You are on page 1of 97

‫ّ‬

‫الش ّ‬ ‫ائرية ّ‬
‫الديمقر ّ‬ ‫الجمهورية الجز ّ‬
‫ّ‬
‫عبية‬ ‫اطية‬
‫ّّ‬
‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫‪MINISTÈRE DE L’ENSEIGNEMENT SUPERIEUR ET DE LA RECHERCHE SCIENTIFIQUE‬‬
‫ⵏⴰⵏⵙⵓⵉⴸⴰⵏⵓⴴⴴⵉⵏⵏⵓⴸⴻⵎⵍⴻⵙⵓⵏⴼⵉⵍⵖⴰ‬
‫ⵓⵣⵣⵓⵉⵣⵉⵝⵏⵕⴻⵎⵎⴻⵄⵎⵝⴰⴸⵓⵍⵓⵎⵍⵏⵝⵉⵡⴰⴸⵙⴰⵝ‬
‫ⵏⵉⵢⴰⵍⵝⵓⵝⴸⵏⵉⵡⵉⵍⴿⴻⵙⵜⵏⵝⵢⴰⴷⴷⴻⵣⴰⵝ‬
‫‪UNIVERSITÉ MOULOUD MAMMERI DE TIZI-OUZOU‬‬ ‫جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي‪-‬وزو‬
‫‪FACULTÉ DES LETTRES ET DES LANGUES‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كلية اآلداب واللغات‬
‫‪DÉPARTEMENT DE LANGUE ET LITTÉRATURE ARABES‬‬ ‫ّ‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها‬
‫رقم الترتيب‪:‬‬
‫الرقم التسلسلي‪:‬‬

‫امليدان‪ :‬لغة وأدب عربي‬


‫الفرع دراسات أدبية‬
‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫خصص‪ :‬أدب حديث ومعاصر‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاتر‬


‫عنوان املذكرة‪:‬‬
‫ّ‬
‫تحول الشخصيات في الحكايات الشعبية القبائلية وحكايات‬
‫ألف ليلة وليلة‬
‫‪-‬مقاربة أنثروبولوجية تطور ّية‪-‬‬
‫إشراف األستاذة‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬
‫د‪ .‬زهية طراحة‬ ‫نادية حمادن‬
‫ريمة خالص‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‪:‬‬

‫د‪ /‬عمر بن دحمان‪ ،‬أستاذ محاضر "أ"‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو ‪............‬رئيسا‪.‬‬
‫د‪ /‬زهية طراحة‪ ،‬أستاذ مخاضرة "أ"‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو ‪..........‬مشرفة ومقررة‪.‬‬
‫د‪/‬نعيمة لعقريب‪ ،‬أستاذة محاضرة "أ"‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو ‪...............‬ممتحنة‪.‬‬

‫الجامعية‪2019/2018:‬م‬
‫ّ‬ ‫السنة‬
‫ّ‬
‫إهداء‬
‫أهدي مثرة جهدي هذا إىل‪:‬‬
‫كل من ساندين وقدم يل يد العون من قريب أو من بعيد‪ ،‬وإىل كل العائلة الكرمية من‬
‫كبريها إىل صغريها‪ ،‬خاصة الوالدين الكرميني اللذين سانداين ماديا ومعنويا طوال فرتة‬
‫البحث‪ ،‬ولن أنسى راويات احلكايات وأشكرهن على صربهن علينا وعلى منحنهن وقتهن‬
‫لنا‪.‬‬
‫كما أهديه إىل مجيع األصدقاء‪.‬‬

‫نادية‬
‫إهداء‬
‫أهدي مثرة جهدي إىل‪:‬‬
‫إىل روح جدي رمحه اهلل‬
‫إىل القلب الذي ينبض يف كل دقيقة باحلب واحلنان‪ ،‬الشخص الذي لطاملا ساعدين‬
‫طيلة مسرييت التعليمية‪ ،‬والذي وقف إىل جانيب وساندين طيلة حيايت‪ ...‬أمي‬
‫إىل أيب الذي طاملا ساندين‬
‫إىل كل اإلخوة األعزاء‬
‫كما اهديه إىل مجيع العائلة‬

‫ريمة‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫تعتبر الحكاية الشعبية –باألخص الحكاية الخرافية‪ -‬جزءا من الموروث الشعبي‪ ،‬فقد‬
‫شغلت تفكير الدارسين والباحثين لما لها من أهمية في نقل الواقع الحضاري والتصور‬
‫الخيالي الخاص بشعوبها من جهة‪ ،‬والواقع اإلنساني العام المتشابه من جهة أخرى‪.‬‬
‫فرغم اختالف اللغات والعادات والتقاليد‪ ،‬إال أننا نجد أن الحكايات الخرافية تتشابه فيما‬
‫بينها‪ ،‬ويعتبر الجانب الخيالي من هذه الحكايات أكثر تمي از لما يحمله من ظواهر سحرية‬
‫وعجائبية‪ ،‬ومن الظواهر التي لفتت انتباهنا في الحكاية الخرافية ظاهرة تحول الشخصيات‬
‫المجنحة‪ ،‬والحيوانات‬
‫ّ‬ ‫اآلدمية إلى شخصيات غير آدمية‪ ،‬كالحيوانات األرضية والحيوانات‬
‫المائية‪.‬‬
‫ّ‬
‫والحظنا هذه الظاهرة في كل من الحكايات المحلية والعربية والعالمية‪ ،‬فارتأينا أن يكون‬
‫موضوع بحثنا‪« :‬تحول الشخصيات في الحكاية الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‬
‫تطورّية»‪.‬‬
‫مقاربة أنثروبولوجية ّ‬
‫وتكمن أهمية هذا الموضوع في قلة الدراسات األنثروبولوجية حول الحكاية الشعبية‬
‫األنتروبولوجية المقارنة بين‬
‫ّ‬ ‫عامة‪ ،‬وظاهرة تحول الشخصيات خاصة‪ ،‬والسيما الدراسات‬
‫التراث القبائلي والعربي وعدم إعطاء هذا الموروث القدر الكافي الذي يستحقه من الدراسة‬
‫واالهتمام‪.‬‬
‫وقد كان الختيارنا هذا الموضوع سبب موضوعي متمثل في البحث عن سر التشابه‬
‫واالختالف بين الحكايات الشعبية الخرافية المحلية القبائلية والعربية ويضاف له سبب ذاتي‬
‫متمثل في شغفنا لعالم الحكاية الشعبية التي تعودنا االستماع إليها في طفولتنا‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فقد ظهرت لنا عدة إشكاالت‪:‬‬
‫­ ما المقصود بظاهرة التحول؟‬
‫­ كيف يحدث هذا التحول؟‬
‫­ بماذا يرتبط التحول؟ بالمعتقد الديني‪ ،‬بالسحر مثال‪ ،‬أم هو مجرد خيال؟‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬

‫­ هل هناك تشابه بين تحول الشخصيات في الحكاية الشعبية الخرافية القبائلية المحلية‬
‫وحكايات ألف ليلة وليلة؟‬
‫ولإلجابة عن التساؤالت السابقة‪ ،‬نفترض بأن ظاهرة التحول مرتبطة ببقايا المعتقدات‬
‫الدينية القديمة وبالسحر بصفة خاصة‪ ،‬وللتأكد من صحة فرضيتنا السابقة سنستعين بالنظرية‬
‫الخاص بتطور المعتقدات الدينية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التطورّية (المقارنة) وبالمنهج الميثولوجي‬
‫ّ‬ ‫األنثروبولوجية‬
‫ومن أهم ممثليها‪ :‬جيمس فرايز‪ ،‬وميرسيا إلياد‪.‬‬
‫وقسمنا بحثنا إلى فصلين‪:‬‬
‫الفصل األول بعنوان "مفاهيم نظرية" ويحتوي على ثالثة مباحث‪ ،‬تناولنا في األول‬
‫مفهوم التحول‪ ،‬وفي الثاني تعريف الحكاية الشعبية وأبرز أنواعها‪ ،‬وفي الثالث تعريف منهج‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬
‫ّ‬ ‫أما الفصل الثاني‪ :‬فكان بعنوان‬
‫مقارنة‪ ،‬ويحوي على ثالثة مباحث‪ ،‬ففي األول قمنا بتقديم مدونة الحكايات‪ ،‬وفي الثاني‬
‫التحول في الحكاية‬
‫ّ‬ ‫التحول في الحكايات القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‪ ،‬وفي الثالث‬
‫ّ‬
‫الشعبية‪ ،‬دراسة مقارنة‪.‬‬
‫وفي الخاتمة حوصلنا أهم نتائج البحث‪.‬‬
‫ومن أهم المصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها‪:‬‬
‫نبيلة إبراهيم أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬عبد الحميد بورايو القصص الشعبي في‬
‫منطقة بسكرة‪ ،‬جيمس فرايزر كتاب الغصن الذهبي‪ ،‬ميرسيا إلياد كتاب تاريخ المعتقدات‬
‫واألفكار الدينية‪ ،‬أوفيد كتاب مسخ الكائنات‪ ،‬جاك لومبارد المدخل إلى االثنولوجيا‪.‬‬
‫اعترضتنا أثناء إنجازنا لهذا البحث صعوبات وعوائق منها‪:‬‬
‫تحول الشخصيات‪.‬‬
‫قلّة المراجع التي تناولت ظاهرة ّ‬
‫صعوبة جمع مدونة معتبرة من الحكايات الشعبية من الميدان‪ ،‬لقلّة الرواة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫وال يسعنا في هذا المقام إال أن نتوجه بالشكر والعرفان لألستاذة المشرفة "زهية طراحة"‬
‫على صبرها علينا‪ ،‬والتي لم تبخل علينا بنصائحها وتوجيهاتها‪ ،‬وبفضلها استطعنا أن ننجز‬
‫هذا البحث‪.‬‬
‫وهذا ما استطعنا الوصول إليه بعد جهد بذلناه‪ ،‬وكل ما نتمناه أن نكون قد وفينا هذا‬
‫العمل حقه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل األول‬
‫الشعبية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫التحول‪ ،‬الحكاية‬
‫ّ‬ ‫نظرية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مفاهيم‬
‫األنتروبولوجية‬
‫ّ‬ ‫المقاربة‬

‫المبحث األول‪ :‬التحول‬


‫المبحث الثاني‪ :‬الحكاية الشعبية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المقاربة األنثروبولوجية‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫التحول‬
‫ّ‬ ‫األول‪:‬‬
‫المبحث ّ‬
‫إثر اطالعنا على تراثنا الشعبي من حكايات خرافية‪ ،‬شدت انتباهنا ظاهرة تحول بعض‬
‫شخصيات الحكايات‪ ،‬فما المقصود من كلمة تحول؟ وكيف تحدث هذه الظاهرة؟‬
‫أن "التحول‪ :‬التنقل من موضع إلى موضع"(‪ ،)1‬فكلمة‬
‫التحول‪ ،‬نجد ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا تصفحنا مفهوم‬
‫"التحول" هنا يقصد بها التحول المكاني‪ ،‬بمعنى االنتقال من مكان إلى مكان آخر‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تحوال‪ :‬تنقل من مكان إلى مكان‪ ،‬تنقل من حال إلى حال‪".‬‬
‫"تحول‪ٌ :‬‬
‫تبدل من حال إلى حال‪ ،‬أو تنقل من‬
‫تحول الشيء إلى كذا‪ّ :‬‬
‫"تحول الشخص إلى كذا‪ُ /‬‬
‫(‪)3‬‬
‫موضع إلى موضع"‪.‬‬
‫تغير الشيء أو الكائن من مظهره‪ ،‬أو من هيئته الطبيعية التي خلق عليها‬
‫التحول هو ّ‬
‫ّ‬
‫إلى هيئة جديدة مخالفة‪ ،‬إلى شكل آخر‪ ،‬كتحول اإلنسان من هيئته التي هو عليها إلى‬
‫حيوان‪ ،‬وقد وردت هذه الظاهرة في القرآن الكريم بما يسمى بـ "المسخ"‪ ،‬وكذا في األساطير‬
‫والحكايات الخرافية‪ .‬فما هو المسخ؟ وما هو الفرق بينه وبين التحول؟‬

‫‪ -1‬تعريف المسخ‬
‫يعرف ابن منظور المسخ كما يلي‪" :‬المسخ‪ :‬تحويل صورة إلى صورة أقبح منها‪ ،‬وفي‬
‫التهذيب‪ :‬تحويل خلق إلى صورة أخرى‪ ،‬مسخه اهلل قردا يمسخه وهو مسخ ومسيخ‪ ،‬وكذلك‬
‫(‪)4‬‬
‫المشوه الخلق"‪.‬‬
‫مسخت القردة من بني إسرائيل‬
‫الجن كما ّ‬
‫ّ‬ ‫مسيخ‬
‫وفي حديث بن عباس‪" :‬الجان ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫المسخ‪ ،‬وهو قلب الخلقة من شيء إلى شيء"‪.‬‬
‫مسيخ‪ :‬فعيل بمعنى مفعول من ّ‬
‫‪ّ ...‬‬

‫‪ -1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب المجلد ‪ ،3‬دار صادر بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1994 ،3‬ص‪.189‬‬
‫‪ -2‬جبران مسعود‪ ،‬الرائد (معجم لغوي عصري)‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ ،1992 ،7‬ص‪.199‬‬
‫‪ -3‬أحمد مختار عمر‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 2008 ،1‬ص‪.586‬‬
‫‪ -4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫حول صورته إلى صورة قبيحة‪ ...‬المسخ‪ :‬اعتقاد بانتقال النفس‬


‫مسخ‪ ،‬يمسخ‪ :‬مسخا‪ّ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من بدن اإلنسان إلى بدن حيوان يناسبه في األوصاف‪.‬‬
‫وقد صرح القرآن الكريم في عدد من اآليات بأن اهلل عز وج ّل قد غضب على جماعة‬
‫من الناس فمسخهم إلى حيوانات من بينها قردة وخنازير‪ ،‬قال عز وج ّل‪ :‬ﱡﭐ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼﱽﱾﱿ ﲀﲁﲂﲃﲄﲅﱠ "(‪ ،)2‬وقال أيضا‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱤ ﱥﱦﱧﱨﱩﱪ‬

‫ﱸﱺﱻ ﱼﱽﱾﱿﲀ‬
‫ﱹ‬ ‫ﱬﱮﱯﱰﱱ ﱲﱳﱴﱵﱶﱷ‬
‫ﱫ ﱭ‬

‫ﲁﱠ "‬
‫(‪)3‬‬

‫فالمسخ هو تحويل صورة إلى صورة أقبح منها؛ كتحويل اهلل عز وج ّل اإلنسان من‬
‫صورته التي هو عليها إلى قرد أو خنزير‪.‬‬
‫حول‬
‫كما جاء في تاج العروس ل"محمد مرتضي الزبيدي" عن المسخ‪" :‬مسخه‪ :‬كنعه‪ّ :‬‬
‫المسيخ المشوه الخلق ومن ال‬
‫ْ‬ ‫مسخ ومسيخ ‪...‬و‬
‫صورته إلى أخرى أقبح ومسخه اهلل قردا فهو ْ‬
‫مالمح له"‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫يقول تعالى في سورة يس‪ :‬ﱡﭐ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ‬


‫(‪)5‬‬
‫ﲯﲰﱠ‪.‬‬
‫وفي مادة "المسخ"‪ :‬تق أر ما يلي‪" :‬مصدر‪ ،‬وعند الحكماء انتقال النفس الناطقة من بدن‬
‫اإلنسان إلى بدن حيو ٍ‬
‫ان آخر يناسبه في األوصاف كبدن األسد لل ّشجاع وبدن األرنب‬
‫"التحوالت"‬
‫ّ‬ ‫النوع من‬ ‫أن هذا ّ‬
‫للجبان‪ .‬وهو من أقسام التناسخ ‪ "...‬وفي "ألف ليلة وليلة"‪ ،‬نجد ّ‬
‫لعمليات "مسخ"‪ ،‬تتم‪ ،‬عامةً‪ ،‬بإرادة شخص ذي قدرة خارقة ِ‬
‫(س ْح ِرّية)‪ ،‬إ ْذ ُي َسلِّطُها‬ ‫ِ‬ ‫يكون نتيجة‬
‫َْ‬

‫‪ -1‬جبران مسعود‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.738-737‬‬


‫‪ -2‬سورة البقرة (‪ ،)2‬اآلية ‪.65‬‬
‫‪ -3‬سورة المائدة (‪ )5‬اآلية ‪.60‬‬
‫‪ -4‬محمد مرتضي الزبيدي‪ ،‬تاج العروس المجلد السابع‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت ‪/‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،7‬د ت‪ ،‬ص‪.289‬‬
‫‪ -5‬سورة يس(‪ ،)36‬اآلية ‪.67‬‬

‫‪7‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫أي إلى حيوان أو كائن نصفُه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫شخص آخر‪ ،‬فينقلب هذا األخير‪ ،‬بمفعولها إلى م ْس ٍخ‪ْ ،‬‬ ‫على‬
‫(‪)1‬‬
‫إنسان ونصفهُ اآلخر حجر‪".‬‬
‫ويقول "نبيل حمدي الشاهد" أن" المسخ" هو أحد التيمات الرئيسية في القص العجائبي‪،‬‬
‫المسخ هو تحول الكائنات من جنسها المخلوقة عليه إلى جنس آخر بعيدة عنه مع احتفاظها‬
‫بعد التحول ببعض السيمات من جنسها األول‪ ،‬وهو في كل األحوال يدخل في ازوية الغلو إذ‬
‫إن امتساخ شيء ما هو إال خضوعه لتحوالت تضاله من حيث الزيادة أو النقصان"‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫يرى إبراهيم وطفي أن "اإلنمساخ تعني كلمة ‪ Die Verwandlung‬األلمانية‪ ،‬بعامة‬


‫يحول األمير‪ ،‬في‬
‫كليا من حالة إلى حالة أخرى‪ .‬مثال‪ :‬الساحر ّ‬ ‫التحول‪ ،‬أي االنتقال ّ‬
‫ّ‬
‫الحكاية‪ ،‬إلى ضفدع‪ ،‬أي بمعنى‪ :‬يمسخه"‪...‬والكلمة األلمانية ال تعني بحال من األحوال‬
‫المسخ‪ ،‬أي الشخص الذي جرى مسخه‪ ،‬وانما تعني فعل اإلنمساخ؛ كما أنها ال تتضمن‬
‫تحديد فيما إذا كان التحول سلبيا أم إيجابيا‪ ،‬لذا فان الترجمة األكثر دقة لهذه الكلمة هي‬
‫(‪)3‬‬
‫"التحول"‪.‬‬
‫ّ‬
‫أما عن ترجمة منير البعلبكي لقصة "فرانز كافكا" اإلنمساخ أو التحول‪ ،‬فقد ترجم‬
‫العنوان ب"المسخ"‪ ،‬وهو كما يقول إبراهيم وطفي فهو عنوان خاطئ‪.‬‬
‫وكذلك جاء في ترجمة مسخ الكائنات ألوفيد على لسان المترجم أن "كلمة‬
‫(ميتامورفوزس) التي هي عنوان الكتاب تعني حرفيا االنتقال من حال إلى حال‪ ،‬ال يشترط‬
‫(‪)4‬‬
‫فيها حال دنيا وال حال عليا"‪.‬‬
‫التحول‬
‫‪ -2‬الفرق بين المسخ و ّ‬
‫نستنتج مما سبق أن المسخ هو االنتقال من حالة عليا إلى حالة دنيا ألسباب دينية أو‬
‫التحول؛ ألن‬
‫عقوبات سلطت من اهلل على اإلنسان‪ ،‬ونالحظ أن هناك فرق بين المسخ و ّ‬

‫‪ -1‬فرانتس كافكا‪ ،‬التحول‪ ،‬ترجمة مبارك وساط (خواطر سريعة‪ ...‬للتأمل)‪ ،‬من منشورات الجمل‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬دت‪،‬‬
‫ص‪.94‬‬
‫‪ -2‬نبيل حمدي الشاهد‪ ،‬العجائبي في السرد العربي القديم‪ ،‬النشر والتوزيع الوراق‪( ،‬د ط ت)‪ ،‬ص‪.365‬‬
‫‪ -3‬فرانتس كافكا‪ ،‬االنمساخ‪ ،‬ترجمة إبراهيم واطفي‪ ،‬دار الكلمة ودار الحصاد‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص‪.71‬‬
‫‪ -4‬أوفيد‪ ،‬مسخ الكائنات‪ ،‬ترجمة‪ :‬ثروت عكاشة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪ 1992 ،3‬ص‪.27‬‬

‫‪8‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تحوال ارتقائيا‬
‫التحول ليس بالضرورة االنتقال من حال أعلى إلى حال أدنى‪ ،‬يمكن أن يكون ّ‬
‫ّ‬
‫أي من حال أدنى إلى حال أعلى‪.‬‬
‫التحول يشمل على تغيير األشياء واإلنسان‪ ،‬بينما المسخ ينحصر على تحويل‬
‫ّ‬ ‫كما أن‬
‫اإلنسان إلى حيوان أو أشياء‪.‬‬
‫تطرقنا فيما سبق أن المسخ يحدث بفعل اإلله كعقاب لإلنسان‪ ،‬وذلك بإنزال السخط‬
‫عليه وتحويله إلى حيوان‪ ،‬فكيف يحدث التحول في الحكايات الخرافية؟؛ وهل يبقى المتحول‬
‫إلى حيوان على تلك الحالة أم بمقدوره العودة إلى حالته الطبيعية؟ وكيف يتم ذلك؟‬
‫التحول "المسخ" والسحر‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫السحر حقيقة أزلية عرفته األجناس منذ القدم‪ ،‬لذلك نجده يستخدمونه في معظم‬
‫حكاياتهم التي تنقل يومياتهم وأحالمهم‪ ،‬وفي تحقيق مطالبهم وأهدافهم‪ ،‬وكذلك في االنتقام‬
‫اء بكسر العالقات فيما بينهم كالتفريق بين األزواج وأيضا بتنزيل السخط‬
‫من اآلخرين‪ ،‬سو ً‬
‫عليهم وذلك بتحويلهم إلى حيوانات‪.‬‬
‫وعن ذلك يقول "نبيل حمدي الشاهد"‪" :‬ولقد ارتبط المسخ في القص الشعبي بأمور‬
‫السحر والخوارق‪ ،‬بل أن تغير صورة اإلنسان إلى حيوان أكثر موضوعات السحر انتشا ار‬
‫وتك ار ار في الليالي‪ ،‬ولذلك يربط ماهر البطوطي بين السحر والمسخ برباط وثيق إذ أن عددا‬
‫كبي ار من أعمال السحر في القصص يتعلق بالتحوالت‪ ،‬أو المسخ‪ .‬وهذه األمور يقوم بها‬
‫الساحر أو كاهن أو جني لهم جميعا القدرة على إنزال العقاب بمن يخافون منه أو يغارون‬
‫(‪)1‬‬
‫منه أو ال يقدرون على مقاومته"‪.‬‬
‫أما شوقي عبد الحكيم فيرى‪" :‬أن هذه التحوالت كانت أقرب إلى أن تكون ممارسات‬
‫شعائرية‪ ،‬فهي عادة‪ ،‬كما يقول كراب ما يتوفر لها كخرافة شرط جوهري واحد‪ ،‬هو أن تكون‬
‫حكايات متقنة جيدة وممتعة‪ ،‬منطقية في بنائها‪ ،‬تحمل إلى الناس غاية أخالقية بصرف‬
‫(‪)2‬‬
‫النظر عن محلية هذه الغاية‪".‬‬

‫‪ -1‬نبيل حمدي الشاهد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.366‬‬


‫‪ -2‬شوقي عبد الحكيم‪ ،‬الحكايات الشعبية العربية‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1980 ،1‬ص‪.148‬‬

‫‪9‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ويقول أيضا‪" :‬تعرف هذه الخاصية المترددة بكثرة في خرافاتنا العربية خاصة السحرية‬
‫"بالسخط والمساخيط‪ ،‬وهي مقدرة التحوالت لشخوص الحكايات إلى حيوانات‪ ،‬وبالطبع فهي‬
‫خاصية ليست بقاصرة على تراثنا الفولكلوري العربي‪ ،‬بل هي مالزمة للسحر كملمح عالمي‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أو هو قاسم مشترك لموروثات العوالم القديمة في عمومها‪".‬‬
‫ويعود ارتباط السحر بالقص الشعبي إلى ممارسة هذه الظاهرة في المجتمعات القديمة‪،‬‬
‫فهي عادة يومية لديهم‪ ،‬يمارسها الساحر أو الكاهن أو الجني‪ ،‬وقد عرفت انتشا ار في مختلف‬
‫المجاالت كالتحكم في الطبيعة‪ ،‬وممارستها في الطب لشفاء المرضى وغيرها من‬
‫التحول في السحر قد تكون تأث ار بالدين أو‬
‫ّ‬ ‫االستعماالت األخرى‪ ،‬ولعل إدماج ظاهرة‬
‫بالمعتقدات واألساطير القديمة‪.‬‬
‫فنجد هذه الظاهرة مجسدة في معظم الحكايات الخرافية‪ ،‬كحكايات "ألف ليلة وليلة" التي‬
‫ال تخلو من القصص العجيبة والمثيرة والتي نسج فيها الكثير من حكايات الممسوخة عن‬
‫تحولوا إلى حيوانات أو أشياء أخرى مثل حكاية "بدر باسم ابن الملك‬
‫األشخاص الذين ّ‬
‫شهرمان وبنت الملك السمندل" حيث قامت جوهرة بنت الملك السمندل بسحر بدر باسم‬
‫وتحويله إلى طير‪ ،‬وكذلك حكاية العفريت والتاجر أين حولت زوجة األب ابن زوجها إلى‬
‫عجل وأمه إلى بقرة‪ ،‬وغيرها من الحكايات األخرى‪.‬‬
‫كما ال يخلو تراثنا الفولكلوري الجزائري وباألخص التراث الشعبي القبائلي من هذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬فمن خالل اطالعنا على بعض المرويات الحكائية الخرافية الحظنا وجود ظاهرتي‬
‫التحول‪ ،‬ففي حكاية "بقرة اليتامى" تحول الطفل إلى تيس وذلك بعد شربه من المنبع‬
‫المسخ و ّ‬
‫تحول اإلخوة إلى حمام‬
‫الخاص بالحيوان‪ ،‬وحكاية "البنت التي هجرها إخوتها السبعة" أين ّ‬
‫التحوالت األخرى‪ ،‬لكن هل اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫بفعل لعنة الغولة التي سلطتها عليهم‪ ،‬وغيرها من‬
‫يتحول كليا أم أنه يحتفظ ببعض الصفات أو الميزات التي كانت لديه‬
‫المتحول إلى حيوان ّ‬
‫ّ‬
‫التحول؟‬
‫ّ‬ ‫قبل‬

‫‪ -1‬شوقي عبد الحكيم‪ ،‬الحكايات الشعبية العربية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.144‬‬

‫‪10‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪-4‬احتفاظ الممسوخ بصفات جنسه التي كان عليها‬


‫تحول بدر باسم إلى طير‪ ،‬فهو رغم انه‬
‫في حكاية بدر باسم ابن الملك شهرمان‪ ،‬أين ّ‬
‫في صورة طائر إال أنه يأكل طعام البشر‪ ،‬ويشرب خمورهم ويأنس معهم ويلذ بما يقدم في‬
‫حضرتهم‪ ،‬فهو بذلك حافظ على صفاته الداخلية التي كانت فيه قبل المسخ‪ ،‬أي انه على‬
‫استمرار مع إدراكه الداخلي لشخصيته الممسوخة‪ ،‬فكما يقول "نبيل حمدي" كاستنتاج "اذاً‬
‫فالهوية البشرية حاضرة في الممسوخ رغم كل طبقات الوعي المسجون تحت أقبية الطيور أو‬
‫الحيوانات‪ ،‬ولذلك يعيش الممسوخ بين ثنائية (االنفصال \ االتصال) االنفصال عن عالمه‬
‫اإلنساني شكال في مقابل اتصاله به روحا وعقال"(‪ .)1‬وهذا كإشارة فقط‪ ،‬ألنه سوف نتطرق‬
‫لذلك بالتفصيل في التطبيق على بعض الحكايات‪.‬‬
‫التحول ظاهرة سحرية‪ ،‬تزخر بها الحكايات الخرافية‪ ،‬وتحدث‬
‫ّ‬ ‫ومن هنا يمكننا القول إ ّن‬
‫إما بفعل اإلله الذي يقوم بمسخ الكائن البشري‪ ،‬وذلك كعقاب يسلطه عليه أو على جماعة‬
‫الجني بسحر الشخص وتحويله إلى‬
‫من البشر‪ ،‬أو تحدث بفعل السحر‪ ،‬فيقوم الساحر أو ّ‬
‫حيوان وذلك انتقاما أو خوفا منه‪.‬‬

‫‪ -1‬نبيل حمدي الشاهد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.372‬‬

‫‪11‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحكاية الشعبية‬


‫تعتبر الحكاية الشعبية نوع من أنواع األدب الشعبي‪ ،‬وهي متميزة عن األنواع األخرى‪،‬‬
‫وذلك للمكانة التي تحتلها في المجتمع‪ ،‬باعتبارها احدى الدعائم المهمة في صقل شخصية‬
‫الطفل‪ ،‬فهي تهدف إلى غرس القيم في نفوس األبناء ودفعهم إلى تحمل المسؤولية ومواجهة‬
‫الظروف الحياتية كرجال للغد‪ ،‬وكذلك إعداد نساء يعتمد عليهن في بناء األسرة المستقبلية؛‬
‫وللجدات دور كبير في ذلك بفضل فطنتهن وخبرتهن في الحياة‪ ،‬وأسلوبهن المشوق في سرد‬
‫تلك الحكايات التي تهدف من خالله إلى توجيه الطفل وتنمية خياله وقدراته العقلية واثراء‬
‫رصيده اللغوي واكتسابه الخبرة في التعامل مع المحيطين به‪ ،‬لذلك كانت ومازالت الحكاية‬
‫الشعبية تحتفظ بمكانتها في المجتمع عن طريق تناقلها جيال عن جيل‪ ،‬إالّ أنها تراجعت‬
‫مؤخ ار وذلك للتقدم الذي شهده العصر وانشغال الجيل الجديد بالتكنولوجيا الحديثة‪.‬‬
‫تختلف الحكايات في تصنيفها وذلك حسب شخصياتها والمواضيع التي تناولتها‪ ،‬وقبل‬
‫التفصيل في أنواع الحكاية الشعبية نتطرق أوال إلى تعريفها‪:‬‬
‫بأن أي نتاج قصصي شعبي مكتمل يطلق عليه حكاية شعبية‪ ،‬فتعود‬
‫تقول نبيلة إبراهيم ّ‬
‫لتوسيع هذا التعريف وذلك استناداً إلى معاجم أجنبية‪ ،‬ومنها األلمانية التي تعرف الحكاية الشعبية‬
‫بأنها‪ ":‬الخبر الذي يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية عن جيل آلخر‪ ،‬أو هي‬
‫خلق حر لخيال شعبي ينسجه حول حوادث مهمة‪ ،‬وشخوص ومواقع تاريخية‪ ...‬أما اإلنجليزية‬
‫بأنها "حكاية يصدقها الشعب بوصفها حقيقة‪ ،‬وهي تتطور مع العصور‪ ،‬وتتداول شفاها‪،‬‬
‫فتعرفها ّ‬
‫كما ّأنها تخص بالحوادث التاريخية الصرف أو باألبطال الذين يصنعون التاريخ"؛ لتقول في‬
‫أن هذه القصة‬
‫تعريف أوسع " أن الحكاية الشعبية قصة ينسجها الخيال الشعبي حول حدث مهم‪ ،‬و ّ‬
‫يستمتع الشعب بروايتها واالستماع إليها إلى درجة ّأنه يستقبلها جيال بعد جيل عن طريق الرواية‬
‫(‪)1‬‬
‫الشفوية"‪.‬‬

