You are on page 1of 109

1

‫نوفيال‬

‫إبرة وخيط‬

‫‪2‬‬
‫بقلم‬

‫آية أحمد‬

‫‪3‬‬
‫جروب‬

‫شخابيط وردية‬
‫إبداع الحرف وعشق ألابجدية‬
‫للدخول للجروب على الفيس بوك‬
‫‪https://www.facebook.com/groups/shakhabeit.wardia/‬‬

‫‪4‬‬
‫تدقيق لغوى‬
‫فاطمة سعدالدين‬
‫غالف خارجى‬
‫آية أحمد‬
‫قالب وتنسيق داخلى‬
‫إيمان أحمد‬
‫فريق عمل "شخابيط وردية"‬

‫‪5‬‬
‫الطرف ألاول‬

‫ألن البيوت املصرية تتشابه حد امللل ‪ ،‬هي‬


‫ليست في حاجة لصوت املنبه و ال لصياح‬
‫الديك ‪ ،‬يكفي صوت صراخ والدتها بأن‬
‫ً‬
‫صباحا فتصاب‬ ‫الساعة تخطت العاشرة‬
‫بعدها بالهلع و تستيقظ بأسوأ طريقة ‪.‬‬
‫تأوهت باأللم إثر سقوطها عن السرير ‪ ،‬فقد‬
‫ً‬
‫جموحا‬ ‫ضاع الحلم الجميل في أكثر لحظاته‬
‫بسبب صراخ والدتها ‪ ،‬لتزفر بضيق و هي بالكاد‬
‫تتذكر التفاصيل ‪ ..‬هي تمتلك ذاكرة دوري‬
‫بجدارة !‬
‫ألقت نظرة سريعة على الغرفة حولها بينما‬
‫تتثاءب برغبة شديدة في الانغماس في النوم ‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫نهضت من مكانها ترتب الغرفة ‪ ،‬و تضع كل‬
‫ش يء بمكانه ‪..‬‬
‫غادرت باب غرفتها‪ ،‬صارخة ‪:‬‬
‫‪-‬الشاي بلبن يا ماما ‪..‬‬
‫عيناها كانتا تقاومان النعاس و هي تبحث عن‬
‫ساعة الحائط ‪..‬يسقط فكها كالعادة الساعة‬
‫َ‬
‫لم تتخط الثامنة ‪..‬‬
‫تنتابها نوبة غضب عارمة فوالدتها خدعتها‬
‫ً‬
‫للمرة ‪ ..‬حسنا اللحظة تحمل شعار "مابعدش‬
‫يا چيمي " !‬
‫استندت لألريكة تحاول الحفاظ على توازنها ‪،‬‬
‫فهي في طريقها لسقوط محتمل على ألاريكة و‬
‫الدخول في غيبوبة كما تطلق عليها والدتها‬
‫الاسم ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫اقتربت منها والدتها تصيح بنفاذ صبر ‪:‬‬
‫‪-‬طبعا مش قادرة تقفي على رجلك من سهر‬
‫طول الليل على التليفون الزفت !‬
‫تحرك كتفيها في عدم اكتراث يليق بها ‪:‬‬
‫‪-‬أيوة يا ماما ‪ ،‬هو يا النوم يا التليفون ‪.‬‬
‫والدتها تفتعل دراما رخيصة من التسعينات ‪،‬‬
‫الدموع تترقرق في عينيها ‪:‬‬
‫‪-‬بتتريقي على والدتك يا مرام ؟ دي آخرة تربيتي‬
‫فيك‪ ،‬تتريقي على كالمي !‬
‫ِ‬
‫"مرام " سقطت في حالة صادمة و شلل مفاجئ‬
‫في لسانها ‪ ،‬ووالدتها بدون مقدمات كتبت تحت‬
‫اسمها بالـ "بنط " العريض "ابنة ضالة " ‪..‬‬
‫تقترب من والدتها تنحني تقبل يديها بحنان ‪:‬‬
‫عليك يا ست الكل !‬‫‪-‬ماحدش يقدر يتريق ِ‬

‫‪8‬‬
‫تهللت أسارير والدتها فألقت في وجهها‬
‫مفاجأة غير متوقعة ‪:‬‬
‫بخصوصك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أبوك و اتكلم معاه‬
‫‪-‬عزت قابل ِ‬
‫وأبوك وافق يجي النهاردة هو و عيلته ‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪-‬نعم!‬
‫حيث املوقف ال يحمل أي تعبير آخر غير "نعم"‬
‫‪ ،‬هي أقرب ما يمكنها نطقه بعد املوقف الذي‬
‫وضعها فيه والدها ‪ ،‬كيف يفعل بها ذلك ؟‬
‫"عزت "من جديد يظهر على الساحة و يعكر‬
‫صفو حياتها ‪ ،‬بعد رفضه املرتين السابقين لم‬
‫تتوقع أن يجدد طلبه بالزواج منها ‪..‬‬
‫"عزت " ال يمل ً‬
‫أبدا ‪،‬‬
‫و هي قررت الانتقام منه !!‬
‫بدون كلمة زائدة اتجهت للحمام و ثم لغرفة‪..‬‬
‫تخرج بنشاط مرتدية مالبس العمل ‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫و ما كادت تتجه لباب حتى أوقفها صوت‬
‫والدتها من الخلف ‪.‬‬
‫اندفعت تحتضنها ‪ ،‬تطبع قبلتين سريعتين على‬
‫وجنتيها تهتف ‪:‬‬
‫‪-‬مش هاتأخر ‪ ،‬هاروح الشغل و هاجي قبل‬
‫الساعة سبعة ‪.‬‬
‫لم تترك لوالدتها فرصة فهم ش يء مما يحدث‬
‫سريعا مغادرة قبل أي‬‫ً‬ ‫وهي تندفع خارج البيت‬
‫حديث آخر‬
‫****‬
‫ترفع معصمها فتجد الساعة تخطت العاشرة‬
‫مساء‪ ،‬تبتسم بظفر كأنها حصلت على ورقة‬ ‫ً‬
‫اليناصيب‪.‬‬
‫تتدفق أنغام لحن قديم من محل قريب ‪...‬تبدأ‬
‫بدندنة خافته بالالمباالة‬
‫‪10‬‬
‫كل تفكيرها يأخذها في كيفية إرضاء والدتها و‬
‫والدها بطريقة مناسبة ال تضعها موضع شك‪.‬‬
‫تتصور الدراما التليفزيونية التي ستحدث بينما‬
‫هي بدمعتين و عبوس وجهها وتخبرهم بحزن ‪:‬‬
‫"املدير قالي مفيش خروج بدري "‬
‫"كان ها يتخصم مني أسبوع يا ماما‪ ،‬أسبوع‬
‫تخيلي "‬
‫"إال مستقبلي يا بابا‪ ،‬إال مستقبلي "‬
‫أما عريس الغفلة ألافضل له أن يحترق في‬
‫ّ‬
‫السفلي أو يختفي‪...‬‬ ‫الجحيم‬
‫تتقاطع أفكارها بنظرة قلقة للخلف‪ ،‬شعور‬
‫خصوصا بوجود تلك‬ ‫ً‬ ‫بعدم ألامان يغلف روحها‬
‫السيارة السوداء وراءها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقفت مكانها بشجاعة حيث حقيبة يدها‬
‫تحتوي على أسلحة للمتحرشين أمثاله واللعنة‬
‫على املجتمع الذكوري املتعفن‪..‬‬
‫تعود أدراجها لسيارة ضاربة على زجاج ‪،‬‬
‫ولسانها يلعنه بسخط ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬أنت يا حيوان‪ ،‬أفتح الباب حاال‬
‫صراخ صوتها يرتفع كأنها أمسكت مجرم هارب‬
‫من العدالة ‪:‬‬
‫‪-‬مفكر نفسك مين؟ ها مين أنت عشان تمش ي‬
‫ورايا؟ وهللا هاخليك عر‪..‬‬
‫تشهق بصدمة بينما تتراجع بنزول صاحب‬
‫السيارة‪ ،‬تلك املالمح ليست غريبة عليها باملرة ‪،‬‬
‫تتجاوز كل هذا دفعة واحدة‪ ،‬مرددة بغيظ ‪:‬‬
‫َ‬
‫‪-‬أنت !!!‬

‫‪12‬‬
‫يبتسم لها بهدوء ‪:‬‬
‫‪-‬مرام !‬
‫حروفه تحمل لهفته‪ ،‬وشوقه‪ ،‬تأثيرها امللفت‬
‫للعين لكنها تتغاض ى عنه و عن مشاعره ‪:‬‬
‫‪-‬هو الحلو ضيع الطريق وال باين عليه‬
‫مابيفهمش؟‬
‫يحرك كتفه بعدم اكتراث ‪،‬يهتف ‪:‬‬
‫ال بصراحة والدك قالي أجيبك بدل التأخير ده‬
‫تهديه ابتسامة مريبة‪ ،‬عيناها تناوشه ببراءة‬
‫غريبة مع تعابير وجهها الجامد ‪:‬‬
‫‪-‬يعني بابا قال اقتراح‪ ،‬أنت حبيت تعرض‬
‫خدماتك اللطيفة َّ‬
‫علي‪ ،‬أمممم‬
‫تنظر حولها كتمشيط ضابط شرطة مكان‬
‫مكافحة املخدرات‪ ،‬النساء حين التفكير يدعون‬
‫ً‬
‫لالختباء بعيدا عن محيطهم‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫تراقب سيارته بنظرة مرعبة جعلته يرغب‬
‫باحتوائها‪ ،‬و أخبرها أنها مجرد مختلة عقلية لن‬
‫تفعل ش يء مخيف ‪.‬‬
‫حيث لو فعلت ش يء "حسام " سيقطعه و‬
‫يلملم جسده الرياض ي الجميل في أكياس‬
‫سوداء ويرميه للكالب الضالة !‬
‫بدون مقدمات أو جرس إنذار كانت تهبط على‬
‫باب السيارة بضربات متتالية بقدمها بال‬
‫حساب ‪،‬و كعب حذائها يساعدها على إحداث‬
‫ضرر كبير‪.‬‬
‫تراجعت للخلف بحرج مفتعل تعيد خصالتها‬
‫خلف أذنها بوداعة ‪:‬‬
‫‪-‬سوري مش بركب عربية بابها بايظ‬
‫ما إن ألقت بجملتها بوجهه حتى بدأت بالسير‬
‫ً‬
‫بعيدا عنه‪..‬‬
‫‪14‬‬
‫مصدوما للحظات قبل تدفق‬‫ً‬ ‫وقف مكانه‬
‫ضحكاته بصخب على فعلتها الرعناء ‪ ،‬و عيناه‬
‫ال تصدق ما فعلته لتذم شفتيها بضيق حيث‬
‫رده غير متوقعة باملرة‪.‬‬
‫"الرجال عند ملس سيارتهم " يصيبهم جنون‬
‫مطلق كأنه تم املساس بكرامتهم ‪،‬و هي رغبت‬
‫بحرق قلبه ألاحمق لكن معه تجد استثناء ‪.‬‬
‫ً‬
‫دقيقة‪ ..‬اثنتين‪ ..‬ثالث عاد بظهر مستندا على‬
‫السيارة يراقبها مغادرة‪ ..‬يختل قلبه‪ ،‬روحه‪،‬‬
‫كيانه كله‪.‬‬
‫"مرام " امرأة طاغية‪ ،‬مبهرة‪ ،‬ملفتة أشبه‬
‫بخيط سعادة يرغب بحياكته بحنكة خياط‬
‫على فجوات ألالم و الحزن داخله فيختفي‬
‫معها كل ش يء و تبقى هي فقط !‬

‫‪15‬‬
‫ً‬
‫ساخرا‪:‬‬ ‫يجد نفسه يردد‬
‫"العمر لحظة بس الحلوفة مش مالحظة‪ ،‬أنت‬
‫املعين يارب "‬
‫قاطعة رنين الهاتف باسم "حسام" ‪:‬‬
‫‪-‬هو يوم مش فايت‪ ،‬أنا عارف !‬
‫يفتح املكاملة متوجس ‪..‬يصله صوت صديقه ‪:‬‬
‫َ‬
‫‪-‬أنت فين؟ أنا محتاج العربية عندي مشوار‬
‫مهم‪.‬‬
‫ً‬
‫يلقي نظرة آسفة ناحية السيارة متخيال‬
‫"حسام " ينتظره بحبل املشنقة على باب‬
‫شقته ‪:‬‬
‫‪-‬بصراحة‪ ..‬بصراحة‪..‬‬
‫‪-‬أنت لسة هاتفكر بقولك عايزها عندي‬
‫مشوار!‬

‫‪16‬‬
‫حان وقت قلب الطاولة على "حسام "‪..‬‬
‫فهتف بنبرة سمجة‪:‬‬
‫‪-‬حسام أنت أخدت مني ‪ 011‬جنية ولسا‬
‫مارجعتهاش ‪.‬‬
‫ليسأله "حسام " بتوجس‪:‬‬
‫‪-‬أنت عملت إيه بوظت العربية؟‬
‫استهجن بنبرة حزينة مفتعلة ‪:‬‬
‫‪-‬صح بس هانكر ‪.‬‬
‫مصدوما وهو يجده أغلق‬ ‫ً‬ ‫حدق بشاشة هاتفه‬
‫الخط في وجه‪ ..‬يرفع رأسه لسماء مردد بمزاح ‪:‬‬
‫‪-‬يعني منعدم ألامل‪ ،‬وفاقد الشغف‪ ،‬وكمان‬
‫هاموت قبل ما أتجوز!‬
‫****‬

