You are on page 1of 20

‫الصفحة ‪55 -75‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬

‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬
‫قسم التاريخ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪8‬‬
‫تاريخ اإلرسال‪ -2018-10-26 :‬تاريخ القبول‪2018-11-06 :‬‬
‫ملخص‬
‫عرفت روما خالل عهد اوكتافيوس أغسطس فترة استقرارا سياسيا وسالما أمنيا‬
‫ومع بداية القرن الثالث امليالدي بدأت مرحلة الالاستقرار وأخذت األوضاع تتأزم‬
‫وتتغير في جميع مجاالت الحياة‪ ،‬وأمام هذا الوضع املتردي ‪ ،‬قرر ديوقلسيانوس إحداث‬
‫التيترارشية‪ ،‬والقيام ببعض التعديالت واإلصالحات السياسية‪ ،‬اإلدارية‪ ،‬والعسكرية‪،‬‬
‫وشن حملة اضطهاد املسيحيين‪ ،‬ولعل أهم إصالحاته هي تلك املتعلقة باملالية‬
‫والضرائب‪ ،‬فما هي اإلصالحات التي ساهمت في تغيير أوضاع اإلمبراطورية الرومانية؟‬
‫وما هو دور يوليوس قيصر واوكتافيوس أغسطس في إقامة أركان اإلمبراطورية‬
‫الرومانية؟ وما هي أهم القوانين واإلصالحات التي ساعدت في بلوغ اإلمبراطورية أوج‬
‫قوتها في القرن الثاني امليالدي؟‬

‫أغسطس‪،‬‬ ‫قيصر‪،‬أوكتافيوس‬ ‫يوليوس‬ ‫روما‪،‬‬ ‫الدالة‪:‬‬ ‫الكلمات‬


‫ديوقلسيانوس‪،‬اإلصالحات السياسية‪.‬‬
‫‪Résumé‬‬
‫‪Sous le règne d’octave Auguste, Rome a connu une stabilité‬‬
‫‪politique et pax romana qui a marqué son histoire. Mais à partir‬‬
‫‪du troisième siècle elle a vécue une instabilité et une‬‬
‫‪transformation radicale dans tous les domaines. Pour faire face‬‬
‫‪à la dégradation la situation provoquée par cette instabilité,‬‬
‫‪Dioclétien instaura le 1er mars 293 le <<tétrarchie>>. Sous sa‬‬
‫‪direction, les tétrarques mettent en œuvre des réformes‬‬
‫‪politiques, administratives et, militaires, et ment des actions de‬‬
‫‪persécutons antichrétienne, ce qui a permis la révision du‬‬
‫‪système fiscale pour sauver l’empire. Quelles sont ces réformes‬‬
‫‪qui ont changé la structure de l’empire romain ? Quel été le rôle‬‬
‫ رمضاني أم هاني‬.‫د‬ ‫ ديوقلسيانوس أنموذجا‬-‫ قيصر أغسطس‬-‫يوليوس‬: ‫روما وسياسات اإلصالح‬

de jules César et Octave Auguste dans la fondation de l’empire ?


Comment l’application de ces réformes ont permis l’empire à
atteindre l’apogée de son progrès au deuxième siècle ? La
réponse à ces questions est l’objet de la présente contribution.

Mots-clés: Rome; jules César Octavius Augustus Dioclétianus


réformes politiques
Abstract
In the reign of Octavian Augustus, Rome witnessed political
stability and Pax Romana that left a mark on its history. But
from the third century Rome suffered from instability and
radical transformation in all areas. To deal with the
deterioration of the situation resulting from this instability,
Diocletian presented on March 1, 293. Under his leadership,
"tetrarchy" and carried out political, administrative and
military reforms, the measures to persecute the anti-Christian,
which led to a review of the tax system and the rescue of the
empire. What are these reforms that have changed the
structure of the Roman Empire? What was the role of Julius
Caesar and Octavian Augustus in the founding of the empire?
How did the application of these reforms allow the empire to
reach the peak of its progress in the second century? The
answer to these questions is the subject of this contribution
Keywords: Rome; Julius Caesar; Octavius Augustus; Diocletian;
political reforms
‫مقدم ـ ــة‬
‫عرفت روما عدة أزمات سياسية وحروب أهلية في الداخل والخارج عبر مراحلها‬
‫ بداية من النصف األخير من القرن الثاني وبداية القرن األول قبل‬،‫التاريخية‬
‫ كما ظهرت أزمة‬،‫ لسنين طويلة‬،‫ وانعدام االستقرار‬،‫أدت إلى فوض ى واضطرابات‬،‫امليالد‬
‫ وصلت على إثرها إلى مرحلة االنهيار والضعف في جميع‬،‫أخرى في القرن الثالث امليالدي‬
‫ وكادت أن تقض ي على وجودها لوال ظهور قادة كبار صنعوا الحدث‬،‫القطاعات الحيوية‬
‫ فأصبحت‬،‫ بعثت الروح في هذه الدولة الفتية‬،‫وقاموا بعدة إصالحات جذرية‬،‫التاريخي‬
‫ وكانت إصالحاتهم نقاط تحول في‬.‫من أكبر اإلمبراطوريات التي عرفها العالم القديم‬
58 8112 ‫ السنة‬،1 ‫ العدد‬،6 ‫ املجلد‬،‫أفكار وآفاق‬
‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫تاريخ اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬ومن بين هؤالء القادة نخص بالذكر كل من القائد‬
‫يوليوس قيصر(‪44()Gaïus Julius Caesar‬ق‪.‬م‪ 111-‬ق‪.‬م)‪ ،‬واوكتافيوسأغسطس‪،‬‬
‫وديوقلسيانوس‪.‬‬
‫‪.1‬إصالحات يوليوس قيصر‬
‫ال يمكننا الحديث عن إصالحاته دون ذكر ما قيل في هذا القائد العسكري ورجل‬
‫الدولة‪":‬إن ما من رجل كان نظير له في تصميمه على فرض إرادته على اآلخرين‪ ،‬وما من‬
‫رجل وهبته الطبيعة القدرة على تحقيق أهدافه مثل ما كان عليه الحال عند‬
‫قيصر"( راديس‪.)8112 ،‬‬
‫فمع بداية القرن األول قبل امليالد‪ ،‬وبعد هزيمة قرطاجة على يد الرومان أصبح البحر‬
‫املتوسط بكامله منطقة نفوذ وهيمنة لروما‪ ،‬ومع كل ما سببته هذه التوسعات من ثراء‬
‫وغنى‪ ،‬إال أنها باملقابل انعكست سلبا على الحياة االجتماعية والسياسية‪ ،‬ولم يعد‬
‫بمقدور الساسة الرومان حكم هذه الرقعة الواسعة‪ ،‬وفي ظل وجود عدة أزمات أدى‬
‫ذلك إلى نشوب الحروب األهلية (‪22‬ق‪.‬م‪47-‬ق‪.‬م) بين القادة العسكريين في محاولة‬
‫إحكامهم على مقاليد الحكم‪ ،‬وبعد ما خرج يوليوس قيصر ظافرا‪ ،‬قام بحركة من‬
‫اإلصالحات بسبب األوضاع املتردية‪ ،‬وتتمثل فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬حول مؤسسات الجمهورية إلى مؤسسات خاضعة لسيطرته املطلقة‪ ،‬كما كانت‬
‫أعماله تهدف للقضاء على سلطات مجلس الشيوخ واالرستقراطيين وتقوية نفوذ‬
‫الطبقة الشعبية التي يستند إليها في حكمه(‪.)Perrain,1997‬‬
‫‪-‬فرض سيطرته على اللجان املئوية والقادة والرؤساء ومجلس الشيوخ بموجب قانون‬
‫يمنحه سلطة مطلقة‪ ،‬وبالتالي أصبحت انتخابات اللجان املئوية خاضعة ملشيئته فال‬
‫يوجد من يرشح نفسه وبقي ينتخب قيصرا وقنصال لعدة سنوات منذ ‪ 45‬ق‪.‬م‪ ،‬وأصبح‬
‫مسيطرا على معظم السلطات التشريعية والتنفيذية في روما(أيوب‪.)1996 ،‬‬
‫‪ -‬رفع عدد القضاة من سبعة(‪ )5‬إلى ستة عشر(‪ .)16‬وضاعف عدد أعضاء "مجلس‬
‫الشيوخ" من ستمائة (‪ )611‬إلى تسعمائة(‪ ،)911‬وقام بانتخاب "مجلس الشيوخ"‬
‫وتقليص مهامه(كحرمانه من النظر في األمور املالية وحرمانه من حق منح الواليات‬
‫للقناصل والقضاة السابقيين)‪ ،‬وأخذ لنفسه حق تعيين القادة العسكريين‪(.‬عكاشة‪)1991،‬‬