‫‪ -1‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪( ،3‬د‪ ،‬ت)‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪12‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫يعرف الباحث (أحمد رشدي صالح) الحكاية الشعبية على ّأنها‪ " :‬فن القول التلقائي‬
‫(‪)1‬‬
‫العريق‪ ،‬المتداول بالفعل‪ ،‬المتوارث جيال بعد جيل‪ ،‬المرتبط بالعادات والتقاليد"‪.‬‬
‫أن الحكاية الشعبية هي حكاية ينسجها الخيال البشري انطالقا‬
‫فمن هنا يمكننا القول ّ‬
‫من حدث أو أحداث صادفته في حياته‪ ،‬ويستمتع بها الشعب ويحافظ عليها جيال عن جيل‬
‫عن طريق الرواية الشفوية‪ ،‬إضافة إلى أنها تنقل العادات والتقاليد الشعبية‪.‬‬
‫بأن "الحكاية الشعبية هي أثر قصصي ينتقل مشافهة أساسا‪،‬‬
‫يقول عبد الحميد بورايو ّ‬
‫يكون نثريا يروي أحداثا خيالية ال يعتقد ارويها ومتلقيها في حدوثها الفعلي‪ ،‬تنسب عادة للبشر‬
‫وحيوانات وكائنات خارقة‪ ،‬تهدف إلى التسلية وتزجية الوقت والعبرة‪".‬‬
‫(‪)2‬‬

‫فالحكاية الشعبية هي قصة ليس لها مؤلف معروف تنسب إليه‪ ،‬لذلك فهي تصنف في‬
‫التراث الثقافي الالمادي‪ ،‬وتتعدد صيغ اإلبداع فيها باختالف ارويها وطريقة سردهم ووصفهم‬
‫لألحداث‪ ،‬بإضافة عناصر التشويق لها وذلك دون المساس بالنسق العام للحكاية‪ ،‬فبالرغم‬
‫من اختالف الثقافات إال ّأننا نجد معظم الحكايات الشعبية متشابهة في جميع أنحاء العالم‬
‫مع وجود بعض االختالفات التي ال تؤثر على جوهر الحكاية‪.‬‬
‫يعود التشابه بين الحكايات رغم تباين المسافات الزمانية والجغرافية إلى الظروف البيئية‬
‫والمشاكل التي يواجهها البشر في أنحاء العالم‪ ،‬ويجدون لها نفس الحلول‪ ،‬ويفسرون بذلك‬
‫"إن كل حكاية أو نموذج لحكاية من الممكن أن‬
‫تكرار التفاصيل ذاتها ومواضيع نفسها؛ ّ‬
‫يؤلف ويعاد تأليفه من جديد مئات المرات في أزمنة وأماكن مختلفة‪ ،‬وان التشابه الذي‬
‫نالحظه بين الحكايات في بالد مختلفة ما هو إال نتيجة لتشابه العوامل الخالقة للعقل‬
‫البشري"(‪.)3‬‬

‫‪-1‬هادي نعمان الهيتي‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ...‬أهميتها‪ ،‬عناصرها ووظائفها‪ ،‬مجلة الحوار‪ 2 :‬نوفمبر ‪.2015‬‬
‫‪ -2‬عبد الحميد بورايو‪ ،‬القصص الشعبي في منطقة بسكرة‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪( ،‬د ط)‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ -3‬غراء حسين مهنا‪ ،‬أدب الحكاية الشعبية‪ ،‬الشركة المصرية العالمية للنشر‪ ،‬لونجمان‪( ،‬د‪ ،‬ط‪ ،‬ت)‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪13‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تتمثل الحكاية الشعبية العربية بصورة عامة بالبساطة في األسلوب‪ ،‬ألنها عادة تحكي‬
‫للعامة‪ ،‬لذلك يجب أن يكون األسلوب بسيطا خاليا من الكلمات الصعبة والجمل المعقدة‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة للوضعية المبدئية فإ ّن معظم الحكايات تبدأ بافتتاحية تقليدية "كان في قديم الزمان"‪،‬‬
‫أما الحكاية الشعبية الخرافية تبدأ عادة ب " كان بإمكان على اهلل والتكالن كل من عليه يقول‬
‫التوبة وأستغفر اهلل"‪ .‬كما أن جميع الحكايات تنتهي بنهاية سعيدة كالزواج‪ ،‬وجمع الشمل‬
‫(‪)1‬‬
‫وبقصاص المعتدي‪".‬‬
‫وقد اختلفت أنماط الحكايات الشعبية من باحث آلخر‪ ،‬ولعل السبب في ذلك يعود‬
‫إلى الصعوبات التي واجهت الدارسين في تحديد المعايير والمقاييس المعتمدة في تصنيف‬
‫تلك الحكايات‪ ،‬ومن أبرز تلك األنماط هذه التي سنتطرق إليها‪:‬‬

‫‪-1‬الحكاية الخرافية‬
‫تعد الحكاية الشعبية الخرافية من أبرز أنواع الحكاية الشعبية وهذا ألنها األكثر انتشا ار‬
‫لتداول ها بكثرة في تراثنا الشعبي‪ ،‬وتعرف بالخريفات (الخريفة)‪ ،‬ومن بين هذه الخريفات نجد‬
‫الجن‪ ،‬إذ تعتبر الحكاية الخرافية كنز من كنوز التراث الشعبي‬
‫ّ‬ ‫حكايات الغيالن‪ ،‬وحكايات‬
‫وذلك لكونها تنقل حياة الشعوب البدائية‪ ،‬وتصوراتهم ومعتقداتهم‪ ،‬ولهذا لقيت اهتماما كبي ار‬
‫لدى الباحثين والدارسين‪ ،‬كما أنها احتلت الصدارة في التصانيف العالمية كما يرى " عبد‬
‫الحميد بورايو" قائال‪ " :‬أن الحكاية الخرافية شكال قصصيا ذات طابع عالمي‪ ،‬يطلق عليه‬
‫باللغة الفرنسية مصطلحي ‪ Conte merveilleux‬و ‪ Conte de fées‬استخدم‬
‫الدارسون عدة مصطلحات لتعيينه باللغة العربية من بينها‪ :‬الحكاية العجيبة‪ ،‬الخرافة‪ ،‬الحكاية‬
‫الجن‪ ،‬تتميز الحكاية الخرافية بخصائص شبه ثابتة وقد منحها دارسو األدب‬
‫السحرية‪ ،‬حكاية ّ‬
‫الشعبي العالمي عناية خاصة‪ ،‬فاحتلت الصدارة في التصانيف العالمية مثل تصنيف آنتي‬
‫آرني" ‪ Ante Arne‬وستيث طومبسون ‪ ،Stith Thompson‬كما خصص لها العالم‬

‫‪ -1‬توفيق عزيز عبد اهلل‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬دار الزهران للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،2013 ،1‬ص‪.16‬‬

‫‪14‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫األلماني "فريديريش فون درالين" ‪ Friedriche Von Der Leyen‬كتابا أسماه ‪Das‬‬
‫ترجمته نبيلة إبراهيم تحت عنوان الحكاية الخرافية‪ :‬نشأتها‪ ،‬مناهج دراستها‪،‬‬ ‫‪marchen‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فنيتها"‪.‬‬
‫تقول نبيلة إبراهيم عن الباحث فريد ريش فون درالين أن "الشيء الذي دفع الكاتب إلى‬
‫هذا التخصص العميق‪ ،‬ما اكتشفه في الحكاية الخرافية في كنوز ثمينة‪ ،‬ال من الناحية الفنية‬
‫فحسب بل من ناحية الشعوب وتصوراتها ومعتقداتها‪ ...‬وقد انتهى الكاتب إلى أن الحكاية‬
‫الخرافية البدائية تكونت في األصل من أخبار مفردة نبعت من حياة الشعوب البدائية ومن‬
‫تصوراتهم ومعتقداتهم‪ ،‬ثم تطورت هذه األخبار واتخذت شكال فنيا على يد القاص الشعبي‪،‬‬
‫وأصبحت لها قواعد وأصول محددة درسها الكاتب دراسة وافية"(‪.)2‬‬
‫والحكاية الخرافية عند فالديمير بروب هي ذلك النوع الذي يسميه ب‪" :‬الخرافات‬
‫العجيبة" وذلك حسب الترجمة العربية إلبراهيم الخطيب‪ ،‬وهي عنده الخرافات بالشكل الدقيق‬
‫للكلمة‪ ،‬إذا استثنى منها خرافات العادات وخرافات الحيوان‪ ،‬وهي ذلك النوع الذي نجد فيه‬
‫دراسة األشكال واقامة القوانين التي تسير البنية ممكنة‪ ،‬بنفس دقة مورفولوجيا التشكالت‬
‫العضوية"(‪.)3‬‬
‫فالحكاية الخرافية قصة كاذبة ينتجها العقل البشري بربط شخصيات مستمدة من الواقع‬
‫ويضيف إ ليها شيء من الخيال ذات طابع سحري ليصور شخصيات خارقة لها القدرة على‬
‫تحقيق كل ما هو صعب وثقيل عليه في عالمه الواقعي‪ ،‬فالخرافة "هي القصة الكاذبة التي ال‬
‫يقبلها العقل وليشمل أيضا ذلك التشويه الخيالي لشخصية حقيقية ماثلة في أذهان الناس‪،‬‬

‫‪ -1‬عبد الحميد بورايو‪ ،‬األدب الشعبي الجزائري‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬د ط‪ ،‬الجزائر‪ ،2007،‬ص‪.139‬‬
‫‪ -2‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬فالديمير بروب‪ ،‬مورفولوجيا الخرافة‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم الخطيب‪ ،‬الشركة المغربية للناشرين المتحدين‪ ،‬الرباط‬
‫المغرب‪ ،‬ط‪ ،1986 ،1‬ص‪.17‬‬

‫‪15‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ونستطيع أن نقول أن الحكاية الشعبية في الواقع تخرج بين الواقع الحقيقي والخيالي ويكون‬
‫(‪)1‬‬
‫بطلها إنسانا‪ ،‬وترتبط عادة بالسحر والخيال"‪.‬‬
‫يرى فالديمير بروب في كتابه مورفولوجيا الخرافة المترجم بـ"القصة الخرافية" "أن القصة‬
‫الخرافية رواية مبنية حسب التسلسل المنتظم على الوظائف التي ذكرها بروب مع غياب‬
‫بعضها في حكاية وتكرار بعضها في حكاية أخرى‪ ،‬والقصة العجيبة يتم فيها استعمال الخيال‬
‫الجن وعن مخلوقات خارقة وخيالية وعن السحرة‪ ،‬واذا ما حددنا‬
‫بكثرة وكذلك في الحديث عن ّ‬
‫القصة العجيبة من وجهة نظر تاريخية‪ ،‬كانت جديرة بتسميتها القديمة والمستبعدة حاليا‪ ،‬وهي‬
‫(‪)2‬‬
‫القصص األسطورية‪".‬‬
‫تقول نبيلة إبراهيم‪" :‬يمكننا أن نقول في بادئ األمر أن الحكاية الخرافية تصور األمور‬
‫كما يجب أن تكون عليه في حياتنا‪ ...‬كما يرى أندريه يولس ‪ ...‬أما الحكاية الخرافية فتجيب‬
‫على السؤال‪ :‬كيف يجب ان تكون عليه األمور في الحياة؟ ‪ ...‬فعالم الحكاية الخرافية يقف‬
‫وجها إلى وجه أمام عالمنا الواقعي‪ ،‬والحكاية الخرافية ترفض عالمنا ألنها تحل محله عالما‬
‫(‪)3‬‬
‫بهاء وسح اًر‪".‬‬
‫أجمل وأكثر منه ً‬
‫أن ذكرنا رأي الكاتب أندري يولس‬
‫وتقول أيضا على وظيفة الحكاية الخرافية‪ ":‬لقد سبق ّ‬
‫في ذلك وهو أن الحكاية الخرافية تحقق لإلنسان الشعبي حياة العدالة والحب التي يحلم بها‪،‬‬
‫ويضيف الكاتب ماكس لوتي إلى ذلك أن الحكاية الخرافية رغم تحررها من اإلحساسات‬
‫الكهنوتية‪ ،‬ورغم تحررها من الحوادث والتجارب الفردية‪ ،‬فإنها تقدم بوسائلها الخاصة جوابا‬
‫شافيا عن السؤال الذي يدور بخلد الشعب عن مصيره‪ ،‬وكأن ما تريد أن تقول له‪ ،‬هكذا يجب‬
‫أن تعيش خفيفا متفائال متحركا مغامر‪ ،‬مؤمنا بالقوى السحرية في عالم الغموض الذي‬

‫‪ -1‬توفيق عزيز عبد اهلل‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬


‫حمو‪ ،‬شراع للدراسات والنشر‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬فالديمير بروب‪ ،‬مورفولوجيا الخرافة‪ ،‬ترجمة د عبد الكريم حسن ود سميرة بن ّ‬
‫‪2‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬دمشق ط‪ ،1996 ،1‬ص‪.121‬‬


‫‪ -3‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪16‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تحول كل ماهوا ثقيل في عالم الواقع‪ ،‬وكل ما هو غير‬


‫تعيشه‪ .‬ذلك ألن الحكاية الخرافية ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫مرئي إلى أشكال حقيقية مرئية‪ ،‬منسابة في دائرة الوجود عن طريق التالعب الحر‪".‬‬
‫ومن هنا يمكننا أن نقول أ ّن الحكاية الخرافية هي من اآلداب األكثر تعبي ار عن الرغبة‬
‫اإلنسانية في تجسيد عالمه الداخلي الذي يحلم به وتغيير عالمه كله‪.‬‬
‫يطل ق على الحكاية الشعبية الخرافية في منطقة القبائل غالبا ""ثماشاهوتس" وأحيانا‬
‫"ثمعيث" و"ثحجيتس"؛ وتعرفها الراويات الحافظات أحداثها والمدركات لها أنها تاريخ‬
‫األولين‪ ...‬ويحتفظ هذا النوع من الحكايات بكثير من طبائع المقدس‪ .‬فهي من حيث الزمن‬
‫ال تروى إال ليال‪ ،‬وبصفة أخص ليالي الشتاء الطوال‪ .‬ومن حيث المكان ترتبط بالموقد‪ ،‬فال‬
‫تروى إال إذا اجتمعت أسرة أو أكثر في حلقة حول النار التماسا للدفيء وانصاتا ألحداث‬
‫الحكايات العجيبة"(‪ .)2‬ولها بدايتها االفتتاحية كغيرها من الحكايات العربية‪ ،‬فيقول الراوي‬
‫للحكاية "ماشهو" ويرد عليه المروي له (المستمعين) بـ‪" :‬آهو" ليكمل الراوي كالمه "أنحل ربي‬
‫أتسيسلهو أتسيسيوض أنشث أسارو" ويبدأ في رواية الحكاية‪ ،‬وتختلف هذه االفتتاحية من‬
‫منطقة إلى أخرى وذلك الختالف اللهجات‪ ،‬ولكن غالبا ما يكون المضمون نفسه‪ ،‬وكما لها‬
‫أيضا نهاية ختامية " ثمشاهوتسيو ألواد ألواد‪ ،‬أشنيغتسيد أوراو أنلجواد‪ ،‬أشانن أهنيخذع ربي‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫نكني أذغ يعفو ربي"‪.‬‬
‫ومن أهم الخصائص الشكلية للحكاية الخرافية‪ ،‬العالم السحري المجهول الناتج عن‬
‫غريزة اإلنسان الفطرية وميله إلى خلق عالم أجمل لنفسه وأفضل من عالمه الواقعي‪ ،‬فلهذا‬
‫نجد السحر في الحكايات الخرافية ليس التأكيد على بطولة البطل بقدر ما هو السمو بالبطل‬
‫الذي ألغاه عالمنا الواقعي‪ ،‬والدليل على ذلك أن الشخصيات ال يمكن أن تعيش إال في‬
‫عالمها الحكائي الخرافي فهي انعكاس فقط لفطرة اإلنسان فنجد أن الحكاية الخرافية تتألف‬

‫‪ -1‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65‬‬


‫‪ -2‬زهية طراحة‪ ،‬بنية الخطاب األدبي الشعبي‪ ،‬دراسة إناسية‪ ،‬مجلة الخطاب‪ ،‬العدد األول‪ ،2003 ،‬ص ‪.198‬‬
‫‪ -3‬ذهبية حمادن‪ ،‬قرية ورياشة بلدية ودائرة الناصرّية‪ ،‬والية بومرداس‪ ،‬في ‪ 20‬مارس ‪.2019‬‬

‫‪17‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫من أحداث جزئية في النهاية تكون حدثا كليا‪ ،‬فهذه األحداث ال يمكن أن تتجسد في العالم‬
‫الواقعي ال ألنها ذات طابع عجيب وانما ال يمكن أن تعيش إال في العالم الخرافي‪ ،‬ولكن هذا‬
‫ال ينفي أن الحكاية الخرافية منفصلة تماما عن الواقع فهي تهدف إلى تصوير النماذج‬
‫الواقعية وعالقة اإلنسان بما حوله كعالقة اإلنسان باإلنسان‪ ،‬واإلنسان بالحيوان‪ ،‬المعلوم منه‬
‫والمجهول‪.‬‬
‫إن العالم المجهول ال أثر له في حياتنا اليومية وال في سلوكنا النفسي‪ ،‬واالتصال بهذا‬
‫العالم الخفي يولد فينا تأمال خاصا‪ ،‬فهو يجذبنا إليه ويردنا عنه مرة أخرى‪ ،‬فاإلنسان يشعر‬
‫(‪)1‬‬
‫بعالقة قوية بينه وبين هذا العالم‪ ،‬فهو يثير خوفنا وشوقنا إليه في نفس الوقت‪".‬‬

‫‪-2‬األسطورة‬
‫اختلف المؤرخون في تحديد مفهوم األسطورة والفصل بينها وبين الحكايات األخرى‪،‬‬
‫من بينها الحكاية الخرافية‪ ،‬الملحمة والحكاية الشعبية‪ ،‬وذلك الشتراكها في األحداث‬
‫والشخصيات الخارقة والعجيبة‪ ،‬إلى أن األسطورة تتميز على غيرها ببعض السمات التي‬
‫سنتعرف إليها الحقا من خالل عرض بعض تعريفات الباحثين والدارسين لها‪.‬‬
‫يقول "مرسيا إلياد" األسطورة تروي قصة مقدسة وحدثا وقع في زمن البدء‪ ... ،‬إن‬
‫األ ساطير تنبعث من حاجة دينية عميقة وتوق أخالقي وانضباطات وتحديات تظهر في‬
‫صيغة اجتماعية ومتطلبات علمية‪ ،‬وفي الحضارات القديمة البدائية تلعب األساطير دو ار‬
‫ضروريا إذ أنها تعبر عن المعتقدات‪ ،‬إنها تشريع حقيقي للديانة البدائية وللحكمة العملية كما‬
‫(‪)2‬‬
‫يقول مالينوفسكي‪".‬‬
‫فاإلنسان البدائي نسج األساطير بخياله وفطرته‪ ،‬وذلك لحاجته لتفسير بعض الظواهر‬
‫التي يراها خارقة واعترافه بضعفه أمامها‪ ،‬كما دفعه فضوله للبحث عن حقيقة وجوده وايمانه‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬ص‪.89 ،88‬‬


‫‪ -2‬تأليف قسم الدراسات والبحوث في جمعية التجديد الثقافية واالجتماعية‪ ،‬األسطورة‪ ،‬دار كيوان للنشر والتوزيع‪ ،‬مدشق‪-‬‬
‫سوريا‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪.23‬‬

‫‪18‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫بوجود قوة ميتافيزيقية تحكم هذا الكون ويتدبر شؤونه‪ ،‬ومن هنا جاءت حقيقة وجود إاله أو‬
‫عدة آلهة‪ ،‬وهي في صراع فيما بينها لتثبت وجودها وقوتها‪ ،‬ومن هذا المنطق جاءت في‬
‫األساطير األولى صراع اآللهة وعالقتها باإلنسان والحيوان‪ ،‬كملحمة جلجامش التي نجد فيها‬
‫إاله الشمس وااله األرض‪ ،‬فعندما اكتشف اإلنسان األول الشمس لم يستطع تفسيرها وعدم‬
‫الوصول إلى حقيقتها جعله يعتبرها إالها له ويقوم بعبادتها‪ ،‬وعندما تغيب ويأتي الظالم‬
‫فسرها على أن الظالم ظاهرة شريرة وتتصارع مع إاله الشمس‪ ،‬وبهذه الطريقة تم تفسير‬
‫مختلف الظواهر األخرى‪ ،‬وهكذا بدأت األساطير تتكون في مخيلة اإلنسان القديم‪.‬‬
‫يقول مالينوفسكي عن األسطورة‪ " :‬أنها ركن أساسي من أركان الحضارة اإلنسانية‪،‬‬
‫تنظم المعتقدات وتعززها‪ ،‬وتصون المبادئ األخالقية وتقومها‪ ،‬وتضمن فعالية الطقوس‬
‫(‪)1‬‬
‫وتنطوي على قوانين عملية لحماية اإلنسان‪".‬‬
‫ولألسطورة مكانة هامة فهي ليست تخريفات فقط خرجت من أفواه الشعوب البدائية‪ ،‬أو هي‬
‫معتقدات يؤمنون بها ألنهم يجهلون حقيقتها‪ ،‬ولكن في حقيقة األمر هي جذور متأصلة في عمق‬
‫الحضارة وال يمكن قطعها‪ ،‬ألن بذلك حكمنا على حضارتنا وتاريخنا‪ ،‬ومبادئنا‪ ،‬وهويتنا بالعدم‬
‫والفناء‪ ،‬فكثي ار من الحضارات الحديثة استمدت تفكيرها ومبادئها من األساطير القديمة‪.‬‬
‫ترى نبيلة إبراهيم "أن األسطورة محاولة لفهم الكون بظواهر متعددة‪ ،‬أو هي تفسير له‬
‫ّإنها نتاج وليد الخيال‪ ،‬ولكونها ال تخلو من منطق معين ومن فلسفة أولية تطور عنها العلم‬
‫والفلسفة فيما بعد‪ ،‬ومن هنا يمكننا القول بأن األسطورة وسيلة حاول اإلنسان عن طريقها أن‬
‫يضفي على تجربته الحياتية طابعا فكريا وأن يطلع على حقائق الحياة العادية معنا‬
‫(‪)2‬‬
‫فلسفيا‪".‬‬
‫كما يرى "جيرالد الرسون" أن األسطورة هي" حكاية أو مجموعة من الحكايات أو‬
‫الروايات المنسوجة عن اآللهة أو القوى الغيبية والمتداولة بين الناس في العشيرة أو القبيلة أو‬

‫‪ -1‬تأليف قسم الدراسات والبحوث في جمعية التجديد الثقافية واالجتماعية‪ ،‬األسطورة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪ -2‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.24-23‬‬

‫‪19‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫الجماعة العرقية‪ ،‬تعرض تجاربها وعالمها فرديا أو جماعيا‪ ،‬كما أنها تفسر خلق الكون‬
‫(‪)1‬‬
‫واإلنسان ونشأة الموت والقرابين وأعمال األبطال‪".‬‬
‫أما " راينس سميث" فيرى أن "األسطورة ليست جزءا جوهريا من دين قديم‪ ،‬بل تستنبط‬
‫(‪)2‬‬
‫العادات والتقاليد والشعائر الدينية وتأويلها"‪.‬‬
‫تبين لنا األساطير كيف كان اإلنسان البدائي يرى الكون‪ ،‬وكيف كانت عالقته بالطبيعة‬
‫والحيوان‪ ،‬وكذلك خوضه في أسرار الغيب‪ ،‬كما تبين لنا كيفية تطور الفكر اإلنساني عبر‬
‫العصور‪ ،‬و تحمل أيضا في كنهها أفكا ار وعب ار باإلضافة للمتعة التي تقدمها للقارئ؛ فهناك‬
‫من الحضارات الحديثة من استمدت تفكيرها ومبادئها من هذه األساطير الغنية في محتواها‪،‬‬
‫" وتعددت أنواع األساطير بتعدد المواضيع التي تعالجها‪ ،‬فمنها األسطورة الكونية (الطقوسية)‬
‫مثل أسطورة أوزوريس وازيس المصرية القديمة‪ ،‬واألسطورة التعليلية‪ ،‬الحضارية‪ ،‬الرمزية‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وأسطورة البطل المؤله‪".‬‬
‫يرى فراس السواح في كتاب (دين اإلنسان) "أن األسطورة واحدة من ثالث مكونات‬
‫أساسية ألي دين‪ ...‬واألسطورة هي ملخصة كما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬األسطورة شكل من أشكال األدب الرفيع‪ ،‬فهي قصة تحكمها قواعد السرد القصصي‪.‬‬
‫‪ 2‬األسطورة قصة تقليدية ذات ثبات نسبي تتناقلها األجيال شفاهيا وكتابة‪.‬‬
‫‪ 3‬األسطورة ال تشير في جوهرها إلى زمن جرى فيه الحدث وانتهى‪ ،‬بل إلى حقيقة‬
‫أزلية من خالل حدث جرى‪.‬‬
‫‪ 4‬األسطورة ذات موضوعات شمولية كبرى كالخلق والتكوين وأصول األشياء والموت‬
‫والعالم اآلخر‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 5‬األسطورة يكون محورها اآللهة وأنصاف اآللهة‪ ،‬فإذا ظهر اإلنسان على مسرح‬
‫األحداث كان دوره مكمال ال رئيسيا‪.‬‬

‫‪ -1‬قيس الثوري‪ ،‬األساطير وعلم األجناس‪ ،‬جامع الموصل‪ ،‬العراق‪( ،‬د ط)‪ ،1981 ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ -2‬محمد عبد المفيد خان‪ ،‬األساطير والخرافات عند العرب‪ ،‬الدار الحديثة للطباعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪ ،1981 ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ ،‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ط‪ ،3‬ص‪.23‬‬

‫‪20‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪ 6‬األسطورة ال مؤلف لها ألنها ليست نتاج خيال فردي أو حكمة شخص بعينه‪ ،‬بل‬
‫هي ظاهرة جمعية‪ ،‬وقد يعيد األفراد صياغتها وفق صنعة أدبية‪.‬‬
‫‪ 7‬األسطورة تتمتع بقدسية ولها سلطة عظيمة على عقول الناس ونفوسهم في عصرها‪.‬‬
‫‪ 8‬األسطورة مربوطة بنظام ديني معين فإذا انهار هذا النظام تحولت إلى حكاية دنيوية‬
‫(‪)1‬‬
‫تنتمي إلى نوع آخر من األنواع األدبية الشبيهة باألسطورة‪".‬‬
‫الفرق بين األسطورة والحكاية الخرافية‪:‬‬
‫أما عن الفرق بين األسطورة والحكاية الخرافية فيرى خزعل الماجدي أن الفرق بينهما‬
‫الجن في حين أن أبطال األسطورة‬
‫هو "أن الخرافة تعتمد على أبطال رئيسيين من البشر أو ّ‬
‫هم اآللهة أو أنصاف اآللهة‪ ،‬أما البشر فيظهرون فيها بشكل عرضي‪ ...‬كما أن الخرافة‬
‫تكون دائما مثقلة بالخوارق والمبالغات في حين تعبر أن األسطورة تعبر في تساوق عميق‬
‫في حركة اآللهة والطبيعة ومسرى األحداث وتكتسب األسطورة موقعا دينيا مقدسا‪ ،‬في حين‬
‫(‪)2‬‬
‫ال ترقى الخرافة إلى هذا الموقع إذ هي حكاية خيالية ال تمتلك عالقة عضوية مع الدين‪".‬‬

‫‪-3‬حكاية الحيوان‬
‫احتل الحيوان مكانة هامة في التراث الشعبي القديم‪ ،‬فنجده مجسدا في الكثير من‬
‫النصوص األدبية‪ ،‬كاألمثال‪ ،‬الحكايات‪ ،‬واألساطير وغيرها من األجناس األخرى‪ ،‬وذلك‬
‫العتباره وسيطا لنقل األفكار والمواقف اإلنسانية‪ ،‬فقد وظفت الذاكرة الشعبية هذا الجنس في‬
‫نسج حكاياتها الخرافية وتفريغ تجربتها الحياتية ومواقفها ومشاعرها التي تراكمت من خالل‬
‫صراع اإلنسان مع الطبيعة‪ ،‬فعالقة اإلنسان بالحيوان عرفت منذ األزل وهي في احتكاك دائم‬
‫ومستمر حتى أصبحت له مكانة في حياة اإلنسان وذلك حسب نوع الحيوان وماهيته‪ ،‬لذلك‬

‫‪ -1‬خزعل الماجدي‪ ،‬بخور اآللهة‪ ،‬نقال عن فراس السواح‪( ،‬دين اإلنسان)‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن\ عمان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1998‬ص‪.58 ،57‬‬
‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.60 ،59‬‬

‫‪21‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫نجده شخص الحيوان في حكاياته وأعطى له مكانه في تمثيله وابالغ رسالته بطريقة مشوقة‪،‬‬
‫خاصة إذا كانت الحكاية موجهة إلى الطفل‪ ،‬ومعظم هذه الحكايات هي كذلك‪.‬‬
‫حول الحيوان‬
‫تعد حكاية الحيوان من "أقدم الحكايات الشعبية على اإلطالق وهي تدور ّ‬
‫وتتردد على ألسنة الناس جميعا‪ ،‬إنها موجودة في بيئة عند كل أمة وبين مختلف األجيال‬
‫والطبقات وقد احتلت مكانا بار از بين أشكال القصص في األدب الرفيع‪".‬‬
‫(‪)1‬‬

‫يذهب المؤرخون على أن "جنس القصة على لسان الحيوان كان موجودا منذ القرون‬
‫القديمة‪ ،‬فقد وجد عند الهنود حكايات قديمة كانت ترتبط بصور الحيوانات والطيور كحكايات‬
‫كتاب "جاتاكا"‪ ،‬وأيضا وجدت مثل هذه الحكايات عند اليونان في حكايات "أيسويس" في‬
‫القرن السادس قبل الميالد‪ ،‬كما وجدت أيضا في مصر القديمة بحيث يرجع تاريخها إلى‬
‫القرن الثاني عشر قبل الميالد‪ ،‬مثل قصة "السبع والفأر" التي وجدت على ورق بردي‪ .‬لدينا‬
‫حكايات شعبية كثيرة على لسان الحيوان في األدب العربي القديم منها قصة الحمامة والغراب‬
‫في سفينة نوح‪ ،‬وقد كان األدب الفارسي القديم هو الوسيط بين األدبين الهندي والعربي فيما‬
‫(‪)2‬‬
‫يخص هذا الجنس األدبي‪.‬‬
‫بدأ ظهور هذا الجنس من األدب في األدب الغربي على يد "أيسوب" في األدب‬
‫اليوناني حيث اعتبر الحكيم المبدع والملهم األول لـ"الفونتين" الذي يلقب بالفيلسوف األول‬
‫في نظم الخرافات وقد ألف حكاياته نثرا‪ ،‬واكتسب شهرة في األوساط الشعبية ويقال أن سقراط‬
‫من المعجبين بخرافاته‪ ،‬حتى اشتغل جاهدا على وضعها في قالب شعري في أواخر أيامه في‬
‫(‪)3‬‬
‫السجن‪".‬‬
‫" اتخذ "الفونتين" موضوع الكتابة وسيلة للنقد االجتماعي من خالل الموازنة بين نماذج‬
‫الحيوان وبعض النماذج البشرية وقد تأثر كثي ار بـ"كليلة ودمنة" وأخذ منها متابعة الفكرة‬

