You are on page 1of 159

1

‫نوفيال‬

‫كرة الرماد‬

‫‪2‬‬
‫بقلم‬

‫أماني حسين‬

‫‪3‬‬
‫جروب‬

‫شخابيط وردية‬
‫إبداع الحرف وعشق ألابجدية‬
‫للدخول للجروب على الفيس بوك‬
‫‪https://www.facebook.com/groups/shakhabeit.wardia/‬‬

‫‪4‬‬
‫غالف خارجي‬
‫سارة علي‬
‫قالب وتنسيق داخلى‬
‫إيمان أحمد‬
‫فريق عمل "شخابيط وردية"‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة‬

‫ً‬
‫عندما تتكاثر املصائب يمحو بعضها بعضا ‪...‬‬
‫وتحل بك سعادة جنونية غريبة املذاق‪..‬‬
‫تستطيع عندها أن تضحك‪....‬‬
‫من قلب ال يعرف الخوف‬
‫نجيب محفوظ‬

‫‪6‬‬
‫الفصل ألاول‬

‫قيل فيما مض ى تكمن السعادة الحقيقية في‬


‫قضاؤها مع ألاخرين‬
‫ومن سيكون ألاخرين أفضل من العائلة ‪...‬املالذ‬
‫وحضن ألامان فى عالم ال قلب له‬
‫كيف يمكن أن تكون أكثر سعادة وعائلتك‬
‫تحيطك من كل جانب ألابتسامة تعلو الوجوه‬
‫مشاكسات محببة بين الصغار‬
‫بينما أنشغلت ألامهات في تحضير مائدة الطعام‬
‫والرجال في حديث ال ينتهي عن السياسة‬
‫والكرة وألاحوال ألاقتصادية‬

‫‪7‬‬
‫مائدة رمضانية ممتدة ككل عام‬
‫تقيمها الحاجة تحية في منزلها الذى تحيا به‬
‫مع أبنها الوحيد لتجمع بناتها وأزواجهن وأبنة‬
‫أختها وزوجها التي تقيم معها فى نفس املنزل‬
‫منزل العائلة الذى كانت تمتلك جزء منه هى‬
‫وشقيقتها رحمها هللا ‪..‬‬
‫وأشترى لها زوجها الراحل باقي املنزل من باقي‬
‫ً‬
‫الورثة ليصبح خالصا لها ولشقيقتها‬
‫خرجت من شرودها على أندفاع أبنها محمد‬
‫بمالمح غاضبة نحو حجرته تتبعه بنظراتها وهي‬
‫ً‬
‫تعلم أن شجارا على وشك ألاندالع‬
‫أغلق الباب خلفه وهو يرى زوجته مشيرة‬
‫جالسة تمسد خصالت شعرها‬

‫‪8‬‬
‫أنت ما عندكيش دم قاعدة هنا وال على بالك‬
‫‪ِ -‬‬
‫عليك حد يجيله ضيوف في‬‫يا شيخة عيب ِ‬
‫أنت أيه فاكرة أخواتي خدامين‬
‫بيته ويعمل كدا ِ‬
‫عندك‬
‫ألتفتت تواجهه ببطء‬
‫‪-‬ال يا محمد دول مش ضيوف دول أصحاب‬
‫بيت أنا اللي ضيفة ‪ ..‬أنا اللي بيتقال لي أعمل‬
‫أيه ‪ ..‬أنا اللى‪...‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أعتلى وجهه تعبيرا صارما أثار الرهبة في قلبها‬
‫‪-‬مش هتبطلي بقى النغمة دي‪...‬‬
‫مشيرة خروج من البيت مش هخرج هفضل‬
‫فيه ألخر يوم في عمري‪ ...‬ريحي نفسك ‪ ...‬تحطى‬
‫حجابك ودقيقة تكوني معاهم أو شوفي‬
‫هتفطري فين النهاردة‬

‫‪9‬‬
‫خرج وتركها لحالة قهر تحدث في كل مرة‬
‫تجتمع فيه أسرته في كل مرة تحرص شقيقاته‬
‫على النيل منها بكلمات ونظرات الذعة‬
‫كيف يمكن أن تلوم غيرها وهى من فعلت‬
‫بنفسها ذلك‬
‫أبنة املدن الراقية فتاة مدللة ألسرة ليست‬
‫بالثرية ولكنها تنحدر من أصول أرستقراطية‪...‬‬
‫ٌ‬
‫أسرة كانت تتطلع لجمال أبنتهم أن تنعم عليهم‬
‫بالثراء والترتيبات لزواجها من أحد أثرياء‬
‫املجتمع ضربت بها عرض الحائط‬
‫لتتزوج من مهندس بسيط ترجع أصوله للريف‬
‫ً‬
‫ال يملك ما يؤهله أن يصبح لها زوجا في نظر‬
‫أهلها ‪ ..‬أصر على البقاء جوار والدته وشقيقاته‬
‫بقرية صغيرة بالقرب من القاهرة‬

