Professional Documents
Culture Documents
تاريخ اإلمبراطورية الرومانية ،ومن بين هؤالء القادة نخص بالذكر كل من القائد
يوليوس قيصر(44()Gaïus Julius Caesarق.م 111-ق.م) ،واوكتافيوسأغسطس،
وديوقلسيانوس.
.1إصالحات يوليوس قيصر
ال يمكننا الحديث عن إصالحاته دون ذكر ما قيل في هذا القائد العسكري ورجل
الدولة":إن ما من رجل كان نظير له في تصميمه على فرض إرادته على اآلخرين ،وما من
رجل وهبته الطبيعة القدرة على تحقيق أهدافه مثل ما كان عليه الحال عند
قيصر"( راديس.)8112 ،
فمع بداية القرن األول قبل امليالد ،وبعد هزيمة قرطاجة على يد الرومان أصبح البحر
املتوسط بكامله منطقة نفوذ وهيمنة لروما ،ومع كل ما سببته هذه التوسعات من ثراء
وغنى ،إال أنها باملقابل انعكست سلبا على الحياة االجتماعية والسياسية ،ولم يعد
بمقدور الساسة الرومان حكم هذه الرقعة الواسعة ،وفي ظل وجود عدة أزمات أدى
ذلك إلى نشوب الحروب األهلية (22ق.م47-ق.م) بين القادة العسكريين في محاولة
إحكامهم على مقاليد الحكم ،وبعد ما خرج يوليوس قيصر ظافرا ،قام بحركة من
اإلصالحات بسبب األوضاع املتردية ،وتتمثل فيما يأتي:
-حول مؤسسات الجمهورية إلى مؤسسات خاضعة لسيطرته املطلقة ،كما كانت
أعماله تهدف للقضاء على سلطات مجلس الشيوخ واالرستقراطيين وتقوية نفوذ
الطبقة الشعبية التي يستند إليها في حكمه(.)Perrain,1997
-فرض سيطرته على اللجان املئوية والقادة والرؤساء ومجلس الشيوخ بموجب قانون
يمنحه سلطة مطلقة ،وبالتالي أصبحت انتخابات اللجان املئوية خاضعة ملشيئته فال
يوجد من يرشح نفسه وبقي ينتخب قيصرا وقنصال لعدة سنوات منذ 45ق.م ،وأصبح
مسيطرا على معظم السلطات التشريعية والتنفيذية في روما(أيوب.)1996 ،
-رفع عدد القضاة من سبعة( )5إلى ستة عشر( .)16وضاعف عدد أعضاء "مجلس
الشيوخ" من ستمائة ( )611إلى تسعمائة( ،)911وقام بانتخاب "مجلس الشيوخ"
وتقليص مهامه(كحرمانه من النظر في األمور املالية وحرمانه من حق منح الواليات
للقناصل والقضاة السابقيين) ،وأخذ لنفسه حق تعيين القادة العسكريين(.عكاشة)1991،
-سن القوانين وجمع ما تفرق منها وأصدر تعليماته بأن عضوية مجلس الشيوخ تكون
لألكفاء دون غيرهم.
-عدل من شهور السنة فأمر بأن يتبع حساب السنة الشمسية التي عدد أيامها ثالثمائة
وخمسة وستون( )567يوما مع إضافة يوم واحد كل أربع سنوات ،كما منح الحقوق
السياسية لكثير من املحرومين منها.
-منح حقوق املواطنة الرومانية لألطباء واملدرسين األجانب ،الذين استقروا في روما
والواليات الرومانية.
-عالج مشكلة الديون للتخفيف على املدينين من الفقراء سنة 45ق.م ،وفرض املكوس
الجمركية في املوانئ بعد أن ألغيت في سنة 61ق.م ،كما أرسل 21ألفا من فقراء روما
إلى املقاطعات الرومانية ،للتخفيف من العبء على روما ،وإلحداث السلم وتحسين
وضعية أولئك الفقراء بمنحهم أراض في املستوطنات التي أرسلوا إليها ،غير ان
سوتيونوس لم يذكر أسماء املقاطعات وال العدد الذي أرسل لكل مقاطعة(.)Lassère,2011
وهكذا أدت أعماله هذه إلى القضاء على النظام الجمهوري وإرساء قواعد وأسس
النظام الدكتاتوري ،ومهد بذلك الطريق لظهور اإلمبراطورية التي أنشأها
غايوسوكتافيوس(85()GaiusOctaviusق.م14-م) فيما بعد.
