You are on page 1of 112

‫يوميات قاضٍ‬

‫‪1‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫الناشر ‪ :‬منشأة املعارف باإلسكندرية ‪ .‬جالل حزى ورشكاه‪.‬‬
‫‪ 44‬شارع سعد زغلول ت ‪ /‬فاكس ‪5503584 / 3033784‬‬

‫‪Email. Monchaa27@yahoo.com‬‬

‫حقوق الطبع حمفوظة للمؤلف ‪ ..‬غري مسموح بطبع أى جزء‬


‫من أجزاء الكتاب أو خزنه ىف أى نظام خلزن املعلومات‬
‫واسرتجاعها أو نقله عىل أية وسيلة سواء أكانت الكرتونية أو‬
‫رشائط ممغنطة أو ميكانيكية أو استنساخا أو تسجيال أو غريها‬
‫إال بإذن كتابى من املؤلف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫قاض‪.‬‬ ‫إسم الكتاب ‪ :‬يوميات‬
‫املؤلف ‪ :‬املستشار هباء املرى‪.‬‬
‫رقم اإليداع ‪2017 / 21025 :‬‬
‫الرتقيم الدوىل ‪978 - 977 – 03 – 22503 :‬‬
‫التجهيزات الفنية ‪:‬‬
‫كتابة كمبيوتر ‪ :‬املؤلف‪.‬‬
‫الغالف ‪ :‬بريشة الفنان السكندرى الرسام‪ .‬أ ‪ /‬ماهر جرجس‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫ُ‬
‫يوميات قاض‬
‫الواقع ساردًا‬

‫املستشار ‪ /‬بهاء املرى‬

‫‪3‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪4‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫يوميات قاض‬
‫الواقع ساردًا‬

‫املستشار‬
‫بهاء املرى‬
‫الناشر‬
‫منشأة املعارف باإلسكندرية‬

‫‪2018‬‬
‫‪5‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪6‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫هذه اليوميات‬
‫ٍ‬
‫قاض ‪ ..‬حكايات من الواقعع‬ ‫أحداث ووقائع عاشها‬
‫مل يامرها خيال ‪ ..‬أتت بُلوها ومرهعا وشخوصعها لتسعتقر‬
‫ٍ‬
‫متكدسعة معن قاعايا‬ ‫ٍ‬
‫أوراق‬ ‫أمامه ععىل املنةعة نعمن آالف‬
‫متنوعة‪.‬‬
‫نظرها حينعا بعع إنسعان ي برقعإ إنسعانا معن خعالل‬
‫ٍ‬
‫لسعبإ أو آلخعر بع بعراان االهتعام‬ ‫ٍ‬
‫أحداث جسام ونعع بته‬
‫قاض يطبق القانون بُ ٍ‬
‫رفية بالغة ‪ ..‬ام بعع‬ ‫ٍ‬ ‫وحينا آخر بع‬
‫الرمحة وإعامل العقل واملنطق ىف أحيان أخرى ‪ ..‬ودائعام بعع‬
‫القانون الزاجر متى كان املجرم عاتيا ىف إجرامه‪.‬‬
‫وهو ىف هذا كلعه مل هيعدف إ إبعراز جعرم أو ترويعع‬
‫مشاعر قعارئ ‪ ..‬وال التهعوين معن ف ٍ‬
‫ععل إذا معا تعوافرت لعه‬
‫موجبات استعامل الرأفة مع ُمرم هو ىف النهاية إنسان‪.‬‬
‫وإنام كانت غايته التأمل ىف فعال البرش ‪ ..‬سواء ما‬
‫فعلوه بأنفسهم أوال ‪ ..‬أو ما فعلوه بغريهم وذوهيم اانيا‬
‫وآخرا ىف ُمتمعهم الذى يعيشون فيه ‪ ..‬وصوال إ تدبر يأخذ‬
‫بأيدينا إ طريق صواب ‪ ..‬وتنبيه إ أن أشجار الرش ال جينى‬
‫زارعها إال اامر الندم ‪ ..‬ام إمجاال دق نواقيس اخلطر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪8‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫اإلهداء‬
‫ُ‬
‫إىل كل من تسول له نفسه اتباع طريق الشر‬
‫لعله يتفكر كثريا قبل أن يطأه بأقدام‬
‫الرعونة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪10‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫تقديم‬
‫بقلم‬
‫األستاذ الدكتور‬
‫السعيد الورقى‬
‫أستاذ األدب احلديث والنقد‬
‫بكلية اآلداب جامعة اإلسكندرية‬
‫*******************‬
‫الواقع هو األدب الرشعى لكل احلكايات واألخبار‬
‫وأقةد بالواقع احلياة التى تدور بنا ومن حولنا مؤلفة رسد‬
‫الّسد ‪ ..‬أو رسد الواقع ‪ ..‬وهو رسد ملل احلياة بال منطق إال‬
‫الةدفة والةدفة غري املبرة ‪ ..‬فهى صدفة متتلك قانوهنا‬
‫اخلاص الذى ال حيتاج إ تبير أو تفسري منطقى يفّس به‬
‫اإلنسان حركة احلياة واإلنسان‪.‬‬
‫وعندما حيكى الواقع ‪ ..‬فالعشوائية واملةادفة‬
‫والفورية هى سمة هذا احل بكى ‪ ..‬وهى مفردات ال ترىض‬
‫الفنان حلياة موازية يركبها وإن اختار بعض تفةيالهتا أو كل‬
‫تفةيالهتا من أحداث احلياة الواقعية ‪ ..‬حيث يتدخل ىف‬
‫صياغة إعادة احل بكى ليُيل هذا الواقع القدرى إ رسد فنى‬
‫تتوافر فيه كل العنارص الّسدية الفنية وأواها القدرة عىل إعادة‬
‫‪11‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫اجلدة وطزاجة الدهشة للمألوف والعادى ‪ ..‬ويساعدنا عىل‬
‫أن نراها من جديد وكأننا نراها للمرة األو ‪ ..‬أى حييل‬
‫الواقع إ فن ‪ ..‬مستغال إمكانات الّسد الفنى وحيلة األدائية‬
‫فيسهإ ىف التعامل مع الفااء الّسدى إذا كان رسده معتنيا‬
‫باملكان والزمان اللقافي وأارمها ىف تشكيل احلدث أو‬
‫الشخةية ‪ ..‬أو حياور الشخةية لتفةح عن مكنوهنا النفسى‬
‫ملا له من قيمة تأويلية ىف مسار حتريك األحداث ‪ ..‬أو يتابع‬
‫احلدث فيبدأ به الّسد بدايته النامية املتطورة ‪ ..‬أو يبدأ الّسد‬
‫من بؤرة احلدث أو من النهاية ليعود من خالل االسرتجاع‬
‫وتقنيات "الفالش باك" أو يستخدم تقنية االستباق الّسدى‬
‫أو غري هذا من حيل رسد احلدث ليةنع لنا حياة موازية حتيل‬
‫وقائع الواقع فنا‪.‬‬
‫هذا ما يفعله املستشار هباء املرى ىف حكاياته وقةةه‬
‫التى يقدم هبا ومن خالاها حكايات الواقع عندما يعيد‬
‫صياغتها ‪ ..‬فعل هذا ىف كتابه السابق "يوميات وكيل نيابة"‬
‫ويقدمه اليوم بوعى أكب وإدراك أوسع ملفهوم الّسد الفنى‬
‫ٍ‬
‫قاض"‪.‬‬ ‫وحرفياته األدائية ىف كتابه اجلديد "يوميات‬
‫أحال املستشار هباء املرى الواقع فنا مستخدما صيغا‬
‫رسدية أكلر تطورا ىف الفهم واإلحساس والتذوق عن ح بكيه‬
‫السابق ‪ ..‬فقد اتسعت الرؤية لتتجاوز حدود رسد الواقع كام‬

‫‪12‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫هو إ حتويل الواقع املّسود إ واقع فنى مع االحتفاظ‬
‫بمالمح وقائع الواقع املّسود ‪ ..‬ساعده ىف هذا وغلبه‬
‫مطاوعة أدوات الّسد وحرفية الةنعة إلحساس الكاتإ‬
‫وقد أصبح أكلر مترسا بأدواته ‪ ..‬وأكلر إحساسا بلغته الّسدية‬
‫ومتلكه األكلر قدرة جلامليات األداء الّسدى ‪ ..‬وأكلر وعيا‬
‫للمامون املختار وأبعاده االجتامعية واألخالقية والفكرية‬
‫الفلسفية والنفسية وعالقة كل هذا بقاايا الواقع وقاايا‬
‫الفرد وقاايا اإلنسان والعالقة اجلدلية بينهام ‪ ..‬كام أصبح‬
‫الكاتإ هنا أكلر قدرة واحرتافية مع إدارة مفردات البناء‬
‫الّسدى والبناء داخل بنية تعدد الاامئر ‪ ..‬والّسد داخل‬
‫الّسد ‪ ..‬وحسن استخدام "تكنيك" الوعى بأكلر من مستوى‬
‫أدائى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫قاض أو عندما يعيد الفنان ح بكى الواقع رسد‬ ‫يوميات‬
‫قةىص فنى مبدع ‪ ..‬فيه الواقع ‪ ..‬وفيه احلياة وفيه الفن‬
‫استمتعت بقراءته ‪ ..‬وال شك ىف أن القارئ سيجد فيه فنا‬
‫رسديا مجيال ‪ ..‬وسيجد فيه متعة اإلفادة ومتعة اإلحساس‬
‫وسُر احل بكى‪.‬‬
‫األستاذ الدكتور‬
‫السعيد الورقى‬

‫‪13‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪14‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫خارج نطاق اخلدمة‬


‫شغفها حبا ‪ ..‬تعلق به قلبها أيام تعلق ‪ ..‬كأن اتةاله‬
‫هبا ذات يوم عىل سبيل اخلطأ كان له مفعول السُر عندها‪.‬‬
‫مل تكذب معسول قوله الذى مل يزل باديا اها منذ يوم‬
‫واحد ‪ ..‬هترع إ مقابلته ىف اليوم التا مبارشة اهذا االتةال‪.‬‬
‫تكررت اللقاءات ىف املدينة عاصمة القرية التى فيها‬
‫يسكنان ‪ ..‬تةدق ىف كل لقاء أن ما يتىل عىل مسامعها هو‬
‫احلإ الذى قرأت عنه ىف الروايات أو رأته ىف األفالم‬
‫واملسلسالت ‪ ..‬فلم يكن البنة السادسة عرشة من جتارب‬
‫سابقة‪.‬‬
‫صارت ُمنونة به ‪ ..‬تقابله ما استطاعت‪ .‬تتةل به‬
‫عىل هاتفه النقال آناء الليل وأطراف النهار ‪ ..‬مل يعد اهام من‬
‫ٍ‬
‫لقاء ىف "عشة" كائنة ىف‬ ‫سلطان عىل الغرائز ‪ ..‬يدعوها إ‬
‫أرنه الزراعية ‪ ..‬تلبى عىل الفور النداء‪.‬‬
‫مع غروب الشمس كانت هناك ‪ ..‬أغلق دوهنا الباب‬
‫أسمعها من‬ ‫تلقفها ب أحاانه ‪ ..‬اهنال عليها بقبالته ‪ ..‬ب‬
‫معسول قوله والوعد بالزواج ما طربت له أذناها ‪ ..‬تستطيل‬

‫‪15‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يداه إ مناطق بعينها من جسدها يدرك جيدا مبتغاه من‬
‫العبث هبا ‪ ..‬ختور قواها ‪ ..‬تسلم له نفسها رانية ُمتارة‬
‫فتغرب مع غروب الشمس عذريتها‪.‬‬
‫مل تندم عىل فعلتها ‪ ..‬مل تزل تةدقه ‪ ..‬تتكرر اللقاءات‬
‫كانت"العشة" شاهدة عليها ‪ ..‬وعىل أرنها يتُرك يشء ما‬
‫ىف أحشائها ‪ ..‬ختبه به ‪ ..‬مل يشعر بندم ‪ ..‬مل يزل يعد بالوفاء‪.‬‬
‫تبدو عليها عالمات احلمل ‪ ..‬دوار وصداع وقىء‪ .‬مل‬
‫تغإ هذه العالمات عن فطنة أمها ‪ ..‬ختلو هبا األم تقررها‬
‫فتقر بكل ما حدث ‪ ..‬تبتلع األم آالم نفسها ‪ ..‬تنةُها‬
‫بمقابلته ليُسم أمره وإال أبلغت والدها‪.‬‬
‫هترع إليه الطفلة بعفويتها ‪ ..‬تبلغه حديث أمها‪ .‬تتغري‬
‫مالحمه‪ ..‬تتسع عيناه وتلمع فيهام فكرة ‪ ..‬يأخذها ىف أحاانه‬
‫هيدهد عىل ظهرها ‪ ..‬يطمئنها إ وعوده مرة أخرى ‪ ..‬يفهمها‬
‫أن ظروفه املادية حتول اآلن دون الزواج وأن احلل هو إسقاط‬
‫محلها ولكن األم ستكون عقبة ‪ ..‬البد إذن من اخلالص منها‪.‬‬
‫يستقر كالمه ىف وجداهنا وكأنه منزل من السامء‬
‫قامت من ب أحاانه ‪ ..‬تقلةت عاالت وجهها وكأهنا‬
‫تستُرض ما سيكون ‪ ..‬تومئ برأسها أهنا موافقة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫تعود إ البيت ‪ ..‬أمها ىف انتظارها ‪ ..‬كانت شاردة‬
‫زائغة العين وهى تتُدث معها ‪ ..‬وىف النهاية طمأن بتها‬
‫سيأتى غدا يا أمى ليخطبنى‪.‬‬
‫تستيقظ الطفلة من نومها ىف اليوم التا مبكرا‪ .‬يشء‬
‫ما يدور برأسها ‪ ..‬األم تسُإ املاشية لتخرج هبا إ احلقل‬
‫تسري من خلفها ‪ ..‬ربط بت األم املاشية وتوجهت إ زراعة‬
‫البسيم ‪ ..‬جلست القرفةاء لتُةد منه شيئا إلطعامها‬
‫تتبعها الطفلة دون هدى ‪ ..‬مل يكن ىف ذهنها حتى اآلن خطة‬
‫ما لتنفيذ جرمها ‪ ..‬تقع عيناها عىل جسم خشبى اقيل يسميه‬
‫الفالحون "مدقة" كأنه "جاكوش" يةنع من اخلشإ‬
‫الستعامله ىف أغراض احلقل ‪ ..‬تلتقط "املدقة" من عىل‬
‫األرض ‪ ..‬األم توا حةاد البسيم ‪ ..‬كلامت حبيبها تطن ىف‬
‫أذنيها ‪ ..‬ترفع "املدقة" عالية ىف ااهواء ‪ ..‬هتوى هبا فوق رأس‬
‫أمها ‪ ..‬ينفجر بركان الدم من الرأس املغدور به ‪ ..‬توا‬
‫الرضبات ‪ ..‬صورة حبيبها وهو حيتانها وهيدهد عليها مل تزل‬
‫شاخةة أمام عينيها ‪ ..‬كلامته ترن ىف أذنيها ‪ ..‬تةري األم جلة‬
‫هامدة‪.‬‬
‫تتةل بُبيبها فورا عىل هاتفه النقال ‪ ..‬قتلتها‪ ..‬هنأها‬
‫بقرب الزواج منها ‪ ..‬يسأاها عن طبيعة املكان ‪ ..‬قالت ىف‬
‫‪17‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫حقلنا خلف املنزل ‪ ..‬ينةُها بإخفاء اجللة ‪ ..‬تنزح إ الدار‬
‫تأتى بإناء حيتفظ فيه والدها "ببنزين" ماكينة الرى‪ .‬تستُرض‬
‫من املطبخ "والعة" ‪ ..‬تسكإ البنزين عىل اجللة وترضم‬
‫النار فيها ‪ ..‬تغادر املكان ‪ ..‬تتوجه إليه ىف "العشة"‪ .‬مل يكن‬
‫هناك تتةل به عىل هاتفه املُمول ‪ ..‬تسمع العبارة الشهرية ‪:‬‬
‫"ااهاتف قد يكون مغلقا أو خارج نطاق اخلدمة" !‬

