You are on page 1of 59

‫صفحة‪1............................................................................................

‬‬

‫ال مانع من نقل معلومات هذه الرساالت مع ذكر المصدر‪،‬‬


‫مقررات جامعة‬
‫ونشرها في البالد‪ ،‬منوط برعاية ّ‬
‫المصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم العالمية‬
‫صفحة‪2............................................................................................‬‬

‫الشكر والتقدير‬
‫أش كر جامع ة المص طفى العالمي ة أدامه ا هللا من ارة للعلم وحص نا منيع ا ً‬
‫لعلوم أهل البيت عليهم السالم‬
‫‪.‬‬

‫كما ال يسعني أن أغفل عن أشكر قسم الفلسفة والعرفان االسالمي‬


‫الذين تعلمت على أيديهم وانتفعت من علمهم‪ ،‬فجزاهم هللا عني خير‬
‫الجزاء‪ .‬وأعترف لذو الفضل بفضلهم‪ ،‬ال يسعني في هذا المقام إالّ أن أتقدم‬
‫بجزيل الشكر وعظيم االمتنان إلى كل من كانت له يد في إخراج هذا‬
‫البحث على هذه الصورة‪ A‬النهائية‪.‬‬
‫وأخص بالشكر واالمتنان أستاذي فضيلة الشيخ ال دكتور خال د سيس اوي‪،‬‬
‫الذي أشرف على هذه الرسالة ولم يأل جهداً في تقديم التوجي ه واإلرش اد‪،‬‬
‫فجزاه هللا عني ك ّل خير‪.‬‬
‫كما وأتقدم بجزيل الشكر الى كل من أسهم في انجاز هذه الرس الة‪ ،‬وك ان‬
‫له فضل عليّ بالمساعدة وتذليل الصعوبات‪.‬‬

‫فهرس المطالب‬
‫صفحة‪3............................................................................................‬‬

‫فهرس المواضع‬
‫الشكر والتقدير‪2................................................................‬‬
‫المقدمة ‪6.........................................................................‬‬
‫بيان الموضوع‪8................................................................A‬‬
‫أهمية البحث‪8...................................................................‬‬
‫سبب اختيار هذا الموضوع ‪9.................................................‬‬
‫منهج البحث ‪9...................................................................‬‬
‫السؤال األصلي واألسئلة الفرعية‪9..........................................‬‬
‫السابقة الدراسية للموضوع‪10...............................................A‬‬
‫خطة البحث ومنهجيَّته‪10.....................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬كليات البحث ‪12..............................................‬‬
‫تعريف العلة والمعلول‪13.....................................................‬‬
‫العلة لغة‪13......................................................................‬‬
‫تعريف العلة اصطالحا ً‪13....................................................‬‬
‫العلة عند علماء الطبيعة وعند اإللهيين ‪14.................................‬‬
‫أقسام العلة عند الحكماء ‪14...................................................‬‬
‫التقسيم األول‪ :‬تقسيم العلة الى ما بالذات وما بالعرض‪15...............‬‬
‫التقسيم الثاني‪ :‬العلة التامة والناقصة‪15................................... .‬‬
‫التقسيم الثالث‪ :‬تقسيمها الى العلل األربعة‪15..............................‬‬
‫‪1‬ــ العلة الفاعلية‪15............................................................‬‬
‫‪2‬ــ العلة الغائية ‪16.............................................................‬‬
‫‪3‬ــ العلة المادية‪16.............................................................‬‬
‫‪4‬ــ العلة الصورية‪17..........................................................‬‬
‫التقسيم الرابع العلة المنحصرة وغير المنحصرة‪17......................‬‬
‫صفحة‪4............................................................................................‬‬

‫التقسيم الخامس‪ :‬العلة المباشرة وغير المباشرة‪18.......................‬‬


‫التقسيم السادس‪ :‬العلة الداخلية والخارجية‪18..............................‬‬
‫التقسيم السابع‪ :‬العلة البسيطة والمركبة ‪18.................................‬‬
‫التقسيم الثامن‪ :‬العلة الحقيقية والمعدة‪19....................................A‬‬
‫التقسيم التاسع‪ :‬العلة مع الواسطة وبال واسطة‪19.........................‬‬
‫التقسيم العاشر‪ :‬المقتضي والشرط‪20.......................................A‬‬
‫مفاد قاعدة العلّيّة‪20............................................................‬‬
‫أثر العلية في التكامل الوجودي‪ A‬لإلنسان‪22................................‬‬
‫اآلراء والنظريات الكالمية والفلسفية حول العلية والمعلولية‪23........‬‬
‫الفرق بين العلة والمعلول‪25................................................. A‬‬
‫الفصل الثاني‪26................................................................‬‬
‫مفهوم العلة‪ A‬والمعلول‪27......................................................A‬‬
‫فلسفة العلة والمعلول‪28.......................................................A‬‬
‫حقيقة العليَّة والمعلوليَّة في القرآن الكريم‪30...............................‬‬
‫فلسفة العلية والمعلولية‪ A‬من القرآن ‪32.......................................‬‬
‫العليّة المادية ‪32................................................................‬‬
‫اآليات التي تدل على التأثير المادي‪34.....................................‬‬
‫‪1‬ــ عليَّة الماء‪34...............................................................‬‬
‫‪2‬ــ عليّة المالئكة ‪34...........................................................‬‬
‫‪3‬ــ علية الشياطين‪35..........................................................‬‬
‫‪4‬ــ عليّة اإلنسان‪36............................................................‬‬
‫الأعمال السيئة لإلنسان سبب الفساد بنظر القرآن‪37.....................‬‬
‫موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلّية‪38..................................‬‬
‫تصديق القرآن لقانون العلية العامة‪39......................................‬‬
‫صفحة‪5............................................................................................‬‬

‫إثبات القرآن لما يخرق العادة‪40.............................................‬‬


‫عالقة العليّة التكوينيّة‪45......................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪47................................................................‬‬
‫أصل العلية قواعد للفكر العقالني‪48........................................‬‬
‫االرتباط بين العلة والمعلول ‪49..............................................‬‬
‫‪1‬ــ نظرية الوجود‪49..........................................................A‬‬
‫‪2‬ــ نظرية الحدوث‪49.........................................................‬‬
‫‪3‬ــ نظرية اإلمكان الوجودي‪( A‬الماهوي)‪50...............................‬‬
‫التّعاصر بين العلّة والمعلول‪50..............................................A‬‬
‫ال ِّس ْنخيّة بين العلة والمعلول‪50...............................................A‬‬
‫الخاتمة ‪52.......................................................................‬‬
‫ال ّشبهات واإلشكاالت والر ّ‪A‬د عليها ‪52.......................................‬‬
‫االشكال األول‪52...............................................................‬‬
‫الجواب‪52.......................................................................A‬‬
‫االشكال الثاني ‪54..............................................................‬‬
‫االشكال الثالث ‪55..............................................................‬‬
‫االشكال الرابع ‪56..............................................................‬‬
‫صلنا إليها من خالل هذا البحث‪58....................‬‬ ‫أه ُّم النتائج التي تو ّ‬
‫صفحة‪6............................................................................................‬‬

‫المقدمة‬
‫الحم‪AA‬د هلل رب الع‪AA‬المين والص‪AA‬الة‪ A‬والس‪AA‬الم على س‪AA‬يدنا ونبين‪AA‬ا محم‪AA‬د‬
‫المصطفى وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين‪.‬‬
‫نظ‪AA‬راً إلى أن مس‪AA‬ألة العلي‪AA‬ة والمعلولي‪AA‬ة هي من أه ّم وأق‪AA‬دم المس‪AA‬ائل‬
‫الفلسفيّة التي ذكرت في جميع المنظومات الفلسفية‪ ،‬وح‪AA‬تى الق‪AA‬رآن الك‪AA‬ريم‬
‫نفسه يقبل‪ ،‬بل يعترف بقانون العلية والمعلولية‪ ،‬والعقل أيضا يد ّل بوضوح‬
‫على أن الموج‪AA‬ودات‪ A‬اإلمكاني‪AA‬ة هي معلول ‪A‬ة‪ A‬فله‪AA‬ا عل‪AA‬ة توج‪AA‬دها‪ ،‬ل‪AA‬ذلك‪ A‬إن‬
‫اإلمعان في اآليات الكريمة يدفع كل إنس‪AA‬ان إلى الق‪A‬ول ب‪AA‬أن الق‪A‬رآن المجي‪AA‬د‬
‫يثبت بأن النظام اإلمكاني نظام األسباب والمسببات‪ ،‬فإن المتأمل في الذكر‬
‫ك في أن الق‪AA‬رآن كث‪AA‬يراً ّم‪AA‬ا يس‪AA‬ند آث‪AA‬اراً إلى الموض‪AA‬وعات‬ ‫الحكيم ال يش‪ّ AA‬‬
‫ّ‬
‫كالس‪A‬ماء وكواكبه‪AA‬ا ونجومه‪AA‬ا‪،‬‬ ‫الخارجية واألشياء الواقع‪AA‬ة في دار الم‪AA‬ا ّدة‪،‬‬
‫واألرض وجباله‪AA‬ا وبحاره‪AA‬ا وبراريه‪AA‬ا وعناص‪AA‬رها ومعادنه‪AA‬ا‪ ،‬والس‪AA‬حاب‬
‫والرع‪AA‬د وال‪AA‬برق‪ A‬والص‪AA‬واعق والم‪AA‬اء واألعش‪AA‬اب واألش‪AA‬جار والحي‪AA‬وان‪A‬‬
‫واإلنسان‪ ،‬إلى غير ذلك‪ A‬من الموضوعات الواردة في الق‪AA‬رآن الحكيم‪ ،‬فمن‬
‫أنكر إسناد القرآن آثار تلك األشياء إلى أنفسها فإنما ينكره بلس‪AA‬انه فق‪AA‬ط ألن‬
‫قلبه مطمئن بخالفه بدون أيِّ ترديد‪.‬‬
‫وال يعني ذلك أن في الكون أكثر من خالق أصيل واحد‪ A‬غير هللا الحق‬
‫إن جمي‪AA‬ع الموج‪AA‬ودات اإلمكانيّ‪AA‬ة مخلوق‪AA‬ة هلل الواح‪AA‬د‬‫تب‪AA‬ارك وتع‪AA‬الى‪ ،‬ب‪AA‬ل ّ‬
‫القهار‪ ،‬وما يتّبعه‪A‬ا من األفع‪A‬ال واآلث‪AA‬ار‪ ،‬ح‪A‬تى اإلنس‪A‬ان وم‪AA‬ا يص‪A‬در من‪AA‬ه‪،‬‬
‫أن الكون‬‫مستندة إليه سبحانه وتعالى بال مجاز وشائبة عناية‪ ،‬وغاية األمر ّ‬
‫وجميع ما فيه مخلوق له عز وجل إ ّما بالمباشرة أو بالتسبيب‪.‬‬
‫ففي ه‪AA‬ذا البحث فص‪AA‬ول ثالث‪AA‬ة بع‪AA‬د المقدم‪AA‬ة‪ ،‬ثم في المرتب‪AA‬ة األخ‪AA‬يرة‬
‫خاتمة البحث والجواب عن بعض اإلشكاالت وشبهاتها‪.‬‬
‫أما المقدمة تناولنا فيها أه ّم المسائل التي ينبغي على الب احث ذكره ا قب ل‬
‫ال ّدخول في مباحث ومطالب بحثه وموض وعه‪َ .‬ك َبي ان الموض وع‪ ،‬وذك ر‬
‫ما هي أهمية هذا البحث وسبب اختيار هذا الموضوع‪ ،‬ومنهجه و‪...‬‬
‫صفحة‪7............................................................................................‬‬

‫وأما الفصل األول‪ ،‬فك ان عب ارة عن مجموع ة من المبحث التمهيدي ة من‬


‫قبيل‪ :‬البحث عن تعريف بعض مفردات الموضوع وذكر أقسام العلة عن د‬
‫الحكماء وبيان أهميّة العليّة وأثرها في التكامل الوجودي لإلنس ان‪ ،‬وذك ر‬
‫اآلراء والنظريات الكالمية والفلسفية حول العلية والمعلولية وبيان الف رق‬
‫بينهما‪ ،‬وإلى غير ذلك‪.‬‬
‫وأما الفصل الث))اني فق د اختصّ البحث في ه ح ول مفه وم العل ة والمعل ول‬
‫وبيان فلسفتها وحقيقتها في القرآن الكريم وعالقتها التكوينية وذك ر بعض‬
‫اآليات القرآنية التي تدل على التأثير المادي‪ ،‬وبيان أمور اُخرى‪.‬‬
‫وأم))ا الفص))ل الث))الث‪ ،‬فق د تناولن ا في ه أنّ أص ل العلي ة هي قواع د للفك ر‬
‫العقالني‪ ،‬وبيان ماهي االرتباط بين العلة والمعلول ثم التعاصر والس نخية‬
‫الموجودين بين العلة والمعلول‪.‬‬
‫وأما الخاتمة ‪ ،‬فقد تطرقنا فيها الى ذكر بعض الشبهات واإلشكاالت والرد‬
‫عليها وذكر أهم النتائج التي توصلنا إليها من خالل هذا البحث‪.‬‬
‫صفحة‪8............................................................................................‬‬

‫بيان الموضوع‬
‫من المسائل ال‪AA‬تي اهت ّم به‪AA‬ا الق‪AA‬رآن الك‪AA‬ريم وال‪ِّ A‬دين‪ A‬اإلس‪AA‬المي الح‪AA‬نيف‬
‫وأ ّكد عليه‪ ،‬هو مسألة العليّة والمعلوليّة‪ A‬وطالما تكرّرت أص‪AA‬ل ه‪AA‬ذه اآلي‪AA‬ات‬
‫في القرآن الكريم م‪A‬رّات عدي‪AA‬دة‪ ،‬وذل‪A‬ك‪ A‬ألهميّته‪AA‬ا ولكن لألس‪AA‬ف الش‪AA‬ديد‪ A‬لم‬
‫تفهم المسألة (العلية والمعلولي‪A‬ة) فهم‪A‬ا ً ص‪A‬حيحا عن‪A‬د كث‪A‬ير من الن‪A‬اس‪ ،‬ب‪A‬ل‬
‫فهمت فهما ً سطحياً‪ ،‬حيث يفهم‪AA‬ه البعض كم‪AA‬ا يفهم‪AA‬ه الع‪AA‬وام من الن‪AA‬اس‪ ،‬إذ‬
‫يرون العليّة والمعلوليّة تنافي التوحي‪AA‬د في الخالقيّ‪AA‬ة‪ .‬ويس‪AA‬تلزم أيض‪A‬ا ً إس‪AA‬ناد‬
‫والس‪A‬بب في ذل‪AA‬ك يع‪AA‬ود إلى ع‪AA‬دم فهم الق‪AA‬رآن‬ ‫ّ‬ ‫قبائح األفع‪AA‬ال إلى هللا تع‪AA‬الى‬
‫المجيد وعدم فهم توحيد الخالقية‪.‬‬
‫سما ِء ما ًء فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِم َن الثَّ َمرا ِ‬
‫ت ِر ْزقا ً لَ ُك ْم‪.‬‬ ‫قال تعالى‪َ :‬وأَ ْن َز َل ِم َن ال َّ‬
‫ومن خالل هذا البحث سوف نسعى بع‪AA‬ون هللا تع‪AA‬الى إلى بي‪AA‬ان مفه‪AA‬وم‬
‫العلي‪AA‬ة والمعلولي ‪A‬ة‪ A‬في نظ‪AA‬ر الق‪AA‬رآن الك‪AA‬ريم‪ ،‬ومن ثم التعري‪AA‬ف على م‪AA‬دى‬
‫أهمية هذه المسألة في بناء عقيدة االنسان المسلم وتوحيده في الخالقيّة ل‪AA‬دى‬
‫الفرد والمجتمع في جميع شؤونهم‪.‬‬

‫أهمية البحث‬
‫ان السببية قاعدة من قواعد العلم والمعرفة‪ ،‬فهي أصل المعرفة ولبّها‪،‬‬
‫به‪AA‬ا تنض‪AA‬بط حي‪AA‬اة الن‪AA‬اس في ش‪AA‬تّى مجاالته‪AA‬ا المختلف‪AA‬ة عقي‪AA‬دة وس‪AA‬لوكا‪،‬‬
‫وبفسادها تفسد التص ّورات والتصديقات والمعارف والعلوم‪.‬‬
‫ان كلية هذه القاعدة‪ A‬تختصر كثيرا من تك‪A‬رار التجرب‪AA‬ة م‪A‬رة بع‪A‬د اُخ‪A‬رى‬
‫مما ييسر الكشف التصديقي على ظاهره فيما يستقبل من الزمان‪.‬‬
‫وان س‪AA‬قوط ق‪AA‬انون العلي‪AA‬ة في الك‪AA‬ون ــ بس‪AA‬بب الفهم الخ‪AA‬اطئ ــ يخ‪AA‬ل‬
‫بالنظريات العلمية في ميادين البحث والتجرب‪AA‬ة‪ ،‬وبالت‪AA‬الي يتع‪AA‬ذر الوص‪AA‬ول‬
‫ي حقل من الحقول‪.‬‬ ‫الى تكوين نظريات علمية ثابتة في أ ّ‬
‫صفحة‪9............................................................................................‬‬

‫سبب اختيار هذا الموضوع‬


‫أما سبب اختيارنا لهذا الموضوع فيرجع الى عدة نقاط وهي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬رغبتن ا الحقيقي ة في التع رّ ف على حقيق ة العلي ة والمعلولي ة في‬
‫واقعهما‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬تصحيح بعض األفهام المغلوطة لحقيقة العلية والمعلولية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بيان م ا ينبغي على اإلنس ان اعتق اده لكي يص ل الى معرف ة حقيق ة‬
‫وفق المعايير القرآن الكريم‪.‬‬

‫منهج البحث‬
‫اعتمدنا في تحقيق بحثنا ه‪AA‬ذا المنهج التوص‪AA‬يفي والتحليلي ال‪AA‬ذي يق‪AA‬وم‬
‫على أس‪AA‬اس جم‪AA‬ع اآلي‪AA‬ات بموض‪AA‬وع العلي‪AA‬ة والمعلولي ‪A‬ة‪ A‬والقي‪AA‬ام بع‪AA‬د ذل‪AA‬ك‬
‫بعرض‪AAA‬ها وتحليله‪AAA‬ا عن طري‪AAA‬ق نق‪AAA‬ل آراء الحكم‪AAA‬اء والمتكلمين وآراء‬
‫التفسيريَّة لعلماء المسلمين‪ ،‬بما يرتبط بها وقبول بعضها ومناقش‪AA‬ة بعض‪AA‬ها‬
‫وفق المعايير وقواعد وأصول البحث العلمي‪.‬‬

‫السؤال األصلي واألسئلة الفرعية‬


‫السؤال األصلي‪:‬‬
‫ماهي شواهد‪ A‬العلية والمعلولية‪ A‬في القرآن الكريم؟‬
‫األسئلة الفرعية‪:‬‬
‫ما معنى العلية والمعلولية لغة واصطالحا؟‬
‫ما هو مفهوم العلية والمعلولية؟‬
‫هل القرآن الكريم يقبل بقانون العلية والمعلولية؟‬
‫كيف وظف القرآن الكريم أصل العلية في المسائل العقدية؟‬
‫ما هو الجواب على الشبهات واالشكاالت المطروحة؟‬
‫صفحة‪10............................................................................................‬‬

‫السابقة الدراسية للموضوع‬


‫ال يخلو من كتب التفسير والفلسفة والكالم عن بسط البحث ح‪AA‬ول ه‪AA‬ذا‬
‫المفهوم القرآني (العلية) ألنها تشكل بنية أساسية التي تقوم على أس‪AA‬اس من‬
‫عقائد اإلنسان‪ ،‬ولكونها م‪AA‬ذكوراً في كث‪AA‬ير من اآلي‪AA‬ات ال‪AA‬ذكر الحكيم وعلى‬
‫سبيل المثال ال حظوا هذه اآلية المباركة التي تقول‪:‬‬
‫(‪...‬إِنَّ اللَّهَ الَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)‪ .1‬يريد أن‬
‫‪#‬رض‬ ‫‪ #‬اهلل‪ ،‬ولكن اهلل لم يف‪#‬‬ ‫‪#‬إرادة‬ ‫‪#‬ائر ب‪#‬‬ ‫يقول بأنه‪ :‬ال شك أن كل المص‪#‬‬
‫‪#‬الهم‪ ،‬وال‬
‫‪#‬ر وإرادتهم وأعم‪#‬‬ ‫المصير على البشر مما وراء اختيار البش‪#‬‬
‫يعمل عمال عبثا‪ ،‬بل إن للمصائر نظاما أيضا‪.‬‬
‫وعليه فال يخلو واحد من ه‪##‬ذه البح‪##‬وث والدراس‪##‬ات القرآني‪##‬ة‬
‫والكالمية والفلسفية عن التحدث وبيان الضابطة في تش‪##‬خيص العلي‪##‬ة‬
‫‪ #‬والسعي وراء بيان حقيقتها ولكن الذي يميز بحثنا ه‪##‬ذا عن‬ ‫والمعلولية‬
‫بقية البحوث المفصلة في هذا العنوان‪ A،‬هو طبيعة عرض وتبويب األبحاث‬
‫التي نراها مه ّمة في هذا المجال‪ ،‬هذا أوالً وثانيا ً بيان المب‪AA‬احث والمط‪AA‬الب‪A‬‬
‫الخاص‪AA‬ة ب‪AA‬ه بلغ‪AA‬ة يس‪AA‬هل على الجمي‪AA‬ع فهمه‪AA‬ا ودركه‪AA‬ا فهي بعي‪AA‬دة عن‬
‫التعقي‪AA‬دات اللفظي‪AA‬ة واالص‪AA‬طالحية ال‪AA‬تي ق‪AA‬د يعس‪AA‬ر على عام‪AA‬ة الن‪AA‬اس فهم‬
‫ودرك مغزاها‪.‬‬

‫خطبة البحث ومنهجيَّته‬


‫لقد قمنا بتقسيم البحث الى مقدمة وثالثة فصول وخاتمة‪.‬‬
‫فأما المقدمة تناولنا فيها أهم المسائل التي ينبغي على الباحث ذكرها قب ل‬
‫الدخول في مباحث ومطالب بحثه وموضوعه‪.‬‬
‫وأما الفصل األول‪ ،‬فك ان عب ارة عن مجموع ة من المبحث التمهيدي ة من‬
‫قبيل‪ :‬البحث عن تعري ف بعض مف ردات الموض وع وبي ان أهمي ة العلي ة‬

‫سورة الرعد‪.11:‬‬ ‫‪1‬‬


‫صفحة‪11............................................................................................‬‬

