Professional Documents
Culture Documents
نوفيال
إبرة وخيط
2
بقلم
آية أحمد
3
جروب
شخابيط وردية
إبداع الحرف وعشق ألابجدية
للدخول للجروب على الفيس بوك
https://www.facebook.com/groups/shakhabeit.wardia/
4
تدقيق لغوى
فاطمة سعدالدين
غالف خارجى
آية أحمد
قالب وتنسيق داخلى
إيمان أحمد
فريق عمل "شخابيط وردية"
5
الطرف ألاول
6
نهضت من مكانها ترتب الغرفة ،و تضع كل
ش يء بمكانه ..
غادرت باب غرفتها ،صارخة :
-الشاي بلبن يا ماما ..
عيناها كانتا تقاومان النعاس و هي تبحث عن
ساعة الحائط ..يسقط فكها كالعادة الساعة
َ
لم تتخط الثامنة ..
تنتابها نوبة غضب عارمة فوالدتها خدعتها
ً
للمرة ..حسنا اللحظة تحمل شعار "مابعدش
يا چيمي " !
استندت لألريكة تحاول الحفاظ على توازنها ،
فهي في طريقها لسقوط محتمل على ألاريكة و
الدخول في غيبوبة كما تطلق عليها والدتها
الاسم .
7
اقتربت منها والدتها تصيح بنفاذ صبر :
-طبعا مش قادرة تقفي على رجلك من سهر
طول الليل على التليفون الزفت !
تحرك كتفيها في عدم اكتراث يليق بها :
-أيوة يا ماما ،هو يا النوم يا التليفون .
والدتها تفتعل دراما رخيصة من التسعينات ،
الدموع تترقرق في عينيها :
-بتتريقي على والدتك يا مرام ؟ دي آخرة تربيتي
فيك ،تتريقي على كالمي !
ِ
"مرام " سقطت في حالة صادمة و شلل مفاجئ
في لسانها ،ووالدتها بدون مقدمات كتبت تحت
اسمها بالـ "بنط " العريض "ابنة ضالة " ..
تقترب من والدتها تنحني تقبل يديها بحنان :
عليك يا ست الكل !-ماحدش يقدر يتريق ِ
8
تهللت أسارير والدتها فألقت في وجهها
مفاجأة غير متوقعة :
بخصوصك،
ِ أبوك و اتكلم معاه
-عزت قابل ِ
وأبوك وافق يجي النهاردة هو و عيلته .
ِ
-نعم!
حيث املوقف ال يحمل أي تعبير آخر غير "نعم"
،هي أقرب ما يمكنها نطقه بعد املوقف الذي
وضعها فيه والدها ،كيف يفعل بها ذلك ؟
"عزت "من جديد يظهر على الساحة و يعكر
صفو حياتها ،بعد رفضه املرتين السابقين لم
تتوقع أن يجدد طلبه بالزواج منها ..
"عزت " ال يمل ً
أبدا ،
و هي قررت الانتقام منه !!
بدون كلمة زائدة اتجهت للحمام و ثم لغرفة..
تخرج بنشاط مرتدية مالبس العمل ،
9
و ما كادت تتجه لباب حتى أوقفها صوت
والدتها من الخلف .
اندفعت تحتضنها ،تطبع قبلتين سريعتين على
وجنتيها تهتف :
-مش هاتأخر ،هاروح الشغل و هاجي قبل
الساعة سبعة .
لم تترك لوالدتها فرصة فهم ش يء مما يحدث
سريعا مغادرة قبل أيً وهي تندفع خارج البيت
حديث آخر
****
ترفع معصمها فتجد الساعة تخطت العاشرة
مساء ،تبتسم بظفر كأنها حصلت على ورقة ً
اليناصيب.
تتدفق أنغام لحن قديم من محل قريب ...تبدأ
بدندنة خافته بالالمباالة
10
كل تفكيرها يأخذها في كيفية إرضاء والدتها و
والدها بطريقة مناسبة ال تضعها موضع شك.
تتصور الدراما التليفزيونية التي ستحدث بينما
هي بدمعتين و عبوس وجهها وتخبرهم بحزن :
"املدير قالي مفيش خروج بدري "
"كان ها يتخصم مني أسبوع يا ماما ،أسبوع
تخيلي "
"إال مستقبلي يا بابا ،إال مستقبلي "
أما عريس الغفلة ألافضل له أن يحترق في
ّ
السفلي أو يختفي... الجحيم
تتقاطع أفكارها بنظرة قلقة للخلف ،شعور
خصوصا بوجود تلك ً بعدم ألامان يغلف روحها
السيارة السوداء وراءها.
11
وقفت مكانها بشجاعة حيث حقيبة يدها
تحتوي على أسلحة للمتحرشين أمثاله واللعنة
على املجتمع الذكوري املتعفن..
تعود أدراجها لسيارة ضاربة على زجاج ،
ولسانها يلعنه بسخط :
ً
-أنت يا حيوان ،أفتح الباب حاال
صراخ صوتها يرتفع كأنها أمسكت مجرم هارب
من العدالة :
-مفكر نفسك مين؟ ها مين أنت عشان تمش ي
ورايا؟ وهللا هاخليك عر..
تشهق بصدمة بينما تتراجع بنزول صاحب
السيارة ،تلك املالمح ليست غريبة عليها باملرة ،
تتجاوز كل هذا دفعة واحدة ،مرددة بغيظ :
َ
-أنت !!!
12
يبتسم لها بهدوء :
-مرام !
حروفه تحمل لهفته ،وشوقه ،تأثيرها امللفت
للعين لكنها تتغاض ى عنه و عن مشاعره :
-هو الحلو ضيع الطريق وال باين عليه
مابيفهمش؟
يحرك كتفه بعدم اكتراث ،يهتف :
ال بصراحة والدك قالي أجيبك بدل التأخير ده
تهديه ابتسامة مريبة ،عيناها تناوشه ببراءة
غريبة مع تعابير وجهها الجامد :
-يعني بابا قال اقتراح ،أنت حبيت تعرض
خدماتك اللطيفة َّ
علي ،أمممم
تنظر حولها كتمشيط ضابط شرطة مكان
مكافحة املخدرات ،النساء حين التفكير يدعون
ً
لالختباء بعيدا عن محيطهم.
13
تراقب سيارته بنظرة مرعبة جعلته يرغب
باحتوائها ،و أخبرها أنها مجرد مختلة عقلية لن
تفعل ش يء مخيف .
حيث لو فعلت ش يء "حسام " سيقطعه و
يلملم جسده الرياض ي الجميل في أكياس
سوداء ويرميه للكالب الضالة !
بدون مقدمات أو جرس إنذار كانت تهبط على
باب السيارة بضربات متتالية بقدمها بال
حساب ،و كعب حذائها يساعدها على إحداث
ضرر كبير.
تراجعت للخلف بحرج مفتعل تعيد خصالتها
خلف أذنها بوداعة :
-سوري مش بركب عربية بابها بايظ
ما إن ألقت بجملتها بوجهه حتى بدأت بالسير
ً
بعيدا عنه..
14
مصدوما للحظات قبل تدفقً وقف مكانه
ضحكاته بصخب على فعلتها الرعناء ،و عيناه
ال تصدق ما فعلته لتذم شفتيها بضيق حيث
رده غير متوقعة باملرة.
"الرجال عند ملس سيارتهم " يصيبهم جنون
مطلق كأنه تم املساس بكرامتهم ،و هي رغبت
بحرق قلبه ألاحمق لكن معه تجد استثناء .
ً
دقيقة ..اثنتين ..ثالث عاد بظهر مستندا على
السيارة يراقبها مغادرة ..يختل قلبه ،روحه،
كيانه كله.
"مرام " امرأة طاغية ،مبهرة ،ملفتة أشبه
بخيط سعادة يرغب بحياكته بحنكة خياط
على فجوات ألالم و الحزن داخله فيختفي
معها كل ش يء و تبقى هي فقط !
15
ً
ساخرا: يجد نفسه يردد
"العمر لحظة بس الحلوفة مش مالحظة ،أنت
املعين يارب "
قاطعة رنين الهاتف باسم "حسام" :
-هو يوم مش فايت ،أنا عارف !
يفتح املكاملة متوجس ..يصله صوت صديقه :
َ
-أنت فين؟ أنا محتاج العربية عندي مشوار
مهم.
ً
يلقي نظرة آسفة ناحية السيارة متخيال
"حسام " ينتظره بحبل املشنقة على باب
شقته :
-بصراحة ..بصراحة..
-أنت لسة هاتفكر بقولك عايزها عندي
مشوار!
16
حان وقت قلب الطاولة على "حسام "..
فهتف بنبرة سمجة:
-حسام أنت أخدت مني 011جنية ولسا
مارجعتهاش .
ليسأله "حسام " بتوجس:
-أنت عملت إيه بوظت العربية؟
استهجن بنبرة حزينة مفتعلة :
-صح بس هانكر .
مصدوما وهو يجده أغلق ً حدق بشاشة هاتفه
الخط في وجه ..يرفع رأسه لسماء مردد بمزاح :
-يعني منعدم ألامل ،وفاقد الشغف ،وكمان
هاموت قبل ما أتجوز!