‫‪18‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫على هامش ِقصاص‬


‫هامت حبا بقريإ زوجها ‪ ..‬وجدت فيه نالتها ‪:‬‬
‫ٍ‬
‫أجواء أوشك بت فيها عرى الزوجية‬ ‫األنيس واجلليس ‪ ..‬ىف‬
‫عىل االنفةام‪.‬‬
‫الظروف مهيأة الستمرار العالقة ‪ ..‬زوج يقىض يومه‬
‫خارج بيته سعيا عىل قوته وقوت أوالده ‪ ..‬زوجة غيبت‬
‫نفسها عنه ونسجت لنفسها األعذار ‪ ..‬عشيق عاطل بال‬
‫عمل‪.‬‬
‫تنمو رسيعا مشاعر اخليانة ‪ ..‬يةري البيت ىف غياب‬
‫صاحبه مرتعا للرذيلة‪ ..‬مل يقنعا بام حتقق‪ ..‬الزوج عقبة ىف‬
‫طريقهام كؤود ‪ ..‬البد من قتله‪.‬‬
‫شهر كامل يفكران ‪ ..‬نقتله بالسم ‪ ..‬ال ال ‪ ..‬إن السم‬
‫يرتك آاارا ‪ ..‬يةدمه العشيق بسيارة ‪ ..‬ال ال ‪ ..‬قد يبرصه‬
‫الناس ىف الطريق‪.‬‬
‫حلظة وهى أمام التلفاز تنفرج أسارير وجهها‬ ‫ٍ‬ ‫ىف‬
‫تبتسم ابتسامة منترص ‪ ..‬متسك بااهاتف ‪ ..‬تستدعيه فورا‬
‫للُاور ‪ ..‬جيىء عىل عج ٍل ‪ ..‬قالت ‪ :‬وجدهتا ‪" ..‬فوطة‬
‫مبللة" كام رأيت ىف فيلم "ريا وسكينة"‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يّس العشيق ‪ ..‬حت منه ابتسامة ونظرة خبيلة‪ .‬يسأاها‬
‫متى سيعود ‪ ..‬تفهم املغزى ‪ .‬تبتسم بملل ذات اخلبث‪ .‬تغادره‬
‫دون إجابة ‪ ..‬تعود بعد دقائق كعروس ليلة زفافها ‪ ..‬هيإ‬
‫واقفا فاحتا أحاانه ‪ ..‬يطوقها بذراعيه ‪ ..‬يامرسان الرذيلة‬
‫حتى يعود الزوج‪.‬‬
‫يدق الاُية جرس الباب ‪ ..‬هيرع العشيق إ‬
‫دوالب املالبس ىف غرفة النوم ‪ ..‬تفتح هى الباب ‪ ..‬يفرك‬
‫الزوج عينيه ‪ ..‬يسأاها ‪ :‬من أنت ‪ ..‬تاُك بخبث ‪ ..‬تداعبه‬
‫تالطفه ‪ ..‬يشتهيها كزوجة ‪ ..‬يغلبه النعاس ‪ ..‬تستدعى‬
‫العشيق من الدوالب كاخلطة املرسومة عب "رنة" عىل هاتفه‬
‫النقال ‪ ..‬يرج بالفوطة املبللة ‪ ..‬يعتليان الّسير ‪ ..‬جيهزان‬
‫عليه ‪ ..‬يقاوم ‪ ..‬متسك بخةيتية بقوة ‪ ..‬تشل حركته‪ .‬يكتامن‬
‫بالفوطة املبللة أنفاسة ‪ ..‬تةعد الروح إ بارئها‪.‬‬
‫يلتقطان أنفاسهام ‪ ..‬تنظر ىف عينيه ‪ ..‬ينظر ىف عينيها‬
‫تطوقه بذراعيها ‪ ..‬تتُرك رغبتهام من جديد ‪ ..‬يغادران إ‬
‫حجرة أخرى ‪ ..‬يامرسان الرذيلة قبل أن ينرصف‪.‬‬
‫يشيع النبأ‪ ..‬يعرتفان ىف حتقيقات النيابة ‪ ..‬حياالن‬
‫للمُاكمة ‪ ..‬حيتل املُامون الةفوف اللالاة األول‪ .‬تنشغل‬

‫‪20‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫باقى الةفوف باألها ‪ ..‬تلتةق أجساد احلاور باألجساد‬
‫ختيم عىل األجواء حرارة األنفاس ‪ ..‬يفف احلاجإ حدهتا‬
‫بتشغيل مرواح السقف ىف عز الشتاء‪.‬‬
‫ينتةبان ىف قفص االهتام ‪ ..‬يواجههام القاىض‬
‫فيعرتفان ‪ ..‬قتلناه لنتزوج ‪ ..‬تبدأ اإلجراءات ‪ ..‬ينبى اانان‬
‫من كبار املُام للدفاع ‪ ..‬يطلإ القاىض منهام املرافعة‬
‫يتملمالن ‪ ..‬يستأجالن لالستعداد ‪ .‬يرفض األجل ‪ ..‬املتهامن‬
‫معرتفان فلتناقشا االعرتاف ‪ ..‬يرفاان ‪ ..‬يسوقان حججا‬
‫أخرى ‪ ..‬يرفض احلجج ‪ ..‬يدفعان بجنون العشيق ‪ ..‬يلبت‬
‫الدفع ىف حمرض اجللسة ‪ ..‬يرص عىل املرافعة‪.‬‬
‫يستشعر احلارضون ما حيدث ‪ ..‬تّسى ىف القاعة‬
‫مههمة ‪ ..‬تنبعث أصوات مكتومة تعرب عن نجر‪ ..‬يدق‬
‫القاىض املنةة بمؤخرة قلمه الرصاص ‪ ..‬يعود الةمت إ‬
‫القاعة‪.‬‬
‫املُاميان يةمتان ‪ ..‬ينظر إليهام القاىض حمدقا‬
‫اللُظات متر رتيبة ‪ ..‬أع الناس مةوبة نُومها ‪ ..‬يبدو‬
‫احلنق عىل الوجوه ‪ ..‬القاىض يعيد الطلإ ‪ ..‬يتفتق ذهن‬
‫أحدمها عن حيلة جديدة ‪ ..‬نم حرز املالبس الداخلية‬
‫للمتهمة ‪ ..‬يقطع عليه القاىض مأربه ‪ ..‬يلبت ىف حمرض اجللسة‬

‫‪21‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫طرحه له كدليل إدانة ‪ ..‬حيتد املُامى ‪ ..‬هيدئه القاىض ‪ .‬يعيد‬
‫ب‬
‫توجيهه إ املونوعية ‪ ..‬يةمم عىل الطلإ ‪ ..‬يفهم الناس‬
‫تلك املراوغة ‪ ..‬تعود ااهمهمة ‪ ..‬تنقلإ إ زُمرة مكتومة‬
‫يدق القاىض ىف هذه املرة عىل املنةة بيده ‪ ..‬يعود الةمت ‪.‬ال‬
‫يمتلل املُامى ‪ ..‬جيادل من جديد ‪ ..‬يرفع القاىض اجللسة‬
‫يدخل القااة غرفة املداولة ‪ ..‬يتبعهم أم الّس ‪ ..‬يبلغهم أن‬
‫األستاذ طريح األرض يرضبه األها ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫احلكم عنوان احلقيقة‬


‫انطلق بت الزغاريد ىف أرجاء البيت معلنة قدوم و‬
‫عهد ذلك الشاب الوحيد ‪ ..‬هزت أهازيج املواليد أرجاء‬
‫القرية‪.‬‬
‫يتناقل الناس اخلب ‪ ..‬يتوافد املهنئون ‪ ..‬تتُامل اجلدة‬
‫العجوز عىل رعشات جسمها ‪ ..‬حتاول الوقوف ب النساء‬
‫تأتى بُركات تظنها رقةا ‪ ..‬يبكى الناس لفرحتها وتغلبهم‬
‫الدموع‪.‬‬
‫حي موعد السبوع ‪ ..‬تقرر اجلدة إقامة حفل غري‬
‫مسبوق ‪ ..‬يستقل الشاب سيارته ويغادر إ املدينة املتامخة‬
‫لقريته ‪ ..‬يقابل أصدقاءه ‪ ..‬يزف إليهم اخلب ‪ ..‬حيتفون به إ‬
‫ٍ‬
‫وقت متأخر من الليل ‪ ..‬يمأل السيارة بام لذ وطاب ‪ ..‬ينطلق‬
‫عائدا هبا بعد منتةف الليل ‪ ..‬يردد مع "شادية" من خالل‬
‫"كاسيت" السيارة وابتسامة عرياة عىل شفتيه "سيد‬
‫احلبايإ يا ننايا إنت" ‪ ..‬يشعر أن السيارة ال متشى عىل‬
‫األرض بل حيملها بساط الريح‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫جذع شجرة يقطع الطريق ‪ ..‬يتوقف ‪ ..‬يرج عليه‬
‫أربع ببنادق آلية ‪ ..‬يقرتب منه أحدهم ‪ ..‬يةدر إليه أوامره‬
‫دع السيارة وأعطنى املفتاح ‪ ..‬الشاب قوى البنية ‪ ..‬يقاوم‬
‫يتبادالن اللكامت ‪ ..‬صورة وليده ومراسم السبوع تنتةإ‬
‫أمام عينيه ‪ ..‬يشتد ىف املقاومة ‪ ..‬يعود إ سيارته ‪ ..‬يتشبس‬
‫بمقودها ‪ ..‬جيذبه املجرم فال يستطيع ‪ ..‬يبتعد عنه ‪ ..‬يفرغ‬
‫عبوة البندقية ىف صدره ‪ ..‬يرتكونه جلة ىف سيارته وهيربون‪.‬‬
‫تتوافد األها عىل صوت الطلقات ‪ ..‬ينترشون بُلا‬
‫عن دليل ‪ ..‬يوا املجرمون الفرار ‪ ..‬تقابلهم سيارة عمالقة‬
‫يرتيلون لينفسح الطريق ‪ ..‬تلتقط كامريا أحد املقاهى صورة‬
‫ما يدور‪.‬‬
‫هيرع رجال الرشطة إ املكان ‪ ..‬يفرغون الكامريا‬
‫سيارة يستقلها أربعة ‪ ..‬بنادق آلية ىف أيدهيم ‪ ..‬يقباون عىل‬
‫صاحبها ‪ ..‬يرشد عن الباق وعن السالح ‪ ..‬يعرتفون أمام‬
‫النيابة‪.‬‬
‫ينتهى النبأ إ أهل القتيل ‪ .‬تسقط األم العجوز ‪ .‬تفقد‬
‫النطق ‪ ..‬تودع الزوجة الشابة العناية املركزة ‪ ..‬تنقلإ‬
‫األفراح إ أتراح‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫حيالون إ املُاكمة ‪ ..‬تعقد اجللسة وسط زحام‬
‫شديد ‪ ..‬تشدد الرشطة احلراسة عىل القفص ‪ ..‬مقعد متُرك‬
‫أمام املنةة تعتليه األم اللكىل ‪ ..‬الزوجة الشابة تلتُف‬
‫السواد ‪ ..‬تام رنيعها إ صدرها ‪ ..‬تقبض عليه بقوة‬
‫جسدها يرتعد ‪ ..‬حتاول إخفاء الرعدات دون جدوى‪ .‬تتسع‬
‫عيناها وتروح رغام عنها إ القفص ‪ ..‬ام تعود ىف استكانة‬
‫لتتعلق باملنةة ‪ ..‬تبدأ اإلجراءات ‪ ..‬ينهض بالوقوف كوكبة‬
‫من املُام ‪ ..‬يتقدم كبريهم إ املنةة ‪ ..‬يةري دون أن‬
‫يدرى واقفا إ جوارمها ‪ ..‬يلتمس القااء بباءة املتهم‬
‫يلوا القااة إ أنفسهم ‪ ..‬حتال أوراق الدعوى إ فايلة‬
‫املفتى‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪26‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫حىت ال يناله أحد‬


‫ٍ‬
‫شىء ىف حياهتا ‪ ..‬كأنه مل يزل ابن‬ ‫ُمنونة به ‪ ..‬هو كل‬
‫العام ح مات والده من عرشين عاما ‪ ..‬ترافقه ىف ذهابه‬
‫وإيابه ‪ ..‬تنتظره أمام عمله ‪ ..‬خترج معه حتى ىف لقاءات‬
‫أصدقائه ‪ ..‬ال تنام إال وهو ىف حانها‪.‬‬
‫حتركت مشاعره نُو إحدى زميالته ‪ ..‬حداها ىف أمر‬
‫زواجه منها ‪ ..‬مل هتتم ‪ ..‬بُث عن غريها ‪ ..‬مل توافقه‪ .‬فونها‬
‫ىف أن ختتار له ‪ ..‬مل تكرتث ‪ ..‬أعاد عليها الطلإ ‪ ..‬أ بمهلته‬
‫دون رد ‪ ..‬أملح إ إحدى قريباهتا ‪ ..‬قالت إهنا ال حتبها‬
‫يواجهها ملاذا الرفض ‪ ..‬قالت ‪ :‬ماذا ينقةك ؟ ‪ ..‬حاول‬
‫إفهامها ‪ ..‬أغلق بت أذنيها ونُت عقلها‪.‬‬
‫مل جيد بدا من املواجهة ‪ ..‬أماه قررت الزواج وال أجد‬
‫مبرا لرفاك ‪ ..‬ز بُمر بت ‪ ..‬كادت أن تفقد عقلها ‪ ..‬تلتزم‬
‫الةمت ‪ ..‬تتُاشاه حتى ال حيداها‪.‬‬
‫عاد ليطرح املشكلة ‪ ..‬قالت ‪ :‬لن حيدث ما دمت حية‬
‫لن تأخذك منى واحدة ‪ ..‬يطمئنها ‪ ..‬تةم آذاهنا‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ينةُه أحدهم أن يفاجئها ‪ ..‬أماه خطبت ولسوف‬
‫تعجبك العروس‪ ..‬تغادره قبل أن يكمل ‪ ..‬تغلق عليها‬
‫حجرهتا ‪ ..‬تقاطعة‪.‬‬
‫يبدأ ىف جتهيز شقتة ‪ ..‬يبلغها لعلها ترجع ‪ ..‬تتسع‬
‫عيناها ‪ ..‬تكاد ب‬
‫أن جتُظ ‪ ..‬تقوم إ غرفتها ‪ ..‬تسري وكأهنا‬
‫متخشبة ‪ ..‬خاف من نظراهتا ‪ ..‬أوى إ حجرته‪.‬‬
‫جين عليها الليل ‪ ..‬تتزين ‪ ..‬ترتدى مالبس فانُة‬
‫تقتُم عليه حجرته ‪ ..‬تفاجئه ‪ ..‬سأعطيك ما تبُث عنه‪ .‬ال‬
‫يةدق عينيه ‪ ..‬ال يةدق أذنيه ‪ ..‬يقوم مذعورا ‪ ..‬حتتانه‬
‫تنهال عليه تقبيال ‪ ..‬يدفعها ‪ ..‬تقرتب ‪ ..‬يتملص منها‪ .‬حتكم‬
‫عليه قباتها ‪ ..‬توا ما تفعل ‪ ..‬تستمر ‪ ..‬تنهار مقاومته‬
‫يةري وأمه كزوج ‪.‬‬
‫شهران ‪ ..‬االاة ‪ ..‬يعود إ رشده ‪ ..‬يشعر بندم‪ .‬يكره‬
‫رص‪ ..‬قال ‪ :‬لن أعود‬
‫نفسه ‪ ..‬يرفض ‪ ..‬تةمم ‪ ..‬يمتنع ‪ ..‬ت ب‬
‫ولو تقتليننى ‪ ..‬سأتزوج‪.‬‬
‫ترتكه ‪ ..‬تقف متةلبة ‪ .‬تسري ببطء إ غرفتها ‪ .‬جتلس‬
‫عىل حافة الّسير بمالبسها الداخلية ‪ ..‬ينبلج الةباح ‪ .‬تتوجه‬
‫إ حظرية املاشية ‪ ..‬تفتح علبة سم آفات القطن "النيت"‬

‫‪28‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫تأخذ منها ملعقة ‪ ..‬تاع امللعقة ىف كوب اللبن ‪ ..‬تعد له‬
‫اإلفطار ‪ ..‬تقدم له اللبن ‪ ..‬ينقل إ املستشفى ‪ ..‬تةعد‬
‫الروح إ بارئها ‪ ..‬يقبض عليها ‪ ..‬تعرتف ‪ :‬حتى ال يناله‬
‫أحد !‬