‫‪17‬‬
‫الطرف الثاني‬

‫العائلة هي الدفء و ألامان‬


‫هي أرواح تتآلف منذ لحظة الوالدة و معها‬
‫تتعلم الحب و الحياة !‬
‫أما عائلتها هي كارثة كبري‪ ،‬قنبلة نووية على‬
‫وشك الانفجار بل عائلة مجنونة بالكامل من‬
‫أول فرد إلى آخرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫الليلة املاضية ال تصدق حقا ما حدث معها‪،‬‬
‫لقد أطفأوا أنوار البيت كلها و ذهب كل واحد‬
‫منهم لغرفته قبل عودتها من الخارج‪ ،‬ما أن‬
‫دخلت البيت حتى انقبض قلبها ً‬
‫هلعا‪ ،‬البيت‬
‫أقرب لبيوت ألاشباح ‪.‬‬
‫منذ ولدت تحب جنون عائلتها‪ ،‬تحب لحظات‬
‫التي يخرج فيها الجميع عن حيز العقل و يبتكر‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫لكن أن يستخدموها أداة للعب‪ ،‬هذا مرفوض‪،‬‬
‫ً‬
‫مرفوض بتاتا!‬
‫اليوم يحمل عنفوان من نوع خاص‪...‬نقلت‬
‫ببصرها بين وجوهم الجامدة و كل واحد ينظر‬
‫للطبق أمامه بدون كلمة واحدة !‬
‫هي لن تعتذر ‪..‬لن تعتذر مهما حدث‪..‬‬
‫"مرام فؤاد " ال تعتذر لو اصطدم نيزك بكوكب‬
‫ألارض و حانت لحظة النهاية لن تعتذر‪...‬‬
‫‪-‬ماما‪ ،‬بابا أنا أسفة !!!!‬
‫أما والديها ظل كل واحد منهما على حاله يأكل‬
‫الفطور بال اهتمام بينما يشير لها أخيها ذا‬
‫ً‬
‫هامسا‪:‬‬ ‫العشر سنوات‬
‫‪-‬دي آخرة عقوق الوالدين‪.‬‬
‫اندفعت ضحكتها صاخبة بعنفوان‬

‫‪19‬‬
‫تشير اتجاه والدها متعلقة برقبته بحب ‪:‬‬
‫‪-‬يعني عاوزاني أنزل الشغل وأنت زعالن مني؟‬
‫تطبع قبلة سريعة على جبهته كاعتذار غير‬
‫منطوق ‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪-‬فؤاد باشا أرجوك اعف عن بنتك حبيبتك‬
‫بعدين أنت عارف الكائن اللزج ده مش ممكن‬
‫أتجوزه أبداً‬
‫تهتف والدتها بتذمر ‪:‬‬
‫‪-‬بنت عيب !‬
‫تبتعد عن والدها بطريقة مسرحية‪ ،‬هاتفة‬
‫بصوت خافت ‪:‬‬
‫‪-‬جطعة طبطبة لو تكرمتم؟ جطعة حنان‬
‫والدين و حب أبوي بريء لو تكرمتم؟‬
‫أنا بنتكم مش بنت الجيران !!!‬

‫‪20‬‬
‫تتعالى ضحكات الجميع على مظهرها املخيب‬
‫لآلمال‪ ..‬فتهجم عليهم بقبالت متفرقة على‬
‫وجنتهم مرددة ‪:‬‬
‫‪-‬الحمدهلل أنا ربنا نصرني ‪.‬‬
‫يهتف أخيها ماز ًحا‪:‬‬
‫‪-‬كنا عاوزين نفرح يا أختي‪ ،‬عاوزين نفرح‬
‫وحشتنا الفرحة !‬
‫تسدد له لكمة قوية على رأسه مانحة له‬
‫تحذيرات خفية أن يفتح فمه الصغير هذا مرة‬
‫أخرى‪ ،‬و ستلقيه بعدها من الشباك‪..‬‬
‫ابتعدت تجمع أوراق عملها و حقيبة يدها‬
‫متوجهة ناحية الباب‬
‫منطلقة للخارج‬
‫لتوقفها يد والدها الذي جذبها ألحضانه‬

‫‪21‬‬
‫مربتا على خصالتها بحنان ‪:‬‬ ‫ً‬
‫إنك اعتذر ِت إني نسيت يا مرام‪،‬‬ ‫‪-‬مش معني ِ‬
‫أنت بنتي بس ماينفعش تحرجيني قدام الراجل‬ ‫ِ‬
‫حتى لو مش موافقة!‬
‫رفعت وجهها لوالدها تشعر بمدى ذنبها مرددة‬
‫بحرج ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬ماعرفتش أتصرف صح‪ ،‬أنا فعال طايشة بس‬
‫مابحبش حد يحطني قدام ألامر الواقع‪..‬‬
‫يحرك والدها رأسه بإيجاب‪ ،‬يهتف بتفكير ‪:‬‬
‫أنت‬
‫‪-‬مش هانتكلم مش موضوع عزت ما دام ِ‬
‫مش موافقة‪ ،‬ألاهم عندي تكوني واثقة في‬
‫قرارك‪..‬‬
‫تردد بغمغمة خافتة ‪:‬‬
‫‪-‬ربنا يخليك يا بابا‪..‬‬
‫****‬
‫‪22‬‬
‫وصلت ملحل عملها بعد نص ساعة‪ ،‬يعد من‬
‫حسن حظها قرب الشركة من البيت‪ ،‬تهادت‬
‫بمشيتها في تحفز متجهة إلي مكتبها بإرهاق ذهني‬
‫يشغل تفكيرها منذ لحظة خروجها‪..‬‬
‫هتفت بصوت مثير للسخرية ‪:‬‬
‫‪-‬الحمدهلل كل حاجة ماشية زي ما أنا مش‬
‫مخططة لها بالظبط‬
‫عيناها تنحدر لألوراق أمامها ‪،‬هي تعمل في‬
‫مجال التسويق و إلاعالنات بعد تخرجها بعام‬
‫واحد‪ ،‬لديها الكثير من ألاحالم في جعبتها ال‬
‫تريد التخلي عنها ملجرد الزواج !‬
‫الزواج ‪ ،‬واملسؤولية‪ ،‬وألاطفال الذين تمقتهم‬
‫ً‬
‫بشدة‪ ،‬ال يمكن أبدا أن تخيل نفسها ببطن‬
‫ً‬
‫منتفخ تسير في املكان بتبعثر هنا و هناك منادية‬
‫على سعيد الحظ بمساعدتها‪..‬‬
‫‪23‬‬
‫لو كانت عائلتها تريد منها أن ترقص على أغنية‬
‫"طلي باألبيض طلي يا زهرة بيسان‪ ،‬طلي‬
‫باألبيض "‬
‫هي لألسف الشديد ترى نفسها "جرجير يافعة "‬
‫تريد الرقص على أغنية "مليونير‪ ،‬مليونير بكرة‬
‫هابقى مليونير " بكل ألاشكال السوقية املنتشرة‬
‫في السوق !‬
‫تطرقت ببصرها لألوراق تعيد إكمال ما‬
‫ينقصها و تضيف عليها لتأخذها نفسها لعالم‬
‫آخر تنس ي فيه الكون‪ ،‬تكون فقط منسجمة مع‬
‫شغفها و حبها الكبير للعمل !‬
‫طرقات خافتة جعلتها تجفل مكانها مندهشة‬
‫من وجوده هنا بابتسامته املتحفزة ‪:‬‬
‫‪-‬صباح الخير‪..‬‬

‫‪24‬‬
‫استمرت على تجاهلها له بدون التطرق للرد‪..‬‬
‫ليستكمل بمشاكسة ‪:‬‬
‫‪-‬على ألاقل ردي‪ ،‬بدل ما أطلب منك تعتذري لي‬
‫على موقف أمبارح‬
‫مرت عيناها عليه باستهانة‪:‬‬
‫‪-‬أعتذر لك؟ أنت‪..‬‬
‫تضغط على شفتيها بغيظ كاتمة بداخلها‬
‫الوصف الصحيح ملكانته بالنسبة لها‪ ،‬يهتف‬
‫ببساطة ‪:‬‬
‫‪-‬املفروض استنيتك أنا و أهلي عندكم بس ِ‬
‫أنت‬
‫خلفتي بامليعاد‪ ،‬صح؟!‬
‫‪-‬بس أنت ماعندكش أهل يا عزت !!‬
‫انتفض كيانه في وقفته املتحفزة رجع خطوة‬
‫للوراء‪ ،‬توقع كل ش يء منها بسبب لسانها‬

‫‪25‬‬
‫السليط ولكن معايرته بفقدانه أهله ‪،‬كانت‬
‫ضربة قاضية له‪!..‬‬
‫وقفت مكانها بتشتت‪ ..‬تراقب تأثره الظاهر على‬
‫ً‬
‫تجهم مالمحه‪ ،‬ال تصدق ما قالته حقا لم تكن‬
‫يوما بهذا السوء‪ ،‬لكن هو و وجوده يستفزها‬‫ً‬
‫بكل الطرق‪..‬‬
‫تأملته للحظة بسكون متنهدة بعمق ‪:‬‬
‫‪-‬عزت‪ ،‬أنا ماكان‪..‬‬
‫هروب الكلمات و الحروف‪..‬‬
‫شقت بسمة ساخرة طريقها لشفتيه‪:‬‬
‫‪-‬عندي اجتماع مهم مع املدير‪ ،‬سالم !‬
‫دقيقة و اختفى من أمامها كأنه يظهر عدم‬
‫رغبته بهذا القرب املهلك‪ ..‬القرب الذي كلما‬
‫رغب فيه كدواء أصبح هو الداء القاتل‪..‬‬

‫‪26‬‬
‫انضمت بعد لحظات لهم لالجتماع مختلسة‬
‫النظرات له من حين آلخر‪ ،‬تحاول إظهار‬
‫تركيزها على عرض مقترحات جيدة إلعالن‬
‫الذي يريده‪!..‬‬
‫انتهى الاجتماع بعد ساعة كاملة‪ ،‬حاولت‬
‫البحث بعدها عنه لم تجده‪ ،‬تقسم أنها لم‬
‫تقصد إيالمه بتلك الطريقة السيئة ‪!..‬‬
‫****‬
‫في املساء‪...‬‬
‫في غرفة أخيها يتم التحضير ملؤامرة كونية‪،‬‬
‫تهتف بغيظ ‪:‬‬
‫‪-‬كريم‪ ،‬بقولك إيه ها تديني مكان شغله وال ال؟‬
‫يعبث "كريم " بخصالت شعره ‪:‬‬
‫أديك الرقم تقتليه‪ ،‬وقتها الشرطة‬‫‪-‬أنا خايف ِ‬
‫علي عشان أنا قولتلك!‬‫هاتيجي تقبض َّ‬

‫‪27‬‬
‫تشتعل من الغيظ حيث "فرقع لوز " هذا‬
‫سيجعلها تجن من كالمه ‪:‬‬
‫‪-‬يا كريم يا حبيبي‪ ،‬مفيش حاجة تخليني أقتل‬
‫عزت‪.‬‬
‫ً‬
‫مرددا بنزق ‪:‬‬ ‫ينظر لها بشك‪،‬‬
‫‪-‬أيوة فاكرة أول مرة قال لبابا عاوز يتجوزك و‬
‫ماما الصبح قالت إنك و أنت نايمة قولتي‬
‫هاقتله‪ ،‬هاعمله شاورما الحيوان !‬
‫تمنع ضحكاتها بصعوبة مندهشة من ذاكرة‬
‫"كريم" الفوالذية‪ ،‬حيث "فرقع لوز " يتذكر ما‬
‫حدث منذ شهرين كاملين!‬
‫تحاول الوصول لحل يرضيه فتهتف بمكر ‪:‬‬
‫‪-‬هاديك خمسة جنيه و تقولي‪ ،‬موافق؟‬

‫‪28‬‬
‫يرفع "كريم " أصابعه العشر أمام وجهها‪ ،‬تعقد‬
‫حاجبيها بعدم فهم هل يحمي نفسه من‬
‫الحسد أم يطلب منها عشرة جنيه!‬

‫****‬
‫تحركت في الفراش عدة مرات في محاوالت‬
‫فاشلة للنوم‪ ،‬مازال ضميرها يعاتبها على قسوة‬
‫حديثها معه !‬
‫أغمضت عينيها تتغلب على ذكريات املاض ي‬
‫عندما كانت بعمر الخامسة عشر انتهت يومها‬
‫مبكرا راحت تضحك‬ ‫من الحصص املدرسية ً‬
‫بطفولة و هي تجري محاولة الوصول لبوابة‬
‫املدرسة‪.‬‬
‫لكن أذنيها التقطت أنين خافت ألحدهم يختبئ‬
‫بالظالم على مقربة من دورة املياه ‪..‬تنتقل‬
‫‪29‬‬
‫بقدمها ناحية املكان املظلم إال من نور الشمس‬
‫الساطعة‪..‬‬
‫تفرغ فاهها بصدمة و هي تجده "عزت " جارهم‬
‫الذي يكبرها بعامين‪ ،‬يجلس هناك متكوم على‬
‫نفسه و يبكي بحزن بالغ ‪..‬‬
‫اقتربت تجلس بجواره تمد يديها تربت على‬
‫كتفه بعطف متذكرة كلمات والدتها هي تخبرها‬
‫ً‬
‫صباحا بوفاة جارتهم ‪:‬‬
‫‪-‬عزت !‬
‫كان في حالة خاصة من الشجن و الحزن على‬
‫وفاة والدته‪ ،‬جسده كله ينتفض إثر بكائه‬
‫متذكرا صراخ والده عليه بالذهاب ملدرسته‬‫ً‬
‫وعدم السماح له بالبقاء في املنزل‪.‬‬
‫بترت سكونها بتردد رافعة رأسها ناحيته‪:‬‬
‫‪-‬ماتعيطش‪ ،‬أما بتعيط أنا بزعل عشانك !‬
‫‪30‬‬
‫‪-‬ماما ماتت‪ ،‬ماتت وسبتني لوحدي‬
‫ذبحتها كلماته‪ ،‬شعرت بمعدتها تنكمش بألم‬
‫يخزها ‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪-‬تعرف بابا قالي مرة أما حد يموت ماينفعش‬
‫نعيط عشان هو بيكون شايفنا و بيزعل زينا‪.‬‬
‫تعود له بابتسامة طفيفة مشيرة لدموعه مازال‬
‫أثرها على وجه ‪:‬‬
‫‪-‬أنت الزم تمسح دموعك بسرعة عشان مامتك‬
‫ماتزعلش منك و هي عند ربنا‪ ..‬أنت بس أدعي‬
‫لها بالرحمة و هي هاتعرف !‬
‫تمد له بمناديل الورقية ‪..‬يلتقطها منها بسكون‬
‫غريب ‪.‬‬
‫كانت أول و آخر مرة في حياتها تراه ضعيف و‬
‫خائف‪ ،‬حيث صدمتها الثانية كانت وقت وفاة‬

