Professional Documents
Culture Documents
-1-
novbo
روايات وكتب ook.net
في الطفولة
تأليف /عبد المجيد بن جلون
-2-
novbo
روايات وكتب ook.net
1
إنن ي كلم ا انح درت م ع الماض ي أفض ت ب ي الح وادث ف ي النهاي ة إل ى ع الم
غ امض ،مث ل ال ذي اس تفاق م ن حل م نس يه قب ل أن يس تفيق ،ﻻ يمنع ه ه ذا النس يان
م ن ت ذكر العاطف ة الت ي كان ت مس يطرة علي ه أثن اءه ،فه و يس تطيع أن يق ول إن
الحل م ك ان مزع ًج ا أو هنيئ ً ا ،ب الرغم م ن أن ه ﻻ يت ذكر من ه ش يئًا .أم ا العاطف ة الت ي
أك اد أش عر بأنه ا كان ت مس يطرة عل ى نفس ي ف ي ذل ك الح ين ،فه ي م زيج م بهم م ن
اﻻس تغراب والخ وف والتطل ع .كن ت كال ذي اكتش ف ح دود مدين ة قديم ة فج أة،
-3-
novbo
روايات وكتب ook.net
أس تغرب للفج أة ،وأخ اف مم ا ق د يك ون ف ي داخ ل المدين ة ،ولك ن تطلع ي المم زوج
بالفضول يدفع خطواتي إليها.
وق د عرف ت الحي اة ﻷول م رة ف ي مدين ة منشس تر ،وﻻ ب د أن وقت ً ا ل يس بالقص ير ق د
م ر قب ل أن تبت دئ ذاكرت ي ف ي اخت زان الص ور .والص ور اﻷول ى القديم ة الت ي
أحتفظ بها في نفسي قليلة تعد على أصابع اليد.
أم ا اﻷش خاص ال ذين ك انوا ح ولي فه م أب ي وأم ي والمربي ة .وكان ت عﻼقت ي
بالمربي ة أم تن م ن عﻼقت ي ب أبي ال ذي ك ان يغي ب ع ن المن زل ط ول النه ار ف ﻼ
أراه إﻻ ل يﻼً ،وأم تن م ن عﻼقت ي ب أمي فق د كان ت ش ابة ض عيفة؛ ﻻ تمكنه ا ص حتها
الواهية من اﻻهتمام بي.
وق د كن ت متأك دا م ن أنن ا أربع ة أش خاص نع يش ف ي ه ذا المن زل ،كم ا كن ت متأك دا
م ن أنن ي أع رف ك ل غرف ه ومداخل ه ومخارج ه ،بحي ث ل م يك ن عن دي أي ش ك ف ي
أن ه ﻻ يمك ن أن يك ون هن اك أح د ل م أره ،فم ا راعن ي ذات ي وم إﻻ أنن ا أص بحنا
خمس ة أش خاص! فم ن أي ن أت ى ه ذا الش خص الخ امس؟! ه و طفل ة ص غيرة اندس ت
بينن ا وأزعجتن ا بعويله ا وص راخها .وق د كن ت أع رف أن ال ذين يزورونن ا ليس وا
من ا ،ف ﻼ داع ي لﻼس تغراب م ن وج ودهم ،ولك ن ه ذه الطفل ة من ا وه م يقول ون عنه ا
إنها أختي.
-5-
novbo
روايات وكتب ook.net
واقت رن به ذا الح ادث ح ادث آخ ر ك اد يُطي ر ص وابي ،ذل ك أنن ا تعارفن ا م ع عائل ة
إنكليزي ة ت دعى )آل ب اترنوس( وه ي تش مل أ ّم ا وث ﻼث فتي ات وش ابين ،وكث رت
بينن ا الزي ارات حت ى توثق ت وش ائج ال ود بينن ا ،وك ان ه ؤﻻء اﻷف راد يحب ونني
برع ايتهم ومحب تهم ،وربم ا قض يت ف ي من زلهم الي ومين أو الثﻼث ة .وك ان من زلهم
الص غير ي ذهب ع ن نفس ي م ا أح س ب ه م ن الوحش ة ف ي منزلن ا ،ول ذلك كن ت
أح رص عل ى أن أص حبهم إلي ه كثي را ،ث م ب دأت أش عر ب أنهم يتحاش ون مص احبتي
معه م ،وب دأت أس مع أن اﻷم مريض ة ،ث م قي ل ذات ي وم إنن ا س نزورهم .وم ا ك دت
أقت رب م ن البي ت م ع المربي ة حت ى ش عرت ب أن س حابة م ن الح زن تظلل ه .ودخلن اه
ف إذا بج و غري ب مكتئ ب يم ﻸ أرج اءه ،وإذا بال دموع الص امتة تنح در م ن العي ون،
وال ذهول مرتس م عل ى الوج وه ،وقض ينا بع ض الوق ت ﻻحظ ت خﻼل ه حرك ة غي ر
عادي ة محوره ا غرف ة ف ي ال دور الث اني .حاول ت أن أفه م ولكنن ي ل م أس تطع ،حت ى
إذا انصرفنا سألت المربية ونحن في الطريق:
-6-
novbo
روايات وكتب ook.net
وكان ت الغرف ة كبي رة ذات نواف ذ عالي ة تظه ر م ن ورائه ا الحديق ة الموحش ة،
وذات أث اث ض خم عتي ق .وكان ت الن ار تلته ب ف ي الموق د بألس نة ﻻفح ة حم راء،
ولس ت أدري ه ل كان ت مام ا -وهك ذا كن ت أدعوه ا -ت روي ل ي قصص ها ،أو كن ا
ي م ا س معته ف ي
ف ي ص مت .ذل ك أنن ي كن ت أرن و إل ى الن ار وق د اس تولى عل ّ
الصباح.
وب دأ اللي ل يس دل أس تاره ،وأخ ذت ذرات ه الس وداء تتس رب إل ى الغرف ة الكبي رة
فتش يع فيه ا مس حة م ن الغم وض ،ويزي دها ض وء الله ب اﻷحم ر رهب ة وج ﻼﻻً،
وك ذلك اﻷش جار الموحش ة الت ي كان ت تب دو وكأنه ا أش باح ش وهاء قائم ة ف ي
الحديق ة .وانتظ رت م ن مربيت ي أن تح دثني ع ن ﷲ والم وت فل م تفع ل .وأخي را
سألتها دون مقدمة:
-لماذا ﻻ يرجع من يسافر إلى ﷲ؟
-ﻷنه ﻻ يستطيع الرجوع.
-ولماذا يسافر؟
-7-
novbo
روايات وكتب ook.net
-هن اك ع الم آخ ر ي ا بن ي خف ي ع ن اﻷنظ ار ،ونح ن نقض ي ف ي ه ذا الع الم عمرن ا،
ث م نم وت فت دفن أجس امنا ف ي اﻷرض وتنتق ل أرواحن ا إل ى ذل ك الع الم اﻵخ ر.
ويخلقن ا ﷲ حت ى إذا متن ا حاس بنا عل ى اﻷعم ال الت ي نق وم به ا .ف إذا كن ا أخي ارا
أرس لنا إل ى الجن ة حي ث نع يش دائم ا ف ي س عادة ،وإذا كن ا أش رارا أرس لنا إل ى ن ار
نحت رق فيه ا ،ول ذلك ف ﻼ ب د م ن أن تحاس ب نفس ك وأﻻ تق وم باﻷعم ال الت ي ﻻ
يحبها ﷲ ،حتى ﻻ يحكم عليك باﻻحتراق حينما تموت.
لس ت أذك ر أن ح ديثا أث ار نفس ي مث ل ه ذا الح ديث ،فق د كان ت ك ل كلم ة م ن كلمات ه
تهزن ي ه ّزا عنيف ا ،ول م أفك ر ف ي الجن ة وﻻ ف ي الس عادة الموع ودة وإنم ا فك رت ف ي
الن ار ،وكن ت أنظ ر إليه ا بعين ين ض ارعتين متوس لتين كم ا ل و ك ان ف ي اس تطاعتها
أن تنق ذني م ن ه ذا المص ير الم روع ال ذي ينتظرن ي .فقل ت له ا لك ي أتأك د مم ا
تقول:
-وإذا فعل ت الش ر فس يأتي أب ي وت أتي أم ي وأن ت ف ﻼ تدعون ه يرس لني إل ى ه ذه
النار .أليس كذلك يا ماما؟
-8-
novbo
روايات وكتب ook.net
وأبت الحياة بعد هذا الحادث مباشرة إﻻ أن تصيبني بحادثة أخرى أشد وأقسى.
2
-9-
novbo
روايات وكتب ook.net
رفت إل ى اللع ب،ُ كن ت ألع ب ب بعض اللع ب وحي دا ف ي الغرف ة .وإذا انص
انص رفت إلي ه تمام ا كم ا ل و كن ت أزاول عم ﻼً م ن اﻷعم ال .وكان ت عن دي لعب ة
تتطل ب من ي جه دا كبي را ،وه ي عب ارة ع ن قط ار يج ري عل ى قض بان م ن حدي د،
وكان ت ه ذه القض بان طويل ة ومتش عبة تش غل أرض الغرف ة كله ا تقريب ا ،يس تغرق
تركيبه ا من ي وقت ا كبي را .وقض يت وقت ا ط ويﻼ ف ي تركيبه ا ،ث م ف ي إن زال العرب ات
فوقه ا ،ث م ف ي ش د العرب ات إل ى الق اطرة .وأخي را ت م م ا كن ت أرم ي إلي ه ،وب دأ
القطار يجري فوق قضبانه في سهولة ويسر.
دخل ت أخت ي إل ى الغرف ة ف ي ه ذه اللحظ ة بال ذات وه ي تحب و ،وم ا ك ادت ت رى
القط ار يج ري حت ى حب ت إلي ه مغتبط ة ب ه ،ولكنه ا ل م تكت ف ب ذلك وإنم ا وض عت
ي دها الص غيرة عل ى القض بان ورفعته ا فتفكك ت أج زاء القط ار وانقل ب عل ى
اﻷرض ،وتبعث ر ف ي لحظ ة م ا جمع ت ف ي س اعات ،فل م أط ق ص برا عل ى ه ذا
اﻻعت داء ،ول م يكفن ي أن أص رخ وأس تغيث وإنم ا خرج ت م ن الغرف ة أج ري ث م
رجع ت وأن ا أحم ل عص ا كبي رة أخ ذت أض ربها به ا ،فبك ت المس كينة بك اء مؤلم ا،
وس مع أف راد العائل ة ف ي الغرف ة المج اورة بكاءه ا ف أقبلوا مس رعين وأقبل ت أم ي
ورفعته ا م ن اﻷرض ،ث م ناولته ا إل ى المربي ة وأرادت أن تض ربني فهرب ت
فتبعتن ي ،ولج أت إل ى أب ي ال ذي حم اني .وم ا ت زال ص ورتها إل ى اﻵن أم امي
وه ي تح اول عبث ا أن تض ربني ،وه و يه دئها ،فتق ول ل ه إن ه بحمايت ه يش جعني،
وإن ه ﻻ ب د م ن تربيت ي حت ى ﻻ أتعل م اﻻعت داء عل ى غي ري م رة أخ رى .ه ذه ه ي
الصورة الوحيدة التي أحتفظ بها ﻷمي.
ث م أح تفظ له ا بالص ورة اﻷخي رة ،وه ي الص ورة الت ي ﻻ يمك ن أن أنس اها م ا
حيي ت .اختف ت أم ي وب دأت أرى شخص ا غريب ا يحم ل ف ي يدي ه حقيب ة يزورن ا ك ل
ص باح ويص عد إل ى غرفته ا ،ث م ش عرت ب العيون تتعل ق به ذا الش خص ،ث م ب دأت
اﻷحادي ث تنقل ب إل ى هم س ،وس اد البي ت ج و م ن الكآب ة والح زن ذكرن ي ب اليوم
الس الف ال ذي زرت في ه آل ب اترنوس ،ولكنن ي ل م أفه م م ن الحقيق ة ش يئا ول م
يحدثني أحد عنها.
- 10 -
novbo
روايات وكتب ook.net
-إن ه ذا ﻻ يجم ل ،ﻻ ب د م ن أن ي رى المس كين أم ه للم رة اﻷخي رة .كي ف يمنعون ه
من هذا؟! إن في إخفاء اﻷمر عنه قسوة ﻻ تطاق.
ي ورفعتن ي إل ى المائ دة وع انقتني ،ث م قال ت :ﻻ تث ق بك ل م ا يق ال ل ك،
ث م التفت ت إل ّ
إنه م يض للونك ،لق د مات ت أم ك المس كينة ،وس آخذك اﻵن لرؤيته ا عل ى ف راش
الموت ،ولكن عدني بأﻻّ تبكي وﻻ تخاف.
م ا أزال أذك ر ه ذا الموق ف الرهي ب ،حينم ا أخ ذنا طريقن ا إل ى الس لﱠم المظل م،
وب دأت أص عده بخط وات مض طربة ،وه ذه الفت اة اﻹنكليزي ة النبيل ة آخ ذة بي دي،
وكان ت عين اي مرك زتين ف ي أعل ى الس لم ،كم ا ل و ك ان ش بح الم وت يط العني من ه.
ي أنل م أك ن أدرك تمام ا ج ﻼل الموق ف ،ولكنن ي كن ت حزين ا مغموم ا يخي ل إل ّ
ي ،ودلفن ا قل يﻼً إل ى ب اب الغرف ة ،ث م وقفن ا أمامه ا وه ي
المن زل يك اد يطب ق عل ّ
مقفل ة ،ث م فتحته ا ميلل ي ،ف إذا ب ي أرى م ن خ ﻼل فُتح ة الب اب غرف ة س اكنة كم ا ل و
ك ان ك ل ش يء فيه ا ق د م ات أيض ا ،ول م أر أم ي جالس ة ف ي الس رير تس تقبلني عل ى
عادته ا بوجهه ا البش وش المستبش ر ،وإنم ا رأي ت أم امي س ريرها وق د ظللت ه
س حابة رهيب ة ،وت دلت إل ى جانب ه أغطيت ه الس اكنة حت ى ك ادت تلم س اﻷرض ،ول م
تكن حركة تبدو منه ،حتى الصدر كان هادئا كما لو كان قطعة من السرير.
- 11 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ث م تق دمت ميلل ي وأخ ذتني م ن ي دي ،وب دأت تس عى ب ي إل ى داخ ل الغرف ة .ك ان ك ل
ي أن الحي اة ق د
ش يء يغ رق ف ي الص مت ويغ رق م ع م رور الوق ت ،حت ى خي ل إل ّ
انهارت وأصبحت أطﻼﻻً صامتة ﻻ حراك بها وﻻ ِر ْكز.
واقتربن ا روي دا م ن الس رير ،ث م وقفن ا إل ى جانب ه ،وق د تعلق ت ب ه نظرات ي حت ى ل م
أع د أرى وﻻ أح س ف ي الغرف ة بش يء س واه ،ورفعتن ي ميلل ي فرأي ت م ن وراء
ث وب ش فاف مﻼم ح وج ه أم ي الباهت ة ،وكأن ه ع ِنّ ي بعي د بعي د ،يب دو وراء ض باب
الم وت .ث م تق دمت إل ى ه ذا الوج ه بي د مض طربة وكش فت عن ه الث وب الش فاف،
وإذا بوج ه واض ح ه و وج ه أم ي بعين ه ق د علت ه ص فرة ذهبي ة هام دة ،وت دلت عل ى
ج انبي رأس ها خص ﻼت ش عرها الكس تنائي الك ث الطوي ل ،وق د غ ار في ه م ا ك ان
يحف ل ب ه م ن حيوي ة وبش ر ،وح ل محلهم ا اله دوء واﻻطمئن ان والرحم ة .وقربتن ي
ميلل ي إليه ا ﻷقبله ا ،فلمس ت بش فتي الم رتجفتين خ دها وأحسس ت وأن ا أفع ل بب رودة
الموت تسري في أوصالي المضطرمة ،واغرورقت عيناي بالدموع.
ث م خرجن ا م ن الغرف ة ونزلن ا الس لم ب نفس الخط ى الوئي دة الت ي ص عدنا به ا،
واس تقبلتنا ف ي أس فله وج وه مكتئب ة ونظ رات تائه ة ،ولك ن ميلل ي أب ت أن تس لمني
ﻷح د ،مخاف ة أن يك ون للمنظ ر ت أثير س يئ عل ى نفس ي ،وإنم ا أخ ذتني إل ى الحديق ة
الخلفية حيث جلست معي على مقعد خشبي لكي تسلّي عني.
كن ا ف ي فص ل الص يف م ن الس نة ،وكان ت الليل ة ص افية والقم ر الكبي ر ي تﻸﻷ ف ي
كب د الس ماء ،فتتس لل أض واؤه خ ﻼل اﻷغص ان وتض يء الحش ائش ،وتمت د تحته ا
- 12 -
novbo
روايات وكتب ook.net
عل ى اﻷرض ظ ﻼل اﻷش جار الباس قة ،ف امتلكني المنظ ر بجﻼل ه ورهبت ه ،ولك ن
ميللي صرفتني عنه بحديثها ،إذ سمعتها تقول:
خف ف م ن كآب ة نفس ي م ا قالت ه ل ي ميلل ي ف ي الحديق ة ذل ك المس اء ،وعزان ي قل يﻼً،
ذل ك أنن ي منﱠي ت نفس ي ب أن أم ي مع ي ف ي الع الم وأنه ا تزورن ا م ن آن ﻵخ ر
بواسطة تلك الصفحة المضيئة التي تنير سواد الليل البهيم.
وق د أخ ذتني المربي ة ف ي الي وم الت الي إل ى الحديق ة العام ة وحاول ت أن تص رف
ي ،وتح اول
نفس ي ع ن ذل ك الح ادث ،وأخ ذت تح دثني ع ن حبه ا ل ي وعطفه ا عل ّ
- 13 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وهك ذا قض يت -ومع ي أخت ي الص غيرة -اﻷي ام التالي ة م ن طف ولتي ،وأن ا أعتق د
س خ عن دي ه ذا اﻻعتق اد رعايته ا لن ا وح دبها علين ا ،فق د جعل ت
أنه ا أم ي .ومم ا ر ﱠ
م ن حبه ا العمي ق لن ا بلس ما س حريا ش فى نفس ينا م ن ذل ك الج رح المم ض ال ذي
أصابنا .فإذا قلت بعد هذا "أمي" فإني فخور بأن تكون هي المرأة التي أعني.
3
- 14 -
novbo
روايات وكتب ook.net
بواس طة ه ذه الفت اة ب دأت أتع رف إل ى الحي اة ،واتس ع أف ق وج ودي ،فك ان م ن أول
اﻷم اكن الت ي عرفته ا الس ينما والمس رح ،والحديق ة العام ة وحديق ة الحي وان،
وكانت لها منزلة خاصة ﻷنها كانت تشبع عندي غريزة حب اﻻستطﻼع.
كان ت الس ينما تخل ق أم امي م ثﻼً علي ا ،وكان ت ه ذه المث ل العلي ا ت دور ح ول الق وة
العض لية الت ي ته ب للش خص الق درة عل ى الس يطرة عل ى م ا حول ه ،وكن ت أغت بط
إعجاب ا برك وب اﻷف راس والمﻼكم ة والقف ز والس باحة ،وك ل م ا يعب ر ع ن تل ك
الق وة العض لية ،وكن ت أنفع ل عن د رؤيت ه انفع اﻻً ش ديدا أنس ى مع ه ك ل م ا ح ولي.
وقد كانت اﻷفﻼم السينمائية في ذلك الوقت حافلة بهذا اللون من التمثيل.
- 15 -
novbo
روايات وكتب ook.net
والهي ام ،فينقل ب المس رح إل ى س حابة ش فافة ت رقص فيه ا فتي ات م ن ن ور ق د أف رغن
ف ي قوال ب س حرية يت ابعن اﻷلح ان ف ي رش اقة تخل ب اﻷلب اب ،فيخي ل إل ى الن اظر
إل يهن أنه ن موس يقى مجس مة أروع تجس يم ،ناض جات الص دور ناعم ات اﻷجي اد،
خفيف ات الخط ى ،مستبش رات الثغ ور ،تتح رك ص فوفهن حرك ة واح دة م ع اﻷلح ان
الراقص ة الناعم ة .ويتن اثرن ث م يج تمعن ث م يتت الين زم را ك أنهن اﻷح ﻼم .كن ت
أح بهن حبّ ا بريئ ا ،وأعج ب كي ف ﻻ نقاب ل م ثلهن ف ي الحي اة ،وأعتق د أنه ن أمثل ة
لص فاء ال نفس ،ونق اء الض مير ،وح ب الخي ر ،وأن ﷲ خلقه ن م ن الرحم ة
المجردة.
وﻻ يعن ي ه ذا أنن ي كن ت أطم ئن تم ام اﻻطمئن ان للمس رح .ذل ك أنن ي كن ت أع رف
أن الممثل ين أحي اء مثل ي ،وأن ه يمك ن لمس هم ومع املتهم ،عل ى عك س الممثل ين ف ي
الس ينما فق د كن ت أع رف أنه م ﻻ ي ْع دون أن يكون وا مج رد خي اﻻت ،ل ذلك كن ت
أخش ى المن اظر المثي رة ف ي المس رح .ظه ر أم امي ذات ي وم فج أة عل ى المس رح
ي أن ه هائ ل ،فم ا ك دت أراه حت ى دب الخ وف ف ي قلب ي ،ولم ا رأيت ه
فه د خي ل إل ّ
يتح رك كم ا يش اء ب دأت أح س أنن ي ف ي خط ر ،وش عرت بأن ه إذا رآن ي وأراد أن
يلتهمن ي فل يس علي ه إﻻ أن يقف ز ويتخطفن ي ،ول ذلك أحسس ت بف يض م ن اﻹره اب
ل م تتحمل ه أعص ابي ،فص رخت وظلل ت أص رخ إل ى أن اض طرت ميلل ي إل ى
الخروج معي.