‫وأثرها في التكامل الوجودي لإلنسان‪ ،‬وذكر اآلراء والنظري ات الكالمي ة‬


‫والفلسفية حول العلية والمعلولية وبيان الفرق بينهما‪.‬‬
‫وأما الفصل الثاني فقد اختصّ البحث في ه ح ول حقيق ة العلي ة والمعلولي ة‬
‫في القرآن الكريم وبيان فلسفتها وعالقتها التكوينية‪.‬‬
‫وأما الفصل الثالث‪ ،‬فقد تناولنا فيه االرتباط بين العلة والمعلول‪.‬‬
‫وأما الخاتمة ‪ ،‬فقد تطرقنا فيها الى ذكر بعض الشبهات والرد عليها وذكر‬
‫أهم النتائج التي توصلنا إليها من خالل هذا البحث‪.‬‬
‫صفحة‪12............................................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬كليات البحث‬

‫تعريف العلة والمعلول‬


‫العلة عند علماء الطبيعة وعند اإللهيين‬
‫أقسام العلة عند الحكماء‬
‫مفاد قاعدة العلّيّة‬
‫أثر العليّة في التكامل الوجودي‪ A‬لإلنسان‬
‫اآلراء والنظريّات الكالميّة والفلسفيّة حول العليّة والمعلوليّة‬
‫الفرق بين العلّة والمعلول‪A‬‬
‫صفحة‪13............................................................................................‬‬

‫تعريف العلة والمعلول‪I‬‬


‫العلة لغة‬
‫يظهر من النظر في أقوال اللغويين‪ A‬أن مادة ( َعلَّ) تأتي لثالثة معان‪:‬‬
‫‪A‬ل‪ ،‬والفع‪AA‬ل يَعُلُّون‪.‬‬
‫األول‪ :‬ال َعلَل وهي الشربة الثاني‪AA‬ة‪ ،‬ويق‪AA‬ال‪َ :‬علَ‪ٌ A‬ل بع‪AA‬د نَ ْه‪ٍ A‬‬
‫‪A‬احبَه عن وجْ ه‪AA‬ه‪،‬‬ ‫ث يَش َغل ص‪ِ A‬‬ ‫العلَّة َح َد ٌ‬
‫والثاني‪ :‬العائق يَعوق‪ ،‬قال الخليل‪ِ :‬‬
‫ويقال‪ :‬اعتلَّه عن كذا أي إعتاقه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬العلة‪ :‬المرض وصاحبها ُم ْعتَ ّل‪ .‬قال ابن األعرابي‪ :‬ع َّل المريض‬
‫العلَل‪ .‬ومن هذا الباب وهو باب‬ ‫يَ ِعلُّ ِعلَّة فهو َعلِيلٌ‪َ ،‬‬
‫ور ُج ٌل ُعلَلَة‪ ،‬أي كثير ِ‬
‫وص ُغر جسمه‪.‬‬ ‫الضَّعف؛ ال َع ّل من الرجال‪ :‬ال ُم ِس ّن الذي تضاءل َ‬
‫وقال ابن األعرابي‪ :‬ال َع ّل الضعيف من كبر أو مرض‪.1‬‬
‫وصيغة الصفة من العلة بمعنى المرض‪ :‬معتل كم‪AA‬ا س‪AA‬بق وه‪AA‬و من اعت‪A‬لَّ‪.‬‬
‫والعلة‪ A‬بالكسر الم‪AA‬رض‪ .‬ع‪َّ A‬ل يَ ِع‪ A‬لُّ واعت‪A‬لَّ‪ ،‬وأعلّ‪A‬ه‪ A‬هللا‬ ‫وقال الفيروز بادي‪ِ :‬‬
‫فهو ُم َع ّل وعليل‪ ،‬وال تقل‪ :‬معلول‪ .‬والمتكلم‪AA‬ون يقولونه‪AA‬ا ولس‪AA‬ت من‪AA‬ه على‬
‫ثَلَج‪.2‬‬
‫وذك‪AA‬ر ابن منظ‪AA‬ور كلم‪AA‬ة "معل‪AA‬ول" بمع‪AA‬نى المص‪AA‬اب بالعل‪AA‬ة‪ ،‬ثم ق‪AA‬ال‪:‬‬
‫والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول‪ A‬في مثل هذا كثيراً‪.‬‬

‫تعريف العلة اصطالحا ً‬


‫العلة‪ :‬هي ما يؤثر في غيره‪.‬‬
‫المعلول‪ :‬هو األثر الحادث عن العلة‪.‬‬
‫وبمعنى آخر‪:‬‬
‫العلة‪ :‬هي القوة الفاعلة والمؤثرة‪ A‬في غيرها‪.‬‬
‫المعلول‪ :‬هو األثر المترتب على تلك العلة والناتج عنها‪.‬‬

‫معجم مقاييس اللغة ‪4/12‬ــ ‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫القاموس المحيط ‪.4/21‬‬ ‫‪2‬‬


‫صفحة‪14............................................................................................‬‬

‫العلة عند علماء الطبيعة وعند اإللهيين‬


‫إن العلة في مصطلح علماء (يعني في مصطلح الطبيعيات) تختلف‬ ‫ّ‬
‫قليالً عن العلة في مصطلح االلهيات والعلماء االلهيين‪.‬‬
‫فالعلة من وجهة نظر العلم اإللهي – أي الذي نسميه حاليا بالفلسفة –‬
‫عبارة عن الموجد‪ ،‬فالفالسفة إنما يجعلون الشيء علة لشيء آخ‪AA‬ر فيم‪AA‬ا إذا‬
‫كان ذلك الشيء موجداً له‪ ،‬وإال لم يكن عل‪A‬ةً‪ ،‬ب‪AA‬ل ه‪AA‬و م‪AA‬ا ي‪AA‬د عون‪AA‬ه أحيان‪AA‬ا‬
‫بالمع ّد‪.‬‬
‫أما العلة من وجهة نظ‪II‬ر علم‪II‬اء الطبيعة ه‪AA‬و ك‪AA‬ل ارتب‪AA‬اط بين ش‪AA‬يئين‬
‫ولوك‪AA‬ان على نح‪AA‬و التحري‪AA‬ك والتح‪AA‬رك‪ ،‬وعلي‪AA‬ه يك‪AA‬ون البن‪AA‬اء في مص‪AA‬طلح‬
‫علماء الطبيعة علة للبيت‪ ،‬ألنه صار س‪A‬ببا ً لبن‪A‬اء ال‪A‬بيت عن طري‪A‬ق سلس‪A‬لة‬
‫أن العلماء اإللهيين ال يرون البنّاء علة للبيت أب‪AA‬داً‪ ،‬ألن‪AA‬ه‬
‫من التغييرات‪ ،‬إالّ ّ‬
‫لم يوجد البيت إذ كانت مواد البيت موجودة‪ A‬سابقا ً وما ق‪AA‬ام المعم‪AA‬ار ب‪AA‬ه ه‪AA‬و‬
‫مجرد ترتيب هذه المواد‪ A‬بشكل مخصوص‪ ،‬وهكذا األب واألم بالنس‪AA‬بة إلى‬
‫الولد‪ A،‬فإنهما عل‪AA‬ة في مص‪AA‬طلح علم‪AA‬اء الطبيع‪AA‬ة فيحين أنهم‪AA‬ا في مص‪AA‬طلح‬
‫الفالسفة مقدمة ومع ّد ومنفّذ‪.1‬‬

‫أقسام العلة عند الحكماء‬


‫إن تعلّق موجود بموجود آخر يمكن تصوره بأشكال مختلفة مثالً‬
‫وجود الكرس ّي متعلّق من ناحية بالخشب الذي يصنع منه‪ ،‬ومن ناحية‬
‫والفن الذي يتمتّع به‬
‫ّ‬ ‫اُخرى بالن ّجار الذي يَصنعه‪ ،‬ومن ناحية ثالثة بالعلم‬
‫النجار‪ ،‬وبالدافع الذي لديه أيضا ً لصناعته‪ .‬لذا‪ A‬أحكام العلل‪ A‬بأجمعها كثيرة‬
‫وليست أيضا متشابهة وعلى هذا قسَّم حكماء الفالسفة والمتكلمون‪ A‬العلة‬
‫بحسب موردها إلى عدة أقسام وفق اعتبارات مختلفة نذكر منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬مدخل الى العلوم اإلسالمية ص‪ .153/‬مع قليل من التصرف في النص‪.‬‬


‫صفحة‪15............................................................................................‬‬

‫التقسيم األول‪ :1‬تقسيم العلة الى ما بالذات وما بالعرض‬


‫العلة الذاتية‪ :‬وهي التي تفيض وجود المعلول‪.‬‬
‫العل‪II‬ة ب‪II‬العرض‪ :‬هي ال‪AA‬تي تق‪AA‬رب المعل‪AA‬ول من العل‪AA‬ة‪ ،‬وتس‪AA‬مى بالعل‪AA‬ة‬
‫المع‪AA‬دة؛ اي ال‪AA‬تي تُ ِع‪ّ AA‬د المح‪AA‬ل ال فاض‪AA‬ة المعل‪AA‬ول‪ ،‬ك‪AA‬األب واالم بالنس‪AA‬بة‬
‫ألبنائهما‪.‬‬

‫التقسيم الثاني‪ :‬العلة التامة والناقصة‪.‬‬


‫العل‪II‬ة التامة‪ :‬هي العل‪AA‬ة المس‪AA‬توفية لجمي‪AA‬ع ش‪AA‬رائط العلي‪AA‬ة‪ ،‬من وج‪AA‬ود‬
‫المقتضي ووجود الشرط وانعدام الم‪AA‬انع‪ .‬وهي تقتض‪AA‬ي بالض‪AA‬رورة وج‪AA‬ود‬
‫المعلول‪ ،‬وال ينفك وجودها عن وج‪A‬وده‪ A،‬كالب‪A‬اري تع‪A‬الى بالنس‪A‬بة للعق‪A‬ول‪،‬‬
‫وتسمى بالعلة الموجبة للمعلول‪A.‬‬
‫العلة الناقصة‪ :‬فهي العلة الفاقدة لبعض أركان العلية‪ ،‬فهي ج‪AA‬زء العل‪AA‬ة‪،‬‬
‫وهي تتخل‪AA‬ف عن معلوله‪AA‬ا كالن‪AA‬ار مثال‪ ،‬فإنه‪AA‬ا وإن ك‪AA‬انت تقتض‪AA‬ي اح‪AA‬راق‬
‫الورق بذاتها؛ ولكن بشرط اتص‪AA‬الها ب‪AA‬ه وع‪AA‬دم كونه‪AA‬ا مرطوب‪AA‬ا‪ ،‬فهي عل‪AA‬ة‬
‫ناقصة‪ ،‬غير موجبة؛ اذ المعلول يتقوم بعلته التام‪AA‬ة ـ ال الناقص‪AA‬ة ـ ح‪AA‬دوثا‬
‫وبقاء‪.‬‬

‫التقسيم الثالث‪ :‬تقسيمها الى العلل‪ I‬األربعة‬


‫‪1‬ــ العلة الفاعلية‬
‫وهي العلة الحقيقية لوجود المعلول‪ ،‬وهي منحصرة في الب‪AA‬اري تع‪AA‬الى‪،‬‬
‫وأم‪A‬ا س‪A‬ائر الموج‪A‬ودات ـ ك‪A‬العقول ـ فهي ش‪A‬رائط ومع‪A‬دات للفيض‪ ،‬وق‪A‬د‬
‫تسمى علة فاعلية مج‪AA‬ازاً كالنج‪AA‬ار للكرس‪AA‬ي؛ ول‪AA‬ذلك يقول‪AA‬ون‪ :‬ال م‪AA‬ؤثر في‬
‫الوجود‪ A‬بالذات إالّ هللا تعالى النحصار االيجاد الحقيقي في‪AA‬ه‪ .‬وق‪AA‬د قُ ّس‪A‬م ه‪AA‬ذه‬
‫إلى عدة أقسام وهي‬

‫‪ 1‬مبادئ الرؤية الكونية ص‪.67/‬‬


‫صفحة‪16............................................................................................‬‬

‫‪ ‬الفاعل بالطبع‪:‬‬
‫وهو الذي يصدر عنه الفعل بال علم وال إرادة‪ ،‬ولكن بنحو يناس‪AA‬ب طبع‪AA‬ه‪،‬‬
‫كالنار حيث تص‪AA‬در عنه‪AA‬ا الح‪AA‬رارة بال ش‪AA‬عور أو إرادة‪ ،‬وكس‪AA‬ائر أعض‪AA‬اء‬
‫اإلنسان الداخلية‪.‬‬
‫‪ ‬الفاعل بالقسر‪:‬‬
‫وهو الذي يصدر عنه فعله بال علم وال إرادة‪ ،‬ولكن على خالف طبع‪AA‬ه‪،‬‬
‫كالحجر الذي يُرمى به إلى أعلى‪.‬‬
‫‪ ‬الفاعل بالجبر‬
‫وهو الذي يصدر عنه الفعل بعلم‪AA‬ه‪ ،‬ولكن ال بإرادت‪AA‬ه‪ ،‬كاإلنس‪AA‬ان المك‪AA‬ره‬
‫على فعل خالف إرادته‪.‬‬
‫‪ ‬الفاعل بالقصد‬
‫وهو الفاعل بعلمه وإرادته‪ A‬كاإلنسان‪.‬‬

‫‪2‬ــ العلة الغائية‬


‫يوجد المعلول‪ ،‬كالب‪A‬اري تع‪A‬الى فإن‪AA‬ه الغاي‪A‬ة ألفعالن‪A‬ا‪ ،‬أو‬
‫وهي التي ألجلها َ‬
‫كالجلوس على الكرسي للن ّجار أو البيت للسكنى‪.‬‬

‫‪3‬ــ العلة المادية‬


‫وهي المادة بالنسبة الى الجسم المركب منها ومن الصورة‪ A،‬فإن لوج‪AA‬ود‬
‫الجسم توقّفا على المادة بالضرورة‪.‬‬
‫فالما ّدة ليست من علل الصدور للجس‪A‬م‪ ،‬وإنم‪A‬ا هي من عل‪AA‬ل الق‪A‬وام ال‪A‬تي‬
‫يكون بها الشيء هو هو بالقوة‪ .‬وهي مختصة باألجسام المادية‪.‬‬
‫فالعلة المادية هي منشأ انفعال جميع الموج‪AA‬ودات‪ A‬المادي‪AA‬ة‪ ،‬كاألجس‪AA‬ام أو‬
‫المتعلقة بالمادة ك‪A‬النفوس‪ ،‬وبالتّ‪AA‬الي فهي منش‪A‬أ لحركته‪A‬ا التكاملي‪AA‬ة في ه‪A‬ذه‬
‫صفحة‪17............................................................................................‬‬

‫النشأة المادية‪ ،‬ومنشأ الخير والبركة لها‪ ،‬ولكنّها من ناحية أخرى قد تك‪AA‬ون‬
‫منشأ للشرور والفقدان‪A.‬‬

‫‪4‬ــ العلة الصورية‬


‫فإن لوجوده‪A‬‬‫وهي الصورة‪ A‬بالنسبة إلى الجسم المركب منها ومن المادة‪ّ ،‬‬
‫توقّفا على الصورة‪ A‬بالضرورة‪ .‬فهي أيضا ً من علل الماهية الداخلي‪AA‬ة‪ ،‬ال‪AA‬تي‬
‫يكون بها الشيء هو هو بالفعل‪.‬‬
‫أن الجسم يحتاج في وجوده‪ A‬إلى أربعة أصناف من العلل‪A‬‬ ‫ومما تقدم يتبيّن ّ‬
‫وهي‪ :‬العلة‪ A‬الفاعلية والغائية والمادية والصورية‪.‬‬
‫أ ّما األعراض البسيطة فإنها ال تحتاج في وجودها إالّ إلى العل‪A‬ة‪ A‬الفاعلي‪A‬ة‬
‫والغائي‪AA‬ة والموض‪AA‬وع ال‪AA‬ذي تح‪AA‬ل في‪AA‬ه‪ ،‬وال تحت‪AA‬اج في وجوده‪A‬ا‪ A‬إلى العل‪AA‬ة‬
‫المادية والصورية‪ ،‬وك‪AA‬ذا النفس الناطق‪AA‬ة فإنه‪AA‬ا مس‪AA‬تغنية عن العل‪AA‬ة المادي‪AA‬ة‬
‫والصورية‪ ،‬نعم تحتاج إلى العلة الفاعلية والغائية والبدن ال‪AA‬ذي تتعل‪AA‬ق ب‪AA‬ه‪،‬‬
‫وأما العقول فال تحتاج في وجوده‪AA‬ا إالّ إلى العلي‪AA‬ة الفاعلي‪AA‬ة‪ ،‬وهي ال‪AA‬واجب‪A‬‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وإلى العلة الغائية‪.‬‬
‫وهذه العلل‪ :‬االولى والثانية تس‪AA‬مى بالعل‪AA‬ل الخارجي‪AA‬ة أو عل‪AA‬ل الص‪AA‬دور‪،‬‬
‫والثالثة والرابعة تسمى العلل الداخلية أو علل القوام‪ ،‬التي يكون بها الشيء‬
‫صة باألجسام المادية‪.‬‬ ‫هو هو بالقوة‪ ،‬وهي مخت ّ‬

‫ومن جهة اُخرى يمكن تقسيم العلة الى‪:‬‬


‫علة بسيطة‪ :‬كالمجرد التام هللا ج ّل وعال‪ ،‬والجواهر‪ A‬العقلية‪.‬‬
‫علة مركبة‪ :‬هي علل لها أجزاء مختلفة‪ ،‬مثل العلل‪ A‬المادية‪.‬‬
‫صفحة‪18............................................................................................‬‬

‫التقسيم الرابع‪ :‬العلة المنحصرة وغير المنحصرة‪.‬‬


‫ومن ناحية رابع‪AA‬ة‪ ،‬تنقس‪AA‬م العل‪AA‬ة إلى قس‪AA‬مين وهم‪AA‬ا‪ :‬العل‪AA‬ة المنحص‪AA‬رة‬
‫وغير المنحصرة‪ .‬إن المعلول‪ A‬إن لم يمكن وج‪AA‬وده‪ A‬إالّ بعل‪AA‬ة واح‪AA‬دة‪ A‬ال ب‪AA‬ديل‬
‫أن أب‪AA‬اه عل‪AA‬ة ال ب‪AA‬ديل له‪AA‬ا في‬‫لها‪ ،‬كما لو تصور الطف‪AA‬ل انطالق‪AA‬ا من جهل‪AA‬ه ّ‬
‫رعايته والعناية به‪ ،‬فإن العلة في مثل هذه الحالة تسمى بالعلة المنحص‪AA‬رة‪.‬‬
‫وأما لو أمكن وجود‪ A‬المعلول بعلل متعددة‪ ،‬تستقل ك‪AA‬ل واح‪AA‬دة‪ A‬عن األخ‪AA‬رى‬
‫في ايج‪AA‬اده ك‪AA‬النور ال‪AA‬ذي يمكن تحقق‪AA‬ه بالش‪AA‬مس كم‪AA‬ا يمكن تحقق‪AA‬ه بالش‪AA‬معة‬
‫المتقدة أو بالمصباح المتوهج أو بالنار المشتعلة‪ ،‬فإنها تسمى حينئ‪AA‬ذ بالعل‪AA‬ة‬
‫على البدل‪.‬‬
‫التقسيم الخامس‪ :‬العلة المباشرة وغير المباشرة‬
‫ومن ناحة خامسة فإن العلة إم‪AA‬ا أن ت‪AA‬ؤثر في معلوله‪AA‬ا من دون توس‪AA‬ط‬
‫شيء بينها وبينه فتسمى العلة ب (العلة المباشرة)‪.‬‬
‫ّ‬
‫بتوس‪A‬ط واس‪AA‬طة‪ A‬فتس‪AA‬مى العل‪AA‬ة‬ ‫وإما أن يكون تأثير العل‪AA‬ة في معلوله‪AA‬ا‬
‫حينها ب (العلة غير المباشرة)‪ ،‬فالن ّجار يصنع السرير بأدوات ‪A‬ه‪ A‬كالمنش‪AA‬ار‬
‫مثالً‪ ،‬فالمنشار علّة مباشرة في صنع السرير والنجار علة غير مباشرة في‬
‫صنعه له‪.‬‬
‫التقسيم السادس‪ :‬العلة الداخلية والخارجية‬
‫ومن ناحية سادسة فإن العلة قد تكون داخلية وهي التي توجد في‬
‫المعلول وال تنفصل عنه كمادة الخشب التي هي علة للسرير‪ ،‬فإنها في‬
‫نفس الوقت الذي تكون فيه علةً ماديةً‪ ،‬هي داخلية‪ A‬ايضا ً باعتبارها داخلة‬
‫ضمن المعلول‪ A‬الذي هو السرير‪.‬‬
‫بخالف النجار فإنه علة خارجية بالنسبة للسرير باعتباره خارجا ً عن‬
‫وجوده وحدوده‪A.‬‬
‫صفحة‪19............................................................................................‬‬

‫التقسيم السابع‪ :‬العلة البسيطة والمركبة‬


‫ومن ناحية سادسة فإن العلة إما أن تكون بسيطة كوجود هللا األقدس‬
‫الذي هو علة في مخلوقاته‪ ،‬فإنه تعالى غير مركب من أجزاء فهو بسيط‬
‫كما أثبته العلماء في كتبهم الكالمية والفلسفية‪.‬‬
‫وإما أن تكون مركبة من أجزاء كوسائط النقل التي تنقل المسافرين‬
‫من مكان إلى آخر‪ ،‬فإنها مركبة من أجزاء وقطع تشكل بمجموعها علة‬
‫‪1‬‬
‫واحدة في تحقيق المعلول‪ A‬وهو نقل المسافرين‪.‬‬
‫التقسيم الثامن‪ :‬العلة الحقيقية والمعدة‬
‫ومن ناحية ثامنة فإن كل علة يكون المعلول‪ A‬متوقفا عليها بحيث يزول‬
‫المعلول بزوالها تسمى بالعلة الحقيقية نظير ما تقوم به النفس من ابداع‬
‫في عالم الذهن‪ ،‬كنسجها لصور مدن كبيرة وعمارات عمالقة‪ ،‬بعد رؤيتها‬
‫لمدن وعمارات أصغر منها بكثير‪ ،‬إنها تشابهها وتسانخها من حيث‬
‫المظهر والشكل‪A.‬‬
‫وكل علة ال يكون المعلول‪ A‬متوقفا عليها‪ ،‬بل لها دخل في حصول‬
‫االستعداد لوجود‪ A‬المعلول تسمى بالعلة المعدة‪ ،‬نظير ما يجمعه اإلنسان‬
‫من صور ومعان حسية عن طريق الحواس‪ A‬الخمسة ثم نقلها إلى الدماغ‬
‫وما يجري في هذا المجال من فعل وتفاعل‪ ،‬كل هذا يُ َع ُّد مقدمة لتحقق‬
‫إدراك النفس لتلك الصور‪ A‬والمعاني الحسية‪ ،‬فالنفس علّة حقيقية لإلدراك‪A‬‬
‫وما سواها من علل تعتبر معدة لذلك‪ A،‬ليس إالّ‪.2‬‬