‫‪31‬‬
‫والده بعدها بشهرين لم يكن حال الناس وقتها‬
‫غير جملة واحد‬
‫"ماقدرش يستحمل فراقها من كتر حبه ليها "‬
‫يوم العزاء وجدته يقف كرجل شامخ‪ ،‬يثبت‬
‫مكانه بين الحضور يتلقى التعازي من الجميع‬
‫بدون أن تسقط من عينه دمعة‪ ..‬جامد كصخر‬
‫ضربه املوج عدة مرات متتالية فلم يعد يخاف‬
‫املوج مهما أرتفع !‬
‫بعدها انتقل للعيش مع خاله بعيد عنهم و ترك‬
‫الحارة‪.‬‬
‫****‬

‫‪32‬‬
‫الطرف الثالث‬

‫الحب هو الطرف الثالث بين شخصين‬


‫متحابين!‬
‫الحب يغير القوانين و النظريات و ُيذهب‬
‫سنوات الدراسة ً‬
‫هباء‬
‫الحب يغير القانون لصالحه فقط‬
‫يصبح "‪ "0=0+0‬بدون وعي منك تنساق بقبول‬
‫اض ملعادلته الغريبة!‬
‫ر ٍ‬
‫روحك و روح حبيبك واحدة‪ ،‬مشاعرك و‬
‫مشاعره واحدة‬
‫شغفك و شغفه واحد !‬
‫الحب شعور غريب يشمل كل ش يء ‪..‬‬
‫الحب إبرة و خيط !‬
‫****‬
‫‪33‬‬
‫ثالث طرقات على باب مكتبه كانت كافية‬
‫ملعرفته أنها هي‪ ،‬ثالث طرقات تشبهها ً‬
‫تماما‬
‫كأنها ترغب بطبع ملستها في كل ش يء يخصه‪..‬‬
‫ألاولى متهورة‬
‫الثانية جامحة‬
‫الثالثة هادئة !!‬
‫هي امرأة صنعت اللحظة ألاولي‪ ،‬امرأة معها‬
‫جموح الحب و لوعته وهو يحب تذوق حالوة‬
‫اشتياقه لها‪!..‬‬
‫دخلت للمكتب تحاول التغلب على صراعها‬
‫الداخلي بكونها مذنبة في حقه‪ ،‬حافظ على‬
‫جموده يقطع الصمت بينهم ‪:‬‬
‫إنك جاية‪.‬‬
‫‪-‬أستاذ مراد كلمني قالي ِ‬
‫تعثرت‪ ،‬ترددت بحيرة في كيفية بدء الحوار‬
‫معه‪..‬‬
‫‪34‬‬
‫ً‬
‫يمد لها ألاوراق املطلوبة مستكمال ‪:‬‬
‫‪-‬دي أوراق خاصة بـ‪..‬‬
‫قاطعته تردف باعتذار سريع ‪:‬‬
‫‪-‬بصراحة اضطريت أقول ألستاذ مراد إني جاية‬
‫لك في شغل عشان مايتخصمش مني يوم‬
‫يعقد حاجبيه بعدم تصديق‪ ،‬تكمل ‪:‬‬
‫‪-‬بس كنت عاوزة أعتذر عن أسلوبي معاك يوم‬
‫الشركة‪ ،‬بس أنت‪...‬أنا أما بشوفك بتعصب و‬
‫ً‬
‫برمي دبش غصب عني! آسفة جدا على اللي‬
‫قولته !‬
‫صمتت بعدها تلتقط أنفاسها بتعثر مراقبة له‬
‫معطيا ظهره لها‪..‬‬ ‫ً‬ ‫يتحرك من مكانه ليقف‬
‫يراقب بوجهه الشارع من زجاج املكتب ‪:‬‬
‫‪-‬ماقبلتش اعتذارك بس ممكن أقبله لو‪..‬‬

‫‪35‬‬
‫ً‬
‫عقلها كان شاردا في كلمته "ماقبلتش اعتذارك"‬
‫لم تسمع باقي حديثه مغيبة العقل هي تريد‬
‫الانقضاض عليه برغبة التخلص منه!‬
‫تتساءل باستنكار داخلها متى سمح لنفسه أن‬
‫يقبل اعتذارها أم ال يكفي أنها قالت "آسفة "‬
‫بشعور الخزي و الذنب الذي يلف روحها منذ‬
‫الليلة املاضية ‪..‬كيف وضع نفسه موضع‬
‫"محور الكون" ؟‬
‫وقفت متحفزة مكانها ضاربة بيديها املكتب ‪:‬‬
‫‪-‬إمتى طلبت رأيك في اعتذاري؟ املفروض تقدر‬
‫إني جيت لحد عندك عشان أعتذر !!‬
‫لم يجد أمام انفعالها غير ارتفاع ضحكاته‬
‫بصخب ‪:‬‬
‫‪-‬باين مش عارفة إن ده حقي أقبل وال أرفض؟‬

‫‪36‬‬
‫ً‬
‫تحرك من مكانه يقف أمامها قائال بهدوء ‪:‬‬
‫‪-‬بعدين أنا قولت قبلته بس تعزميني على قهوة‬
‫في كافتيريا قريبة من هنا‬
‫يضع يديه أسفل دقنه بينما يسألها باهتمام‬
‫وعيناه تخترق عينيها كأنها تعري روحها أمام‬
‫روحه ‪:‬‬
‫أنت ماكنتيش مركزة معايا باين !‬‫‪ِ -‬‬
‫ضربت وجنتها حمرة طفيفة‪ ،‬ابتعدت عنه‬
‫خطوة للوراء غير مصدقة كونه قدر على قلب‬
‫طاولته فوق رأسها بهذا الشكل‪..‬‬
‫ضمت يديها تعبث بأصابعها‪ ،‬و تلعثمت‬
‫بغمغمة خافتة‪:‬‬
‫‪-‬موافقة‪ ،‬ممكن نمش ي‪..‬‬
‫ً‬
‫الحظ حركة يديها املتوترة مدركا كونه سبب لها‬
‫إحراج طفيف يراه ً‬
‫جليا‪،‬‬
‫‪37‬‬
‫ً‬
‫هامسا بخفوت ‪:‬‬ ‫يبتسم لها بمشاكسة‬
‫أنت متوترة‬
‫‪-‬تعرفي شكلك أحلى و ِ‬
‫عادت ترمقه بضيق مستعيدة نفسها مرة‬
‫ً‬
‫أخرى بعيدا عن توترها املفاجئ من حرج سببه‬
‫له ولكنها لن تتركه يفوز في الجولة القادمة‬
‫بينهما !‬

‫****‬
‫جلست مكانها في املقعد املقابل بينما ظلت‬
‫تفكر في طلبه الغريب لتاكس ي يأتي بهم ملكان‪،‬‬
‫متذكرة تلك الليلة التى ضربت فيها سيارته‬
‫ً‬
‫نظر لها مدركا حيرتها ‪:‬‬
‫‪-‬ماكانتش عربيتي‪ ،‬كانت عربية صاحبي!‬

‫‪38‬‬
‫ابتسم لها بخبث ‪:‬‬
‫حققت اللي عاوزه‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬بس تقدري تقولي ِ‬
‫إنك‬
‫بردو‪ ،‬حسام كان ناقص يقطع عالقته َّبي أما‬
‫شاف عربيته هو مجنون بيها‪!..‬‬
‫رفعت رأسها له سأله بجزء من اهتمام و جزء‬
‫يرغب بتضييع الوقت ‪:‬‬
‫‪-‬وأنت مجنون بإيه؟‬
‫لسانه انعقد بينما رغبته الشديدة تتزايد‬
‫باندفاع متهور‬
‫يخبرها فيه بكل بساطة و تعقيد ‪:‬‬
‫"أنا مجنون ِ‬
‫بيك"‬
‫مرددا بيسر ‪:‬‬ ‫لكن يصمت وسواس داخله ً‬
‫‪-‬بالكورة‪ ،‬تقدري تقولي زي أي راجل مصري‬
‫بحب أتابع املبا يات و بنفعل معاها جداً‬
‫ر‬

‫‪39‬‬
‫تومئ برأسها بتفهم‪ ..‬ليقاطع هو محاوالت‬
‫الصمت و الهدوء بينهم ‪:‬‬
‫‪-‬حاسس إنك عاوزة تقولي حاجة؟ ده صح !‬
‫احتوت بين كفيها كوب القهوة تستمد منه‬
‫دفء حرارته ‪ ،‬حائرة هي‪..‬‬
‫شاردة بعدم استيعاب لقدرته على فهم‬
‫انفعاالتها بتلك السهولة ‪:‬‬
‫‪-‬شكل املكان مختلف خالص عن تخيلي‪،‬‬
‫ً‬
‫حقيقة املنظر جميل جدا والشغل مختلف‬
‫خالص عن مجال تصميم الفساتين!‬
‫خاليا جسده في تلك اللحظة كانت منتشية و‬
‫سعيدة بكل صخب وحيوية لكن مع ذلك كان‬
‫ً‬
‫فاقدا ألامل في أنها لن ترميه "بـدبش" آخر‬
‫بـلسانها الطويل الذي يستحق القطع‬

‫‪40‬‬
‫تجذبه من تفكير بتساؤل ‪:‬‬
‫‪-‬بس بردو أيه يخلي واحد زيك بعد خمس‬
‫سنين جامعة و شهادة هندسة يشتغل خياط؟‬
‫مستدعيا "كوميك" سخيف ‪:‬‬‫ً‬ ‫يهتف بمزاح‬
‫‪-‬ماحبتش أكون حاجة تانية خارج تصنيف‬
‫البشر ذكر أو أنثى!‬
‫منحته ابتسامة سمجة بدون رد فعل‪ ،‬فرد‬
‫الفعل الوحيد على "خفة دمه " ألاشبه‬
‫بالشربات هو ضغطها بقسوة على أصابع قدمه‬
‫بحذائها من أسفل الطاولة حتى يفقد القدرة‬
‫على املش ي !‬
‫يستدعي مالمح جدية ً‬
‫هاتفا‪:‬‬
‫‪-‬بحب الخياطة و التفصيل ‪ ،‬مابحبش حاجة‬
‫تعجبني و ماتعلمهاش في اللي بيكمل معايا‬

‫‪41‬‬
‫أو بفقد شغفي فيه بس الخياطة والتفصيل‬
‫كانت شغفي فقررت أكمل لآلخر‬
‫طبعا ما تقول‬‫‪-‬إيه نظريتك للجواز! بدون ً‬
‫إلاجابات التقليدية اململة و غيره!‬
‫بعيدا‪ ..‬حرك رأسه بسالسة إن‬ ‫أخده التفكير ً‬
‫حبا بشكل واضح و‬ ‫كان املوقف بينهم يحمل ً‬
‫صريح ألخبرها آلان أنه يحب بعثرة مشاعره‬
‫معها وأنه يريد أن يكمل حياته كلها بين يديها و‬
‫لكن عينيها تنطق‬
‫"ال أريدك"‬
‫و يأمل لو يقدر على نطقها فـيلتقيان في نقطة‬
‫ما‪ ..‬هو بكل جوارحه يريدها أنثاه!‬
‫‪-‬تقدري تقولي بشوف الراجل و الست زي إلابرة‬
‫و الخيط بالظبط‪ ،‬إبرة و خيط ماينفعوش من‬
‫غير بعض‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫رمقته بتساؤل ألول مرة يجذب انتباهها حديثه‬
‫عن ش يء‪ ،‬يستكمل بتوضيح ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬مثال الراجل إلابرة و الست الخيط‪ ،‬الراجل‬
‫املناسب ها يقدر يحتوي الست دي بكل سهولة‬
‫بدون مشاكل !‬
‫يحرك يديه في الهواء شار ًحا له نظريته التي‬
‫اكتسبها من عمله وتعد محببة لقلبه ‪:‬‬
‫‪-‬ماينفعش تختاري إبرة صغيرة تجيبي خيط‬
‫صعب يدخل فيها و تعافري بكل قوتك عشان‬
‫ً‬
‫يدخل هايبقى صعب جدا إلن وقتها ها تتوهمي‬
‫إنك دخلتيه بس أما تجي تشوفي في النهاية‬
‫ها تالقي "فتلة" صغيرة دخلت واتشدت جامد‬
‫من الخيط اللي عاوزة تدخليه ‪..‬وقتها الخيط‬
‫استنزف غلط مع إلابرة الغلط ! والعكس‬
‫صحيح!‬
‫‪43‬‬
‫تومئ برأسها بتفهم و تركيز يبتسم لها بسعادة‬
‫ً‬
‫مكمال ‪:‬‬
‫‪-‬عشان الفكرة ً‬
‫دايما ها تالقي إلابرة من غير‬
‫الخيط ناقصة و الخيط ماينفعش من غير‬
‫إلابرة‪..‬‬
‫رفعت كوب قهوتها ترتشف منه بهدوء ‪:‬‬
‫‪-‬مش هانكر عجبتني نظريتك! لطيفة و مسلية‪،‬‬
‫بس أنت لألسف أخترت البنت الغلط‬
‫للتطبيق‪ ،‬أنا مابفكرش في الجواز يا عزت‪..‬‬
‫يصفعه "عقله " ً‬
‫مرددا بسخرية ‪:‬‬
‫أنت دلوقتي "‬
‫"ماش ي يا كرامة بالسالمة ِ‬
‫بينما يرد قلبه بخيبة أمل ‪:‬‬
‫"ال أنا مش هاستحمل بهدلة تاني‪ ،‬هاتوا لي‬
‫البت دي من شعرها دلوقتي "‬

