You are on page 1of 3

‫‪kjalabi@hotmail.

com‬‬ ‫العودة إلى الطبيعة‬


‫‪ ‬عندما عثر على صبي (أفيرون) الوحشي من الغابة ع ام ‪1799‬م وك ان‬
‫غالما ً قد أهمل وت رك للغاب ة يعيش فيه ا‪ ،‬اس تطاع أن ينج و من الم وت‪،‬‬
‫وخرج قويا ً كالحيونات‪ ،‬اليعرف البرد والمطر والمرض‪ ،‬قال عنه يومه ا‬
‫الفيلسوف الفرنسي (روس و) انظ روا إلى الطبيع ة كي ف تفع ل باالنس ان‪،‬‬
‫وانظروا إلى الحضارة ماذا تفعل باإلنس ان؟ حين تس لب من ه ك ل مقاوم ة‬
‫عضوية‪ ،‬وكل ن ور فط ري‪ ،‬وليس منه ا س وى إفس اد اإلنس ان‪ ،‬وتل ويث‬
‫البيئة‪ ،‬وإشعال الحروب‪ ،‬وإفساد الصحة العامة‪ .‬وفي الواقع ف إن قس مامن‬
‫كالم ه ص حيح‪ ،‬ولكن والدة المجتم ع لم تكن برغب ة من اإلنس ان بق در‬
‫الضرورة لذلك كما قرر ابن خلدون‪ ،‬ونحن في النهاية كائنات اجتماعي ة‪،‬‬
‫ولوال المجتمع الفرنسي ما تطور روسو نفسه وال نط ق الفرنس ية وكتب؟‬
‫ولم يكن عم ل األنبي اء والمص لحين في الت اريخ يه دف إلى ت دمير‬
‫المجتمعات بقدر الرقي بها‪..‬وهنا التحدي األعظم‪ .‬وفي الح ديث "الم ؤمن‬
‫ال ذي يخال ط الن اس ويص بر على أذاهم‪ ،‬خ ير من ال ذي اليخ الطهم وال‬
‫يص بر على أذاهم"‪ ..‬اش تهر الرج ل بجمل ة خال دة "ول د الن اس أح راراً‬
‫ولكنهم يرزحون في األغالل في كل مكان"‪ .‬مع أن معظم ماجاء به س بقه‬
‫إليه كثيرون؟ وفي اللحظة التي ولد فيه ا الفيلس وف الفرنس ي (ج ان ج اك‬
‫روسو) عام ‪1712‬م في جنيف‪ ،‬كانت أمه في محن ة كب يرة‪ ،‬ت نزف على‬
‫نحو خطير‪ .‬ونحن األطباء نعرف هذه الظاهرة جيدا‪ ،‬عندما يعجز ال رحم‬
‫عن التقلص بعد الوضع‪ ،‬وال نجاة منها إال باستئصال الرحم كل ه أحيان ا‪..‬‬
‫وقص ة ال والدة معج زة إالهي ة‪ ،‬فل وال تقلص ال رحم واس ترخائه م ا ن زل‬
‫الج نين‪ ،‬ول وال االنقب اض لم اتت ك ل ام رأة تل د‪" ..‬وفي أنفس كم أفال‬
‫تبصرون"‪ .‬المهم أن أم الفيلس وف روس و في ظ روف فرنس ا البائس ة من‬
‫التخلف الطبي والفقر ماتت بعد ساعة من والدة الفيلسوف‪ ،‬أما أبوه فك ان‬
‫منفيا ً من المدين ة‪ ،‬وهك ذا تعلم الفلس فة من المعان اة‪ .‬وفي الواق ع لم ع ه ذا‬
‫الرجل للطبيعة الحامية التي تم يز به ا‪ ،‬والكم الهائ ل من األفك ار الثوري ة‬
‫التي قذف بها إلى ساحة الفكر‪ ،‬فهو يرى أن م ايغير اإلنس ان هي األفك ار‬
‫االجتماعية والنفسية‪ ،‬أك ثر من الفيزي اء والكيمي اء أو ق وانين البيولوجي ا‪.‬‬
‫ومعظم تراث ه ال ذي ترك ه ص ب في مج اري االجتم اع والسياس ة‬
‫واألنثروبولوجيا والتربية والدين؛ فهو كتب في السياسة بعنوان (مقال ة في‬
‫أصل الظلم) عام ‪ 1755‬م‪ ،‬وفي التربي ة (أمي ل) ع ام ‪1762‬م وه و من‬