‫‪-1‬عبد الرزاق جعفر‪ ،‬الحكاية الساحرة‪ ،‬دراسة في أدب األطفال‪ ،‬منشورات اتحاد العرب‪( ،‬د‪ ،‬ط‪ ،‬ت)‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ -2‬محمد غنيمي هالل‪ ،‬األدب المقارن‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،1983 ،9‬ص‪.184 ،183‬‬
‫‪ -3‬علي درويش‪ ،‬دراسات في األدب الفرنسي‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ط‪ ،1983 ،‬ص‪.88‬‬

‫‪22‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫والموضوع نفسه وهو الحكمة على لسان الحيوان‪ ،‬كما يعترف "الفونتين" نفسه في مقدمة‬
‫(‪)1‬‬
‫بعض كتبه‪".‬‬
‫فقد اتفق الباحثون المعاصرون على أن أول ظهور لمثل هذه الحكايات كان عند قدماء‬
‫اليونان والهنود‪ ،‬أما بالنسبة للعرب فقد ظهرت بظهور كتاب "كليلة ودمنة" الذي ترجمه عبد‬
‫(‪)2‬‬
‫اهلل بن المقفع عن الفارسية‪ ،‬وتعتبر حكايات الحيوان أكثر روحا من الحكايات األخرى‪.‬‬
‫فالحيوان في الحكاية مثله مثل اإلنسان العادي‪ ،‬يتكلم ويفكر‪ ،‬يحس ويقرر فهو بذلك‬
‫يعيش حياة اإلنسان ف"للحيوان روح شبيه باإلنسان"(‪ ،)3‬وقد يعود ذلك إلى العالقة التي تربط‬
‫بينه وبين اإلنسان‪ ،‬فاإلنسان البدائي كان يعيش مع الحيوانات جنبا إلى جنب‪ ،‬فهو يشاركها‬
‫مسكنه ويعتني بها‪ ،‬كما تعتبر مصدر رزقه وطعامه‪ .‬فهو من خالل تلك العالقة جسد‬
‫الحيوان في الحكاية على أنه على دراية بكل ما يفعله اإلنسان في حياته الواقعية‪.‬‬
‫فقصص الحيوان في نظر رياض مقدادي "تعد من الحكايات الشعبية التي ترددت على‬
‫ألسنة الكثير أو عند جميع شعوب العالم من القديم إلى عصرنا الحاضر‪ ،‬ولقد كانت محل‬
‫(‪)4‬‬
‫اهتمام الكبار والصغار‪".‬‬
‫لذلك حضي هذا النوع من الحكايات باهتمام معظم شعوب العالم‪ ،‬وذلك لما له من‬
‫أهمية في تنمية العقل البشري‪ ،‬بحيث تساهم في تنمية شخصية الطفل وتوسيع دائرة الخيال‬
‫لديه‪ ،‬وتعمل على غرس القيم األخالقية فيه‪ ،‬وتعليمه كيفية تحمل المسؤولية منذ الصغر‪.‬‬

‫‪-4‬السيرة الشعبية‬
‫إن السيرة الشعبية العربية نشأت في ظروف صعبة وعاشت حياة أكثر صعوبة‬
‫الرتباطها بحياة الناس وتاريخهم وحضارتهم‪ ،‬وامتداداتهم االجتماعية والثقافية‪ ،‬لذلك نجد أن‬

‫‪ -1‬محمد غنيمي هالل‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.188‬‬


‫‪ -2‬ينظر‪ :‬عبد الفتاح أبو المعال‪ ،‬أدب الكفل‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،2‬ص‪.51‬‬
‫‪ -3‬عبد الحميد بورايو‪ ،‬القصص الشعبي في منطقة بسكرة‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د ط‪ ،1986 ،‬ص‪.124‬‬
‫‪ -4‬رياض مقدادي‪ ،‬البنى الحكائية في أدب األطفال العربي الحديث‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬د ط‪ ،2012 ،‬ص‪.34‬‬

‫‪23‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫السيرة تنطلق من شخصية بطل نافذ في وجدان المجتمع العربي بأخالقه النبيلة وفروسيته‬
‫وبطولته‪ ،‬وغيرها من المزايا والصفات التي تحرص السيدة على نقلها وغرسها في نفوس‬
‫المتلقين وثباتها في ذاكرة األجيال الصاعدة‪.‬‬
‫يقول سمير السيخاني أن السيرة الشعبية سميت "تمي از لها عن السيرة النبوية وسيرة‬
‫األشخاص واألبطال فالسيرة الشعبية هي مجموعة من األعمال الروائية الطويلة ذات سمات‬
‫(‪)1‬‬
‫فنية متشابهة وذات أهداف فنية متماثلة"‪.‬‬
‫ونالحظ عدم دقة هذا التريف‪ ،‬ذلك أن السيرة الشعبية تنتمي إلى المرويات العامة مما‬
‫افضى إلى عدم العناية بها جمعا وتنظي ار وتحليال مما جعل مفهوم السيرة يظل رهين‬
‫االنطباعات خاصة عندما عولج التراث العربي بالمناهج الغربية الحديثة‪ ،‬وأصبحت السيرة‬
‫رواية وملحمة وقصة ومسرحية وحكاية شعبية طويلة ذات حلقات‪ ،‬فكل باحث أو دارس‬
‫(‪)2‬‬
‫يستخدم مصطلحات خاصة به‪.‬‬
‫تعد السيرة الشعبية تاريخية في المقام األول تعتمد على التاريخ لتستخلص مادته منها‪،‬‬
‫سواء من تاريخ اليمن كسيرة "الزير سالم" أو "الملك سيف بن ذي يزن"‪ ،‬أو تاريخ األدب‬
‫الجاهلي كسيرة "عنتر بن شداد العبسي" أو تاريخ القبائل العربية كسيرة "بني هالل"‪ ،‬أو تاريخ‬
‫مصر في عهد الممالك "كعلي الزيبق" و"الظاهر ببرس" والسيرة الشعبية تحرص على الهدف‬
‫التاريخي‪ ،‬وال تتحول عنه حتى نهاية السيرة وأبطالها يتحولون إلى أبطال قوميين أو بمعنى‬
‫أدق نماذج بطولية‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫لم تحظ سيرنا الشعبية باهتمام بالغ من طرف شعرائنا المعاصرين‪ ،‬إذا ما قيس بشعراء‬
‫هذه السير‪ ،‬وامتالئها باألبطال والشخصيات الفنية‪ ،‬واألبعاد النفسية واالجتماعية‪ ،‬التي‬
‫تصلح لعمل أدق لخلجات الشاعر المعاصر‪ ،‬ويشتمل تراثنا الفلكلوري على مجموعة كبيرة‬

‫‪-1‬سمير السيخاني‪ ،‬معجم الكلمات الجامعة‪ ،‬أقوال مأثورة وحكم‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص‪.208‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬شوقي عبد الحكيم‪ ،‬سيرة ابن هالل‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة المشهرة برقم ‪ 7762‬ب‪ ،2012 ،‬ص‪.67‬‬
‫‪-3‬حلمي بدر‪ ،‬أثر األدب الشعبي في األدب الحديث‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪ ،‬ص‪.53‬‬

‫‪24‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫من السير لها أصولها التاريخية‪ ،‬ومعظم أبطالها شخصيات تاريخية واقعية‪ ،‬ولكن القصص‬
‫الشعبي أضفى عليهم مالمح ملحمية‪ ،‬جعلت منهم أبطاال أسطوريين يتصل بعضهم بالجن‪،‬‬
‫ويؤاخيه‪ ،‬كما في سيرة "سيف بن ذي يزن"‪ ،‬وكذا السيرة الهاللية التي تدور حول قبيلة‬
‫بأكملها وهي قبيلة بني هالل‪ ،‬وتقع أحداثها بين المشرق والمغرب العربي حيث ارتحلت هالل‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى تونس‪.‬‬
‫فالسيرة الشعبية لم تكن حبيسة الواقع فقط‪ ،‬بل هجرت عالم الحقيقة‪ ،‬فتعلقت بالخيال‪،‬‬
‫فأصبحت شكال من أشكال القصص البطولية التي تتجه نحو تصوير اإلنسان المثال‪.‬‬
‫خصائص السيرة الشعبية‬
‫حدى‪ ،‬بمعنى أن دور سيرة‬
‫‪ .1‬وجود المضمون االجتماعي العام وراء كل عمل على ّ‬
‫من هذه السير إنما كتبت للدفاع عن قضية هامة من القضايا العادلة للشعب العربي في‬
‫ظرف من ظروف حياته‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ .2‬وجود المضمون الفني أو القضية اإلنسانية لعامة وراء كل موضوع‪.‬‬
‫‪ .3‬ترابط العمل من صفحته األولى حتى صفحته األخيرة‪.‬‬
‫‪ .4‬وضوح الشخصيات الرئيسة والفرعية بحيث تمثل كل منها موضعا إنسانيا محددا أو‬
‫بحيث يخدم هذا التحديد العمل من ناحية الموضوع ومن ناحية المضمون‪.‬‬

‫‪-1‬علي عشري زايد‪ ،‬استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬د ط‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ص‪.167 ،166‬‬
‫‪ -2‬فاروق خورشيد‪ ،‬أضواء على السير الشعبية‪ ،‬مطبعة العلم‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪.19‬‬

‫‪25‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المقاربة األنثروبولوجية‬


‫األنتروبولوجيا هو علم يختص في دراسة اإلنسان في مختلف مراحل الحياة‪ ،‬فقد‬
‫تعددت مفاهيم هذا العلم حسب مراحل تطوره‪ ،‬بحيث تعتبر األنثروبولوجيا (اإلناسة) المرحلة‬
‫الثالثة من الدراسة‪ ،‬وذلك بعد علم اإلثنوغرافيا (الناسوت) وعلم اإلثنولوجيا (النياسة) اللذان‬
‫يمثالن المرحلة األولى والثانية لتطور هذا العلم قبل علم اإلنثروبولولوجيا الذي يستند في‬
‫دراساته على ما توصل اليه علم اإلثنوغرافيا واإلثنولوجيا‪.‬‬

‫‪-1‬مفهوم األنثروبولوجيا‬

‫إن لفظة أنثروبولوجيا ‪ Anthropology‬هي كلمة إنجليزية مشتقة من األصل‬

‫اليوناني المكون من مقطعين‪" ،‬انثروبوس" (‪ )Anthropos‬ومعناه "اإلنسان" و"لوجوس‬


‫(‪ )Locos‬ومعناه "العلم"‪ ،‬لذلك يصبح علم األنثروبولوجيا من حيث اللفظ علم اإلنسان أي‬
‫العلم الذي يدرس اإلنسان‪ ...‬ولذلك تعرف األنثروبولوجيا بأنها العلم الذي يدرس اإلنسان من‬
‫حيث هو كائن عضوي حين يعيش في مجتمع نظم وأنساق اجتماعية في ظل ثقافة معينة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫محددا‪.‬‬
‫ويقوم بأعمال متعددة ويسلك سلوكا ّ‬
‫ستروس وتالميذه إذ يعتبرون هذا الفرع‬
‫ا‬ ‫فاإلناسة بمعناها األشمل الذي يعتمده لفي‬
‫المعرفي بمثابة المرحلة األخيرة من النهج السياسي التي تأتي بعد الناسوت‪ ،‬باعتباره بداية‬
‫(‪)2‬‬
‫التوليف التفسيري‪.‬‬
‫فعلم األنثروبولوجيا (االناسة) هو علم يختص في دراسة اإلنسان‪ ،‬بمعنى أن مجال‬
‫بحثه هو اإلنسان كمخلوق حيواني يمتاز عن غيره بصنعه للثقافة واإلبداع فيها‪ ،‬وهذا ال‬
‫يعني ّأنها تهتم باإلنسان في معزل عن غيره أو ما يحيط به‪ ،‬بل يهتم بانشغاالته وسلوكياته‬

‫‪-1‬عيسى الشماس‪ ،‬مدخل إلى علم اإلنسان (األنثروبولوجيا)‪ ،‬من منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬د ط‪،2004 ،‬‬
‫ص‪.12‬‬
‫‪ -2‬جاك لومبارد‪ ،‬المدخل إلى االثنولوجيا ترجمة حسين قبيسي‪ ،‬الناشر المركز الثقافي للعرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1997 ،1‬‬
‫ص‪.16‬‬

‫‪26‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫وأعماله‪ ،‬وعال قاته طبيعيا واجتماعيا وحضاريا‪ ،‬كما أنه يدرس الحياة البدائية لإلنسان وكذلك‬
‫حياته الحديثة المعاصرة‪ ،‬ومحاولة التنبؤ بمستقبله‪ ،‬وذلك اعتمادا على تاريخ تطوره‪.‬‬
‫وعلى هذا يرى تايلور "أن األنثروبولوجيا هي دراسة البيو ثقافية المقارنة لإلنسان‪ ،‬إذ‬
‫تحاول الكشف عن العالقة بين المظاهر البيولوجية الموروثة لإلنسان‪ ،‬وما يتلقاه من تعليم‬
‫وتنشئة اجتماعية‪ ،‬وبهذا المعنى تتناول األنثروبولوجيا موضوعات مختلفة من العلوم‬
‫(‪)1‬‬
‫والتخصصات التي تتعلق باإلنسان‪.‬‬
‫وقد قسم الدارسون علم االنثروبولوجيا إلى عدة فروع‪ ،‬وذلك من أجل تحقيق المنهجية‬
‫الت طبيقية من جهة والشمولية البحثية التكاملية من جهة أخرى‪ ،‬فقد استند بعض الباحثين في‬
‫تصنيفهم لهذه الفروع إلى طبيعة الدراسة ومنطلقاتها‪ ،‬بينما استند البعض اآلخر إلى أهدافها‪.‬‬

‫‪-2‬فروع األنثروبولوجيا‬
‫ومن أبرز الفروع أو التقسيمات التي اتفق عليها األنثروبولوجيين ما يلي‪:‬‬

‫‪-1-2‬االنثروبولوجيا العضوية (الطبيعية)‬


‫تعرف بوجه عام بأنها العلم الذي يبحث في شكل اإلنسان من حيث سماته العضوية‪،‬‬
‫والتغيرات التي تط أر عليها بفعل الموروثات‪ ،‬كما يبحث في السالالت اإلنسانية‪ ،‬من حيث‬
‫األنواع البشرية وخصائصها‪ ،‬بمعزل عن ثقافة كل منها‪ ،‬وهذا يعني أن االنثروبولوجيا‬
‫العضوية تتركز حول دراسة (اإلنسان ‪/‬الفرد) بوصفه نتاجا لعملية عضوية ومن ثم دراسة‬
‫التجمعات (البشرية‪/‬السكانية) وتحليل خصائصها‪.‬‬
‫وتهتم هذه الدراسة بمجاالت ثالثة هي‪:‬‬
‫المجال األول‪ :‬ويشمل إعادة بناء التاريخ التطويري للنوع اإلنساني‪ ،‬ووصف‬ ‫‪-‬‬
‫(تفسير) التغيرات التي كانت السبب في انحراف النوع اإلنساني‪ ،‬عن السلسة التي كان‬
‫يشترك بها مع صنف الحيوانات الرئيسية‪.‬‬

‫‪-1‬عيسى الشماس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪27‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫المجال الثاني‪ :‬يهتم بوصف (تفسير) التغيرات البيولوجية عند األحياء من‬ ‫‪-‬‬
‫الجنس اإلنساني‪ ،‬وتمتد هذه األبحاث لتشمل العالقة الكامنة بين التركيب البيولوجي من جهة‬
‫والثقافة والسلوك من جهة أخرى‪.‬‬
‫المجال الثالث‪ :‬وهو تخصص هام في علم األنثروبولوجيا العضوية‪ ،‬ويبحث‬ ‫‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫في الرئيسيات‪ :‬عالقاتها مع بيئاتها‪ ،‬تطورها‪ ،‬سلوكها الجماعي‪.‬‬
‫االنثروبولوجيا االجتماعية‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫يدرس هذا النوع اإلنسان في وجوده االجتماعي ونظام ذلك من السلوك والعالقات‪،‬‬
‫ويصف ويحلل ما يبني المجتمع على مستوى األفراد وكذلك على مستوى المؤسسات‪ ،‬كما‬
‫يهتم بتطور المجتمعات عبر سيرورتها التاريخية‪ ،‬ويقارن المجتمعات ببعضها بعض‪،‬‬
‫والهدف من ذلك الوصول إلى تجريد قوانين وأنماط السلوك والنظام االجتماعيين‪ ،‬وجدير‬
‫بالذكر ان "مصطلح اثنولوجي ا" يعني في بدايات استخدامه هذا الفرع‪ ،‬سيما لدى اإلنجليز‪،‬‬
‫والذين يعتبرون االنثروبولوجيا االجتماعية هي العلم الجامع والشامل وباقي الفروع مشتقة‬
‫منها أو مندرجة ضمنها‪ ،‬على عكس األمريكيين الذي يرون بأنها فرع من فروع‬
‫األنثروبولوجيا الثقافية ‪ ،cultural anthropology‬وجدير بالذكر ان األنثروبولوجيا‬
‫االجتماعية اقتصرت في مرحلة "االثنولوجيا" (القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر) على‬
‫دراسة المجتمعات البدائية‪ ،‬وذلك حين كان المجتمع األوربي وهو مجال علم االجتماع‬
‫‪ Sociology‬ولكن األمر عرف مراجعات جعلت هذا الوضع منقودا‪ ،‬بالشكل الذي سقط معه‬
‫مفهوم المتوحش (البدائي)‪ ،‬واصبح المجتمع الحديث من اهتمامات األنثروبولوجيا‬
‫تجديدات مفهومية عرفها الدرس األنثروبولوجي فك ار‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وقد كان ذلك نتيجة‬
‫وممارسة(‪.)2‬‬

‫‪-1‬عيسى الشماس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫‪-2‬مصطفى شاكر سليم‪ ،‬قاموس االنثروبوجيا (انجليزي‪-‬عربي)‪ ،‬ط‪ ،1981 ،1‬ص‪.893‬‬

‫‪28‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪-2-2‬األنثروبولوجيا الثقافية أو علم األناسة الثقافي ( ‪l’anthropologie‬‬


‫‪)culturelle‬‬
‫هو ذلك الفرع الرئيس من األنثروبولوجيا الذي يضطلع بدراسة مختلف ثقافات اإلنسان‪،‬‬
‫فاإلنسان على حد قول (مالينوفسكي) ‪ B. Malinovski‬في مقال له عن الثقافة ‪،Culture‬‬
‫هو كائن له شكله الفيزيقي‪ ،‬وتراثه االجتماعي‪ ،‬وسماته الثقافية‪ ،‬وهذا التراث أو تلك الثقافة‬
‫(‪)1‬‬
‫هو المجال الرئيس في األنثروبولوجيا الثقافية‪.‬‬
‫واإلنسان كائن ثقافي‪ ،‬حامل للثقافة يعيش في كنفها‪ ...‬تحافظ عليه ويحافظ عليها‪ ،‬كما‬
‫أنه ناقل لها عبر األجيال المختلفة ونظ ار ألن هذا الفرع يهتم بالثقافة وبالسلوك اإلنساني‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فهو يهتم بماضي اإلنسان وحاضره‪.‬‬
‫ولما كانت ثقافة اإلنسان هي التي تمكنه من االتصال باآلخرين‪ ،‬سواء جماعته‬
‫المحلية أو الجماعات األخرى المحيطة بما لها من خصائص اجتماعية في بيئاتها المتباينة‪،‬‬
‫كان أحد أهداف األنثروبولوجيا الثقافية‪ ،‬هو دراسة هذا التباين أو التشابه الثقافي وأصولها‬
‫(‪)3‬‬
‫ونموها وتطورها‪.‬‬

‫‪-3‬أهداف الد ارسة األنثروبولوجيا‬


‫استنادا إلى مفهوم االنثروبولوجيا وطبيعتها‪ ،‬فإن دراستها تحقق مجموعة من األهداف‪،‬‬
‫يمكن حصرها في األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -‬وصف مظاهر الحياة البشرية والحضارية وصفا دقيقا‪ ،‬وذلك عن طريق معايشة‬
‫الباحث المجموعة أو الجماعة المدروسة‪ ،‬وتسجيل كل ما يقوم به أف اردها‪ ،‬من سلوكات في‬
‫تعاملهم في الحياة اليومية‪.‬‬

‫‪-1‬محمد إسماعيل قباري‪ ،‬أسس علم اإلنسان‪ ،‬األنثروبولوجيا‪ ،‬دار المعرفة الجامعية اإلسكندرية‪ ،1980 ،‬ص‪.19-18‬‬
‫‪-2‬احمد مصطفى فاروق‪ ،‬المقدمة في األنثروبولوجيا ضمن علم اإلنسان‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،2006 ،‬‬
‫ص‪.16-15‬‬
‫‪-3‬إسماعيل فاروق‪ ،‬علم اإلنسان االنثروبولوجيا‪ ،‬مطبعة الجمهورية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1994 ،‬ص‪.25‬‬

‫‪29‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫‪ -‬تصنيف مظاهر الحياة البشرية والحضارية بعد دراستها دراسة واقعية‪ ،‬وذلك للوصول‬
‫إلى أنماط إنسانية عامة‪ ،‬في سياق الترتيب التطوري الحضاري العام لإلنسان (بدائي‪،‬‬
‫زراعي‪ ،‬صناعي‪ ،‬معرفي‪ ،‬تكنولوجي)‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد أصول التغير الذي يحدث لإلنسان‪ ،‬وأسباب هذا التغير وعملياته بدقة‬
‫علمية‪ ...‬وذلك بالرجوع إلى التراث اإلنساني وربطه بالحاضر من خالل المقارنة‪ ،‬وايجاد‬
‫عناصر التغير المختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬استنتاج المؤشرات والتوقعات التجاه التغيير المحتمل‪ ،‬في الظواهر اإلنسانية\‬
‫الحضارية التي تتمم دراستها‪ ،‬وبالتصوير بالتالي إلمكانية التنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية‬
‫التي أجريت عليها الدراسة (‪.)1‬‬
‫‪ -4‬بعض النظريات األنثروبولوجية‬

‫‪-1-4‬نظرية االتصال الثقافي (التثاقف‪ ،‬المثاقفة)‬


‫"أن التثاقف يشمل الظواهر التي تنجم عن االحتكاك المباشر‬
‫يقول عيسى الشماس ّ‬
‫والمستمر بين جماعتين من األفراد مختلفتين في الثقافة‪ ،‬مع ما تجره هذه الظواهر من‬
‫‪2‬‬
‫تغيرات في نماذج الثقافة األصلية‪ ،‬لدى إحدى المجموعتين أو كليهما"‪.‬‬
‫أن التثاقف ‪/‬المثاقفة هو تأثر الشعوب ببعضها على بعض‪ ،‬نتيجة احتكاك‬
‫ويعني هذا ّ‬
‫الشعوب واتصالها ببعضها‪.‬‬

‫‪-2-4‬النظرية الماركسية‬
‫تنطلق الماركسية من طريقة الحصول على العيش في كل مجتمع‪ ،‬باعتبارها أساس‬
‫بنيته‪ ،‬وذلك من خالل إقامة الصلة‪ ،‬بين هذه الطريقة وبين العالقات التي يدخل فيها الناس‬
‫ضمن عملية اإلنتاج‪ ،‬فالعالقات اإلنتاجية إذن تشكل األساس الرئيس والقاعدة الحقيقية لكل‬
‫‪3‬‬
‫مجتمع"‪.‬‬

‫‪ -1‬عيسى الشماس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.156‬‬

‫‪30‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫تنظر الماركسية إلى اإلنسان "على أنه موجود اجتماعي‪ .‬ويعتبر من وجهة النظر‬
‫البيولوجية‪ ،‬أعلى مرحلة في مراحل تطور الحيوانات على األرض وبينما يكيف الحيوان نفسه‬
‫مع الطبيعة‪ ،‬فإن النسان يكيف نفسه من خالل ما يقوم به من نشاط إنتاجي‪ .‬واإلنسان أيضا‬
‫ال يمكن أن يعيش بمعزل عن الناس اآلخرين وبالتالي فهو منصهر في ظروف اجتماعية‬
‫(‪)1‬‬
‫محددة‪".‬‬
‫يرى ماكس أن اإلنسان في حقيقته هو نتاج العالقات االجتماعية التي يعيش في‬
‫أن جوهره ليس شيئا مجردا وكامنا في نفس كل فرد‪.‬‬
‫إطارها‪ ،‬و ّ‬
‫‪-3-4‬النظرية المعرفية‬
‫تبحث النظرية المعرفية في طرائق تفكير الناس وأساليب إدراكهم لألشياء‪ ،‬والمبادئ‬
‫التي تكمن وراء هذا التفكير واإلدراك‪ .‬ومن ثم الوسائل التي يصلون بوساطتها إلى كل منهما‬
‫‪ ..‬فهم أصحاب المجتمع‪ ،‬ومن العدل أن نتعرف إلى أراءهم فيها‪...‬كما جاءت النظرية‬
‫(‪)2‬‬
‫ردا على الماركسية‪".‬‬
‫المعرفية ّ‬
‫‪-4-4‬النظرية التطورية‬
‫هي أول تيار فكري في تاريخ النياسة ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬وموضوع‬
‫بحثها األساسي هو تفسير المراحل التي مرت بها البشرية تاريخيا‪ ،‬واكتشاف القوانين التي‬
‫أتاحت لها االنتقال من مرحلة إلى أخرى‪.‬‬
‫التطورية كمنهج‪ :‬يستعين التطوري بالتاريخ بوجه خاص ويعتمد عليه‪ ،‬وهو تاريخ‬
‫افتراضي أو تخميني‪ ،‬ال يملك مستندات أو وثائق مكتوبة يعتمد عليها‪ ،‬فالباحث التطوري‬
‫(‪)3‬‬
‫يستند إلى افتراضات أو اقتراحات لتفسير نشأة شعب جديد‪.‬‬

‫‪-1‬عيسى الشماس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.156‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫‪-3‬ينظر‪ :‬جاك لومبار‪ ،‬مدخل إلى االثنولوجيا‪ ،‬ترجمة حسن قبيسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.64‬‬

‫‪31‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫آلت النظرية التطورية إلى االعتقاد بوجود مسيرة خطية واحدة للمجتمعات عبر الزمن‪،‬‬
‫وأن كل مجتمع البد له من االنتقال من مرحلة إلى أخرى دون أن تواجه شكل آخر من‬
‫التطور‪ ،‬كما ظهرت في صفوفها اختالفات في وجهات النظر حول طبيعة هذا التطور فيرى‬
‫البعض أنه كان تطو ار بطيئا ومتدرجا بينما يرى البعض اآلخر أنه تطو ار تدخلت فيه مواقف‬
‫(‪)1‬‬
‫ومظاهر كبرى‪.‬‬
‫رغم أن علم النياسة تفتقد إلى الدقة إال أن مع ظهور مختلف العلماء الذين اهتموا بهذه‬
‫الدراسة أخذت طابعا علميا فسعو بشكل خاص إلى مقارنة هذه الثقافات فيما بينها‪ ،‬واتخذوا‬
‫من المجتمع الغربي مادة للدراسة ألنهم اعتبروه قمة التطور الشتماله على أرفع األشكال التي‬
‫(‪)2‬‬
‫بلغتها مختلف المؤسسات من سياسة عائلية ودينية‪.‬‬
‫ومن أبرز التطوريين البارزين في الدراسات التطورية نجد‪:‬‬
‫إدوارد تايلور(‪:)1917-1832‬‬
‫رغم كون تايلور إنجليزيا وأول أستاذ في كرسي اإلناسة في أكسفورد إال أن تأثيره في‬
‫الواليات المتحدة أكبر مما كان عليه بريطانيا الكبرى‪ ،‬وذلك نظ ار للموقع الذي أفسحه في‬
‫كتاباته لمقولة "الثقافة" وهي مقولة شديدة األهمية‪ .‬فقد كشفت له خبرته الميدانية في المكسيك‬
‫عن أهمية االحتكاك الثقافي ومحاكات الشعوب ببعضها البعض‪ ،‬مما جعله يعتقد بإمكانية‬
‫التطور قد تم على مساهمات خارجية وكان متشبثا بمفهوم "الرواسب" التي حددها بأنها‬
‫الممارسات واألراء التي استمرت على قيد الوجود بفعل العادة‪ ،‬ضمن وضع جديد من‬
‫أوضاع المجتمع مختلف عن ذاك الذي قد نشأت فيه‪.‬‬
‫رغم اهتمام تايلور بعدة جوانب الحياة المجتمعية فضال عن اهتمامه بالسساتيم القرابية‬
‫فإن ما اشتهر به اهتمامه بالنياسة الدينية خاصة مع نظرياته االحيائية التي كانت نقطة‬
‫االنطالق بالنسبة لتطور المعتقدات الدينية‪ ،‬فانصرف في بداية األمر للقيام بأبحاث حول‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬جاك لومبار‪ ،‬مدخل إلى االثنولوجيا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫‪ -2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه ص‪.67‬‬

‫‪32‬‬
‫مفاهيم نظرية‪ :‬التحول‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬المقاربة األنتروبولوجية‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫األساطير فكرس لها عدة فصول في كتابه األول (بدايات التاريخ البشري والنمو الحضاري)‬
‫(‪)1‬‬
‫فتوسع بذلك لتشتمل على الظاهرة الدينية بشكل عام‪.‬‬
‫جيمس فرايزر (‪:)1941-1854‬‬
‫نشر فرايزر عدد كبير من الكتب أشهرها "التوطمية والزواج الخارجي" (‪،)1910‬‬
‫و"الفولكلولر في العهد القديم" (‪ ،)1918‬وخاصة كتابه الضخم "الغصن الذهبي" الذي بلغ‬
‫اثني عشر مجلدا وصدر بين عامي (‪ 1890‬و‪ )1915‬وهو كتاب وصفه مؤلفه بأنه جودة‬
‫بفكر االنسان تتابع مراحل تطوره ابتداء من السحر والدين وصوال إلى العلم‪ ،‬وضم في كتابه‬
‫مجموعة هائلة من الوقائع التي استقاها من مجتمعات شديدة االختالف وعالج هذه الوقائع‬
‫من زاوية المنهج المقارن‪ ،‬فتطرق تباعا إلى موضوعات السحر والطقوس الزراعية‪،‬‬
‫واالحيائية وعالج بشكل خاص أصول ظاهرة "كبش المحرقة"‪ ،‬وهي عبارة عن معتقد يمكن‬
‫أصحابه من تحويل كل القوى الشريرة وكافة المعاصي التي ارتكبتها الطائفة الواحدة وتحميل‬
‫وزرها لفرد واحد يفدي الطائفة بموته المصطنع‪ ،‬كما أشار إلى شخص الملك يرتدي في‬
‫األصل طابعا مقدسا وذلك عبر دراسته للملك اإلالهي وأراد بهذا التفكير ألن الملك في‬
‫األصل رجل دين بالدرجة األولى‪ ،‬إلى غير ذلك من الظواهر المختلفة التي عالجها كالظاهرة‬
‫(‪)2‬‬
‫السحرية والدينية‪...‬‬
‫وسنستعين بهذه النظرية في تحليلنا لظاهرة التحول في الحكايات الشعبية القبائلية‬
‫وحكايات ألف ليلة وليلة ألن فرايزر اشتغل على األساطير والحكايات الخرافية للبحث عن‬
‫رواسب المعتقدات الدينية القديمة كالسحر والدين‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬جاك لومبارد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.74‬‬


‫‪ -2‬ينظر المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.78‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية‬
‫ّ‬
‫مقاربة أنثروبولوجية‬

