Professional Documents
Culture Documents
الكوارث
عرض :د .مازن النجار
آخر تحديث :األربعاء 15يناير 11:50 2014مكة المكرمة
(الجزي
رة)
ف في هذا الكتاب ،تقوِّض نعومي كالين أسطورة انتصار اقتصاد السوق الحرة عالميًا بطريقة ديمقراطية ،وتكش
أفكار ومسارات المال ،وخيوط تحريك الدمى وراء أزمات وحروب غيّرت العالم في العقود األربعة األخيرة.
"مبدأ الصدمة" هو رؤية طموحة للتاريخ االقتصادي في الخمس ين عامً ا الماض ية،
ولصعود أصولية السوق الحرة .إن نظام "رأسمالية الكوارث" عنيف ويتطلب اإلرهاب
أحيانًا ليقوم بعمله؛ فقد مهدت األزمة المالية اآلسيوية ( )1997الطريق أمام صندوق
النقد الدولي لفرض برامج بالمنطقة وبيع شركات حكومية لبنوك أجنبي ة وش ركات
متعددة الجنسيات .كما أتاحت كارثة تسونامي لحكومة سريالنكا طرد الص يادين من
قراهم الساحلية لبيعها لشركات االستثمار الفندقي ،وأتاح دم ار 11س بتمبر/أيل ول
2001لجورج بوش شنّ حرب تهدف إلنتاج سوق حرة بالعراق.
صدمات ثالث
يُظهر الكتاب أن رأسمالية الكوارث (هندسة س ريعة الطلق ات تجريه ا الش ركات
لمجتمعات تترنح من الصدمات) لم تبدأ بكارثة 11سبتمبر/أيلول ،بل تعود أص ولها
إلى جامعة شيكاغو منذ 50عامًا بقيادة ميلت ون فري دمان؛ حيث تخ رّج مفك رون
محافظون جدد ونيوليبراليون ،وال يزال تأثيرهم عميقًا في واشنطن .اكتشفت المؤلف ة
عالقات جديدة مذهلة بين السياسة االقتص ادية ،وح روب «الص دمة وال ترويع»،
وتجارب سرية مولتها االستخبارات المركزية تتعلق بالصدمات الكهربائية والحرمان
الحسي بالخمسينات ،وهي أبحاث ساعدت في كتابة إرشادات التع ذيب المس تخدمة
بمعتقل خليج غوانتانامو .هنا ،ترسم كالين خطًا واضحًا يرب ط تع ذيب الس بعينات
بأميركا الالتينية بالتعذيب في أبوغريب وغوانتانامو.
تقارن نعومي كالين السياسة االقتصادية الرأسمالية المتطرفة بالعالج بالصدمة ال ذي
يستخدمه أطباء نفسيون ،وعقدت المؤلفة مقابلة مع جيل كاستنر ،أحد ضحايا تجارب
أساليب استجواب سرية أجراها العالم إي وين ك اميرون( )2لص الح االس تخبارات
المركزية بالخمسينات ،وكانت فكرته استخدام العالج بالصدمات الكهربائي ة لكس ر
إرادة المرضى؛ ثم تعاد برمجتهم ،لكن بعد أن كسر كاميرون مرضاه لم يستطع أب دًا
إعادة بنائهم .هذه المقارنة مبالغ فيها وغير مقنعة ،لكن بالنسبة لكالين تبدو ال دروس
المستفادة واضحة :تصاب البلدان بصدمات الحروب والهجمات اإلرهابية واالنقالبات
العسكرية والكوارث الطبيعية ،ثم تصاب بصدمة ثانية بواسطة ش ركات وسياس يين
يستغلون الخوف واالرتباك الن اجم عن الص دمة األولى لتمري ر العالج بالص دمة
االقتصادية .أحيانًا ،عندما ال تنجح الصدمتان األوليان في القض اء على المقاوم ة،
تُستخدَم صدمة ثالثة :الكهرباء في زنزانة السجن أو بندقية الصدمات الكهربية "تيزر"
في الشوارع لمن يجرؤ على المقاومة.