‫‪59‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫‪-‬سن القوانين وجمع ما تفرق منها وأصدر تعليماته بأن عضوية مجلس الشيوخ تكون‬
‫لألكفاء دون غيرهم‪.‬‬
‫‪-‬عدل من شهور السنة فأمر بأن يتبع حساب السنة الشمسية التي عدد أيامها ثالثمائة‬
‫وخمسة وستون(‪ )567‬يوما مع إضافة يوم واحد كل أربع سنوات‪ ،‬كما منح الحقوق‬
‫السياسية لكثير من املحرومين منها‪.‬‬
‫‪ -‬منح حقوق املواطنة الرومانية لألطباء واملدرسين األجانب‪ ،‬الذين استقروا في روما‬
‫والواليات الرومانية‪.‬‬
‫‪ -‬عالج مشكلة الديون للتخفيف على املدينين من الفقراء سنة ‪45‬ق‪.‬م‪ ،‬وفرض املكوس‬
‫الجمركية في املوانئ بعد أن ألغيت في سنة ‪ 61‬ق‪.‬م‪ ،‬كما أرسل ‪ 21‬ألفا من فقراء روما‬
‫إلى املقاطعات الرومانية‪ ،‬للتخفيف من العبء على روما‪ ،‬وإلحداث السلم وتحسين‬
‫وضعية أولئك الفقراء بمنحهم أراض في املستوطنات التي أرسلوا إليها‪ ،‬غير ان‬
‫سوتيونوس لم يذكر أسماء املقاطعات وال العدد الذي أرسل لكل مقاطعة(‪.)Lassère,2011‬‬

‫وهكذا أدت أعماله هذه إلى القضاء على النظام الجمهوري وإرساء قواعد وأسس‬
‫النظام الدكتاتوري‪ ،‬ومهد بذلك الطريق لظهور اإلمبراطورية التي أنشأها‬
‫غايوسوكتافيوس(‪85()GaiusOctavius‬ق‪.‬م‪14-‬م) فيما بعد‪.‬‬
‫‪ .8‬إصالحات أغسطس أوكتافيوس‬
‫مهد اإلمبراطور أغسطس أوكتافيوس لإلصالحات بعدة إجراءات منها(‪:)Roman,1998‬‬
‫‪ -‬إعادة الطمأنينة إلى نفوس الناس وإشعارهم باالستقرار‪.‬‬
‫‪ -‬إغداق الهبات والعطايا للشعب وإنشاء الطرق وتشييد املباني العامة ليشعر الناس‬
‫بأن األمور قد عادت إلى طبيعتها‪.‬فعاد للشعب األمن واالستقرار واألمل في مستقبل آمن‪.‬‬
‫ومن إصالحاته نذكر‪:‬‬
‫‪ .1.1‬في املجال السياس ي‪ :‬ورثت اإلمبراطورية عن الجمهورية نظامها الطبقي وارتباط‬
‫الوظيفة السياسية بالطبقة االجتماعية‪ ،‬وبهذا وضع حكم املواطن األول‬
‫(‪ )Principatus‬حدود الوظائف السياسية لكل طبقة اجتماعية‪ ،‬وللرجل السيناتوس‬
‫(‪ )Senatus‬مزايا التمتع بحق الترشح وشغل الوظائف القنصلية‪ ،‬وحكم الواليات‬
‫الرومانية و شغل الوظائف اإلدارية والعسكرية العليا (‪.)Magistratus‬‬

‫‪60‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫أما رجال طبقة الفرسان (‪ ،)Equites‬فقد تمتعوا بوظائف جديدة في مجال اإلدارة‬
‫والشؤون العسكرية وخاصة فيما يخدم املواطن األول مباشرة‪ ،‬وكان هؤالء يكونون‬
‫فريقين فريق الفرسان العسكريين الذين يخدمون في الجيش‪ ،‬وفريق الفرسان التجار‬
‫ورجال األعمال(‪.(Le glay,8117‬‬

‫أما أفراد الطبقة الدنيا‪ ،‬فقد فتح أمامها املجال للعمل كجنود وضباط في سلك‬
‫الجيش‪ ،‬كما سمح لهم باالرتقاء إلى وظائف عليا وال يهم إن كان عبدا أو ّ‬
‫حرا‪ ،‬ألن‬
‫أغسطس وضع الكفاءة قبل األصول االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬طهر مجلس (السيناتوس)(‪ )Senatus‬من العناصر التي تسللت إليه أثناء الحرب‬
‫األهلية‪،‬فأصدر سنة ‪ 82‬ق‪.‬م قائمة بأعضاء السيناتوس(‪ )Senatus‬حذف منها‬
‫مائتي(‪)811‬عضو‪.‬كما جاء اسمه كرجل أوللسناتوس (‪ .)PrincipsSenatus‬وتلتها‬
‫قائمتان تطهيريتان ألعضاء السناتوس في الفترة مابين سنتي ‪ 18 - 12‬ق‪.‬م‪ .‬ولكي يسيطر‬
‫أغسطس (‪ )Octavius Augustus‬على السناتو أمسك بالوظائف املؤدية إلى عضويته‪،‬‬
‫وحرص على أن يترشح لها من رجاله املخلصين من الطبقتين الوسطى والدنيا‬
‫والفرسان(‪.)Salles,1993‬‬

‫‪ -‬توطيد حكمه ومركزه السياس ي في الدولة كقائد قوي‪ ،‬يسنده جيش قوي‪ ،‬حيث‬
‫حصل على صالحيات تربيونية سنة ‪ 85‬ق‪.‬م مدى الحياة‪ ،‬مما يعطيه سلطة مطلقة‬
‫مثل‪ :‬حقه في ممارسة صالحياته خارج مدينة روما‪ ،‬و منذ سنة ‪ 85‬ق‪.‬م لقب إمبراطورا‬
‫ولبس الثوب اإلمبراطوري األرجواني‪ ،‬وفي سنة ‪ 48‬ق‪.‬م لقب باسم ابن اإلله ليقوي‬
‫عالقاته السياسية مع جنود قيصر‪ ،‬وبذلك أصبح شخصه مقدسا‪ .‬ال تخرق له حرمه‪.‬‬
‫‪ -‬تحويل مجلس الشيوخ السيناتوس(‪ )Senatus‬إلى محكمة دستورية عليا‪ ،‬يرأس‬
‫اجتماعاتها القنصالن ملحاكمة مرتكبي املخالفات وخصوصا الخيانة العظمى‪ ،‬وكان‬
‫اإلمبراطور يرجع إلى استشارة السناتوس ومشاركته في الحكم ويتبع أوامره في القضايا‬
‫الهامة‪.‬‬
‫‪ -‬منح األمان ألصدقاء انطونيوس وأتباعه وإحراق كافة الوثائق التي تدين معارضيه‪.‬‬
‫‪ .1.1‬في الجانب العسكري‬
‫عندما عاد أغسطس من غزواته في الشرق عام ‪89‬ق‪.‬م‪ ،‬وجد تحت إمرته جيشا‪ ،‬يكاد‬
‫يبلغ نصف مليون جندي‪ ،‬فقام بتسريح ثالثين ألف(‪ )51111‬جندي وتوطينهم في‬
‫‪61‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬
‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫مستعمرات أو إرجاعهم إلى مواطنهم‪ ،‬التي جندوا منها‪ ،‬وأصبحت فرق الجيش الروماني‬
‫تتكون من ثمانية وعشرين(‪ )82‬فرقة بعد أن كانت ستين(‪ )61‬فرقة‪ ،‬وقد تفاخر‬
‫اغسطس (‪ )Augustus‬بأنه وطن جنوده املسرحين في أرض اشتراها من ماله‬
‫الخاص(الناصري‪.)8115،‬‬