‫المبحث األول‪ :‬تقديم مدونة الحكايات‬

‫التحول في الحكايات القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‬


‫ّ‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬

‫التحول في الحكاية الشعبية دراسة مقارنة‬


‫ّ‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تقديم مدونة الحكايات‬


‫‪-1‬مدونة الحكايات القبائلية المجموعة من الميدان‬
‫(‪)1‬‬
‫ملخص حكاية بقرة اليتامى‪:‬‬
‫تروي الحكاية قصة رجل توفيت زوجته وتركت معه ولدين (بنت وولد)‪ ،‬فتزوج من‬
‫امرأة أخرى وكذلك رزقت بولدين‪ ،‬وكانت هذه المرأة ال تحب أوالد زوجها وال تعتني بهما وال‬
‫تطعمهما‪ .‬كانت لديهم بقرة‪ ،‬فكان الولدان يرضعان منها الحليب‪ ،‬ولما رأت زوجة أبيهم ذلك‬
‫بعثت ابنتها عائشة لترضع الحليب من البقرة مثل أخويها فضربتها البقرة وفقأت عينها‪،‬‬
‫أن يبيع البقرة‪ .‬اخذ الرجل البقرة إلى السوق ليبيعها ‪-‬وهو ال‬
‫فغضبت أمها وأمرت زوجها ّ‬
‫يرغب في ذلك‪-‬فكان يقول‪ :‬من يشتري بقرة اليتامى لن يربح ولن يطل عليه فلم يقترب أي‬
‫أحد من تلك البقرة‪ ،‬وعاد ولم يبع البقرة وفي اليوم التالي تبعته زوجته متنكرة في زي رجل‬
‫وسمعت ما كان يقول ثم اقتربت منه وصارت تقول‪ :‬من يشتري بقرة اليتامى سيربح عليها‪،‬‬
‫إلى أن باعتها‪ .‬كان الولدان يبكيان عند قبر أمها كلما جاعا فبقدرة اهلل تعالى نبتت نخلة في‬
‫قبر أمهما وكانا يأكالن منها التمر‪ ،‬ولما رأت زوجة أبيهم حالهم طلبت من ابنتها أن تتبعهما‬
‫أينما ذهبا وأخبرتها بأمر النخلة ثم طلبت منها أن تأكل معهم من النخلة‪ ،‬فكانت عائشة كلما‬
‫أن تقترب من النخلة لتأكل منها التمر تعلو النخلة أو تختفي كي ال تأكل منها‬
‫حاولت ّ‬
‫فأخبرت أمها باألمر فقامت هذه األخيرة بقطع تلك النخلة‪ .‬كان الولدان كلما جاعا يبكيان‬
‫عند قبر أمهما‪ ،‬وبقدرة اهلل تعالى خرج ضرع من القبر وكانا يرضعان منه فراقبتهما عائشة‬
‫وذهبت معهما‪ ،‬وكلما اقتربت لترضع منه يختفي فأخبرت أمها بذلك‪ ،‬فقامت والدتها بوضع‬
‫اإل سمنت على القبر لكيال يظهر الضرع مجددا‪ .‬قامت الفتاة وأخذت أخاها وغادرت المكان‬
‫بأكمله‪ ،‬ألن زوجة أبيهما لم تترك لهما أي وسيلة للعيش هناك‪ .‬وصال الولدان إلى الغابة‬
‫ووجدا نبع ٍ‬
‫ماء فأراد الولد أن يشرب فلم تتركه أخته ألنه نبع للحيوانات‪ ،‬فتظاهر على أنه‬

‫‪ -1‬ملخص الحكاية‪ ،‬روتها لنا السيدة‪ :‬ذهبية حمادن‪ ،‬من مواليد ‪ ،1936‬يوم‪ 30 :‬أكتوبر ‪ ،2018‬على الساعة ‪.10:00‬‬
‫صباحا‪ ،‬في قرية ورياشة بلدية الناصرية والية بومرداس‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فتحول إلى تيس‪ ،‬أخذت الفتاة أخاها معها وأكملت طريقها إلى أن‬
‫يغسل يديه ثم شرب منه ّ‬
‫وصلت إلى احدى القرى ثم دخلت إلى المسجد وبقيت هناك ولما رآها الناس صاروا يتكلمون‬
‫عنها إلى أن بلغ األم ر للسلطان‪ ،‬فأمر بإحضارها إلى بيته وطلب منها أن تعيش عنده‪،‬‬
‫فاشترطت عليه أن يبقى معها التيس أينما كانت أو ذهبت‪ .‬ولما رأى ابن السلطان الفتاة‬
‫أعجبته وطلب من أبيه أن يزوجها إياه فحدث ذلك‪ ،‬وعاشت مع ابن السلطان‪ .‬تغير حال‬
‫متسوال يطلب وتحققت‬
‫والدها إلى األسوء وصار يتوسل لكي يعيل عائلته‪ ،‬وذات يوم سمعت ّ‬
‫من الصوت فعرفت أنه والدها فأمرت الخدم أن يدخلوه‪ .‬أكل والدها وشرب ومألت كيسه من‬
‫القمح وبعض األكل ووضعت فيه قطعة من الذهب ثم غادر عائدا إلى بيته‪ .‬تعجبت زوجته‬
‫مما أحظره معه‪ ،‬فقالت لن يعطي له هذا إال أوالده‪ ،‬وفي اليوم التالي بعثت معه ابنتها عائشة‬
‫وأوصتها بكل ما تفعل‪ ،‬ولما وصال إلى القرية مر بجانب القصر سمعته جوهرة وأدخلته‬
‫وأكرمته به هو وابنته وطلبت عائشة من والدها أن تبقى مع أختها وتعمل عندها‪ ،‬وكانت‬
‫تشكو ألختها حتى رأفت عليها وتركتها عندها‪ .‬وبعد مرور عدة أيام جلست جوهرة أمام بئر‬
‫في حديقة بيتها واذا بأختها تدفعها لتسقط داخل البئر‪ ،‬وصارت هي مكانها ولما عاد ابن‬
‫أن ماءكم من‬
‫السلطان تعجب كيف تغير حالها‪ ،‬فسألها بشأن تغير لون بشرتها وقالت له ّ‬
‫فعل بي هذا وأما عن عينها المفقوءة فقالت بأن كحلهم من فعل بها ذلك فصدقها‪ .‬وذات يوم‬
‫مر شيخ ا لقرية من جانب حديقة قصر السلطان وسمع التيس يتكلم إلى البئر وهناك صوت‬
‫يرد عليه من عمق البئر‪ ،‬وبعد صالة الفجر أخبر السلطان باألمر‪ .‬وفي اليوم التالي راقبوا‬
‫ذلك التيس وسمعوه يشكو أمره ألخته ويقول لها بأنهم يهيئون السكاكين لذبحه ولما اقتربوا من‬
‫البئر سمعوا صوتا يخرج منه فحدثوها وردت عليهم‪ ،‬ثم قاموا بإنقاذها وأخبرتهم بكل ما حدث‬
‫معها‪ ،‬كما أخبرتهم عن أخيها‪ ،‬وطلبت بذبح أختها عائشة وبعثتها إلى أمها‪ ،‬أما بشأن أخيها‬
‫أن يأخذوه إلى نبع األحرار ليستحم هناك ويعود إلى‬
‫سألوا شيخا حكيما عن حاله وطلب منهم ّ‬
‫هيئته البشرية‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ملخص حكاية "منفية إخوتها السبعة"‬
‫بأنها إذا‬
‫تروي الحكاية قصة أم كان لديها سبعة ذكور وحامل بالثامن‪ ،‬وأخبرها أوالدها ّ‬
‫أنجبت بنتا سيفرحون ويحتفلون بها‪ ،‬أما إذا أنجبت ولدا سيحزمون أمتعتهم ويرحلون‪،‬‬
‫وسمعت زوجة عمهم ما قاله األوالد‪ .‬أنجبت األم بنتا أثناء تواجد األوالد في الحقل‪ ،‬فذهبت‬
‫إليهم زوجة عمهم وقالت لهم بأن أمهم أنجبت ولدا‪ ،‬فهاجروا‪ .‬كبرت الفتاة وأغضبت زوجة‬
‫عمها فشتمتها بمنفية إخوتها السبعة‪ ،‬سألت الفتاة أمها عن أمر إخوتها وأخبرتها بما حدث‪،‬‬
‫فقالت بأنها ستلتحق بإخوتها أينما كانوا‪ .‬أمرت الفتاة أمها بأن تجهز لها ما تحتاجه من أكل‬
‫وشرب خالل طريقها وطلبت من والدها حصانا وأن يحضر لها الحبة المنادية (أعق‬
‫أن‬
‫يساوالن) لتتواصل معه‪ ،‬وأرسلت أمها معها خادمة‪ .‬انطلقت الفتاة هي والخادمة‪ ،‬وبعد ّ‬
‫قطعتا مسافة طويلة تعبت الخادمة من المشي وطلبت من سيدتها أن تتركها تركب قليال فوق‬
‫الحص ان‪ ،‬فشكتها الفتاة ألبيها من خالل الحبة المنادية فخافت الخادمة وأكملت طريقها‪.‬‬
‫وصلت الفتاتان إلى نبع فتوقفتا لتشربا وتغتسال فسقطت الحبة المنادية للفتاة في النبع‪.‬‬
‫فتحول لون بشرتها من األبيض إلى األسود وأما‬
‫ّ‬ ‫غسلت الفتاة من منبع الخدم (السود)‬
‫فتحول لون بشرتها من األبيض إلى األسود‪ .‬ولما جاءت‬
‫الخادمة فغسلت من نبع األحرار ّ‬
‫الفتاتان لتكمال الطريق ركبت الفتاة فوق الحصان وأنزلتها الخادمة وركبت هي مكانها ألنها‬
‫أن‬
‫أن ضيعت الحبة المنادية‪ .‬أكملت الفتاتان طريقهما إلى ّ‬
‫أن تشكوها ألبيها بعد ّ‬
‫ال تستطيع ّ‬
‫أن نفذ منهما األكل‪،‬‬
‫رأتا صخرة كبيرة وقررتا المكوث فيها‪ ،‬بقيت الفتاتان عند الصخرة إلى ّ‬
‫وقفت الفتاة السيدة فوق الصخرة فرأت دخانا يخرج من الغابة وأخبرت الخادمة‪ ،‬فتوجهتا نحو‬
‫المكان فوجدتا بأن الدخان يخرج من كوخ واقتربتا منه فرأتا شابا كان يطحن القمح وهو يكاد‬
‫أن ينام فوق المطحنة‪ .‬غفا الشاب ودخلت الفتتان إلى الكوخ وأكملتا ما كان يفعله الشاب‬
‫ّ‬
‫وطهتا منه وأكلتا‪ .‬اختبأت الفتاتان في الغرفة العلوية للكوخ ولما استيقظ الشاب من نومه لم‬

‫‪ -1‬ملخص لحكاية "ثمنفيث مسبع واثماثن"‪ ،‬روتها لنا السيدة‪ :‬ذهبية حمادن‪ ،‬المذكورة سابقا‪ ،‬يوم ‪ 17‬نوفمبر ‪ ،2018‬على‬
‫الساعة ‪ 11:20‬د‪ .‬في قرية ورياشة بلدية الناصرية والية بومرداس‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يجد الطحين فتعجب من األمر ولم يخبر إخوته الستة عند عودتهم بذلك‪ ،‬في اليوم التالي‬
‫جهز اإلخوة الستة أنفسهم للخروج إلى الحقل وتركوا السابع منهم في الكوخ وهو غير الذي‬
‫بقي في اليوم األول‪ .‬جهز الشاب الطحين ثم عاد إلى النوم‪ ،‬فنزلت الفتاتان من الغرفة‬
‫العلوية وقامتا بالطهو وأكلتا ثم عادتا إلى مكانهما‪ .‬استيقظ الشاب ليجهز األكل إلخوته قبل‬
‫أن أحدهم سرق‬
‫عودتهم فلم يجد الطحين وتأخر في تجهيز األكل‪ ،‬وبعد عودة إخوته أخبرهم ّ‬
‫أن يبقى هو في الكوخ‪ ،‬فبعد خروج‬
‫منه الطحين‪ .‬وفي اليوم الثالث طلب منهم األخ األصغر ّ‬
‫أن أكملتا من‬
‫إخوته تظاهر بالنوم فنزلت الفتتان وقامتا بما كانتا تقومان به في كل مرة‪ ،‬وبعد ّ‬
‫ذلك أمسك بهما الشاب وسألهما عن أمرهما فأخبرتاه عن قصتهما لكنهما اختلفتا فيمن تكون‬
‫أختهم الحقيقية‪ .‬ولما عاد إخوته من الحقل أخبرهم بأمرهما‪ ،‬فصدقوا الخادمة فيما قالته ألنها‬
‫أن تكون لهم أخت ذات بشرة سوداء‪ ،‬ولم يصدقوا أختهم فيما قالته‪،‬‬
‫ذات بشرة بيضاء‪ ،‬فكيف ّ‬
‫فجعلوا من الخادمة أختا لهم تبقى في البيت وجعلوا من أختهم خادمة ترعى الجمال‪ .‬كانت‬
‫الفتاة أثناء رعيها للجمال تجلس وتبكي وتقول "رو رو أييزريو‪ ،‬أوي يزران فافا اذ يما‪ ،‬ثكليث‬
‫ثوغال إوخام مذنك أغالغ إثكساوث إلغمان روث ماتسروم أيلغمان"‪ ،‬بمعنى "ابكي ابكي يا‬
‫عيني‪ ،‬ليتني أرى أبي وأمي‪ ،‬فالخادمة صارت للبيت وأنا صرت لرعي الجمال ابكوا إن أردتم‬
‫أن تبكوا أيها الجمال"‪ ،‬فتجتمع عندها الجمال وتبكي معها وال ترعى إالّ واحدا منهم ألنه‬
‫أصم ال يسمع ما تقول‪ ،‬فهو يأكل فقط‪ .‬تعجب اإلخوة من أمر الجمال التي تتراجع حالتها‬
‫من يوم إلى آخر فقد تغير شكلها كأنها ال ترعى إال ذلك األصم فهو أحسنهم‪ .‬وفي اليوم‬
‫وقدم لها‬
‫التالي لما كان اإلخوة في الحقل طلب أصغرهم أن يأخذ األكل للخادمة‪ ،‬ولما وصل ّ‬
‫بأنه عاد إلى عمله‪ ،‬لكنه اختبأ وراء صخرة ليرى ما سبب نحافة الجمال‪،‬‬
‫األكل‪ ،‬تظاهر ّ‬
‫فبدأت الخادمة تقول ما كانت تقله وتبكي‪ ،‬وكذلك الجمال تبكي معها‪ .‬تعجب الشاب ألمر‬
‫تلك الخادمة وما كانت تقوله‪ ،‬فعاد وأخبر إخوته بما رأى وسمع فقصدوا الشيخ الحكيم‪،‬‬
‫الستشارته في أمر الفتاتين‪ ،‬فأمرهم الشيخ أن يأخذ أحدهم الفول بين يديه ويتظاهر بالسقوط‬
‫أمام الفتاتين‪ ،‬فأما التي تسرع إليه لترى إن أصابه مكروه فهي أختهم وأما التي تلتقط الفول‬
‫‪38‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫فهي الخادمة‪ ،‬وطلب منهم أيضا أن يعطوا للفتاتين قليال من الزيت ويطلبون من هما أن‬
‫يدهنا بها شعرهما وأن تسرحاه أمامهم‪ ،‬فأما التي يكون شعرها طويال ومنسدال فهي أختهم‬
‫وأما التي يكون شعرها قصي ار ومجعدا فهي الخادمة‪ .‬تأكد اإلخوة بعد ذلك أن الخادمة التي‬
‫كانت ترعى الجمال هي أختهم الحقيقية‪ ،‬أما األخرى فهي الخادمة‪ ،‬ودلّهم الشيخ كيف‬
‫يعيدونها ألصلها‪ ،‬فصارت بعدها بشرتها بيضاء‪ ،‬أما بشأن الخادمة فقام اإلخوة بربطها إلى‬
‫أن لم يبق شيء منها إال رأسها‪ ،‬فأحضروه‬
‫الحصان ليجرها‪ ،‬فانطلق بها الحصان إلى ّ‬
‫ألختهم‪ ،‬التي وضعت الرأس كأثافي للموقد ووضعت فوقه القدر‪ .‬كان الرأس يذبل ويذبل إلى‬
‫أن صار في حجم حبة الفول‪ ،‬فرمته للقط ليلعب به‪ ،‬وفي كل مرة تجده أمامها ترميه فيعود‬
‫من جديد أمامها‪ .‬انزعجت منه في أحد األيام ورمته بعيدا‪ ،‬فغضب منها القط فأطفأ النار‪،‬‬
‫فاحتارت في أمرها‪ ،‬إذ كيف لها أن توقد النار لتطهو إلخوتها األكل قبل عودتهم من الحقل‪.‬‬
‫خرجت من الكوخ ورأت دخانا مرتفعا من الغابة‪ ،‬فقصدته تطلب الجمر لتوقد به النار‪ ،‬فلما‬
‫بأن الدخان يخرج من كوخ الغولة‪ ،‬تقدمت من الكوخ وطلبت الجمر‪ ،‬فوخزت لها‬
‫وصلت رأت ّ‬
‫الغولة إب ار من الباب حتى الموقد وأمرتها بالدخول‪ .‬مشيت الفتاة على اإلبر‪ ،‬وأخذت الجمر‬
‫وعادت وقدماها تنزفان بالدماء التي بقيت أثارها في الطريق‪ .‬تبعت الغولة في اليوم التالي‬
‫أثار الدماء‪ ،‬فعرفت الطريق إلى بيت الفتاة‪ ،‬وبعد ذلك كانت تقصدها كل يوم وتطلب منها‬
‫أن تخرج إليها إصبعها لتمص من دمها‪ .‬تغير شكل الفتاة فصارت نحيفة وشاحبة‪ ،‬فسألها‬
‫إخوتها عن سبب ذلك‪ ،‬وأخبرتهم بما حدث‪ ،‬وفي اليوم التالي رجعت الغولة وطلبت منها‬
‫نصب اإلخوة للغولة فخا داخل الكوخ بحيث حفروا‬
‫تحسن صحتها‪ّ .‬‬
‫الفتاة أن تعود إليها بعد ّ‬
‫حفرة كبيرة ووضعوا فيها الحطب وغطوها بالسجاد‪ ،‬وكانوا ينتظرون مجيئها‪ ،‬ولما وصلت‬
‫أمام الباب دعوها للدخول‪ ،‬دخلت فسقطت في الحفرة التي أوقدوا بها نارا‪ ،‬وهي تحترق في‬
‫الحطب أخبرتهم الغولة بأنها ستنتقم منهم عن طريق رمادها‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫غادر اإلخوة مع أختهم الكوخ إلى مكان آخر واستقروا هناك‪ ،‬مضى وقت طويل‬
‫عما تطهوه إلخوتها وتذكرت مكان الكوخ القديم فقصدته فوجدت نبات‬
‫وكانت الفتاة تبحث ّ‬
‫الخباز قد نبت هناك‪ ،‬أخذت منه قليال وطهته إلخوتها‪ .‬عاد إخوتها واجتمعوا حول األكل‬
‫تحول إلى طائر وطار إلى أن بقي أصغرهم‪ ،‬فحاولت منعه‬
‫فكان كلما أكل واحد منهم ملعقة ّ‬
‫لكنه قال لها بأن مصيره كمصير إخوته‪ ،‬ثم قال لها إخوتها جميعهم بأنها إذا أرادت أن‬
‫يعودوا إلى حالتهم األولى عليها أن تعدهم بأن تصوم عن الكالم سبع سنوات‪ ،‬عاهدتهم بذلك‬
‫وطار اإلخوة بعيدا‪ .‬غادرت الفتاة المكان‪ ،‬بعد طيران إخوتها‪ ،‬فأخذت تمشي إلى أن وصلت‬
‫إلى قرية‪ ،‬وتوقّفت عند نبع أمامه نخلة‪ ،‬غسلت وشربت وصعدت إلى أعلى النخلة واختبأت‬
‫مر ابن السلطان من هناك ليسقي حصانه من ذلك النبع الذي كان تحت النخلة‪ ،‬فكلما‬
‫فيها‪ّ .‬‬
‫وضع الحصان رأسه ليشرب رأى صورة الفتاة منعكسة في المياه‪ ،‬خاف ورفعه من جديد‪ ،‬إلى‬
‫أن تنبه له ابن السلطان ونظر في الماء فرأى صورة الفتاة المنعكسة فيه‪ ،‬فلما نظر فوق‬
‫الشجرة تعجب من أمر وجمال تلك الفتاة‪ ،‬ونصحها بالنزول لكنها رفضت‪ ،‬فاتجه إلى مجلس‬
‫أن من استطاع إنزالها من فوق الشجرة له مكافأة‬
‫القرية وجمع الناس وأعلمهم بشأن الفتاة‪ ،‬و ّ‬
‫بأنها ستقوم بذلك‪ ،‬واتجهت إلى مكان تواجد الفتاة وأخذت معها‬
‫كبيرة‪ .‬وقالت له عجوز ّ‬
‫بأنها ال تعرف استعمالها‪ ،‬فدلّتها الفتاة بيديها‬
‫مطحنة القمح وجلست تحت الشجرة وتظاهرت ّ‬
‫على كيفية استعمالها لكونها صائمة عن الكالم‪ ،‬لكن العجوز تظاهرت بعدم الفهم وطلبت‬
‫منها أن تنزل إليها وتساعدها‪ .‬نزلت الفتاة وأمسك بها ابن السلطان وأخذها إلى بيته ثم‬
‫أن يتزوج‬
‫تزوجها‪ ،‬وأنجب معها األوالد‪ ،‬وبعد مضي سبع سنوات ولم تتكلم فيها الفتاة‪ ،‬قرر ّ‬
‫أن تحضر لها ماء من النبع‪ ،‬وحين‬
‫مرة أخرى‪ .‬وفي يوم زفاف زوجها أرسلت الفتاة الخادمة ّ‬
‫بأنها وجدت سبعة طيور هناك متشابهين وكأنهم إخوة‪ .‬طلبت الفتاة من‬
‫عودتها أخبرتها ّ‬
‫بأنهم إخوتها‪ ،‬فأسرعت‬
‫الخادمة أن تصاحبها إلى مكان تواجد الطيور‪ ،‬ولما وصلت عرفتهم ّ‬
‫أن عادوا كلهم إلى حالتهم‬
‫إليهم فكلما عانقت واحدا منهم عاد إلى صورة التي كان عليها إلى ّ‬
‫الطبيعية كبشر‪ ،‬فرافقتهم إلى بيتها‪ ،‬ولما وصل زوجها وعروسه طلبت هذه أن تراها وشتمتها‬
‫‪40‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن تقام لها طقوس‬


‫بالبكماء‪ ،‬حينها تكلمت الفتاة وتساءلت كيف للعروس أ ّن تتكلم قبل ّ‬
‫الترحيب‪ .‬تعجب زوجها لكالمها وسعد باألمر‪ ،‬أما بشأن العروس فقد أعادها إلى بيت أهلها‪،‬‬
‫وأكمل ابن السلطان الفرح احتفال بزوجته التي تكلمت بعد سبع سنوات من السكوت وبإخوتها‬
‫الذين عادوا إليها‪.‬‬

‫‪-2‬ملخص حكايات "ألف ليلة وليلة"‬


‫(‪)1‬‬
‫حكاية التاجر مع العفريت‬
‫هي أول حكاية روتها شهرزاد للملك شهرمان في ليلتها األولى‪ ،‬وتروي لنا الحكاية‬
‫قصة تاجر فاحش الثراء‪ ،‬ذات يوم سافر يطلب في بعض البالد‪ ،‬اشتد عليه الحر وجلس‬
‫تحت شجرة‪ ،‬أكل كسرة وحبة تمر ورمى نواتها‪ ،‬واذا بعفريت طويل القامة وبيده سيف دنا من‬
‫التاجر وقال له قم ألقتلك كما قتلت ابني‪ ،‬لقد جاءت نواة التمر على صدره فمات‪.‬‬

‫طلب التاجر من العفريت أن يتركه يذهب إلى البيت ويعطي كل ذي حق حقه ثم‬
‫يعود إليه‪ .‬استوثق منه الجني وأذن له وعاد إلى بالده‪ ،‬وصل إلى البيت وقص على الجميع‬
‫ما حدث له مع العفريت‪ ،‬وبعد انقضاء سنة أخذ كفنه وودع الجميع وغادر‪.‬‬

‫وصل التاجر إلى مأوى العفريت وجلس بانتظاره‪ ،‬فمر به شيخ كبير أقبل عليه ومعه‬
‫غزالة وسلم على التاجر وسأله عن سبب جلوسه في هذا المكان وهو مأوى الجن‪ .‬حكى له‬
‫التاجر قصته مع العفريت فتعجب الرجل وتأسف على ذلك وقال له لن أبرح مكاني حتى‬
‫أعرف ما يحصل لك مع العفريت وجلس بجانبه‪ .‬فإذا بشيخ ثان قد أقبل ومعه كلبتين‬
‫سلوقيتين‪ ،‬سأل الشيخ الرجلين عن سبب جلوسهما في ذلك المكان‪ ،‬فقص عليه التاجر‬
‫قصته فجلس هو أيضا معهما لينظر ما يحدث‪ .‬بعد مدة قصيرة مر شيخ ثالث ومعه بغلة‬
‫الجن‪ ،‬فأخبره‬
‫ّ‬ ‫فسلم عليهم وسألهم كذلك عن سبب جلوسهم في ذلك المكان الذي هو مأوى‬
‫التاجر بقصته وقال لن أذهب من هنا حتى أرى ما يحصل معك والعفريت فجلس معهم‪.‬‬

‫‪ -1‬ملخص الحكاية‪ ،‬ألف ليلة ولية‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪41‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫خرج العفريت وتقدم لقتل التاجر‪ ،‬فأشفق عليه الشيوخ الثالث‪ .‬تكلم الشيخ األول ‪-‬‬
‫إن رأيتها عجيبة تهبني ثلث دم‬
‫صاحب الغزالة‪ -‬وقال للعفريت أقص عليك قصة هذه الغزالة ّ‬
‫أن هذه الغزالة هي ابنة عمي‪،‬‬
‫الجني ّ‬
‫هذا التاجر‪ ،‬فقبل العفريت بذلك‪ .‬قال الشيخ اعلم أيها ّ‬
‫تزوجت منها وهي صغيرة عشت معها ثالثين سنة ولم أرزق باألوالد‪ ،‬فأخذت لي جارية‬
‫ورزقت منها بولد كالبدر‪ ،‬كبر شيئا فشيئا حتى صار ابن خمس عشرة سنة فطرأت لي سفرة‬
‫وسافرت‪ ،‬وكانت بنت عمي هذه تعلمت السحر والكهانة من صغرها فسحرت ذلك الولد‬
‫عجال وسحرت الجارية أمه بقرة وسلمتهما إلى الراعي‪.‬‬

‫عندما عاد التاجر بعد غياب دام سنة لم يجد جاريته وابنه في البيت‪ ،‬فسأل زوجته‬
‫عنهما فقالت له أن الجارية ماتت وابنه هرب‪ ،‬فحزن التاجر على ذلك لمدة سنة‪ .‬جاء عيد‬
‫األضحى فطلب من الراعي أن يأتيه ببقرة سمينة ليقوم بذبحها‪ ،‬أحضر له الراعي بقرة وهي‬
‫حولتها ابنة عمه إلى بقرة‪ ،‬ولما رأته البقرة دنت إليه وبدأت بالبكاء‪ .‬رأف‬
‫تلك الجارية التي ّ‬
‫التاجر على البقرة وطلب من الراعي أن يذبحها له فلما فعل ال ارعي ذلك لم يجد فيها شحما‬
‫تحول إلى عجل‬
‫وال لحما‪ ،‬فطلب منه أن يحضر له عجال‪ ،‬فاحضر له الراعي ابنه الذي ّ‬
‫ولما رآه العجل قطع حبله وجاءه يتمرغ بين رجليه ويبكي فرأف عليه التاجر‪ ،‬فطلب من‬
‫الراعي أن يأتيه ببقرة ويدع هذا العجل‪.‬‬

‫أخذ الراعي العجل وأدخله إلى بيته فغطت ابنته وجهها وقالت‪ :‬قد خس قدري عندك يا‬
‫علي الرجال األجانب‪ ،‬فتعجب والدها من األمر وقال أين الرجال األجانب؟‬
‫أبي حتى تدخل ّ‬
‫أن هذا العجل ابن سيدي التاجر سحرته زوجة أبيه هو وأمه‪ ،‬وأما عن أمه فهي‬
‫فقالت له ّ‬
‫تلك البقرة التي ذبحتموها‪ .‬تعجب الراعي وذهب مسرعا إلى التاجر ليخبره بما سمعه‪ ،‬فقال له‬
‫أن لي بنتا تعلمت السحر منذ صغرها من عجوز كانت عندنا‪ ،‬وعندما‬
‫اعلم أيها التاجر ّ‬
‫دخلت بالعجل نظرت إليه ابنتي وغطت وجهها وأخبره بكل ما قالته له ابنته‪ .‬عاد الراعي إلى‬
‫بيته ومعه التاجر وحضرت ابنته فقال لها التاجر‪ :‬أحقا ما تقولينه عن ذلك العجل‪ ،‬فقالت‬

‫‪42‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫له‪ :‬نعم إنه ابنك وحشاشة كبدك‪ .‬سألها التاجر إن كان بإمكانها أن تعيده كما كان‪ ،‬ولها كل‬
‫أمواله‪ .‬قالت له ليس لي من أموالك شيء‪ ،‬لدي فقط شرطان األول‪ :‬أن تزوجني به والثاني‪:‬‬
‫أن آسر من سحرته وأحبسها واال فلست آمن مكرها‪ ،‬فقبل التاجر بذلك‪ .‬أخذت الفتاة طاسة‬
‫ومألتها ماء وعزمت عليها ورشت به العجل‪ ،‬وقالت إن كان اهلل خلقك عجال فدم على هذه‬
‫الصفة فال تتغير‪ ،‬وان كنت مسحو ار فعد إلى خلقك بإذن اهلل تعالى فإذا به انتفض وصا ار‬
‫إنسانا‪ ،‬ثم سحرت زوجة التاجر (ابنة عمه) إلى غزالة‪.‬‬

‫تعجب العفريت وقال‪ :‬لك ثلث دم التاجر‪ .‬ثم تقدم الشيخ الثاني صاحب الكلبتين‬
‫السلوقيتين وقال للعفريت‪ :‬سأقص عليك قصتي وهتين الكلبتين ولي ثلث دم هذا التاجر‪ .‬قبل‬
‫أن هاتين الكلبتين هما إخوتي وأنا‬
‫العفريت بذلك‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬اعلم يا سيد ملوك الجان ّ‬
‫ثالثهم‪ .‬مات والدي وخلف لنا ثالثة آالف دينار ففتحت دكانا‪ ،‬أما إخوتي فساف ار بتجارتهما‬
‫وغابا مدة سنة ثم عادا وليس معهما شيء‪ .‬أخذتهما عندي وألبستهما ثيابا وأوكلتهما حتى‬
‫شبعا ثم أخذتهما إلى الدكان وقسمت معهما األرباح‪ ،‬وبعد مدة طلب مني إخوتي السفر‬
‫معهما‪ .‬رفض الشيخ الثاني السفر مع إخوته‪ ،‬ولكن بعد إلحاحهما علية وافق على ذلك‪ ،‬وقبل‬
‫سفرهم قام الشيخ بدفن نصف أمواله تحسبا لخسارة مالهم أثناء السفر‪.‬‬

