Professional Documents
Culture Documents
في زمن تدفق المعلومات إلكترونيا عبر اإلنترنت أو وسائل اإلعالم المرئية
والمسموعة والمكتوبة يبدو ذكر المكتبة أشبه بعودة إلى زمن غابر لم تكن الشاشة
فيه قد احتلت الصدارة في حياة األفراد اليومية بعد.
فالمكتبة غالبا ما تعيد باحثي اليوم إلى زمن كان يتطلب الكثير من الجهد والوقت
لتأمين معلومات حول مواضيع معينة في حين أنهم اليوم غالبا ما يكتفون بالعودة
إلى شبكة االنترنت للحصول على المعلومات نفسها أو يكتفون ربما بأقل منها
اختصارا للوقت وبسرعة قياسية ال تتعدى سرعة كتابة موضوع البحث في خانة
على الشاشة ثم النقر على مفتاح (انتر) .
هذا الواقع الجديد في البحث وفي الحصول على المعلومات عبر اإلنترنت وإن
كان يختصر الكثير من الوقت والجهد إال أنه يبقى ناقصا أمام دقة التوثيق للمراجع
التي تقدمها المكتبة التقليدية .وهو ما يجعل اليوم البحث في تطوير مكتبات رقمية
( )digital libraryتستبدل المكتبات التقليدية أمرا ال بد منه لمواكبة التطور في
حفظ المعلومات واسترجاعها وتوثيقها بأحدث الطرق بما يضمن للباحثين الدقة
والسرعة في الحصول على المعلومات.
لكن الحديث عن المكتبة الرقمية في وطننا العربي دونه الكثير من المعوقات ال
سيما إذا الحظنا أن المكتبات التقليدية ما زالت هي الغالبة كما أن معظمها يفتقر
إلى الميكنة وبعضها يستمر في اعتماد التوثيق الورقي لمحتوياته ،هذا إن وجدت
أصال.
فمهمة االنتقال من العصر اليدوي إلى العصر الرقمي ما زالت في بدايتها وهي
محط اهتمام الباحثين في هذا المجال في الوطن العربي في محاولة لتقليص أو حل
بعض مشاكلها ،كما أن المكتبات العربية تعاني من مشاكل عدة ال سيما في
1
التمويل .وقد أفادت هذه المكتبات من التطور التقني بنسب متفاوتة بحيث أصبح
للبعض منها أنظمة إدارة متكاملة في حين اكتفى البعض اآلخر بالفهرسة على
الحاسب اآللي وبقي بعضها يستخدم نظام البطاقات lالقديم في التوثيق في حين
تسعى مجموعة منها ألن تكون رقمية وهي مجموعة محدودة جدا في الدول
العربية.
لكن ما الهدف أصال من التحول من مكتبة تقليدية إلى مكتبة رقمية ،وما المكتبة
أصال الرقمية بالمقارنة مع المكتبة االفتراضية أو المكتبة اإللكترونية؟
ال تدل هذه المصطلحات lالمختلفة بلغة المتخصصين في التوثيق والمكتبات على
نوع واحد من المكتبات وإن كان استخدامها يختلط لدى غير المتخصصين .ويوجد
مصطلحات عدة في ادبيات المكتبات إلى درجة يصعب حصرها منها (المكتبة بال
أوراق) و (المكتبة المهيبرة) والذكية ...وقد تحدثت معظم هذه المصطلحات lعن
خاصية معينة .وبحسب جمعية المكتبات في أمريكا تم تعريف الفرق بين
المصطلحات lعلى الشكل التالي:
المكتبة اإللكترونية
()electronic library
تستخدم خليطا من التقنيات مع مصادر معلومات تقليدية كالكتب الورقية
واإللكترونية كاألقراص المدمجة أو الشبكات المتنوعة.
المكتبة الرقمية :تعتمد مصادر رقمية بشكل كامل .وهي ليست وحدة مستقلة بذاتها
وتعتمد على روابط لمصادرها كما يتوافر فيها العنصر اإلنساني مما يجعلها
تتحول من مجرد برنامج حاسوبي ذكي يقدم خدمة معينة إلى قاعدة معلومات تعمد
إلى االستجابة لألسئلة التي تردها من الباحثين.
المكتبة االفتراضية)virtual library(:
2
تشكل روابط لعدد من المكتبات الرقمية ومن المؤسسات لتقديم خدمة معينة من
دون أن يعرف الباحث بالضرورة أين مصدر الخدمة ،وتتم فيها معالجة
المعلومات وتخزينها واسترجاعها بالطرق اإللكترونية الحديثة.
ونعطي مثاال على المكتبات الرقمية موقع الذاكرة األمريكية على االنترنت الذي
أنتجته مكتبة الكونغرس.