ومم ا أذك ر ع ن المس رح أنن ا ذهبن ا إلي ه مس اء أن ا وأم ي وميلل ي وأختاه ا ،وكان ت
الرواي ة هزلي ة ،ولك ن ش يئًا منه ا ل م يبعثن ي عل ى الض حك ،فق د كان ت حرك ات
الممثل ين تب دو ل ي س خيفة فاس تثقلتهم وملل تهم ،ث م ب دأت أحق د عل يهم ،وأنظ ر إل يهم
ف ي عب وس .وفط ن النظ ارة ح ولي إل ى عبوس ي إل ى درج ة أنه م ب دأوا يتهامس ون
ب ه ،وأخي را اس تطاع أح د الممثل ين أن يبتس ر من ي الض حك ابتس ارا .وم ا ك ادت
ش فتاي تنفرج ان بالض حك حت ى عل ت ح ولي عاص فة م ن الض حك المماث ل.
وانتبه ت ف إذا ب العيون كله ا متعلق ة ب ي ،فبعثن ي ذل ك عل ى أن أتض اءل ف ي مك اني،
فق د كن ت أك ره كره ا ش ديدا أن تتعل ق ب ي اﻷنظ ار أو أن أك ون مح ورا لح ديث ب ين
جماعة من الناس.
- 16 -
novbo
روايات وكتب ook.net
كن ا نقاب ل أص نافًا م ن الن اس يعل و البش ر وج وههم جميع ا عل ى تب اينهم ،وم ن بي نهم
أمث الي م ن اﻷطف ال .وكن ت أنتب ه لك ل ش يء ،ﻷن ك ل ش يء ك ان جدي دا بالنس بة
ي ،ولك ن ه ؤﻻء اﻷطف ال ك انوا يس ترعون انتب اهي أكث ر م ن اﻵخ رين ،ف ﻼ تك اد إل ّ
عين ي تق ع عل ى واح د م نهم حت ى أتابع ه بنظرات ي إل ى أن يغي ب .كن ت أنتب ه
للباس هم ولع بهم وتص رفاتهم ،وكن ت أش عر ب أن المخلوق ات اﻷخ رى الت ي تق ع
عين ي عليه ا بعي دة عن ي ف ﻼ يمك ن أن أفك ر فيه ا ،وكأنه ا ش يء ﻻ يتعل ق ب ي .أم ا
ه ؤﻻء اﻷطف ال فش أنهم ش أن آخ ر ،كن ت أش عر ب أنني ن ّد له م ،ول ذلك ف ﻼ ب د م ن
مت ابعتهم ومعرف ة الج و ال ذي يعيش ون في ه حت ى أس تفيد م ن ذل ك .كن ت أس تمتع بك ل
م ا أرى اس تمتاعا مج ردا ع ن اﻷغ راض ،أم ا اﻷطف ال فكن ت أت ابعهم ب دافع م ن
س نح وهم بعاطف ة مج ردة .كن ت أتتب ع عن دهم م ا تل ك المص لحة ،ول م أك ن أح ّ
اس تحدث م ن المخترع ات ف ي ع الم اﻷلع اب ،ف ﻼ يق ر ل ي ق رار حت ى أقتنيه ا،
وأتتبع عندهم كل ما يكون جديدا بالنسبة لي فأنتفع به في حياتي.
وك ان ف ي طليع ة م ا يأخ ذني كث رة م ا يوج د م ن الن اس ف ي الع الم .فأن ت ﻻ تس تطيع
أن ت ذهب ﻷي مك ان دون أن تقاب ل في ه أناس ا وأناس ا كثي رين م ن ك ل ل ون وم ن
ك ل ص نف ،فك انوا يش غلونني فأعج ب لكث رتهم واخ تﻼفهم :الطوي ل والقص ير،
النحي ف والس مين ،الجمي ل والقب يح .أض ف إل ى ذل ك أنن ي كن ت مغرم ا بتتب ع
اخ تﻼف الثي اب الت ي يرت دونها ،ف إذا رأي ت منه ا جدي دا ً ﻻ عه د ل ي ب ه م ن قب ل
ي ص احبه ،وحت ى ينبهن ي وقف ت وأطل ت إلي ه النظ ر ف ي اس تغراب حت ى ينتب ه إل ّ
من قد يكون معي إلى أن مثل هذا التصرف معيب ﻻ يليق بالطفل المهذب.
- 17 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وأمت ع منظ ر ك ان يثي ر إعج ابي ف ي تل ك الس ن المبك رة ،ه و منظ ر فت اة تأبط ت
ذراع فت ى ،وك ل منهم ا منص رف إل ى اﻵخ ر يحادث ه ويض احكه .ولس ت أدري
م اذا ك ان يبعثن ي عل ى اﻹعج اب بهم ا إن ل م يك ن م ا يب دو ف ي طلعتهم ا م ن عافي ة
وشباب وجمال.
حت ى إذا تك ررت زي ارة حديق ة الحي وان ب دأت آم ن م ا فيه ا ،وب دأت أس تطيع
الوق وف دون خ وف أم ام الحيوان ات الش ديدة اﻻفت راس وأتأمله ا .وكن ت كلم ا
وقف ت أم ام حي وان منه ا تص ورته طليق ا ف ي الغاب ات ،ث م أق ارن حيات ه الح رة تل ك
بحياته السجينة هذه ،فأرثي لحاله ولحال أقربائه الذين فقدوه في الغاب.
4
ث م ت أتي بع د ذل ك اﻷخ وات ال ثﻼث .وكب راهن ميلل ي ،وه ي قص يرة القام ة ذات
ش عر ف احم ك ث ،وح اجبين كثيف ين أس ودين ،تحتهم ا عين ان عميقت ان .وله ا
شخص ية مرح ة عابث ة بريئ ة .ث م أللين ي ،وه ي أط ول منه ا قام ة وأدق جس ما،
يمي ل ش عرها إل ى الحم رة ،دقيق ة المﻼم ح زرق اء العين ين ،تمي ل ك ل المي ل إل ى
الج د .ث م بع د ذل ك ص غراهن ،واس مها أنج ي ،وه ي أجمله ن وأحفله ن بالحي اة،
ذات ق وام رش يق ،له ا بش رة ص افية ،وجي د طوي ل ن اعم ،وتقاس يم واض حة ،ﻻ
تس تطيع أن تعبره ا بعيني ك إذا م ا رأيته ا ،وله ا مي ل إل ى الت رف والظه ور بمظه ر
المعتز بنفسه وجماله.
وك انوا يقيم ون جميع ا ف ي ه ذا المن زل ال ذي ورث وه ع ن أمه م الراحل ة ،ويش غل
أربع ة م نهم وظ ائف كتابي ة ،أم ا الخامس ة وه ي ميلل ي فمتفرغ ة لﻺش راف عل ى
ي ،وك ذلك أندري ه ال ذي ك ان يقض ي
ش ؤون المن زل ،ول ذلك فق د كان ت أق ربهم إل ّ
س اعات طويل ة م ن النه ار ف ي المن زل .وكان ت المائ دة تجمعه م ف ي الس اعة
السادس ة مس ا ًء ،فيتن اولون طع ام الغ داء ث م يس تريحون ،ث م يخ رج معظمه م وتظ ل
ميلل ي وأندري ه غالب ا ف ي المن زل وح دهما ،وق د يظل ون حي ث ه م يتس امرون إل ى
أن يحين وقت النوم.
- 20 -
novbo
روايات وكتب ook.net
يت ألف المن زل م ن دوري ن وتوج د ف ي ال دور اﻷول غرف ة اﻻس تقبال ،ذات المقاع د
ال وثيرة ،وق د زين ت ج درانها بالص ور .وتق ع فيه ا الع ين هن ا وهن اك عل ى تمث ال
ص غير أو باق ة م ن الزه ور أو تحف ة ص غيرة تس ترعي اﻷنظ ار .ويوج د به ا إل ى
جان ب ذل ك ح اكي ومجموع ة كبي رة م ن اﻷس طوانات ،ث م تليه ا غرف ة الجل وس
العادي ة ،وبه ا بع ض المقاع د والكراس ي ،ومنض دة ق د تراكم ت عليه ا الص حف،
وف ي الزاوي ة رف وف عليه ا كت ب .ث م غرف ة المائ دة وفيه ا مائ دة كبي رة مربع ة تح يط
به ا الكراس ي ،وعل ى أح د الحيط ان رف وف طويل ة م ﻸى بمس تلزمات المائ دة ،وف ي
الزاوي ة قف ص كبي ر ب ه ببغ اء .ويت ألف ال دور الث اني م ن ث ﻼث غ رف ،لك ل م ن
الشابين غرفة والثالثة وهي أكبرها مخصصة لﻸخوات الثﻼث.
ص دغه .كن ت أجل س ص امتا إل ى جانب ه أرن و إلي ه ف أراه م رة يبتس م ،وم رة
يض حك ،وم رة أخ رى يع بس ،وربم ا نه ض إل ى الغرف ة المج اورة ،ورج ع منه ا
ح امﻼً كتاب ا ض خما ،فيفتح ه وينظ ر في ه قل يﻼً ث م يعي ده إل ى مكان ه .كن ت أش عر أن
الق راءة ج زء م ن حيات ه ،وأن ه ك ان يحي ا فيه ا ،وأتمن ى أن أع رف لم اذا يبتس م أو
يض حك أو يع بس ،وأرج و أن أع رف لم اذا ي أتي بالكت اب اﻵخ ر ،ولم اذا ك ان
ينظ ر في ه .وكن ت أس ائل نفس ي وه و يق رأ :م اذا ف ي ه ذه الكت ب؟ ع م تتح دث؟ وم ن
ال ذي يض عها؟ ولم اذا يض عها؟ وكن ت أل ح علي ه ف ي الس ؤال ،وأخي را ج اءني ذات
ي وم بكت اب يحت وي عل ى قص ة مص ورة ،تمث ل ك ل ص ورة مرحل ة م ن مراح ل
ي أنن ي فهم ت الم راد م ن ه ذه القص ة ،فش رحها ل ي ،فاغتبط ت به ا وخي ل إل ّ
الكتب.
ك ان أندري ه س ريع اﻻنفع ال ،حطم ت م دافع الح رب العظم ى اﻷول ى أعص ابه،
فه و يغض ب بس رعة ،ويض حك بس رعة .وكن ت أنظ ر إلي ه وه و ي دخن ويرن و إل ى
ن ار الموق د ،ث م فج أة أرى أوداج ه ق د انتفخ ت ،وإذا ب ه ين تفض وي نهض ف ي
اض طراب لي ذرع الغرف ة جيئ ة وذُ ُهوب ا ،ث م يق ف فج أة ،ويغ رس أص ابع يدي ه
المنفرج ة ف ي ش عره ،ويض غط بيدي ه عل ى رأس ه بش كل عص بي مثي ر ،فأتض اءل
ي ،وكان ت لحظ ات طويل ة تم ر ف ي الكرس ي خوف ا من ه ،ولكن ه ل م يك ن يلتف ت إل ّ
علي ه وه و عل ى ه ذه الحال ة .وق د عرف ت فيم ا بع د أن الح وادث المرعب ة الت ي
ش اهدها وه و جن دي ،س ﱠكنته بأش باحها وأتلف ت كيان ه ،وهيمن ت عل ى ش عوره ،فه و
ﻻ يس تطيع أن يت ذكرها دون أن تت وتر أعص ابه ،وتغم ره موج ة م ن اﻻنفع ال
الش ديد .ولكنن ي ب الرغم م ن ذل ك كن ت أحب ه وأعج ب ب ه ،ﻷنن ي كن ت أش عر وه و
ي بقلبه الكبير.
يتحدث إل ّ
أم ا أللين ي فكن ت أش عر بش يء م ن الب رود وأن ا معه ا .فه ي فت اة يض ل اﻻبتس ام
طريق ه إل ى ثغره ا ،وه ي تق يم وزن ا كبي را للتقالي د ،وقلم ا تنطل ق م ن قيوده ا
لتداعبني .لقد كانت تحبني حبا محترما.
- 22 -
novbo
روايات وكتب ook.net
واﻷخ ج ورجي ك ان يش بع فض ولي وحب ي لﻼس تطﻼع ،فه و دائم ا مح اط باﻷش ياء
الجدي دة ،وق د كن ت أل تقط من ه حركات ه وعادات ه ،ﻷنن ي كن ت معجب ا بأناقت ه ،فكن ت
أتتب ع تص رفاته ،وأنتب ه لم ا يل بس وكي ف يل بس ،ول م يك ن أح ب إل ى م ن أن أتس لل
إل ى غرفت ه وه و يس تعد للخ روج ،ﻷنظ ر إلي ه وه و يت أنق ،وكن ت ف ي خ ﻼل ذل ك
أتمن ى م ن ص ميم قلب ي أن أكب ر حت ى أس تطيع أن أك ون مثل ه .ف إذا أت م تأنق ه ث م
ل بس القبع ة وس عى إل ى الم رآة يتأم ل نفس ه يمين ا وش ماﻻً ،خ رج إل ى الب اب وش يعته
بنظ رات كله ا إعج اب ،حت ى يغي ب عنه ا ف ي الش ارع الطوي ل ال ذي ينطل ق في ه.
وف ي ي وم اﻷح د ص باحا يرت دي ج ورجي بذل ة )الجول ف( ويخ رج ح امﻼً أدوات
اللعب ،ثم يركب سيارة تكون في انتظاره عند باب المنزل.
- 24 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ولم ا رجعن ا إل ى المن زل ،س معتها تح دث أختيه ا ع ن ه ذا الح وار ،وختم ت ح ديثها
قائلة :إنها تخشى أن يكون ذلك إنذارا على لسان الطفل الصغير.
5
- 25 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وأول ه ذا اﻻخ تﻼف أن منزلن ا قلم ا ك ان يخل و م ن زوار ،وك ان ه ؤﻻء ال زوار
ي أن ا ال ذي ﻻ يع رف إﻻّ قل يﻼً ع ن اخ تﻼف طب ائع غرب اء تم ام الغراب ة بالنس بة إل ّ
الن اس وأل وانهم ب اختﻼف الش عوب .ل م يك ن ال ذين يزورونن ا م ن اﻹنكلي ز ال ذين
ألف تهم وإنم ا ك انوا مراكش يين ،وق د كن ت أتتب ع حرك اتهم وس كناتهم فأج د فيه ا دائم ا
ش يئا جدي دا .وكن ت أص غي إل ى كلم اتهم وه م يتخ اطبون فأس تغرب له ذه الح روف
الض خمة الت ي يلفظونه ا ف ي س هولة ويس ر .أي أن اس ه ؤﻻء!! إن ه ﻻ يك اد ثﻼث ة أو
جوه ا بأص واتهم العالي ة وض حكاتهم أربع ة م نهم يجتمع ون ف ي غرف ة حت ى يم ﻸوا ّ
الص اخبة .وكان ت عن دهم ق درة غريب ة عل ى التق اط اﻷص وات المختلف ة إل ى درج ة
أنه م ك انوا يتكلم ون جميع ا م رة واح دة ،فيك ون الواح د م نهم متكلم ا وس امعا ف ي
وقت واحد!
- 26 -
novbo
روايات وكتب ook.net
هن اك ش يء بال ذات حيرن ي دون أن أج د ل ه تفس يرا ،ذل ك ه و ابتع ادهن ع ن
ي أن ب ين الجنس ين ع داوة ﻻ تمحيه ا ال دماء ،ولك ن ذل ك ك انالرج ال حت ى خي ل إل ّ
يض يع حينم ا تك ون الواح دة م نهن م ع زوجه ا .وإذن فم ا الس بب ف ي ابتع اد النس اء
ع ن الرج ال والرج ال ع ن النس اء؟ كن ت أﻻح ظ ف ي بع ض اﻷحي ان أن إح داهن
ت دخل غرف ة تحس بها خالي ة ،حت ى إذا وقع ت عينه ا عل ى رج ل خرج ت مس رعة
وق د احم ّر وجهه ا ،وربم ا ص رخت ،ول م تك ن تكتف ي ب ذلك وإنم ا كان ت تس رع إل ى
غرفة أخرى وتقفل خلفها الباب.
كن ت معجب ا بوج وههن النض رة وجم الهن الغ ض ،ولكنن ي كن ت أرث ي لح الهن.
فه ن مث ل أنج ي ف ي الجم ال ،فلم اذا تك ون أنج ي س احرة تش يع حوله ا الغبط ة
والبهج ة؟ ولم اذا تك ون -دونه ن -رش يقة أنيق ة وك ل ش يء فيه ا رائ ع جمي ل؟
كن ت أرى م ن الواض ح أنه ن جم يﻼت ولك نهن ل م يك ن أنيق ات ،وكن ت أع رف أن
ذل ك يرج ع إل ى ال زي ال ذي ك ن يرتدين ه ،إذ ل م يك ن في ه ذوق وﻻ أناق ة .فب دﻻً م ن
رأس أنج ي الع اري ذي الش عور المتموج ة كن ت أرى كوم ة م ن الحرائ ر
والمج وهرات تعل و رؤوس هن ،وب دﻻً م ن جس م أنج ي الل دن المتكس ر ،كن ت أرى
الثي اب الم دﻻة كأنه ا الس تائر ،وب دﻻً م ن ق وام أنج ي الرش يق كن ت ﻻ أرى ش يئا
عل ى اﻹط ﻼق ،وب دﻻً م ن وج ه أنج ي المتف تح العاط ل كن ت أرى وجوه ا ملطخ ة
باﻷص باغ ف أرثي لح الهن ،وق د أراه ن ع اطﻼت فأش عر بس حرهن ث م أتفق د ه ذا
الس حر والجم ال بع د ذل ك وأس تغرب أي ن ض اع .ولك ن ﻻ تس ل ع ن عجب ي حينم ا
- 27 -
novbo
روايات وكتب ook.net
أم ا الرج ال فك انوا ف ي الغال ب يجتمع ون ف ي المس اء ،ف إذا اجتمع وا ف ﻼ ب ّد م ن أن
أقض ي معه م أكب ر وق ت مس تطاع ،ﻷنن ي كن ت أج د ل ذة ف ي ذل ك .ك انوا أب رع م ن
النس اء ف ي رف ع اﻷص وات واﻻس تماع ف ي وق ت واح د ،وك انوا أكث ر ص خبا وأش د
ح رارة ،ك ان ح ديثهم ص يحات وقهقه ات ،وك انوا يكث رون م ن العب ث حت ى يخي ل
إلي ك أنه م ﻻ يعرف ون الج د ،ويكث رون م ن الج د حت ى يخي ل إلي ك أنه م ﻻ يعرف ون
العبث.
وربم ا اجتم ع أربع ة م نهم للع ب ال ورق ،اثن ان ض د اثن ين ،وك ان لع بهم غريب ا،
ف أرى الﻼع ب يتن اول ورق ة ب ين أص ابع ي ده ث م يل وح به ا ف ي الفض اء م رات ،ث م
يتناوله ا بإبهام ه ووس طاه ويض ربها ض د س بابته بض ع م رات أخ رى ،ث م يحوله ا
يمين ا أو يس ارا ،ك ل ذل ك وص احبه منتب ه إل ى ه ذه اﻹش ارات ك ل اﻻنتب اه ،ث م يلق ي
بالورق ة إل ى اﻷرض ف ي ق وة ويرن و إل ى ص احبه مح اوﻻً أن يتأك د م ن أن ه فه م
عن ه م ا يري د ،ف إذا حص لت غلط ة بس يطة ض جت الغرف ة بالص ياح .ووي ل
للمغل وب ،فإن ه ك ان يحك م علي ه بل بس قلنس وة م ن ال ورق كان ت تروقن ي ج دا ،وﻻ
يجوز له أن ينزعها إﻻ إذا محا عن نفسه الغلب.
الهم س واﻻبتس ام والس كون يزي د ف ي تش ويه الص ياح والقهقه ة والحرك ة ،أم أن
هؤﻻء الناس كانوا حقا ً مبالغين؟!
- 29 -
novbo
روايات وكتب ook.net
تص رفاته ،فه و يخ رج وحي دا ويبت اع م ا يري د ويتف اهم م ع الن اس .أم ا كي ف ك ان
ذلك يتم وبأي لغة ،فا به عليم!
- 30 -
novbo
روايات وكتب ook.net
6
- 31 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ك ان ه ذا الش تاء العني ف يثي ر ف ي نفس ي ص ورا م ن الجب روت ل ن أنس اها م ا
حيي ت ،وك ان الرع د م ن أب رز ه ذه الظ واهر الت ي تثي ر خي الي فب دأت أفه م أن
الس ماء تض ج بالمخلوق ات كم ا تض ج اﻷرض ،وأن الس ماء بالنس بة إل ى اﻷرض
ف ي الع الم مث ل ال دور الث اني بالنس بة إل ى ال دور اﻷول ف ي المن زل ،فه ذا الرع د
ض جيج أه ل ال دور الث اني ،وإذا ك ان الرع د ض جيجهم ف ﻼ ب د أن يكون وا عمالق ة
جب ابرة تُح دث أق دامهم عل ى الس قف ك ل ه ذه الضوض اء وه م يج رون أو يعبث ون،
وربم ا ك ان أبن اؤهم فق ط ه م ال ذين يج رون أو يعبث ون .ث م ب دأ ص وت الرع د يقت رن
بالص وت ال ذي تحدث ه العرب ة وه ي م ارة ف ي ال َم َح ﱠج ة يجره ا ج واد مطه م جم وح،
ي كلم ا عب ر الس ماء ه زيم أن جماع ة م ن ه ؤﻻء العمالق ة ق د ركب وا فب ات يخي ل إل ّ
عرب ات جب ارة وانطلق وا يتس ابقون ف ي جن ون وبأقص ى م ا يس تطيعون م ن س رعة
فترتجف أنحاء العالم من تحتهم.
