Professional Documents
Culture Documents
الشكر والتقدير
أش كر جامع ة المص طفى العالمي ة أدامه ا هللا من ارة للعلم وحص نا منيع ا ً
لعلوم أهل البيت عليهم السالم
.
فهرس المطالب
صفحة3............................................................................................
فهرس المواضع
الشكر والتقدير2................................................................
المقدمة 6.........................................................................
بيان الموضوع8................................................................A
أهمية البحث8...................................................................
سبب اختيار هذا الموضوع 9.................................................
منهج البحث 9...................................................................
السؤال األصلي واألسئلة الفرعية9..........................................
السابقة الدراسية للموضوع10...............................................A
خطة البحث ومنهجيَّته10.....................................................
الفصل األول :كليات البحث 12..............................................
تعريف العلة والمعلول13.....................................................
العلة لغة13......................................................................
تعريف العلة اصطالحا ً13....................................................
العلة عند علماء الطبيعة وعند اإللهيين 14.................................
أقسام العلة عند الحكماء 14...................................................
التقسيم األول :تقسيم العلة الى ما بالذات وما بالعرض15...............
التقسيم الثاني :العلة التامة والناقصة15................................... .
التقسيم الثالث :تقسيمها الى العلل األربعة15..............................
1ــ العلة الفاعلية15............................................................
2ــ العلة الغائية 16.............................................................
3ــ العلة المادية16.............................................................
4ــ العلة الصورية17..........................................................
التقسيم الرابع العلة المنحصرة وغير المنحصرة17......................
صفحة4............................................................................................
المقدمة
الحمAAد هلل رب العAAالمين والصAAالة AوالسAAالم على سAAيدنا ونبينAAا محمAAد
المصطفى وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين.
نظAAراً إلى أن مسAAألة العليAAة والمعلوليAAة هي من أه ّم وأقAAدم المسAAائل
الفلسفيّة التي ذكرت في جميع المنظومات الفلسفية ،وحAAتى القAAرآن الكAAريم
نفسه يقبل ،بل يعترف بقانون العلية والمعلولية ،والعقل أيضا يد ّل بوضوح
على أن الموجAAودات AاإلمكانيAAة هي معلول Aة AفلهAAا علAAة توجAAدها ،لAAذلك Aإن
اإلمعان في اآليات الكريمة يدفع كل إنسAAان إلى القAول بAAأن القAرآن المجيAAد
يثبت بأن النظام اإلمكاني نظام األسباب والمسببات ،فإن المتأمل في الذكر
ك في أن القAAرآن كثAAيراً ّمAAا يسAAند آثAAاراً إلى الموضAAوعات الحكيم ال يشّ AA
ّ
كالسAماء وكواكبهAAا ونجومهAAا، الخارجية واألشياء الواقعAAة في دار المAAا ّدة،
واألرض وجبالهAAا وبحارهAAا وبراريهAAا وعناصAAرها ومعادنهAAا ،والسAAحاب
والرعAAد والAAبرق AوالصAAواعق والمAAاء واألعشAAاب واألشAAجار والحيAAوانA
واإلنسان ،إلى غير ذلك Aمن الموضوعات الواردة في القAAرآن الحكيم ،فمن
أنكر إسناد القرآن آثار تلك األشياء إلى أنفسها فإنما ينكره بلسAAانه فقAAط ألن
قلبه مطمئن بخالفه بدون أيِّ ترديد.
وال يعني ذلك أن في الكون أكثر من خالق أصيل واحد Aغير هللا الحق
إن جميAAع الموجAAودات اإلمكانيّAAة مخلوقAAة هلل الواحAAدتبAAارك وتعAAالى ،بAAل ّ
القهار ،وما يتّبعهAا من األفعAال واآلثAAار ،حAتى اإلنسAان ومAAا يصAدر منAAه،
أن الكونمستندة إليه سبحانه وتعالى بال مجاز وشائبة عناية ،وغاية األمر ّ
وجميع ما فيه مخلوق له عز وجل إ ّما بالمباشرة أو بالتسبيب.
ففي هAAذا البحث فصAAول ثالثAAة بعAAد المقدمAAة ،ثم في المرتبAAة األخAAيرة
خاتمة البحث والجواب عن بعض اإلشكاالت وشبهاتها.
أما المقدمة تناولنا فيها أه ّم المسائل التي ينبغي على الب احث ذكره ا قب ل
ال ّدخول في مباحث ومطالب بحثه وموض وعهَ .ك َبي ان الموض وع ،وذك ر
ما هي أهمية هذا البحث وسبب اختيار هذا الموضوع ،ومنهجه و...
صفحة7............................................................................................
بيان الموضوع
من المسائل الAAتي اهت ّم بهAAا القAAرآن الكAAريم والِّ Aدين AاإلسAAالمي الحAAنيف
وأ ّكد عليه ،هو مسألة العليّة والمعلوليّة Aوطالما تكرّرت أصAAل هAAذه اآليAAات
في القرآن الكريم مAرّات عديAAدة ،وذلAك AألهميّتهAAا ولكن لألسAAف الشAAديد Aلم
تفهم المسألة (العلية والمعلوليAة) فهمAا ً صAحيحا عنAد كثAير من النAاس ،بAل
فهمت فهما ً سطحياً ،حيث يفهمAAه البعض كمAAا يفهمAAه العAAوام من النAAاس ،إذ
يرون العليّة والمعلوليّة تنافي التوحيAAد في الخالقيّAAة .ويسAAتلزم أيضAا ً إسAAناد
والسAبب في ذلAAك يعAAود إلى عAAدم فهم القAAرآن ّ قبائح األفعAAال إلى هللا تعAAالى
المجيد وعدم فهم توحيد الخالقية.
سما ِء ما ًء فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِم َن الثَّ َمرا ِ
ت ِر ْزقا ً لَ ُك ْم. قال تعالىَ :وأَ ْن َز َل ِم َن ال َّ
ومن خالل هذا البحث سوف نسعى بعAAون هللا تعAAالى إلى بيAAان مفهAAوم
العليAAة والمعلولي Aة Aفي نظAAر القAAرآن الكAAريم ،ومن ثم التعريAAف على مAAدى
أهمية هذه المسألة في بناء عقيدة االنسان المسلم وتوحيده في الخالقيّة لAAدى
الفرد والمجتمع في جميع شؤونهم.
أهمية البحث
ان السببية قاعدة من قواعد العلم والمعرفة ،فهي أصل المعرفة ولبّها،
بهAAا تنضAAبط حيAAاة النAAاس في شAAتّى مجاالتهAAا المختلفAAة عقيAAدة وسAAلوكا،
وبفسادها تفسد التص ّورات والتصديقات والمعارف والعلوم.
ان كلية هذه القاعدة Aتختصر كثيرا من تكAرار التجربAAة مAرة بعAد اُخAرى
مما ييسر الكشف التصديقي على ظاهره فيما يستقبل من الزمان.
وان سAAقوط قAAانون العليAAة في الكAAون ــ بسAAبب الفهم الخAAاطئ ــ يخAAل
بالنظريات العلمية في ميادين البحث والتجربAAة ،وبالتAAالي يتعAAذر الوصAAول
ي حقل من الحقول. الى تكوين نظريات علمية ثابتة في أ ّ
صفحة9............................................................................................
منهج البحث
اعتمدنا في تحقيق بحثنا هAAذا المنهج التوصAAيفي والتحليلي الAAذي يقAAوم
على أسAAاس جمAAع اآليAAات بموضAAوع العليAAة والمعلولي Aة AوالقيAAام بعAAد ذلAAك
بعرضAAAها وتحليلهAAAا عن طريAAAق نقAAAل آراء الحكمAAAاء والمتكلمين وآراء
التفسيريَّة لعلماء المسلمين ،بما يرتبط بها وقبول بعضها ومناقشAAة بعضAAها
وفق المعايير وقواعد وأصول البحث العلمي.