‫‪3‬‬
‫التقسيم التاسع‪ :‬العلة مع الواسطة وبال واسطة‬
‫إن تأثير اإلنسان مثالً في حركة يده يمكن اعتبارها علّة بال واسطة‪،‬‬
‫وتأثيره في حركة القلم الذي يمسك به بين أصابعه يعتبر علّة مع واسطة‬
‫واحدة‪ ،‬وفي الكتابة الناتجة من ذلك‪ A‬يعتبر علّة مع واسطتين‪ ،‬وفي المعنى‬
‫الذي ينطبع في ذهن السامع أو القارئ يعتبر علّة مع عدة وسائط‪.‬‬
‫‪ 1‬نافذة على الفلسفة ص ‪.75‬‬
‫‪ 2‬نافذة على الفلسفة ص ‪.75‬‬
‫‪ 3‬منهج الجديد في تعليم الفلسفة ج‪ 2/‬ص ‪.12‬‬
‫صفحة‪20............................................................................................‬‬

‫‪1‬‬
‫التقسيم العاشر‪ :‬المقتضي والشرط‬
‫أحيانا ً يتوقف وجود‪ A‬المعلول من العلة على وجود حالة أو كيفية‬
‫خاصّة‪ ،‬وفي هذه الصورة‪ A‬تس ّمى العلة ب(المقتضي) أو (السبب)‪ ،‬وتسمى‬
‫الحالة أو الكيفية الالزمة ب(الشرط)‪.‬‬
‫وأحيانا يطلق الشرط‪ A‬على الشيء المؤ ّدي إلى وجود الحالة المذكورة‪A‬‬
‫كما يس ُّمون عدم المانع من التأثير ب (الشرط العدم ّي)‪.‬‬
‫وتنقسم الشروط إلى فئتين‪:‬‬
‫إحداهما شرط فاعلية الفاعل‪ ،‬أي الشيء الذي ال يستطيع الفاعل‬
‫بدونه أن يُنجز عمله‪ ،‬وفي الواقع فهو مك ِّمل لفاعليَّته‪ ،‬مثل تأثير العلم في‬
‫أفعال اإلنسان االختياريّة‪.‬‬
‫واألُخرى شرط قابليَّة الفاعل‪ ،‬أي الشيء الذي الب ّد من تحققه في‬
‫المادة حتى تصبح مؤهّلة الستقبال كمال جديد من الفاعل‪ ،‬كما في الجنين‬
‫صة حتى تنفخ الروح فيه‪.‬‬ ‫فإنه الب َّد أن تتوفّر فيه شروط خا ّ‬

‫مفاد قاعدة العلّيّة‬


‫العلية هي التوقف الوجودي‪ ،‬وأما المراد من قاعدة أو أصل العلية فه‪AA‬و‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن الممكن يحتاج في وجوده‪ A‬إلى من يخرجه من الع‪AA‬دم إلى الوج‪AA‬ود‪ ،‬أو إن‬
‫الممكن يحتاج في وجوده إلى من يخرجه عن حد االستواء‪.‬‬
‫وه‪AA‬ذا‪ A‬أص‪AA‬ل عقلي ب‪AA‬ديهي؛ ألن الش‪AA‬يء ال يخ‪AA‬رج نفس‪AA‬ه من الع‪AA‬دم إلى‬
‫الوجود‪ A،‬وال عن حد االستواء إلى أحد الط‪AA‬رفين‪ ،‬وإال أص‪AA‬بح فاق‪AA‬داً واج‪AA‬داً‬
‫من جهة واحدة‪.‬‬
‫فال‪AA‬ذي يتوق‪AA‬ف علي‪AA‬ه الش‪AA‬يء في وج‪AA‬وده يس‪ّ AA‬مى العل‪AA‬ة‪ ،‬وذل‪AA‬ك الش‪AA‬يء‬
‫المتوقِف وجو ُدهُ‪ A‬على العلة يسمى معلول‪.‬‬
‫‪ 1‬منهج الجديد في تعليم الفلسفة ج‪ 2/‬ص ‪13‬‬
‫صفحة‪21............................................................................................‬‬

‫إذن أصل العليّة هو عبارة عن قضية تدل على حاجة المعلول إلى العلة‪،‬‬
‫وال يوجد موجود في عالمنا هذا يتّصف بالمعلوليَّة وقد جاء من دون عل‪AA‬ة‪،‬‬
‫أن هناك علة أوجدته‪ .‬ويمكن بيان هذا الموض‪AA‬وع في‬ ‫فالمعلول كاشف عن ّ‬
‫قالب القضية الحقيقية بهذه الصورة‪ :‬كل معلول فإنه يحتاج إلى علّة‪.‬‬
‫وهذه القضية من القضايا التحليلية التي يس‪AA‬تخرج مفه‪AA‬وم المحم‪AA‬ول‪ A‬فيه‪AA‬ا‬
‫ألن مفه‪AA‬وم المعل‪AA‬ول‪ A‬عب‪AA‬ارة عن موج‪AA‬ود يتوق‪AA‬ف‬ ‫من مفه‪AA‬وم الموض‪AA‬وع؛ ّ‬
‫وج‪AA‬وده على موج‪AA‬ود آخ‪AA‬ر ويحت‪AA‬اج إلي‪AA‬ه‪ ،‬وبدون‪AA‬ه ال يمكن أن يحم‪AA‬ل ه‪AA‬ذه‬
‫الصفة‪ .‬إذن مفهوم الموض‪AA‬وع‪ A‬يش‪AA‬تمل على مع‪AA‬نى التوق‪AA‬ف واالحتي‪AA‬اج إلى‬
‫العلة الذي يشكل محمول القض‪AA‬ية الم‪AA‬ذكورة‪ .‬ومن هن‪AA‬ا فهي من الب‪AA‬ديهيات‬
‫ي دلي‪AA‬ل وبره‪AA‬ان‪ ،‬ب‪AA‬ل يكفي تص‪AA‬ور الموض‪AA‬وع‬ ‫االولي‪AA‬ة المس‪AA‬تغنية عن أ ّ‬
‫والمحمول للتصديق‪ A‬بها‪.‬‬
‫ولكن هذه القض‪AA‬ية ال ت‪AA‬دل على وج‪AA‬ود المعل‪AA‬ول في الخ‪AA‬ارج‪ ،‬وال يمكن‬
‫اثب‪AA‬ات ان في الع‪AA‬الم الخ‪AA‬ارجي موج‪AA‬وداً يحت‪AA‬اج إلى العل‪AA‬ة‪ّ ،‬‬
‫ألن القض‪AA‬ية‬
‫الحقيقية في حكم القضية الشرطية‪ ،‬وهي بذاتها ال تُثبت وج‪AA‬ود موض‪AA‬وعها‬
‫في الخارج‪ ،‬وإنما غاية ما تدل عليه هو أنه إذا‪ A‬تحق‪AA‬ق في الخ‪AA‬ارج موج‪AA‬ود‬
‫بوصف المعلولية‪ A‬فالبد أن تكون له علة‪.‬‬
‫وام‪AA‬ا العلم بمص‪AA‬اديق العل‪AA‬ة والمعل‪AA‬ول‪ A‬ـ ع‪AA‬دا م‪AA‬ا ي‪AA‬درك منه‪AA‬ا ب‪AA‬العلم‬
‫الحضوري‪ -‬ليس بديهيا ً ويحتاج إلى برهان‪ ،‬فالب‪ّ A‬د أوال من تع‪AA‬يين ص‪AA‬فات‬
‫العل‪AA‬ة والمعل‪AA‬ول‪ A،‬وبتطبيقه‪AA‬ا على الموج‪AA‬ودات الخارجي‪AA‬ة يمكن تش‪AA‬خيص‬
‫مصاديق العلة‪ A‬والمعلول‪ A‬بينها‪.‬‬
‫وه‪AAA‬ذا الق‪AAA‬انون واألص‪AAA‬ل ليس بق‪AAA‬انون ش‪AAA‬امل يع ّم الوج‪AAA‬ودين‪ A‬الممكن‬
‫والواجب‪ ،‬كما تصور بعض فالسفة الغرب وظنوا أنهم يستطيعون مناقشة‬
‫براهين اثبات وجود‪ A‬الباري سبحانه وتعالى بحسب هذا االصل‪ ،‬وانما ه‪AA‬ذا‬
‫الق‪AA‬انون مختص بع‪AA‬الم االمك‪AA‬ان‪ ،‬وأم‪AA‬ا هللا س‪AA‬بحانه وتع‪AA‬الى فه‪AA‬و مس‪AA‬بب‬
‫األسباب وال سبب له‪ ،‬فهو واجب الوجود‪ A‬الذي وجوده عين ذاته وهو العلة‬
‫صفحة‪22............................................................................................‬‬

‫االولى‪ ،‬وبم‪A‬ا أن‪A‬ه ليس بمعل‪A‬ول‪ A‬فه‪A‬و عن خ‪A‬ارج ه‪A‬ذا االص‪A‬ل تخصص‪A‬ا ال‬
‫‪1‬‬
‫تخصيصا كما يعبرون‪.‬‬

‫أثر العلية في التكامل الوجودي لإلنسان‬


‫ألجل توضيح وفهم قيام نظام الخلق على أساس العلّية ننظر ما قاله أم ير‬
‫المؤمنين وسي ُد الوصيين عليٌّ ابن أبي طالب ـ عليه الس الم ـ‪َ :‬و ُك) ل ُّ َق))ائِم‬
‫فِي سِ َواهُ َم ْعلُول ٌ‪.‬‬
‫لقد فهمن ا م ّم ا ج اء في كالم اإلم ام علي ه الس الم أنّ ع الم الخل ق ونظ ام‬
‫الوجود ق ائم على أس اس نظ ام العل ة والمعل ول‪ ،‬يق ول االم ام عليّ علي ه‬
‫السالم‪َ :‬و ُك ُّل َقائِم فِي سِ َواهُ َمعْ لُولٌ‪.‬‬
‫أي أنّ ك ّل موجود غير هللا هو معلول‪ ،‬وأنّ هللا هو العلة‪ ،‬وبنا ًء على هذا‬
‫ف إنّ ه ذا البحث المعم ق المط روح في دائ رة اإللهي ات يج د قيمت ه في‬
‫منظور أمير المؤمنين عليه السالم المنطوي على أنّ ك ّل موجود فه و إ ّم ا‬
‫علة وإمّا معلول‪.‬‬
‫فنظام الوجود هو نظام العلّية‪ ،‬والموجود الّذي يكون عين ذاته‪ ،‬ه و العل ة‬
‫المحض ة‪ ،‬أ ّم ا الموج ودات ال تي ال يك ون وجوده ا عين ذاته ا فهي‬
‫موجودات معلولة ال محالة‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا فإنّ لإلمام عليّ عليه السالم استدالالت يستنكر فيها وجود‬
‫الو ْي ُل لِ َمنْ ‪ ‬أَ ْن َك َر‬
‫بناء من غير بانٍّ وفعل من غير فاعل يقول عليه السالم‪َ :‬ف َ‬
‫ْال ُم َق ِّد َر‪َ ،‬و َج َحدَ ْالمُدَ بِّر‪.‬‬
‫هللا‪َ ،‬و ُه َو َي َرى َخ ْل َق‬ ‫ك فِي ِ‬ ‫ويق ول علي ه الس الم أيض اً‪َ :‬و َع ِجب ُ‬
‫ْت لِ َمنْ َش َّ‬
‫‪2‬‬
‫هللا‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪ 1‬المنهج الجديد في تعليم الفلسفة ج‪ 2/‬ص ‪ 24‬مع فارق من النص‪.‬‬


‫‪ 2‬شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪18/275 :‬‬
‫صفحة‪23............................................................................................‬‬

‫أي إ ّن ني ألعجب ممن ينك ر هللا وه و ي رى خلق ه‪ ،‬وكي ف ينك ر اإلنس ان‬
‫الخالق وهو يرى الخلق؟ والخلق موج ود ال يمتل ك وج وده والب ّد ل ه من‬
‫خالق ومن مُوجد‪.‬‬
‫أمّا إذا كان وجود الخلق عين ذاته فلماذا كان مسبوقا ً بالعدم؟‬
‫ولماذا يتعرض للفناء؟‬
‫إنّ ما يكون مسبوقا ً بالعدم وما يؤول إليه ال يمكن أن يك ون وج وده ملك ا ً‬
‫له‪ ،‬وإذا كان ك ذلك فإ ّن ه محت اج إلى مفيض يفيض الوج ود علي ه‪ ،‬وله ذا‬
‫عجب اإلمام عليه السالم ممنْ رأى الخلق وأنك ر الخ الق ولم ي ؤمن باهلل‪،‬‬
‫وقول اإلمام عليّ عليه السالم هذا ه و في الحقيق ة نفس قول ه تع الى‪ :‬أفي‬
‫هللا شك فاطر السماوات واألرض‪.1‬‬

‫اآلراء والنظريات الكالمية والفلسفية حول العلية‬


‫والمعلولية‬
‫يوج‪AA‬د آراء ونظري‪AA‬ات مختلف‪AA‬ة بين الحكيم والمتكلم منه‪AA‬ا ه‪AA‬ذه القائ‪AA‬دة‬
‫القائلة بوجوب المعلول عند وجود علت‪AA‬ه التا ّم‪AA‬ة في الفاع‪AA‬ل المخت‪AA‬ار‪ ،‬فه‪AA‬ذه‬
‫القاع‪AA‬دة‪ A‬هي مح‪AA‬ور ج‪AA‬دل عمي‪AA‬ق بين الفالس‪AA‬فة والمتكلمين‪ .‬بحيث أ نكره‪AA‬ا‬
‫الثاني بشدة وقبِلها بل أص َّر عليها األول (الفيلسوف) بعد اتفاقهما على‪:‬‬
‫أــ أن االختيار وصف الفاعل الت‪AA‬ام عالوة على كون‪AA‬ه وص‪AA‬ف الفاع‪AA‬ل‬
‫الناقص‪.‬‬
‫ب ــ أن االختيار (بمعنى تساوي الفعل والترك للفاعل) ال يجتم‪AA‬ع م‪AA‬ع‬
‫وجوب وج‪AA‬ود المعل‪AA‬ول‪ ،‬فال يمكن أن يتّص‪AA‬ف ب‪AA‬ه الفاع‪AA‬ل الت‪AA‬ام م‪AA‬ع الق‪AA‬ول‬
‫ألن التساوي يعني إمكان الفعل بالقياس على فاعله الت‪AA‬ام‬ ‫بوجوب المعلول‪ّ ،‬‬
‫ال وجوبه‪.‬‬
‫مع أنهما اتفقا على هاتين النقطتين ولكن اختلفا ايضاً‪:‬‬

‫‪ 1‬شرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪19/84 :‬‬


‫صفحة‪24............................................................................................‬‬

‫فالمتكلم أص‪َّ A‬ر على أن االختي‪AA‬ار الص‪AA‬فة ه‪AA‬و تس‪AA‬اوي الفع‪AA‬ل وال‪AA‬ترك‪،‬‬
‫ي تالعب بهذا المعنى من أج‪AA‬ل رف‪AA‬ع‬ ‫وبعد ذلك‪ A‬أنكر قاعدة الوجوب‪ّ ،‬‬
‫وأن أ َّ‬
‫بأن الفاعل مجبر‪.‬‬ ‫التدافع مع قاعدة الوجوب‪ ،‬فهو عبارة اُخرى عن القول ّ‬
‫أن االختيار بهذا المع‪AA‬نى يس‪AA‬تبطن إنك‪AA‬ار ق‪AA‬انون العلي‪AA‬ة‪،‬‬ ‫والحكيم رأى َّ‬
‫َّ‬
‫ألن عالق‪AA‬ة المعل‪AA‬ول بعلت‪AA‬ه ستص‪AA‬بح كعالقت‪AA‬ه ب‪AA‬أيِّ أجن‪AA‬ب ّي وهي اإلمك‪AA‬ان‬
‫بالقياس‪ ،‬وهو واضح البطالن‪ ،‬ومن ثم ال يتّصف به‪AA‬ذا المع‪AA‬نى إالّ الفاع‪AA‬ل‬
‫الناقص مث‪AA‬ل اإلنس‪A‬ان بالنس‪AA‬بة إلى أفعال‪AA‬ه الج‪AA‬وار حيَّة‪ ،‬وأم‪A‬ا الفاع‪A‬ل الت‪A‬ام‬
‫فيتّصف باالختيار بمعنى عدم اال لج‪AA‬اء من الغ‪AA‬ير وه‪AA‬و يجتم‪AA‬ع م‪AA‬ع قاع‪AA‬دة‬
‫الوجوب‪ ،‬إذ ال يقصد من الوجوب سوى الوجوب عنه ال عليْه‪.‬‬
‫ومن هنا كل واحد منهما ع ّرف االختيار برأيه الخاص وهو كما يلي‪:‬‬
‫االختيار عند المتكلم‪ :‬إن شاء فعل وإن شاء ترك‪.‬‬
‫االختيار عند الحكيم‪ :‬إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل‪.‬‬
‫ومن هنا سأل الحكيم المتكلم بالمرجَّح لوجود‪ A‬الفعل بعد أن ك‪AA‬انت ذات‬
‫الممكن متساوية إليه وإلى الترك‪ ،‬وكان الفاعل الت‪AA‬ام متس‪AA‬اوي النس‪AA‬بة إلي‪AA‬ه‬
‫وإلى الترك‪.‬‬
‫وجاء جواب المتكلم متنوعا ً بين ع‪AA‬دم الحاج‪AA‬ة إلى م‪AA‬ر ّجح‪ ،‬وبين العلم‬
‫المرجّح وبين اإلرادة‪ A‬المرجحة وبين المصلحة‪ A‬المرجح‪AA‬ة‪ .‬وناقش‪AA‬ها الحكيم‬
‫جميعا ً واحداً‪ A‬تلو اآلخر‪.1‬‬

‫الفرق بين العلة والمعلول‬


‫الفرق بين العلة والمعلول واضح لدى كل عاقل وإنما نذكر هنا لزيادة‬
‫البيان‪.‬‬
‫‪ 1‬علم النفس الفلسفي ص‪.144 :‬‬
‫صفحة‪25............................................................................................‬‬

‫العلة دائما ً متقدمة على المعلول وال عكس‪ ،‬ولكن يمكن أن تكون عل‪AA‬ةً‬
‫من دون معل‪AA‬ول كم‪AA‬ا في العل‪AA‬ة الناقص‪AA‬ة‪ ،‬أو عل‪AA‬ة العل‪AA‬ل (هللا ع ‪ّ A‬ز وج ‪A‬لّ)‪،‬‬
‫وجود العلة ال يوجب وجود المعلول‪ A‬إالّ في العلة التا ّمة‪ .‬للعلة أقسام كث‪AA‬يرة‬
‫والمعلول‪ A‬دائما واحد‪ A.‬ال يمكن وجود المعلول‪ A‬بدون العلة الموجدة‪ A‬له‪.‬‬
‫صفحة‪26............................................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫مفهوم العلّة‪ A‬والمعلول‪A‬‬
‫فلسفة العلّة والمعلول‪A‬‬
‫حقيقة العليَّة والمعلوليَّة في القرآن الكريم‬
‫فلسفة العليّة والمعلوليّة‪ A‬من القرآن‬
‫اآليات التي تد ّل على التأثير المادي‬
‫أعمال السيّئة لإلنسان سبب للفساد بنظر القرآن‬
‫موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلّيّة‬
‫تصديق القرآن لقانون العليّة العا ّمة‬
‫إثبات القرآن ما يخرق العادة‪A‬‬
‫عالقة العليّة التكوينيّة‬

‫مفهوم العلة والمعلول‬

‫تستعمل كلمة (العلة) في اصطالح الفالسفة بصورتين‪ ،‬إحداهما عا ّمة‬


‫واألُخرى خاصّة‪.‬‬
‫صفحة‪27............................................................................................‬‬

‫فالمفهوم العا ّم للعلّة هو عبارة عن ذلك الموج‪AA‬ود‪ A‬ال‪AA‬ذي يتوق‪AA‬ف علي‪AA‬ه‬


‫تحقّق موجود آخر‪ ،‬وإن لم يكن وحده كافيا ً لتحققه‪.‬‬
‫الخاص للعلة هو عبارة عن ذلك الموجود الذي يكفي وحده‬ ‫ّ‬ ‫والمفهوم‬
‫لتحقق موجود آخر‪.‬‬
‫وبعبارة اُخرى إن االصطالح الع‪AA‬ا ّم للعلّ‪AA‬ة يع‪AA‬ني ذل‪A‬ك‪ A‬الموج‪AA‬ود‪ A‬ال‪AA‬ذي‬
‫بدونه يستحيل تحقق موجود آخر‪.‬‬
‫واالصطالح الخاصّ للعلّة‪ A‬يعني ذل‪A‬ك الموج‪AA‬ود‪ A‬ال‪A‬ذي بوج‪AA‬وده يتحق‪AA‬ق‬
‫موجود آخر بالضرورة‪.‬‬
‫وكم‪AA‬ا تالحظ‪AA‬ون ف‪AA‬إن االص‪AA‬طالح األول أع ُّم من االص‪AA‬طالح الث‪AA‬اني‪،‬‬
‫ألن‪AA‬ه يش‪AA‬مل الش‪AA‬روط والمع‪ّ AA‬دات وس‪AA‬ائر العل‪AA‬ل الناقص‪AA‬ة أيض‪AA‬اً‪ ،‬بخالف‬
‫االصطالح الثاني‪.‬‬
‫أن الموج‪AA‬ود‪ A‬المتعلَّق‬
‫والمالحظ‪AA‬ة ال‪AA‬تي الب‪ّ AA‬د من التنبي‪AA‬ه عليه‪AA‬ا هي َّ‬
‫(المعلول) من جهة تعلقه ونسبته إلى الموجود المرتبط به يس ّمى (معل‪AA‬والً)‬
‫ال من جهة اُخرى‪ ،‬وال بالنسبة إلى موجود آخر‪ .‬وكذا العلة‪ ،‬فهي من جهة‬
‫أن موجوداً‪ A‬آخر متعلق بها وبالنسبة إلى ذلك تُس‪AA‬مى (علّ‪AA‬ة)‪ ،‬وليس من أي‬ ‫ّ‬
‫ي موجود‪.‬‬ ‫جهة وال بالنسبة إلى أ ّ‬
‫صفحة‪28............................................................................................‬‬

