته‪" .‬نور‬
‫على نور" أي اجتمحع فحي المشكاة ضوء المصحباح إلى ضوء الزجاجحة وإلى ضوء الزيحت فصحار‬
‫لذلك نور على نور‪ .‬واعتقلت هذه النوار فحي المشكاة فصحارت كأنور محا يكون فكذلك براهيحن ال‬
‫تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان‪ ،‬وتنبيه بعد تنبيه؛ كإرساله الرسل وإنزاله الكتب‪ ،‬ومواعظ‬
‫تتكرر فيها لمن له عقل معتبر‪ .‬ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده‪ ،‬وذكر تفضله‬
‫لعباد فحي ضرب المثال لتقحع لهحم العحبرة والنظحر المؤدي إلى اليمان‪ .‬وقرأ عبدال بحن عياش بحن‬
‫أبي ربيعة وأبو عبدالرحمن السلمي "ال نور" بفتح النون والواو المشددة‪ .‬واختلف المتأولون في‬
‫عود الضميححر فححي "نوره" على مححن يعود؛ فقال كعححب الحبار وابححن جححبير‪ :‬هححو عائد على محمححد‬
‫صححلى ال عليححه وسححلم؛ أي مثححل نور محمححد صححلى ال عليححه وسححلم‪ .‬قال ابححن النباري‪" :‬ال نور‬
‫السححموات والرض" وقحف حسحن‪ ،‬ثحم تبتدئ "مثحل نوره كمشكاة فيهححا مصحباح" على معنححى نور‬
‫محمد صلى‪ .‬وقال أبي بن كعب وابن جبير أيضا والضحاك‪ :‬هو عائد على المؤمنين‪ .‬وفي قراءة‬
‫أبيّح "مثحل نور المؤمنيحن"‪ .‬وروي أن فحي قراءتحه "مثحل نور المؤمحن"‪ .‬وروي أن فيهحا "مثحل نور‬
‫محن آمحن بحه"‪ .‬وقال الحسحن‪ :‬هحو عائد على القرآن واليمان‪ .‬قال مكحي‪ :‬وعلى هذه القوال يوقحف‬
‫على قوله‪" :‬والرض"‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذه القوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر‪،‬‬
‫وفيهحا مقابلة جزء محن المثال بجزء محن الممثحل فعلى محن قال‪ :‬الممثحل بحه محمحد صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم‪ ،‬وهحو قول كعحب الححبر؛ فرسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم هحو المشكاة أو صحدره والمصحباح‬
‫هححو النبوة ومححا يتصححل بهححا مححن عمله وهداه‪ ،‬والزجاجححة قلبححه‪ ،‬والشجرة المباركححة هححي الوحححي‪،‬‬
‫والملئكحة رسحل ال إليه وسحببه المتصحل بحه‪ ،‬والزيحت هحو الحجحج والبراهيحن واليات التحي تضمنهحا‬
‫الوحي‪ .‬ومن قال‪ :‬الممثل به المؤمن‪ ،‬وهو قول أب يّ؛ فالمشكاة صدره‪ ،‬والمصباح اليمان والعلم‪،‬‬
‫والزجاجة قلبه‪ ،‬وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها‪ .‬قال أب يّ‪ :‬فهو على أحسن الحال يمشي‬
‫فحي الناس كالرجحل الححي يمشحي فحي قبور الموات‪ .‬ومحن قال‪ :‬إن الممثحل بحه هحو القرآن واليمان؛‬
‫فتقديحر الكلم‪ :‬مثحل نوره الذي هحو اليمان فحي صحدر المؤمحن فحي قلبحه كمشكاة؛ أي كهذه الجملة‪.‬‬
‫وهذا القول ليححس فححي مقابلة التشححبيه كالوليححن؛ لن المشكاة ليسححت تقابححل اليمان‪ .‬وقالت طائفححة‪:‬‬
‫الضميححر فححي "نوره" عائد على ال تعالى‪ .‬وهذا قول ابححن عباس فيمححا ذكححر الثعلبححي والماوردي‬
‫والمهدوي‪ ،‬وقد تقدم معناه‪ .‬ول يوقحف على هذا القول على "الرض"‪ .‬قال المهدوي‪ :‬الهاء ل عز‬
‫وجل؛ والتقدير‪ :‬ال هادي أهل السموات والرض‪ ،‬مثل هداه في قلوب المؤمنين كمشكاة؛ وروي‬
‫ذلك عحن ابحن عباس‪ .‬وكذلك قال زيحد بحن أسحلم‪ ،‬والحسحن‪ :‬إن الهاء ل عحز وجحل‪ .‬وكان أبيّح وابحن‬
‫مسحعود يقرآنهحا "مثحل نوره فحي قلب المؤمحن كمشكاة"‪ .‬قال محمحد بحن علي الترمذي‪ :‬فأمحا غيرهمحا‬
‫فلم يقرأها في التنزيل هكذا‪ ،‬وقد وافقهما في التأويل أن ذلك نوره قلب المؤمن‪ ،‬وتصديقه في آية‬
‫أخرى يقول‪" :‬أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه" [الزمر‪.]22 :‬‬
‫واعتل الولون بأن قالوا‪ :‬ل يجوز أن يكون الهاء ل عز وجل؛ لن ال عز وجل ل حدّ لنوره‪.‬‬
‫وأمال الكسائي فيما روى عنه أبو عمر الدوري اللف من "مشكاة" وكسر الكاف التي قبلها‪ .‬وقرأ‬
‫نصر بن عاصم "زجاجة" بفتح الزاي و"الزجاجة" كذلك‪ ،‬وهي لغة‪ .‬وقرأ ابن عامر وحفص عن‬
‫عاصححم "دري" بضححم الدال وشححد الياء‪ ،‬ولهذه القراءة وجهان‪ :‬إمححا أن ينسححب الكوكححب إلى الدر‬
‫لبياضه وصفائه‪ ،‬وإما أن يكون أصله دريء مهموز‪ ،‬فعيل من الدرء وهو الدفع‪ ،‬وخففت الهمزة‪.‬‬
‫ويقال للنجوم العظام التحي ل تعرف أسحماؤها‪ :‬الدراري‪ ،‬بغيحر همحز فلعلهحم خففوا الهمزة‪ ،‬والصحل‬
‫من الدرء الذي هو الدفع‪ .‬وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم "دريء" بالهمز والمد‪ ،‬وهو فعيل من‬
‫الدرء؛ بمعنى أنها يدفع بعضها بعضا‪ .‬وقرأ الكسائي وأبو عمرو "دريء" بكسر الدال والهمز من‬
‫الدرء والدفحع؛ مثحل السحكير والفسحيق‪ .‬قال سحيبويه‪ :‬أي يدفحع بعحض ضوئه بعضحا محن لمعانحه‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وضعحف أبحو عبيحد قراءة أبحي عمرو والكسحائي تضعيفحا شديدا‪ ،‬لنحه تأولهحا محن درأت أي‬
‫دفعحت؛ أي كوكحب يجري محن الفحق إلى الفحق‪ .‬وإذا كان التأويحل على محا تأوله لم يكحن فحي الكلم‬
‫فائدة‪ ،‬ول كان لهذا الكوكحب مزية على أكثحر الكواكحب؛ أل ترى أنه ل يقال جاءني إنسحان من بنحي‬
‫آدم‪ .‬ول ينبغي أن يتأول لمثل أبي عمرو والكسائي مع علمهما وجللتهما هذا التأويل البعيد‪ ،‬ولكن‬
‫التأويل لهما على ما روي عن محمد بن يزيد أن معناهما في ذلك‪ :‬كوكب مندفع بالنور؛ كما يقال‪:‬‬
‫اندرأ الحريحق أن اندفحع‪ .‬وهذا تأويحل صححيح لهذه القراءة‪ .‬وحكحى سحعيد بحن مسحعدة أنحه يقال‪ :‬درأ‬
‫الكوكحب بضوئه إذا امتحد ضوءه وعل‪ .‬وقال الجوهري فحي الصححاح‪ :‬ودرأ علينحا فلن يدرأ دروءا‬
‫أي طلع مفاجأة‪ .‬ومنه كوكب دريء‪ ،‬على فعيل؛ مثل سكير وخمير؛ لشدة توقده وتللئه‪ .‬وقد درأ‬
‫الكوكب دروءا‪ .‬قال أبو عمرو بن العلء‪ :‬سألت رجل من سعد بن بكر من أهل ذات عرق فقلت‪:‬‬
‫هذا الكوكحب الضخحم محا تسحمونه؟ قال‪ :‬الدريحء‪ ،‬وكان محن أفصحح الناس‪ .‬قال النحاس‪ :‬فأمحا قراءة‬
‫حمزة فأهحل اللغحة جميعحا قالوا‪ :‬هحي لححن ل تجوز‪ ،‬لنحه ليحس فحي كلم العرب اسحم على فعيحل‪ .‬وقحد‬
‫اعترض أبو عبيد في هذا فاحتج لحمزة فقال‪ :‬ليس هو فعيل وإنما هو فعول‪ ،‬مثل سبوح‪ ،‬أبدل من‬
‫الواو ياء؛ كما قالوا‪ :‬عتي‪.‬‬
‫قال أبحو جعفحر النحاس‪ :‬وهذا العتراض والحتجاج محن أعظحم الغلط وأشده؛ لن هذا ل يجوز‬
‫البتحة‪ ،‬ولو جاز محا قال لقيحل فحي سحبوح سحبيح‪ ،‬وهذا ل يقوله أححد‪ ،‬وليحس عتحي محن هذا‪ ،‬والفرق‬
‫بينهما واضح بين؛ لنه ليس يخلو عتي من إحدى جهتين‪ :‬إما أن يكون جمع عات فيكون البدل فيه‬
‫لزمحا‪ ،‬لن الجمحع باب تغييحر‪ ،‬والواو ل تكون طرفحا فحي السحماء وقبلهحا ضمحة‪ ،‬فلمحا كان قبحل هذه‬
‫سحاكن وقبحل السحاكن ضمحة والسحاكن ليحس بحاجحز حصحين أبدل محن الضمحة كسحرة فقلبحت الواو ياء‪.‬‬
‫وإن كان عتحي واحدا كان بالواو أولى‪ ،‬وجاز قلبهحا لنهحا طرف‪ ،‬والواو فحي فعول ليسحت طرفحا فل‬
‫يجوز قلبهححا‪ .‬قال الجوهري‪ :‬قال أبححو عبيححد إن ضممححت الدال قلت دري‪ ،‬يكون منسححوبا إلى الدر‪،‬‬
‫على فعلي ولم تهمزه لنه ليس في كلم العرب فعيل‪ .‬ومن همزه من القراء فإنما أراد فعول مثل‬
‫سبوح فاستثقل فرد بعضه إلى الكسر‪ .‬وحكى الخفش عن بعضهم "دريء" من درأته‪ ،‬وهمزها‬
‫وجعلها على فعيل مفتوحة الول‪ .‬قال‪ :‬وذلك من تللئه‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وقرأ سعيد بن المسيب وأبو‬
‫رجاء "دريحء" بفتحح الدال مهموزا‪ .‬قال أبحو حاتحم‪ :‬هذا خطحأ لنحه ليحس فحي الكلم فعيحل؛ فإن صحح‬
‫عنهمحا فهمحا حجة‪" .‬يوقد" قرأ شيبحة ونافع وأيوب وسحلم وابن عامر وأهحل الشام وحفص "يوقحد"‬
‫بياء مضمومححة وتخفيححف القاف وضححم الدال‪ .‬وقرأ الحسححن والسححلمي وأبححو جعفححر وأبححو عمرو بححن‬
‫العلء البصحري "توقحد" مفتوححة الحروف كلهحا مشددة القاف‪ ،‬واختارهحا أبحو حاتحم وأبحو عبيحد‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهاتان القراءتان متقاربتان؛ لنهما جميعا للمصباح‪ ،‬وهو أشبه بهذا الوصف؛ لنه الذي‬
‫ينيحر ويضيحء‪ ،‬وإنمحا الزجاجحة وعاء له‪ .‬و"توقحد" فعحل ماض محن توقحد يتوقحد‪ ،‬ويوقحد فعحل مسحتقبل‬
‫من أوقد يوقد‪ .‬وقرأ نصر بن عاصم "توقد" والصل على قراءته تتوقد حذف إحدى التاءين لن‬
‫الخرى تدل عليهححا‪ .‬وقرأ الكوفيون "توقححد" بالتاء يعنون الزجاجححة‪ .‬فهاتان القراءتان على تأنيححث‬
‫الزجاجة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬محن شجرة مباركحة زيتونحة ل شرقيحة ول غربيحة" تقدم القول فيحه‪" .‬يكاد زيتهحا‬
‫يضيحء ولو لم تمسحسه نار نور على نور" على تأنيحث النار‪ .‬وزعحم أبحو عبيحد أنحه ل يعرف إل هذه‬
‫القراءة‪ .‬وحكحى أبحو حاتحم أن السحدي روى عحن أبحي مالك عحن ابحن عباس أنحه قرأ "ولو لم يمسحسه‬
‫نار" بالياء‪ .‬قال محمحد بحن يزيحد‪ :‬التذكيحر على أنحه تأنيحث غيحر حقيقحي‪ ،‬وكذا سحبيل المؤنحث عنده‪.‬‬
‫وقال ابن عمر‪ :‬المشكاة جوف محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والزجاجة قلبه‪ ،‬والمصباح النور الذي‬
‫جعله ال تعالى فحي قلبحه يوقحد شجرة مباركحة؛ أي أن أصحله محن إبراهيحم وهحو شجرتحه؛ فأوقحد ال‬
‫تعالى فحي قلب محمحد صحلى ال عليحه وسحلم النور كمحا جعله فحي قلب إبراهيحم عليحه السحلم‪ .‬وقال‬
‫محمححد بححن كعححب‪ :‬المشكاة إبراهيححم‪ ،‬والزجاجححة إسححماعيل‪ ،‬والمصححباح محمححد صححلوات ال عليهححم‬
‫أجمعيحن؛ سحماه ال تعالى مصحباحا كمحا سحماه سحراجا فقال‪" :‬وداعيحا إلى ال بإذنحه وسحراجا منيرا"‬
‫[الحزاب‪ ]46 :‬يوقد من شجرة مباركة وهي آدم عليه السلم‪ ،‬بورك في نسله وكثر منه النبياء‬
‫والولياء‪ .‬وقيحل‪ :‬هحي إبراهيحم عليحه السحلم‪ ،‬سحماه ال تعالى مباركحا لن أكثحر النحبياء كانوا محن‬
‫صحلبه‪" .‬ل شرقيحة ول غربيحة" أي لم يكحن يهوديحا ول نصحرانيا وإنمحا كان حنيفحا مسحلما‪ .‬وإنمحا قال‬
‫ذلك لن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي فبل المشرق‪" .‬يكاد زيتها يضيء" أي يكاد‬
‫محاسحن محمحد صحلى ال عليحه وسحلم تظهحر للناس قبحل أن أوححى ال تعالى إليحه‪" .‬نور على نور"‬
‫نحبي محن نسحل نحبي‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬شبحه عبدالمطلب بالمشكاة وعبدال بالزجاجحة والنحبي صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم بالمصحباح كان فحي قلبهمحا‪ ،‬فورث النبوة محن إبراهيحم‪" .‬محن شجرة" أي شجرة التقحى‬
‫والرضوان وعشيرة الهدى واليمان‪ ،‬شجرة أصححلها نبوة‪ ،‬وفرعهححا مروءة‪ ،‬وأغصححانها تنزيححل‪،‬‬
‫وورقها تأويل‪ ،‬وخدمها جبريل وميكائيل‪ .‬قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬ومن غريب المر أن‬
‫بعححض الفقهاء قال إن هذا مثححل ضربححه ال تعالى لبراهيححم ومحمححد ولعبدالمطلب وابنححه عبدال؛‬
‫فالمشكاة هحي الكوة بلغحة الحبشحة‪ ،‬فشبحه عبدالمطلب بالمشكاة فيهحا القنديحل وهحو الزجاجحة‪ ،‬وشبحه‬
‫عبدال بالقنديحل وهحو الزجاجحة؛ ومحمحد كالمصحباح يعنحي محن أصحلبهما‪ ،‬وكأنحه كوكحب دري وهحو‬
‫المشتري "يوقححد مححن شجرة مباركححة" يعنححي إرث النبوة مححن إبراهيححم عليححه السححلم هححو الشجرة‬
‫المباركحة‪ ،‬يعنحي حنيفيحة ل شرقيحة ول غربيحة‪ ،‬ل يهوديحة ول نصحرانية‪" .‬يكاد زيتهحا يضيحء ولو لم‬
‫تمسسه نار" يقول‪ :‬يكاد إبراهيم يتكلم بالوحي من قبل أن يوحي إليه‪" .‬نور على نور" إبراهيم ثم‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال القاضي‪ :‬وهذا كله عدول عن الظاهر‪ ،‬وليس يمتنع في التمثيل أن‬
‫يتوسع المرء فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكذلك فحي جميحع القوال لعدم ارتباطحه باليحة محا عدا القول الول‪ ،‬وأن هذا مثحل ضربحه‬
‫ال تعالى لنوره‪ ،‬ول يمكحن أن يضرب لنوره المعظحم مثل تنبيهحا لخلقحه إل ببعحض خلقحه لن الخلق‬
‫لقصححورهم ل يفهمون إل بأنفسححهم ومححن أنفسححهم‪ ،‬ولول ذلك مححا عرف ال إل ال وحده‪ ،‬قاله ابححن‬
‫العربحي‪ .‬قال ابحن عباس‪ :‬هذا مثحل نور ال وهداه فحي قلب المؤمحن كمحا يكاد الزيحت الصحافي يضيحء‬
‫قبل أن تمسه النار‪ ،‬فإن مسته النار زاد ضوءه‪ ،‬كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه‬
‫العلم‪ ،‬فإذا جاءه العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور؛ كقول إبراهيححححم مححححن قبححححل أن تجيئه‬
‫المعرفة‪" :‬هذا ربي"‪ ،‬من قبل أن يخبره أحد أن له ربا؛ فلما أخبره ال أنه ربه زاد هدى‪ ،‬فقال له‬
‫ربحه‪" :‬أسحلم قال أسحلمت لرب العالميحن" [البقرة‪ .]131 :‬ومحن قال إن هذا مثحل للقرآن فحي قلب‬
‫المؤمححن قال‪ :‬كمححا أن هذا المصححباح يسححتضاء بححه ول ينقححص فكذلك القرآن يهتدى بححه ول ينقححص‬
‫فالمصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة لسانه وفهمه والشجرة المباركة شجرة الوحي‪.‬‬
‫"يكاد زيتهحا يضيحء ولو لم تمسحسه نار" تكاد حجحج القرآن تتضحح ولو لم يقرأ‪" .‬نور على نور"‬
‫يعنحي أن القرآن نور محن ال تعالى لخلقحه‪ ،‬محع محا أقام لهحم محن الدلئل والعلم قبحل نزول القرآن‪،‬‬
‫فازدادوا بذلك نورا على نور‪ .‬ثحم أخحبر أن هذا النور المذكور عزيحز وأنحه ل يناله إل محن أراد ال‬
‫هداه فقال‪" :‬يهدي ال لنوره محححن يشاء ويضرب ال المثال للناس" أي يحححبين الشباه تقريبحححا إلى‬
‫الفهام‪" .‬وال بكحل شيحء عليحم" أي بالمهدي والضال‪ .‬وروي عحن ابحن عباس أن اليهود قالوا‪ :‬يحا‬
‫محمد‪ ،‬كيف يخلص نور ال تعالى من دون السماء فضرب ال تعالى ذلك مثل لنوره‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 38 - 36 :‬فحي بيوت أذن ال أن ترفحع ويذكحر فيهحا اسحمه يسحبح له فيهحا بالغدو‬
‫والصحال‪ ،‬رجال ل تلهيهحم تجارة ول بيحع عحن ذكحر ال وإقام الصحلة وإيتاء الزكاة يخافون يومحا‬
‫تتقلب فيه القلوب والبصار‪ ،‬ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله وال يرزق من يشاء‬
‫بغير حساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬في بيوت أذن ال أن ترفع" الباء فحي "بيوت" تضم وتكسحر؛ وقد تقدم‪ .‬واختلف‬
‫في الفاء من قول "في" فقيل‪ :‬هي متعلقة "بمصباح"‪ .‬وقيل‪ :‬بح"يسبح له"؛ فعلى هذا التأويل يوقف‬
‫على "عليحم"‪ .‬قال ابحن النباري‪ :‬سحمعت أبحا العباس يقول هحو حال للمصحباح والزجاجحة والكوكحب؛‬
‫كأنحه قال وهحي فحي بيوت‪ .‬وقال الترمذي الحكيحم محمحد بحن علي‪" :‬فحي بيوت" منفصحل‪ ،‬كأنحه يقول‪:‬‬
‫ال في بيوت أذن ال أن ترفع؛ وبذلك جاءت الخبار أنه (من جلس في المسجد فإنه يجالس ربه)‪.‬‬
‫وكذا محا جاء فحي الخحبر فيمحا يحكحى عحن التوراة (أن المؤمحن إذا مشحى إلى المسحجد قال ال تبارك‬
‫اسححمه عبدي زارنححي وعلي قراه ولن أرضححى له قرى دون الجنححة)‪ .‬قال ابححن النباري‪ :‬إن جعلت‬
‫"في" متعلقة بح"يسبح" أو رافعة للرجال حسن الوقف على قوله "وال بكل شيء عليم" [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]282‬وقال الرماني‪ :‬هي متعلقة بح"يوقد" وعليه فل يوقف على "عليم"‪ .‬فإن قيل‪ :‬فما الوجه إذا‬
‫كان البيوت متعلقة بح"يوقد" في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت‪ ،‬ول يكون مشكاة واحدة‬
‫إل في بيت واحد‪ .‬قيل‪ :‬هذا من الخطاب المتلون الذي يفتح‪ :‬التوحيد ويختم بالجمع؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" [الطلق‪ ]1 :‬ونحوه‪ .‬وقيل‪ :‬رجع إلى كل واحد من البيوت‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫هو كقوله تعالى‪" :‬وجعل القمر فيهن نورا" [نوح‪ ]16:‬وإنما هو في واحدة منها‪ .‬واختلف الناس‬
‫فححي البيوت هنححا على خمسححة أقوال‪ :‬الول ‪ -‬أنهححا المسححاجد المخصححوصة ل تعالى بالعبادة‪ ،‬وأنهححا‬
‫تضيء لهل السحماء كمحا تضيء النجوم لهحل الرض؛ قاله ابن عباس ومجاهحد والحسن‪ .‬الثانحي‪:‬‬
‫هحي بيوت بيحت المقدس؛ عحن الحسحن أيضحا‪ .‬الثالث‪ :‬بيوت النحبي صحلى ال عليحه وسحلم؛ عن مجاهحد‬
‫أيضحا‪ .‬الرابحع‪ :‬هحي البيوت كلهحا؛ قاله عكرمحة‪ .‬وقوله‪" :‬يسحبح له فيهحا بالغدو والصحال" يقوي أنهحا‬
‫المسحاجد‪ .‬وقول خامحس‪ :‬أنهحا المسحاجد الربعحة التحي لم يبنهحا إل نحبي‪ :‬الكعبحة وبيحت أريححا ومسحجد‬
‫المدينة ومسجد قباء؛ قال ابن بريدة‪ .‬وقد تقدم ذلك في "التوبة]‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الظهحر القول الول؛ لمحا رواه أنحس بحن مالك عحن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم قال‪:‬‬
‫(من أحب ال عز وجل فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرآن‬
‫ومحن أححب القرآن فليححب المسحاجد فإنهحا أفنيحة ال أبنيتحه أذن ال فحي رفعهحا وبارك فيهحا ميمونحة‬
‫ميمون أهلها محفوظة محفوظ أهلها هم في صلتهم وال عز وجل في حوائجهم هم في مساجدهم‬
‫وال من ورائهم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أذن ال أن ترفحع" "أذن" معناه أمحر وقضحي‪ .‬وحقيقحة الذن العلم والتمكيحن دون‬
‫حظححر؛ فإن اقترن بذلك أمححر وإنقاذ كان أقوى‪ .‬و"ترفححع" قيححل‪ :‬معناه تبنححى وتعلى؛ قال مجاهححد‬
‫وعكرمة‪ .‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" [البقرة‪ ]127:‬وقال صلى ال‬
‫عليحه وسحلم‪( :‬محن بنحى مسحجدا محن ماله بنحي ال له بيتحا فحي الجنحة)‪ .‬وفحي هذا المعنحى أحاديحث كثيرة‬
‫تححض على بنيان المسحاجد‪ .‬وقال الحسحن البصحري وغيره‪ :‬معنحى "ترفحع" تعظحم‪ ،‬ويرفحع شأنهحا‪،‬‬
‫وتطهر من النجاس والقذار؛ ففي الحديث (إن المسجد لينزوي من النجاسة كما ينزوي الجلد من‬
‫النار )‪ .‬وروى ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال‪( :‬من أخرج أذى من‬
‫المسجد بنى ال له بيتا في الجنة)‪ .‬وروي عن عائشة قالت‪ :‬أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أن نتخذ المساجد في الدور وأن تطهر وتطيب‪.‬‬
‫@ إذا قلنحا‪ :‬إن المراد بنيانهحا فهحل تزيحن وتنقحش؟ اختلف فحي ذلك؛ فكرهحه قوم وأباححه آخرون‪.‬‬