الفاعل بالطبع:
وهو الذي يصدر عنه الفعل بال علم وال إرادة ،ولكن بنحو يناسAAب طبعAAه،
كالنار حيث تصAAدر عنهAAا الحAAرارة بال شAAعور أو إرادة ،وكسAAائر أعضAAاء
اإلنسان الداخلية.
الفاعل بالقسر:
وهو الذي يصدر عنه فعله بال علم وال إرادة ،ولكن على خالف طبعAAه،
كالحجر الذي يُرمى به إلى أعلى.
الفاعل بالجبر
وهو الذي يصدر عنه الفعل بعلمAAه ،ولكن ال بإرادتAAه ،كاإلنسAAان المكAAره
على فعل خالف إرادته.
الفاعل بالقصد
وهو الفاعل بعلمه وإرادته Aكاإلنسان.
النشأة المادية ،ومنشأ الخير والبركة لها ،ولكنّها من ناحية أخرى قد تكAAون
منشأ للشرور والفقدانA.
3
التقسيم التاسع :العلة مع الواسطة وبال واسطة
إن تأثير اإلنسان مثالً في حركة يده يمكن اعتبارها علّة بال واسطة،
وتأثيره في حركة القلم الذي يمسك به بين أصابعه يعتبر علّة مع واسطة
واحدة ،وفي الكتابة الناتجة من ذلك Aيعتبر علّة مع واسطتين ،وفي المعنى
الذي ينطبع في ذهن السامع أو القارئ يعتبر علّة مع عدة وسائط.
1نافذة على الفلسفة ص .75
2نافذة على الفلسفة ص .75
3منهج الجديد في تعليم الفلسفة ج 2/ص .12
صفحة20............................................................................................
1
التقسيم العاشر :المقتضي والشرط
أحيانا ً يتوقف وجود Aالمعلول من العلة على وجود حالة أو كيفية
خاصّة ،وفي هذه الصورة Aتس ّمى العلة ب(المقتضي) أو (السبب) ،وتسمى
الحالة أو الكيفية الالزمة ب(الشرط).
وأحيانا يطلق الشرط Aعلى الشيء المؤ ّدي إلى وجود الحالة المذكورةA
كما يس ُّمون عدم المانع من التأثير ب (الشرط العدم ّي).
وتنقسم الشروط إلى فئتين:
إحداهما شرط فاعلية الفاعل ،أي الشيء الذي ال يستطيع الفاعل
بدونه أن يُنجز عمله ،وفي الواقع فهو مك ِّمل لفاعليَّته ،مثل تأثير العلم في
أفعال اإلنسان االختياريّة.
واألُخرى شرط قابليَّة الفاعل ،أي الشيء الذي الب ّد من تحققه في
المادة حتى تصبح مؤهّلة الستقبال كمال جديد من الفاعل ،كما في الجنين
صة حتى تنفخ الروح فيه. فإنه الب َّد أن تتوفّر فيه شروط خا ّ
إذن أصل العليّة هو عبارة عن قضية تدل على حاجة المعلول إلى العلة،
وال يوجد موجود في عالمنا هذا يتّصف بالمعلوليَّة وقد جاء من دون علAAة،
أن هناك علة أوجدته .ويمكن بيان هذا الموضAAوع في فالمعلول كاشف عن ّ
قالب القضية الحقيقية بهذه الصورة :كل معلول فإنه يحتاج إلى علّة.
وهذه القضية من القضايا التحليلية التي يسAAتخرج مفهAAوم المحمAAول AفيهAAا
ألن مفهAAوم المعلAAول AعبAAارة عن موجAAود يتوقAAف من مفهAAوم الموضAAوع؛ ّ
وجAAوده على موجAAود آخAAر ويحتAAاج إليAAه ،وبدونAAه ال يمكن أن يحمAAل هAAذه
الصفة .إذن مفهوم الموضAAوع AيشAAتمل على معAAنى التوقAAف واالحتيAAاج إلى
العلة الذي يشكل محمول القضAAية المAAذكورة .ومن هنAAا فهي من البAAديهيات
ي دليAAل وبرهAAان ،بAAل يكفي تصAAور الموضAAوع االوليAAة المسAAتغنية عن أ ّ
والمحمول للتصديق Aبها.
ولكن هذه القضAAية ال تAAدل على وجAAود المعلAAول في الخAAارج ،وال يمكن
اثبAAات ان في العAAالم الخAAارجي موجAAوداً يحتAAاج إلى العلAAةّ ،
ألن القضAAية
الحقيقية في حكم القضية الشرطية ،وهي بذاتها ال تُثبت وجAAود موضAAوعها
في الخارج ،وإنما غاية ما تدل عليه هو أنه إذا AتحقAAق في الخAAارج موجAAود
بوصف المعلولية Aفالبد أن تكون له علة.
وامAAا العلم بمصAAاديق العلAAة والمعلAAول Aـ عAAدا مAAا يAAدرك منهAAا بAAالعلم
الحضوري -ليس بديهيا ً ويحتاج إلى برهان ،فالبّ Aد أوال من تعAAيين صAAفات
العلAAة والمعلAAول A،وبتطبيقهAAا على الموجAAودات الخارجيAAة يمكن تشAAخيص
مصاديق العلة Aوالمعلول Aبينها.
وهAAAذا القAAAانون واألصAAAل ليس بقAAAانون شAAAامل يع ّم الوجAAAودين Aالممكن
والواجب ،كما تصور بعض فالسفة الغرب وظنوا أنهم يستطيعون مناقشة
براهين اثبات وجود Aالباري سبحانه وتعالى بحسب هذا االصل ،وانما هAAذا
القAAانون مختص بعAAالم االمكAAان ،وأمAAا هللا سAAبحانه وتعAAالى فهAAو مسAAبب
األسباب وال سبب له ،فهو واجب الوجود Aالذي وجوده عين ذاته وهو العلة
صفحة22............................................................................................
االولى ،وبمAا أنAه ليس بمعلAول AفهAو عن خAارج هAذا االصAل تخصصAا ال
1
تخصيصا كما يعبرون.
أي إ ّن ني ألعجب ممن ينك ر هللا وه و ي رى خلق ه ،وكي ف ينك ر اإلنس ان
الخالق وهو يرى الخلق؟ والخلق موج ود ال يمتل ك وج وده والب ّد ل ه من
خالق ومن مُوجد.
أمّا إذا كان وجود الخلق عين ذاته فلماذا كان مسبوقا ً بالعدم؟
ولماذا يتعرض للفناء؟
إنّ ما يكون مسبوقا ً بالعدم وما يؤول إليه ال يمكن أن يك ون وج وده ملك ا ً
له ،وإذا كان ك ذلك فإ ّن ه محت اج إلى مفيض يفيض الوج ود علي ه ،وله ذا
عجب اإلمام عليه السالم ممنْ رأى الخلق وأنك ر الخ الق ولم ي ؤمن باهلل،
وقول اإلمام عليّ عليه السالم هذا ه و في الحقيق ة نفس قول ه تع الى :أفي
هللا شك فاطر السماوات واألرض.1
فالمتكلم أصَّ Aر على أن االختيAAار الصAAفة هAAو تسAAاوي الفعAAل والAAترك،
ي تالعب بهذا المعنى من أجAAل رفAAع وبعد ذلك Aأنكر قاعدة الوجوبّ ،
وأن أ َّ
بأن الفاعل مجبر. التدافع مع قاعدة الوجوب ،فهو عبارة اُخرى عن القول ّ
أن االختيار بهذا المعAAنى يسAAتبطن إنكAAار قAAانون العليAAة، والحكيم رأى َّ
َّ
ألن عالقAAة المعلAAول بعلتAAه ستصAAبح كعالقتAAه بAAأيِّ أجنAAب ّي وهي اإلمكAAان
بالقياس ،وهو واضح البطالن ،ومن ثم ال يتّصف بهAAذا المعAAنى إالّ الفاعAAل
الناقص مثAAل اإلنسAان بالنسAAبة إلى أفعالAAه الجAAوار حيَّة ،وأمAا الفاعAل التAام
فيتّصف باالختيار بمعنى عدم اال لجAAاء من الغAAير وهAAو يجتمAAع مAAع قاعAAدة
الوجوب ،إذ ال يقصد من الوجوب سوى الوجوب عنه ال عليْه.