‫فالحرارة مثالً من جهة تعلّقها بالن‪AA‬ار وبالنس‪AA‬بة لعلّته‪AA‬ا هي معلول‪AA‬ة‪ ،‬ال‬


‫من جهة اُخرى‪ ،‬والنار من جهة كونها منشأ ُ لظهور الحرارة وبالنس‪AA‬بة إلى‬
‫تلك الحرارة الناشئة منها هي علة‪ ،‬ال من جهة اُخرى‪ ،‬وبنا ًء على ه‪AA‬ذا فال‬
‫مناف‪AA‬اة بين أن يك‪AA‬ون موج‪AA‬ود معيّن (علّ‪AA‬ة) بالنس‪AA‬بة إلى ش‪AA‬يء معيّن‪ ،‬و‬

‫(معلوال) بالنسبة إلى شيء آخر‪ ،‬وحتّى أنه ال منافاة في أن تكون الح‪AA‬رارة‬
‫المعلولة‪ A‬لنار معيّنة علّة لظهور نار اُخرى‪ ،‬كما أنه ال مناف‪AA‬اة في أن تك‪AA‬ون‬
‫للموجودات حيثيّات اُخرى‪ ،‬عالوة على حيثي‪AA‬ة العلّيَّة أو حيثي‪AA‬ة المعلوليّ‪AA‬ة‪،‬‬
‫ويت ّم بيانها بمفاهيم أُخرى‪ ،‬فللنار مثالً حيثيات اُخرى باإلض‪AA‬افة إلى حيثي‪AA‬ة‬
‫العلّيّة‪ ،‬ويُحكى عنها بمفاهيم من قبيل الجوهر‪ ،‬الجسم‪ ،‬القابل وما إلى ذل‪AA‬ك‬
‫‪1‬‬
‫وكل واحد‪ A‬منها ليس عين حيثية العليَّة‪.‬‬
‫فلسفة العلة والمعلول‬
‫العلة والمعلول مصطلح من المصطلحات الفلسفية والكالمية على‬
‫السواء‪ ،‬ويعتبر أهم الركائز التي يتّكئ عليها اإللهيّون في إثبات وجود‬
‫الخالق سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فقانون العلية هو أصل أدلّة‪ A‬وجود هللا ع ّز وجلّ‪ ،‬وك ّل األدلة األخرى‬
‫منبثقة عنه متفرّعة عليه‪.‬‬
‫أن لقانون العلية أهميّة كبرى في إثبات أهم الحقائق‪ ،‬وهي‬ ‫وهذا‪ A‬يعني ّ‬
‫حقيقة وجود واجب الوجود ع ّز وج ّل‪ ،‬بل وفي إثبات كلِّ حقيقة أخرى‬
‫ي حقيقة‬ ‫سواء كانت علميّة أو فلسفيّة أو كالميّة أو عقلية‪ .‬فال يمكن إثبات أ ّ‬
‫إال من خالل قانون العلية‪ ،‬بل حتى إثبات وجود هذا الكون بكل ما فيه من‬
‫موجودات ماديَّة إنما هو يستند إلى قانون العليّة‪ .‬فإنكار هذا القانون يدفعنا‬
‫إلى الشك‪ A‬في كل حقيقة بما في ذلك الشك‪ A‬في حقيقة وجود هذا الوجود‪A.‬‬

‫‪ 1‬المنهج الجديد في تعليم الفلسفة‪ .‬ج‪ 2/‬ص ‪ .9‬مع قليل من التغيير‪.‬‬


‫صفحة‪29............................................................................................‬‬

‫وال يمكن شرح هذا الكالم وإثباته هنا في هذه ال ُوريْقات المعدودة‪،‬‬
‫ألن ذلك يدفع إلى اإلطالة‪ ،‬وإنما أحببت فقط أن أشير إليه بهذه اإلشارة‬ ‫ّ‬
‫القصيرة‪ ،‬لنتع ّرف على مدى أهميّة قانون العليّة‪.‬‬
‫وإن نظام الخلق‪ A‬ونظام الوجود بأجمعه هو نظام العلّة والمعلول‪ ،‬وال يمكن‬
‫أن يوجد شيء من باب االتفاق والص‪AA‬دفة‪ ،‬فال اتف‪AA‬اق في الع‪AA‬الم وال طري‪AA‬ق‬
‫للصدفة في عالم الوجود‪ ،‬فكل ظاهرة تحتاج الى علة فاعلي‪A‬ة‪ ،‬وك‪A‬ل حادث‪A‬ة‬
‫تحتاج الى علة فاعلية‪ ،‬وال يمكن أن يتن ّحى نظام العلة والمعل‪AA‬ول عن ع‪AA‬الم‬
‫الخلق‪ ،‬ألنه إذا نقض نظام العليّة فسيسقط طريق الفكر واالس‪AA‬تدالل ايض‪A‬اً‪.‬‬
‫اذ ان الع‪AA‬الم المفك‪AA‬ر انم‪AA‬ا ي‪AA‬رتّب المق‪AA‬دمات وينتظ‪AA‬ر الحص‪AA‬ول‪ A‬على نتيج‪AA‬ة‬
‫صة من المقدمات الخاصة‪ ،‬في ظ ّل نظام العليّة فهذه المقدمات هي العلّة‪A‬‬ ‫خا ّ‬
‫للوصول‪ A‬إلى تلك النتيجة‪ ،‬وتلك النتيجة معلولة لتلك المقدمات‪.‬‬
‫إن الن‪AA‬اظر إلى الك‪AA‬ون الموج‪AA‬ود يُ‪AA‬درك ان م‪AA‬ا يش‪AA‬اهده من الح‪AA‬وادث‬ ‫َّ‬
‫ي عقل ّي وهو م‪AA‬ا ي‪AA‬برر وجوده‪AA‬ا‪.‬‬ ‫ي ضرور ّ‬ ‫المتعاقبة تستند الى تعليل فطر ّ‬
‫وعندما نشرع في سفر االدراك نلتفت الى ذواتنا‪ ،‬ونتأ ّم‪AA‬ل كونه‪AA‬ا وفعليته‪AA‬ا‬
‫فنجد انها مسبوقة باالنتفاء‪ ،‬ويجوز عليها االنتفاء فيما بعد‪ ،‬فندرك انه متى‬
‫لم يكن الشيء ثم كان‪ ،‬فليس كونه من ذاته وال هو مس‪AA‬تغن في فعليّت‪AA‬ه‪ ،‬ب‪AA‬ل‬
‫هو محت‪AA‬اج ومفتق‪AA‬ر الى غ‪AA‬يره ألن اس‪AA‬تغناءه في فعليت‪AA‬ه وتماميّت‪AA‬ه في ذات‪AA‬ه‬
‫تستلزم امتناع انتفائه وهو محال‪.‬‬
‫ولوال السببية العقلية لما أمكن اثبات الواقع المحس‪AA‬وس وم‪AA‬ا يس‪AA‬ير علي‪AA‬ه‬
‫من نظريات وقوانين علمية تفتح المجال واسعا امام المعارف البشرية‪.‬‬
‫ومن المتع‪AA‬ذر تمام‪A‬ا ً ان تتك‪AA‬ون نظري‪AA‬ات علمي‪AA‬ة في أي حق‪AA‬ل من حق‪AA‬ول‬
‫المعرف‪AA‬ة بعي‪AA‬داً عن مب‪AA‬دإ العليّ‪AA‬ة وقوانينه‪AA‬ا‪ ،‬اذ ال يمكن أن تتحق‪AA‬ق التجرب‪AA‬ة‬
‫الش‪AA‬مولية‪ A‬للنظري‪AA‬ات العلمي‪AA‬ة لع‪AA‬دم اس‪AA‬تيعابها جمي‪AA‬ع الجزئي‪AA‬ات الطبيعي‪AA‬ة‬
‫بالبحث والتجربة‪.‬‬
‫صفحة‪30............................................................................................‬‬

‫فالحديد الذي يتمدد بالحرارة لم يكن نتيجة اتّفاقيّة وال صُدفة محضة‪ ،‬بل‬
‫كان بناء على مبدا السببية‪ ،‬حيث ان شمول التمدد لجزء من اجزاء الحدي‪AA‬د‬
‫الذي لم يخضع لتجربة الحرارة يندرج تحت هذا المبدأ‪ A‬العام الكلي‪.‬‬
‫وعليه يمكن حصر القول في قاعدة العلية بأنّها ركيزة من الرّك‪AA‬ائز ال‪AA‬تي‬
‫يعتمد عليها المستدل في الوصول‪ A‬إلى المدلول بطريقة صحيحة وسليمة‪.‬‬

‫حقيقة العليَّة والمعلوليَّة في القرآن الكريم‬


‫إن تصريح آيات القرآن المجي‪AA‬د بت‪AA‬أثير العل‪AA‬ل الطبيع‪AA‬ة بعض‪AA‬ها على بعض‬ ‫ّ‬
‫ألن‬ ‫أمر واضح ال غب‪AA‬ار في‪AA‬ه لك‪AA‬ل من يق‪A‬رأ ال‪AA‬ذكر الحكيم بالتأم‪AA‬ل والت‪AA‬دبر ّ‬
‫الق‪AA‬رآن‪ ‬الك‪AA‬ريم يص ‪A‬رّح بوض‪AA‬وح كام‪AA‬ل بت‪AA‬أثير بعض األش‪AA‬ياء في البعض‬
‫اآلخ‪AA‬ر ويكش‪AA‬ف عن نظ‪AA‬ام س‪AA‬ائد على الع‪AA‬الم نظام‪A‬ا ً ِعليّ‪A‬ا ً ومعلولي‪A‬اً‪ ،‬س‪AA‬ببيا ً‬
‫ومسببياً‪ ،‬ونحن نذكر في المقام بعض اآليات‪:‬‬
‫ع‬ ‫ض قِطَ‪ٌ I‬ع ُمتَج‪II‬ا ِو َراتٌ َو َجنّ‪II‬اتٌ ِمنْ أَعْن‪II‬اب َو َزر ٌ‬ ‫‪1‬ــ ق‪AA‬ال تع‪AA‬الى‪َ :‬وفِي األَ ْر ِ‬
‫ض‪َ I‬ها َعلى‬ ‫ض‪ُ I‬ل بَ ْع َ‬‫واح‪ I‬د َونُفَ ِّ‬
‫س‪I‬قَى بِم‪I‬اء ِ‬ ‫ص‪ْ I‬نوان‪ I‬يُ ْ‬ ‫ص‪ْ I‬ن َوانٌ َو َغ ْي‪ُ I‬ر ِ‬ ‫َونَ ِخي‪ٌ I‬ل ِ‬
‫بَ ْعض فِي األُ ُك ِل إِنَّ فِي ذلكَ آليات لِقَ ْوم يَ ْعقِلُ َ‬
‫ون‪.1‬‬
‫واح‪ A‬د كاش‪A‬فة عن دور الم‪A‬اء وأث‪A‬ره في إنب‪A‬ات النبات‪A‬ات‬ ‫وجملة يُسقَى ِبم‪A‬اء ِ‬
‫ونمو األشجار‪ ،‬ومع ذلك يفضل بعض الثمار على بعض‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وأوضح دليل على ذلك قوله تعالى في اآليتين التاليتين‪:‬‬
‫َ ‪.‬‬
‫ت ِر ْزقا ً ل ُك ْم‬‫سما ِء ما ًء فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِم َن الثَّ َمرا ِ‬ ‫‪2‬ــ قال تعالى‪َ :‬وأَ ْن َز َل ِم َن ال َّ‬
‫الج ُر ِز فَنُ ْخ‪ِ I‬ر ُج بِ ‪ِ I‬ه‬ ‫ض ُ‬ ‫ق ال َما َء إِلى األَ ْر ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫‪ 3‬ــ قال تعالى‪ :‬أَ َو لَ ْم يَ َر ْوا أَنَّا نَ ُ‬
‫ون‪.‬‬
‫ص ُر َ‬ ‫س ُه ْم أَفَال يُ ْب ِ‬ ‫َز ْرعا ً تَأْ ُك ُل ِم ْنهُ أَنعا ُم ُه ْم َوأَ ْنفُ ُ‬
‫ففي هاتين اآليتين يص ّرح الكتاب العزيز ـ بجالء ـ بتأثير الماء في الزرع‪،‬‬
‫أن الباء تفيد السببية كما تعلم‪.‬‬ ‫إذ ّ‬
‫س‪I‬حابا ً ثُ َّم يُؤَ لِّفُ بَ ْينَ‪I‬هُ ثُ َّم يَ ْج َعل‪I‬هُ ُركام‪I‬ا ً‬ ‫‪ 4‬قال تعالى‪ :‬أَلَ ْم ت ََر أَنَّ هّللا َ يُ‪Iْ I‬ز ِجي َ‬
‫‪I‬رد‬ ‫الس‪I‬ما ِء ِمنْ ِجب‪II‬ال فِي َه‪II‬ا ِمنْ بَ‪َ I‬‬ ‫ق يَ ْخ ُر ُج ِمنْ ِخاللِ ِه َويُنَ ِّز ُل ِم َن َّ‬ ‫فَتَرى ا ْل َو ْد َ‬
‫ب‬ ‫س ‪I‬نا بَ ْرقِ ‪ِ I‬ه يَ‪Iْ I‬ذ َه ُ‬ ‫ص ‪ِ I‬رفُهُ عَنْ َمنْ يَش‪II‬ا ُء يَك‪II‬ا ُد َ‬ ‫‪I‬يب بِ ‪ِ I‬ه من يَش‪II‬ا ُء َويَ ْ‬ ‫فَيُص‪ُ I‬‬
‫بِاأل ْبصا ِر‪.‬‬
‫‪ 1‬الرعد‪4:‬‬
‫صفحة‪31............................................................................................‬‬

‫ففي هذه اآلي‪AA‬ة ن‪AA‬رى كي‪AA‬ف بيّن الق‪AA‬رآن الك‪AA‬ريم المق‪ّ A‬دمات الطبيعي‪AA‬ة ل‪AA‬نزول‬
‫المطر من السماء من قَبل أن يعرفها العلم الحديث ويطّل‪A‬ع عليه‪A‬ا بالوس‪A‬ائل‬
‫التي يستخدمها اليوم لدراسة الظواهر‪ A‬الطبيعية واكتشاف عللها ومق ّدماتها‪.‬‬
‫فقبل أن يتوصل‪ ‬العلم الحديث إلى معرفة ذل‪AA‬ك ب‪AA‬ز َمن طوي‪AA‬ل س‪AA‬بق الق‪AA‬رآن‬
‫الكريم إلى بيان تلك المق ّدمات في عبارات كثيرة منها هذه‪:‬‬
‫‪1‬ــ‪ ‬يزجي سحاباً‪( .‬أي يحرك)‬
‫‪2‬ــ ث ّم يؤلّف بينه‪( .‬أي وير ِّكب)‬
‫‪3‬ــ ث ّم يجعله ركاما ً كتلة متراكمة متكاثفة)‪.‬‬
‫فينسب هذه المراحل إلى هّللا تعالى‪ .‬ث ّم يقول‪:‬‬
‫‪4‬ــ فترى الودق (أي المطر) يخرج من خالله‪.‬‬
‫‪5‬ــ يكاد سنا برقه يذهب باألبصار‪.‬‬
‫وهك‪AA‬ذا يص‪AA‬رّح هّللا س‪AA‬بحانه في الق‪AA‬رآن المجي‪AA‬د بت‪AA‬أثير األس‪AA‬باب والعل‪AA‬ل‪A‬‬
‫أن تأثير هذه العل‪AA‬ل واألس‪AA‬باب ب‪AA‬إذن هّللا ومش‪AA‬يئته‬ ‫الطبيعية‪ ،‬غاية ما هنالك ّ‬
‫بحيث إذا لم يشأ‪ ‬هو سبحانه لتعطلت هذه العلل عن التأثير‪.‬‬
‫الس‪I‬ما ِء‬‫س‪I‬طُهُ فِي َّ‬
‫س‪I‬حابا ً فَيَ ْب ُ‬
‫‪I‬اح فَتُث‪II‬ي ُر َ‬
‫الري‪َ I‬‬ ‫س ُل ِّ‬ ‫‪5‬ــ قال تعالى‪ :‬هّللا ُ الّ ِذي يُ ْر ِ‬
‫ق يَ ْخ ُر ُج ِمنْ ِخاللِ ِه فَإِذا أَ َ‬
‫صاب بِ‪ِ I‬ه َمنْ‬ ‫سفا ً فَتَرى ا ْل َو ْد َ‬ ‫ف يَشا ُء َويَ ْج َعلُهُ ِك َ‬ ‫َك ْي َ‬
‫‪.‬‬
‫ون‬
‫ش ُر َ‬ ‫ستَ ْب ِ‬‫يَشا ُء ِمنْ ِعبا ِد ِه إِذا ُه ْم يَ ْ‬
‫وأيّة جملة أوضح من قول‪AA‬ه تع‪AA‬الى فَتُث‪AA‬ي ُر َس‪A‬حاباً‪ ،‬أي الري‪AA‬اح‪ ،‬فالري‪AA‬اح في‬
‫نظر‪ ‬القرآن هي التي تثير السحاب وتسوقه من جانب إلى جانب آخر‪.‬‬
‫الص ‪A‬ريح‬ ‫إن اإلمعان‪ ‬في عبارات هذه اآلية يهدينا إلى نظرية القرآن ورأيه ّ‬ ‫ّ‬
‫حول تأثير العلل الطبيعية بإذن هّللا ‪.‬‬

‫ففي هذه الجمل جاء التصريح‪:‬‬


‫أــ بتأثير الرياح في نزول المطر‪.‬‬
‫ب ــ وتأثير الرياح في تحريك السحب‪.‬‬
‫ج ــ كما جاء التصريح بانتساب انبساط السحب في السماء إلى هّللا ‪.‬‬
‫د ــ وتجمع السحب ـ فيما بعد ـ على شكل قطع متراكمة إلى هللا‪.‬‬
‫ه ــ ث ّم نزول المطر بعد هذه التفاعالت والمقدمات‪.‬‬
‫صفحة‪32............................................................................................‬‬

‫ف‪AA‬إذا ينس‪AA‬ب الق‪AA‬رآن‪ ‬ه‪AA‬ذين األم‪AA‬رين (أي ج ود) إلى هّللا وانّ‪AA‬ه (ه‪AA‬و) يبس‪AA‬ط‬
‫السحاب في السماء و(هو) الذي يجعله كسفاً‪ ،‬فإنّما يقصد ـ من وراء ذلك‪ A‬ـ‬
‫التنبيه إلى مسألة التوحيد األفعالي ال‪AA‬ذي يعبّ‪AA‬ر عن‪AA‬ه بالتوحي‪AA‬د في الخالقي‪AA‬ة‪،‬‬
‫وفي الوقت نفسه ال منافاة بين هذه النسبة والقول بتأثير العلل‪ A‬الطبيعي‪AA‬ة في‬
‫بسط السحب وجمعها‪.‬‬
‫أن اآلي‪AA‬ات ال‪AA‬تي تؤك‪AA‬د على دور العل‪AA‬ل الطبيعي‪AA‬ة وتأثيره‪AA‬ا المباش‪AA‬ر‬‫على ّ‬
‫وتعتبر العالم مجموعة من األسباب للمسببات‪ ‬التي تعمل بإرادة‪ A‬هّللا وإذن‪AA‬ه‪،‬‬
‫وتكون فاعليتها فرعا ً من فاعليته سبحانه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فلسفة العلية والمعلولية من القرآن‬
‫قبل الذهاب إلى القرآن الكريم فالبد من أن نسأل سؤاالً وهو هذا‪:‬‬
‫هل الق‪A‬رآن الك‪A‬ريم يواف‪AA‬ق على توقّ‪A‬ف بعض الظ‪A‬واهر الطبيعي‪A‬ة على‬
‫البعض اآلخر بحيث يك‪A‬ون بعض‪AA‬ها عل‪A‬ة ً مادي‪A‬ة للبعض اآلخ‪A‬ر‪ ،‬وبعض‪A‬ها‬
‫معداً لآلخر‪ ،‬وبعضها شرطا ً لتحقق البعض اآلخر أم ال؟‬
‫ك سنجده يثبت هذه العالق‪AA‬ة بين الظ‪AA‬واهر‪،‬‬ ‫عندما نستفتي القرآن ال ش ّ‬
‫سواء أكانت بين السبب والمسبب‪ ،‬أم بين الشرط والمشروط‪ ،‬أم بين المع‪ّ A‬د‬
‫والشيء المحت‪AA‬اج إلى إع‪AA‬داد‪ A.‬فجمي‪AA‬ع ه‪AA‬ذه الم‪AA‬وارد يقبله‪AA‬ا الق‪AA‬رآن الك‪AA‬ريم‪،‬‬
‫وهناك آيات متضافرة على هذا الموضوع‪ ،‬وسوف أذكر من كل ب‪AA‬اب آي‪AA‬ة‬
‫باعتبارها نموذجا ً على الموضوع ان شاء هللا‪.‬‬
‫العليّة المادية‬
‫ي آخر‬ ‫ي من موجود‪ A‬ماد ّ‬
‫وهو اصطالح فلسف ّي يعني تك ّون موجود‪ A‬ماد ّ‬
‫بحيث تبقى المادة المشتركة بينهما محفوظة وتتغير صورته فق‪AA‬ط‪ ،‬وبقب‪AA‬ول‬
‫الصورة الجديدة يظهر موجود جديد‪.‬‬

‫‪ 1‬معارف القرآن ج‪ 1/‬ص ‪.165‬‬


‫صفحة‪33............................................................................................‬‬

‫والقرآن يعترف بمث‪AA‬ل ه‪AA‬ذه العلي‪AA‬ة‪ ،‬فهن‪AA‬اك آي‪AA‬ات ت‪AA‬د ّل على ّ‬


‫أن الس‪AA‬ماء‬
‫واألرض كانتا بصورة دخان ثم أصبحتا بهذا الشكل‪ A‬الح‪AA‬الي ال‪AA‬ذي نراهم‪AA‬ا‬
‫اليوم‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ثم استوى إلى السماء وهي دخان‪.1‬‬
‫بعضهم فهم من اآلية ّ‬
‫أن المادة‪ A‬توجد نتيجة ل‪AA‬تراكم الطاق‪AA‬ة‪ ،‬واعت‪AA‬بروا‬
‫الطاقة مصداقا ً لل ّدخان‪.‬‬
‫وقال البعض اآلخ‪AA‬ر إن الوج‪AA‬ود ك‪AA‬ان في بداي‪AA‬ة األم‪AA‬ر بش‪AA‬كل غ‪AA‬از ثم‬
‫ي تفسير فإنه مادة هذا العالم‪.‬‬ ‫ضغط فتح ّول إلى جامد‪ .‬وعلى أ ّ‬