.8إصالحات أغسطس أوكتافيوس
مهد اإلمبراطور أغسطس أوكتافيوس لإلصالحات بعدة إجراءات منها(:)Roman,1998
-إعادة الطمأنينة إلى نفوس الناس وإشعارهم باالستقرار.
-إغداق الهبات والعطايا للشعب وإنشاء الطرق وتشييد املباني العامة ليشعر الناس
بأن األمور قد عادت إلى طبيعتها.فعاد للشعب األمن واالستقرار واألمل في مستقبل آمن.
ومن إصالحاته نذكر:
.1.1في املجال السياس ي :ورثت اإلمبراطورية عن الجمهورية نظامها الطبقي وارتباط
الوظيفة السياسية بالطبقة االجتماعية ،وبهذا وضع حكم املواطن األول
( )Principatusحدود الوظائف السياسية لكل طبقة اجتماعية ،وللرجل السيناتوس
( )Senatusمزايا التمتع بحق الترشح وشغل الوظائف القنصلية ،وحكم الواليات
الرومانية و شغل الوظائف اإلدارية والعسكرية العليا (.)Magistratus
أما رجال طبقة الفرسان ( ،)Equitesفقد تمتعوا بوظائف جديدة في مجال اإلدارة
والشؤون العسكرية وخاصة فيما يخدم املواطن األول مباشرة ،وكان هؤالء يكونون
فريقين فريق الفرسان العسكريين الذين يخدمون في الجيش ،وفريق الفرسان التجار
ورجال األعمال(.(Le glay,8117
أما أفراد الطبقة الدنيا ،فقد فتح أمامها املجال للعمل كجنود وضباط في سلك
الجيش ،كما سمح لهم باالرتقاء إلى وظائف عليا وال يهم إن كان عبدا أو ّ
حرا ،ألن
أغسطس وضع الكفاءة قبل األصول االجتماعية.
-طهر مجلس (السيناتوس)( )Senatusمن العناصر التي تسللت إليه أثناء الحرب
األهلية،فأصدر سنة 82ق.م قائمة بأعضاء السيناتوس( )Senatusحذف منها
مائتي()811عضو.كما جاء اسمه كرجل أوللسناتوس ( .)PrincipsSenatusوتلتها
قائمتان تطهيريتان ألعضاء السناتوس في الفترة مابين سنتي 18 - 12ق.م .ولكي يسيطر
أغسطس ( )Octavius Augustusعلى السناتو أمسك بالوظائف املؤدية إلى عضويته،
وحرص على أن يترشح لها من رجاله املخلصين من الطبقتين الوسطى والدنيا
والفرسان(.)Salles,1993
-توطيد حكمه ومركزه السياس ي في الدولة كقائد قوي ،يسنده جيش قوي ،حيث
حصل على صالحيات تربيونية سنة 85ق.م مدى الحياة ،مما يعطيه سلطة مطلقة
مثل :حقه في ممارسة صالحياته خارج مدينة روما ،و منذ سنة 85ق.م لقب إمبراطورا
ولبس الثوب اإلمبراطوري األرجواني ،وفي سنة 48ق.م لقب باسم ابن اإلله ليقوي
عالقاته السياسية مع جنود قيصر ،وبذلك أصبح شخصه مقدسا .ال تخرق له حرمه.
-تحويل مجلس الشيوخ السيناتوس( )Senatusإلى محكمة دستورية عليا ،يرأس
اجتماعاتها القنصالن ملحاكمة مرتكبي املخالفات وخصوصا الخيانة العظمى ،وكان
اإلمبراطور يرجع إلى استشارة السناتوس ومشاركته في الحكم ويتبع أوامره في القضايا
الهامة.
-منح األمان ألصدقاء انطونيوس وأتباعه وإحراق كافة الوثائق التي تدين معارضيه.