****
17
الطرف الثاني
19
تشير اتجاه والدها متعلقة برقبته بحب :
-يعني عاوزاني أنزل الشغل وأنت زعالن مني؟
تطبع قبلة سريعة على جبهته كاعتذار غير
منطوق :
ُ
-فؤاد باشا أرجوك اعف عن بنتك حبيبتك
بعدين أنت عارف الكائن اللزج ده مش ممكن
أتجوزه أبداً
تهتف والدتها بتذمر :
-بنت عيب !
تبتعد عن والدها بطريقة مسرحية ،هاتفة
بصوت خافت :
-جطعة طبطبة لو تكرمتم؟ جطعة حنان
والدين و حب أبوي بريء لو تكرمتم؟
أنا بنتكم مش بنت الجيران !!!
20
تتعالى ضحكات الجميع على مظهرها املخيب
لآلمال ..فتهجم عليهم بقبالت متفرقة على
وجنتهم مرددة :
-الحمدهلل أنا ربنا نصرني .
يهتف أخيها ماز ًحا:
-كنا عاوزين نفرح يا أختي ،عاوزين نفرح
وحشتنا الفرحة !
تسدد له لكمة قوية على رأسه مانحة له
تحذيرات خفية أن يفتح فمه الصغير هذا مرة
أخرى ،و ستلقيه بعدها من الشباك..
ابتعدت تجمع أوراق عملها و حقيبة يدها
متوجهة ناحية الباب
منطلقة للخارج
لتوقفها يد والدها الذي جذبها ألحضانه
21
مربتا على خصالتها بحنان : ً
إنك اعتذر ِت إني نسيت يا مرام، -مش معني ِ
أنت بنتي بس ماينفعش تحرجيني قدام الراجل ِ
حتى لو مش موافقة!
رفعت وجهها لوالدها تشعر بمدى ذنبها مرددة
بحرج :
ً
-ماعرفتش أتصرف صح ،أنا فعال طايشة بس
مابحبش حد يحطني قدام ألامر الواقع..
يحرك والدها رأسه بإيجاب ،يهتف بتفكير :
أنت
-مش هانتكلم مش موضوع عزت ما دام ِ
مش موافقة ،ألاهم عندي تكوني واثقة في
قرارك..
تردد بغمغمة خافتة :
-ربنا يخليك يا بابا..
****
22
وصلت ملحل عملها بعد نص ساعة ،يعد من
حسن حظها قرب الشركة من البيت ،تهادت
بمشيتها في تحفز متجهة إلي مكتبها بإرهاق ذهني
يشغل تفكيرها منذ لحظة خروجها..
هتفت بصوت مثير للسخرية :
-الحمدهلل كل حاجة ماشية زي ما أنا مش
مخططة لها بالظبط
عيناها تنحدر لألوراق أمامها ،هي تعمل في
مجال التسويق و إلاعالنات بعد تخرجها بعام
واحد ،لديها الكثير من ألاحالم في جعبتها ال
تريد التخلي عنها ملجرد الزواج !
الزواج ،واملسؤولية ،وألاطفال الذين تمقتهم
ً
بشدة ،ال يمكن أبدا أن تخيل نفسها ببطن
ً
منتفخ تسير في املكان بتبعثر هنا و هناك منادية
على سعيد الحظ بمساعدتها..
23
لو كانت عائلتها تريد منها أن ترقص على أغنية
"طلي باألبيض طلي يا زهرة بيسان ،طلي
باألبيض "
هي لألسف الشديد ترى نفسها "جرجير يافعة "
تريد الرقص على أغنية "مليونير ،مليونير بكرة
هابقى مليونير " بكل ألاشكال السوقية املنتشرة
في السوق !
تطرقت ببصرها لألوراق تعيد إكمال ما
ينقصها و تضيف عليها لتأخذها نفسها لعالم
آخر تنس ي فيه الكون ،تكون فقط منسجمة مع
شغفها و حبها الكبير للعمل !
طرقات خافتة جعلتها تجفل مكانها مندهشة
من وجوده هنا بابتسامته املتحفزة :
-صباح الخير..
24
استمرت على تجاهلها له بدون التطرق للرد..
ليستكمل بمشاكسة :
-على ألاقل ردي ،بدل ما أطلب منك تعتذري لي
على موقف أمبارح
مرت عيناها عليه باستهانة:
-أعتذر لك؟ أنت..
تضغط على شفتيها بغيظ كاتمة بداخلها
الوصف الصحيح ملكانته بالنسبة لها ،يهتف
ببساطة :
-املفروض استنيتك أنا و أهلي عندكم بس ِ
أنت
خلفتي بامليعاد ،صح؟!
-بس أنت ماعندكش أهل يا عزت !!
انتفض كيانه في وقفته املتحفزة رجع خطوة
للوراء ،توقع كل ش يء منها بسبب لسانها
25
السليط ولكن معايرته بفقدانه أهله ،كانت
ضربة قاضية له!..
وقفت مكانها بتشتت ..تراقب تأثره الظاهر على
ً
تجهم مالمحه ،ال تصدق ما قالته حقا لم تكن
يوما بهذا السوء ،لكن هو و وجوده يستفزهاً
بكل الطرق..
تأملته للحظة بسكون متنهدة بعمق :
-عزت ،أنا ماكان..
هروب الكلمات و الحروف..
شقت بسمة ساخرة طريقها لشفتيه:
-عندي اجتماع مهم مع املدير ،سالم !
دقيقة و اختفى من أمامها كأنه يظهر عدم
رغبته بهذا القرب املهلك ..القرب الذي كلما
رغب فيه كدواء أصبح هو الداء القاتل..
26
انضمت بعد لحظات لهم لالجتماع مختلسة
النظرات له من حين آلخر ،تحاول إظهار
تركيزها على عرض مقترحات جيدة إلعالن
الذي يريده!..
انتهى الاجتماع بعد ساعة كاملة ،حاولت
البحث بعدها عنه لم تجده ،تقسم أنها لم
تقصد إيالمه بتلك الطريقة السيئة !..
****
في املساء...
في غرفة أخيها يتم التحضير ملؤامرة كونية،
تهتف بغيظ :
-كريم ،بقولك إيه ها تديني مكان شغله وال ال؟
يعبث "كريم " بخصالت شعره :
أديك الرقم تقتليه ،وقتها الشرطة-أنا خايف ِ
علي عشان أنا قولتلك!هاتيجي تقبض َّ
27
تشتعل من الغيظ حيث "فرقع لوز " هذا
سيجعلها تجن من كالمه :
-يا كريم يا حبيبي ،مفيش حاجة تخليني أقتل
عزت.
ً
مرددا بنزق : ينظر لها بشك،
-أيوة فاكرة أول مرة قال لبابا عاوز يتجوزك و
ماما الصبح قالت إنك و أنت نايمة قولتي
هاقتله ،هاعمله شاورما الحيوان !
تمنع ضحكاتها بصعوبة مندهشة من ذاكرة
"كريم" الفوالذية ،حيث "فرقع لوز " يتذكر ما
حدث منذ شهرين كاملين!
تحاول الوصول لحل يرضيه فتهتف بمكر :
-هاديك خمسة جنيه و تقولي ،موافق؟
28
يرفع "كريم " أصابعه العشر أمام وجهها ،تعقد
حاجبيها بعدم فهم هل يحمي نفسه من
الحسد أم يطلب منها عشرة جنيه!
****
تحركت في الفراش عدة مرات في محاوالت
فاشلة للنوم ،مازال ضميرها يعاتبها على قسوة
حديثها معه !
أغمضت عينيها تتغلب على ذكريات املاض ي
عندما كانت بعمر الخامسة عشر انتهت يومها
مبكرا راحت تضحك من الحصص املدرسية ً
بطفولة و هي تجري محاولة الوصول لبوابة
املدرسة.
لكن أذنيها التقطت أنين خافت ألحدهم يختبئ
بالظالم على مقربة من دورة املياه ..تنتقل
29
بقدمها ناحية املكان املظلم إال من نور الشمس
الساطعة..
تفرغ فاهها بصدمة و هي تجده "عزت " جارهم
الذي يكبرها بعامين ،يجلس هناك متكوم على
نفسه و يبكي بحزن بالغ ..
اقتربت تجلس بجواره تمد يديها تربت على
كتفه بعطف متذكرة كلمات والدتها هي تخبرها
ً
صباحا بوفاة جارتهم :
-عزت !
كان في حالة خاصة من الشجن و الحزن على
وفاة والدته ،جسده كله ينتفض إثر بكائه
متذكرا صراخ والده عليه بالذهاب ملدرستهً
وعدم السماح له بالبقاء في املنزل.
بترت سكونها بتردد رافعة رأسها ناحيته:
-ماتعيطش ،أما بتعيط أنا بزعل عشانك !
30
-ماما ماتت ،ماتت وسبتني لوحدي
ذبحتها كلماته ،شعرت بمعدتها تنكمش بألم
يخزها :
ّ
-تعرف بابا قالي مرة أما حد يموت ماينفعش
نعيط عشان هو بيكون شايفنا و بيزعل زينا.
تعود له بابتسامة طفيفة مشيرة لدموعه مازال
أثرها على وجه :
-أنت الزم تمسح دموعك بسرعة عشان مامتك
ماتزعلش منك و هي عند ربنا ..أنت بس أدعي
لها بالرحمة و هي هاتعرف !