‫بالنسبة للموجودات الحية‬ ‫‪‬‬


‫يقول تعالى‪ :‬وجعلنا من الماء كل شيء ح ّي‪.2‬‬
‫إذن الماء علّة مادية لظهور الموجودات الحية‪.‬‬
‫وبالنسبة للنار‬ ‫‪‬‬
‫يقول تعالى‪ :‬الذي جعل لكم من الشجر األخضر ناراً‪.3‬‬
‫فالشجر علة مادية للنار‪.‬‬
‫وبالنسبة لخلق اإلنسان‬ ‫‪‬‬
‫‪4‬‬
‫يقول تعالى‪ :‬إنا خلقناه من طين الزب‬
‫فالطّين علة مادية لوجود‪ A‬اإلنسان‪.‬‬
‫وبالنسبة لخلق الجن‬ ‫‪‬‬
‫يقول تعالى‪ :‬والجانّ خلقناه من قبل من نار السموم‪.5‬‬

‫‪ 1‬سورة فصلت‪ :‬اآلية ‪.11‬‬


‫‪ 2‬سورة األنبياء‪.30 :‬‬
‫‪ 3‬سورة يس ‪.80‬‬
‫‪ 4‬سورة الصافات ‪.11‬‬
‫‪ 5‬سورة الحجرات ‪.27‬‬
‫صفحة‪34............................................................................................‬‬

‫ففي هذه اآلي‪AA‬ات اس‪AA‬تعملت كلم‪AA‬ة (من) للدالل‪AA‬ة على العل‪AA‬ة المادي‪AA‬ة‪،‬‬
‫أن القرآن يعترف بالعلة المادية‪ .‬وهن‪A‬اك آي‪A‬ات عدي‪A‬دة‪A‬‬ ‫ومنها نعرف ّ‬
‫تستعمل باء السببية للداللة على لون من التأثير المادي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اآليات التي تدل على التأثير المادي‬
‫إن القرآن الكريم مليء باآليات التي تدل وتبيِّن تأثير شيء على ش‪AA‬يء‬
‫آخر ومنها‪:‬‬

‫‪1‬ــ عليَّة الماء‬


‫قال تعالى‪ :‬وأنزل من السماء ما ًء فأخرج به من الثمرات رزق‪II‬ا لكم‪.2‬‬
‫أن الماء سبب وج‪A‬ود‪ A‬الم‪A‬واد‪A‬‬ ‫فظاهر في هذه اآلية لكل من يفهم لغة العربية ّ‬
‫الغذائي‪AA‬ة لإلنس‪AA‬ان وأيض‪AA‬ا في الق‪AA‬رآن تعب‪AA‬ير آخ‪AA‬ر عن الم‪AA‬اء بأن‪AA‬ه ي‪AA‬وجب‬
‫التطهير‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به‪.3‬‬
‫وهذه‪ A‬اآلي‪AA‬ة تتعل‪AA‬ق بغ‪AA‬زوة ب‪AA‬در‪ .‬وك‪AA‬ل ه‪AA‬ذه اآلي‪AA‬ات تتح‪AA‬دث عن العل‪AA‬ل‬
‫الطبيعية التي ال تملك إرادة وال شعوراً في إيجاد الظواهر األُخرى‪ ،‬وإنم‪AA‬ا‬
‫كل واحد منها علة مادية تتحد مع الظاهرة وتكون منشأ لوجودها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪2‬ــ عليّة المالئكة‬
‫وهو لون من العلية الفاعلية المجهولة لدينا‪ ،‬ألننا لم نج‪AA‬دها في حياتن‪AA‬ا‬
‫ولكننا نؤمن بها عن طريق الوحي‪ ،‬فلو لم يتح‪AA‬دث الق‪AA‬رآن عن المالئك‪AA‬ة لم‬
‫نؤمن بوجود هذه المخلوقات فضال عن تأثيره‪AA‬ا في األش‪AA‬ياء‪ .‬وهللا س‪AA‬بحانه‬
‫يثبت في القرآن رسالتين للمالئكة‪ :‬إحداهما في األمور التكوينية واالُخ‪AA‬رى‬

‫‪ 1‬معارف القرآن ج‪1/‬ص ‪ .166‬مع تصرف من النص‪.‬‬


‫‪ 2‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪.22‬‬
‫‪ 3‬سورة األنفال‪ :‬اآلية ‪.11‬‬
‫‪ 4‬معارف القرآن ج‪ 1/‬ص ‪166‬‬
‫صفحة‪35............................................................................................‬‬

‫في األمور التشريعية‪ ،‬أي أنهم يكونون وسطاء في تحقي‪AA‬ق أم‪AA‬ور تكويني‪AA‬ة‪،‬‬
‫ووسطاء إليصال رساالت هللا إلى األنبياء‪.‬‬
‫قال هللا تعالى في كتابه الحكيم‪ :‬جاعل المالئكة ُرسال‪.1‬‬
‫فالق‪AA‬در الم‪AA‬تيقن ك‪AA‬ونهم رس‪AA‬الً في األم‪AA‬ور التش‪AA‬ريعية‪ ،‬ولكن اآلي‪AA‬ة‬
‫بإطالقها تشمل األمور التكوينية أيضاً‪ .‬وتوجد آيات تص ‪A‬رّح ب‪AA‬أن المالئك‪AA‬ة‬
‫يت ّدخلون‪ A‬في االُمور التكوينية‪ ،‬منه‪AA‬ا م‪AA‬ا ورد في قص‪AA‬ة م‪AA‬ريم (ع) عن‪AA‬د م‪AA‬ا‬
‫أراد هللا أن يمنحها عيسى المسيح عليه السالم‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬فأرسلنا إليها روحنا فتمث‪II‬ل له‪II‬ا بش‪II‬راً س‪II‬ويا ً * ق‪II‬الت إني‬
‫أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً* قال إنما أنا رسول ربك ألهب لك غالما ً‬
‫زكيا ً‪.2‬‬
‫وال يهمنا هنا أن يكون المقصود‪ A‬من الروح ه‪AA‬و جبرائي‪AA‬ل ألن‪AA‬ه يس‪AA‬مى‬
‫في اآليات ب‪ :‬ال‪AA‬روح‪ ،‬وال‪AA‬روح األمين‪ ،‬أو يك‪AA‬ون المقص‪AA‬ود من‪AA‬ه أي مل‪AA‬ك‬
‫آخر‪ ،‬وإنما محل شاهدنا هو قوله‪ :‬إنم‪AA‬ا أن‪AA‬ا رس‪AA‬ول رب‪AA‬ك ألهب ل‪AA‬ك غالم‪A‬ا ً‬
‫زكياً‪ .‬فرسالة هذا الروح هي أن تهب لم‪AA‬ريم (ع) ولي‪AA‬داً‪ A‬زكي‪A‬اً‪ ،‬فت‪AA‬أثير ه‪AA‬ذه‬
‫الرسالة يكون في المجال التكويني‪.‬‬

‫‪3‬ــ علية الشياطين‬


‫ففي هذه المورد أيضا ً ينسب القرآن للشياطين لونا ً من التأثير بإذن هللا‬
‫في بعض شؤن العالم‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤ ّزهم أ ّزاً‪.3‬‬
‫يعش عن ذك‪II‬ر ال‪II‬رحمن نقيِّض ل‪II‬ه ش‪II‬يطانا فه‪II‬و ل‪II‬ه‬
‫ُ‬ ‫قال تعالى‪ :‬ومن‬
‫قرين‪.4‬‬
‫فهذه ليست علّة تا ّمة وإنما هي لون من العلة المع ّدة‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الفاطر‪ :‬اآلية ‪.1‬‬


‫‪ 2‬سورة مريم‪ :‬اآليات ‪.19-17‬‬
‫‪ 3‬سورة مريم‪ :‬اآلية ‪.83‬‬
‫‪ 4‬سورة الزخرف‪ :‬اآلية ‪.36‬‬
‫صفحة‪36............................................................................................‬‬

‫‪1‬‬
‫‪4‬ــ عليّة اإلنسان‬
‫إن أفراد اإلنسان يؤثّر بعضهم في بعض من وجهة نظر القرآن ق‪AA‬ال‬
‫‪2‬‬
‫تعالى‪ :‬ولوال دفع هللا الناس بعضهم ببعض له ِّدمت صوامع‪...‬‬
‫وأيضا ً يأمر هللا المؤمنين بالقتال م‪AA‬ع المش‪AA‬ركين ل‪AA‬دفع ش‪AA‬رهم‪ .‬وتوج‪AA‬د‬
‫آيات تؤكد مساعدة الناس بعضهم لبعض‪ ،‬فاهلل يخاطب موسى (ع)‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫قال‪ :‬سنش ّد عضدك بأخيك‬
‫فهو عون من هللا يت ّم بوساطة هارون (ع)‪.‬‬
‫وكذلك‪ A‬في موضوع العذاب‬
‫قال تعالى‪ :‬قاتلوهم ّ‬
‫يعذبهم هللا بأيديكم‪.4‬‬
‫فهو عذاب هللا يتم بأيدي المؤمنين‪.‬‬
‫هذه ألوان من السببية يؤ ِّكد ها القرآن الكريم لألمور المادي‪AA‬ة الطبيعي‪AA‬ة‬
‫أو ألم‪AA‬ور م‪AA‬ا وراء الطبيع‪AA‬ة كالمالئك‪AA‬ة‪ .‬وهن‪AA‬اك أل‪AA‬وان‪ A‬أخ‪AA‬رى من الس‪AA‬ببية‬
‫تتعلق باألمور المعنوية‪ ،‬وربما تتناول عالق‪AA‬ات ال نُ‪AA‬دركها‪ ،‬مثالً يق‪AA‬ول هللا‬
‫تعالى عن القرآن إنه وسيلة للهداية‪:‬‬
‫فقال‪ :‬قد ج‪I‬اءكم من هللا ن‪II‬ور وكت‪I‬اب م‪I‬بين * يه‪II‬دي ب‪I‬ه هللا من اتب‪II‬ع‬
‫رضوانه سبل السالم‪.5‬‬
‫‪6‬‬
‫قال تعالى‪ :‬أال بذكر هللا تطمئن القلوب‬

‫‪ 1‬معارف القرآن ج‪ 2/‬ص‪167:‬‬


‫‪ 2‬سورة الحج‪ :‬اآلية ‪.40‬‬
‫‪ 3‬سورة القصص‪ :‬اآلية ‪.35‬‬
‫‪ 4‬سورة التوبة‪ :‬اآلية ‪.14‬‬
‫‪ 5‬سورة المائدة‪ :‬اآليتان ‪.16-15‬‬
‫‪ 6‬سورة الرعد‪ :‬اآلية ‪.28‬‬
‫صفحة‪37............................................................................................‬‬

‫أعمال السيئة لإلنسان سبب الفساد بنظر القرآن‬


‫ويع ّد القرآن الحكيم األعمال الس‪AA‬يئة لإلنس‪AA‬ان س‪AA‬ببا ً لظه‪AA‬ور الفس‪AA‬اد في‬
‫هذه الدنيا‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس‪.1‬‬
‫ويقول أيضا ً ّ‬
‫إن الكفر يج ّر على صاحبه اللعنة اإللهية‬
‫قال تعالى‪ :‬ولكن لعنهم هللا بكفرهم‪.2‬‬
‫حرمن‪II‬ا عليهم طيب‪II‬ات أُحلّت‬
‫ق‪AA‬ال تع‪AA‬الى‪ :‬فبظلمهم من ال‪II‬ذين ه‪II‬ادوا ّ‬
‫لهم‪.3‬‬
‫إذن أفعال اإلنسان لها تأثير حتى على األحكام اإللهية‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضا ً بما كانوا يكسبون‪.4‬‬
‫ويعتبر القرآن األفعال الحسنة لإلنسان سببا في وفور النعمة‬
‫قال تعالى‪ :‬ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحن‪II‬ا عليهم برك‪II‬ات من‬
‫السماء واألرض‪.5‬‬
‫ويق‪AA‬ول ّ‬
‫إن بعض األم‪AA‬ور الروحاني‪AA‬ة لإلنس‪AA‬ان يس‪AA‬تلزم بعض األم‪AA‬ور‬
‫المعنوية‬
‫قال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهدهم ربهم بإيمانهم‪.6‬‬
‫ويع ّد أعمال اإلنسان موجبة للجزاء االُخروي‪:‬‬
‫قال تعالى‪ :‬إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون‪.7‬‬
‫أن عالق‪AA‬ة الس‪AA‬ببية في ه‪AA‬ذا الع‪AA‬الم ليس‪AA‬ت منحص‪AA‬رة في‬‫إذن عرفن‪AA‬ا ّ‬
‫الظواهر‪ A‬المادية بل تمت ّد لتشمل الظ‪AA‬واهر المعنويَّة‪ .‬وعالوة على ه‪AA‬ذا ف‪ّ A‬‬
‫‪A‬إن‬

‫‪ 1‬سورة الروم‪ :‬اآلية ‪.41‬‬


‫‪ 2‬سورة النساء‪ :‬اآلية ‪.46‬‬
‫‪ 3‬سورة النساء‪ :‬اآلية ‪.160‬‬
‫‪ 4‬سورة األنعام‪ :‬اآلية ‪.129‬‬
‫‪ 5‬سورة األعراف اآلية ‪.96‬‬
‫‪ 6‬سورة يونس‪ :‬اآلية ‪.9‬‬
‫‪ 7‬سورة المؤمنون‪ :‬اآلية ‪.111‬‬
‫صفحة‪38............................................................................................‬‬

‫القرآن يثبت عالقة السببية بين هذا العالم والعالم اآلخ‪AA‬ر‪ ،‬ومن هن‪AA‬ا نع‪AA‬رف‬
‫أن مجال العليّة في القرآن واسع ج ّداً سعة ال يدركها أكثر الناس‪.8‬‬
‫ّ‬

‫موقف القرآن الكريم تجاه قانون العلّية‬


‫االنسان إلى القول ّ‬
‫بأن الكتاب‬ ‫إن االمعان في اآليات الكريمة يدفع ِ‬ ‫ّ‬
‫بأن النظام االمكاني نظام االَسباب والمسبّبات‪ّ ،‬‬
‫فإن المتأ ّمل‬ ‫العزيز يعترف ّ‬
‫ك في أنّه كثيراً ما يسند آثاراً إلى الموضوعات‬ ‫في الذكر الحكيم ال يش ّ‬
‫الخارجية واالشياء الواقعة في دار الما ّدة‪ ،‬كالسماء وكواكبها ونجومها‪،‬‬
‫واالَرض وجبالها وبحارها وبراريها وعناصرها ومعادنها‪ ،‬والسحاب‬
‫والرعد و البرق والصواعق والماء واالَعشاب واالَشجار و الحيوان‪A‬‬
‫واالنسان‪ ،‬إلى غير ذلك‪ A‬من الموضوعات الواردة في القرآن الكريم‪ ،‬فمن‬
‫أنكر إسناد القرآن آثار تلك االَشياء إلى أنفسها فإنّما أنكره بلسانه وقلبه‬
‫مطمئن بخالفه‪ ،‬وإليك ذكر نماذج من اآليات الواردة‪ A‬في هذا المجال‪:‬‬
‫سما ِء ما ًء فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِم َن الثَّمرا ِ‬
‫ت ِر ْزقا ً لَ ُك ْم البقرة‪:‬‬ ‫قال تعالى‪َ :‬وأَ ْن َز َل ِم َن ال َّ‬
‫‪22‬‬
‫فقد ص ّرح في هذه اآلية بتأثير الماء في تك ّون الثمرات والنباتات‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الباء في قوله‪ :‬بِ ِه بمعنى السببية‪.‬‬
‫سطُهُ فِي َّ‬
‫الس ‪I‬ما ِء َك ْي‪َ I‬‬
‫‪I‬ف‬ ‫سحابا ً فَيَ ْب ُ‬
‫ياح فَتُثِي ُر َ‬
‫الر َ‬
‫س ُل ِّ‬ ‫قال تعالى‪ :‬هّللا ُ الّ ِذ ْ‬
‫ي يُ ْر ِ‬
‫يَشا ُء (‪ )1‬الروم‪48 :‬‬
‫أن الرياح تحرّك السحاب‬ ‫فقوله سبحانه‪ :‬فَتُثِي ُر َسحابا ً صريح في ّ‬
‫وتسوقها من جانب إلى جانب‪ ،‬فالرياح أسباب وعلل تكوينية لحركة‬
‫السحاب وبسطها في السماء‪.‬‬
‫ض ها ِم َدةً فَإِذا أَ ْن َز ْلنا َعلَ ْي َها ا ْلما َء ا ْهتَ َّزتْ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬وت ََرى االَ ْر َ‬
‫ج‪ .‬سورة الحج‪.5 :‬‬ ‫َو َربَتْ َوأَ ْنبَتَتْ ِمنْ ُك ِّل َز ْو ٍ‬
‫ج بَ ِه ْي ٍ‬

‫‪ 8‬معارف القرآن ج‪ 1/‬ص ‪.169‬‬


‫صفحة‪39............................................................................................‬‬

‫فاآلية تص ّرح بتأثير الماء في اهتزاز االرض وربوتها‪ ،‬ث ّم تصرّح‬


‫بإنبات االَرض من ك ّل زوج بهيج‪.‬‬
‫يل هّللا ِ َك َمثَ ِل َحبَّ ٍة أَ ْنبَتَتْ َ‬
‫س ‪ْ I‬ب َع‬ ‫ون أَ ْموالَ ُه ْ‪I‬م في َ‬
‫سبِ ِ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬مثَ ُل الَّ ِذ َ‬
‫ين يُ ْنفِقُ َ‬
‫سنابِ َل‪ .‬البقرة ‪261:‬‬ ‫َ‬
‫فاآلية تسند إنبات السنابل السبع إلى الحبَّة‪.‬‬
‫إن هناك أفعاالً أسندها القرآن إلى اإلنسان ال تقوم إالّ به‪ ،‬وال يص ّح‬ ‫ث ّم ّ‬
‫إسنادها إلى هّللا سبحانه بحدودها وبال واسطة كأكله وشربه وم ْشيه وقعوده‪A‬‬
‫ونكاحه ونم ّوه وفهمه وشعوره وسروره وصالته وصيامه‪ ،‬فهذه أفعال‬
‫قائمة باإلنسان مستندة إليه‪ ،‬فهو الّذي يأكل ويشرب وينمو ويفهم‪ .‬فالقرآن‬
‫يع ّد االنسان فاعالً لهذه االفعال وعلّة لها‪.‬‬
‫أن في القرآن آيات ُمشتملة على األوامر والنواهي‪ A‬االلهيّة‪ ،‬وتد ّل‬ ‫كما ّ‬
‫على مجازاته على تلك االوامر والنواهي‪ ،‬فلو لم يكن لإلنسان دور في‬
‫ذلك المجال وتأثير في الطاعة‪ A‬والعصيان فما هي الغاية من االمر والنهي‬
‫وما معنى الجزاء والعقوبة‪1‬؟‬

‫تصديق القرآن لقانون العلية العامة‬


‫إن القرآن يثبت للحوادث الطبيعيّة أسبابا ً ويصدق قانون العليّ‪AA‬ة العا ّم‪AA‬ة‬
‫كم‪AA‬ا يثبت‪AA‬ه ض‪AA‬رورة العق‪AA‬ل وتعتم‪AA‬د علي‪AA‬ه األبح‪AA‬اث العلمي‪AA‬ة واألنظ‪AA‬ار‬
‫ي علّ‪AA‬ة‬ ‫االس‪AA‬تدالليّة‪ ،‬ف‪ّ A‬‬
‫‪A‬إن اإلنس‪AA‬ان مفط‪AA‬ور على أن يعتق‪AA‬د لك‪AA‬ل ح‪AA‬ادث م‪A‬اد ّ‬
‫موجبة من غير تر ّدد وارتي‪AA‬اب‪ .‬وك‪AA‬ذلك العل‪AA‬وم الطبيعيّ‪AA‬ة وس‪AA‬ائر األبح‪AA‬اث‬
‫العلميّ‪AA‬ة تعل‪AA‬ل الح‪AA‬وادث‪ A‬واألم‪AA‬ور المربوط‪AA‬ة بم‪AA‬ا تج‪AA‬ده من أم‪AA‬ور أخ‪AA‬رى‬
‫صالحة للتعليل‪ ،‬وال نعني بالعلة إال أن يكون هناك أم‪AA‬ر واح‪AA‬د أو مجم‪AA‬وع‬
‫أمور إذا‪ A‬تحققت في الطبيعة مثالً تحق‪AA‬ق عن‪AA‬دها أم‪AA‬ر آخ‪AA‬ر نس‪AA‬ميه المعل‪AA‬ول‪A‬‬
‫بحكم التجارب‪ ،‬كداللة التجربة على أنه كلما تحقّق احتراق لزم أن يتحقّ‪AA‬ق‬

‫‪ 1‬محاضرات في االلهيات‪ :‬ص‪58/‬‬


‫صفحة‪40............................................................................................‬‬

‫هناك قبله علّة موجبة له من نار أو حركة أو اصطكاك أو نحو ذل‪AA‬ك‪ ،‬ومن‬
‫هنا كانت الكلية وعدم التخلف من أحكام العليّة والمعلوليّة‪ A‬ولوازمهما‪.‬‬
‫وتصديق هذا المعنى ظاهر من القرآن فيما جرى عليه وتكلم في‪AA‬ه من‬
‫موت وحياة ورزق وحوادث أخرى علويّة سماويّة أو س‪AA‬فلية أرض ‪A‬يّة على‬
‫أظه‪AA‬ر وج‪AA‬ه‪ ،‬وإن ك‪AA‬ان يس‪AA‬ندها جميع ‪A‬ا ً ب‪AA‬اآلخرة إلى هللا س‪AA‬بحانه لف‪AA‬رض‬
‫التوحي‪AA‬د‪ A.‬ف‪AA‬القرآن يحكم بص‪AA‬حة ق‪AA‬انون العلي‪AA‬ة العام‪AA‬ة‪ ،‬بمع‪AA‬نى أن س‪AA‬ببا ً من‬
‫األسباب إذا تحقق مع م‪AA‬ا يلزم‪AA‬ه ويكتن‪AA‬ف ب‪AA‬ه من ش‪AA‬رائط الت‪AA‬أثير من غ‪AA‬ير‬
‫مانع لزمه وجود‪ A‬مسببه مترتبا ً عليه ب‪AA‬إذن هللا س‪AA‬بحانه‪ ،‬وإذا‪ A‬وج‪AA‬د المس‪AA‬بب‬
‫كشف ذلك عن تحقق سببه ال محالة‪.‬‬