‫‪ -‬تخلص من الجند عن طريق إقامة محميات في املناطق اإلستراتيجية على طول‬


‫اإلمبراطورية‪ ،‬وأنشأ قاعدتين لألسطول الروماني في كل من‪ :‬مسينوم (‪)Misenum‬‬
‫ورافنا(‪ ،)Ravenna‬وأنشأ خدمة بريدية عبر الطرق الكبرى‪ ،‬ودفع التعويضات كاملة‬
‫لجنوده املسرحين‪.‬‬
‫‪ -‬بدأ سياسة إسكان أفراد الجيش وأبقى على نظام التطوع في الجيش‪ ،‬وبدأ في اختيار‬
‫الضباط املدربين املحترفين فرفع بذلك مستوى الضباط كما أبقى على تكوين الجيش‬
‫من جزئيه التقليديين وهما‪ :‬الفرق الرومانية(‪ )Legiones‬والقوات‬
‫املساعدة(‪)Auxilii‬تجند من الشعوب والقبائل غير الرومانية الخاضعة لإلمبراطورية‬
‫وقسمت الى مشاة ووحدات خيالة‪ ،‬وعند تسريح الجنود فيها كانوا يمنحون الجنسية‬
‫الرومانية لهم وألسرهم مكافأة لخدمتهم)‪.‬‬
‫كما أضاف إلى الجيش قوة جديدة هي الحرس البرايتورى(‪ )Praetoriani‬وقسمها إلى‬
‫تسع وحدات من الخيالة تتكون كل منها من ألف راكب‪ ،‬وكان جنود الحرس البرايتورى‬
‫يختارون من االيطاليين ويتقاضون رواتب عالية‪.‬‬
‫‪ -‬حرص على إرضاء الجنود فأدخل عام ‪15‬ق‪.‬م نظام املكافأة املالية بدال من منح‬
‫املسرح قطعة أرض معينة‪.‬‬‫الجندي ّ‬
‫‪ .2.1‬في املجال الديني‬
‫اعتمد اغسطس عدة إصالحات في الجانب الديني من أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬حرصه على التقاليد الرومانية‪ ،‬ومنها إعادة الحياة الدينية الرومانية إلى سابق‬
‫عهدها‪ ،‬فاهتم بمجالس الكهنة‪ ،‬وأعاد النظر في لوائحهم‪ ،‬واتخذ لنفسه لقب عراف‪،‬‬
‫فاعترف له الكهنة بهذا االهتمام‪ ،‬فتغنوا باسمه في عبادتهم‪.‬‬
‫‪ -‬قام بترميم املعابد واألماكن املقدسة وإصالح ما هدمته الحروب‪ ،‬فرمم اثنين وثمانين‬
‫معبدا ذات الحجم املتوسط والصغير باإلضافة إلى املعابد الكبرى مثل‪ :‬معبد‬
‫جوبيترالكابيتولي‪ -‬وهو مركز عبادة الدولة الرسمية ومعبد األم الكبرى( ‪Magna‬‬
‫‪62‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬
‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫‪ ،)Mater‬كما كسب تأييد أتباع التيارات الدينية الجديدة‪ ،‬وعبدة اآللهة الوافدة من‬
‫الشرق‪ ،‬بإقامة املعابد واملحاريب لربات الخير والرخاء والبركه مثل‪ :‬مركوريوس‬
‫(هرميس اإلغريقي) رب الخير الوفير‪ ،‬والالريس(‪ )Lares‬ربات وراعيات األسرة‪.‬‬
‫‪ -‬إغالق معبد اله الحرب يانوس (‪ ،)Cassius,1848( )Janus‬اله البوابات الذي يعتبر حسب‬
‫امليثولوجيا أنه مثير وحاسم النزاعات والحروب والسالم‪.‬‬
‫وهكذا دعم أغسطس(‪85()Augustus‬ق‪.‬م‪14-‬م) كل التيارات الدينية وجندها لتدعيم‬
‫مركزه‪ .‬و مهد لعبادته بأن جمع كل االتجاهات الدينية في عبادة شخصه اإلله "يوليوس‬
‫قيصر"(‪ ،)DivusIulius‬وهو ما يؤكد مهارته في توظيف الدين لخدمة السياسة‪.‬‬
‫‪ .2.1‬في املجال االقتصادي‬
‫اهتم بإصالح االقتصاد فازدهرت التجارة والزراعة والصناعة ازدهارا بارزا‪ ،‬حيث‬
‫ظهرت مبيعات واسعة ومتطورة ومدن صناعية مهمة كاإلسكندرية‪ ،‬واملدن الكامبانية‪،‬‬
‫بريتولي‪ ،‬بومبي‪.‬وتميزت الحياة االقتصادية في عهده بميزتين هما‪:‬‬
‫‪ -‬اهتمام السلطة بالجانب االقتصادي‪ ،‬أكثر من الجانب السياس ي‪.‬‬
‫‪ -‬بروز مكانة ايطاليا كمركز هام في الحياة االقتصادية العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬استعمل أسرى الحرب والعبيد في األراض ي الزراعية‪ ،‬الذي كان عددهم كثيرا حيث‬
‫جلبوا من املقاطعات املحتلة مما زاد في تطور اإلنتاج في روما‪.‬‬
‫‪ -‬تطور وازدهار الصناعات التقليدية مثل صناعة الخزف‪ ،‬النسيج والخمر‪.‬‬
‫‪ -‬إصالح النظام الضريبي(الضريبة املباشرة وغير املباشرة) و تحديد النسبة مثال‪ :‬قدرت‬
‫الضريبة الجمركية للغاليين بـ‪ ،%2.5‬وضريبة البيع باملزايدة قدرت بـ‪ ،%1‬وضريبة بيع‬
‫العبيد بـ‪.4%‬‬
‫‪ -‬قام بإصالح النقد ما بين الفترة ‪ 85‬و‪85‬ق‪.‬م حيث استعمل معظم املعادن كالذهب‬
‫والفضة والنحاس والزنك‪.....‬الخ‬
‫وفي عام ‪ 14‬م توفى اإلمبراطور أغسطس أوكتافيوس(‪ )Octavius Augustus‬وهو في‬
‫السابعة والسبعين من عمره‪ ،‬وقد استطاع وهو في الرابعة والثالثين من عمره بفضل‬
‫قدر لها أن تبقى قرون من‬ ‫كفاحه وذكائه أن يرس ى دعائم إمبراطورية قوية عالية ّ‬
‫الزمان بعد وفاته بزمن بعيد‪ ،‬وظلت إصالحاته وأفكاره الواجهة العظيمة لإلمبراطورية‬

‫‪63‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫التي لم يستطع أحد على تغيير ما قام به من إصالحات بحوالي ثالثة قرون من بعده‪،‬‬
‫حتى أعاد ديوقلسيانوس النظر فيها بعد أن تغيرت الظروف وساءت األحوال مجددا‪.‬‬
‫‪ .2‬إصالحات ديوقلسيانوس(‪)Diocletianus‬‬
‫في ظروف صعبة كانت تمر بها اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬إعتلي اإلمبراطور‬
‫ديوقلسيانوسعرش اإلمبراطورية والذي سيعمل على إصالح هذه األوضاع بإدخال‬
‫تغييرات جذرية على مختلف أجهزة الدولة وهي التغيرات التي سنتناولها بعد التعرض إلى‬
‫شخصية هذا اإلمبراطور‪.‬‬
‫‪ -‬التعريف بديوقلسيانوس (‪384() Diocletianus‬م‪305-‬م)‪:‬ولدد يوقلسيانوسبداملاشيا‬
‫(‪ )Dalmatia‬حوالي عام ‪847‬م(‪ ،)Eutrope,1843‬وكان والداه عبدين في بيت أتيوس‪ ،‬أي‬
‫كان عضوا في مجلس الشيوخ‪ ،‬ولم يكن ديوقلسيانوس يعرف بأي اسم غير هذا الذي‬
‫اشتقه من مدينة صغيرة في داملاشيابديوقليا (‪ ،) Deocle‬من أب من سالونا(‪)Salona‬‬
‫من إليريا على اآلدرياتيك واسمه الحقيقـي ديوقليس الذي غيره فيما بعد إلى‬
‫كايوسفاليريانــوسيونيوس( ‪ ،)Caius ValeriusJoviusDioclitianus‬وبعد ما تم تحرير‬
‫والده‪ ،‬تحصل االبن على وظيفة كاتب في الدولة‪ ،‬وعند وفاة اإلمبراطور كالوديوس‬
‫الثاني(‪ )Claudius II‬كان عمره خمسة وعشرين عاما حين إلتحق باملدرسة العسكرية‬
‫إلمبراطورية أورليانوس(‪،)Aurelianius‬وبروبيوس(‪ ،)Probius‬وسلك االبن طريق‬
‫الجندية‪ ،‬وقد عرف كيف يكسب ثقة قادته‪ ،‬بحسن إدراكه‪ ،‬وحسن سيرته وقدرته في‬
‫تنفيذ األوامر بكيفية الئقة‪ ،‬وبفضل نبوغه وطموحه‪ ،‬ارتقى ديوقلسيانوس على التوالي‬
‫إلى حكومة ماسيا (‪()Moesie‬في البلقان)‪ ،‬إلى مرتبة القنصل ثم عين قائدا لحرس‬
‫القصر اإلمبراطوري‪)Gonzague,1945(.‬‬

