You are on page 1of 19

‫الفصل الثالث‬

‫الجرائم الماسة باآلداب‬


‫دة فريدة اليوموري‬

‫تطلق الجرائم الماسة باآلداب أو جرائم العرض كما يسميها بعض الفقه‪ ،‬على كل الجرائم‬
‫التي تخرج عن إطار األخالق العامة والقيم والمبادئ السامية والسائدة في المجتمع‪.1‬‬
‫وقد تعرض المشرع المغربي لجرائم العرض في الفرع السادس من الباب الثامن من‬
‫خالل الفصول ‪ 384‬إلى ‪ 394‬من القانون الجنائي تحت عنوان "في انتهاك اآلداب" وفي‬
‫الفرع السابع من نفس الباب من خالل الفصول ‪ 394‬إلى ‪ 403‬ق ج تحت عنوان " إفساد‬
‫الشباب وفي البغاء"‪ ،‬ـ إضافة إلى المواد من ‪ 49‬إلى ‪ 44‬من قانون الصحافة التي عاقبت‬
‫على األفعال المنتهكة لآلداب العامة ـ والتي تولت تحديد األركان العامة التي يقتضيها‬
‫تحقق جرائم الفساد والخيانة الزوجية واالغتصاب والشذوذ الجنسي‪ ،‬حيث تتحقق من خالل‬
‫كل ممارسة جنسية خارج إطار العالقة الزوجية المشروعة سواء كانت برضى الطرفين أو‬
‫بإكراه أحدهما‪ ،‬بين رجل وامرأة أو بين فردين من نفس الجنس‪.32‬‬
‫كما عاقبت على التحريض على العالقات الجنسية غير المشروعة وأعمال الوساطة‬
‫واالتجار والمساعدة على ارتكابها واإلخالل العلني بالحياء‪ ،‬ونشر وتوزيع الصور والرسوم‬
‫المنافية لألخالق واآلداب‪.‬‬
‫وسوف نقتصر في دراستنا لهذا النوع من الجرائم على جريمتي الفساد و الخيانة الزوجية‬
‫ثم جريمة االغتصاب‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ اختلفت التشريعات الوضعية حو ل تقرير العقاب على جرائم العرض‪ ،‬فمنها من تشدد في ذلك واعتبر كل العالقات الخارجة عن إطار رابطة‬
‫الزواج جريمة فساد يستحق القائم بها أقصى العقوبات ومن بينها المشرع المغربي‪ .‬في حين اقتصر جانب آلخر على المعاقبة على االتجار في بغاء‬
‫الغير وإكراهه على ممارسة الجني خارج إطار العالقة الزوجية‪.‬‬
‫واتخذ اتجاه ثالث موقفا وسطا بحيث ال يعاقب على الفساد والزنا اللذان يتمان برضا أطرافه‪ ،‬وتعاقب على الجرائم التي يكون أحد طرفيها متزوجا‬
‫أو قاصرا ويمارس البغاء بصفة اعتيادية‪.‬‬
‫‪ 2‬خصص المشرع المصري لجرائم االعتداء على العرض الباب الرابع من الكتاب الثالـث من قانـون العقوبات تحت عنوان " هتك‬
‫العرض وفساد األخالق"‬

‫‪ 3‬ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬القانون الجنائي الخاص‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.6891‬ص‪.222:‬‬
‫المبحث األول‬
‫جريمة الفساد‬
‫جريمةةة الفسةةاد أو جريمةةة الزنةةا كمةةا يسةةميها بعةةض الفقةةه‪ ،‬مةةن الجةةرائم الماسةةة بةةاألخالق‬
‫واآلداب التي جرمتها الديانات السماوية ومن بينهةا اإلسةالم الةذم لةم يكتةف بتجريمهةا وإنمةا‬
‫فرض عقوبة قاسية على كل من يرتكب هذه الجريمة ‪،‬قال تعةالى‪ ":‬الزانيةة والزانةي فاجلةدوا‬
‫كل واحد منهما مائةة جلةدة و ال تذخةذكم بهمةا رأفةة فةي ديةن ن إن كنةتم تنمنةون بةاو واليةوم‬
‫اآلخر وليشهد عذابهما طائفة من المنمنين "‪.4‬‬
‫كمةا جرمتهةا السةنة أيضةا فعةن عبةد ن بةن مسةعود ـ رضةي ن عنةه ـ قةال‪ :‬قةال رجةل ‪ :‬يةا‬
‫رسول ن‪ ،‬أم ذنب أعظةم عنةد ن ‪ ،‬قةال ‪ :‬أن تجعةل و نةدا وهةو خلقةك‪ ،‬فقةال لةه ‪ :‬إن ذلةك‬
‫لعظيم‪ ،‬ثم أم قال‪ :‬أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك‪ ،‬قال‪ :‬ثم أم ‪ ،‬قال ‪ :‬أن تزانةي حليلةة‬
‫جارك‪ ،‬فذنزل ن عز وجل تصديقها‪ :‬والذين ال يةدعون مةع ن إلهةا ‪،‬خةر‪ ،‬وال يقتلةون الةنفس‬
‫التةةي حةةرم ن غةةال بةةالحق‪ ،‬وال يزنةةون‪ ،‬وم يفعةةل ذلةةك يلةةق اثامةةان يضةةاعف لةةه العةةذاب يةةوم‬
‫القيامة ويخلد فيها مهانا‪".‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب رضي ن عنه قال‪ ":‬إن ن بعث محمد بةالحق وأنةزل عليةه الكتةاب‬
‫فكان ما أنزل ن عليه ‪،‬ية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول ن (صلى ن عليةه وسةلم)‬
‫ورجمنا بعده فذخشى إن طال بالناس زمن أن يقول قائل ما نجد الرجم فةي كتةاب ن فيضةلوا‬
‫بترك فريضة أنزلها ن في كتابه فإن الرجم في كتاب ن الحق على من زنى"‪.‬‬
‫و تعتبر جريمة الفساد من الجرائم االستثنائية لكونها تمس باألمن االجتماعي و األخالقي‬
‫لكل شخص داخل المجتمع ولكونها تتعلق بعرض الناس و شرفهم من جهة ‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬ألن المشرع خصها بوسائل إثبات معينة تختلف عن تلك التي اعتمدها بالنسبة‬
‫لباقي الجرائم حيث يقضي فيها بحرية اإلثبات‪.‬‬

‫‪ 4‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪2 :‬‬


‫وقد أشار المشرع لجريمة الفساد في الفرع السادس‪،‬الخاص بانتهاك اآلداب‪ ،‬من الباب‬
‫الثامن المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام األسرة واألخالق العامة‪ ،‬من خالل المادة ‪390‬‬
‫من القانون الجنائي التي جاء فيها‪:‬‬
‫" كل عالقة جنسية بين رجل وامرأة ال ترتبط بينهما عالقة زوجية تكون جريمة الفساد‪،‬‬
‫ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة"‪ .5‬حيث لم يميز المشرع المغربي في‬
‫تجريمه للفساد بين الرجل والمرأة ‪ ،‬خالفا للقانون السورم الذم فرق في هذا الصدد بين‬
‫زنا الزوج وزنا الزوجة ‪ ،‬يتضح ذلك من خالل مقتضيات المادة ‪ 344‬التي جاء فيها‪:‬‬
‫" ‪1‬ـ تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثالثة أشهر إلى سنتين ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجا ً وإال فالحبس من شهر إلى‬
‫سنة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ فيما خال اإلقرار القضائي والجنحة المشهودة ال يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إال‬
‫ما نشذ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها‪".‬‬
‫وحتى تتحقق جريمة الفساد يتعين توفر أركانها العامة ‪ ،‬حيث تكون معاقبة مرتكبيها قائمة‬
‫بعد أن يتم إثباتها ثانيا‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أركان جريمة الفساد‬