تمد له بمناديل الورقية ..يلتقطها منها بسكون
غريب .
كانت أول و آخر مرة في حياتها تراه ضعيف و
خائف ،حيث صدمتها الثانية كانت وقت وفاة
31
والده بعدها بشهرين لم يكن حال الناس وقتها
غير جملة واحد
"ماقدرش يستحمل فراقها من كتر حبه ليها "
يوم العزاء وجدته يقف كرجل شامخ ،يثبت
مكانه بين الحضور يتلقى التعازي من الجميع
بدون أن تسقط من عينه دمعة ..جامد كصخر
ضربه املوج عدة مرات متتالية فلم يعد يخاف
املوج مهما أرتفع !
بعدها انتقل للعيش مع خاله بعيد عنهم و ترك
الحارة.
****
32
الطرف الثالث
35
ً
عقلها كان شاردا في كلمته "ماقبلتش اعتذارك"
لم تسمع باقي حديثه مغيبة العقل هي تريد
الانقضاض عليه برغبة التخلص منه!
تتساءل باستنكار داخلها متى سمح لنفسه أن
يقبل اعتذارها أم ال يكفي أنها قالت "آسفة "
بشعور الخزي و الذنب الذي يلف روحها منذ
الليلة املاضية ..كيف وضع نفسه موضع
"محور الكون" ؟
وقفت متحفزة مكانها ضاربة بيديها املكتب :
-إمتى طلبت رأيك في اعتذاري؟ املفروض تقدر
إني جيت لحد عندك عشان أعتذر !!
لم يجد أمام انفعالها غير ارتفاع ضحكاته
بصخب :
-باين مش عارفة إن ده حقي أقبل وال أرفض؟
36
ً
تحرك من مكانه يقف أمامها قائال بهدوء :
-بعدين أنا قولت قبلته بس تعزميني على قهوة
في كافتيريا قريبة من هنا
يضع يديه أسفل دقنه بينما يسألها باهتمام
وعيناه تخترق عينيها كأنها تعري روحها أمام
روحه :
أنت ماكنتيش مركزة معايا باين !ِ -
ضربت وجنتها حمرة طفيفة ،ابتعدت عنه
خطوة للوراء غير مصدقة كونه قدر على قلب
طاولته فوق رأسها بهذا الشكل..
ضمت يديها تعبث بأصابعها ،و تلعثمت
بغمغمة خافتة:
-موافقة ،ممكن نمش ي..
ً
الحظ حركة يديها املتوترة مدركا كونه سبب لها
إحراج طفيف يراه ً
جليا،
37
ً
هامسا بخفوت : يبتسم لها بمشاكسة
أنت متوترة
-تعرفي شكلك أحلى و ِ
عادت ترمقه بضيق مستعيدة نفسها مرة
ً
أخرى بعيدا عن توترها املفاجئ من حرج سببه
له ولكنها لن تتركه يفوز في الجولة القادمة
بينهما !
****
جلست مكانها في املقعد املقابل بينما ظلت
تفكر في طلبه الغريب لتاكس ي يأتي بهم ملكان،
متذكرة تلك الليلة التى ضربت فيها سيارته
ً
نظر لها مدركا حيرتها :
-ماكانتش عربيتي ،كانت عربية صاحبي!
38
ابتسم لها بخبث :
حققت اللي عاوزه ِ -بس تقدري تقولي ِ
إنك
بردو ،حسام كان ناقص يقطع عالقته َّبي أما
شاف عربيته هو مجنون بيها!..
رفعت رأسها له سأله بجزء من اهتمام و جزء
يرغب بتضييع الوقت :
-وأنت مجنون بإيه؟
لسانه انعقد بينما رغبته الشديدة تتزايد
باندفاع متهور
يخبرها فيه بكل بساطة و تعقيد :
"أنا مجنون ِ
بيك"
مرددا بيسر : لكن يصمت وسواس داخله ً
-بالكورة ،تقدري تقولي زي أي راجل مصري
بحب أتابع املبا يات و بنفعل معاها جداً
ر
39
تومئ برأسها بتفهم ..ليقاطع هو محاوالت
الصمت و الهدوء بينهم :
-حاسس إنك عاوزة تقولي حاجة؟ ده صح !
احتوت بين كفيها كوب القهوة تستمد منه
دفء حرارته ،حائرة هي..
شاردة بعدم استيعاب لقدرته على فهم
انفعاالتها بتلك السهولة :
-شكل املكان مختلف خالص عن تخيلي،
ً
حقيقة املنظر جميل جدا والشغل مختلف
خالص عن مجال تصميم الفساتين!
خاليا جسده في تلك اللحظة كانت منتشية و
سعيدة بكل صخب وحيوية لكن مع ذلك كان
ً
فاقدا ألامل في أنها لن ترميه "بـدبش" آخر
بـلسانها الطويل الذي يستحق القطع
40
تجذبه من تفكير بتساؤل :
-بس بردو أيه يخلي واحد زيك بعد خمس
سنين جامعة و شهادة هندسة يشتغل خياط؟
مستدعيا "كوميك" سخيف :ً يهتف بمزاح
-ماحبتش أكون حاجة تانية خارج تصنيف
البشر ذكر أو أنثى!
منحته ابتسامة سمجة بدون رد فعل ،فرد
الفعل الوحيد على "خفة دمه " ألاشبه
بالشربات هو ضغطها بقسوة على أصابع قدمه
بحذائها من أسفل الطاولة حتى يفقد القدرة
على املش ي !
يستدعي مالمح جدية ً
هاتفا:
-بحب الخياطة و التفصيل ،مابحبش حاجة
تعجبني و ماتعلمهاش في اللي بيكمل معايا
41
أو بفقد شغفي فيه بس الخياطة والتفصيل
كانت شغفي فقررت أكمل لآلخر
طبعا ما تقول-إيه نظريتك للجواز! بدون ً
إلاجابات التقليدية اململة و غيره!
بعيدا ..حرك رأسه بسالسة إن أخده التفكير ً
حبا بشكل واضح و كان املوقف بينهم يحمل ً
صريح ألخبرها آلان أنه يحب بعثرة مشاعره
معها وأنه يريد أن يكمل حياته كلها بين يديها و
لكن عينيها تنطق
"ال أريدك"
و يأمل لو يقدر على نطقها فـيلتقيان في نقطة
ما ..هو بكل جوارحه يريدها أنثاه!
-تقدري تقولي بشوف الراجل و الست زي إلابرة
و الخيط بالظبط ،إبرة و خيط ماينفعوش من
غير بعض.
42
رمقته بتساؤل ألول مرة يجذب انتباهها حديثه
عن ش يء ،يستكمل بتوضيح :
ً
-مثال الراجل إلابرة و الست الخيط ،الراجل
املناسب ها يقدر يحتوي الست دي بكل سهولة
بدون مشاكل !
يحرك يديه في الهواء شار ًحا له نظريته التي
اكتسبها من عمله وتعد محببة لقلبه :
-ماينفعش تختاري إبرة صغيرة تجيبي خيط
صعب يدخل فيها و تعافري بكل قوتك عشان
ً
يدخل هايبقى صعب جدا إلن وقتها ها تتوهمي
إنك دخلتيه بس أما تجي تشوفي في النهاية
ها تالقي "فتلة" صغيرة دخلت واتشدت جامد
من الخيط اللي عاوزة تدخليه ..وقتها الخيط
استنزف غلط مع إلابرة الغلط ! والعكس
صحيح!
43
تومئ برأسها بتفهم و تركيز يبتسم لها بسعادة
ً
مكمال :
-عشان الفكرة ً
دايما ها تالقي إلابرة من غير
الخيط ناقصة و الخيط ماينفعش من غير
إلابرة..
رفعت كوب قهوتها ترتشف منه بهدوء :
-مش هانكر عجبتني نظريتك! لطيفة و مسلية،
بس أنت لألسف أخترت البنت الغلط
للتطبيق ،أنا مابفكرش في الجواز يا عزت..
يصفعه "عقله " ً
مرددا بسخرية :
أنت دلوقتي "
"ماش ي يا كرامة بالسالمة ِ
بينما يرد قلبه بخيبة أمل :
"ال أنا مش هاستحمل بهدلة تاني ،هاتوا لي
البت دي من شعرها دلوقتي "
44
ً
مرتفعا بدون وعي : يهتف بصوت
-محدش يتكلم ،محدش يتكلم بسسسس!
نظرت له مندهشة قبل أن تنفجر في الضحك
على منظره الغريب ليشاركها بضحكات قصيرة
ً
محركا رأسه بحرج على فعلته..
رفعت يديها بجانب رأسها کإشارة على كونه
"مختل ً
عقليا"
أو "مجنون أحمق " هرب من مستشفى
املجانين..
انفرجت شفتاه وكأنه على وشك أن يهتف
بش يء ما كتمه في اللحظة ألاخيرة بداخل نفسه
ً ً
مفضال الصمت بدال من الحديث ! ِ
****
45
"أخيرا إنها الجمعة ال أعرف كيف صمدتً
أسبوع آخر في هذا العالم "
ابتسامة مرحة تراقصت على ثغرها و هي
تشاهد "الكوميك" ألاساس ي لليوم ينتشر على
مواقع التواصل كالعادة..