‫‪44‬‬
‫ً‬
‫مرتفعا بدون وعي ‪:‬‬ ‫يهتف بصوت‬
‫‪-‬محدش يتكلم‪ ،‬محدش يتكلم بسسسس!‬
‫نظرت له مندهشة قبل أن تنفجر في الضحك‬
‫على منظره الغريب ليشاركها بضحكات قصيرة‬
‫ً‬
‫محركا رأسه بحرج على فعلته‪..‬‬
‫رفعت يديها بجانب رأسها کإشارة على كونه‬
‫"مختل ً‬
‫عقليا"‬
‫أو "مجنون أحمق " هرب من مستشفى‬
‫املجانين‪..‬‬
‫انفرجت شفتاه وكأنه على وشك أن يهتف‬
‫بش يء ما كتمه في اللحظة ألاخيرة بداخل نفسه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مفضال الصمت بدال من الحديث !‬ ‫ِ‬
‫****‬

‫‪45‬‬
‫"أخيرا إنها الجمعة ال أعرف كيف صمدت‬‫ً‬
‫أسبوع آخر في هذا العالم "‬
‫ابتسامة مرحة تراقصت على ثغرها و هي‬
‫تشاهد "الكوميك" ألاساس ي لليوم ينتشر على‬
‫مواقع التواصل كالعادة‪..‬‬
‫تتثاءب بنعاس و عيناها على وشك الانغالق‪،‬‬
‫تتململ في مكانها بشقاوة ‪:‬‬
‫‪-‬مفيش نوم النهاردة عندنا حفلة شواء و أحلى‬
‫أكلة في العالم!‬
‫اندفعت للخارج بنداء على والدتها ‪:‬‬
‫‪-‬ماما أنا هانضف البيت على ما تخلص ي‬
‫تحضير‪.‬‬
‫تقوم بفتح أغنيتها املفضلة و الخاصة باليوم‬
‫كتقليد ال يتجزأ من اليوم الخاص بالشوي‪..‬‬

‫‪46‬‬
‫أغنية لطاملا أحبتها على قناة "سبيستون"‪..‬‬
‫تتحرك بعشوائية بـاملكنسة و الكلمات تنساب‬
‫من بين شفتيها بمرح طفولي لم يغادرها رغم‬
‫مرور ألايام‪:‬‬
‫"اليوم يوم الشواء في العطلة أحلى ألايام‬
‫الطقس رائع و السماء صافية يا سالم‬
‫اليوم يوم الشواء"‬
‫تتدافع الذكريات حاضرة حولها في املكان‪،‬‬
‫كأنها مشاركة وجبة في هذه اللحظة‪ ،‬تعيد لها‬
‫ما كانت تفعله قبل سنوات من تجمعات‬
‫عائلية تكون فيها هي أكبر فتاة بينهم‪..‬‬
‫يجتمع أطفال العائلة كلهم حول مائدة بينما‬
‫هي تملي عليهم قوانين اللعبة التي تتكون من‬
‫فتح أغنية معينة من "كرتون" ما ‪ ،‬و من يخمن‬

‫‪47‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫"الكرتون" أوال تحسب له نقطة في رصيده‪،‬‬
‫حتى يفوز في النهاية صاحب النقاط ألاكبر"!!!‬
‫‪-‬أدائك عظيم‪..‬‬
‫شهقت بفزع ملقية املكنسة على ألارض راكضة‬
‫ناحية غرفتها بسرعة‪ ،‬صراخها يرتفع باسم‬
‫"كريم "‪..‬يكتم ضحكاته بصعوبة على منظرها‬
‫الهارب من أمامه!‬
‫‪-‬مين جاب عزت هنا؟‬
‫‪-‬بابا بطلب منه يتغدى معانا يوم ملا ماجيتيش‬
‫تقابليه عشان ماعرفش يقوله إيه!‬
‫ً‬
‫‪-‬اطلع برة‪ ،‬اطلع برة حاال‬
‫ً‬
‫يبتعد "كريم " عنها بهروب خوفا من نيل‬
‫بطشها ‪ ،‬يهتف بخفوت ‪:‬‬
‫مجنونة ‪ ،‬احمينا يارب!‬
‫****‬
‫‪48‬‬
‫بعد مرور نصف ساعة فضلت وجودها في‬
‫ً‬
‫غرفتها بعيدا عن الجميع‪ ،‬استجابت لنداء‬
‫والدتها للخروج والصعود لسطح املنزل إلكمال‬
‫عملية الشواء بعد تجهيز والدها للفحم‬
‫املطلوب!‬
‫جلست تتابع مشاكسات ببن والديها التي تتكرر‬
‫ً‬
‫دائما عندما تبدأ "حفلة الشواء " لكن اليوم‬
‫يشاركهم "عزت " لتسحب نفسها ببطء من‬
‫املكان تاركة لهم حريتهم ‪..‬‬
‫وقفت بجانب السور تشاهد ألاطفال يلعبون في‬
‫الشارع بمشاغبة‪ ،‬يقترب من وقفتها ً‬
‫ناظرا في‬
‫صمت و عيناه تغيب في تفاصيل أخرى ملشهد‬
‫بعيد عن ألاطفال!‬

‫‪49‬‬
‫تتلفت بوجهها مالحظة تعلق نظره بشرفة بيتهم‬
‫ً‬
‫قديما‪:‬‬
‫‪-‬ادعيلهم بالرحمة!‬
‫لكن عينيه غلفها الحزن فردد بجمود‪:‬‬
‫‪-‬تعرفي أن والدك بيحب والدتك ً‬
‫جدا‬
‫‪-‬والدك كان بيحب والدتك بردو مافيش حد في‬
‫خصوصا بعد موته بعدها‬‫ً‬ ‫الحارة مايعرفش‬
‫على طول‪..‬‬
‫ً‬
‫هادئا جداً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كان ردها بسيطا للغاية‪ ..‬لطيفا و‬
‫بطريقة ال تتناسب مع دواخل ماضيه‪ ،‬كأنها‬
‫أحدهم بال حسبان!‬‫ُ‬ ‫تلقي مزحة ثقيلة على وجع‬
‫يده قبضت على يدها بقسوة شديدة ً‬
‫دافعا‬
‫إياها لنزول السلم معه بال استئذان‪ ..‬رغم‬
‫رغبتها في جذب يدها و الصراخ لكنها استكانت‬
‫كأنها تعرف إلى أين يأخذها؟!‬
‫‪50‬‬
‫منتصبا بجمود أمام باب شقتهم‪ ،‬يديه‬ ‫ً‬ ‫وقف‬
‫تمسك باملفتاح بقوة متضاربة بين الصمود و‬
‫الانهيار‪.‬‬
‫دامت وقفتهما املتصلبة لدقائق بدأ امللل‬
‫يتسرب لها من تخاذله‪ ..‬لتجذب يدها من يده‬
‫بشبه عنف قائلة‪:‬‬
‫‪-‬لو مفكر دي لحظة اختيار تبقى أهبل‪ ،‬ما دام‬
‫وقفت قدام الباب الزم تواجه مخاوفك كلها و‬
‫إحساسك بفقدان أهلك و تحارب ضعفك ‪..‬‬
‫قطعت املسافة بينهما مشرفة عليه من علو‬
‫جعله يشعر بضآلته أمام قوتها بينما تشير‬
‫بسبابتها في وجهه بتهديد ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬يا إما تفتح الباب حاال أو هاطلع و أسيبك مع‬
‫هواجسك !!!‬

‫‪51‬‬
‫بيد مرتعشة و اقتراب خطير عليه فتح الباب‪،‬‬
‫كان يحارب مخاوفه بعين مغمضة و أنف‬
‫يستنشق رائحة عبق والدته تحوم في املكان ‪.‬‬
‫‪-‬محدش بيقدر ينس ى ذكريات اللي بيحبهم بعد‬
‫ما يسيبوه بس بيقدر يتعامل مع الذكريات دي‬
‫و يخليها نقطة قوة بدل ما تكون ضعف‪.‬‬
‫قالت كلماتها بهدوء و ثبات بينما هو كان يصله‬
‫صوتها همس يحفزه على تخطي عثرته‬
‫فيلتفت لها بأعين رأت الدمع يتأرجح فيهما‪:‬‬
‫‪-‬تعرفي كل الحاجات الكتير الل بنسمعها‬
‫مابتكونش الحقيقة‪ ،‬والدي مات من الذنب‬
‫مش الحب و الفراق‪.‬‬
‫صمتت تهديه مساحته الخاصة ليخرج كل ما‬
‫بجعبته بدون تتطفل‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫أرادت منحه الطمأنينة ‪:‬‬
‫‪-‬كانت بتحبه أكتر حاجة في حياتها‪ ،‬بس هو كان‬
‫فيه حاجات كتير في حياته‪ ،‬كان ً‬
‫دايما ليه‬
‫اهتمامات تانية بتخليه بعيد عنها !‬
‫يعود بذاكرته لنظريته شار ًحا بتلعثم‪..‬‬
‫وعفوية ‪:‬‬
‫‪-‬إبرته أكبر من إنها تقدر تحتوي الخيط بتاعها‪،‬‬
‫خيط بسيط دخل في إبرة كبيرة فـتاه جوا‬
‫إلابرة‪ ،‬مش ً‬
‫دايما ملا بنختار إبرة كبيرة عشان‬
‫نقدر ندخل الخيط بننجح !‬
‫تقترب منه مربتة على كتفه‪:‬‬
‫‪-‬ممكن ماتعيطش عشان خاطري‪ ،‬مابحبش‬
‫أشوف حد بيعيط!‬
‫‪-‬فضلت أسبوع تعبانة على سرير‪ ،‬اتصلنا عليه‬
‫كتير عشان يجي ماعرفناش نوصله‪ ،‬ماتت قبل‬
‫‪53‬‬
‫ما يشوفها‪ ،‬ليه فضل حاجات تانية عليها؟‬
‫ماكانش موجود جنبها وال خالني أكون جنبها‬
‫لم تجد أمامها حل سوى الضغط على يديه‬
‫لعله يخرج من هذيانه و يستعيد نفسه ‪:‬‬
‫‪-‬فاكر كالمي زمان يوم املدرسة؟ فاكر قولتلك‬
‫إيه؟!‬
‫يومئ برأسه بشرود و مازالت ذكرياته تسحبه‬
‫نحو بئر عميق‪،‬‬
‫تبتسم له ‪:‬‬
‫‪-‬جطعة ابتسامة لو تكرمت؟‬
‫ً‬
‫ماسحا دموعه ‪:‬‬ ‫يمنحها طلبها وهو يعود للوراء‬
‫‪-‬تعرفي إنك الوحيدة اللي عيطت قدامها مرتين‬
‫لحد دلوقتي !‬

‫‪54‬‬
‫تهديه غمزة عابثة ‪:‬‬
‫‪-‬أي شعور دلوقتي هايبقى شعور متهور و‬
‫عبيط‬
‫تشير ناحية معدتها مخرجة لسانها له بتلذذ ‪:‬‬
‫‪-‬إال شعور إنهم خلصوا الفراج املشوية فوق و‬
‫أنا جعانة‪..‬‬
‫تدفعه بسرعة ناحية الباب هاتفة بطيش‪:‬‬
‫‪-‬ناكل ألاول بعدين ناخد وصلة نكد كبيرة أوي‬
‫عشان خاطر عيونك بس!‬
‫يرغب بالضحك على كل ردود أفعالها الغريبة و‬
‫كل ألاشياء التي تفعلها بتهور فتجعلها تض يء في‬
‫عينه أكثر و أكثر‬
‫وألن الحب عنده أشبه بالتحليق في السماء‬
‫البعيدة‬

‫‪55‬‬
‫يشتهي لو تعطيه جناحين بقول "أحبك "!‬
‫ً‬
‫لكنه كلما اقترب يراها تزداد تمردا‪ ،‬فيزداد‬
‫ً‬
‫طرديا معه حبه‪ ،‬يظل إيمانه بكونها له الش يء‬
‫الذي يدفعه لإلمام !‬
‫****‬