‫كما هو الشذن بالنسبة للجريمة بصفة عامة‪ ،‬فإن أركان جريمة الفساد تتمثل أساسا في الركن‬
‫المادم ثم الركن المعنوم وهو ما أكده القضاء حينما اعتبر‪ " :‬قرينة وجود المتهمين تحت‬
‫سقف واحد غير كافية إلدانتهما من أجل جنحة الفساد"‪ .6‬وهو ما يعني ضرورة توفر‬

‫‪ 5‬ومعنى الفساد مرادف للزنا ‪ ،‬وله معاني كثيرة في اللغة وأشهرها المباشرة المحرمة‪ ،‬واصطالحا معناه وطء المرأة دون وجود عقد‬
‫شرعي‪ .‬وأجمع أغلب فقهاء الشريعة اإلسالمية تعريف هذه الجريمة‬
‫فالمذهب الحنفي يرى أن ‪ ” :‬الزنا هو اسم للوطء الحرام من قبل المرأة الحية في حالة االختيار‪ ،‬في دار العدل ممن التزم أحكام اإلسالم‪. ،‬‬
‫وعن المذهب الشافعي ‪ ” :‬الزنا هو وطء رجل من أهل دار اإلسالم امرأة محرمة عليه من غير عقد وال شبهة عقد والملك ‪ ،‬وهو مختار عالم ‪.‬‬
‫بالتحريم"‪.‬‬
‫المذهب المالكي ‪ ”:‬الزنا هو وطء مكلف فرج امرأة الملك له فيه تعمدا" وعرفـوه أيضا بأنه‪“ :‬كل وطء وقع على غير نكاح صحيح المذهب ‪.‬‬
‫الحنبلي‪ ”:‬الزنا هو وطء امرأة من قبلها حراما ال شبهة له في وطئها فهو زان‪ ،‬ويجب عليـه الحد‬

‫‪ 6‬قرار عدد ‪ ،6521‬بتاريخ ‪ ،81/12/62‬ملف عدد ‪ ،99/64642‬مجلة المعيار‪ ،‬ص ‪662‬‬


‫األركان الالزمة لقيام هذه الجريمة ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الركن المادم‬


‫بحصول اتصال جنسي بين رجل وامرأة ‪،‬‬ ‫يتحقق الركن المادم لجريمة الفساد‬
‫والمقصود باالتصال الجنسي الجماع الذم يكون عادة بين رجل وامرأة أو بين الزوج‬
‫وزوجته‪ ،‬فالزواج والزنا مظهران لنفس الفعل وهو المواقعة ؛ غير أن األول مشروع دينيا‬
‫وقانونيا‪ ،‬والثاني محرم شرعا ومجرم قانونا‪.‬‬
‫واعتبار المواقعة جرما يقتضي انعدام العالقة الزوجية بين كل من المرأة والرجل طرفي‬
‫كما أن تحقق جريمة الفساد ال يشترط فيه ضرورة انتهاء العالقة الجنسية ‪ ،‬أم‬ ‫الفعل‪.‬‬
‫دون أن يحقق الطرفين رغبتهما من هذه المواقعة‪ ،‬وإنما مجرد االتصال الجنسي يشكل‬
‫عنصرا في تحقق الركن المادم الذم تقوم به الجريمة‪ .‬كما أن األمر ال يقتضي ضرورة‬
‫تكرا ر العملية الجنسية بين الرجل والمرأة ألكثر من مرة بل حدوثها لمرة واحدة يكفي‬
‫لتحقق الفساد‪.‬‬
‫واشتراط المشرع انعدام وجود عالقة زوجية بين المرأة والرجل المقيمين للعالقة الجنسية‪،‬‬
‫معناه أن جريمة الفساد تنتفي بوجود عقد الزواج وإن كان هذا الزواج فاسدا‪ .7‬ونفس‬
‫الشيء إذا تعلق األمر بحدوث وطء أثناء فترة العدة من طالق رجعي حيث تعتبر المواقعة‬
‫إذ ذاك بمثابة استرجاع الرجل للمرأة المطلقة إلى عصمته‪.8‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوم‬


‫يتحقق الركن المعنوم لجريمة الفساد بتوفر القصد لدى كل من المرأة والرجل في القيام‬
‫بالمعاشرة الجنسية مع إدراكهما لحقيقة التصرف الذم يقومان به‪ ،‬وعلمهما بانعدام وجود‬
‫رابطة الزوجية بينهما‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ وهو ما أكده المجلس األعلى من خالله قراره التالي والذي جاء فيه‪:‬‬
‫" حيث أنه من جهة فبمقتضى الفصل ‪ 481‬من القانون الجنائي فإن كل عالقة جنسية بين رجل وامرأة ال تربط بينها عالقة الزوجية تكون جريمة‬
‫الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة"‪.‬‬
‫قرار رقم ‪ 4446‬الصادر بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر ‪ ، 6894‬منشور مجموعة قرارات المجلس األعلى‪ ،‬المادة الجنائية من ‪ 6896‬إلى ‪ ،6882‬ص‪.42 :‬‬
‫‪ 8‬ـ العلمي عبد الواحد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.624:‬‬
‫بتعبير ‪،‬خر‪ ،‬فإنه يلزم أن يكون كل من الفاعلين عالما ومريدا الرتكاب هذا العمل‬
‫اإلجرامي‪ ،‬فإذا تحقق العلم واإلرادة تحقق الركن المعنوم لجريمة الفساد وثبت بالتالي الحق‬
‫في مساءلة كل منهما ومعاقبته بما هو مقرر قانونا‪.‬‬
‫على أن وجود عالقة الزوجية ينفي تحقق الركن المعنوم وإن كان الطرفين غير عالمين‬
‫بها أو يجهالن وجودها وبالتالي فلهما الحق في إثباتها ونفي جريمة الفساد عنهما‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إثبات جريمة الفساد‬


‫تنص المادة ‪ 394‬من القانون الجنائي على أن‪:‬‬
‫" الجرائم المعاقب عليها في الفصلين ‪ 390‬و ‪ 391‬ال تثبت إال بناء على محضر رسمي‬
‫يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب‬
‫أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي"‪.‬‬
‫يعتبر نص الفصل ‪ 394‬استثناءا من القاعدة العامة المقررة بمقتضى المادة ‪ 288‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪9‬التي تقر مبدأ حرية اإلثبات‪ ،‬وذلك باشتراطه ضرورة أن يتم إثبات‬
‫‪10‬‬
‫المنصوص عليها أعاله وهو ما يتباه قضاء محكمة‬ ‫جريمة الفساد بإحدى الوسائل الثالث‬
‫النقض‪ 11‬في قرار له نقض من خالله قرار محكمة االستيناف بقوله ‪:‬‬
‫" وحيث أنه ال ينتج ال من الحكم االبتدائي وال من القرار المطعون فيه المنيد له وال من‬
‫سائر أوراق الملف أن هناك محضرا رسميا حرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة‬
‫التلبس أو اعترافا تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهمة أو اعترافا قضائيا‬
‫بارتكاب الجريمة مما هو مشروط توفره في الفصل ‪ 394‬من القانون المذكور‪ ،‬وعليه فإن‬
‫المحكمة لما أصدرت قرارها على النحو المذكور لم تجعل لما قضت به أساسا صحيحا من‬