تتثاءب بنعاس و عيناها على وشك الانغالق،
تتململ في مكانها بشقاوة :
-مفيش نوم النهاردة عندنا حفلة شواء و أحلى
أكلة في العالم!
اندفعت للخارج بنداء على والدتها :
-ماما أنا هانضف البيت على ما تخلص ي
تحضير.
تقوم بفتح أغنيتها املفضلة و الخاصة باليوم
كتقليد ال يتجزأ من اليوم الخاص بالشوي..
46
أغنية لطاملا أحبتها على قناة "سبيستون"..
تتحرك بعشوائية بـاملكنسة و الكلمات تنساب
من بين شفتيها بمرح طفولي لم يغادرها رغم
مرور ألايام:
"اليوم يوم الشواء في العطلة أحلى ألايام
الطقس رائع و السماء صافية يا سالم
اليوم يوم الشواء"
تتدافع الذكريات حاضرة حولها في املكان،
كأنها مشاركة وجبة في هذه اللحظة ،تعيد لها
ما كانت تفعله قبل سنوات من تجمعات
عائلية تكون فيها هي أكبر فتاة بينهم..
يجتمع أطفال العائلة كلهم حول مائدة بينما
هي تملي عليهم قوانين اللعبة التي تتكون من
فتح أغنية معينة من "كرتون" ما ،و من يخمن
47
ُ ً
"الكرتون" أوال تحسب له نقطة في رصيده،
حتى يفوز في النهاية صاحب النقاط ألاكبر"!!!
-أدائك عظيم..
شهقت بفزع ملقية املكنسة على ألارض راكضة
ناحية غرفتها بسرعة ،صراخها يرتفع باسم
"كريم "..يكتم ضحكاته بصعوبة على منظرها
الهارب من أمامه!
-مين جاب عزت هنا؟
-بابا بطلب منه يتغدى معانا يوم ملا ماجيتيش
تقابليه عشان ماعرفش يقوله إيه!
ً
-اطلع برة ،اطلع برة حاال
ً
يبتعد "كريم " عنها بهروب خوفا من نيل
بطشها ،يهتف بخفوت :
مجنونة ،احمينا يارب!
****
48
بعد مرور نصف ساعة فضلت وجودها في
ً
غرفتها بعيدا عن الجميع ،استجابت لنداء
والدتها للخروج والصعود لسطح املنزل إلكمال
عملية الشواء بعد تجهيز والدها للفحم
املطلوب!
جلست تتابع مشاكسات ببن والديها التي تتكرر
ً
دائما عندما تبدأ "حفلة الشواء " لكن اليوم
يشاركهم "عزت " لتسحب نفسها ببطء من
املكان تاركة لهم حريتهم ..
وقفت بجانب السور تشاهد ألاطفال يلعبون في
الشارع بمشاغبة ،يقترب من وقفتها ً
ناظرا في
صمت و عيناه تغيب في تفاصيل أخرى ملشهد
بعيد عن ألاطفال!
49
تتلفت بوجهها مالحظة تعلق نظره بشرفة بيتهم
ً
قديما:
-ادعيلهم بالرحمة!
لكن عينيه غلفها الحزن فردد بجمود:
-تعرفي أن والدك بيحب والدتك ً
جدا
-والدك كان بيحب والدتك بردو مافيش حد في
خصوصا بعد موته بعدهاً الحارة مايعرفش
على طول..
ً
هادئا جداً ً ً
كان ردها بسيطا للغاية ..لطيفا و
بطريقة ال تتناسب مع دواخل ماضيه ،كأنها
أحدهم بال حسبان!ُ تلقي مزحة ثقيلة على وجع
يده قبضت على يدها بقسوة شديدة ً
دافعا
إياها لنزول السلم معه بال استئذان ..رغم
رغبتها في جذب يدها و الصراخ لكنها استكانت
كأنها تعرف إلى أين يأخذها؟!
50
منتصبا بجمود أمام باب شقتهم ،يديه ً وقف
تمسك باملفتاح بقوة متضاربة بين الصمود و
الانهيار.
دامت وقفتهما املتصلبة لدقائق بدأ امللل
يتسرب لها من تخاذله ..لتجذب يدها من يده
بشبه عنف قائلة:
-لو مفكر دي لحظة اختيار تبقى أهبل ،ما دام
وقفت قدام الباب الزم تواجه مخاوفك كلها و
إحساسك بفقدان أهلك و تحارب ضعفك ..
قطعت املسافة بينهما مشرفة عليه من علو
جعله يشعر بضآلته أمام قوتها بينما تشير
بسبابتها في وجهه بتهديد :
ً
-يا إما تفتح الباب حاال أو هاطلع و أسيبك مع
هواجسك !!!
51
بيد مرتعشة و اقتراب خطير عليه فتح الباب،
كان يحارب مخاوفه بعين مغمضة و أنف
يستنشق رائحة عبق والدته تحوم في املكان .
-محدش بيقدر ينس ى ذكريات اللي بيحبهم بعد
ما يسيبوه بس بيقدر يتعامل مع الذكريات دي
و يخليها نقطة قوة بدل ما تكون ضعف.
قالت كلماتها بهدوء و ثبات بينما هو كان يصله
صوتها همس يحفزه على تخطي عثرته
فيلتفت لها بأعين رأت الدمع يتأرجح فيهما:
-تعرفي كل الحاجات الكتير الل بنسمعها
مابتكونش الحقيقة ،والدي مات من الذنب
مش الحب و الفراق.
صمتت تهديه مساحته الخاصة ليخرج كل ما
بجعبته بدون تتطفل،
52
أرادت منحه الطمأنينة :
-كانت بتحبه أكتر حاجة في حياتها ،بس هو كان
فيه حاجات كتير في حياته ،كان ً
دايما ليه
اهتمامات تانية بتخليه بعيد عنها !
يعود بذاكرته لنظريته شار ًحا بتلعثم..
وعفوية :
-إبرته أكبر من إنها تقدر تحتوي الخيط بتاعها،
خيط بسيط دخل في إبرة كبيرة فـتاه جوا
إلابرة ،مش ً
دايما ملا بنختار إبرة كبيرة عشان
نقدر ندخل الخيط بننجح !
تقترب منه مربتة على كتفه:
-ممكن ماتعيطش عشان خاطري ،مابحبش
أشوف حد بيعيط!
-فضلت أسبوع تعبانة على سرير ،اتصلنا عليه
كتير عشان يجي ماعرفناش نوصله ،ماتت قبل
53
ما يشوفها ،ليه فضل حاجات تانية عليها؟
ماكانش موجود جنبها وال خالني أكون جنبها
لم تجد أمامها حل سوى الضغط على يديه
لعله يخرج من هذيانه و يستعيد نفسه :
-فاكر كالمي زمان يوم املدرسة؟ فاكر قولتلك
إيه؟!
يومئ برأسه بشرود و مازالت ذكرياته تسحبه
نحو بئر عميق،
تبتسم له :
-جطعة ابتسامة لو تكرمت؟
ً
ماسحا دموعه : يمنحها طلبها وهو يعود للوراء
-تعرفي إنك الوحيدة اللي عيطت قدامها مرتين
لحد دلوقتي !
54
تهديه غمزة عابثة :
-أي شعور دلوقتي هايبقى شعور متهور و
عبيط
تشير ناحية معدتها مخرجة لسانها له بتلذذ :
-إال شعور إنهم خلصوا الفراج املشوية فوق و
أنا جعانة..
تدفعه بسرعة ناحية الباب هاتفة بطيش:
-ناكل ألاول بعدين ناخد وصلة نكد كبيرة أوي
عشان خاطر عيونك بس!
يرغب بالضحك على كل ردود أفعالها الغريبة و
كل ألاشياء التي تفعلها بتهور فتجعلها تض يء في
عينه أكثر و أكثر
وألن الحب عنده أشبه بالتحليق في السماء
البعيدة
55
يشتهي لو تعطيه جناحين بقول "أحبك "!
ً
لكنه كلما اقترب يراها تزداد تمردا ،فيزداد
ً
طرديا معه حبه ،يظل إيمانه بكونها له الش يء
الذي يدفعه لإلمام !
****
56
الطرف الرابع
58
-قولت أفاجئك بس ردة فعلك كانت قوية
ماتوقعتهاش!
بتأن بينما عيناه تتفحص شكلها يقول جملته ٍ
ً
هامسا املختلف بفستان أسود طويل ،يتمتم
لنفسه:
"في الفرح كمان أسود ،باين عليها معقدة
ً
معقدة فعال "
همسا لها :لم يكن يعي وقتها أن همسه يقابل ً
دايما متهورين مفيش عتاب "هما ألاغبياء ً
عليك"
يقاطع تدفق أفكارهما دخول مدير مكتبها
بترحيب حار ناحية "عزت" ،تعقد حاجبيها
بجهل غير مدركة ملا يدور حولها.