%التغيير
الصدمات تنتج
في إحدى مقاالته األكثر تأثيرًا ،صاغ فريدمان العقار السري التك تيكي للرأس مالية
المعاصرة؛ وهو ما فهمت كالين أنه "مبدأ الصدمة" .يرى فريدمان أن "األزمات فقط،
حقيقية أو متصورة ،تنتج تغيرًا حقيقيًا"؛ فعند وقوع كارثة تُعتمد اإلجراءات ال تي يتم
اتخاذها بناء على األفكار المتاحة؛ حيث يقوم بعض الناس بتخزين سلع معلبة ومي اه
استعدادًا لكوارث كبرى؛ بينما يخزّن أتباع فريدمان أفكار الس وق الح رة .بوق وع
األزمة ،نجد فريدمان مقتنعًا بضرورة التحرك سريعًا ،لفرض تغيير دائم قبل ع ودة
المجتمع الذي اجتاحته األزمة إلى "شدة وطأة ظروف ما بعد الكارثة"؛ وه و تنوي ع
على نصيحة مكيافيلي بوجوب إيقاع "األضرار كلها مرة واحدة".
تعلم فريدمان ألول مرة كيفية استغالل الصدمة بمنتصف سبعينات القرن العش رين،
عندما استشاره الديكتاتور الج نرال أوغس تو بينوش يه في السياس ات وال برامج
االقتصادية .كان التشيليون حينها مصدومين بعد انقالب بينوشيه العنيف ،كما ك انت
البالد أيضًا مصدومة بالتضخم الهائل .أشار فريدمان على بينوشيه بف رض تح ول
اقتصادي سريع الطلقات ،يتضمن :خفض الضرائب ،وتحرير التجارة ،وخصخص ة
الخدمات ،وخفض اإلنفاق االجتماعي ،وتحرير االقتصاد من الرقابة .كان ه ذا ه و
التحول الرأسمالي األكثر تطرفًا من أية محاولة سابقة ،وأصبح يُعرف بثورة "مدرسة
شيكاغو"؛ حيث تتلمذ العديد من اقتصاديي بينوشيه على فريدمان ،وصاغ هذا األخير
عبارة لهذا التكتيك المؤلم" :العالج بالصدمة" .وهكذا دواليك ،كلما فرضت الحكومات
برامج كاسحة لتحرير السوق ،كانت الطريقة المختارة هي المعالجة بالصدمة الكامل ة
مرة واحدة .كذلك ،كان التعذيب والقتل -بيد نظام بينوش يه في تش يلي وأثن اء حكم
الديكتاتورية العسكرية باألرجنتين -وسيلة لكسر المقاومة للسوق الحرة.
بدأت كالين تدرس اعتماد السوق الحرة على قوة الصدمة منذ ب دء احتالل الع راق،
وكانت ترسل التقارير من بغداد عن محاوالت واشنطن الفاشلة تط بيق اس تراتيجية
«الصدمة والترويع» مع العالج بالصدمة :خصخصة شاملة ،وتحرير كامل للتج ارة،
وضريبة ثابتة بنسبة ،%15وتقليص كبير لحجم الحكومة ،وتدمير الب نى التحتي ة،
والالمباالة حيال نهب ثقافة البالد وتاريخها .وفي خضم الحرب األهلي ة ب العراق،
كُشِف مشروع قانون يتيح لشركتي شل وبري تيش ب تروليوم الس يطرة على معظم
احتياطيات البالد الهائلة من النفط.
سافرت كالين بعدئذ إلى سريالنكا ،بعد أشهر من كارثة تسونامي ،لتشهد نسخة أخرى
لنفس المناورة :تواطأ مستثمرون أجانب ومقرضون دوليون الستخدام جو الهلع لتسليم
الساحل الجميل لرجال أعمال سارعوا ببناء منتجعات كبيرة ،ومُن ع الص يادون من
العودة لقراهم .وبعد أن ضرب إعصار كاترينا مدينة نيو أورليانز ،اكتشف س كانها
الذين شتتهم اإلعصار أن مساكنهم ومستشفياتهم ومدارسهم العامة لن يُعاد فتحها .كان
واضحًا أن هذه أفضل طريقة لتحقيق أهداف الشركات :اس تخدام لحظ ات ص دمة
المجتمعات لبدء هندسة اجتماعية واقتصادية راديكالية .كذلك ،أت احت اض طرابات
بولندا وروسيا (بعد انهيار الشيوعية) وبوليفيا (بعد تضخم الثمانينات) للحكومات دس
«العالج بالصدمة» رغم مقاومة الجماهير.