‫فروى حماد بحن سحلمة عحن أيوب عحن أبحي قلبحة عحن أنحس وقتادة عحن أنحس أن رسحول ال صحلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬ل تقوم الساعة حتى تتباهى الناس في المساجد)‪ .‬أخرجه أبو داود‪ .‬وفي البخاري‬
‫‪ -‬وقال أنحس‪( :‬يتباهون بهحا ثحم ل يعمرونهحا إل قليل)‪ .‬وقال ابحن عباس‪ :‬لتزخرفنهحا كمحا زخرفحت‬
‫اليهود والنصحارى‪ .‬وروى الترمذي الحكيحم أبحو عبدال فحي نوادر الصحول محن حديحث أبحي الدرداء‬
‫قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدبار عليكم)‪.‬‬
‫احتج من أباح ذلك بأن فيه تعظيم المساجد وال تعالى أمر بتعظيمها في قوله‪" :‬في بيوت أذن ال‬
‫أن ترفححع" يعنحي تعظححم‪ .‬وروي عحن عثمان أنحه بنحى مسححجد النححبي صحلى ال عليحه وسحلم بالسحاج‬
‫وحسحنه‪ .‬قال أبحو حنيفحة‪ :‬ل بأس بنقحش المسحاجد بماء الذهحب‪ .‬وروي عحن عمحر بحن عبدالعزيحز أنحه‬
‫نقحش مسحجد النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وبالغ فحي عمارتحه وتزيينحه‪ ،‬وذلك فحي زمحن وليتحه قبحل‬
‫خلفته‪ ،‬ولم ينكر عليه أحد ذلك‪ .‬وذكر أن الوليد بن عبدالملك أنفق في عمارة مسجد دمشق وفي‬
‫تزيينحه مثحل خراج الشام ثلث مرات‪ .‬وروي أن سحليمان بحن داود عليهمحا السحلم بنحى مسحجد بيحت‬
‫المقدس وبالغ في تزيينه‪.‬‬
‫@ وممحا تصحان عنحه المسحاجد وتنزه عنحه الروائح الكريهحة والقوال السحيئة وغيحر ذلك على محا‬
‫نبينه؛ وذلك من تعظيمها‪ .‬وقد صح من حديث ابن عمر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال في غزوة تبوك‪( :‬من أكل من هذه الشجرة ‪ -‬يعني الثوم ‪ -‬فل يأتين المساجد)‪ .‬وفي‬
‫حديحث جابر بحن عبدال عحن النحبي صحلى ال عليحه سحلم قال‪( :‬محن أكحل محن هذه البقلة الثوم) وقال‬
‫مرة‪( :‬محن أكحل البصحل والثوم والكراث فل يقربحن مسحجدنا فإن الملئكحة تتأذى ممحا يتأذى منحه بنحو‬
‫آدم)‪ .‬وقال عمر بن الخطاب رضحي ال عنه في خطبته‪( :‬ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ول‬
‫أراهما إل خبيثتين‪ ،‬هذا البصل والثوم‪ ،‬لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا وجد ريحهما‬
‫محن رجحل فحي المسحجد أمحر بحه فأخرج إلى البقيحع‪ ،‬فمحن أكلهمحا فليمتهمحا طبخحا)‪ .‬خرجحه مسحلم فحي‬
‫صحيحه‪ .‬قال العلماء‪ :‬وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل من‬
‫تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم‪ ،‬أو كان ذا رائحة قبيحة ل تريمه‬
‫لسوء صناعته‪ ،‬أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه‪ .‬وكل ما يتأذى به الناس كان لهم إخراجه ما كانت‬
‫العلة موجودة حتى تزول‪ .‬وكذلك يجتنب مجتمع الناس حيث كان لصلة أو غيرها كمجالس العلم‬
‫والولئم وما أشبهها‪ ،‬من أكل الثوم وما في معناه‪ ،‬مما له رائحة كريهة تؤذي الناس‪ .‬ولذلك جمع‬
‫بين البصل والثوم والكراث‪ ،‬وأخبر أن ذلك مما يتأذى به‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬وقد شاهدت‬
‫شيخنا أبا عمر أحمد بن عبدالملك بن هشام رحمه ال أفتى في رجل شكاه جيرانه واتفقوا عليه أنه‬
‫يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشوور فيه؛ فأفتحى بإخراجه من المسحجد وإبعاده عنه‪ ،‬وأل يشاهد‬
‫معهحم الصحلة إذ ل سحبيل محع جنونحه واسحتطالته إلى السحلمة منحه‪ ،‬فذاكرتحه يومحا أمره وطالبتحه‬
‫بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول؛ فاستدل بحديث الثوم‪ ،‬وقال‪ :‬هو عندي أكثر أذى‬
‫من أكل الثوم‪ ،‬وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفحي الثار المرسحلة "إن الرجحل ليكذب الكذبحة فيتباعحد عنحه الملك محن نتحن ريححه"‪ .‬فعلى‬
‫هذا يخرج من عرف منه الكذب والتقول بالباطل فإن ذلك يؤذي‪.‬‬
‫@ أكثحر العلماء على أن المسحاجد كلهحا سحواء؛ لحديحث ابحن عمحر‪ .‬وقال بعضهحم‪ :‬إنمحا خرج النهحي‬
‫على مسحجد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم محن أجحل جبريحل عليحه السحلم ونزوله فيحه؛ ولقوله فحي‬
‫حديحث جابر‪( :‬فل يقربحن مسحجدنا)‪ .‬والول أصحح‪ ،‬لنحه ذكحر الصحفة فحي الحكحم وهحي المسحجدية‪،‬‬
‫وذكر الصفة في الحكم تعليل‪ .‬وقد روى الثعلبي بإسناده عن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يأتي ال يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجائب بيض قوائها من العنبر‬
‫وأعناقهحا محن الزعفران ورؤوسحها محن المسحك وأزمتهحا محن الزبرجحد الخضحر وقوامهحا والمؤذنون‬
‫فيهحا يقودونهحا وأئمتهحا يسحوقونها وعمارهحا متعلقون بهحا فتجوز عرصحات القيامحة كالبرق الخاطحف‬
‫فيقول أهحل الموقحف هؤلء ملئكحة مقربون وأنحبياء مرسحلون فينادي محا هؤلء بملئكحة ول أنحبياء‬
‫ولكنهححم أهححل المسححاجد والمحافظون على الصححلوات مححن أمححة محمححد صححلى ال عليححه وسححلم) وفححي‬
‫التنزيل‪" :‬إنما يعمر مساجد ال من آمن بال" [التوبة‪ .]18 :‬وهذا عام في كل مسجد‪ .‬وقال النبي‬
‫صححلى ال عليححه وسححلم‪( :‬إذا رأيتححم الرجححل يعتاد المسححجد فاشهدوا له باليمان) إن ال تعالى يقول‪:‬‬
‫"إنما يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم الخر") [التوبة‪ .]18 :‬وقد تقدم‪.‬‬
‫وتصان المساجد أيضا عن البيع والشراء وجميع الشتغال؛ لقوله صلى ال عليه وسلم للرجل‬
‫الذي دعا إلى الجمل الحمر‪(:‬ل وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له)‪ .‬أخرجه مسلم من حديث‬
‫سحليمان بحن بريدة عحن أبيحه أن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم لمحا صحلى قام رجحل فقال‪ :‬محن دعحا إلى‬
‫الجمل الحمر؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له)‪ .‬وهذا‬
‫يدل على أن الصححل أل يعمححل فححي المسححجد غيححر الصححلوات والذكار وقراءة القرآن‪ .‬وكذا جاء‬
‫مفسحرا محن حديحث أنحس قال‪ :‬بينمحا نححن فحي المسحجد محع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إذ جاء‬
‫أعرابي فقام يبول في المسجد‪ ،‬فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬مه مه؛ فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تزرموه دعوه)‪ .‬فتركوه حتى بال‪ ،‬ثم إن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫دعاه فقال له‪( :‬إن هذه المساجد ل تصلح لشيء من هذا البول ول القذر إنما هي لذكر ال والصلة‬
‫وقراءة القرآن)‪ .‬أو كمحا قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪ .‬قال‪ :‬فأمحر رجل محن القوم فجاء بدلو‬
‫من ماء فشنه عليه‪ .‬خرجه مسلم‪ .‬ومما يدل على هذا من الكتاب قول الحق‪" :‬ويذكر فيها اسمه"‪.‬‬
‫وقوله صحلى ال عليحه وسحلم لمعاويحة بحن الحكحم السحلمي‪( :‬إن هذه المسحاجد ل يصحلح فيهحا شيحء محن‬
‫كلم الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)‪ .‬أو كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫الحديث بطوله خرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬وحسبك وسمع عمر بن الخطاب رضي ال عنه صوت‬
‫رجل في المسجد فقال‪ :‬ما هذا الصوت؟ أتدري أين أنت! وكان خلف بن أيوب جالسا في مسجده‬
‫فأتاه غلمه يسأله عن شيء فقام وخرج من المسجد وأجابه؛ فقيل له في ذلك فقال‪ :‬ما تكلمت في‬
‫المسجد بكلم الدنيا منذ كذا وكذا‪ ،‬فكرهت أن أتكلم اليوم‪.‬‬
‫@ روى الترمذي من حديحث عمرو بن شعيحب عن أبيه عن جده عن رسحول ال صحلى ال عليه‬
‫وسحلم أنحه نهحى عحن تناشحد الشعار فحي المسحجد‪ ،‬وعحن البيحع والشراء فيحه‪ ،‬وأن يتحلق الناس يوم‬
‫الجمعحة قبحل الصحلة‪ .‬قال‪ :‬وفحي الباب عحن بريدة وجابر وأنحس حديحث عبدال بحن عمحر وحديحث‬
‫حسحن‪ .‬قال محمحد بحن إسحماعيل‪ :‬رأيحت محمدا وإسححاق وذكحر غيرهمحا يحتجون بحديحث عمرو بحن‬
‫شعيب‪ .‬وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد؛ وبه يقول أحمد وإسحاق‪ .‬وروي أن‬
‫عيسى ابن مريم عليهما السلم أتى على قوم يتبايعون فحي المسجد فجعل رداءه مخراقا‪ ،‬ثم جعل‬
‫يسعى عليهم ضربا ويقول‪ :‬يا أبناء الفاعي‪ ،‬اتخذتم مساجد ال أسواقا هذا سوق الخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقحد كره بعحض أصححابنا تعليحم الصحبيان فحي المسحاجد‪ ،‬ورأى أنحه محن باب البيحع‪ .‬وهذا إذا‬
‫كان بأجرة‪ ،‬فلو كان بغيحر أجرة لمنحع أيضحا محن وجحه آخحر‪ ،‬وهحو أن الصحبيان ل يتحرزون عحن‬
‫القذار والوسحخ؛ فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيحف المسحاجد‪ ،‬وقحد أمحر صحلى ال عليحه وسحلم بتنظيفهحا‬
‫وتطييبها فقال‪( :‬جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم‬
‫وخصحوماتكم وأجمروهحا فحي الجمحع واجعلوا على أبوابهحا المطاهحر)‪ .‬فحي إسحناده العلء بحن كثيحر‬
‫الدمشقي مولى بني أمية‪ ،‬وهو ضعيف عندهم؛ ذكره أبو أحمد بن عدي الجرجاني الحافظ‪ .‬وذكر‬
‫أبو أحمد أيضا من حديث علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال‪ :‬صليت العصر مع عثمان أمير‬
‫المؤمنيحن فرأى خياطحا فحي ناحيحة المسحجد فأمحر بإخراجحه؛ فقيحل له‪ :‬يحا أميحر المؤمنيحن‪ ،‬إنحه يكنحس‬
‫المسحجد ويغلق البواب ويرش أحيانحا‪ .‬فقال عثمان‪ :‬إنحي سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‬
‫يقول‪( :‬جنبوا صححناعكم مححن مسححاجدكم)‪ .‬هذا حديححث غيححر محفوظ‪ ،‬فححي إسححناده محمححد بححن مجيححب‬
‫الثقفي‪ ،‬وهو ذاهب الحديث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬محا ورد فحي هذا المعنحى وإن كان طريقحه لينحا فهحو صححيح معنحى؛ يدل على صححته محا‬
‫ذكرناه قبل‪ .‬قال الترمذي‪ :‬وقد روي عن بعض أهل العالم من التابعين رخصة في البيع والشراء‬
‫في المسجد‪ .‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم في غير حديث رخصة في إنشاد الشعر في‬
‫المسجد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمححا تناشححد الشعار فاختلف فححي ذلك‪ ،‬فمححن مانححع مطلقححا‪ ،‬ومححن مجيححز مطلقححا‪ .‬والولى‬
‫التفصيل‪ ،‬وهو أن ينظحر إلى الشعر فإن كان مما يقتضحي الثناء على ال عز وجل أو على رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان‪ ،‬أو يتضمن الحض على الخير والوعظ‬
‫والزهد في الدنيا والتقلل منها‪ ،‬فهو حسن في المساجد وغيرها؛ كقول القائل‪:‬‬
‫وذريني لست أبغي غير ربي أحدا‬ ‫طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا‬
‫فما إن تجدي من دونه ملتحدا‬ ‫فهو أنسي وجليسي ودعي الناس‬
‫ومحا لم يكحن كذلك لم يجحز؛ لن الشعحر فحي الغالب ل يخلو عحن الفواححش والكذب والتزيحن بالباطحل‪،‬‬
‫ولو سحلم محن ذلك فأقحل محا فيحه اللغحو والهذر‪ ،‬والمسحاجد منزهحة عحن ذلك؛ لقوله تعالى‪" :‬قحي بيوت‬
‫أذن ال أن ترفع"‪ .‬وقد يجوز إنشاده في المسجد؛ كقول القائل‪:‬‬
‫تعلى الندى في متنه وتحدرا‬ ‫كفحل العداب القرد يضربه الندى‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫رعيناه وإن كانوا غضابا‬ ‫إذا سقط السماء بأرض قوم‬
‫فهذا النوع وإن لم يكحن فيحه حمحد ول ثناء يجوز؛ لنحه خال عحن الفواححش والكذب‪ .‬وسحيأتي ذكحر‬
‫الشعار الجائزة وغيرها بما فيه كفاية في "الشعراء" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقد روي الدارقطني من‬
‫حديحث هشام بحن عروة عحن أبيحه عحن عائشحة رضحي ال عنهحا قالت‪ :‬ذكحر الشعراء عنحد رسحول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬هو كلم حسنه حسن وقبيحه قبيح)‪ .‬وفي الباب عن عبدال بن عمرو‬
‫بن العاص وأبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذكره في السنن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأصحححاب الشافعححي يأثرون هذا الكلم عححن الشافعححي وأنححه لم يتكلم بححه غيره؛ وكأنهححم لم‬
‫يقفوا على الحاديث في ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وأمحا رفحع الصحوت فإن كان ممحا يقتضحي مصحلحة للرافحع صحوته دعحي عليحه بنقيحض قصحده؛‬
‫لحديحث بريرة المتقدم‪ ،‬وحديحث أبحي هريرة قال‪ :‬قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬محن سحمع‬
‫رجل ينشحد ضالة فحي المسحجد فليقحل ل ردهحا ال عليحك فإن المسحاجد لم تبحن لهذا)‪ .‬وإلى هذا ذهحب‬
‫مالك وجماعة‪ ،‬حتى كرهوا رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره‪ .‬وأجاز أبو حنيفة وأصحابه‬
‫ومحمد بن مسلمة من أصحابنا رفع الصوت في الخصومة والعلم؛ قالوا‪ :‬لنهم ل بد لهم من ذلك‪.‬‬
‫وهذا مخالف لظاهحر الحديحث‪ ،‬وقولهحم‪ :‬ل بحد لهحم محن ذلك‪ ،‬ممنوع‪ ،‬بحل لهحم بحد محن ذلك لوجهيحن‪:‬‬
‫أحدهمحا‪ :‬بملزمحة الوقار والحرمحة‪ ،‬وبإحضار ذلك بالبال والتحرز محن نقيضحه‪ .‬والثانحي‪ :‬أنحه إذا لم‬
‫يتمكن من ذلك فليتخذ لذلك موضعا يخصه‪ ،‬كما فعل عمر حيث بنى رحبة تسمي البطيحاء‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫محن أراد أن يلغحط أو ينشحد شعرا ‪ -‬يعنحي فحي مسحجد رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم ‪ -‬فليخرج إلى‬
‫هذه الرحبححة‪ .‬وهذا يدل على أن عمححر كان يكره إنشاد الشعححر فححي المسححجد‪ ،‬ولذلك بنححى البطيحاء‬
‫خارجه‪.‬‬
‫@ وأمحا النوم فحي المسحجد لمحن احتاج إلى ذلك محن رجحل أو امرأة محن الغرباء ومحن ل بيحت له‬
‫فجائز؛ لن في البخاري ‪ -‬وقال أبو قلبة عن أنس‪ :‬قدم رهط من عكل على النبي صلى ال عليه‬
‫وسححلم فكانوا فححي الصححفة‪ ،‬وقال عبدالرحمححن بححن أبححي بكححر‪ :‬كان أصحححاب الصححفة فقراء‪ .‬وفححي‬
‫الصحيحين عن ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب أعزب ل أهل له في مسجد النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬لفظ البخاري‪ :‬وترجم [باب نوم المرأة في المسجد] وأدخل حديث عائشة في قصة السوداء‬
‫التي اتهمها أهلها بالوشاح‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬وكان لها خباء في المسجد أو حفش‪ )...‬الحديث‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫كان مبيت عطاء بن أبي رباح في المسجد أربعين سنة‪.‬‬
‫@ روى مسحلم عحن أحمحد أو عحن أبحي أسحيد قال‪ :‬قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬إذا دخحل‬
‫أحدكحم المسحجد فليقحل اللهحم افتحح لي أبواب رحمتحك وإذا خرج فليقحل اللهحم إنحي أسحألك محن فضلك)‪.‬‬
‫خرجحه أبحو داود كذلك؛ إل أنحه زاد بعحد قوله‪( :‬إذا دخحل أحدكحم المسحجد‪ :‬فليسحلم وليصحل على النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم ثحم ليقحل اللهحم افتحح لي‪ )...‬الحديحث‪ .‬وروى ابحن ماجحه عن فاطمحة بنحت رسحول‬
‫ال صحلى ال عليحه وسحلم قالت‪ :‬كان رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم إذا دخحل المسحجد قال‪( :‬باسحم‬
‫ال والسلم على رسول ال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال باسم ال‬
‫والصلة على رسول ال اللهم اغفر لي ذنوبي وأفتح لي أبواب رحمتك وفضلك"‪ .‬وروى عن أبي‬
‫هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى‬
‫ال عليحه وسحلم وليقحل اللهحم افتحح لي أبواب رحمتحك وإذا خرج فليسحلم على النحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم)‪ .‬وخرج أبو داود عن حيوة بن شريح قال‪ :‬لقيت‬
‫عقبحة بحن مسحلم فقلت له بلغنحي أنحك حدثحت عحن عبدال بحن عمرو بحن العاصحي عحن النحبي صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم أنحه كان إذا دخحل المسحجد قال‪( :‬أعوذ بال العظيحم وبوجهحه الكريحم وسحلطانه القديحم محن‬
‫الشيطان الرجيم) قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم‪.‬‬
‫@ روى مسلم عن أبي قتادة أن رسول ال صلى عليه وسلم قال‪( :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليركع‬
‫ركعتيحن قبحل أن يجلس) وعنحه قال‪ :‬دخلت المسحجد ورسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم جالس بيحن‬
‫ظهراني الناس‪ ،‬قال فجلست فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما منعك أن تركع ركعتين قبل‬
‫أن تجلس)؟ فقلت‪ :‬يحا رسحول ال‪ ،‬رأيتحك جالسحا والناس جلوس‪ .‬قال‪( :‬فإذا دخحل أحدكحم المسحجد فل‬
‫يجلس حتى يركع ركعتين)‪ .‬قال العلماء‪ :‬فجعل صلى ال عليه وسلم للمسجد مزية يتميز بها عن‬
‫سححائر البيوت‪ ،‬وهححو أل يجلس حتححى يركححع‪ .‬وعامححة العلماء على أن المححر بالركوع على الندب‬
‫والترغيب‪ .‬وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب؛ وهذا باطل‪ ،‬ولو كان المر على‬
‫محا قالوه لحرم دخول المسحجد على المحدث الحدث الصحغر حتحى يتوضحأ‪ ،‬ول قائل بحه فيمحا أعلم‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬فإن قيحل‪ :‬فقحد روى إبراهيحم بحن يزيحد عحن الوزاعحي عحن يحيحى بحن أبحي كثيحر عحن أبحي‬
‫سحلمة عحن عبدالرحمحن عحن أبحي هريرة قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬إذا دخحل أحدكحم‬
‫المسجد فل يجلس حتى يركع ركعتين وإذا دخل أحدكم بيته فل يجلس حتى يركع ركعتين فإن ال‬
‫جاعل من ركعتيه في بيته خيرا)‪ ،‬وهذا يقتضي التسوية بين المسجد والبيت‪ .‬قيل‪ :‬هذه الزيادة في‬
‫الركوع عنحد دخول البيحت ل أصحل لهحا؛ قال ذلك البخاري‪ .‬وإنمحا يصحح فحي هذا حديحث أبحي قتادة‬
‫الذي تقدم لمسححلم‪ ،‬وإبراهيححم هذا ل أعلم روى عنححه إل سححعد بححن عبدالحميححد‪ ،‬ول أعلم له إل هذا‬
‫الحديث الواحد؛ قاله أبو محمد عبدالحق‪.‬‬
‫@ روى سعيد بن زبان حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي ال عنه قال‪ :‬حمل تميم‬
‫‪ -‬يعني الداري ‪ -‬من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا ومقطا‪ ،‬فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة‬
‫الجمعحة فأمحر غلمحا يقال له أبحو البزاد فقام فنشحط المقحط وعلق القناديحل وصحب فيهحا الماء والزيحت‬