59
ً
هامسا بجوار أذنها يقترب منها "عزت"
يخل من ضحكاته : بصوت لم ُ
بوظت عربيته
ِ -تعرفي إن العريس صاحبي اللي
ترفع نظرها ناحيته يستكمل :
-حسام ده العربية بالنسبة له حياته ،كان
هايموتني بسبب الخدوش اللي عملتيها في الباب
بس ربك ستر
ترد بروتينية حملت سخريتها كونها تعرف هذا
ً
السيناريو سابقا:
-ش يء متوقع ،ماتفأجتش على فكرة.
ً
مصدوما من ردود يبتعد عنها خطوة للخلف
أفعالها ألاشبه بجبال ثلج ال تتأثر ..يحرك رأسه
نافيا فكرة ضربها على رأسها بقوة حتى تفقد ً
الذاكرة ثم يبدأ بإخراج قصة حب مع امرأة
فاقدة للذاكرة !
60
يعقد حاجبيه بتفكير هو يجدها تبتعد رويداً
رويدا عن محيطه متجهة ناحية صديقه و ً
سريعا قبل ضياعها منه :ً زوجته ..يتابعها
-مبروك جوازكم ربنا يسعدكم لألسف مضطرة
أمش ي عشان ماتأخرش!
ينضم لهم يهمس بجوار أذن "حسام ":
-بقولك أنا هاخلع كده عشان أوصلها
ق ً
يسدد له "حسام " لكمة في ذراعه مرددا بنز :
-ها تسيب صاحبك و تمش ي في ليلة زي دي؟
-يا عم أنت وحش بس هي كتكوت صغير أخاف
عليها في الجو ده!
غم تيقنه من إلاجابة التي يعرفها ً
جيدا ر
يسأله :
-صاحبك وال حبيبتك يا عزت؟
61
ً
مدعيا الجدية: يهتف
-حبيبتي ً
طبعا ،سالم
ً
قالها بسرعة فائقة هو يغادر القاعة الحقا بها
يجدها مازالت واقفة تحادث أحدهم يستغل
ذلك بأن يسبقها ليوقف "تاكس ي" يأخذهم!
كأنها تتهادى في مشيتها أو هكذا يخيل له ال
يدري!
هي بكل ما فيها عتيق ينتمي لزمن قديم ،كم
يرغب هو بالحفاظ على التراث!
عيناها لون نابض للشوق ،و شفتاها نسيج من
خيوط عشق تقيد فؤاده !
تعانق جفنيها للحظات يمزق كيانه و يزيده
ً
شغفا بأن يمتزج معها لدرجة تجعله سكيراً
لفتنتها لألبد !
62
لكنه يبعد جموح مشاعره وأفكاره هو يجدها
تقترب من وقفته يهتف :
-وقفت "تاكس ي " هاوصلك البيت.
تمنحه نظرة ساخطة غير راضية باملرة على
تدخالته غير املبررة فيما تريد لكنها تتجاهل كل
ذلك تهتف هازئة :
-بحب املش ي ،وأنت عاوز تروح بيتك ألافضل
تركب عشان تلحق تنام بدري.
تعود بهز كتفيها تستكمل بفظاظة :
-بس لو حابب تنضم َّلي أنا موافقة!
تقولها بدأت بالسير دون اعتبار للواقف في
صدمته يهتف بغيظ :
"دبش ،دبش أعوذ باهلل "
يلتفت للرجل معتذ ًرا ثم يطلب منه رقمه
63
مخبره أنه سيتصل به مرة أخرى
سريعا يضحك ً عندما يحتاجه ..يلحق بها
ساخرا على ما تؤول له حالته بسبب جنونها ! ً
-حد في العالم ده يمش ي بالليل و كمان في الجو
ده؟
تلفت له مانحة انتباهها بينما ترتسم على
ثغرها ابتسامة عريضة :
-أنا بحب جو بداية دخول شهر الشتاء ،ولسعة
البرد اللي بتخلي جسمك يترعش و الجو البرد
ُ
اللي بيخليك عاوز كباية شاي سخنة ،دي كلها
حاجات تجنن..
يضحك ملء شدقيه في سعادة ،يهتف :
ً
-ألول مرة هاقول إنك معاك حق فعال !
تلتفت ناحيته متفحصة ملالمح وجهه التي
اكتسبت خشونة
64
فلم يعد "عزت" الذي يسير بجوارها أشبه
باآلخر الذي كانت تعرفه باملاض ي.
تغير ،تغير ً
كثيرا ومازال يتغير لكنها ال تعرف
تفسيرا لشعور السعادة الذي يغلف روحها و ً
هي تجده يضم ذراعيه حوله برغبة في الدفء
فترغب بالضحك على مظهره !
تجذبه لها قائلة بتهكم :
-صاحبك بيتجوز بنت املدير ،دي حاجة مثيرة
لالهتمام على فكرة بس بردو غريب ترحيب
املدير بيك؟
تتجلى ضحكاته صاخبة بينما ينظر لها بخبث
ً
مرددا:
-أوعي تقولي إنك ماتعرفيش إن مديرك في
الشغل يكون خالي.
65
تهز رأسها بنعم بينما تهتف مذهولة :
-خالك؟ بجد؟
طبعا أكيد الترحيب ده مش بمجرد عميل ً -
عنده ،ممكن عشان ماشوفتنيش معاه قبل
كده مستغربة مش أكتر !
قالها بيسر جعلها تتذكر يوم حضوره الشركة و
اللقاء بينه و بين مديرها لتربط خيوط
ببعضها...تكتشف كم هي مغفلة لعدم
مالحظتها هذا ألامر!
تسأله باهتمام جلي بكل حروفها :
-أوعى تقول إنك طبقت نظريتك املجنونة على
صاحبك و بنت خالك؟
اهتمام يظهر على مالمحها فيبعد كل عبث و
سخرية قد يحملها سؤالها...اهتمام يجعل كل
66
حواسها راغبة بأن تستمع له ،تفهم منه،
ً
تستوعب حروفه حرفا بحرف !
اهتمام يخلق منها شخصية أخرى تتقبل أن
كل الناس عبارة عن "إبرة و خيط "
بل هي أيضا "خيط " في حبكته !!!!
ً ً يتحرك ً
واقفا أمامها بمسرحية منحنيا قليال
ً
هاتفا بدراما :
-معاك "عزت باشا " لجلب الحبيب و تقريب
البعيد ! بس أكيد مش هاقولك على نتيجتي مع
ليك سؤالين؟
صاحبي! بكده يبقى ِ
لم تعرف هل تنظر له شز ًرا أم تضحك على
طريقته الكوميديا ،لكنها اكتفت بسؤال آخر :
-واضح نظريتك مش بتقوم على الحب بس،
صح؟
67
يومئ لها بإيجاب هو يعاود السير بجانبها مردداً
بشرح :
-في العموم بتقوم على إن ماينفعش شخص
من غير التاني ،الخيط مايقدرش ينسج حاجة
إال لو كان فيه إبرة و هكذا ،الفكرة دخول
إلابرة بدون ما تستنزفي بطريقة غلط هو أنك
تالقي اللي يجمعك معاها!..
ً
قليال مفكراً: يصمت
-سواء اللي بيجمعك ده حب أو غيره كمثال
فيه واحدة بتدور على شهرة ها تالقيها قادرة
جدا مع واحد مشهور بطريقة صح و تندمج ً
فاهمين بعض!
ً
ملتفتا لها بتركيز شديد ،عيناه تحاور يعود
عينيها في حديث خاص ،حديث يظهر عليه
68
بوضوح بينما يحاول مداراته ،يعترف بهدوء
وبطء :
-بس أنا بحب العالقات اللي بتقوم على
الحب !!!
تكمل خطواتها مبعدة نظرتها عنه ،مرددة:
-ده ش يء وا..
لم تكد تكمل جملتها حتى تأوهت بوجع و
جسدها كله على وشك السقوط بسبب التواء
كاحلها بحركة خاطئة لتدعمها ذراعه التي
التفت حول خصرها بقوة مانعة سقوطها
املحتم!
تزداد وتيرة أنفاسها بصخب بشكل ملحوظ
بينما تتشبث بأناملها بقميصه طالبة دعم
كاتمة تأوه يكاد يغادر شفتاها شعور باأللم في
قدمها يغالبها!..
69
بينما هو يطلق تنهيدة حارقة غير مصدق كونها
قريبة منه بهذا القرب...قرب خطير على رجل
مثله !!
رجل يهيم على وجهه في ملكوت يخصها ..رجل
بنظرة منها يكون قاد ًرا على إلاطاحة
بكيانه كله !
كيف يقاوم عبث القرب؟
رفعت ذقنها تنظر له بينما تعض على شفتاها
بخجل منه ،تحاول الابتعاد عن حيز يديه…ما
كادت تحاول السير حتى أصدرت صرخة ألم
خافتة تهمس :
-رجلي..
اقترب يمسك بذراعها بقسوة ظاهرة على
قبضة كأنه يحكم عليها بعدم الهروب منه..
70
يسألها بخوف عاكس قسوته:
أنت كويسة؟ ِ -
تحرك رأسها بنفي فتزيد كثافة الدموع في
عيناها لكنها تكتمها بقوة..
هو كان في صراع خاص به بأن يحملها آلان بين
ذراعيه بقلق ينهش ضلوعه عليها من وقفتها
املؤملة ..صراع ظاهر على يديه التي يحركها
ناحيتها باضطراب!