صفحات بيضاء
لدى تغطيتها إلعصار كاترينا الذي ضرب والية لويزيان ا في ،2005زارت كالين
ملجأ كبيرًا تابعًا للصليب األحمر بباتون روج ،واستمعت هن اك للن اس الغاض بين
المنهكين ،يراقبهم جنود الحرس الوطني العصبيون العائدون لتوهم من العراق .كانت
األخبار المتداولة في الملجأ يومها أن العضو الجمهوري بالكونغرس ريتشارد بيك ر
قال لبعض جماعات الضغط" :أخيرًا ،تخلصنا من مساكن نيو أورلي انز الش عبية .لم
يكن بإمكاننا فعلها ،لكن اهلل فعلها" .كان جوزيف كانيزارو( )5أحد أغ نى مس تثمري
العقارات بنيو أورليانز صرّح بمعنى مشابه" :أعتقد أن لدينا صفحة بيض اء يمكنن ا
البدء عليها من جدي د .م ع الص فحة البيض اء ت أتي ف رص كب يرة للغاي ة".
عج
ّ
ت المدينة بمجموعات ضغط لصالح شركات تغتنم هذه الفرص :ضرائب أقل ،رقابة
أقل ،عمالة أرخص ،مدينة أصغر وأكثر أمنًا؛ وهذا يعني إزالة المساكن الشعبية .مع
هذه "البدايات الجديدة" و"الصفحات البيضاء" ،كاد يُنس ى الم زيج الس ام من رك ام
وكيماويات ورفات بشرية ال تزال على بُعد بضعة أميال من الطريق السريع.
في تناقض حاد مع البطء الشديد في إصالح السدود وإعادة الكهرباء ،تم المزاد العلني
لنظام المدارس بنيو أورليانز بدقة وسرعة تشبه إجراءات عسكرية .بعد 19ش هرًا،
كان معظم سكان المدينة الفقراء ال يزالون خارجها ،بينما حلت م دارس مس تأجرة
يديرها القطاع الخاص محل مدارس نيو أورليانز العامة.
كان فريدمان أحد الذين رأوا فرصًا في طوفان نيو أورليانز ،ورغم كونه مريضًا في
الثالثة والتسعين ،وجد عافية لكتابة افتتاحية بوول ستريت بعد ثالثة أشهر من انهي ار
السدود ،قال فيها" :أصبحت معظم مدارس نيو أورليانز ركامًا وكذلك منازل تالمذتها.
تفرق أولئك األطفال اآلن بأنحاء البالد ،هذه مأساة وهي فرصة أيضًا" .كانت فكرت ه
أنه بدالً من إنفاق أموال إعادة اإلعمار إلعادة بناء وتحسين نظام الم دارس العام ة،
ينبغي أن توفر الحكومة لألسر كوبونات (مالية) لتغطية تعليم أبنائها بمدارس خاصة.
الغارات على المجال العام عقب الكوارث واعتباره ا فرصً ا مثيرة للس وق هي
"رأسمالية الكوارث".
ا عندما بدأت كالين دراستها اللتقاء األرباح الفاحشة بالكوارث الض خمة ،ظنت أنه
ة تشهد تغييرًا جوهريًا في اطراد االندفاع لـ"تحرير" أسواق العالم ،والنتمائها لحرك
ي عالمية انطلقت بسياتل ضد تغول الشركات في عام ،1999وألنه ا من مناهض
ة العولمة ،اعتادت رؤية السياسات المالئمة لألعمال تُفرض قسرًا بم ؤتمرات منظم
التجارة العالمية ،وشروطًا لقروض صندوق النقد الدولي .تقدم كالين وص فًا دقيقً ا
للدسائس السياسية الالزمة لفرض سياسات اقتصادية بغيض ة على البالد المقاوم ة،
والخسائر البشرية الناجمة عنها .الالفت أن نتذكر كيف أن كثيرين ممن ش اركوا في
غزو العراق ،شاركوا سابقًا في حلقات مخزية أخرى من تاريخ السياس ة الخارجي ة
األميركية .اكتشفت كالين أن فكرة استغالل األزمات والكوارث كانت طريقة عم ل
حركة فريدمان منذ البداية -هذا الشكل األصولي للرأسمالية يحت اج دائمً ا ك وارث
ليتقدم.