‫‪56‬‬
‫الطرف الرابع‬

‫لطاملا كانت ال تستسيغ فكرة الذهاب لحفالت‬


‫الزفاف‪،‬‬
‫ألافراح تكسبها الكثير من امللل و الضجر الزائد‪،‬‬
‫ربما كانت فتاة مختلفة عن ألاخريات لم‬
‫تجعلها مشاهدة العروسين ترغب بالزواج‬
‫ً‬
‫أبدا‪..‬‬
‫برمت شفتيها باستخفاف غير مصدقة كمية‬
‫الدراما و الانفعاالت املتعددة من بين والدة‬
‫العروس الواقفة في الزاوية بعينين دامعتين‪،‬‬
‫ووالد العروسة الذي يشارك الجميع الضحك‪،‬‬
‫والعروسة التي تحولت لراقصة من كثرة‬
‫ً‬
‫السعادة ‪ ،‬أما العريس ترك زوجته منفعال‬
‫بجموح مع أصدقائه !‬
‫‪57‬‬
‫ألافراح هي مشاهد متكررة باستمرار يختفي‬
‫يجيا‪ ،‬مجرد ساعتين يبذل‬ ‫منها روح الابتكار تدر ً‬
‫فيهم الجميع قصارى جهدهم إلظهار سعادته‬
‫البالغة‪.‬‬
‫رفعت كوب العصير ترتشف منه ليطفو لذهنها‬
‫صورته متذكرة مرور أسبوع على وجوده في‬
‫بيتهم‪ ..‬كانت متفاجئة بردود أفعاله مع عائلتها‬
‫ً‬
‫خصوصا بعد معاناته في شقة والديه‪...‬‬
‫‪-‬أوعي تكوني بتفكري فيا‬
‫شهقت بصدمة كاد كوب يقع منها لتمسك به‬
‫بقوة‪ ..‬يتراجع للخلف بحرج بينما زجت هي‬
‫بنظرة حادة متمتمة بين أسنانها ‪:‬‬
‫‪-‬مفيش عقل خالص؟ العصير كان ها يقع َّ‬
‫علي‬
‫إيه أعمي؟‬

‫‪58‬‬
‫‪-‬قولت أفاجئك بس ردة فعلك كانت قوية‬
‫ماتوقعتهاش!‬
‫بتأن بينما عيناه تتفحص شكلها‬ ‫يقول جملته ٍ‬
‫ً‬
‫هامسا‬ ‫املختلف بفستان أسود طويل‪ ،‬يتمتم‬
‫لنفسه‪:‬‬
‫"في الفرح كمان أسود‪ ،‬باين عليها معقدة‬
‫ً‬
‫معقدة فعال "‬
‫همسا لها ‪:‬‬‫لم يكن يعي وقتها أن همسه يقابل ً‬
‫دايما متهورين مفيش عتاب‬ ‫"هما ألاغبياء ً‬
‫عليك"‬
‫يقاطع تدفق أفكارهما دخول مدير مكتبها‬
‫بترحيب حار ناحية "عزت"‪ ،‬تعقد حاجبيها‬
‫بجهل غير مدركة ملا يدور حولها‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ً‬
‫هامسا بجوار أذنها‬ ‫يقترب منها "عزت"‬
‫يخل من ضحكاته ‪:‬‬ ‫بصوت لم ُ‬
‫بوظت عربيته‬
‫ِ‬ ‫‪-‬تعرفي إن العريس صاحبي اللي‬
‫ترفع نظرها ناحيته يستكمل ‪:‬‬
‫‪-‬حسام ده العربية بالنسبة له حياته‪ ،‬كان‬
‫هايموتني بسبب الخدوش اللي عملتيها في الباب‬
‫بس ربك ستر‬
‫ترد بروتينية حملت سخريتها كونها تعرف هذا‬
‫ً‬
‫السيناريو سابقا‪:‬‬
‫‪-‬ش يء متوقع‪ ،‬ماتفأجتش على فكرة‪.‬‬
‫ً‬
‫مصدوما من ردود‬ ‫يبتعد عنها خطوة للخلف‬
‫أفعالها ألاشبه بجبال ثلج ال تتأثر ‪..‬يحرك رأسه‬
‫نافيا فكرة ضربها على رأسها بقوة حتى تفقد‬ ‫ً‬
‫الذاكرة ثم يبدأ بإخراج قصة حب مع امرأة‬
‫فاقدة للذاكرة !‬
‫‪60‬‬
‫يعقد حاجبيه بتفكير هو يجدها تبتعد رويداً‬
‫رويدا عن محيطه متجهة ناحية صديقه و‬ ‫ً‬
‫سريعا قبل ضياعها منه ‪:‬‬‫ً‬ ‫زوجته‪ ..‬يتابعها‬
‫‪-‬مبروك جوازكم ربنا يسعدكم لألسف مضطرة‬
‫أمش ي عشان ماتأخرش!‬
‫ينضم لهم يهمس بجوار أذن "حسام "‪:‬‬
‫‪-‬بقولك أنا هاخلع كده عشان أوصلها‬
‫ق‬ ‫ً‬
‫يسدد له "حسام " لكمة في ذراعه مرددا بنز ‪:‬‬
‫‪-‬ها تسيب صاحبك و تمش ي في ليلة زي دي؟‬
‫‪-‬يا عم أنت وحش بس هي كتكوت صغير أخاف‬
‫عليها في الجو ده!‬
‫غم تيقنه من إلاجابة التي يعرفها ً‬
‫جيدا‬ ‫ر‬
‫يسأله ‪:‬‬
‫‪-‬صاحبك وال حبيبتك يا عزت؟‬

‫‪61‬‬
‫ً‬
‫مدعيا الجدية‪:‬‬ ‫يهتف‬
‫‪-‬حبيبتي ً‬
‫طبعا‪ ،‬سالم‬
‫ً‬
‫قالها بسرعة فائقة هو يغادر القاعة الحقا بها‬
‫يجدها مازالت واقفة تحادث أحدهم يستغل‬
‫ذلك بأن يسبقها ليوقف "تاكس ي" يأخذهم!‬
‫كأنها تتهادى في مشيتها أو هكذا يخيل له ال‬
‫يدري!‬
‫هي بكل ما فيها عتيق ينتمي لزمن قديم‪ ،‬كم‬
‫يرغب هو بالحفاظ على التراث!‬
‫عيناها لون نابض للشوق‪ ،‬و شفتاها نسيج من‬
‫خيوط عشق تقيد فؤاده !‬
‫تعانق جفنيها للحظات يمزق كيانه و يزيده‬
‫ً‬
‫شغفا بأن يمتزج معها لدرجة تجعله سكيراً‬
‫لفتنتها لألبد !‬

‫‪62‬‬
‫لكنه يبعد جموح مشاعره وأفكاره هو يجدها‬
‫تقترب من وقفته يهتف ‪:‬‬
‫‪-‬وقفت "تاكس ي " هاوصلك البيت‪.‬‬
‫تمنحه نظرة ساخطة غير راضية باملرة على‬
‫تدخالته غير املبررة فيما تريد لكنها تتجاهل كل‬
‫ذلك تهتف هازئة ‪:‬‬
‫‪-‬بحب املش ي‪ ،‬وأنت عاوز تروح بيتك ألافضل‬
‫تركب عشان تلحق تنام بدري‪.‬‬
‫تعود بهز كتفيها تستكمل بفظاظة ‪:‬‬
‫‪-‬بس لو حابب تنضم َّلي أنا موافقة!‬
‫تقولها بدأت بالسير دون اعتبار للواقف في‬
‫صدمته يهتف بغيظ ‪:‬‬
‫"دبش‪ ،‬دبش أعوذ باهلل "‬
‫يلتفت للرجل معتذ ًرا ثم يطلب منه رقمه‬

‫‪63‬‬
‫مخبره أنه سيتصل به مرة أخرى‬
‫سريعا يضحك‬ ‫ً‬ ‫عندما يحتاجه‪ ..‬يلحق بها‬
‫ساخرا على ما تؤول له حالته بسبب جنونها !‬ ‫ً‬
‫‪-‬حد في العالم ده يمش ي بالليل و كمان في الجو‬
‫ده؟‬
‫تلفت له مانحة انتباهها بينما ترتسم على‬
‫ثغرها ابتسامة عريضة ‪:‬‬
‫‪-‬أنا بحب جو بداية دخول شهر الشتاء‪ ،‬ولسعة‬
‫البرد اللي بتخلي جسمك يترعش و الجو البرد‬
‫ُ‬
‫اللي بيخليك عاوز كباية شاي سخنة ‪ ،‬دي كلها‬
‫حاجات تجنن‪..‬‬
‫يضحك ملء شدقيه في سعادة‪ ،‬يهتف ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬ألول مرة هاقول إنك معاك حق فعال !‬
‫تلتفت ناحيته متفحصة ملالمح وجهه التي‬
‫اكتسبت خشونة‬
‫‪64‬‬
‫فلم يعد "عزت" الذي يسير بجوارها أشبه‬
‫باآلخر الذي كانت تعرفه باملاض ي‪.‬‬
‫تغير‪ ،‬تغير ً‬
‫كثيرا ومازال يتغير لكنها ال تعرف‬
‫تفسيرا لشعور السعادة الذي يغلف روحها و‬ ‫ً‬
‫هي تجده يضم ذراعيه حوله برغبة في الدفء‬
‫فترغب بالضحك على مظهره !‬
‫تجذبه لها قائلة بتهكم ‪:‬‬
‫‪-‬صاحبك بيتجوز بنت املدير‪ ،‬دي حاجة مثيرة‬
‫لالهتمام على فكرة بس بردو غريب ترحيب‬
‫املدير بيك؟‬
‫تتجلى ضحكاته صاخبة بينما ينظر لها بخبث‬
‫ً‬
‫مرددا‪:‬‬
‫‪-‬أوعي تقولي إنك ماتعرفيش إن مديرك في‬
‫الشغل يكون خالي‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫تهز رأسها بنعم بينما تهتف مذهولة ‪:‬‬
‫‪-‬خالك؟ بجد؟‬
‫طبعا أكيد الترحيب ده مش بمجرد عميل‬ ‫‪ً -‬‬
‫عنده‪ ،‬ممكن عشان ماشوفتنيش معاه قبل‬
‫كده مستغربة مش أكتر !‬
‫قالها بيسر جعلها تتذكر يوم حضوره الشركة و‬
‫اللقاء بينه و بين مديرها لتربط خيوط‬
‫ببعضها‪...‬تكتشف كم هي مغفلة لعدم‬
‫مالحظتها هذا ألامر!‬
‫تسأله باهتمام جلي بكل حروفها ‪:‬‬
‫‪-‬أوعى تقول إنك طبقت نظريتك املجنونة على‬
‫صاحبك و بنت خالك؟‬
‫اهتمام يظهر على مالمحها فيبعد كل عبث و‬
‫سخرية قد يحملها سؤالها‪...‬اهتمام يجعل كل‬

‫‪66‬‬
‫حواسها راغبة بأن تستمع له‪ ،‬تفهم منه‪،‬‬
‫ً‬
‫تستوعب حروفه حرفا بحرف !‬
‫اهتمام يخلق منها شخصية أخرى تتقبل أن‬
‫كل الناس عبارة عن "إبرة و خيط "‬
‫بل هي أيضا "خيط " في حبكته !!!!‬
‫ً ً‬ ‫يتحرك ً‬
‫واقفا أمامها بمسرحية منحنيا قليال‬
‫ً‬
‫هاتفا بدراما ‪:‬‬
‫‪-‬معاك "عزت باشا " لجلب الحبيب و تقريب‬
‫البعيد ! بس أكيد مش هاقولك على نتيجتي مع‬
‫ليك سؤالين؟‬
‫صاحبي! بكده يبقى ِ‬
‫لم تعرف هل تنظر له شز ًرا أم تضحك على‬
‫طريقته الكوميديا ‪ ،‬لكنها اكتفت بسؤال آخر ‪:‬‬
‫‪-‬واضح نظريتك مش بتقوم على الحب بس‪،‬‬
‫صح؟‬

‫‪67‬‬
‫يومئ لها بإيجاب هو يعاود السير بجانبها مردداً‬
‫بشرح ‪:‬‬
‫‪-‬في العموم بتقوم على إن ماينفعش شخص‬
‫من غير التاني‪ ،‬الخيط مايقدرش ينسج حاجة‬
‫إال لو كان فيه إبرة و هكذا‪ ،‬الفكرة دخول‬
‫إلابرة بدون ما تستنزفي بطريقة غلط هو أنك‬
‫تالقي اللي يجمعك معاها‪!..‬‬
‫ً‬
‫قليال مفكرا‪ً:‬‬ ‫يصمت‬
‫‪-‬سواء اللي بيجمعك ده حب أو غيره كمثال‬
‫فيه واحدة بتدور على شهرة ها تالقيها قادرة‬
‫جدا مع واحد مشهور بطريقة صح و‬ ‫تندمج ً‬
‫فاهمين بعض!‬
‫ً‬
‫ملتفتا لها بتركيز شديد‪ ،‬عيناه تحاور‬ ‫يعود‬
‫عينيها في حديث خاص‪ ،‬حديث يظهر عليه‬

