عندما عثر على صبي (أفيرون) الوحشي من الغابة ع ام 1799م وك ان غالما ً قد أهمل وت رك للغاب ة يعيش فيه ا ،اس تطاع أن ينج و من الم وت، وخرج قويا ً كالحيونات ،اليعرف البرد والمطر والمرض ،قال عنه يومه ا الفيلسوف الفرنسي (روس و) انظ روا إلى الطبيع ة كي ف تفع ل باالنس ان، وانظروا إلى الحضارة ماذا تفعل باإلنس ان؟ حين تس لب من ه ك ل مقاوم ة عضوية ،وكل ن ور فط ري ،وليس منه ا س وى إفس اد اإلنس ان ،وتل ويث البيئة ،وإشعال الحروب ،وإفساد الصحة العامة .وفي الواقع ف إن قس مامن كالم ه ص حيح ،ولكن والدة المجتم ع لم تكن برغب ة من اإلنس ان بق در الضرورة لذلك كما قرر ابن خلدون ،ونحن في النهاية كائنات اجتماعي ة، ولوال المجتمع الفرنسي ما تطور روسو نفسه وال نط ق الفرنس ية وكتب؟ ولم يكن عم ل األنبي اء والمص لحين في الت اريخ يه دف إلى ت دمير المجتمعات بقدر الرقي بها..وهنا التحدي األعظم .وفي الح ديث "الم ؤمن ال ذي يخال ط الن اس ويص بر على أذاهم ،خ ير من ال ذي اليخ الطهم وال يص بر على أذاهم" ..اش تهر الرج ل بجمل ة خال دة "ول د الن اس أح راراً ولكنهم يرزحون في األغالل في كل مكان" .مع أن معظم ماجاء به س بقه إليه كثيرون؟ وفي اللحظة التي ولد فيه ا الفيلس وف الفرنس ي (ج ان ج اك روسو) عام 1712م في جنيف ،كانت أمه في محن ة كب يرة ،ت نزف على نحو خطير .ونحن األطباء نعرف هذه الظاهرة جيدا ،عندما يعجز ال رحم عن التقلص بعد الوضع ،وال نجاة منها إال باستئصال الرحم كل ه أحيان ا.. وقص ة ال والدة معج زة إالهي ة ،فل وال تقلص ال رحم واس ترخائه م ا ن زل الج نين ،ول وال االنقب اض لم اتت ك ل ام رأة تل د" ..وفي أنفس كم أفال تبصرون" .المهم أن أم الفيلس وف روس و في ظ روف فرنس ا البائس ة من التخلف الطبي والفقر ماتت بعد ساعة من والدة الفيلسوف ،أما أبوه فك ان منفيا ً من المدين ة ،وهك ذا تعلم الفلس فة من المعان اة .وفي الواق ع لم ع ه ذا الرجل للطبيعة الحامية التي تم يز به ا ،والكم الهائ ل من األفك ار الثوري ة التي قذف بها إلى ساحة الفكر ،فهو يرى أن م ايغير اإلنس ان هي األفك ار االجتماعية والنفسية ،أك ثر من الفيزي اء والكيمي اء أو ق وانين البيولوجي ا. ومعظم تراث ه ال ذي ترك ه ص ب في مج اري االجتم اع والسياس ة واألنثروبولوجيا والتربية والدين؛ فهو كتب في السياسة بعنوان (مقال ة في أصل الظلم) عام 1755م ،وفي التربي ة (أمي ل) ع ام 1762م وه و من أجمل م ا كتب في تربي ة الطف ل ،وفي علم االجتم اع (العق د االجتم اعي) الذي ذكر فيه " أن القانون هو ماسطر على القلوب أكثر منه م اكتب على الصفحات" وهو يش هد لالنتخاب ات ال تي تح دث في الع الم الع ربي وكله ا تزوير وغش وكذبه وزور ،ذلك أن رصيد الديمقراطية ليس الصناديق بل وعي الجماهير .كما كتب مذكراته الشخص ية ،وهي بح ق ممتع ة بعن وان (االعترافات) ،وأنا شخص يا اس تمتعت بقراءته ا .ونق ل عن ه ع الم النفس السلوكي (س كينر) بإعج اب فكرت ه عن تولي د الس لوك عن د الطف ل ،وهي تقنية الداية أي القابلة في ال والدة ،فمن المهم للطف ل أن نجعل ه "يتص رف كما يريد ،دون أن يدري أن ه يعم ل مانري د" .كم ا تل د الم رأة في ال والدة بكبسها ولكن بتوجيه القابلة .وفي بداي ة حيات ه التم ع اس مه م ع المفك رين الفرنسيين المهمين مثل (فولتير) و(ديدرو) صاحب الموسوعة و(كالمبير) ولكنه اختلف بآرائه عنهم شيئا ً فش يئاً ،من خالل بعض األفك ار ال تي رأوا فيها تطرفا ً غير مقبول؛ مث ل قول ه "إن المدني ة س يئة" .وعن دما س ئل أي االثنين كان ل ه ال دور األك بر في تق دم اإلنس انية :العل وم أم الفن ون؟ ك ان جوابه :كالهم ا عم ل على تخ ريب اإلنس ان .ول ذلك دع ا إلى الع ودة إلى الطبيعة .وأجمل آرائه ك انت في التربي ة حين نص ح األمه ات بااللتص اق الجيد بأبنائهن ،وأن يعيش الطفل في حضن أمه إلى فترة طويل ة ،فيكس ب الرحم ة والحن ان واح ترام الحي اة والثق ة بالع الم والمس تقبل ،وش هد له ذا دراسات إيريكسون في علم النفس االرتقائي وأزمات التطور الثمان .ومن أشد آرائه تطرفا ً ماتبنته النظريات الفوض وية والش يوعية في نقض بني ان الدولة ألنها س بب ك ل فس اد ،والفوض وية هي حكم الجماع ة ب دون دول ة وليست فوضى كما ترجمت خطأ ،واألولى أن يقال مجتم ع الالدول ة كم ا دعا إلى ذلك تولس توي ..ع اش روس و في الق رن الث امن عش ر ،ولم يكن ذلك الرجل الملتزم بعائلة وحياة مستقرة ،بل ع اش حي اة بوهيمي ة ذكره ا بالتفص يل في كتاب ه (االعتراف ات) فعاش ر الكث يرات وج اءه العدي د من األوالد غير الشرعيين ،وبقي يتنقل من حضن امرأة ألخ رى ،وأنجب من األولى (تيريز ليفاسير) خمسة أبناء غير شرعيين ،أودعهم جميعا ً مالجئ األطف ال ،وم ات في نهاي ة حيات ه مكتئب ا ً حزين ا ً بس بب نف ور الن اس من أفكاره ،واالضطهاد السياسي .وكان مماته عام 1778قبل اندالع الث ورة بـ 11عام ا ففات ه ه ذا الفص ل الممت ع ،والمقص لة ته وي على ال رؤوس فتطير؛ فقد عاد المجتمع الفرنسي إلى الطبيعة كما أراد..