ومن هنا كل واحد منهما ع ّرف االختيار برأيه الخاص وهو كما يلي:
االختيار عند المتكلم :إن شاء فعل وإن شاء ترك.
االختيار عند الحكيم :إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.
ومن هنا سأل الحكيم المتكلم بالمرجَّح لوجود Aالفعل بعد أن كAAانت ذات
الممكن متساوية إليه وإلى الترك ،وكان الفاعل التAAام متسAAاوي النسAAبة إليAAه
وإلى الترك.
وجاء جواب المتكلم متنوعا ً بين عAAدم الحاجAAة إلى مAAر ّجح ،وبين العلم
المرجّح وبين اإلرادة Aالمرجحة وبين المصلحة AالمرجحAAة .وناقشAAها الحكيم
جميعا ً واحداً Aتلو اآلخر.1
العلة دائما ً متقدمة على المعلول وال عكس ،ولكن يمكن أن تكون علAAةً
من دون معلAAول كمAAا في العلAAة الناقصAAة ،أو علAAة العلAAل (هللا ع ّ Aز وج Aلّ)،
وجود العلة ال يوجب وجود المعلول Aإالّ في العلة التا ّمة .للعلة أقسام كثAAيرة
والمعلول Aدائما واحد A.ال يمكن وجود المعلول Aبدون العلة الموجدة Aله.
صفحة26............................................................................................
الفصل الثاني
مفهوم العلّة AوالمعلولA
فلسفة العلّة والمعلولA
حقيقة العليَّة والمعلوليَّة في القرآن الكريم
فلسفة العليّة والمعلوليّة Aمن القرآن
اآليات التي تد ّل على التأثير المادي
أعمال السيّئة لإلنسان سبب للفساد بنظر القرآن
موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلّيّة
تصديق القرآن لقانون العليّة العا ّمة
إثبات القرآن ما يخرق العادةA
عالقة العليّة التكوينيّة
(معلوال) بالنسبة إلى شيء آخر ،وحتّى أنه ال منافاة في أن تكون الحAAرارة
المعلولة Aلنار معيّنة علّة لظهور نار اُخرى ،كما أنه ال منافAAاة في أن تكAAون
للموجودات حيثيّات اُخرى ،عالوة على حيثيAAة العلّيَّة أو حيثيAAة المعلوليّAAة،
ويت ّم بيانها بمفاهيم أُخرى ،فللنار مثالً حيثيات اُخرى باإلضAAافة إلى حيثيAAة
العلّيّة ،ويُحكى عنها بمفاهيم من قبيل الجوهر ،الجسم ،القابل وما إلى ذلAAك
1
وكل واحد Aمنها ليس عين حيثية العليَّة.
فلسفة العلة والمعلول
العلة والمعلول مصطلح من المصطلحات الفلسفية والكالمية على
السواء ،ويعتبر أهم الركائز التي يتّكئ عليها اإللهيّون في إثبات وجود
الخالق سبحانه وتعالى.
فقانون العلية هو أصل أدلّة Aوجود هللا ع ّز وجلّ ،وك ّل األدلة األخرى
منبثقة عنه متفرّعة عليه.
أن لقانون العلية أهميّة كبرى في إثبات أهم الحقائق ،وهي وهذا Aيعني ّ
حقيقة وجود واجب الوجود ع ّز وج ّل ،بل وفي إثبات كلِّ حقيقة أخرى
ي حقيقة سواء كانت علميّة أو فلسفيّة أو كالميّة أو عقلية .فال يمكن إثبات أ ّ
إال من خالل قانون العلية ،بل حتى إثبات وجود هذا الكون بكل ما فيه من
موجودات ماديَّة إنما هو يستند إلى قانون العليّة .فإنكار هذا القانون يدفعنا
إلى الشك Aفي كل حقيقة بما في ذلك الشك Aفي حقيقة وجود هذا الوجودA.
وال يمكن شرح هذا الكالم وإثباته هنا في هذه ال ُوريْقات المعدودة،
ألن ذلك يدفع إلى اإلطالة ،وإنما أحببت فقط أن أشير إليه بهذه اإلشارة ّ
القصيرة ،لنتع ّرف على مدى أهميّة قانون العليّة.
وإن نظام الخلق Aونظام الوجود بأجمعه هو نظام العلّة والمعلول ،وال يمكن
أن يوجد شيء من باب االتفاق والصAAدفة ،فال اتفAAاق في العAAالم وال طريAAق
للصدفة في عالم الوجود ،فكل ظاهرة تحتاج الى علة فاعليAة ،وكAل حادثAة
تحتاج الى علة فاعلية ،وال يمكن أن يتن ّحى نظام العلة والمعلAAول عن عAAالم
الخلق ،ألنه إذا نقض نظام العليّة فسيسقط طريق الفكر واالسAAتدالل ايضAاً.
اذ ان العAAالم المفكAAر انمAAا يAAرتّب المقAAدمات وينتظAAر الحصAAول Aعلى نتيجAAة
صة من المقدمات الخاصة ،في ظ ّل نظام العليّة فهذه المقدمات هي العلّةA خا ّ
للوصول Aإلى تلك النتيجة ،وتلك النتيجة معلولة لتلك المقدمات.
إن النAAاظر إلى الكAAون الموجAAود يُAAدرك ان مAAا يشAAاهده من الحAAوادث َّ
ي عقل ّي وهو مAAا يAAبرر وجودهAAا. ي ضرور ّ المتعاقبة تستند الى تعليل فطر ّ
وعندما نشرع في سفر االدراك نلتفت الى ذواتنا ،ونتأ ّمAAل كونهAAا وفعليتهAAا
فنجد انها مسبوقة باالنتفاء ،ويجوز عليها االنتفاء فيما بعد ،فندرك انه متى
لم يكن الشيء ثم كان ،فليس كونه من ذاته وال هو مسAAتغن في فعليّتAAه ،بAAل
هو محتAAاج ومفتقAAر الى غAAيره ألن اسAAتغناءه في فعليتAAه وتماميّتAAه في ذاتAAه
تستلزم امتناع انتفائه وهو محال.
ولوال السببية العقلية لما أمكن اثبات الواقع المحسAAوس ومAAا يسAAير عليAAه
من نظريات وقوانين علمية تفتح المجال واسعا امام المعارف البشرية.
ومن المتعAAذر تمامAا ً ان تتكAAون نظريAAات علميAAة في أي حقAAل من حقAAول
المعرفAAة بعيAAداً عن مبAAدإ العليّAAة وقوانينهAAا ،اذ ال يمكن أن تتحقAAق التجربAAة
الشAAمولية AللنظريAAات العلميAAة لعAAدم اسAAتيعابها جميAAع الجزئيAAات الطبيعيAAة
بالبحث والتجربة.
صفحة30............................................................................................
فالحديد الذي يتمدد بالحرارة لم يكن نتيجة اتّفاقيّة وال صُدفة محضة ،بل
كان بناء على مبدا السببية ،حيث ان شمول التمدد لجزء من اجزاء الحديAAد
الذي لم يخضع لتجربة الحرارة يندرج تحت هذا المبدأ Aالعام الكلي.