‫سافر اإلخوة لمدة شهر كامل‪ ،‬ووصلوا إلى المدينة وباعوا بضاعتهم فربحوا منها وأرادوا‬
‫السفر‪ ،‬فتوجهوا إلى الشاطئ‪ ،‬فوجدوا جارية طلبت من التاجر(الشيخ الثاني) أن يعمل معها‬
‫معروفا ويتزوجها‪ .‬قبل التاجر بذلك فتزوجها وفرش لها المركب فرشا حسنا وأكرمها‪ ،‬ثم‬
‫سافروا معا وقد أحبها حبا عظيما‪ .‬انشغل عن إخوته فغا ار عليه وحسدوه على كثرة ماله‬
‫وبضاعته فتحدثا بأمر قتله طمعا في ماله‪ .‬انتظّر األخوان حتى نام أخوهما فأخذاه ورماه في‬
‫البحر‪ .‬فلما استيقظت زوجته ولم تجده‪ ،‬انتفضت فصارت عفريتة وأنقذته وأخذته إلى إحدى‬
‫جزيرة‪ .‬غابت عنه فترة وعادت إليه في الصباح وقالت له أنها هي التي أنقذته من الغرق‪،‬‬
‫وأخبرته أن أخويه هما من فعال به ذلك‪ ،‬وأنها غاضبة ومنتقمة منهما‪ ،‬وطلب منها أالّ تفعل‬

‫‪43‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ذلك‪ .‬استعطفته ثم طارت به إلى بيته‪ .‬أخرج ماله الذي خبأه في األرض واشترى البضائع‪،‬‬
‫وفي الليل عندما دخل وجد هاتين الكلبتين‪ ،‬فأخبرته زوجته أنهما أخواه‪ ،‬وأرسلت إلى أختها‬
‫ففعلت بهم ذلك ولن يتخلصا من ذلك إال بعد عشر سنوات‪.‬‬

‫قال الجني أنها حكاية عجيبة ووهب له ثلث دم التاجر‪ .‬تقدم الشيخ الثالث صاحب‬
‫إن قصتي أعجب من هاتين القصتين‪ ،‬إن رويتها لك تهب لي باقي دمه‪،‬‬
‫البغلة وقال للجني ّ‬
‫فوافق الجني على ذلك‪ .‬قال الشيخ اعلم أيها السلطان أن هذه البغلة زوجتي‪ ،‬سافرت وغبت‬
‫عنها مدة سنة ولما عدت في الليل رأيت عبدا أسود راقدا معها في الفراش وهما في كالم‬
‫وغنج وضحك وتقبيل‪ ،‬وعندما رأتني عجلت وقامت إلى بكوز فيه ماء فتكلمت عليه ورشتني‬
‫به‪ ،‬وقالت‪ :‬اخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب‪ ،‬فصرت في الحال كلبا‪.‬‬

‫طردت الزوجة الكلب من البيت فذهب يسير حتى وصل إلى دكان جزار فصار يأكل‬
‫من العظام‪ .‬فرأف عليه الجزار وأخذه إلى بيته‪ ،‬ولما رأته ابنته غطت وجهها‪ ،‬فسألها والدها‬
‫لماذا فعلت ذلك؟ فقالت له‪ :‬كيف تأتيني برجل غريب؟ تعجب من ذلك وقال لها‪ :‬أين هذا‬
‫الرجل؟ فقالت له هذا الكلب إنه رجل سحرته زوجته إلى هذه الصورة‪ ،‬وأنا قادرة على‬
‫تخليصه‪ .‬قال لها أبوها‪ :‬باهلل عليك خلصيه‪ ،‬فأخذت بكوز فيه ماء وتكلمت عليه ورشت‬
‫عليه منه فقالت‪ :‬اخرج من هذه الصورة إلى صورتك األولى‪.‬‬

‫أن تسحري زوجتي كما سحرتني‪ ،‬فأعطت له قليال‬


‫يد الفتاة وقال لها‪ :‬أريد ّ‬
‫ّقبل الرجل ّ‬
‫أن تصير‪ .‬ففعل ذلك‬
‫من الماء وقالت له إن رأيتها نائمة قم برشها بهذا الماء واطلب ما تريد ّ‬
‫وقال‪ :‬اخرجي من هذه الصورة إلى صورة بغلة‪ .‬واعترف العفريت على أنها حكاية عجيبة‬
‫ووهب له باقي دم ذلك التاجر‪ ،‬ففرح التاجر وشكر الشيوخ بما فعلوه من أجله وعاد إلى‬
‫دياره‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ملخص حكاية الصياد مع العفريت‬
‫تروي الحكاية قصة رجل كبير في السن وهو صياد فقير‪ ،‬له زوجة وثالثة أوالد‪ ،‬ومن‬
‫عادته في الصيد أن يرمي شبكته أربعة مرات في اليوم‪ ،‬وذات يوم دخل البحر ورمى شبكته‬
‫ولما ثقلت سحبها وفتحها ووجد فيها حما ار ميتا‪ .‬رمى الشبكة للمرة الثانية ولما أحس بثقلها‬
‫سحبها فوجد فيها مجموعة من قارورات‪ .‬عاد ورمى شبكته للمرة الثالثة‪ ،‬انتظر لبرهة ثم‬
‫سحبها فوجد فيها قمقما من النحاس األصف ر مختوما برصاص فيه خاتم سيدنا سليمان‪ .‬فرح‬
‫الصياد به ألنه سيربح فيه عشرة دنانير ذهبا بعد أن يبيعه في السوق‪ .‬أحس بثقله ففتحه واذا‬
‫بدخان يخرج من القمقم واجتمع في شكل عفريت‪ ،‬فارتعب الصياد‪ ،‬فقال له العفريت‪ :‬لن‬
‫أخالف لك أم ار بعد اآلن يا سيدي سليمان‪ ،‬فأجابه الصياد أنه ليس بسيده سليمان فهو مات‬
‫منذ ألف مائة سنة‪.‬‬

‫أن من يخلصه بعد مائة سنة‬


‫قرر العفريت قتل الصياد‪ ،‬ألنه قال في نفسه من قبل ّ‬
‫أن من يخلصه في‬
‫ردد في نفسه ّ‬
‫يغنيه إلى األبد مرت تلك األعوام ولم يخلصه أحد‪ ،‬ثم ّ‬
‫أن‬
‫قرر ّ‬
‫المائة سنة األخرى وهب له كنوز األرض‪ ،‬ولم يخلصه أحد‪ .‬أقام أربعمائة أخرى و ّ‬
‫أن من‬
‫من يخلصه يقضي له ثالثة حاجيات ولم يخلصه أحد‪ .‬غضب العفريت من ذلك فقال ّ‬
‫أن‬
‫يخلصه بعد اآلن سيقوم بقتله فجاء الصياد وخلصه‪ .‬خاف الصياد وتوسل إلى العفريت ّ‬
‫يبقيه حيا فأبى وبقي مص ار على ق ارره‪ .‬فكر الصياد بحيلة للتخلص منه فقال له‪ :‬باسم‬
‫أن أسألك‪ ،‬كيف كنت في القمقم وال يسع يدك؟ اضطرب العفريت عند‬
‫األعظم خاتم سليمان ّ‬
‫رد عليه الصياد أنه ال يصدق حتى يرى‪.‬‬
‫سماع األعظم فأجابه أال تصدق ذلك؟ ّ‬

‫انتفض العفريت وصار دخانا ودخل القمقم فأسرع الصياد ووضع له السدادة‪ ،‬فقال له‬
‫أن ال يفعل به ذلك وان خلصه يحسن إليه إالّ أن‬
‫سأرميك في البحر‪ .‬توسل إليه العفريت ّ‬
‫الصياد لم يصدقه‪ ،‬فقّص عليه ما حدث بين الملك والحكيم‪ ،‬وعندما أفرغ من حديثه قرر‬

‫‪ -1‬ملخص الحكاية‪ ،‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬ص‪17‬‬

‫‪45‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن ال يغدر به وسيحسن إليه‪.‬‬


‫رميه في البحر‪ ،‬صرخ المارد متوسال أال يفعل ذلك‪ ،‬ووعده ّ‬
‫فتح الصياد سدادة القمقم فخرج العفريت وطار به وفي كل مرة يذكره بالوعد‪ .‬ولما وصال إلى‬
‫أن يطرح شبكته‪ ،‬ففعل الصياد وا ّذا بها أسماك بألوان مختلفة‬
‫بركة ماء طلب منه العفريت ّ‬
‫فتعجب الصياد‪ .‬طلب منه العفريت أن يقوم بأخذها إلى السلطان‪ ،‬كما طلب منه أال يصطاد‬
‫إال مرة واحدة في اليوم‪ ،‬ثم انشقت األرض وابتلعته‪.‬‬

‫عاد الصياد إلى البيت ووضع األسماك في الماجور فيه ماء وأخذه إلى السلطان‪،‬‬
‫وعندما رآهم الملك تعجب كل العجب‪ .‬أعطى الوزير للصياد أربع مائة دينار‪ ،‬وطلب من‬
‫الجارية أن تقوم بطهويها‪ ،‬نظفتها ووضعتها فوق الطاجن‪ ،‬فلما استوى وجهها قلبتهم على‬
‫وجهها اآلخر‪ ،‬فإذا بحائط المطبخ قد انشق وخرجت منه صبية حسناء وفي يدها قضيب من‬
‫الخيزران فغرزته في الطاجن‪ ،‬وقالت‪ :‬هل أنتم على العهد مقيمين‪ ،‬فلما رأت الجارية ذلك‬
‫أغمي عليها‪ ،‬ثم كررت الصبية القول ثانيا وثالثا فرفعت األسماك رؤوسها في الطاجن‬
‫فأجابت نعم نعم ثم قال الجميع كالما‪ :‬إن عهدت عهدنا وان وافيت وافينا وان خرجت فإننا‬
‫قد تكافينا‪ .‬فقلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه والتحم الحائط‪،‬‬
‫وعندما قامت الجارية ووجدت السمك محروقا‪ ،‬أخبرت الوزير بما حصل لها مع األسماك‪،‬‬
‫فأخبر الملك بالقصة فلم يصدق ذلك حتى يرى بعينيه‪.‬‬

‫طلب الوزير من ال صياد أن يأتيه بمثل تلك األسماك‪ ،‬فقام بإحضارها له‪ .‬ذهب الملك‬
‫إلى المطبخ وتكرر المشهد أمامه فتعجب الملك‪ ،‬وطلب بإحضار الصياد ليستفسر منه أمر‬
‫قص عليه قصته مع العفريت وذهب الملك مع جنوده‬
‫األسماك‪ .‬وصل الصياد إلى القصر و ّ‬
‫بحثا عن أمر هذه البركة واألسماك‪ .‬عندما وصلوا إلى المكان بحث الملك عن شخص ما‬
‫ليسأله‪ ،‬فرأى قصرا‪ ،‬طلب اإلذن من أهله ولم يجبه أحد‪ ،‬فدخل الملك يبحث في أرجاء‬
‫القصر عن أهله فوجد شابا مليحا نصفه التحتاني حجر‪ ،‬فسأله عن سبب حالته تلك‪ ،‬فقّص‬
‫له الشاب حكايته على أنه أحب ابنة عمه وأحبته فتزوجا وأقاما مع بعضهما‪ ،‬وذات يوم سمع‬

‫‪46‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن ينام تخرج من‬


‫الجواري تتكلم عنه بأن زوجته تخونه بحيث تقوم بإعطائه منوما‪ ،‬وبعد ّ‬
‫القصر‪ .‬قرر الشاب أن يراقب زوجته بعد َما سمعه‪ ،‬وذات يوم خرجت زوجته كعادتها فتبعها‬
‫إلى أن وصلت لمكان يقيم فيه عبد أسود‪ ،‬أكلت عنده وشربت وضحكت‪ .‬غضب الشاب‬
‫أن‬
‫على ما تفعله به زوجته فأخرج سيفه وحاول قتلهما‪ ،‬فهربت زوجته عائدة إلى القصر دون ّ‬
‫تعرف من يكون ذلك الرجل فقد كان متنكرا‪ ،‬أما هو فقد طعن ذلك العبد األسود لكنه لم‬
‫يقتله‪.‬‬

‫حزنت الزوجة على ما حدث للعبد األسود لكنها كانت تتظاهر أمام زوجها على أنها‬
‫حزينة على والدتها التي ماتت مؤخ ار‪ .‬طلبت من زوجها أن يأذن لها ببناء مدفنا في القصر‬
‫كالقبة وتنفرد فيه بأحزانها‪ ،‬فقامت بذلك ونقلت ذلك العبد إلى القبة‪ .‬صبر عليها زوجها‬
‫أعواما وأعواما وهي على تلك الحال‪ ،‬وذات يوم دخل عليها فوجدها تبكي وتلطم وجهها عند‬
‫العبد وأنشدت أبيا تشوقها إليه‪ .‬سمع زوجها ما كانت تقول ووصفها بالخائنة وأخبرها أنه‬
‫السبب فيما حدث للعبد األسود‪ ،‬ثم رفع سيفه ليقوم بقتلها فقامت من مكانها وتكلمت بكالم‬
‫غير مفهوم وقالت بعد ذلك‪ :‬جعل اهلل بسحر نصفك حج ار ونصفك األخر بش ار فصار على‬
‫تلك الحال‪.‬‬

‫وقامت الزوجة أيضا بسحر أهل المدينة إلى أسماك وفيهم أربعة أصناف‪ :‬مسلمين‪،‬‬
‫نصارى‪ ،‬يهود‪ ،‬ومجوس‪ ،‬وسحرت أيضا الجزر األربعة جباال وأحاطتها بالبركة‪ .‬قامت بعد‬
‫ذلك بتعذيب زوجها بحيث تقوم كل يوم بضربه بسوط من الجلد مائة ضربة حتى يسيل الدم‬
‫منه‪ .‬حزن الملك على الشاب وزاد هما على همه وقرر أن يصنع معه معروفا‪ ،‬فنزل إلى‬
‫القبة أين يوجد العبد األسود فاختبأ من تحته‪ .‬وعندما أتت زوجة الشاب تكلم بكالم خفيف‬
‫تخلص زوجها مما هو‬
‫ادت أن يستعيد عافيته عليها أن ّ‬
‫كما كان يكلمها العبد‪ ،‬وقال لها إن أر ْ‬
‫عليه ألنه يزعجه بصراخه المتواصل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ظنت زوجة الشاب أن العبد يستعيد عافيته وفرحت لذلك‪ ،‬وخرجت من القبة واتجهت‬
‫إلى القصر فأخذت طاسة ومألتها ماء ثم تكلمت عليها ثم رشته منه وقالت‪ :‬بحق ما تلوته‬
‫أن تخرج من هذه الصورة إلى صورتك األولى‪ ،‬فانتفض الشاب وقام على قدميه‪ ،‬ثم عادت‬
‫لتره‪ ،‬فقال لها أنه ال يستطيع ألن أهل القرية الذين‬
‫إلى القبة وطلبت من العبد الخروج ا‬
‫حولتهم إلى األسماك يدعون عليه فعليها أوال تخليصيهم من ذلك‪ .‬خرجت إلى البركة وأخذت‬
‫ّ‬
‫قليال من الماء وتكملت عليه بكالم ال يفهم فرفعت األسماك رؤوسهم ثم صاروا آدميين في‬
‫الحال وانفك السحر عن أهل المدينة وانقلبت الجبال جز ار كما كانت‪ .‬ثم عادت الزوجة إلى‬
‫الملك وهي تظن أنه العبد وقال لها اقتربي مني وعندما اقتربت أخذ صارمه وطعنها في‬
‫صدرها حتى خرج من ظهرها‪.‬‬

‫شكر الشاب الملك على ما فعله من أجله وتعانقا فطلب منه الملك الذهاب معه إلى‬
‫مدينته ويكون في محل ابنه الذي لم يرزق به‪ .‬عندما وصال إلى القصر‪ ،‬طلب الشاب‬
‫مجيء الصياد ألنه هو السبب في خالصه مما كان عليه‪ ،‬فتزوج الملك والشاب من ابنتي‬
‫الصياد‪ ،‬فصار هو من أغنياء المدينة‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ملخص حكاية "بدر باسم ابن الملك شهرمان وبنت الملك السمندل‬
‫تروي الحكاية قصة ملك لم يرزق باألوالد‪ ،‬وبعد ذلك تزوج بملكة بحرية اسمها جلنار‪.‬‬
‫قُدمت إليه على أنها جارية أحبها وتزوجها‪ ،‬واشترطت عليه أالّ يلمس امرأة أخرى غيرها‪،‬‬
‫ومن ثم حملت منه الملكة جلنار ورزقا بولد سماه بدر باسم‪ .‬ولما كبر قليال الولد توفي والده‬
‫الملك مكان والده بمساعدة وزرائه وأمه الملكة جلنار‪ .‬وفي‬
‫الملك شهرمان‪ ،‬وتولى بدر باسم ُ‬
‫إحدى األيام جاءت والدة جلنار وأخاها صالح‪ ،‬وكانا يتناقشان بأمر بدر باسم وأشار عليها‬
‫صالح بأن تزوجه‪ ،‬أما بدر باسم فقد كان يتظاهر بالنوم وهو يستمع للحديث بين والدته‬
‫وخاله‪ ،‬وكان صالح يعرض على أخته أسماء لملكات البحر‪ ،‬وكان كلما عرض عليها اسما‬

‫‪ -1‬ملخص الحكاية‪ ،‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬الكتاب السادس‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪48‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن بدر باسم كان‬


‫تقول ال واهلل بدر باسم أحسن منها ُملكا وجماال‪ .‬فكانا يتحدثان ظنا منهما ّ‬
‫نائما‪ ،‬فذكر لها الملكة جوهرة بنت الملك السمندل وذكر لها مواصفاتها وقال لها صالح أال‬
‫تذكر ذلك البنها حتى يطلبها له هو من أبيها‪ ،‬فإن أعطاها له فكان ذلك أحسن وان لم يفعل‬
‫تجنبوا ألم بدر باسم‪ ،‬وكان بدر باسم يستمع لحديثهما فعشق جوهرة من خالل سماعه عن‬
‫أن‬
‫جمالها‪ ،‬وبعد بضعة أيام عند مغادرة صالح مملكة أخته إلى البحر طلب منه بدر باسم ّ‬
‫يأخذه معه ليتعرف على مملكة خاله في البحر‪ .‬رفض خاله في البداية األمر‪ ،‬وبعد إص ارره‬
‫عليه أخذه معه وفي الطريق سأله بدر باسم عن جوهرة فعلم خاله ما ح ّل به‪ ،‬ولما وصل‬
‫صالح إلى بيته ترك بدر باسم مع والدته‪ ،‬وخرج هو إلى الملك السمندل ومعه أغلى الهدايا‬
‫ورده الملك خائبا‪ ،‬وفي المرة الثانية‬
‫يد جوهرة البن أخته بدر باسم‪ّ ،‬‬
‫وأفخر الجواهر لطلب ّ‬
‫التي قرر فيها صالح العودة إلى والد جوهرة لطلبها‪ ،‬هيأ جيشه بأكمله وتوجه إليه فآسر الملك‬
‫السمندل ولما علمت جوهرة بما حدث لوالدها هربت إلى جزيرة‪ .‬كان بدر باسم يتجول في‬
‫البحر ولما سمع عن أسر خاله للسمندل هرب خوفا من أعوان الملك الذين هربوا‪ ،‬وصل بدر‬
‫باسم إلى جزيرة واستراح تحت شجرة كبيرة وأسند رأسه إليها ولما فتح عينيه تعجب من جمال‬
‫تلك الفتاة التي كانت فوق الشجرة‪ ،‬فبعد أن نزلت جوهرة من على الشجرة وخادمتها سألها‬
‫بدر باسم من تكون فازداد عشقا بها‪ ،‬أما هي فبعد أن علمت من يكون قامت بسحره إلى‬
‫طائر بحيث تمتمت بكالم غير مفهوم وتفلت في وجهه وقالت له أخرج من هذه الصورة‬
‫البشرية إلى صورة طائر من أحسن الطيور أبيض الريش وأحمر المنقار والرجلين‪ ،‬فتحول‬
‫إلى ذلك وأمرت خادمتها أن تأخذه إلى جزيرة ال يوجد فيها ال مأكل وال مشرب‪ ،‬ولكن‬
‫الخادمة رأفت عليه‪ ،‬فأخذته إلى جزيرة الصيادين وبعدها اصطاده صياد واندهش من جماله‪،‬‬
‫وأخذه كهدية لملكه‪ ،‬فاندهش الملك من جمال الطائر وتعجب أن الطائر لم يأكل من أكله‬
‫الخاص بل أكل من أكل الملك وشرب شرابه‪ .‬دعي الملك زوجته لترى الطائر‪ ،‬فلما جاءت‬
‫أن الطائر رجل وهو الملك بدر باسم ابن الملكة جلنار البحرية‪،‬‬
‫غطت وجهها وأخبرته ّ‬
‫وسحرته الملكة جوهرة إلى طائر‪ ،‬رأف عليه الملك‪ ،‬ولكون زوجته تعلمت السحر طلب منها‬
‫‪49‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫عد إلى‬
‫أن تعيده إلى هيئته البشرية‪ ،‬فأخذت كأس ماء وتمتمت فيه ورشته به وقالت له " ّ‬
‫صورتك التي كنت عليها" وما إن أكملت كالمها حتى صار كذلك‪ ،‬فشكر بدر باسم الملك‬
‫على ما فعله معه‪ ،‬وأعطى له الملك مركبا وكل ما يحتاجه في طريقه وأرسل معه بعض‬
‫البحارة إليصاله‪ ،‬فبعد أيام من إبحاره هاجمته عاصفة وأغرقت مركبه وغرق من معه‪ ،‬فنجى‬
‫هو على قطعة خشب من المركب‪ ،‬ولم يشعر بحاله إلى وهو على شاطئ جزيرة‪ .‬ظهرت‬
‫البر وابعاده من الشاطئ‪ ،‬فحط من الجانب اآلخر‬
‫إليه حيوانات حاولت منعه من النزول إلى ّ‬
‫لتلك المدينة فتعجب من أمرها وخلوها من الناس ومن أمر كل تلك الحيوانات‪ ،‬التقى بدر‬
‫باسم بشيخ بقال في طريقه فأخذه الشيخ معه‪ ،‬أخبر الشيخ بدر باسم عن أمر تلك المدينة‬
‫التي حط فيها‪ ،‬فهي لملكة ساحرة وأن تلك البغال والجمال والطيور التي منعته أن يحط في‬
‫الشاطئ ما هم إال من شباب المدينة أو من زوارها الذين سحرتهم الملكة الب إلى تلك‬
‫الحيوانات بعد أن تعاشرهم أربعين يوما‪.‬‬

‫خاف بدر باسم بما أخبره الشيخ‪ ،‬لكن هذا طمأنه بأنها لن تستطيع أذيته ما دام في‬
‫رعايته‪ .‬بقي بدر باسم عند الشيخ وذات يوم مرت الملكة من جانب محل البقال فرأت بدر‬
‫باسم فقصدت الشيخ بشأنه وقال لها الشيخ أنه ابن أخيه جاء لزيارته‪ ،‬وبعد بضعة أيام طلبت‬
‫الملكة من الشيخ أن تستضيف ابن أخيه في قصرها وسمح لها بذلك وحذرها من أذيته‪ ،‬فهو‬
‫ساحر أقوى منها‪.‬‬

‫بقي بدر باسم مع الملكة في قصرها مدة وكان يزور الشيخ من حين آلخر ويخبره‬
‫بكل ما تفعله الملكة وما تقوله له‪ ،‬ولما أكملت معه أربعين يوما حاولت أن تسحره إلى‬
‫حيوان‪ ،‬لكنها لم تفلح في ذلك ألن الشيخ أوصى بدر باسم بما يفعل‪ ،‬ثم قام هو بسحرها إلى‬
‫أن أوكلها من سويقه ورشها بالماء وقال لها أخرجي من هذه الصورة إلى صورة‬
‫بغلة بعد ّ‬
‫أن يضع لها اللجام وأالّ يسلمه ألي كان‪.‬‬
‫فتحولت إلى ذلك‪ ،‬وطلب منه الشيخ ّ‬
‫بغلة ّ‬

‫‪50‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ركب بدر باسم البغلة وغادر بها المدينة ولما وصل إلى مدينة أخرى التقى فيها‬
‫بعجوز وشيخ‪ ،‬طلبت منه العجوز أن يبيع لها البغلة‪ ،‬ولما أصرت عليه وبمساعدة الشيخ‬
‫وحيلتها باعها لها فنزعت اللجام للبغلة وعانقتها ثم رشتها بالماء وقالت لها يا بنتي أخرجي‬
‫من هذه الصورة إلى الصورة التي كنت عليها" ثم عادت إلى صورتها البشرية‪.‬‬

‫عادت الملكة الب وأمها إلى مملكتها وأخذت معها بدر باسم ثم سحرته إلى طائر قبيح‬
‫المنظر ووضعته في قفص ومنعت عليه األكل والشرب‪ ،‬إلى أن الخادمة كانت تساعده‪ ،‬ثم‬
‫ذهبت إلى الشيخ البقال وأخبرته بما حصل لبدر باسم فبعثها الشيخ إلى الملكة جلنار لتخبرها‬
‫أن قتلت الملكة الب وأمها فكت‬
‫بما حدث البنها‪ ،‬ثم ذهبت الملكة جلنار إلنقاذ ابنها‪ ،‬وبعد ّ‬
‫السحر على ابنها وعاد إلى صورته البشرية‪ ،‬كما خلصت كل من سحرته الملكة الب‬
‫وأعادتهم إلى حالتهم األصلية‪ ،‬ثم عينت الشيخ البقال ملكا لتلك الجزيرة وزوجته بالخادمة‪.‬‬
‫عادت الملكة جلنار بابنها إلى مملكته وزوجته بالملكة جوهرة وأقامت لهم حفال كبي ار دام أياما‬
‫وليالي‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫التحول في الحكايات الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‬


‫ّ‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫‪-1‬دراسة التحوالت في الحكايات القبائلية‬

‫حكاية "بقرة اليتامى"‬


‫تحول الولد إلى ّتيس وذلك بسبب شربه من المنبع الخاص بالحيوان‪ ،‬وحدث ذلك‬
‫ّ‬
‫بسبب عدم سماع الولد لكالم أخته‪ ،‬فقد حذرته من الشرب من ذلك المنبع‪ ،‬لكنه تحايل عليها‬
‫وشرب منه فتحول إلى ّتيس‪.‬‬

‫أن استحم في‬


‫تحول إلى تيس بعد ّ‬
‫وفي راوية أخرى للحكاية ذاتها تذكر الراوية أن الولد ّ‬
‫نبع األحرار ونظر إلى الوراء‪ ،‬فوالدة الطفلين حذرتهما من ذلك بحيث نصحتهما بأن يذهبا‬
‫ويستحما من نبع األحرار وحذرتهما من االلتفات إلى الوراء ثم العودة إليها‪ ،‬فالفتاة امتثلت‬
‫(‪)1‬‬
‫لنصيحة أمها فبقيت على حالها‪ ،‬أما األخ فخالف أمر والدته فتحول إلى ّتيس‪.‬‬

‫ألن الولد لم يسمع كالم أمه ونصيحة أخته بعدم‬


‫التحول حدث ّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫أن نستنتج ّ‬
‫يمكننا ّ‬
‫الشرب من النبع‪ ،‬أو النظر إلى الوراء‪ .‬وهذا يعتبر عند فرايزر اعتبره من المحرمات وهو‬
‫السحر التعاطفي السلبي الذي يقول ال تفعل هذا لكيال يحصل كذا وكذا‪ ،‬وهدفه هو تجنب‬
‫شيء غير مرغوب فيه(‪ .)2‬كما أن لألم مكانة في المجتمع وخاصة إذا كانت ميتة‪ ،‬فبعض‬
‫المجتمعات تقدسها‪ ،‬فهي رغم موتها ال تزال تخاف على ولديها وتفكر فيهما وتعلم بما يحدث‬
‫معهما وتحس بهما‪ .‬فقد فجاء في معتقد شعبي قبائلي أن‪" :‬أروح نلميث ذفير مثمضلن‬
‫أن روح الميت بعد دفنه يعود إلى‬
‫أديوغال أروخاميس يدوير فالس أكذ وراويس" ‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫بيته فيحوم حوله وحول أسرته وأوالده‪ ،‬كما يذكر لنا فرايزر بعض معتقدات الشعوب في‬
‫مختلف مناطق العالم حول ذلك‪ ،‬فعند أصالء أستراليا ال يتم ذكر اسم شخص ميت خوفا من‬

‫‪ -1‬عن وردية قدوش‪ ،86 ،‬قرية سيدي علي موسى‪ ،‬معاثقة‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬حكاية "بقرة اليتامى"‪.‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬جيمس جورج فرايزر‪ ،‬الغصن الذهبي‪ ،‬دراسة في السحر والدين‪ ،‬تر‪ :‬نايف الخوص‪ ،‬دار الفرقد‪ ،‬دمشق‪-‬سوريا‪،‬‬
‫ط‪ ،2014 ،1‬ص‪.39‬‬
‫‪ -3‬عن ذهبية حمادن‪ 82 ،‬سنة قرية ورياشة‪/‬الناصية‪ /‬بومرداس‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أن يذكر الموتى بأسمائهم بحيث يشيرون إلى‬


‫إيقاظ روحه‪ ،‬وكذلك عند أصالء فكتوريا يندر ّ‬
‫أن‬
‫الشخص الميت بالشخص الضائع أو المسكين الذي لم يعد موجودا‪ ،‬ألنهم يفترضون ّ‬
‫ذكرهم له يجلب أرواح الموتى المهلكة التي تحوم فوق األرض مدة معينة قبل أن تصعد إلى‬
‫الميت يذكر بصوت خافت كي ال يزعجوا روحه المتجولة‬
‫الشمس الغاربة‪ ،‬واذا ذكر اسم ّ‬
‫فيما بينهم على شكلها الشبحي‪ ،‬وعند الطوارق يفعلون كل ما بوسعهم لتجنب ذكر الميت وقد‬
‫يلجؤون إلى تغيير مكان مقرهم وذلك خوفا من عودة روح الميت‪ ،‬وفي شمال غرب أمريكا‬
‫أن روح الميت تعود إلى األرض إذا ما سمعت‬
‫يغير أقارب الميت أسمائهم اعتقادا منهم ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أسماء مألوفة لديها‪.‬‬

‫كما شهدنا في حكايتنا تجسد روح األم في البقرة التي كانت تعتني باألوالد وترضعهم‪،‬‬
‫كما تجسد أيضا في الطائر الذي رافق البقرة عندما أخذها األب إلى السوق لبيعها‪ ،‬حيث‬
‫كان يقول الطائر‪" :‬ثافوناسث إغوجيلن أور ثتسنوز أور ثرهن" بمعنى أن بقرة اليتامى لن‬
‫تباع ولن ترهن‪ ،‬ويمكننا أن نفسر كالم الطائر على أنه كالم روح األم‪ ،‬هناك معتقد قبائلي‬
‫آخر يقول" أروح نلميث يتسمثلد ذ لحيوان أيدوير ذ قوخام لمثل ذ قومشيش ثتسحاوزنا ار‬
‫بمعنى أن روح الميت‬ ‫(‪)2‬‬
‫سقوخام‪ ،‬نغ أفرططو مديكشم سخام‪ ،‬نغ أفروخ ميدوير أفوخام"‬
‫تتجسد في حيوان يدخل إلى البيت أو يحوم حوله كالقط مثال إذا رأوه يدور في البيت ال‬
‫يطردون ه‪ ،‬وكذلك الفراشة إذا دخلت إلى البيت‪ ،‬أو طائر إذا رأوه يحوم حول البيت يقولون أنه‬
‫روح الميت هي التي تحوم حول البيت‪ .‬وعلى هذا تحكي خالتي ذهبية عن جارتها‪ ،‬وهي‬
‫امرأة كبيرة توفي زوجها‪ ،‬ويوم الدفن في الليل دخلت عندها فراشة وكانت تحوم حول الشمعة‬
‫(‪)3‬‬
‫ثم أطفأتها فقالت لهم أنه روح زوجها هو الذي عاد إليها في شكل الفراشة‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر فرايزر‪ ،‬الغصن الذهبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.333-331‬‬