‫‪29‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪30‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫ِغياب‬
‫سافر الزوج الشاب بعد شهر واحد من عرسه ‪ ..‬ع بقد‬
‫العمل ُم ٍز ال يمكن رفاه ‪ ..‬متتلل العروس الشابة لاغوط‬
‫احلياة ‪ ..‬تبقى مع أرسهتا حتى يعود ‪ ..‬الشقة غرفتان‪ .‬تتقاسم‬
‫هى وشقيقها إحدامها والوالدان األخرى‪.‬‬
‫جلة ملولود مذبوح ‪ ..‬توا الرشطة‬‫يعلر الناس عىل ٍ‬
‫البُث والتُرى ‪ ..‬هو ابنها‪.‬‬
‫يواجهوهنا تعرتف ‪ ..‬شىء ما كان ينقةها ‪ ..‬حاولت‬
‫مقاومة غرائزها دون جدوى ‪ ..‬جتده هو أمامها ‪ ..‬يقايان‬
‫وقتا طويال من الليل معا ‪ ..‬الوالدان ىف غرفتهام ‪ ..‬تستدرجه‬
‫تبدأ بسؤاله عن عالقاته النسائية ‪ ..‬ال جيارهيا ‪ ..‬تقابله‬
‫بمالبس النوم كلام عاد متأخرا ‪ ..‬ال يكرتث ‪ ..‬تتةنع النوم‬
‫وتظهر شيئا من مفاتنها ‪ ..‬يغطيها ‪ ..‬يايق صدرها ‪ ..‬تعاود‬
‫الكرة ‪ ..‬مل يتوقع مأرهبا ‪ ..‬مل تفقد مجيع احليل‪.‬‬
‫تسهر ذات ليلة حتى يعود ‪ ..‬يبرصها بمالبس‬
‫فانُة ‪ ..‬هيم خارجا ‪ ..‬تغلق الباب ‪ ..‬تةارحه ‪ ..‬يقاومها‬
‫تتمكن منه ‪ ..‬متطره بوابل من القبالت ‪ ..‬ياعفان ‪ ..‬تةري‬
‫هى وشقيقها كزوج ىف غرفتهام املشرتكة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪32‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫سقطا فى اإلخراج‬
‫كان أحدهم يزور اجلار املالصق اهام ‪ ..‬ينزلق احلديث‬
‫إ سريهتا ‪ ..‬متارس الرذيلة مع الرجال دون متييز لقاء مال‬
‫يسأله الزائر عن علم زوجها ‪ ..‬يقول عنه ‪" :‬هو منظم‬
‫املرور"‪.‬‬
‫الداران متالصقان ‪ ..‬اقوب اجلدران تسمح بتبادل‬
‫سامع ما يدور ‪ ..‬يفهم الزوج املعنى ‪ ..‬تلور اائرته ‪ ..‬يرغى‬
‫ويزبد ‪ ..‬يقرر االنتقام‪.‬‬
‫يستل سكينا كبريا ‪ ..‬تتبعه زوجته ‪ ..‬تشد من أزره‬
‫يقتُامن عليه داره ‪ ..‬يتبئ الزائر ‪ ..‬يسدد للجار عرشين‬
‫طعنة ‪ ..‬يسقط قتيال‪.‬‬
‫حيمالن اجللة إ دارمها ‪ ..‬ياعاهنا ىف حجرة النوم‬
‫ترصخ ‪ ..‬هيرع إليهام اجلريان ‪ .‬هى بمالبس نوم فانُة‪ .‬جلة‬
‫رجل ملقاة أرنا بعد تعريتها ‪ ..‬يقول الزوج كانا متلبس‬
‫بالزنا ‪ ..‬شهادة الزائر تفسد اإلخراج‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪34‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫سراب وأطفال‬
‫صاح احلاجإ ص بيُته الشهرية ( حمكم به ) فهإ من‬
‫ىف القاعة واقف ‪ ..‬يبسط القاىض كفيه وهو يمد ذراعيه‬
‫لألمام فيجلسون‪.‬‬
‫جيول ببرصه ىف القاعة ‪ ..‬يلمح القفص احلديدى وقد‬
‫اكتظ عن آخره بمن فيه ‪ ..‬يأمر بإخراج أربعة عرش طفال‬
‫ويبىل اهم مقاعد ىف آخر القاعة‪.‬‬
‫يبدأ ىف فض األحراز ويأمر بتشغيل جهاز الفيديو عىل‬
‫شاشة العرض الكبرية ‪ ..‬تظاهرة كبى ‪ ..‬الفتات مناهاة‬
‫وقذف وإهانات ىف حق الوطن ومؤسساته‪.‬‬‫ٌّ‬ ‫سإ‬
‫للدولة ‪ٌّ ..‬‬
‫تتوا املشاهد ‪ ..‬ختريإ ممتلكات ‪ ..‬إشعال شامريخ‬
‫ونع نار ىف حمالت ‪ ..‬إتالف سيارات ‪ ..‬قطع للطريق‬
‫بإطارات مشتعلة و‪ .....‬و‪ ......‬إلخ‪.‬‬
‫ت بظهر نمن األحداث مقاطع لألطفال ‪ ..‬يفعلون كام‬
‫يفعل الكبار ‪ ..‬يرددون من خلفهم ذات ااهتافات‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يأمر القاىض بإيقاف التشغيل مؤقتا ‪ ..‬يأتى هبم من‬
‫آخر القاعة ‪ ..‬ترتواح أعامرهم ب ب اللاللة عرشة إ ما قبل‬
‫اللامنة عرشة‪.‬‬
‫يعاد التشغيل ببطء ‪ ..‬يااهى أشخاصهم عىل‬
‫الفيديو ‪ ..‬يواجههم ‪ ..‬فيعرتفون‪.‬‬
‫يةمت برهة ‪ ..‬يرخى عين بيه إ املنةة ‪ ..‬ي بطبق عىل‬
‫وترشئإ إليه‬‫ب‬ ‫القاعة صمت ُميف ‪ ..‬حت بملق فيه األع‬
‫األعناق‪.‬‬
‫تتالحق ىف ذهنه تساؤالت شائكة ‪ ..‬هل يدرك هؤالء‬
‫األطفال ما يفعلون ‪ ..‬هل يؤمنون بام يرددون ‪ ..‬هل يعلمون‬
‫مغزى ما يةنعون ‪ .‬هل يستوعبون ىف هذا العمر ما يدور ‪ .‬أيا‬
‫ما كان األمر فقد باتوا ُمرم ‪.‬‬
‫يستشعر أن صمته قد طال ‪ ..‬يسُإ نفسا عميقا‬
‫يرجه ز بفرة دون ص بوت ‪ ..‬يسأاهم برفق ليغوص حلظيا ىف‬
‫نفوسهم وهو يشري إ الشاشة ‪ :‬ملاذا ما رأينا ؟!‬
‫جييبون بتلقائية مفرطة وىف انكسار شديد ‪ :‬قالوا لنا‬
‫ستأخذون بعد املظاهرة ( تى شريتات ) !‬

‫‪36‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫هوس‬
‫حراسات مشددة ‪ ..‬زحام ىف القاعة ‪ ..‬عدد جياوز‬
‫العرشين من جهابزة املُام حيرض معهم ‪ ..‬مرافعات‬
‫ساخنة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ساعات تنتهى خالاها‬ ‫يرفع القاىض اجللسة ‪ ..‬عدة‬
‫املداولة‪.‬‬
‫كانوا مخسة عرش ‪ ..‬يعرتف االاة منهم باستخدام‬
‫العنف ابتغاء إنقاذ الوطن ‪ ..‬تتأيد اعرتافاهتم بأدلة أخرى‬
‫دامغة ‪ ..‬ينكر الباقون وال يتوفر دليل ندهم‪.‬‬
‫جيهز احلاجإ القاعة للنطق باألحكام ‪ ..‬ينبه عىل‬
‫املوجودين ىف القفص بالرد عند النداء ‪ ..‬اللالاة األول‬
‫غائبون ‪ ..‬هربوا من سجنهم قبل املُاكمة ‪ ..‬الباقون‬
‫حارضون‪.‬‬
‫يةيح احلاجإ ‪ ( :‬حمكمة )‪.‬‬
‫ينطق القاىض باحلكم الةادر ىف حقهم ‪ ( :‬براءة )‪ .‬يرصخون‬
‫رغم براءهتم ‪ :‬يسقط يسقط حكم الع بسكر !‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪38‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫قرابني الشيطان‬
‫مل يشأ القدر ب‬
‫أن يتوج حبهام املجنون بإنجاب أبناء ‪ ..‬مل‬
‫ي بفلح طوافهام بعيادات األطباء ومعامل التُاليل ىف إجياد أمل‬
‫حتى الدجالون طرقا أبواهبم دون جدوى ‪ ..‬أعيتهام مجيع‬
‫احليل عن أن جيدا لعقمه عالجا‪.‬‬
‫حزن شديد يسيطر عىل الزوجة الشابة ‪ ..‬ال تدع‬
‫وقتا يمر إال وأعربت فيه عن اشتياقها لألمومة ‪ ..‬يتأمل الزوج‬
‫من أجلها ‪ ..‬يريها ىف الطالق إيلارا اها كى تنجإ من غريه‬
‫فرتفض‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إنجاب فام‬ ‫يطاردها أهلها ‪ ..‬سنوات متر رسيعا دون‬
‫جدوى العيش معه ‪ ..‬تزداد حزنا ومها ‪ ..‬ال تقوى عىل بعاده‬
‫مهام كان السبإ ‪ ..‬مل تتخيل يوما تعيش فيه حلظة واحدة‬
‫بعيدا عنه‪.‬‬
‫يواصل أهلها حمارصهتا ب بغية تطليقها ‪ ..‬ال تكف عن‬
‫كى‬
‫البكاء ‪ ..‬أصبح لساهنا مبُما عىل عبارة "أريد طفال ل ب‬
‫أبقى مع بك"‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫مل يعد أمر اإلنجاب هيمه بقدب ر ما تؤمله أحزاهنا ‪ ..‬مل‬
‫يعد ي بقوى عىل رؤية دموعها الدائمة‪.‬‬
‫أمر جلل ‪ ..‬يواجهها ‪ ..‬سأحقق لك‬ ‫يتفتق ذهنه عن ٍ‬
‫ب‬
‫رغبتك ‪ ..‬يتهلل وجهها ‪ ..‬تنفرج أساريرها عن ابتسامة‬
‫عرياة ‪ ..‬بل تنتفض ىف مكاهنا واقفة لتسمع أخطر نبأٍ ىف‬
‫حياهتا‪.‬‬
‫تسأله ىف ٍ‬
‫اهفة بالغة ‪ ..‬هل كانت التُاليل كاذبة‪ .‬هل‬
‫كانت لشخص آخر ونسبت إليك خطأ ‪ ..‬هل رأيت ليلة‬
‫ب‬
‫دعوتك ‪ ..‬قل كيف ‪ ..‬منذ متى‬ ‫القدر ودعوت فاستجيبت‬
‫تعرف ‪ ..‬وملاذا تركتنى ألتعذب ؟‬
‫يةمت حلظا ٍ‬
‫ت قبل أن يكمل حديله ‪ ..‬متر اللُظات‬
‫وكأهنا دهر ‪ ..‬يستجمع قواه ‪ ..‬يسُإ نفسا عميقا يرجه‬
‫تنهيدة حزينة ‪ ..‬يقول ‪ ..‬سآتيك بمن يعارشك ‪ ..‬ستكون أما‬
‫ب‬
‫أفارقك !‬ ‫ولن‬
‫تسمرت مالحمها ‪ ..‬شلت أعااؤها ‪ ..‬أشاحت عنه‬
‫حلظيا بوجهها ‪ ..‬انتاهبا اخلوف ‪ ..‬تعود لتجلس ىف مكاهنا‬
‫عيناها مفتوحتان دون أن ترمش‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫اللُظات قاسية ‪ ..‬متر اقيلة اقيلة ‪ ..‬تستدير وكأهنا‬
‫متخشبة ‪ ..‬تاُك ىف هيسترييا ‪ ..‬حتتانه ‪ ..‬تغمره بوابل من‬
‫القبالت ‪ ..‬تعلن له موافقتها !‬
‫يقرتح للمهمة قريإ اها اعتاد زيارهتام ‪ ..‬حتدات ىف‬
‫األمر مع قريبها ‪ ..‬يرفض حتى يسمع ذلك من زوجها‪ .‬يوجه‬
‫إليه الزوج ذات الطلإ ‪ ..‬ينزحان إ مدينة كبى ‪ ..‬تنتهى‬
‫املأمورية ‪ ..‬تسعة أشهر وتاع محلها !‬
‫تلور اائرة أهله ‪ ..‬يطردوهنا ‪ ..‬مل يستسلام ‪ ..‬يلتقيان‬
‫خلسة ‪ ..‬يفكران ‪ ..‬لو ختلةنا من الوليد عدنا‪ ..‬يقتالن‬
‫الوليد ‪ ..‬يلتقيان فعال من جديد ‪ ..‬ولكن هذه املرة ىف قفص‬
‫االهتام‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪42‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ْ‬
‫ِوجدان‬
‫مل يةدق القاىض عينيه وهو يطالع أوراق الدعوى‬
‫تنتابه حالة مفاجئة من الدهشة ‪ ..‬تتةاعد دهشته كلام توغل‬
‫ىف القراءة ‪ ..‬ال يريد أن يةدق أهنا هى ‪ ..‬حياول إقناع نفسه‬
‫أن تشاهبا ىف األسامء إ حد التطابق هو ما حدث‪.‬‬
‫مل يبدأ اجللسة بام اعتاد أن يبدأ به ‪ ..‬وجده احلاور‬
‫يوجه برصه إ القفص منذ حلظة جلوسه عىل املنةة يتفُص‬
‫من فيه وهو يميل برأسه قليال يمنة ويّسة ‪ ..‬إهنا هى‪ .‬انزوت‬
‫ىف الركن املالصق للباب مبارشة بعيدا عن الرجال‪.‬‬
‫يعود ببرصه أدراجه وقد بدت عىل مالحمه عالمات‬
‫األسى ‪ ..‬ينادى احلاجإ اسمها ‪ ..‬ينهض حماميها من ُملسه‬
‫يرشع ىف إبداء طلباته ‪ ..‬يرفع القاىض كف يده اليمنى‬
‫مبسوطا ىف مواجهته بام يعنى ‪ :‬انتظر ‪ ..‬ركن إ استجالء‬
‫احلقيقة بنفسه‪.‬‬
‫لقد اقرتب منها منذ ما يربو عىل أربع عاما ‪ ..‬أحبها‬
‫وأحبته ىف زمن الةبا ام تفرقت هبام السبل ‪ ..‬رقة قلبها‬
‫وسمو مشاعرها ال جيعالنه يةدق ما نسإ إليها من جرم‬
‫يقرر التأجيل لليوم التا ملناقشة الطبيإ الرشعى‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫حترش هبا القتيل فجرا وهى ىف انتظار املةعد ‪ .‬دفعتبه‬
‫فسقط أرنا وانتزعت منه مسدسه وأطلق بت منه عيارا ناريا‬
‫قطعى بالرأس يبلغ عرشة سنتيمرتات‬ ‫ٌّ‬ ‫استقر ىف رأسه ‪ ..‬جرح‬
‫ٍ‬
‫ملقذوف نارى علر عليه بمكان احلادث ‪ ..‬بنزف‬ ‫فتُة خروج‬
‫غزير وصدمة أديا للوفاة‪.‬‬
‫مل يأت الطبيإ الرشعى بتعليل لفتُة خروج‬
‫املقذوف النارى بغري فتُة دخول ‪ ..‬مل يذكر سببا للجرح‬
‫القطعى وهو ما ال حيدث من طلق نارى ‪ ..‬ومل ‪ ..‬ومل‪.‬‬
‫يأتى هبا من القفص ‪ ..‬تنظره نظرة طويلة متفرسه‬
‫ختفض وجهها لتتُاشى عينيه ‪ ..‬يوافق حماميها عىل مناقشتها‬
‫يسأاها القاىض وكأنه متيقن من براءهتا ‪ ..‬من كان معك‪ .‬كيف‬
‫حدث اجلرح القطعى ‪ ..‬ملاذا فتُة خروج بغري فتُة دخول‬
‫للمقذوف وملاذا ‪ ..‬وملاذا ؟‪.‬‬
‫تلجلجت ‪ ..‬متتمت بعبارات مل تكملها ‪ ..‬تنساب‬
‫دموعها عىل خدهيا ‪ ..‬يطبق عىل القاعة صمت رهيإ ‪ ..‬ترفع‬
‫وجهها إ املنةة ‪ ..‬تنظر ىف عينيه وكأهنا تقول حقا أنت أعلم‬
‫بى منى ‪ ..‬قالت ‪ :‬القاتل ابنى ‪ ..‬اارت اائرته ح أدرك فعلة‬
‫القتيل معى ‪ ..‬رضبه رضبة قوية أطاحت به فاصطدم رأسه‬

‫‪44‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫بُرف سور السلم ‪ ..‬رصفته ليُرض سيارة إسعاف ‪ ..‬كان‬
‫القتيل قد مات ‪ ..‬أمسكت باملسدس ‪ ..‬ونعته ىف اجلرح‬
‫وأطلقت منه طلقة ‪ ..‬قلت أفتدى ابنى ‪..‬اعرتف ابنى للرشطة‬
‫بُقيقة ما حدث ‪ ..‬ظنوه حيمل الوزر عنى فلم يةدقوه‬
‫وبقيت أنا عىل اعرتاىف فداء له ‪ ..‬هو مل يقتله كان يدفعه بعيدا‬
‫عنى‪.‬‬
‫يرفع القاىض اجللسة ‪ ..‬يرتاح وجدانه ‪ ..‬حييل القاية‬
‫لدائرة أخرى الستشعار احلرج‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪46‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫كواليس اخليانة‬
‫صارت تكرهها كرها ال حدود له بعد أن أيقن بت‬
‫عالقتها بزوجها ‪ ..‬كانتا من قبل صديقت محيمت ال تفرتقان‬
‫معظم الوقت ‪ ..‬إبتلعت آالمها ومل تشأ افتعال مشكلة‬
‫فالةديقة تعرف عنها عالقتها هى األخرى بةاحإ كوافري‬
‫كان حيبها قبل زواجها‪.‬‬
‫العالقة شائكة ‪ ..‬الزوجان شقيقان ‪ ..‬وكل منهام‬
‫تتدخر رسا عن األخرى ‪ ..‬ولكنها استشعرت منها خطرا‬
‫أكب بعد أن صارت أرملة ‪ ..‬وملا راح يتذرع به زوجها من‬
‫وجوب رعايتها هى وابنها الوحيد بعد موت شقيقه عنهام‪.‬‬
‫مل يتوقف احلقد والتخطيط لتدمريها عند حد مع‬
‫راحت توسوس لزوجها بخطورة إمكانية زواجها وصريورة‬
‫اللروة الكبى التى خلفها شقيقه لغريإ جتلبه إليهم‪.‬‬
‫مل يعبأ بكالمها ‪ ..‬يستمر ىف الرتدد عليها ‪ ..‬يالحظ‬
‫تغيريا ملُوظا عىل حياهتا ‪ ..‬يظهر عىل مّسح األحداث ابن‬
‫عمها ‪ ..‬يزورها ىف أوقات كلرية ‪ ..‬نشبت بينهام خالفات‬
‫إن هى تزوجته ‪ ..‬فلروة ابن أخيه لن تذهإ‬‫بسببه ‪ ..‬هددها ب‬

‫‪47‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫لغريإ مهام كان اللمن ‪ ..‬تطرده من مسكنها وحتذره من‬
‫معاودة زيارهتا‪.‬‬
‫جتد زوجته مأرهبا ىف هذا احلدث ‪ ..‬تشتد وسوستها‬
‫له ‪ ..‬متأل قلبه حقدا عليها وعىل ابنها ‪ ..‬هذه اللروة ال جيإ أن‬
‫تايع سدى ‪ ..‬بل ابننا أو هبا ‪ ..‬أنت تعلم أهنا خائنة‬
‫ويمكنها تفايل ابن عمها عىل ابنها ‪ ..‬ف بليمت االبن لتعود‬
‫إليك اللروة‪.‬‬
‫يشيع نبأ عقد ابن عمها العزم عىل الزواج منها ‪ ..‬يغىل‬
‫الدم ىف عروقه ‪ ..‬يتذكر ما قالته زوجته ‪ ..‬يتملك منه‬
‫الشيطان ‪ ..‬يةمم عىل قتله‪.‬‬
‫يرتصدها حال عودهتا هى وابنها ىف ساعة متأخرة من‬
‫الليل ‪ ..‬يطلق عيارا ناريا صوب اإلبن فريديه قتيال ىف احلال‬
‫ويةيبها العيار ىف ذات الوقت وتنقل إ املستشفى‪.‬‬
‫حترض األم اللكىل جلسة املُاكمة ‪ ..‬يطلإ حماميها‬
‫سامعها ىف جلسة رسية إلبداء أقوال جديدة مل تقلها من قبل‬
‫ىف حتقيقات النيابة‪.‬‬
‫يرفع القاىض اجللسة ‪ ..‬يأتى باملتهم من القفص إ‬
‫غرفة املداولة ‪ ..‬توجه حديلها للقاىض وكأهنا جتيد املرافعة‬