‫‪ 9‬ـ التي تقول‪:‬‬


‫" يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل اإلثبات ما عدا األحوال التي يقضي القانون فيها بخالف ذلك‪ ،‬ويحكم القاضي حسب اعتقاده‬
‫الصميم‪.‬‬
‫فإذا رأى أن اإلثبات غير قائم قرر عدم إدانة المتهم وحكم ببراءته"‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ وهو ما أكد عليه المجلس األعلى من خالل القرار التالي والذي جاء فيه‪:‬‬
‫" ال يكفي في إثبات الجريمة المعاقب عليها في الفصل ‪ 486‬ق ج أن تقول المحكمة أنها اقتنعت بثبوت الجريمة بل البد أن تبني حكمها على أحد‬
‫دالئل اإلثبات المنصوص عليها في الفصل ‪ 485‬من نفس القانون"‪.‬‬
‫ـ قرار عدد ‪ 228‬الصدر بتاريخ ‪ 9‬يناير ‪ ،6841‬منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ 618‬ـ ‪،661‬ص‪.481:‬‬
‫وفي نفس السياق انظر‪:‬‬
‫ـ قرار ‪ 64‬يناير ‪ ،6892‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ ،52‬ص‪.651 :‬‬
‫‪ 11‬قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض عدد ‪ 5611‬سنة ‪ ،6892‬منشور بالموقع اإللكتروني ‪ :‬محكمتي‬
‫‪12‬‬
‫القانون وعرضته للنقض ولإلبطال"‪.‬‬
‫وفي قرار ‪،‬خر‪:‬‬
‫"قرينة وجود المتهمين تحت سقف واحد غير كافية إلدانتهما من أجل جنحة الفساد‪."13‬‬
‫ويمكن تلخيص هذه الوسائل في الصور التالية وهي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ محضر ضابط الشرطة القضائية المحرر في حالة التلبس‪ :14‬والذم يكتفي فيه الضابط‬
‫بتسجيل الوقائع التي شاهدها بحيث يبقى للمحكمة السلطة والصالحية في اعتبارها تمثل‬
‫حالة للتلبس أم ال وبالتالي ثبوت جريمة الفساد في حق المتهم أو العكس هذا من جهة‪ ،‬من‬
‫جهة أخرى فإن حالة التلبس تعتبر من المسائل الخاصة بالجريمة وليس بالجاني وعلى هذا‬
‫األساس إذا ثبتت الجريمة اتهم بها كل من الفاعل األصلي والمساهمين والمشاركين وإن لم‬
‫يتم ضبطهم في حالة التلبس‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االعتراف المضمن في مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم‪ :‬والمقصود بذلك‬
‫االعتراف الصادر عن المتهم بالجريمة أم تلك األوراق التي يقوم المتهم بكتابتها ‪ ،‬لكن هل‬
‫يشترط أن تكون هذه المكاتيب واألوراق مكتوبة بيد المتهم شخصيا أم يجوز االعتداد بها‬
‫وإن كانت مكتوبة من طرف الغير ‪.‬‬
‫ال يوجد بالقانون مقتضى قانوني يجيب على هذا التسانل‪ ،‬وعليه يمكن القول أن انه يعد‬
‫من األوراق المكتوبة الصادرة من المتهم تلك األوراق التي وإن لم تكتب بيده إال أنها‬
‫موقعة من طرفه بذية وسيلة بالكتابة أو بالبصمة أو أو غيرها من الطرق شرط أن يكون‬

‫‪ 12‬نفس الشيء أكده قرار محكمة االستيناف بالدارالبيضاء جاء فيه‪:‬‬


‫" فال يمكن مثال تطبيق مقتضيات المادة ‪ 212‬من القانون الجنائي لمجرد تواجد رجل و امرأة في بيت واحد ألن ذلك ال يعني تحريضا على الفساد‬
‫مادام المحضر خاليا من أي وصف أو عبارة تفيد ذلك‪ ،‬ومادامت الوسائل المغرية غير متوفرة والطرف المحرض له منعدما‬
‫قرار محكمة االستيناف بالدارالبيضاء بتاريخ ‪ ،6881/62/66‬عدد ‪ ، 8242‬ملف جنحي عدد ‪ ،81/44516/61241‬مجلة المحاكم‬
‫‪.‬ا المغربية‪ ،‬عدد ‪ 11‬ص‪216.‬‬
‫‪ .13‬قرار محكمة النقض ( المجلس األعلى سابقا ) عدد ‪ ،6521‬بتاريخ ‪ ،81/12/62‬ملف عدد ‪ ،99/64642‬مجلة المعيار‪ ،‬ص ‪662‬‬
‫‪ 14‬ـ والتي حددتها المادة ‪ 29‬من قانون المسطرة الجنائية بقولها‪:‬‬
‫" يعتبر التلبس في الجناية أو الجنحة قائما في إحدى األحوال اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬في حالة إنجاز الفعل الجنائي أو على إثر إنجازه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬في حالة ما إذا كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬في حالة ما إذا وجد المجرم بعد مرور زمن قصير على ارتكاب فعلته حامال أسلحة أو أشياء يستدل منها على أنه شارك في الفعل اإلجرامي‬
‫أو وجدت عليه آثار أو على أمارات تثبت مشاركته‪.‬‬
‫وتتسم بصفة التلبس بالجناية أو الجنحة كل جناية أو جنحة تقع ولو في ظروف غير الظروف المنصوص عليها في الفقرات السابقة داخل منزل‬
‫التمس صاحبه من وكيل الدولة أو الملك أو أحد ضباط الشرطة القضائية التثبت منها"‪.‬‬
‫عالما بما يحتويه هذا المحرر ‪ ،‬كما يمكن انه أن يكون المحرر المكن اعتماده كوسيلة‬
‫إلثبات الفساد‪ ،‬مكتوبا باللغة العربية أو بذية لغة أخرم‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬من جهة أخرى هل‬
‫يمكن أن تقوم التسجيالت الصوتية مقام المكاتيب واألوراق المكتوبة من طرف المتهم‬
‫جوابا على هذا السنال يمكن القول أن اعتماد االعتراف المضمن بالمكاتيب واألوراق‬
‫كوسيلة لإلثبات يفهم منه عدم إمكانية أن تقوم التسجيالت الصوتية مقامها لوجود الفرق بين‬
‫ا لطريقتن في التعبير أوال‪ ،‬وألن إمكانية تقليد األصوات أصبحت من األمور الممكنة واقعا‬
‫وهو ما يستدعي إستبعاد اعتمادها إلثبات الفساد‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬يخضع االعتراف المكتوب في قيمته اإلثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة على‬
‫أساس أنه ليس حجة قاطعة وإنما يمكن استبعاده متى ثبت أنه غير صحيح أو غير واضح‬
‫أو غير مقنع‪ .‬إضافة إلى ما سبق يمكن للمحكمة أن تذخذ باالعتراف المكتوب بذكمله أو‬
‫تقوم بتجزئته وتذخذ بالبعض دون اآلخر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ االعتراف القضائي‪ :‬وسيلة من وسائل اإلثبات التي نص عليها المشرع في الفصلين‬
‫‪ 304‬و ‪ 310‬من قانون االلتزامات والعقود ‪،‬وهو ما يصدر عن المتهم من إقرار على‬
‫نفسه بارتكاب الجريمة‪ ،‬أمام هيئة المحكمة التي تنظر الدعوى لتقضي بعد ذلك اما بثبوت‬
‫الفعل ا إلجرامي وباإلدانة أو بالبراءة متى انتفت وسيلة اإلثبات‪ ،‬اما أن كان االعتراف أمام‬
‫الغير فإنه ال يعد اعترافا ‪.‬‬
‫ويمكن االعتداد باالعتراف القضائي في جريمة الفساد سواء أخذ به القاضي بذكمله أو بجزء‬
‫منه شرط أن يكون صريحا وأن يتعلق بالجريمة التي يحقق فيها دون غيرها‪.‬‬
‫إال أن السنال الذم يطرح في هذه الحالة هو‪ :‬هل يمكن للمحكمة أن تعتد بوسائل إثبات‬
‫أخرى غير تلك المنصوص عليها في الفصل ‪ 394‬من القانون الجنائي ‪.‬‬
‫لقد اختلف الفقه في اإلجابة على هذا السنال فجانب يرى بذنه ال يجوز ذلك ألن إضافة‬
‫وسائل إثبات غير تلك المنصوص عليها في الفصل السالف الذكر معناه أن المحكمة لم‬
‫تطمئن في إدانة المتهم لما توفر لديها من الوسائل‪ ،‬وتكون على هذا األساس قد بنت‬
‫اقتناعها بثبوت الجريمة على وسائل إثبات ال يقرها القانون‪.‬‬
‫أما االتجاه الثاني فيرى بذنه يجوز ذلك مادام أن هذه اإلضافة هي مجرد تذكيد لإلثبات‬
‫المستخلص من الوسائل المذكورة في الفصل ‪.394‬‬
‫وقد برر بعض الفقه موقفه المنيد إلمكانية االعتماد على وسائل أخرى غير تلك‬
‫المنصوص عليها في الفصل ‪ ،394‬بذن الشريعة اإلسالمية بدورها تعاقب على جريمة‬
‫الزنا‪ ،‬وتشترط لذلك أن يتحقق اإلقرار أو شهادة أربعة شهود على حصول واقعة الزنا أمام‬
‫فلماذا لم يذخذ المشرع المغربي بالشهادة كدليل إثبات على غرار الشريعة‬ ‫أعينهم‪،‬‬
‫اإلسالمية مادام أنه ال يتصور اتفاق أربعة أشخاص على الكذب بعد حلفهم اليمين ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫جريمة الخيانة الزوجية‬