‫‪ -2‬عن ذهبية حمادن‪ ،‬المذكورة سابقا‪.‬‬
‫‪ -3‬عن ذهبية حمادن‪ .‬المذكورة سابقا‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫إن كان الشخص الميت أما تركت أوالدها صغارا‪ ،‬فاألم دائمة التفكير والخوف‬
‫خاصة ّ‬
‫على أوالدها وعلى مصيرهم بعدها‪ ،‬خاصة أن الولدان دائمي الشكوى والبكاء أمام قبر‬
‫أمهما‪ ،‬فهي منبع األمان واالطمئنان بالنسبة لهم‪ .‬ففي حكايتنا هذه تحتل األخت مكان أمها‬
‫بعد أن غاد ار األخوان المكان ألن زوجة أبيهما لم تترك لهما مجاال للعيش في ذلك المكان‪،‬‬
‫أن أخاها لم يسمع كالمها وشرب من النبع إال أنها لم تتخ ّل عنه واعتنت به إلى أن‬
‫فرغم ّ‬
‫أن تأخذه‬
‫عاد إلى حالته الطبيعية وذلك بعد أن استشارت شيخا حكيما في أمره وطلب منها ّ‬
‫أن قام بذلك عاد إلى صورته الطبيعية كبشر‪.‬‬
‫إلى نبع األحرار ويستحم هناك‪ ،‬فبعد ّ‬
‫مالحظة‪:‬‬

‫هناك من يخاف من استحضار أرواح األموات‪ ،‬ويرى أنها أرواح مهلكة‪ ،‬وهناك من‬
‫يحبذ ذلك خاصة أرواح اآلباء واألجداد ألنها تحافظ على عالقتها بهم حتى بعد الموت‪ ،‬وهذا‬
‫ما شهدناه في حكاية "بقرة اليتامى"‪.‬‬

‫حكاية " منفية إخوتها السبعة"‬


‫نجد تحوال في لون بشرة الفتاة السيدة (الحرة) من األبيض إلى األسود بعد أن غسلت‬
‫من النبع الخاص بالسود (اكالن‪ ،‬العبيد)‪ ،‬وتحول لون بشرة الخادمة من األسود إلى األبيض‬
‫التحول لعدم معرفة الفتاة الحرة بأمر‬
‫ّ‬ ‫أن غسلت من نبع األسياد (األحرار)‪ .‬وقد يعود هذا‬
‫بعد ّ‬
‫النبع وعدم استشارتها لوالدها في األمر‪ ،‬وتضييعها للحبة المنادية أثناء غسلها من النبع‪.‬‬

‫التحوالت األخرى التي مرت بنا ‪ ،‬فهو ليس تحول كامل‬


‫ّ‬ ‫التحول ليس كغيره من‬
‫ّ‬ ‫وهذا‬
‫للجسد‪ ،‬بل هو تغير في لون البشرة‪ ،‬وال يؤثر هذا التحول بشكل كبير على الجسد‪ ،‬بقدر ما‬
‫يؤثر على جمال ومكانة الشخصية االجتماعية‪ ،‬فالمجتم ع القبائلي قديما هو مجتمع طبقي "‬
‫الن يمرافضن ذيحرين ذويذاك يسعان‪ ،‬الن لقفايل خدمن ثمرث نيمرافضن‪ ،‬الن يكالن ذي‬
‫فركانن سخذامنتن يمرافضن ذي كلش"(‪ ،)1‬بمعنى توجد ثالث طبقات‪ ،‬طبقة المرابطين وهم‬

‫‪ -1‬عن عبة جوهر‪ 88 ،‬سنة‪ ،‬قرية سيدي علي موسى‪ ،‬معاثقة‪ ،‬تيزي وزو‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫األحرار‪ ،‬وطبقة القبائل يشتغلون في أراضي المرابطين‪ ،‬وطبقة ثالثة هي طبقة العبيد (إكالن)‬
‫وهم ذو بشرة سوداء‪ ،‬يقومون بكل األعمال لدى المرابطين‪ ".‬فبسبب تحول في لون البشرة‬
‫صارت الخادمة سيدة تعيش مع أسيادها األحرار‪ ،‬والسيدة الحرة صارت خادمة لدى إخوتها‪.‬‬

‫تحول في لون البشرة يؤدي إلى التأثير على الرتبة االجتماعية‪.‬‬


‫نالحظ من خالل هذا ال ّ‬
‫تحول اإلخوة السبعة إلى طيور الحمام‬
‫التحول الثاني الذي حدث في الحكاية هو ّ‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫الخباز الذي نبت في مكان رماد الغولة التي‬
‫وذلك بعدما أكلوا من الطعام المتمثل في نبات ّ‬
‫قاموا بحرقها انتقاما منها لما فعلته بأختهم‪ ،‬وخوفا منها على أن تؤذيهم فقالت لهم " عاونثيي‬
‫أكنغنوغ ميغناكن ربي‪ ،‬ناناس لغنى نغ ذ كميني ينغان وتماثنغ‪ ،‬ثناياسن جيغاون غيغيغذ‬
‫إن غنانا في موتك ألنك حاولت‬
‫أمثريل" بمعنى‪ :‬ساعدوني سأغنيكم إن أغناكم اهلل وقالوا لها ّ‬
‫أن رمادها هو الذي سينتقم‬
‫ويعني هذا ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أن تقتلي أختنا‪ ،‬وقالت لهم سأترك لكم رمادي"‪،‬‬
‫منهم‪ ،‬فبقاء لعنة الغولة أو شرها في رمادها وبالتالي انتقاله إلى النبات الذي نما في الرماد‬
‫والذي بدوره أثر على اإلخوة في تحويلهم إلى طيور‪.‬‬

‫التحول ّأنه نوع من السحر حدث بفعل لعنة الغولة‪ ،‬كما‬


‫ّ‬ ‫أن نقول على هذا‬
‫ويمكننا ّ‬
‫يمكن تصنيفه حسب ما قاله فرايزر على أنه من سحر العدوى والذي يقول " أن األشياء التي‬
‫تتصل ببعضها البعض يبقى تأثيرها المتبادل مستم ار من بعيد بعد انقطاع االتصال المادي‬
‫بينهما"(‪ ،)2‬فرغم موت الغولة إالّ أنها استطاعت أن تترك شرها في رمادها وبالتالي انتقاله‬
‫إلى النبتة التي نمت فيه‪ ،‬ثم تأثيرها على اإلخوة بفعل اتصالهم بها عن طريق أكلها‪ ،‬وبالتالي‬
‫أن الغولة حققت انتقامها منهم بفعل تحويلهم إلى طيور‪ .‬وعن ذلك يقول‬
‫أن نقول ّ‬
‫يمكن ّ‬
‫فرايزر‪":‬علينا أن نالحظ أن اإلنسان ال ينقل الشر الذي يريد التخلص منه إلى اإلنسان اآلخر‬
‫فقط بل يمكن نقله إلى حيوان أو إلى شيء جامد‪ ،‬رغم أنه في الحالة األخيرة إنما يكون‬

‫‪ -1‬ذهبية حمادن‪ ،‬حكاية "منفية إخوتها السبعة "‪.‬‬


‫‪ -2‬جيمس فرايزر‪ ،‬الغصن الذهبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬

‫‪55‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫الشيء مجرد أداة ينقل عن طريقها المشكلة إلى أول شخص يلمسها"(‪ .)1‬ويشرح هذا المعتقد‬
‫بأمثلة من مختلف المناطق‪ ،‬والتي تقول ّأنه بإمكان اإلنسان أن ينقل شره إلى شخص آخر‪،‬‬
‫أو إلى حيوان أو شيء جامد وأول شخص يالمس ذلك الشيء ينتقل إليه الشر‪ ،‬فمثال‬
‫باستطاعته نقل أحزانه إلى شخص آخر بهذه الطريقة‪ ،‬وخاصة نقل األمراض والشفاء‬
‫منها(‪.)2‬‬

‫طلب اإلخوة السبعة من أختهم أن تعدهم بالصوم عن الكالم لمدة سبع سنوات لفك تلك‬
‫اللعنة التي حلّت بهم والعودة إلى حالتهم الطبيعية‪ ،‬وفت األخت بالعهد ألخوتها‪ ،‬فبعد مرور‬
‫سبع سنوات عاد اإلخوة إلى حالتهم بعد لقائهم مع أختهم‪.‬‬

‫تحول الشخصيات تحدث إما‬


‫خالصة‪ :‬الحظنا من خالل الحكايات القبائلية أن ظاهرة ّ‬
‫بفعل اللعنة‪ ،‬أو بفعل عقيدة األولياء‪-‬اإلحيائية‪.‬‬

‫التحوالت في حكايات ألف ليلة وليلة‬


‫ّ‬ ‫‪-2‬دراسة‬
‫انتقينا من كتاب ألف ليلة وليلة ثالث حكايات كنماذج للدراسة‪ ،‬وذلك الحتوائها على‬
‫ظاهرة تحول الشخصيات‪ ،‬بحيث تتحول فيها شخصية "اإلنسان" من طبيعة آدمية إلى طبيعة‬
‫حيوانية‪ .‬وهذه الحكايات هي‪ :‬حكاية "التاجر مع العفريت"‪ ،‬حكاية "الصياد مع العفريت"‪،‬‬
‫التحول‬
‫ّ‬ ‫وحكاية "بدر باسم ابن الملك شهرمان وابنة الملك السمندل"‪ ،‬فبماذا ارتبطت ظاهرة‬
‫في هذه الحكايات؟‬

‫حكاية التاجر مع العفريت‬


‫نجد في حكاية التاجر مع العفريت عدة تحوالت‪ ،‬منها ما قامت به زوجة التاجر األولى‬
‫إذ سحرت ابن زوجها من "الزوجة الثانية" إلى عجل‪ ،‬وسحرت هذه األخيرة إلى بقرة وذلك‬
‫بسبب غيرتها منها ألنها أنجبت لزوجها ولدا في حين هي لم ترزق باألبناء‪ ،‬ولتتخلص منهما‬

‫‪ -1‬جيمس فرايزر‪ ،‬الغصن الذهبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.687‬‬


‫‪ -2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.690-688‬‬

‫‪56‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫سلمتهما للراعي وأنكرت أمرهما على زوجها‪ ،‬وتذكر الحكاية أن الزوجة األولى تعلمت‬
‫السحر والكهنة منذ الصغر‪ ،‬فيقول التاجر‪" :‬كانت ابنة عمي هذه الغزالة هي تعلمت السحر‬
‫والكهانة من صغرها‪ ،‬فسحرت ذلك الولد عجال وسحرت الجارية أمه بقرة وسلمتهما إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫الراعي"‪.‬‬

‫المتحول إليه‪ ،‬بحيث أن‬


‫المتحول و ّ‬
‫ّ‬ ‫التحولين أن هناك عالقة بين‬
‫ّ‬ ‫والمالحظ من هذين‬
‫حولت‬
‫حول إلى عجل وهو من نفس الجنس (ذكر)‪ ،‬كذلك بالنسبة لألم هي أنثى ّ‬
‫الولد ّذكر ّ‬
‫إلى بقرة من نفس جنسها‪.‬‬

‫تحول المرأة إلى بقرة‪-‬مجسدة في األساطير القديمة‬


‫ونجد مثل هذه الظاهرة ‪-‬ظاهرة ّ‬
‫ألوفيد "وكان ج وبيتر قد توقع أن زوجته البد قادمة‪ ،‬فمسخ "إيو" ابنة إناخوس بقرة ذات‬
‫(‪)2‬‬
‫التحول ضلت جميلة فاتنة"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أرداف وضاءة‪ ،‬غير أنها على الرغم من هذا‬

‫دينية قديمة ضلت راسخة في‬


‫أن هذه الظاهرة ناتجة عن رواسب معتقدات ّ‬
‫يمكننا القول ّ‬
‫الذاكرة الشعبية‪.‬‬

‫تحوال آخ ار وهو الذي قامت به ابنة الراعي الذي استلم العجل‬


‫نجد من جهة أخرى ّ‬
‫والبقرة من الزوجة األولى للتاجر‪ ،‬بحيث قامت االبنة بإعادة العجل إلى صفته اآلدمية وذلك‬
‫بعدما اشترطت على التاجر بتزويجها منه‪ ،‬فقامت بأخذ طاسة ومألتها ماء ثم عزمت عليها‬
‫ورشت به العجل وقالت‪" :‬إن كان اهلل خلقك عجال فدم على هذه الصفة وال تتغير‪ ،‬وان كنت‬
‫(‪)3‬‬
‫مسحو ار فعد إلى خلقك األولى بإذن اهلل تعالى‪ ،‬واذا به انتفض وصار إنسانا‪".‬‬

‫وقامت أيضا بسحر زوجة التاجر األولى إلى غزالة وذلك خوفا من مكرها‪.‬‬

‫‪ -1‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورات دار المشرق‪ ،‬توزيع المكتبة الشرقية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1994 ،2‬ص‪.12‬‬
‫‪ -2‬أوفيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ -3‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬

‫‪57‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وهناك تحوال آخر يتعل ق بالشيخ‪ ،‬وهو ما قامت به أخت زوجته بحيث سحرت أخوي‬
‫(‪)1‬‬
‫الشيخ إلى كلبتين سلوقيتين‪ ،‬وذلك انتقاما منهما لمحاولتهما قتل أخيهما طمعا في ماله‪.‬‬

‫حولت زوجها‬
‫تحوال آخر من نفس النوع وهو ما قامت به زوجة الشيخ الثالث‪ ،‬إذ ّ‬
‫ونجد ّ‬
‫إلى كلب بعد ما وجدها مع رجل غريب في بيته‪ .‬فلما رأته عجلت وقامت إلى بكوز فيه ماء‬
‫فتمتمت علية ورشته وهي تقول "أخرج من هذه الصورة إلى صورة كلب"(‪ .)2‬فصار في الحال‬
‫كلبا‪ ،‬ورمته في الشارع فصار يمشي حتى وصل إلى دكان جزار وصار يأكل من العظام‪،‬‬
‫إال أن هذا الزوج لم يدم على صفة ‪-‬كلب‪-‬بل أعادته ابنة الجزار التي تعلمت السحر من‬
‫عجوز‪ ،‬فأخذت كأسا فيه ماء وتكلمت عليه فرشته به قائلة" أخرج من هذه الصورة إلى‬
‫صورتك األولى"(‪ ،)3‬فصار في الحال إلى صورته اآلدمية‪.‬‬

‫التحول إلى كلبتين سلوقيتين‪-‬أن األخوين بقيا على حالتهما‬


‫التحول األول – ّ‬
‫ّ‬ ‫نالحظ في‬
‫التحول إلى ذئب‪-‬أعادته ساحرة أخرى إلى‬
‫حول الثاني‪ّ -‬‬
‫ألنهما أذنبا في حق أخيهما‪ ،‬أما الت ّ‬
‫صورته األولى ألنه لم يقترف أي ذنب‪.‬‬

‫التحول والسبب يعود إلى مرافقة هذا الحيوان لإلنسان منذ‬


‫ّ‬ ‫فالكلب يتكرر في ظاهرة‬
‫القدم‪ ،‬فكانوا يصورون الكلب بصفات مختلفة‪ ،‬من جهة ذمه ومن جهة أخرى مدحه‪ ،‬ونجد‬
‫في كتاب الحيوان للجاحظ كالم كثير حول الكالب‪ ،‬فمثال قالوا عنه‪ ":‬من لؤمه أنهّ إذا‬
‫أسمنته أكلك‪ ،‬وان أجعته أنكرك‪ .‬ومن لؤمه إتباعه لمن أهانه‪ ،‬والفه لمن أجاعه‪ ،‬ألنه أجهل‬
‫من أن يأنس بما يؤنس به‪ ،‬وأشره وأنهم وأحرص وألج من أن يذهب بمطمعته ما يذهب‬
‫(‪)4‬‬
‫بمطامع السباع‪".‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ن‪.‬‬
‫‪ -4‬أبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ‪ ،‬كتاب الحيوان‪ ،‬تحقيق وشرح عبد السالم محمد هارون‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪،1995 ،2‬‬
‫ص‪.280‬‬

‫‪58‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كما وردت أساطير ك ثيرة عن الكالب ذات صفات عجيبة كأسطورة "في العالم السفلي"‬
‫بحيث توجد منطقة في العالم السفلي وهي "هاديس الجادية" ويقف على بابها حارس مخيف‬
‫كريبروس‪ ،‬وهو كلب متوحش ذو ثالثة رؤوس‪ ،‬وله ذيل تنين‪ ،‬ال يحاول هذا الكلب إطالقا‬
‫أن يتعرض لألشباح‪ ،‬ولكنه يهاجم بوحشية كل من يحاول الخروج‪.)1("...‬‬

‫في المقابل نجد ما قام به الشيخ الثالث إذ سحر زوجته إلى بغلة انتقاما لما فعلته به‬
‫وذلك بمساعدة ابنة الجزار بحيث طلبت منه أن يرشها بالماء عندما تنام في فراشها لكي‬
‫تصير كما يريد‪ ،‬ففعل ذلك وقال لها" أخرجي من هذه الصورة إلى صورة بغلة"(‪ ،)2‬وفعال‬
‫تحولت إلى بغلة‪.‬‬
‫ّ‬
‫نالحظ في هذه الحكاية أن التحوالت التي حدثت–تحول الشخصيات اآلدمية إلى‬
‫حيوانات‪-‬تحدث باستعمال الماء وطقوس وتعويذات‪ ،‬تقوم بها نساء تعلمن السحر‪.‬‬

‫حكاية الصياد مع العفريت‬


‫التحوالت وهي كما يلي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫نجد في هذه الحكاية أربعة أنواع من‬

‫النوع األول يتمثل في تحول الدخان الذي خرج من القمقم إلى عفريت مخيف‪.‬‬

‫حولت زوجها إلى نصف عبد ونصف‬


‫النوع الثاني‪ :‬ما قامت به زوجة الملك التي ّ‬
‫جماد‪ ،‬نصفه التحتاني إلى قدميه حجر ومن صرته إلى شعر أرسه بشر‪ ،‬انتقمت من زوجها‬
‫ألنه قام بمحاولة قتل عشيقها بعدما اكتشف خيانتها له‪ ،‬فتكلمت بكالم ال يفهم وقالت‪" :‬جعل‬
‫اهلل بسحري نصفك حج ار ونصفك اآلخر بشرا"‪ ،‬فحدث ذلك فعال‪.‬‬

‫حولت‬
‫فحولت أهل المدينة أسماكا‪ ،‬بحيث ّ‬
‫النوع الثالث‪ :‬قامت به زوجة الملك ّ‬
‫المسلمي ن إلى سمك أبيض‪ ،‬والماجوس إلى سمك أحمر‪ ،‬والنصارى إلى أزرق‪ ،‬واليهود إلى‬

‫‪ -1‬أمين سالمة‪ ،‬األساطير اليونانية والرومانية‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪ ،‬ص‪.108‬‬


‫‪ -2‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬

‫‪59‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫أصفر‪ ،‬وقامت كذلك بتحويل الجزر األربعة إلى جبال وأحاطتها بالبركة‪ ،‬وحدث كل ذلك‬
‫انتقاما من الزوج الذي حاول قتل عشيقها‪.‬‬

‫التحوالت التي قامت بها الساحرة‪-‬زوجة الملك‪-‬إلعادة كل من‬


‫ّ‬ ‫النوع الرابع‪ :‬وهي‬
‫حولتهم إلى حالتهم األصلية وهي كاآلتي‪:‬‬

‫حولته إلى نصف عبد ونصف حجر إلى حالته العادية بعدما‬ ‫قامت بإعادة زوجها الذي ّ‬
‫تحايل عليها الملك الذي ِّ‬
‫قدم من المدينة المجاورة‪ ،‬والذي قرر مساعدة الشاب رأفة عليه‪،‬‬
‫فطلب من الساحرة أن تعيده إلى حالته األصلية‪ ،‬وامتثلت هي لألمر اعتقادا منها أن عشيقها‬
‫هو الذي طلب منها ذلك "فأخذت طاسة ومألتها ماء ثم تكلمت عليها فصار الماء يغلي‬
‫بالقدر ثم رشته منه فقالت بحق ما تلوته أن تخرج من هذه الصورة إلى صورتك األولى‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فانفض وقام على قدميه‪".‬‬

‫كما أعادت األسماك والجزر األربعة إلى حالتهم األصلية بعدما أخذت من البركة قليال‬
‫من الماء وتكلمت عليه بكالم ال يفهم‪ ،‬فتحرك السمك ورفع رأسه وصاروا آدميين في الحال‪.‬‬

‫التحول إلى سمك في األساطير القديمة كأسطورة "بنات مينياس"‪ :‬أن هناك‬
‫ّ‬ ‫ونجد‬
‫تحولت إلى سمكة تسبح في إحدى‬
‫حكاية ديركيتس البابلية التي يعتقد شعب فلسطين أنها ّ‬
‫البحيرات بعدما أصبحت أطرافها حراشف‪ ،...‬أو قصة حورية الماء التي كانت تحول الرجال‬
‫(‪)2‬‬
‫أسماكا صماء بتعويذاتها وبأعشاب قوية‪...‬‬

‫حكاية "بدر باسم ابن الملك شهرمان وبنت الملك السمندل"‬


‫تحوالت وجاءت على النحو التالي‪:‬‬
‫نجد في هذه الحكاية ثالثة ّ‬
‫قامت جوهرة ابنة الملك السمندل بسحر بدر باسم ابن الملكة "جلنار إلى طائر من‬
‫أحسن الطيور بعدما ضمته وتكلمت بكالم ال يفهم وتفلت في وجهه وقالت له‪ ":‬أخرج من‬

‫‪ -1‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.26 ،25‬‬


‫‪ -2‬أوفيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪60‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫هذه الصورة البشرية إلى صورة طائر أحسن الطيور أبيض الريش أحمر المنقار والرجلين"‪.‬‬
‫وذلك انتقاما منه ألنه السبب في كل ما حدث لها ولوالدها ومملكته‪.‬‬

‫نجد من جهة أخرى ما فعلته الملكة "الب"‪-‬وهي ملكة إلحدى الجزر‪-‬بحيث كانت‬
‫تسحر كل من كان يعجبها من أهل مدينتها إلى حيوانات‪ ،‬وكذلك زوار جزيرتها من الرجال‪،‬‬
‫وذلك بعد أن تعاشر كل واحد أربعين يوما ثم تقوم بسحره‪ ،‬ومنهم أيضا زوجها الذي سحرته‬
‫تتحول إلى طائر كلما أرادت مجامعته‪.‬‬
‫إلى طائر أسود ألنه نظر إلى جارية‪ ،‬وكانت ّ‬
‫قام بدر باسم بمساعدة الشيخ البقال بسحر الملكة الب إلى بغلة‪ ،‬وذلك بعد ما أوكلها‬
‫من السويق الذي أعطاه إياه الشيخ‪ ،‬فبعد أن أكلت من ذلك السويق قام برشها بماء وقال لها‬
‫"اخرجي من هذه الصورة البشرية إلى صورة بغلة زرزورية " فصارت كذلك وأمره الشيخ أن‬
‫يضع لها اللجام وأالّ يسلمه ألي كان وغادر بها المدينة‪.‬‬

‫رجعت الملكة الب إلى حالتها األصلية بمساعدة أمها بعدما اشترت البغلة من بدر‬
‫باسم ونزعت عنها اللجام وحضنتها "وأخذت في يدها ماء ورشتها به وقالت يا ابنتي أخرجي‬
‫من هذه الصورة إلى الصورة التي كنت عليها‪ ،‬فانقلبت في الحال وعادت إلى صورتها‬
‫(‪)2‬‬
‫األولى‪".‬‬

‫قامت الملكة الب بسحر بدر باسم إلى طائر من أقبح الطيور‪ ،‬وذلك انتقاما منه لما‬
‫فعله بها‪ ،‬بحيث أخذت ماء ورشته به وقالت له "أخرج من هذه الصورة التي أنت فيها إلى‬
‫فتحول في الحال إلى طائر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬‫(‪)3‬‬
‫صورة طائر قبيح المنظر أقبح ما يكون من الطيور"‬

‫‪ -1‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫عودة بدر باسم إلى صورته األصلية بمساعدة والدته الملكة "جلنار"‪ ،‬بحيث أخذت ماء‬
‫بيدها ورشته به وقالت له‪" :‬أخرج من هذه الصفة إلى الصفة التي كنت عليها‪ ،‬فلم تُتمم‬
‫(‪)1‬‬
‫كالمها حتى انتفض وصار بش ار كما كان‪".‬‬

‫التحول إلى طائر يتكرر في الحكاية بكثرة‪ ،‬فالطائر شغل تفكير اإلنسان منذ‬
‫ّ‬ ‫نالحظ أن‬
‫القديم‪ ،‬بحيث نجده في معظم األساطير القديمة‪ ،‬كأسطورة "اإلغريق في أوليس ربة الشهرة"‬
‫(‪)2‬‬
‫أين تحول ساكوس ابن بريام إلى طائر يحلق بجناحين في األجواء‪.‬‬

‫(التحوالت)‪ ،‬تحول بنيفيلة إلى بومة بعدما دهنت‬


‫ّ‬ ‫وكذلك نجد في رواية الحمار الذهبي‬
‫كل جسمها بمرهم وأسرت بالمصباح كالم كثير ثم انتفضت فجأة وهزت أطرافها ثم تحولت‬
‫‪3‬‬
‫إلى بومة‪.‬‬

‫نالحظ في حكاية بدر باسم ابن الملك شهرمان وبنت الملك السمندل هذه أن التحوالت‬
‫التي حدثت ناتجة عن طقوس وتعويذات سحرية‪ ،‬ويتم فيها استعمال الماء بكثرة‪.‬‬

‫تعددت وتنوعت التحوالت الموجودة في الحكايات الثالثة‪ :‬حكاية التاجر مع العفريت‬


‫والصياد مع العفريت وحكاية بدر باسم وبنت الملك السمندل‪ ،‬حيث تتحول الشخصيات‬
‫اآلدمية إلى حيوانات‪ ،‬إما أرضية كالعجل‪ ،‬والبقرة‪ ،‬والكلب‪ ،...‬واما مائية كاألسماك‪ ،‬وكذلك‬
‫حيوانات مجنحة كالطيور‪ ،‬ونجد كذلك تحول الشخصيات إلى جماد مثل الشخصية اآلدمية‬
‫التحوالت ال تحدث عبثا بل عن طريق طقوس‬
‫ّ‬ ‫إلى حجر والجزر إلى جبال‪ .‬جميع هذه‬
‫وممارسات سحرية يقوم بها الساحر أو الكاهن ليؤثر على الضحية‪ ،‬وذلك إما بدافع الغيرة‬
‫وهذا ما رأيناه في حكاية التاجر مع العفريت عندما سحرت زوجة التاجر األولى ضرتها إلى‬
‫بقرة وابنها إلى عجل‪ ،‬وقد يكون كذلك بدافع االنتقام‪ ،‬فمثال في حكاية "التاجر مع العفريت"‬

‫‪ -1‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.51‬‬


‫‪ -2‬ينظر أوفيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.255‬‬
‫‪ ­3‬لوكيوس أبوليوس‪ ،‬الحمار الذهبي (التحوالت)‪ ،‬ترجمة‪ :‬عمار الجالصي‪ ،‬د ط‪ ،2000 ،‬ص‪.73‬‬

‫‪62‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫سحر الشيخ الثالث زوجته إلى بغلة بسبب خيانتها له‪ ،‬وكذلك في حكاية "بدر باسم ابن‬
‫الملك شهرمان وبنت الملك السمندل" سحرت جوهرة بدر باسم إلى طائر‪ ،‬ألنه كان السبب‬
‫في كل ما حصل لها ولوالدهاـ كما يمارس السحر أيضا بدافع الخوف‪ ،‬نجد ابنة الراعي التي‬
‫سحرت زوجة التاجر األولى إلى غزالة خوفا من مكرها‪ ،‬ونجد كذلك زوجة الشيح الثالث‬
‫التي سحرته إلى كلب‪ ،‬وذلك خوفا منه بعد خيانتها له‪.‬‬

‫تتكرر كلمة السحر في هذه الحكايات‪ ،‬وهذا إن د ّل على شيء إنما يد ّل على أن‬
‫التحول يحدث عن طريق السحر وذلك بممارسة بعض الطقوس‪.‬‬
‫ّ‬
‫تعود هذه الممارسات السحرية إلى الطقوس البدائية التي كان اإلنسان البدائي يمارسها‪،‬‬
‫وذلك لتفسير الظواهر التي كانت تشغل تفكيره والتي يجهل معطياتها المنطقية ويقف عاج از‬
‫أمامها‪ ،‬فلجأ إلى السحر لمواجهة غضب الطبيعة وما فيها من كوارث طبيعية‪ ،‬والليل‬
‫فكانت تمارس الطقوس السحرية من طرف‬ ‫(‪)1‬‬
‫والنهار‪ ،‬والشمس‪ ،‬وكذلك الحيوانات‪...‬الخ‪،‬‬
‫كبار القبائل وكهانها‪ ،‬إما فردية أو جماعة‪.‬‬

‫يرى "ميرسيا إلياد" أن بداية الطقوس السحرية تعود إلى الشعائر التي كان يقوم بها‬
‫صيادو العصر الحجري‪ ،‬فقد كانوا يحافظون على حياة الحيوانات‪ ،‬وال يصطادون منها إال ما‬
‫هم بحاجة إليه لغذائهم‪ ،‬وكانوا يحتفظون بالعظام وخاصة الجمجمة ألنها ذات قيمة شعائرية‪،‬‬
‫ففي اعتقادهم أنها تضم الروح والحياة للحيوان‪ ،‬فبفضلها يقوم رب الحيوانات بخلق حيوان‬
‫آخر من تلك العظام ‪ ،‬فهذه الطقوس الشعائرية شبيهة بالدين رغم أنها ال تحمل معنى‬
‫فمن هنا يمكننا القول أن السحر مرتبط بالدين‪ ،‬فنجد ذلك في حكايات "الف ليلة‬ ‫(‪)2‬‬
‫القدسية‪،‬‬
‫وليلة"‪ ،‬فرغم ممارسة السحرة للسحر إلى أنهم يؤمنون أن ذلك يحدث بقدرة اهلل تعالى فمثال‬
‫في حكاية "التاجر والعفريت" عندما فكت بنت الراعي السحر عن الولد الذي ُسحر إلى عجل‬

‫‪-1‬ينظر‪ :‬جيمس فرايز‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.91‬‬


‫‪ -2‬ينظر‪ :‬مرسيا إلياد‪ ،‬تاريخ المعتقدات واألفكار الدينية‪ ،‬ترجمة عبد الهادي عباس‪ ،‬دار دمشق‪ ،‬الشام‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1987/1986‬ص‪.21‬‬

‫‪63‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫قالت‪ :‬إن كان اهلل خلقك عجال فدم على هذه الصورة وال تتغير وان كنت مسحو ار فعد إلى‬
‫خلقك األولى بإذن اهلل تعالى(‪ .)1‬وكذلك جاء في حكاية "بدر باسم ابن الملك شهرمان وبنت‬
‫الملك السمندل " لما أعادت الملكة بدر باسم إلى حالته األصلية قالت " بحق هذه األسماء‬
‫العظام واآليات الكرام وبحق اهلل تعالى خالق السماوات واألرض ومحيي األموات‪ ،‬وقاسم‬
‫األرزاق واآلجال أن تخرج من هذه الصورة التي أنت فيها وترجع إلى الصورة التي خلقك اهلل‬
‫عليها"‪ 2‬ونالحظ من خالل هذه الحكايات أن استعمال الدين‪-‬ذكر اهلل‪-‬يرتبط بالمواقف‬
‫الخيرية أي المواقف التي يبطل فيها الشر‪ .‬فرغم تطور الدين من تعدد اآللهة إلى عقيدة‬
‫التوحيد نجد السحر إلى جانب الدين‪ ،‬فحسب رأي "هربرت سبنسر" "أن السحر يحدد نموذجا‬
‫بدائيا للدين يقوم على العالقات المتجانسة وعبادة األسالف ولكنه كممارسة قابل للتكيف مع‬
‫تطور الدين‪ ،‬بحيث يستطيع الدين والسحر التعايش معا‪ )3(".‬وهذا ما رأيناه من خالل حكايات‬
‫ألف ليلة فرغم تطور الدين والفكر البشري إال أننا نجد اإليمان بالسحر ال يزال موجودا حتى‬
‫في المجتمعات المتقدمة‪.‬‬