عندما تُرى من عدسة مبدأ الصدمة ،تبدو العقود األربعة الماضية مختلفة جدًا؛ بعض
انتهاكات حقوق اإلنسان المخزية ارتكبتها أنظم ة معادي ة للديموقراطي ة إلره اب
الجمهور أو تُسَخًديهمت ةيلاعفب رّ ا إلدخال "إصالحات" السوق الحرة .في عام ،1989
أطلقت صدمة مذبحة ميدان تيانانمين ببكين واعتقال اآلالف ي د الح زب الش يوعي
الصيني في تحويل جزء كبير من البالد لمنطقة تص دير شاس عة يش غلها عم ال
مرعوبون ال يطالبون بحقوقهم .كذلك حرب الفوكالند عام 1982خ دمت غرضً ا
مماثالً لمارغريت تاتشر؛ فاالضطراب الناجم عن الحرب أتاح له ا س حق عم ال
المناجم المضربين وإطالق أول موجة خصخصة في ديموقراطية غربية.
أي لتطبيق العالج بالصدمة االقتصادية بحرية ،يتطلب األمر صدمة جمعية إض افية.
يمكن فرض نموذج فريدمان االقتصادي جزئيًا في ظل نظام ديموقراطي -أميركا في
عهد ريغان أفضل مثال -لكن ليتم تطبيق الرؤية بشكلها الكامل ،يتطلب ذلك ظروفً ا
تسلطية.
لم توجد هذه الظروف بالواليات المتحدة سابقًا ،ولكن األيديولوجية التي كانت تُف رّخ
في الجامعات األميركية وتخترق مؤسسات واشنطن وجدت أخيرًا فرصة الظهور في
11سبتمبر/أيلول .استغلت إدارة بوش الحافلة بتالميذ فريدمان -كص ديقه المق رب
دونالد رامسفيلد -الخوف الناجم عن األح داث إلطالق "الح رب على اإلره اب".
ولضمان أن تكون مشروعًا هادفًا للربح ،أي صناعة جديدة مزدهرة تبث الحي اة في
االقتصاد األميركي المتعثر؛ يمكن فهمها بشكل أفضل كـ"مجمع رأسمالية الكوارث".
إنها حرب كونية تخوضها -على كل المستويات -شركات خاصة تتقاضى المال العام
مقابل انخراطها ،مع تفويض ال نهائي ،في حماية األرض األميركية بينما يُستأصَ ل
"الشر" بالخارج.
في سنوات قليلة ،وسع المُجَمّع بالفعل مجال سوقه من مكافحة اإلرهاب ،لحفظ السالم
العالمي ،للعمل الشُرطي المحلي ،لالستجابة للك وارث الطبيعي ة .اله دف النه ائي
للشركات بمركز المجمع تحقيق نموذج للحكومة الهادفة للربح ،يتقدم سريعًا بظروف
استثنائية إلى األداء االعتيادي لوظائف الدولة :خصخصة الحكومة ،فعليًا.
يعادل مجمع رأسمالية الكوارث ازدهار "األسواق الناشئة" وتكنولوجي ا المعلوم ات
بالتسعينات .تسيطر الشركات األميركية على المجمع ،لكنه عالمي (ق دمت خ برات
شركات بريطانية في الكاميرات األمنية وشركات إسرائيلية في األسوار عالية التقنية).
مقترنًا بارتفاع أرباح صناعة التأمين وأرباح صناعة النفط الفائقة ،ربما أنقذ اقتص اد
الكوارث السوق العالمية من ركود واجهته عقب 11سبتمبر/أيلول.
بالكاد يذكر وابل الكلمات المكتوبة -في تأبين فريدمان -دور الصدمات في دفع رؤيته
الكونية ،بل كان رحيله في ،2006مناسبة لسرد القصة الرسمية لعالمته التجارية من
الرأسمالية المتطرفة وكيف أصبحت عقيدة ثابتة للحكومات بأنحاء العالم تقريبًا .إن ه
تاريخ حكاية متخيلة ،تم تنظيفها من عنف وثيق متضافر مع هذه الحملة.