‫‪48‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫أعلم أنكم قد تقاون بإعدامه ‪ ..‬ولكنى أراها عقوبة غري‬
‫كافية فلسوف يسرتيح باملوت‪.‬‬
‫تستدير لتكون ىف مواجهة املتهم ‪ ..‬تتقلص عاالت‬
‫وجهها ‪ ..‬تاغط عىل أسناهنا بقوة وفكاها يتُركان يمنة‬
‫ٍ‬
‫بنظرات ينبعث منها الرشر ‪ ..‬ختاطبه وقد‬ ‫ويّسة ‪ ..‬حتدق فيه‬
‫اتسعت عيناها اتساعا غريبا ‪ ..‬أما أنت ‪ ..‬فقد جئت اليوم‬
‫ألقول لك ما مل تعلمه ‪ ..‬ألحرق قلبك قبل أن متوت‪ .‬أتعرف‬
‫من الذى قتلته ؟ ‪ ..‬الذى قتلته هو ابنك ‪ .‬مح بلت به منك‬
‫أتذكر متى ‪ ..‬بالطبع أنت تذكر‪.‬‬
‫تةم بت ‪ ..‬تستمر حمدقة فيه للُظات ‪ ..‬يطبق‬
‫الةمت مع صمتها عىل املكان ‪ ..‬فغرت األفواه واتسعت‬
‫العيون ‪ ..‬يةاب املتهم بالذهول ‪ ..‬حيملق محلقة وكأن عينيه‬
‫أوشكتا عىل اجلُوظ ‪ ..‬يفتح فاه ليتكلم ‪ ..‬يتُرشج صوته‬
‫وال يقدر عىل الكالم ‪ ..‬بقى فاغرا فاه مادا يده إ األمام‬
‫ينتاهبا نُك هيستريى يقطع الةمت بةورة مأساوية تقول‬
‫والاُك يتعا ويتعا ‪ ..‬وابنك الذى ىف بيتك ليس ابنك‬
‫هو ابن فالن الكوافري ‪ ..‬يسقط املتهم عىل األرض ‪ ..‬تستمر‬
‫ىف الاُك ‪ ..‬يرفع القاىض اجللسة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪50‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫عندما يرعى الذئاب‬


‫جن عليها الليل ومل يعد زوجها عند منتةفه كام اعتاد‬
‫الشتاء قارس وصوت هطول األمطار والرعد جعال رهبة‬
‫شديدة مل تعتدها من قبل تدب ىف أوصااها‪.‬‬
‫ساورها القلق لتأخره ‪ ،‬فأجرت اتةاال به ‪ ،‬فأجاهبا‬
‫بقرب عودته ‪ ،‬وأردف بأن صديقة سيُرض خالل دقائق‬
‫فلتايفه حتى يعود‪.‬‬
‫طرقا خفيفا عىل الباب‪ .‬هو‬
‫فور إغالق ااهاتف تسمع ب‬
‫صديقه الذى ال ينفك عنه أغلإ األوقات‪.‬‬
‫مل يكن أمر حاور الةديق مستغربا ىف ملل هذا‬
‫الوقت ‪ ،‬فقد اعتادا التالزم ليل هنار ‪ ،‬ال يفرقهام سوى‬
‫ساعات النوم ‪ ،‬ومما بأزكى هذا التالزم أن عمال واحدا‬
‫جيمعهام ذهابا وإيابا فال يكادان يفرتقان‪.‬‬
‫كم استقبلتبه ىف بيتها حتى ىف غياب زوجها إ أن‬
‫يعود ‪ ..‬مل يبدر منه يوما ما يوغر صدرها وال ما جيعلها ترفض‬
‫استقباله أو ختشاه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يدخل الةديق كالعادة ‪ ..‬قةد ذلك املكان‬
‫املخةص للقاء الايوف ‪ ..‬تستأذنه لتعد له مرشوبا ‪ ..‬عىل‬
‫غري عادته يطلإ منها أن جتالسه ‪ ..‬مل يفعلها من قبل‬
‫إستدارت إليه متجهمة حمملقة وتيار من اخلوف املفاجىء بدأ‬
‫يّسى ىف أوصااها ‪ ..‬مل تنبس بكلمة ‪ ..‬وكأن صمتها يعنى‬
‫هات ما عندك‪.‬‬
‫تنفرج شفتاه عن ابتسامة ماكرة ‪ ..‬يلمع ىف عينيه مكبر‬
‫اخليانة ‪ ..‬تتسارع دقات قلبها ‪ ..‬تاغط فكيها عىل بعاهام ىف‬
‫حركة ال إرادية ‪ ..‬ينطق بعبارات غزل رصيح ىف مفاتن‬ ‫ٍ‬
‫جسمها‪.‬‬
‫خترج عن صمتها كالبكان املنفجر ‪ ..‬ترصخ فيه‪ .‬ماذا‬
‫دهاك هذه الليلة ‪ ..‬أجننت أم أنك سكران ‪ ..‬ينتفض من‬
‫ُملسه ‪ ..‬ينقض عليها كاللور ااهائج ‪ ..‬تقاومه ‪ ..‬يشق قبلها‬
‫بعنفوان بالغ ‪ ..‬تدفعه دفعة قوية تلةقه باحلائط املقابل‬
‫ترصخ رصخة مدوية ‪ ..‬ينفتح الباب ىف ملح البرص ‪ ..‬جتد‬
‫زوجها من خلفها يسد فاها بكف يده‪.‬‬
‫تنفلت من ب يديه ‪ ..‬حتملق فيه بشدة وهى ترجتف‬
‫ٍ‬
‫بكلامت ال تريد مقاطعها أن تكتمل ‪ " :‬هو الذى ‪....‬‬ ‫تتمتم‬

‫‪52‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫أنا فوجئت ‪ ....‬هو ‪ ....‬أنا ‪ .....‬ال أدرى ما ‪ " ....‬ام تنهار‬
‫لتدخل ىف نوبة من النُيإ‪.‬‬
‫الزوج هيدئ من روعها ‪ ..‬يامها إ صدره‪ .‬ي بربت‬
‫عىل كتفيها ‪ ..‬تأنس إ أنه لن يسىء فهمها‪.‬‬
‫هتدأ قليال ‪ ..‬الةديق جيلس ىف مقعده ‪ ..‬ابتسامة‬
‫باهتة عىل شفتيه ‪ ..‬يتبادل مع زوجها نظرات غريبة ‪ ..‬يرد‬
‫عليه الزوج بابتسامة مماالة ‪ ..‬تواجهه بنظرة حادة بعين قد‬
‫اتسعتا إ درجة جُوظ املقلت ‪ ..‬يفهم زوجها النظرة‬
‫يتبسم ىف وجهها ‪ ..‬يبها هبدوء ‪ ..‬أنا الذى طل ببت منه ما‬
‫فعل !‬
‫تدفعه هو اآلخر دفعة قوية ‪ ..‬تفقد السيطرة عىل‬
‫أعةاهبا ‪ ..‬تبةق ىف وجهه عدة مرات ‪ .. ..‬تطلق رصخات‬
‫مدوية بقوة ما اعرتاها من نذالته ‪ ..‬يمأل الرصاخ أرجاء‬
‫املكان ‪ ..‬يتجمع اجلريان ‪ ..‬يبرصون قبلها وقد شق فأظهر‬
‫عورهتا ‪ ..‬يتُفظون عىل الةديق ‪ ..‬عبلا حاول الزوج‬
‫إاناءهم عن إبالغ الرشطة ‪ ..‬يزعم كذبا أنه الذى دفع به‬
‫الختبار خلقها‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ت برتى باقى الوقائع ‪ ..‬كانا قد اتفقا عىل تبادل‬
‫الزوجات وفاز هو ببدء املارااون ‪ ..‬ب بيد أنه مل يقو ملل صديقه‬
‫عىل أن يطلإ منها ذلك فرتكه وشأنه معها ‪ ..‬كان الدور عىل‬
‫الةديق ىف حراسته املشددة وهو ينتظره خارج الباب‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫أسباب ما كان‬
‫عام مر عىل زواجهام مل يشعر خالله بانسجام تام‬
‫يشعر أن شيئا هاما مل يزل ينقةه ‪ ..‬حاول كلريا إفهامها ولكن‬
‫دون جدوى ‪ ..‬تةمم عىل قناعتها بعكس ما ينتظر منها‪.‬‬
‫قرر مواجهة أمها بأمرها ‪ ..‬ولكن حرية شديدة‬
‫متلكت تفكريه ‪ ..‬أإذا جترأ وباح اها فهل سي بمكنها استيعاب‬
‫ما يشكو ‪ ..‬أم ستعتب األمر رضبا من رضوب العبث ‪ ..‬هل‬
‫ٍ‬
‫استهجان تعقبها ابتسامة ساخرة ‪ ..‬أم سرتاه‬ ‫ستنظره نظرة‬
‫ٍ‬
‫قاسية من ماديات احلياة ‪ ..‬بل‬ ‫ٍ‬
‫أجواء‬ ‫ترفا ال حمل له وسط‬
‫خشى كلريا أن حتسبه متجاوزا حدود األدب‪.‬‬
‫جلس معها مهموما تبدو عليه عالمات األسى ‪ ..‬مل‬
‫يعرف من أين يبدأ ‪ ..‬ولكنه استطاع أن يلمح إ رؤية ابنتها‬
‫لتلك املسألة ‪ ..‬وكيف إ أى ٍ‬
‫حد تراها عبئا ‪ ..‬وإذا سلمت‬
‫هبا مرة راوغت منها مرات ‪ ..‬وعند حةواها فكأهنا غري‬
‫موجودة ‪ ..‬وكيف أنه كلام أفهمها رمقته بنظرة استنكار بُجة‬
‫أهنا زوجته وليست من نساء ااهوى‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫تبدو عىل وجهها ىف التو عالمات االمتعاض‪ .‬تستنكر‬
‫ما يقول دون أن تدرى ح أجابته باقتااب ‪" :‬عيإ هو‬
‫احلديث ىف أم ٍر كهذا ‪ ..‬ماذا تقول عنى ابنتى إذا حتدات فيه‬
‫معها"‪.‬‬
‫ينةُه أحدهم بأن ي بلنى ويدعها وشأهنا ‪ ..‬إحدى‬
‫قريباته مطلقة وال حتتاج سوى زوج ‪ ..‬متلك شقتها ودخال‬
‫ماديا كبريا ولن تطلإ مسكنا وال نفقات ‪ ..‬ورشطها أن‬
‫يكون زواجا عرفيا‪.‬‬
‫جيد ىف اقرتاح صديقه مالذا ملتاعبه ‪ ..‬ينفذ فورا دونام‬
‫تفكري ‪ ..‬يشيع النبأ ‪ ..‬تلور اائرهتا ‪ ..‬مل تتوان عن رفع دعوى‬
‫التطليق للرضر‪.‬‬
‫رسية كان ب بوحها ولكن بعد فوات األوان‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جلسة‬ ‫وىف‬
‫وكأهنا دون أن تدرى أرادت باسرتجاع وصايا جدهتا العجوز‬
‫ليلة ما قبل الزفاف أن حتط عن نفسها قالة التقةري‪.‬‬
‫قالت تسبقها دموعها ‪ :‬ال أرانى قرصت معه ىف شىء‬
‫كان يريدنى عىل نُو ما ‪ ..‬متناسيا أننى زوجته ولست بائعة‬
‫هوى ‪ ..‬ولكن كيف ذلك وقد علمتنى جدتى العفة واألدب‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫تسُإ نفسا عميقا مهموما خترجه زفرة حارة تسدل‬
‫ٍ‬
‫بةوت‬ ‫رموش عينيها ‪ ..‬تطأطئ رأسها قليال ‪..‬تستكمل‬
‫خفيض وهى ال تنظر إ أحد ‪ ..‬الزلت أذكر وصاياها‪ .‬قالت‬ ‫ٍ‬
‫إياك إذا احتاجك إظهار أن ذاك الشىء كنت ترغب ‪ ..‬ب‬
‫وإن‬
‫احتجته أنت فُذار من أن تظهريه ‪ ..‬وإذا ما كان فال تنطقي‪.‬‬
‫إشفاق تتبابعها برفق ‪ ..‬ترفع وجهها وقد‬ ‫ٍ‬ ‫نظرات‬
‫ٍ‬
‫حزين‬ ‫ٍ‬
‫بةوت‬ ‫محرة ظاهرة ‪ ..‬توجه حديلها إ القاىض‬ ‫علتبه ب‬
‫يكاد يتهدج ‪ ..‬هذا أدب تربينا عليه ‪ ..‬فامذا جن بيت‪.‬‬
‫تبلغ اجللسة منتهاها ‪ ..‬يقفل الكاتإ املُرض عقإ‬
‫إابات ما أ بملته عليه دون أن تدرى أنه من أسباب ما كان‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪58‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫اجلزاء‬
‫كانت الريح هتإ رصرصا عاتية ‪ ..‬والسامء ملقلة‬
‫بسُإ سوداء متكاافة حجبت الشمس عن البزوغ ‪ .‬ول بسعة‬
‫البد قارسة تلفح الوجوه فتلجئ الناس إ التوارى من‬
‫الطريق‪.‬‬
‫مل يمنعه هذا اجلو العاصف املكفهر عن الذهاب إ‬
‫جهة عمله ىف اليوم التا مبارشة لإلفراج عنه ‪ ..‬وما أن‬
‫وطئت قدماه باب املبنى حتى قةد ذلك املكتإ الذى مجعهام‬
‫قرابة عام قبل سجنه ‪ ..‬مل جيدها هناك ‪ ..‬كل ما قالوه عنها إهنا‬
‫استقالت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كرتث هبذا الزمهرير‬ ‫و وجهه شطر مسكنها غري م‬
‫املكان شبه قرية ساحلية أقيمت قرب شاطئ البُر خلف‬
‫منطقة شعبية‪.‬‬
‫سار ي بسرتق اخلطى ع بب شارع طويل حتفه أشجار‬
‫كليفة ترنُت فروعها وتالطمت أوراقها ‪ ،‬فكانت ستارا‬
‫كئيبا يزيد من اإلحساس بالوحشة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫وقف عىل بعد أمتار من منزل بسيط رضب من حوله‬
‫سور من الطوب احلجرى الذى يميز بنايات هذا املكان ‪ ..‬مل‬
‫ختطئه عيناه ‪ ..‬كم تردد عليه قبل االث سن خالل خطبته اها‬
‫وكان له فيه ذكريات مجيلة‪.‬‬
‫ملهوف كمن يتطلع إ قش ٍة ىف‬
‫ٍ‬ ‫راح يتطلع إليه بقلإ‬
‫البُر ليتعلق هبا معتقدا أن فيها نجاته ‪ ..‬وأخذ يسُإ‬
‫أنفاسا عميقة من هواء البُر النقى ليطرد به هواء الزنزانة‬
‫الكريه الذى مل تزل آااره عالقة ىف صدره‪.‬‬
‫دارت برأسه ذكريات هذا البيت الذى قىض فيه‬
‫ساعات هنيئة ‪ ..‬وطنت ىف رأسه آخر عبارة سمعها منها وهم‬
‫يقتادونه إ السجن يوم النطق باحلكم ‪" ..‬سأنتظرك حتى‬
‫تعود" ‪.‬‬
‫رشد بذهنه خالل وقفته حيدث نفسه من جديد ‪ ..‬من‬
‫املؤكد أهنا اآلن ىف انتظارى ‪ ..‬سيشعر قلبها أننى جئت‬
‫ستطل حاال من النافذة ‪ ..‬أو ربام تكون واقفة خلف الباب‬
‫ستتلقفنى ب أحااهنا وتغمرنى بوابل من القبالت ‪ ..‬سيقفز‬
‫قلبها من ب نلوعها فرحا ‪ ..‬ستذهل من املفاجأة ‪ ..‬وربام‬
‫تسقط من هواها مغشيا عليها‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫كانت حديلة عهد بالعمل ح التُقت به ‪ ..‬مجعهام‬
‫مكتإ واحد ورسعان ما مال كالمها لآلخر فخطبها‪.‬‬
‫خدعها أحدهم وقدم اها بيانات عىل خالف احلقيقة‬
‫لتستخرج هبا شهادة ‪ ..‬ساعدها وحرر بخط يده الشهادة التى‬
‫محلت من بعد توقيعها بةفتها املوظف املختص‪.‬‬
‫أجري بت حتقيقات موسعة كانت ستطااها ‪ ..‬ختيلها‬
‫مكبلة باألغالل نزيلة السجن فلم يقبل الةورة ‪ ..‬مل يقو عىل‬
‫ت بركها لتلقى هذا املةري‪.‬‬
‫يعرتف أنه الذى زور الشهادة ودسها ب أوراقها‬
‫ليستُةل خلسة عىل توقيعها ‪ ..‬المت نفسها حينها ولكنها‬
‫امنت تاُيته ووعدته باالنتظار ‪ ..‬وعند اقتياده للسجن‬
‫عاهدته بذات الوعد من جديد‪.‬‬
‫وبينام خياالت صورة استقباله ترتسم أمام ناظريه فإذا‬
‫بباب السور ينفتح ‪ ..‬هتلل وجهه ‪ ..‬فرح فرحة عارمة ‪ ..‬إهنا‬
‫هى ‪ ..‬بجاماها وحسن طلعتها ‪ ..‬مل تتغري عام كانت عليه منذ‬
‫االث سن ‪ ..‬ولكن من هذا الطفل الذى حتمله ‪ ..‬ومن هذا‬
‫الرجل الذى ي بتبعها‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫سارت عدة خطوات ‪ ..‬فوجئت به وجها لوجه‬
‫ارتعد جسدها ‪ ..‬انطربت مالحمها ‪ ..‬أخذت حتملق فيه‬
‫ورضبات قلبها تكاد أن تسمع‪.‬‬
‫جرى ص بوهبا ‪ ..‬أصبح عىل بعد مرت واحد منها‪ .‬ق ببل‬
‫أن ينطق بُرف صار الرجل إ جوارها ‪ ..‬أشارت إليه‬
‫بةوت مرتعش ‪ ..‬زوجى ‪ ..‬والتفتت إ زوجها‬ ‫ٍ‬ ‫وقالت‬
‫لتقول "كان زميىل سابقا"‪.‬‬
‫زُمرت الريح وأخذت‬ ‫عاد املطر ليهطل برشاسة ‪ ..‬ب‬
‫تةفر ‪ .‬استدار ال يدرى أللخلف يسري أم ىف اجتاه آخر‪ .‬أ بطلق‬
‫العنان لساقيه وطفق راجعا‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫بائعا الباجنو‬
‫يستدعيان املشكوك ىف أمرمها ملواجهتهام فينكران‬
‫يرصفاهنام مؤقتا عىل ذمة إجراء املزيد من املعلومات‪.‬‬
‫اعتيادمها املبيت ىف بناية‬ ‫تتوصل املعلومات إ‬
‫مهجورة هناك عىل أطراف القرية ‪ ..‬ينتةف الليل ‪ ..‬يدامهان‬
‫املكان ‪ ..‬يبرصاهنام يدخنان املخدرات ‪ .‬هتللت رسائرمها‪ .‬نظر‬
‫كل منهام لآلخر نظرة ابتهاج تعنى نج بُنا ىف خطة البُث‬
‫وهذا أول اخليط ‪ ..‬ينتفض املدخنان ذعرا عىل إار رؤيتهام‬
‫سكينتان كبريتان حيرز كل منهام واحدة‪.‬‬
‫أجريا حتقيقا وعقدا ىف ذات اللُظة املُاكمة ‪ ..‬ال‬
‫يافان أحدا وال يؤمنان بوجود قانون ‪ ..‬ىف البدء ينكر‬
‫ٍ‬
‫وجذب وىف حلظة عنجهية‬ ‫ٍ‬
‫وشد‬ ‫املابوط بان ‪ ..‬وبعد جدال‬
‫غري حمسوبة يتجرآن القول ‪" ..‬نعم فعلنا"‪.‬‬
‫ينظر كل منهام لآلخر وهو يطوح بالسك ىف ااهواء‬
‫قال كبريمها ‪ :‬إذن البد من دفع اللمن‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يتقدم صاحبه ‪ .‬يسُإ واحدا من املعرتف ب ‪ .‬يطرحه‬
‫ٍ‬
‫ركالت‬ ‫أرنا ‪ ..‬يواق يديه وقدميه بُبل ‪ ..‬بيركل فيه بقدمه‬
‫متتابعات حتى يةري إ جوار احلائط ‪ ..‬ام جيعل وجههه‬‫ٍ‬
‫ناحية مّسح األحداث ليبرص ما سوف يكون‪.‬‬
‫يأتيان باللانى ‪ ..‬يواقان يديه وقدميه بُبل آخر‬
‫يكبانه عىل وجهه ‪ ..‬جلسا حول رقبته ىف عكس اجتاه بعاهام‬
‫وراح كل منهام جيز بسكينه ىف عنقه بكل رشاسة‪.‬‬
‫ينطلق الدم من العنق كنافورة مياه ‪ ..‬ينتُيان جانبا‬
‫إ جوار احلائط تفاديا للدماء ‪ ..‬ينتفض اجلسد ‪ ..‬يتُرك عىل‬
‫األرض لعدة أمتار وكأنه يمشى عىل صدره ‪ ..‬يسكن بعدها‬
‫وتةعد الروح إ بارئها ىف السامء‪.‬‬
‫يبرص زميله بشاعة التنفيذ ‪ ..‬يفتح فاه عن آخره يريد‬
‫أن يرصخ ‪ ..‬أبت الرصخة أن خترج ‪ ..‬خرج صوت مابوحا‬
‫مبُوحا بالكاد يسمع ‪ ..‬ينظف كل منهام سكينه من الدماء‬
‫ىف شعره ‪ ..‬ينتفض ظنا أن دوره قد حان‪.‬‬
‫يشعل كل منهام سيجارة حمشوة بنبات البانجو‬
‫وينفلان ىف وجهه الدخان ‪ ..‬يستعطفهام بذات الةوت‬