‫ظهرت كفاءته العسكريـة أثناء حرب ف ــارس‪ ،‬وبعد موت نوميريانوس(‪)Numerianus‬‬


‫(‪825‬م‪824-‬م)‪ ،‬عين ديوقلسيانوس خلفا له في منصب اإلمبراطور على الشرق الروماني‬
‫نظرا ملا كان يتمتع به من مزايا(‪.)Gibbon,1983‬‬

‫وهكذا أصبح ديوقلسيلنوس إمبراطورا على شرق اإلمبراطورية الرومانية وذلك يوم ‪15‬‬
‫سبتمبر ‪824‬م(‪ ،)Duruy,1883‬إال أن املنطقة الغربية بقيت تابعة لإلمبراطور‬
‫كارينيوس(‪)Carinius‬ابن كاريوس(‪ )Carius‬الذي عرف بتصرفاته الألخالقية التي أبعدت‬
‫عنه كل الرجال وأصدقائه‪)Vopiscus,1847(.‬‬

‫‪64‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫قرر كارينيوس إخضاع ديوقلسيانوس‪ ،‬وبعد تحقيقه بعض االنتصارات األولية‪،‬‬


‫اصطدم الجيشان مجددا في موقعة مارقوس (‪ )Marcus‬املصيرية في شهر مارس ‪827‬م‪،‬‬
‫فأحرز ديوقلسيانوس انتصارا في املعركة‪ ،‬وذلك راجع إلى تخلي جيوش كارينيوس عن‬
‫قائدهم‪ ،‬وانتهاز أحد الضباط الفرصة وقتله نتيجة مساسه بكرامة زوجته‪.‬‬
‫وهكذا تفردديوقلسيانوس بالحكم بدون منازع على اإلمبراطورية الرومانية التي وضع‬
‫لها برنامجا إصالحيا إداريا‪ ،‬وفرض نفسه على الجهاز الحكومي‪ ،‬وفي مقاطعات العالم‬
‫الروماني ككل‪.‬‬
‫وفي عام ‪517‬م اعتزل ديوقلسيانوس السلطة‪ ،‬وعمره تسعة وخمسون عاما‪،‬وتوجه إلى‬
‫قصره بمدينة سالونا(‪ ،)Salona‬حيث تفرغ إلى الحياة العامة‪ ،‬وقد لقب بأب األباطرة‪،‬‬
‫كما أنه شهد انهيار النظام الذي رسمه وبناه " الحكم الرباعي " وما حققه من إنجازات‬
‫من السلم واألمن‪ ،‬وعادت الفوض ى من جديد وسفكت الدماء بين األباطرة‪ ،‬وتعرضت‬
‫زوجته برسيا(‪ )Prisea‬وابنته فاليريا (‪ )Valeria‬إلى النفي ومصادرة أمالكهماوهو على‬
‫قيد الحياة‪ ،‬فكانت أيامه األخيرة حزينة حيث كان يعاني من املرض الذي الزمه زمنا‬
‫طويال‪،‬وتوفي عام ‪515‬م(‪.)Chatagnole,1982‬‬

‫‪ .1.2‬اإلصالحات اإلدارية‪:‬‬
‫‪ .1.1.2‬اإلصالحات في الجهازالحكومي‬
‫الحكم الثنائي(‪ :)La Dyrarchie‬واجه اإلمبراطور ديوقلسيانوس الوضع املتأزم‬
‫باإلمبراطورية بالحكمة والحزم‪ ،‬إذ رأى أنها محاطة من كل الجهات بأعدائها‪ ،‬فالقبائل‬
‫الجرمانية الساكسونية استمرت في غاراتها املتتالية على سواحل بحر الشمال‪ ،‬واإلفرنج‬
‫ازداد نفوذهم على نهر الراين والدانوب‪ ،‬ومن الجهة الشرقية هناك أطماع الفرس‬
‫املستمرة وكذا القبائل املورية بإفريقيا‪ ،‬فضال عن أطماع بعض قواد الجيش للسيطرة‬
‫على السلطة‪ ،‬تتطلب جميعا وجود قوة عسكرية كبيرة‪ ،‬يسهل انتقالها من موضع إلى‬
‫آخر لقمع األخطار في مهدها‪(.‬الحديثي‪)1962 ،‬‬

‫وأدرك أنه ال يمكن له السيطرة بمفرده على أرجاء اإلمبراطورية املترامية األطراف‪ ،‬لذا‬
‫رأى أن يقسم اإلمبراطورية إلى قسمين شرقي وغربي يحكم كل منهما إمبراطور يضمن‬
‫انتقال العرشبسالم‪ ،‬وتجنبا للفوض ى‪ ،‬وإعادة السلم واألمن‪ ،‬وقع اختيارهعلى رفيقه‬

‫‪65‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫القائد العسكري املحنك ماكسيميانوس(‪)Maximianus‬في‪1‬ماي ‪827‬م وعينه حاكما‬


‫للقسم الغربي‪ ،‬وأعطاه لقب هرقل(‪ ،)Heraclius‬وخاللهذه املناسبة أضاف اإلمبراطور‬
‫لنفسه لقب جوفيوس(‪ )Jovius‬أي إله جوبتير وهي بداية تأليه اإلمبراطور‪)runciman,1939(.‬‬

‫وهذا يبين لنا مدى قوة فكر ديوقلسيانوس‪ ،‬إذ يمثل هو فكر اإلمبراطورية أما‬
‫ماكسميانوس امللقب بهرقل فيمثل القوة والتنفيذ ألوامر ديوقلسيانوس‪ ،‬وهكذا كلف‬
‫ماكسميانوس بإدارة غرب اإلمبراطورية‪ ،‬واحتفظ ديوقلسيانوس بشرق اإلمبراطورية‪.‬‬
‫وتم الحفل بمراسيم رفع ماكسميانوس إلى مكانة اإلمبراطور في معبد جوبيتر‪ ،‬كما أدى‬
‫قسم الدفاع عن االلتزام الذي رسمه ديوقليسيانوس‪ .‬وهذا ما يؤكد لنا أن املركز األول‬
‫في حكم اإلمبراطورية يعود إلى ديوقلسيانوس‪ ،‬فأصبح في اإلمبراطورية إمبراطوران‪،‬‬
‫ماكسميانوس خاضع لديوقلسيانوس الذي احتفظ لنفسه بالتشريع باسم‬
‫اإلمبراطورين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ولالحتفاظ بوحدة اإلمبراطورية بقيت التشريعات موحدة‪ ،‬إال أن اإلهداءات وضرب‬
‫السكة تكون باسم اإلمبراطورين‪ ،‬وكل املشاريع واإلنجازات التي ينجزها أحدهما إال‬
‫ويدون االسم اآلخر‪ ،‬فاإلدارة مقسمة والحكم موحد‪ ،‬واسم ديوقلسيانوسكان يسبق‬
‫اسم ماكسميانوس دائما‪.‬‬
‫‪ -‬الحكم الرباعي(‪:)Tetrarchia‬إن نظام الحكم الثنائي لم يحقق السلم واألمن املرجوان‬
‫إال نسبيا‪ ،‬ألن سعة الرقعة الجغرافية لإلمبراطورية لم تسمح لهما بالتحكم فيها وأصبح‬
‫الخطر يزداد يوما بعد يوم (‪ ،)Lemerle,1975‬مما دفع ديوقلسيانوس إلى عقد اجتماع‬
‫في بداية عام ‪891‬م إلعادة النظر في تنظيم الدولة للمرة الثانية وكان ذلك بمدينة‬
‫ميالنو‪.‬‬
‫ففي الشرق نجد القوة الفارسية تثير مخاوف اإلمبراطورية‪ ،‬وفي الشمال اجتازت‬
‫القبائل الجرمانية نهري الراين والدانوب‪ .‬أما على املستوى الداخلي فبدأت بوادر‬
‫استقالل املقاطعات تظهر شيئا فشيئا‪ ،‬فمصر في استعداد إلعالن استقاللها‪ ،‬بريطانيا‬
‫سيطر عليها القائد كاروزيوس(‪ ،)Carausius‬والقبائل املورية في إفريقيا في تمرد مستمر‪.‬‬
‫لهذا قرر ديوقليسيانوس إضافة إلى جانب األباطرة شخصيتان مساعدتان برتبة‬
‫قيصر‪ ،‬وبهذا تكون اإلمبراطورية محمية ويسهل الدفاع عنها‪ ،‬وفي نفس الوقت حل‬