كان ت ال ريح ه ي الظ اهرة الثاني ة ف ي إث ارة ه ذا الخي ال .كن ت أص غي إل ى عويله ا
ف ي ظلم ات اللي ل وأن ا م دثر ف ي الف راش ،وطالم ا س اءلت نفس ي :م ا معن ى ال ريح؟
ي أنه ا مقبل ة م ن
دون أن أظف ر بج واب ،وعندئ ذ ألج أ إل ى اﻻفت راض ،فيخي ل إل ّ
ب من ه كلم ا رفع ت بين ه وب ين الع الم الس دود ،وك ان ص وتها
مك ان س حيق ،وأنه ا ته ّ
يح دث ف ي نفس ي نوع ا م ن التش اؤم والتطي ر ،ف إذا به ا ترتج ف وكأنه ا ش جرة
ي أن هن اك س ببا له ذا العوي ل ،وأن كارث ةص غيرة ف ي مهبه ا ،كم ا ك ان يخي ل إل ّ
خفي ة ق د ح دثت ف ي مك ان م ا م ن مجاه ل الع الم فانطلق ت ال ريح تن دب اﻷط ﻼل
ي أحيان ا أخ رى أن الفض اء الرح ب يض ج ب آﻻم والخرائ ب .وك ان يخي ل إل ّ
وأح زان مبهم ة وأن هن اك كائن ات خفي ة بَ رح به ا الع ذاب ف امتﻸت اﻷج واء
باﻷنين والعويل.
مث ل ه ذا الش تاء الطوي ل الق ارس العني ف ك ان يص رف الن اس إل ى أعم الهم الجدي ة.
وق د ك ان المراكش يون ينهمك ون ف ي أعم الهم انهما ًك ا كليّ ا ولك ن ذل ك ل م يم نعهم م ن
أن يس مروا ف ي من ازلهم ليحيط وا ج دهم ه ذا بش يء م ن الله و والم رح .ف إذا ك انوا
يس مرون ف ي منزلن ا س معت ض حكاتهم م ن الغرف ة المج اورة الت ي كن ت أن ام فيه ا
أنا وأختي ووصلتني أحاديثهم تلك التي لم أكن أفهم منها شيئا.
أم ا ه ذه اﻷعم ال الت ي ك ان ه ؤﻻء المراكش يون الن ازحون ينص رفون إليه ا
انص رافا تام ا ف ي أثن اء فص ل الش تاء ،فق د كان ت أعم اﻻً تجاري ة ل م أك ن أفهمه ا وﻻ
أق يم له ا كبي ر وزن ف ي تل ك الس ن المبك رة .وأس تطيع اﻵن أن أق ول إن ه ك ان يب دو
- 33 -
novbo
روايات وكتب ook.net
عل يهم جميع ا ت رف وم رح ﻻ ش ك أنهم ا مظه ر م ن مظ اهر النج اح .ولك ن ه ذه
التج ارة -كم ا علم ت فيم ا بع د -ل م تك ن تس تند إل ى دراي ة أو إلم ام بالش ؤون الت ي
ﻻ ب د م ن اﻹلم ام به ا لتس يير الدف ة ف ي أثن اء الزواب ع اﻻقتص ادية ،ول ذلك عص فت
بهم جميعا أول زوبعة صادفوها بعد ذلك.
ك ان أب ي كبقي ة الق وم ي زاول أعمال ه ف ي مكت ب ،ف إذا ملل ت م ن الحي اة الرتيب ة
طلب ت بع ض التغيي ر ف ي اﻹلح اح علي ه ب أن يص حبني مع ه ،حت ى إذا م ا قب ل
انتظرت صباح اليوم التالي بفارغ الصبر.
كن ا نغ ادر المن زل ف ي ح والي الس اعة الثامن ة ص باحا بع د تن اول وجب ة اﻹفط ار
مباش رة فنقاب ل ف ي الش ارع جمه ورا م ن جيرانن ا الرج ال واﻷطف ال ال ذين
يغ ادرون من ازلهم مثلن ا ذاهب ين إل ى أعم الهم أو إل ى مدارس هم ،فك انوا يغم رون
الشوارع بجو من الحيوية والنشاط بعد الراحة التي أصابوها في أثناء الليل.
حت ى إذا م ا ركبن ا قط ار الت رام انص رفت أن ا إل ى نافذت ه أتأم ل المدين ة الت ي ت زداد
حرك ة ونش اطا كلم ا توغلن ا ف ي ش وارع اﻷس واق والعم ل ،وك ان يخي ل للم رء أنه ا
ه ي أيض ا ق د اس تيقظت باس تيقاظ س كانها ،فل م تك ن الع ين تق ع إﻻ عل ى حرك ة دائب ة
متزايدة تغريني بأن أتحرك وأعمل ولكنني لم أكن أعرف ماذا يمكن أن أزاول.
وأتب ع وال دي ف ي نش اط ونح ن نغ ادر الت رام وأس ير إل ى جانب ه متوثب ا لنخت رق ب اب
إح دى البناي ات ونص عد س ﻼلمها ،ث م نق ف عن د أح د اﻷب واب لي دير في ه وال دي
مفتاح ا قب ل أن ن دخل المكت ب ،ول م يك ن يف وتني أن ألق ي نظ رة عل ى الح روف
- 34 -
novbo
روايات وكتب ook.net
الس وداء المنقوش ة عل ى زج اج الب اب ،وكن ت أع رف أنه ا ح روف اس م وال دي
)مس تر ت .ب ن جل ون( ال ذي كن ت أمي زه ب الرغم م ن أنن ي ل م أك ن أفه م الق راءة بع د
لكث رة م ا رأيت ه مطبوع ا عل ى الظ روف الت ي يس تعملها وال دي ف ي مراس ﻼته
بالمنزل.
وس رعان م ا يف تح الس كرتير اﻹنكلي زي الب اب وه و يخل ع معطف ه ويحيين ا تحي ة
الص باح ،ث م يجل س لمكت ب مقاب ل لمكت ب وال دي ويب دأ العم ل .ف أجلس عل ى كرس ي
إل ى جانب ه وأش رع ف ي محاول ة جدي دة فاش لة لفه م ماهي ة العم ل ال ذي يقوم ان ب ه.
وكن ت أب دأ ه ذه المحاول ة بتأم ل م ا ف ي الغرف ة ،علن ي أعث ر عل ى ش يء يه ديني إل ى
الفه م :ال دفاتر والملف ات والمطبوع ات وورق الكتاب ة والظ روف واﻷق ﻼم
والمح ابر والرس ائل وآل ة الض غط الناس خة ،وطواب ع البري د ،والص ور ،والخزان ة
الحديدية والمفاتيح وسلة المهمﻼت ونماذج اﻷقمشة ...إلخ.
كن ت أفه م الغ رض م ن وج ود أدوات كثي رة ك أدوات النج ارة والحﻼق ة والخياط ة
م ثﻼً .فه ل يعق ل أن يك ون له ذه اﻷش ياء الت ي تح يط ب ي أغ راض مماثل ة؟ وإذا ك ان
اﻷم ر ك ذلك فم ا ه ذه اﻷغ راض؟ ث م أي أس م ن الفه م ف ي مل ل وأنص رف إل ى
الحركة والتنقل بين هذه اﻷشياء متأمﻼً لها تارة وﻻمسا لها بيدي تارة أخرى.
- 35 -
novbo
روايات وكتب ook.net
- 36 -
novbo
روايات وكتب ook.net
7
وأخي ًرا أقب ل الص يف بنض ارته وجمال ه ،ف إذا ب ي أتطل ع إل ى الي وم ال ذي نب رح في ه
المدين ة ،ولك ن ص بري ﻻ يط ول فق د آن لن ا أن نبرحه ا .بي د أن هن اك عقب ة
ص غيرة كن ت أحس ب له ا أل ف حس اب تل ك ه ي محط ة القط ار .لق د كن ت أكرهه ا
كره ا ش ديدا إذ ل م أك ن أطي ق النظ ر إل ى الق اطرة وه ي ت دخل المحط ة ،ك ان
منظره ا يفزعن ي وه ي تزف ر وتتنه د وترس ل ال دخان اﻷس ود الكثي ف ويك اد
ص فيرها الح اد يطي ر ص وابي .ك ان الطغي ان ف ي أبش ع ص وره يتمث ل ل ي فيه ا
- 37 -
novbo
روايات وكتب ook.net
حينم ا أراه ا مقبل ة ف ي عب وس بش كلها الك الح اﻷش وه وحجمه ا الض خم البش ع،
وحينم ا أرى عجﻼته ا الغليظ ة القاس ية ت دور كأنه ا جائع ة إل ى الس حق ،وحينم ا
تم ر ب القرب من ي وأرى جوفه ا يض ج بألس نة م ن الله ب اﻷس ود يتط اير من ه ش رار
ي أنه ا ألس نة م ن الحق د يغل ي به ا ج وف ذل ك الحي وان اﻵل ي أحم ر فيخي ل إل ّ
البغ يض .وم ا ت زال الق اطرة تمث ل ل ي إل ى اﻵن الحي وان اﻵل ي ال ذي خلقت ه
الحض ارة ف ي أبش ع ص ورة .إنه ا مث ال للقس وة والص رامة والعم ي والجب روت،
وهي صفات ﻻ شك في أن قلوب الصغار ﻻ تطمئن إليها.
ف إذا انطلق ت بن ا م ن المحط ة انطلق ت بطيئ ة ت نفخ وتزف ر كأنه ا تس تجمع قواه ا ث م
ﻻ تلب ث س رعتها أن ت زداد ث م تنطل ق بع د لحظ ات ف إذا به ا تل تهم قض بان الحدي د
التها ًم ا كأنم ا ب ّرح الج وع بعجﻼته ا ،ث م ته يم عل ى وجهه ا ﻻ تل وي عل ى ش يء.
س ا تنش ط كم ا تنش ط نف س الج واد إذا أطل ق ل ه العن ان ف إذا
ي أن له ا نف ً
وك ان يخي ل إل ّ
العج ﻼت تح دث ص وتا رتيب ا راقص ا كم ا ل و ك ان ذل ك تعبي را ع ن رض اها عم ا
ه ي في ه م ن جه د ،وإذا بالق اطرة ترس ل م ن آن ﻵخ ر ص فيرا ط ويﻼً تعب ر في ه ع ن
اغتباطه ا بك ل ه ذا العن ف ،وه و ص فير ﻻ يم ت مطلق ا إل ى ذل ك الص فير المع تم
الذي أرسلته من قبل وهي داخله إلى المحطة.
- 38 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ك ﻼ إنن ي أذك ر ب ﻼك ب ول مدين ة المﻼه ي الجب ارة ،فه ذه عجلته ا الض خمة العتي دة
ت دور ف ي الفض اء وه ي تحم ل عالم ا ً م ن الن اس ،وه ذا برجه ا الض ارب ف ي
الس ماء ﻻ أك اد أط ل م ن أعالي ه حت ى أتراج ع خوف ا وح ذرا .م اذا ج رى ل ذلك
القط ار ال ذي أرعبن ي ف ي المحط ة؟ لق د أص بح مث ل دودة ص غيرة مس تطيلة تزح ف
ف ي ب طء وه ي ش بيهة بتل ك اللعب ة الت ي اعت دت أن ألع ب به ا ف ي المن زل ،أم ا الن اس
فيخي ل إلي ك أنه م بق ع ص غيرة س وداء تض طرب عل ى ص فحة اﻷرض كم ا ل و كن ت
ت راهم تح ت مجه ر ...بق ع س وداء تجتم ع وتفت رق ف ي غي ر نظ ام كم ا ل و ك ان هن اك
من يعبث بها .تلك هي الحياة حينما نشرف عليها من اﻷعالي.
وتختف ي ه ذه الص ورة ف إذا بن ا نتس لق ج بﻼً منيع ا ً فنم ر برع اة وه م مض طجعون
ف ي الظ ﻼل وك أنهم يس تمتعون بالثغ اء والبغ ام حت ى إذا وص لنا القم ة وأردن ا
دب
الن زول عج ز أح د أص دقاء أب ي ع ن ذل ك فل م يك ن ل ه ب د م ن أن ين زل جالس ا ي ّ
قليﻼً وينحدر كثيرا.
- 40 -
novbo
روايات وكتب ook.net
الم وحش باﻷص داء الغامض ة ،ومازل ت أذك ر أنن ا قض ينا ش طرا غي ر قص ير م ن
الليل ضالين ولم تنقذنا إﻻ سيارة مرت بنا بعد منتصف الليل.
وهك ذا يم ر ش هر ف ي الس نة نتس لق في ه الجب ال ونج وب الش واطئ ون رود الحق ول
ونرت اد المﻼه ي .ش هر ض احك راق ص به يج ك ان ل ه أكب ر اﻷث ر ف ي نفس ي ،فق د
كن ت أص بح بع ده ق ادرا عل ى تص ور م ا ي دعى بالرض ا عل ى الحي اة أو إن ش ئت م ا
يدعى بالسعادة.
وينته ي الش هر هك ذا فنقف ل راجع ين إل ى منشس تر وق د خلفن ا وراءن ا تغري د الطي ور
وف وح اﻷزه ار وال ورود وه دير البح ر .وع دنا إل ى منشس تر بس وادها وكآبته ا م رة
أخرى لكي نكون في استقبال الشتاء الكالح العبوس حينما يعود.
- 41 -
novbo
روايات وكتب ook.net
8
كان ت الغرف ة تس بح ف ي ظ ﻼم دام س ن دير فيه ا عيونن ا الص غيرة فيخي ل إلين ا أنه ا
ق د اختف ت م ن ش دة الظ ﻼم .كن ا ن أوي إل ى الف راش من ذ الس اعة الس ابعة مس اء
فيستعص ي علين ا الن وم م رات كثي رة .ل م تك ن لن ا حيل ة ف ي ه ذا الن وم المبك ر .كن ا
نقض ي الس اعات الطويل ة ف ي أثن اء النه ار نتوس ل إل ى أمن ا أن ت ؤخر نومن ا س اعة
أو بع ض س اعة ،ولك ن ذل ك ك ان عبث ا .وحينم ا يبت دئ المس اء تتعل ق عيونن ا
بالس اعة الكبي رة ودقاته ا ،نع د الث واني وال دقائق فتتعل ق أنفاس نا به ا وه ي تتق دم
نح و الس اعة المحتوم ة .لق د عرف وا ف ي نفس ي كراهي ة الن وم المبك ر من ذ ذل ك
ي لك ي يك ون أول م ا الح ين ،كن ت أتمن ى الي وم ال ذي تص ير في ه أم وري إل ّ
أتصرف فيه هو أن أسهر كما أشاء.
كان ت رهيب ة تل ك الس اعة الت ي أقض يها ب ين الوق ت ال ذي آوي في ه إل ى الف راش
والوق ت ال ذي كن ت أن ام في ه ،أف تح عين ي ف ي الظ ﻼم ال دامس وأح دق في ه إل ى أن
يك ّل بص ري .وحينئ ذ تل وح أم امي بق ع مختلف ة اﻷل وان تب رق ث م تس بح قل يﻼً ث م
تنطف ئ ،حم راء ص فراء خض راء ،وك ان ذل ك إي ذانا ب أن الحي اة ق د دب ت ف ي
- 42 -
novbo
روايات وكتب ook.net
الظ ﻼم ،ث م يقف ز أم امي عب د أس ود يم رق كالظ ل الع ابر ،وع ن يمين ي وش مالي
وف وقي وج وه كالح ة تكش ر ل ي ع ن أنيابه ا ،بارق ة العي ون منفوش ة الش عور
متقلص ة العض ﻼت ،عش رات م ن الوج وه الكالح ة تقت رب م ن ك ل اتج اه حت ى تك اد
ي وأف تح فم ي بالص راخ ولكن ي ﻻ أس مع ل ي ص وتا ،وأش عر بأنفاس ي تطب ق عل ّ
تختن ق ف ﻼ تنق ذني إﻻ حرك ة عنيف ة آت ي به ا ،ف إذا ب ي ق ائم ف وق الس رير أح دق ف ي
الظ ﻼم م ن جدي د .وتب دأ البق ع الملون ة س يرتها م رة أخ رى ،فأن ادي أخت ي ولك ن
قلم ا كان ت تجي ب ل ي ن داء ،ف ﻼ ينق ذني إﻻ أن أس تلقي ثاني ة وأدف ن وجه ي ب ين
الوسائد.
ل ذلك ل م أك ن أحتم ل مطلق ا أن تن ام أخت ي قبل ي .ول ذلك أيض ا كن ت أكث ر م ن الك ﻼم
قب ل الن وم وأح اول دائم ا أن أح دثها ف ي الموض وعات الت ي ته تم به ا ل ئﻼ تتركن ي
أتكلم وتنام ،وإﻻ فويل لي حينئذ من تلك اﻷشباح.
- 43 -
novbo
روايات وكتب ook.net
-لست أدري.
-وأن ا أيض ا لس ت أدري ،ولكنن ي ﻻحظ ت أن اﻷم الت ي تري د ول دا ﻻ ب د م ن أن
يرتف ع بطنه ا .رأي ت مس ز فلتش ر منتفخ ة ث م رأي ت معه ا ت وءمين ،ورأي ت فاطم ة
منتفخ ة ث م رأي ت معه ا ول دا أيض ا ،فلم اذا ين تفخن هك ذا كلم ا أردن أن يك ون له ن
ولد؟!
-ل م أره ن ين تفخن وإنم ا رأي تهن منتفخ ات ورأي تهن أن ت أيض ا .ك ّن ك ذلك هن ا
معنا في المنزل ،ألم تﻼحظ ذلك؟
-أبدا ً لم أر شيئا مما تقولين.
وسألتها بعد ذلك :إذن من أين يأتي اﻷطفال؟ إنني أريد أخا.
المس ألة بس يطة فلم اذا يحرص ون عل ى إخف اء س رها عن ا؟ وي ا لي ت اﻷم ر ك ان
مج رد ج واب ع ن س ؤال! ولكن ه ك ان أم ر رغب ة ملح ة تملكتن ي أن ا وأخت ي زمن ا
ط ويﻼً ،فل م نك ن ف ي غن ى ع ن معرف ة الحقيق ة .ل م يك ن اﻷم ر أم ر معرف ة وإنم ا
كان أمر مصلحة نريد تحقيقها .إننا نريد أخا صغيرا.
وط ال ص متنا ف ي الغرف ة ،ونح ن نفك ر ،علّن ا نهت دي إل ى حقيق ة نرض ي به ا ه ذه
الرغب ة ف ي نفوس نا .وقلب ت أن ا اﻷم ر عل ى وجوه ه ولك ن ل م أر في ه إﻻ مث ل م ا
أرى ف ي الغرف ة م ن ظ ﻼم .وحاول ت ث م حاول ت .........ث م ت ذكرت ب أن ه ذا
الص مت ح ري ب أن يك ون ق د حم ل الن وم إل ى أجف ان أخت ي ،وحل ق به ا ف ي س ماء
اﻷحﻼم.
-م ا العم ل إذن ي ا آمن ة؟! كي ف نس تطيع أن نظف ر ب أخ ...آمن ة ،م اذا؟ ه ل أن ت
نائمة؟ ﻻ ،ﻻ تفعلي يا آمنة!
- 46 -
novbo
روايات وكتب ook.net
9
نع م لق د ب دأ الطف ل يس مع ع ن ج ورج الخ امس عاه ل المملك ة المتح دة وإمبراط ور
الهن د أحادي ث كله ا إج ﻼل وإكب ار ،ولق د طالم ا س مع عن ه مث ل ه ذه اﻷحادي ث فك ان
يخي ل إلي ه أنه ا ت دور ح ول ش خص ﻻ يُلم س وﻻ يُ رى لجﻼل ه وس مو مكان ه .لق د
كان ت الص ورة الت ي تركته ا ف ي نفس ه تل ك اﻷحادي ث قريب ة م ن الص ورة الت ي
تركتها في نفسه اﻷحاديث التي سمعها عن ﷲ ﷻ.
- 47 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وت رك الجي ران وس كان الش وارع ماض ين ف ي إقام ة مع الم الزين ة وان زوى ف ي
ان دهاش يح اول أن يعط ي ل ذلك الش خص الخراف ي المجي د ص ورة يقبله ا العق ل
وتنس جم م ع ك ل م ا س معه م ن س مو وج ﻼل .وأخ ذت اﻷل وان الناص عة تب رق أم ام
مخيلت ه ث م ب دأت اﻷش كال والص ور تتﻼح ق ف ي نفس ه ،فه و يتص وره م رة مخلوق ا
س امي التك وين ينبع ث م ن جس مه ن ور س اطع ﻻ يمك ن الع ين م ن إطال ة النظ ر
إلي ه ،ث م يتص وره عمﻼق ا ه ائﻼً ق ديرا يقب ل ف ي عرب ة هائل ة تم ر ب ين الس ماء
واﻷرض ،ﻻ ب ل س يقبل ممتطي ا س حابة م ن ن ور تن زل ب ه م ن عليائ ه ث م تم ر ب ه
في فضاء الشارع ليسعد الناس بإلقاء نظرة خالدة على وجهه النوراني.
- 48 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وقض ى ليل ة مفعم ة باﻷخيل ة البراق ة الناص عة ﻻ يمي ز ب ين م ا رآه منه ا وه و ن ائم
وم ا رآه منه ا وه و ص اح يرن و إل ى الس قف قب ل أن يدرك ه المن ام ،وكان ت كله ا
ت دور ح ول ش كل المل ك العظ يم ال ذي س وف ي راه ف ي الس اعة الخامس ة م ن مس اء
اليوم التالي.
ظه ر ف ي الش ارع هن ا وهن اك رج ال الش رطة اﻹنكلي ز بقام اتهم المدي دة وب ذلهم
الس وداء المرص عة بقط ع نحاس ية براق ة وأح ذيتهم الﻼمع ة ،أم ا رزان تهم الت ي
تض رب به ا اﻷمث ال فق د ازدادت روع ة .إن ه ليخي ل للم رء أنه م رج ال ج دد
صنعوا منذ نصف ساعة فقط بهذه المناسبة الكريمة.