‫أشار إلى هذه الجريمة الفصل ‪ 391‬من القانون الجنائي الذم يقول‪:‬‬
‫" يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذم يرتكب جريمة الخيانة الزوجية‪،‬‬
‫وال تجوز المتابعة في هذه الحالة إال بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه‪.‬‬
‫إال أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج المملكة‪ ،‬فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم‬
‫تلقائيا بمتابعة الزوج اآلخر الذم يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة"‪.‬‬
‫وعلة تجريم فعل الخيانة الزوجية من طرف المشرع‪ ،‬ترجع إلى رغبته في حماية العالقة‬
‫الزوجية وكذا الحقوق التي تترتب عليها والتي تقوم على اإلخالص واالحترام حماية‬
‫لألسرة والمجتمع‪.‬‬
‫وخالفا للمشرع المغربي الذم سمى هذه الجريمة بالخيانة الزوجية‪ ،‬فإن العديد من‬
‫التشريعات العربية تسميها جريمة الزنا وتميز في هذا الصدد بين زنا الزوج وزنا الزوجة‬
‫من حيث توفر الشروط الالزمة لقيامها وكذا من حيث العقوبة المخصصة لها ‪،‬من ذلك‬
‫قانون العقوبات المصرم من خالل المادة ‪ 244‬جاء فيها ‪ " :‬المرأة المتزوجة التي تثبت‬
‫زناها يحكم عليها بالحبس لمدة ال تزيد على سنتين"‪ ،‬والمادة ‪ 244‬تنص على أن ‪":‬كل‬
‫زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا األمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة ال‬
‫تزيد على ستة أشهر"‪.‬‬
‫نفس األمر بالنسبة للقانون العراقي في المادة (‪ )2-444‬من قانون العقوبات رقم ‪111‬‬
‫لسنة ‪ 1949‬التي تقول‪:‬‬
‫"‪ 1‬ـ تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنى بها‬
‫‪_2‬ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنا في منزل الزوجية"‪.‬‬
‫والمالحظ من خالل ما سبق ‪ ،‬أن الغريب في تنظيم جريمة الزنا بالنسبة للتشريعين أعاله‬
‫اشتراطهما شروطا خاصة لتبوث الخيانة الزوجية بالنسبة للزوج وهو ضرورة أن يحصل‬
‫االتصال الجنسي والمواقعة التي تعتبر عنصرا الزما لقيام الركن المادم في بيت الزوجية‪،‬‬
‫مما يعني أن تحقق هذا الفعل في غير مكان الزوجية تنعدم معه عناصر الجريمة كاملة‪.‬من‬
‫االختالفات أيضا أن العقوبة المقررة في حق الزوجة أشد من تلك المقررة في حق الزوج‬
‫كما لو أن خيانة الزوجة أعظم وأشد من خيانة الزوج في حين أن األمر سيان بالنسبة‬
‫لكليهما‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فدراسة جريمة الخيانة الزوجية حسب التشريع المغربي تقتضي أن نعرض‬
‫ألركانها‪ ،‬والقيود المقررة إلمكانية متابعة الجاني‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أركان جريمة الخيانة الزوجية‬


‫يعتبر الفعل المكون لجريمة الفساد هو نفسه الواجب تحققه في جريمة الخيانة الزوجية‬
‫إلمكانية تحققها وبالتالي معاقبة الجاني فيها‪ ،‬فالمواقعة إذا تعتبر عنصرا الزما في الخيانة‬
‫الزوجية بغض النظر عن اكتمال العالقة الجنسية ودون اعتبار لسن المرأة أو الرجل‪.‬‬
‫وبالرغم من أن الجريمتين تتفقان حول نفس الفعل فإنهما يختلفان من حيث أن الفاعلين في‬
‫الحالة األولى يكونان غير متزوجين أما في الحالة الثانية فإنه يجب أن يكون أحدهما أو‬
‫كالهما متزوجا‪.‬‬
‫على أن هذا ال يمنع من اإلشارة إلى بعض الخصائص التي يثيرها شرط تطلب صفة‬
‫الزوجية في أطراف العالقة في جريمة الخيانة الزوجية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن صياغة الفصل ‪ 391‬من القانون الجنائي تفيد بذن المشرع يعاقب المتزوج‬
‫المرتكب للزنا بعقوبة أشد من تلك المقررة لمعاقبة مرتكب جريمة الفساد‪ ،‬لذلك فإنه إذا كان‬
‫الطرفين معا متزوجين فإنهما سيعاقبان بالعقوبة المقررة للخيانة الزوجية‪ .‬على أن اإلشكال‬
‫يثور متى كان أحد المرتكبين للخيانة الزوجية غير متزوج‪ ،‬بحيث يطرح السنال التالي‪ :‬هل‬
‫يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة الخيانة الزوجية أم لجريمة الفساد ‪.‬‬
‫لم تتعرض النصوص القانونية لهذا اإلشكال‪ ،‬لذلك فإن الحل الممكن تطبيقه في مثل هذه‬
‫األحوال هو ما قررته األحكام العامة في القانون الجنائي وعلى هذا األساس فإن صفة‬
‫الزوجية التي تعتبر ظرفا ماديا يغير من وصف الجريمة من جريمة فساد إلى جريمة خيانة‬
‫زوجية كما تعتبر ظرف تشديد للعقوبة مرتبط بشخص الفاعل ألن توافر هذه الصفة هو‬
‫الذم يكيف الجريمة على أنها جريمة خيانة زوجية وليست جريمة فساد‪ ،‬وهذه الصفة تنتهي‬
‫أخيرا لتصبح ظرفا مختلطا عينيا وشخصيا‪ .15‬والقضاء يعتبر الظروف المختلطة‬
‫كالظروف العينية من حيث أثرها‪ ،‬وهكذا فإن مشارك الزوج غير المتزوجة أو مشاركة‬
‫الزوجة غير المتزوج يعتبران مشاركان في جنحة الخيانة الزوجية وليس في جنحة الفساد‬
‫عمال مقتضيات الفصل ‪ 140‬من القانون الجنائي‪.16‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن إثبات جريمة الخيانة الزوجية يتم بنفس الوسائل التي يتم بها إثبات جريمة الفساد‬
‫والمقررة في الفصل ‪ 394‬من القانون الجنائي‪.17‬‬
‫وفي هذا الصدد اعتبر القضاء بـذن محضر الشرطـة الذم يستخلص منه أن المتهمين‬
‫كانا في خلـوة تامـة ولم يشر بتاتا إلى معاينـة المتهميـن وهما في حالة تلبس بالجريمة‬