‫وجحل فيها الفتيل؛ فلما غربت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها‪ ،‬وخرج رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى المسجد فإذا هو بها تزهر؛ فقال‪( :‬من فعل هذا)؟ قالوا‪ :‬تميم الداري يا رسول ال؛ فقال‪:‬‬
‫(نورت السلم نور ال عليك في الدنيا والخرة أما إنه لو كانت لي ابنة لزوجتكها)‪ .‬قال نوفل بن‬
‫الحارث‪ :‬لي ابنحة يحا رسحول ال تسحمى المغيرة بنحت نوفحل فافعحل بهحا محا أردت؛ فأنكححه إياهحا‪ .‬زبان‬
‫(بفتح الزاي والباء وتشديدا بنقطة واحدة من تحتها) ينفرد بالتسمي به سعيد وحده‪ ،‬فهو أبو عثمان‬
‫سعيد بن زبان بن قائد بن زبان بن أبي هند‪ ،‬وأبو هند هذا مولى ابن بياضة حجام النبي صلى ال‬
‫عليحه وسحلم‪ .‬والمقحط‪ :‬جمحع المقاط‪ ،‬وهحو الحبحل‪ ،‬فكأنحه مقلوب القماط‪ .‬وال أعلم‪ .‬وروى ابحن ماجحه‬
‫عحن أبحي سحعيد الخدري قال‪ :‬أول محن أسحرج فحي المسحاجد تميحم الداري‪ .‬وروي عحن أنحس أن النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬محن أسحرج فحي مسحجد سحراجا لم تزل الملئكحة وحملة العرش يصحلون‬
‫عليه ويستغفرون له ما دام ذلك الضوء فيه وإن كنس غبار المسجد نقد الحور العين)‪ .‬قال العلماء‪:‬‬
‫ويستحب أن ينور البيت الذي يقرأ فيه القرآن بتعليق القناديل ونصب الشموع فيه‪ ،‬ويزاد في شهر‬
‫رمضان في أنوار المساجد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسحبح له فيهحا بالغدو والصحال‪ ،‬رجال" اختلف العلماء فحي وصحف ال تعالى‬
‫المسبحين؛ فقيل‪ :‬هم المراقبون أمر ال‪ ،‬الطالبون رضاءه‪ ،‬الذين ل يشغلهم عن الصلة وذكر ال‬
‫شيء من أمور الدنيا‪ .‬وقال كثير من الصحابة‪ :‬نزلت هذه الية في أهل السواق الذين إذا سمعوا‬
‫النداء بالصحلة تركوا كحل شغححل وبادروا‪ .‬ورأى سححالم بحن عبدال أهححل السحواق وهححم مقبلون إلى‬
‫الصلة فقال‪ :‬هؤلء الذين أراد ال بقول‪" :‬ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال"‪ .‬وروي ذلك عن‬
‫ابن مسعود‪ .‬وقرأ عبدال بن عامر وعاصم في رواية أبي بكر عنه والحسن "يسبح له فيها" بفتح‬
‫الباء على ما لم يسم فاعله‪ .‬وكان نافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة يقرؤون "يسبح" بكسر الباء؛‬
‫وكذلك روى أبحو عمرو عحن عاصحم‪ .‬فمحن قرأ "يسحبح" بفتحح الباء كان على معنييحن‪ :‬أحدهمحا أن‬
‫يرتفححع "رجال" بفعححل مضمححر دل عليححه الظاهححر؛ بمعنححى يسححبحه رجال؛ فيوقححف على هذا على‬
‫"الصال"‪ .‬وقد ذكر سيبويه مثل هذا‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫ومختبط مما تطيح الطوائح‬ ‫ليبك يزيد ضارع لخصومة‬
‫المعنححى‪ :‬يبكيححه ضارع‪ .‬وعلى هذا تقول‪ :‬ضرب زيححد عمرو؛ على معنححى ضربححه عمرو‪ .‬والوجححه‬
‫الخحر‪ :‬أن يرتفحع "رجال" بالبتداء‪ ،‬والخحبر "فحي بيوت"؛ أي فحي بيوت أذن ال أن ترفحع رجال‪.‬‬
‫و"يسحبح له فيهحا" حال محن الضميحر فحي "ترفحع"؛ كأنحه قال‪ :‬أن ترفحع؛ مسحبحا له فيهحا‪ ،‬ول يوقحف‬
‫على "الصححال" على هذا التقديححر‪ .‬ومححن قرأ "يسححبح" بكسححر الباء لم يقححف على "الصححال"؛ لن‬
‫"يسحبح" فعحل للرجال‪ ،‬والفعحل مضطحر إلى فاعله ول إضمار فيحه‪ .‬وقحد تقدم القول فحي "الغدو‬
‫والصال" في آخر "العراف" والحمد ل وحده‪.‬‬
‫@قوله‪" :‬يسبح له فيها" قيل‪ :‬معناه يصلي‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬كل تسبيح في القرآن صلة؛ ويدل‬
‫عليحححه قوله‪" :‬بالغدو والصحححال"‪ ،‬أي بالغداة والعشحححي‪ .‬وقال أكثحححر المفسحححرين‪ :‬أراد الصحححلة‬
‫المفروضة؛ فالغدو صلة الصحبح‪ ،‬والصال صلة الظهر والعصحر والعشائين؛ لن اسم الصحال‬
‫يجمعها‪.‬‬
‫@ روى أبو داود عن أبي أمامة أن رسول ال صلى عليه وسلم قال‪( :‬من خرج من بيته متطهرا‬
‫إلى صححلة مكتوبححة فأجره كأجححر الحاج المحرم ومححن خرج إلى تسححبيح الضحححا ل ينصححبه إل إياه‬
‫فأجره المعتمر وصلة على إثر صلة ل لغو بينهما كتاب في عليين)‪ .‬وخرج عن بريدة عن النبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬بشحر المشائيحن فحي الظلم إلى المسحاجد بالنور التام يوم القيامحة)‪ .‬وفحي‬
‫صححيح مسحلم عحن أبحي هريرة عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬محن غدا إلى المسحجد أو راح‬
‫أعد ال له نزل في الجنة كلما غدا أو راح)‪ .‬في غير الصحيح من الزيادة (كما أن أحدكحم لو زار‬
‫محن يححب زيارتحه لجتهحد فحي كرامتحه)؛ ذكره الثعلبحي‪ .‬وخرج مسحلم محن حديحث أبحي هريرة رضحي‬
‫ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت‬
‫ال ليقضحي فريضحة محن فرائض ال كانحت خطوتاه إحداهمحا تححط خطيئة والخرى ترفحع درجحة)‪.‬‬
‫وعنحه قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬صحلة الرجحل فحي جماعحة تزيحد على صحلته فحي بيتحه‬
‫وصحلته فحي سحوقه بضعحا وعشريحن درجحة وذلك أن أحدهحم إذا توضحأ فأحسحن الوضوء ثحم أتحى‬
‫المسجد ل ينهزه إل الصلة ل يريد إل الصلة فلم يخط خطوة إل رفع له بها درجة وحط عنه بها‬
‫خطيئة حتححى يدخححل المسححجد فإذا دخححل المسححجد كان فححي الصححلة مححا كانححت الصححلة هححي تحبسححه‬
‫والملئكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم ارحمه اللهم اغفر له‬
‫اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه)‪ .‬في رواية‪ :‬ما يحدث؟ قال‪( :‬يفسو أو يضرط)‪ .‬وقال‬
‫حكيم بن زريق‪ :‬قيل لسعيد بن المسيب أحضور الجنازة أحب إليك أم الجلوس في المسجد؟ فقال‪:‬‬
‫محن صحلى على جنازة فله قيراط‪ ،‬ومحن شهحد دفنهحا فله قيراطان؛ والجلوس فحي المسحجد أححب إلي‬
‫لن الملئكة تقول‪ :‬اللهم اغفر له اللهم أرحمه اللهم تب عليه‪ .‬وروي عن الحكم بن عمير صاحب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬كونوا في الدنيا أضيافا‬
‫واتخذوا المسححاجد بيوتححا وعودوا قلوبكححم الرقححة وأكثروا التفكححر والبكاء ول تختلف بكححم الهواء‪.‬‬
‫تبنون مححا ل تسححكنون وتجمعون مححا ل تأكلون وتؤملون مححا ل تدركون)‪ .‬وقال أبححو الدرداء لبنححه‪:‬‬
‫ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إن المساجد بيوت المتقين‬
‫ومن كانت المساجد بيته ضمن ال تعالى له الروح والراحة والجواز على الصراط)‪.‬‬
‫وكتب أبو صادق الزدي إلى شعيب بن الحبحاب‪ :‬أن عليك بالمساجد فالزمها؛ فإنه بلغني أنها‬
‫كانحت مجالس النحبياء‪ .‬وقال أبحو إدريحس الخولنحي‪ :‬المسحاجد مجالس الكرام محن الناس‪ .‬وقال مالك‬
‫بححن دينار‪ :‬بلغنححي أن ال تبارك وتعالى يقول‪( :‬إنححي أهححم بعذاب عبادي فأنظححر إلى عمار المسححاجد‬
‫وجلسحاء القرآن وولدان السحلم فيسحكن غضحبي)‪ .‬وروي عنحه عليحه السحلم أنحه قال‪( :‬سحيكون فحي‬
‫آخر الزمان رجال يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا حلقا ذكرهم الدنيا وحبها فل تجالسوهم فليس‬
‫ل بهحم حاجحة)‪ .‬وقال ابحن المسحيب‪ :‬محن جلس فحي مسحجد فإنمحا يجالس ربحه‪ ،‬فمحا حقحه أن يقول إل‬
‫خيرا‪ .‬وقحد مضحى محن تعظيحم المسحاجد وحرمتهحا محا فيحه كفايحة‪ .‬وقحد جمحع بعحض العلماء فحي ذلك‬
‫خمس عشرة خصلة‪ ،‬فقال‪ :‬من حرمة المسجد أن يسلم وقت الدخول إن كان القوم جلوسا‪ ،‬وإن لم‬
‫يكحن فحي المسحجد أححد قال‪ :‬السحلم علينحا وعلى عباد ال الصحالحين‪ ،‬وأن يركحع ركعتيحن قبحل أن‬
‫يجلس‪ ،‬وأل يشتري فيه ول يبيع‪ ،‬ول يسل فيه سهما ول سيفا‪ ،‬ول يطلب فيه ضالة‪ ،‬ول يرفع فيه‬
‫صوتا بغير ذكر ال تعالى‪ ،‬ول يتكلم فيه بأحاديث الدنيا‪ ،‬ول يتخطى رقاب الناس‪ ،‬ول ينازع في‬
‫المكان‪ ،‬ول يضيحق على أححد فحي الصحف‪ ،‬ول يمحر بيحن يدي مصحل‪ ،‬ول يبصحق‪ ،‬ول يتنخحم‪ ،‬ول‬
‫يتمخحط فيحه‪ ،‬ول يفرقحع أصحابعه‪ ،‬ول يعبحث بشيحء محن جسحده‪ ،‬وأن ينزه عحن النجاسحات والصحبيان‬
‫والمجانين‪ ،‬وإقامة الحدود‪ ،‬وأن يكثر ذكر ال تعالى ول يغفل عنه‪ .‬فإذا فعل هذه الخصال فقد أدى‬
‫ححق المسحجد‪ ،‬وكان المسحجد حرزا له وحصحنا محن الشيطان الرجيحم‪ .‬وفحي الخحبر (أن مسحجدا ارتفحع‬
‫بأهله إلى السحماء يشكوهحم إلى ال لمحا يتحدثون فيحه محن أحاديحث الدنيحا)‪ .‬وروي الدارقطنحي عحن‬
‫عامحر الشعحبي قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬محن اقتراب السحاعة أن يرى الهلل قبل‬
‫فيقال لليلتيحن وأن تتخحذ المسحاجد طرقحا وأن يظهحر موت الفجأة)‪ .‬هذا يرويحه عبدالكحبير بحن المعافحي‬
‫عحن شريحك عحن العباس بحن ذريحح عحن الشعحبي عحن أنحس‪ .‬وغيره يرويحه عحن الشعحبي مرسحل‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬عبدالكبير بن معافي ثقة كان يعد من البدال‪ .‬وفي البخاري عن أبي موسى‬
‫عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪( :‬محن محر فحي شيحء محن مسحاجدنا أو أسحواقنا بنبحل فليأخحذ على‬
‫نصحالها ل يعقحر بكفحه مسحلما)‪ .‬وخرج مسحلم عحن أنحس قال قال وسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪:‬‬
‫(البزاق فحي المسحجد خطيئة وكفارتهحا دفنهحا)‪ .‬وعحن أبحي ذر عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم قال‪:‬‬
‫(عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الذى يماط عن الطريق‬
‫ووجدت فحي مسحاوي أعمالهحا النخاعحة تكون فحي المسحجد ل تدفحن)‪ .‬وخرج أبحو داود عحن الفرج بحن‬
‫فضالة عن أبي سعد الحميري قال‪ :‬رأيت واثلة بن السقع فحي مسحجد دمشحق بصحق على الحصير‬
‫ثم مسحه برجله؛ فقيل له‪ :‬لم فعلت هذا؟ قال‪ :‬لني رأيت رسول ال صلى عليه وسلم يفعله‪ .‬فرج‬
‫بحن فضالة ضعيف‪ ،‬وأيضحا فلم يكحن فحي مسحجد رسول ال صحلى ال عليه وسلم حصر‪ .‬والصححيح‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما بصق على الرض ودلكه بنعله اليسرى‪ ،‬ولعل واثلة إنما‬
‫أراد هذا فحمل الحصير عليه‪.‬‬
‫@ لمحا قال تعالى‪" :‬رجال" وخصحهم بالذكحر دل على أن النسحاء ل ححظ لهحن فحي المسحاجد؛ إذ ل‬
‫جمعحة عليهحن ول جماعحة‪ ،‬وأن صحلتهن فحي بيوتهحن أفضحل‪ .‬روى أبو داود عن عبدال رضحي ال‬
‫عنه عن النبي صلى ال عليه وسحلم قال‪( :‬صحلة المرأة في بيتهحا أفضل من صحلتها في حجرتهحا‬
‫وصلتها في مخدعها أفضل من صلتها في بيتها)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تلهيهحم" أي ل تشغلهحم‪" .‬تجارة ول بيحع عحن ذكحر ال" خحص التجارة بالذكحر‬
‫لنها أعظم ما يشتغل بها النسان عن الصلة‪ .‬فإن قيل‪ :‬فلم كرر ذكر البيع والتجارة تشمله‪ .‬قيل‬
‫له‪ :‬أراد بالتجارة الشراء لقول‪" :‬ول بيححححع"‪ .‬نظيره قوله تعالى‪" :‬وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا‬
‫إليهحا" [الجمعحة‪ ]11 :‬قال الواقدي‪ .‬وقال الكلبحي‪ :‬التجار هحم الجلب المسحافرون‪ ،‬والباعحة هحم‬
‫المقيمون‪" .‬عن ذكر ال" اختلف في تأويله؛ فقال عطاء‪ :‬يعني حضور الصلة؛ وقال ابن عباس‪،‬‬
‫وقال‪ :‬المكتوبحة‪ .‬وقيحل عحن الذان؛ ذكره يحيحى بحن سحلم‪ .‬وقيحل‪ :‬عحن ذكره بأسحمائه الحسحنى؛ أي‬
‫يوحدونه ويمجدونه‪ .‬والية نزلت في أهل السواق؛ قال ابن عمر‪ .‬قال سالم‪ :‬جاز عبدال بن عمر‬
‫بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال‪ :‬فيهم نزلت‪" :‬رجال ل تلهيهم تجارة‬
‫ول بيحع" اليحة‪ .‬وقال أبحو هريرة عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ :‬هحم الذيحن يضربون فحي الرض‬
‫يبتغون من فضل ال‪ .‬وقيل‪ :‬إن رجلين كانا في عهد النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أحدهما بياعا فإذا‬
‫سحمع النداء بالصحلة فإن كان الميزان بيده طرححه ول يضعحه وضعحا‪ ،‬وإن كان بالرض لم يرفعحه‪.‬‬
‫وكان الخحر قينحا يعمحل السحيوف للتجارة‪ ،‬فكان إذا كانحت مطرقتحه على السحندان أبقاهحا موضوعحة‪،‬‬
‫وإن كان قحد رفعهحا ألقاهحا محن وراء ظهره إذا سحمع الذان؛ فأنزل ال تعالى هذا ثناء عليهمحا وعلى‬
‫كل من اقتدى بهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإقام الصحلة" هذا يدل على أن المراد بقوله "عحن ذكر ال" غيحر الصحلة؛ لنحه‬
‫يكون تكرارا‪ .‬يقال‪ :‬أقام الصححلة إقامححة‪ ،‬والصححل إقوامححا فقلبححت حركححة الواو على القاف فانقلبححت‬
‫الواو ألفا وبعدها ألف ساكنة فحذفت إحداهما‪ ،‬وأثبتت الهاء لئل تحذفها فتجحف‪ ،‬فلما أضيفت قام‬
‫المضاف مقام الهاء فجاز حذفهححا‪ ،‬وإن لم تضححف لم يجححز حذفهححا؛ أل ترى أنححك تقول‪ :‬وعححد عدة‪،‬‬
‫ووزن زنحة‪ ،‬فل يجوز حذف الهاء‪ ،‬لنحك قحد حذفحت واوا؛ لن الصحل وعحد وعدة‪ ،‬ووزن وزنحة‪،‬‬
‫فإن أضفت حذفت الهاء‪ ،‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫وأخلفوك عد المر الذي وعدوا‬ ‫إن الخليط أجدوا البين فانجردوا‬
‫يريححد عدة‪ ،‬فحذف الهاء لمححا أضاف‪ .‬وروي مححن حديححث أنححس قال قال رسححول ال صححلى ال عليححه‬
‫وسحلم‪( :‬يأتحي ال يوم القيامحة بمسحاجد الدنيحا كأنهحا نجحب بيحض قوائمهحا محن العنحبر وأعناقهحا محن‬
‫الزعفران ورؤوسها من المسك وأزمتها من الزبرجد الخضر وقوامها والمؤذنون فيها يقودونها‬
‫وأئمتهحا يسحوقونها وعمارهححا متعلقون بهحا فتجوز عرصحات القيامحة كالبرق الخاطحف فيقول أهحل‬
‫الموقف هؤلء ملئكة مقربون أو أنبياء مرسلون فينادى ما هؤلء بملئكة ول أنبياء ولكنهم أهل‬
‫المسحاجد والمحافظون على الصحلوات محن أمحة محمحد صحلى ال عليحه وسحلم)‪ .‬وعحن علي رضحي ال‬
‫عنحه أنحه قال‪( :‬يأتحي على الناس زمان ل يبقحى محن السحلم إل اسحمه‪ ،‬ول محن القرآن إل رسحمه‪،‬‬
‫يعمرون مسحاجدهم وهحي محن ذكحر ال خراب‪ ،‬شحر أهحل ذلك الزمحن علماؤهحم‪ ،‬منهحم تخرج الفتنحة‬
‫وإليهم تعود) يعني أنهم يعلمون ول يعملون بواجبات ما علموا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإيتاء الزكاة" قيل‪ :‬الزكاة المفروضة؛ قاله الحسن‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬الزكاة هنا‬
‫طاعحة ال تعالى والخلص؛ إذ ليحس لكحل مؤمحن مال‪" .‬يخافون يومحا" يعنحي يوم القيامحة‪" .‬تتقلب‬
‫فيحححه القلوب والبصحححار" يعنحححي محححن هوله وحذر الهلك‪ .‬والتقلب التحول‪ ،‬والمراد قلوب الكفار‬
‫وأبصحارهم‪ .‬فتقلب القلوب انتزاعهحا محن أماكنهحا إلى الحناجحر‪ ،‬فل هحي ترجحع إلى أماكنهحا ول هحي‬
‫تخرج‪ .‬وأما تقلب البصار فالزرق بعد الكحل والعمى بعد البصر‪ .‬وقيل‪ :‬تتقلب القلوب بين الطمع‬
‫في النجاة والخوف من الهلك‪ ،‬والبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم‪ ،‬وإلى أي ناحية يؤخذ‬
‫بهم‪ .‬وقيل‪ :‬إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك‪ ،‬وكذلك أبصارهم لرؤيتهم اليقين؛‬
‫وذلك مثحل قوله تعالى‪" :‬فكشفنحا عنحك غطاءك فبصحرك اليوم حديحد" [ق‪ ]22:‬فمحا كان يراه فحي‬
‫الدنيحا غيحا يراه رشدا؛ إل أن ذلك ل ينفعهحم فحي الخرة‪ .‬وقيحل‪ :‬تقلب على جمحر جهنحم كقوله تعالى‪:‬‬
‫"يوم تقلب وجوههم في النار" [الحزاب‪" ،]66 :‬ونقلب أفئدتهم وأبصارهم" [النعام‪.]110 :‬‬
‫في قول من جعل المعنى تقلبها على لهب النار‪ .‬وقيل‪ :‬تقلب بأن تلفحها النار مرة وتنضجها مرة‪.‬‬
‫وقيل إن تقلب القلوب وجيبها‪ ،‬وتقلب البصار النظر بها إلى نواحي الهوال‪" .‬ليجزيهم ال أحسن‬
‫مححا عملوا" فذكححر الجزاء على الحسححنات‪ ،‬ولم يذكححر الجزاء على السححيئات وإن كان يجازي عليهححا‬
‫لمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه ترغيب‪ ،‬فاقتصر على ذكر الرغبة‪ .‬الثاني‪ :‬أنه في صفة قوم ل تكون منهم‬
‫الكبائر؛ فكانت صغائرهم مغفورة‪" .‬ويزيدهم من فضله" يحتمل وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬ما يضاعفه من‬
‫الحسحنة بعشحر أمثالهحا‪ .‬الثانحي‪ :‬محا يتفضحل بحه محن غيحر جزاء‪" .‬وال يرزق محن يشاء بغيحر حسحاب"‬
‫أي محن غيحر أن يحاسحبه على محا أعطاه؛ إذ ل نهايحة لعطائه‪ .‬وروي أنحه لمحا نزلت هذه اليحة أمحر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ببناء مسجد قباء‪ ،‬فحضر عبدال بن رواحة فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬قد‬
‫أفلح من بنى المساجد؟ قال‪( :‬نعم يا ابن رواحة) قال‪ :‬وصلى فيها قائما وقاعدا؟ قال‪( :‬نعم يا ابن‬
‫رواحة) قال‪ :‬ولم يبت ل إل ساجدا؟ قال‪( :‬نعم يا ابن رواحة كف عن السجع فما أعطي عبد شرا‬
‫من طلقة في لسانه)؛ ذكره الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده‬
‫شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة" لما ضرب مثل المؤمن ضرب مثل الكافر‪.‬‬
‫قال مقاتل‪ :‬نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبدشمس‪ ،‬كان يترهب متلمسا للدين‪ ،‬فلما خرج صلى ال‬
‫عليه وسلم كفر‪ .‬أبو سهل‪ :‬في أهل الكتاب‪ .‬الضحاك‪ :‬في أعمال الخير للكافر؛ كصلة الرحم ونفع‬
‫الجيران‪ .‬والسحراب‪ :‬محا يرى نصحف النهار فحي اشتداد الححر‪ ،‬كالماء فحي المفاوز يلتصحق بالرض‪.‬‬
‫والل الذي يكون ضححا كالماء إل أنحه يرتفحع عحن الرض حتحى يصحير كأنحه بيحن الرض والسحماء‪.‬‬
‫وسحمي السحراب سحرابا لنحه يسحرب أي يجري كالماء‪ .‬ويقال‪ :‬سحرب الفححل أي مضحى وسحار فحي‬
‫الرض‪ .‬ويسمي الل أيضا‪ ،‬ول يكون إل في البرية والحر فيغتر به العطشان‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫لرقراق آل فوق رابية صلد‬ ‫فكنت كمهريق الذي في سقائه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫لمع سراب بالفل متألق‬ ‫فلما كففنا الحرب كانت عهودهم‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫أمق الطول لماع السراب‬ ‫ألم أنض المطي بكل خرق‬
‫والقيعححة جمححع القاع؛ مثححل جيرة وجار؛ قاله الهروي وقال أبححو عححبيدة‪ :‬قيعححة وقاع واحححد؛ حكاه‬
‫النحاس‪ .‬والقاع ما انبسط من الرض واتسع ولم يكن فيه نبت‪ ،‬وفيه يكون السراب‪ .‬وأصل القاع‬
‫الموضححع المنخفححض الذي يسححتقر فيححه الماء‪ ،‬وجمعححه قيعان‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والقاع المسححتوي مححن‬