وعليه يمكن حصر القول في قاعدة العلية بأنّها ركيزة من الرّكAAائز الAAتي
يعتمد عليها المستدل في الوصول Aإلى المدلول بطريقة صحيحة وسليمة.
ففي هذه اآليAAة نAAرى كيAAف بيّن القAAرآن الكAAريم المقّ Aدمات الطبيعيAAة لAAنزول
المطر من السماء من قَبل أن يعرفها العلم الحديث ويطّلAع عليهAا بالوسAائل
التي يستخدمها اليوم لدراسة الظواهر Aالطبيعية واكتشاف عللها ومق ّدماتها.
فقبل أن يتوصل العلم الحديث إلى معرفة ذلAAك بAAز َمن طويAAل سAAبق القAAرآن
الكريم إلى بيان تلك المق ّدمات في عبارات كثيرة منها هذه:
1ــ يزجي سحاباً( .أي يحرك)
2ــ ث ّم يؤلّف بينه( .أي وير ِّكب)
3ــ ث ّم يجعله ركاما ً كتلة متراكمة متكاثفة).
فينسب هذه المراحل إلى هّللا تعالى .ث ّم يقول:
4ــ فترى الودق (أي المطر) يخرج من خالله.
5ــ يكاد سنا برقه يذهب باألبصار.
وهكAAذا يصAAرّح هّللا سAAبحانه في القAAرآن المجيAAد بتAAأثير األسAAباب والعلAAلA
أن تأثير هذه العلAAل واألسAAباب بAAإذن هّللا ومشAAيئته الطبيعية ،غاية ما هنالك ّ
بحيث إذا لم يشأ هو سبحانه لتعطلت هذه العلل عن التأثير.
السIما ِءسIطُهُ فِي َّ
سIحابا ً فَيَ ْب ُ
Iاح فَتُثIIي ُر َ
الريَ I س ُل ِّ 5ــ قال تعالى :هّللا ُ الّ ِذي يُ ْر ِ
ق يَ ْخ ُر ُج ِمنْ ِخاللِ ِه فَإِذا أَ َ
صاب بِِ Iه َمنْ سفا ً فَتَرى ا ْل َو ْد َ ف يَشا ُء َويَ ْج َعلُهُ ِك َ َك ْي َ
.
ون
ش ُر َ ستَ ْب ِيَشا ُء ِمنْ ِعبا ِد ِه إِذا ُه ْم يَ ْ
وأيّة جملة أوضح من قولAAه تعAAالى فَتُثAAي ُر َسAحاباً ،أي الريAAاح ،فالريAAاح في
نظر القرآن هي التي تثير السحاب وتسوقه من جانب إلى جانب آخر.
الص Aريح إن اإلمعان في عبارات هذه اآلية يهدينا إلى نظرية القرآن ورأيه ّ ّ
حول تأثير العلل الطبيعية بإذن هّللا .
فAAإذا ينسAAب القAAرآن هAAذين األمAAرين (أي ج ود) إلى هّللا وانّAAه (هAAو) يبسAAط
السحاب في السماء و(هو) الذي يجعله كسفاً ،فإنّما يقصد ـ من وراء ذلك Aـ
التنبيه إلى مسألة التوحيد األفعالي الAAذي يعبّAAر عنAAه بالتوحيAAد في الخالقيAAة،
وفي الوقت نفسه ال منافاة بين هذه النسبة والقول بتأثير العلل AالطبيعيAAة في
بسط السحب وجمعها.
أن اآليAAات الAAتي تؤكAAد على دور العلAAل الطبيعيAAة وتأثيرهAAا المباشAAرعلى ّ
وتعتبر العالم مجموعة من األسباب للمسببات التي تعمل بإرادة Aهّللا وإذنAAه،
وتكون فاعليتها فرعا ً من فاعليته سبحانه.
1
فلسفة العلية والمعلولية من القرآن
قبل الذهاب إلى القرآن الكريم فالبد من أن نسأل سؤاالً وهو هذا:
هل القAرآن الكAريم يوافAAق على توقّAف بعض الظAواهر الطبيعيAة على
البعض اآلخر بحيث يكAون بعضAAها علAة ً ماديAة للبعض اآلخAر ،وبعضAها
معداً لآلخر ،وبعضها شرطا ً لتحقق البعض اآلخر أم ال؟
ك سنجده يثبت هذه العالقAAة بين الظAAواهر، عندما نستفتي القرآن ال ش ّ
سواء أكانت بين السبب والمسبب ،أم بين الشرط والمشروط ،أم بين المعّ Aد
والشيء المحتAAاج إلى إعAAداد A.فجميAAع هAAذه المAAوارد يقبلهAAا القAAرآن الكAAريم،
وهناك آيات متضافرة على هذا الموضوع ،وسوف أذكر من كل بAAاب آيAAة
باعتبارها نموذجا ً على الموضوع ان شاء هللا.
العليّة المادية
ي آخر ي من موجود Aماد ّ
وهو اصطالح فلسف ّي يعني تك ّون موجود Aماد ّ
بحيث تبقى المادة المشتركة بينهما محفوظة وتتغير صورته فقAAط ،وبقبAAول
الصورة الجديدة يظهر موجود جديد.
ففي هذه اآليAAات اسAAتعملت كلمAAة (من) للداللAAة على العلAAة الماديAAة،
أن القرآن يعترف بالعلة المادية .وهنAاك آيAات عديAدةA ومنها نعرف ّ
تستعمل باء السببية للداللة على لون من التأثير المادي.
1
اآليات التي تدل على التأثير المادي
إن القرآن الكريم مليء باآليات التي تدل وتبيِّن تأثير شيء على شAAيء
آخر ومنها:
4
2ــ عليّة المالئكة
وهو لون من العلية الفاعلية المجهولة لدينا ،ألننا لم نجAAدها في حياتنAAا
ولكننا نؤمن بها عن طريق الوحي ،فلو لم يتحAAدث القAAرآن عن المالئكAAة لم
نؤمن بوجود هذه المخلوقات فضال عن تأثيرهAAا في األشAAياء .وهللا سAAبحانه
يثبت في القرآن رسالتين للمالئكة :إحداهما في األمور التكوينية واالُخAAرى
في األمور التشريعية ،أي أنهم يكونون وسطاء في تحقيAAق أمAAور تكوينيAAة،
ووسطاء إليصال رساالت هللا إلى األنبياء.
قال هللا تعالى في كتابه الحكيم :جاعل المالئكة ُرسال.1
فالقAAدر المAAتيقن كAAونهم رسAAالً في األمAAور التشAAريعية ،ولكن اآليAAة
بإطالقها تشمل األمور التكوينية أيضاً .وتوجد آيات تص Aرّح بAAأن المالئكAAة
يت ّدخلون Aفي االُمور التكوينية ،منهAAا مAAا ورد في قصAAة مAAريم (ع) عنAAد مAAا
أراد هللا أن يمنحها عيسى المسيح عليه السالم.
قال تعالى :فأرسلنا إليها روحنا فتمثIIل لهIIا بشIIراً سIIويا ً * قIIالت إني
أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً* قال إنما أنا رسول ربك ألهب لك غالما ً
زكيا ً.2
وال يهمنا هنا أن يكون المقصود Aمن الروح هAAو جبرائيAAل ألنAAه يسAAمى
في اآليات ب :الAAروح ،والAAروح األمين ،أو يكAAون المقصAAود منAAه أي ملAAك
آخر ،وإنما محل شاهدنا هو قوله :إنمAAا أنAAا رسAAول ربAAك ألهب لAAك غالمAا ً
زكياً .فرسالة هذا الروح هي أن تهب لمAAريم (ع) وليAAداً AزكيAاً ،فتAAأثير هAAذه
الرسالة يكون في المجال التكويني.
1
4ــ عليّة اإلنسان
إن أفراد اإلنسان يؤثّر بعضهم في بعض من وجهة نظر القرآن قAAال
2
تعالى :ولوال دفع هللا الناس بعضهم ببعض له ِّدمت صوامع...