‫‪ 15‬ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪228 :‬‬


‫‪ 16‬ـ والذي جاء فيه‪:‬‬
‫" المشارك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجناية أو الجنحة‪.‬‬
‫وال تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف أو إعفاء من العقوبة إال بالنسبة لمن تتوفر فيه‪.‬‬
‫أما الظروف العينية المتعلق ة بالجريمة‪ ،‬والتي تغلظ العقوبة أو تخفضها‪ ،‬فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة‬
‫ولو كانوا يجهلونها"‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ ومن قرارات المجلس األعلى في الموضوع‪:‬‬
‫" حيث أن الفصل المذكور (‪ )485‬ينص على أن الجرائم المعاقب عليها في الفصلين ‪ 481‬و ‪ 486‬ال تثبت إال بناء على محضر رسمي يحرره‬
‫ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء عل اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي‪.‬‬
‫وحيث إن القرار المطعون فيه الذي أيد الحكم االبتدائي في مبدأ اإلدانة وأخذ العارض من أجل المشاركة في الخيانة الزوجية طبقا للفصل ‪ 46‬من‬
‫مجموعة القانون الجنائي معتبرا أن حالة التلبس متوفرة في النازلة والحالة أنه من الثابت أن المتهمة كانت بالمطبخ مع الخادمة ولما سمعت بوصول‬
‫رجال الشرطة اختفت بغرفة النوم تحت السرير بينما العارض كان بحجرة أخرى يتناول طعام العشاء مع ضيوفه‪.‬‬
‫وحيث أن القرار المطعون فيه المرتكز على مثل هذه الحالة العتبار العارض في حالة تلبس وإدانته يكون خرق مقتضيات الفصلين ‪ 29‬و ‪485‬‬
‫المشار إليهما أعاله وتعرض للنقض واإلبطال"‪.‬‬
‫قرار رقم ‪ 66644‬الصادر بتاريخ ‪ 68‬دجنبر ‪ ،6892‬مجموعة قرارات المجلس األعلى‪ ،‬ص‪.629 ،624 :‬‬
‫بمفهوم الفصل ‪ 484‬من قانون المسطرة الجنائية ال يجوز االعتماد عليه للحكم باإلدانة ‪،18‬‬
‫كما أكد ‪" :‬بذن المحضر الذم يعتد به إلثبات الجريمة هو المحضر الذم يحرره أحد ضباط‬
‫الشرطـة القضائية في حالة التلبس ال المحضر المرتكز على شهادة الشهود الذين صرحوا‬
‫بـذن المتهمين وجـدا مختلين في الـداليـة "‬
‫وفي قرار ‪،‬خر‪:‬‬
‫" لكن حيث أن الحكم المطعون فيه عندما لم يذخذ بعين االعتبار االعتراف الوارد‬
‫في المحضرين المدلى بهما اقتراف المطلوبة في النقض جنحة الخيانة الزوجية واقتراف‬
‫جنحة المشاركة فيها من طرف (س‪ )1‬والموقعين من طرفهما والتي تنزل منزلة مكاتب‬
‫صادرة عن المتهم ‪،‬يكون قد أخطذ في التذويل الصحيح لنصوص المتابعة‪ ،‬ذلك التذويل الذم‬
‫أعطاه القانون لمقتضيات الفصل ‪ 394‬من مجموعة القانون الجنائي وبالتالي يكون قد بنى‬
‫حكمه على أساس غير صحيح من القانون وعرض بذلك حكمه للنقض واإلبطال"‪.19‬‬
‫لكن السنال الذم يطرح في هذا الشذن هو‪ :‬ما الحكم في الحالة التي يضبط فيها الزوج‬
‫زوجته مع شريكها فارتكب جريمة قتل بذن قتل الشريك وفرت الزوجة‪ ،‬هل يطلب من‬
‫الزوج إثبات الزنا بالوسائل المحددة حصرا في القانون أم أنه يجوز له إثباتها بذية وسيلة من‬
‫الوسائل القانونية لإلثبات خاصة القرائن وشهادة الشهود ‪.‬‬
‫يجيب الفقه على هذا السنال ويقول بذن إثبات الجريمة بالوسائل الثالث المحددة قانونا‬
‫قاصر على حالة المتابعة من طرف النيابة العامة طبقا للمادة ‪ 391‬من القانون الجنائي‪ ،‬أما‬
‫دون هذه الحالة والتي يراد منها إثبات واقعة المفاجذة بالزنا المشكلة لعذر قانوني مخفف من‬
‫العقوبة فيجوز إثباته بكافة وسائل اإلثبات‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬جريمة الخيانة الزوجية تستلزم كما سبق القول أن يكون أحد الزوجين على األقل‬
‫متزوجا‪،‬هل يعني هذا ضرورة بقاء هذا الشخص متزوجا إلى حين اقترافه لجريمة الخيانة‬
‫الزوجية أم أن مجرد كونه كان متزوجا يكفي العتباره كذلك عند وقوع الفعل المجرم‬

‫‪ .18‬قرار المجلس األعلى الصادر بتاريخ ‪ 9‬يناير ‪ 6841‬مجلة القضاء و القانون عدد‪ 661-618‬ص ‪481‬‬
‫‪19‬‬
‫قرار محكمة النقض عدد ‪ ،9464‬بتاريخ ‪ ،66/62/6891‬ملف جنحي عدد ‪ ،92/61916‬منشور بالموقع اإللكتروني‪ :‬محكمتي‬
‫تبعا إلحكام الشريعة اإلسالمية فإن الزواج ال يلزم بقانه مستمرا لكي تثبت صفة اإلحصان‬
‫لحين الزنا حتى ولو تزوج الفاعل من امرأة بنكاح صحيح ثم زال هذا النكاح وبقي مجردا‬
‫وزنى فيجب رجمه‪.‬‬
‫لكن بالنسبة للقانون الجنائي المغربي‪ ،‬فرابطة الزواج يجب أن تكون قائمة وقت اقتراف‬
‫الجريمة‪ ،‬أما إذا انتفت هذه الصفة عند ارتكاب الفعل المجرم فإن الخيانة الزوجية لن تتحقق‬
‫وإنما سنكون أمام جريمة فساد‪ ،20‬إضافة إلى أن الفاعل إذا كان مطلقا أو متوفى عنه زوجه‬
‫فلن يواجه بشكاية من الزوج اآلخر ألنه متوفي أو ألنه مطلق‪.21‬‬