‫‪64‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫املتُرشج ليخليا سبيله ‪ ..‬يتوسل إليهام باإلشارات بعد أن‬
‫غاب صوته ‪ ..‬يعدمها بأنه ما رأى وما سمع شيئا مما جرى‬
‫ولكن عبلا حاول إاناءمها ‪ ..‬يقهقهان لبالهته ‪ ..‬يسُبانه‬
‫بعيدا عن اجلدار ‪ ..‬يكبانه عىل وجهه ‪ ..‬يذبُانه بذات‬
‫الطريقة‪.‬‬
‫ينكشف أمر اجللت املذبوحت ‪ ..‬تةل إليهام يد‬
‫العدالة ‪ ..‬يعرتفان ‪ ..‬كانا يبيعان املخدرات ىف ونح النهار‬
‫عىل قارعة الطريق من خالل "توك توك" حيفظان فيه‬
‫بااعتهام ‪ ..‬حيةون العدد ىف هناية اليوم فيكتشفان رسقة‬
‫"باكتت " من البانجو ‪ ..‬يسرتجعان رشيط البيع ‪ ..‬كان‬
‫القتيالن أحدمها يشاغلهام واآلخر يقف إ جوار "التوك‬
‫توك" بالق بطع مها وقطع الرقاب كان اللمن‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪66‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫الثمن‬
‫استعانت به كرشيك ‪ ..‬فهى كام قالت "ال تفك‬
‫اخلط" ‪ ..‬يشهد اها اجلميع باملهارة والذكاء ‪ ..‬متكنت خالل‬
‫سنوات قالئل أن تتُول من بائعة خاار عىل قارعة الشارع‬
‫الذى تسكنه إ صاحبة حمالت كبرية ‪ ..‬ام أخريا كام شاع‬
‫عنها إ "سيدة أعامل"‪.‬‬
‫راقت فكرهتا جلارها صاحإ ورشة الرخام ‪ ..‬لدهيا‬
‫أموال ستبدأ هبا ‪ ..‬ولكن أحدا لن يقبل استلامر أمواله ىف‬
‫اخلاار ‪ ..‬فإذا كان ىف تةدير واسترياد الرخام فإن األمر ال‬
‫شك سيختلف‪.‬‬
‫أعدت مكتبا كبريا فاخر الديكور واألااث‬
‫والواجهات ‪ ..‬اعتلت املكتإ يافطة تبهر األنظار ‪" ..‬فالنة‬
‫لالستلامر" وزعت اإلعالنات عن النشاط ىف الطرقات وعىل‬
‫أبواب املساجد ‪ ..‬وتم النرش ىف الةُف املخةةة‬
‫لإلعالنات‪.‬‬
‫ىف وقت قياسى كانت حديث املدينة ‪ ..‬تعطى فائدة‬
‫مائة ىف املائة كل االث شهور ‪ ..‬جرهبا الناس ملدة سنة كاملة‬
‫مل تتوقف شهرا واحدا ‪ ..‬ومل يقل أحد بُةول أية مشكلة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫اهنالت عليها األموال بغزارة ‪ ..‬جاء الط بعم بسمك‬
‫كلري ‪ ..‬من سبق له التعامل باع ما لديه من أصول اابتة‬
‫وسلمها أاامهنا ‪ ..‬ومن يعرف ُمددا يسيل لعابه‪.‬‬
‫كانت الطوابري متتد ملسافات طويلة بغية استلامر‬
‫الواقف ألموااهم ‪ ..‬املقابل ال يقاوم ‪ ..‬وكانت األموال تودع‬
‫ىف حساب مشرتك مع رشيكها‪.‬‬
‫رويدا رويدا كان التعلل بظروف البالد وركود‬
‫السوق ‪ ..‬انتاب الناس القلق ‪ ..‬رست أنباء عن هروب‬
‫رشيكها باألموال إ "فاس"‪.‬‬
‫جتمهر الناس ‪ ..‬دامهت الرشطة املكان ‪ ..‬كان جواز‬
‫سفرها حيمل تأشرية مغادرة ىف اليوم التا هى األخرى إ‬
‫"فاس"‪.‬‬
‫امتألت القاعة عن آخرها باملخدوع ‪ ..‬بدأت‬
‫اجللسة فهإ من ىف الةفوف األو إلابات حاورهم‬
‫كمدع باحلق املدنى ‪ ..‬أطباء ‪ ..‬نباط ‪ ..‬أساتذة جامعة‬
‫مهندسون ‪ ..‬حمامون ‪ ..‬جتار ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫جال فيهم القاىض بنظره واحدا واحدا كأنه يتفرس‬
‫مالحمهم ‪ ،‬ودارت ىف ذهنه للُظات عدة تساؤالت ‪ ..‬ملاذا‬

‫‪68‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫صدق هؤالء أن جتارة ما يمكن أن تدر عائدا مائة ىف املائة‬
‫هل جالسها أحدهم قبل أن يسلمها أمواله ‪ ..‬كيف رأوها‬
‫وكيف كانت هى تراهم ‪ ..‬وملاذا صدقوها ‪ ..‬و ‪ ..‬و ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫أطبق عىل القاعة ىف هذه اللُظات صمت كئيإ‪ .‬بدد‬
‫ٍ‬
‫بسؤال توجه به إليهم ‪ ..‬هل كنتم تةدقون ؟‬ ‫هذا الةمت‬
‫نظر بعاهم إ بعض وعادوا إليه بأبةارهم وهم ال‬
‫ينطقون ‪ ..‬هز رأسه عموديا هزت أو االاة ‪ ..‬ام توجه إليها‬
‫ىف القفص بذات السؤال ‪ ..‬ملاذا صدقوك ‪ ..‬قالت وهى‬
‫تبتسم ‪ :‬طامعون‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪70‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫املشاغل‬
‫ٍ‬
‫جلسة كان‬ ‫مل يقو والدها عىل إبداء شهادته حتى ىف‬
‫البد أن تكون رسية ‪ ..‬وقف مطأطئ الرأس يتُاشى التقاء‬
‫نظره بمن حوله‪.‬‬
‫حلف اليم وجاء لينطق فانعقد لسانه وراح ىف نوبة‬
‫بكاء مرير ‪ ..‬ترفق به القاىض إ ح ام عاد ليسأله ‪ ..‬نظر‬
‫إليه بعين زائغت دامعت وأجهش بالبكاء ‪ ..‬خفض بعدها‬
‫وجهه ومد يده ىف جيبه وأخرجها بعدد من الةفُات‬
‫ملُاداة جرت عىل "الواتس آب"‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صفاقة بالغة ‪:‬‬ ‫ترجاه ىف املُاداة أن يتزوجها ‪ ..‬أجابه ىف‬
‫‪ -‬ال أتزوج عاهرة‪.‬‬
‫يسأله وكأنه يسرتمحه ‪:‬‬
‫‪ -‬وماذا تريد منا يا ولدى ؟‬
‫يستمر ىف صفاقته ‪:‬‬
‫‪ -‬تعود كام كانت ولن أتزوجها‪.‬‬
‫يستعطفه ‪ ..‬يتمسك هو بموقفه ‪ ..‬بل يتوعده ‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫‪ -‬ب‬
‫إن مل تأتنى غدا نرشت عىل املأل ما أرسلته لك من قبل‪.‬‬
‫مل تنجح املساومة ‪ ..‬أرسل صورها العارية ومقاطع‬
‫الفيديو الفانُة "إليمالت" وبرامج املُاداات "والفيس‬
‫بوك" جلميع أصدقائها وصديقاهتا ‪ ..‬رست الفايُة ب‬
‫أقراهنا ىف كليتها العملية املرموقة رسيان النار ىف ااهشيم‪.‬‬
‫تسقط أمها مغشيا عليها ‪ ..‬وينقل األب إار ارتفاع نغط الدم‬
‫املفاجئ إ املستشفى‪.‬‬
‫يلبت القاىض ما حوته صفُات "الواتس آب"‬
‫ويعفيه من أن يعيد بلسانه تقطيع قلبه ‪ ..‬فباقى األوراق حتمل‬
‫ما كان‪.‬‬
‫وحيدة هى ألبوين أستاذين ىف علمهام ‪..‬مل جتد من‬
‫جليس وال أنيس ومها يتنقالن من تدريس إ عمل ىف‬
‫الةيدليات املتعددة اململوكة اهم ‪ ..‬إ إنشاء املزيد منها ‪ ..‬إ‬
‫‪ .....‬وإ ‪ ....‬وإ ‪ ....‬ال تقابلهام هنارا إال مةادفة ىف‬
‫املةعد ‪ ..‬وعندما يعودان فجرا تكون قد خلدت إ نومها‪.‬‬
‫إستعانت به عنهام ‪ ..‬جيمعهام صف اانوى واحد ىف‬
‫مدرسة واحدة ‪ ..‬مل يكن له راعيا ‪ ..‬والداه معاران للخارج‬
‫ويعيش مع جدته ‪ ..‬إستمرا طيلة سنوات االاة ال يفرتقان‬

‫‪72‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يرجان ويمرحان ويعودان كام حيلو اهام ‪ ..‬مل يسأاها أحد إ‬
‫أين تذهإ ‪ ..‬ومتى عادت ‪ ..‬وفيم كان خروجها ‪ ..‬جوامح‬
‫الغريزة مل جتد اها كوابح وال مراقبا ‪ ..‬بلغ األمر حد تةوير‬
‫لقاءاهتام اجلنسية الكاملة بطريق الفيديو ‪ ..‬وملا عادت لرشدها‬
‫فور دخول اجلامعة قاطعته ونأت عنه ‪ ..‬فكان ما كان من‬
‫صنيعه‪.‬‬
‫ي برشع األطراف ىف االنرصاف بعد انتهاء املرافعة‬
‫يستوقفه القاىض لبهة ‪ ..‬يسأله ٍ‬
‫برفق كأنام أراد أن يوجهه ‪:‬‬
‫‪ -‬أنت وأمها أين كنتام ؟‬
‫يفض نظره ‪ ..‬تتُرك شفتاه كأهنا ترتعش ‪ ..‬جييإ‬
‫ٍ‬
‫بةوت متهدج فيه حرشجة ‪ ( ..‬املشاغل )!‬

‫‪73‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪74‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫ِشيزوفرينيا‬
‫وقف ىف القفص مبتسام بلُيته السوداء املهذبة‬
‫املهنبدمة ال يلوى عىل شىء ‪ ..‬كوكبة من مشاهري املُام‬
‫تنتةإ أمام املنةة للدفاع عنه ‪ ..‬قاطعهم فور ملواهم‬
‫ليتُدث قبلهم ‪ ..‬رمقوه استنكارا ولكنه مل يسكت‪.‬‬
‫مل يدب ر أن القاىض ود ىف قرارة نفسه أن يغوص بداخله‬
‫كيف يفكر ‪ ..‬ما وجه قناعته فيام ارتكإ ‪ ..‬وماذا لو أنه‬
‫استبدل األدوار ‪ ،‬فكان هو وابنته أو زوجته مكان من فعل‬
‫هبم ما فعل ‪ ..‬وكيف يرى حكم الدين الذى ا بلتُى امتلاال له‬
‫ىف هذه املسألة‪.‬‬
‫رفع القاىض كفه ىف مواجهة الدفاع ب‬
‫أن تريلوا ‪ ..‬ام‬
‫أشار إليه ليأتى بام عنده‪.‬‬
‫ظن أنه عىل منب زاوية أسفل عامرة أو ىف نجع أو كفر‬
‫أو حارة ُمهولة ‪ ..‬ب بسمل ومحد وأانى ‪ ،‬واسرتسل ىف مقدمة‬
‫محلق فيه بعض حماميه دون جدوى ليخترص‪.‬‬ ‫طويلة ‪ ..‬ب‬
‫ونع القاىض كوعه األيمن عىل املنةة ‪ ،‬وأقام‬
‫ساعده وأسند عىل كفه األيمن وجهه والتفت إليه ىف القفص‬

‫‪75‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يتابعه ‪ ،‬نغزه عاو اليسار عىل استخفاء ن بغزا خفيفا‪ ..‬مد‬
‫القاىض يّساه برفق وربت هب ٍ‬
‫دوء عىل رجله بمعنى ‪ :‬فلننتظر‪.‬‬
‫يستمر الشاب ىف خطبته ‪ ..‬ما صن بعت ليس من عندى‬
‫مج بعته من الةُف واملواقع اإللكرتونية وأعدت نرشه عىل‬
‫صفُتى ‪ ..‬مل انزعاج السلطات هكذا ومهتها ىف مدامهتيى‬
‫ون ببطى ‪ ..‬هذا الذى شكانى ومهوا لنرصته هو علامنى ال‬
‫يقيم للدين وزنا ‪ ..‬وال يبغيها دولة إسالمية ‪ ..‬كم هامجنا بغري‬
‫حق مرارا وتكرارا وما هإ أحد لنرصتنا‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫أهنى حديله وأعقبه املدافعون عنه ‪ ،‬فةالوا وجالوا‬