ونلفت إلى أن المكتبات الرقمية تتميز في ما بينها فقد تحتوي إحداها مثال كتبا
إلكترونية فقط أو صورا فقط.
عوائق تقنية وبشرية
أما في الوطن العربي فيواجه انتقال المكتبات من العصر اآللي أو الورقي إلى
العصر الرقمي تحديات كبرى لم يتم حتى اآلن تخطيها أو معالجتها مما ينعكس
سلبا على البحث العلمي الذي تشكل المكتبات عموما عماده.
فإذا كانت المكتبات قد أفادت بشكل عام من التطور التقني الذي شهده العالم على
مر السنوات الخمسين الماضية فإن صعوبة االنتقال إلى العصر الرقمي اليوم في
الدول العربية تكمن في غياب البنية التحتية المطلوبة من أجهزة كومبيوتر
وبرمجيات داخل المكتبة كما داخل البلد نفسه غالبا باالضافة إلى ضعف التمويل
والبنية التحتية لالتصال بشكل عام في غالبية الدول العربية التي ما زالت تعتمد
نظام االتصال باالنترنت عبر الهاتف.
أما المشكلة الثانية التي تواجه االنتقال إلى العصر الرقمي في المكتبات العربية
فتكمن في اللغة نفسها (وفي صعوبة التعامل معها بالنسبة للبرمجيات المنتجة حتى
اآلن ،ذلك أننا لم نصل إلى مرحلة اإلنتاج وما زلنا مستهلكين للمعلومة ولكل ما له
عالقة بتقنيات المعلومات) .
وهناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المتخصصين في مجال المكتبات لمتابعة ما
3
ينتج في الخارج lوتطويعه للمكتبة العربية ألن التساهل في هذا الموضوع سيساهم
في زيادة الهوة الرقمية والعلمية بين مجتمعاتنا النامية والمجتمعات المتقدمة .
كما نشير إلى أهمية البرامج المفتوحة في إتاحة تنظيم المكتبات الرقمية بكلفة
مخفضة إال أن غالبية هذه البرامج لم تعرب حتى اآلن و (هناك محاولة جارية
اآلن بالتعاون مع اليونيسكو لتعريب برنامج (غرين ستون) المتوافر مجانا على
االنترنت.
غير أن الوصول إلى نتائج عملية سريعة ال يمكن أن يتم إال بوجود تعاون بين
المؤسسات العلمية لتعريب االنظمة وإتاحتها للمكتبات العربية في اطار
استراتيجية ومواصفات واضحة الستخدام التقنيات المختلفة داخل المكتبات
العربية .
أما النقطة الثالثة التي تعيق تطور المكتبات العربية نحو الرقمية فهي اإلمكانيات
شبه المحدودة للقوى العاملة في المكتبات ومراكز المعلومات العربية (ألن معظم
العاملين في هذا القطاع اليوم لم يحصلوا على التدريب الكافي للتعاطي مع تقنيات
المعلومات المأمول استخدامها .وهنا تكمن أهمية إتاحة الفرص لهؤالء العاملين
للتدريب على وسائل العمل الحديثة من خالل ورش العمل المتخصصة .
منافسة اإلنترنت
إلى ذلك تغيب عن المكتبات في الوطن العربي وحدة المرجعية المسؤولة عن
تطويرها ،فهي تخضع لسلطات وصاية مختلفة تتوزع غالبا بين وزارات التعليم
العالي والتربية والثقافة بالنسبة للمكتبات العامة ،أما المكتبات المتخصصة فتتبع
لمؤسساتها المختلفة مما يزيد من تنوع المرجعيات في ظل بيروقراطية مستشرية
تفاقم المشكلة .
وفي ظل انتشار االنترنت واعتماده من قبل الكثيرين للحصول على المعلومات
4
التي يريدونها يبدو كأن االنترنت قد سطا على دور المكتبات التاريخي كمصدر
للمعلومات.
حتى على المستوى األكاديمي يستسهل بعض الباحثين اعتماد المعلومات
الموجودة على الشبكة مبتعدين عن المكتبات التقليدية ومحتوياتها توفيرا للوقت
والجهد.
وتعاني المكتبات اليوم من تدني عدد المستفيدين منها بسبب توافر االنترنت
وسهولة استخدامه.
وبالرغم من أهمية االنترنت في توفير المعلومات إال أن الشبكة قد ال تحتوي دائما
عال مما ينعكس سلبا على مستوى األبحاث العلمية
على معلومات ذات مستوى ٍ
المعتمدة عليها .وهنا تكمن أهمية تبني فكرة المكتبة الرقمية واعتمادها لإليفاء
بمتطلبات الباحثين بأكثر األشكال التفاعلية الممكنة .
http://www.al-jazirah.com.sa/digimag/10042005/gadeia29.htm
5