‫أجمل م ا كتب في تربي ة الطف ل‪ ،‬وفي علم االجتم اع (العق د االجتم اعي)‬
‫الذي ذكر فيه " أن القانون هو ماسطر على القلوب أكثر منه م اكتب على‬
‫الصفحات" وهو يش هد لالنتخاب ات ال تي تح دث في الع الم الع ربي وكله ا‬
‫تزوير وغش وكذبه وزور‪ ،‬ذلك أن رصيد الديمقراطية ليس الصناديق بل‬
‫وعي الجماهير‪ .‬كما كتب مذكراته الشخص ية‪ ،‬وهي بح ق ممتع ة بعن وان‬
‫(االعترافات)‪ ،‬وأنا شخص يا اس تمتعت بقراءته ا‪ .‬ونق ل عن ه ع الم النفس‬
‫السلوكي (س كينر) بإعج اب فكرت ه عن تولي د الس لوك عن د الطف ل‪ ،‬وهي‬
‫تقنية الداية أي القابلة في ال والدة‪ ،‬فمن المهم للطف ل أن نجعل ه "يتص رف‬
‫كما يريد‪ ،‬دون أن يدري أن ه يعم ل مانري د"‪ .‬كم ا تل د الم رأة في ال والدة‬
‫بكبسها ولكن بتوجيه القابلة‪ .‬وفي بداي ة حيات ه التم ع اس مه م ع المفك رين‬
‫الفرنسيين المهمين مثل (فولتير) و(ديدرو) صاحب الموسوعة و(كالمبير)‬
‫ولكنه اختلف بآرائه عنهم شيئا ً فش يئاً‪ ،‬من خالل بعض األفك ار ال تي رأوا‬
‫فيها تطرفا ً غير مقبول؛ مث ل قول ه "إن المدني ة س يئة"‪ .‬وعن دما س ئل أي‬
‫االثنين كان ل ه ال دور األك بر في تق دم اإلنس انية‪ :‬العل وم أم الفن ون؟ ك ان‬
‫جوابه‪ :‬كالهم ا عم ل على تخ ريب اإلنس ان‪ .‬ول ذلك دع ا إلى الع ودة إلى‬
‫الطبيعة‪ .‬وأجمل آرائه ك انت في التربي ة حين نص ح األمه ات بااللتص اق‬
‫الجيد بأبنائهن‪ ،‬وأن يعيش الطفل في حضن أمه إلى فترة طويل ة‪ ،‬فيكس ب‬
‫الرحم ة والحن ان واح ترام الحي اة والثق ة بالع الم والمس تقبل‪ ،‬وش هد له ذا‬
‫دراسات إيريكسون في علم النفس االرتقائي وأزمات التطور الثمان‪ .‬ومن‬
‫أشد آرائه تطرفا ً ماتبنته النظريات الفوض وية والش يوعية في نقض بني ان‬
‫الدولة ألنها س بب ك ل فس اد‪ ،‬والفوض وية هي حكم الجماع ة ب دون دول ة‬
‫وليست فوضى كما ترجمت خطأ‪ ،‬واألولى أن يقال مجتم ع الالدول ة كم ا‬
‫دعا إلى ذلك تولس توي‪ ..‬ع اش روس و في الق رن الث امن عش ر‪ ،‬ولم يكن‬
‫ذلك الرجل الملتزم بعائلة وحياة مستقرة‪ ،‬بل ع اش حي اة بوهيمي ة ذكره ا‬
‫بالتفص يل في كتاب ه (االعتراف ات) فعاش ر الكث يرات وج اءه العدي د من‬
‫األوالد غير الشرعيين‪ ،‬وبقي يتنقل من حضن امرأة ألخ رى‪ ،‬وأنجب من‬
‫األولى (تيريز ليفاسير) خمسة أبناء غير شرعيين‪ ،‬أودعهم جميعا ً مالجئ‬
‫األطف ال‪ ،‬وم ات في نهاي ة حيات ه مكتئب ا ً حزين ا ً بس بب نف ور الن اس من‬
‫أفكاره‪ ،‬واالضطهاد السياسي‪ .‬وكان مماته عام ‪ 1778‬قبل اندالع الث ورة‬
‫بـ ‪ 11‬عام ا ففات ه ه ذا الفص ل الممت ع‪ ،‬والمقص لة ته وي على ال رؤوس‬
‫فتطير؛ فقد عاد المجتمع الفرنسي إلى الطبيعة كما أراد‪..‬‬

You might also like