‫إثبات القرآن ما يخرق العادة‪I‬‬


‫ثم إن القرآن يخ‪AA‬بر عن جمل‪AA‬ة من الح‪AA‬وادث والوق‪AA‬ائع ال يس‪AA‬اعد علي‪AA‬ه‬
‫جري‪AA‬ان الع‪AA‬ادة‪ A‬المش‪AA‬هورة في ع‪AA‬الم الطبيع‪AA‬ة على نظ‪AA‬ام العل‪AA‬ة والمعل‪AA‬ول‬
‫الموجود‪ ،‬وهذه‪ A‬الحوادث‪ A‬الخارقة للعادة‪ A‬هي اآليات المعج‪AA‬زة ال‪AA‬تي ينس‪AA‬بها‬
‫إلى عدة من األنبياء الكرام كمعجزات نوح وهود وصالح وإب‪AA‬راهيم ول‪AA‬وط‬
‫وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد (ص) فإنّه‪AA‬ا أم‪AA‬ور خارق‪AA‬ة للع‪AA‬ادة‪A‬‬
‫المستمرة في نظام الطبيعة‪.‬‬
‫لكن يجب أن يعلم أن ه‪AA‬ذه األم‪AA‬ور والح‪AA‬وادث وإن أنكرته‪AA‬ا الع‪AA‬ادة‬
‫واس‪AA‬تبعدتها إالّ أنه‪AA‬ا ليس‪AA‬ت أم‪AA‬وراً مس‪AA‬تحيلة بال‪AA‬ذات بحيث يبطله‪AA‬ا العق‪AA‬ل‬
‫ضروري كما يبطل قولنا اإليجابي والسلب يجتمعان مع‪A‬ا ً ويرتفع‪AA‬ان مع‪A‬ا ً‬ ‫ال ّ‬
‫من كل جهة‪ ،‬وقولنا الشيء يمكن أن يسلب عن نفسه‪ ،‬وقولن‪AA‬ا الواح ‪A‬د‪ A‬ليس‬
‫نصف االثنين وأمثال ذلك من األمور الممتنع‪AA‬ة بال‪AA‬ذات‪ ،‬كي‪AA‬ف وعق‪AA‬ول جم‬
‫غفير من الماليين منذ أعصار قديمة تقب‪AA‬ل ذل‪A‬ك‪ A‬وترتض‪AA‬يه من غ‪A‬ير إنك‪AA‬ار‬
‫ور ّد ولو‪ A‬كانت المعجزات ممتنعة بالذات لم يقبله‪AA‬ا عق ‪ُ A‬ل عاق‪AA‬ل ولم يس‪AA‬تدل‬
‫بها على شيء ولم ينسبها أحد الى أحد‪.‬‬
‫أن أصل ه‪AA‬ذه األم‪AA‬ور أع‪AA‬ني المعج‪AA‬زات ليس مم‪AA‬ا تنك‪AA‬ره ع‪AA‬ادة‬ ‫على ّ‬
‫الطبيعة بل هي مم‪A‬ا يتع‪A‬اروه نظ‪A‬ام الم‪A‬ادة‪ A‬ك‪A‬ل حين بتب‪A‬ديل الح ّي الى ميّت‬
‫صفحة‪41............................................................................................‬‬

‫والميّت الى الح ّي وتحويل صورة إلى صورة‪ ،‬وحادثة الى حادث‪AA‬ة ورخ‪AA‬اء‬
‫الى بالء وبالء الى رخ‪AA‬اء‪ ،‬وإنّم‪AA‬ا الف‪AA‬رق بين ص‪AA‬نع الع‪AA‬ادة وبين المعج‪AA‬زة‬
‫الخارقة هو أن األسباب المادية المشهورة‪ A‬التي بين أيدينا إنم‪AA‬ا ت‪A‬ؤثر أثره‪A‬ا‬
‫مع روابط مخصوصة وشرائط زمانية ومكانية خاصة تقضي بالتدريج في‬
‫التأثير‪ ،‬مثالً العصا وإن أمكن أن تصير حي‪AA‬ة تس‪AA‬عى والجس‪AA‬د الب‪AA‬الي أمكن‬
‫أن يصير إنسانا ً حيّا ً لكن ذلك إنما يتحقّق في العادة بعل‪AA‬ل خاص‪AA‬ة وش‪AA‬رائط‬
‫زمانيّة ومكانيّة مخصوص‪A‬ة تنتق‪A‬ل به‪A‬ا الم‪A‬ادة‪ A‬من ح‪A‬ال إلى ح‪A‬ال وتكتس‪A‬ي‬
‫صورة بعد صورة ح‪AA‬تى تس‪AA‬تق ّر وتح‪AA‬ل به‪AA‬ا الص‪AA‬ورة األخ‪AA‬يرة المفروض‪AA‬ة‬
‫ي ش‪AA‬رط اتّف‪AA‬ق أو من غ‪AA‬ير علّ‪AA‬ة‬
‫على ما تصدقه المشاهدة‪ A‬والتجربة ال مع أ ّ‬
‫أو بإرادة مريد كما هو الظاهر من حال المعجزات والخوارق‪ A‬التي يقص‪AA‬ها‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫وكم‪AA‬ا أن الحسّ والتجرب‪AA‬ة الس‪AA‬اذجين ال يس‪AA‬اعدان‪ A‬على تص‪AA‬ديق ه‪AA‬ذه‬
‫الخوارق للعادة‪ A‬كذلك النظر العلمي الط‪AA‬بيعي‪ ،‬لكون‪AA‬ه معتم‪AA‬داً على الس‪AA‬طح‪A‬‬
‫المشهود من نظام العلة والمعلول الطبيعيين‪ ،‬أعني به السطح‪ A‬ال‪AA‬ذي يس‪AA‬تقر‬
‫علي‪AA‬ه التج‪AA‬ارب العلميّ‪AA‬ة الي‪AA‬وم والفرض‪AA‬يات المعلّل‪AA‬ة للح‪AA‬وادث المادي‪AA‬ة‪.‬‬
‫إال أن حدوث الحوادث الخارق‪AA‬ة للع‪AA‬ادة إجم‪AA‬االً ليس في وس‪AA‬ع العلم إنك‪AA‬اره‬
‫والستر عليه‪ ،‬فك ْم من أمر عجيب خارق للع‪AA‬ادة‪ A‬ي‪AA‬أتي ب‪AA‬ه أرب‪AA‬اب المجاه‪AA‬دة‬
‫وأهل االرتياض ك‪AA‬ل ي‪AA‬وم تمتلي ب‪AA‬ه العي‪AA‬ون وتنش‪AA‬ره النش‪AA‬ريات ويض‪AA‬بطه‬
‫ك وال في تحقّقه‪AA‬ا َريب‪.‬‬ ‫الص‪AA‬حف بحيث ال يبقى ل‪AA‬ذي لبّ في وقوعه‪AA‬ا ش‪ّ AA‬‬
‫وه‪AA‬ذا ه‪AA‬و ال‪AA‬ذي ألج‪AA‬أ الب‪AA‬احثين في اآلث‪AA‬ار الروحيّ‪AA‬ة من علم‪AA‬اء العص‪AA‬ر أن‬
‫أن‬‫يعلل‪AA‬وه بجري‪AA‬ان أم‪AA‬واج مجهول‪AA‬ة الكتريس‪AA‬ية مغناطيس‪AA‬ية فافترض‪AA‬وا ّ‬
‫االرتباطات الشاقة تعطي لإلنس‪AA‬ان ُس ‪A‬لطة على تص‪AA‬ريف أم‪AA‬واج مرم‪AA‬وزة‬
‫قويّة تملك‪AA‬ه أو تص‪AA‬احبه إرادة‪ A‬وش‪AA‬عور وب‪AA‬ذلك‪ A‬يق‪AA‬در على م‪AA‬ا ي‪AA‬أتي ب‪AA‬ه من‬
‫حركات وتحريكات وتصرفات عجيب‪AA‬ة في الم‪AA‬ادة‪ A‬الخارق‪AA‬ة للع‪AA‬ادة بطري‪AA‬ق‬
‫القبض والبسط ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذه‪ A‬الفرضية ل‪AA‬و تمت واط‪AA‬ردت من غ‪AA‬ير انتق‪AA‬اض أل ّدت الى تحقّ‪AA‬ق‬
‫فرضية جديدة وس‪AA‬يعة تعل‪AA‬ل جمي‪AA‬ع الح‪AA‬وادث المتفرّق‪AA‬ة ال‪AA‬تي ك‪AA‬انت تعلله‪AA‬ا‬
‫جميع ‪A‬ا ً أو تعل‪AA‬ل بعض‪AA‬ها الفرض‪AA‬يات القديم‪AA‬ة على مح‪AA‬ور الحرك‪AA‬ة والق‪AA‬وة‬
‫صفحة‪42............................................................................................‬‬

‫ولساقت جميع الحوادث المادية الى التعلل واالرتباط بعلة واح‪AA‬دة‪ A‬طبيعي‪AA‬ة‪.‬‬
‫فه‪AA‬ذا ق‪AA‬ولهم والح‪A‬ق‪ A‬معهم في الجمل‪AA‬ة ْإذ ال مع‪AA‬نى لمعل‪AA‬ول‪ A‬ط‪AA‬بيعي ال عل‪AA‬ة‬
‫طبيعية له مع فرض كون الرابطة طبيعية محفوظة‪ ،‬وبعبارة أخ‪A‬رى إنّ‪A‬ا ال‬
‫نع‪AA‬ني بالعل‪AA‬ة الطبيعي‪AA‬ة إال أن تجتم‪AA‬ع ع‪AA‬دة موج‪AA‬ودات طبيعيّ‪AA‬ة م‪AA‬ع نس‪AA‬ب‬
‫وروابط خاصة فيتك ّون منها عند ذلك موجود طبيع ّي جدي‪AA‬د ح‪AA‬ادث مت‪AA‬أ ّخر‬
‫عنها مربوط بها بحيث لو انتقض النظام السابق عليه لم يحدث ولم يتحق‪AA‬ق‬
‫وجوده‪.‬‬
‫وأما القرآن الكريم فإنّه وإن لم يش ّخص ه‪AA‬ذه العل‪AA‬ة الطبيعي‪AA‬ة األخ‪AA‬يرة‬
‫التي تعلل جميع الحوادث المادية العادية والخارقة للعادة (على ما نحس‪AA‬به)‬
‫بتشخيص اسمه وكيفية تأثيره لخروجه عن غرضه الع‪AA‬ام إالّ أن‪AA‬ه م‪AA‬ع ذل‪AA‬ك‬
‫ي سببا ً ما ّديا ً بإذن هللا تعالى‪ ،‬وبعبارة أخرى يثبت لك ّل‬‫يثبت لكل حادث ماد ّ‬
‫حادث مادي مستند في وجوده‪ A‬إلى هللا سبحانه (والكل مستند) مجرى ماديا ً‬
‫وطريقا ً طبيعياً‪ ،‬به يجري فيض الوجود‪ A‬منه تعالى إليه‪.‬‬
‫ق‪AA‬ال تع‪AA‬الى‪ :‬ومن يت‪II‬ق هللا يجع‪II‬ل ل‪II‬ه مخرج‪II‬ا ً ويرزق‪II‬ه من حيث ال‬
‫يحتسب‪ .‬ومن يتوكل على هللا فه‪II‬و حس‪II‬به إن هللا ب‪II‬الغ أم‪II‬ره ق‪II‬د جع‪II‬ل هللا‬
‫لكل شيء قدراً‪.1‬‬
‫ف‪AA‬إن ص‪AA‬در اآلي‪AA‬ة يحكم ب‪AA‬اإلطالق من غ‪AA‬ير تقيي‪AA‬د أن ك‪ّ A‬ل من اتّقى هللا‬
‫وتو ّكل عليه وإن ك‪AA‬انت األس‪AA‬باب العادي‪AA‬ة المحس‪AA‬وبة عن‪AA‬دنا أس‪AA‬بابا ً تقض‪AA‬ي‬
‫بخالفة وتحكم بعدمه فإن هللا سبحانه حسبه فيه وهو كائن ال محالة‪.‬‬
‫كما يدل عليه أيضا ً قوله تعالى‪ :‬وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي ق‪II‬ريب أجيب‬
‫‪2‬‬
‫دعوة الداعي إذا دعان‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ادعوني أستجب لكم‪.3‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬أليس هللا بكاف عبده‪.4‬‬

‫‪ 1‬سورة الطالق ‪.3/‬‬


‫‪ 2‬سورة البقرة ‪.186 /‬‬
‫‪ 3‬المؤمن ‪60 /‬‬
‫‪ 4‬سورة الزمر ‪.36 /‬‬
‫صفحة‪43............................................................................................‬‬

‫ثم الجمل‪AA‬ة التالي‪AA‬ة وهي قول‪AA‬ه تع‪AA‬الى ‪(:‬إن هللا ب‪II‬الغ أم‪II‬ره)‪ ،‬يعل‪AA‬ل إطالق‬
‫الصدر‪ ،‬وفي هذا المعنى‬
‫‪1‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬وهللا غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون‪.‬‬
‫وهذه‪ A‬جملة مطلقة غير مقيدة بشيء البتة‪ ،‬فللّه س‪AA‬بحانه س‪AA‬بيل إلى ك‪AA‬ل‬
‫حادث تعلّقت به مشيئته وإرادته‪ A‬وإن كانت السّبل العادية والطرق‪ A‬المألوف‪AA‬ة‬
‫مقطوعة منتفية هناك‪ ،‬وهذا يحتمل وجهين‪:‬‬
‫أحدهما أن يتوسّل تعالى من غير سبب مادي وعلّة طبيعيّة‪ ،‬بل مجرد‬
‫اإلرادة وحدها‪.‬‬
‫علمنا يحيط ب‪AA‬ه هللا‬ ‫وثانيهما‪ :‬أن يكون هناك سبب طبيع ّي مستور عن ْ‬
‫سبحانه ويبلغ ما يريده من طريقه إال أن الجملة التالية من اآلية المعللة لم‪AA‬ا‬
‫قبلها أعني قوله تعالى ‪ ( :‬قد جعل هللا لك‪II‬ل ش‪II‬يء ق‪II‬دراً )‪ ،‬ت‪AA‬دل على ث‪AA‬اني‬
‫ال‪AA‬وجهين فإنه‪AA‬ا ت‪AA‬دل على أن ك‪AA‬ل ش‪AA‬يء من المس‪AA‬ببات أعم مم‪AA‬ا تقتض‪AA‬يه‬
‫األس‪AA‬باب العادي‪AA‬ة أو ال تقتض‪AA‬يه‪ ،‬ف‪AA‬إن ل‪AA‬ه ق‪AA‬دراً ق‪ّ AA‬دره هللا س‪AA‬بحانه علي‪AA‬ه‪،‬‬
‫وارتباطات مع غيره من الموجودات‪ ،‬واتصاالت وجودية مع ما سواه‪ ،‬هلل‬
‫سبحانه أن يتوسل منها اليه وإن كانت األسباب العادية مقطوعة عن‪AA‬ه غ‪AA‬ير‬
‫مرتبطة ب‪AA‬ه إال أن ه‪AA‬ذه االتص‪A‬االت واالرتباط‪A‬ات ليس‪AA‬ت مملوك‪A‬ة لألش‪A‬ياء‬
‫أنفسها حتى تطيع في حال وتعصى في أخ‪AA‬رى ب‪AA‬ل مجعول‪AA‬ة بجعل‪AA‬ه تع‪AA‬الى‬
‫مطيعة منقادة له‪.‬‬
‫فاآلي‪AA‬ة ت‪AA‬دل على أنّ‪AA‬ه تع‪AA‬الى جع‪AA‬ل بين األش‪AA‬ياء جميعه‪AA‬ا ارتباط‪AA‬ات‬
‫ي وج‪AA‬ه ش‪AA‬اء وليس ه‪AA‬ذا نفي‪A‬ا ً‬ ‫واتّصاالت له أن يبلغ إلى ك‪ّ A‬ل م‪AA‬ا يري‪AA‬د من أ ّ‬
‫للعليّة والسبيّة بين األشياء بل إثبات أنّها بيد هللا سبحانه يح ّولها كيف يش‪AA‬اء‬
‫وأراد‬
‫ففي الوج‪AAA‬ود‪ A‬عليّ‪AAA‬ة وارتب‪AAA‬اط حقيق ّي بين ك‪AAA‬ل موج‪AAA‬ود وم‪AAA‬ا تق ّدم‪AAA‬ه من‬
‫الموج‪AAA‬ودات المنتظم‪AAA‬ة غ‪AAA‬ير أنه‪AAA‬ا ليس‪AAA‬ت على م‪AAA‬ا نج‪AAA‬ده بين ظ‪AAA‬واهر‬

‫‪ 1‬سورة يوسف ‪21‬‬


‫صفحة‪44............................................................................................‬‬

‫الموجودات بحسب العادة‪ A‬ولذلك‪ A‬نجد الفرضيات العلمية الموجودة‪ A‬قاص‪AA‬رة‬


‫عن تعليل جميع الحوادث‪ A‬الوجودية‪ A‬بل على م‪AA‬ا يعلم‪AA‬ه هللا تع‪AA‬الى وينظم‪AA‬ه‪.‬‬
‫وهذه الحقيقة هي التي تدل عليها آيات القدر‪.‬‬
‫كقوله تعالى‪ :‬وإن من شيء إال عندنا خزائنه وما ننزله إال بقدر‬
‫‪1‬‬
‫معلوم‬
‫‪2‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬إنا كل شيء خلقناه بقدر‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬وخلق كل شيء فقدّره تقديرا‪.3‬‬
‫‪4‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى‬
‫وكذا قوله تعالى‪ :‬ما أصاب من مصيبة في األرض وال أنفسكم إال‬
‫في كتاب من قبل أن نبرأها‪.5‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ما أصاب من مصيبة إال بإذن هللا ومن يؤمن باهلل يهد‬
‫قلبه وهللا بكل شيء عليم‪( .‬سورة التغابن‪)11 :‬‬

‫ف‪AA‬إن اآلي‪AA‬ة األولى وك‪AA‬ذا بقي‪AA‬ة اآلي‪AA‬ات ت‪AA‬دل على أن االش‪AA‬ياء ت‪AA‬نزل من‬
‫ساحة اإلطالق لمرحلة التعين والتش ّخص بتقدير منه تع‪AA‬الى وتحدي‪AA‬د يتق ‪ّ A‬دم‬
‫على الشيء ويصاحبه‪ ،‬وال معنى لكون الشيء مح‪AA‬دوداً‪ A‬مق‪AA‬دراً في وج‪AA‬وده‬
‫إالّ أن يتحدد ويتعيّن بجميع روابطه التي مع سائر الموج‪AA‬ودات والموج‪AA‬ود‬
‫المادي مرتبط بمجموعة من الموجودات المادية األخرى التي هي كالقالب‬
‫الذي يقلب به الشيء ويعين وجوده‪ A‬ويح ّدده‪ A‬ويق‪ّ A‬دره فم‪A‬ا من موج‪AA‬ود م‪A‬ادي‬
‫إالّ وهو متقدر مرتبط بجمي‪AA‬ع الموج‪A‬ودات المادي‪AA‬ة ال‪A‬تي تتق ّدم‪A‬ه وتص‪AA‬احبه‬
‫فهو معلول آلخر مثله ال محالة‪.‬‬
‫ويمكن أن يستدل أيضا ً على ما م ّر‬
‫‪ 1‬سورة الحجر ‪.21 /‬‬
‫‪ 2‬سورة القمر ‪.49 /‬‬
‫‪ 3‬سورة الفرقان ‪2 /‬‬
‫‪4‬‬
‫سورة األعلى ‪.3 /‬‬
‫‪5‬‬
‫سورة الحديد‪.22 /‬‬
‫صفحة‪45............................................................................................‬‬

‫(سورة المؤمن ‪.)62‬‬ ‫بقوله تعالى‪ :‬ذلكم هللا ربكم خالق كل شيء‪.‬‬
‫وقول‪AA‬ه تع‪AA‬الى‪ :‬م‪II‬ا من دآب‪II‬ة إال ه‪II‬و آخ‪II‬ذ بناص‪II‬يتها‪ I‬إن ربي على ص‪II‬راط‬
‫مستقيم‪( .‬سورة هود ‪)56 /‬‬

‫بانض‪A‬مام م‪AA‬ا م‪A‬رّت اإلش‪AA‬ارة الي‪AA‬ه من أن اآلي‪A‬ات القرآني‪AA‬ة‬


‫ِ‬ ‫ّ‬
‫فإن اآليتين‬
‫تص ّدق قانون العلية العام تنتج المطلوب‪.‬‬
‫أن اآلية األولى تع ّمم الخلقة لك‪ّ A‬ل ش‪A‬يء فم‪A‬ا من ش‪A‬يء إال وه‪A‬و‬ ‫وذلك‪ّ A‬‬
‫مخلوق هلل ع ّز شأنه‪ ،‬واآلية الثانية تنطق بكون الخلقة واإليجاد على وت‪AA‬يرة‬
‫واح‪AAA‬دة ونس‪AAA‬ق منتظم من غ‪AAA‬ير اختالف ي‪AAA‬ؤ ّدي إلى اله‪AAA‬رج والجُ‪AAA‬زاف‪.‬‬
‫والقرآن كما عرفت يصدق قانون العليّة العام فيما بين الموجودات المادية‪،‬‬
‫أن نظام الوجود‪ A‬في الموجودات المادية سواء كانت على جري العادة‪A‬‬ ‫ينتج ّ‬
‫أو خارقة لها على صراط مستقيم غير متخلّف‪ ،‬ووت‪AA‬يرة واح‪AA‬دة في اس‪AA‬تناد‬
‫كل حادث فيه إلى العلّة المتق ّدمة عليه الموجبة له‪.‬‬
‫ومن هنا يستنتج أن األس‪AA‬باب العادي‪AA‬ة ال‪AA‬تي ربم‪AA‬ا يق‪AA‬ع التخلّ‪AA‬ف بينه‪AA‬ا وبين‬
‫مسبّباتها ليست بأسباب حقيقية بل هناك أسباب حقيقية مطردة غير متخلف‪AA‬ة‬
‫األحكام والخ‪AA‬واص‪ ،‬كم‪AA‬ا ربم‪AA‬ا يؤيّ‪AA‬ده التج‪AA‬ارب العلمي في ج‪AA‬راثيم الحي‪AA‬اة‬
‫وفي خوارق العادة‪A.‬‬