‫‪68‬‬
‫بوضوح بينما يحاول مداراته‪ ،‬يعترف بهدوء‬
‫وبطء ‪:‬‬
‫‪-‬بس أنا بحب العالقات اللي بتقوم على‬
‫الحب !!!‬
‫تكمل خطواتها مبعدة نظرتها عنه‪ ،‬مرددة‪:‬‬
‫‪-‬ده ش يء وا‪..‬‬
‫لم تكد تكمل جملتها حتى تأوهت بوجع و‬
‫جسدها كله على وشك السقوط بسبب التواء‬
‫كاحلها بحركة خاطئة لتدعمها ذراعه التي‬
‫التفت حول خصرها بقوة مانعة سقوطها‬
‫املحتم!‬
‫تزداد وتيرة أنفاسها بصخب بشكل ملحوظ‬
‫بينما تتشبث بأناملها بقميصه طالبة دعم‬
‫كاتمة تأوه يكاد يغادر شفتاها شعور باأللم في‬
‫قدمها يغالبها‪!..‬‬
‫‪69‬‬
‫بينما هو يطلق تنهيدة حارقة غير مصدق كونها‬
‫قريبة منه بهذا القرب‪...‬قرب خطير على رجل‬
‫مثله !!‬
‫رجل يهيم على وجهه في ملكوت يخصها‪ ..‬رجل‬
‫بنظرة منها يكون قاد ًرا على إلاطاحة‬
‫بكيانه كله !‬
‫كيف يقاوم عبث القرب؟‬
‫رفعت ذقنها تنظر له بينما تعض على شفتاها‬
‫بخجل منه‪ ،‬تحاول الابتعاد عن حيز يديه…ما‬
‫كادت تحاول السير حتى أصدرت صرخة ألم‬
‫خافتة تهمس ‪:‬‬
‫‪-‬رجلي‪..‬‬
‫اقترب يمسك بذراعها بقسوة ظاهرة على‬
‫قبضة كأنه يحكم عليها بعدم الهروب منه‪..‬‬

‫‪70‬‬
‫يسألها بخوف عاكس قسوته‪:‬‬
‫أنت كويسة؟‬ ‫‪ِ -‬‬
‫تحرك رأسها بنفي فتزيد كثافة الدموع في‬
‫عيناها لكنها تكتمها بقوة‪..‬‬
‫هو كان في صراع خاص به بأن يحملها آلان بين‬
‫ذراعيه بقلق ينهش ضلوعه عليها من وقفتها‬
‫املؤملة‪ ..‬صراع ظاهر على يديه التي يحركها‬
‫ناحيتها باضطراب!‬
‫لكنها تتولى عنه تلك الدفعة و تحارب صراعاته‬
‫مرددة بهمس ‪:‬‬
‫‪-‬أل يا عزت!‬
‫ً‬
‫يجد أمامه سوى جعلها تجلس قليال على‬
‫الرصيف‪...‬يعود و يجري اتصال سريع بصاحب‬
‫التاكس ي ً‬
‫طالبا منه القدوم ملكانهم !‬
‫****‬
‫‪71‬‬
‫كأنه يقف على نيران‪ ..‬يذهب هنا و هناك بال‬
‫هوادة‪ ،‬هو يرى الطبيب ألاحمق يوزع‬
‫معتبرا نفسه "توم كروز "‪،‬‬‫ً‬ ‫ابتسامات عليها‬
‫يهمس لنفسه بضيق‪:‬‬
‫"وسامته مقوية قلبه‪ ،‬اللهم طولك يا روح "‬
‫تكاد رائحة اشتعاله تمأل الغرفة‪...‬‬
‫يخرجه من كل هذا الباب الذي فتح بقسوة‬
‫بينما تتسابق عائلتها لدخول كل واحد منهم‬
‫يسأل ‪:‬‬
‫أنت كويسة؟‬
‫‪ِ -‬‬
‫معاك يا بنتي؟‬
‫ِ‬ ‫‪-‬أيه اللي حصل‬
‫‪-‬رجلك أتكسرت ماعدتيش هاتمش ي!‬
‫يكتم ضحكاته على كالم "كريم" ألاخير‪..‬‬

‫‪72‬‬
‫فيلتفت لهم الطبيب مطمئنا‪ً:‬‬
‫‪-‬مفيش كسر وال حاجة‪ ،‬مجرد تمزق في ألاربطة‬
‫هانعمل جبس أسبوع هاتبقى زي الفل!‬
‫يالحظ ابتسامة الطبيب العريضة على شفتيه‬
‫يهمس بغيظ ‪:‬‬
‫"فرحان بجمال سنانه ده وال إيه‪ ،‬يارب صبرني"‬
‫ً‬
‫مستغفرا داخله بقوة حتى يستطيع‬ ‫يبعد نظره‬
‫التحكم في نفسه أمامهم قبل ينقض على هذا‬
‫السمج الذي يعتقد أنه لطيف!‬
‫‪ً -‬‬
‫طبعا ده كله من املش ي‪ ،‬قولتلك اركبي مية مرة‬
‫هتفت والدتها بجملتها بينما تكزها في كتفها‬
‫بعنف محاولة مداراة خوفها عليه منذ اتصل‬
‫عليهم "عزت " يخبرهم أنهم في املشفى‪.‬‬
‫تتأوه "مرام " متظاهرة بألم من ضربة والدتها‬

‫‪73‬‬
‫بينما تهتف بين أسنانها ‪:‬‬
‫‪-‬املش ي رياضة‪ ،‬رياضة !‬
‫ً‬
‫يتدخل الطبيب بينما مازال محافظا على‬
‫مرددا بعملية بحتة لكنها كانت ثقيلة‬‫ابتسامته ً‬
‫على أذن آلاخر‪:‬‬
‫‪-‬ماتقلقوش يا جماعة مفيش ضرر بس أسبوع‬
‫وتبقى زي الفل‬
‫يقترب منه "عزت" بعد فقد آخر ذرة تحمل‬
‫لوجوده بينهم ويهتف بنزق ‪:‬‬
‫‪-‬طب ممكن عاوزك ثواني برة يا دكتور!‬
‫ً‬
‫مستجيبا لحديثه‪..‬‬ ‫يومئ له الطبيب بإيجاب‬
‫ويندفع خارج الغرفة وما كاد "عزت " يلحق به‬
‫حتى أوقفه صوتها تهتف بلطف ‪:‬‬
‫‪-‬خليك يا عزت !‬

‫‪74‬‬
‫تتبدل حالتها كلها في لحظة مستعيدة فظاظتها‬
‫و أسلوبها املستفز مرددة ‪:‬‬
‫‪-‬أنت عاوز تهرب بعد ما جبتنا كلنا هنا‪ ،‬مين‬ ‫َ‬
‫هايوصلنا دلوقتي؟‬
‫يحرك رأسه بصدمة يكاد يصاب بذبحة قلبية‬
‫ً‬
‫صافقا الباب خلفه‬ ‫منها ‪..‬يغادر الغرفة‬
‫بخشونة وهو يردد ‪:‬‬
‫" ليه يارب ماكانش لسانها الدبش ده مش‬
‫رجلها "‬
‫أما والدها كان يتابع انفعاالتها بدقة و تركيزه‬
‫لكل ما يحدث حوله منذ وجوده في املشفى‪،‬‬
‫حدثه يخبره هناك ش يء تغير في ابنته‪ ،‬ش يء ال‬
‫يريد تأويله ألان و سينتظر الوقت املناسب‬
‫ملعرفته !!‬
‫****‬
‫‪75‬‬
‫"الصباح و الصباح و املزيد من ضوء الشمس‬
‫املزعج "‬
‫هتفت بها بينما تضرب رأسها بالوسادة أسفلها‬
‫عدة مرات متتالية و صراخ والدتها يمنعها من‬
‫العودة لنوم‪ ..‬تصرخ بحنق ‪:‬‬
‫‪-‬صحيت‪ ،‬صحييييت يا عالم خالص‬
‫تقوم من مكانها متجهة للخارج محاولة عدم‬
‫الضغط على قدمها لتتجه ناحية املطبخ‪...‬‬
‫تجهز مشروبها املفضل للصباح‬
‫"شاي بالحليب"‬
‫تحرك شفتيها باعوجاج ‪:‬‬
‫‪-‬دلوقتي العالم كله ينزلك فنجان قهوة مع‬
‫صوت فيروز بداية الشتاء بقى‪،‬‬
‫يقولك ال تخون القهوة بالسكر‬

‫‪76‬‬
‫تمسك بكوبها بينما تسير ناحية الشرفة‬
‫و في يديها ألاخرى هاتفها ‪:‬‬
‫‪-‬ده أنا اللي هايجيلي السكر من كتر املياصة‬
‫دي‪ ،‬قال قهوة قال مايعرفوش قيمتك يا‬
‫َ‬
‫جميل يا حلو أنت !‬
‫تريح ظهرها على الكرس ي بارتياح تعود لتمديد‬
‫قدمها املجبسة أمامها على كرس ي آخر حتى ال‬
‫تتأذى وترتشف الشاي من كوبها بـهناء مرددة ‪:‬‬
‫‪-‬إيه الحالوة دي‪.‬‬
‫صوت والدتها الساخر يقاطعها من فجوة‬
‫الحب تلك بينها و بين الكوب ‪:‬‬
‫أنت شاطرة فيه تليفون أربعة‬ ‫‪-‬هو ده اللي ِ‬
‫وعشرين ساعة ‪..‬‬

‫‪77‬‬
‫تمط شفتها بجواب بارد ‪:‬‬
‫‪-‬مش أربعة وعشرين ساعة ع فكرة‬
‫مابمسكوش وأنا نايمة‬
‫ً‬
‫‪-‬أنا فعال ماعرفتش أربي !!!!‬
‫تقولها والدتها بعصبيـة لكنها تقاطع كل ذلك‬
‫مقلدة صوت‬
‫"عبلة كامل " في مشهد فيلم "كلم ماما "‪:‬‬
‫‪-‬باقي الجملة يا ماما باقي الجملة‪ ،‬ماعرفتش‬
‫أربي صبرني ياربي ‪..‬‬
‫لم تكد والدتها ترد عليها مرة أخرى حتى‬
‫قاطعهم صوت الجرس ‪..‬يجري "كريم "‬
‫بخطوات متعثرة ً‬
‫فاتحا الباب ‪:‬‬
‫‪-‬السالم عليكم!‬
‫"الغبي جاي الصبح يعمل ايه"‬

‫‪78‬‬
‫قالتها بهمس وصل لوالدتها الواقفة بقربها‪..‬‬
‫تلتفت لها بنظرات محذرة على تطاول لسانها ‪:‬‬
‫‪-‬عليكم السالم يا بني‪ ،‬تعال أتفضل على ما‬
‫أجهز الفطار و ناكل كلنا سوا على ما عمك يجي!‬
‫تتجه ناحية املطبخ حتى ال تترك له فرصة‬
‫الهرب من طلبها بينما ينحني يطبع قبلة على‬
‫ً‬
‫مشاكسا له ‪:‬‬ ‫وجنة "كريم"‬
‫‪-‬أنت تخصص فتح أبواب باين عليك‬ ‫َ‬
‫متجها ناحية املطبخ بعد نداء‬ ‫ً‬ ‫يتركه "كريم"‬
‫والدته فيندفع هو ناحية الشرفة ‪:‬‬
‫‪-‬صباح الخير‬
‫تبرم شفتها بينما تشير ناحية قدمها املصابة‬
‫مرددة بنزق ‪:‬‬
‫‪-‬املفروض جاي تزور حد عيان فين شنط‬
‫الفاكهة؟ مفيش حتى كيلو قشر موز ؟!!!‬
‫‪79‬‬
‫أنت استثناء !!!‬‫‪-‬ده املفروض بس ِ‬
‫تبعد نظرها عنه بعد جملته "الحمقاء"‪،‬‬
‫وتعود للنظر خارج الشرفة هاتفة باستهزاء ‪:‬‬
‫َ‬
‫‪-‬كالم‪ ،‬أنت أي كالم‪ ..‬يا بني أنت معزوم عندنا‬
‫مرتين ً‬
‫تقريبا!‬
‫ً‬
‫متظاهرا بالحرج ‪:‬‬ ‫يتراجع للخلف‬
‫نت بتعديلي أكلت عندكم كام مرة؟ أنت مش‬ ‫‪-‬أ ِ‬
‫معقولة‪..‬‬
‫‪-‬عاوز تنكر يعني؟ مش دي الحقيقة!‬
‫يهز كتفيه بغيظ منها يردد ‪:‬‬
‫أنت بس و أنا أعزمكم عندي‬ ‫‪-‬مش هانكر خفي ِ‬
‫مرة!‬
‫تسأله بفضول و قد جذب انتباهها له ‪:‬‬
‫‪-‬أنت بتعرف تطبخ؟‬ ‫َ‬

‫‪80‬‬
‫يعود مرة أخرى النحنائه املسرحي هاتفاً‬
‫بمشاكسة ‪:‬‬
‫معاك الشيف "عزت باشا " ألجود أنواع‬‫‪ِ -‬‬
‫طبعا خدمة خاصة عشان بعد‬ ‫ألاكل‪ ،‬ده ً‬
‫جوزانا أبقى أطبخ أما تكوني تعبانة أو‬
‫مشغولة‪..‬‬
‫تقاطعه بصخب محركة يديها في الهواء بينهم ‪:‬‬
‫ل‬
‫‪-‬أنت يا بني آدم بتقو إيه؟ إصحى يا عمدة‬‫َ‬
‫وصلنا كوكب املريخ‪..‬‬
‫تتعالى ضحكاته على منظرها و عيناه سارحة بها‬
‫بشكل خاص لتشاركه الضحك محركة رأسها‬
‫بنفي لكل أفكاره "الحمقاء " بالنسبة لعقلها‪..‬‬
‫و القابع بين ضلوعها كان يمتلك رأي آخر ‪ ،‬رأي‬
‫يجعلها تشعر بأن أحاديثه و كلماته العفوية‬
‫تلك تدغدغ صمودها و تتركها حائرة به !‬
‫‪81‬‬
‫أما رؤيتها له تتغير تتعرف من جديد عليه‪،‬‬
‫تتعرف به كإنسان طيب القلب‪ ،‬عفوي ‪،‬‬
‫هادئ‪ ،‬يمتلك ش يء يجذبها ناحيته بكل قوة‬
‫ممكنة بالعالم !!‬
‫لكنها تخرج من ذلك القالب الذي يضعها فيه‬
‫ً‬
‫وجوده حولها وعنوة سألها بتعثر يشبه حالتها ‪:‬‬
‫‪-‬أيه فكرتك عن الجواز؟‬
‫يضع يديه أسفل ذقنه يعاود سؤالها بسؤال‬
‫ً‬
‫هامسا بخفوت‬ ‫ً‬
‫مدعيا الجدية ‪..‬ينحني ناحيتها‬
‫أمام اهتزاز ثبات عيناها ‪:‬‬
‫‪-‬لو هانتكلم عن املوضوع ده‪...‬هل وقتها نتكلم‬
‫عادي وال هاعالج عقدة نفسية عندك و‬
‫محدش عارف؟‬