‫رابعا‪ :‬أن المشرع المغربي كان ظل يميز بين المرأة و الرجل بخصوص استفادة هذا‬
‫األخير من العذر المعفي من العقاب حال ارتكابه جريمة قتل أو ضرب أو جرح ضد‬
‫زوجته و شريكها عند ضبطهما متلبسين بالخيانة الزوجية‪.‬‬

‫إال أنه تراجع عن هذا التمييز بموجب القانون رقم ‪ 04-23‬الذم عدل الفصل ‪ 318‬من‬
‫القانون الجنائي بحيث أصبح من حق الزوجين معا االستفادة من العذر المخفض للعقوبة في‬
‫جرائم القتل أو الجرح أو الضرب متى ارتكبهما أحد الزوجين ضد الزوج اآلخر و شريكه‬
‫عند مفاجذتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية‪.‬‬

‫ويشترط في الخيانة الزوجية باعتبارها من الجرائم العمدية ضرورة توفر القصد الجنائي‪،‬‬
‫بحيث يجب أن يكون كل من الرجل والمرأة المقترفين لفعل الخيانة الزوجية مدركا وعالما‬
‫بعدم مشروعية هذا الفعل‪ ،‬وال ينتفي إال بسبب خلل عقلي او جنون أو أن يكون أحدهما في‬
‫حالة سكر غير اختيارية أو تم تخديره‪ ،‬مثل هذه األوضاع ينتفي فيها القصد الجنائي ‪ ،‬لكن‬
‫اذا كان السكر او المخدرقد حصل بكيفية اختيارية قامت مسنولية الجاني وذلك عمال بما‬
‫تقره مقتضيات الفصل ‪ 144‬من القانون الجنائي التي جاء فيها ‪":‬السكر و حاالت االنفعال‬

‫‪ 20‬ـ على أنه تجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن رابطة الزواج تظل قائمة خالل عدة الطالق الرجعي‪ ،‬حيث تتحقق جريمة الخيانة الزوجية سواء‬
‫بالنسبة للرجل أو للمرأة إذا ما تحققت أركانها‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ وهو ما أكده المجلس األعلى بقوله‪:‬‬
‫" لما أبرزت المحكمة أن المتهم لم يكن متزوجا وقت فتح المتابعة ضده وأنه كان قد طلق زوجته فإن إدانته والحالة هذه بجريمة الفساد تكون‬
‫مطابقة للقانون"‬
‫ـ قرار رقم ‪ 449‬الصادر بتاريخ ‪ 61‬فبراير ‪ ،6849‬منشور بمجلة المحاماة عدد ‪،21‬ص‪.656 :‬‬
‫او االندفاع العاطفي او الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا‪،‬ال يمكن بذم حال من‬
‫األحوال ان يعدم المسنولية او ينقصها"‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية‬


‫إذا كانت النيابة العامة غير مقيدة في جريمة الفساد بحيث يمكنها متابعة الجاني أو التهم‬
‫في هذه الجريمة دونما تقديم شكوى أو طلب بذلك من طرف المعني باألمر‪ ،‬فإنها في‬
‫جريمة الخيانة الزوجية ال يجوز لها تحريك الدعوى العمومية إال بناءا على شكوى من‬
‫الزوج أو الزوجة المجني عليها حسب نص الفقرة األولى من الفصل ‪ 391‬التي جاء فيها ‪:‬‬
‫" يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذم يرتكب جريمة الخيانة الزوجية‪ ،‬وال‬
‫تجوز المتابعة في هذه الحالة إال بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه"‬
‫وهو ما أكده القضاء بقوله ‪ ":‬حيث أنه بمقتضى الفصل الثاني المذكور ( ‪ )391‬يعاقب‬
‫بالتزاني الواقع بين شخصين مرتبطين مع غيرهما برباط الزوجية شريطة تقديم شكوى من‬
‫زوج أحدهما أو زوجيهما معا‪.‬‬
‫وحيث يتجلى من تنصيصات القرار المطعون فيه أن طالب النقض متزوج وله تسعة‬
‫أبناء وأنه أدين من أجل الفساد في حين أن إدانته كانت واجبة طبقا للفصل ‪ 391‬من القانون‬
‫الجنائي شريطة أن تكون شكوى به بالخيانة الزوجية من طرف زوجته‪.‬‬
‫وحيث إنه ال توجد بالملف شكوى ضد العارض من طرف زوجته فإن تطبيق الفصل‬
‫‪22‬‬
‫‪ 390‬من القانون الجنائي عليه لم يكن في محله"‪.‬‬

‫فتقديم الشكوى من طرف أحد الزوجين يعد إجراءا جوهريا يعبر من خالله أحد‬
‫الزوجين عن رغبته في المتابعة بتحريك الدعوى العمومية‪ ،‬بحيث ال يجوز للنيابة العامة‬
‫تحريكها من تلقاء نفسها والسبب يرجع إلى رغبة المشرع في حماية مصلحة الزوج أو‬
‫الزوجة التي يمكن أن تتضرر من جراء المتابعة القانونية وتتضرر معها سمعة ومصلحة‬
‫األسرة والعائلة ‪ .‬كما أن تقديم الشكوى يعد حقا شخصيا لكال الزوجين وهو ما يعني أن‬
‫موت أحدهما ال يعط الحق للورثة في المتابعة ‪.‬‬

‫‪ 22‬ـ قرار رقم ‪ 5484‬الصادر بتاريخ ‪ 69‬أبريل ‪ ،6892‬ملف جنحي ‪ ،48148‬مجموعة قرارات المجلس األعلى‪ ،‬ص‪.614 :‬‬
‫لكن ما الحكم في الحالة التي ترتكب فيها أكثر من جرم ومعها خيانة زوجية‪ ،‬من ذلك‬
‫مثال ممارسة البغاء والخيانة الزوجية‪ ،‬هل يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ‪.‬‬
‫جوابا على هذا السنال نقول بذنه يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى بالنسبة للجريمة‬
‫األولى والتي ال تتطلب تقديم شكوى بتوفر أركانها وشروطها‪ ،‬دون أن تتجاوز حدودها في‬
‫عدم المتابعة على الخيانة الزوجية دون تقديم شكاية باألمر من طرف المعني ‪.‬‬
‫وال تتحرر النيابة العامة من هذا القيد إال في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب‬
‫المملكة وتبث على أحدهما تعاطي الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة‪ ،‬وهذا ما أكدته الفقرة‬
‫األخيرة من الفصل ‪ 391‬من القانون الجنائي التي جاء فيها‪:‬‬
‫" غير أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة‪ ،‬فإنه يمكن للنيابة العامة أن‬
‫تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج اآلخر الذم يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة‪".23‬‬
‫وإضافة إلى ذلك فالمشرع لم يشترط شكال خاصا بالشكاية وعلى هذا األساس يمكن أن تتم‬
‫بطريقة كتابية أو شفوية أو بذية وسيلة أخرى ‪ .‬كما يمكن تقديمها من طرف المعني باألمر‬
‫شخصيا أو من طرف وكيله‪.‬‬
‫أما عن إمكانية التنازل عن الشكاية فقد نص الفصل ‪ 392‬من القانون الجنائي على أن‪:‬‬
‫تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن‬
‫جريمة الخيانة الزوجية"‪.‬‬
‫وبناء على نص الفصل أعاله‪ ،‬يمكن القول بذن تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا‬
‫لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها‪.24‬‬
‫وإذا وقع التنازل من طرف أحد الزوجين عن شكايته‪ ،‬فإن ذلك يضع حدا آلثار الحكم‬
‫بالمناخذة مع اإلشارة في هذا الصدد إلى أن المشارك في جريمة الخيانة الزوجية ال يستفيد‬
‫من هذا التنازل‪.‬‬