‫عالقة العليّة التكوينيّة‬


‫العلّية هي العالق‪AA‬ة الوجودي‪AA‬ة بين ش‪AA‬يئين بش‪AA‬كل يك‪AA‬ون أح‪AA‬دهما تبع ‪A‬ا ً‬
‫ان عالقة العلّيّة عبارة عن ظهور حادثين على التع‪AA‬اقب‬ ‫لآلخر‪ ،‬ومن يرى ّ‬
‫ان المعلول يحدث بعد علّت‪AA‬ه ولكن‬ ‫فان هذا التعريف يكون ناقصاً‪ ،‬فصحيح ّ‬ ‫ّ‬
‫ذلك ال يكفي لتوضيح مفهوم العلّية‪ ،‬بل الب ّد أن يكون ه‪AA‬ذا األم‪AA‬ر ناش‪AA‬ئا ً من‬
‫العالقة بينهما ومن تبعية الوجود‪ A‬الثاني إلى الوجود‪ A‬األ ّول‪.‬‬
‫طبقا ً لما يقوله بعض المحقّقين‪ ،‬كان قانون العلّة والمعلول‪ A‬أ ّول قض‪AA‬يّة‬
‫ش‪AA‬غلت الفك‪AA‬ر البش‪AA‬ري من بين القض‪AA‬ايا الفلس‪AA‬فيّة س‪AA‬بقا ً وق‪AA‬دما ً وأه ّم داف‪AA‬ع‬
‫صفحة‪46............................................................................................‬‬

‫للتفكير ل‪AA‬دى اإلنس‪AA‬ان ال‪AA‬ذي يمتل‪AA‬ك الق‪AA‬درة على التفك‪AA‬ير وفهم ق‪AA‬انون العلّ‪AA‬ة‬
‫أن لك‪ّ A‬ل حادث‪AA‬ة علّ‪AA‬ة وه‪AA‬و الس‪AA‬بب في تب‪AA‬ادر‬
‫والمعلول‪ A‬العا ّم الذي يثبت لن‪AA‬ا ّ‬
‫مفه‪AA‬وم (لم‪AA‬اذا) في ال‪Aّ A‬ذهن‪ A‬البش‪AA‬ري‪ ،‬ول‪AA‬و لم يتع‪A‬رّف ال‪AA‬ذهن‪ A‬البش‪AA‬ري على‬
‫مفهوم العلّة‪ A‬والمعلول العا ّم ولم يذعن لقانون العلّية لم يكن ليخطر في ذهنه‬
‫مفهوم (لماذا؟ (‬
‫هذه الـكلمة‪( A‬لماذا) هي األساس لك ّل العل‪AA‬وم واألفك‪AA‬ار البش‪AA‬رية وال‪AA‬تي‬
‫دفعت اإلنسان للبحث عن الجذور‪ A‬والنتائج له‪AA‬ذا الع‪AA‬الم وحوادث‪AA‬ه المختلف‪AA‬ة‪.‬‬
‫ان جميع العلوم‪ A‬البشرية انعكاس لقانون العلّية‪ ،‬ول‪AA‬و ُس‪A‬لب‬ ‫وبعبارة اُخرى‪ّ ،‬‬
‫فان هذه العلوم‪ A‬سوف تفقد محتوياتها كلّها‪.‬‬ ‫هذا القانون من البشر ّ‬
‫‪A‬إن الفلس‪AA‬فة أيض‪A‬ا ً س‪AA‬وف ت‪AA‬تزعزع بك‪ّ A‬ل‬ ‫وكذلك‪ A‬لو فقدنا قانون العلّية ف‪ّ A‬‬
‫فان العلوم واألفكار والفلسفة مبنيّة على هذا القانون‪.‬‬ ‫فروعها‪ ،‬وعليه ّ‬
‫ان بره‪AA‬ان العلّ‪A‬ة‬
‫بعد ايضاح‪ A‬هذه المق ّدمات نرجع إلى أصل بره‪A‬ان العلّي‪AA‬ة‪ .‬فنق‪A‬ول‪ّ :‬‬
‫والمعلول في الحقيقة مبن ّي على أساسين هما‪:‬‬
‫‪1‬ـ ّ‬
‫ان العالم الذي نعيش فيه حادث و ممكن الوجود‪.‬‬
‫‪2‬ـ ك‪ّ AA‬ل موج‪AA‬ود ح‪AA‬ادث وممكن الوج‪AA‬ود يجب أن ينتهي إلى واجب‬
‫الوجود‪ A،‬وبعبارة اُخرى يجب أن تنتهي الوجودات‪ A‬االرتباطية إلى الوج‪AA‬ود‬
‫المستق ّل‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬اُصول الفلسفة‪3 :‬ج ـ ص‪ .175‬مع تصرف في النص‪.‬‬
‫صفحة‪47............................................................................................‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫أصل العليّة قواعد للفكر العقالني‬


‫االرتباط بين العلّة‪ A‬والمعلول‪A‬‬
‫‪1‬ــ نظرية الوجود‪A‬‬
‫‪2‬ــ نظرية الحدوث‬
‫‪3‬ــ نظرية اإلمكان الوجودي‪( A‬الماهوي)‬
‫التّعاصر بين العلّة والمعلول‪A‬‬
‫ال ِّس ْنخيّة بين العلّة والمعلول‪A‬‬
‫صفحة‪48............................................................................................‬‬

‫أصل العلية قواعد للفكر العقالني‬


‫إن من األدلّة األخرى على قول القرآن بأصالة العقل ه‪AA‬و تبي‪AA‬ان بعض‬ ‫ّ‬
‫المسائل باستخدام العلية والمعلولية‪ .‬فالعلة والمعلول‪ ،‬وأصل العلية‪ ،‬قواعد‪A‬‬
‫للفكر العقالني‪ ،‬وهذا‪ A‬ما يحترمه القرآن ويعمل به‪.‬‬
‫أن الق‪AAAA‬رآن كالم هللا‪ّ ،‬‬
‫وأن هللا ه‪AAAA‬و خ‪AAAA‬الق العل‪AAAA‬ة‬ ‫وعلى ال‪AAAA‬رّغم من ّ‬
‫والمعلول‪ّ A،‬‬
‫وأن الكالم يدور على م‪AA‬ا وراء م‪AA‬ا تق‪AA‬ع العل‪AA‬ة والمعل‪AA‬ول‪ A‬دون‪AA‬ه‪،‬‬
‫فانّه مع ذلك ال يغفل عن ذكر السببية والمسببية لهذا العالم‪ ،‬ويضع الوق‪AA‬ائع‬
‫والظواهر تحت سيطرة هذا النظام‪.‬‬
‫من ذلك اآلية ال‪AA‬تي تق‪A‬ول‪( :‬إنّ هللا ال يغ‪II‬ير م‪II‬ا بق‪II‬وم ح‪II‬تى يغيّ‪II‬روا م‪II‬ا‬
‫بأنفسهم)‪.‬‬
‫أن يقول إنه مع ان كل المصائر بيد هللا‪ّ ،‬‬
‫فإن هللا يح ّم‪AA‬ل‬ ‫وهو بهذا يريد ْ‬
‫البش‪AA‬ر مص‪AA‬ائرهم بس‪AA‬بب اختي‪AA‬ارهم وتص‪AA‬ميمهم وعملهم‪ ،‬وال يق‪AA‬وم بعم‪AA‬ل‬
‫جزاف‪AA‬ا‪ ،‬ب‪A‬ل ح‪A‬تى المص‪AA‬ائر له‪A‬ا نظ‪A‬ام‪ ،‬ولن يغيّ‪A‬ر هللا مص‪A‬ير مجتم‪AA‬ع على‬
‫كأن يغير نظامه األخالقي‬ ‫عواهنه وبغير بديل‪ ،‬إال إذا غيّر المجتمع ما به‪ْ ،‬‬
‫أو االجتماعي‪...‬‬
‫يحث المس‪AA‬لمين على النظ‪AA‬ر في أح‪AA‬وال‪A‬‬ ‫ّ‬ ‫والق‪AA‬رآن من ناحي‪AA‬ة أخ‪AA‬رى‬
‫االقوام السالفة ومصائرها‪ ،‬يستخلصون منها الدروس‪ A‬والعبر‪ .‬من الب‪AA‬ديهي‬
‫‪A‬ارت خب‪AA‬ط عش‪AA‬واء‪،‬‬ ‫إنّه لو كانت مص‪AA‬ائر االق‪AA‬وام والمل‪AA‬ل وأنظمته‪AA‬ا ق‪ْ A‬د س‪َ A‬‬
‫ومصادفة‪ .‬أو لو كانت تلك المصائر مفروضة من فوق‪ ،‬لما ك‪AA‬ان ثم‪AA‬ة داع‬
‫لدرس أو عبرة‪ .‬فبهذا التوكيد يريد القرآن أن يشير إلى أن مصائر االق‪AA‬وام‬
‫تتح ّكم بها أنظمة واحدة‪ ،‬لو تشابهت ظ‪AA‬روف مجتم‪AA‬ع م‪AA‬ا م‪AA‬ع مجتم‪AA‬ع آخ‪AA‬ر‬
‫لتشابه مصيراهما‪.‬‬
‫وقد جاء في آية أخرى‪:‬‬
‫(فكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر‬
‫معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في األرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها‬
‫أو آذان يسمعون بها)‪.‬‬
‫صفحة‪49............................................................................................‬‬

‫نجد في كل هذا ان قبول النظم بداللة االلتزام يؤيّد النظام المب‪AA‬ني على‬
‫العلّة والمعلول‪ A.‬والقبول بحجة العلة والمعلول‪ A،‬قبول بسندية العقل‪.‬‬
‫االرتباط بين العلة والمعلول‬
‫لما كان للموج‪AA‬ود الممكن علّ‪AA‬ة تفيض علي‪AA‬ه الوج‪AA‬ود‪ A‬والتحق‪AA‬ق كحقيق‪AA‬ة‬
‫االنسان مثالً‪ ،‬فإنها في ح ّد ذاتها مفتقرة إلى علة توجدها‪ ،‬فإن وجدت علتها‬
‫وج‪AA‬دت هي معه‪AA‬ا وإالّ فال‪ ،‬وال يختل‪AA‬ف ح‪AA‬ول ه‪AA‬ذه المس‪AA‬ألة اثن‪AA‬ان‪ ،‬وه‪AA‬ذا‬
‫فإن ك‪AA‬ل عاق‪AA‬ل س‪AA‬ويٍّ ي‪ُ A‬‬
‫‪A‬ذعن‬ ‫المعنى هو المستفاد من أصل العلية‪ ،‬ومن هنا ّ‬
‫بأن لكل مصنوع صانعا ً ولك‪ّ A‬ل مخل‪AA‬وق خالق‪A‬ا ً ولك‪AA‬ل معل‪AA‬ول علّ‪AA‬ة‪ ،‬فم‪AA‬ا دام‬ ‫ّ‬
‫الموجود‪ A‬في ذاته مفتقراً في وجوده وتحققه فالبد وأن يكون مرتبطا ً بس‪AA‬بب‬
‫أفاض عليه الوجود‪ A‬والتحقق‪ ،‬وال شك أيضا ً في وجود عالقة بين المعل‪AA‬ول‬
‫وعلّته المفيضة له بالوجود‪ A‬والتحق‪AA‬ق‪ ،‬وإنم‪AA‬ا ال ُم ِه ّم في ه‪AA‬ذا المج‪AA‬ال معرف‪AA‬ة‬
‫نمط هذه العالقة وس‪A‬رّها‪ ،‬وعلى ه‪AA‬ذا ذك‪AA‬رت نظري‪AA‬ات مختلف‪AA‬ة‪ ،‬وهي كم‪AA‬ا‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪1‬ــ نظرية الوجود‬
‫وق‪AA‬د ذهب إلى ه‪AA‬ذه النظري‪AA‬ة جم‪AA‬ع من الفالس‪AA‬فة الم‪AA‬ا ّديين حيث أ ّك‪AA‬دوا‬
‫أن س ‪َّ A‬ر العالق‪AA‬ة بين المعل‪AA‬ول والعل ‪A‬ة‪ A‬يكمن في كون‪AA‬ه موج‪AA‬وداً‪ ،‬فك‪AA‬ل‬
‫على ّ‬
‫أن لك‪AA‬ل‬ ‫موجود محكوم عليه باالرتب‪AA‬اط بعل‪AA‬ة وج‪AA‬وده‪ ،‬وألجل‪AA‬ه أك‪AA‬دوا على ّ‬
‫موجود موجوداً‪ ،‬ونس‪AA‬ي ه‪A‬ؤالء ان الموج‪AA‬ود‪ A‬إذا ك‪A‬ان في وج‪A‬وده‪ A‬غني‪A‬ا ً فال‬
‫مع‪AA‬نى الرتباط‪AA‬ه بعل‪AA‬ة تفيض علي‪AA‬ه الوج‪AA‬ود وتمنح‪AA‬ه الغ‪AA‬نى‪ ،‬وإنم‪AA‬ا يحت‪AA‬اج‬
‫الشيء إلى علة الوجود إذا كان في ذاته مفتقرا الى الوجود‪ ،‬كم‪AA‬ا س‪AA‬نتحدث‬
‫عنه في جواب اإلشكاالت ان شاء هللا‪.‬‬
‫ومن هنا ذهب اإللهيون الى الق‪AA‬ول باس‪AA‬تغناء هللا عن عل‪AA‬ة الوج‪AA‬ود‪ ،‬اذ‬
‫إن‪AA‬ه غ‪AA‬ني فال مع‪AA‬نى لف‪AA‬رض ارتباط‪AA‬ه بعل‪AA‬ة توج‪AA‬ده‪ A‬وتمنح‪AA‬ه الغ‪AA‬نى اذ ه‪AA‬و‬
‫تحصيل للحاصل‪ ،‬وتحصيل الحاصل باطل كما يقولون‪.‬‬
‫‪2‬ــ نظرية الحدوث‬
‫وهذه‪ A‬النظرية منسوبة الى علماء الكالم‪ ،‬ومفادها ه‪AA‬و ان س ‪ّ A‬ر ارتب‪AA‬اط‬
‫المعلول بعلّته حدوث‪A‬ه‪ ،‬فك‪A‬ل ح‪A‬ادث محت‪A‬اج في حدوث‪A‬ه الى علّ‪A‬ة الح‪A‬دوث‪،‬‬
‫صفحة‪50............................................................................................‬‬

‫وهذه النظرية ال تخل‪AA‬و من اش‪AA‬كال‪ ،‬كم‪AA‬ا س‪AA‬يأتي في ج‪AA‬واب اإلش‪AA‬كاالت ان‬


‫شاء هللا‪.‬‬
‫‪3‬ــ نظرية اإلمكان الوجودي (الماهوي)‬
‫وهذه‪ A‬النظري‪AA‬ة هي النظري‪AA‬ة الثالث‪AA‬ة واألخ‪AA‬يرة المنس‪AA‬وبة إلى الفالس‪AA‬فة‬
‫اإلسالميين وعلى رأسهم صدر المتألهين الش‪AA‬يرازي‪ ،‬ومف‪A‬اد ه‪A‬ذه النظريّ‪AA‬ة‬
‫إن س ّر ارتباط المعلول‪ A‬بعلّت‪AA‬ه ه‪AA‬و إمكان‪AA‬ه وافتق‪AA‬اره ال‪AA‬ذاتي الوج‪AA‬ودي‪.‬‬
‫هو‪ّ :‬‬
‫‪A‬إن وج‪AA‬وده فيض من‬ ‫فالممكن في ح ّد ذاته خلو من كل وج‪AA‬ود‪ ،‬وإذا‪ A‬وج‪AA‬د ف‪ّ A‬‬
‫غيره‪ .‬فسرُّ ارتباط المعلول بعلته إمكانه وافتقاره اليها‪.1‬‬

‫التّعاصر بين العلّة والمعلول‪I‬‬


‫ول ّما كانت العالقة بين العلة والمعلول تعلقيّة ربطيّة به‪AA‬ذه ال ّدرج‪AA‬ة من‬
‫أن المعلول‪ A‬يقترن زمانا بعلت‪AA‬ه‪،‬‬ ‫الق ّوة يتّضح بجالء ما أُثر عن الفالسفة من َّ‬
‫فإذا وجدت العلة وجد معها المعلول‪ A‬وك‪AA‬ذلك إن انتفت انتفى معه‪AA‬ا معلوله‪AA‬ا‬
‫أي بمعنى آخر إن المعلول يجب أن يكون ُمعاصراً لعلّته ليرتبط بها كيان‪AA‬ه‬
‫ووج‪A‬وده‪ A،‬فال يمكن أن يوج‪A‬د بع‪A‬د زوال علّت‪A‬ه‪ ،‬أو أن يبقى بع‪A‬د ارتفاعه‪A‬ا‪،‬‬
‫وهذا هو ما يعبّر عنه بقانون التعاصر بين العلّة‪ A‬والمعلول‪.2A‬‬

‫س ْنخيّة بين العلة والمعلول‬


‫ال ِّ‬
‫أن الحرارة‪ A‬ال تصدر عن الثلج‪ ،‬والبرودة ال تنبعث من الح‪AA‬رارة‪،‬‬ ‫كما ّ‬
‫‪A‬ل‪ ،‬ك‪AA‬ذلك فال‬‫والجاه‪A‬ل‪ A‬ال يك‪AA‬ون مص‪AA‬دراً للعلم‪ ،‬والعلم ال يص‪AA‬در عن جاه‪ٍ A‬‬
‫تصلح كل علّة لك‪AA‬ل معل‪AA‬ول وال يص‪AA‬لح ك‪AA‬ل معل‪AA‬ول لك‪AA‬ل علّ‪AA‬ة‪ ،‬ف‪AA‬إن للعل‪A‬ل‪A‬‬
‫أن للمعلوالت علالً تناسبها وتسانخها‪.‬‬ ‫معاليل تناسبها وتسانخها‪ ،‬كما ّ‬
‫أن للعلّ‪AA‬ة كم‪AA‬ال‬
‫إذن السِّنخيّة بين العلة المانحة للوجود ومعلولها تع‪AA‬ني ّ‬
‫المعلول بصورة أت ّم وأكم‪A‬ل‪ .‬ول‪AA‬و ك‪A‬انت هن‪AA‬اك علّ‪A‬ةً فاق‪AA‬دة لل‪A‬ون من أل‪AA‬وان‪A‬‬

‫‪ 1‬نافذة على الفلسفة ص‪ .62/‬مع فارق قليل من النص‪.‬‬


‫‪ 2‬نافذة على الفلسفة ص ‪ .65‬مع فارق من النص‪.‬‬
‫صفحة‪51............................................................................................‬‬

‫الكمال الوجودي فإنها ال تستطيع أن تمنحه لمعلوله‪AA‬ا‪ .‬بعب‪AA‬ارة اُخ‪AA‬رى‪ :‬ك‪AA‬ل‬


‫معلول‪ A‬فهو يصدر من علّة تتمتَّع بكماله بشكل أكمل‪.‬‬
‫وبحسب هذا المفهوم تتضمن عالقة (العلية) ثالث صور متكاملة‪،‬‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫األولى‪ :‬عالقة الضرورة‪ ،‬وتعني االرتباط الثابت بين العلة والمعلول‪A‬‬
‫مع ّ‬
‫تعذر انفكاك أحدهما عن اآلخر مطلقاً‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬عالقة المناسبة‪ ،‬وتعني أن يكون بين العلة والمعلول نوع من‬
‫الخصوصية والمناسبة‪ ،‬بحيث أن أحدهما يناسب اآلخر ويصلح له دون‬
‫غيره‪ ،‬كما في مناسبة األُذن للسمع‪ ،‬والعين‪ A‬للبصر‪ ،‬والخشب للسرير‪،‬‬
‫والماء للبرودة‪ ،‬والنار للصعود‪ ،‬والحق‪ A‬األول للخير‪ ،‬والما ّدة للنقص‬
‫والشرّ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬عالقة المشابهة‪ ،‬وتعني أن يكون بين العلة والمعلول شيء‬
‫من الشبه‪ ،‬بحيث يمكن إرجاعهما إلى حقيقة واحدة‪ A‬مشتركة‪ ،‬فهما بالتالي‬
‫ينضويان تحت نوع واحد‪ A‬ال أكثر‪.‬‬
‫وتتّص‪AA‬ف ه‪AA‬ذه العالق‪AA‬ات الثالث بالتكام‪AA‬ل‪ ،‬فالعالق‪AA‬ة الثاني‪AA‬ة تتض‪AA‬من‬
‫األولى وتزيد عليها بض‪AA‬ميمة زائ‪AA‬دة هي المناس‪AA‬بة‪ ،‬كم‪AA‬ا ّ‬
‫أن العالق‪AA‬ة الثالث‪AA‬ة‬
‫تزيد على الثانية واألولى‪.1‬‬

‫‪ 1‬األسفار‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ .224‬مع تصرف في النص‪.‬‬


‫صفحة‪52............................................................................................‬‬

‫الخاتمة‬
‫الشّبهات واإلشكاالت والر ّد عليها‬
‫من خالل أبحاثنا المتقدمة اتّضح لنا ّ‬
‫أن عالق‪AA‬ة الس‪AA‬ببيّة في ه‪AA‬ذا الع‪AA‬الم‬
‫صة فقط في الظواهر الما ّديّة ب‪AA‬ل تمت‪ّ A‬د لتش‪AA‬مل الظ‪AA‬واهر المعنويَّة‬ ‫ليست خا ّ‬
‫‪A‬إن الق‪AA‬رآن يثبت عالق‪AA‬ة الس‪AA‬ببية بين ه‪AA‬ذا الع‪AA‬الم‬‫أيضاً‪ .‬وإضافة على ه‪AA‬ذا ف‪ّ A‬‬
‫أن مجال العليّة في القرآن واسع ج ّداً بحيث‬ ‫والعالم اآلخر‪ ،‬ومن هنا نعرف ّ‬
‫ال يمكن إدراك‪ A‬سعتها عند أكثر الناس‪.1‬‬
‫وعندئ ٍ‪A‬ذ يطرح أمامنا أسئلة واشكاالت فالبد من الجواب عليها‪:‬‬
‫االشكال األول‬
‫كيف يمكن الجمع بين اآليات ال ّدالة‪ A‬على العليّ‪AA‬ة والمعلولي ‪A‬ة‪ A‬وآي‪AA‬ة (كن‬
‫فيكون)؟‬
‫فآية (كن فيكون) تقول بجرّد أن يقول هللا (كن) ّ‬
‫فإن المخل‪AA‬وق‪ A‬يوج‪AA‬د‪،‬‬
‫إن وج‪AA‬ود مخل‪AA‬وق م‪AA‬ا يتوقّ‪AA‬ف على مجموع‪AA‬ة من‬ ‫بينما هذه اآلي‪AA‬ات تق‪AA‬ول‪ّ :‬‬
‫األسباب والشروط‪ ،‬فهل يكون وجود اإلنسان ب‪A‬أمر هللا من دون أن يت‪AA‬دخل‬
‫ي شيء آخر‪ ،‬أم لألشياء األخرى دخل في ذلك؟‪A‬‬ ‫أ ّ‬
‫الجواب‬
‫ّ‬
‫إن في جميع هذه الموارد توجد عالقة المعلول بالفاعل الذي منه‬
‫الوجود‪ A،‬فوجود أي موجود‪ A‬مع جميع ظروفه الوجودية وعالقاته‬
‫بالموجودات األخرى كلّها مفاضة من قبل هللا سبحانه وتعالى وليس لدينا‬
‫أي موجود آخر يمنح المجود‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي أن يكون هناك مخلوق‬
‫يتوسط في انتقال صفة أو أثر‪ ،‬وكل ما لدى المخلوق فهو من هللا‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى هللا وهللا هو الغني الحميد‪.2‬‬
‫إذن آية (كن فيكون) ناظرة إلى ناحية إفاضة الوجود‪.‬‬