‫الرض؛ والجمع أقوع وأقواع وقيعان‪ ،‬صارت الواو ياء لكسر ما قبلها؛ والقيعة مثل القاع‪ ،‬وهو‬
‫أيضححا مححن الواو‪ .‬وبعضهححم يقول‪ :‬هححو جمححع‪" .‬يحسححبه الظمآن" أي العطشان‪" .‬ماء" أي يحسححب‬
‫السحراب ماء‪" .‬حتحى إذا جاءه لم يجده شيئا" ممحا قدره ووجحد أرضحا ل ماء فيهحا‪ .‬وهذا مثحل ضربحه‬
‫ال تعالى للكفار‪ ،‬يعولون على ثواب أعمالهحححححم فإذا قدموا على ال تعالى وجدوا ثواب أعمالهحححححم‬
‫محبطة بالكفر؛ أي لم يجدوا شيئا كما لم يجد صاحب السراب إل أرضا ل ماء فيها؛ فهو يهلك أو‬
‫بموت‪" .‬ووجحححد ال عنده" أي وجحححد ال بالمرصحححاد‪" .‬فوفاه حسحححابه" أي جزاء عمله‪ .‬قال امرؤ‬
‫القيس‪:‬‬
‫وأيقن أنه لقى الحسابا‬ ‫فولى مدبرا يهوي حثيثا‬
‫وقيل‪ :‬وجد وعد ال بالجزاء على عمله‪ .‬وقيل‪ :‬وجد أمر ال عند حشره؛ والمعنى متقارب‪ .‬وقرئ‬
‫"بقيعات"‪ .‬المهدوي‪ :‬ويجوز أن تكون اللف مشبعة من فتحه العين‪ .‬ويجوز أن تكون مثل رجل‬
‫عزه وعزهاة‪ ،‬للذي ل يقرب النسحححاء‪ .‬ويجوز أن يكون جمحححع قيعحححة‪ ،‬ويكون على هذا بالتاء فحححي‬
‫الوصحل والوقحف‪ .‬وروي عحن نافحع وأبحي جعفحر وشيبحة "الظمآن" بغيحر همحز‪ ،‬والمشهور عنهمحا‬
‫الهمز؛ يقال‪ :‬ظمئ يظمأ ظمأ فهو ظمآن‪ ،‬وإن خففت الهمزة قلت الظمان‪ .‬وقوله‪" :‬والذين كفروا"‬
‫ابتداء "أعمالهم" ابتداء ثان‪ .‬والكاف من "كسراب" الخبر‪ ،‬والجملة خبر عن "الذين"‪ .‬ويجوز أن‬
‫تكون "أعمالهم" بدل من "الذين كفروا"؛ أي وأعمال الذين كفروا كسراب‪ ،‬فحذف المضاف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 40 :‬أو كظلمات فحي بححر لجحي يغشاه موج محن فوقحه موج محن فوقحه سححاب ظلمات‬
‫بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل ال له نورا فما له من نور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو كظلمات فحي بححر لجحي" ضرب تعالى مثل آخحر للكفار أي أعمالهحم كسحراب‬
‫بقيعحة أو كظلمات‪ .‬قال الزجاج‪ :‬إن شئت مثحل بالسحراب وإن شئت مثحل بالظلمات فحح "أو" للباححة‬
‫حسحبما تقدم محن القول فحي "أو كصحيب" [البقرة‪ .]19 :‬وقال الجرجانحي‪ :‬اليحة الولى فحي ذكحر‬
‫أعمال الكفار والثانية في ذكر كفرهم ونسق الكفر على أعمالهم لن الكفر أيضا من أعمالهم وقد‬
‫قال تعالى‪" :‬يخرجهم من الظلمات إلى النور" [البقرة‪ ]257 :‬أي من الكفر إلى اليمان وقال أبو‬
‫علي‪" :‬أو كظلمات" أو كذي ظلمات ودل على هذا المضاف قوله تعالى‪" :‬إذا أخرج يده" فالكنايححة‬
‫تعود إلى المضاف المحذوف‪ .‬قال القشيري‪ :‬فعنحححد الزجاج التمثيحححل وقحححع لعمال الكفار‪ ،‬وعنحححد‬
‫الجرجانحي لكفحر الكافحر‪ ،‬وعنحد أبحي علي للكافحر‪ .‬وقال ابحن عباس فحي روايحة‪ :‬هذا مثحل قلب الكافحر‪.‬‬
‫"فحي بححر لجحي" قيحل‪ :‬هو منسحوب اللجة‪ ،‬وهو الذي ل يدرك قعره‪ .‬واللجة معظحم الماء‪ ،‬والجمع‬
‫لجج‪ .‬والتج البحر إذا تلطمت أمواجه؛ ومنه ما روي عن النبي أنه قال‪( :‬من ركب البحر إذا التج‬
‫فقد برئت منه الذمة)‪ .‬والتج المر إذا عظم واختلط‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬حسبته لجة" [النمل‪ ]44 :‬أي‬
‫محا له عمحق‪ .‬ولججحت السحفينة أي خاضحت اللجحة (بضحم اللم)‪ .‬فأمحا اللجحة (بفتحح اللم) فأصحوات‬
‫الناس يقول‪ :‬سمعت لجة الناس أي أصواتهم وصخبهم‪ .‬قال أبو النجم‪:‬‬
‫في لجة أمسك فلنا عن فل‬
‫والتجحت الصحوات أي اختلطحت وعظمحت‪" .‬يغشاه موج" أي يعلو ذلك البححر اللجحي موج‪" .‬محن‬
‫فوقحه موج" أي محن فوق الموج موج‪ ،‬ومحن فوق هذا الموج الثانحي سححاب؛ فيجتمحع خوف الموج‬
‫وخوف الريحح وخوف السححاب‪ .‬وقيحل‪ :‬المعنحى يغشاه موج محن بعده موج؛ فيكون المعنحى‪ :‬الموج‬
‫يتبحع بعضحه بعضحا حتحى كأن بعضحه فوق بعحض‪ ،‬وهحو أخوف محا يكون إذا توالى موجحه وتقارب‬
‫ومحن فوق هذا الموج سححاب‪ .‬وهحو أعظحم للخوف محن وجهيحن‪ :‬أحدهمحا‪ :‬أنحه قحد غطحى النجوم التحي‬
‫يهتدي بهحا‪ .‬الثانحي‪ :‬الريحح التحي تنشحأ محع السححاب والمطحر الذي ينزل منحه‪" .‬ظلمات بعضهحا فوق‬
‫بعححض" قرأ ابححن محيصححن والبزي عححن ابححن كثيححر "سحححاب ظلمات" بالضافححة والخفححض‪ .‬قنبححل‬
‫"سححاب" منونحا "ظلمات" بالجحر والتنويحن‪ .‬الباقون بالرفحع والتنويحن‪ .‬قال المهدوي‪ :‬محن قرأ "محن‬
‫فوقحه سححاب ظلمات" بالضافحة فلن السححاب يرتفحع وقحت هذه الظلمات فأضيحف إليهحا؛ كمحا يقال‪:‬‬
‫سححاب رحمحة إذا ارتفحع فحي وقحت المطحر‪ .‬ومحن قرأ "سححاب ظلمات" جحر "ظلمات" على التأكيحد‬
‫لححح"ظلمات" الولى أو البدل منهححا‪ .‬و"سحححاب" ابتداء و"مححن فوقححه" الخححبر‪ .‬ومححن قرأ "سحححاب‬
‫ظلمات" فظلمات خبر ابتداء محذوف التقدير‪ :‬هي ظلمات أو هذه ظلمات‪ .‬قال ابن النباري‪" :‬من‬
‫فوقححه موج" غيححر تام؛ لن قول "مححن فوقححه سحححاب" صححلة للموج‪ ،‬والوقححف على قول "مححن فوقححه‬
‫سحاب" حسن ثم تبتدئ "ظلمات بعضها فوق بعض" على معنى هي ظلمات بعضها فوق بعض‪.‬‬
‫وروي عحن أهحل مكحة أنهححم قرؤوا "ظلمات" على معنححى أو كظلمات ظلمات بعضهححا فوق بعحض‬
‫فعلى هذا المذهحب ل يحسحن الوقحف على السححاب‪ .‬ثحم قيحل‪ :‬المراد بهذه الظلمات ظلمحة السححاب‬
‫وظلمحة الموج وظلمحة الليحل وظلمحة البححر؛ فل يبصحر محن كان فحي هذه الظلمات شيئا ول كوكبحا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المراد بالظلمات الشدائد؛ أي شدائد بعضها فوق بعض‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بالظلمات أعمال الكافر‪،‬‬
‫وبالبححر اللجحي قلبحه‪ ،‬وبالموج فوق الموج محا يغشحى قلبحه محن الجهحل والشحك والحيرة‪ ،‬وبالسححاب‬
‫الريححن والختححم والطبححع على قلبححه‪ .‬روي معناه عححن ابححن عباس وغيره؛ أي ل يبصححر بقلبححه نور‬
‫اليمان‪ ،‬كمححا أن صححاحب الظلمات فححي البحححر إذا أخرج يده لم يكححد يراهححا‪ .‬وقال أبيّح ابححن كعححب‪:‬‬
‫الكافر يتقلب في خمس من الظلمات‪ :‬كلمه ظلمة‪ ،‬وعمله ظلمة‪ ،‬ومدخله ظلمة‪ ،‬ومخرجه ظلمة‪،‬‬
‫ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات في النار وبئس المصير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا أخرج يده" يعنحي الناظحر‪" .‬لم يكد يراها" أي من شدة الظلمات‪ .‬قال الزجاج‬
‫وأبو عبيدة‪ :‬المعنى لم يرها ولم يكد؛ وهو معنى قول الحسن‪ .‬ومعنى "لم يكد" لم يطمع أن يراها‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬كاد صلة‪ ،‬أي لم يرها؛ كما تقول‪ :‬ما كدت أعرفه‪ .‬وقال المبرد‪ :‬يعني لم يرها إل من‬
‫بعحد الجهحد؛ كمحا تقول‪ :‬محا كدت أراك محن الظلمحة‪ ،‬وقحد رآه بعحد يأس وشدة‪ .‬وقيحل‪ :‬معناه قرب محن‬
‫الرؤيححة ولم يححر كمححا يقال‪ :‬كاد العروس يكون أميرا وكاد النعام يطيححر وكاد المنتعححل يكون راكبححا‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬وأصح القوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها‪ ،‬فإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية‬
‫بعيدة ول قريبححة‪" .‬ومححن لم يجعححل ال له نورا" يهتدي بححه حيححن أظلمححت عليححه المور‪ .‬وقال ابححن‬
‫عباس‪ :‬أي من لم يجعل ال له دينا فما له من دين‪ ،‬ومن لم يجعل ال له نورا يمشي به يوم القيامة‬
‫لم يهتد إلى الجنة؛ كقوله تعالى‪" :‬ويجعل لكم نورا تمشون به" [الحديد‪ .]28 :‬وقال الزجاج‪ :‬ذلك‬
‫في الدنيا والمعنى‪ :‬من لم يهده ال لم يهتد‪ .‬وقال مقاتل بن سليمان‪ :‬نزلت في عتبة بن ربيعة‪ ،‬كان‬
‫يلتمحس الديحن فحي الجاهليحة‪ ،‬ولبحس المسحوح‪ ،‬ثحم كفحر فحي السحلم‪ .‬الماوردي‪ :‬فحي شيبحة بحن ربيعحة‪،‬‬
‫وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين‪ ،‬فكفر في السلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكلهمحا مات كافرا‪ ،‬فل يبعحد أن يكونحا همحا المراد باليحة وغيرهمحا‪ .‬وقحد قيحل‪ :‬نزلت فحي‬
‫عبدال بحن جححش‪ ،‬وكان أسحلم وهاجحر إلى أرض الحبشحة ثحم تنصحر بعحد إسحلمه‪ .‬وذكحر الثعلبحي‪:‬‬
‫وقال أنس قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال تعالى خلقني من نور وخلق أبا بكر من نوري‬
‫وخلق عمر وعائشة من نور أبي بكر وخلق المؤمنين من أمتي من نور عمر وخلق المؤمنات من‬
‫أمتي من نور عائشة فمن لم يحبني ويحب أبا بكر وعمر وعائشة فما له من نور)‪ .‬فنزلت "ومن‬
‫لم يجعل ال له نورا فما له من نور"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 42 - 41 :‬ألم تر أن ال يسبح له من في السماوات والرض والطير صافات كل‬
‫قد علم صلته وتسبيحه وال عليم بما يفعلون‪ ،‬ول ملك السماوات والرض وإلى ال المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تحر أن ال" لمحا ذكحر وضوح اليات زاد فحي الحجحة والبينات‪ ،‬وبيحن أن‬
‫مصنوعاته تدل بتغييرها على أن لها صانعا قادرا على الكمال؛ فله بعثة الرسل‪ ،‬وقد بعثهم وأيدهم‬
‫بالمعجزات‪ ،‬وأخحبروا بالجنحة والنار‪ .‬والخطاب فحي "ألم تحر" للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم‪ ،‬ومعناه‪:‬‬
‫ألم تعلم؛ والمراد الكحل‪" .‬أن ال يسحبح له محن فحي السحماوات" محن الملئكحة‪" .‬والرض" محن الجحن‬
‫والنحس‪" .‬والطيحر صحافات" قال مجاهحد وغيره‪ :‬الصحلة للنسحان والتسحبيح لمحا سحواه محن الخلق‪.‬‬
‫وقال سحفيان‪ :‬للطيحر صحلة ليحس فيهحا ركوع ول سحجود‪ .‬وقيحل‪ :‬إن ضربهحا بأجنحتهحا صحلة‪ ،‬وإن‬
‫أصواتها تسبيح؛ حكاه النقاش‪ .‬وقيل‪ :‬التسبيح ها هنا ما يرى في المخلوق من أثر الصنعة‪ .‬ومعنى‬
‫"صافات" مصطفات الجنحة في الهواء‪ .‬وقرأ الجماعة "والطير" بالرفع عطفا على "من"‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪ :‬ويجوز "والطيحر" بمعنحى محع الطيحر‪ .‬قال النحاس‪ :‬وسحمعته يخحبر ‪ -‬قمتُح وزيدا ‪ -‬بمعنحى‬
‫مححع زيححد‪ .‬قال‪ :‬وهححو أجود مححن الرفححع‪ .‬قال‪ :‬فإن قلت قمححت أنححا وزيححد‪ ،‬كان الجود الرفححع‪ ،‬ويجوز‬
‫النصب‪" .‬كل قد علم صلته وتسبيحه" يجوز أن يكون المعنحى‪ :‬كل قد علم ال صلته وتسبيحه؛‬
‫أي علم صحلة المصححلي وتسححبيح المسححبح‪ .‬ولهذا قال‪" :‬وال عليحم بمحا يفعلون" أي ل يخفحي عليحه‬
‫طاعتهم ول تسبيحهم‪ .‬ومن هذه الجهة يجوز نصب "كل" عند البصريين والكوفيين بإضمار فعل‬
‫يفسحره ما بعده‪ .‬وقد قيل‪ :‬المعنى قحد علم كحل مصل ومسحبح صحلة نفسه وتسبيحه الذي كلفه‪ .‬وقرأ‬
‫بعض الناس "كل قد علم صلته وتسبيحه" غير مسمى الفاعل‪ .‬وذكر بعض النحويين أن بعضهم‬
‫قرأ "كحل قحد عُلم صحلته وتسحبيحه"؛ فيجوز أن يكون تقديره‪ :‬كحل قحد علمحه ال صحلته وتسحبيحه‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون المعنحى‪ :‬كحل قحد علم غيره صحلته وتسحبيحه أي صحلة نفسحه؛ فيكون التعليحم الذي‬
‫هو الفهام والمراد الخصوص؛ لن من الناس من لم يعلم‪ .‬ويجوز أن يكون المعنى كل قد استدل‬
‫منحه المسحتدل‪ ،‬فعحبر عحن السحتدلل بالتعليحم قاله المهدوي‪ .‬والصحلة هنحا بمعنحى التسحبيح‪ ،‬وكرر‬
‫تأكيدا؛ كقول "يعلم السر والنجوى"‪ .‬والصلة قد تسمى تسبيحا؛ قاله القشيري‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 44 - 43 :‬ألم تر أن ال يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق‬
‫يخرج من خلله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من‬
‫يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالبصار‪ ،‬يقلب ال الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لولي البصار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تحر أن ال يزجحي سححابا" ذكحر محن حججحه شيئا آخحر؛ أي ألم تحر بعينحي قلبحك‪.‬‬
‫"يزجحي سححابا" أي يسحوق إلى حيحث يشاء‪ .‬والريحح تزجحي السححاب‪ ،‬والبقرة تزجحي ولدهحا أي‬
‫تسوقه‪ .‬ومنه زجا الخراج يزجو زجاء ‪ -‬ممدودا ‪ -‬إذا تيسرت جبايته‪ .‬وقال النابغة‪:‬‬
‫أزجي حشاشة نفس ما بها رمق‬ ‫إني أتيتك من أهلي ومن وطني‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫تزجي الشمال عليه جامد البرد‬ ‫أسرت عليه من الجوزاء سارية‬
‫"ثحم يؤلف بينحه" أي يجمعحه عنحد انتشائه؛ ليقوى ويتصحل ويكثحف‪ .‬والصحل فحي التأليحف الهمحز‪،‬‬
‫تقول‪ :‬تألف‪ .‬وقرئ "يؤلف" بالواو تخفيفححا‪ .‬والسحححاب واحححد فححي اللفححظ‪ ،‬ولكححن معناه جمححع؛ ولهذا‬
‫قال‪" :‬وينشحئ السححاب" [الرعحد‪ .]12 :‬و"بيحن" ل يقحع إل لثنيحن فصحاعدا‪ ،‬فكيحف جاز بينحه؟‬
‫فالجواب أن "بينحه" هنحا لجماعحة السححاب؛ كمحا تقول‪ :‬الشجحر قحد جلسحت بينحه لنحه جمحع‪ ،‬وذكحر‬
‫الكنايححة على اللفححظ؛ قال معناه الفراء‪ .‬وجواب آخححر‪ :‬وهححو أن يكون السحححاب واحدا فجاز أن يقال‬
‫بينه لنه مشتمل على قطع كثيرة‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫‪ ...‬بين الدخول فحومل‬
‫فأوقححع "بيححن" على الدخول‪ ،‬وهححو واحححد لشتماله على مواضححع‪ .‬وكمححا تقول‪ :‬مححا زلت أدور بيححن‬
‫الكوفححة لن الكوفححة أماكححن كثيرة؛ قال الزجاج وغيره‪ .‬وزعححم الصححمعي أن هذا ل يجوز وكان‬
‫يروى‪:‬‬
‫‪ ...‬بين الدخول وحومل‬
‫"ثم يجعله ركاما" أي مجتمعا‪ ،‬يركب بعضه بعضا؛ كقوله تعالى‪" :‬وإن يروا كسفا من السماء‬
‫ساقطا يقولوا سحاب مركوم" [الطور‪ .]44 :‬والركم جمع الشيء؛ يقال منه‪ :‬ركم الشيء يركمه‬
‫ركمحا إذا جمعحه وألقحى بعضحه على بعححض‪ .‬وارتكحم الشيححء وتراكحم إذا اجتمححع‪ .‬والركمحة الطيحن‬
‫المجموع‪ .‬والركام‪ :‬الرمل المتراكم‪ .‬وكذلك السحاب وما أشبهه‪ .‬ومرتكحم الطريق ‪ -‬بفتح الكاف ‪-‬‬
‫جادته‪" .‬فترى الودق يخرج من خلله" في "الودق" قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه البرق؛ قاله أبو الشهب‬
‫العقيلي‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫خروج الودق من خلل السحاب‬ ‫أثرنا عجاجة وخرجن منها‬
‫الثاني‪ :‬أنه المطر؛ قاله الجمهور‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ول أرض أبقل إبقالها‬ ‫فل مزنة ودقت ودقها‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫وسكب وتوكاف وتنهملن‬ ‫فدمعهما ودق وسح وديمة‬
‫يقال‪ :‬ودقحت السححابة فهحي وادقحة‪ .‬وودق المطحر يدق ودقحا؛ أي قطحر‪ .‬وودقحت إليحه دنوت منحه‪ .‬وفحي‬
‫المثحل‪ :‬ودق العيحر إلى الماء؛ أي دنحا منحه‪ .‬يضرب لمحن خضحع للشيحء لحرصحه عليحه‪ .‬والموضحع‬
‫مودق‪ .‬وودقححت بححه ودقححا اسححتأنست بححه‪ .‬ويقال لذات الحافححر إذا أرادت الفحححل‪ :‬ودقححت تدق ودقححا‪،‬‬
‫وأودقحت واسحتودقت‪ .‬وأتان ودوق وفرس ودوق‪ ،‬ووديحق أيضحا‪ ،‬وبهحا وداق‪ .‬والوديقحة‪ :‬شدة الححر‪.‬‬
‫وخلل جمع خلل؛ مثل الجبل والجبال‪ ،‬وهي فرجه ومخارج القطر منه‪ .‬وقد تقدم في "البقرة" أن‬
‫كعبا قال‪ :‬إن السحاب غربال المطر؛ لو ل السحاب حين ينزل الماء من السماء لفسد ما يقع عليه‬
‫محن الرض‪ .‬وقرأ ابحن عباس والضحاك وأبحو العاليحة "محن خلله" على التوحيحد‪ .‬وتقول‪ :‬كنحت فحي‬
‫خلل القوم؛أي وسحطهم‪" .‬وينزل محن السحماء محن جبال فيهحا محن برد" قيحل‪ :‬خلق ال فحي السحماء‬
‫جبال محححن برد‪ ،‬فهحححو ينزل منهحححا بردا؛ وفيحححه إضمار‪ ،‬أي ينزل محححن جبال البرد بردا‪ ،‬فالمفعول‬
‫محذوف‪ .‬ونحححححو هذا قول الفراء؛ لن التقديححححر عنده‪ :‬مححححن جبال برد؛ فالجبال عنده هححححي البرد‪.‬‬
‫و"برد" فحي موضحع خفحض؛ ويجحب أن يكون على قوله المعنحى‪ :‬محن جبال برد فيهحا‪ ،‬بتنويحن جبال‪.‬‬
‫وقيحل‪ :‬إن ال تعالى خلق فحي السحماء جبال فيهحا برد؛ فيكون التقديحر‪ :‬وينزل محن السحماء محن جبال‬
‫فيهحا برد‪ .‬و"محن" صحلة‪ .‬وقيحل‪ :‬المعنحى وينزل محن السحماء قدر جبال‪ ،‬أو مثحل جبال محن برد إلى‬
‫الرض؛ "فمحن" الولى للغايحة لن ابتداء النزال محن السحماء‪ ،‬والثانيحة للتبعيحض لن البرد بعحض‬
‫الجبال‪ ،‬والثالثححة لتححبيين الجنححس لن جنححس تلك الجبال مححن البرد‪ .‬وقال الخفححش‪ :‬إن "مححن" فححي‬
‫"الجبال" و"برد" زائدة في الموضعين‪ ،‬والجبال والبرد في موضع نصب؛ أي ينزل من السماء‬
‫بردا يكون كالجبال‪ .‬وال أعلم‪" .‬فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء" فيكون إصابته نقمة‬
‫وصرفه نعمة‪ .‬وقد مضى في "البقرة"‪ .‬و[الرعد] أن من قال حين يسمع الرعد‪ :‬سبحان من يسبح‬
‫الرعد بحمده والملئكة من خيفته عوفي مما يكون في ذلك الرعد‪" .‬يكاد سنا برقه" أي ضوء ذلك‬
‫البرق الذي في السحاب "يذهب بالبصار" من شدة بريقه وضوئه‪ .‬قال الشماخ‪:‬‬
‫ليبصر ضوءها إل البصير‬ ‫وما كادت إذا رفعت سناها‬
‫وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫أهان السليط في الذبال المفتل‬ ‫يضيء سناه أو مصابيح راهب‬
‫فالسحنا ‪ -‬مقصحور ‪ -‬ضوء البرق‪ .‬والسحنا أيضحا نبحت يتداوى بحه‪ .‬والسحناء محن الرفعحة ممدود‪ .‬وكذلك‬
‫قرأ طلححة بحن مصحرف "سحناء" بالمحد على المبالغحة محن شدة الضوء والصحفاء؛ فأطلق عليحه اسحم‬
‫الشرف‪ .‬قال المححبرد‪ :‬السححنا ‪ -‬مقصححور ‪ -‬وهحو اللمححع؛ فإذا كان مححن الشرف والحسححب فهححو ممدود‬
‫وأصحلهما واححد وهحو اللتماع‪ .‬وقرأ طلححة بحن مصحرف "سحناء برقحه" قال أحمحد بحن يحيحى‪ :‬وهحو‬
‫جمحع برقحة‪ .‬قال النحاس‪ :‬البرقحة المقدار محن البرق‪ ،‬والبرقحة المرة الواحدة‪ .‬وقرأ الجحدري وابحن‬
‫القعقاع "يُذهحب بالبصحار" بضحم الياء وكسحر الهاء؛ محن الذهاب‪ ،‬وتكون الباء فحي "بالبصحار"‬
‫صححلة زائدة‪ .‬الباقون "يذهححب بالبصححار" بفتححح الياء والهاء‪ ،‬والباء لللصححاق‪ .‬والبرق دليححل على‬
‫تكاثف السحاب‪ ،‬وبشير بقوة المطر‪ ،‬ومحذر من نزول الصواعق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يقلب ال الليل والنهار" قيل‪ :‬تقليبهما أن يأتي بأحدهما بعد الخر‪ .‬وقيل‪ :‬تقليبهما‬
‫نقصحهما وزيادتهمحا‪ .‬وقيحل‪ :‬هحو تغييحر النهار بظلمحة السححاب مرة وبضوء الشمحس أخرى؛ وكذا‬