وأيضا ً يأمر هللا المؤمنين بالقتال مAAع المشAAركين لAAدفع شAAرهم .وتوجAAد
آيات تؤكد مساعدة الناس بعضهم لبعض ،فاهلل يخاطب موسى (ع):
3
قال :سنش ّد عضدك بأخيك
فهو عون من هللا يت ّم بوساطة هارون (ع).
وكذلك Aفي موضوع العذاب
قال تعالى :قاتلوهم ّ
يعذبهم هللا بأيديكم.4
فهو عذاب هللا يتم بأيدي المؤمنين.
هذه ألوان من السببية يؤ ِّكد ها القرآن الكريم لألمور الماديAAة الطبيعيAAة
أو ألمAAور مAAا وراء الطبيعAAة كالمالئكAAة .وهنAAاك ألAAوان AأخAAرى من السAAببية
تتعلق باألمور المعنوية ،وربما تتناول عالقAAات ال نُAAدركها ،مثالً يقAAول هللا
تعالى عن القرآن إنه وسيلة للهداية:
فقال :قد جIاءكم من هللا نIIور وكتIاب مIبين * يهIIدي بIه هللا من اتبIIع
رضوانه سبل السالم.5
6
قال تعالى :أال بذكر هللا تطمئن القلوب
القرآن يثبت عالقة السببية بين هذا العالم والعالم اآلخAAر ،ومن هنAAا نعAAرف
أن مجال العليّة في القرآن واسع ج ّداً سعة ال يدركها أكثر الناس.8
ّ
هناك قبله علّة موجبة له من نار أو حركة أو اصطكاك أو نحو ذلAAك ،ومن
هنا كانت الكلية وعدم التخلف من أحكام العليّة والمعلوليّة Aولوازمهما.
وتصديق هذا المعنى ظاهر من القرآن فيما جرى عليه وتكلم فيAAه من
موت وحياة ورزق وحوادث أخرى علويّة سماويّة أو سAAفلية أرض Aيّة على
أظهAAر وجAAه ،وإن كAAان يسAAندها جميع Aا ً بAAاآلخرة إلى هللا سAAبحانه لفAAرض
التوحيAAد A.فAAالقرآن يحكم بصAAحة قAAانون العليAAة العامAAة ،بمعAAنى أن سAAببا ً من
األسباب إذا تحقق مع مAAا يلزمAAه ويكتنAAف بAAه من شAAرائط التAAأثير من غAAير
مانع لزمه وجود Aمسببه مترتبا ً عليه بAAإذن هللا سAAبحانه ،وإذا AوجAAد المسAAبب
كشف ذلك عن تحقق سببه ال محالة.
والميّت الى الح ّي وتحويل صورة إلى صورة ،وحادثة الى حادثAAة ورخAAاء
الى بالء وبالء الى رخAAاء ،وإنّمAAا الفAAرق بين صAAنع العAAادة وبين المعجAAزة
الخارقة هو أن األسباب المادية المشهورة Aالتي بين أيدينا إنمAAا تAؤثر أثرهAا
مع روابط مخصوصة وشرائط زمانية ومكانية خاصة تقضي بالتدريج في
التأثير ،مثالً العصا وإن أمكن أن تصير حيAAة تسAAعى والجسAAد البAAالي أمكن
أن يصير إنسانا ً حيّا ً لكن ذلك إنما يتحقّق في العادة بعلAAل خاصAAة وشAAرائط
زمانيّة ومكانيّة مخصوصAة تنتقAل بهAا المAادة Aمن حAال إلى حAال وتكتسAي
صورة بعد صورة حAAتى تسAAتق ّر وتحAAل بهAAا الصAAورة األخAAيرة المفروضAAة
ي شAAرط اتّفAAق أو من غAAير علّAAة
على ما تصدقه المشاهدة Aوالتجربة ال مع أ ّ
أو بإرادة مريد كما هو الظاهر من حال المعجزات والخوارق Aالتي يقصAAها
القرآن .
وكمAAا أن الحسّ والتجربAAة السAAاذجين ال يسAAاعدان Aعلى تصAAديق هAAذه
الخوارق للعادة Aكذلك النظر العلمي الطAAبيعي ،لكونAAه معتمAAداً على السAAطحA
المشهود من نظام العلة والمعلول الطبيعيين ،أعني به السطح AالAAذي يسAAتقر
عليAAه التجAAارب العلميّAAة اليAAوم والفرضAAيات المعلّلAAة للحAAوادث الماديAAة.
إال أن حدوث الحوادث الخارقAAة للعAAادة إجمAAاالً ليس في وسAAع العلم إنكAAاره
والستر عليه ،فك ْم من أمر عجيب خارق للعAAادة AيAAأتي بAAه أربAAاب المجاهAAدة
وأهل االرتياض كAAل يAAوم تمتلي بAAه العيAAون وتنشAAره النشAAريات ويضAAبطه
ك وال في تحقّقهAAا َريب. الصAAحف بحيث ال يبقى لAAذي لبّ في وقوعهAAا شّ AA
وهAAذا هAAو الAAذي ألجAAأ البAAاحثين في اآلثAAار الروحيّAAة من علمAAاء العصAAر أن
أنيعللAAوه بجريAAان أمAAواج مجهولAAة الكتريسAAية مغناطيسAAية فافترضAAوا ّ
االرتباطات الشاقة تعطي لإلنسAAان ُس Aلطة على تصAAريف أمAAواج مرمAAوزة
قويّة تملكAAه أو تصAAاحبه إرادة AوشAAعور وبAAذلك AيقAAدر على مAAا يAAأتي بAAه من
حركات وتحريكات وتصرفات عجيبAAة في المAAادة AالخارقAAة للعAAادة بطريAAق
القبض والبسط ونحو ذلك.
وهذه Aالفرضية لAAو تمت واطAAردت من غAAير انتقAAاض أل ّدت الى تحقّAAق
فرضية جديدة وسAAيعة تعلAAل جميAAع الحAAوادث المتفرّقAAة الAAتي كAAانت تعللهAAا
جميع Aا ً أو تعلAAل بعضAAها الفرضAAيات القديمAAة على محAAور الحركAAة والقAAوة
صفحة42............................................................................................
ولساقت جميع الحوادث المادية الى التعلل واالرتباط بعلة واحAAدة AطبيعيAAة.
فهAAذا قAAولهم والحAق Aمعهم في الجملAAة ْإذ ال معAAنى لمعلAAول AطAAبيعي ال علAAة
طبيعية له مع فرض كون الرابطة طبيعية محفوظة ،وبعبارة أخAرى إنّAا ال
نعAAني بالعلAAة الطبيعيAAة إال أن تجتمAAع عAAدة موجAAودات طبيعيّAAة مAAع نسAAب
وروابط خاصة فيتك ّون منها عند ذلك موجود طبيع ّي جديAAد حAAادث متAAأ ّخر
عنها مربوط بها بحيث لو انتقض النظام السابق عليه لم يحدث ولم يتحقAAق
وجوده.
وأما القرآن الكريم فإنّه وإن لم يش ّخص هAAذه العلAAة الطبيعيAAة األخAAيرة
التي تعلل جميع الحوادث المادية العادية والخارقة للعادة (على ما نحسAAبه)
بتشخيص اسمه وكيفية تأثيره لخروجه عن غرضه العAAام إالّ أنAAه مAAع ذلAAك
ي سببا ً ما ّديا ً بإذن هللا تعالى ،وبعبارة أخرى يثبت لك ّليثبت لكل حادث ماد ّ
حادث مادي مستند في وجوده Aإلى هللا سبحانه (والكل مستند) مجرى ماديا ً
وطريقا ً طبيعياً ،به يجري فيض الوجود Aمنه تعالى إليه.