‫التامسا لباءته‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ببطء أمام‬ ‫كان القاىض يتابعهم ورشيط األحداث يمر‬
‫ٍ‬
‫بمدينة ما كان‬ ‫عينيه ‪ ..‬مدرب ىف نادى اجتامعى رياىض‬
‫يةور لقاءاته اجلنسية مع بعض عاوات النادى ‪ ..‬تّسب‬
‫األمر وصار فايُة كبى ‪ ..‬وجد الشاب ىف احلادث مأربا‬
‫هى مدينة ذلك الرجل الذى يناصإ مجاعته العداء عىل حد‬
‫ز بعمه ‪ ..‬هو وأرسته أعااء ىف ذات النادى ‪ ..‬الكتبهم املواقع‬
‫املرتبةة فنسبت البنته ذات الفعل املش مع املدرب‪ .‬تلقف‬

‫‪76‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫الشاب احلدث وأنشأ صفُة باسم مستعار عىل "الفيس‬
‫بوك" وراح ينرش وينرش‪.‬‬
‫غلب بت القاىض ابتسامة تعجإ ‪ ..‬انفرجت شفتاه عنها‬
‫ال إراديا والتفت إليه يسأله ‪:‬‬
‫‪ -‬وهل ىف الدين اغتياب الناس وقذفهم بالتخفى وراء أسامء‬
‫مستعارة ؟!‬
‫حتسس حليته مرورا هبا من أعىل إ أسفل عدة مرات‬
‫وأجاب مبتسام ‪:‬‬
‫‪ -‬مع ملل هذا نعم ‪ ..‬بل يستباح دمه !‬

‫‪77‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪78‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫حياة وأكل عيش‬


‫وجد بت ىف تطليقها ومعها طفلة مل تبلغ التاسعة من‬
‫عمرها صيدا امينا ‪ ..‬أغرهتا بسهولة األمر كأقرص طريق‬
‫لكى تعيش ‪ ..‬مل تقاوم اإلغراء ‪ ..‬اختارت أال تعيش حرة‬
‫وتأكل منه دون حياء ‪ ..‬وعىل الفور انخرط بت ىف الرذيلة حتت‬
‫إدارهتا لقاء مال‪.‬‬
‫عدة سنوات واختذت اها مكانا تديره هى بنفسها‬
‫يدامهون املكان ‪ ..‬تقتاد ىف مالبس فافانة ونقاب يظهر‬
‫بالكاد عينيها ‪ ..‬عللت ذلك بالتخفى من معارفها‪.‬‬
‫طفلة مل تبلغ اخلامسة عرشة من عمرها تقف إ‬
‫جوارها ب الساقطات األخريات األربعة ‪ ..‬تبدو براءة‬
‫الطفولة جلية عىل مالحمها ‪ ..‬ولوال جسدها الفائر وشهادة‬
‫امليالد لظن من يراها أهنا جتاوزت هذه السن بعرش سن ‪.‬‬
‫مل تأبه لطفولتها ‪ ..‬جرفتبها معها إ هذا املستنقع‬
‫وقدمتها ملن يدفع من الذئاب البرشية لينهش حلمها‪.‬‬
‫صمت واختلجت ىف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حزن ىف‬ ‫نظرها القاىض نظرة‬
‫ٍ‬
‫صدره أحاسيس متباينة ‪ ..‬ترى ما الذى دفع بطفلة كهذه‬

‫‪79‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫لتسلك هذا الطريق ‪ ..‬وأى أسباب تلك التى نُ بت هبا إ‬
‫ه بجر دراستها لتسلكه ‪ ..‬هل تدرك حقيقة ما تةنع ‪ ..‬وهل‬
‫تةنعه رانية أم ُمبة أم ماطرة ‪ ..‬أم أهنا است بمرأته كمتعة‬
‫وجعلت من الظروف شامعة تعلق عليها أسباب سقوطها‪.‬أم‬
‫تراه ُمرد ٍ‬
‫عمل له أعباؤه وتبعاته ‪ ..‬وهل ‪ ..‬وهل ؟‪.‬‬
‫وجد نفسه منساقا للغوص ىف أعامقها ‪ ..‬الدفاع‬
‫احلارض معها يوافق عىل مناقشتها ‪ ..‬فالقانون يفرض أال‬
‫يناقش املتهم ىف اجللسة إال برناه أو موافقة دفاعه وليس‬
‫للقاىض إال أن يواجهه بالتهمة املسندة إليه فقط فيعرتف هبا‬
‫أو ينكرها ‪ ..‬يسأاها برفق بعد أن اعرتف بت ‪:‬‬
‫‪ -‬مل هذا الطريق ؟‬
‫جتيإ بتلقائية ظاهرة ‪:‬‬
‫‪ -‬أكل عيشنا‪.‬‬
‫‪ -‬هل لك أبوان ؟‬
‫‪ -‬والدى طلق أمى وأنا صغرية وأعيش معها وال نراه‪.‬‬
‫‪ -‬هل هى مرياة وجلأت إ هذا لتنفقى عليكام ؟‬
‫‪ -‬ال ‪ ..‬أمى لدهيا مال كلري وال حترمنى من شىء‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫‪ -‬تقةدين للمتعة ؟‬
‫أطرقت لبهة ‪ ،‬ام عادت لرتفع وجهها واستطردت‬
‫كأهنا مل تتوقف ‪:‬‬
‫‪ -‬وليست متعة ‪ ..‬هو عمىل ‪ ..‬أكل عيشى ‪ . .‬وأمله كأى‬
‫عمل وال أشعر خالله بأى متعة ‪ ..‬ىف البدء كنت رافاة‬
‫ولكن ما قالته كان مقنعا ‪ ..‬لو أكملت تعليمى بعد‬
‫اإلعدادية بامذا كان ينفعنى ‪ ..‬ولو حةلت عىل أعىل شهادة‬
‫بكم من املال كانت ستأتينى ‪ ..‬وإن جاءت به فهل كان‬
‫سيكفينى ‪ ..‬كانت صائبة فاقتنعت وعملت معها رانية‪.‬‬
‫يرمقها بنظرة تأمل اابتة للُظات ‪ ،‬ويتُول بُديله إ مديرة‬
‫الوكر ‪:‬‬
‫‪ -‬لو أهنا ابنتك ‪ ..‬أكنت فاعلة هبا ما فعلت هبذه ؟‬
‫استدارت إ الطفلة قبل أن جتيبه وطوقتها بذراعها‬
‫املجاور اها ونمتها إ صدرها نمة خفيفة ام تركتها‬
‫وأجابت وهى تبتسم ‪:‬‬
‫‪ -‬هى ابنتى‪.‬‬
‫يسأاها متجهام ‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫‪ -‬تقةدين كأهنا ؟‪.‬‬
‫‪ -‬ليس كأهنا ‪ ..‬هى ابنتى بالفعل‪.‬‬
‫يشعر أهنا ال متزح ‪ ..‬يعود إ األوراق ‪ ..‬يمسك‬
‫بشهادة امليالد ‪ ..‬مل يشغله فيها من قبل سوى السن ‪ ..‬يتفرس‬
‫ىف اسم األم ‪ ..‬يعود ليااهيه مع اسمها ‪ ..‬بالفعل هى ابنتها !‬
‫يتعجإ ىف قرارة نفسه ومل يقاطعها ‪ ..‬تركها تسرتسل ‪:‬‬
‫‪ -‬كنت خادمة عند سيدة غنية ‪ ..‬وكان زوجى جناينى حديقة‬
‫الفيال ‪ ..‬ذات يوم شعرت بإرهاق شديد فلم أذهإ إ‬
‫العمل ‪ ..‬وىف هناية اليوم حتسن بت حالتى فذهبت ‪ ..‬معى‬
‫مفتاح باب احلديقة ‪ ..‬وكان باب الفيال املطل عليها مفتوحا‬
‫توجهت كعادتى إ غرفة نومها ‪ ..‬وما أن اقرت ببت من الغرفة‬
‫حتى سمعت مههامت غريبة وصوت رجل معها ‪ ..‬استطعت‬
‫متييز الةوت ‪ ..‬هو صوت زوجى ‪ ..‬مل أحتمل ما سمعت من‬
‫عبارات ‪!.......‬‬
‫دف بعت باب الغرفة ودخلت ال أدرى ما الذى أقوم بفعله‬
‫تسمرت قدماى وانعقد لسانى ‪ ..‬وجدته ب أحااهنا‬
‫عاري متاما كام ولدا ‪ ..‬رص بخت ‪ ..‬قام فكمم فاهى ورضبنى‬
‫رضبا مبحا ودفعنى دفعا خارج الفيال ‪ ..‬عدت إ بيتى‬

‫‪82‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫لست أدرى كيف أبرصت الطريق حتى عدت ‪ ..‬مل يستح‬
‫راح يعنفنى بشدة ‪ ..‬وحيملنى وزر قطع عيشنا لدهيا ‪ ..‬ارت‬
‫فيه اورة عارمة ‪ ..‬طلقنى بعدها‪.‬‬
‫رحت أبُث عن عمل ليسد رمقى أنا وطفلتى دون جدوى‬
‫حتى قابلت صديقتى ‪ ..‬أقنعتنى بسهولة عملها وكم يدر‬
‫دخال وفريا ‪ ..‬مل أناقشها ‪ ..‬كنت ىف قرارة نفسى أمتنى لو‬
‫ألقيت بنفسى ب أحاان أى رجل يقابلنى ليفعل بى ملل ما‬
‫كان يفعل هبا ‪ ..‬وملا كب بت ابنتى نممتها إ فريق العمل‪ .‬ىف‬
‫البدء كانت ترفض ‪ ..‬قة بةت اها قةة والدها مع صاحبة‬
‫الفيلال وما صار إليه حالنا بعدها ‪ ..‬زوجى أكل من جسده‬
‫والسيدة تدفع راتبه لتنفق عىل جسدها ‪ ..‬بااعة سهلة‬
‫ورائجة ‪ ..‬مل أتكبد عناء البُث عن عمل ‪ ..‬ومن كان‬
‫سيطعمنا حتى أجد ‪ ..‬ملاذا ال أستعمل جسدى ملله ‪ ..‬طالبو‬
‫املتعة يسعون إلينا ويدفعون بسخاء‪.‬‬
‫يقاطعها القاىض ‪:‬‬
‫‪ -‬حتى ابنتك ؟!‬
‫‪ -‬ومل ال ‪ ..‬اجلميع خائنون‪ ..‬فلتأكل كام يأكل والدها وأمها‬
‫صارت هذه مهنتنا ‪ ..‬بامذا سيفيدها التعليم ‪ ..‬أم تنتظر زوجا‬

‫‪83‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ويوهنا هى األخرى‪.‬‬
‫يشعر أن مناقشتها قد طالت ‪ ..‬يرفع يده ىف مواجهتها‬
‫أن كفى إ هذا احلد‪ .‬ينطق بتلك العبارة التى تنهى املرافعة ‪:‬‬‫ب‬
‫"احلكم بعد املداولة"‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫الشاهد الرابع‬
‫مل يزل معتةام باإلنكار ‪ ..‬يستأجل دفاعه ملناقشة‬
‫الشهود ون بم حرز أداة القتل لعرنها عليهم‪.‬‬
‫رس بت مههمة ىف القاعة اعرتانا من أهل القتيل‪.‬‬
‫ظنوه تسويفا ليستطيل أمد التقاىض وهتدأ نريان القاية‬
‫قابلتبها مههامت تكتنفها زُمرة مكتومة من أهل القاتل‬
‫ٍ‬
‫بعدد كبري‬ ‫العائلتان كبريتان واحتدم الرصاع ‪ ..‬جاء كل طرف‬
‫مما استطاع الظفر به من مشاهري املُام ‪ ..‬تعود القاعة إ‬
‫ٍ‬
‫تتاليات عىل املنةة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫دقات م‬ ‫الةمت مع‬
‫يتعجإ القاىض اهذا العدد اجلرار من الدفاع دون أن‬
‫يظهر تعجبه ‪ ..‬القاية عادية وال حتتاج إ ملل هذا الفريق‬
‫ربام املقةود استعراض القوة املادية والعائلية لكال الطرف‬
‫يستجيإ لطلبات الدفاع ويرضب أجال ملناقشة الشهود‪.‬‬
‫خالفات حمتدمة ترضب بجذورها ىف عمق تاريخ‬
‫العائلت ‪ ..‬يؤججها كل ح وح خلو منةإ العمدية‬
‫ألى سبإ ‪ ..‬ويزكى نرياهنا رصاع الرتشح من جديد‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ينشإ نزاع عادي ب القاتل والقتيل عىل احلد‬
‫الفاصل ب أرنيهام ‪ ..‬يتجمع اجلريان لفاه كعادة أهل‬
‫الريف ‪ ..‬النفوس مشُونة بالكراهية ‪ ..‬تلور ىف نفس القاتل‬
‫تراكامت حقد السن ‪ ..‬هيرع إ فأسه ‪ ..‬ينهال هبا فوق رأس‬
‫القتيل وجسده ‪ ..‬يلفظ أنفاسه أمام الشهود‪.‬‬
‫يقع الشهود ىف ح بيص ب بيص ‪ ..‬االاة منهم حسموا‬
‫أمرهم ‪ ..‬مل يقووا عىل الشهادة ند القاتل قريإ العمدة‪.‬‬
‫قالوا هرعنا إ مكان احلادث بعد حةوله ومل نشاهد القتبل‪.‬‬
‫رابعهم كان منةفا ‪ ..‬قال ىف التُقيقات إهنم مجيعا كانوا‬
‫حاورا وأبرصاوا القاتل ينهال عىل القتيل رضبا بالفأس‬
‫تواجهه النيابة بإنكارهم ‪ ..‬يقول ‪ ..‬هم خائفون أما أنا فلست‬
‫ٍ‬
‫بخائف ‪ ..‬إ متى اخلوف وقد قتل جارى أمام عينى‪.‬‬
‫الذ أهل القتيل هبذا الشاهد قبل اليوم املُدد ملناقشتة‬
‫توجهوا إليه ىف مسكنه بج بمع غفري عىل رأسه كبري العائلة‪.‬‬
‫قال له كبريهم ‪" :‬أنت رجل شهم وال ختاف من أحد‬
‫وستشهد باحلق مرة أخرى أمام القاىض غدا"‪.‬‬
‫مل ينم ليلتها ‪ ..‬كان يظن أن األمر قد انتهى بشهادته ىف‬
‫النيابة ‪ ..‬بل كانت املقاطعة التى رضبتها حوله عائلة العمدة‬

‫‪86‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫تشعره بالندم أحيانا عىل تّسعه بالشهادة ىف حينها ‪ ..‬ولكنه‬
‫يتذكر قول كبري العائلة األخرى "أنت رجل شهم وال ختاف‬
‫من أحد" ‪ ..‬فهو ليس احلامر كام كان يناديه العمدة طيلة عمره‬
‫وهو يعمل لديه ‪ ،‬إ أن سافر ابنه إ اخلارج واشرتى فدانا‬
‫منذ سنت واستقل عنه وحترر من إهاناته ومن رضببه ىف‬
‫أحيان كلرية ‪ ..‬كم يشعر ىف هذه الليلة بالذات أنه أصبح مهام‬
‫ويزداد شعورا باإلحساس بالزهو كلام تذكر أن العمدة نفسه‬
‫مل يقو حتى هذه اللُظة عىل أن يطلإ منه تغيري شهادته‪.‬‬
‫يناقش القاىض الشهود ‪ ..‬مل يأت اللالاة املراوغون‬
‫بجديد ‪ ..‬فلم يطل احلديث معهم ‪ ..‬أما الرابع فقد حدق فيه‬
‫قليال وهو صامت وكأنه يسائل نفسه ‪ ..‬ترى هل سيظل هذا‬
‫الرجل عىل شهادته أم سينُو منبُى أهل الريف بعد أن هتدأ‬
‫نريان احلوادث ويتةاحلون عرفيا ويوجهون الشهود ليشيعوا‬
‫االهتام لدى مناقشتهم بجلسات املُاكمة‪.‬‬
‫يسأله عن اسمه وسنه وصناعته ‪ ..‬جييإ وهو يلتفت‬
‫ببطء إ اجلالس من خلفه بعين خائفت ومالمح مرتعدة‬
‫يلقى عليه صيغة اليم لريددها قبل الشهادة ‪ ..‬ينطق منها‬
‫بكلمت ويكمل الباقى وهو يلتفت إليهم بذات الذعر مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫الحظ القاىض أن أحدهم يتبسم له كلام التفت إ‬
‫اخللف ‪ ..‬ولكنه مل يتوقف عند هذه املالحظة ‪ ..‬نبه الشاهد‬
‫إ وجوب اللبات ىف مكانه واإلدالء بشهادته دون خ بوف‬
‫وأن الشهادة كم هى عظيمة عند اهلل ‪:‬‬
‫‪ -‬ما معلوماتك بشأن الواقعة ؟‬
‫تروح عينا الرجل ذات اليم وذات الشامل وال‬
‫ينطق بُرف ‪ ..‬ظنه القاىض هياب املوقف فطمأنه ‪ ..‬ولكنه‬
‫عاد لينظر إ القاىض ام إ اخللف وهيم بالكالم ام يمسك‬
‫ٍ‬
‫بةوت ي بةدر من ب اجلالس ‪:‬‬ ‫عنه ‪ ..‬وإذا‬
‫‪ -‬قل شهادتك يا "عبد العاطى"‪.‬‬
‫يأمر القاىض بإحاار صاحإ الةوت أمام املنةة‬
‫هو العمدة ‪ ..‬وهو ذلك الشخص الذى كان يتبسم كلام‬
‫التفت الشاهد إ اخللف ىف بدب ء املُاكمة ‪ ..‬يقرر إدخاله‬
‫القفص وحبسه أربعا وعرشين ساعة إلخالله بنظام اجللسة‪.‬‬
‫يعود إ "عبد العاطى" ليستُله عىل الشهادة‪ .‬ولكنه‬
‫ىف هذه املرة يتلس النظرات إ القفص ‪ ،‬ام يعود ببرصه إ‬
‫املنةة وال ينطق ‪ ..‬مل يزل القاىض يظنه هياب املوقف ‪ ..‬يسأله‬
‫عن ُمترص شهادته ‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫‪ -‬هل شاهدب ت القاتل وهو يرضب القتيل هبذه الفأس عىل‬
‫رأسه حتى مات كام قلت ىف حتقيقات النيابة ؟‬
‫جييإ ومل تزل عيناه تروح رغام عنه ىف زع ٍر جتاه‬
‫القفص ام تعود وهى زائغة ‪:‬‬
‫‪ -‬مل أقل هذا ىف النيابة ‪ ..‬ومل أره وهو يقتل !!‬