.1.1في الجانب العسكري
عندما عاد أغسطس من غزواته في الشرق عام 89ق.م ،وجد تحت إمرته جيشا ،يكاد
يبلغ نصف مليون جندي ،فقام بتسريح ثالثين ألف( )51111جندي وتوطينهم في
61 أفكار وآفاق ،املجلد ،6العدد ،1السنة 8112
د .رمضاني أم هاني روما وسياسات اإلصالح :يوليوس -قيصر أغسطس -ديوقلسيانوس أنموذجا
مستعمرات أو إرجاعهم إلى مواطنهم ،التي جندوا منها ،وأصبحت فرق الجيش الروماني
تتكون من ثمانية وعشرين( )82فرقة بعد أن كانت ستين( )61فرقة ،وقد تفاخر
اغسطس ( )Augustusبأنه وطن جنوده املسرحين في أرض اشتراها من ماله
الخاص(الناصري.)8115،
،)Materكما كسب تأييد أتباع التيارات الدينية الجديدة ،وعبدة اآللهة الوافدة من
الشرق ،بإقامة املعابد واملحاريب لربات الخير والرخاء والبركه مثل :مركوريوس
(هرميس اإلغريقي) رب الخير الوفير ،والالريس( )Laresربات وراعيات األسرة.
-إغالق معبد اله الحرب يانوس ( ،)Cassius,1848( )Janusاله البوابات الذي يعتبر حسب
امليثولوجيا أنه مثير وحاسم النزاعات والحروب والسالم.
وهكذا دعم أغسطس(85()Augustusق.م14-م) كل التيارات الدينية وجندها لتدعيم
مركزه .و مهد لعبادته بأن جمع كل االتجاهات الدينية في عبادة شخصه اإلله "يوليوس
قيصر"( ،)DivusIuliusوهو ما يؤكد مهارته في توظيف الدين لخدمة السياسة.
.2.1في املجال االقتصادي
اهتم بإصالح االقتصاد فازدهرت التجارة والزراعة والصناعة ازدهارا بارزا ،حيث
ظهرت مبيعات واسعة ومتطورة ومدن صناعية مهمة كاإلسكندرية ،واملدن الكامبانية،
بريتولي ،بومبي.وتميزت الحياة االقتصادية في عهده بميزتين هما:
-اهتمام السلطة بالجانب االقتصادي ،أكثر من الجانب السياس ي.
-بروز مكانة ايطاليا كمركز هام في الحياة االقتصادية العاملية.
-استعمل أسرى الحرب والعبيد في األراض ي الزراعية ،الذي كان عددهم كثيرا حيث
جلبوا من املقاطعات املحتلة مما زاد في تطور اإلنتاج في روما.
-تطور وازدهار الصناعات التقليدية مثل صناعة الخزف ،النسيج والخمر.
-إصالح النظام الضريبي(الضريبة املباشرة وغير املباشرة) و تحديد النسبة مثال :قدرت
الضريبة الجمركية للغاليين بـ ،%2.5وضريبة البيع باملزايدة قدرت بـ ،%1وضريبة بيع
العبيد بـ.4%
-قام بإصالح النقد ما بين الفترة 85و85ق.م حيث استعمل معظم املعادن كالذهب
والفضة والنحاس والزنك.....الخ
وفي عام 14م توفى اإلمبراطور أغسطس أوكتافيوس( )Octavius Augustusوهو في
السابعة والسبعين من عمره ،وقد استطاع وهو في الرابعة والثالثين من عمره بفضل
قدر لها أن تبقى قرون من كفاحه وذكائه أن يرس ى دعائم إمبراطورية قوية عالية ّ
الزمان بعد وفاته بزمن بعيد ،وظلت إصالحاته وأفكاره الواجهة العظيمة لإلمبراطورية
التي لم يستطع أحد على تغيير ما قام به من إصالحات بحوالي ثالثة قرون من بعده،
حتى أعاد ديوقلسيانوس النظر فيها بعد أن تغيرت الظروف وساءت األحوال مجددا.
.2إصالحات ديوقلسيانوس()Diocletianus
في ظروف صعبة كانت تمر بها اإلمبراطورية الرومانية ،إعتلي اإلمبراطور
ديوقلسيانوسعرش اإلمبراطورية والذي سيعمل على إصالح هذه األوضاع بإدخال
تغييرات جذرية على مختلف أجهزة الدولة وهي التغيرات التي سنتناولها بعد التعرض إلى
شخصية هذا اإلمبراطور.