تعتقد كالين أن الوقت حان ليتغير هذا؛ فمنذ انهيار االتحاد السوفيتي ،ك انت هن اك
محاسبة جادة لجرائم ارتُكبت باسم الشيوعية ،لكن ماذا عن ج رائم الحمل ة األش به
بالمقدسة لتحرير أسواق العالم؟
ال تدعي كالين أن جميع اقتصادات السوق تتطلب عنفًا واسعًا؛ فمن الوارد أن يوج د
اقتصاد السوق الذي ال يتطلب هذه الوحشية أو النقاء األيديولوجي .يمكن لسوق ح رة
لمنتجات المستهلك التعايش مع رعاية صحية مجاني ة وم دارس عام ة وش ريحة
اقتصادية كبيرة -كشركة النفط الوطنية -بيد الدولة .يمكن أيضًا إلزام الشركات بدفع
أجور الئقة واحترام حق العمال في تشكيل النقابات ،وعلى الحكومات جمع الضرائب
وإعادة توزيع الثروة لخفض فروق الدخل الحادة المميزة للدول الخاضعة للشركات.
اقترح جون مينارد كينز( )6هذا النوع من االقتصاد المختلط الخاضع للضوابط بع د
الكساد العظيم .ثورة فريدمان المضادة أُطلقت لتفكيك نظ ام التس ويات والض وابط
والتوازنات في بالد تلو أخرى .برؤيتها من هذا المنظور ،نجد لدى رأسمالية مدرسة
شيكاغو شيئًا مشتركًا مع األيديولوجيات األصولية :رغبة في نقاء متعذر.
وكما أعلن بول بوت( )7أن كمبوديا تحت حكم الخمير الحمر كانت في السنة "صفر"،
تحب الرأسمالية المتطرفة البدايات الجديدة تمامًا ،ويكون افتتاحها غالبًا بع د أزم ات
وصدمات .هذه الرغبة في قوة الخلق شبه اإللهية هي سبب هوس م ؤدلجي الس وق
الحرة باألزمات والكوارث؛ فالواقع غير الكارثي ال يرحب بطموحاتهم .ألربعة عقود،
كان محرك ثورة فريدمان المضادة االنجذاب لحرية تتاح بأوقات التغيير الكارثي فقط
-عندما تتنحى عادات الناس العنيدة ومطالبهم الملحة عن الطري ق-؛ وهي لحظ ات
تتعذر فيها الديموقراطية عمليًا .المعتنقون لمبدأ الصدمة مقتنعون بأن ال شيء س وى
كارثة كبيرة يمكن أن ينتج القماشة البيضاء الشاسعة التي يشتهونها .في هذه اللحظات
الطيعة ،عندما نكون مشتتين نفسيًا ومقتلعين من ديارنا ،يبدأ فن انو االنهي ار عملهم
إلعادة تشكيل العالم.
نعومي كالين ليست باحثة اقتصادية ،ومن ثم ال يمكن الحكم عليها من هذا المنطل ق.
هناك أجزاء في الكتاب بالغت في تبسيط األمور ،لكن فريدمان ودعاة آخ رين للعالج
بالصدمة هم أيضًا مدانون بالتبسيط البالغ فقد بنوا اعتقادهم بكمال نظم الس وق على
نماذج مثالية تفترض كمال المعلومات والمنافسة ومخاطر األسواق .يمكن المحاجج ة
ضد هذه السياسات بأقوى من حجج كالين؛ فهذه السياسات لم تستند إلى أسس تجريبية
ونظرية صلبة ،وحتى لدى الدفع بكثير من ه ذه السياس ات ،ك ان االقتص اديون
األكاديميون يشرحون محدودية األسواق ،خاصة عند نقص المعلومات ،وهي ك ذلك
دائمًا.