لكنها تتولى عنه تلك الدفعة و تحارب صراعاته
مرددة بهمس :
-أل يا عزت!
ً
يجد أمامه سوى جعلها تجلس قليال على
الرصيف...يعود و يجري اتصال سريع بصاحب
التاكس ي ً
طالبا منه القدوم ملكانهم !
****
71
كأنه يقف على نيران ..يذهب هنا و هناك بال
هوادة ،هو يرى الطبيب ألاحمق يوزع
معتبرا نفسه "توم كروز "،ً ابتسامات عليها
يهمس لنفسه بضيق:
"وسامته مقوية قلبه ،اللهم طولك يا روح "
تكاد رائحة اشتعاله تمأل الغرفة...
يخرجه من كل هذا الباب الذي فتح بقسوة
بينما تتسابق عائلتها لدخول كل واحد منهم
يسأل :
أنت كويسة؟
ِ -
معاك يا بنتي؟
ِ -أيه اللي حصل
-رجلك أتكسرت ماعدتيش هاتمش ي!
يكتم ضحكاته على كالم "كريم" ألاخير..
72
فيلتفت لهم الطبيب مطمئناً:
-مفيش كسر وال حاجة ،مجرد تمزق في ألاربطة
هانعمل جبس أسبوع هاتبقى زي الفل!
يالحظ ابتسامة الطبيب العريضة على شفتيه
يهمس بغيظ :
"فرحان بجمال سنانه ده وال إيه ،يارب صبرني"
ً
مستغفرا داخله بقوة حتى يستطيع يبعد نظره
التحكم في نفسه أمامهم قبل ينقض على هذا
السمج الذي يعتقد أنه لطيف!
ً -
طبعا ده كله من املش ي ،قولتلك اركبي مية مرة
هتفت والدتها بجملتها بينما تكزها في كتفها
بعنف محاولة مداراة خوفها عليه منذ اتصل
عليهم "عزت " يخبرهم أنهم في املشفى.
تتأوه "مرام " متظاهرة بألم من ضربة والدتها
73
بينما تهتف بين أسنانها :
-املش ي رياضة ،رياضة !
ً
يتدخل الطبيب بينما مازال محافظا على
مرددا بعملية بحتة لكنها كانت ثقيلةابتسامته ً
على أذن آلاخر:
-ماتقلقوش يا جماعة مفيش ضرر بس أسبوع
وتبقى زي الفل
يقترب منه "عزت" بعد فقد آخر ذرة تحمل
لوجوده بينهم ويهتف بنزق :
-طب ممكن عاوزك ثواني برة يا دكتور!
ً
مستجيبا لحديثه.. يومئ له الطبيب بإيجاب
ويندفع خارج الغرفة وما كاد "عزت " يلحق به
حتى أوقفه صوتها تهتف بلطف :
-خليك يا عزت !
74
تتبدل حالتها كلها في لحظة مستعيدة فظاظتها
و أسلوبها املستفز مرددة :
-أنت عاوز تهرب بعد ما جبتنا كلنا هنا ،مين َ
هايوصلنا دلوقتي؟
يحرك رأسه بصدمة يكاد يصاب بذبحة قلبية
ً
صافقا الباب خلفه منها ..يغادر الغرفة
بخشونة وهو يردد :
" ليه يارب ماكانش لسانها الدبش ده مش
رجلها "
أما والدها كان يتابع انفعاالتها بدقة و تركيزه
لكل ما يحدث حوله منذ وجوده في املشفى،
حدثه يخبره هناك ش يء تغير في ابنته ،ش يء ال
يريد تأويله ألان و سينتظر الوقت املناسب
ملعرفته !!
****
75
"الصباح و الصباح و املزيد من ضوء الشمس
املزعج "
هتفت بها بينما تضرب رأسها بالوسادة أسفلها
عدة مرات متتالية و صراخ والدتها يمنعها من
العودة لنوم ..تصرخ بحنق :
-صحيت ،صحييييت يا عالم خالص
تقوم من مكانها متجهة للخارج محاولة عدم
الضغط على قدمها لتتجه ناحية املطبخ...
تجهز مشروبها املفضل للصباح
"شاي بالحليب"
تحرك شفتيها باعوجاج :
-دلوقتي العالم كله ينزلك فنجان قهوة مع
صوت فيروز بداية الشتاء بقى،
يقولك ال تخون القهوة بالسكر
76
تمسك بكوبها بينما تسير ناحية الشرفة
و في يديها ألاخرى هاتفها :
-ده أنا اللي هايجيلي السكر من كتر املياصة
دي ،قال قهوة قال مايعرفوش قيمتك يا
َ
جميل يا حلو أنت !
تريح ظهرها على الكرس ي بارتياح تعود لتمديد
قدمها املجبسة أمامها على كرس ي آخر حتى ال
تتأذى وترتشف الشاي من كوبها بـهناء مرددة :
-إيه الحالوة دي.
صوت والدتها الساخر يقاطعها من فجوة
الحب تلك بينها و بين الكوب :
أنت شاطرة فيه تليفون أربعة -هو ده اللي ِ
وعشرين ساعة ..
77
تمط شفتها بجواب بارد :
-مش أربعة وعشرين ساعة ع فكرة
مابمسكوش وأنا نايمة
ً
-أنا فعال ماعرفتش أربي !!!!
تقولها والدتها بعصبيـة لكنها تقاطع كل ذلك
مقلدة صوت
"عبلة كامل " في مشهد فيلم "كلم ماما ":
-باقي الجملة يا ماما باقي الجملة ،ماعرفتش
أربي صبرني ياربي ..
لم تكد والدتها ترد عليها مرة أخرى حتى
قاطعهم صوت الجرس ..يجري "كريم "
بخطوات متعثرة ً
فاتحا الباب :
-السالم عليكم!
"الغبي جاي الصبح يعمل ايه"
78
قالتها بهمس وصل لوالدتها الواقفة بقربها..
تلتفت لها بنظرات محذرة على تطاول لسانها :
-عليكم السالم يا بني ،تعال أتفضل على ما
أجهز الفطار و ناكل كلنا سوا على ما عمك يجي!
تتجه ناحية املطبخ حتى ال تترك له فرصة
الهرب من طلبها بينما ينحني يطبع قبلة على
ً
مشاكسا له : وجنة "كريم"
-أنت تخصص فتح أبواب باين عليك َ
متجها ناحية املطبخ بعد نداء ً يتركه "كريم"
والدته فيندفع هو ناحية الشرفة :
-صباح الخير
تبرم شفتها بينما تشير ناحية قدمها املصابة
مرددة بنزق :
-املفروض جاي تزور حد عيان فين شنط
الفاكهة؟ مفيش حتى كيلو قشر موز ؟!!!
79
أنت استثناء !!!-ده املفروض بس ِ
تبعد نظرها عنه بعد جملته "الحمقاء"،
وتعود للنظر خارج الشرفة هاتفة باستهزاء :
َ
-كالم ،أنت أي كالم ..يا بني أنت معزوم عندنا
مرتين ً
تقريبا!
ً
متظاهرا بالحرج : يتراجع للخلف
نت بتعديلي أكلت عندكم كام مرة؟ أنت مش -أ ِ
معقولة..
-عاوز تنكر يعني؟ مش دي الحقيقة!
يهز كتفيه بغيظ منها يردد :
أنت بس و أنا أعزمكم عندي -مش هانكر خفي ِ
مرة!
تسأله بفضول و قد جذب انتباهها له :
-أنت بتعرف تطبخ؟ َ
80
يعود مرة أخرى النحنائه املسرحي هاتفاً
بمشاكسة :
معاك الشيف "عزت باشا " ألجود أنواعِ -
طبعا خدمة خاصة عشان بعد ألاكل ،ده ً
جوزانا أبقى أطبخ أما تكوني تعبانة أو
مشغولة..
تقاطعه بصخب محركة يديها في الهواء بينهم :
ل
-أنت يا بني آدم بتقو إيه؟ إصحى يا عمدةَ
وصلنا كوكب املريخ..
تتعالى ضحكاته على منظرها و عيناه سارحة بها
بشكل خاص لتشاركه الضحك محركة رأسها
بنفي لكل أفكاره "الحمقاء " بالنسبة لعقلها..
و القابع بين ضلوعها كان يمتلك رأي آخر ،رأي
يجعلها تشعر بأن أحاديثه و كلماته العفوية
تلك تدغدغ صمودها و تتركها حائرة به !
81
أما رؤيتها له تتغير تتعرف من جديد عليه،
تتعرف به كإنسان طيب القلب ،عفوي ،
هادئ ،يمتلك ش يء يجذبها ناحيته بكل قوة
ممكنة بالعالم !!
لكنها تخرج من ذلك القالب الذي يضعها فيه
ً
وجوده حولها وعنوة سألها بتعثر يشبه حالتها :
-أيه فكرتك عن الجواز؟
يضع يديه أسفل ذقنه يعاود سؤالها بسؤال
ً
هامسا بخفوت ً
مدعيا الجدية ..ينحني ناحيتها
أمام اهتزاز ثبات عيناها :
-لو هانتكلم عن املوضوع ده...هل وقتها نتكلم
عادي وال هاعالج عقدة نفسية عندك و
محدش عارف؟
82
صوت والدتها العالي ينادي عليهما يمنع كليهما
من الاسترسال في الحوار ..ما وضع قدمه خارج
الشرفة حتى عاد يقف بجوارها :
-محتاجة مساعدة؟
تحدجه بنظرة حادة محذرة :
-ساعد نفسك.