‫‪89‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪90‬‬
‫ْ ُ ُ‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫الذنب واجلنون‬
‫مل يشغلنى من أحوال املجان من قبل سوى ما‬
‫يتعلق بمسئولية أحدهم اجلنائية عن جرم ارتكبه وهو حتت‬
‫ٍ‬
‫عقلية أخرى تعدم‬ ‫تأاري اجلنون ‪ ..‬أو ما شابه ذلك من ٍ‬
‫آفات‬
‫اإلدراك والتمييز لدهيم حلظة إتيان هذا اجلرم‪.‬‬
‫ولكن قاية هذا الشاب نُ بت بى منُى آخر بشأن‬
‫هؤالء ‪ ،‬ما طبيعة العامل الذى يعيشون فيه ؟ ‪ ..‬هل هو عامل من‬
‫األحالم ‪ ..‬أم دنيا أخرى من صنع اخليال واألوهام ؟ ‪ ..‬أم‬
‫ير بون ما هم فيه واقعا وأن الناس هم الشواذ عن الناموس‬
‫وهل لو عادت إليهم عقواهم وتبينوا سبإ ما ذهإ هبا‬
‫وأدركوا رس جنوهنم سيطلبون املوت ؟ ‪ ..‬أم سيلتمسون‬
‫اجلنون مرة أخرى ليعيشوا ىف هذا اخليال ‪ ..‬وهل بعد أن‬
‫حترروا من رشائع املجتمع وسننه وقوانينه ‪ ..‬مل يعد يشء ىف‬
‫نظرهم مستُيال حتى لو كان احلديث مع اهلل كام يتُدث‬
‫الناس إ بعاهم‪.‬‬
‫اعرتف اعرتافا تفةليا دقيقا ينم عن م ٍ‬
‫درك وا ٍع لكل‬
‫منه كيف تفكر ىف قتله قبلها بنُو عدة شهور‬ ‫ما فعل يب‬

‫‪91‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫كيف رسم بدقة خطة اختيار الوقت األملل للتنفيذ بعد‬
‫دراسة واعية جلميع حتركاته ‪ ..‬كيف فطن لرشاء آلة القتل من‬
‫بلدة أخرى حتى ال يشك بائعو السكاك ىف بلدته ىف أمر‬
‫رشائها‪.‬‬
‫انتظره فجر ذلك اليوم من شهر يناير حتى يعود ومل‬
‫يلنه عن عزيمته هطول األمطار بغزارة وال قسوة الرياح‬
‫وشدة البودة ‪ ..‬اختبأ خلف شجرة غليظة اجلذع متشابكة‬
‫الفروع كليفة األوراق ‪ ..‬أبرصه يدير املفتاح ىف باب منزله‬
‫يفاجئه من اخللف ‪ ..‬يطوق رقبته بذراعه األيّس ‪ ..‬يكم فاه‬
‫بكف ذات اليد ‪ ..‬يرضبه رضبة قوية بالسك الكبري احلاد‬
‫عىل عنقه من اخللف ‪ ..‬يفقد القتيل اتزانه وهيوى جاايا عىل‬
‫ركبتيه ‪ ..‬يمر بالسك يمينا ويسارا عىل جانبى رقبته ‪ ..‬ينهار‬
‫اجلسد ‪ ..‬يطرحه أرنا ‪ ..‬يعاجله بعدة طعنات نافذات ىف‬
‫الةدر والبطن ‪ ..‬تساعده قوته اجلسدية عىل إزهاق روحه‬
‫ىف حلظات حتت جنبح الظالم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معلومات رجال البُث متيط الللام عن خ بلف كان‬
‫بينهام ‪ ..‬يواجهونه فيعرتف‪.‬‬
‫يقول الناس إنه ُمنون ‪ ..‬مل يةدق املُقق قالتهم‬
‫كان يسرتسل ىف حديله اسرتساال طبيعيا ومنطقيا ‪ ..‬عباراته‬
‫‪92‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ٍ‬
‫بكلامت غري‬ ‫مرتابطة ‪ ..‬يشعر باملكان والزمان ‪ ..‬ال هيذى‬
‫مفهومة ‪ ..‬ولكنه استمع إ شهادهتم وأابتها ىف أوراقه‪.‬‬
‫يعيش مع أمه األرملة وأخته الوحيدة ‪ ..‬قوى البنية‬
‫يعمل ىف املعامر لبعض الوقت ‪ ..‬وتعمل أمه ىف أى منزل إذا‬
‫تعطل هو عن العمل ‪ ..‬وتساعدمها أخته ىف األعامل احلقلية‬
‫أحيانا ‪ ..‬حسن العالقات بجريانه وأهل بلدته‪.‬‬
‫وفجأة ينقطع عن عمله ‪ ..‬يعاف الناس ‪ ..‬هيجر‬
‫العمل ‪ ..‬ال يغادر املنزل ‪ ..‬ساءت حالته ويرفض التُدث‬
‫مع أحد وإذا حداته أمه أو أخته هاج هيجانا مدمرا‪.‬‬
‫لزم بعدها سطوح املنزل ليل هنار ورفض أن يغادره‬
‫وعجز أهله عن إقناعه بالعودة إ حجرته ‪ ..‬وملا حل الشتاء‬
‫تكافل أهل القرية وبنوا له غرفة فوق السطوح حتميه برد‬
‫الشتاء ‪ ..‬واختاروا طفال من اجلريان ينقل إليه الطعام عىل‬
‫السطوح نظرا لعدائه املفاجئ ألمه وأخته ‪ ،‬أما ق بتل جاره‬
‫فكان مفاجأة اهم مجيعا‪.‬‬
‫يودع ملدة مخسة وأربع يوما مستشفى األمراض‬
‫العقلية ‪ ..‬يقطع تقرير املستشفى بجنونه السابق عىل القتل‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫قىض األمر بالتقرير وصار بريئا ىف نظر القانون ولكن‬
‫فاوال كان قد متلكنى منذ بدء حماكمته للوقوف عىل رسه ومل‬
‫يغادرنى حتى بعد ورود التقرير ‪ ..‬كيف يعرتف وهو ُمنون‬
‫اعرتافا تفةيليا دقيقا هكذا ‪ ..‬وما سبإ جنونه وهذه شهادة‬
‫اجلريان ‪ ..‬وما عالقة ذلك باجلار الذى قتله‪.‬‬
‫دعوته ودفاعه بغرفة املداولة وسألته ‪ ..‬فعاد ليعرتف‬
‫بجرمه الذى صار منه براء ‪ ..‬مل أشأ أن أقاطعه ‪ ..‬يتلفت عن‬
‫يمينه وعن شامله ‪ ..‬يشري ملُاميه فيقرتب منه ‪ ..‬هيمس ىف‬
‫أذنه بشىء ‪ ..‬قال حماميه إنه ال يريد أن يسمع احلارضين‬
‫أبقيت عىل حماميه فقط واستأذنت الباق ىف اخلروج ودار بيننا‬
‫حديث ‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعرف القتيل ؟‬
‫‪ -‬كان جارى‪.‬‬
‫‪ -‬ملاذا قتلته ؟‬
‫‪ -‬سمعنى أتكلم مع اهلل وقال للناس ‪ ..‬وكانوا ياُكون‬
‫عىل‪.‬‬
‫‪ -‬وهل كلمك اهلل ؟‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫‪ -‬طبعا ‪ ..‬كنت أطلع عىل السطح ليسمعنى ‪ ..‬كلمته ورد‬
‫عىل الكالم‪.‬‬
‫‪ -‬وفيم حتدات مع اهلل ؟‬
‫يةمت برهة ويفض برصه قليال إ األرض ويستكمل‬
‫ليقول ‪:‬‬
‫‪ -‬قلت له ساحمنى ملعارشتى أمى وأختى كاألزواج ‪ ..‬حكيت‬
‫له كل ما حدث ‪ ..‬قلت له إن ذلك كان غةبا عنى ‪ ..‬أيام‬
‫كلرية مل يرد عىل اهلل فبقيت عىل السطح حتى رد عىل‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أنا ساحمتك‪.‬‬
‫يمسك عن الكالم فجأة ‪ ..‬تتسع عيناه ‪ ..‬يرتعد‬
‫جسمه ‪ ..‬ي بطبق كلتا يديه عىل هيئة قباة ‪ ..‬هيزمها بشدة وهو‬
‫ينتفض ‪ ..‬تعلو طبقات صوته ‪ ..‬يقول ‪ ..‬كان جارى يتنةت‬
‫عىل ىف كل ليلة ‪ ..‬قال للناس كل ما قلته لربنا ‪ ..‬ملاذا يقول‬
‫للناس ما قلته هلل ‪ ..‬ام أغمض عينيه وو وجهه شطر احلائط‬
‫وراح ىف ٍ‬
‫نوبة بكاء‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫‪96‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫الرغبة واالنتقام‬
‫ربام كان شاذا ‪ ..‬ربام ُمرد ُمرم ‪ ..‬ولكن أمره كان‬
‫حمريا ‪ ..‬جاوز الست من عمره بقليل ‪ ..‬علروا عليه بعد جهد‬
‫ما ٍن ليفك ألغاز حادات مماالت كانتا تدالن عىل أن فاعلهام‬
‫املجهول شخص واحد‪.‬‬
‫ومما زاد تعقيد البُث أن الاُيات ىف ذلك املجتمع‬
‫البدوى كن يؤارن كتبم نزف جراحهن عىل البوح بتفاصيل ما‬
‫كان ‪ ..‬ووأد الفايُة إيلارا عىل عقاب فاعلها مهام كانت‬
‫اآلالم‪.‬‬
‫مل يشغلنى أمر اجلريمة وأدلتها ومدى ابوهتا بقدر ما‬
‫شغلنى أمره هو شخةيا ‪ ..‬فكم من جرائم بعد حةواها نجد‬
‫أن اخليال كان يعجز عن تةورها لوال أهنا وقعت‪.‬‬
‫جلة لسيدة عىل مشارف اللامن من عمرها ‪ ..‬علروا‬
‫عليها ىف فناء مسكنها البدوى املكون من غرفة واحدة‬
‫معروشة باألحطاب ‪ ..‬طعنات متعددات بالةدر والبطن‬
‫أودت بُياهتا ‪ ..‬مالبسها ممزقة وانُّست عنها املالبس‬

‫‪97‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫الداخلية فأظهرت عورهتا ‪ ..‬وتقبض بيدها عىل خةلة من‬
‫ش بعر آدمى يشوبه البياض‪.‬‬
‫الفاعل ُمهول لعدة أيام حتى قال شاهد إنه رآه قرب‬
‫منتةف تلك الليلية الةيفية يمر بجوار سور عشتها ‪ ..‬ش بعر‬
‫رأسه الذى يشوبه البياض غري منتظم وغابت عنه خةلة بدا‬
‫الفراغ الذى كانت متلؤه وانُا ‪ ..‬وآاار خدوش ىف ساعديه‬
‫حتدث من ملل أظافر‪ ..‬وبتفتيش مسكنه يعلرون عىل سك‬
‫مطبخ ملطخة بالدماء ‪ ..‬مل جيد مناصا من االعرتاف‪.‬‬
‫صنع بت احلياة الةُراوية من بنيانه اجلسمى نُافة‬
‫جعلته يبدو ىف مظهر رجل ىف األربعينيات من العمر وتعطيه‬
‫مظهر صُة وانُة ‪ ..‬يعيش بمفردة ىف عشة داخل سور‬
‫مبنى من الطوب احلجرى ‪ ..‬ال زوجة له وال ولد ‪ ..‬اعتاد‬
‫السهر والسكر بام حيةل عليه من نقود يّسقها ‪ ..‬أومن امن‬
‫ما يّسقه من أشياء يبيعها ب بخسا ‪ ..‬يلفظه الناس لسوء أخالقة‬
‫وال يستعملونه ىف أى عمل‪.‬‬
‫تاقت نفسه إ ممارسة الرذيلة ‪ ،‬فاستل سك املطبخ‬
‫وخرج يعرف وجهته ‪ ..‬فقد اعتاد اغتةاب السيدات‬
‫املسنات الالئى يعلم أماكن إقامتهن وظروف حياهتن ‪ ..‬أ بد‬

‫‪98‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫بأسامء أربعة فعل هبن ذات الفعل ومل تبلغ اانتان منهن‪.‬‬
‫كانت األخرت قد أبلغتا مع ختفيف وطأة احلدث درءا للعار‬
‫قالتا ىف حينه إن ُمهوال حاول ذلك وقاومتاه فلم يبلغ مأربه‬
‫ولكنه مس بعوراهتام ‪ ..‬فجىء بمن مل تبلغا فأنكرتا قوله خوفا‬
‫من أهلهام‪.‬‬
‫ىف تلك الليلة تذكر القتيلة ‪ ..‬كانت من صديقات‬
‫والدته ‪ ..‬يعرف تفاصيل حياهتا ‪ ..‬تعيش بمفردها وال‬
‫يزورها أقارهبا إال كل ح هنارا من خالل مرور عابر هبا‪.‬‬
‫قال إهنا كانت نائمة ‪ ..‬اقرتب منها يتُسس جسدها ‪ .‬فزعت‬
‫من نومها ‪ ..‬قاومته مقاومة رشسة مل يكن يتوقعها ‪ ..‬مل يتمكن‬
‫منها رغم قوته التى تعادل أنعاف قوهتا ‪ ..‬عرفتبه ‪ ..‬نادته‬
‫باسمه وهى تلعنه ‪ ..‬سقط ىف يده ‪ ..‬إن مل يقتلها قطعه أهلها‬
‫إربا وألقوا للطري بلُمه‪.‬‬
‫الدليل ال نقاش فيه ‪ ..‬اعرتاف وتقرير معمل‬
‫بااولوجى عن ش بعره الذى ماتت وهى تقبض عليه ‪ ..‬وآاار‬
‫من جلده ىف أظافرها ‪ ..‬وفةيلة دمها عىل السك ‪ ..‬كان ما‬
‫يشغلنى هو أمر آخر ‪ ..‬ملاذا السيدات املسنات بالذات ؟‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ىف جلسة رسية ب‬
‫ناقشته ‪ ..‬جعلته دون أن يشعر يعرج‬
‫عىل ما أبتغى ‪ ..‬كان وحيدا ألبوين يرعيان الغنم ‪ ..‬ىف صباه‬
‫ماتا وتركاه جلدته الةارمة القاسية ‪ ..‬كانت تكويه بالنار‬
‫لتدفعه لرعى الغنم ‪ ..‬مل يقبل مهنة والده ‪ ..‬ساءت أحواله‬
‫وباعت جدته الغنم ‪ ..‬ومل يفلح ىف إجياد عمل ‪ ..‬كان يّسق‬
‫ويكذب ويعود اها بام يسد رمقهام مدعيا ممارسته ألى حرفة‬
‫وكان ينام بجوارها حتى بلغ احللم‪.‬‬
‫غلبه شيطانه ذات يوم وحترش هبا وهى نائمة‪ .‬متكنت‬
‫منه وأواقته إ عامود اخليمة وأوسعته رضبا مبحا وكيا‬
‫بالنار كاد أن يودى بُياته ‪ ..‬ومنعت عنه الطعام يوم‬
‫كامل مل يذق إال رشبة ماء كل ح حتى ال يموت ‪ ..‬ام‬
‫طردته طردا هنائيا فهام ىف الةُراء عىل وجهه دون عمل‪ .‬ومل‬
‫يعد إ عشتها إال بعد وفاهتا ‪ ..‬ام باع دارها وبدد امنها وأقام‬
‫لنفسه عشة عىل زاوية ىف منعطف طريق تأويه هنارا حتى إذا‬
‫جن الليل خرج ملامرسة مجيع أشكال جرمه وأبرزها اغتةاب‬
‫املسنات ‪ ..‬حتى كانت واقعة هذه العجوز ليؤخذ هبا وبام‬
‫سلف مما أتى‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫مطرقة الدليل و ِسندان املنطق‬