تساؤالت معرفية
هناك فصول أقل إثارة في الكتاب لكنها ربما أكثر إقناعًا؛ في جنوب إفريقيا ،أج رت
نعومي مقابالت مع ناشطين وخبراء حول السنوات التالية الستالم ح زب الم ؤتمر
الوطني اإلفريقي السلطة بجنوب إفريقيا؛ حيث فشل في إنفاذ سياسات إعادة التوزي ع
الموعودة بـ"ميثاق الحرية" (بيان مبادئ الدولة األساسية) ،لتجد أنه ليست هناك إجابة
واحدة :انشغل الحزب بمنع حرب أهلية في السنوات األولى بعد نهاية نظام الفص ل
العنصري ،فلم يفهم جيدًا مدى أهمية السياسة االقتص ادية .ك ان خائفً ا من تنف ير
المستثمرين األجانب ،فأخذ بنصيحة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي :خصخص ة،
وخفض النفقات ،ومرونة العمالة ،وهكذا .لكن هذا لم يمنع اثنتين من كبرى الشركات
بجنوب إفريقيا ،أنجلوأميريكان وساوث أفريكان بروَريز ،من نقل مركزيهما إلى لندن.
وجاء متوسط معدل النمو %5مخيبًا لآلمال (أقل كثيرًا من بلدان شرق آس يا ،ال تي
اتبعت طريقًا مختلفًا)؛ كانت البطالة بين األغلبية السوداء %48؛ وتض اعف ال ذين
يعيشون بأقل من دوالر واحد يوميًا إلى أربعة ماليين بع د أن ك انوا ملي ونين في
،1994عند استالم حزب المؤتمر الوطني للسلطة.
قد تُرى هذه النتائج مؤشرًا على مؤامرة ضخمة ،وهو استنتاج تنكره كالين صراحة؛
فالمؤامرة ال تدمر العالم ،بل التحوالت الخاطئة والسياسات الفاشلة ،مع مظالم صغيرة
وكبيرة .لكن هذه القرارات تسترشد بعقليات أكبر ،ولم يحدث أبدًا أن ق دم أص وليو
السوق تقديرًا مناسبًا للمؤسسات الالزمة لجعل االقتصاد يعمل جيدًا ،ناهيك عن النسيج
االجتماعي األوسع الذي تتطلبه الحضارات كي تزدهر.
تحليالت كالين االقتصادية والسياسية ليست شديدة الدقة دائمًا ،فتخل ط أحيانً ا آثام
الديكتاتوريات اليمينية ببرامجها االقتصادية ،وترسم صورة بالغة التبسيط لغزو العراق
باعتباره صراعًا لفرض الليبرالية الجديدة هناك .لكن نقدًا كثيرًا توجه ه كالين في
كتابها يصيب الهدف؛ حيث توضح كيف يرحب أنص ار حري ة األس واق بس قوط
اقتصادات الشعوب األخرى ويشجعون ذلك؛ وتكون النتيج ة إدان ة ش عبية قوي ة
لألرثوذكسية االقتصادية.
ترى كالين أن ال حاجة باألسواق ألن تكون أصولية متطرفة؛ في إش ارة إلمكاني ة
تعايش المطالب االجتماعية واقتصاد السوق الحرة األقل شراسة .وهو ط رح يب دو
معقوالً ألول وهلة؛ فهناك تجارب ومذاهب اقتصادية غربية تبدي عقالني ة في إدارة
االجتماع البشري ،أو تتبنى اقتصادًا تراحميًا ،أو تطرح رؤى اشتراكية ال ص راعية؛
لكن لماذا ال تجد هذه االتجاهات طريقها للحكم في سياق المسار الت اريخي للتجرب ة
الغربية؟ لماذا لم تلتفت المؤلفة للعالقة الجدلية بين وحشية اقتصاد السوق الح ر وبين
الرؤية الكونية الغربية بمختلف روافدها وتعبيراتها (الحداثية ،النيتشوية ،الدارويني ة،
العنصرية ،الفاشية ،اإلمبريالية)؟ وإذا كان نشوء الرأسمالية أهم نتائج مشروع النهب
اإلمبريالي ،فلماذا ال تكون رأسمالية الكوارث هي التطور الطبيعي للرأسمالية األولى
والرؤية الكونية الكامنة وراءها واألكثر تمثيالً لها؟
بعد تجربة مدرسة شيكاغو الكارثية ،التي نظّرت ألس وأ الممارس ات والسياس ات
االقتصادية ،هل ما زالت صفة "العلم" تنطبق على االقتصاد كمجال معرفي؟!