‫رغم اختالف بعض العلماء االنثروبولوجيين في بعض المبادئ إال أن موقفهم من‬
‫السحر واحد‪ ،‬فيرى "جيمس فرايزر" أن الفكر اإلنساني مر بثالث مراحل بداية من السحر‬
‫إلى الدين ثم العلم‪ ،‬فجميع الشعوب على اختالف ثقافتها تحقق التقدم في نهاية المطاف‪،‬‬
‫ولقد أشار إلى أن السحر جاء قبل الدين‪ ،‬فالدين إيمان بقوى أعلى من قدرة البشر‪ ،‬فهو نشأ‬
‫عن إ دراك أن السحر قد فشل‪ ،‬إال أن الطقوس والصلوات المصاحبة للدين هي من طبيعة‬
‫العزائم السحرية وتطورت ودخلت في صلب الدين(‪ ، )4‬فقد سبقه "تايلور" للحديث عن الدين‬
‫والسحر فميز بينهما‪ ،‬فالدين يرتكز في االعتقاد على وجود كائنات روحية‪ ،‬وهذه األرواح‬

‫‪ -1‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ -3‬أوين ديفيز‪ ،‬السحر‪ ،‬ترجمة رحاب صالح الدين‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪/‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2014 ،1‬ص‪.20‬‬
‫‪-4‬ينظر‪ :‬جيمس فرايزر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.77‬‬

‫‪64‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫يمكن تقيي دها عن طريق "الفتشية" أي التعبد لتلك األشياء التي تسكنها األرواح‪ ،‬أما السحر‬
‫يرتكز على التماثل واالرتباط في األشياء التي تشبه بعضها البعض في الفكر السحري يعتقد‬
‫بأنها متصلة سببيا أحدهما باآلخر وباستخدام بعض األساليب السحرية المعينة‪ ،‬فمن الممكن‬
‫أن تتأثر تلك األشياء بما يماثلها‪ ،‬وبالتالي فالسحر مثل العلم لكنه يرتكز على تعاليل باطلة‪،‬‬
‫فأول علم عرفه‬ ‫(‪)1‬‬
‫فقد أطلق تايلور على هذا العلم مصطلح العلم الزائف لوصف السحر‪.‬‬
‫اإلنسان هو السحر‪ ،‬ثم بدأ عقله ينمو‪ ،‬وينضج‪.‬‬

‫ظهر الدين بعدما فشل السحر فتبين لإلنسان عدم إخضاعه لتلك الترابطات الزائفة‬
‫وبالتالي البد من وجود قوى خارقة تقف وراء المظاهر المتبدية لهذا العالم‪ ،‬فبدأت مرحلة‬
‫جديدة تتميز بالتقريب من تلك القوى واجتذاب عطفها وهو الدين فتطور إلى شقين‪ :‬الشق‬
‫األول اعتقادي يستخدم األسطورة أداة للمعرفة والكشف والفهم‪ ،‬والثاني طقسي يستهدف‬
‫ونفهم من هذا الكالم أن األساطير ظهرت لفهم محتوى هذا‬ ‫(‪)2‬‬
‫إرضاء اآللهة والتعبد لها‪،‬‬
‫الدين وتستخدم الطقوس للتقرب من اآللهة‪.‬‬

‫فاألعمال السحرية والتعويذات والطقوس التي مورست في حكايات "ألف ليلة وليلة"‬
‫والتي عن طريقها تتحول الشخصيات من طبيعة إلى طبيعة أخرى كالكالم في الماء والرش‬
‫به هي بقايا معتقدات دينية قديمة‪.‬‬

‫فيرى العالم الفرنسي "سانت بيف" أن الحكاية الخرافية هي بقايا طقوس قديمة على أية‬
‫حال‪ ،‬فإن الدارسين والمهتمين بدراسة منشأ الخرافة والحكاية الخرافية يرون فيها جانبا‬
‫(‪)3‬‬
‫أسطوريا إال أنها تختلف عن األسطورة بشيء من منشئها وشيء من أسلوبها األدبي‪.‬‬
‫فتتشابه الحكايات الخرافية حكايات "ألف ليلة وليلة" مع األساطير القديمة في بعض سيماتها‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬جاك لومبار‪ ،‬مدخل إلى األنثروبولوجيا‪ ،‬ترجمة حسن قبيسي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص‪.75‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬فراس السواح‪ ،‬مغامرة العقل األولى‪ ،‬دراسة في األسطورة وبالد الرافدين‪ ،‬دار الكلمة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪،‬‬
‫ص‪.11‬‬
‫‪ -3‬حسن الباش‪ ،‬موقف اإلسالم من السحر والخرافة‪ ،‬د ط‪ ،‬دار حطيت للدراسات والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬بغداد‪ ،‬د ت‪ ،‬ص‪.60‬‬

‫‪65‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫كالطقوس الممارسة والكالم في الماء والرش به‪ ،‬العفاريت والجن‪ .‬كأسطورة "جاسون وميديا"‪،‬‬
‫أين قامت ميديا ببعض الطقوس لتطلب العون من اآللهة‪ ،‬كالدوران حول نفسها والرش بمياه‬
‫النهر‪ ،‬وأخذت تهمهم منادية لليل والنجوم والتعاويذ السحرية‪ ،‬كما جمعت عقاقير وأعشاب‬
‫(‪)1‬‬
‫من الجبال واألنهار‪...‬‬

‫إن الطقوس والممارسات السحرية هي بقايا األساطير القديمة‪ ،‬انتقلت جيل عن جيل‬
‫ّ‬
‫شفاهة‪ ،‬فمع تقدم الفكر البشري وتطور الدين تهاوت هذه األساطير وتراجع دورها‪ ،‬فظهرت‬
‫الحكايات الشعبية الخرافية الشبيهة لتلك األساطير في بعض الجوانب‪ ،‬والمخالفة لها في‬
‫العقيدة الدينية‪-‬من تعدد اآللهة إلى عقيدة التوحيد‪.‬‬

‫‪ -1‬أوفيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.155‬‬

‫‪66‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫التحول في الحكاية الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‬


‫ّ‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫أنتروبولوجية مقارنة"‬
‫ّ‬ ‫"مقاربة‬
‫تتشابه الحكايات الشعبية في أحداثها رغم اختالف الثقافات وتباعد المسافات‪ ،‬وقد يعود ذلك‬
‫إلى عيش تلك المجتمعات لألحداث نفسها‪ .‬ومن أهم نقاط تشابه الحكايات على المستوى العالمي‬
‫والعربي والمحلي ظاهرة تحول الشخصيات‪ .‬وسندرس هذه الظاهرة دراسة مقارنة بين الحكايات‬
‫القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‪ ،‬محللين نقاط التشابه ونقاط االختالف‪.‬‬

‫التحول‪ :‬أوجه التشابه بين الحكاية الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‬
‫‪ّ -1‬‬
‫تحول بعض الشخصيات‬
‫تتشابه الحكايات القبائلية بحكايات ألف ليلة وليلة في ظاهرة ّ‬
‫تحول‬
‫تحول الولد إلى تيس‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫اإلنسانية إلى حيوانية‪ ،‬ففي الحكايات القبائلية نجد ّ‬
‫تحول ابن التاجر إلى عجل‬
‫اإلخوة السبعة إلى طيور‪ ،‬أما في حكايات ألف ليلة وليلة نجد ّ‬
‫وتحول أخوي الشيخ الثاني إلى‬
‫ّ‬ ‫وأمه إلى بقرة‪ ،‬وكذلك زوجة التاجر األولى إلى غزالة‪،‬‬
‫تحول الشاب إلى‬
‫كلبتين‪ ،‬وزوجة الشيخ الثالث إلى بغلة‪ ،‬وفي حكاية الصياد والعفريت ّ‬
‫تحول أهل المدينة إلى أسماك‪ ،‬أما في حكاية "بدر باسم ابن‬
‫نصف عبد ونصف حجر‪ّ ،‬‬
‫تحول بدر باسم إلى طائر‪ ،‬والملكة الب إلى بغلة‪.‬‬
‫الملك شهرمان وابنة الملك السمندل" نجد ّ‬
‫وتتشابه الحكايات القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة أيضا في احتفاظ بعض شخصياتها‬
‫تحولها إلى حيوان‪-‬ببعض سيمات وخصائص جنسها التي كانت عليه قبل‬
‫اإلنسانية ‪-‬بعد ّ‬
‫تحول الولد إلى تيس احتفظ بخاصيته‬
‫التحول‪ ،‬ففي حكاية "بقرة اليتامى" القبائلية‪ ،‬بعدما ّ‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية المتمثلة في العقل واإلدراك وبقي يتواصل مع أخته بالكالم‪ ،‬وتجسد ذلك في حديثه‬
‫أتسوزﭭن أكل‬
‫ا‬ ‫مع أخته التي سقطت في البئر بحيث قال لها‪" :‬أوتما ذ فافا ذ يما أمان‬
‫بمعنى يا أختي من أبي وأمي‪ ،‬الماء يغلي‪ ،‬والجزار‬ ‫(‪)1‬‬
‫أيسمساذ أجنويس إوكن أيزلون"‪.‬‬
‫يحضر سكينه لذبحي‪.‬‬

‫‪ -1‬حكاية بقرة اليتامى‬

‫‪67‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وفي حكاية "بدر باسم ابن الملك شهرمان وابنة الملك السمندل"‪-‬من حكايات ألف ليلة‬
‫تحول إلى طائر بقي محتفظا ببعض صفاته اإلدراكية وحاسته‬
‫وليلة‪-‬نجد بدر باسم بعدما ّ‬
‫الذوقية كإنسان فكان يأكل من غذاء وطعام البشر ويشرب خمورهم‪ ،‬وتجسد ذلك في " فلما‬
‫نظر الطير إلى اللحم والحلويات والفواكه أكل من جميع ما في السماط الذي قدام الملك"‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫التحول إلى هيئة أخرى هو انفصال بين الجسد والوعي أو العقل‪،‬‬


‫ّ‬ ‫يمكننا أن نفهم بأن‬
‫فالمتحول‬
‫ّ‬ ‫فالهوية البشرية حاضرة في الممسوخ رغم التغير في الشكل الخارجي للشخصية‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يعيش بين ثنائية (االنفصال‪ /‬االتصال)‪.‬‬

‫ومن التشابهات بين الحكايات –القبائلية والعربية‪-‬استعمال الماء كسبب رئيسي في‬
‫التحول حينا‪ ،‬أو كمساعد في حدوثه حينا آخر‪ .‬ففي الحكاية القبائلية "بقرة اليتامى"‬
‫ّ‬ ‫حدوث‬
‫تحول‬
‫تحول الولد إلى تيس عندما شرب من النبع‪ ،‬وفي حكاية أخرى "منفية إخوتها السبعة"‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫لون بشرة الفتاتين بعدما غسلتا من النبع‪ .‬ففي كلتا الحكايتين كان الماء هو السبب في‬
‫التحول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حدوث‬

‫التحول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واذا انتقلنا إلى حكايات ألف ليلة وليلة‪ ،‬نجد تشابها في استخدام الماء إلحداث‬
‫فتحول إلى كلب‪،‬‬
‫ففي حكاية التاجر مع العفريت تكلمت زوجة التاجر في الماء ورشته به ّ‬
‫ونجد أيضا الشيخ الثالث الذي قام برش زوجته بالماء وقال لها أخرجي من هذه الصورة التي‬
‫أنت عليها إلى صورة بغلة فتحولت في الحال(‪ ،)3‬وفي حكاية بدر باسم لما حول الملكة‬
‫"الب" إلى بغلة بعد أن أوكلها من سويقه وقام برشها بالماء وقال لها أخرجي من هذه الصورة‬
‫إلى صورة بغلة فتحولت في الحين‪ ،‬وكذلك لما أعادتها أمها إلى صورتها البشرية قامت‬
‫برشها بماء وقالت لها يا ابنتي أخرجي من هذه الصورة إلى الصورة التي كنت عليها فعادت‬

‫‪ -1‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ -2‬ينظر‪ :‬نبيل حمدي الشاهد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.371‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬

‫‪68‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫إلى صورتها في الحال‪ ،‬وقامت الملكة الب وأخذت ماءا ورشت به بدر باسم وقالت له‪:‬‬
‫أخرج من هذه الصورة التي أنت فيها إلى صورة طير قبيح المنظر‪ ،‬فتحول إلى ذلك"(‪.)1‬‬

‫وال تقتصر ظاهرة الرش بالماء على الثقافة الشرقية فقط‪" ،‬والطريف أن رش الماء وما‬
‫له من مقدرة سحرية ال يقتصر على الحكايات الشرقية‪ ،‬ففي األساطير اإلغريقية‪ ،‬تعمد‬
‫اإللهة (ديانا) إلى تحويل (اختيون ‪ )Actaeon‬إلى غزال‪ ،‬ألنه رآها تستحم عارية وذلك بأن‬
‫رشت على وجهه قليال من الماء الذي كانت تستحم به"(‪.)2‬‬

‫تحول الشخصية اآلدمية إلى طائر في كلتا الحكايات‪ ،‬ففي‬


‫ومن أوجه التشابه أيضا ّ‬
‫تحول اإلخوة السبعة إلى طيور‪ ،‬وفي حكاية‬
‫حكاية "منفية إخوتها السبعة"–القبائلية ‪-‬نجد ّ‬
‫أخرى "بقرة اليتامى" شهدنا تجسد روح األم في هيئة طائر‪ ،‬كما نجد في حكايات ألف ليلة‬
‫تحول إلى طائر على‬
‫وليلة "حكاية بدر باسم ابن الملك شهرمان وابنة الملك السمندل" الذي ّ‬
‫تحول إلى‬
‫تحول إلى طائر من أحسن الطيور‪ ،‬أما في المرة الثانية ّ‬
‫مرتين‪ ،‬في المرة األولى ّ‬
‫طائر من أقبح الطيور‪ .‬وقد يدل ذكر الطائر في كلتا الحكايات على مكانته لدى الشعوب‪،‬‬
‫والطائر بصفة عامة لديه دالالت رمزية مختلفة باختالف نوعه‪ ،‬واختالف مكانته في‬
‫الثقافات‪.‬‬

‫ونجد أيض ا في تراثنا القبائلي حكايات أخرى عن تحول الشخصيات إلى طيور‪،‬‬
‫تحولت إلى حمامة‪ ،‬و"الحافلة برواسب المعتقدات الدينية الغابرة‬
‫كحكاية "زلقما" التي ّ‬
‫كاإلحيائية وعقيدة عبادة األولياء التي يجسدها رمز الحمام المرتبط كثي ار بعالم األموات‬
‫األحياء‪ .‬وكثي ار ما نسمع عن أخبار األولياء الصالحين الذين يتحولون إلى طيور‪ .‬فالشيخ‬

‫‪ -1‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.50‬‬


‫‪ -2‬بثينة الناصري‪ ،‬الحكاية الشعبية (دراسة وتحليل)‪ ،‬ناشرون‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬د ط‪ ،2017 ،‬ص‪.57‬‬

‫‪69‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫تتحول إلى حمامة كل وقت صالة‬


‫ّ‬ ‫يتحول إلى باز وحمام‪ ،‬واللة خديجة‬
‫ّ‬ ‫محند أولحسين‬
‫لتطير وتصلي ببيت اهلل بمكة وترجع فتسترجع هيئتها اإلنسية"(‪.)1‬‬

‫وأما عن تجسد الروح في كائن آخر حسب ما يرى مرسيا إلياد فهو معتقد ديني بحيث‬
‫يقول‪ ":‬أما بالنسبة لالعتقاد بالتقمص ‪ Métempsycose‬فإن اإليضاح التقدمي من قبل‬
‫سيزار مبدأ « هو أنه بصورة خاصة مناسب إلثارة الشجاعة مزيال الخوف من الموت»‪ .‬وهو‬
‫بكل بساطة التفسير العقلي لعقيدة في استم اررية حياة الروح‪ ...‬ويقرر ديودور الصقلي «أن‬
‫أرواح البشر هي خالدة وترجع في عدد من السنين إلى جسد آخر»"(‪ .)2‬فباعتبار الحيوانات‬
‫األليفة قريبة لإلنسان‪ ،‬قد تتجسد روحه بعد موته في تلك الحيوانات التي كانت تعيش معه‪" ،‬‬
‫إن الصيادين البدائيين يعتبرون الحيوانات مشابهة للبشر ولكنها ممهورة بقدرات فوق طبيعية‪،‬‬
‫يتحول إلى حيوان وبالعكس‪ ،‬وأن أرواح الموتى يمكنها‬
‫وهم يعتقدون أن اإلنسان يمكن له أن ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الدخول في الحيوانات‪ ،‬وفي النهاية توجد عالقة سرية بين شخص وحيوان فردي‪".‬‬

‫ومن نقاط التشابه األخرى ذكر البقرة في كل من الحكايات‪ ،‬في حكاية بقرة اليتامى –‬
‫تجسد‬
‫القبائلية‪ ،-‬وفي حكاية التاجر مع العفريت –من حكايات ألف ليلة وليلة‪ ،-‬ففي األولى ّ‬
‫تحول زوجة التاجر إلى بقرة‪.‬‬
‫روح األم في البقرة‪ ،‬وفي الثانية ّ‬
‫التحول‪ :‬أوجه االختالف بين الحكايات القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‬
‫‪ّ -2‬‬
‫أهم النقاط التي تختلف فيها الحكايات القبائلية مع حكايات ألف ليلة وليلة‪:‬‬

‫تختلف حكايات ألف ليلة وليلة عن الحكايات القبائلية في وجود عدة تحوالت في تلك‬
‫التحول‬
‫الحكايات لم تذكر في الحكايات القبائلية وهي على النحو التالي‪ :‬التحول إلى بغلة‪ ،‬و ّ‬

‫‪ -1‬زهية طراحة‪ ،‬الحكاية العجيبة وحكاية األحزمة بقرى منطقة القبائل‪-‬مقاربة إثنولوجية‪Revue Science and ( :-‬‬
‫‪vidéo. Des écritures multimédia en sciences humaine. N8. Varia. Liée à l’université de‬‬
‫‪)Provence. France 2015.‬‬
‫‪ -2‬مرسيا إلياد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.166‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.20‬‬

‫‪70‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫تحول مخالف تماما لما يرد في‬


‫التحول إلى غزالة‪ ،‬وهناك ّ‬
‫التحول إلى كلب‪ ،‬و ّ‬
‫إلى عجل‪ ،‬و ّ‬
‫التحول إلى سمك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحكايات القبائلية وهو‬

‫ظاهرة تحول الشخصيات في الحكايات القبائلية هي ظاهرة عادية ال تحدث بفعل‬


‫تحول‬
‫السحر‪ ،‬ويقول الرواة على أنها تحدث بقدرة اهلل تعالى‪ ،‬فمثال في حكاية بقرة اليتامى ّ‬
‫الولد إلى تيس بعد شربه من نبع الحيوان‪ ،‬فهم يؤمنون أن ذلك النبع وجد بتلك الصفة من‬
‫للتحول في‬
‫ّ‬ ‫يتحول إلى حيوان‪ ،‬وكذلك بالنسبة‬
‫عند اهلل‪ ،‬فبقدرته عندما يشرب منه اإلنسان ّ‬
‫لون بشرة الفتتين في حكاية منفية إخوتها السبعة‪ .‬والينابيع معروفة منذ القدم في مختلف‬
‫الثقافات‪ ،‬بحيث كانت هناك بعض الينابيع تقام لها طقوس‪ ،‬باعتبارها مولدة للحياة‬
‫والخصب‪ ،‬وهناك بعض منها موهوبة بقدرة التجديد والشفاء‪ ،‬وكانت تجتذب إليها حجاجا‬
‫ومرضى كانوا يقدمون لها نذو ار‪ ،‬وغالبا ما كانت هذه الينابيع تسمى بأسماء الربات األمهات‬
‫كماتري أو ماتروني‪ ،Matrae ou Matronae‬أو لربة شافية‪ ،‬مثل دامونا(‪ )Damona‬أو‬
‫سيرونا (‪ ،... )Sirona‬وكانت بعض الينابيع أماكن للعبادة‪ ،‬ومن بينها النبع الروماني‬
‫«نيموزوس» في «نيمس» المسمى معبد ديانا‪ .‬ومن أكثرها أهمية ينبوع «دزاقوان» في تونس‬
‫الذي كان يغذي قرطاجة الرومانية(‪.)1‬‬

‫التحول بفعل السحر‪ ،‬فيكون فيه دائما ذكر‬


‫ّ‬ ‫وفي حكايات ألف ليلة وليلة تحدث ظاهرة‬
‫للساحر (أو الساحرة)‪ ،‬وعلى أنه تعلم السحر والكهنة منذ الصغر‪ ،‬وفيه ذكر للسحرة كملوك‪،‬‬
‫وهذه الظاهرة‪-‬السحرة كملوك‪-‬معروفة منذ القدم‪ ،‬فحسب الدراسات التي قام بها فرايزر يقول‬
‫أن معظم الشعوب القديمة كان يترأسها مجموعة سحرة ومنهم قواد‪ ،‬ومنهم من يقوم بالحرص‬
‫ّ‬
‫على تأمين األكل ألهل قبيلتهم ومنهم من يحرص على إنزال المطر وكل ذلك عن طريق‬
‫تحول إلى قائد‪ ،‬فمثال من بين‬
‫السحر‪ .‬وهناك أدلة كثيرة تبين أن صانع المطر هو الذي ّ‬

‫عباس‪ ،‬دار دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪،1992 ،1‬‬


‫الفن‪-‬األديان‪-‬الحياة‪ ،‬ترجمة عبد الهادي ّ‬
‫‪ -‬ينظر‪ :‬فيليب سيرنج‪ ،‬الرموز في ّ‬
‫‪1‬‬

‫ص‪.356/355‬‬

‫‪71‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫وامبوغي وهم أهل بانتو في أفريقيا الشرقية كان الشكل الجوهري للحكومة هو جمهورية‬
‫العائلة لكن سلطة السحرة الهائلة التي انتقلت بالوراثة سرعان ما رفعتهم إلى مصاف مالكين‬
‫(‪)1‬‬
‫صغار أو قواد‪.‬‬

‫تدل هذه األمثلة على أن الساحر العام وصانع المطر على وجه الخصوص تحول إلى‬
‫ملك في إفريقيا‪ .‬فالرهبة التي يفرضها الساحر والثروة التي يكدسها من مهنته ساهما في‬
‫الرفع من شأنه(‪ .)2‬وفي ساحل الحبوب تقع مسؤولية صحة المجتمع على الكاهن األكبر‬
‫(‪)3‬‬
‫وكذلك مسؤولية خصوبة التربة ووفرة السمك في البحر واألنهار‪.‬‬

‫ومن أسباب اللجوء إلى السحر اعتباره كوسيلة للدفاع عن النفس‪ ،‬فمثال في حكاية‬
‫التاجر والعفريت قامت ابنة الراعي بسحر زوجة التاجر إلى غزالة خوفا منها ولتأمن نفسها‬
‫من مكرها‪ .‬وكذلك في الحكاية نفسها نجد ابنة الجزار ساعدت التاجر كي يسحر زوجته إلى‬
‫بغلة حماية لنفسه منها‪ .‬كما يستعمل أيضا كوسيلة لتحقيق أهداف شريرة واالنتقام من‬
‫سحرت الملكة الب كل من عاشرتهم من الرجال إلى حيوانات‬
‫اآلخرين‪ ،‬ففي حكاية بدر باسم ّ‬
‫حولها بدر باسم بمساعدة الشيخ إلى بغلة انتقاما منها لما حاولت‬
‫حبا في تملكهم‪ ،‬وكذلك لما ّ‬
‫ّ‬
‫فعله به ولما فعلته بالرجال اآلخرين من قبله‪.‬‬

‫تحول الشخصيات اآلدمية إلى حيوانية من الحكايات‬


‫تختلف طريقة حدوث ظاهرة ّ‬
‫القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‪ ،‬فالحكايات القبائلية خالية من تلك الطقوس التي تقام‬
‫التحول عن طريق ممارسة‬
‫ّ‬ ‫لحدوث عملية السحر‪ ،‬وفي حكايات ألف ليلة وليلة‪ ،‬فيحدث فيها‬
‫طقوس سحرية تتمثل في الكالم في الماء والرش به‪ ،‬أو عن طريق البصاق‪ ،‬ونجد أيضا أكل‬
‫من السويق والرش بالماء‪...‬الخ‪ ،‬فهذه كلها عبارة عن طقوس وممارسات يقوم بها الساحر‬
‫للتأثير على من يرغب به‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬جيمس فرايزر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.122‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.125‬‬

‫‪72‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ومثل هذا الفعل أو الطقس نجده في الثقافة اإلسالمية وهو التداوي بالقرآن والهدف منه‬
‫هو الخير وابعاد األذى والشفاء من بعض األمراض التي تصيب اإلنسان بفعل أخيه اإلنسان‬
‫المس‪ ،...‬بحيث يقوم الراقي بتالوة‬
‫السحر‪ ،‬و ّ‬
‫الجن‪ ،‬مثل الشفاء من العين الحاسدة‪ ،‬و ّ‬
‫أو بفعل ّ‬
‫بعض اآليات القرآنية في الماء أو الزيت أو ما شابه ذلك وينفخ فيها ثالث مرات‪ ،‬ويقوم‬
‫المريض بالشرب من ذلك الماء أو بالغسل به‪.‬‬

‫وتختلف أيضا هذه الحكايات في شخصيتي الغولة والعفريت‪ ،‬بحيث صادفتنا شخصية‬
‫تحول اإلخوة‬
‫الغولة في الحكاية القبائلية "حكاية منفية إخوتها السبعة"‪ ،‬التي كانت السبب في ّ‬
‫إلى طيور‪ ،‬وتعرف الغولة بضخامتها وبشكلها المخيف وقوتها أيضا‪ .‬ففي هذه الحكاية رغم‬
‫موت الغولة إالّ أن شرها ولعنتها بقيت في رمادها والذي بسببه تحول اإلخوة إلى طيور‪ .‬أما‬
‫في حكايات ألف ليلة وليلة نجد شخصية العفريت وهو ذو شكل مخيف‪ ،‬ويذكر في بعض‬
‫الجن كحكاية التاجر والعفريت‪ ،‬كما له قدرات سحرية كالطيران‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحكايات على أنه من‬
‫التحول إلى شكل دخان‪.‬‬
‫و ّ‬
‫اآلدمية‬
‫ّ‬ ‫حولت إليها الشخصيات‬
‫‪-3‬رمزية الحيوانات التي ّ‬
‫‪-1-3‬رمزية الحيوانات األرضية‪:‬‬
‫البقرة‪:‬‬

‫تعتبر البقرة حيوانا مقدسا في بعض الثقافات القديمة مثل الحضارة المصرية‪ ،‬بحيث أن‬
‫"أكثر ما مثل الفن المصري‪ ،‬البقرة المقدسة‪ ،‬أيضا‪ :‬فهي الربة «حاتور» الحامية للفرعون‪ ،‬أو‬
‫(‪)1‬‬
‫مرضعته لكي تنفث فيه اللبن اإلالهي‪ ،‬وحياة اآللهة نفسها‪.‬‬

‫و"حظيت البقرة في الهند بأسمى مكانة وهي من المعبودات الهندية التي لم تضعف‬
‫مر السنين وتوالي القرون ففي الفيدا حديث عن قدسيتها والصالة لها‪ .‬وال تزال‬
‫قداستها مع ّ‬

‫الفن‪-‬األديان‪-‬الحياة‪ ،‬ترجمة عبد الهادي عباس‪ ،‬دار دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬ط‪ ،1992 ،1‬ص‪.54‬‬
‫‪ -‬فيليب سيرنج‪ ،‬الرموز في ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪73‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫البقرة حتى األن تحتفظ بهذه القدسية ففي األدب المنسوب للمهاتما غاندي تفسير لما حظيت‬
‫به البقرة قديما وحديثا من نفوذ ديني"(‪.)1‬‬

‫الثور (العجل)‪:‬‬

‫" غالبا ما كان الثور في الفن القديم رمز القوة والقدرة‪ ،‬وذلك منذ عصر ما قبل التاريخ‬
‫‪ ...‬الثور الممثل للملك وهو يدحر عدوا ويرمز للقوة‪ ،‬ولكنه وبصورة خاصة رمز للخصب‪.‬‬
‫وقد كان الثور "آبيس" منذ عهد األسرة الملكية المصرية األولى‪ ،‬اإلله الزراعي رمز التوالد‬
‫والقوة المخصبة وكان موضوعا للعبادة ‪ ...‬وكان هذا يحنط عندما يموت"(‪.)2‬‬

‫ونجد أيضا الثور في األناضول كعالمة للخصب حيث هو رمز إلله العاصفة كما نجد‬
‫هذا لدى الكثير من شعوب آسيا الغربية التي كان لها في األصل ديانة أسيانية بدائية شائعة‬
‫عندهم‪ ...‬وتباعا أصبح الثور أيضا رم از في كل حضارات عالم البحر المتوسط تقريبا(‪.)3‬‬

‫الكلب‪:‬‬

‫هو الشكل الذي يتقمصه اإلله «أنوبيس» عند المصرين‪.‬‬

‫والكلب حيوان غير طاهر في الشريعة اإلسالمية وبعضهم يمجده حيث يقولون بأنه‬
‫كان يرافق محمدا عند دخوله مكة‪ ...‬فهو رمز الوفاء‪ .‬وعند شعوب السلت‪ ،‬كان الكلب على‬
‫األغلب حيوان الموتى‪ ،‬ومزال يعرف حتى يومنا في الخرافات اإليرلندية بالشيطان بل‬
‫(‪)4‬‬
‫بمفترس الجيف‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد شلبي‪ ،‬مقارنة األديان –أديان الهند الكبرى‪-‬الهندوسية الجينية والبوذية‪ ،‬دار النشر مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫ط‪ ،2000 ،11‬ص‪.28‬‬
‫‪ -2‬فيليب سيرنج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ -4‬نفسه‪ ،‬ص‪.75-74‬‬

‫‪74‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫التيس‪:‬‬
‫يعتبر التيس في البحر األبيض المتوسط رم از للخصب‪ ،‬بحيث يتكرر أحد الرجال في‬
‫صورة تيس أثناء حصاد القمح وهو في ذلك يمثل البداءة والطبيعة البرية‪ ،‬ويمثل اآلخرون‬
‫الذين يجنون القمح األرض المستثمرة واالستقرار‪ ،‬ويتظاهرون بقتل التيس وربطه مع جراب‬
‫من القمح وذلك من أجل البذور التي سوف تأتي‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫والتيس في الثقافة القبائلية هو حيوان يربيه اإلنسان على أنه مصدر رزقه‪ ،‬ويقومون‬
‫بذبحه في المناسبات‪ ،‬كما يستعمل في بعض األحيان للشفاء من بعض األمراض‪ ،‬كإخراج‬
‫الجن من جسم اإلنسان‪ ،‬فيقوم أهل المريض بذبح التيس من أجل ذلك‪ ،‬ويطهى جزء منه‬
‫(‪)2‬‬
‫للمريض ليأكله والباقي يدفن كما هو بعيدا عن مسكنهم‪.‬‬