- 49 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وب دأت ح رارة نفس ي تس تعد لﻼرتف اع إل ى درج ة الغلي ان حينم ا أخ ذت ف رق
الش رف تم ر بالش ارع ف ي مﻼبس ها المزركش ة عل ى أنغ ام مختلف ة م ن الموس يقى
منه ا الحماس ي ال ذي يله ب المش اعر ومنه ا الن اعم ال ذي يثي ر اﻷخيل ة .ولش د م ا
كن ت غ را وأن ا أب تهج بالمن اظر الت ي رأيته ا حت ى اﻵن عل ى خش بة المس رح ،ف أين
ه ي م ن ه ذا المنظ ر الح ي الرائ ع ال ذي تش عرك ك ل حرك ة في ه ب أن دم الحي اة
والحقيقة ينبض فيه؟!
ث م أخ ذ المش هد ي دخل ف ي أدواره المثي رة ،فب دت الف رق العس كرية ف ي الش ارع
وه ي ترت دي مﻼبس ها البهيج ة وتخط و عل ى نغم ات الموس يقى العس كرية ولك ن
دون عنف.
- 50 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وب دأت أش عر بموج ة غي ر عادي ة ب ين الجم اهير المتﻼطم ة ت ؤذن ب أن الس اعة
المرموق ة ق د آن له ا أن تح ل .فس رت ف يهم موج ة حماس ية م ا لبث ت أن اكتس حت
صفوفهم جميعا وانتقلت إلى النوافذ والشرفات.
- 51 -
novbo
روايات وكتب ook.net
واس تدرت إل ى الص ائحين ﻷتأك د م ن س ﻼمة عق ولهم ،ث م أخ ذت أتتب ع إش اراتهم
إل ى أن وق ع نظ ري عل ى "المل ك"! وتأك دت م ن أنن ي رأي ت الش خص ال ذي
يشيرون إليه على أنه "الملك".
وف ي س رعة الب رق مس حت ي د خفي ة الجم اهير م ن الش ارع كم ا ل و كان ت مرس ومة
بالطباش ير عل ى س بورة ،واض محلت الهتاف ات واختف ت الموس يقى وب دا ل ي أن
أكذوبة كبيرة تنتفخ وتنتفخ إلى أن انفجرت واضمحلت مرة واحدة.
وبارح ت الش رفة ف ي كآب ة ﻻ تخل و م ن غض ب ،كن ت كمث ل الطف ل ال ذي من اه وال ده
بلعب ة رائع ة ح ار خيال ه ف ي تص ور مباهجه ا ث م ق دمها إلي ه بع د ذل ك لعب ة م ن لعب ه
القديمة!
- 52 -
novbo
روايات وكتب ook.net
10
- 53 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ففهمت ،ولكني مع ذلك تساءلت في نفسي :لماذا يتعلم الناس القراءة والكتابة؟!
- 54 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وج اء الص باح ،ف إذا ب ي أرت دي ثي ابي وأس ير م ع أب ي إل ى المدرس ة .لق د تملكتن ي
الرهب ة وأن ا أخط و مع ه عتب ة الب اب ،ث م رأيتن ي أدخ ل به وا فس يحا وأتق دم إل ى
جان ب أب ي نح و مكت ب جلس ت خلف ه س يدة جليل ة ،فحي ت ه ذه أب ي وابتس مت ل ي
ابتسامة ذات مغزى ،كأنها تريد أن تقول لي "وأخيرا ها أنت ذا !"
ورأي ت بعين ين مندهش تين دفت را يف تح وقلم ا يرف ع .وب دأت الس يدة تس أل أب ي ع ن
اس مي وس ني ومول دي ،وتعق ب الس ؤال بكتاب ة الج واب .ث م رأي ت أب ي يخ رج
ويتركن ي وجه ا لوج ه أمامه ا ف ي زاوي ة م ن ه ذا البه و الكبي ر .كن ت أري د أن
أص رخ وأن أتم رد ولكنن ي أدرك ت أن اﻷم ر ج د ،وأن ه ﻻ توج د ق وة تس تطيع أن
تنق ذني ،ول ذلك فاﻷج در ب ي أن أس يطر عل ى أعص ابي وأح اول أن أس اير
المقادير.
ذهب ت الس يدة ب ي إل ى أح د الفص ول ،وم ا ك دت أخط و عتبت ه حت ى أخ ذتني عي ون
الص غار م ن ك ل مك ان وه م يتطلع ون ف ي ش يء م ن الفض ول نح و ه ذا الزمي ل
الجدي د ،فك دت أص عق ﻷنن ي كن ت أك ره أن أك ون مح ط اﻷنظ ار .وتس لمتني
المدرسة فأخذتني إلى مكان من الفصل وهي تحاول أن تهدئ من روعي.ِّ
م ا اللغ ة الت ي يتكلمه ا ه ؤﻻء الن اس ي ا رب؟! إنن ي ﻻ أفه م ش يئا ،فم ا الفائ دة م ن
مجيئي إلى هنا؟
- 55 -
novbo
روايات وكتب ook.net
لق د تحق ق م ا كن ت أخش اه وأص بحت تلمي ذاَ ،ولك ن اعتي ادي للمدرس ة ب دأ يه ون
اﻷم ر م ع تق دم اﻷي ام ،وب دأت أش عر ب أن لهج ة الن اس ق د تغي رت حينم ا يوجه ون
ي ،فماذا حدث؟الحديث إل ّ
كن ت أج د اﻷش ياء المقل دة بس يطة ال تعلم ،فتعلم ت الح روف بس رعة وتعلم ت أن
أش د بعض ها إل ى بع ض بس رعة ك ذلك ،ولكنن ي كن ت أج د ص عوبة ف ي اﻷش ياء
الت ي تفه م .كن ت أس مع ميلل ي وأختيه ا يتح دثن ب أنني أس تفيد بس رعة م ن المدرس ة
ولكنن ي ل م أك ن أص دقهن ،ﻷنن ي ل م أك ن أش عر ب أنني فهم ت ش يئا واح دا مم ا
مصرا على ذلك بيني وبين نفسي.ّ يتحدث به هناك ،وكنت
- 56 -
novbo
روايات وكتب ook.net
كن ت أع رف أنن ي أختل ف ع ن ه ؤﻻء الن اس ف ي جنس يتي ،وك ان ذل ك ي ؤلمني ،إذ
لم اذا ﻻ أك ون مث ل س ائر الن اس؟ فلم ا عرف ت أنن ي أختل ف ع نهم ف ي ال دين -ول و
أنن ي ل م أك ن أع رف م ا ه و ال دين -أزعجن ي ذل ك كثي را .أم ا ف ي أثن اء الص ﻼة فق د
أصبحت بعد هذا اليوم أنتظر المصلين في ساحة المدرسة.
وم ا أزال أرى نفس ي إل ى اﻵن والتحس ر يم ﻸ قلب ي! خرج ت م ن البناي ة أس عي
بخط ى بطيئ ة مط أطئ ال رأس ،حت ى إذا وص لت إل ى الب اب جلس ت عل ى الس لم
القص ير وأم امي س احة المدرس ة خالي ة ص امتة تم ﻸ ال نفس رهب ة ووحش ة .لم اذا
أن ا س يئ الح ظ هك ذا؟ م ا ل زوم التح اقي بالمدرس ة م ا دم ت أختل ف ع ن س ائر
التﻼمي ذ؟ كي ف أواجهه م إذا م ا خرج وا ووج دوني واقف ا وح دي هك ذا وعرف وا
أنن ي ل م أحض ر معه م الص ﻼة؟ ه ل أن ا ك افر ش رير طري د م ن رحم ة ﷲ؟ آه ي ا
رباه!
المدرس ة ت روي لن ا اﻷقاص يص الديني ة بلغ ة اس تطاعت أن تلم س قلوبن ا ّ كان ت
وتفهمن ا معن ى ال دين .كن ت ش غوفا به ذه اﻷقاص يص إل ى ح د بعي د وأتمن ى ل و كان ت
ال دروس كله ا هك ذا .إن ص ورا منه ا م ا ت زال عالق ة ب ذهني إل ى اﻵن ،وه ي نف س
الصور التي تقوم أمام مخيلتي كلما قرأت هذه القصص اليوم:
ك انوا يعب دون الحج ارة والتماثي ل :ق وم ك افرون ج اهلون .وعل ى ذل ك فالن اس
قس مان :مؤمن ون يعب دون ﷲ رب الع المين فيب ارك حي اتهم ،وك افرون يعب دون
تل ك الص ور الحجري ة الض خمة ،وه ذه ص ورتهم أمامن ا ،لق د كان ت ص ورة أب ي
الهول وعنده جبال قائمة وجباه في الرمال.
زاد اطمئن اني ف ي الس نة التالي ة ،ﻻ ﻷنن ي اعت دت المدرس ة فحس ب ،ولك ن ﻷن
أخت ي ب دأت تص حبني إليه ا أيض ا .فق د م رت ب نفس ال دور ال ذي م ررت ب ه،
فأفض ى به ا إل ى نف س المص ير .ومن ذ ذل ك الح ين ،ب دأ الجي ران يرونن ا ك ل ص باح
نف تح ب اب المن زل وننح در مع ا إل ى الش ارع ،فنس ير في ه جنب ا إل ى جن ب ،إل ى أن
نغيب عن اﻷنظار ،وكانوا يروننا كذلك حينما نعود.
- 58 -
novbo
روايات وكتب ook.net
11
- 59 -
novbo
روايات وكتب ook.net
رحمت ك ي ا ص احب حق ل الكرم ب ! إنن ا نرس ل إلي ك تحياتن ا كلم ا رأين ا المس ز
ش لمداين ،وإنن ا لن دعو ﷲ ف ي س رنا وف ي جهرن ا أن يه ب ل ك البرك ة ف ي عمل ك،
وكث رة اﻷطف ال ف ي حقل ك ،ف ارحم ه ذه الخلج ات الت ي يخف ق به ا قلبان ا الص غيران.
إن اﻷي ام لتم ر موش كة أن تنقل ب إل ى س نين ،ونفس ينا ت ذوبان ش وقا إل ى ثم رة م ن
ثم رات حقل ك الخص يب .ي ا ص احب حق ل الكرم ب ،لي ت ل ك أذن ا تس مع حوارن ا
ك ل ليل ة قب ل أن نن ام! لق د اس تبطأنا هبت ك الموع ودة فمت ى تتك رم بإرس الها؟! ارح م
أم ﻼً ف ي قلب ين أوش ك أن يعص ف بهم ا الي أس .جمعن ا نقودن ا ول م نع د نش تري ألعاب ا
وﻻ حل وى ،واس تقام س لوكنا فك ل واح د من ا رقي ب عل ى نفس ه وعل ى اﻵخ ر ،وإنن ا
ﻻ نس مح لل نفس ب أن يخ تلج فيه ا م ا ﻻ يرض ى .لي ت المس ز ش لمداين تقب ل أن
تقودن ا إلي ك ،وإذن لس فكنا دموعن ا عن د ق دميك ،ولجعلن اك ت رق لن ا به ذه ال دموع!
ولكنه ا تق ول عن ك إن ك ﻻ تس تقبل المش ترين إﻻ بواس طتها ،وه ي ماض ية ف ي
تس ويفنا ،وإن كان ت ق د وع دتنا وع دها ،فمت ى تص لنا ه ديتك ي ا ص احب حق ل
الكرمب؟
- 60 -
novbo
روايات وكتب ook.net
مناج اة نفس ين ب ّرح بهم ا الش وق إل ى أخ ص غير ،لق د زادن ا وع د المس ز ش لمداين
شوقا إلى شوق ،وإنا لنعلم إنه ّ
لحق ولكن صبرنا قد نفد.
طرق ت الب اب ذات مس اء ففتح ت له ا الخ ادم ،وم ا ك ادت أخت ي تس معها حت ى
أس رعت إل ى ب اب الغرف ة تط ل من ه ،لق د كان ت عل ى البي ت مس حة غي ر عادي ة ،وﻻ
ب د أن ذل ك ه و ال ذي دف ع أخت ي إل ى الح رص عل ى ش دة اﻻنتب اه .ث م أقفل ت الب اب
ي نظ رات غريب ة ،لﻸم ل فيه ا بري ق م رة أخ رى ،واس تدارت نح وي تنظ ر إل ّ
شديد.
- 61 -
novbo
روايات وكتب ook.net
-مسز شلمداين!
-مالها؟
-احرص على أﻻ تقول شيئا ً كيﻼ نفسد اﻻمر.
-ما للمسز شلمداين؟ سوف ﻻ أقول شيئا.
-رأيتها تحمل الحقيبة الكبيرة ،لقد صعدت بها إلى أمي!
قض ينا ليل ة قلق ة نن ام ونس تيقظ لنن ام عل ى ص وت يهم س تح ت الوس ادة :أخ جدي د!
أخ جدي د! تح دثنا عن ه م ا ش اء لن ا الح ديث ،ول م أس مع أخت ي تخبرن ي بأنه ا تري د أن
تن ام ،ول م أر أش باحا ف ي الظ ﻼم ،لق د تب ددت تل ك الوج وه الكريه ة ،ول م يع د هن اك
ي حواس ي أن يك ون ل ي أخ جدي د .وظللن ا هك ذا خ وف يم ﻸ نفس ي ،فلق د مل ك عل ّ
ساعات إلى أن حملني النوم إلى عالم اﻷحﻼم الوديع.
- 62 -
novbo
روايات وكتب ook.net
فركن ا عيونن ا ،وتبين ا م ا يقول ه الص وت ،فط ارت الوس ائد ف ي اله واء وطرن ا نح ن
ف ي أثره ا نث ب ونص يح ونغن ي ،وان دفعنا نح و الب اب ف ي س باق نح و غرف ة أم ي
لكي نري أخانا الجديد.
ﻻ ليس اﻵن ،إنه نائم ،سوف ﻻ تريانه إﻻ بعد يومين ،إنه متعب.
ه ذه الس يدة الجليل ة المحطم ة ه ي الت ي ت نهض م ن فراش ها متحامل ة عل ى نفس ها
لك ي تس وق الس عادة إل ى البي وت .إنه ا تس عف اﻷمه ات ،وتواس ي اﻷرام ل
واليت امي ،وتع زي الش يوخ والعج زة ،وتحم ل الغبط ة إل ى اﻷطف ال ،دون أن يه دأ
- 63 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وه ا ه ي ذي جالس ة معن ا وق د انص رفت ع ن الكب ار إلين ا ،س عيدة لس عادتنا،
مغتبط ة ﻻغتباطن ا .لق د حقق ت لن ا أم ﻼً ،وتح دثت إلين ا .وه ا ه ي ذي تق وم قائل ة:
لق د أطل ت معكم ا الجل وس ،واﻵن يج ب أن أق وم ﻷبح ث ع ن اﻷطف ال اﻵخ رين
الذين يريدون الحصول على أخ جديد كما كنتما تريدان ،أليس كذلك؟
أم ا اﻷخ الجدي د فق د رأيت ه أخي را ،حمل وني فأش رفت علي ه ،ف إذا ب ي أم ام مخل وق
غري ب :أعض اء تافه ة ،رأس أمل س ،عين ان ص غيرتان ،أن ف أفط س .وم ا ك دت
أش رف علي ه حت ى أرس ل ف ي وجه ي ص يحة كأن ه يري د أن يق ول" :أن ت ال ذي كت ب
ي أن أك ون أخ ا ل ه؟" فم ا ل ك تت أملني ي ا أخ ي الص غير؟ أﻻ تقب ل أن أك ون ل ك
عل ّ
أخ ا؟ ﻻ تخ ف ،س وف نب ذل ك ل م ا ف ي اس تطاعتنا أن ا وأخت ي لك ي تك ون س عيدا.
فرأيت ه يبتس م ابتس امة ك ادت تنقل ب إل ى ض حكة كم ا ل و ك ان س ره أن يخ تلج قل ب
أخي ه بمث ل ه ذا الش عور ،وش د بي ده الص غيرة عل ى إص بعي ،كأن ه يق ول :ه ل أن ت
متأكد من هذا؟ فابتسمت له كأنني أقول :وهل تشك في أخيك؟
- 64 -
novbo
روايات وكتب ook.net
في ا ص احب حق ل الكرم ب! لق د وهب ت لن ا الس عادة ممثل ة ف ي ه ذا اﻷخ الص غير،
فكي ف ننس اك بع د م ا رزقن ا ب ه؟! لق د وص لنا اﻷخ الجدي د ودفعن ا للمس ز ش لمداين
النق ود الت ي جمعناه ا ،ولكنه ا رجع ت إلين ا بع د ي ومين قائل ة أن ك أرجعته ا إلين ا
ﻷن ك راض ع ن س يرتنا ،وإن اﻷخ الص غير هدي ة خالص ة من ك إلين ا ،فكي ف
نشكرك على صفاء نفسك وطيبة قلبك؟
12
- 65 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وأخي ًرا أقبل ت ليل ة الم يﻼد ،تل ك الليل ة المرموق ة الت ي انتظرناه ا ط ويﻼً وانتظرن ا
م ا فيه ا م ن ابته اج وانفع ال وغبط ة ،لق د قابلن ا "ش يخ الم يﻼد" وح دثنا ف ي لط ف
وبش رنا بأنن ا س وف نن ال ه داياه م ا دمن ا مح افظين عل ى اﻻس تقامة ،وأن ه س وف
يس عى به ا إلين ا ونح ن ني ام ف ي ه دوء اللي ل البه يم .س وف ينح در إلين ا وه و يتنق ل
ب ين النج وم ث م ين زل إل ى غرفتن ا م ن خ ﻼل المدخن ة ويتحفن ا بم ا كن ا نتمن اه خ ﻼل
الس نة .س وف يحق ق لن ا أحﻼمن ا ،تل ك اﻷح ﻼم الت ي يعرفه ا جي دا ويع رف ك ل م ا
يتعل ق به ا .أج ل قابلن اه ،ورأين ا لحيت ه البيض اء الطويل ة البهيج ة ،وص افحناه
فمنّان ا ،وه و ﻻ ش ك س اع إلين ا بم ا نري د ،فه و أب و اﻷطف ال جميع ا ،أب وهم ال رحيم
ال رؤوف ال ذي خص ص حيات ه الطويل ة ﻷج ل إدخ ال الس رور عل ى قل وب أبنائ ه
اﻷبرياء.
أقبل ت ليل ة الم يﻼد واحتوتن ا غرفتن ا لنس تيقظ ف ي الص باح عل ى المفاج أة المحبوب ة
ولكنن ا ل م نس تطع الن وم م ن ف رط اﻻبته اج والتوق ع ،واﻻطمئن ان إل ى اﻷم ل الب راق.
كنا نحاول أن ندفع اﻷفﻼك ونستعجل الصباح الجديد لنحتضن أمانينا.
وب دأنا نتح دث كم ا كن ا نتح دث دائم ا ،ولك ن ح ديثنا ه ذه الليل ة ك ان يمت از ب الحرارة
والس رور .ك ان تفكي ري أن ا مختص را ف ي اﻷم اني الت ي س وف أس تيقظ فأج دها
حق ائق ملموس ة ،غي ر أن تفكي ر أخت ي تح ﱠول فج أة ع ن ه ذا الموض وع حينم ا
تساءلت:
-كي ف يس تطيع ش يخ الم يﻼد أن ي دخل علين ا غرفتن ا ونح ن ن ائمون ،والب اب
مقفل؟! أليس هذا غريبا؟
-ﻻ شك في أنه يدخل ،وإﻻ فمن ذا الذي يأتي بالهدايا؟
-نع م إن ك ﻻ تﻼح ظ م ا يح يط ب ك ،أن ا أيض ا كن ت أظ ن ذل ك ،ولك ن تب ين ل ي أن
سرا.
في اﻷمر ّ
سر؟
ي ّ-أ ّ
- 66 -
novbo
روايات وكتب ook.net
-أل م تﻼح ظ أن لحي ة ش يخ الم يﻼد ناص عة البي اض دائم ا وأن ثياب ه نظيف ة؟! كي ف
ﻻ تس و ّد لحيت ه وتتس خ ثياب ه لكث رة م ا ينح در م ع الم داخن ،ث م كي ف يس تطيع رج ل
في مثل حجمه أن ينحدر من المدخنة الضيقة؟ هل تصدق أنت هذا؟
-كي ف ﻻ أص دقه والن اس جميع ا يتح دثون إلين ا ب ذلك؟ وإﻻ فم ن ي أتي لﻸطف ال
بهدايا الميﻼد؟
-آب اؤهم وأمه اتهم ،يفتح ون عل يهم الغرف ة وه م ن ائمون ،ويدس ون اله دايا
الص غيرة ف ي الج وارب المثبت ة ف ي م ؤخرة اﻷس ّرة ،أم ا الكبي رة فيض عونها عل ى
اﻷرض .وإذا كنت ﻻ تصدق ذلك فلنظل صاحيين إلى أن نري من يأتي بها.
-إذا كن ت ﻻ تص دقني فاس مع م ا رأيت ه ه ذا الص باح :ط رق الب اب فلم ا ف تح رأي ت
حم اﻻً ي دخل وب ين يدي ه رزمت ان كبيرت ان ،ف أمرتني مام ا أن أص عد إل ى ال دور
الثاني حتى ﻻ أرى ما يحمله.
-لق د ك ان يحم ل اله دايا الت ي س وف تج دها هن ا ف ي الص باح ،فه ي معن ا ف ي المن زل
اﻵن! وإذن فليس شيخ الميﻼد هو الذي يحمل إلينا هذه الهدايا!!
-أين هي إذن؟
- 67 -
novbo
روايات وكتب ook.net
-إنه ا ف ي غرف ة الجل وس ،فق د ظل ت ه ذه الغرف ة مغلق ة من ذ الص باح ،ومنعتن ي
ماما من دخولها حينما حاولت ذلك.
-هذا صحيح.