-التعريف بديوقلسيانوس (384() Diocletianusم305-م):ولدد يوقلسيانوسبداملاشيا
( )Dalmatiaحوالي عام 847م( ،)Eutrope,1843وكان والداه عبدين في بيت أتيوس ،أي
كان عضوا في مجلس الشيوخ ،ولم يكن ديوقلسيانوس يعرف بأي اسم غير هذا الذي
اشتقه من مدينة صغيرة في داملاشيابديوقليا ( ،) Deocleمن أب من سالونا()Salona
من إليريا على اآلدرياتيك واسمه الحقيقـي ديوقليس الذي غيره فيما بعد إلى
كايوسفاليريانــوسيونيوس( ،)Caius ValeriusJoviusDioclitianusوبعد ما تم تحرير
والده ،تحصل االبن على وظيفة كاتب في الدولة ،وعند وفاة اإلمبراطور كالوديوس
الثاني( )Claudius IIكان عمره خمسة وعشرين عاما حين إلتحق باملدرسة العسكرية
إلمبراطورية أورليانوس(،)Aurelianiusوبروبيوس( ،)Probiusوسلك االبن طريق
الجندية ،وقد عرف كيف يكسب ثقة قادته ،بحسن إدراكه ،وحسن سيرته وقدرته في
تنفيذ األوامر بكيفية الئقة ،وبفضل نبوغه وطموحه ،ارتقى ديوقلسيانوس على التوالي
إلى حكومة ماسيا (()Moesieفي البلقان) ،إلى مرتبة القنصل ثم عين قائدا لحرس
القصر اإلمبراطوري)Gonzague,1945(.
وهكذا أصبح ديوقلسيلنوس إمبراطورا على شرق اإلمبراطورية الرومانية وذلك يوم 15
سبتمبر 824م( ،)Duruy,1883إال أن املنطقة الغربية بقيت تابعة لإلمبراطور
كارينيوس()Cariniusابن كاريوس( )Cariusالذي عرف بتصرفاته الألخالقية التي أبعدت
عنه كل الرجال وأصدقائه)Vopiscus,1847(.
.1.2اإلصالحات اإلدارية:
.1.1.2اإلصالحات في الجهازالحكومي
الحكم الثنائي( :)La Dyrarchieواجه اإلمبراطور ديوقلسيانوس الوضع املتأزم
باإلمبراطورية بالحكمة والحزم ،إذ رأى أنها محاطة من كل الجهات بأعدائها ،فالقبائل
الجرمانية الساكسونية استمرت في غاراتها املتتالية على سواحل بحر الشمال ،واإلفرنج
ازداد نفوذهم على نهر الراين والدانوب ،ومن الجهة الشرقية هناك أطماع الفرس
املستمرة وكذا القبائل املورية بإفريقيا ،فضال عن أطماع بعض قواد الجيش للسيطرة
على السلطة ،تتطلب جميعا وجود قوة عسكرية كبيرة ،يسهل انتقالها من موضع إلى
آخر لقمع األخطار في مهدها(.الحديثي)1962 ،
وأدرك أنه ال يمكن له السيطرة بمفرده على أرجاء اإلمبراطورية املترامية األطراف ،لذا
رأى أن يقسم اإلمبراطورية إلى قسمين شرقي وغربي يحكم كل منهما إمبراطور يضمن
انتقال العرشبسالم ،وتجنبا للفوض ى ،وإعادة السلم واألمن ،وقع اختيارهعلى رفيقه
وهذا يبين لنا مدى قوة فكر ديوقلسيانوس ،إذ يمثل هو فكر اإلمبراطورية أما
ماكسميانوس امللقب بهرقل فيمثل القوة والتنفيذ ألوامر ديوقلسيانوس ،وهكذا كلف
ماكسميانوس بإدارة غرب اإلمبراطورية ،واحتفظ ديوقلسيانوس بشرق اإلمبراطورية.
وتم الحفل بمراسيم رفع ماكسميانوس إلى مكانة اإلمبراطور في معبد جوبيتر ،كما أدى
قسم الدفاع عن االلتزام الذي رسمه ديوقليسيانوس .وهذا ما يؤكد لنا أن املركز األول
في حكم اإلمبراطورية يعود إلى ديوقلسيانوس ،فأصبح في اإلمبراطورية إمبراطوران،
ماكسميانوس خاضع لديوقلسيانوس الذي احتفظ لنفسه بالتشريع باسم
اإلمبراطورين.
َّ َّ
ولالحتفاظ بوحدة اإلمبراطورية بقيت التشريعات موحدة ،إال أن اإلهداءات وضرب
السكة تكون باسم اإلمبراطورين ،وكل املشاريع واإلنجازات التي ينجزها أحدهما إال
ويدون االسم اآلخر ،فاإلدارة مقسمة والحكم موحد ،واسم ديوقلسيانوسكان يسبق
اسم ماكسميانوس دائما.