‫‪82‬‬
‫صوت والدتها العالي ينادي عليهما يمنع كليهما‬
‫من الاسترسال في الحوار‪ ..‬ما وضع قدمه خارج‬
‫الشرفة حتى عاد يقف بجوارها ‪:‬‬
‫‪-‬محتاجة مساعدة؟‬
‫تحدجه بنظرة حادة محذرة ‪:‬‬
‫‪-‬ساعد نفسك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ن‬ ‫ً‬
‫ظل ساكنا دو حراك متابعا لها تغادر الشرفة‬
‫قبله‪...‬‬
‫يريد يخبرها أن نظرتها الحادة و لدغة لسانها‬
‫الطويل أحب لقلبه و أهون عليه مما حوله‪..‬‬
‫وبتلك الطريقة هي ال تبتعد بل تزيد من توابل‬
‫الحب بينهما !‬
‫هي شخص غير قادر على استبداله مهما حدث‪،‬‬
‫بل بعيدة كل البعد عن فكرة الاستبدال !‬
‫****‬
‫‪83‬‬
‫ً‬
‫ألاسبوع كان حافال لدرجة جعلتها ال تصدق‬
‫مدى كون حياتها رتيبة متكونة من تنسيق‬
‫واحدة‬
‫"نوم و شغل وأكل "!!‬
‫لتتذكر زيارات "عزت " املتتالية بعد انتقاله‬
‫للعيش في شقتهم القديمة ‪ ،‬اتصاالت زمالئها في‬
‫العمل بجانب اتصال املدير لالطمئنان !‬
‫التفت تطالع املكان من حولها بينما تنظر له‬
‫متسائلة على سبب وقوفهم ليسارع بجوابه‬
‫ً‬
‫مانعا رفضها عرضه ‪:‬‬
‫‪-‬ها ننزل نشرب حاجة بمناسبة إنك ِ‬
‫بقيت‬
‫كويسة‬
‫لتنصاع له مغادرة السيارة خلفه بينما بداخلها‬
‫رغبة على شكره لكل ما فعل ألجلها بداية بأخذ‬

‫‪84‬‬
‫إجازة من العمل حتى توليه مهمة ذهابه معها‬
‫للطبيب اليوم بسبب انشغال والدها‪..‬‬
‫أقتربت من الطاولة التي أختارها تجده يتطلع‬
‫عليها بتفحص بينما يجلس على كرسيه‪ ..‬تبرم‬
‫شفتيها بتذمر على فعلته لتجذب الكرس ي‬
‫جالسة أمامه‬
‫تحديدا كان تمتلك تعليقاً‬‫ً‬ ‫هنا‪ ،‬في تلك اللحظة‬
‫ساخرا بجملة شهيرة على تصرفاته الحمقاء‬ ‫ً‬
‫"الرجالة ماتوا في الحرب "‬
‫لكن تلك الجملة كارثة بحد ذاتها حيث الرجال‬
‫هنا من بينهم "أبيها و أخيها و ابن العم و كل‬
‫رجل في عائلتها "‬
‫سيقع على تعليقها املتهور استدعاء إجراء‬
‫خطير و صارم من ابن خالتها الذي سافر منذ‬
‫عشرين ً‬
‫عاما و ترك البالد‬
‫‪85‬‬
‫وال تعرف حتى اسمه اتصال هاتفي في منتصف‬
‫الليل يخبرها أنها "قليلة الحياء و أنه يستطيع‬
‫إثبات وجود رجال بطريقته الخاصة "!!‬
‫تتخلى عن كل تفكيرها مرددة بابتسامة زينت‬
‫ثغرها بوداعة ‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫شكرا‬
‫مال يستند بيديه على الطاولة بينهما يناظر‬
‫عينيها بهدوء مريب لم تتحمله لتلوح بيدها في‬
‫وجه هاتفة بغلظة ‪:‬‬
‫‪-‬بعد جو أفالم الرعب ده لو قولت لي عاوزة‬
‫تشربي إيه؟ هاسيبك و أمش ي!‬
‫يعود للخلف ضارًبا كفيه الاثنين ببعضهما‬
‫ً‬
‫مرددا بقلة حيلة ‪:‬‬
‫أنت بجد مش معقولة‬ ‫‪ِ -‬‬

‫‪86‬‬
‫تراجعت بحرج تعبث بأصابع يديها بسكون‬
‫ً‬
‫واضحا‪:‬‬ ‫لثانيتين تعود لتسأله بهروب وصله‬
‫‪-‬ليه رجعت البيت؟‬
‫حرك رأسه بسالسة‪:‬‬
‫‪-‬ممكن عشان قدرت أفهم الذكريات اللي‬
‫بنهرب منها هي اللي بتفضل تعذبنا و تخلينا مش‬
‫قادرين نعيش صح! بس أول ما بنواجهها‬
‫بتكون أخف على النفس!‬
‫ترددت الكلمات بأذنيها مانحة إياه ابتسامة‬
‫حقيقية مغمغمة بخفوت‪:‬‬
‫‪-‬قدرت تتأقلم مع ذكريات والدك؟‬
‫نظرته كانت بعيدة‪ ،‬بعيدة على قدرتها على فهم‬
‫تركيبة مشاعره اتجاه والده و آالمه التي عاشها‬
‫مع والدته ‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫‪-‬مش عاوز أتأقلم ‪ ،‬يكفي إني أتصالح معاها‬
‫وعشان تبقى بعيدة عني‬
‫ً‬
‫متذكرا حزنه الذي يفتك به‬ ‫تنفس باختناق‬
‫ولكنه يأبي الاعتراف ‪:‬‬
‫‪-‬هاسافر ملدة شهر تقري ًبا عشان شغلي فقولت‬
‫أعزمك على الغداء عشان أرد العزومات اللي‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫علي‬
‫ارتفع صوت ضحكتها على كلمته مندهشة منه‪:‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫‪-‬بجد أنت قلبك أسود! ماتخيلتش تكو زعالن‬
‫من كالمي!‬
‫"أنت دبش مش واخدة بالك بس"‬ ‫ِ‬
‫تمتم بها بحنق بداخله قبل يهتف ‪:‬‬
‫‪-‬مش زعالن بس على ألاقل يبقا بيننا عيش و‬
‫ملح‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫تومئ برأسها في إيجاب موافقة على كلماته‬
‫بينما يشرع هو في طلب الطعام لهما ً‬
‫سويا‪...‬‬
‫****‬

‫‪89‬‬
‫الطرف ألاخير‬

‫تمددت على الفراش محدقة بسقف الغرفة‬


‫بضيق متذكرة آخر لقاء بينها و بين "عزت "‬
‫منذ أسبوعين كاملين!‬
‫أسبوعين تحولت فيهم ألخرى أخرى أكثر حمقاً‬
‫و ً‬
‫غباء‪..‬‬
‫هي التي أشد اشتياق بالنسبة لها الحصول على‬
‫املرتب آلان تتجرع بسببه لوعة الاشتياق لش يء‬
‫أكبر‪..‬‬
‫تزفر بحنق بينما تعاود الجلوس ‪:‬‬
‫"إيه شغل املراهقات ده "‬
‫تجذب الهاتف باحثة على صفحته على "فيس‬
‫بوك " فتجدها مثلما تركتها آخر مرة بال جديد‪..‬‬

‫‪90‬‬
‫تعاود ضرب رأسها بالوسادة عدة مرات تهتف ‪:‬‬
‫"غبي ‪،‬غبي "‬
‫تترك الغرفة بسرعة ضاربة الباب خلفها بعنف‬
‫متجهة ناحية الشرفة و تدمدم بشفتيها بتهكم ‪:‬‬
‫‪-‬عامل الصفحة بتاعته لألصدقاء بس‬
‫مفكر نفسه رئيس املخابرات س ي عاطف باشا‬
‫ده محدش مهتم بيه غيري!‬
‫تسري قشعريرة بجسدها بانفعال‪ ،‬تهمس‬
‫بخفوت مندهشة مما نطقت ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬مهتم؟ أنا فعال مهتمة بس‪..‬‬
‫تصمت عن باقي حديثها بعمد تحرك رأسها‬
‫ً‬
‫يمينا و يسا ًرا منفعلة بمشاعرها املتضاربة‬
‫بصراع ال تفهمه ‪:‬‬
‫‪-‬بتعملي إيه في الجو ده في البلكونة؟‬

‫‪91‬‬
‫تضبط لف الشال على ذراعيها و هي تشعر آلان‬
‫ً‬
‫تحديدا أنها ال تحتاجه فنيران أفكارها كانت‬
‫تمنحها دفء خاص ‪:‬‬
‫‪-‬بس ماعرفتش أنام قولت أشم هواء‪.‬‬
‫ً‬
‫مشيرا لها باملجيء لتشاركه‬ ‫يجلس والدها‬
‫وتندفع ناحية أحضانه‪ ،‬يهتف ‪:‬‬
‫‪-‬عزت كلمني النهاردة طمني عليه‬
‫ارتفعت نبضات قلبها بصخب بمجرد ذكر‬
‫اسمه‪ ..‬تعنف نفسها بشدة على ذلك متذكرة‬
‫أنه مازال "عزت " ألاحمق !‬
‫ترفع بنظرها لوالدها مبتعدة عن أحضانه‬
‫تتساءل باهتمام‪:‬‬
‫‪-‬ليه عاوزني أتجوز يا بابا؟‬

‫‪92‬‬
‫‪-‬عشان عارف إني مش هاعيشلك على طول‪،‬‬
‫عليك مع راجل يستحقك‪ ،‬راجل‬ ‫عاوز أطمن ِ‬
‫عارف يحطك في عينه و يحفظك!‬
‫تدمع عيناها متأثرة بمشاعرها بينما تهتف‬
‫بانفعال جلي‪:‬‬
‫‪-‬بعد الشر عنك يا بابا‪ ،‬يعني أنت عاوز تجوزني‬
‫عشان خايف َّ‬
‫علي؟‬
‫هامسا بمكر ‪:‬‬‫ً‬ ‫يقرص وجنتيها بينما يقترب‬
‫‪-‬بصراحة عشان هاتجوز في أوضتك !!!‬
‫ابتعدت عن يد والدها تستدعي الصدمة‬
‫بشهقة مفتعلة ‪:‬‬
‫‪-‬عاوز تتجوز ؟‬
‫وصوت صراخها يخلق هرج و مرج في املكان‬
‫والفضيحة التصقت بوالدها ‪:‬‬
‫‪-‬يا ماما ‪ ،‬بابا عاوز يتجوز ِ‬
‫عليك!‬
‫‪93‬‬
‫ً‬
‫ليخرج صوت والدتها مشحونا ‪:‬‬
‫علي؟ يا راجل يا شايب بعد السنين دي‬ ‫‪-‬تتجوز َّ‬
‫كلها؟‬
‫‪-‬راجل شايب ‪،‬طب امش ي يا‪...‬‬
‫تشهق باستنكار ‪:‬‬
‫‪-‬قول‪ ،‬قول ما أنت خالص مش بتفكر غير في‬
‫الجديدة‬
‫مقتربا منها يضمها بين ذراعيه‬ ‫لكنه يتجاهل ً‬
‫ً‬
‫هاتفا ‪:‬‬
‫‪-‬يا ست الستات هو أنا أالقي زيك فين؟ ده أنا‬
‫مليش غيرك يا أم العيال‬
‫غرقت " مرام " في الضحك عليهما من بعدها‬
‫غادرت ناحية غرفتها تاركة والديها خلفها‬
‫يغمرون الجو البارد ً‬
‫حبا ‪:‬‬
‫‪-‬اتنين ليمون و شجرة هنا لعصافير الحب !‬
‫‪94‬‬
‫مجرد رؤيتها لفراشها جعلتها تتثاءب راغبة‬
‫بالنوم‪ ..‬فاندفعت ناحيته ملقية بالشال على‬
‫ألارض تردد بأعين مغمضة ‪:‬‬
‫‪-‬النوم أحسن منك يا عزت ‪..‬‬