‫‪66‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫مشكلة ولي العهد فيما بعد‪ ،‬وبذلك أصبحلألباطرة الحق في اختيار ولي العهد والقضاء‬
‫على اغتصاب الحكم‪)petit Paul, 1974( .‬‬

‫وعين اإلمبراطور ماكسميانوسقسطنطينوسكلوروس (‪)ConstantiusChlourus‬قيصرا‬


‫في فاتح مارس عام ‪895‬م أمام الجيش‪ ،‬وقام باملثلديوقلسيانوس إذ عين جاليريوس‬
‫(‪ )GaleriusMaximianus‬قيصرابعاصمته نيقوميديا(‪ )Nicomedia‬في ‪ 81‬ماي ‪895‬م‪.‬‬
‫واملالحظ أن هؤالء الحكام األربعة كانوا يعتبرون كحاكم واحد يحكم إمبراطورية‬
‫واحدة‪ ،‬وكانت القرارات تصدر باسمهم جميعا‪ ،‬هذا وقد وزع السلطة العليا بين‬
‫حكومة ُرباعية مع تقسيم اإلمبراطورية إلى أربعة أقسام كبرى تعرف باسم(‪)Préfecture‬‬
‫وهي ايطاليا‪ ،‬غالة‪ ،‬وإليريا‪ ،‬والشرق‪ ،‬ومن هذه األقسام قسمت إلى وحدات إدارية‬
‫صغيرة لتسير إدارة الدولة وفرض السلطة املركزية‪.‬‬
‫احتفظ ديوقلسيانوسبإدراة الشرق الروماني بما فيه مصر‪ ،‬ليبيا والجزر وتراقيا واتخذ‬
‫مدينة نيقوميديا عاصمة له قرب بحر مرمرة حيث يراقب تحركات الشعوب على‬
‫ضفاف نهر الدجلة ونهر الدانوب السفلي‪ ،‬أما نصيب جاليريوس فكانت مقاطعات‬
‫الدانوب والليريا بما فيها مقدونية‪ ،‬بالد اإلغريق وكانت عاصمته سرميوم (‪) Sirmium‬‬
‫مركز في الهضبة الوسطى لدانوب‪.‬‬
‫أما ما يخص غرب اإلمبراطورية‪ ،‬فكانت كل من إيطاليا وإسبانيا تحت نفوذ‬
‫ماكسميانوس وعاصمته مدينة ميالنو‪ ،‬و قسطنطينوس اتخذ بريطانيا وبالد غالة‬
‫وعاصمته مدينة تريفس (‪.)Treves‬‬
‫وقد تمكن هذا النظام من تحقيق نتائج إيجابية‪ ،‬إذ أعاد هيبة اإلمبراطور وقض ى على‬
‫آمال املغتصبين‪ ،‬كما استرجعت بريطانيا عام‪896‬م‪ ،‬ووضع حدا لالستفزازات‬
‫الجرمانية على نهر الرين‪ ،‬حيث قتل حوالي ‪ 61111‬من األملان‪ ،‬وأخضع ماكسيميانوس‬
‫القبائل املورية بإفريقيا ‪892‬م‪ ،‬وأخضع ديوقلسيانوس مدينة أشيل(‪)Achille‬‬
‫باإلسكندرية(مصر) عام‪896‬م بعد حصار دام ثمانية أشهر‪ ،‬كما انتصر جاليريوس على‬
‫الفرس عام‪895‬م‪)Eutrope, IX,15(.‬‬
‫‪ .1.1.2‬اإلصالحات اإلدارية في املقاطعات والدوقيات‬
‫لم يكتف اإلمبراطور بإصالح الجهاز اإلداري للدولة فقط‪ ،‬بل اتخذ عدة إجراءات‬
‫كفرض عبادة اإلمبراطور‪ ،‬وجعله مصدر القوانين الرومانية‪ ،‬وكذا فصل السلطة‬
‫‪67‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬
‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫العسكرية عن السلطة املدنية‪ ،‬وفصل الحكومة املركزية عن حكومة األقاليـم‪ ،‬وجرد‬


‫مجلس الشيوخ من معظم صالحياته‪ ،‬وخضعت كل اإلدارة إلشراف اإلمبراطور مباشرة‬
‫وأضحى بذلك في قمة سلسلة الوظائف الحكومية‪( .‬العريني ‪)1967،‬‬

‫وبعد أن قسم اإلمبراطورية إلى أربعة أقاليم كبيرة‪ ،‬تعرف بالواليات كما ذكرنا‪ ،‬أدى إلى‬
‫تقسيم هذه الواليات إلى إثنتى عشر(‪ )18‬وحدة إدارية‪ ،‬تعرف باسم الدوقيـات‬
‫(‪ ،)Dioceses‬تجمع تحت سلطتها عدة مقاطعات‪ ،‬يحكمها فارس برتبة وكيل‬
‫(‪ ،)Vicarius‬وهذا املنصب الجديد يعتبر همزة وصل بين املقاطعات والحكومة املركزية‬
‫املتمثلة في اإلمبراطور‪ ،‬فحكام املقاطعات مرتبطون بحكام الدوقيات التي تقدم إليها‬
‫التقارير‪ ،‬ويفيدها باألوامر التي يتلقاها من الحكومة املركزية قصد تطبيقها في‬
‫املقاطعات‪.‬‬

‫وتتمثل هذه الدوقيات‪ ،‬ستة(‪ )16‬منها في شرق اإلمبراطورية والستة(‪ )16‬بغرب‬


‫اإلمبراطورية وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬دوقيات الشرق(‪:)Diocèses Orientis‬‬
‫‪ -‬دوقية الشرق‪:‬تشمل كل من مصر‪ ،‬سوريا‪ ،‬بالد النهرين‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية بونتيكا‪ :‬وتشمل شمال وشرق أسيا الصغرى‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية آسيا‪ :‬تشمل كل من غرب آسيا الصغرى والجزر‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية تراقيا‪ :‬تنحصر ما بين منطقة رودوب(‪ )Rhodope‬وأسفل الدانوب اي البحر‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية مقدونيا‪ :‬تشمل على منطقة دانوب األوسط‬
‫‪ -‬دوقية بانونيا‪ :‬تشمل منطقة غرب إلليريا‪.‬‬
‫‪ -‬دوقيات غرب اإلمبراطورية‪:‬‬
‫‪ -‬دوقية بريطانيا (‪:)Brittamiarum‬تشمل بريطانيا حاليا‪(.‬والتي انقسمت وقتذاك‬
‫إلىستة أقاليم)‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية بالد غالة(‪ :)Galliarum‬تشمل شمال فرنسا‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية إيطاليا(‪ :)Italiana‬كل أراض ي إيطاليا وسهل البو‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية فيناسيس (‪ :)Viennensis‬جنوب فرنسا‪.‬‬
‫‪ -‬دوقية إسبانيا (‪ :)Hispanarum‬تشمل موريطانيا من إفريقيا وجزيرة إيبرية‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫‪ -‬دوقية إفريقيا‪ :‬شمال إفريقيا(العريني‪.)1962،‬‬