-الحكم الرباعي(:)Tetrarchiaإن نظام الحكم الثنائي لم يحقق السلم واألمن املرجوان
إال نسبيا ،ألن سعة الرقعة الجغرافية لإلمبراطورية لم تسمح لهما بالتحكم فيها وأصبح
الخطر يزداد يوما بعد يوم ( ،)Lemerle,1975مما دفع ديوقلسيانوس إلى عقد اجتماع
في بداية عام 891م إلعادة النظر في تنظيم الدولة للمرة الثانية وكان ذلك بمدينة
ميالنو.
ففي الشرق نجد القوة الفارسية تثير مخاوف اإلمبراطورية ،وفي الشمال اجتازت
القبائل الجرمانية نهري الراين والدانوب .أما على املستوى الداخلي فبدأت بوادر
استقالل املقاطعات تظهر شيئا فشيئا ،فمصر في استعداد إلعالن استقاللها ،بريطانيا
سيطر عليها القائد كاروزيوس( ،)Carausiusوالقبائل املورية في إفريقيا في تمرد مستمر.
لهذا قرر ديوقليسيانوس إضافة إلى جانب األباطرة شخصيتان مساعدتان برتبة
قيصر ،وبهذا تكون اإلمبراطورية محمية ويسهل الدفاع عنها ،وفي نفس الوقت حل
مشكلة ولي العهد فيما بعد ،وبذلك أصبحلألباطرة الحق في اختيار ولي العهد والقضاء
على اغتصاب الحكم)petit Paul, 1974( .
وبعد أن قسم اإلمبراطورية إلى أربعة أقاليم كبيرة ،تعرف بالواليات كما ذكرنا ،أدى إلى
تقسيم هذه الواليات إلى إثنتى عشر( )18وحدة إدارية ،تعرف باسم الدوقيـات
( ،)Diocesesتجمع تحت سلطتها عدة مقاطعات ،يحكمها فارس برتبة وكيل
( ،)Vicariusوهذا املنصب الجديد يعتبر همزة وصل بين املقاطعات والحكومة املركزية
املتمثلة في اإلمبراطور ،فحكام املقاطعات مرتبطون بحكام الدوقيات التي تقدم إليها
التقارير ،ويفيدها باألوامر التي يتلقاها من الحكومة املركزية قصد تطبيقها في
املقاطعات.
ومن الجهود املبذولة في البناء للدفاع عن الحدود ،فإذا كان الراين والدانوب يشكالن
حدودا طبيعية بالنسبة ألوروبا ،يمكن الدفاع عنها،غير أن املناطق املعرضة للخطر
كصحاري إفريقيا الشمالية والشرق األدنى ،دفعت بديوقلسيانوس إلى بناء الحصون،
وإقامة طريق حربي متين ،من دمشق إلى أعالي الفرات ،عن طريق تدمر ،ومد املعاقل
وأبراج املراقبة على الطريق املمتدة من البتراء إلى قرقيسيا(نهر الفرات) عن طريق تدمر.
وقد أعتمد على الفرق املؤلفة من البرابرة املرتزقة في حماية اإلمبراطورية ،وجعل
مراكزهم قرب عواصم الحكام األربعة حتى يكونون على استعداد في الدفاع عنهم ،وقد
ازداد عدد أفراد الجيش في عهد ديوقلسيانوس ،الذي كان ال يتجاوز 511.111ارتفع إلى
411.111أو 711.111مقاتل كأقص ى حد ،كما أصبح الطريق مفتوحا أمام الجندي
ليرتقي ويصبح ضابطا ،ثم يتدرج في مختلف درجات القيادة حتى يصل إلى مرتبة القائد
األعلى للجيش.
أما قيادة الجيوش فقد أسندت إلى قادة عسكريين ( )Ducesخاضعين مباشرة إلى
حاكم أركان جيش اإلمبراطور ،وكل قائد عسكري له وظيفتين ،وظيفة الدفاع عن
حدود اإلمبراطورية في جهة ما ( ،)Albertini,1970وفي نفس الوقت قائد حرس اإلمبراطور ( le
،)préfet du prétoireإال أنه عزل فيما بعد عن حرس اإلمبراطور وذلك بنقل العاصمة
خارج مدينة روما ،وبالتالي ضعف نفوذه)Bloch,1922( .