قAAال تعAAالى :ومن يتIIق هللا يجعIIل لIIه مخرجIIا ً ويرزقIIه من حيث ال
يحتسب .ومن يتوكل على هللا فهIIو حسIIبه إن هللا بIIالغ أمIIره قIIد جعIIل هللا
لكل شيء قدراً.1
فAAإن صAAدر اآليAAة يحكم بAAاإلطالق من غAAير تقييAAد أن كّ Aل من اتّقى هللا
وتو ّكل عليه وإن كAAانت األسAAباب العاديAAة المحسAAوبة عنAAدنا أسAAبابا ً تقضAAي
بخالفة وتحكم بعدمه فإن هللا سبحانه حسبه فيه وهو كائن ال محالة.
كما يدل عليه أيضا ً قوله تعالى :وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قIIريب أجيب
2
دعوة الداعي إذا دعان
وقوله تعالى :ادعوني أستجب لكم.3
وقوله تعالى :أليس هللا بكاف عبده.4
ثم الجملAAة التاليAAة وهي قولAAه تعAAالى (:إن هللا بIIالغ أمIIره) ،يعلAAل إطالق
الصدر ،وفي هذا المعنى
1
قوله تعالى :وهللا غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون.
وهذه Aجملة مطلقة غير مقيدة بشيء البتة ،فللّه سAAبحانه سAAبيل إلى كAAل
حادث تعلّقت به مشيئته وإرادته Aوإن كانت السّبل العادية والطرق AالمألوفAAة
مقطوعة منتفية هناك ،وهذا يحتمل وجهين:
أحدهما أن يتوسّل تعالى من غير سبب مادي وعلّة طبيعيّة ،بل مجرد
اإلرادة وحدها.
علمنا يحيط بAAه هللا وثانيهما :أن يكون هناك سبب طبيع ّي مستور عن ْ
سبحانه ويبلغ ما يريده من طريقه إال أن الجملة التالية من اآلية المعللة لمAAا
قبلها أعني قوله تعالى ( :قد جعل هللا لكIIل شIIيء قIIدراً ) ،تAAدل على ثAAاني
الAAوجهين فإنهAAا تAAدل على أن كAAل شAAيء من المسAAببات أعم ممAAا تقتضAAيه
األسAAباب العاديAAة أو ال تقتضAAيه ،فAAإن لAAه قAAدراً قّ AAدره هللا سAAبحانه عليAAه،
وارتباطات مع غيره من الموجودات ،واتصاالت وجودية مع ما سواه ،هلل
سبحانه أن يتوسل منها اليه وإن كانت األسباب العادية مقطوعة عنAAه غAAير
مرتبطة بAAه إال أن هAAذه االتصAاالت واالرتباطAات ليسAAت مملوكAة لألشAياء
أنفسها حتى تطيع في حال وتعصى في أخAAرى بAAل مجعولAAة بجعلAAه تعAAالى
مطيعة منقادة له.
فاآليAAة تAAدل على أنّAAه تعAAالى جعAAل بين األشAAياء جميعهAAا ارتباطAAات
ي وجAAه شAAاء وليس هAAذا نفيAا ً واتّصاالت له أن يبلغ إلى كّ Aل مAAا يريAAد من أ ّ
للعليّة والسبيّة بين األشياء بل إثبات أنّها بيد هللا سبحانه يح ّولها كيف يشAAاء
وأراد
ففي الوجAAAود AعليّAAAة وارتبAAAاط حقيق ّي بين كAAAل موجAAAود ومAAAا تق ّدمAAAه من
الموجAAAودات المنتظمAAAة غAAAير أنهAAAا ليسAAAت على مAAAا نجAAAده بين ظAAAواهر
فAAإن اآليAAة األولى وكAAذا بقيAAة اآليAAات تAAدل على أن االشAAياء تAAنزل من
ساحة اإلطالق لمرحلة التعين والتش ّخص بتقدير منه تعAAالى وتحديAAد يتق ّ Aدم
على الشيء ويصاحبه ،وال معنى لكون الشيء محAAدوداً AمقAAدراً في وجAAوده
إالّ أن يتحدد ويتعيّن بجميع روابطه التي مع سائر الموجAAودات والموجAAود
المادي مرتبط بمجموعة من الموجودات المادية األخرى التي هي كالقالب
الذي يقلب به الشيء ويعين وجوده Aويح ّدده Aويقّ Aدره فمAا من موجAAود مAادي
إالّ وهو متقدر مرتبط بجميAAع الموجAودات الماديAAة الAتي تتق ّدمAه وتصAAاحبه
فهو معلول آلخر مثله ال محالة.
ويمكن أن يستدل أيضا ً على ما م ّر
1سورة الحجر .21 /
2سورة القمر .49 /
3سورة الفرقان 2 /
4
سورة األعلى .3 /
5
سورة الحديد.22 /
صفحة45............................................................................................
(سورة المؤمن .)62 بقوله تعالى :ذلكم هللا ربكم خالق كل شيء.
وقولAAه تعAAالى :مIIا من دآبIIة إال هIIو آخIIذ بناصIIيتها Iإن ربي على صIIراط
مستقيم( .سورة هود )56 /
للتفكير لAAدى اإلنسAAان الAAذي يمتلAAك القAAدرة على التفكAAير وفهم قAAانون العلّAAة
أن لكّ Aل حادثAAة علّAAة وهAAو السAAبب في تبAAادر
والمعلول Aالعا ّم الذي يثبت لنAAا ّ
مفهAAوم (لمAAاذا) في الAّ Aذهن AالبشAAري ،ولAAو لم يتعAرّف الAAذهن AالبشAAري على
مفهوم العلّة Aوالمعلول العا ّم ولم يذعن لقانون العلّية لم يكن ليخطر في ذهنه
مفهوم (لماذا؟ (
هذه الـكلمة( Aلماذا) هي األساس لك ّل العلAAوم واألفكAAار البشAAرية والAAتي
دفعت اإلنسان للبحث عن الجذور Aوالنتائج لهAAذا العAAالم وحوادثAAه المختلفAAة.
ان جميع العلوم Aالبشرية انعكاس لقانون العلّية ،ولAAو ُسAلب وبعبارة اُخرىّ ،
فان هذه العلوم Aسوف تفقد محتوياتها كلّها. هذا القانون من البشر ّ
Aإن الفلسAAفة أيضAا ً سAAوف تAAتزعزع بكّ Aل وكذلك Aلو فقدنا قانون العلّية فّ A
فان العلوم واألفكار والفلسفة مبنيّة على هذا القانون. فروعها ،وعليه ّ
ان برهAAان العلّAة
بعد ايضاح Aهذه المق ّدمات نرجع إلى أصل برهAان العلّيAAة .فنقAولّ :
والمعلول في الحقيقة مبن ّي على أساسين هما:
1ـ ّ
ان العالم الذي نعيش فيه حادث و ممكن الوجود.
2ـ كّ AAل موجAAود حAAادث وممكن الوجAAود يجب أن ينتهي إلى واجب
الوجود A،وبعبارة اُخرى يجب أن تنتهي الوجودات Aاالرتباطية إلى الوجAAود
المستق ّل.1
1
.اُصول الفلسفة3 :ج ـ ص .175مع تصرف في النص.
صفحة47............................................................................................
الفصل الثالث
نجد في كل هذا ان قبول النظم بداللة االلتزام يؤيّد النظام المبAAني على
العلّة والمعلول A.والقبول بحجة العلة والمعلول A،قبول بسندية العقل.