‫‪ 23‬ـ ويرى بعض الفقه بأن للنيابة العامة السلطة التقديرية في إثارة الدعوى العمومية أو عدم إثارتها وذلك حسب تقديرها لظروف ممارسة المرأة‬
‫للفساد مادام أن النص استعمل عبارة " يمكن للنيابة العامة متبعتها"‪ .‬عل أننا نعتقد وخالفا لهذا الرأي بأن النيابة العامة ملزوم بمتابعة المرأة التي‬
‫تمارس الفساد مهما كانت ظروف هذه الممارسة مادامت أركان تحقق الفساد متوفرة‪ ،‬بل أكثر من ذلك فهي مجبرة على القيام بالمتابعة ومسألة أن‬
‫عبارة يمكن التي أوردها النص القانوني يمكن تفسيرها بأنها استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بضرورة تقديم شكاية من طرف أحد الزوجين‬
‫للمتابعة على أن األمر يختلف في هذه الحالة ألن المشرع اشترط شروط محددة لذلك وهي أن تمارس المرأة الفساد بصورة واضحة وأن يكون‬
‫زوجها مقيما بالخارج‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ وفي هذا تطبيق لنص المادة الثالثة من قانون المسطرة المدنية التي حددت حاالت وأسباب سقوط الدعوى العمومية وجعلت سحب الشكاية إن‬
‫كانت شرطا للمتابعة من بين أسبابها‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫جريمة االغتصاب‬

‫ينص الفصل ‪ 384‬من القانون الجنائي على أن‪:‬‬


‫" االغتصاب هو مواقعة رجل المرأة بدون رضاها‪ ،‬ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى‬
‫عشر سنوات‪.‬‬
‫فإذا كانت سن المجني عليها تقل عن خمسة عشر عاما‪ ،‬فإن العقوبة هي السجن من‬
‫عشر إلى عشرين سنة"‪.‬‬
‫وفي القانون المصرم تعرض المشرع لجريمة االغتصاب واعتبرها جناية‪ ،‬حيث جاء في‬
‫المادة ‪ 244‬التي‪ ":‬من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب باألشغال الشاقة المنبدة أو المنقتة‪،‬‬
‫فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو مالحظتها أو ممن لهم‬
‫باألشغال الشاقة‬ ‫سلطة عليها أو كان خادما عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب‬
‫المنبدة‪."25‬‬
‫المالحظ من خالل هذا النص‪:‬‬

‫‪ 25‬وقد أولى القانون الدولي اهتماما بجريمة االغتصاب حيث أشار من خالل الفقرة األولى من المادة السابعة من النظام األساسي‬
‫للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة (روما) التي وصفت جريمة االغتصاب على أنها جريمة ضد اإلنسانية عندما ترتكب بطريقة منظمة ضد مجموعة‬
‫‪.‬من السكان المدنيين‪ ،‬كذلك أشارت إليها العديد من االتفاقيات والمعاهدات الدولية في موادها‪،‬‬
‫‪ ،‬كما أشارت إليه المادة ‪ 72‬من اتفاقية جنيف التي تحظر بصفة خاصة االغتصاب‪،‬كما ورد حظر االغتصاب ضمنيا واالعتداء الجنسي في المادة‬
‫‪ 4‬الفقرة ‪ 1‬من البروتوكول اإلضافي الثاني المتعلق بالنزاعات المسلحة التي تنص على أنه « لجميع األشخاص الحق في احترام‬
‫شخصهم وشرفهم"‪ ،‬وكذا المادة ‪ 44‬من اتفاقية الهاي لسنة ‪. 1092‬‬
‫والمادة ‪ ، 24‬الفقرة األولى من البروتوكول اإلضافي األول التي تقضي بحماية النساء من االغتصاب كما يحظر االغتصاب بصفته جريمة ضد‬
‫اإلنسانية بموجب المادة ‪ 5‬من النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسالفيا ‪ ،‬كما أشارت إليه المادة ‪ 72‬في فقرتها الثانية من الباب الرابع‬
‫جاء فيها ‪ " :‬يجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن وال سيما ضد االغتصاب واإلكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن‪".‬‬
‫ـ أن جريمـــة االغتصاب مــن الجرائم المادية ال الشكلية ألن العنصر المكون لها هو‬
‫المواقعة بدون رضاء المر‪،‬ة وهو في نفس الوقت يشكل حدثا عدواني على الحرية الجنسية‬
‫‪ ،‬مادام أن انعدام المرأة ينفي اعتبار وقوع الجريمة راجع إلى سلوك صادر منها و إنما‬
‫تحقق هذه الجريمة يكون مصدره فعل صادر عن الرجل ‪.‬‬
‫ـ أن جناية االغتصاب من جنايات ذوم الصفة حيث يلزم فيها أن يكون الفاعل األصلي‬
‫ذكرا والمجني عليه أنثى‪.‬‬
‫وإذا كان األصل أن المرأة ال يمكن أن تكون فاعلة أصلية في هذا النوع من الجرائم‪ ،‬إال‬
‫أنه يمكن أن تكون مشاركة فيها إذا أتت أحد األفعال الواردة في المادة ‪ 129‬من القانون‬
‫الجنائي بذن تكون قد قدمت وسيلة لكي تستعمل في الجريمة كمنوم ‪،‬أو تساعد مرتكب‬
‫الجريمة على األعمال التحضيرية أو المسهلة الرتكاب الجريمة كاستدراج المجني عليها‬
‫إلى منزل الجاني أو تقديم ملجذ للقيام بفعلته‪.‬‬
‫إضافة إلى ما سبق ومن خالل قراءة نص الفصل ‪ 384‬قد يعتقد أن مواقعة الرجل‬
‫لزوجته دون رضاها يعد جريمة اغتصاب‪ ،‬إذا كان هذا األمر مسلما به في بعض القوانين‬
‫المقارنة كالقانون السويدم مثال‪ ،‬فإنه بالنسبة للقانون المغربي ال مجال لذلك مادام أن‬
‫الشريعة اإلسالمية الدين الرسمي للبالد تبيح للزوج التمتع بزوجته متى شاء ولكن شرطة‬
‫عدم التعسف‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن تحقق جريمة االغتصاب يستلزم تحقق ركنيها المادم والمتمثل في مواقعة‬
‫الرجل لمرأة ال تربطه بها عالقة الزوجة مع انتفاء رضا المرأة بذلك‪ ،‬والمعنوم وهو‬
‫القصد الجنائي‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الركن المادي‬