وت رددت كثي را قب ل أن أواف ق عل ى اقتراحه ا ،فلق د ك ان رأي ا جريئ ا بالنس بة ل ي،
ك ان تح ديا مخيف ا للحقيق ة الت ي كن ت أش فق عل ى نفس ي دائم ا م ن مواجهته ا،
وتح ديا للظ ﻼم ال ذي ﻻ أحت اج إل ى أن أق ول إن ه ك ان يرعبن ي .أض ف إل ى ذل ك
أنن ي كن ت أخش ى أن يك ون م ا قالت ه ص حيحا فتنه ار ف ي نفس ي خراف ة لذي ذة ،وتفق د
هدية الميﻼد بهاءها ورونقها.
- 68 -
novbo
روايات وكتب ook.net
س بيلنا إل ى الغرف ة المقص ودة أط ول بكثي ر مم ا كان ت ف ي الواق ع لكث رة اله واجس
الت ي ش غلتنا خﻼله ا .كن ا ف ي أثن اء ذل ك نض غط حت ى عل ى أنفاس نا مبالغ ة ف ي
الح ذر .ك ان عم ﻼً ش عرنا بفداحت ه ف ي أعم اق نفوس نا ش عورا دقيق ا .كن ا نخت رق
الق انون ونش عر ﻷول م رة بم ا ف ي اخت راق الق انون م ن إحس اس ب وخز ف ي ه ذا
الموضع الذي عرفنا فيما بعد أنه يدعى بالضمير.
اس تيقظنا ف ي الص باح عل ى ص وت أب ي وأم ي وق د ج اءا ليق دما إلين ا هدي ة عي د
الم يﻼد ...فقفزن ا نعانقهم ا وق د أس رع ك ل واح د من ا إل ى الهدي ة الت ي ع رف س رها
ف ي أول اللي ل ،عرفه ا ف ي الظ ﻼم ،ولك ن ب الرغم م ن ذل ك كل ه وج دنا حقيق ة
الص باح أروع م ن حقيق ة اللي ل .ك م كن ت س عيدا ب أن تص بح ل ي دراج ة ،وك م كان ت
أختي سعيدة بأن تصبح لها عربة تضع فيها دميتها.
- 69 -
novbo
روايات وكتب ook.net
الت ي ازدان ت ب الزهور والص ور الجميل ة واﻷث اث اﻷني ق .ك ان ي وم عي د الم يﻼد
حقيق ة يوم ا جم يﻼً ،وه و ي وم جمي ل ف ي ك ل س نة ،ﻷن ه يحف ل دائم ا باﻷلع اب
والهدايا والزينات واﻷغاني واﻻبتسامات.
وحض رنا ه ذه الحفل ة الت ي أقامه ا أص دقاء المراكش يين ﻷطف الهم وﻷص دقاء
أطف الهم .ودخلن ا به و الحفل ة فتعلق ت عيونن ا المش دوهة بش جرة بديع ة لعي د الم يﻼد
وق د أثم رت باله دايا واللع ب ،واش ترك اﻷطف ال جميع ا ف ي اكتش اف لعب ة الس ر،
وه م يتض احكون ويتﻼعب ون ،وأحطن ا بع د ذل ك بالمائ دة الحافل ة باللذائ ذ
والطيب ات ،ث م ودعن ا ص احب الحفل ة لنقض ي العش ية ف ي الحديق ة العام ة ،وف ي
المساء ذهبنا ضمن جماعة لمشاهدة إحدى الروايات.
ابتهجن ا بعي د الم يﻼد ابتهاج ا أنس انا قص ة الليل ة الس الفة ،وكان ت َحري ة ب أن ت نغص
علينا بهجتنا وسرورنا.
ولكن ا ت ذكرناها خ ﻼل اللي ل ،قب ل أن نص عد إل ى غرف ة نومن ا ،فق د قال ت لن ا )مام ا(
ونحن جلوس حول مائدة العشاء:
ي .إن ش يخ الم يﻼد يبلغكم ا تحيات ه ،وه و يعت ذر إليكم ا ﻷن ه ل م يس تطع
اس تمعا إل ّ
أن يزوركم ا ف ي غرف ة نومكم ا خ ﻼل الليل ة الماض ية فس لمكما ه ديتكما ع ن
طريق ي ...راجي ا من ي أن أن وب عن ه ف ي تس ليمها إليكم ا ،كم ا رج ا من ي أن
أوصيكما على لسانه باﻻستقامة وحسن السلوك .هل فهمتما؟
- 70 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ي ب الفكرة ف ي أول
كان ت أخت ي أكث ر اض طرابا من ي ،فق د كان ت ه ي الت ي أوح ت إل ّ
اﻻم ر ،ولك ن غمرن ا مع ا ش عور م ن الن دم ص رفنا ع ن الك ﻼم ،ول م تن بس أخت ي
حينما صعدنا إلى غرفة النوم ببنت شفة خوفا من أن ألومها ...دون شك.
ل م نتب ادل أي ح ديث ،ولك ن أرقن ا ط ال .فلق د كان ت أخت ي تفك ر دون ش ك فيم ا
دفعتن ي إلي ه وم ا ارتكبن اه م ن ج رم ،كم ا كن ت أن ا أيض ا أفك ر ف ي نف س الح ادث.
لق د أس أنا الني ة بعي د الم يﻼد .....وتس للنا ف ي الظ ﻼم ......واتهمن ا وال دينا ...
ول ذلك فق د احتض ننا الن وم ب ين ذراعي ه ال رحيمتين ونح ن نتض رع إل ى ﷲ م ن
أعماق قلبينا أن يغفر لنا خطايانا في ليلة عيد الميﻼد.
13
- 71 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ك ان لن ا أص دقاء ص غار يلعب ون معن ا ف ي الش ارع والمن زل ﻻ أزال أذك ر م نهم
ريج ي وارن وأري ن فليتش ر ،فم اذا ي ا ت رى ص نعت اﻷي ام بهم ا بع د ه ذه الس نين
الطويل ة؟ ولس ت أع رف لم اذا عل ق ه ذان اﻻس مان بفك ري دون غيرهم ا خ ﻼل
هذه المدة الطويلة.
- 72 -
novbo
روايات وكتب ook.net
أق ض مض جعي ه ذا الم رض ،ﻷن الن اس ك انوا يتهامس ون حول ه ،ويكث رون م ن
التأس ف .وج اء الطبي ب ،وه و رج ل ل ن أنس اه أب دا ،فق د ك ان مهيب ا وق ورا يقب ل إل ى
المن زل ف ي س يارته الس وداء الﻼمع ة وك ان ك ل م ن ي راه يحترم ه وﻻ يج رؤ أح د
عل ى رف ع الص وت ف ي حض رته .والواق ع أن منظ ره ك ان يف رض اﻻحت رام عل ى
ك ل م ن ي راه .وكث رت زي ارات ال دكتور وادل ،وأخي را أعل ن أن ه ﻻ ب د م ن أن
تذهب إلى المستشفى لتجري لها عملية جراحية.
- 73 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وذات ص باح رهي ب ف ي ج و يطف ح بال دموع والزف رات واﻷل م ،نقل ت أخت ي إل ى
المستش فى وه ي ثابت ة ال وعي ،وأق ل أف راد العائل ة جزع ا .وم ا أزال أراه ا خارج ة
م ن المن زل لتواج ه الخط ر بجب ين مرتف ع ،وخط وات ثابت ة ،وه ي تؤك د ﻷمه ا أن
كل شيء سوف يتم على ما يرام.
- 74 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وأخي را ً ج اء موع د الزي ارة ،وذهب ت م ع أب ي إل ى المستش فى .ي ا للمك ان الرهي ب!
ف ي ه ذه الزاوي ة الهادئ ة م ن أط راف المدين ة ،تق وم تل ك البناي ة الض خمة الغريب ة،
وإن منظره ا ليثي ر ف ي ال نفس معن ى كل ه إبه ام وغم وض .ف ي ه ذه البناي ة أرواح
ف ي خط ر .وأن اس مه ددون ب الموت ف ي ك ل ح ين ،وق د ترك وا لمق اديرهم وأبع د
ع نهم الن اس ليلق وا مص يرهم وحي دين ف ي ه ذه الغ رف الهادئ ة الص امتة الت ي تطف ح
برائحة غريبة كأنها رائحة اﻷرواح التي احترقت هناك.
اش ،وق د ك ادت دخلن ا الغرف ة فوج دنا أخت ي جالس ة ف ي الس رير تس تقبلنا بوج ه ب ّ
تبك ي م ن ش دة الف رح .كان ت محاط ة بالرحم ة ول ذلك ل م تك ن منزعج ة ،ولك ن
وح دتها ف ي ذل ك المك ان كب رت عليه ا .وق د تح دثت إلين ا ف ي مث ل ذل ك ال وعي ال ذي
فارقتن ا ب ه ع ن وح دتها ،وم ا تش عر ب ه ،والمعامل ة الحس نة الت ي تعامله ا به ا
الممرض ات .وانقض ى نص ف الس اعة ال ذي ك ان مخصص ا للزي ارة ف ي لم ح
البص ر ،ونبهتن ا إح دى الممرض ات إل ى أن موع د ال ذهاب ق د أزف .وهن اك س ادنا
الص مت ،وب دأ اﻻنزع اج عل ى وج ه أخت ي .ولم ا تحركن ا للقي ام خانه ا ثباته ا
ف انفجرت باكي ة ،فل م يك ن ب د م ن إنه اء الموق ف ك يﻼ تس تمر ف ي تأثره ا ،ول ذلك
انحن ى عليه ا أب ي وقبله ا فتعلق ت ب ه ترج وه أﻻّ يفارقه ا ،فعانقه ا وه و يطمئنه ا
بص وت مختن ق ،ويؤك د له ا أن ه س وف يب ذل مجه ودا للحص ول عل ى إذن بزيارته ا
ك ل ي وم .ث م خل ص نفس ه م ن ب ين ذراعيه ا ف ي رف ق ،وأس رع نح و الب اب .وكن ت
أن ا أبك ي بك ا ًء م ّرا ف ي أثن اء ذل ك ،فس حبني م ن ي دي ،وخرج ت مع ه دام ع المقلت ين
وأنا أشير لها بيدي اﻷخرى مودعا.
- 75 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وهك ذا انته ت تل ك اﻷزم ة الت ي خيم ت عل ى المن زل أكث ر م ن ش هرين ،وع ادت
أخت ي إلي ه بع د نح و أس بوعين ،ولكنه ا ع ادت شخص ا آخ ر ،ض عيفة البني ة ،ش احبة
الوج ه ،يثي ر منظره ا الرأف ة ف ي أقس ى القل وب .بي د أن ش يئا واح دا ل م يفارقه ا ه و
ثباته ا وإيمانه ا ودق ة مﻼحظته ا ،باﻹض افة إل ى لمع ان ل م يفارقه ا أب دا ب الرغم م ن
كل ما أصابها ،وكان ما يزال يشع بقوة في فكرها وعينيها.
واس تقبلها الن اس ي وم ع ادت ف ي بش ر وحب ور ،ولك ن شخص ا واح دا ظ ل مض طربا
ه و أن ا ،ذل ك أنن ي ش عرت ف ي غم وض من ذ أن وق ع نظ ري عليه ا للم رة اﻷول ى أن
أخت ي الت ي ذهب ت إل ى المستش فى ظل ت هن اك إل ى اﻷب د ،أم ا ه ذا ال ذي احتفلن ا
بعودته فليس سوى شبحها.
14
وانطل ق بن ا القط ار ينه ب قض بان الحدي د ،وه و يزف ر ويص رخ ،كم ا ل و ك ان ق د
انش رح ﻷن ه أس رنا .كن ت جالس ا إل ى جان ب وال دي وإل ى جان ب أح د أقرب ائي وه و
ش اب ف ي نح و العش رين م ن عم ره ،ع اش م دة طويل ة ف ي منشس تر .وك ان وج ه
- 76 -
novbo
روايات وكتب ook.net
- 77 -
novbo
روايات وكتب ook.net
- 78 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وآن ميع اد تن اول وجب ة اﻹفط ار ،فرأي ت رج ﻼً ف ي ثي اب البح ارة الت ي راقتن ي
ي ،ويطل ب من ي أن أتفض ل إل ى الغرف ة الت ي يتن اول فيه ا اﻷطف ال وح دهم
يتق دم إل ّ
وجباتهم.
- 79 -
novbo
روايات وكتب ook.net
"البيض!"
وكم بيضة؟
- 80 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ودق ج رس عن د انته اء اﻹفط ار ،فرأي ت اﻷطف ال يقف ون فوقف ت ،ونظ رت يمين ا
وش ماﻻً فرأي ت وجوه ا ص غيرة تبتس م ل ي فل م يك ن ل ي ب ّد م ن أن أر ّد عليه ا
اﻻبتس ام ،وس رنا إل ى غرف ة اﻷلع اب ،وأي غرف ة! مملك ة م ن الممال ك ازده رت
بحض ارة م ن اللع ب ﻻ يمك ن وص فها .ول م تم ر س وى لحظ ة ص غيرة حت ى اخ تلط
الق افزون ب الﻼعبين ،والض احكون بالص ارخين ،والمش دوهون ب المعجبين ،فل م
يك ن ل ي ب ّد م ن أن أخ تلط به م اختﻼط ا أنس اني ك ل هم ومي وأن ا أخت رق ف ي ه ذه
الب اخرة العتي دة ع رض البح ار ،ول م يع د يهمن ي المص ير ال ذي س وف تنته ي إلي ه
الرحلة.
- 81 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وأذك ر أنن ا ركبن ا ب اخرة أخ رى لم دة قص يرة ﻻ تتج اوز الي وم الواح د ،كان ت خالي ة
م ن ك ل المت ع الت ي عرفته ا ف ي الب اخرة اﻷول ى ،فرغب ت ع ن الحي اة فيه ا ،وب دأت
ي م رة أخ رى ،خصوص ا بع د أن وص لنا إل ى ال دار البيض اء - مخ اوفي تع ود إل ّ
ول م أك ن أع رف أنه ا كان ت مس قط رأس ي من ذ بض ع س نوات ،وم ن ي دري؟ فق د
أك ون ش عرت بأنه ا ليس ت غريب ة عن ي ،ولكنن ي ب الرغم م ن ذل ك أحسس ت ب أنني
بدأت أخترق الحدود المهمة من عالم اﻷساطير.
ول م أك ن أع رف يومئ ذ مق ادير الش عوب وتقلب ات اﻷي ام ،ولك ن راعن ي أن أرى
بش را غي ر البش ر ووجوه ا غي ر الوج وه .لس ت أع رف اﻵن م ا فع ل ﷲ به ذه
المدين ة ،ولكنن ي أذك ر أنن ي رأي ت فيه ا وجوه ا ارتس م عليه ا ح زن ﻻ يمك ن أن
يغي ب حت ى ع ن اﻷطف ال .ح زن م روع يعب ر أص دق التعبي ر عم ا يعاني ه أص حابها
بع د مج د الماض ي ال ذاهب م ن ب ؤس مق يم ،فأص ابني ن وع م ن ال ذهول .لق د ب دأ
اﻷم ر يع ود إل ى طبيع ة الج د والص رامة ،ه ذه الوج وه الكالح ة والثي اب الممزق ة،
واﻷجس ام العاري ة ،ﻻ ب د أنه ا تنتس ب إل ى فص يلة أخ رى م ن البش رية غي ر الت ي
أعرفه ا ....وق د دخل ت ف ي ع الم المفاج آت حقّ ا ...فم ا ل ي أرى قوم ا آخ رين عل ى
بع د خط وات م ن ه ؤﻻء البؤس اء يعيش ون نف س الحي اة الت ي كن ت أعرفه ا فيم ا
مضى .ولكن أليست هذه بﻼد اﻷساطير؟
ي:
قال وهو يضاحك أبي دون أن يمنعه ذلك من توجيه الكﻼم إل ّ
15
- 83 -
novbo
روايات وكتب ook.net
واخ تلط الحاب ل بالناب ل ،واخ تلط المهنئ ون بالمس افرين ،ف إذا ب ي أبح ث ع ن أب ي
فأج ده ض اع ب ين اﻷذرع ،وأبح ث ع ن نفس ي فأج دها ض اعت ب ين اﻷذرع أيض ا.
ه ذا يرفعن ي إل ى الفض اء ف إذا اطمأنن ت إل ى اﻷرض رفعن ي آخ ر .وهك ذا ص ار
الموك ب ف ي ممش ي طوي ل وك ل م ن ح ولي يقول ون :دعن ا ننطل ق إل ى الج د والج دة
فقد برح بهما الجوى.
- 84 -
novbo
روايات وكتب ook.net
كن ت أرتع ش كالريش ة ف ي مه ب الري اح ،وأن ا أنظ ر إل ى ه ذا الرج ل الص ارخ
ال ذي قي ل إن ه ج دي أي أن ه وال د وال دي .ه ذا ه و الرج ل ال ذي رب ى وال دي وعلم ه،
ي أن أب ي يح تفظ
ه ذا ه و الرج ل ال ذي أتس اوى أمام ه أن ا وأب ي ،ولك ن خي ل إل ّ
بشيء من شخصيته ونحن أمامه ،فاستغربت لهذا.
- 85 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ي أن م ن الواج ب
ولك ن ج دي ض حك ض حكة ممطوط ة اس تغربتها من ه ،فخي ل إل ّ
ي ش عور مرع ب ه و أنن ي خلق ت ﻷك ون أن أرف ع ص وتي بالعوي ل .واس تولى عل ّ
ي عل ى أنن ي غري ب، غريب ا! فف ي ال بﻼد الت ي أتين ا منه ا ك ان الن اس ينظ رون إل ّ
ي أيض ا عل ى أنن ي غري ب! ول ذلك
وف ي ال بﻼد الت ي يق ال إنن ي منه ا نظ ر الن اس إل ّ
فقد أصابني شعور يشبه الشعور باﻻضطهاد.
وص اح ج دي ف ي غم رة م ن الص مت :غيّ روا ه ذه الثي اب! إنه ا ثي اب الكف رة ،هي ا
ي وه و يض حك ليق ول: افعل وا ش يئا ﻷراه ف ي ثي اب المس لمين .ث م أقب ل عل ّ
س أعلمك ،س أعلمك ك ل ش يء أيه ا الص غير حت ى تص بح ج ديرا ب أن تنس ب إل ى
اﻹس ﻼم والمس لمين .وك أن الكف ر يتمث ل ل ه ف ي الثي اب الت ي أرت ديها ،وك أن اﻹيم ان
يتمثل له في الثياب التي أمر بأن أرتديها في صرامة ممزوجة باللين.
- 86 -
novbo
روايات وكتب ook.net
بي د أنن ي ل م أك ن أه تم كثي را بفه م م ا ل م أفهم ه م ن ح ديث الش يخ .ه ذه الوج وه! ه ذه
الوج وه قب ل ك ل ش يء ،لق د ارتس مت عليه ا ألف ة محبب ة اس تطعت أن أس بر غوره ا
ﻷول نظ رة .ش عرت ب أن الجمي ع ك ان يرث ي لح الي ،ولكنن ي ف ي نف س الوق ت -
ي أنه م ف ي أش دوه ذا غري ب -أش عر ب أنني كن ت أرث ي لح ال الجمي ع .إذ خي ل إل ّ
الحاجة إلى شيء فقدوه ،ﻻ أدري ما هو.
وبهرتن ي ال دور ،ال دور المزخرف ة الواس عة اﻷرج اء .وي ا لتفاه ة ه ؤﻻء اﻹنكلي ز
وتفاه ة ال دور الت ي يس كنونها! وبهرن ي الب ذخ ،الب ذخ الممت ع الب راق ،وي ا لتفاه ة م ا
يفهمه هؤﻻء اﻹنكليز عن الحياة وما فيها من روائع.
- 87 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ولس ت أعن ي بم راكش الوج وه البائس ة الت ي تقابله ا ،وﻻ ه ذه العق ول الت ي تكم ن
وراء ه ذه الوج وه ،ولكنن ي أعن ي م راكش الخال دة ،ترب ة م راكش الخص بة،
وض ميرها ال واعي وعقله ا المفك ر .لش د م ا أتمن ى اﻵن حفن ة م ن ترابه ا أستنش ق
منها العبير الزكي الفواح.
- 88 -
novbo
روايات وكتب ook.net
16
- 89 -
novbo
روايات وكتب ook.net
رجعن ا إل ى منشس تر ،واس تقبلتنا أم ي وأخت ي عن د عتب ة ب اب المن زل ومعهم ا آل
ب اترنوس وآخ رون .وﻻحظ ت اﻻنش راح عل ى وج ه أم ي ووج ه أخت ي لعودتن ا،
ولكنن ي ﻻحظ ت ش يئا آخ ر عل ى أخت ي ه و ه ذا الش يء البغ يض ال ذي ب ات
يط العني ف ي وجهه ا من ذ عودته ا م ن المستش فى ،ول ذلك ب ت أتﻼف ى النظ ر إلي ه
ي إشفاقا غريبا.
ﻷن هذه المسحة الكريهة التي علته كانت تفزعني وتبعث ف ّ
وج دتها قائم ة إل ى جان ب الح ائط وق د مال ت عجلته ا اﻷول ى نح وه وعﻼه ا الغب ار،
وه ي ف ي وض عية حزين ة كأنه ا تش كو إل ى أس فل الح ائط م ا أص ابها م ن غ بن ف ي
ه ذه اﻷي ام اﻷخي رة ،فأقبل ت عليه ا أنف ض عنه ا الغب ار وأن ا أك اد أعانقه ا م ن ش دة
ي أن
الحن ين إليه ا ،كم ا فعل ت ي وم ق دمت ل ي هدي ة ف ي عي د الم يﻼد ،فخي ل إل ّ
الح زن يزايله ا قل يﻼً قل يﻼً ،ول م تم ر س وى لحظ ات حت ى كن ت ق د ركبته ا وانطلق ت
عليها كالسهم في الشارع.