االرتباط بين العلة والمعلول
لما كان للموجAAود الممكن علّAAة تفيض عليAAه الوجAAود AوالتحقAAق كحقيقAAة
االنسان مثالً ،فإنها في ح ّد ذاتها مفتقرة إلى علة توجدها ،فإن وجدت علتها
وجAAدت هي معهAAا وإالّ فال ،وال يختلAAف حAAول هAAذه المسAAألة اثنAAان ،وهAAذا
فإن كAAل عاقAAل سAAويٍّ يُ A
Aذعن المعنى هو المستفاد من أصل العلية ،ومن هنا ّ
بأن لكل مصنوع صانعا ً ولكّ Aل مخلAAوق خالقAا ً ولكAAل معلAAول علّAAة ،فمAAا دام ّ
الموجود Aفي ذاته مفتقراً في وجوده وتحققه فالبد وأن يكون مرتبطا ً بسAAبب
أفاض عليه الوجود Aوالتحقق ،وال شك أيضا ً في وجود عالقة بين المعلAAول
وعلّته المفيضة له بالوجود AوالتحقAAق ،وإنمAAا ال ُم ِه ّم في هAAذا المجAAال معرفAAة
نمط هذه العالقة وسAرّها ،وعلى هAAذا ذكAAرت نظريAAات مختلفAAة ،وهي كمAAا
يلي:
1ــ نظرية الوجود
وقAAد ذهب إلى هAAذه النظريAAة جمAAع من الفالسAAفة المAAا ّديين حيث أ ّكAAدوا
أن س َّ Aر العالقAAة بين المعلAAول والعل Aة Aيكمن في كونAAه موجAAوداً ،فكAAل
على ّ
أن لكAAل موجود محكوم عليه باالرتبAAاط بعلAAة وجAAوده ،وألجلAAه أكAAدوا على ّ
موجود موجوداً ،ونسAAي هAؤالء ان الموجAAود Aإذا كAان في وجAوده AغنيAا ً فال
معAAنى الرتباطAAه بعلAAة تفيض عليAAه الوجAAود وتمنحAAه الغAAنى ،وإنمAAا يحتAAاج
الشيء إلى علة الوجود إذا كان في ذاته مفتقرا الى الوجود ،كمAAا سAAنتحدث
عنه في جواب اإلشكاالت ان شاء هللا.
ومن هنا ذهب اإللهيون الى القAAول باسAAتغناء هللا عن علAAة الوجAAود ،اذ
إنAAه غAAني فال معAAنى لفAAرض ارتباطAAه بعلAAة توجAAده AوتمنحAAه الغAAنى اذ هAAو
تحصيل للحاصل ،وتحصيل الحاصل باطل كما يقولون.
2ــ نظرية الحدوث
وهذه Aالنظرية منسوبة الى علماء الكالم ،ومفادها هAAو ان س ّ Aر ارتبAAاط
المعلول بعلّته حدوثAه ،فكAل حAادث محتAاج في حدوثAه الى علّAة الحAدوث،
صفحة50............................................................................................
الخاتمة
الشّبهات واإلشكاالت والر ّد عليها
من خالل أبحاثنا المتقدمة اتّضح لنا ّ
أن عالقAAة السAAببيّة في هAAذا العAAالم
صة فقط في الظواهر الما ّديّة بAAل تمتّ Aد لتشAAمل الظAAواهر المعنويَّة ليست خا ّ
Aإن القAAرآن يثبت عالقAAة السAAببية بين هAAذا العAAالمأيضاً .وإضافة على هAAذا فّ A
أن مجال العليّة في القرآن واسع ج ّداً بحيث والعالم اآلخر ،ومن هنا نعرف ّ
ال يمكن إدراك Aسعتها عند أكثر الناس.1
وعندئ ٍAذ يطرح أمامنا أسئلة واشكاالت فالبد من الجواب عليها:
االشكال األول
كيف يمكن الجمع بين اآليات ال ّدالة Aعلى العليّAAة والمعلولي Aة AوآيAAة (كن
فيكون)؟
فآية (كن فيكون) تقول بجرّد أن يقول هللا (كن) ّ
فإن المخلAAوق AيوجAAد،
إن وجAAود مخلAAوق مAAا يتوقّAAف على مجموعAAة من بينما هذه اآليAAات تقAAولّ :
األسباب والشروط ،فهل يكون وجود اإلنسان بAأمر هللا من دون أن يتAAدخل
ي شيء آخر ،أم لألشياء األخرى دخل في ذلك؟A أ ّ
الجواب
ّ
إن في جميع هذه الموارد توجد عالقة المعلول بالفاعل الذي منه
الوجود A،فوجود أي موجود Aمع جميع ظروفه الوجودية وعالقاته
بالموجودات األخرى كلّها مفاضة من قبل هللا سبحانه وتعالى وليس لدينا
أي موجود آخر يمنح المجود ،ولكن هذا ال ينفي أن يكون هناك مخلوق
يتوسط في انتقال صفة أو أثر ،وكل ما لدى المخلوق فهو من هللا.
قال تعالى :يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى هللا وهللا هو الغني الحميد.2
إذن آية (كن فيكون) ناظرة إلى ناحية إفاضة الوجود.
وأما اآليات التي تص ّرح باألسباب المادية فهي تذكر العالقات السAAائدة Aبين
الظواهر ،والAAتي تAAؤدي إلى تعيُّنهAAا وتش ّخصAAها ،أي إنAAه ال يمكن تشّ Aخص
األشياء المادية بدون هذه األمAAور ،فمثالً عنAAدما هللا إيجAAاد انسAAان مAAاد ّ
ي ال
مجرّد:
قال :منها خلقناكم وفيها نعيدكم.1
فإن فرض مثل هذا الموجود Aهو فرض للما ّدة التي يخلAAق منهAAا ،وهAAو
فرض لألسباب والشروط Aالتي توفّر إمكانية وجودهA.
مثال :إذا أراد هللا لشAAخص أن يصAAبح والAAداً AفمعنAAاه ّ
أن وجAAود الولAAدA
أن له علة ما ّدية.مرتبط بوجود الوالد ،فوجود الولد Aيعني ّ
وهAAذه AالشAAروط ال تتعلAAق بتAAأثير هللا ،وإنمAAا هي شAAروط لتحقAAق هAAذه
إن االنسان الذي يريد أن يوجد على الظاهرة التي تكتسب وجودها من هللاّ .
األرض ال بد أن تكون هناك أرض حتى يوجد عليها ،فهذا شرط للمخلAAوق
وليست هي شروطا ً لفعل هللا.
أ ّما ما نجده أحيانAا ً في كالم بعض الفالسAAفة من ّ
{أن هAAذه الماهيAAة لهAAا
هذا المقدار من االستعداد ال أكAAثر} فهم يقصAAدون بAAه هAAذا المعAAنى ،أي ّ
أن
هAذا الموجAAود AلAو لم تكن لAه هAذه العالقAAات بAAالموجودات األخAAرى فإنAه ال
يتشخص.
ولتقريب هذا إلى الذهن Aنذكر هذا المثال:
ّ
وتجف ،فهذه تص ّوروا في أذهانكم شجرة تغرس وتنمو وتثمر ثم تذبل
الشجرة التي تص ّورتموها قد غرست في األرض وامتصت الماء
واستفادت من أشعة الشمس ،فأورقت وأزهرت وأثمرت ،فهل بين
األرض والشجرة Aالمتص ّورة توجد عالقة؟ نعم بالتأكيد ،فلو لم نتص ّور
أرضا ً لما نمت الشجرة ،وكذا Aبينها وبين الحرارة والماء و ...ولكن هذه
األسباب جميعا ً متحققة بإرادتكم ،والعالقة التي بين الشجرة واألرض
والشمس المتصورة Aلم تمنع من توقف الشجرة على إرادتكم ،فلو لم تكونوا
أنتم لم توجد هي ،فهي أسباب مرتبة طولياً.
1سورة طه :اآلية .55
صفحة54............................................................................................