‫‪-2-3‬رمزية الحيوانات المجنحة‪:‬‬


‫الطيور‪:‬‬

‫يقول مرسيا الياد حول رمزية الطيور أنه "يجب أن يأخذ دائما في الحسبان التجربة‬
‫البدئية لقداسة السماء وا لظواهر السماوية والفضائية‪ .‬إنها واحدة من التجارب النادرة التي‬
‫تظهر عفويا ‪/‬العظمة‪ /‬والسمو‪ .‬إضافة لذلك الصعودات الوجدية للشامان‪ ،‬ورمز الطيران‬
‫والتجربة الخيالية لالرتفاع بصفته تحر ار من الثقل‪ ،‬كل ذلك يِؤدي إلى تكريس الفضاء‬
‫(‪)3‬‬
‫السماوي كمنبع ومستقر ممتاز للكائنات الما فوق بشرية‪ :‬آلهة‪ ،‬أرواح‪ ،‬أبطال محضرين"‬

‫الحمام‪:‬‬

‫الحمامة رمز السالم‪ ،‬منذ مشهد سفينة نوح حيث كانت الحمامة الممسكة بمنقارها‬
‫(‪)4‬‬
‫غصن الزيتون رسول السالم‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬فيليب سيرنج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.75- 74‬‬


‫‪ -2‬عن عبة الجوهر‬
‫‪ -3‬مرسيا إلياد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.41‬‬
‫‪ -4‬فيليب سيرنج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.189‬‬

‫‪75‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ويرمز الحمام عند المسيحيين باألرواح المتعطشة لماء اإلله الحي‪ ،‬وعلى الروح‬
‫تدل أيضا على روح القدس التي ترفع الروح حتى التثليث‪ ،‬وهناك‬
‫الصاعدة للفردوس‪ ،‬كما ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫رسومات تمثل كل هذه الدالالت‪.‬‬

‫وفي الثقافة القبائلية يعتبر "الحمام رمز لروح األولياء الذين يبعثون ويرجعون غالبا في‬
‫التجدد‪ ،‬كما يرمز أيضا للزمن والعودة األبدية‬
‫هيئة حمام‪ .‬فرمزيته تتمثل في االنبعاث و ّ‬
‫والحمام في الثقافة اإلسالمية "طائر مقدس‪ ،‬وذلك ألنه السبب في نجاة الرسول‬ ‫(‪)2‬‬
‫والخلود‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم من الكفار في الغار‪".‬‬

‫‪-3-3‬رمزية الحيوانات المائية‪:‬‬


‫األسماك‪:‬‬

‫إن سمك النيل النهري الفرخ (‪ ،)la preche‬أو التيس (‪ )latés‬هو رمز الخصب‪،‬‬
‫وشارك في طقس النيل أثناء الفيضان‪ ...‬وهناك سمكة أخرى‪ ،‬تيالبيانيلوتيكا‪ ،‬ترمز للميت‬
‫في مسيرته نحو البعث‪ ،‬ويرى بعض الباحثين أن السمك موصل أرواح‪ ،‬يعمل على اجتياز‬
‫أرواح الموت للنهر لتنقل للمقر األبدي(‪.)4‬‬

‫ويرمز السمك في عالم البحر المتوسط في العصر الوثني على الخصب والسعادة‪،‬‬
‫بحيث يعتبر كح ام من العين الشريرة‪ ،‬ولحد األن ليزال رم از عالجيا مقبوال من قبل بعض‬
‫األهالي وباألخص في تونس‪ ،‬بحيث يقومون برسم أو نحت شكل السمكة على أبواب البيوت‬
‫(‪)5‬‬
‫أو داخلها‪ ،‬وذلك تجنبا للعين والحسد‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬فيليب سيرنج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.190‬‬


‫‪ -2‬ينظر‪ :‬زاهية طراحة‪ ،‬الحكاية العجيبة وحكاية األحزمة بقرى منطقة القبائل‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ -3‬عبة الجوهر‪ ،‬قرية سيدي علي موسى ‪/‬معاثقة‪ /‬تيزي وزو‪.‬‬
‫‪ -4‬فيليب سيرنج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.209-208‬‬
‫‪ -5‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪210‬‬

‫‪76‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫والمالحظ أن األسماك الواردة في الحكاية ذات ألوان مختلفة‪ ،‬فما هي رمزية هذه‬
‫األلوان؟‬

‫رمزية األلوان‪:‬‬

‫األحمر‪ :‬لون النار ولون الدم‪ ،‬إذن الحياة‪ .‬ويرمز للعشق اإلالهي والحب البشري‪ ،‬وذلك‬
‫لكون العاشق يضحي بدمه وحياته من أجل محبوبه‪ ،‬فهو لون الشهيد‪.‬‬

‫واألحمر عند المسيح هو ذو رمزية قربانية فهو لون دم المسيح ولون الخمر اللذان‬
‫خلطا في مصر صوفي‪ .‬واللون األحمر ليس ذو رمزية خيرة فقط بل يمكن له أن يكون ذا‬
‫(‪)1‬‬
‫رمزية شريرة‪ :‬فالشيطان إذا لم يكن باللون األسود يكون عادة باللون األحمر‪.‬‬

‫ويعود تخصيص الساحرة الماجوس باللون األحمر ألنهم يعبدون النار‪.‬‬

‫األصفر‪ :‬يعتبر اللون األصفر لون اآللهة المرتبطة بالشمس‪ ،‬ويمثل أيضا لون السنابل‬
‫الناضجة ولون دوار الشمس‪ ،‬كما أنه لون الذهب‪ ،‬فهو بذلك رمز للخلود‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫العالمية‪-‬يرمز للبؤس والذبول كونه لون فصل‬


‫ّ‬ ‫واللون األصفر في الثقافة العربية –و‬
‫(‪)3‬‬
‫الخريف وتساقط األوراق‪ ،‬وهو أيضا لون الغيرة والحسد ولون الحذر والخيانة‪.‬‬

‫وقد يعود تمييز الساحرة اليهود باللون األصفر باعتباره رمز للبيئة الصحراوية التي كان‬
‫يعيش فيها اليهود‪.‬‬

‫األبيض‪ :‬يعتبر اللون األبيض رم از للطهارة واالستقامة والعدالة واشعاع الخير‪ ،‬وهو‬
‫(‪)4‬‬
‫أيضا رمز للنور‪.‬‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬فيليب سيرنج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.425‬‬


‫‪ -2‬ينظر المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.427‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬بن صالح‪ ،‬اإلبداع والتذوق والجمال‪ ،‬دار دجلة‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬ط‪.2008 ،1‬‬
‫‪ -4‬ينظر‪ :‬فيليب سيرنج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.428‬‬

‫‪77‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫ارتبط اللون األبيض بالمسلمين منذ عهد سيدنا سليمان عليه السالم‪ ،‬ويرمز هذا اللون‬
‫وكما هو معروف أن‬ ‫(‪)1‬‬
‫للصفاء والطهارة وما ينسجم مع كل ذلك كالمالئكة والسماوات‪.‬‬
‫األبيض هو لون اإلسالم والمسلمين‪ ،‬لذلك خصت الساحرة المسلمون بهذا اللون‪.‬‬

‫األزرق‪ :‬يرمز اللون األزرق إلى الصفاء الذهني والتفكير وهذا نابع من الرمزية‬
‫وقد يدل‬ ‫(‪)2‬‬
‫المسيحية‪ ،‬وتصور السيدة مريم لدى المسيحيين في الرسومات بالرداء األزرق‪،‬‬
‫ذلك على رمزية ذلك اللون المتمثلة في الصفاء والنقاء‪.‬‬

‫ارتبطت العقيدة النصرانية بالسماء‪ ،‬إذ أنهم يلقبون مريم العذراء "بملكة السماء"‪ ،‬التي‬
‫اعتبروها والدة اإلله‪ ،‬ولها المجد في األرض والسماء‪ .‬وقالوا عن اليسوع أنه صعد إلى‬
‫وكون السماء ذات لون أزرق‪ ،‬يمثلون ملكة السماء وكل من لهم عالقة بالسماء‬ ‫(‪)3‬‬
‫السماء‪.‬‬
‫أو اإلله باللون األزرق‪ ،‬ولهذا لما حولت الساحرة أهل المدينة إلى سمك خصت النصارى‬
‫باللون األزرق‪.‬‬

‫التحوالت الواردة في الحكايات الشعبية المدروسة‪ ،‬يالحظ أنها حدثت في‬


‫ّ‬ ‫والمتأمل في‬
‫أغلبها باستعمال الماء‪ ،‬فما هي رمزيته؟‬

‫‪ -‬رمزية الماء‪:‬‬
‫ورد استعمال الماء في الحكايات بكثرة‪ ،‬وقد يعود ذلك ألهميته‪ ،‬فهو عنصر أساسي‬
‫في حياة اإلنسان خاصة وحياة الكائنات عامة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬

‫كما جاء في آية‬ ‫(‪)4‬‬


‫ﲓ ﲕ ﲖ ﲗ ﱠ‪.‬‬
‫ﲌﲎ ﲏﲐﲑﲒ ﲔ‬
‫ﲍ‬ ‫ﲉﲊﲋ‬

‫أن بفضل الماء كل شيء حي‪ ،‬ففي‬


‫‪ ....‬ﱯ ﱠ ‪ ،‬أي ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫أخرى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬محمد كمال جعفر‪ ،‬رمزية األلوان بين األديان اليهودية واإلسالم‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ -2‬ينظر‪ :‬شكري بوسعالة‪ ،‬رمزية األلوان من المقدس الديني إلى السياسي‪ ،‬قسم الدراسات الدينية‪ ،2016 ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ -3‬ينظر‪ :‬محمد بن طاهر البيروني‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ ،‬محمد عبد اهلل الشرفاوي‪ ،‬العقائد الوثنية في الديانة النصرانية‪ ،‬جامعة‬
‫القاهرة‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ -4‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬
‫‪ -5‬سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬

‫‪78‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية مقاربة أنثروبولوجية‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫بعض الثقافات عندما يكون هناك نقص في الماء‪ ،‬وعدم سقوط األمطار تقام طقوس لنزول‬
‫المطر‪ ،‬فمثال في الثقافة األمازيغية تقام طقوس من أجل ذلك ويقال لها "أنزار"‪ ،‬بحيث تقوم‬
‫بعض النسوة بإرسال األطفال لجمع الصدقات من بيوت القرية وفي طريقهم ينشدون‪ " :‬أنزار‬
‫أنزار سقيتسيد أربي أ ارزار"‪ ،‬أي أنهم يطلبون من اإلله "أنزار" أن يسقي األرض باألمطار‪.‬‬
‫وتقوم النساء بطهو األكل من تلك الصدقات التي جمعها األطفال ثم يوزعون األكل على‬
‫(‪)1‬‬
‫جميع أهل القرية‪.‬‬

‫‪ -1‬عن عبة الجوهر‪ ،‬المذكورة سابقا‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬

‫رصدنا في الخاتمة أهم المالحظات والنتائج المتمثلة فيما يلي‪:‬‬

‫­ تتنوع موضوعات الحكاية الشعبية من حكايات بطولية‪ ،‬وحكايات تاريخية‪ ،‬وأخرى‬


‫مرتبطة بالواقع االجتماعي‪...‬الخ‪ ،‬فبالتالي لم يتفق الباحثون والدارسون على تصنيف واحد‪،‬‬
‫فكل يصنفها حسب قناعته‪ ،‬فعلى سبيل المثال نجد أن تصنيف عبد الحميد بورايو للحكاية‬
‫الشعبية تختلف عن تصنيف نبيلة إبراهيم‪.‬‬

‫تحول‬
‫­ تتشابه الحكايات الخرافية القبائلية المحلية‪ ،‬والعربية‪ ،‬والعالمية في ظاهرة ّ‬
‫تحول‬
‫الشخصيات من هيئة إلى أخرى‪ ،‬فهي تتشارك في بعض الحيوانات التي تم ّ‬
‫الشخصيات اآلدمية إليها مثل‪ :‬البقرة والطير‪...‬الخ‪.‬‬

‫عالمية متواجدة في جميع‬


‫ّ‬ ‫تحول الشخصيات من هيئة إلى أخرى ظاهرة‬
‫­ ظاهرة ّ‬
‫الثقافات واألساطير القديمة‪ ،‬كما تتواجد في الحكايات الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة‬
‫وليلة‪.‬‬

‫­ تتنوع شخصيات الحكايات الشعبية الخرافية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة‪ ،‬من‬
‫شخصيات آدمية مثل‪ :‬الزوجة‪ ،‬الزوج‪ ،‬األم‪ ،‬االبن‪ ،‬البنت‪ ،‬وحيوانية مثل‪ :‬البقرة‪ ،‬الطير‪،‬‬
‫البغل‪ ،‬العجل‪ ،‬التيس‪ ،‬وأخرى خيالية‪ ،‬مثل‪ :‬الغولة‪ ،‬العفريت‪ ،‬حريات البحر‪...‬الخ‬

‫حولت إليها الشخصيات اآلدمية في المدونتين القبائلية والعربية‬


‫­ معظم الحيوانات التي ّ‬
‫هي حيوانات مقدسة في الثقافات القديمة ومازالت إلى وقتنا الحالي كالبقرة المقدسة‪ ،‬وكذلك‬
‫الطير رمز التعالي والسمو والحرية في جميع الثقافات‪.‬‬

‫تحول الشخصيات من هيئتها اآلدمية إلى هيئة حيوانية هي ظاهرة سلبية في‬
‫­ ظاهرة ّ‬
‫كل من حكايات ألف ليلة ولية والحكايات القبائلّية‪ ،‬لكون اإلنسان أعلى مرتبة من الحيوان‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫خاتمة‬

‫تحول الشخصيات من طبيعتها اآلدمية إلى طبيعة حيوانية في حكايات‬


‫­ تحدث ظاهرة ّ‬
‫ألف ليلة وليلة عن طريق السحر وذلك بممارسة مجموعة من الطقوس والتعاويذ‪ ،‬المتمثّلة‬
‫القبائلية عن طريق اللعنة حينا –‬
‫ّ‬ ‫الرش به‪ .‬وتحدث في الحكايات‬
‫غالبا بالتمتمة في الماء و ّ‬
‫كلعنة الغولة – وعن طريق العقيدة اإلحيائية وعقيدة سلطة األسالف واألولياء (األموات)‬
‫الميتة‪.‬‬
‫أمه ّ‬‫وتحول االبن إلى تيس لعدم عمله بنصيحة ّ‬
‫ّ‬ ‫األم في هيئة طائر‪،‬‬
‫كتجسد ّ‬
‫ّ‬

‫التحول (غالبا) في ك ّل من حكايات ألف ليلة وليلة والحكايات القبائلية‬


‫ّ‬ ‫­ وتحدث ظاهرة‬
‫بدافع االنتقام‪ ،‬والغيرة‪ .‬كانتقام الساحرة من زوجها الذي قتل عشيقها‪ ،‬في حكاية "الصياد مع‬
‫العفريت"‪ ،‬وانتقام الغولة من اإلخوة السبعة في حكاية "منفية إخوتها السبعة"‪ ،‬وغيرة زوجة‬
‫التاجر األولى من الزوجة الثانية التي أنجبت له ولدا‪ ،‬في حكاية "التاجر مع العفريت"‪ ،‬وغيرة‬
‫الحرة في حكاية "منفية اإلخوة السبعة"‪.‬‬
‫الخادمة (اآلمة) من الفتاة ّ‬

‫وتحدث أحيانا بدافع الخوف‪ ،‬كخوف ابنة الراعي من زوجة التاجر األولى إلفشاء‬
‫سرها‪ ،‬في حكاية "التاجر مع العفريت "‪.‬‬

‫أمه في حكاية "بقرة‬


‫كما تحدث أحيانا أخرى بدافع العصيان‪ ،‬كعصيان االبن لروح ّ‬
‫اليتامى"‪.‬‬

‫المتحول إليها ‪-‬في حكايات ألف ليلة وليلة والحكايات القبائلية‪-‬‬


‫ّ‬ ‫ـ ـ تمثّل رمزّية الشخصيات‬
‫مثل البقرة والتيس‪...‬الخ رواسب معتقدات دينية قديمة مرتبطة بالسحر واإلحيائية وتقديس‬
‫األسالف (اآلباء واألولياء)‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‬

‫المصادر‪:‬‬

‫مدونة الحكايات الشفوية‬ ‫‪.1‬‬


‫‪ .2‬ألف ليلة وليلة‪ ،‬منشورات دار المشرق‪ ،‬توزيع المكتبة الشرقية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪.1994‬‬
‫المعاجم‪:‬‬
‫‪ .3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر بيروت‪ ،‬ط‪.1994 ،3‬‬
‫‪ .4‬أحمد مختار عمر‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.2008 ،1‬‬
‫‪ .5‬جبران مسعود‪ ،‬الرائد (معجم لغوي عصري)‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪.1992 ،7‬‬
‫‪ .6‬سمير السيخاني‪ ،‬معجم الكلمات الجامعة‪ ،‬أقوال مأثورة وحكم‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪.2002 ،1‬‬
‫‪ .7‬محمد مرتضي الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪( ،7‬د‪ ،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .8‬مصطفى شاكر سليم‪ ،‬قاموس األنثروبولوجيا (انجليزي ‪/‬عربي)‪ ،‬ط‪.1981 ،1‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫الكتب‪:‬‬

‫‪ .9‬أبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ‪ ،‬كتاب الحيوان‪ ،‬تحقيق وشرح عبد السالم ومحمد‬
‫هارون‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪.1995 ،2‬‬
‫‪ .10‬أحمد شلبي‪ ،‬مقارنة األديان‪-‬أديان الهند الكبرى‪-‬الهندوسية‪ ،‬الجينية‪ ،‬والبوذية‪ ،‬دار‬
‫النشر مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬ط‪.2000 ،11‬‬
‫‪ .11‬أحمد مصطفى فاروق‪ ،‬المقدمة في االنثروبولوجيا‪ ،‬ضمن علم اإلنسان‪ ،‬دار المعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د ط‪.2006 ،‬‬

‫‪84‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .12‬إسماعيل فاروق‪ ،‬علم اإلنسان األنثروبولوجيا‪ ،‬مطبعة الجمهورية‪ ،‬اإلسكندرية‪.1994 ،‬‬


‫‪ .13‬أمين سالمة األساطير اليونانية والرومانية‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .14‬أوفيد‪ ،‬مسخ الكائنات‪ ،‬ترجمة ثروت عكاشة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪.1992‬‬
‫‪ .15‬أوين ديفينز‪ ،‬السحر‪ ،‬ترجمة رحاب صالح الدين‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪-‬مصر‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬
‫‪ .16‬بثينة الناصري‪ ،‬الحكاية الشعبية (دراسة وتحليل)‪ ،‬ناشرون‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬د‬
‫ط‪.2017 ،‬‬
‫‪ .17‬بن صالح‪ ،‬اإلبداع والتذوق‪ ،‬والجمال‪ ،‬دار دجلة‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬ط‪.2008 ،1‬‬
‫‪ .18‬توفيق عزيز عبد اهلل‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ،‬دار الزهران للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2013‬‬
‫‪ .19‬جاك لومبارد‪ ،‬المدخل إلى اإلثنولوجيا‪ ،‬ترجمة حسين قبيسي‪ ،‬الناشر المركز الثقافي‬
‫للعرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1997 ،1‬‬
‫‪ .20‬جيمس فرايزر‪ ،‬الغصن الذهبي‪-‬دراسة في السحر والدين‪ ،‬ترجمة نايف الخوص‪ ،‬دار‬
‫الفرقد‪ ،‬سورية‪-‬دمشق‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬
‫‪ .21‬حسن الباش‪ ،‬موقف اإلسالم من السحر والخرافة‪ ،‬دار حطيت للدراسات والنشر‪،‬‬
‫دمشق‪-‬بغداد‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .22‬حلمي بدر‪ ،‬أثر األدب الشعبي في األدب الحديث‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .23‬رياض مقدادي‪ ،‬البنى الحكائية في أدب األطفال العربي الحديث‪ ،‬عالم المعرفة‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬د ط‪.2012 ،‬‬
‫‪ .24‬شوقي عبد الحكيم‪ ،‬الحكايات الشعبية العربية‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1980 ،1‬‬

‫‪85‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‪ .25‬شوقي عبد الحكيم‪ ،‬سيرة ابن هالل‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة المشهرة برقم‬
‫‪7762‬ب‪.2012 ،‬‬
‫‪ .26‬عبد الحميد بورايو‪ ،‬القصص الشعبي في منطقة بسكرة‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .27‬عبد الرزاق جعفر‪ ،‬الحكاية الساحرة‪ ،‬دراسة في أدب األطفال‪ ،‬منشورات اتحاد العرب‪،‬‬
‫(د ط ت)‪.‬‬
‫‪ .28‬عبد الفتاح أبو المعال‪ ،‬أدب الكفل‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪.1998 ،2‬‬
‫‪ .29‬علي درويش‪ ،‬دراسات في األدب الفرنسي‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ط‪.1983،‬‬
‫‪ .30‬علي عشري زايد‪ ،‬استدعاء الشخصيات‪ ،‬التراثية في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬د ط‪.1997 ،‬‬
‫‪ .31‬عيسى الشماس‪ ،‬مدخل إلى علم اإلنسان (االنثروبولوجيا)‪ ،‬من منشورات اتحاد الكتاب‬
‫العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬د ط‪.2004 ،‬‬
‫‪ .32‬غراء حسين مهنا‪ ،‬أدب الحكاية الشعبية‪ ،‬الشركة المصرية العالمية للنشر‪ ،‬لونجمان‪ ،‬د‬
‫ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .33‬فاروق خورشيد‪ ،‬أضواء على السير الشعبية‪ ،‬مطبعة العلم‪ ،‬القاهرة‪.1964 ،‬‬
‫‪ .34‬فراس السواح‪ ،‬مغامرة العقل األولى‪ ،‬دراسة في األسطورة وبالد الرافدين‪ ،‬دار الكلمة‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .35‬فرانتس كافكا‪ ،‬التحول‪ ،‬ترجمة مبارك وساط‪( ،‬خواطر سريعة ‪ ...‬للتأمل)‪ ،‬من‬
‫منشورات الجمل‪ ،‬بيروت‪/‬لبنان‪ ،‬ط‪( ،1‬د‪ ،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .36‬فرانتس كافكا‪ ،‬االنمساخ‪ ،‬ترجمة إبراهيم وطفي‪ ،‬دار الكلمة ودار الحصاد‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2014‬‬
‫‪ .37‬فالديمير بروب‪ ،‬مورفولوجيا الخرافة‪ ،‬ترجمة إبراهيم الخطيب‪ ،‬الشركة المغربية للناشرين‬
‫المتحدين‪ ،‬الرياظ‪ /‬المغرب‪ ،‬ط‪.1986 ،1‬‬
‫‪86‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫حمو‪،‬‬
‫‪ .38‬فالديمير بروب‪ ،‬مورفولوجيا الخرافة‪ ،‬ترجمة عبد الكريم حسن ود‪ .‬سميرة بن ّ‬
‫شراع للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1986 ،1‬‬
‫‪ .39‬فيليب سيرلنج‪ ،‬الرموز في الفن‪-‬األديان‪-‬الحياة‪ ،‬ترجمة عبد الهادي عباس‪ ،‬دار‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪.1992 ،1‬‬
‫‪ .40‬قسم الدراسات والبحوث في جمعية التجديد الثقافية واالجتماعية‪ ،‬توثيق حضاري‪،‬‬
‫األسطورة‪ ،‬ط‪.2009 ،1‬‬
‫‪ .41‬قيس الثوري‪ ،‬األساطير وعلم األجناس‪ ،‬جامع الموصل‪ ،‬العراق‪ ،‬د ط‪.1981 ،‬‬
‫‪ .42‬مجمد غنيمي هالل‪ ،‬األدب المقارن‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪.1989 ،9‬‬
‫‪ .43‬محمد بن طاهر البيروني‪ ،‬تحقيق ودراسة د‪ .‬محمد عبد اهلل الشرفاوي‪ ،‬العقائد الوثنية‬
‫في الديانة النصرانية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.‬‬
‫‪ .44‬محمد عبد المفيد خان‪ ،‬األساطير والخرافات عند العرب‪ ،‬لدار الحديثة للطباعة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د ط‪.1981 ،‬‬
‫‪ .45‬محمد كمال جعفر‪ ،‬رمزية األلوان من المقدس الديني إلى السياسي‪ ،‬قسم الدراسات‬
‫الدينية‪.2016 ،‬‬
‫‪ .46‬مرسيا إلياد‪ ،‬تاريخ المعتقدات واألفكار الدينية‪ ،‬ترجمة عبد الهادي عباس‪ ،‬دار دمشق‪،‬‬
‫ط‪.1987 ،1986 ،1‬‬
‫‪ .47‬محمد إسماعيل قباري‪ ،‬أسس علم اإلنسان‪ ،‬األنثروبولوجيا‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬د ط‪.1980 ،‬‬
‫‪ .48‬نبيل حمدي الشاهد‪ ،‬العجائبي في السرد العربي القديم‪ ،‬النشر والتوزيع الوراق‪( ،‬د ط‬
‫ت)‬
‫‪ .49‬نبيلة إبراهيم‪ ،‬أشكال التعبير في األدب الشعبي‪ ،‬دار النهضة مصر للطبع والنشر‪،‬‬
‫القاهرة‪( ،‬د ط‪ ،‬ت)‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫المجالت‪:‬‬
‫‪ .50‬زهية طراحة‪ ،‬الحكاية العجيبة وحكاية األحزمة بقرى منطقة القبائل‪-‬مقاربة إثنولوجية‪:-‬‬
‫( ‪Revue Science and vidéo. Des écritures multimédia en sciences‬‬
‫‪)humaine. N8. Varia. Liée à l’université de Provence. France 2015.‬‬

‫‪ .51‬زهية طراحة‪ ،‬بنية الخطاب األدبي الشعبي‪ ،‬دراسة إناسية‪ ،‬مجلة الخطاب‪ ،‬العدد األول‬
‫‪.2003‬‬

‫‪ .52‬هادي نعمان الهيتي‪ ،‬الحكاية الشعبية‪ ...‬أهميتها‪ ،‬عناصرها ووظائفها‪ ،‬مجلة الحوار‪:‬‬
‫‪ 2‬نوفمبر ‪.2015‬‬

‫‪88‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫مقدمة ‪1.................................................................................‬‬

‫الفصل األول‬
‫األنتروبولوجية‬
‫ّ‬ ‫الشعبية‪ ،‬المقاربة‬
‫ّ‬ ‫التحول‪ ،‬الحكاية‬
‫ّ‬ ‫نظرية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مفاهيم‬
‫التحول ‪6.................................................................‬‬
‫األول ‪ّ :‬‬
‫المبحث ّ‬
‫‪-1‬تعريف المسخ ‪6 .....................................................................‬‬
‫التحول ‪8 .........................................................‬‬
‫‪-2‬الفرق بين المسخ و ّ‬
‫التحول "المسخ" والسحر ‪9 ..........................................................‬‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫‪-4‬احتفاظ الممسوخ بصفات جنسه التي كان عليها ‪11 ..................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪:‬الحكاية الشعبية ‪12 ......................................................‬‬
‫‪-1‬الحكاية الخرافية ‪14 .................................................................‬‬
‫‪-2‬األسطورة ‪18 .......................................................................‬‬
‫‪-3‬حكاية الحيوان ‪21 ..................................................................‬‬
‫‪-4‬السيرة الشعبية‪23 ...................................................................‬‬
‫المبحث الثالث ‪:‬المقاربة األنثروبولوجية ‪26 ..............................................‬‬
‫‪-1‬مفهوم األنثروبولوجيا ‪26 ............................................................‬‬
‫‪-2‬فروع األنثروبولوجيا ‪27 .............................................................‬‬
‫‪-1-2‬االنثروبولوجيا العضوية (الطبيعية) ‪27 .........................................‬‬
‫‪-2-2‬األنثروبولوجيا الثقافية أو علم األناسة الثقافي ‪29 ...............................‬‬
‫‪-3‬أهداف الدراسة األنثروبولوجيا ‪29 ....................................................‬‬
‫‪-4‬بعض النظريات األنثروبولوجية ‪30 ..................................................‬‬
‫‪ -1-4‬نظرية االتصال الثقافي (التثاقف‪ ،‬المثاقفة) ‪30 ................................‬‬

‫‪90‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪ -2-4‬النظرية الماركسية ‪30 ........................................................‬‬


‫‪ -3-4‬النظرية المعرفية ‪31 ..........................................................‬‬
‫‪ -4-4‬النظرية التطورية‪31 ..........................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫التحول في الحكاية الشعبية ‪ -‬مقاربة أنثروبولوجية‬
‫ّ‬
‫المبحث األول‪ :‬تقديم مدونة الحكايات‪35 .................................................‬‬
‫‪-1‬مدونة الحكايات القبائلية المجموعة من الميدان ‪35 ...................................‬‬
‫ملخص حكاية بقرة اليتامى ‪35 .......................................................‬‬
‫ملخص حكاية "منفية إخوتها السبعة ‪37 ..............................................‬‬
‫‪-2‬ملخص حكايات" ألف ليلة وليلة"‪41 .................................................‬‬
‫حكاية التاجر مع العفريت ‪41 ........................................................‬‬
‫ملخص حكاية الصياد مع العفريت ‪45 ................................................‬‬
‫ملخص حكاية" بدر باسم ابن الملك شهرمان وبنت الملك السمندل ‪48 .................‬‬
‫التحول في الحكايات الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة ‪52 .......‬‬
‫ّ‬ ‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫‪-1‬دراسة التحوالت في الحكايات القبائلية ‪52 ............................................‬‬
‫حكاية "بقرة اليتامى" ‪52 ..............................................................‬‬
‫حكاية " منفية إخوتها السبعة" ‪54 .....................................................‬‬
‫التحوالت في حكايات ألف ليلة وليلة‪56 .......................................‬‬
‫ّ‬ ‫‪-2‬دراسة‬
‫حكاية التاجر مع العفريت ‪56 ........................................................‬‬
‫حكاية الصياد مع العفريت ‪59 ........................................................‬‬
‫حكاية "بدر باسم ابن الملك شهرمان وبنت الملك السمندل" ‪60 .........................‬‬

‫‪91‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫التحول في الحكاية الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة" مقاربة‬


‫ّ‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫أنتروبولوجية مقارنة" ‪67 .................................................................‬‬
‫ّ‬
‫التحول‪ :‬أوجه التشابه بين الحكاية الشعبية القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة ‪67 .......‬‬
‫‪ّ -1‬‬
‫التحول‪ :‬أوجه االختالف بين الحكايات القبائلية وحكايات ألف ليلة وليلة ‪70 ...........‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫اآلدمية ‪73 ............................‬‬
‫ّ‬ ‫حولت إليها الشخصيات‬
‫‪-3‬رمزية الحيوانات التي ّ‬
‫‪ -1-3‬رمزية الحيوانات األرضية ‪73 .................................................‬‬
‫‪ -2-3‬رمزية الحيوانات المجنحة ‪75 .................................................‬‬
‫‪ -3-3‬رمزية الحيوانات المائية ‪76 ...................................................‬‬
‫خاتمة ‪80 ................................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ‪83 ..............................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪89 ..................................................................‬‬

‫‪92‬‬
‫الملخص‬

‫شاعت ظاهرة تحول الشخصيات من هيئة إلى أخرى في الحكايات الخرافية‪،‬‬


‫تتحول الشخصيات اآلدمية إلى شخصيات حيوانية‪ ،‬أرضية‪ ،‬ومجنحة‪ ،‬ومائية‪،‬‬
‫كأن ّ‬
‫التحول غالبا عن طريق ممارسات وطقوس‪ ،‬وتعويذات سحرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ويحدث هذا‬

‫يعود أصل هذه الممارسات إلى معتقدات دينية قديمة مارسها اإلنسان البدائي‪،‬‬
‫وبقيت رواسبها حية في الذاكرة والمخيلة الشعبية تجسدت في األساطير والحكايات‬
‫الشعبية المحلية (القبائلية) والعربية (حكايات ألف ليلة وليلة)‪.‬‬

You might also like