- 90 -
novbo
روايات وكتب ook.net
كن ا جالس ين ح ول مائ دة اﻹفط ار حينم ا انطل ق الص فير ف ي الش ارع الخلف ي ف احمر
وجه ي ﻷن تنادين ا بالص فير ك ان ﻻ يعج ب آباءن ا وأمهاتن ا ،فق د ك انوا يعلم ون أن
ف ي ه ذا التن ادي م ا ي دعو إل ى الظ ن بأنن ا نفع ل ذل ك للقي ام بعم ل ﻻ يحبون ه.
ي أنهم ا ل م يس معا ،ث م نظ رت إل ى أخت ي ونظ رت إل ى أب ي ث م إل ى أم ي فخي ل إل ّ
فأبص رت بري ق اﻹدراك ف ي عينيه ا ،وق د كن ت قل ت له ا م ن قب ل إنن ا س وف نجتم ع
ف ي الش ارع الخلف ي ﻷحك ي لﻸص دقاء الص غار م ا رأي ت .وب دأت أتح رك ﻷن زل
ي أب ي
م ن الكرس ي ،ولك ن بينم ا كن ت أفع ل انطل ق الص فير م رة أخ رى ،ونظ ر إل ّ
وق د ش ك ف ي العﻼق ة ب ين الص وت وحرك اتي ،فقف زت -تﻼفي ا للح رج -إل ى
اﻷرض وانطلقت أعدو.
- 91 -
novbo
روايات وكتب ook.net
قلت" :مراكش".
قلت :بﻼد جميلة شمسها ساطعة ،ومناظرها بهيجة ،ولكنها حافلة بالغرائب.
فك رت قل يﻼً وأن ا أح اول عبث ا أن أج د مفتتح ا للح ديث ،وأخي را أنق ذني أح دهم
حينم ا س ألني :ه ل ي ذهب اﻷطف ال إل ى المدرس ة ف ي ه ذه ال بﻼد الت ي تق ول إن
اس مها م راكش؟ -آه المدرس ة ،نع م ي ذهبون إل ى المدرس ة ،ولك ن ه ل تعرف ون م ا
المدرس ة؟ غرف ة مظلم ة مفروش ة اﻷرض بم ا يش به الت بن ،يجل س عليه ا اﻷطف ال
وأم امهم الم درس ف ي مك ان ع ال ب ارز يحم ل عص ا طويل ة ف ي ي ده ،وه و يح ث
التﻼمي ذ .ه ل تعرف ون ع ﻼم يح ثهم؟ عل ى إح داث الض جيج ،عل ى رف ع الص وت
والصياح ،وويل للتلميذ الذي يتوانى في إحداث الضجيج!
- 92 -
novbo
روايات وكتب ook.net
-لس ت أدري ،ﻻ ب د أن ه الض جيج ،ف إن كب ارهم يبرهن ون دائم ا عل ى أنه م تلق وا
ف ي ص باهم دروس ا قيم ة وبليغ ة اﻷث ر ف ي ه ذا العل م .دعن ا م ن ه ذا ،ولنف رض أن
أح د التﻼمي ذ ارتك ب م ا يس تحق علي ه العق اب ،ه ل تظن ون أن الم درس يطل ب إلي ه
أن يم د ي ده ليض ربه؟ ك ﻼ .ب ل يوج د ف ي ك ل مدرس ة ع ادة تلمي ذ ق وي ﻻ يك اد
الم درس ينظ ر إلي ه نظ رة ذات مغ زى حت ى يخ ف الض جيج فج أة ،وي نقض ذل ك
التلمي ذ الق وي عل ى الم ذنب ف ي لم ح البص ر ،وبحرك ة واح دة رش يقة يطرح ه
أرض ا ويرف ع ب اطن رجلي ه إل ى الم درس ،وهن ا ي نفخ ه ذا اﻷخي ر ف ي يدي ه وه و
يخت ار م ن ب ين العص ي الت ي يض عها إل ى جانب ه أمتنه ا ع ودا وأح ّدها وقع ا ،ث م
يأخ ذها وه و يش مر ع ن س اعده اﻷيم ن ،ث م يض رب به ا اله واء ف ي خب رة -كم ا
يفع ل الح وذي -وذل ك لك ي يتأك د م ن جودته ا .وهن ا تب دأ عملي ة الض رب،
الض رب الش ديد المتواص ل فيتع الى ص وت المس كين بالص راخ .ث م يه دأ الض رب
لينحن ي الم درس عل ى التلمي ذ يوبخ ه ويتوع ده .ث م تب دأ العاص فة م رة أخ رى إل ى
أن يعج ز المض روب ع ن الص راخ وتنه ك ق واه .وهن ا ي أمر الم درس ب أن يطل ق
س راحه وه و يض ربه ض ربة أو ض ربتين إض افيتين عل ى ي افوخ رأس ه ،وق د ينبث ق
منه الدم .فإذا انتهت الدروس الصاخبة خرج المضروبون يعرجون.
وهنا قال طفل صغير لم يستطع أن يكتم شعوره :آه آه هذا مروع!
فاس تأنفت :تل ك ه ي الكلم ة :ب ﻼد غريب ة ،ك ل ش يء فيه ا غري ب :أطفاله ا ،نس اؤها،
رجاله ا ،أكله ا ،بيوته ا ،ك ل ش يء! ه ل تعرف ون قص ة اﻷك ل هن اك؟ إن الن اس
ي أكلون وين امون ف ي غرف ة واح دة ،ويجلس ون وين امون عل ى مخ دات كبي رة .ف ي
- 93 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وق ت الن وم تنقل ب إل ى غرف ة الن وم ،وف ي وق ت اﻹفط ار والغ داء والعش اء يقب ل
الخ دم بمائ دة قص يرة اﻷرج ل يض عونها عل ى اﻷرض ث م يض عون حوله ا
المخ دات ،ث م تقب ل خ ادم ص غيرة وه ي تحم ل آني ة ص فراء ف ي ي د وف ي ي دها
اﻷخ رى إبري ق تط وف بهم ا عل ى الجل وس لغس ل الي دين -نح ن نس عى إل ى
الحنفي ات ،أم ا ه م فتس عى الحنفي ات إل يهم -ث م يجل س الن اس ح ول المائ دة عل ى
المخ دات وﻻ يوض ع عليه ا إﻻّ طب ق واح د كبي ر وقط ع الخب ز ،ث م ينك ب الجمي ع
على ذلك الطبق الواحد بأيديهم يلتهمون ما فيه.
ق ال أح د اﻷطف ال :عرف ت تل ك ال بﻼد اﻵن ،عرفته ا ،لق د رأيته ا ف ي الس ينما ،إنه ا
بﻼد الزنوج.
قل ت :تعن ي ال بﻼد الت ي يس كنها الس ود؟ ك ﻼ فأه ل ه ذه ال بﻼد وإن ك انوا غرب اء ف ي
ك ل ش يء إﻻ أن بش رتهم بيض اء ،وه م ف ي أش كالهم مثلن ا تمام ا ،إنه م يزاول ون
جميع اﻷعمال التي نزاولها ولكن بطريقة غريبة.
وهن ا احت دم ن زاع علم ي ب ين اﻷطف ال .فق د راح وا يختلف ون ح ول موق ع ه ذه ال بﻼد،
وك انوا يس تقون معلوم اتهم م ن الس ينما ،فت رددت عل ى ألس نتهم ش عوب ه ي:
الغج ر ،الهن ود الحم ر ،اﻹس كيمو ،الزن وج ،ك ل واح د ي روي م ا رآه ف ي الس ينما
وي زعم أن ه يع رف ال بﻼد الت ي أتح دث عنه ا .فوقف ت أنظ ر إل يهم وأن ا أنتظ ر أن
يصلوا في نزاعهم إلى قرار.
- 94 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ق ال طف ل :هي ا ح دثنا ع ن الح رب ،كي ف يتق اتلون؟ قل ت :ه ذه ب ﻼد ل يس فيه ا ح رب
وﻻ قت ال ،وﻻ أظ ن أن أهله ا يغ امرون ،ف إنهم مس المون ينزع ون إل ى نعوم ة
الحي اة ورغ دها ،وه ذا يكف ي ف ي الدﻻل ة عل ى أنه م ليس وا م ن الغج ر وﻻ اﻹس كيمو
وﻻ الهن ود وﻻ الزن وج .إنه م ﻻ يعرف ون القت ال ،ولك نهم يعرف ون اﻷف راح،
ويعرفون اﻷكل الجيد ،ويولعون باﻷشياء البراقة.
ك ان المن زل واس عا ض خما مزخرف ا ،ذا أعم دة كبي رة ،تت راقص ف ي وس طه ن افورة
م ن الم اء الص افي ،فرش ت أرض ه بتل ك المخ دات الكبي رة ،وجل س عليه ا ف ي ش كل
دائ رة ج وق الموس يقى وق د ح ف ب ه الم دعوون .وف ي ال دور الث اني يط ل عش رات
م ن النس اء يس تمعن إل ى الموس يقى الت ي ك ان يعزفه ا الج وق وه و يغن ي .وك ان
الجمي ع يوقع ون بأي ديهم عل ى رك بهم وق د اش تد به م الت أثر .وك ان الحﻼق ون
يطوف ون به م -نع م الحﻼق ون ف إنهم يقوم ون بالخدم ة ف ي اﻷف راح ﻻ ليحلق وا
ال رؤوس ولك ن ليوزع وا الش اي اﻷخض ر والحلوي ات ف ي أدوات م ن فض ة -وق د
س طع المن زل كل ه ب اﻷنوار وكث ر الض جيج وع ﻼ ص وت الموس يقى ،وأقب ل ك ل
موس يقى بوجه ه عل ى وج ه الموس يقى ال ذي إل ى جانب ه ،فأقب ل علي ه ه ذا أيض ا
ب نفس الحرك ة وغني ا مع ا وهم ا عل ى ه ذه الوض عية م دة قص يرة ،ث م يفترق ان
وينصرف كل واحد إلى الموسيقى الذي على جانبه اﻵخر بنفس الحركة.
- 95 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ك ل ذل ك ف ي منتص ف اللي ل .وعن دما تنته ي ه ذه الحف ﻼت ف ي المن زل يجتم ع الن اس
ع رض الش ارع ويس يروا ف ي موك ب كبي ر ينش دون اﻷناش يد ليخرج وا إل ى ُ
بأص وات عالي ة ويض حكون ويمرح ون إل ى أن يص لوا إل ى من زل آخ ر ،حي ث
يجتمع ون ح ول باب ه ويرفع ون اﻷص وات بك ﻼم إل ى س اكني ه ذا المن زل الجدي د.
وبع د م دة طويل ة ،يف تح الب اب ويخ رج ف وج م ن النس اء فيح يط به ن المحتفل ون وق د
ازدادت أصواتهم ارتفاعا ثم يعود الموكب كله إلى المنزل اﻷول.
ويس تمر ه ذا كل ه إل ى الص باح ،فينص رف الن اس إل ى الن وم ،لتب دأ الحف ﻼت ف ي
الي وم الت الي ،ﻻ لمناس بة جدي دة ،ولك ن يوم ا واح دا ﻻ يكف ي للتعبي ر ع ن اﻻنش راح
في هذه البﻼد ،بل ﻻ بد من ثﻼثة أيام أو سبعة.
وهن ا انطل ق ص وت ممط وط يص يح :ريج ي! ريج ي! إنه ا والدت ه تنادي ه ،فه ب
واقف ا وه و يق ول :يج ب أن أذه ب ،إن أم ي تن اديني ،لق د نس يت أن أنف ذ م ا طلبت ه
- 96 -
novbo
روايات وكتب ook.net
من ي ،ولك ن ﻻ تس تمر ،أري د أن أس مع البقي ة ...ه ل نجتم ع هن ا بع د الظه ر؟ قول وا
إنكم موافقون ﻷجل أن أنصرف.
17
قل ت لك م أيه ا اﻷص دقاء إن ال بﻼد الت ي كن ا نتح دث عنه ا ف ي الص باح -وأذك ركم
م رة أخ رى ب أن اس مها م راكش -ب ﻼد غريب ة .ولس ت أح ب أن يتب ادر إل ى ذه ن
أح د م نكم أن أهله ا غرب اء ف ي أش كالهم ،ك ﻼ ب ل ه م مثلن ا تمام ا كم ا قل ت لك م ف ي
الص باح ،ول و نقل تهم جميع ا إل ى منشس تر ودفع تهم ف ي حياته ا لم ا ك ان ف ي
اس تطاعتنا أن نف رق بينن ا وبي نهم ،وله ذا يج ب أن تنس وا الزن وج والهن ود الحم ر
واﻹسكيمو والغجر ...وأنا أتحدث إليكم عن أمر هذه البﻼد ،فهي شيء آخر.
- 97 -
novbo
روايات وكتب ook.net
قل ت :حس ن ،دعن ي أت ذكر .إن الح ﱠم ام م ن ه ذه الغرائ ب .ه ل تظن ون أن الن اس ف ي
م راكش ي دخلون عل ى انف راد إل ى الحم ام حينم ا يري دون أن يغتس لوا؟ ك ﻼ فل يس
الحم اﱠم غرف ة ض يقة به ا ح وض ،وإنم ا ه و مك ان شاس ع يحت وي عل ى أبه اء دامس ة
ي دخل الن اس إليه ا زراف ات بع د أن يكون وا ق د نض وا ثي ابهم ،وﻻ يوج د ب ه ح وض،
وإنم ا يق دم إليه ا الم اء ف ي ج رادل كبي رة مص نوعة م ن الخش ب ،فيجلس ون بينه ا...
وه و مك ان ش ديد ال دفء يخن ق اﻷنف اس .ف إذا دخل ت إلي ه رأي ت الن اس ف ي الض باب
وه م عراي ا ك أنهم أش باح هزيل ة مخيف ة ،وه م ﻻ يقلع ون ع ن الك ﻼم حت ى ف ي
الحم ام ب ل ق د ينص رفون إل ى العب ث ورواي ة القص ص واﻷحادي ث ك أنهم ف ي
بيوتهم.
- 98 -
novbo
روايات وكتب ook.net
قل ت :ه ذه قطع ة م ن الس كر ص غيرة ج ّدا ،آه ل و رأي تم قط ع الس كر ف ي م راكش!
إنه ا ف ي ه ذا الحج م -قل ت ذل ك وأن ا أف تح ذراع ي ب أكبر م ا أس تطيع -قط ع كبي رة
من السكر لم يكن يخطر على بالي أن لها مثيﻼً في الحياة.
- 99 -
novbo
روايات وكتب ook.net
قلت :مراكش.
فق ال :م راكش ،م راكش ،م راكش ﻻ ب د م ن زيارته ا ،إن ه ذا ال ذي تحكي ه عنه ا
غريب وممتع :ذقونهم في رؤوسهم ورؤوسهم في ذقونهم! يا للروعة!
وﻻ يجتم ع النس اء والرج ال ،ب ل يع يش ك ل فري ق عل ى ح دة ،يه رب الرج ل م ن
النساء وتهرب المرأة من الرجال.
تص وروا أن الن اس هن اك ﻻ يتقن ون الق راءة والكتاب ة ،مث ل اﻷطف ال الص غار ،ف إن
م ن بي نهم م ن ﻻ يع رف إل ى ذل ك س بيﻼً .فق د اس توقف رج ل أب ي ونح ن ف ي
الش ارع ،وأش ار ل ه إل ى رق م ف وق ب اب إح دى المن ازل وه و يس أله عن ه ،فأجاب ه
أب ي .ولم ا س ألت أب ي م اذا ك ان يري د ،ق ال إن ه ك ان يس أل ع ن رق م المن زل ﻷن ه ﻻ
يعرف القراءة والكتابة .ولم يكن طفﻼً صغيرا ،وإنما كان رجﻼً كبيرا.
ك ل ش يء موج ود ف ي ه ذه ال بﻼد أيه ا اﻷطف ال حت ى الجن ائز .إن الن اس يموت ون
هن اك كم ا يموت ون هن ا ،ولك نهم يس يرون إل ى مق ابرهم عل ى طريق ة غريب ة .نح ن
ي نش يد موقّ ع
نس ير ف ي الجن ائز ص امتين ،أم ا ه م فيس يرون فيه ا وه م ينش دون ،وأ ّ
رائع! نحن نحزن للموتي فنصمت ،وهم يفرحون لهم فينشدون.
وك ل اﻷلع اب الت ي توج د عن دنا توج د عن دهم ،أعن ي عن د أطف الهم ،ولك نهم
يلعبونها تبعا ﻷصول غريبة غير التي نعرفها.
ولس ت أس تطيع أن أح دثكم ع ن لغ تهم ،ﻷنن ي ل م أك ن أفه م منه ا حرف ا واح دا ،فق د
ي كﻼمه م ،ولكنن ي أس تطيع أن أق ول بص فة عام ة إنه م يرفع ون ك ان أب ي ينق ل إل ّ
أصواتهم وهو يتحدثون ،ويستعملون حروفا ً غريبة يصعب...
س خام كم ا
تض اءلت ف ي مك اني وأن ا أرف ع إلي ه بص ري ﻷرى وجه ه ال ذي ع ﻼه ال ﱡ
ع ﻼ مﻼبس ه كله ا .وكان ت عين اه تب دوان م ن خل ف الس خام اﻷس ود ش ديدتي
البياض يتراقص في كل منهما إنسان قلق.
أن تجيبن ي .حس ن ،وا ْي م الح ق ﻷعلقن ك وزم ﻼءك ف ي إح دى الم داخن إذا وج دتكم
تلعب ون ف ي طريق ي م رة أخ رى! واﻵن انطل ق واح ذر أن أراك ثاني ة هن ا! دفع ت
الب اب ب بطء وأن ا أنس حب مخاف ة أن يغي ر رأي ه ،فلم ا أص بحت ف ي م أمن ص ككته
ف ي ق وة وانطلق ت أع دو وف ي إث ري ض حكاته العالي ة ،ث م انقط ع الض حك وب دأ
يصيح مرة أخرى بصوته الحاد) :تنظيف المداخن! تنظيف المداخن!(.
18
ك ل م ا يح يط بن ا ح زين ف ي ه ذه اﻷي ام ،وإنن ا لنح اول -أن ا وأخت ي -أن نق ارن ب ين
ه ذه الحال ة الجدي دة والحال ة الت ي اعت دناها فنج د الف رق كبي را محزن ا .إن أب ي ه ذا
ال ذي ك ان يقاب ل الحي اة بص در رح ب وثغ ر باس م ،ه ذا الرج ل ال ذي تقمص ه الجل د
ف ي معرك ة الحي اة فخاض ها غي ر هي اب وﻻ وج ل .ه ذا الرج ل أص بح الي وم حزين ا
تثير رؤيته اﻷشجان.
ول م تك ن اﻷم أق ل حزن ا م ن اﻷب .فه ذه الم رأة الت ي ل م تك ن تحف ل كثي را بم ا
تج ري ب ه اﻷي ام ،ه ذه الم رأة الت ي ك ان يت رع ص درها حنين ا إل ى أرض ال وطن،
والت ي كان ت تع يش ض احكة مستبش رة ،ﻷنه ا تنتظ ر ي وم الع ودة إلي ه ،ه ذه الم رأة
أيضا أصبحت حزينة.
- 104 -
novbo
روايات وكتب ook.net
وأخت ي ،ل م تك ن أخت ي -وأن ا أيض ا -تع رف ش يئا ع ن ه ذا الس ر الخف ي ال ذي
أح ال البهج ة إل ى ح زن عمي ق .لق د أص بحت أخت ي أكث ر م ن أي وق ت مض ى
تبع ث عل ى الح زن والش فقة ،فه ي ت زداد ض عفا ونظراته ا ت زداد ش رودا .إنن ي
أح س كلم ا نظ رت إليه ا أنه ا تبتع د عن ي ش يئا ً فش يئا ً وك أن س حابة رهيب ة تبتلعه ا
فتزداد بعدا كل يوم.
وكان ت ميلل ي تلف ظ ه ذه العب ارات بلهج ة الواث ق مم ا يق ول ،ول ذلك ل م يك ن ب د م ن
أن أص دقها وأوم ن به ذه النظري ة الت ي ب دا ل ي ف ي ذل ك الح ين أنه ا عل ى جان ب
كبير من الحكمة.
رج ع كثي ر م ن المراكش يين إل ى بﻼده م قبلن ا .فه ؤﻻء مس تر أب و عي اد ومس تر
قرطب ي ومس تر اب ن وح ود ومس تر ب رادة ق د رجع وا إل ى بﻼده م م ع ع ائﻼتهم من ذ
زم ن بعي د .وم نهم م ن اش تركت ف ي ت وديعهم م ع أب ي ،وك م كن ت أرث ي لح الهم.
ول م يك ن يخط ر عل ى ب الي أن الرح ى ،الرح ى الجب ارة الت ي تطح ن الع زائم،
س وف تطح ن عزائمن ا نح ن أيض ا .لق د عرف ت م راكش وعرف ت ك ل م ا يتعل ق به ا
خ ﻼل اﻷس ابيع الس تة الت ي قض يتها فيه ا ،وأعجب ت بكثي ر مم ا فيه ا ،ب ل ك ان يخي ل
ي ف ي بع ض اﻷحي ان أن الك رة اﻷرض ية حرم ت م ن كثي ر م ن المب اهج الت ي إل ّ
توج د فيه ا ،ولكنن ي ب الرغم م ن ذل ك ل م أك ن أتمن ى أن أرج ع إليه ا ﻷع يش فيه ا
ي أن م ن الممك ن أن أرج ع إليه ا كس ائح ،ولك ن ل م يك نم دى الحي اة .وك ان يخي ل إل ّ
يخطر ببالي أنني سوف أرجع إليها ﻷقيم.
لم اذا؟ ل م أك ن أتب ين الس بب ي وم ذاك ،ولكنن ي أتبين ه اﻵن :حس ك ف ي ه ذه ال بﻼد
طلي ق ومره ف ومس تمتع ولك ن روح ك مقي د ،ولك ن كي ف ك ان يمك ن أن أع رف
ه ذا ف ي تل ك اﻷي ام م ن طف ولتي الذاهب ة؟ ول ذلك ﻻ داع ي للتفص يل ،ويكف ي أن
أق ول إنن ي كن ت مؤمن ا بأنن ا ل ن نرج ع إليه ا كم ا كن ت مؤمن ا بأن ه ﻻ خي ر ف ي ه ذا
الرجوع.