وازداد عدد فرق الخيالة ألهميتهم ،والدافع إلى ذلك يكمن في الفرس الساسانيين الذين
كانوا يعتمدون على الفرسان في حروبهم ،حيث كانوا يمثلون خطرا رئيسا لإلمبراطورية
الرومانية الشرقية باعتبار الفرس ورثة األخمينيين ومحاولة هذه األخيرة في استرجاع
أراضيها ،وهذا ما دفع بهم إلى االهتمام بفرسانهم ،خاصة وأن الشرق هو املركز الحيوي
االقتصادي والغني بثرواته ،لذا أصبحت الحرب مع الفرس من أهم الجوانب
السياسية والعسكرية في اإلمبراطورية.
تألف الجيش من ثالث فئات :فئتان من الحرس اإلمبراطوري ،كانتا مسؤلتين عن حماية
شخص اإلمبراطور ،ثم جيش مستعد ألن يسير لقمع أي فتنة ،أو تمرد ،أو خطر،
يضاف إلى ذلك جيش الحدود الذي يبلغ 871ألفا من املشاة ،و 11ألفا من الخيالة ،أما
الجيش الثابت ،فكان عدده 171ألفا من املشاة ،و 46ألف من الخيالة معظمهم من
الجرمان .واملالحظ أن معظم الجيش كان من البرابرة الجرمان ،وقد ازداد عدد املرتزقة
واكتسح العنصر البربري أكثر فأكثر في القرن الرابع طبقة القادة والحرس اإلمبراطوري.
ولحماية الفقراء من جشع املستغلين واملتاجرين ،تم تحديد كميات البضائع املتداولة
التي تعرض للبيع من جهة ،وتسعير الحاجيات األساسية واألجور من جهة ثانية ،ففي
سنة 511م أصدر مرسوم " الحد األقص ى"( )Limitoيقض ي بتثبيت أسعار السلع
الضرورية والخدمات .وحين قاوم التجار هذه التشريعات حاول تطبيقها بقسوة ،غير
أنه فشل واختفت السلع من األسواق.
أما بالنسبة للعملة فقد عمل منذ 894م على إقامة نظام نقدي ،حيث أصدر عملة
جديدة ذهبية وهي األساس ،باإلضافة إلى الدينار الفض ي والبرونزي القديم بعد أن
أدخل على وزنه بعض التعديالت (العبادي ،)1921 ،وكان الهدف منع تدهور قيمة
العملة التي كانت في الحضيض في القرن الثالث ،حيث نزلت إلى الصفر ،وميزة النقد
الجديد هو أن صار النقد الذهبي( )aureusيساوي واحد من الليــرة الذهبيــة ،بينما
صار النقد الفض ي الجديـد( )argenleusيطابـق في كل ش يء ما عدا اإلسم ،ما كان
معروفا زمن نيرون باســم( )denariusوالذي يعتبر أصغر وحدة في النقود ويساوي
96/1من الليرة الذهبية)Remondon,1937(.
كما سك العمالت الصغيرة في ثالث فئات :الفئة األولى املعروفة بالفلس ( )Follisوهي
أثقلها وزنا ،وتزن 171حبة .أما الفئة الثانيةفكان وزن الواحدة منها ستون حبة .وتزن
الفئة الثالثة عشرين حبة.إال أن عالم التجارة رفض هذه العمالت فأدى إلى ارتفاع
األسعار من جديد.
لكن هذا القانون لم يحقق الغاية املرجوة التي كان يهدف إليها ديوقلسيانوس ،فلم
تلبث أن انخفضت قيمة الفلس ،فأدخل قسطنطين نظاما جديدا في سنة 584م،
فالنقد الذهبي الجديد واملعروف باسم الصـولد ()Solidusكان أخف وزنا من نقد
ديوقلسيانوس(يزن 4غ و 42من الذهب) ويقدر قيمته 58/1من الليرة الذهبية ،وحل
مكان النقد الفض ي نقد آخر اسمه(()siliquaيزن 8غ و 84من الصولد) يساوي 84/1
من الصولد( ،)Ostragorsky,1977أما املليارنز ( )miliarenseفكل 14منها تساوي
صولدا ،بينما الفلس يساوي عشر السيلكوا .واستعمل عملة برونزية واحدة بدل
الثالثة التي سكها ديوقلسيانوس.
وقد حظي نقد قسطنطين الذهبي بسمعة في العالم الخارجي ،وأضحى عياره مقبوال،
وذلك راجع إلى ما يحتويه من الذهب وإلى اإلنتصارات التي أعادت مجد الرومان
القديم ،وهكذا احتفظ بقيمته ملدة ثمانية قرون.