‫الليحل مرة بظلمحة السححاب ومرة بضوء القمحر؛ قاله النقاش‪ .‬وقيحل‪ :‬تقليبهمحا باختلف محا تقدر فيهمحا‬
‫محن خيحر وشحر ونفحع وضحر‪" .‬إن فحي ذلك" أي فحي الذي ذكرناه محن تقلب الليحل والنهار‪ ،‬وأحوال‬
‫المطر والصيف والشتاء "لعبرة" أي اعتبارا "لولي البصار" أي لهل البصائر من خلقي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 46 - 45 :‬وال خلق كحل دابحة محن ماء فمنهحم محن يمشحي على بطنحه ومنهحم محن‬
‫يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق ال ما يشاء إن ال على كل شيء قدير‪ ،‬لقد‬
‫أنزلنا آيات مبينات وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال خلق كحل دابحة محن ماء" قرأ يحيحى بحن وثاب والعمحش وحمزة والكسحائي‬
‫"وال خالق كل" بالضافة‪ .‬الباقون "خلق" على الفعل‪ .‬قيل‪ :‬إن المعنيين في القراءتين صحيحان‪.‬‬
‫أخحبر ال عحز وجحل بخحبرين‪ ،‬ول ينبغحي أن يقال فحي هذا‪ :‬إحدى القراءتيحن أصحح محن الخرى‪ .‬وقحد‬
‫قيحل‪ :‬إن "خلق" لشيحء مخصحوص‪ ،‬وإنمحا يقال خالق على العموم؛ كمحا قال ال عحز وجحل‪" :‬الخالق‬
‫البارئ" [الحشر‪ .]24 :‬وفي الخصوص "الحمد ل الذي خلق السموات والرض" [النعام‪]1 :‬‬
‫وكذا‪" :‬هو الذي خلقكم من نفس واحدة" [العراف‪ .]189 :‬فكذا يجب أن يكون "وال خلق كل‬
‫دابة من ماء"‪ .‬والدابة كل ما دب على وجه الرض من الحيوان؛ يقال‪ :‬دب يدب فهو داب؛ والهاء‬
‫للمبالغة‪ .‬وقد تقدم في "البقرة"‪" .‬من ماء" لم يدخل في هذا الجن والملئكة؛ لنا لم نشاهدهم‪ ،‬ولم‬
‫يثبت أنهم خلقوا من ماء‪ ،‬بل في الصحيح (إن الملئكة خلقوا من نور والجن من نار)‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫وقال المفسحرون‪" :‬محن ماء" أي محن نطفحة‪ .‬قال النقاش‪ :‬أراد أمنيحة الذكور‪ .‬وقال جمهور النظرة‪:‬‬
‫أراد أن خلقحة كحل حيوان فيهحا ماء كمحا خلق آدم محن الماء والطيحن؛ وعلى هذا يتخرج قول النحبي‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم للشيحخ الذي سحأله فحي غزاة بدر‪ :‬ممحن أنتمحا؟ فقال رسحول ال صحلى ال عليحه‬
‫وسحلم‪( :‬نححن محن ماء)‪ .‬الحديحث‪ .‬وقال قوم‪ :‬ل يسحتثني الجحن والملئكحة‪ ،‬بحل كحل حيوان خلق محن‬
‫الماء؛ وخلق النار محن الماء‪ ،‬وخلق الريحح محن الماء؛ إذ أول محا خلق ال تعالى محن العالم الماء‪ ،‬ثحم‬
‫خلق منه كل شيء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل على صحححة هذا قوله تعالى‪" :‬فمنهححم مححن يمشححي على بطنححه" المشححي على البطححن‬
‫للحيات والحوت‪ ،‬ونحوه مححن الدود وغيره‪ .‬وعلى الرجليححن للنسححان والطيححر إذا مشححى‪ .‬والربححع‬
‫لسائر الحيوان‪ .‬وفي مصحف أبي "ومنهم من يمشي على أكثر"؛ فعم بهذه الزيادة جميع الحيوان‬
‫كالسرطان والخشاش؛ ولكنه قرآن لم يثبته إجماع؛ لكن قال النقاش‪ :‬إنما اكتفى في القول بذكر ما‬
‫يمشحي على أربع عن ذكر ما يمشحي على أكثر؛ لن جميع الحيوان إنما اعتماده على أربع‪ ،‬وهي‬
‫قوام مشيححه‪ ،‬وكثرة الرجححل فححي بعضححه زيادة فححي خلقتححه‪ ،‬ل يحتاج ذلك الحيوان فححي مشيححه إلى‬
‫جميعها‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬والظاهر أن تلك الرجل الكثيرة ليست باطل بل هي محتاج إليها في تنقل‬
‫الحيوان‪ ،‬وهحي كلهحا تتحرك فحي تصحرفه‪ .‬وقال بعضهحم‪ :‬ليحس فحي الكتاب محا يمنحع محن المشحي على‬
‫أكثحر محن أربحع؛ إذ لم يقحل ليحس منهحا محا يمشحي على أكثحر محن أربحع‪ .‬وقيحل فيحه إضمار‪ :‬ومنهحم محن‬
‫يمشي على أكثر من أربع؛ كما وقع في مصحف أبي‪ .‬وال أعلم‪ .‬و"دابة" تشمل من يعقل وما ل‬
‫يعقحل؛ فغلب محن يعقحل لمحا اجتمحع محع محن ل يعقحل؛ لنحه المخاطحب والمتعبحد؛ ولذلك قال "فمنهحم"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬محن يمشحي" فأشار بالختلف إلى ثبوت الصحانع؛ أي لو ل أن للجميحع صحانعا مختارا لمحا‬
‫اختلفوا‪ ،‬بل كانوا من جنس واحد؛ وهو كقوله‪" :‬يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في‬
‫الكل إن في ذلك ليات"‪[ .‬الرعد‪" .]4 :‬إن ال على كل شيء" مما يريد خلقه "قدير"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 47 :‬ويقولون آمنحا بال وبالرسحول وأطعنحا ثحم يتولى فريحق منهحم محن بعحد ذلك ومحا‬
‫أولئك بالمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقولون آمنححا بال وبالرسححول" يعنححي المنافقيححن‪ ،‬يقولون بألسححنتهم آمنححا بال‬
‫وبالرسول من غير يقين ول إخلص‪" .‬وأطعنا" أي ويقولون "وأطعنا" وكذبوا‪" .‬ثم يتولى فريق‬
‫منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليات‪{ 50 - 48 :‬وإذا دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون‪ ،‬وإن‬
‫يكحن لهحم الححق يأتوا إليحه مذعنيحن‪ ،‬أفحي قلوبهحم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيحف ال عليهحم‬
‫ورسوله بل أولئك هم الظالمون}‬
‫@ قال الطحبري وغيره‪ :‬إن رجل محن المنافقيحن اسحمه بشحر كانحت بينحه وبيحن رجحل محن اليهود‬
‫خصومة في أرض فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكان المنافق‬
‫مبطل‪ ،‬فأبحى محن ذلك وقال‪ :‬إن محمدا يحيحف علينحا فلنحكحم كعحب بحن الشرف فنزلت اليحة فيحه‪.‬‬
‫وقيحل‪ :‬نزلت فحي المغيرة بحن وائل محن بنحي أميحة كان بينحه وبيحن علي بحن أبحي طالب رضحي ال عنه‬
‫خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم عليا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إنححه يبغضنححي؛ فنزلت اليححة‪ ،‬ذكره الماوردي‪ .‬وقال‪" :‬ليحكححم" ولم يقححل ليحكمححا لن المعنححي بححه‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنما بدأ بذكر ال إعظاما ل واستفتاح كلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يكحن لهحم الححق يأتوا إليحه مذعنيحن" أي طائعيحن منقاديحن؛ لعلمهحم أنحه عليحه‬
‫السلم يحكم بالحق‪ .‬يقال‪ :‬أذعن فلن لحكم فلن يذعن إذعانا‪ .‬وقال النقاش‪" :‬مذعنين" خاضعين‪،‬‬
‫ومجاهححد‪ :‬مسححرعين‪ .‬الخفححش وابححن العرابححي‪ :‬مقريححن‪" .‬أفححي قلوبهححم مرض" شححك وريححب‪" .‬أم‬
‫ارتابوا" أم حدث لهحم شحك فحي نبوتحه وعدله‪" .‬أم يخافون أن يحيحف ال عليهحم ورسحوله" أي يجور‬
‫في الحكم والظلم‪ .‬وأتي بلفظ الستفهام لنه أشد في التوبيخ وأبلغ في الذم؛ كقوله جرير في المدح‪:‬‬
‫وأندى العالمين بطون راح‬ ‫ألستم خير من ركب المطايا‬
‫"بل أولئك هم الظالمون" أي المعاندون الكافرون؛ لعراضهم عن حكم ال تعالى‪.‬‬
‫@ القضاء يكون للمسلمين إذا كان الحكم بين المعاهد والمسلم ول حق لهل الذمة فيه‪ .‬وإذا كان‬
‫بيحن ذمييحن فذلك إليهمحا‪ .‬فإن جاءا قاضحي السحلم فإن شاء حكحم وإن شاء أعرض؛ كمحا تقدم فحي‬
‫"المائدة]‬
‫@ هذه الية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم لن ال سبحانه ذم من دعي إلى رسوله‬
‫ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال‪" :‬أفي قلوبهم مرض" الية‪ .‬قال ابن خويز منداد‪ :‬واجب‬
‫على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب‪ ،‬ما لم يعلم أن الحاكم فاسق أو عداوة بين المدعي‬
‫والمدعحى عليحه‪ .‬وأسحند الزهراوي عحن الحسحن بحن أبحي الحسحن أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‬
‫قال‪( :‬مححن دعاه خصححمه إلى حاكححم مححن حكام المسححلمين فلم يجححب فهححو ظالم ول حححق له)‪ .‬ذكره‬
‫الماوردي أيضحا‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬وهذا حديحث باطحل‪ :‬فأمحا قوله (فهحو ظالم)فكلم صححيح وأمحا‬
‫قوله‪( :‬فل حق له) فل يصح‪ ،‬ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا‬
‫وأطعنا وأولئك هم المفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمحا كان قول المؤمنيحن إذا دعوا إلى ال ورسحوله" أي إلى كتاب ال وحكحم‬
‫ورسوله‪" .‬أن يقولوا سمعنا وأطعنا" قال ابن عباس‪ :‬أخبر بطاعة المهاجرين والنصار‪ ،‬وإن كان‬
‫ذلك فيمحا يكرهون؛ أي هذا قولهحم‪ ،‬وهؤلء لو كانوا مؤمنيحن لكانوا يقولون سحمعنا وأطعنحا‪ .‬فالقول‬
‫نصحب على خحبر كان‪ ،‬واسحمها فحي قوله "أن يقولوا" نححو "ومحا كان قولهحم إل أن قالوا ربنحا اغفحر‬
‫لنحا ذنوبنحا" [آل عمران‪ .]147 :‬وقيحل‪ :‬إنمحا قول المؤمنيحن‪ ،‬وكان صحلة فحي الكلم؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"كيف نكلم من كان في المهد صبيا"‪[ .‬مريم‪ .]29 :‬وقرأ ابن القعقاع "ليحكم بينهم" غير مسمي‬
‫الفاعل‪ .‬علي بن أبي طالب "إنما كان قول" بالرفع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬ومن يطع ال ورسوله ويخش ال ويتقه فأولئك هم الفائزون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومحن يطحع ال ورسحوله" فيمحا أمحر بحه حكحم‪" .‬ويخحش ال ويتقيحه" قرأ حفحص‬
‫"ويتقه" بإسكان القاف على نية الجزم؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫ورزق ال مؤتاب وغادي‬ ‫ومن يتق فإن ال معه‬
‫وكسححرها الباقون‪ ،‬لن جزمححه بحذف آخححر‪ .‬وأسححكن الهاء أبحو عمرو وأبحو بكححر‪ .‬واختلس الكسححرة‬
‫يعقوب وقالون عن نافع والبستي عن أبي عمرو وحفص‪ .‬وأشبع كسرة الهاء الباقون‪" .‬فأولئك هم‬
‫الفائزون" ذكحر أسحلم أن عمحر بينمحا هحو قائم فحي مسحجد النحبي صحلى ال عليحه وسحلم وإذا رجحل محن‬
‫دهاقيحن الروم قائم على رأسحه وهحو يقول‪ :‬أنحا أشهحد أن ل إله إل ال وأشهحد أن محمدا رسحول ال‪.‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬ما شأنك؟ قال‪ :‬أسلمت ل‪ .‬قال‪ :‬هل لهذا سبب ؟ قال‪ :‬نعم إني قرأت التوراة والزبور‬
‫والنجيل وكثيرا من كتب النبياء‪ ،‬فسمعت أسيرا يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما في الكتب‬
‫المتقدمة‪ ،‬فعلمت أنه من عند ال فأسلمت‪ .‬قال‪ :‬ما هذه الية؟ قال قوله تعالى‪" :‬ومن يطع ال" في‬
‫الفرائض "ورسحوله" فحي السحنن "ويخحش ال" فيمحا مضحى محن عمره "ويتقحه" فيمحا بقحي محن عمره‪:‬‬
‫"فأولئك هم الفائزون" والفائز من نجا من النار وأدخل الجنة‪ .‬فقال عمر‪ :‬قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬أوتيت جوامع الكلم)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل ل تقسموا طاعة معروفة إن‬
‫ال خبير بما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأقسحموا بال جهحد أيمانهحم" عاد إلى ذكحر المنافقيحن‪ ،‬فإنحه لمحا بيحن كراهتهحم لحكحم‬
‫النححبي صححلى ال عليححه وسححلم أتوه فقالوا‪ :‬وال لو أمرتنححا أن نخرج مححن ديارنححا ونسححائنا وأموالنححا‬
‫فخرجنحا‪ ،‬ولو أمرتنحا بالجهاد لجاهدنحا؛ فنزلت هذه اليحة‪ .‬أي وأقسحموا بال أنهحم يخرجون معحك فحي‬
‫المسحتأنف ويطيعون‪" .‬جهد أيمانهحم" أي طاقة محا قدروا أن يحلفوا‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬من حلف بال فقد‬
‫أجهححد فححي اليميححن‪ .‬وقححد مضححى فححي "النعام" بيان هذا‪ .‬و"جهححد" منصححوب على مذهححب المصححدر‬
‫تقديره‪ :‬إقساما بليغا‪" .‬قل ل تقسموا" وتم الكلم‪" .‬طاعة معروفة" أولى بكم من أيمانكم؛ أو ليكن‬
‫منكحم طاعحة معروفحة‪ ،‬وقول معروف بإخلص القلب‪ ،‬ول حاجحة إلى اليميحن‪ .‬وقال مجاهحد‪ :‬المعنحى‬
‫قححد عرفححت طاعتكححم وهححي الكذب والتكذيححب؛ أي المعروف منكححم الكذب دون الخلص‪" .‬إن ال‬
‫خبير بما تعملون" من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم‬
‫وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إل البلغ المبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول" بإخلص الطاعة وترك النفاق‪" .‬فإن تولوا" أي‬
‫فإن تتولوا‪ ،‬فحذف إحدى التاءيحن‪ .‬ودل على هذا أن بعده "وعليكحم" ولم يقحل وعليهحم‪" .‬فإنمحا عليحه‬
‫محا حمحل" أي محن تبليحغ الرسحالة‪" .‬وعليكحم محا حملتحم" أي محن الطاعحة له؛ عحن ابحن عباس وغيره‪.‬‬
‫"وإن تطيعوه تهتدوا" جعحل الهتداء مقرونحا بطاعتحه‪" .‬ومحا على الرسحول إل البلغ المحبين" أي‬
‫التبليغ "المبين"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 55 :‬وعحد ال الذيحن آمنوا منكحم وعملوا الصحالحات ليسحتخلفنهم فحي الرض كمحا‬
‫اسحتخلف الذيحن محن قبلهحم وليمكنحن لهحم دينهحم الذي ارتضحى لهحم وليبدلنهحم محن بعحد خوفهحم أمنحا‬
‫يعبدونني ل يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}‬
‫@ نزلت فحي أبحي بكحر وعمحر رضحي ال عنهمحا؛ قاله مالك‪ .‬وقيحل‪ :‬إن سحبب هذه اليحة أن بعحض‬
‫أصححاب النحبي صحلى ال عليحه وسحلم شكحا جهحد مكافححة العدو‪ ،‬ومحا كانوا فيحه محن الخوف على‬
‫أنفسحهم‪ ،‬وأنهحم ل يضعون أسحلحتهم؛ فنزلت اليحة‪ .‬وقال أبحو العاليحة‪ :‬مكحث رسحول صحلى ال عليحه‬
‫وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفا هو وأصحابه‪ ،‬يدعون إلى ال سرا وجهرا‪ ،‬ثم أمر‬
‫بالهجرة إلى المدينة‪ ،‬وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلح‪ .‬فقال رجل‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫أمحا يأتحي علينحا يوم نأمحن فيحه ونضحع السحلح؟ فقال عليحه السحلم‪( :‬ل تلبثون إل يسحيرا حتحى يجلس‬
‫الرجحل منكحم فحي المل العظيحم محتبيحا ليحس عليحه حديدة)‪ .‬ونزلت هذه اليحة‪ ،‬وأظهحر ال نحبيه على‬
‫جزيرة العرب فوضعوا السلح وأمنوا‪ .‬قال النحاس‪ :‬فكان في هذه الية دللة على نبوة رسول ال‬
‫صححلى ال عليححه وسححلم؛ لن ال جحل وعححز أنجحز ذلك الوعححد‪ .‬قال الضحاك فحي كتاب النقاش‪ :‬هذه‬
‫تتضمحن خلفحة أبحي بكحر وعمحر وعثمان وعلي لنهحم أهحل اليمان وعملوا الصحالحات‪ .‬وقحد قال‬
‫رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬الخلفحة بعدي ثلثون)‪ .‬وإلى هذا القول ذهحب ابحن العربحي فحي‬
‫أحكامحه‪ ،‬واختاره وقال‪ :‬قال علماؤنحا هذه اليحة دليحل على خلفحة الخلفاء الربعحة رضحي ال عنهحم‪،‬‬
‫وأن ال استخلفهم ورضي أمانتهم‪ ،‬وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم‪ ،‬لنهم لم يتقدمهم أحد في‬
‫الفضيلة إلى يومنا هذا‪ ،‬فاستقر المر لهم‪ ،‬وقاموا بسياسة المسلمين‪ ،‬وذبوا عن حوزة الدين؛ فنفذ‬
‫الوعحد فيهحم‪ ،‬وإذا لم يكحن هذا الوعحد لهحم نجحز‪ ،‬وفيهحم نفحذ‪ ،‬وعليهحم ورد‪ ،‬ففيمحن يكون إذا‪ ،‬وليحس‬
‫بعدهحم مثلهحم إلى يومنحا هذا‪ ،‬ول يكون فيمحا بعده‪ .‬رضحي ال عنهحم‪ .‬وحكحى هذا القول القشيري عن‬
‫ابن عباس‪ .‬واحتجوا بما رواه سفينة مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫صحلى ال عليحه وسحلم يقول‪( :‬الخلفحة بعدي ثلثون سحنة ثحم تكون ملكحا)‪ .‬قال سحفينة‪ :‬أمسحك عليحك‬
‫خلفة أبي بكر سنتين‪ ،‬وخلفة عمر عشرا‪ ،‬وخلفة عثمان اثنتي عشرة سنة‪ ،‬وخلفة علي ستا‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هذا وعد لجميع المة في ملك الرض كلها تحت كلمة السلم؛ كما قال عليه الصحلة‬
‫والسحلم‪( :‬زويحت لي الرض فرأيحت مشارقهحا ومغاربهحا وسحيبلغ ملك أمتحي محا زوي لي منهحا)‪.‬‬
‫واختار هذا القول ابححن عطيححة فححي تفسححيره حيححث قال‪ :‬والصحححيح فححي اليححة أنهححا فححي اسححتخلف‬
‫الجمهور‪ ،‬واسححتخلفهم هححو أن يملكهححم البلد ويجعلهححم أهلهححا؛ كالذي جرى فححي الشام والعراق‬
‫وخراسحان والمغرب‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬قلنحا لهحم هذا وعحد عام فحي النبوة والخلفحة وإقامحة الدعوة‬
‫وعموم الشريعحة‪ ،‬فنفحذ الوعحد فحي كحل أححد بقدره وعلى حاله؛ حتحى فحي المفتيحن والقضاة والئمحة‪،‬‬
‫وليس للخلفة محل تنفذ فيه الموعدة الكريمة إل من تقدم من الخلفاء‪ .‬ثم ذكر اعتراضا وانفصال‬
‫معناه‪ :‬فإن قيل هذا المر ل يصح إل في أبي بكر وحده‪ ،‬فأما عمر وعثمان فقتل غيلة‪ ،‬وعلي قد‬
‫نوزع فحي الخلفحة‪ .‬قلنحا‪ :‬ليحس فحي ضمحن المحن السحلمة محن الموت بأي وجحه كان‪ ،‬وأمحا علي فلم‬
‫يكن نزاله فحي الحرب مذهبا للمن‪ ،‬وليس من شرط المن رفع الحرب إنما شرطه ملك النسان‬
‫لنفسحه باختياره‪ ،‬ل كمحا كان أصححاب النحبي صحلى ال عليحه وسحلم بمكحة‪ .‬ثحم قال فحي آخحر كلمحه‪:‬‬
‫وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين‪ ،‬وكانوا مطلوبين فصاروا طالبين؛ فهذا نهاية‬
‫المن والعز‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الحال لم تختص بالخلفاء الربعة رضي ال عنهم حتى يخصوا بها من عموم الية‪،‬‬
‫بحل شاركهحم فحي ذلك جميحع المهاجريحن بحل وغيرهحم‪ .‬أل ترى إلى إغزاء قريحش المسحلمين فحي أححد‬
‫وغيرهحا وخاصحة الخندق‪ ،‬حتحى أخحبر ال تعالى عحن جميعهحم فقال‪" :‬إذ جاؤوكحم محن فوقكحم ومحن‬
‫أسححفل منكححم وإذ زاغححت البصححار وبلغححت القلوب الحناجححر وتظنون بال الظنونححا‪ .‬هنالك ابتلي‬
‫المؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا" [الحزاب‪ .]11 - 10 :‬ثم إن ال رد الكافرين لم ينالوا خيرا‪،‬‬
‫وأمن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم‪ ،‬وهو المراد بقوله‪" :‬ليستخلفنهم في الرض"‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬كما استخلف الذين من قبلهم" يعني بني إسرائيل‪ ،‬إذ أهلك ال الجبابرة بمصر‪ ،‬وأورثهم‬
‫أرضهححم وديارهححم فقال‪" :‬وأورثنححا القوم الذيححن كانوا يسححتضعفون مشارق الرض ومغاربهححا"‬
‫[العراف‪ .]137 :‬وهكذا كان الصححابة مسحتضعفين خائفيحن‪ ،‬ثحم إن ال تعالى أمنهحم ومكنهحم‬
‫وملكهم‪ ،‬فصح أن الية عامة لمة محمد صلى ال عليه وسلم غير مخصوصة؛ إذ التخصيص ل‬
‫يكون إل بخبر ممن يجب له التسليم‪ ،‬ومن الصل المعلوم التمسك بالعموم‪ .‬وجاء في معنى تبديل‬
‫خوفهحم بالمحن أن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم لمحا قال أصححابه‪ :‬أمحا يأتحي علينحا يوم نأمحن فيحه‬
‫ونضحع السحلح؟ فقال عليحه السحلم‪( :‬ل تلبثون إل قليل حتحى يجلس الرجحل منكحم فحي المل العظيحم‬