ً ن ً
ظل ساكنا دو حراك متابعا لها تغادر الشرفة
قبله...
يريد يخبرها أن نظرتها الحادة و لدغة لسانها
الطويل أحب لقلبه و أهون عليه مما حوله..
وبتلك الطريقة هي ال تبتعد بل تزيد من توابل
الحب بينهما !
هي شخص غير قادر على استبداله مهما حدث،
بل بعيدة كل البعد عن فكرة الاستبدال !
****
83
ً
ألاسبوع كان حافال لدرجة جعلتها ال تصدق
مدى كون حياتها رتيبة متكونة من تنسيق
واحدة
"نوم و شغل وأكل "!!
لتتذكر زيارات "عزت " املتتالية بعد انتقاله
للعيش في شقتهم القديمة ،اتصاالت زمالئها في
العمل بجانب اتصال املدير لالطمئنان !
التفت تطالع املكان من حولها بينما تنظر له
متسائلة على سبب وقوفهم ليسارع بجوابه
ً
مانعا رفضها عرضه :
-ها ننزل نشرب حاجة بمناسبة إنك ِ
بقيت
كويسة
لتنصاع له مغادرة السيارة خلفه بينما بداخلها
رغبة على شكره لكل ما فعل ألجلها بداية بأخذ
84
إجازة من العمل حتى توليه مهمة ذهابه معها
للطبيب اليوم بسبب انشغال والدها..
أقتربت من الطاولة التي أختارها تجده يتطلع
عليها بتفحص بينما يجلس على كرسيه ..تبرم
شفتيها بتذمر على فعلته لتجذب الكرس ي
جالسة أمامه
تحديدا كان تمتلك تعليقاًً هنا ،في تلك اللحظة
ساخرا بجملة شهيرة على تصرفاته الحمقاء ً
"الرجالة ماتوا في الحرب "
لكن تلك الجملة كارثة بحد ذاتها حيث الرجال
هنا من بينهم "أبيها و أخيها و ابن العم و كل
رجل في عائلتها "
سيقع على تعليقها املتهور استدعاء إجراء
خطير و صارم من ابن خالتها الذي سافر منذ
عشرين ً
عاما و ترك البالد
85
وال تعرف حتى اسمه اتصال هاتفي في منتصف
الليل يخبرها أنها "قليلة الحياء و أنه يستطيع
إثبات وجود رجال بطريقته الخاصة "!!
تتخلى عن كل تفكيرها مرددة بابتسامة زينت
ثغرها بوداعة :
ً -
شكرا
مال يستند بيديه على الطاولة بينهما يناظر
عينيها بهدوء مريب لم تتحمله لتلوح بيدها في
وجه هاتفة بغلظة :
-بعد جو أفالم الرعب ده لو قولت لي عاوزة
تشربي إيه؟ هاسيبك و أمش ي!
يعود للخلف ضارًبا كفيه الاثنين ببعضهما
ً
مرددا بقلة حيلة :
أنت بجد مش معقولة ِ -
86
تراجعت بحرج تعبث بأصابع يديها بسكون
ً
واضحا: لثانيتين تعود لتسأله بهروب وصله
-ليه رجعت البيت؟
حرك رأسه بسالسة:
-ممكن عشان قدرت أفهم الذكريات اللي
بنهرب منها هي اللي بتفضل تعذبنا و تخلينا مش
قادرين نعيش صح! بس أول ما بنواجهها
بتكون أخف على النفس!
ترددت الكلمات بأذنيها مانحة إياه ابتسامة
حقيقية مغمغمة بخفوت:
-قدرت تتأقلم مع ذكريات والدك؟
نظرته كانت بعيدة ،بعيدة على قدرتها على فهم
تركيبة مشاعره اتجاه والده و آالمه التي عاشها
مع والدته :
87
-مش عاوز أتأقلم ،يكفي إني أتصالح معاها
وعشان تبقى بعيدة عني
ً
متذكرا حزنه الذي يفتك به تنفس باختناق
ولكنه يأبي الاعتراف :
-هاسافر ملدة شهر تقري ًبا عشان شغلي فقولت
أعزمك على الغداء عشان أرد العزومات اللي
ِ
َّ
علي
ارتفع صوت ضحكتها على كلمته مندهشة منه:
ن َ
-بجد أنت قلبك أسود! ماتخيلتش تكو زعالن
من كالمي!
"أنت دبش مش واخدة بالك بس" ِ
تمتم بها بحنق بداخله قبل يهتف :
-مش زعالن بس على ألاقل يبقا بيننا عيش و
ملح.
88
تومئ برأسها في إيجاب موافقة على كلماته
بينما يشرع هو في طلب الطعام لهما ً
سويا...
****
89
الطرف ألاخير
90
تعاود ضرب رأسها بالوسادة عدة مرات تهتف :
"غبي ،غبي "
تترك الغرفة بسرعة ضاربة الباب خلفها بعنف
متجهة ناحية الشرفة و تدمدم بشفتيها بتهكم :
-عامل الصفحة بتاعته لألصدقاء بس
مفكر نفسه رئيس املخابرات س ي عاطف باشا
ده محدش مهتم بيه غيري!
تسري قشعريرة بجسدها بانفعال ،تهمس
بخفوت مندهشة مما نطقت :
ً
-مهتم؟ أنا فعال مهتمة بس..
تصمت عن باقي حديثها بعمد تحرك رأسها
ً
يمينا و يسا ًرا منفعلة بمشاعرها املتضاربة
بصراع ال تفهمه :
-بتعملي إيه في الجو ده في البلكونة؟
91
تضبط لف الشال على ذراعيها و هي تشعر آلان
ً
تحديدا أنها ال تحتاجه فنيران أفكارها كانت
تمنحها دفء خاص :
-بس ماعرفتش أنام قولت أشم هواء.
ً
مشيرا لها باملجيء لتشاركه يجلس والدها
وتندفع ناحية أحضانه ،يهتف :
-عزت كلمني النهاردة طمني عليه
ارتفعت نبضات قلبها بصخب بمجرد ذكر
اسمه ..تعنف نفسها بشدة على ذلك متذكرة
أنه مازال "عزت " ألاحمق !
ترفع بنظرها لوالدها مبتعدة عن أحضانه
تتساءل باهتمام:
-ليه عاوزني أتجوز يا بابا؟
92
-عشان عارف إني مش هاعيشلك على طول،
عليك مع راجل يستحقك ،راجل عاوز أطمن ِ
عارف يحطك في عينه و يحفظك!
تدمع عيناها متأثرة بمشاعرها بينما تهتف
بانفعال جلي:
-بعد الشر عنك يا بابا ،يعني أنت عاوز تجوزني
عشان خايف َّ
علي؟
هامسا بمكر :ً يقرص وجنتيها بينما يقترب
-بصراحة عشان هاتجوز في أوضتك !!!
ابتعدت عن يد والدها تستدعي الصدمة
بشهقة مفتعلة :
-عاوز تتجوز ؟
وصوت صراخها يخلق هرج و مرج في املكان
والفضيحة التصقت بوالدها :
-يا ماما ،بابا عاوز يتجوز ِ
عليك!
93
ً
ليخرج صوت والدتها مشحونا :
علي؟ يا راجل يا شايب بعد السنين دي -تتجوز َّ
كلها؟
-راجل شايب ،طب امش ي يا...
تشهق باستنكار :
-قول ،قول ما أنت خالص مش بتفكر غير في
الجديدة
مقتربا منها يضمها بين ذراعيه لكنه يتجاهل ً
ً
هاتفا :
-يا ست الستات هو أنا أالقي زيك فين؟ ده أنا
مليش غيرك يا أم العيال
غرقت " مرام " في الضحك عليهما من بعدها
غادرت ناحية غرفتها تاركة والديها خلفها
يغمرون الجو البارد ً
حبا :
-اتنين ليمون و شجرة هنا لعصافير الحب !
94
مجرد رؤيتها لفراشها جعلتها تتثاءب راغبة
بالنوم ..فاندفعت ناحيته ملقية بالشال على
ألارض تردد بأعين مغمضة :
-النوم أحسن منك يا عزت ..
****
وألنها لعنت "عزت " اليوم بكل قوتها و تناولت
عليه السب هي التي كانت ترتدي ألاخالق
العالية تنازلت عن ذلك في عاصفة املشاعر
املحيطة بها منذ غيابه.
واللعنة على الاصطدام بأحدهم أثناء هروبك
فتقع به و إليه بال هوادة منك!
ارتعدت للخلف بشهقة هلع ،هي تجد نفسها
محاصرة بين الحائط و سيارة تقطع الطريق
ً
غضبا: عليها ،تشتعل عيناها
95
-أنت يا حيو..
لكن الكالم يقف في حلقها هي تميز "الحيوان "
الدائم الظهور في حياتها بسيارته الغبية مثله :
-حلوة املفاجأة؟
-زي الزفت..
