You are on page 1of 3

‫اللص والكالب‬

‫عبد لكريم ساورة‬


‫سأبدأ بحول هللا بنشر سلسلة "كتاب من صديق " وهي فكرة كانت تراودني مند‬
‫أن كنت مراسال بجريدة المساء ‪ ،‬وبعدها " بالجريدة األولى " ‪ ،‬وكنت أتشرف‬
‫بالحضور في العديد من األنشطة الثقافية وكذا الملتقيات الشعرية والقصصية‬
‫والزجلية واإلعالمية من أجل تغطية الحدث‪ ،‬وكنت أنذاك أتسلم العديد من الكتب‬
‫ألصدقاء( مبدعون) التقي بهم في هذه المناسبات من أجل قراءتها ونشر بعضا‬
‫من مقتطفاتها‪ ،‬لكني لم أفعل‪ ،‬ولم ألتزم‪ ،‬كنت فقط أناور هؤالء الكتاب من أجل‬
‫ربح كتاب مجانا‪ @(،‬وهذه كانت هي األخرى من عادتي السيئة ) كما أنني كنت‬
‫شخصا متكاسال‪ ،‬باإلضافة لم تكن لي القدرة الفنية للحديث عن كتاب معين‪ ،‬فهي‬
‫نت ستتحدث عن جوهر‬ ‫ليست بالمهمة السهلة كما يتصور البعض‪ ،‬خصوصا إذا ُك َ‬
‫الكتاب وما يحمل من أفكار وتصورات وتعابير وصور وبالغة ومفاهيم‬
‫وأسلوب‪ ،‬إنها بصراحة مهمة الناقد المتخصص في المتن األدبي‪ ،‬وألنني لست‬
‫ناقدا بالمرة‪ ،‬وإنما عاشق لألدب وللكلمات المنقوشة في الماء بفعل سحرها اآلثر‪،‬‬
‫ومن أجل أن أتحلل من الدين الذي الزال يثقل كاهلي‪ ،‬وبعد تفكير طويل قررت‬
‫أن أخوض التجربة بقلب العاشق وليس المحترف‪ ،‬أن أغامر وأرتمي في النهر‪،‬‬
‫‪.‬الموت غرقا في قعر األدب أهون من حالة االنتظار القاتل‬
‫هناك سؤال يطرح نفسه بنفسه بإلحاح‪ ،‬وهو ما الذي تغير‪ ،‬ودفع بي دفعا التخاذ‬
‫هذا القرار ؟‬
‫بصراحة‪ ،‬إنها سلطة القراء‪ ،‬الذين أصبحوا يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في‬
‫ما أكتب‪ ،‬وهم يفعلون ذلك ليس بسبب الفضول‪ ،‬وإنما بدافع الحب‪ ،‬إنهم‬
‫يشجعونني كل الوقت وهم يصرخون ‪ :‬ال تتوقف‪ ،‬ال تتوقف مهما يكن‪ ،‬إنهم‬
‫يحرضونني على ارتكاب الجرم‪ ،‬فعل الكتابة‪ ،‬خطأ جسيم‪ ،‬إنها أكبر جريمة‬
‫يرتكبها الكاتب‪ @،‬ألنه يكتب من منطق العارف أكثر من اآلخر‪ ،‬وهذا ليس‬
‫صحيحا‪ @،‬فهو فقط يسرق أفكار اآلخرين ويضيف عليها بعض التوابل وقليل من‬
‫النار فتصبح أكلة لذيذة يقدمها للجمهور على أساس أنه مخترعها األول وصاحب‬
‫حقوق عليها‪ ،‬الكاتب لص محترف‪ ،‬الكاتب مجرد مشعوذ‪ ،‬ال يختلف عن باقي‬
‫المشعوذين إال في اإلسم وفي الكلمات الساحرة التي ُي َن ِزلها بردا وسالما على قلب‬
‫‪.‬القراء المسالمين‬