‫محتبيا ليس عليه حديدة)‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬وال ليتمن ال هذا المر حتى يسير الراكب‬
‫محن صحنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال والذئب على غنمحه ولكنكحم تسحتعجلون)‪ .‬خرجحه مسحلم‬
‫في صحيحه؛ فكان كما أخبر صلى ال عليه وسلم‪ .‬فالية معجزة النبوة؛ لنها إخبار عما سيكون‬
‫فكان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليسحتخلفنهم فحي الرض" فيحه قولن‪ :‬أحدهمحا‪ :‬يعنحي أرض مكحة؛ لن المهاجريحن‬
‫سححألوا ال تعالى ذلك فوعدوا كمححا وعدت بنححو إسححرائيل؛ قال معناه النقاش‪ .‬الثانححي‪ :‬بلد العرب‬
‫والعجم‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهو الصحيح؛ لن أرض مكة محرمة على المهاجرين‪ ،‬قال النبي صلى‬
‫ال عليحه وسحلم‪( :‬لكحن البائس سحعد بحن خولة)‪ .‬يرثحي له رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم أن مات‬
‫بمكححة‪ .‬وقال فححي الصحححيح أيضححا‪( :‬يمكححث المهاجححر بمكححة بعححد قضاء نسححكه ثلثححا)‪ .‬واللم فححي‬
‫"ليستخلفهم" جواب قسم مضمر؛ لن الوعد قول‪ ،‬مجازها‪ :‬قال ال للذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫وال ليسحتخلفنهم فحي الرض فيجعلهحم ملوكهحا وسكانها‪" .‬كمحا اسحتخلف الذيحن من قبلهحم" يعني بنحي‬
‫إسحرائيل‪ ،‬أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم‪ .‬وقراءة العامة "كما استخلف"‬
‫بفتح التاء واللم؛ لقوله‪" :‬وعد"‪ .‬وقوله‪" :‬ليستخلفنهم"‪ .‬وقرأ عيسى بن عمر وأبو بكحر والمفضل‬
‫عحن عاصحم "اسحتخلف" بضحم التاء وكسحر اللم على الفعحل المجهول‪" .‬وليمكنحن لهحم دينهحم الذي‬
‫ارتضحى لهحم" وهحو السحلم؛ كمحا قال تعالى‪" :‬ورضيحت لكحم السحلم دينحا" [المائدة‪ ]3 :‬وقحد تقدم‪.‬‬
‫وروي سحليم بحن عامحر عحن المقداد بحن السحود قال‪ :‬سحمعت رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم يقول‪:‬‬
‫(ما على ظهر الرض بيت حجر ول مدر إل أدخله ال كلمة السلم بعز عزيز أو ذل ذليل أما‬
‫بعزهححم فيجعلهححم مححن أهلهححا وأمححا بذلهححم فيدينون بهححا)‪ .‬ذكره الماوردي حجححة لمححن قال‪ :‬إن المراد‬
‫بالرض بلد العرب والعجحم؛ وهحو القول الثانحي‪ :‬على محا تقدم آنفحا‪" .‬وليبدلنهحم" قرأ ابحن محيصحن‬
‫وابن كثير ويعقوب وأبو بكر بالتخفيف؛ من أبدل‪ ،‬وهي قراءة الحسن‪ ،‬واختيار أبي حاتم‪ .‬الباقون‬
‫بالتشديحد؛ محن بدل‪ ،‬وهحي اختيار أبحي عبيحد؛ لنهحا أكثحر محا فحي القرآن‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ل تبديحل‬
‫لكلمات ال" [يونحس‪ .]64 :‬وقال‪" :‬وإذا بدلنحا آيحة" [النححل‪ ]101 :‬ونحوه‪ ،‬وهمحا لغتان‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وحكحى محمحد بحن الجهحم عحن الفراء قال‪ :‬قرأ عاصحم والعمحش "وليبدلنهحم" مشددة‪ ،‬وهذا‬
‫غلط على عاصحم؛ وقحد ذكحر بعده غلطحا أشحد منحه‪ ،‬وهحو أنحه حكحى عحن سحائر الناس التخفيحف‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وزعم أحمد بن يحيى أن بين التثقيل والتخفيف فرقا‪ ،‬وأنه يقال‪ :‬بدلته أي غيرته‪ ،‬وأبدلته‬
‫أزلتححه وجعلت غيره‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا القول صحححيح؛ كمححا تقول‪ :‬أبدل لي هذا الدرهححم‪ ،‬أي أزله‬
‫وأعطنحي غيره‪ .‬وتقول‪ :‬قحد بدلت بعدنحا‪ ،‬أي غيرت؛ غيحر أنحه قحد يسحتعمل أحدهمحا موضحع الخحر؛‬
‫والذي ذكره أكثر‪ .‬وقد مضى هذا في "النساء" والحمد ل‪ ،‬وذكرنا في سورة "إبراهيم" الدليل من‬
‫السححنة على أن بدل معناه إزالة العيححن؛ فتأمله هناك‪ .‬وقرئ "عسححى ربنححا أن يبدلنححا" [القلم‪]32 :‬‬
‫مخففا ومثقل‪" .‬يعبدونني" هو في موضع الحال؛ أي في حال عبادتهم ال بالخلص‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون استئنافا على طريق الثناء عليهم‪" .‬ل يشركون بي شيئا" فيه أربعة أقوال‪ :‬أحدها‪ ،‬ل يعبدون‬
‫إلهححا غيري؛ حكاه النقاش‪ .‬الثانححي‪ ،‬ل يراؤون بعبادتححي أحدا‪ .‬الثالث‪ ،‬ل يخافون غيري؛ قاله ابححن‬
‫عباس‪ .‬الرابحع‪ ،‬ل يحبون غيري؛ قال مجاهحد‪" .‬ومحن كفحر بعحد ذلك" أي بهذه النعحم‪ .‬والمراد كفران‬
‫النعمة؛ لنه قال تعالى‪" :‬فأولئك هم الفاسقون" والكافر بال فاسق بعد هذا النعام وقبله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}‬
‫@ تقدم؛ فأعاد المر بالعبادة تأكيدا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬ل تحسبن الذين كفروا معجزين في الرض ومأواهم النار ولبئس المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تحسحبن الذيحن كفروا" هذا تسحلية للنحبي صحلى ال عليحه وسحلم ووعحد بالنصحرة‪.‬‬
‫وقراءة العامة "تحسبن" بالتاء خطابا‪ .‬وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو حيوة "يحسبن" بالياء‪ ،‬بمعنى‬
‫ل يحسحبن الذيحن كفروا أنفسحهم معجزيحن ال فحي الرض‪ ،‬لن الحسحبان يتعدى إلى مفعوليحن‪ .‬وهذا‬
‫قول الزجاج‪ .‬وقال الفراء وأبححو علي‪ :‬يجوز أن يكون الفعححل للنححبي صححلى ال عليححه وسححلم؛ أي ل‬
‫يحسحبن محمحد الذيحن كفروا معجزيحن الرض‪ .‬فحح "الذيحن" مفعول أول‪ ،‬و"معجزيحن" مفعول ثان‪.‬‬
‫وعلى القول الول "الذيححن كفروا" فاعححل "أنفسححهم" مفعول أول‪ ،‬وهححو محذوف مراد "معجزيححن"‬
‫مفعول ثان‪ .‬قال النحاس‪ :‬وما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ول كوفيا إل وهو يخطئ قراءة‬
‫حمزة؛ فمنهم من يقول‪ :‬هي لحن؛ لنه لم يأت إل بمفعول واحد ليحسبن‪ .‬وممن قال هذا أبو حاتم‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬هححو ضعيححف؛ وأجازه على ضعفححه‪ ،‬على أنححه يحذف المفعول الول‪ ،‬وقححد بيناه‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وسمعت علي بن سليمان يقول في هذه القراءة‪ :‬يكون "الذين كفروا" في موضع نصب‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويكون المعنى ول يحسبن الكافر الذين كفروا معجزين في الرض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا موافق لما قاله الفراء وأبو علي؛ لن الفاعل هناك النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفي‬
‫هذا القول الكافححر‪ .‬و"معجزيححن" معناه فائتيححن‪ .‬وقححد تقدم‪" .‬ومأواهححم النار ولبئس المصححير" أي‬
‫المرجع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 58 :‬يحا أيهحا الذيحن آمنوا ليسحتأذنكم الذيحن ملكحت أيمانكحم والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم‬
‫ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلة العشاء ثلث‬
‫عورات لكم ليس عليكم ول عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين ال‬
‫لكم اليات وال عليم حكيم}‬
‫@ قال العلماء‪ ،‬هذه الية خاصة والتي قبلها عامة؛ لنه قال‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوتا‬
‫غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" [النور‪ ]27 :‬ثم خص هنا فقال‪" :‬ليستأذنكم الذين‬
‫ملكحت أيمانكحم" فخحص فحي هذه اليحة بعحض المسحتأذنين‪ ،‬وكذلك أيضحا يتأول القول فحي الولى فحي‬
‫جميحع الوقات عمومحا‪ .‬وخحص فحي هذه اليحة بعحض الوقات‪ ،‬فل يدخحل فيهحا عبحد ول أمحة؛ وغْداً‬
‫كان أو ذا منظحر إل بعحد السحتئذان‪ .‬قال مقاتحل‪ :‬نزلت فحي أسحماء بنحت مرثحد‪ ،‬دخحل عليهحا غلم لهحا‬
‫كبير‪ ،‬فاشتكت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فنزلت عليه الية‪ .‬وقيل‪ :‬سبب نزولها دخول‬
‫مدلج على عمر؛ وسيأتي‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى "ليستأذنكم" على ستة أقوال‬
‫الول‪ :‬أنها منسوخة‪ ،‬قاله ابن المسيب وابن جبير‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنها ندب غير واجبة؛ قاله أبو قلبة‪ ،‬قال‪ :‬إنما أمروا بهذا نظرا لهم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عنى بها النساء؛ قاله أبو عبدالرحمن السلمي‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬وقال ابن عمر‪ :‬هي في الرجال دون النساء‪.‬‬
‫الخامحححس‪ :‬كان ذلك واجبحححا‪ ،‬إذ كانوا ل غلق لهحححم ول أبواب‪ ،‬ولو عاد الحال لعاد الوجوب حكاه‬
‫المهدوي عن ابن عباس‪.‬‬
‫السحادس‪ :‬أنهحا محكمحة واجبحة ثابتحة على الرجال والنسحاء؛ وهحو قول أكثحر أهحل العلم؛ منهحم القاسحم‬
‫وجابر بن زيد والشعبي‪ .‬وأضعفها قول السلمي لن "الذين" ل يكون للنساء في كلم العرب‪ ،‬إنما‬
‫يكون للنسحاء ‪ -‬اللتحي واللواتحي ‪ -‬وقول ابحن عمحر يسحتحسنه أهحل النظحر‪ ،‬لن "الذيحن" للرجال فحي‬
‫كلم العرب‪ ،‬وإن كان يجوز أن يدخححل معهححم النسححاء فإنمححا يقححع ذلك بدليححل‪ ،‬والكلم على ظاهره‪،‬‬
‫غير أن في إسناده ليث بن أبي سليم‪ .‬وأما قول ابن عباس فروى أبو داود عن عبيدال بن أبي يزيد‬
‫سحمع ابحن عباس يقول‪ :‬آية لم يؤمحر بهحا أكثحر الناس آية السحتئذان وإنحي لمحر جاريتحي هذه تسحتأذن‬
‫علي‪ .‬قال أبو داود‪ :‬وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس "يأمر به"‪ .‬وروى عكرمة أن نفرا من أهل‬
‫العراق قالوا‪ :‬يا ابن عباس‪ ،‬كيف ترى في هذه الية التي أمرنا فيها بما أمرنا ول يعمل بها أحد‪،‬‬
‫قول ال عحز وجحل "يحا أيهحا الذيحن آمنوا ليسحتأذنكم الذيحن ملكحت أيمانكحم والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم‬
‫ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلة العشاء ثلث‬
‫عورات لكحم ليحس عليكحم ول عليهحم جناح بعدهحن طوافون عليكحم"‪ .‬قال أبحو داود‪ :‬قرأ القعنحبي إلى‬
‫"عليم حكيم" قال ابن عباس‪ :‬إن ال حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر‪ ،‬وكان الناس ليس لبيوتهم‬
‫سححتور ول حجال‪ ،‬فربمححا دخححل الخادم أو الولد أو يتيمححة الرجححل والرجححل على أهله‪ ،‬فأمرهححم ال‬
‫بالستئذان في تلك العورات‪ ،‬فجاءهم ال بالستور والخير‪ ،‬فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا متن حسن‪ ،‬وهو يرد قول سعيد وابن جبير؛ فإنه ليس فيه دليل على نسخ الية‪ ،‬ولكن‬
‫على أنها كانت على حال ثم زالت‪ ،‬فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان‪ ،‬بل حكمها لليوم‬
‫ثابت في كثير من مساكن المسلمين في البوادي والصحارى ونحوها‪ .‬وروى وكيع عن سفيان عن‬
‫موسى بن أبي عائشة عن الشعبي "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم" قال‪ :‬ليست‬
‫بمنسوخة‪ .‬قلت‪ :‬إن الناس ل يعملون بها؛ قال‪ :‬ال عز وجل المستعان‪.‬‬
‫@ قال بعض أهل العلم‪ :‬إن الستئذان ثلثا مأخوذ من قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم‬
‫الذيحن ملكحت أيمانكحم والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم ثلث مرات" قال يزيحد‪ :‬ثلث دفعات‪ .‬قال‪ :‬فورد‬
‫القرآن في المماليك والصبيان‪ ،‬وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم في الجميع‪ .‬قال ابن عبدالبر‪:‬‬
‫محا قاله محن هذا وإن كان له وجحه فإنحه غيحر معروف عحن العلماء فحي تفسحير اليحة التحي نزع بهحا‪،‬‬
‫والذي عليحه جمهورهحم فحي قوله "ثلث مرات" أي فحي ثلث أوقات‪ .‬ويدل على صححة هذا القول‬
‫ذكره فيها "من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلة العشاء"‪.‬‬
‫@ أدب ال عز وجل عباده في هذه الية بأن يكون العبيد إذ ل بال لهم‪ ،‬والطفال الذين لم يبلغوا‬
‫الحلم إل أنهحم عقلوا معانحي الكشفحة ونحوهحا‪ ،‬يسحتأذنون على أهليهحم فحي هذه الوقات الثلثحة‪ ،‬وهحي‬
‫الوقات التحي تقتضحي عادة الناس النكشاف فيهحا وملزمحة التعري‪ .‬فمحا قبحل الفجحر وقحت انتهاء‬
‫النوم ووقححت الخروج مححن ثياب النوم ولبححس ثياب النهار‪ .‬ووقححت القائلة وقححت التجرد أيضححا وهححي‬
‫الظهيرة‪ ،‬لن النهار يظهححر فيهححا إذا عل شعاعححه واشتححد حره‪ .‬وبعححد صححلة العشاء وقححت التعري‬
‫للنوم؛ فالتكشف غالب في هذه الوقات‪ .‬يروي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث غلما من‬
‫النصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب ظهيرة ليدعوه‪ ،‬فوجده نائما قد أغلق عليه الباب‪ ،‬فدق‬
‫عليحه الغلم الباب فناداه‪ ،‬ودخحل‪ ،‬فاسحتيقظ عمحر وجلس فانكشحف منحه شيحء‪ ،‬فقال عمحر‪ :‬وددت أن‬
‫ال نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إل بإذن؛ ثم انطلق إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فوجد هذه الية قد أنزلت‪ ،‬فخر ساجدا شكرا ل‪ .‬وهي مكية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيحن لم يبلغوا الحلم منكحم" أي الذيحن لم يحتلموا محن أحراركحم؛ قال مجاهحد‪.‬‬
‫وذكحر إسحماعيل بحن إسححاق كان يقول‪ :‬ليسحتأذنكم الذيحن لم يبلغوا الحلم ممحا ملكحت أيمانكحم‪ ،‬على‬
‫التقديحم والتأخيحر‪ ،‬وأن اليحة فحي الماء‪ .‬وقرأ الجمهور بضحم اللم‪ ،‬وسحكنها الحسحن بحن أبحي الحسحن‬
‫لثقحل الضمحة‪ ،‬وكان أبحو عمرو يسحتحسنها‪ .‬و"ثلث مرات" نصحب على الظرف؛ لنهحم لم يؤمروا‬
‫بالسحتئذان ثلثحا‪ ،‬إنمحا أمروا بالسحتئذان فحي ثلثحة مواطحن‪ ،‬والظرفيحة فحي "ثلث" بينحة‪ :‬محن قبحل‬
‫صلة الفجر‪ ،‬وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة‪ ،‬ومن صلة العشاء‪ .‬وقد مضى معناه‪ .‬ول يجب‬
‫أن يسحتأذن ثلث مرات فحي كحل وقحت‪" .‬ثلث عورات لكحم" قرأ جمهور السحبعة "ثلث عورات"‬
‫برفححع "ثلث"‪ .‬وقرأ حمزة والكسححائي وأبححو بكححر عححن عاصححم "ثلث" بالنصححب على البدل مححن‬
‫الظرف فحي قوله "ثلث مرات"‪ .‬قال أبحو حاتحم‪ :‬النصحب ضعيحف مردود‪ .‬وقال الفراء‪ :‬الرفحع أححب‬
‫إلي‪ .‬قال‪ :‬وإنمححا اخترت الرفححع لن المعنححى‪ :‬هذه الخصححال ثلث عورات‪ .‬والرفححع عنححد الكسححائي‬
‫بالبتداء‪ ،‬والخححبر عنده مححا بعده‪ ،‬ولم يقححل بالعائد‪ ،‬وقال نصححا بالبتداء‪ .‬قال‪ :‬والعورات السححاعات‬
‫التحي تكون فيهحا العورة؛ إل أنحه قرأ بالنصحب‪ ،‬والنصحب فيحه قولن‪ :‬أحدهمحا‪ :‬أنحه مردود على قوله‬
‫"ثلث مرات"؛ ولهذا اسحتبعده الفراء‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬المعنحى ليسحتأذنكم أوقات ثلث عورات؛‬
‫فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه‪ .‬و"عورات" جمع عورة‪ ،‬وبابه في الصحيح أن يجيء‬
‫على فعلت (بفتح العين) كجفنة وجفنات‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وسكنوا العين في المعتل كبيضة وبيضات؛‬
‫لن فتحه داع إلى اعتلله فلم يفتح لذلك؛ فأما قول الشاعر‪:‬‬
‫رفيق بمسح المنكبين سبوح‬ ‫أبو بيضات رائح متأوب‬
‫فشاذ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليحس عليكحم ول عليهحم جناح بعدهحن" أي فحي الدخول محن غيحر أن يسحتأذنوا وإن‬
‫كنتححم متبذليححن‪" .‬طوافون" بمعنححى هححم طوافون‪ .‬قال الفراء‪ :‬كقولك فححي الكلم إنمححا هححم خدمكححم‬
‫وطوافون عليكحم‪ .‬وأجاز الفراء نصحب "طوافيحن" لنحه نكرة‪ ،‬والمضمحر فحي "عليكحم" معرفحة‪ .‬ول‬
‫يجيححز البصححريون أن يكون حال مححن المضمريححن اللذيححن فححي "عليكححم" وفححي "بعضكححم" لختلف‬
‫العامليحن‪ .‬ول يجوز مررت يزيحد ونزلت على عمرو العاقليحن‪ ،‬على النعحت لهمحا‪ .‬فمعنحى "طوافون‬
‫عليكم" أي يطوفون عليكم وتطوفون عليهم؛ ومنه الحديث في الهرة (إنما هي من الطوافين عليكم‬
‫أو الطوافات)‪ .‬فمنحع فحي الثلث العورات محن دخولهحم علينحا؛ لن حقيقحة العورة كحل شيحء ل مانحع‬
‫دونححه‪ ،‬ومنححه قوله "إن بيوتنححا عورة" [الحزاب‪ ]13 :‬أي سححهلة للمدخححل‪ ،‬فححبين العلة الموجبححة‬
‫للذن‪ ،‬وهححي الخلوة فححي حال العورة؛ فتعيححن امتثاله وتعذر نسححخه‪ .‬ثححم رفححع الجناح بقوله‪" :‬ليححس‬
‫عليكححم ول عليهححم جناح بعدهححن طوافون عليكححم بعضكححم على بعححض" أي يطوف بعضكححم على‬
‫بعحض‪" .‬كذلك يحبين ال لكحم اليات" الكاف فحي موضحع نصحب؛ أي يحبين ال لكحم آياتحه الدالة على‬
‫متعبداته بيانا مثل ما يبين لكم هذه الشياء‪" .‬وال عليم حكيم" تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومحن بعحد صحلة العشاء" يريحد العتمحة‪ .‬وفحي صححيح مسحلم عحن عبدال بحن عمحر‬
‫رضحي ال عنهمحا قال سحمعت رسحول ال صحلى يقول‪( :‬ل تغلبنكحم العراب على اسحم صحلتكم أل‬
‫إنها العشاء وهم يعتمون بالبل)‪ .‬وفي رواية (فإنها في كتاب ال العشاء وإنها تعتم بحلب البل)‪.‬‬
‫وفي البخاري عن أبي برزة‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يؤخر العشاء‪ .‬وقال أنس‪ :‬أخر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم العشاء‪ .‬وهذا يدل على العشاء الولى‪ .‬وفي الصحيح‪ :‬فصلها‪ ،‬يعني العصر‬
‫بين العشاءين المغرب والعشاء‪ .‬وفي الموطأ وغيره‪( :‬ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لتوهما‬
‫ولو حبوا)‪ .‬وفححي مسححلم عححن جابر بححن سححمرة قال‪ :‬كان رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم يصححلي‬
‫الصحلوات نحوا محن صحلتكم‪ ،‬وكان يؤخحر العتمحة بعحد صحلتكم شيئا‪ ،‬وكان يخحف الصحلة‪ .‬وقال‬
‫القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬وهذه أخبار متعارضة‪ ،‬ل يعلم منها الول من الخر بالتاريخ‪ ،‬ونهيه‬
‫عليححه السححلم عححن تسححمية المغرب عشاء وعححن تسححمية العشاء عتمححة ثابححت‪ ،‬فل مرد له مححن أقوال‬
‫الصححابة فضل عمحن عداهحم‪ .‬وقحد كان ابحن عمحر يقول‪ :‬محن قال صحلة العتمحة فقحد أثحم‪ .‬وقال ابحن‬
‫القاسحم قال مالك‪" :‬ومحن بعحد صحلة العشاء" فال سحماها صحلة العشاء فأححب النحبي صحلى ال عليحه‬
‫وسلم أن تسمي بما سماها ال تعالى به ويعلمها النسان أهله وولده‪ ،‬ول يقال عتمة إل عند خطاب‬
‫من ل يفهم وقد قال حسان‪:‬‬
‫خلل مروجها نعم وشاء‬ ‫وكانت ل يزال بها أنيس‬
‫يؤرقني إذا ذهب العشاء‬ ‫فدع هذا ولكن من لطيف‬