‫ثم جرى تقسيم هذه الدوقيات إلى مقاطعات( ‪ ،)Provinces‬بلغت مائة(‪ )111‬مقاطعة‪،‬‬
‫متقاربة في املساحة‪ ،‬ويتولى على كل واحدة منها حاكم (‪ ،)Judex‬وكل هؤالء مختارون من‬
‫املدنيين‪ ،‬ويوجد إلى جانبهم فئة من القادة العسكريين(‪ ،)Duces‬واملعروف أن موظفي‬
‫البلديات من املالك اإلقطاعيين‪ ،‬فصاروا خاضعين لحكام األقاليم‪ ،‬الذين تضبطهم‬
‫الحكومة املركزية عن طريق عمالها (‪.)Vicarii‬‬
‫وبذلك أصبحت اإلدارة املركزية مركزةفي هيئة من املوظفين‪ ،‬وتنتهي سلطتهم عندما‬
‫تصل إلي يد اإلمبراطور ومجلسه‪ ،‬والذي يتكون بدوره من قادة الجيش‪ ،‬وحاكم أركان‬
‫الجيش‪ ،‬موظفين سامين من ممثلي جهازالعدالة‪ ،‬ممثلين من الجهاز املالي‪ ،‬وأخيرا‬
‫ممثلين عن تنظيم القصر من بينهم حراس القصر‪ ،‬وموظفين تابعين لشخصية‬
‫اإلمبراطور‪.‬‬
‫‪.1.2‬اإلصالحـ ــات العسكري ـ ـة‬
‫أما في ما يتعلق بالجيش وتنظيماته‪ ،‬فقد أدخل ديوقلسيانوس إصالحات كبرى حيث‬
‫فصل السلطتين املدنية والعسكريـة‪،‬إلعداد العدة وتقوية الوحدات املرابطة على‬
‫الحدود‪ ،‬وإيجاد وحدات متحركة الستخدامها في قمع أية محاولة للقيام بفتن داخلية‪،‬‬
‫وملواجهة األخطار الخارجية‪ ،‬وحراس الحدود قوة متنقلة يمكنها أن تتوجه لنجدة أية‬
‫والية يهددها خطر الغزو‪ ،‬كما منح القوات الحدودية أراض يمكن أن يتوارثها األبناء‪.‬‬
‫وكان االبن ملزم بأن يأخذ مكان أبيه‪ ،‬في وراثة األرض‪ ،‬وفي مسؤولية الدفاع كجندي‬
‫من جنود الحدود‪ ،‬إذ أصبح من الضروري تقديم املجندين واجبا ضريبيا بالنسبة ملالك‬
‫األراض ي‪ ،‬إال أنها فيما بعد عوضت نقدا وذلك لعدم وجود يد عاملة كافية لخدمة‬
‫األرض‪ ،‬وهذا يتناقض مع سياس ــة اإلمبراطورية‪ ،‬فجعلت املداخيل الضريبية تصرف في‬
‫جلب املجندين البرابر)‪.)Remondon,1973‬‬

‫ومن الجهود املبذولة في البناء للدفاع عن الحدود‪ ،‬فإذا كان الراين والدانوب يشكالن‬
‫حدودا طبيعية بالنسبة ألوروبا‪ ،‬يمكن الدفاع عنها‪،‬غير أن املناطق املعرضة للخطر‬
‫كصحاري إفريقيا الشمالية والشرق األدنى‪ ،‬دفعت بديوقلسيانوس إلى بناء الحصون‪،‬‬

‫‪69‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫وإقامة طريق حربي متين‪ ،‬من دمشق إلى أعالي الفرات‪ ،‬عن طريق تدمر‪ ،‬ومد املعاقل‬
‫وأبراج املراقبة على الطريق املمتدة من البتراء إلى قرقيسيا(نهر الفرات) عن طريق تدمر‪.‬‬
‫وقد أعتمد على الفرق املؤلفة من البرابرة املرتزقة في حماية اإلمبراطورية‪ ،‬وجعل‬
‫مراكزهم قرب عواصم الحكام األربعة حتى يكونون على استعداد في الدفاع عنهم‪ ،‬وقد‬
‫ازداد عدد أفراد الجيش في عهد ديوقلسيانوس‪ ،‬الذي كان ال يتجاوز ‪ 511.111‬ارتفع إلى‬
‫‪411.111‬أو ‪ 711.111‬مقاتل كأقص ى حد‪ ،‬كما أصبح الطريق مفتوحا أمام الجندي‬
‫ليرتقي ويصبح ضابطا‪ ،‬ثم يتدرج في مختلف درجات القيادة حتى يصل إلى مرتبة القائد‬
‫األعلى للجيش‪.‬‬

‫أما قيادة الجيوش فقد أسندت إلى قادة عسكريين (‪ )Duces‬خاضعين مباشرة إلى‬
‫حاكم أركان جيش اإلمبراطور‪ ،‬وكل قائد عسكري له وظيفتين‪ ،‬وظيفة الدفاع عن‬
‫حدود اإلمبراطورية في جهة ما (‪ ،)Albertini,1970‬وفي نفس الوقت قائد حرس اإلمبراطور ( ‪le‬‬
‫‪ ،)préfet du prétoire‬إال أنه عزل فيما بعد عن حرس اإلمبراطور وذلك بنقل العاصمة‬
‫خارج مدينة روما‪ ،‬وبالتالي ضعف نفوذه‪)Bloch,1922( .‬‬

‫وازداد عدد فرق الخيالة ألهميتهم‪ ،‬والدافع إلى ذلك يكمن في الفرس الساسانيين الذين‬
‫كانوا يعتمدون على الفرسان في حروبهم‪ ،‬حيث كانوا يمثلون خطرا رئيسا لإلمبراطورية‬
‫الرومانية الشرقية باعتبار الفرس ورثة األخمينيين ومحاولة هذه األخيرة في استرجاع‬
‫أراضيها‪ ،‬وهذا ما دفع بهم إلى االهتمام بفرسانهم‪ ،‬خاصة وأن الشرق هو املركز الحيوي‬
‫االقتصادي والغني بثرواته‪ ،‬لذا أصبحت الحرب مع الفرس من أهم الجوانب‬
‫السياسية والعسكرية في اإلمبراطورية‪.‬‬
‫تألف الجيش من ثالث فئات‪ :‬فئتان من الحرس اإلمبراطوري‪ ،‬كانتا مسؤلتين عن حماية‬
‫شخص اإلمبراطور‪ ،‬ثم جيش مستعد ألن يسير لقمع أي فتنة‪ ،‬أو تمرد‪ ،‬أو خطر‪،‬‬
‫يضاف إلى ذلك جيش الحدود الذي يبلغ ‪ 871‬ألفا من املشاة‪ ،‬و‪ 11‬ألفا من الخيالة‪ ،‬أما‬
‫الجيش الثابت‪ ،‬فكان عدده ‪ 171‬ألفا من املشاة‪ ،‬و‪ 46‬ألف من الخيالة معظمهم من‬
‫الجرمان‪ .‬واملالحظ أن معظم الجيش كان من البرابرة الجرمان‪ ،‬وقد ازداد عدد املرتزقة‬
‫واكتسح العنصر البربري أكثر فأكثر في القرن الرابع طبقة القادة والحرس اإلمبراطوري‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫ويمكننا القول أن في هذه الفترة من التاريخ اإلمبراطورية الرومانية الشرقية كان‬


‫يتقاسم قيادة الجيش خمسة قادة مسؤلين مباشرة أمام اإلمبراطور‪ ،‬الذي كان القائد‬
‫األعلى للجيش‪( .‬عاقل‪)1951،‬‬

‫‪ .2.2‬اإلصالحات في املجال املالي والضرائب‬


‫قام ديوقلسيانوس بإصالح نظام املالية والضرائب فقام بإحصاء األراض ي الزراعية في‬
‫اإلمبراطورية وتحديدها‪ ،‬لفرض الضرائب بصورة عادلة‪ .‬وكان موفقا في محاولته‬
‫إلصالح النظام الضريبي‪ ،‬فحسب منهجه في توحيد نظم اإلمبراطورية اخضع جميع‬
‫الواليات لنظام ضرائبي جديد بدال من النظم املتعددة املختلفة التي كانت من قبل‪.‬‬
‫ويتلخص النظام الجديد في فرض ضريبة مزدوجة جديدة على األفراد واألرض بقدر‬
‫متساو في كل أنحاء اإلمبراطورية‪ ،‬فنقص اليد العاملة الزراعية أدى إلى وجود نظام‬
‫هام في اإلصالح املالي‪ ،‬ويعود أصله إلى مصر في عهد البطاملة‪ .‬حيث أجبر كل املالك‬
‫الخواص أصحاب األراض ي بدفع الضرائب‪ ،‬وفي نهاية القرن الثالث تم تطبيق النظام‬
‫على كافة أراض ي اإلمبراطورية‪ ،‬وحتى على األراض ي املهملة‪ ،‬التي تنتمي إلى‬
‫الخواص‪)Ostragodky,1977(.‬‬