الحياة على البدن والحياة ذاتية لها ،فال تزال الحياة تنش أ منه ا على الب دن
الذي هو جسم ميّت في ذاته حيّ بالنفس مادام صالحا ً إلفاضة الحياة عليه
منها ،فإذا فسد صلوحه لقبول الحياة تخلّت عنه وارتحلت.
وأما نس بة اإليج اد إلى المؤلِّف والم ر ِّكب (بالكس ر فيهم ا) كالب ّن اء لل دار
والكاتب للخط ،والخيّاط للثوب ،فهي مغالطة نشأت من عدم الفرق بين ما
بالذات وما بالعرض ،وأخذ ما ليس بعلّة علّة ،فإن أكثر ما يظ ّنون ه ف اعالً
ليس بفاعل في الحقيقة ،وذلك كاألب لألوالد والزارع للزرع ،فليست هذه
ونحوها عِ َلالً مفيدة لوجود ما ينسب إليه ا ،ب ل إنم ا هي مع ّدات من جه ة
تسببها وعلل ب العرض ال بال ذات ،والمعطي للوج ود في ه ذه المعل والت
هو هللا تعالى كما أشار إليه بقوله تعالى:
(أفرأيتم ما ُتمنون ءأنتم َتخلقو َنه أ ْم َنحنُ الخالقون)1
فما يسمّيه الجمهور فاعال ليس إال ّ مُباشر الحركات ومبدأ التغ يرات،
وأما فاعل الصور ومعطي الوجود فهو الحق ّ
عز اس مه ال ش ريك ل ه في
خلقه بل إن شئت فقل في كل معلول وعلّة وفي كل فعل وفاعل حتى فيم ا
قيل أ ّنه علّة ذاتية كالن ار :إن الفاع ل ال ذي يفيض الوج ود ومن ه الوج ود
وواهب الصور هو هللا وحده ال غيره.
االشكال الرابع
ربّما يقال االلتزام بعمومية خالقيّته تعالى (عليَّته) لك ّل شيء يسAAتلزم إسAAناد
تنزهه سبحانه من ك ّل قبح وشين. قبائح األفعال إليه تعالى ،وهذا ينافي ُّ
أن لألفعال جهتين ،جهة الثبوت والوجAAود ،وجهAAة اسAAتنادها إلى والجوابّ :
فواعلها بالمباشرة ،فعنوان الطّاعة Aوالمعصية ينتزع من الجهة الثانية ،وما
يسAAتند إلى هّللا تعAAالى هي الجهAAة األولى ،واألفعAAال بهAAذا اللحAAاظ متّصAAفة
بالحسن والجمال ،أي الحسن التكويني.
1
سورة الواقعة .59-58
صفحة57............................................................................................
وبعبارة أُخرى :عنوان الحسن والقبح المنطبق على األفعAAال الصAAادرة Aعن
فاعل شاعر مختار ،هو الذي يدركه العقAAل العملي بلحAAاظ مطابقAAة األفعAAال
ألحكAAام العقAAل والشAAرع وعAAدمها ،وهAAذا الحسAAن والقبح يرجAAع إلى الفاعAAل
المباشر للفعل .أصل وجود Aالفعل يسAAتند إلى هّللا تعAAالى وينتهي إلى إرادتAAه
سبحانه ،والفعل بهذا االعتبار ال يتّصف بالقُبح ،فإنّه وجود AوالوجAAود خAAير
وحسن في ح ّد ذاته.
قال تعالى :الَّ ِذي أَ ْح َ
س َن ُك َّل ش َْي ٍء َخلَقَهُ.
وقال تعالى :هّللا ُ خالِ ُ
ق ُك ِّل ش َْيء
فك ّل شيء كما انّAAه مخلAAوق ،حسAAن ،فالخلقAAة والحسAAن متصAAاحبان ال ينفّ A
ك
أحدهما عن اآلخر أصالً.
فالنظام الذي يتألّف من سلسلة العل ل والمعل والت يك ون قائم ا ً باهلل تع الى
دون أن يتمتع بأيّ استقالل ذاتي واستغناء عنه حدوثا ً وبقاء ذاتا ً وفعالً.
اإلنسان بأنَّ الكتاب العزيز يعترف ب أنَّ واإلمعان في اآليات الكريمة يفهم ِ ِ
اإلمكاني نظام األسباب والم َُسبَّبات ،وأ ّنه يرى أيضا ً بأنّ ك ّل م ا ك ّل نظام ِ
في ه ذه الحي اة من س ماء وك واكب وأرض وجب ال وص حراء وبح ر،
وعناصر ومعادن ،وسحاب ورعد وبرق وصاعقة ،ومطر وبرد ،ونب ات
وشجر ،وحجر وحيوان وإنسان ،وغيرها من الموجودات غير مستقلّة في
التأثير ،وإنّ كل ما ينتسب إليه ا من اآلث ار ليس ت ل ذوات ه ذه األس باب،
ألنه هو الذي أعطى لألسباب سببيّتها وللعل ل علّيته ا ،وا ّنم ا ينتهي ت أثير
هذه المؤثرات إلى هللا سبحانه وتعالى ،فألج ل ذل ك ينس ب الفع ل الواح د
إلى هللا سبحانه وفي الوقت نفسه إلى غيره من دون أن يكون هناك تض ا ّد
في النسبة
اإلنس ان مثالً نِسبة الفعل إلى هللا سبحانه إشارة إلى الجانب التسبيبي وإلى ِ
إشارة إلى الجانب المباشِ ري
كقول ه تع الىَ ﴿:و َم)))ا َر َم ْي َت ْإذ َر َم ْي َت َو َلكِنّ هّللا َ َر َمى ﴾(س ورة األنف ال:
(17فهو يصف النبي األَعظم صلى هللا عليه وآله وس لم ب الرّ مي وينس به
إلي ه حقيق ة ويق ول" :إذ رميت" ،لك ّن ه يص ف هللا س بحانه بأن ه ال رامي
الحقيقي.
وال يعني أيضا ً اثبات أصل العليّة والمعلولية في عالم الوجود كون خ الق
وط ب إذن تأثير ك ِّل ظاهرة ما ّدية في مثلها من ٌ َ عز وجلّ؛ ألنّ آخر غير هللا ّ
وس َببيّته كالهم ا من مظ اهر المش يئة اإللهي ة ،فاهلل هللا ،ووج ود الس بب َ
سبحانه هو الذي أعطى النور ،والضوء للش مس والقم ر ،وإذا أراد َس ْل َبه
ثان.
عنهما فعل ذلك دون مانع ومنازع ،ولهذا كان الخالق الوحيد بال ٍ
وقد أيّد القرآن الكريم قانون العليّة ونظام السببية في الكون
كيف َيشاء)
ماء َ س ُط ُه فِي َ
الس ِ سحابا ً َف َي ْب ُالرياح فتثي ُر َ
َ كما قال هللاُ ( :يرسل ُ
صفحة59............................................................................................
وس ْوقها.
ب َت اآلي ُة المذكورة بتأثير الرياح في تحريك السحا ِ
صرَّ َح ِ
فقد َ
ان جري ان ه ذه العل ل واالس باب والمس ببات في ع الم الم ادة ال يع ني
استقاللها في االيجاد والعلية ،بل ان هللا تعالى هو الذي أوجد تلك القوانين
والسنن في عالم المادة وجعلها حاكمة وجارية فيه .فالشمس واله واء إنم ا
يؤثران في ظهور النبات والم اء في نموه ا ،ولكن ب إذن هللا تع الى وأنه اّ
انعكاسات للسنن االلهية في الوجود.
وآخر دعوانا أن الحمد هلل ربّ العالمين اللهم ص ّل على سيّدنا ونبيّنا
محمد وآله ما اختلف الملوان وتعاقب العصْ ران وكرّ الجديدان واستقبل
الفر قدان وبلّغ روحه وأرواح أهل بيته م ّنا التحية والسالم.