.2.2اإلصالحات الدينية
في القرن الثالث امليالدي أصبح العالم الوثني يتجه رويدا إلى التفكير في عبادة إلــه واحد.
وكان باعتراف أورليان(857-851( )Aurelianusم) رسميا بعبادة الشمس ،ونظرا
ألهمية الديانة الواحدة وما يترتب عنها من نتائج سياسية هامة ،تولى ديوقلسيانوس
بنفسه تقديم القرابين آللهة املتعددة ،رغم أنه اختص بعبادة اإلله جوبيتر.
وقد اقترنت شخصية اإلمبراطور باإلله جوبيتر( )Jupiterكما أشرنا سابقا ،باعتباره ابن
اإلله ،وهذه الصفة جعلت الشعب الروماني يقوم بتقديسه وعبادته ،ولكن الجديد
عند ديوقلسيانوس أنه نظم عبادة شخصه بإحداث شعيرة لعبادته ،ليتوافد الشعب
إليها ،وهذه العملية تخضع للقوانين التي يجب إتباعها في وقت العبادة ّ
كالركوع ،وتقبيل
ثياب اإلمبراطور (.)Besnier,1937
وقد ترتب عن تعلق ديوقلسيانوس بالعبادات القديمة في روما وبالد اليونان ،كراهيته
للمعتقدات الجديدة ،التي تفسد إيمان رعاياه ووالئهم ،وتضعف وحدة اإلمبراطورية.
فأنكر عبادة املانوية التي كان الفرس يدينون بها ،حتى ال تتسرب إلى أراض ي
اإلمبراطورية.
وأشد ما لقي ديوقليسيانوس من مشاكل ،مشكلة الكنيسة املسيحية ،ال ألنها تعبد إلها
واحدا فحسب بل ألنها ترفض العقيدة اإلمبراطورية ،وبذلك خيرت رجالها بين اإلخالص
للمسيح أو اإلخالص لإلمبراطور ،وأكثر من تأثر باملسيحية الضباط في الجيش
الروماني.
وهذا ما جعل ديوقلسيانوس يغير سياسته اتجاههم ،فأصدر حوالي سنة518م قرارا
يقض ي بمصادرة جميع أمالك الكنيسة ،وحرمان املسيحيين من حقوقهم املدنية،
كحرمانهم مثال من املواطنة الرومانية ،واالشتغال بالوظائف اإلدارية ،وصار ممنوع
عتق األرقاء املسيحيين ،وأجاز تدمير الكنائس املسيحية وإحراق الكتب املقدسة،
ومنعهم من إقامة شعائرهم ،وفرض عليهم تقديم القرابين آللهة الوثنية ،واضطهد
بعنف شديد حتى سمي بسفاح املسيحيين.
وزاد ديوقلسيانوس في التنكيل باملسيحيين سنة 514م ،حتى تخلى كثير منهم عن
عقيدتهم ،مما أدى إلى إضعاف وحدة الكنيسة وتشتت شملها.
خاتمـ ــة
نستنتج مما ذكرنا أن اإلمبراطورية الرومانية رغم األزمات والحروب التي مرت بها إال أنها
في النهاية استطاعت أن تبني لنفسها مكانة على املستوى العالمي حيث توسعت في
املناطق الداخلية واملناطق الخارجية ،وذلك بفضل إصالحات أغسطس التي من خاللها
استطاع أن يعيد السالم واألمن في ربوع اإلمبراطورية الرومانية ،حيث تحسنت في عهده
املواصالت وازدهرت التجارة ،وأصبحت مصر مركزا لهذا النشاط التجاري ،وازداد
الرخاء وعم االستقرار بعد االضطرابات والفوض ى التي جلبتها الحروب األهلية
الرومانية ،وأصبحت اإلمبراطورية لها مكانة وقوة يحسب لها ألف حساب دامت
لقرون.
وفي أواخر عهدها توالت عليها عدة أزمات اعتصرتها و ساقتها إلى حافة الضياع ،إال أن
الجهود التي قام بها ديوقليديانوس(517-524م) وأكملها اإلمبراطور قسطنطين(-516
555م) من إصالحات هامة في املجال السياس ي واإلداري ،واالقتصادي ،واالجتماعي،
والفني ،والعقائدي ،بعثت الحياة في اإلمبراطورية من جديد ومكنت لها في األرض فترة
امتدت أحد عشر قرنا من الزمان تحت اسم اإلمبراطورية الرومانية الشرقية أو
(البيزنطية) وعاصمتها الجديدة القسطنطينية فأصبحت بذلك وريثتها.