‫ولحماية الفقراء من جشع املستغلين واملتاجرين‪ ،‬تم تحديد كميات البضائع املتداولة‬
‫التي تعرض للبيع من جهة‪ ،‬وتسعير الحاجيات األساسية واألجور من جهة ثانية‪ ،‬ففي‬
‫سنة ‪511‬م أصدر مرسوم " الحد األقص ى"(‪ )Limito‬يقض ي بتثبيت أسعار السلع‬
‫الضرورية والخدمات‪ .‬وحين قاوم التجار هذه التشريعات حاول تطبيقها بقسوة‪ ،‬غير‬
‫أنه فشل واختفت السلع من األسواق‪.‬‬
‫أما بالنسبة للعملة فقد عمل منذ ‪894‬م على إقامة نظام نقدي‪ ،‬حيث أصدر عملة‬
‫جديدة ذهبية وهي األساس‪ ،‬باإلضافة إلى الدينار الفض ي والبرونزي القديم بعد أن‬
‫أدخل على وزنه بعض التعديالت (العبادي‪ ،)1921 ،‬وكان الهدف منع تدهور قيمة‬
‫العملة التي كانت في الحضيض في القرن الثالث‪ ،‬حيث نزلت إلى الصفر‪ ،‬وميزة النقد‬
‫الجديد هو أن صار النقد الذهبي(‪ )aureus‬يساوي واحد من الليــرة الذهبيــة‪ ،‬بينما‬
‫صار النقد الفض ي الجديـد( ‪ )argenleus‬يطابـق في كل ش يء ما عدا اإلسم‪ ،‬ما كان‬
‫معروفا زمن نيرون باســم(‪ )denarius‬والذي يعتبر أصغر وحدة في النقود ويساوي‬
‫‪ 96/1‬من الليرة الذهبية‪)Remondon,1937(.‬‬

‫‪71‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫كما سك العمالت الصغيرة في ثالث فئات‪ :‬الفئة األولى املعروفة بالفلس (‪ )Follis‬وهي‬
‫أثقلها وزنا‪ ،‬وتزن ‪171‬حبة‪ .‬أما الفئة الثانيةفكان وزن الواحدة منها ستون حبة‪ .‬وتزن‬
‫الفئة الثالثة عشرين حبة‪.‬إال أن عالم التجارة رفض هذه العمالت فأدى إلى ارتفاع‬
‫األسعار من جديد‪.‬‬
‫لكن هذا القانون لم يحقق الغاية املرجوة التي كان يهدف إليها ديوقلسيانوس‪ ،‬فلم‬
‫تلبث أن انخفضت قيمة الفلس‪ ،‬فأدخل قسطنطين نظاما جديدا في سنة ‪584‬م‪،‬‬
‫فالنقد الذهبي الجديد واملعروف باسم الصـولد (‪)Solidus‬كان أخف وزنا من نقد‬
‫ديوقلسيانوس(يزن ‪4‬غ و‪ 42‬من الذهب) ويقدر قيمته ‪ 58/1‬من الليرة الذهبية‪ ،‬وحل‬
‫مكان النقد الفض ي نقد آخر اسمه(‪()siliqua‬يزن ‪8‬غ و‪ 84‬من الصولد) يساوي ‪84/1‬‬
‫من الصولد(‪ ،)Ostragorsky,1977‬أما املليارنز (‪ )miliarense‬فكل ‪ 14‬منها تساوي‬
‫صولدا‪ ،‬بينما الفلس يساوي عشر السيلكوا‪ .‬واستعمل عملة برونزية واحدة بدل‬
‫الثالثة التي سكها ديوقلسيانوس‪.‬‬
‫وقد حظي نقد قسطنطين الذهبي بسمعة في العالم الخارجي‪ ،‬وأضحى عياره مقبوال‪،‬‬
‫وذلك راجع إلى ما يحتويه من الذهب وإلى اإلنتصارات التي أعادت مجد الرومان‬
‫القديم‪ ،‬وهكذا احتفظ بقيمته ملدة ثمانية قرون‪.‬‬

‫‪.2.2‬اإلصالحات الدينية‬
‫في القرن الثالث امليالدي أصبح العالم الوثني يتجه رويدا إلى التفكير في عبادة إلــه واحد‪.‬‬
‫وكان باعتراف أورليان(‪857-851( )Aurelianus‬م) رسميا بعبادة الشمس‪ ،‬ونظرا‬
‫ألهمية الديانة الواحدة وما يترتب عنها من نتائج سياسية هامة‪ ،‬تولى ديوقلسيانوس‬
‫بنفسه تقديم القرابين آللهة املتعددة‪ ،‬رغم أنه اختص بعبادة اإلله جوبيتر‪.‬‬
‫وقد اقترنت شخصية اإلمبراطور باإلله جوبيتر(‪ )Jupiter‬كما أشرنا سابقا‪ ،‬باعتباره ابن‬
‫اإلله‪ ،‬وهذه الصفة جعلت الشعب الروماني يقوم بتقديسه وعبادته‪ ،‬ولكن الجديد‬
‫عند ديوقلسيانوس أنه نظم عبادة شخصه بإحداث شعيرة لعبادته‪ ،‬ليتوافد الشعب‬

‫‪72‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫إليها‪ ،‬وهذه العملية تخضع للقوانين التي يجب إتباعها في وقت العبادة ّ‬
‫كالركوع‪ ،‬وتقبيل‬
‫ثياب اإلمبراطور (‪.)Besnier,1937‬‬

‫وقد ترتب عن تعلق ديوقلسيانوس بالعبادات القديمة في روما وبالد اليونان‪ ،‬كراهيته‬
‫للمعتقدات الجديدة‪ ،‬التي تفسد إيمان رعاياه ووالئهم‪ ،‬وتضعف وحدة اإلمبراطورية‪.‬‬
‫فأنكر عبادة املانوية التي كان الفرس يدينون بها‪ ،‬حتى ال تتسرب إلى أراض ي‬
‫اإلمبراطورية‪.‬‬
‫وأشد ما لقي ديوقليسيانوس من مشاكل‪ ،‬مشكلة الكنيسة املسيحية‪ ،‬ال ألنها تعبد إلها‬
‫واحدا فحسب بل ألنها ترفض العقيدة اإلمبراطورية‪ ،‬وبذلك خيرت رجالها بين اإلخالص‬
‫للمسيح أو اإلخالص لإلمبراطور‪ ،‬وأكثر من تأثر باملسيحية الضباط في الجيش‬
‫الروماني‪.‬‬
‫وهذا ما جعل ديوقلسيانوس يغير سياسته اتجاههم‪ ،‬فأصدر حوالي سنة‪518‬م قرارا‬
‫يقض ي بمصادرة جميع أمالك الكنيسة‪ ،‬وحرمان املسيحيين من حقوقهم املدنية‪،‬‬
‫كحرمانهم مثال من املواطنة الرومانية‪ ،‬واالشتغال بالوظائف اإلدارية‪ ،‬وصار ممنوع‬
‫عتق األرقاء املسيحيين‪ ،‬وأجاز تدمير الكنائس املسيحية وإحراق الكتب املقدسة‪،‬‬
‫ومنعهم من إقامة شعائرهم‪ ،‬وفرض عليهم تقديم القرابين آللهة الوثنية‪ ،‬واضطهد‬
‫بعنف شديد حتى سمي بسفاح املسيحيين‪.‬‬
‫وزاد ديوقلسيانوس في التنكيل باملسيحيين سنة ‪514‬م‪ ،‬حتى تخلى كثير منهم عن‬
‫عقيدتهم‪ ،‬مما أدى إلى إضعاف وحدة الكنيسة وتشتت شملها‪.‬‬
‫خاتمـ ــة‬
‫نستنتج مما ذكرنا أن اإلمبراطورية الرومانية رغم األزمات والحروب التي مرت بها إال أنها‬
‫في النهاية استطاعت أن تبني لنفسها مكانة على املستوى العالمي حيث توسعت في‬
‫املناطق الداخلية واملناطق الخارجية‪ ،‬وذلك بفضل إصالحات أغسطس التي من خاللها‬
‫استطاع أن يعيد السالم واألمن في ربوع اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬حيث تحسنت في عهده‬
‫املواصالت وازدهرت التجارة‪ ،‬وأصبحت مصر مركزا لهذا النشاط التجاري‪ ،‬وازداد‬
‫الرخاء وعم االستقرار بعد االضطرابات والفوض ى التي جلبتها الحروب األهلية‬

‫‪73‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫د‪ .‬رمضاني أم هاني‬ ‫روما وسياسات اإلصالح ‪:‬يوليوس‪ -‬قيصر أغسطس‪ -‬ديوقلسيانوس أنموذجا‬