وهك ذا انطلقن ا إل ى ص احب الس يارة الص غيرة ،واش تريناها ف ي لم ح البص ر
ورجعن ا وأب ي يظه ر م ن الف رح واﻻغتب اط به ا أض عاف م ا أظهرت ه أن ا ،ب الرغم
من أنني عدت إلى المنزل راكبا وعاد هو إلى جانبي راجﻼً.
ولس ت أدري لم اذا ت ذكرت بس بب ه ذا الج و الب ائس ال ذي يس ود المن زل تل ك اﻷي ام
الت ي قض يناها ف ي م راكش ،فق د ب دا أب ي فيه ا يفق د مرح ه يوم ا بع د ي وم ،ورأيت ه
يش تبك م ع عم ي ف ي مناقش ات طويل ة ﻻ نهاي ة له ا ،وأمامهم ا دف اتر أترع ت
باﻷرق ام والعملي ات الحس ابية .لق د ك ان ك ل ي وم يم ر من ذ ذل ك الح ين يزي د ف ي
اكتئ اب أب ي ،ولكنن ي ب الرغم م ن ذل ك ل م أس تطع أن أتب ين حقيق ة ه ذه الظ روف
التي تكتنفنا وتزيد وطأتها مع مرور اﻻيام.
ي في الظﻼم:
فقالت بصوتها الضعيف الذي كان ينتهي إل ّ
وﻻ أحت اج إل ى أن أق ول إن أخت ي كان ت تقص د الم دن ذات اﻷس وار البيض اء،
وإنه ا ل م تك ن ت درك الس واد ال ذي يعل ق باﻷعن اق ،وه و الس واد ال ذي ل م أدرك أن ا
نفسي كنهه إﻻ أخيرا.
ي
ظلل ت أفك ر م دة طويل ة تل ك الليل ة ف ي ال بﻼد البعي دة النائي ة الت ي س وف يكت ب عل ّ
ي أن
أن أك ون أح د أبنائه ا ،دون أن أعل م عل ى التحدي د م اذا س يكلفني ذل ك .إن عل ّ
ول م يك ن ف ي اس تطاعتي أن ألح ف عل ى أخت ي بالس ؤال ،فق د كان ت مستس لمة
لعم ﻼق الم رض الجب ار ال ذي مض ى يم تص منه ا الحي اة امتصاص ا ﻻ يخل و م ن
نهم ...وكانت هي أبعد نظرا من أن تقيم وزنا كبيرا لما يحيط بنا.
19
نس يت وال دي ووال دتي وأخت ي وأخ ي الص غير ،فق د انص رفت ع نهم ﻷتأم ل م ا
ح ولي مح اوﻻً أن أش بع روح ي ب النظر إلي ه .فق د أص بحت موقن ا ب أنني أراه للم رة
اﻷخي رة ،وأنن ي ل ن أراه بع د ذل ك إل ى اﻷب د .كن ت أطي ل النظ ر إل ى أف راد عائل ة آل
ب اترنوس وأن ا أس ترجع ال ذكريات القديم ة ،وكن ت أش رف م ن الناف ذة عل ى ش ارع
ب ارك فيل د وأتأم ل المن ازل والنواف ذ والح دائق والوج وه ،ث م أتج ه ببص ري يمين ا
ﻷتأم ل الطري ق الطويل ة الت ي طالم ا س رت فيه ا إل ى المدرس ة ،ث م أتج ه ب ه ش ماﻻً
ﻷتأم ل الطري ق الطويل ة الت ي طالم ا س رت فيه ا إل ى الحديق ة العام ة ،وأنح در
- 112 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ببص ري إل ى ه ذه الش جرة الفرع اء القائم ة ف ي زاوي ة حديق ة منزلن ا اﻷمامي ة،
فتت راءى ل ي مزده رة وق د أص بحت كله ا مث ل زه رة كبي رة بيض اء ف ي أي ام
الربي ع ،وتت راءى ل ي م رة أخ رى عاري ة الف روع ق د عص فت بأوراقه ا الذابل ة
ري اح الخري ف .وأم امي الش ارع تنبع ث م ن ك ل مك ان من ه ذكري ات فتنبع ث لك ل
منها في قلبي حسرة من الحسرات.
تق ول ميلل ي : .إنن ي أع رف أن ك س وف تنس انا كم ا نس ينا س ائر المراكش يين ال ذين
عادوا إلى بﻼدهم من قبل ،فهل تنسانا أنت أيضا أيها الصغير؟
فأبتس م له ا منك ًرا ،ولك ن ك ان ب ودي أن أص رخ م ن اﻷل م وأن ا أح س بلف ح الحس رة
يأخ ذ بمج امع نفس ي .واس تغربت ف ي ذات الوق ت له ذه المﻼحظ ة الت ي كان ت ف ي
رأي ي قريب ة إل ى اﻹلح اد .وﻻ أحت اج إل ى أن أق ول إنن ي كن ت مازل ت طف ﻼً ص غيرا
ث م انته ى ال درس ،فتق دمت من ي اﻷس تاذة ترب ت عل ى كتف ي وتوص يني ب أن أظ ل
حيثم ا حلل ت متش بثا بأس باب اﻻس تقامة ،فل م أح ر جواب ا ،وإنم ا تق دمت إليه ا
وص افحتها وانطلق ت ذاه ﻼً ص وب الب اب وأن ا أودع زمﻼئ ي الص غار ،ث م س رت
مط رق ال رأس خ ﻼل البه و الكبي ر إل ى الب اب ،واخترق ت س احة اللع ب الخالي ة.
وعن دما اس تدرت ،رأي ت جماع ة م ن التﻼمي ذ واقف ين بب اب المدرس ة يش يعونني
ي ،ث م اتجه ت إل ى الطري ق بنظ راتهم ،فرفع ت له م ي دي مودع ا ،ف ردوا جميع ا عل ّ
الع ام ﻷس ير في ه للم رة اﻷخي رة وأن ا عائ د م ن المدرس ة .ل م أك ن أع ي مم ا ح ولي
ش يئا ،كن ت أس ير ورأس ي مثق ل ب الهموم والحاض ر كل ه يت راقص أم ام بص ري كم ا
تتراقص الذكريات .إن التيار يبلغني والشاطئ يبتعد عن بصري قليﻼً قليﻼً.
وأذك ر أنن ي س معت ميلل ي تق ول :إنه ا م ع تق ديرها الكام ل لﻸس باب الت ي ت دعونا
إل ى الع ودة ت رى ف ي ع ودتي خس ارة ﻻ تع وض .وس معتها ت روي أنه ا ذهب ت إل ى
وال دي وطلب ت من ه أن يتركن ي معه م ،أي م ع آل ب اترنوس ،ﻷس تمر ف ي دراس تي،
وأنه ا ألح ت علي ه ف ي ذل ك ،ولكن ه ل م يقب ل .والواق ع أن التأس فات الت ي أب داها آل
ب اترنوس زادت مخ اوفي ،ولكنن ي حم دت ع دم موافق ة أب ي عل ى الفك رة ،فق د ب دا
ل ي فراق ه أف دح م ن ف راق منشس تر .ومهم ا يك ن م ن ش يء ف إنني قض يت الليل ة
اﻷخيرة في منزل آل باترنوس.
وف ي الص باح رأي ت عرب ة النق ل واقف ة أم ام ب اب منزلن ا والعم ال ينقل ون اﻷمتع ة
إليه ا .وهك ذا ب دأت حياتن ا ف ي منشس تر تقط ع بس رعة خطواته ا اﻷخي رة وه ي ف ي
طريقها إلى النهاية.
لي ذهبوا إل ى المنتزه ات العام ة ،وﻻ ليقض وا حاج اتهم ث م يرجع وا إل ى المن زل ،ب ل
ﻷجل أن يذهبوا بعيدا فﻼ يعودوا إلى هذا المنزل أبدا.
كن ت س اهما أتتب ع الح وادث وه ي تتت الى بس رعة ،فتأمل ت الجمي ع وه م يخرج ون
إل ى ع رض الش ارع ،ورأي ت أب ي يقف ل ب اب المن زل ﻵخ ر م رة .ولم ا انح درنا م ع
الممش ى رأيت ه يرف ع إلي ه بص ره كأن ه يودع ه ،فب الرغم م ن ص فات الج د الت ي ك ان
ي ف ي كثي ر م ن اﻷحي ان أن ه ﻻيطي ب ل ه دائم ا أن يتحل ى به ا حت ى ك ان يخي ل إل ّ
يت أثر بش يء ،ب الرغم م ن ذل ك ك ان م ن المس تطاع أن ت درك ف ي نظرات ه مس حة
من التأثر.
وركبن ا الس يارة الكبي رة الت ي كان ت تنتظرن ا بالب اب ،وبينم ا ك ان الس ائق ي دير
مفتاحه ا اﻷم امي اس تعدادا لﻼنط ﻼق كم ا ك ان الس ائقون يفعل ون ف ي ذل ك الزم ان،
كن ت أتأم ل المن زل الخ الي المغل ق النواف ذ ال ذي ك ان من ذ لحظ ة واح دة فق ط
ي ف ي لم ح البص ر أن أناس ا خي اليين ق د دخل وه وفتح وا النواف ذ
منزلن ا ،وخي ل إل ّ
وأطل وا علين ا ،وأن الب اب يف تح ،وأن أطف اﻻً آخ رين ق د خرج وا من ه ليلعب وا ف ي
الش ارع .إن منزلن ا سيص بح من زل آخ رين بع د أي ام ،وس وف يق يم ب ه بع د اﻵن أب
آخر وأم أخرى غير أبي وأمي ومعهما أطفال غيري أنا وأختي وأخي الصغير.
وتحرك ت الس يارة ف دق قلب ي دق ات س ريعة ونح ن نبتع د ،فألقي ت عل ى المن زل
نظ رة أخي رة وه و ه ادئ س اكن كأن ه ح زين لفراقن ا .واخترقن ا الش وارع وأن ا أذك ر
في كل مكان ذكري من الذكريات الذاهبة ،إلى أن وصلنا محطة القطار.
نع م محط ة القط ار ،ه ذه البناي ة الض خمة الت ي طالم ا أرعبن ي ال دخول إليه ا ،ولك ن
الرع ب ال ذي تملكن ي ف ي ه ذه الم رة ك ان م ن ن وع آخ ر .رأي ت عش رات م ن القط ر
تزف ر وتص فر وتص رخ ،فل م أت أثر به ا ،ب ل ل م أش عر له ا بوج ود ،وإنم ا كن ت أس ير
وق د أمس كت ميلل ي بي دي فاس تولى عل ى ن وع م ن اﻻس تغراب أنن ا س نفترق بع د
لحظ ات م ع آل ب اترنوس إل ى اﻷب د ،فلم اذا ﻻ أبص ر دمع ة واح دة ف ي أي مقل ة؟!
إن ه ؤﻻء الكب ار ذوو قل وب ص لدة كالحج ارة ،ﻻ ت رى م نهم أح دا يبك ي وﻻ يش كو
ي م ن ف رط ت أثري أن الله ب ق د عل ق بروح ي ،وأن ي دا وﻻ يت أثر .إن ه يخي ل إل ّ
جب ارة تعص ر نفس ي عص را .وكن ت أش عر برغب ة ش ديدة ف ي أن أن زوي ف ي رك ن
بعي د وأنص رف إل ى النحي ب س اعات تل و س اعات ،ولك ن م ا ب ال ه ؤﻻء الكب ار م ا
يزال ون كم ا ك انوا؟ فه ل حنك تهم اﻷي ام ،وجعل تهم أق در ف ي الس يطرة عل ى
مش اعرهم ،أو بت رت مش اعرهم بت را ؟ ه ذا م ا ل م أس تطع أن أفص ل في ه ف ي تل ك
اﻷيام.
ن زل اﻷخ وات ال ثﻼث م ن العرب ة ،ووقف ن يؤك دن علين ا ف ي ض رورة الكتاب ة،
وهن ا اهت ز القط ار ،ث م تح رك ،ث م س ار روي دا روي دا .فلوحن ا بأكفن ا ،وس ارت
ميلل ي إل ى جان ب الناف ذة تق ول :إي اكم أن تنس ونا ،إنن ي أنتظ ر رس ائلكم إلين ا أيه ا
الص غير .فقف زت إل ى الناف ذة وعين اي ت دمعان كم ا ل و كن ت أري د أن أرم ي بنفس ي
إل ى اﻷرض وأرج ع إل ى الماض ي ،ولك ن س رعة القط ار م ا لبث ت أن ازدادت إل ى
أن عج زت ميلل ي ع ن متابعت ه فتوقف ت وظلل ت أل وح له ا بي دي إل ى أن بارحن ا
- 117 -
novbo
روايات وكتب ook.net
ولم ا رجع ت إل ى مك اني ك ان الص مت يس ود الجمي ع وكان ت النظ رات ثابت ة ،وق د
انص رف أص حابها -وﻻ ش ك -إل ى التفكي ر ف ي الماض ي والمس تقبل مع ا ،أم ا
الحاض ر فل م يك ن ل ه وج ود .وق د أعف ى الق در شخص ا واح دا م ن ه ذا العن اء ه و
اﻷخ الص غير ال ذي ل م يك ن تج اوز س نته اﻷول ى إﻻ بقلي ل ،فق د ك ان يرف ع عيني ه
ف ي ك ل ش يء وه و يس تغرب له ذه اﻷش ياء الجدي دة الت ي يراه ا ،حت ى إذا تع ب م ن
النظر إليها عاد فألقى رأسه على صدر والدته.
وكان ت أخت ي س اهمة أيض ا ،تنظ ر بوجهه ا الش احب إل ى اﻷم ام ،ول م يع د م ع
ش حوبها مج ال لظه ور الت أثر عل ى وجهه ا ...وق د ب دا عليه ا من ذ أجري ت له ا
ي أنه ا أص بحت ب ين العملي ة الجراحي ة أن س نها تتق دم ك ل س اعة ،فك ان يخي ل إل ّ
عش ية وض حاها م ن ه ؤﻻء الكب ار ال ذين ﻻ يحفل ون بش يء .ك ان ن وع م ن الي أس
الق اتم ق د س يطر عل ى كيانه ا فأخم د ابتس امتها وأكس بها حكم ة مبهم ة م ن ع دم
المب اﻻة ،ول ذلك ل م يب د عليه ا أي انزع اج من ذ تق رر الس فر إل ى ه ذه ال بﻼد الت ي ل م
تك ن تع رف عنه ا ش يئا ،وم ن ي دري؟! فلعله ا بتل ك الحاس ة الغريب ة الت ي كان ت
تتمتع بها قد استطاعت أن تستشف ما يضمره لها الغيب...
أم ا أم ي فكان ت م راكش بالنس بة له ا أرض الميع اد ...ول ذلك ك ان م ن الس هل أن
تﻼح ظ ف ي وجهه ا نوع ا م ن الغبط ة ،ﻷنه ا كان ت عل ى ب اب تحقي ق أم ل م ن آماله ا
الكبرى في الحياة ،وهو الذي ظل يداعبها منذ حلت بهذه البﻼد.
ك ل ذل ك والقط ار يل تهم القض بان التهام ا .إن ه ذا الحي وان اﻵل ي ال ذي طالم ا
أرعبن ي ق د تمك ن أخي را ً م ن أن يأس رني ليق ذف ب ي خ ارج ح دود ه ذه ال بﻼد إل ى
اﻷبد.
أيته ا ال بﻼد الجميل ة الرائع ة! أيته ا ال بﻼد الت ي امتزج ت به ا نفس ي امتزاج ا ﻻ
انفك اك ل ه أب دا ،ل ي ف ي كثي ر م ن زواي اك ذكري ات ﻻ تبل ى مهم ا تق ادم عليه ا
العه د ،وباع دت ب ي عنه ا اﻷي ام .أيته ا المص ايف الراقص ة الض احكة! أيته ا
الحق ول الخض راء المزده رة الحافل ة ب اﻷلوان! أيته ا المدين ة الس وداء ذات
الم داخن العالي ة والش وارع الص اخبة! أيته ا الح دائق المنس قة البهيج ة -إنكلت را ي ا
مرتع صباي -الوداع!
إن ح ديثا ص امتا ي دور بين ي وب ين الحق ول الج رداء وأن ا أط ل عليه ا م ن ناف ذة
القطار.
إنكلت را ،أيته ا ال بﻼد الجميل ة ،إنن ي أح س بمش اعري ق د انفتح ت كله ا لتس توعب
أكبر ما يمكن استيعابه وأنا أنقل نظراتي في كل مكان.
وخلفي العائلة الصامتة؛ فﻼ أسمع إﻻّ أخي الصغير وهو يعبث أو يصرخ.
ول م أك ن أمل ك -وﻻ أزال -م ا يمك ن أن أعب ر ب ه ع ن ه ذا الوف اء س وى الح ديث،
ولذلك فقد أمعنت فيه إمعانًا.
ي أن
ال وداع أيه ا الماض ي ال ذي انقض ى من ذ لحظ ات ،وم ع ذل ك ب ات يخي ل إل ّ
س نين طويل ة أص بحت تفص ل بين ي وبين ه لكث رة م ا ض ج ب ه قلب ي من ذ انقض ائه م ن
خلجات.
20
لس ت أس تطيع أن أزع م لنفس ي التفكي ر المص يب ف ي تل ك الس ن المبك رة ،ولك ن
عقل ي أنك ر ش يئا ﻻ أدري م ا ه و ف ي ه ذه ال بﻼد .ولس ت أس تطيع أن أزع م لقلب ي
اﻹحس اس المص يب أيض ا ف ي تل ك الس ن ،ولكنن ي أحبب ت ش يئا ﻻ أدري م ا ه و ف ي
ب ﻼدي م راكش .لق د كن ت أص غر م ن أن أص اب ب داء التعص ب ،وإنم ا كن ت كائن ا
حي ا بس يط التفكي ر ،ولكن ه س ليم الش عور س اذج اﻹحس اس .كن ت عل ى اس تعداد ﻷن
أقول إنه حق ولو كان صادرا عن عدو من أعدائها.
إن اﻷطف ال يلعب ون ب نفس الح ذق ال ذي عهدت ه ف ي أطف ال اﻹنكلي ز .إنه م يض حكون
ويبك ون ل نفس اﻷس باب الت ي يض حك له ا ويبك ي أولئ ك اﻷطف ال .وج وههم
ناض رة ،وأجس امهم مكتمل ة ،وإدراكه م واع .وإذا ك ان ل ي أن أت دخل بعقل ي بع د
نم وه فﻸق ل إن اﻹيم ان ب النفس ه و ال ذي ل م أج د ل ه أث را ب ين أص دقائي الج دد م ن
اﻷطفال المراكشيين.
ك ان الطف ل اﻹنكلي زي كائن ا ت ام التك وين م ن الناحي ة المادي ة والمعنوي ة مع ا ،وك ان
الطف ل المراكش ي تام ا م ن الناحي ة المادي ة فحس ب ،أم ا الناحي ة المعنوي ة فكان ت
خرب ة منه ارة عفن ة .إن ه ﻻ يمي ز ب ين الخط أ والص واب إﻻّ عل ى ض وء م ا يس معه
م ن الكب ار .وأس تطيع أن أزع م اﻵن أن لقدم ه الحافي ة ورأس ه الحلي ق وثياب ه
الفضفاضة دخﻼً في الموضوع.
إن الطف ل اﻹنكلي زي يط أ برجل ه اﻷرض فيس مع وق ع حدي د الح ذاء عل ى الطري ق
الص لبة ف إذا برأس ه يرتف ع عالي ا ،أم ا الطف ل المراكش ي فيط أ أرض ا رخ وة بق دم
حافي ة ف ﻼ يس مع ص دى لخطوات ه كأن ه يس ير ف ي الرم ال فيظ ل رأس ه مطأط أ.
وك أن الطف ل اﻹنكلي زي عل ى اس تعداد دائ م لمواجه ة التح دي بينم ا ك أن الطف ل
المراكشي يميل إلى المراوغة وتحيﱡن الفرص.
ول ن أنس ى ي وم تجم ع اﻷطف ال ح ولي وه م يتوس لون إل ى أن أكش ف ع ن رأس ي-
وك انوا يفعل ون ذل ك بتواض ع واض ح مخاف ة م ن اس تفزاز ف ن المﻼكم ة -وكان ت
- 123 -
novbo
روايات وكتب ook.net
لغت ي م ا ت زال ركيك ة ،ول ذلك آث رت أن أنه ي المحادث ة برف ع الطرب وش -فق د ب دأت
أرت دي الحل ة الفضفاض ة -ف إذا بالدهش ة ترتس م عل ى الوج وه ،وإذا باﻷطف ال
يتب ادلون النظ رات وينص رفون الواح د تل و اﻵخ ر .إن عل ى رأس ي ش عرا ،وق د
أوح ي إل يهم ه ذا الش عر أنن ي م ن الك افرين ،وس معتهم يقول ون بع د ذل ك ان ه ذا
الش عر س وف يتح ول إل ى قط ع م ن الحدي د حينم ا أم وت ،وإن ﷲ س وف يع اقبني
بحمل تلك اﻷثقال إلى اﻷبد.
والبي وت أيض ا فضفاض ة مث ل الثي اب ،فق د ض قت ذرع ا به ذا المي دان الشاس ع ال ذي
نس كنه كأنن ا ف ي الع راء .ألف ت الزخ ارف واﻷعم دة وب دأ يس تيقظ ف ي نفس ي حن ين
غريب إلى منزل ...فهذا الذي نقيم فيه ليس منزﻻً وإنما هو ميدان عام.