كما أن القادة الرومان الثالثة سجلوا نقاط تحول في تاريخ اإلمبراطورية الرومانية
بفضل إصالحاتهم،التي تعتبر عبارة عن منعرج تاريخي هام في الحياة السياسية
لإلمبراطورية الرومانية ،أوال القائد يوليوس قيصر حيث أدت أعماله التي مست معظم
الجوانب السياسية بالدرجة األولى إلى انهيار النظام الجمهوري ،ومهد بذلك الطريق
لظهور النظام اإلمبراطوري الذي أنشأه غايوساوكتافيوس من خالل قيامه بعدة
إصالحات في شتى الجوانب السياسية والعسكرية والدينية واالقتصادية ،الذي
استطاع بفضل ذكائه وكفاحه أن يرس ى دعائم إمبراطورية رومانية قوية ،قدر لها أن
تبقى قرون من الزمان ،حتى احدث القائد ديوقلسيانوس تغييرات جذرية في مختلف
أجهزة الدولة اثر أزمات ،وأكملها قسطنطين ببعث إمبراطورية جديدة ،هي
اإلمبراطورية الرومانية الشرقية.
املصادرواملراجع
.1ابراهيم أيوب .1996 ،التاريخ الروماني ،املؤسسة العربية الحديثة ،لبنان .
.8أحمد غانم حافظ .8115،اإلمبراطورية الرومانية من النشأة إلى االنهيار ،دار املعرفة
الجامعية ،االسكندرية.
.5الباز العريني .1967،الدولة البيزنطية1121-585م ،دار النهضة العربية،القاهرة .
.4الباز العريني .1962 ،تاريخ أوروبا العصور الوسطى ،دار النهضة العربية،بيروت .
.7بيتي راديس .8112،فتح بالد الغال ،يوليوس قيصر ،ترجمة علي زيتون ،دار عالء
الدين ،دمشق.
دار النهضة، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى.) ت.(ب، سعيد عبد الفتاح عاشور.6
.العربية
دار النهضة،8 ط، تاريخ اإلمبراطورية الرومانية السياس ي، سيد احمد علي الناصري.5
.العربية
مطبعة جامعة، تاريخ إيران القديم.1959 ، رضا جواد هاشم، فوزي رشيد، طه باقر.2
.بغداد
. مصر، دار املعرفة الجامعية، تاريخ الدولة البيزنطية.1997، عمر كمال توفيق.9
. سوريا، دار األمل للنشر والتوزيع،1 ط، اليونان والرومان.991(، على عكاشة.11
دراسات في التاريخ، صالح الهادي الحيدري.1962، قحطان عبد الستار الحديثي.11
. البصرة، مطبعة جامعة،الساساني والبيزنطي
النظام اإلمبراطوري ومصر، اإلمبراطورية الرومانية.1921(، مصطفى العبادي.18
.بيروت، دار النهضة العربية،الرومانية
اإلمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياس ي والثقافي.1951 ، نبيه عاقل.31
. دمشق، مطابع ألف باء األديب،والحضاري
14. Albertini Eugene,1970. l'Empire Romain, èd. Presse universitaire de
France, Paris.
15. Besnier Maurice, 1937. Histoire Romaine: l’Empire Romain de
l'Avènement des Sévères au Conseil de Nicèe, Tome IV, Edition: Puf, Paris.
16. Bloch Gustave, 1922. l'Empire Romain, Evolution et Décadence, Edition :
Ernest Flamerien, Paris.
17. Chatagnole André, 1982. L’évolution politique, sociale et économique du
monde romain de Dioclitien à Julien :la mise en place du régime du Bas
Empire(284-363),éd. De l’enseignement supérieur, Paris.
18. Danièle et Yves roman, 2000. Rome de la république à l’empire IIIs. av-
j.cIIs.ap-jc, éd.Ellipses, Paris.
19. Dion Cassius, 1948. Histoire romain de Dion Cassius, T3, Trad. R. Gros,
Librairie de Firmin Didot Frères, Paris.
20. Duruy Victor, 1883. Histoire des Romaines: depuis le temps les plus
reculés, jusqu'à l’invasion Barbare, tome VI," de l'avènement de
commode à la mort de Dioclitien, éd. Hachette et Cie, Paris.
21. Eutrope F., 1843. livre1, Abrégé de l'histoire Romaine, trad. N.A. Dubois,
éd. C.L.F. Panckoucke, Paris.