‫مل تةبنى قاية ٍ‬
‫بأرق وحرية كام أصابتنى تلك القاية‬
‫القااء اجلنائى عقل ومنطق ‪ ..‬ما جياىف العقل واملنطق‬
‫واملجرى العادى لألمور ال يستقيم كدليل ‪ ..‬قاعدة اابتة‬
‫ننزاها عىل األدلة دون عناء ‪ ..‬وكم أدت بنا مرتاحي الامري‬
‫إ أ بق ٍ‬
‫اية بالباءة ‪ ..‬ولكن ماذا لو كان الدليل منطقيا اابتا‬
‫عقال ‪ ..‬إال أن اإلدانة نزوال عىل حكمه هى التى جتاىف كل‬
‫عقل وكل منطق ؟!‬
‫كم مدجج مجيع أفراده بالبنادق اآللية ‪ ..‬وعدد‬
‫نباط حتمل أكتافهم نجوما ونسورا‬ ‫ٍ‬ ‫يقارب العرشة من‬
‫وسيوفا متقاطعة ‪ ..‬عوائق مرورية جتب السائق عىل خ بفض‬
‫ٍ‬
‫بُركات اعبانية‪.‬‬ ‫الّسعة ليمروا من خالاها‬
‫يتوقف قائد السيارة النةف نقل املُملة بالبسيم‬
‫حييط هبا من األمام ومن اخللف ومن اجلانب جنود مدربون‬
‫ٍ‬
‫اوان ‪ ..‬ىف ملح‬ ‫عىل القفز والةياح واجللو عىل الركبت ىف‬
‫البرص يوجهون فوهات البنادق إ السيارة من مجيع اجلهات‬
‫نابطان جيريان نُوها ‪ ..‬جيذب كل منهام بابا ليفتُه ‪ .‬ينزل‬
‫‪101‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫السائق القروى مبهوتا رافعا يديه إ أعىل كام اعتاد أن‬
‫يشاهد ىف األفالم ‪ ..‬تنزل من جواره سيدة أربعينية ىف مالبس‬
‫سوداء شبه بدوية ‪ ..‬رابطة اجلأش مل تعبأ بام رأته ومل هيتز اها‬
‫طرف ‪ ..‬حيذو ح بذوه اانان آخران كانا يستقالن السيارة فوق‬ ‫ب‬
‫البسيم ‪ ..‬يقبض عليهم ‪ ..‬ويسلمون آلخرين للتُفظ‬
‫عليهم‪.‬‬
‫عدد آخر من اجلنود أكلر مهارة يقفزون فوق السيارة‬
‫يلقون بالبسيم عىل األرض بُركات متالحقة ‪ ..‬وكأن‬
‫رشيطا سينيامئيا يقوم "املونتري" بتّسيعه لتمر اللقطات رسيعا‬
‫كى ال تلمح كامل معاملها ‪ ..‬طبلية خشبية تكسو الةندوق‬
‫ٍ‬
‫حلظات معدودة ‪ ..‬ويلقون هبا أرنا هى األخرى‬ ‫ينزعوهنا ىف‬
‫وكأهنا ورقة ىف مهإ الريح ‪ ..‬يرفعون من حتتها مخسة بنادق‬
‫آلية وصندوق خشبيا مملوءا عن آخره بذخائر مما تستخدم عىل‬
‫ذات األسلُة‪.‬‬
‫السيدة غزاوية ‪ ..‬اها مةاهرة بأهل حمافظة برشق‬
‫البالد ‪ ..‬جاءت عب األنفاق واست بجلبت السيارة بام عليها‬
‫وت أجش ورأس مرفوعة‬ ‫عائدة هبا إ بلدها ‪ ..‬قالت بة ٍ‬
‫هى أسلُتى وهى ذخريتى ‪ ..‬ون بعتها ىف السيارة كام‬

‫‪102‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫نبطتموها ومن فوقها البسيم ‪ ..‬وهؤالء ال يعلمون عنها‬
‫شيئا ‪ ..‬محلتها ىف غيبتهم‪.‬‬
‫تنعقد املُاكمة ‪ ..‬مجيعهم ىف قفص االهتام‪ .‬واج بهتهم‬
‫بالتهمة فلم ينكروا ‪ ..‬حتى من أرادت املرأة تنُيتهم عن‬
‫االهتام اعرتفوا‪.‬‬
‫يتقدم الدفاع ليبدى طلباته ‪ ..‬يعلو صوهتا من داخل‬
‫القفص تطلإ التُدث ‪ ..‬تستمر ىف حديلها استكامال لتبير‬
‫طلبها ‪:‬‬
‫‪ -‬إن السيدة فاطمة ترافعت عن نفسها ىف مسجد رسول اهلل‬
‫أمام أبى بكر ىف قاية "فدك" ح صادر األرض التى وهبها‬
‫اها والدها سيد اخللق ملا صاحله هيود هذه البلدة عىل أرنهم‬
‫مل يمنعها أبو بكر من املرافعة ‪ ..‬دعونى أقول ما عندى‪.‬‬
‫صمت يطبق عىل القاعة ‪ ..‬ت برشئإ األعناق إليها‬
‫تتابعها ‪ ..‬الدفاع يلتزم الةمت مع الةامت ‪ ..‬أحرضت‬
‫ٍ‬
‫اابت قوى الطبقات‬ ‫ٍ‬
‫بةوت‬ ‫املرأ بة أمام املنةة ‪ ..‬قالت‬
‫متناسق الوترية ‪:‬‬
‫‪ -‬دخل الغاصبون بيتى كام دخلوا من قبل أرىض ‪ ..‬يعلمون‬
‫جهادى ندهم ‪ ..‬رضبوا بناتى اللالاة وولدى الةبى رضبا‬

‫‪103‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫مبح ا ‪ ..‬مل نقبل إهانتهم ‪ ..‬قاومناهم بأيدينا ما استطعنا‬
‫جردونى وبناتى أمام نجىل وأمام عساكرهم حتى رصنا عرايا‬
‫كام ولدتنا أمهاتنا ‪ ..‬حطموا ما ىف البيت ‪ ..‬دهسوا الطعام‬
‫والرشاب بأرجلهم ‪ ..‬واعتبوا كل هذا ُمرد إنذار فخلوا‬
‫سبيلنا بعد اعتقال ملدة أسبوع ‪.‬‬
‫تةمت برهة ‪ ..‬تسُإ نفسا عميقا خترجه زفرة‬
‫حارة ‪ ..‬ترفع سبابتها اليمنى ‪ ..‬ترتعش يدها ‪ ..‬تعلو دون أن‬
‫تدرى طبقات صوهتا ‪ ..‬تستكمل ‪:‬‬
‫‪ -‬غىل الدم ىف عروقى ‪ ..‬شعرت باملذلة واملهانة ‪ ..‬أفقت من‬
‫اللطمة فشعرت بالعار ‪ ..‬قررت اللأر ولبناتى وولدى‬
‫ألرىض وعرىض ‪ ..‬اشرتيت البنادق اخلمسة والذخرية بعدد‬
‫أفراد أرستى ‪ ..‬خد بعت السائق ومن معه وواريتها حتت‬
‫البسيم دون علمهم‪.‬‬
‫تطرق لبهة هى مقدار ابتالع ريقها ‪ ..‬تسُإ نفسا‬
‫يرج منها تنهيدة حزينة ‪ ..‬عالمات اإلجهاد تنال من صوهتا‬
‫ىف هذه املرة ‪ ..‬تعود لتستكمل ‪:‬‬
‫‪ -‬حكايتنا معروفة ‪ ..‬واقها صُافيون بالتةوير والفيديو‬
‫ساعة حةواها ‪ ..‬منشورة عىل "يوتيوب" ‪ ..‬راجعوها يا‬
‫سيدى أرجوكم ‪ ..‬لو كنت كاذبة اسجنونى‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يتقدم حماميها من املنةة ‪ ..‬يرفع حافظة مستندات‬
‫ليقدمها ‪ ..‬عدة صُف حملية انطوت عليها احلافظة ‪ ..‬تتةدر‬
‫إحداها بالفعل صورة املرأة تفرتش األرض وجنود جيروهنا‬
‫عنوة ‪ ..‬وىف اخللفية آخرون يقباون عىل ص ببية ‪ ..‬وىف‬
‫الةُيفة األخرى كذلك ‪ ..‬وىف اللاللة ذات الةورة‪ .‬وسطر‬
‫من حتتها مجيعا تفاصيل ما قالت‪.‬‬
‫يرفع الرجال اللالاة أيدهيم ىف القفص التامسا‬
‫أرشت اها لتنتظر ‪ ..‬سألتهم وهم ىف مكاهنم‬
‫للتُدث مللها ‪ ..‬ب‬
‫عن مطلبهم ‪ ..‬قالوا ال ‪ ..‬ليس كام قالت ‪ ..‬نُن نعلم‬
‫التفاصيل كلها ‪ ..‬ساعدناها ىف مطلبها ‪ ..‬لسنا أقل منها‬
‫رجولة ‪ ..‬جئنا اها بالبنادق والذخرية وتطوعنا لتوصيلها‬
‫فلتدافع عن عرنها وأرنها‪.‬‬
‫احلاور مشدوهون ‪ ..‬اتسعت العيون وترقرقت فيها‬
‫الدموع ‪ ..‬يةيح أحدهم ‪" ..‬اهلل أكب" ‪ ..‬غلبته مشاعره‬
‫فانطلقت منه الةيُة ‪ ..‬فقد اإلحساس باملكان فانةاع‬
‫النفعاله ‪ ..‬يعتذر ‪ ..‬مل أقف عند فعلته ‪ ..‬ولو مل يعتذر ما ملته‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫يتوقف الرجال عن الكالم ‪ ..‬يسيطر عىل القاعة جو‬
‫غريإ ‪ ..‬رصاع ب دليل سليم ومنطق قوى ‪ ..‬ح برية بالغة‬
‫ومشاعر متااربة ‪ ..‬كان البد من ر بفع اجللسة مؤقتا‬
‫لالسرتاحة عىل أن تعود لالنعقاد بعدها‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫يوميات قاضٍ‬

‫موالنا اإلمام‬
‫كنت أعرفه ‪ ..‬كم أديت الةعالة معن خلفعه ىف سعنى‬
‫حياتى األو ‪ ..‬وكم كانت تعجبنى خطبعه ودروسعه الدينيعة‬
‫املرققة للقلوب الداعية للتقوى‪.‬‬
‫كان إماما وخطيبا للمسعجد الكبعري املجعاور ملسعكن‬
‫أرستى ‪ ..‬ولكن معرفتى به مل تكن تلك املعرفعة التعى متنعنعى‬
‫من نظر الدعوى التى أقامتها أرملته نعد أبنائعه معن زوجتعه‬
‫الراحلة طلبعا ملريااهعا ‪ ..‬بعل مل تبلعغ تلعك املعرفعة درجعة أن‬
‫أستشعر احلرج ‪ ..‬فلم يكن بيننا عالقة مبارشة‪.‬‬
‫كنعت أراه معللام يعراه بععاقى النعاس ‪ ..‬ورععا ‪ ..‬حلععو‬
‫احلديث ودائم ربطه بآيات من القرآن وبالسنة ‪ ..‬موجهعا إ‬
‫حسن الفاائل ‪ ..‬ناصُا للناس بمراععاة احلعدود واحلقعوق‬
‫دائم التذكري باملوت ومبالغا ىف احلث عىل الفوز بُسن اخلامتة‬
‫ٍ‬
‫معاملعة‬ ‫ومل يكن ذا عالقات واسعة ‪ ..‬فلم يدع أحد حةعول‬
‫معه تنم عن غري هذه الةورة الظاهرة التى ألفوه عليها‪.‬‬
‫مععات موالنععا ‪ ..‬وكعععادة الععوارا رسعععان مععا دب‬
‫اخلالف حول املرياث ب أبنائه من زوجتة الراحلة و زوجتعه‬

‫‪107‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫اللانية ‪ ..‬قالوا اها ال شىء لك ‪ ..‬باع لنا والدنا كل معا يملعك‬
‫مععن قبععل أن يتزوجععك ‪ ..‬وقالععت اهععم ‪ :‬عقععودكم مععزورة‬
‫ولسوف تعلمون ‪ ..‬فليس مللله أن يفعل هذه الفعلة الشنعاء‪.‬‬
‫تبسععمت سععاخرا مععن قععواهم وأنععا أطععالع األوراق‪.‬‬
‫أاارت ىف دخيلة نفسى عجإ عىل ترصف األبنعاء ‪ ..‬أإ هعذا‬
‫احلد يكون إنكار املرياث ‪ ..‬وإ هذه الدرجعة جيُعد النعاس‬
‫قواعد تقسيمه التى أنزاها رب العباد من فوق سعبع سعاموات‬
‫أينسبون هبذه البسعاطة إفكعا اهعذا الرجعل الةعالح العذى ال‬
‫يتةور أحد ممن يعرفونه نسبة هذه الفعلة املشينة إليه‪.‬‬
‫طعن بت الزوجة بعالتزوير ععىل التوقيععات ‪ ..‬والمعت‬
‫عليهم سذاجة ما فعلوا وهعم يعلمعون جيعدا أن أبعاهم كعان‬
‫صاحلا ‪ ..‬ليس هو من يقرتف ملل هذا اإلام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بأوراق شتى للمااهاة ‪ ..‬وكان جعل اهتاممعى‬ ‫جاءوا‬
‫هو إحاار أوراق غريها من جهة عمل موالنا ىف آخعر عهعده‬
‫بالوظيفة ووايقة زواجه األخري إلجراء املااهاة عليها‪.‬‬
‫مر الوقت رسيعا رسيععا حتعى حانعت تلعك اجللسعة‬
‫ٍ‬
‫بابتسعامة سعاخرة وعقععىل‬ ‫املرهونعة بعورود التقريعر ‪ ..‬تلقيتعه‬
‫الباطن حيدانى أنه ال شك سيكشف ز بيعف أبنعاء موالنعا فقعد‬
‫أناعوا وقتهم وسيخّسون دعواهم‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ٍ‬
‫بتؤدة ودونعام‬ ‫فاات املظروف املنطوى عىل التقرير‬
‫فاول ‪ ..‬كنت وااقا ىف قررارة نفسى من قناعتى ‪ ..‬لن يكعون‬
‫التوقيع أبدا توقيع موالنا‪.‬‬
‫مررت ببرصى رسيعا عىل املقدمات وحمارض األععامل‬
‫كنت متشوقا إ بند النتيجة ‪ ..‬كأنى أريد أن أابت لنفسعى أن‬
‫ظنى ىف موالنا مل يإ‪.‬‬
‫فعت حواسعى أمعام‬‫وما أن بلغت النتيجعة حتعى توق ب‬
‫السطرين األخريين "التوقيعات حعررت ىف ظعروف طبيعيعة‬
‫وسياق متةل وىف تاريخ يسبق تاريخ الزواج اللعانى بأسعبوع‬
‫‪ ..‬ومجيعها مجيعها ملوالنا اإلمام" !‬
‫هالنى معا رأيعت ‪ ..‬وقفعزت إ ذهنعى حكايعة كعان‬
‫حيكيها لنا والدى ىف صغرنا عن جار لنا إسعمه ( ‪ ) ......‬منعع‬
‫بناته األربعة املرياث ‪ ..‬وباع كل ما يملك البنه الوحيد‪.‬‬
‫كان والدى من جيل موالنا وكانا جارين ‪ ..‬وأذكر أن‬
‫سبإ روايته تلك احلكاية لنا أنه وبعض اجلريان قعد تعدخلوا‬
‫عرفيا إلقةاء والدهن عن فعلتعه ولكعنهم عجعزوا ‪ ..‬فةعار‬
‫والدى يتندر هبا ‪ ..‬ويتعجإ كيعف أن ذلعك الرجعل ‪ ..‬وهعو‬
‫يقوم عىل شأن كتاب القرية ىف حينه وحيفعظ األطفعال القعرآن‬
‫الكريم يفعل ما فعل‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫ولست أدرى ملعاذا اآلن جعادت ععىل قرحيتعى باسعم‬
‫ذلك الرجل‪ ..‬إنه كام كعانوا يلقبونعه الشعيخ ( ‪ .. ) .......‬يعا‬
‫للمفارقة ‪ ..‬إن لقإ العائلة واحد ‪ ..‬سألت أحد أبناء موالنعا‬
‫عنه ‪ ..‬قال ‪ :‬هو جدى لوالدى‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫الفهرس‬
‫‪------------------------‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪ ‬هذه اليوميات‬
‫‪11‬‬ ‫‪ ‬تقديم‬
‫‪15‬‬ ‫‪ ‬خارج نطاق الخدمة‬
‫‪19‬‬ ‫‪ ‬على هامش قصاص‬
‫‪23‬‬ ‫‪ ‬الحكم عنوان الحقيقة‬
‫‪27‬‬ ‫‪ ‬حتى ال يناله أحد‬
‫‪31‬‬ ‫‪ ‬غياب‬
‫‪33‬‬ ‫‪ ‬سقطا فى اإلخراج‬
‫‪35‬‬ ‫‪ ‬سراب وأطفال‬
‫‪37‬‬ ‫‪َ ‬ه َوس‬
‫‪39‬‬ ‫‪ ‬قرابين الشيطان‬
‫‪43‬‬ ‫‪ ‬وجدان‬
‫‪47‬‬ ‫‪ ‬كواليس الخيانة‬
‫‪51‬‬ ‫‪ ‬عندما يرعى الذئاب‬
‫‪55‬‬ ‫‪ ‬أسباب ما كان‬
‫‪59‬‬ ‫‪ ‬الجزاء‬

‫‪111‬‬
‫يوميات قاضٍ‬
‫‪63‬‬ ‫‪ ‬بائعا البانجو‬
‫‪67‬‬ ‫‪ ‬الثمن‬
‫‪71‬‬ ‫‪ ‬المشاغل‬
‫‪65‬‬ ‫‪ ‬شيزوفرينيا‬
‫‪79‬‬ ‫‪ ‬حياة وأكل عيش‬
‫‪85‬‬ ‫‪ ‬الشاهد الرابع‬
‫‪91‬‬ ‫‪ ‬الذنب والجنون‬
‫‪97‬‬ ‫‪ ‬الرغبة واالنتقام‬
‫‪101‬‬ ‫‪ ‬مطرقة الدليل وسندان المنطق‬
‫‪107‬‬ ‫‪ ‬موالنا اإلمام‬
‫‪111‬‬ ‫‪ ‬الفهرس‪.‬‬

‫مت حبمد اهلل‬

‫‪112‬‬

You might also like