‫وقد قيل‪ :‬إن هذا النهي عن اتباع العراب فحي تسميتهم العشاء عتمة‪ ،‬إنما كان لئل يعدل بها عما‬
‫سماها ال تعالى في كتابه إذ قال‪" :‬ومن بعد صلة العشاء"؛ فكأنه نه يُ إرشاد إلى ما هو الولى‪،‬‬
‫وليس على جهة التحريم‪ ،‬ول على أن تسميتها العتمة ل يجوز‪ .‬أل ترى أنه قد ثبت أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم قد أطلق عليها ذلك‪ ،‬وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وعمر رضي ال عنهما‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إنما نهى عن ذلك تنزيها لهذه العبادة الشريفة الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دنيوية‪،‬‬
‫وهحي الحلبحة التحي كانوا يحلبونهحا فحي ذلك الوقحت ويسحمونها العتمحة؛ ويشهحد لهذا قوله‪( :‬فإنهحا تعتحم‬
‫بحلب البل)‪.‬‬
‫@ روى ابن ماجه في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن‬
‫غزية عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول‪( :‬من‬
‫صحلى فحي جماعحة أربعيحن ليلة ل تفوتحه الركعحة الولى محن صحلة العشاء كتحب ال بهحا عتقحا محن‬
‫النار)‪ .‬وفحي صححيح مسحلم عحن عثمان بحن عفان قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬محن‬
‫صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله)‪.‬‬
‫وروي الدارقطنحي فحي سحننه عحن سحبيع أو تحبيع عحن كعحب قال‪ :‬محن توضحأ فأحسحن الوضوء وصحلى‬
‫العشاء الخرة وصحلى بعدهحا أربحع ركعات فأتحم ركوعهحن وسحجودهن ويعلم محا يقترئ فيهحن كحن له‬
‫بمنزلة ليلة القدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬وإذا بلغ الطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين ال‬
‫لكم آياته وال عليم حكيم}‬
‫@ قرأ الحسن "الحلم" فحذف الضمة لثقلها‪ .‬والمعنى‪ :‬أن الطفال أمروا بالستئذان في الوقات‬
‫الثلثة المذكورة؛ وأبيح لهم المر في غير ذلك كما ذكرنا‪ .‬ثم أمر تعالى في هذه الية أن يكونوا‬
‫إذا بلغوا الحلم على حكم الرجال في الستئذان في كل وقت‪ .‬وهذا بيان من ال عز وجل لحكامه‬
‫وإيضاح حلله وحرامحه‪ ،‬وقال "فليسحتأذنوا" ولم يقحل فليسحتأذنوكم‪ .‬وقال فحي الولى "ليسحتأذنكم"‬
‫لن الطفال غيححر مخاطححبين ول متعبديححن‪ .‬وقال ابححن جريححج‪ :‬قلت لعطاء "وإذا بلغ الطفال منكححم‬
‫الحلم فليسححتأذنوا" قال‪ :‬واجححب على الناس أن يسححتأذنوا إذا احتلموا‪ ،‬أحرارا كانوا أو عححبيدا‪ .‬وقال‬
‫أبحو إسححاق الفزاري‪ :‬قلت للوزاعحي محا ححد الطفحل الذي يسحتأذن؟ قال‪ :‬أربحع سحنين‪ ،‬قال ل يدخحل‬
‫على امرأة حتحى يسحتأذن‪ .‬وقال الزهري‪ :‬أي يسحتأذن الرجحل على أمحه وفحي هذا المعنحى نزلت هذه‬
‫الية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 60 :‬والقواعحد محن النسحاء اللتحي ل يرجون نكاححا فليحس عليهحن جناح أن يضعحن‬
‫ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن وال سميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والقواعد من النساء" القواعد واحدتها قاعد‪ ،‬بل هاء؛ ليدل حذفها على أنه قعود‬
‫الكبر‪ ،‬كما قالوا‪ :‬امرأة حامل؛ ليدل بحذف الهاء أنه حمل حبل‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫حبلن وإن كن القواعد عقرا‬ ‫فلو أن ما في بطنه بين نسوة‬
‫وقالوا فحي غيحر ذلك‪ :‬قاعدة فحي بيتهحا‪ ،‬وحاملة على ظهرهحا‪ ،‬بالهاء‪ .‬والقواعحد أيضحا‪ :‬إسحاس البيحت‬
‫واحدة قاعدة‪ ،‬بالهاء‪.‬‬
‫@ القواعد‪ :‬العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن‪ ،‬وقعدن عن الولد والمحيض؛ هذا قول‬
‫أكثحر العلماء‪ .‬قال ربيعحة‪ :‬هحي التحي إذا رأيتهحا تسحتقذرها محن كبرهحا‪ .‬وقال أبحو عحبيدة‪ :‬اللتحي قعدن‬
‫عن الولد؛ وليس ذلك بمستقيم‪ ،‬لن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمتع‪ ،‬قاله المهدوي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن" إنما خص القواعد بذلك لنصراف النفس‬
‫عنهن؛ إذ ل يذهب للرجال فيهن‪ ،‬فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن‪ ،‬وأزيل عنهم كلفة التحفظ المتعب‬
‫لهن‪.‬‬
‫@ قرأ ابن مسعود وأبي وابن عباس "أن يضعن من ثيابهن" بزيادة "من" قال ابن عباس‪ :‬وهو‬
‫الجلباب‪ .‬وروي عن ابن مسعود أيضا "من جلبيبهن" والعرب تقول‪ :‬امرأة واضع‪ ،‬للتي كبرت‬
‫فوضعحت خمارهحا‪ .‬وقال قوم‪ :‬الكحبيرة التحي أيسحت محن النكاح‪ ،‬لو بدا شعرهحا فل بأس؛ فعلى هذا‬
‫يجوز لهحا وضحع الخمار‪ .‬والصححيح أنهحا كالشابحة فحي التسحتر؛ إل أن الكحبيرة تضحع الجلباب الذي‬
‫يكون فوق الدرع والخمار‪ ،‬قاله ابن مسعود وابن جبير وغيرهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غيحر متحبرجات بزينحة" أي غيحر مظهرات ول متعرضات بالزينحة لينظحر إليهحن؛‬
‫فإن ذلك مححن أقبححح الشياء وأبعده عححن الحححق‪ .‬والتححبرج‪ :‬التكشححف والظهور للعيون؛ ومنححه‪ :‬بروج‬
‫مشيدة‪ .‬وبروج السحماء والسحوار؛ أي ل حائل دونهحا يسحترها‪ .‬وقيحل لعائشحة رضحي ال عنهحا‪ :‬يحا أم‬
‫المؤمنيحن‪ ،‬محا تقوليحن فحي الخضاب والصحباغ والتمائم والقرطيحن والخلخال وخاتحم الذهحب ورقاق‬
‫الثياب؟ فقالت‪ :‬يحا معشحر النسحاء‪ ،‬قصحتكن قصحة امرأة واحدة‪ ،‬أححل ال لكنّح الزينحة غيحر متحبرجات‬
‫لمحن ل يححل لكنّح أن يروا منكحن محرمحا‪ .‬وقال عطاء‪ :‬هذا فحي بيوتهحن‪ ،‬فإذا خرجحت فل يححل لهحا‬
‫وضحع الجلباب‪ .‬وعلى هذا "غيحر متحبرجات" غيحر خارجات محن بيوتهحن‪ .‬وعلى هذا يلزم أن يقال‪:‬‬
‫إذا كانحت فحي بيتهحا فل بدلهحا محن جلبان فوق الدرع‪ ،‬وهذا بعيحد‪ ،‬إل إذا دخحل عليهحا أجنحبي‪ .‬ثحم ذكحر‬
‫تعالى أن تحفظ الجميع منهن‪ ،‬واستعفافهن عن وضع الثياب والتزامهن ما يلزم الشباب أفضل لهن‬
‫وخيحر‪ .‬وقرأ ابحن مسحعود "وأن يتعففحن" بغيحر سحين‪ .‬ثحم قيحل‪ :‬محن التحبرج أن تلبحس المرأة ثوبيحن‬
‫رقيقين يصفانها‪ .‬روى الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬صنفان‬
‫من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات‬
‫مميلت مائلت رؤوسححهن كأسححنمة البخححت المائلة ل يدخلن الجنححة ول يجدن ريحهححا وإن ريحهححا‬
‫ليوجحد محن مسحيرة كذا وكذا)‪ .‬قال ابحن العربحي‪ :‬وإنمحا جعلهحن كاسحيات لن الثياب عليهحن وإنمحا‬
‫وصفهن بأنهن عاريات لن الثواب إذا رق يصفهن‪ ،‬ويبدي محاسنهن؛ وذلك حرام‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا أححد التأويليحن للعلماء فحي هذا المعنحى‪ .‬والثانحي‪ :‬أنهحن كاسحيات محن الثياب عاريات من‬
‫لباس التقوى الذي قال ال تعالى فيه‪" :‬ولباس التقوى ذلك خير"‪ .‬وأنشدوا‪:‬‬
‫تقلب عريانا وإن كان كاسيا‬ ‫إذا المرء لم يلبس ثياب من التقى‬
‫ول خير فيمن كان ل عاصيا‬ ‫وخير لباس المرء طاعة ربه‬
‫وفحي صححيح مسحلم عحن أبحي سحعيد الخدري قال قال رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬بينحا أنحا نائم‬
‫رأيحت الناس يعرضون علي وعليهحم قمحص منهحا محا يبلغ الثدي ومنهحا محا دون ذلك ومحر عمحر بحن‬
‫الخطاب وعليحه قميحص يجره) قالوا‪ :‬ماذا أولت ذلك يحا رسحول ال؟ قال‪( :‬الديحن)‪ .‬فتأويله صحلى ال‬
‫عليحه وسحلم القميحص بالديحن مأخوذ محن قوله تعالى‪" :‬ولباس التقوى ذلك خيحر"‪ .‬والعرب تكنحي عحن‬
‫الفضل والعفاف بالثياب؛ كما قال شاعرهم‪:‬‬
‫ثياب بني عوف طهارى نقية‬
‫وقحد قال صحلى ال عليحه وسحلم لعثمان‪( :‬إن ال سحيلبسك قميصحا فإن أرادوك أن تخلعحه فل تخلعحه)‪.‬‬
‫فعبر عن الخلفة بالقميص وهي استعارة حسنة معروفة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا التأويحل أصحح التأويليحن‪ ،‬وهحو اللئق بهحن فحي هذه الزمان‪ ،‬وخاصحة الشباب‪ ،‬فإنهحن‬
‫يتزين ويخرجن متبرجات؛ فهن كاسيات بالثياب عاريات من التقوى حقيقة‪ ،‬ظاهرا وباطنا‪ ،‬حيث‬
‫تبدي زينتهحا‪ ،‬ول تبالي بمحن ينظحر إليهحا‪ ،‬بحل ذلك مقصحودهن‪ ،‬وذلك مشاهحد فحي الوجود منهحن‪ ،‬فلو‬
‫كان عندهن شيء من التقوى لما فعلن ذلك‪ ،‬ولم يعلم أحد ما هنالك‪ .‬ومما يقوي هذا التأويل ما ذكر‬
‫محن وصحفهن فحي بقيحة الحديحث فحي قوله‪( :‬رؤوسحهن كأسحنمة البخحت)‪ .‬والبخحت ضرب محن البحل‬
‫عظام الجسحام‪ ،‬عظام السحنمة؛ شبحه رؤوسحهن بهحا لمحا رفعحن محن ضفائر شعورهحن على أوسحاط‬
‫رؤوسحهن‪ .‬وهذا مشاهحد معلوم‪ ،‬والناظحر إليهحن ملوم‪ .‬قال صحلى ال عليحه وسحلم‪( :‬محا تركحت بعدي‬
‫فتنة أضر على الرجال من النساء)‪ .‬خرجه البخاري‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 61 :‬ليس على العمحى حرج ول على العرج حرج ول على المريض حرج ول‬
‫على أنفسححكم أن تأكلوا مححن بيوتكححم أو بيوت آبائكححم أو بيوت أمهاتكححم أو بيوت إخوانكححم أو بيوت‬
‫أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالتكم أو ما ملكتم مفاتحه‬
‫أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعحا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية‬
‫من عند ال مباركة طيبة كذلك يبين ال لكم اليات لعلكم تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليس على العمى حرج" اختلف العلماء في تأويل هذه الية على أقوال ثمانية‪.‬‬
‫أقربها ‪ -‬هل هي منسوخة أو ناسخة أو محكمة؛ فهذه ثلثة أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنها منسوخة من قوله تعالى‪" :‬ول على أنفسكم" إلى آخر الية؛ قاله عبدالرحمن بن زيد‪،‬‬
‫قال‪ :‬هذا شيحء انقطحع‪ ،‬كانوا فحي أول السحلم ليحس على أبوابهحم أغلق‪ ،‬وكانحت السحتور مرخاة‪،‬‬
‫فربمحا جاء الرجحل فدخحل البيحت وهحو جائع وليحس فيحه أححد؛ فسحوغ ال عحز وجحل أن يأكحل منحه‪ ،‬ثحم‬
‫صحارت الغلق على البيوت فل يححل لححد أن يفتحهحا‪ ،‬فذهحب هذا وانقطحع‪ .‬قال صحلى ال عليحه‬
‫وسلم‪( :‬ل يحتلبن أحد ماشية أحد إل بإذنه‪ )..‬الحديث‪ .‬خرجه الئمة‪.‬‬
‫الثانحي‪ :‬أنهحا ناسحخة؛ قاله جماعحة‪ .‬روى علي بحن أبحي طلححة عحن ابحن عباس قال‪ :‬لمحا أنزل ال عحز‬
‫وجل "يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" قال المسلمون‪ :‬إن ال عز وجل قد نهانا‬
‫أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل‪ ،‬وأن الطعام من أفضل الموال‪ ،‬فل يحل لحد منا أن يأكل عند أحد‪،‬‬
‫فكف الناس عن ذلك؛ فأنزل ال عز وجل‪" :‬ليس على العمى حرج ‪ -‬إلى ‪ -‬أو ما ملكتم مفاتحه"‪.‬‬
‫قال‪ :‬هو الرجل يوكل الرجل بضيعته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬علي بن أبي طلحة هذا هو مولى بني هاشم سكن الشام‪ ،‬يكنى أبا الحسن ويقال أبا محمد‪،‬‬
‫اسم أبيه أبي طلحة سالم‪ ،‬تكلم في تفسيره؛ فقيل‪ :‬إنه لم ير ابن عباس‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهححا محكمححة؛ قاله جماعححة مححن أهححل العلم ممححن يقتدي بقولهححم؛ منهححم سححعيد بححن المسححيب‬
‫وعحبيدال بحن عبدال بحن عتبحة بحن مسحعود‪ .‬وروى الزهري عحن عروة عحن عائشحة رضحي ال عنهحا‬
‫قالت‪ :‬كان المسححلمون يوعبون فححي النفيححر مححع رسححول ال صححلى ال عليححه وسححلم‪ ،‬فكانوا يدفعون‬
‫مفاتيحهحم إلى ضمناهحم ويقولون‪ :‬إذا احتجتحم فكلوا؛ فكانوا يقولون إنمحا أحلوه لنحا عحن غيحر طيحب‬
‫نفس؛ فأنزل ال عز وجل‪" :‬ول على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم" إلى آخر الية‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬يوعبون أي يخرجون بأجمعهححم فححي المغازي؛ يقال‪ :‬أوعححب بنححو فلن لبنححي فلن إذا‬
‫جاؤوهم بأجمعهم‪ .‬وقال ابن السكيت‪ :‬يقال أوعب بنو فلن جلء؛ فلم يبق ببلدهم منهم أحد‪ .‬وجاء‬
‫الفرس بركض وعيب؛ أي بأقصحى محا عنده‪ .‬وفي الحديحث‪( :‬فحي النحف إذا استوعب جدعه الدية)‬
‫إذا لم يترك منحه شيحء‪ .‬واسحتيعاب الشيحء اسحتئصاله‪ .‬ويقال‪ :‬بيحت وعيحب إذا كان واسحعا يسحتوعب‬
‫كل ما جعل فيه‪ .‬والضمنى هم الزمنى‪ ،‬واحدهم ضمن زمن‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا القول من أجل ما‬
‫روي في الية؛ لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوفيق أن الية نزلت في شيء بعينه‪ .‬قال ابن‬
‫العربحي‪ :‬وهذا كلم منتظحم لجحل تخلفهحم عنهحم فحي الجهاد وبقاء أموالهحم بأيديهحم‪ ،‬لكحن قوله "أو محا‬
‫ملكتم مفاتحه" قد اقتضاه؛ فكان هذا القول بعيدا جدا‪ .‬لكن المختار أن يقال‪ :‬إن ال رفع الحرج عن‬
‫العمحى فيمحا يتعلق بالتكليحف الذي يشترط فيحه البصحر‪ ،‬وعحن العرج فيمحا يشترط فحي التكليحف بحه‬
‫مححن المشححي؛ ومححا يتعذر مححن الفعال مححع وجود العرج‪ ،‬وعححن المريححض فيمححا يؤثححر المرض فححي‬
‫إسحقاطه؛ كالصحوم وشروط الصحلة وأركانهحا‪ ،‬والجهاد ونححو ذلك‪ .‬ثحم قال بعحد ذلك مبينحا‪ :‬وليحس‬
‫عليكححم حرج فححي أن تأكلوا مححن بيوتكححم‪ .‬فهذا معنحى صحححيح‪ ،‬وتفسحير بيححن مفيحد‪ ،‬ويعضده الشرع‬
‫والعقل‪ ،‬ول يحتاج في تفسير الية إلى نقل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإلى هذا أشار ابحن عطيحة فقال‪ :‬فظاهحر اليحة وأمحر الشريعحة يدل على أن الحرج عنهحم‬
‫مرفوع فحي كحل محا يضطرهحم إليحه العذر‪ ،‬وتقتضحي نيتهحم فيحه التيان بالكمحل‪ ،‬ويقتضحي العذر أن‬
‫يقع منهم النقص‪ ،‬فالحرج مرفوع عنهم في هذا‪ ،‬فأما ما قال الناس في الحرج‪ :‬قال ابن زيد‪ :‬هو‬
‫الحرج فحي الغزو؛ أي ل حرج عليهحم فحي تأخرهحم‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ول على أنفسحكم" اليحة‪ ،‬معنحى‬
‫مقطوع من الول‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬الية كلها في معنى المطاعم‪ .‬قالت‪ :‬وكانت العرب ومن بالمدينة‬
‫قبل المبعث تتجنب الكل مع أهل العذار؛ فبعضهم كان يفعل ذلك تقذرا لجولن اليد من العمى‪،‬‬
‫ولنبساط الجلسة من العرج‪ ،‬ولرائحة المريض وعلته؛ وهي أخلق جاهلية وكبر‪ ،‬فنزلت الية‬
‫مؤذنححة‪ .‬وبعضهححم كان يفعححل ذلك تحرجححا مححن غيححر أهححل العذار‪ ،‬إذ هححم مقصححرون عححن درجححة‬
‫الصححاء فحي الكحل‪ ،‬لعدم الرؤيحة فحي العمحى‪ ،‬وللعجحز عحن المزاحمحة فحي العرج‪ ،‬ولضعحف‬
‫المريححض؛ فنزلت اليححة فححي إباحححة الكححل معهححم‪ .‬وقال ابححن عباس فححي كتاب الزهراوي‪ :‬إن أهححل‬
‫العذار تحرجوا في الكل مع الناس من أجل عذرهم؛ فنزلت الية مبيحة لهم‪ .‬وقيل‪ :‬كان الرجل‬
‫إذا سحاق أهحل العذر إلى بيتحه فلم يجحد فيحه شيئا ذهحب بحه إلى بيوت قرابتحه؛ فتحرج أهحل العذار من‬
‫ذلك؛ فنزلت الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول على أنفسحكم" هذا ابتداء كلم أي ول عليكحم أيهحا الناس‪ .‬ولكحن لمحا اجتمحع‬
‫المخاطحب وغيحر المخاطحب غلب المخاطحب لينتظحم الكلم‪ .‬وذكحر بيوت القربات وسحقط منهحا بيوت‬
‫البناء؛ فقال المسحفرون‪ :‬ذلك لنهحا داخلة فحي قوله‪" :‬فحي بيوتكحم" لن بيحت ابحن الرجحل بيتحه وفحي‬
‫الخححبر (أنححت ومالك لبيححك)‪ .‬لنححه ذكححر القرباء بعححد ولم يذكححر الولد‪ .‬قال النحاس‪ :‬وعارض‬
‫بعضهححم هذا القول فقال‪ :‬هذا تحكححم على كتاب ال تعالى؛ بححل الولى فححي الظاهححر أل يكون البححن‬
‫مخالفحا لهؤلء‪ ،‬وليحس الحتجاج بمحا روي عحن النحبي صحلى ال عليحه وسحلم (أنحت ومالك لبيحك)‬
‫بقوي لوهحي هذا الحديحث‪ ،‬وأنحه لو صحح لم تكحن فيحه حجحة؛ إذ قحد يكون النحبي صحلى ال عليحه وسحلم‬
‫علم أن مال ذلك المخاطحب لبيحه‪ .‬وقحد قيحل إن المعنحى‪ :‬أنحت لبيححك‪ ،‬ومالك مبتدأ؛ أي ومالك لك‪.‬‬
‫والقاطححع لهذا التوارث بيححن الب والبححن‪ .‬وقال الترمذي الحكيححم‪ :‬ووجححه قوله تعالى‪" :‬ول على‬
‫أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم" كأنه يقول مساكنكم التي فيها أهاليكم وأولدكم؛ فيكون للهل والولد‬
‫هناك شيء قد أفادهم هذا الرجل الذي له المسكن‪ ،‬فليس عليه حرج أن يأكل معهم من ذلك القوت‪،‬‬
‫أو يكون للزوجة والولد هناك شيء من ملكهم فليس عليه في ذلك حرج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو بيوت آبائكحم أو بيوت أمهاتكحم أو بيوت إخوانكحم أو بيوت أخواتكحم أو بيوت‬
‫أعمامكحم أو بيوت عماتكحم أو بيوت أخوالكحم أو بيوت خالتكحم" قال بعحض العلماء‪ :‬هذا إذا أذنوا له‬
‫فحي ذلك‪ .‬وقال آخرون‪ :‬أذنوا له أو لم يأذنوا فله أن يأكحل؛ لن القرابحة التحي بينهحم هحي إذن منهحم‪.‬‬
‫وذلك لن في تلك القرابة عطفا تسمح النفوس منهم بذلك العطف أن يأكل هذا من شيئهم ويسروا‬
‫بذلك إذا علموا‪ .‬ابحن العربححي‪ :‬أباح لنحا الكحل محن جهحة النسحب محن غيحر اسحتئذان إذا كان الطعام‬
‫مبذول‪ ،‬فإذا كان محرزا دونهحم لم يكحن لهحم أخذه‪ ،‬ول يجوز أن يجاوزوا إلى الدخار‪ ،‬ول إلى محا‬
‫ليس بمأكول وإن غير محرز عنهم إل بإذن منهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو ما ملكتم مفاتحه" يعني مما اختزنتم وصار في قبضتكم‪ .‬وعظم ذلك ما ملكه‬
‫الرجحل فحي بيتحه وتححت غلقحه؛ وذلك هحو تأويحل الضحاك وقتادة ومجاهحد‪ .‬وعنحد جمهور المفسحرين‬
‫يدخححل فححي اليححة الوكلء والعبيححد والجراء‪ .‬قال ابححن عباس‪ :‬عنححي وكيححل الرجححل على ضيعتححه‪،‬‬
‫وخازنحه على ماله؛ فيجوز له أن يأكحل ممحا قيحم عليحه‪ .‬وذكحر معمحر عحن قتادة عحن عكرمحة قال‪ :‬إذا‬
‫ملك الرجحل المفتاح فهحو خازن‪ ،‬فل بأس أن يطعحم الشيحء اليسحير‪ .‬ابحن العربحي‪ :‬وللخازن أن يأكحل‬
‫مما يخزن إجماعا؛ وهذا إذا لم تكن له أجرة‪ ،‬فأما إذا كانت له أجرة على الخزن حرم عليه الكل‪.‬‬
‫وقرأ سعيد بن جبير "ملكتم" بضم الميم وكسر اللم وشدها‪ .‬وقرأ أيضا "مفاتيحه" بياء بين التاء‬
‫والحاء‪ ،‬جمححع مفتاح؛ وقححد مضححى فححي "النعام"‪ .‬وقرأ قتادة "مفتاحححه" على الفراد‪ .‬وقال ابححن‬
‫عباس‪ :‬نزلت هذه اليحة فحي الحارث بحن عمرو‪ ،‬خرج محع رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم غازيحا‬
‫وخلف مالك بن زيد على أهله‪ ،‬فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله فقال‪ :‬تحرجت أن آكل من‬