‫ال يتحقق الركن المادم جريمة االغتصاب إال بتحقق المواقعة من طرف رجل على امرأة‬
‫وذلك دون رضاها‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن الركن المادم يقتضي توفر عنصرين‪ :‬عنصر‬
‫الو قاع من رجل المرأة‪ ،‬وعنصر انعدام رضا المرأة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تحقق المواقعة‬
‫يمكن تعريف المواقعة بذنها العالقة الطبيعية التي تكون بين رجل وامرأة ‪،‬وهو ما يعنى‬
‫أن ماعدا هذا األمر من أفعال أخرى ال يمكن اعتباره مواقعة واتهام من قام به باالغتصاب‪،‬‬
‫وإنما يمكن وصفه بذنه إخالل علني بالحياء أو مس بعرض المرأة‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإنه يكفي أن تقع مواقعة الرجل للمرأة لقيام جريمة االغتصاب إذا كان ذلك قد‬
‫وقع دون رضاها‪ ،‬وقد جرم المشرع هذا الوقاع وذلك حماية لشرف المرأة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن‬
‫المرأة التي وقع عليها الو قاع ضد إرادتها ال يشترط أن تكون بكرا أو متزوجة أو ثيبا‪،‬‬
‫فالمشرع جرم هذا الفعل حماية لعرض المرأة وبغض النظر عن وضعيتها االجتماعية وإن‬
‫كان فسادها معروفا ومعلوما بين الناس وحصل اغتصابها كرها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬انعدام رضا المرأة‬
‫يعتبر السبب الذم دفع المشرع إلى التشدد في عقوبة هذه الجريمة هو ما يشكله هذا الفعل‬
‫من مساس بحق المرأة في صيانة شرفها‪ .‬هذا المساس الذم ال يتحقق ما لم يكن فعل الوقاع‬
‫الذم أتاه الرجل قد تم بدون رضاها‪ ،‬أما إذا كان ذلك بمحض إرادتها فإن الغاية المقصودة‬
‫من تجريم االغتصاب تنتفي وتكيف الواقعة إذاك بجريمة الزنا ‪،‬على أساس أن رضا المرأة‬
‫أو انعدامه هو المعيار للتمييز بين جريمة الفساد وجريمة االغتصاب‪.‬‬
‫وانعدام الرضا عند المرأة يظهر من خالل انتفاء مساهمتها اإلرادية في تنفيذ النشاط‬
‫اإلجرامي الذم أتاه الفاعل وليس بالوسائل التي يذتيها الجاني النعدام الرضا لدى المرأة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يعتبر الجاني مرتكبا لجريمة االغتصاب إذا استعمل ‪:‬‬
‫اإلكراه المادم‪ :‬و يقصد به أعمال العنف التي توجه لجسم المجني عليها بهدف إفشال‬
‫مقاومتهـا‪ ،‬كما يمكن اعتباره العنف الذم يستهدف تخويف المجني عليها حتى ال تبدم‬
‫مقاومــة‪ .‬وقد يكون العنف أيضا في صورة الضرب أو الجرح أو القوة من أجل شل حركة‬
‫‪.‬‬ ‫عليها ‪.‬‬ ‫المرأة المجني‬
‫و ال يشترط أن يستمر اإلكراه طوال فترة المواقعة ‪،‬بل يكفي أن يكون المتهم قـــد استعمل‬
‫اإلكراه في البداية لصد مقاومة المجني عليها‪ ،‬بحيث متى استسلمت‪ ،‬ولم تعد تستطيع‬
‫المقاومة تحقق اإلكراه‪.‬‬
‫وقد يستعمل الجاني اإلكراه المعنوم ‪ :‬ويقصد به التهديد الصادر من الجاني ضد المحني‬
‫عليها يتوعدها من خالله بذذى ضدها أو ضد أحد أقربائها من قبيل ابنها أو زوجها مثال‪،‬‬
‫لحملها على االنصياع له ‪ ،‬من قبيل شهر سكين في وجهها أو بتهديدهــا بفضيحة‪ ، ،‬علما‬
‫أن الخطر هنا ال يشترط فيه أن يكون حقيقيا بـل يجوز أن يكون وهميـــا‪..‬‬
‫وتعتبر المرأة الفاقدة للوعي أو لإلدراك أو التمييز نتيجة قصور أو خلل عقلي أو سكر غير‬
‫اختيارم غير راضية إذا ما تم اغتصابها‪.‬‬
‫إن إثبات انعدام الرضا عند المرأة بمواقعتها من طرف المتهم يكون صعبا في أغلب‬
‫الحاالت‪ ،‬لذلك أعطى المشرع للقاضي أمر تقدير مدى انعدام رضاها من تحققه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي‬


‫تعتبر جريمة االغتصاب من الجرائم العمدية التي يتطلب تحققها ضرورة توافر علم الجاني‬
‫بحقيقة نشاطه الذم يقوم به وهو مواقعة امرأة دون رضاها ودون أن تكون بينه وبينها‬
‫عالقة زواج وإن كان بعض الفقه يرى بذن هذه القرينة قرينة بسيطة يمكن للمتهم أن‬
‫يدحضها بإثبات وقوعه في غلط أو جهل حال دون إدراكه لحقيقة الواقعة التي ارتكبها مثل‬
‫الغلط في شخص زوجته أو الجهل بانتهاء عالقته الزوجية معها‪ .26‬إضافة إلى ضرورة أن‬
‫يكون مريدا لهذا العمل غير مجبر على القيام به‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن استخالص وجود القصد الجنائي في جريمة االغتصاب يرجع إلى محكمة‬
‫الموضوع التي لها الصالحية في تقرير توفر أو انعدام توفر الركن المعنوم إلمكانية توقيع‬
‫العقوبة على الجاني والمحددة في السجن من خمس إلى عشر سنوات‪.‬‬
‫إال أنه يجب اإلشارة في هذا اإلطار إلى أن العقوبة تتغير متى كان هنالك ظرف من ظروف‬
‫التشديد مرافقا لالغتصاب من ذلك قصور المجني عليها بذن كان عمرها ال يتجاوز ‪14‬‬
‫عاما وذلك بالسجن من عشر إلى عشرين سنة‪ ،‬وأيضا عند افتضاض بكارتها وهو ما أكده‬
‫الفصل ‪ 388‬من القانون الجنائي‪.27‬‬

‫‪ 26‬ـ أحمد الخمليشي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.218 :‬‬


‫‪ 27‬ـ والذي يقول‪:‬‬
‫" في الحالة المشار إليها في الفصول ‪ 494‬إلى ‪ ، 494‬إذا نتج عن الجريمة افتضاض بكارة المجني عليها‪ ،‬فإن العقوبة تكون على التفصيل اآلتي‪:‬‬
‫ـ السجن من خمس إلى عشر سنوات‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفصل ‪.494‬‬
‫وعقوبة االغتصاب في الشريعة هي إقامة الحد برجم المغتصب متى كان محصنا ً ‪ ،‬وجلده‬
‫مائة جلدة وتغريبه عاما إن كان غير محصن‪. .‬ويجب عليه حسب بعض الفقه أداء مهر‬
‫للمرأة المغتصبة ‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول اإلمام مالك رحمه ن‪ " :‬األمر عندنا في الرجل‬
‫يغتصب المرأة بكرا كانت أو ثيبا‪ :‬أنها إن كانت حرة ‪ :‬فعليه صداق مثلها ‪ ,‬وإن كانت أ َمة‬
‫‪ :‬فعليه ما نقص من ثمنها ‪ ،‬والعقوبة في ذلك على المغتصب ‪ ،‬وال عقوبة على المغتصبة‬
‫‪28‬‬
‫في ذلك كله ‪ ،‬انتهى" ‪.‬‬

‫ـ السجن من عشر إلى عشرين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة األولى من الفصل ‪.492‬‬
‫ـ السجن من عشرين سنة إلى ثالثين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل ‪.492‬‬
‫ـ ال سجن من عشر إلى عشرين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة األولى من الفصل ‪.491‬‬
‫ـ السجن من عشرين إلى ثالثين سنة‪ ،‬في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل ‪.491‬‬
‫على أنه إذا كان الجاني أحد األشخاص المشار إليها في الفصل ‪ ،494‬فإن الحد األقصى المقرر للعقوبة في كل فقرة من فقراته يكون هو العقاب"‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫الموطذ لإلمام مالك " ( ‪ " 443 / 2‬ـ‬

You might also like