‫واستجابة للقراء وتحريضهم كل الوقت كما قلت سابقا‪ ،‬تمت االستجابة لرغبتهم‬
‫الجامحة‪ @،‬القراء هم اآلخرون متورطون في هذه اللعبة‪ ،‬الجريمة‪ ،‬إنهم يساهمون‬
‫بالكذب الكبير أو الصغير أو الجميل لدفع الكاتب المبتدأ أن يستمر في الكتابة حتى‬
‫يجد نفسه متورطا ‪ ،‬إنهم يتقنون فن أو باألحرى لعبة المجاملة والتشجيع حتى‬
‫الموت‪ ،‬إنهم " يتقنون فن القتل " إنهم قتلة لمسار الشخص العادي‪ ،‬بالضغط عليه‬
‫والزن على أدنه ألف مرة‪ ،‬بل آالف المرات‪ @،‬أنه إنسان موهوب‪ ،‬أنه تتوفر فيه‬
‫كل مقومات المبدع الحقيقي‪ @،‬إنه نوع من الشطط والتالعب الخفي الذي يمارسه‬
‫القارئ باحترافية كبيرة الستدراج ضحيته‪ ،‬لتتم عملية التحول‪ ،‬إن القارئ هو من‬
‫يخلق الكاتب‪ @،‬هو إلهه الحقيقي‪ ،‬الكاتب ضحية القارئ‪ @،‬الكاتب شخص مغفل أمام‬
‫ذكاء القارئ‪ ،‬القارئ الذكي يحتاج للمتعة والتسلية فيستعمل الكاتب البليد‪ ،‬ألنه‬
‫يجده مستعدا للعب هذا الدور الدنئ‪ ،‬دور الخادم بالمجان‪،‬فتبدأ المسرحية ويبدأ‬
‫الكاتب يلعب في الخشبة المكشوفة على الهواء‪ ،‬وكل تحوالت المناخ تضرب‬
‫على رأسه المكشوف‪ ،‬وهاهو القارئ الذكي يخلق لنفسه الفرجة بالمجان وفيها كل‬
‫أنواع اإلمتاع والمؤانسة‪ ،‬وهاهو الكاتب الغبي يستعرض كل عضالته المفتولة‬
‫‪.....‬لينتظر في األخير تصفيقات@ حارة‪ ،‬مجرد تصفيقات يطير صدها في الفراغ‬

‫هذا الشهر توصلت من عند بعض األصدقاء بأكثرمن رواية وكتاب‪ ،‬وألنني لم‬
‫أقرأ في حياتي لنجيب محفوظ‪ ،‬ألنني كنت أعتبره "كاتب السطح" بمعنى كتاباته‬
‫سطحية وال تمس العمق‪ ،‬وهذا من شدة جهلي بالكاتب وقدراته‪ ،‬وألنني كنت‬
‫أستعين بالمشاهدة أكثر من القراءة ‪ ،‬فقد شاهدت كل أعمال الكاتب الكبير والتي‬
‫تحولت إلى أفالم وبذلك ضربت عصفورين بحجرة واحدة‪( ،‬هكذا كنت أفكر في‬
‫السابق) كنت أحسب كثيرا من (الحساب) ولهذا ضعيت على نفسي متعة المكتوب‬
‫وأسراره‪ ،‬ومن أجل إنقاذ مايمكن إنقاذه‪ ،‬و تعويض الكاتب عن الحيف الذي كنت‬
‫أنهجه في حقه كل هذه السنين‪ ،‬ورفع " العدواة المعرفية " التي كنت أكنها له‪،‬‬
‫ألن الشيء إذا جهلته عاديته كما يقول المثل المشهور‪ ،‬قررت أول ما أبدأ به هو‬
‫قراءة هذا الكاتب البارع المتميز‪ ،‬وأول ماقرأت له رواية " اللص والكالب "‬
‫وفعال أكتشفت طينة الرجل ووجدته من العيار الثقيل جدا في سبر أغوار‬
‫الشخصيات@ وبالغة الوصف لألشخاص واألمكنة والمتعة التي تشعر بها مند بداية‬
‫الرواية‪ ،‬واكتشفت كذلك طينتي ووجدتني من العيار الثقيل في الجهل بأعمال‬
‫الكبار‪ ،‬بصراحة أحاول جادا معرفة سبب كل هذا التأخير في معرفة هذا الهرم‬
‫فال أجد‪ ،‬ربما دهشتي العظيمة بكتاب الغرب الكبار أنستني المقربين‪ ،‬أال ترو‬
‫‪.‬معي‪ ،‬العذر أقبح من الزلة‬

‫ومع ذلك أفكر جديا في البدء في كتابة بعض السطور حول كتب األصدقاء والتي‬
‫راكمتها كل هذه السنوات‪ ،‬لكن حلول شهر رمضان ربما يقف حجرة عثرة في‬
‫إنجاز هذه المهمة ‪ ،‬أو الورطة ‪....‬أتمنى أن أقدم أصدقائي األدباء واألديبات بكل‬
‫أمانة‪...‬لكن هل أستطيع فعال ‪....‬؟؟؟؟؟ ‪ ....‬وإن لم أستطيع فهم يستحقون الشكر‬
‫والثناء على كرمهم الحاتمي نحوي‪ ،‬وأولهم القاص هشام الفنغاشي الشاب طيب‬
‫القلب‪ ،‬الذي كان السبب في صلحي مع األدب العربي ورائدهم الكبير نجيب‬
‫محفوظ والتعرف عن قرب على اللصوص الحقيقيين في الوطن العربي وكالبه‪،‬‬
‫‪ .....‬ال تتأخروا مثلي في التعرف عليهم‬

‫كاتب مغربي‬

You might also like