‫****‬
‫وألنها لعنت "عزت " اليوم بكل قوتها و تناولت‬
‫عليه السب هي التي كانت ترتدي ألاخالق‬
‫العالية تنازلت عن ذلك في عاصفة املشاعر‬
‫املحيطة بها منذ غيابه‪.‬‬
‫واللعنة على الاصطدام بأحدهم أثناء هروبك‬
‫فتقع به و إليه بال هوادة منك!‬
‫ارتعدت للخلف بشهقة هلع‪ ،‬هي تجد نفسها‬
‫محاصرة بين الحائط و سيارة تقطع الطريق‬
‫ً‬
‫غضبا‪:‬‬ ‫عليها‪ ،‬تشتعل عيناها‬
‫‪95‬‬
‫‪-‬أنت يا حيو‪..‬‬
‫لكن الكالم يقف في حلقها هي تميز "الحيوان "‬
‫الدائم الظهور في حياتها بسيارته الغبية مثله ‪:‬‬
‫‪-‬حلوة املفاجأة؟‬
‫‪-‬زي الزفت‪..‬‬
‫يبتلع عصبيتها كأنها ش يء غير هام يعود ً‬
‫مقتربا‬
‫ً‬
‫مشاكسا بعبث ‪:‬‬ ‫منها بلمح البصر ويهتف‬
‫‪-‬وحشتك؟‬
‫‪-‬في أحالمك بس!‬
‫ردها السريع بدون تفكير ارتفع له حاجبيه‬
‫باستنكار ‪:‬‬
‫‪-‬مش مهم‪ ،‬املهم أنا أخدتلك أجازة من خالي‬
‫هانقض ي اليوم كله مع عيلتك‪..‬‬
‫تعقد ذراعيها أمامها مرددة باستهزاء مقلدة‬
‫"فيفي عبده"‪:‬‬
‫‪96‬‬
‫‪-‬ال أسكوزمي بقى‪ ،‬أنتم عاملين مؤامرة َّ‬
‫علي‬
‫مقربا وجهه منها يهمس لعينيها بعشق ‪:‬‬ ‫مال ً‬
‫‪-‬ما تجربي تقلدي بحبك خمس مواه كده‪،‬‬
‫عشان أقدر أقيم أدائك صح !‬
‫ترتفع حرارة وجنتيها بشكل لذيذ لعينيه جعل‬
‫يزداد غر ًاما‪ ..‬فيبتعد عنها ً‬
‫متنهدا ‪:‬‬
‫أنت حلوة من غير حاجة‪.‬‬ ‫‪-‬غيرت رأيي ِ‬
‫ً‬
‫"مرام " معها يدرك جيدا أنه كلما ود النجاة‬
‫ً‬
‫ازداد غرقا حد انقطاع ألانفاس !!‬
‫بدأت بالسير بجواره بعدما تخلى عن السيارة‬
‫الذي أتي بها لم ترد أن تقطع قدسية اللحظة‬
‫بينهم‪ ،‬وتدمر اتصاله بخاله و اعتذاره لها عن‬
‫العمل‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫شخصا ً‬
‫غريبا‬ ‫ً‬ ‫الحب رغم بساطته يجعل‬
‫يأخذك كلك و يتركك عارًيا بال حيلة أمام‬
‫عاصفته ‪..‬‬
‫‪-‬ليه رجعت قبل الشهر ما يخلص؟‬
‫‪-‬النهاردة يوم مميز مستحيل يفوت وأنا غايب‬
‫تعود بثرثرة سخيفة للغاية ‪:‬‬
‫‪-‬ليه النهاردة عيد العمال وال عيد الشرطة‬
‫ممكن يكون عيد ألاضحى أو ألاهم يكون عيد‬
‫ميالدي !!!‬
‫انتهت من جملتها مرددة بذهول كأنها تلقت‬
‫ضربة على رأسها أعادت لها ذاكرتها الخرقاء ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬النهاردة عيد ميالدي فعال‪..‬‬
‫كأي أنثى تجمع الخطوط‪ ،‬وتدرك التفاصيل‬
‫الكاملة في الصور املثالية بل أقرب لنفسها أن‬
‫تكون حمقاء أدركت عشقه‬
‫‪98‬‬
‫تفهم آلان كونه من يرسل لها الزهور على‬
‫مكتبها في يوم عيد ميالدها‬
‫تلك التي كانت تلقيها في سلة القمامة مرددة‬
‫بغلظة ‪:‬‬
‫"الورد ده للبنات املسهوكة‪ ،‬جايب لي ورد يا‬
‫إبراهيم و أنا ما بحبوش"‬
‫ترفع نظرها له بصعوبة قدرت على منع‬
‫ضحكتها أمامه ‪:‬‬
‫َ‬
‫‪-‬أنت !!!!‬
‫قبل أن يستعد للحديث معها أنذرت السماء‬
‫بهطول ألامطار الغزيرة عليهم‪ ،‬جلجلت ضحكتها‬
‫مرددة‪:‬‬
‫‪-‬الدينا بتمطر !‬
‫‪-‬بشرة خير‬

‫‪99‬‬
‫ازدياد ابتالل مالبسها جعله يمسك بكفيها بين‬
‫كفيه يهتف بمرح ‪:‬‬
‫‪-‬بتعرفي تجري؟‬
‫تبدأ بالجري معه وضحكاتهما تشاركهما‬
‫سعادتهما باألجواء املحيطة ‪،‬سعادة بدأت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تتسرب لها شيئا فشيئا جعلته يرغب بقدر ما‬
‫ً‬
‫قريبا يبتعد بها بعيدا عنهم و يتركهم‬‫يرى البيت ً‬
‫في جنون اللحظة غارقين حد الثمالة بها‪..‬‬
‫دخل البناية يقابلها بأنفاس الهثة و تنهدات‬
‫متتالية و حالها لم يقل عنه لكن قربه و حرارة‬
‫ً‬
‫أنفاسه منحاها دفئا ودت لو احتضن العالم‬
‫كله فيه !‬
‫مللمت خصالت شعرها املبتلة على جانب وجهها‬
‫بارتباك‪ ،‬بصوت وهج بالبراءة ‪:‬‬
‫‪-‬ليه شايف إننا مناسبين لبعض؟‬
‫‪100‬‬
‫بالقدر الذي يجعلها أنثى بكل هذه البساطة في‬
‫التحول من أفعى تلدغه لفراشة رقيقة و هشة‬
‫أجاب بيقين‪:‬‬
‫‪-‬إلني في كل لحظة من حياتي متأكد إني عمري‬
‫ما هاخذلك و هادعمك و هاقدرك‪ ،‬بكل كياني‬
‫أنت بس!‬ ‫معاك ِ‬
‫ِ‬ ‫هاكون‬
‫يسكن الكالم للحظات لكن نبض القلب يزداد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صخبا و عنفوانا ‪:‬‬
‫‪-‬إلن مفيش مبررات أو أسباب في العالم كله‬
‫تكفيك بس اللي أعرفه إنه ماينفعش غيرك يا‬
‫ِ‬
‫مرام ! مش عاوز غير إني أكون حاضرك و‬
‫مستقبلك !‬
‫بقدر ما تدق طبول الحب بينهم‪ ،‬بقدر كون‬
‫الاعتراف بالحب مجازفة كبرى تدعوك ملحاربة‬
‫التيار‬
‫‪101‬‬
‫اعترفت بأحرف عاشقة ‪:‬‬
‫‪-‬أنا موافقة أكون خيط و أقول إني مانفعش‬
‫من غيرك ! أنا بحبك !!‬
‫تجذب كفها منه ببعض القسوة بينما تدفعه‬
‫بعيدا و تعاود الجري بخجل على درجات‬ ‫بيديها ً‬
‫السلم ناحية بيتهم ‪..‬‬
‫فتح "كريم " الباب تفرغ فاهها بصدمة كبيرة‬
‫من املكان حولها حيث عدد ال بأس به من‬
‫البالونات بجانب الكعكة املزينة املوضوعة في‬
‫منتصف غرفة املعيشة ‪..‬‬
‫تهمس بحرارة باسمه متأكدة من كونه صاحب‬
‫الخطة‬
‫"عزت "!!‬
‫ً‬
‫يخفض وجهه بجانب أذنيها مرددا‪:‬‬
‫أنت طيبة‬ ‫كل سنة و ِ‬
‫‪102‬‬
‫تتعالى دقات قلبها مندفعة للداخل ناحية‬
‫ً‬
‫والديها محتضنة كال منهما بسعادة ‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫شكرا على اليوم الحلو !‬
‫تبعدها والدتها عنه بتذمر ‪:‬‬
‫مشيت في املطر؟‬ ‫ِ‬ ‫أنت‬
‫‪-‬هدومك كلها مياه‪ِ ،‬‬
‫هاتفا بشبه‬‫تومئ بإيجاب يتدخل "عزت " ً‬
‫صراخ ‪:‬‬
‫‪-‬عمي أنا بطلب منك إيد مرام للمرة املليون؟‬
‫ً‬
‫ينتقل والدها بصره ببنهم هاتفا بحزم ‪:‬‬
‫‪-‬أنا مش موافق!‬
‫يصرخ كل منهما في نفس واحد ‪:‬‬
‫‪-‬أل‬
‫تجري "مرام " ناحية والدها متشبثة في قميصه‬
‫هاتفة بدالل ‪:‬‬
‫‪-‬بابا أنا موافقة على عزت بجد املرة دي‬
‫‪103‬‬
‫يدعي والدها عدم الرضا على الزيجة‬
‫وبينما يشيح بوجهه بجمود‬
‫ً‬
‫مقاطعا‪:‬‬ ‫يهتف "كريم "‬
‫‪-‬دلوقتي ها تموتي و تتجوزيه بعد ما كان كلب‬
‫وال يسو‪..‬‬
‫ً‬
‫سريعا على فم‬ ‫تشهق بخجل واضعة يديها‬
‫"كريم " عيناها تنطق بالشر وتهمس بجوار أذنه‬
‫برعب ‪:‬‬
‫‪-‬أوعى تتكلم بدل ما أقتلك بنفس ي!‬
‫ترفع بصرها ناحية "عزت " بابتسامة سمجة ‪:‬‬
‫‪-‬ماتاخدش على كالمه ده عيل صغير‬
‫يردد بتبرم معتاد على طول لسانها ‪:‬‬
‫أنت اللي لسانك عاوز القطع‬ ‫‪-‬عيل بردو وال ِ‬
‫تصرخ فيه بشراسة ‪:‬‬
‫‪-‬عزت‬
‫‪104‬‬
‫يعيد لها الصرخة بصراخ أعنف و أقوى ‪:‬‬
‫‪-‬مرام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هنا جاء دور والدها صارخا فيهما معا بصوت‬
‫هز أرجاء البيت ‪:‬‬
‫‪-‬أنا موافق‪ ،‬موافق خالص‬
‫تعود السعادة و الضحكات على وجه الجميع‬
‫بينما يحتضن كل من "عزت" و "مرام " والدها‬
‫بامتنان و تقدير على إنقاذ اللحظة !‬
‫****‬

‫‪105‬‬
‫بعد سنة و نصف‬

‫تمسك بطبق الفشار في يديها مقتربة من‬


‫جلسته املتحفزة أمام التلفاز جالسة بجواره في‬
‫جلستهم املميزة بمد ساقيها فوق ساقيه بإغواء‬
‫حقيقي تغاض ى عنه ألان‪.‬‬
‫تتابع بعينيها بملل املباراة واضعة رأسها بهدوء‬
‫على كتفه بسؤال مفاجئ‪:‬‬
‫‪-‬حبيبي ‪،‬أنا وال املباراة؟‬
‫في قانون ألانثى أنت وقعت في فخ ‪ ،‬وإلاجابة قد‬
‫تودي بك إلى نائم على ألاريكة ومطرود بجدارة‬
‫من غرفة النوم‪ ،‬لم تحد عينه عن التلفاز‬
‫أمامه ‪،‬هو يجيب بثقة ‪:‬‬
‫أنت يا حياتي‬ ‫‪ِ -‬‬

‫‪106‬‬
‫تمد يديها لتلفها حول عنقه بدالل أنثوي ‪:‬‬
‫‪-‬أقفل التليفزيون ‪..‬‬
‫يلتقط بعبث حبات الفشار من الطبق وعينه‬
‫معلقة باملباراة أمامه بحماس ‪:‬‬
‫‪-‬أما املباراة تخلص‬
‫بدون مقدمات أو حركات أكشن للقادم كان‬
‫صراخها يصم أذنه ‪:‬‬
‫‪-‬أنت ماعدتش بتحبني؟‬ ‫َ‬
‫هو في لحظة درامية بحته ‪،‬عليه مراعاة تقلبات‬
‫مزاجها "الزفت" في ألايام ألاخيرة بسبب الحمل‬
‫‪..‬حيث قام بمجهود جبار ال داعي لذكره‬
‫ً‬
‫للحصول على طفل يعود مقبال جبينها بحنان‬
‫ً‬
‫هامسا بخبث ‪:‬‬
‫‪-‬عشان بعشقك دلوقتي‬

‫‪107‬‬
‫تعود الابتسامة على وجهها أشبه بطفلة تلقت‬
‫ثوب عيد جديد ‪ ،‬الوضع يعود كما السابق في‬
‫إسناد رأسها على كتفه مرددة بهيام كلمته‬
‫املفضلة و لحن حبهم الخاص ‪:‬‬
‫‪-‬أنا الخيط ‪..‬وأنتَ‬
‫لم تكد تكمل جملتها حتى أسرها بين عينيه‬
‫يكمل بهمس عاشق لم يفقد ألامل ً‬
‫يوما حتى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صار يقينا ملموسا بين يديه ‪:‬‬
‫‪-‬وأنا إلابرة‬
‫لقاء العيون يحكي ألف قصة و قصة‪ ،‬لكن كل‬
‫منهم يكتفي بهمس جارف و حروف متشابكة‬
‫كنبضات قلوب تزعزعت ‪:‬‬
‫‪-‬ماننفعش من غير بعض !‬

‫‪108‬‬
‫تمت بحمد هللا‬
‫‪2120/2/2‬‬

‫نبذة عن الكاتبة‪:‬‬
‫‪-‬إلاسم‪:‬آية أحمد‬
‫‪01-‬سنة‬
‫‪-‬من محافظة دمياط‬
‫‪-‬مازالت تدرس كلية التربية جامعة دمياط قسم عام‬
‫تاريخ‬
‫‪-‬صدر لها‪:‬‬
‫‪-‬قمر الينام! (قصة قصيرة)‬
‫‪-‬عالء الدين (قصة قصيرة)‬

‫‪109‬‬

You might also like