‫طعامك بغير إذنك؛ فأنزل ال تعالى هذه الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو صحديقكم" الصحديق بمعنحى الجمحع‪ ،‬وكذلك العدو؛ قال ال تعالى‪" :‬فإنهحم عدو‬
‫لي" [الشعراء‪ .]77 :‬وقال جرير‪:‬‬
‫بأسهم أعداء وهن صديق‬ ‫دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا‬
‫والصحديق محن يصحدقك فحي مودتحه وتصحدقه فحي مودتحك‪ .‬ثحم قيحل‪ :‬إن هذا منسحوخ بقوله‪" :‬ل تدخلوا‬
‫بيوت النححبي إل أن يؤذن لكححم" [الحزاب‪ ،]53 :‬وقوله تعالى‪" :‬فإن لم تجدوا فيهححا أحدا فل‬
‫تدخلوها" [النور‪ ]28 :‬الية‪ ،‬وقوله عليه السلم‪( :‬ل يحل مال امرئ مسلم إل بطيبة نفس منه)‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي محكمة؛ وهو أصح‪ .‬ذكر محمد بن ثور عن معمر قال‪ :‬دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه‬
‫رطبحا فجعلت آكله؛ فقال‪ :‬مححا هذا؟ فقلت‪ :‬أبصححرت رطبححا فححي بيتحك فأكلت؛ قال‪ :‬أحسحنت؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬أو صححديقكم"‪ .‬وذكححر عبدالرزاق عححن معمححر عححن قتادة فححي قوله‪" :‬أو صححديقكم" قال‪ :‬إذا‬
‫دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته لم يكن بذلك بأس‪ .‬وقال معمر قلت لقتادة‪ :‬أل أشرب من هذا‬
‫الحب؟ قال‪ :‬أنت لي صديق! فما هذا الستئذان‪ .‬وكان صلى ال عليه وسلم يدخل حائط أبي طلحة‬
‫المسحمى ببيرححا ويشرب محن ماء فيهحا طيحب بغيحر إذنحه‪ ،‬على محا قاله علماؤنحا؛ قالوا‪ :‬والماء متملك‬
‫لهله‪ .‬وإذا جاز الشرب من ماء الصديق بغير إذنه جاز الكل من ثماره وطعامه إذا علم أن نفس‬
‫صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته‪ ،‬أو لما بينهما من المودة‪ .‬ومن هذا المعنى إطعام أم حرام‬
‫له صلى ال عليه وسلم إذا نام عندها؛ لن الغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل‪ ،‬وأن يد‬
‫زوجتحه فحي ذلك عاريحة‪ .‬وهذا كله محا لم يتخحذ الكحل خُبنحة‪ ،‬ولم يقصحد بذلك وقايحة ماله‪ ،‬وكان تافهحا‬
‫يسيرا‪.‬‬
‫قرن ال عحز وجحل فحي هذه اليحة الصحديق بالقرابحة المحضحة الوكيدة‪ ،‬لن قرب المودة لصحيق‪ .‬قال‬
‫ابحن عباس فحي كتاب النقاش‪ :‬الصحديق أو كحد محن القرابحة؛ أل ترى اسحتغاثة الجهنمييحن "فمحا لنحا محن‬
‫شافعين‪ .‬ول صديق حميم" [الشعراء‪.]101 - 100 :‬‬
‫قلت‪ :‬ولهذا ل تجوز عندنحا شهادة الصحديق لصحديقه‪ ،‬كمحا ل تجوز شهادة القريحب لقريبحه‪ .‬وقحد‬
‫مضى بيان هذا والعلة فيه في "النساء"‪ .‬وفي المثل ‪ -‬أيهم أحب إليك أخوك أم صديقك ‪ -‬قال‪ :‬أخي‬
‫إذا صديقي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا" قيل‪ :‬إنها نزلت في بني ليث بن بكر‪،‬‬
‫وهم حي من بني كنانة‪ ،‬وكان الرجل منهم ل يأكل وحده ويمكث أياما جائعا حتى يجد من يؤاكله‪.‬‬
‫ومنه قول بعض الشعراء‪:‬‬
‫أكيل فإني لست آكله وحدي‬ ‫إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له‬
‫قال ابن عطية‪ :‬وكانت هذه السيرة موروثه عندهم عن إبراهيم صلى ال عليه وسلم؛ فإنه كان ل‬
‫يأكحل وحده‪ .‬وكان بعحض العرب إذا كان له ضيحف ل يأكحل إل أن يأكحل محع ضيفحه؛ فنزلت اليحة‬
‫مبينحة سحنة الكحل‪ ،‬ومذهبحة كحل محا خالفهحا محن سحيرة العرب‪ ،‬ومبيححة محن أكحل المنفرد محا كان عنحد‬
‫العرب محرما‪ ،‬نحت به نحو كرم الخلق‪ ،‬فأفرطت في إلزامه‪ ،‬وإن إحضار الكيل لحسن‪ ،‬ولكن‬
‫بأل يحرم النفراد‪" .‬جميعححا" نصححب على الحال‪ .‬و"أشتاتححا" جمححع شححت والشححت المصححدر بمعنححى‬
‫التفرق يقال‪ :‬شت القوم أي تفرقوا‪ .‬وقد ترجم البخاري في صحيحه باب (ليس على العمى حرج‬
‫ول على العرج حرج ول على المريحض حرج) اليحة‪ .‬و ‪ -‬النهحد والجتماع ‪ . -‬ومقصحوده فيمحا‬
‫قاله علماؤنحا فحي هذا الباب‪ :‬إباححة الكحل جميعحا وإن اختلفحت أحوالهحم فحي الكحل‪ .‬وقحد سحوغ النحبي‬
‫صححلى ال عليححه وسححلم ذلك‪ ،‬فصححارت تلك سححنة فححي الجماعات التححي تدعححى إلى الطعام فححي النهححد‬
‫والولئم وفحي الملق فحي السحفر‪ .‬ومحا ملكحت مفاتححه بأمانحة أو قرابحة أو صحداقة فلك أن تأكحل محع‬
‫القريب أو الصديق ووحدك‪ .‬والنهد‪ :‬ما يجمعه الرفقاء من مال أو طعام على قدر في النفقة ينفقونه‬
‫بينهحم؛ وقحد تناهدوا؛ عحن صحاحب العيحن‪ .‬وقال ابحن دريحد‪ :‬يقال محن ذلك‪ :‬تناهحد القوم الشيحء بينهحم‪.‬‬
‫الهروي‪ :‬وفحي حديحث الحسحن (أخرجوا نهدكحم فإنحه أعظحم للبركحة وأحسحن لخلقكحم)‪ .‬النهحد‪ :‬محا‬
‫تخرجحه الرفقحة عنحد المناهدة؛ وهحو اسحتقسام النفقحة بالسحوية فحي السحفر وغيره‪ .‬والعرب تقول‪ :‬هات‬
‫نهدك؛ بكسحر النون‪ .‬قال المهلب‪ :‬وطعام النهحد لم يوضحع للكليحن على أنهحم يأكلون بالسحواء‪ ،‬وإنمحا‬
‫يأكل كل واحد على قدر نهمته‪ ،‬وقد يأكل الرجل أكثر من غيره‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن تركها أشبه بالورع‪.‬‬
‫وإن كانحت الرفقحة تجتمحع كحل يوم على طعام أحدهحم فهحو أحسحن محن النهحد لنهحم ل يتناهدون إل‬
‫ليصحيب كحل واححد منهحم محن ماله‪ ،‬ثحم ل يدري لعحل أحدهحم يقصحر عحن ماله ويأكحل غيره أكثحر محن‬
‫ماله وإذا كانوا يوما عند هذا ويوما عند هذا بل شرط فإنما يكونون أضيافا والضيف يأكل بطيب‬
‫نفس مما يقدم إليه‪ .‬وقال أيوب السختياني‪ :‬إنما كان النهد أن القوم كانوا يكونون في السفر فيسبق‬
‫بعضهحم إلى المنزل فيذبحح ويهيحئ الطعام ثحم يأتيهحم‪ ،‬ثحم يسحبق أيضحا إلى المنزل فيفعحل مثحل ذلك؛‬
‫فقالوا‪ :‬إن هذا الذي تصنع كلنا نحب أن نصنع مثله فتعالوا نجعل بيننا شيئا ل يتفضل بعضنا على‬
‫بعحض‪ ،‬فوضعوا النهحد بينهحم‪ .‬وكان الصحلحاء إذا تناهدوا تحرى أفضلهحم أن يزيحد على محا يخرجحه‬
‫أصحابه‪ ،‬وإن لم يرضوا بذلك منه إذا علموه فعله سرا دونهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند ال مباركة طيبة كذلك يبين ال‬
‫لكحم اليات لعلكحم تعقلون" اختلف المتأولون فحي أي البيوت أراد؛ فقال إبراهيحم النخعحي والحسحن‪:‬‬
‫أراد المساجد؛ والمعنى‪ :‬سلموا على من فيها من ضيفكم‪ .‬فإن لم يكن في المساجد أحد فالسلم أن‬
‫يقول المرء‪ :‬السحلم على رسحول ال‪ .‬وقيحل‪ :‬يقول السحلم عليكحم؛ يريحد الملئكحة‪ ،‬ثحم يقول‪ :‬السحلم‬
‫علينحا وعلى عباد ال الصحالحين‪ .‬وذكحر عبدالرزاق أخبرنحا معمحر عحن عمرو بحن دينار عحن ابحن‬
‫عباس رضحي ال عنهمحا فحي قوله تعالى‪" :‬فإذا دخلتحم بيوتحا فسحلموا على أنفسحكم" اليحة‪ ،‬قال‪ :‬إذا‬
‫دخلت المسحححجد فقحححل السحححلم علينحححا وعلى عباد ال الصحححالحين‪ .‬وقيحححل‪ :‬المراد بالبيوت البيوت‬
‫المسحكونة؛ أي فسحلموا على أنفسحكم‪ .‬قال جابر بحن عبدال وابحن عباس أيضحا وعطاء بحن أبحي رباح‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬يدخل في ذلك البيوت غير المسكونة‪ ،‬ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول‪ :‬السلم علينا‬
‫وعلى عباد ال الصالحين‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬القول بالعموم في البيوت هو الصحيح‪ ،‬ول دليل على‬
‫التخصحيص؛ وأطلق القول ليدخحل تححت هذا العموم كحل بيحت كان للغيحر أو لنفسحه‪ ،‬فإذا دخحل بيتحا‬
‫لغيره أسحتأذن كمحا تقدم‪ ،‬فإذا دخحل بيتحا لنفسحه سحلم كمحا ورد فحي الخحبر‪ ،‬يقول‪ :‬السحلم علينحا وعلى‬
‫عباد ال الصحالحين؛ قال ابحن عمحر‪ .‬وهذا إذا كان فارغحا‪ ،‬فإن كان فيحه أهله وخدمحه فليقحل‪ :‬السحلم‬
‫عليكم‪ .‬وإن كان مسجدا فليقل‪ :‬السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪ .‬وعليه حمل ابن عمر البيت‬
‫الفارغ‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والذي أختاره إذا كان البيت فارغا أل يلزم السلم‪ ،‬فإنه إن كان المقصود‬
‫الملئكحة فالملئكحة ل تفارق العبحد بحال‪ ،‬أمحا إنحه إذا دخلت بيتحك يسحتحب لك ذكحر ال بأن تقول‪ :‬محا‬
‫شاء ال ل قوة إل بال‪ .‬وقحد تقدم فحي سحورة [الكهحف]‪ .‬وقال القشيري فحي قوله‪" :‬إذا دخلتحم بيوتحا"‪:‬‬
‫والوجحه أن يقال إن هذا عام فحي دخول كحل بيحت‪ ،‬فإن كان فيحه سحاكن مسحلم يقول السحلم عليكحم‬
‫ورحمة ال وبركاته‪ ،‬وإن لم يكن فيه ساكن يقول السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين‪ ،‬وإن كان‬
‫فححي البيححت مححن ليححس بمسححلم قال السححلم على مححن اتبححع الهدى‪ ،‬أو السححلم علينححا وعلى عباد ال‬
‫الصالحين‪ .‬وذكر ابن خويز منداد قال‪ :‬كتب إلى أبو العباس الصم قال حدثنا محمد بن عبدال بن‬
‫عبدالحكم قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا جعفر بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهلها واذكروا اسم ال فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل‬
‫بيته وذكر اسم ال تعالى على طعامه يقول الشيطان لصحابه ل مبيت لكم ها هنا ول عشاء وإذا‬
‫لم يسححلم أحدكححم إذا دخححل ولم يذكححر اسححم ال على طعامححه قال الشيطان لصحححابه أدركتححم المححبيت‬
‫والعشاء)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الحديحث ثبحت معناه مرفوع محن حديحث جابر‪ ،‬خرجحه مسحلم‪ .‬وفحي كتاب أبحي داود عحن‬
‫أبي مالك الشجعي قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني‬
‫أسحألك خيحر الولوج وخيحر الخروج باسحم ال ولجنحا وباسحم ال خرجنحا وعلى ال ربنحا توكلنحا ليسحلم‬
‫على أهله)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تحية" مصدر؛ لن قوله‪" :‬فسلموا" معناه فحيوا‪ .‬وصفها بالبركة لن فيها الدعاء‬
‫واسحتجلب مودة المسحلم عليحه‪ .‬ووصحفها أيضحا بالطيحب لن سحامعها يسحتطيبها‪ .‬والكاف محن قوله‪:‬‬
‫"كذلك" كاف تشحبيه‪ .‬و"ذلك" إشارة إلى هذه السحنن؛ أي كمحا بيحن لكحم سحنة دينكحم فحي هذه الشياء‬
‫يبين لكم سائر ما بكم حاجة إليه في دينكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 62 :‬إنما المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا‬
‫حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بال ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم‬
‫فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم ال إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما المؤمنون" "إنما" في هذه الية للحصر؛ المعنى‪ :‬ل يتم ول يكمل إيمان من‬
‫آمحن بال ورسحول إل بأن يكون محن الرسحول سحامعا غيحر معنحت فحي أن يكون الرسحول يريحد إكمال‬
‫أمحر فيريحد هحو إفسحاده بزواله فحي وقحت الجمحع‪ ،‬ونححو ذلك‪ .‬وبيحن تعالى فحي أول السحورة أنحه أنزل‬
‫آيات بينات‪ ،‬وإنما النزول على محمد صلى ال عليه وسلم؛ فختم السورة بتأكيد المر في متابعته‬
‫عليه السلم؛ ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن‪.‬‬
‫@ واختلف فحي المحر الجامحع محا هحو؛ فقيحل‪ :‬المراد بحه محا للمام محن حاجحة إلى تجمحع الناس فيحه‬
‫لذاعحة مصحلحة‪ ،‬محن إقامحة سحنة فحي الديحن‪ ،‬أو لترهيحب عدو باجتماعهحم وللحروب؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"وشاورهم في المر" [آل عمران‪ .]159 :‬فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في‬
‫ذلك‪ .‬والمام الذي يترقححب إذنححه هحو إمام المرة‪ ،‬فل يذهححب أحححد لعذر إل بإذنححه‪ ،‬فإذا ذهححب بإذنححه‬
‫ارتفحع عنحه الظحن السحيئ‪ .‬وقال مكحول والزهري‪ :‬الجمعحة محن المحر الجامحع‪ .‬وإمام الصحلة ينبغحي‬
‫أن يسحتأذن إذا قدمحه إمام المرة‪ ،‬إذا كان يرى المسحتأذن‪ .‬قال ابحن سحيرين‪ :‬كانوا يسحتأذنون المام‬
‫على المنححبر؛ فلمححا كثححر ذلك قال زياد‪ :‬مححن جعححل يده على فيححه فليخرج دون إذن‪ ،‬وقححد كان هذا‬
‫بالمدينة حتى أن سهل بن أبي صالح رعف يوم الجمعة فاستأذن المام‪ .‬وظاهر الية يقتضي أن‬
‫يسحتأذن أميحر المرة الذي هحو فحي مقعحد النبوة‪ ،‬فإنحه ربمحا كان له رأي فحي حبحس ذلك الرجحل لمحر‬
‫من أمور الدين‪ .‬فأما إمام الصلة فقط فليس ذلك إليه؛ لنه وكيل على جزء من أجزاء الدين للذي‬
‫هحو فحي مقعحد النبوة‪ .‬وروي أن هذه اليحة نزلت فحي حفحر الخندق حيحن جاءت قريحش وقائدهحا أبحو‬
‫سححفيان‪ ،‬وغطفان وقائدهححا عيينححة بححن حصححن؛ فضرب النححبي صححلى ال عليححه وسححلم الخندق على‬
‫المدينححة‪ ،‬وذلك فححي شوال سححنة خمححس مححن الهجرة‪ ،‬فكان المنافقون يتسححللون لواذا مححن العمححل‬
‫ويعتذرون بأعذار كاذبححة‪ .‬ونحوه روى أشهححب وابححن عبدالحكححم عححن مالك‪ ،‬وكذلك قال محمححد بححن‬
‫إسحاق‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬نزلت في عمر رضي ال عنه‪ ،‬استأذن النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة‬
‫تبوك في الرجعة فأذن له وقال‪( :‬انطلق فو ال ما أنت بمنافق) يريد بذلك أن يسمع المنافقين‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬إنما استأذن عمر رضي ال عنه في العمرة فقال عليه السلم لما أذن‬
‫له‪( :‬يا أبا حفص ل تنسنا في صالح دعائك)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصححيح الول لتناوله جميحع القوال‪ .‬واختار ابحن العربحي محا ذكره فحي نزول اليحة عحن‬
‫مالك وابحن إسححاق‪ ،‬وأن ذلك مخصحوص فحي الحرب‪ .‬قال‪ :‬والذي يحبين ذلك أمران‪ :‬أحدهمحا‪ :‬قوله‬
‫في الية الخرى‪" :‬قد يعلم ال الذين يتسللون منكم لواذا" [النور‪ .]63 :‬وذلك أن المنافقين كانوا‬
‫يتلوذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأمر ال جميعهم بأل‬
‫يخرج أححد منهحم حتحى يأذن له رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؛ وبذلك يتحبين إيمانحه‪ .‬الثانحي‪ :‬قوله‪:‬‬
‫"لم يذهبوا حتى يستأذنوه" وأي إذن في الحدث والمام يخطب‪ ،‬وليس للمام خيار في منعه ول‬
‫إبقائه‪ ،‬وقد قال‪" :‬فأذن لمن شئت منهم"؛ فبين بذلك أنه مخصوص في الحرب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول بالعموم أولى وأرفحع وأحسحن وأعلى‪" .‬فأذن لمحن شئت منهحم" فكان النحبي صحلى ال‬
‫عليحححه وسحححلم بالخيار إن شاء أن يأذن وإن شاء منحححع‪ .‬وقال قتادة‪ :‬قوله‪" :‬فأذن لمحححن شئت منهحححم"‬
‫منسوخة بقوله‪" :‬عفا ال عنك لم أذنت لهم" [التوبة‪" .]43 :‬واستغفر لهم ال" أي لخروجهم عن‬
‫الجماعة إن علمت لهم عذرا‪" .‬إن ال غفور رحيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 63 :‬ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم ال الذين يتسللون‬
‫منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" يريد‪ :‬يصيح من بعيد‪ :‬يا أبا‬
‫القاسححم! بححل عظموه كمححا قال فححي الحجرات‪" :‬إن الذيححن يغضون أصححواتهم عنححد رسححول ال"‬
‫[الحجرات‪ ]3:‬اليحة‪ .‬وقال سحعيد بحن جحبير ومجاهحد‪ :‬المعنحى قولوا يحا رسحول ال‪ ،‬فحي رفحق وليحن‪،‬‬
‫ول تقولوا يا محمد بتجهم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أمرهم أن يشرفوه ويفخموه‪ .‬ابن عباس‪ :‬ل تتعرضوا لدعاء‬
‫الرسححول عليكححم بإسححخاطه فإن دعوتححه موجبححة‪" .‬قححد يعلم ال الذيححن يتسححللون منكححم لواذا" التسححلل‬
‫والنسلل‪ :‬الخروج واللواذ من الملوذة‪ ،‬وهي أن تستتر بشيء مخافة من يراك؛ فكان المنافقون‬
‫يتسحللون عحن صحلة الجمعحة‪" .‬لواذا" مصحدر فحي موضحع الحال؛ أي متلوذيحن‪ ،‬أي يلوذ بعضهحم‬
‫ببعحض‪ ،‬ينضحم إليحه اسحتتارا محن رسحول ال صحلى ال عليحه وسحلم؛ لنحه لم يكحن على المنافقيحن أثقحل‬
‫محن يوم الجمعحة وحضور الخطبحة؛ حكاه النقاش‪ ،‬وقحد مضحى القول فيحه‪ .‬وقيحل‪ :‬كانوا يتسحللون فحي‬
‫الجهاد رجوعا عنه يلوذ بعضهم ببعض‪ .‬وقال الحسن‪ :‬لواذا فرارا من الجهاد؛ ومنه قول حسان‪:‬‬
‫لم تحافظ وخف منها الحلوم‬ ‫وقريش تجول منا لواذا‬
‫وصححت واوهحا لتحركهحا فحي لوذ‪ .‬يقال‪ :‬لوذ يلوذ ملوذة ولواذا‪ .‬ولذ يلوذ لوذا ولياذا؛ انقلبحت‬
‫الواو ياء لنكسحار محا قبلهحا اتباعحا للذ فحي العتلل؛ فإذا كان مصحدر فاعحل لم يعحل؛ لن فاعحل ل‬
‫يجوز أن يعل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليحذر الذيحن يخالفون عحن أمره" بهذه اليحة احتحج الفقهاء على أن المحر على‬
‫الوجوب‪ .‬ووجههححا أن ال تبارك وتعالى قححد حذر مححن مخالفحة أمره‪ ،‬وتوعححد بالعقاب عليهححا بقوله‪:‬‬
‫"أن تصحيبهم فتنحة أو يصحيبهم عذاب أليحم" فتحرم مخالفتحه‪ ،‬فيجحب امتثال أمره‪ .‬والفتنحة هنحا القتحل؛‬
‫قاله ابحن عباس‪ .‬عطاء‪ :‬الزلزل والهوال‪ .‬جعفحر بحن محمحد‪ :‬سحلطان جائر يسحلط عليهحم‪ .‬وقيحل‪:‬‬
‫الطبحع على القلوب بشؤم مخالفحة الرسحول‪ .‬والضميحر فحي "أمره" قيحل هحو عائد إلى أمحر ال تعالى؛‬
‫قاله يحيحى بحن سحلم‪ .‬وقيحل‪ :‬إلى أمحر رسحوله عليحه السحلم؛ قال قتادة‪ .‬ومعنحى "يخالفون عحن أمره"‬
‫أي يعرضون عحن أمره‪ .‬وقال أبحو عحبيدة والخفحش‪" :‬عحن" فحي هذا الموضحع زائدة‪ .‬وقال الخليحل‬
‫وسيبويه‪ :‬ليست بزائدة؛ والمعنى‪ :‬يخالفون بعد أمره؛ كما قال‪:‬‬
‫‪ ...‬لم تنتطق عن تفضل‬
‫ومنحه قوله‪" :‬ففسحق عحن أمحر ربحه" [الكهحف‪ ]50 :‬أي بعحد أمحر ربحه‪ .‬و"أن" فحي موضحع نصحب‬
‫"بيحذر"‪ .‬ول يجوز عنحد أكثحر النحوييحن حذر زيدا‪ ،‬وهحو فحي "أن" جائز؛ لن حروف الخفحض‬
‫تحذف معها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليحة‪{ 64 :‬أل إن ل محا فحي السحماوات والرض قحد يعلم محا أنتحم عليحه ويوم يرجعون إليحه‬
‫فينبئهم بما عملوا وال بكل شيء عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل إن ل محا فحي السحماوات والرض" خلقحا وملكحا‪" .‬قحد يعلم محا أنتحم عليحه" فهحو‬
‫يجازيكم به‪ .‬و"يعلم" هنا بمعنى علم‪" .‬ويوم يرجعون إليه" بعد ما كان في خطاب رجع في خبر‬
‫وهذا يقال له‪ :‬خطاب التلوين‪" .‬فينبئهم بما عملوا" أي يخبرهم بأعمالهم ويجازيهم بها‪" .‬وال بكل‬
‫شيء عليم" من أعمالهم وأحوالهم‪.‬‬

You might also like