‫‪ 1‬معارف القرآن ج‪ 1/‬ص ‪ .169‬مع فارق قليل من النص‪.‬‬


‫‪ 2‬سورة فاطر‪ :‬اآلية ‪.15‬‬
‫صفحة‪53............................................................................................‬‬

‫وأما اآليات التي تص ّرح باألسباب المادية فهي تذكر العالقات الس‪AA‬ائدة‪ A‬بين‬
‫الظواهر‪ ،‬وال‪AA‬تي ت‪AA‬ؤدي إلى تعيُّنه‪AA‬ا وتش ّخص‪AA‬ها‪ ،‬أي إن‪AA‬ه ال يمكن تش‪ّ A‬خص‬
‫األشياء المادية بدون هذه األم‪AA‬ور‪ ،‬فمثالً عن‪AA‬دما هللا إيج‪AA‬اد انس‪AA‬ان م‪AA‬اد ّ‬
‫ي ال‬
‫مجرّد‪:‬‬
‫قال‪ :‬منها خلقناكم وفيها نعيدكم‪.1‬‬
‫فإن فرض مثل هذا الموجود‪ A‬هو فرض للما ّدة التي يخل‪AA‬ق منه‪AA‬ا‪ ،‬وه‪AA‬و‬
‫فرض لألسباب والشروط‪ A‬التي توفّر إمكانية وجوده‪A.‬‬
‫مثال‪ :‬إذا أراد هللا لش‪AA‬خص أن يص‪AA‬بح وال‪AA‬داً‪ A‬فمعن‪AA‬اه ّ‬
‫أن وج‪AA‬ود الول‪AA‬د‪A‬‬
‫أن له علة ما ّدية‪.‬‬‫مرتبط بوجود الوالد‪ ،‬فوجود الولد‪ A‬يعني ّ‬
‫وه‪AA‬ذه‪ A‬الش‪AA‬روط ال تتعل‪AA‬ق بت‪AA‬أثير هللا‪ ،‬وإنم‪AA‬ا هي ش‪AA‬روط لتحق‪AA‬ق ه‪AA‬ذه‬
‫إن االنسان الذي يريد أن يوجد على‬ ‫الظاهرة التي تكتسب وجودها من هللا‪ّ .‬‬
‫األرض ال بد أن تكون هناك أرض حتى يوجد عليها‪ ،‬فهذا شرط للمخل‪AA‬وق‬
‫وليست هي شروطا ً لفعل هللا‪.‬‬
‫أ ّما ما نجده أحيان‪A‬ا ً في كالم بعض الفالس‪AA‬فة من ّ‬
‫{أن ه‪AA‬ذه الماهي‪AA‬ة له‪AA‬ا‬
‫هذا المقدار من االستعداد ال أك‪AA‬ثر} فهم يقص‪AA‬دون ب‪AA‬ه ه‪AA‬ذا المع‪AA‬نى‪ ،‬أي ّ‬
‫أن‬
‫ه‪A‬ذا الموج‪AA‬ود‪ A‬ل‪A‬و لم تكن ل‪A‬ه ه‪A‬ذه العالق‪AA‬ات ب‪AA‬الموجودات األخ‪AA‬رى فإن‪A‬ه ال‬
‫يتشخص‪.‬‬
‫ولتقريب هذا إلى الذهن‪ A‬نذكر هذا المثال‪:‬‬
‫ّ‬
‫وتجف‪ ،‬فهذه‬ ‫تص ّوروا في أذهانكم شجرة تغرس وتنمو وتثمر ثم تذبل‬
‫الشجرة التي تص ّورتموها قد غرست في األرض وامتصت الماء‬
‫واستفادت من أشعة الشمس‪ ،‬فأورقت وأزهرت وأثمرت‪ ،‬فهل بين‬
‫األرض والشجرة‪ A‬المتص ّورة توجد عالقة؟ نعم بالتأكيد‪ ،‬فلو لم نتص ّور‬
‫أرضا ً لما نمت الشجرة‪ ،‬وكذا‪ A‬بينها وبين الحرارة والماء و ‪ ...‬ولكن هذه‬
‫األسباب جميعا ً متحققة بإرادتكم‪ ،‬والعالقة التي بين الشجرة واألرض‬
‫والشمس المتصورة‪ A‬لم تمنع من توقف الشجرة على إرادتكم‪ ،‬فلو لم تكونوا‬
‫أنتم لم توجد هي‪ ،‬فهي أسباب مرتبة طولياً‪.‬‬
‫‪ 1‬سورة طه‪ :‬اآلية ‪.55‬‬
‫صفحة‪54............................................................................................‬‬

‫فهل يستطيع هللا أن يخلق شجرة من دون أن تغرس في أرض؟‬


‫الجواب‪ :‬نعم يستطيع‪ ،‬ولكنّها ال تكون عندئذ شجرةً أرضيّة‪ ،‬بل تكون‬
‫مثالً من أشجار الجنة‪.‬‬
‫فلك ّل موجود ما ّدي تعيّن خاص ويستلزم هذا التعيّن عالقات معيّنة مع‬
‫الموج‪AA‬ودات األخ‪AA‬رى‪ ،‬مثالً‪ :‬ك‪AA‬ل ع‪AA‬دد‪ A‬ل‪AA‬ه تعين خ‪AA‬اص وعالق‪AA‬ات مح‪AA‬ددة‬
‫باألعداد‪ A‬األخرى‪ ،‬فالعدد(‪ )2‬تعينه في أنّه يأتي بعد العدد‪ )1( A‬وقبل العدد‪( A‬‬
‫‪ ،)3‬فإذا أراد‪ A‬هللا أن يخلق (‪ )2‬فالبد أن يكون بعد العدد‪ )1( A‬وقب‪AA‬ل الع‪AA‬دد (‬
‫ألن تعيّنه يكون بهذه الصورة‪ A،‬أم‪AA‬ا إذا حل‪AA‬ق ش‪AA‬يئا ً بع‪AA‬د الع‪AA‬دد (‪ )3‬فلن‬
‫‪ّ ،)3‬‬
‫يكون هو العدد (‪ )2‬وإنما يكون هو العدد (‪.)4‬‬
‫أم‪AA‬ا الموج‪AA‬ودات المج‪AA‬رّدة‪ A‬فهي مس‪AA‬تغنيةُ عن األس‪AA‬باب المادي‪AA‬ة‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫وجودها ال يستلزم ذلك‪.1‬‬
‫االشكال الثاني‬
‫أن ك‪AA‬ل معل‪AA‬ول ال يوج‪AA‬د من غ‪AA‬ير علّت‪AA‬ه الخاص‪AA‬ة‪ ،‬أم‬
‫هل يؤيد الق‪AA‬رآن ّ‬
‫يعترف بأنّه أحيانا ً يوجد المعلول عن طريق علّته وأحيانا ً أُخرى ق‪AA‬د يوج‪AA‬د‬
‫من دون علّة؟‬
‫أيْ بمع‪AA‬نى أ ِم َن الح ْتم والض‪AA‬روري أن يوج‪AA‬د ك‪AA‬ل معل‪AA‬ول من علّت‪AA‬ه‬
‫الخاصة‪ ،‬أم قد ال يمكن إثبات العلة الخاصة لبعض الظواهر؟‬
‫توج‪AA‬د نظري‪AA‬ات مختلف‪AA‬ة تجيب على ه‪AA‬ذا يمكنن‪AA‬ا تلخيص‪AA‬ها في ثالث‬
‫نظريات وهي‪:‬‬
‫ب‪A‬أن ك‪A‬ل ظ‪A‬اهرة الب‪A‬د أن تك‪A‬ون تابع‪A‬ة ألص‪A‬ل‬ ‫األولى‪ :‬يعتقد أصحابها ّ‬
‫العليّة بشكل حتم ّي ضروريّ‪.‬‬
‫‪A‬أن أص‪AA‬ل العلي‪AA‬ة ليس ثابت‪A‬ا ً في أ ّ‬
‫ي م‪AA‬ورد من‬ ‫الثانية‪ :‬يعتقد أصحابها ب‪ّ A‬‬
‫الموارد‪ A‬على االطالق‪.‬‬

‫‪ 1‬معارف القرآن في معرفة هللا ج‪ .1/‬مع تصرف في النص‪.‬‬


‫صفحة‪55............................................................................................‬‬

‫الثالث‪III‬ة‪ :‬يق‪AA‬وم أص‪AA‬حابها بالتفص‪AA‬يل بين ظ‪AA‬واهر الفيزي‪AA‬اء النووي‪AA‬ة‬


‫وظواهر الفيزياء الكونية‪ ،‬فيخضعون الثانية ألصل العليّة‪ ،‬ويعتق‪AA‬دون ب‪ّ A‬‬
‫‪A‬أن‬
‫ظواهر الفيزياء النوويّة غير خاضعة لهذا األصل‪.‬‬
‫ي االلكترونات يخرج من مداره‪ ،‬فأحدها‬ ‫مثالً في داخل الذرة ال نعلم أ ّ‬
‫يخ‪AA‬رج ص‪AA‬دفة من دون أن يمكن التنب‪AA‬ؤ ب‪AA‬ه س‪AA‬لفاً‪ .‬ف‪AA‬ا ّدعوا أن‪AA‬ه في ه‪AA‬ذه‬
‫المجاالت ال يسيطر أصل العليّة‪.‬‬
‫أن أصل العلي‪AA‬ة أم‪AA‬ر‬‫والصحيح‪ A‬من وجهة نظر الفالسفة اإلسالمية هو ّ‬
‫ي استثناء‪ ،‬وإذا‪ A‬لم نستطع في بعض المجاالت أن نصل‬ ‫ي يرفض أ َّ‬‫ضرور ّ‬
‫إلى علة ظاهرة معيّنة فذلك يعود إلى نقص تجاربنا ال أنها ال علة له‪AA‬ا‪ ،‬ب‪AA‬ل‬
‫له‪AA‬ا علّ‪AA‬ة ولكنّن‪AA‬ا لم نعرفه‪AA‬ا بع‪AA‬د‪ .‬وتفص‪AA‬يل ك‪AA‬ل ه‪AA‬ذا ي‪AA‬ذكر في الدراس‪AA‬ات‬
‫الفلسفية‪ ،‬وقد أشرنا إليه بمقدار الحاجة‪.‬‬
‫االشكال الثالث‬
‫‪1‬‬
‫نظرية الحدوث المنسوبة إلى المتكلمين‬
‫كي‪AA‬ف نجيب على النظريّ‪AA‬ة المنص‪AA‬وبة الى علم‪AA‬اء الكالم‪ ،‬القائل‪AA‬ة ب‪ّ A‬‬
‫‪A‬أن‬
‫حاجة المعلول إلى العلّة في حال الحدوث فقط الفي حال البقاء؟‬
‫الجواب‬
‫م ا أش ّد س خافة ت وهّم من ي رى أنّ حاج ة المعل ول إلى العل ة في ح ال‬
‫الحدوث فقط الفي ح ال البق اء‪ ،‬ح تى ص رَّ ح بعض ه ؤالء الق ائلين به ذا‬
‫الرأي جهالً وعناداً‪ :‬أنّ الباري لو جاز عد ُم ه لم ا ض رّ عدم ه في وج ود‬
‫الع الم بع ده‪ ،‬لتحق ق الح دوث بإحداث ه‪ .‬وه ذا غاي ة الجه ل والفس اد في‬
‫االعتقاد‪.‬‬
‫على أنّ كل علة ذاتية فهي مع معلولها تحتاج اليه تعالى وج ودا ودوام اً‪،‬‬
‫جوهره ا التس خين‬ ‫ومن الشواهد على ذلك ح رارة الن ار ال تي تفيض من ْ‬
‫على ما حولها من األجسام‪ ،‬وإفاضة الماء الرطوبة والبل ل على األجْ س ام‬
‫المجاورة له‪ ،‬والرطوبة ذاتية للم اء كح رارة الن ار‪ ،‬وك ذلك النفس تفيض‬
‫‪ 1‬نافذة على الفلسفة‪ .‬ص‪ .62/‬مع تصرف قليل من النص‪.‬‬
‫صفحة‪56............................................................................................‬‬

‫الحياة على البدن والحياة ذاتية لها‪ ،‬فال تزال الحياة تنش أ منه ا على الب دن‬
‫الذي هو جسم ميّت في ذاته حيّ بالنفس مادام صالحا ً إلفاضة الحياة عليه‬
‫منها‪ ،‬فإذا فسد صلوحه لقبول الحياة تخلّت عنه وارتحلت‪.‬‬
‫وأما نس بة اإليج اد إلى المؤلِّف والم ر ِّكب (بالكس ر فيهم ا) كالب ّن اء لل دار‬
‫والكاتب للخط‪ ،‬والخيّاط للثوب‪ ،‬فهي مغالطة نشأت من عدم الفرق بين ما‬
‫بالذات وما بالعرض‪ ،‬وأخذ ما ليس بعلّة علّة‪ ،‬فإن أكثر ما يظ ّنون ه ف اعالً‬
‫ليس بفاعل في الحقيقة‪ ،‬وذلك كاألب لألوالد والزارع للزرع‪ ،‬فليست هذه‬
‫ونحوها عِ َلالً مفيدة لوجود ما ينسب إليه ا‪ ،‬ب ل إنم ا هي مع ّدات من جه ة‬
‫تسببها وعلل ب العرض ال بال ذات‪ ،‬والمعطي للوج ود في ه ذه المعل والت‬
‫هو هللا تعالى كما أشار إليه بقوله تعالى‪:‬‬
‫(أفرأيتم ما ُتمنون ءأنتم َتخلقو َنه أ ْم َنحنُ الخالقون‪)1‬‬
‫فما يسمّيه الجمهور فاعال ليس إال ّ مُباشر الحركات ومبدأ التغ يرات‪،‬‬
‫وأما فاعل الصور ومعطي الوجود فهو الحق ّ‬
‫عز اس مه ال ش ريك ل ه في‬
‫خلقه بل إن شئت فقل في كل معلول وعلّة وفي كل فعل وفاعل حتى فيم ا‬
‫قيل أ ّنه علّة ذاتية كالن ار‪ :‬إن الفاع ل ال ذي يفيض الوج ود ومن ه الوج ود‬
‫وواهب الصور هو هللا وحده ال غيره‪.‬‬
‫االشكال الرابع‬
‫ربّما يقال االلتزام بعمومية خالقيّته تعالى (عليَّته) لك ّل شيء يس‪AA‬تلزم إس‪AA‬ناد‬
‫تنزهه سبحانه من ك ّل قبح وشين‪.‬‬ ‫قبائح األفعال إليه تعالى‪ ،‬وهذا ينافي ُّ‬
‫أن لألفعال جهتين‪ ،‬جهة الثبوت والوج‪AA‬ود‪ ،‬وجه‪AA‬ة اس‪AA‬تنادها إلى‬ ‫والجواب‪ّ :‬‬
‫فواعلها بالمباشرة‪ ،‬فعنوان الطّاعة‪ A‬والمعصية ينتزع من الجهة الثانية‪ ،‬وما‬
‫يس‪AA‬تند إلى هّللا تع‪AA‬الى هي الجه‪AA‬ة األولى‪ ،‬واألفع‪AA‬ال به‪AA‬ذا اللح‪AA‬اظ متّص‪AA‬فة‬
‫بالحسن والجمال‪ ،‬أي الحسن التكويني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة الواقعة ‪.59-58‬‬
‫صفحة‪57............................................................................................‬‬

‫وبعبارة أُخرى‪ :‬عنوان الحسن والقبح المنطبق على األفع‪AA‬ال الص‪AA‬ادرة‪ A‬عن‬
‫فاعل شاعر مختار‪ ،‬هو الذي يدركه العق‪AA‬ل العملي بلح‪AA‬اظ مطابق‪AA‬ة األفع‪AA‬ال‬
‫ألحك‪AA‬ام العق‪AA‬ل والش‪AA‬رع وع‪AA‬دمها‪ ،‬وه‪AA‬ذا الحس‪AA‬ن والقبح يرج‪AA‬ع إلى الفاع‪AA‬ل‬
‫المباشر للفعل‪ .‬أصل وجود‪ A‬الفعل يس‪AA‬تند إلى هّللا تع‪AA‬الى وينتهي إلى إرادت‪AA‬ه‬
‫سبحانه‪ ،‬والفعل بهذا االعتبار ال يتّصف بالقُبح‪ ،‬فإنّه وجود‪ A‬والوج‪AA‬ود خ‪AA‬ير‬
‫وحسن في ح ّد ذاته‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬الَّ ِذي أَ ْح َ‬
‫س َن ُك َّل ش َْي ٍء َخلَقَهُ‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬هّللا ُ خالِ ُ‬
‫ق ُك ِّل ش َْيء‬
‫فك ّل شيء كما انّ‪AA‬ه مخل‪AA‬وق‪ ،‬حس‪AA‬ن‪ ،‬فالخلق‪AA‬ة والحس‪AA‬ن متص‪AA‬احبان ال ينف‪ّ A‬‬
‫ك‬
‫أحدهما عن اآلخر أصالً‪.‬‬

‫صلنا‪ I‬إليها من خالل هذا البحث‬


‫أه ُّم النتائج التي تو ّ‬
‫تش هد النظ رة العلم ّي ة والفلس فيّة بقي ام ال ّنظ ام الك وني على أس اس العلي ة‬
‫والمعلولية‪ ،‬وعالقة ك ّل ظاهرة من الظواهر الطبيعيّة بعلّة وس بب م ا ّدي‪.‬‬
‫صفحة‪58............................................................................................‬‬

‫فالنظام الذي يتألّف من سلسلة العل ل والمعل والت يك ون قائم ا ً باهلل تع الى‬
‫دون أن يتمتع بأيّ استقالل ذاتي واستغناء عنه حدوثا ً وبقاء ذاتا ً وفعالً‪.‬‬
‫اإلنسان بأنَّ الكتاب العزيز يعترف ب أنَّ‬ ‫واإلمعان في اآليات الكريمة يفهم ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلمكاني نظام األسباب والم َُسبَّبات‪ ،‬وأ ّنه يرى أيضا ً بأنّ ك ّل م ا‬ ‫ك ّل نظام ِ‬
‫في ه ذه الحي اة من س ماء وك واكب وأرض وجب ال وص حراء وبح ر‪،‬‬
‫وعناصر ومعادن‪ ،‬وسحاب ورعد وبرق وصاعقة‪ ،‬ومطر وبرد‪ ،‬ونب ات‬
‫وشجر‪ ،‬وحجر وحيوان وإنسان‪ ،‬وغيرها من الموجودات غير مستقلّة في‬
‫التأثير‪ ،‬وإنّ كل ما ينتسب إليه ا من اآلث ار ليس ت ل ذوات ه ذه األس باب‪،‬‬
‫ألنه هو الذي أعطى لألسباب سببيّتها وللعل ل علّيته ا‪ ،‬وا ّنم ا ينتهي ت أثير‬
‫هذه المؤثرات إلى هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فألج ل ذل ك ينس ب الفع ل الواح د‬
‫إلى هللا سبحانه وفي الوقت نفسه إلى غيره من دون أن يكون هناك تض ا ّد‬
‫في النسبة‬
‫اإلنس ان‬ ‫مثالً نِسبة الفعل إلى هللا سبحانه إشارة إلى الجانب التسبيبي وإلى ِ‬
‫إشارة إلى الجانب المباشِ ري‬
‫كقول ه تع الى‪َ ﴿:‬و َم)))ا َر َم ْي َت ْإذ َر َم ْي َت َو َلكِنّ هّللا َ َر َمى ﴾(س ورة األنف ال‪:‬‬
‫‪ (17‬فهو يصف النبي األَعظم صلى هللا عليه وآله وس لم ب الرّ مي وينس به‬
‫إلي ه حقيق ة ويق ول‪" :‬إذ رميت"‪ ،‬لك ّن ه يص ف هللا س بحانه بأن ه ال رامي‬
‫الحقيقي‪.‬‬
‫وال يعني أيضا ً اثبات أصل العليّة والمعلولية في عالم الوجود كون خ الق‬
‫وط ب إذن‬ ‫تأثير ك ِّل ظاهرة ما ّدية في مثلها من ٌ‬ ‫َ‬ ‫عز وجلّ؛ ألنّ‬ ‫آخر غير هللا ّ‬
‫وس َببيّته كالهم ا من مظ اهر المش يئة اإللهي ة‪ ،‬فاهلل‬ ‫هللا‪ ،‬ووج ود الس بب َ‬
‫سبحانه هو الذي أعطى النور‪ ،‬والضوء للش مس والقم ر‪ ،‬وإذا أراد َس ْل َبه‬
‫ثان‪.‬‬
‫عنهما فعل ذلك دون مانع ومنازع‪ ،‬ولهذا كان الخالق الوحيد بال ٍ‬
‫‪ ‬وقد أيّد القرآن الكريم قانون العليّة ونظام السببية في الكون‬
‫كيف َيشاء)‬
‫ماء َ‬ ‫س ُط ُه فِي َ‬
‫الس ِ‬ ‫سحابا ً َف َي ْب ُ‬‫الرياح فتثي ُر َ‬
‫َ‬ ‫كما قال هللا‪ُ ( :‬يرسل ُ‬
‫صفحة‪59............................................................................................‬‬

‫وس ْوقها‪.‬‬
‫ب َ‬‫ت اآلي ُة المذكورة بتأثير الرياح في تحريك السحا ِ‬
‫صرَّ َح ِ‬
‫فقد َ‬
‫ان جري ان ه ذه العل ل واالس باب والمس ببات في ع الم الم ادة ال يع ني‬
‫استقاللها في االيجاد والعلية‪ ،‬بل ان هللا تعالى هو الذي أوجد تلك القوانين‬
‫والسنن في عالم المادة وجعلها حاكمة وجارية فيه‪ .‬فالشمس واله واء إنم ا‬
‫يؤثران في ظهور النبات والم اء في نموه ا‪ ،‬ولكن ب إذن هللا تع الى وأنه ا‬‫ّ‬
‫انعكاسات للسنن االلهية في الوجود‪.‬‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل ربّ العالمين اللهم ص ّل على سيّدنا ونبيّنا‬
‫محمد وآله ما اختلف الملوان وتعاقب العصْ ران وكرّ الجديدان واستقبل‬
‫الفر قدان وبلّغ روحه وأرواح أهل بيته م ّنا التحية والسالم‪.‬‬

You might also like