معلوم%%%%%%%%%%%%%%%%%%%ات الكت%%%%%%%%%%%%%%%%%%%اب
العنوان :مبدأ الصدمة :صعود رأسمالية الكوارث The Shock Doctrine. The -
rise of Disaster Capitalism
Naomi ومي كالين Klein - المؤلف :نع
اد السياسي احث في االقتص ار – ب ازن النج ع%%%%رض :د .م
الناشر :نيويورك ،متروبوليتان بوكسNew York, Metropolitan - 2007 ،
Books, 2007
ع%%%%%%%%%%%%%%%%%دد الص%%%%%%%%%%%%%%%%%فحات500 :
______________________________
د .مازن النجار – باحث في االقتصاد السياسي
ه%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%وامش
-1ميلتون فريدمان ( :)2006-1912مفكر اقتصادي أميركي عُ رف بأعمال ه في
االقتصاد الكلي والجزئي والتاريخ االقتصادي واإلحصاء .عُرف عنه تأييده القتص اد
السوق الحر والخصخصة والعالج بالصدمة وتقليص دور الحكومة في االقتصاد .فاز
بجائزة نوبل في االقتصاد عام ،1976ومؤسس مدرسة شيكاغو القتصاد السوق الحر
النيوليبرالي ،المسيطرة حاليًا على مواقع كثيرة بالنظام االقتصادي العالمي ،وتتب نى
راء. أة على الفق ديدة الوط ادية ش رامج اقتص ب
-2إيوين كاميرون ( :)1967-1901عالم نفس أميركي كندي عُرف بتعاون ه م ع
وكالة االستخبارات المركزية األميركية التي موّلت أبحاثه حول اس تخدام الص دمة
الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى ص فحة بيض اء
ا. ة عليه ات المالئم ة المعلوم ادة كتاب إلع
-3راؤول بريبش ( :)1986-1901مفكر اقتصادي أرجنتيني وُلد ألبوين ألمانيين،
أحد دعاة الطريق الثالث خارج المسارين الرأسمالي واالشتراكي السوفيتي ،وساهم في
صياغة أسس نظرية التبعية ،وعُرف بمس اهماته القيم ة في االقتص اد الب نيوي.
-4أورالندو لتلييه ( :)1976-1932اقتصادي وسياسي اشتراكي ودبلوماسي تشيلي
عُرف بمعارضته لنظام الجنرال أوغس تو بينوش يه ،ولسياس ات العالج بالص دمة
االقتصادية التي اقترحها ميلتون فريدمان واعتبرها لتليي ه مكونً ا أساس يًا النقالب
بينوشيه .قُتل لتلييه بواشنطن بمتفج رة زرعته ا بس يارته اس تخبارات بينوش يه.
-5جوزيف كانيزارو ،ملياردير أميركي ،أس س وت رأس عش رات من ش ركات
االستثمار العقاري .اشتُهر لدى سعيه لالستحواذ على العق ارات العام ة كالمس اكن
الشعبية والمدارس في نيو أورليانز ،لويزيانا ،عقب دمارها في إعص ار كاترين ا.
-6جون مينارد كينز ( :)1946-1883اقتصادي بريطاني وص احب مدرس ة في
الفكر االقتصادي ،أثّرت أفكاره بشكل أساسي في نظرية وممارسة االقتصاديات الكلية
ووجهت وعقلنت السياسات االقتصادية لحكومات كثيرة ،ويمثل فك ره أنض ج م ا
وصلت إليه الرأسمالية .وكان كتابه" :النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال" أح د
رين. رن العش اب في الق ة كت أهم مائ
-7بول بوت ( :)1998-1925مؤسس ورئيس نظام حكم الخمير الحمر في كمبوديا
بعد نهاية االحتالل األميركي لها ( .)1979-1975تبنى حكم الخمير الحمر أفك ارًا
اشتراكية راديكالية بالغة العنف ،وأجرى تغييرات اجتماعية اقتص ادية تص ل ح د
اإلبادة ،راح ضحيتها أكثر من مليوني كمبودي (ربع السكان).