‫الرومانية‪ ،‬وأصبحت اإلمبراطورية لها مكانة وقوة يحسب لها ألف حساب دامت‬
‫لقرون‪.‬‬
‫وفي أواخر عهدها توالت عليها عدة أزمات اعتصرتها و ساقتها إلى حافة الضياع‪ ،‬إال أن‬
‫الجهود التي قام بها ديوقليديانوس(‪517-524‬م) وأكملها اإلمبراطور قسطنطين(‪-516‬‬
‫‪555‬م) من إصالحات هامة في املجال السياس ي واإلداري‪ ،‬واالقتصادي‪ ،‬واالجتماعي‪،‬‬
‫والفني‪ ،‬والعقائدي‪ ،‬بعثت الحياة في اإلمبراطورية من جديد ومكنت لها في األرض فترة‬
‫امتدت أحد عشر قرنا من الزمان تحت اسم اإلمبراطورية الرومانية الشرقية أو‬
‫(البيزنطية) وعاصمتها الجديدة القسطنطينية فأصبحت بذلك وريثتها‪.‬‬
‫كما أن القادة الرومان الثالثة سجلوا نقاط تحول في تاريخ اإلمبراطورية الرومانية‬
‫بفضل إصالحاتهم‪،‬التي تعتبر عبارة عن منعرج تاريخي هام في الحياة السياسية‬
‫لإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬أوال القائد يوليوس قيصر حيث أدت أعماله التي مست معظم‬
‫الجوانب السياسية بالدرجة األولى إلى انهيار النظام الجمهوري‪ ،‬ومهد بذلك الطريق‬
‫لظهور النظام اإلمبراطوري الذي أنشأه غايوساوكتافيوس من خالل قيامه بعدة‬
‫إصالحات في شتى الجوانب السياسية والعسكرية والدينية واالقتصادية‪ ،‬الذي‬
‫استطاع بفضل ذكائه وكفاحه أن يرس ى دعائم إمبراطورية رومانية قوية‪ ،‬قدر لها أن‬
‫تبقى قرون من الزمان‪ ،‬حتى احدث القائد ديوقلسيانوس تغييرات جذرية في مختلف‬
‫أجهزة الدولة اثر أزمات‪ ،‬وأكملها قسطنطين ببعث إمبراطورية جديدة‪ ،‬هي‬
‫اإلمبراطورية الرومانية الشرقية‪.‬‬
‫املصادرواملراجع‬
‫‪ .1‬ابراهيم أيوب‪ .1996 ،‬التاريخ الروماني‪ ،‬املؤسسة العربية الحديثة‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ .8‬أحمد غانم حافظ‪ .8115،‬اإلمبراطورية الرومانية من النشأة إلى االنهيار‪ ،‬دار املعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪.‬‬
‫‪ .5‬الباز العريني‪ .1967،‬الدولة البيزنطية‪1121-585‬م‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪ .4‬الباز العريني‪ .1962 ،‬تاريخ أوروبا العصور الوسطى‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ .7‬بيتي راديس‪ .8112،‬فتح بالد الغال‪ ،‬يوليوس قيصر‪ ،‬ترجمة علي زيتون‪ ،‬دار عالء‬
‫الدين‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫‪74‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪8112‬‬


‫ رمضاني أم هاني‬.‫د‬ ‫ ديوقلسيانوس أنموذجا‬-‫ قيصر أغسطس‬-‫يوليوس‬: ‫روما وسياسات اإلصالح‬

‫ دار النهضة‬،‫ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى‬.)‫ ت‬.‫(ب‬،‫ سعيد عبد الفتاح عاشور‬.6
.‫العربية‬
‫ دار النهضة‬،8‫ ط‬،‫ تاريخ اإلمبراطورية الرومانية السياس ي‬،‫ سيد احمد علي الناصري‬.5
.‫العربية‬
‫ مطبعة جامعة‬،‫ تاريخ إيران القديم‬.1959 ،‫ رضا جواد هاشم‬،‫ فوزي رشيد‬،‫ طه باقر‬.2
.‫بغداد‬
.‫ مصر‬،‫ دار املعرفة الجامعية‬،‫ تاريخ الدولة البيزنطية‬.1997،‫ عمر كمال توفيق‬.9
.‫ سوريا‬،‫ دار األمل للنشر والتوزيع‬،1‫ ط‬،‫ اليونان والرومان‬.991(،‫ على عكاشة‬.11
‫ دراسات في التاريخ‬،‫ صالح الهادي الحيدري‬.1962،‫ قحطان عبد الستار الحديثي‬.11
.‫ البصرة‬،‫ مطبعة جامعة‬،‫الساساني والبيزنطي‬
‫ النظام اإلمبراطوري ومصر‬،‫ اإلمبراطورية الرومانية‬.1921(،‫ مصطفى العبادي‬.18
.‫بيروت‬،‫ دار النهضة العربية‬،‫الرومانية‬
‫ اإلمبراطورية البيزنطية دراسة في التاريخ السياس ي والثقافي‬.1951 ،‫ نبيه عاقل‬.31
.‫ دمشق‬،‫ مطابع ألف باء األديب‬،‫والحضاري‬
14. Albertini Eugene,1970. l'Empire Romain, èd. Presse universitaire de
France, Paris.
15. Besnier Maurice, 1937. Histoire Romaine: l’Empire Romain de
l'Avènement des Sévères au Conseil de Nicèe, Tome IV, Edition: Puf, Paris.
16. Bloch Gustave, 1922. l'Empire Romain, Evolution et Décadence, Edition :
Ernest Flamerien, Paris.
17. Chatagnole André, 1982. L’évolution politique, sociale et économique du
monde romain de Dioclitien à Julien :la mise en place du régime du Bas
Empire(284-363),éd. De l’enseignement supérieur, Paris.
18. Danièle et Yves roman, 2000. Rome de la république à l’empire IIIs. av-
j.cIIs.ap-jc, éd.Ellipses, Paris.
19. Dion Cassius, 1948. Histoire romain de Dion Cassius, T3, Trad. R. Gros,
Librairie de Firmin Didot Frères, Paris.
20. Duruy Victor, 1883. Histoire des Romaines: depuis le temps les plus
reculés, jusqu'à l’invasion Barbare, tome VI," de l'avènement de
commode à la mort de Dioclitien, éd. Hachette et Cie, Paris.
21. Eutrope F., 1843. livre1, Abrégé de l'histoire Romaine, trad. N.A. Dubois,
éd. C.L.F. Panckoucke, Paris.

75 8112 ‫ السنة‬،1 ‫ العدد‬،6 ‫ املجلد‬،‫أفكار وآفاق‬


‫ رمضاني أم هاني‬.‫د‬ ‫ ديوقلسيانوس أنموذجا‬-‫ قيصر أغسطس‬-‫يوليوس‬: ‫روما وسياسات اإلصالح‬

22. Gibbon Edouard, 1983. Histoire du Déclin et de la chute de l’empire


Romain, Rome de 96à582, trad. de l’anglais par M.F.Guizot, éd. Robert
Laffont, S.A, 1ère édition, Paris.
23. Gonzague De Reynold, 1945. L’Empire Romaine, La formation de
l’Europe, éd. Egliof, Paris.
24. Lassère J.-M., 1998. Africa Quasi Roma25av-jc-711apr-jc, CNRS éditions,
Paris.
25. Le glay Marcel, 1990. Rome, Grandeur et déclin de la république, Tome1,
éd. Perrin, Paris.
26. Le merle Paul, 1975. Histoire de Byzance, éd, P.U.F, Paris.
27. Ostrogorsky G., 1977. Histoire de l’état byzantine, T. Jgouillard, préf. De
paullemerle, éd. Payot, Paris.
28. Perrin Yves, 1997. De la cité à l’empire, Histoire de Rome, éd. Ellipses,
Paris.
29. Petit Paul, 1974. Histoire Générale de l'empire Romain le Bas-Empire
(284-395), T.3, éd. Du seuil, Paris.
30. Remondon Roger, 1973. La crise de l’empire romain de Marc-Aurèle à
Anastase, éd. presse universitaire de France, Paris.
31. Runciman Steven, 1939. La Civilisation Byzantine 330-1453, tra. E.J. Lévy,
Payot, Paris.
32. Stien Ernest, 1959. Histoire du Bas-Empire: de l'Etat Romain à l'Etat
Byzantin: 284-476, Tome1, éd. Declée de Bronwer, Paris.
33. Vopiscus Flavius, 1847 .Histoire d'Auguste, traduction Nouvelle par
M.M.E.taille Fert, Jules Chenu, Tome2, édition: C.L.F, panckoucke, Paris.

76 8112 ‫ السنة‬،1 ‫ العدد‬،6 ‫ املجلد‬،‫أفكار وآفاق‬

You might also like