يبتلع عصبيتها كأنها ش يء غير هام يعود ً
مقتربا
ً
مشاكسا بعبث : منها بلمح البصر ويهتف
-وحشتك؟
-في أحالمك بس!
ردها السريع بدون تفكير ارتفع له حاجبيه
باستنكار :
-مش مهم ،املهم أنا أخدتلك أجازة من خالي
هانقض ي اليوم كله مع عيلتك..
تعقد ذراعيها أمامها مرددة باستهزاء مقلدة
"فيفي عبده":
96
-ال أسكوزمي بقى ،أنتم عاملين مؤامرة َّ
علي
مقربا وجهه منها يهمس لعينيها بعشق : مال ً
-ما تجربي تقلدي بحبك خمس مواه كده،
عشان أقدر أقيم أدائك صح !
ترتفع حرارة وجنتيها بشكل لذيذ لعينيه جعل
يزداد غر ًاما ..فيبتعد عنها ً
متنهدا :
أنت حلوة من غير حاجة. -غيرت رأيي ِ
ً
"مرام " معها يدرك جيدا أنه كلما ود النجاة
ً
ازداد غرقا حد انقطاع ألانفاس !!
بدأت بالسير بجواره بعدما تخلى عن السيارة
الذي أتي بها لم ترد أن تقطع قدسية اللحظة
بينهم ،وتدمر اتصاله بخاله و اعتذاره لها عن
العمل.
97
شخصا ً
غريبا ً الحب رغم بساطته يجعل
يأخذك كلك و يتركك عارًيا بال حيلة أمام
عاصفته ..
-ليه رجعت قبل الشهر ما يخلص؟
-النهاردة يوم مميز مستحيل يفوت وأنا غايب
تعود بثرثرة سخيفة للغاية :
-ليه النهاردة عيد العمال وال عيد الشرطة
ممكن يكون عيد ألاضحى أو ألاهم يكون عيد
ميالدي !!!
انتهت من جملتها مرددة بذهول كأنها تلقت
ضربة على رأسها أعادت لها ذاكرتها الخرقاء :
ً
-النهاردة عيد ميالدي فعال..
كأي أنثى تجمع الخطوط ،وتدرك التفاصيل
الكاملة في الصور املثالية بل أقرب لنفسها أن
تكون حمقاء أدركت عشقه
98
تفهم آلان كونه من يرسل لها الزهور على
مكتبها في يوم عيد ميالدها
تلك التي كانت تلقيها في سلة القمامة مرددة
بغلظة :
"الورد ده للبنات املسهوكة ،جايب لي ورد يا
إبراهيم و أنا ما بحبوش"
ترفع نظرها له بصعوبة قدرت على منع
ضحكتها أمامه :
َ
-أنت !!!!
قبل أن يستعد للحديث معها أنذرت السماء
بهطول ألامطار الغزيرة عليهم ،جلجلت ضحكتها
مرددة:
-الدينا بتمطر !
-بشرة خير
99
ازدياد ابتالل مالبسها جعله يمسك بكفيها بين
كفيه يهتف بمرح :
-بتعرفي تجري؟
تبدأ بالجري معه وضحكاتهما تشاركهما
سعادتهما باألجواء املحيطة ،سعادة بدأت
ً ً
تتسرب لها شيئا فشيئا جعلته يرغب بقدر ما
ً
قريبا يبتعد بها بعيدا عنهم و يتركهميرى البيت ً
في جنون اللحظة غارقين حد الثمالة بها..
دخل البناية يقابلها بأنفاس الهثة و تنهدات
متتالية و حالها لم يقل عنه لكن قربه و حرارة
ً
أنفاسه منحاها دفئا ودت لو احتضن العالم
كله فيه !
مللمت خصالت شعرها املبتلة على جانب وجهها
بارتباك ،بصوت وهج بالبراءة :
-ليه شايف إننا مناسبين لبعض؟
100
بالقدر الذي يجعلها أنثى بكل هذه البساطة في
التحول من أفعى تلدغه لفراشة رقيقة و هشة
أجاب بيقين:
-إلني في كل لحظة من حياتي متأكد إني عمري
ما هاخذلك و هادعمك و هاقدرك ،بكل كياني
أنت بس! معاك ِ
ِ هاكون
يسكن الكالم للحظات لكن نبض القلب يزداد
ً ً
صخبا و عنفوانا :
-إلن مفيش مبررات أو أسباب في العالم كله
تكفيك بس اللي أعرفه إنه ماينفعش غيرك يا
ِ
مرام ! مش عاوز غير إني أكون حاضرك و
مستقبلك !
بقدر ما تدق طبول الحب بينهم ،بقدر كون
الاعتراف بالحب مجازفة كبرى تدعوك ملحاربة
التيار
101
اعترفت بأحرف عاشقة :
-أنا موافقة أكون خيط و أقول إني مانفعش
من غيرك ! أنا بحبك !!
تجذب كفها منه ببعض القسوة بينما تدفعه
بعيدا و تعاود الجري بخجل على درجات بيديها ً
السلم ناحية بيتهم ..
فتح "كريم " الباب تفرغ فاهها بصدمة كبيرة
من املكان حولها حيث عدد ال بأس به من
البالونات بجانب الكعكة املزينة املوضوعة في
منتصف غرفة املعيشة ..
تهمس بحرارة باسمه متأكدة من كونه صاحب
الخطة
"عزت "!!
ً
يخفض وجهه بجانب أذنيها مرددا:
أنت طيبة كل سنة و ِ
102
تتعالى دقات قلبها مندفعة للداخل ناحية
ً
والديها محتضنة كال منهما بسعادة :
ً -
شكرا على اليوم الحلو !
تبعدها والدتها عنه بتذمر :
مشيت في املطر؟ ِ أنت
-هدومك كلها مياهِ ،
هاتفا بشبهتومئ بإيجاب يتدخل "عزت " ً
صراخ :
-عمي أنا بطلب منك إيد مرام للمرة املليون؟
ً
ينتقل والدها بصره ببنهم هاتفا بحزم :
-أنا مش موافق!
يصرخ كل منهما في نفس واحد :
-أل
تجري "مرام " ناحية والدها متشبثة في قميصه
هاتفة بدالل :
-بابا أنا موافقة على عزت بجد املرة دي
103
يدعي والدها عدم الرضا على الزيجة
وبينما يشيح بوجهه بجمود
ً
مقاطعا: يهتف "كريم "
-دلوقتي ها تموتي و تتجوزيه بعد ما كان كلب
وال يسو..
ً
سريعا على فم تشهق بخجل واضعة يديها
"كريم " عيناها تنطق بالشر وتهمس بجوار أذنه
برعب :
-أوعى تتكلم بدل ما أقتلك بنفس ي!
ترفع بصرها ناحية "عزت " بابتسامة سمجة :
-ماتاخدش على كالمه ده عيل صغير
يردد بتبرم معتاد على طول لسانها :
أنت اللي لسانك عاوز القطع -عيل بردو وال ِ
تصرخ فيه بشراسة :
-عزت
104
يعيد لها الصرخة بصراخ أعنف و أقوى :
-مرام
ً ً
هنا جاء دور والدها صارخا فيهما معا بصوت
هز أرجاء البيت :
-أنا موافق ،موافق خالص
تعود السعادة و الضحكات على وجه الجميع
بينما يحتضن كل من "عزت" و "مرام " والدها
بامتنان و تقدير على إنقاذ اللحظة !
****
105
بعد سنة و نصف
106
تمد يديها لتلفها حول عنقه بدالل أنثوي :
-أقفل التليفزيون ..
يلتقط بعبث حبات الفشار من الطبق وعينه
معلقة باملباراة أمامه بحماس :
-أما املباراة تخلص
بدون مقدمات أو حركات أكشن للقادم كان
صراخها يصم أذنه :
-أنت ماعدتش بتحبني؟ َ
هو في لحظة درامية بحته ،عليه مراعاة تقلبات
مزاجها "الزفت" في ألايام ألاخيرة بسبب الحمل
..حيث قام بمجهود جبار ال داعي لذكره
ً
للحصول على طفل يعود مقبال جبينها بحنان
ً
هامسا بخبث :
-عشان بعشقك دلوقتي
107
تعود الابتسامة على وجهها أشبه بطفلة تلقت
ثوب عيد جديد ،الوضع يعود كما السابق في
إسناد رأسها على كتفه مرددة بهيام كلمته
املفضلة و لحن حبهم الخاص :
-أنا الخيط ..وأنتَ
لم تكد تكمل جملتها حتى أسرها بين عينيه
يكمل بهمس عاشق لم يفقد ألامل ً
يوما حتى
ً ً
صار يقينا ملموسا بين يديه :
-وأنا إلابرة
لقاء العيون يحكي ألف قصة و قصة ،لكن كل
منهم يكتفي بهمس جارف و حروف متشابكة
كنبضات قلوب تزعزعت :
-ماننفعش من غير بعض !
108
تمت بحمد هللا
2120/2/2
نبذة عن الكاتبة:
-إلاسم:آية أحمد
01-سنة
-من محافظة دمياط
-مازالت تدرس كلية التربية جامعة دمياط قسم عام
تاريخ
-صدر لها:
-قمر الينام! (قصة قصيرة)
-عالء الدين (قصة قصيرة)
109