مي دان ع ام يق يم ب ه خل ق كثي ر م ن الش يوخ والكه ول والش بان واﻷطف ال ،كأنن ا ف ي
رحل ة ﻻ نهاي ة له ا .لق د كن ت أفه م المن ازل عل ى أنه ا أعش اش هادئ ة ت وقظ به دوئها
الفض يلة والش اعرية ف ي النف وس ،وترض ي نزع ة اﻻس تكانة بع د التع ب .أم ا ه ذا
البي ت ال ذي أس كنه اﻵن فه و مي دان ع ام ،أو بعب ارة أص ح ،إن ه أش به بثكن ة
عسكرية ﻻ راحة فيه.
إنن ا نتت الى ح ول مائ دة اﻹفط ار إل ى س اعة الغ داء ،ونتت الى ح ول مائ دة الغ داء إل ى
س اعة العش اء ،وتتع الى ح ول مائ دة العش اء إل ى وق ت مت أخر م ن اللي ل .وﻻ توج د
غرف ة خاص ة بأح د ،الك ل مل ك للك ل ،ك ل غرف ة بحس ب الظ روف قابل ة ﻷن تك ون
للن وم والطع ام والس هر واللع ب .إن المك ان مش اع م ن جل س ف ي موض ع فه و ل ه،
ومن قام فقد أضاع ما ملك من قبل.
أم ا أخت ي فم ا ك ادت تح ل به ذه ال بﻼد حت ى انتب ذت زاوي ة م ن زواي ا المن زل ،ول م
تس تطع أن تنس جم م ع الحي اة الجدي دة ،ل ذلك ظل ت تتب ع الحرك ات والس كنات
بعين ين منطفئت ين ف ي وج ه ش احب .وكان ت نظراته ا العليل ة تطف ح بض جر مم زوج
بالس خرية ،وم ع ذل ك ظل ت معتص مة بع دم المب اﻻة ...وك ان وجهه ا ي زداد ش حوبا
م ع م رور ال زمن ،وكان ت العل ة ماض ية ف ي ارتش اف البش ر م ن وجهه ا الباه ت
الحزين.
وف تح اﻷخ الص غير عين ه ،وب دأ يخط و خطوات ه اﻷول ى ،ولكن ه ف تح عين ه عل ى
م راكش وح دها ،وخط ا خطوات ه اﻷول ى عل ى أرض ها ،فك ان مثل ه كمثل ي حينم ا
فتحت عيني وخطوت خطواتي اﻷولى في غير اﻷرض التي ولدت فيها.
وم ا لبث ت اﻷم ور أن اس تقامت وان دمجنا جميع ا -طوع ا أو كره ا -ف ي ه ذه
الحي اة الجدي دة الت ي ل م يك ن لن ا ب د م ن اﻻن دماج فيه ا .وب ات م ن المح تم التفكي ر ف ي
ه ذا الطف ل ال ذي اقت رب م ن س ن العاش رة وه و ﻻ ي زال ل م ي تعلم الق راءة والكتاب ة
في هذه البﻼد.
وحاول ت أن أق اوم ولك ن اﻷم ر ك ان ج ّدا ك ل الج د ،وب دأ أقرب ائي كله م يحبب ون إل ّ
ي
المدرس ة فك ان نف وري منه ا ي زداد ،ﻷنن ي كن ت أس مع أحادي ث اﻷطف ال عنه ا،
فك ان ص وابي يطي ر له ذه العقوب ات الت ي كان ت تن زل به م فيه ا وخصوص ا حينم ا
س معت طف ﻼً يق ول إن )الفقي ه( ال ذي يعلم ه يخف ي تح ت الخش بة الص غيرة الت ي
يجل س عليه ا مسدس ا مخيف ا ،وم ن المتوق ع ف ي ك ل وق ت إذا م ا اس تبد ب ه الغض ب
أن يشهره في وجه تلميذ مشاكس ويطلق عليه النار....
وق د طالم ا وقف ت أم ام الكتاتي ب وأن ا أس تمع إل ى ه ذا الض جيج ال ذي يحدث ه فيه ا
التﻼمي ذ ،وأت وجس خيف ة م ن أن ي زج ب ي ف ي إح داها ويطل ب من ي المش اركة ف ي
ي أن يتك رر ح ادث ذه ابي إل ى المدرس ة ﻷول م رة وب ذلك ب ات م ن المف روض عل ّ
م ن جدي د .فحينم ا اس تيقظت ف ي الص باح وج دتني أس ير ف ي الطري ق م ع وال دي
ي نف س ﻷلتح ق بالمدرس ة ،وأب دأ ال تعلم م ن أول مرحل ة للم رة الثاني ة ،فاس تولى عل ّ
الش عور الق ديم حينم ا التحق ت بالمدرس ة ف ي إنكلت را .ولكنن ي م ا لبث ت من ذ الي وم
اﻷول أن أدركت الفارق الكبير بين المدرستين.
21
وج دت نفس ي ف ي المدرس ة الجدي دة أتلق ى دروس ي باللغ ة العربي ة واللغ ة الفرنس ية،
ول م يك ن يخط ر ل ي عل ى ب ال أن ه توج د مدرس ة يمك ن أن تش بع ف ي نفس ي البهج ة
مثل مدرستي هذه.
كن ت أخش ى المدرس ة ،ف إذا ب ي أج دها ﻻ تفت رق كثي را ع ن الس ينما .وك ان آخ ر م ا
يمك ن أن يخط ر بب الي أن تبع ث ال دروس التﻼمي ذ عل ى اﻻسترس ال ف ي الض حك،
وربما على التصفيق.
ك ان م درس الفرنس ية م ن اﻹخ وان الجزائ ريين ،وك ان لن ا مدرس ان عربي ان،
أح دهما يلق ي علين ا ه ذه الم ادة الت ي ت دعى )العل م( وثانيهم ا ي دربنا عل ى حف ظ
كت اب ﷲ الك ريم .ك ان الثﻼث ة يثي رون فين ا الض حك جميع ا ،ولك ن اخ تﻼف
شخص ياتهم ك ان يجع ل لك ل واح د م نهم طابع ا خاص ا ف ي إث ارة الض حك والم رح
بين التﻼميذ.
يحل و ل ه دائم ا أن يرم ي بجناحي ه مع ا إل ى ال وراء ،ويعق د عليهم ا يدي ه النحيلت ين
المش عرتين ،وك ان ش عر ذقن ه الحلي ق كثيف ا يتط اول فيك اد يص ل إل ى عين ه،
وينح در إل ى مس افة بعي دة م ع عنق ه .ش ديد س واد ش عر الح اجبين ،ول ه عين ان
حادت ان قلقت ان ،وأن ف أفط س .وك ان ص وته قوي ا ح ادا ،وب ذلك ك ان مج رد النظ ر
إلي ه -وه و ي ذرع الفص ل -يغرين ي ب أن أسترس ل ف ي الض حك دون أن أع رف
لماذا ،ولهذا كنت أحرص حرصا شديدا على أﻻ أنظر إليه.
ك ان ي دخل الفص ل ف ي الص باح ويق ف عن د باب ه وه و يم ر بعيني ه الض يقتين ب ين
الكراس ي يحص ي م ن تخل ف م ن التﻼمي ذ ،ث م يتم تم ببض ع كلم ات ب ين أس نانه ف ي
ش به حن ق ،ث م يتج ه إل ى المنص ة الت ي ك ان يجل س عليه ا ،حت ى إذا م ا اس تقر ف ي
مكان ه ض رب إح دى كفي ه ب اﻷخرى وش رع يلق ي ه ذه الح روف الفرنس ية المع دودة
بش فتين ممط وطتين وص وت ح اد .وك ان وجه ه يعب ر تعبي را غريب ا عم ا يثي ره
الصياح بهذه الحروف من معان في نفسه.
ويرتفع صوته بالصياح مرة أخرى :نعم كنت تأكل الكفتة والفلوس!
حت ى إذا م ا انته ى ه ذا الهم س والص ياح والتمثي ل ض رب التلمي ذ ض ربا مبرح ا
وأرس له إل ى مجلس ه ف ي الفص ل ،ث م يع ود ويعتل ي منص ته ،ويض رب ي ده ف وق
ص دره المن تفخ ،وينظ ر إل ى التﻼمي ذ يمين ا وش ماﻻً بعين ين ج احظتين كأن ه يقل د
نابليون بونابارت.
ويوقف ه أم ام التﻼمي ذ وه و يص يح :ه ا أن ت ذا! ث م يهم س مبتس ما :لم اذا كن ت
منص رفا ع ن ال درس؟ وم اذا كن ت تص نع؟ لق د عرف ت اﻵن م اذا كن ت تص نع.
أص ابك العط ش فانص رفت ع ن ال درس إل ى ش رب الحب ر م ن ال دواة ،أو تش رب
الحبر أيها القذر؟
ويض ج التﻼمي ذ بالض حك ،بينم ا ينص رف م درس اللغ ة الفرنس ية إل ى تلمي ذه
الغافل.
ك ان ه ذا الم درس يس تأثر بمعظ م ال دروس ف ي الص باح وبع د الظه ر .أم ا
المدرس ان اﻵخ ران فكان ت تخص ص لهم ا أوق ات قص يرة ك ل ي وم ﻻ تتع دى
الساعة.
وأولهم ا م درس م ادة العل م .وه ي م ادة كثي رة اﻷلغ از متش عبة ،اص طلح التﻼمي ذ
دون اتف اق عل ى أنه ا مس تحيلة الفه م .ول ذلك يئس وا منه ا وانص رفوا عنه ا إل ى
العب ث العلن ي أم ام مدرس ها دون أن يحفل وا بض ربه وص ياحه ،انص رفوا عن ه
متح ّدِين ل ه ،غي ر ح افلين بم ا ي نجم ع ن ه ذا اﻻنص راف ﻷن ه ل م تك ن له م عن ه
حيل ة .ك ان رج ﻼً ب دينا قص ير القام ة يرت دي ثياب ا فضفاض ة ،وق د اس تقرت عل ى
رأس ه عمام ة واس عة اﻷرج اء ،وحف ت بوجه ه لحي ة كبي رة به ا بض ع ش عرات
بيض اء .أم ا ذقن ه فك ان دائ م البل ل لكث رة ص ياحه ....ك ان يض رب براحت ه عل ى
المنض دة وه و ي رطن بألغ ازه ،ويض رب به ا عل ى وج وه التﻼمي ذ وه م ﻻه ون بق وة
شديدة.
ويعيي ه الص ياح والض رب ،وتعيي ه الحيل ة ﻷج ل أن ينب ه التﻼمي ذ -دون ج دوى -
إل ى أن ه موج ود ف ي الفص ل ،فيتهال ك عل ى وجه ه ف وق المنض دة حت ى يخي ل إلي ك
أن ه يبك ي ،فيقب ل علي ه التﻼمي ذ يربت ون عل ى كتف ه ويواس ونه ،فيطي ر ص وابه
ويق ذف بالعمام ة ف ي اله واء ويرف ع يدي ه ويس تبد ب ه الص ياح اس تبدادا مخيف ا
فينطلق إلى الباب لينادي مدير المدرسة نداءات متوالية مدوية.
وبينم ا ك ان م درس "العل م" يرس ل ه ذه الص يحات ف ي وج ه الم دير البش وش ،ك ان
هذا ينظر إليه في هدوء عجيب .وأخيرا يسأله:
فيجي ب ث ائرا ً :نع م أن ا اﻻس تاذ ،ولك ن الحيل ة أعيتن ي م ع ه ؤﻻء الم ردة ،أقب ل ،أقب ل
وأنقذني منهم!
فيق ول الم دير :ه ل أنادي ك ف ي دروس ي لتنق ذني م نهم؟ ه ل أس تغيث ب ك؟ أن ت
المدرس فدبر شؤون دروسك بنفسك ،كما أدبر أنا شؤون دروسي بنفسي.
ووي ل لل ذين يهرب ون دون أن يق دموا للمدرس ة طلب ا ممه ورا بتوقي ع وﻻة أم ورهم.
وﻻ ي أتيهم ه ذا الوي ل م ن قب ل المدرس ة أو م ديرها ،وإنم ا ي أتيهم م ن قب ل ص احبنا
ه ذا الق وي العني ف .فق د ك ان يعل م أن مس تقبل ه ذه الحج رة الت ي خصص ت ل ه
ره ين باﻹقب ال عليه ا ،ف إذا تس امح ف ي تتب ع اله اربين ،فس وف ي أتي الي وم ال ذي
تق رر في ه المدرس ة اﻻس تغناء عنه ا ،ول ذلك فق د ج رد عزيمت ه تجري دا مخيف ا ،وب دأ
يترص د التﻼمي ذ ،ويت ربص به م ،ويعت رض ط ريقهم .وق د انص رف إل ى دراس ة
ح يلهم ف ي اله رب انص رافا دقيق ا ،حت ى أتقنه ا جميع ا ،وب ات ف ي اس تطاعته أن
يحبطها جميعا.
وأن ا م دين له ذا الرج ل ،ﻷن ه أول م ن علمن ي الق راءة والكتاب ة ف ي ص ورتها
البس يطة الس اذجة .وأذك ر أنن ي كن ت أخش اه ب الرغم م ن أن ه ل م يمس ني من ه س وء.
فق د نش أ بين ي وبين ه ن وع م ن اﻻحت رام عرف ت فيم ا بع د أن ه ك ان نتيج ة لمقابل ة تم ت
بينه وبين والدي دون أن أعلم عنها شيئا.
كان ت حجرت ه تض م مزيج ا عجيب ا م ن التﻼمي ذ ،فم نهم الص غير ال ذي ي تعلم الق راءة
والكتاب ة ف ي المرحل ة اﻷول ى ،وم نهم المتوس طون ال ذين ب دأوا يقطع ون أش واطا ﻻ
ب أس به ا ف ي حف ظ الس ور واﻵي ات ،وم نهم الكب ار ال ذين أتقن وا حف ظ كت اب ﷲ
الك ريم لكث رة م ا م روا ب ه ط ردا وعكس ا .فل م تك ن ه ذه الحج رة مخصص ة لس نة
دون أخرى ،بل كانت مخصصة لتﻼميذ الفصول كلها.
22
انس ابت بن ا الحي اة بع د ذل ك انس يابا ناعم ا هادئ ا ،عل ى النح و ال ذي م ا ت زال تنس اب
ب ه إل ى الي وم ،م ع خ ﻼف بس يط ﻻ عﻼق ة ل ه ب الجوهر ،ف ﻼ داع ي لتتب ع التفاص يل.
بي د أن شخص ا واح دا ل م يك ن ينس اب م ع ه ذه الحي اة الناعم ة الهادئ ة ،وه ذا
الش خص ه و أخت ي الت ي تش بثت به ا العل ة وازدادت وطأته ا ش دة ،وأص بحت تفق د
وعيه ا م ن وق ت ﻵخ ر ،واش تد هزاله ا وه ي طريح ة الف راش .ل م أر ف ي ه ذا ش يئا
غي ر ع ادي ،ﻷن الحي اة الجدي دة الت ي انس جمت فيه ا أس رتني ،انص رفت إل ى
اﻻس تمتاع به ا ،وإذا كن ت آس ف ب ين الفين ة واﻷخ رى ﻷن أخت ي ل م تش اركني ف ي
ه ذا ف إن إيم اني بأنه ا س وف تس تمتع به ا ف ي ي وم م ن اﻷي ام ك ان يخف ف م ن ح دة
اﻷسف ،بالرغم من أنها ظلت تعيش غريبة في وسطها الجديد.
ال ذاويتين ،ث م همس ت بألف اظ عليل ة هزيل ة واهي ة ف ي ل وم مم زوج بدعاب ة ميت ة :ي ا
ل ك م ن أخ ع اق! أﻻ تق دم ﻷخت ك بعض ا م ن ه ذه اللع ب الكثي رة الت ي تحمله ا،
احتفظ لي بواحدة ألعب بها بعد الشفاء.
قل ت مغتبط ا :تعلم ت الي وم ألعاب ا جدي دة رائع ة ،وس وف أعلم ك غ دا إياه ا ف ي
الص باح ،أوه ك م ه ي رائع ة ه ذه اﻷلع اب الجدي دة! وع ادت تب ذل مجه ودا جدي دا
لتب ادلني اغتب اطي وه ي تق ول :ﻻ ،ل يس اﻵن ،ف ي وق ت آخ ر ،إن الس اعة تت أخر،
بي د أن ه يج ب أن تت ذكر ،ﻻ ت نس أن تح تفظ ل ي بإح داها ،اح تفظ ل ي به ا جدي دة إل ى
أن ألع ب به ا .واﻵن دعن ي أن ام ،ي ا ل ك م ن أخ مش اكس! دعن ي أن ام إل ى الص باح،
سنلعب في الصباح.
فم ا راعن ي ذات ي وم إﻻ أن أب ي ن اداني ق ائﻼً :إن ه س وف يرس لني إل ى من زل الج دة
ﻷق يم ب ه أس بوعا أو أس بوعين .ي ا للبهج ة! أس بوعا أو أس بوعين! إذن فس وف
أس توعب ك ل اللع ب دون رقي ب وﻻ عتي د ،إل ى أن أعج ز ع ن الحرك ة .ول م أكل ف
نفس ي مش قة التفكي ر ف ي الس ر ال ذي يكم ن خل ف إرس الي ه ذه الم دة الطويل ة إل ى
من زل ج دتي ،وه و ال ذي ك ان أب ي يم انع م ن أن أقض ي في ه ليل ة واح دة بعي دا عن ه،
ذلك أن اﻻبتهاج طفا على السر الرهيب.
وم رت اﻷي ام وأن ا غاف ل ع ن الح روف القاس ية الت ي كان ت ت نقش ف ي الل وح
المحف وظ .كن ت أله و وأض حك وألع ب بينم ا كان ت اﻷق دار تج د وتع بس وتت ربص.
وفج أة وض عت ي دي عل ى مفت اح الس ر الرهي ب ف ي الوق ت المناس ب ،فق د س معت
كلم ة واح دة علق ت ب ذهني وأن ا ألع ب ،وم ا زل ت أتأمله ا حت ى فهمته ا .كلم ة كان ت
قص يرة ع ابرة أفهمتن ي لم اذا أرس لت بص فة ش اذة إل ى من زل ج دتي .وم ا لب ث
إيم اني أن ق وي بم ا فهمت ه ،فق د كان ت ك ل الظ روف الت ي تح يط ب ي بمثاب ة أف واه
تص رح بالس ر المخي ف دون أن أس مع ش يئا .ولك ن ه ذه الكلم ة الع ابرة ،ه ذه الكلم ة
ي أن أس يروك اد ص وابي يطي ر وأن ا أح اول أن أقن ع نفس ي بأن ه م ن المف روض عل ّ
بقي ة الطري ق وح دي ،فب دت ل ي الطري ق موحش ة غريب ة ك أن ل م يك ن ل ي به ا عه د
من قبل .صارت مملة مخيفة ﻻ تثير أي اهتمام.
لق د تغي ر ك ل ش يء بع د وف اة أخت ي ،ل ذلك كان ت وفاته ا فاص ﻼً ب ين عه دين .وإذا
كان ت ه ي ق د انته ت ي وم توفي ت فق د انتهي ت أن ا أيض ا ف ي ذل ك الي وم .إن ذل ك
الطف ل ال ذي ألق ى بنفس ه ف وق ص در أخت ه المي ت ل م يق م أب دا .إن ه م ا ي زال منكب ا
علي ه إل ى الي وم يع انق أخت ه ويناديه ا .أم ا ه ذا ال ذي ق ام فطف ل آخ ر ﻻ يم ت إلي ه
بأي صلة.
إن الح وادث الفاص لة ه ي الت ي تنه ي فت رات حياتن ا ﻻ الس نون ،وإذا كن ت م ا أزال
طف ﻼً ف ي ذل ك الح ين ،ف إنني أنظ ر إل ى الفت رة الت ي تس بق ه ذا الح ادث الم روع
على أنها فترة مستقلة تمام اﻻستقﻼل عما بعدها.
أم ا الفت رة الثاني ة فه ي الت ي س رت فيه ا وحي دا أتعث ر ﻷس تأنف الس ير ف ي طري ق
ي أن العين ين ال دعجاوين الحي اة وح دي .وإنن ي أكت ب ه ذه الس طور فيخي ل إل ّ
الب ريئتين تط ﻼن م ن خل ف ك ل كلم ة ،وهم ا تش عان ب ذلك البري ق الغري ب المت ألق.
إن عينيه ا تس كنان ف ي ض ميري ،أج د فيهم ا العب وس حينم ا أهف و ،واﻻغتب اط
حينم ا أص يب ،وم ا زل ت أس تلهم منهم ا الهداي ة ف ي طري ق الحي اة المحفوف ة
بم واطن الزل ل والض ﻼل .ك ان ك ل ش يء ف ي طف ولتي ممتزج ا به ا ول ذلك فق د
انته ت مرحل ة م ن طف ولتي بموته ا ،ول م أع د أش عر برب اط بين ي وب ين ذل ك
ي ف ي ذل كالماض ي ال ذاهب ال ذي كان ت أس طع كوك ب ف ي س مائه .وك ان يخي ل إل ّ
الح ين م ن ف رط ه ول الص دمة أنن ي ل ن أفي ق ،ولك ن ي د ال زمن ربت ت عل ى كتف ي
لك ي أنه ض وألح ق بقافل ة الحي اة ،ك ان ص وابي يطي ر كلم ا رن وت إل ى )المك ان(
فأج ده فارغ ا منه ا ،وه الني أن أنك ر ك ل م ا ح ولي ،ب الرغم م ن أنن ي أنكرت ه ،ك ان
يق يم بمكان ه ف ي قس وة كم ا ل و ل م يح دث ش يء .وإذا كن ت ق د ابتع دت ف ي طري ق
الحي اة ع ن مك ان الحادث ة القاس ية ،وإذا ك ان ال زمن ق د مس ح بي ده الرقيق ة الكل وم
وال دموع والحس رات ،ف إن تل ك الي د الق ديرة ل ن تس تطيع أن تمح و ش يئا واح دا ،ه و
- 143 -
novbo
روايات وكتب ook.net
تمت