‫‪10‬‬
‫ٌ‬
‫وبمنزل عائلة بالكاد تذكر به كلمة خصوصية‬
‫تبعت قلبها الذي صم أذانها عن النصائح التي‬
‫حذرتها مما تحياه ا ألن‬
‫وصمت أذانها عن النصائح املوازية التي تطلب‬
‫منها التعايش والتقرب لشقيقاته وباألخص‬
‫ألبنة الخالة راجية التي تقطن معها بنفس‬
‫باملنزل بعد أنهيار منزلها‬
‫ومنذ قدومها وهي في حالة رفض تام لها‬
‫فالكل يحيطها بهالة من الكمال‬
‫فهي راجية الكاملة العاقلة‪ ...‬السيدة ألاولى في‬
‫التدبير ومراعاة الزوج وتنشأة ألاوالد ورعاية‬
‫خالتها وأحاطتها بهالة مالئكية‬

‫‪11‬‬
‫ببسمة ساخرة‪:‬‬
‫‪-‬هي الكمال يمش ي على قدمين‬
‫أو هي تكره أنها ألاختيار ألاول لزوجها ولكنها‬
‫فضلت زوجها الحالي عليه‬
‫ومشاعرها تتضارب كيف لها أن ترفض‬
‫شخص مثل محمد املهندس الجامعي لتختار‬
‫بدال منه شخص مثل جالل مدرس ثانوي‬ ‫ً‬
‫محدود القدرات ملادة يعتبرها الجميع مادة‬
‫تكميلية ال حاجة ألي دروس‬
‫ً‬
‫وبين غيرة حمقاء تخبرها دائما أنها ألاختيار‬
‫ألاول حتى لو أكد لها مئات املرات أنها كانت‬
‫أختيار العقل لوالدته‬
‫بينما هي أختيار القلب‬

‫‪12‬‬
‫أغمضت عينيها وتنهيدة حاملة هو حبيبها‬
‫وأختيار القلب والعقل منذ اللحظة ألاولى التي‬
‫رأته فيها‬
‫كرجل يختلف عن كل الرجال في محيطها لم‬
‫ٌيبهره جمالها كما أعتادت وال أسم عائلتها‬
‫الرنان‬
‫كان هو كل ما تريده سأمت مشاعر الزيف و‬
‫الحب املشروط بجمالها‬
‫ً‬
‫سأمت أن تكون سلعة ملن يدفع ثمنا أكبر‬
‫وحين بادلها مشاعرها لم يصبه ألانبهار كمن‬
‫ً‬
‫سبقوه بجمالها بل كان دائما ما يخبرها بأن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫داخلها شخصا أجمل كان واضحا صريحا‬
‫ألبعد حد‬

‫‪13‬‬
‫منذ تحركت مشاعره نحوها ذهب لوالدها‬
‫ليقتنع والدها بأنه رجل سيحفظ أبنته طوال‬
‫العمر ولكنه رفض ما إن علم بمكان منزل‬
‫الزوجية‬
‫إصرارها خلق حالة عداء باملنزل‬
‫ً‬
‫حنق والدتها ‪ ...‬نظرة شقيقها وأعتراضه خوفا‬
‫أن يعلم أهل زوجته املستقبلية‬
‫جعل والديها يقيما لها حفل زفاف ولكنه لم‬
‫ً‬
‫يقارن أبدا بالحفل الضخم الذي أقامه محمد‬
‫لها هنا‬
‫ما إن أنتهت أجراءات الزواج حتى أصر والدها‬
‫على رحيلها لألبد عن منزله وكلمات صارمة عن‬
‫عدم ترحيبهم بعودتها‬

‫‪14‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لم تغير رأيها بل أزدادت أصرارا وتمسكا به ولم‬
‫يفتر حبها له لحظة‬
‫حتى بعد عشر سنوات زواج وحتى أخر عمرها‬
‫فهو الوحيد الذي تأمنه على نفسها هي تعلم‬
‫ً‬
‫أنه لن يخذلها أبدا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألتقطت وشاحها و نفسا عميقا قبل أن تخرج‬
‫ً‬
‫من غرفتها وتتجه نحو املطبخ تتوقع هجوما من‬
‫وفاء ونظرة متهكمة من ثريا ومصمصة شفاه‬
‫من ناهد والنظرة الجامدة من راجية‬
‫‪-‬مابدري يا مشيرة مش تستني ملا املغرب يأذن‬
‫أبتسمت ببرود مصطنع وداخلها يموج بألف رد‬
‫فاحم‬

‫‪15‬‬
‫أنت عارفة الحمل تاعبني‬
‫‪-‬البركة فيكم يا وفاء ِ‬
‫قد أيه مش عارفة كان أيه اللي خالني أفكر في‬
‫الحمل بس‬
‫محمد بقى مصمم أجيب بنوتة على الولدين‬
‫ثريا بلهجة ساخرة‪:‬‬
‫‪-‬ريحي نفسك يا مشيرة كلنا حملنا وولدنا‬
‫وعندنا البنات وألاوالد‬
‫ً‬
‫‪-‬وهو أنا بغيظك مثال علشان تقولي كدا أنا‬
‫بقولك بس‬
‫‪-‬أستهدوا باهلل يا جماعة ‪ ..‬تقومي بالسالمة يا‬
‫مشيرة إن شاء هللا روحي أرتاحي وكل حاجة‬
‫أنت عايزة وأحسن‬ ‫هتكون زي ما ِ‬
‫أنت بتطرديني من مطبخي ومن بيتي يا راجية‬
‫‪ِ -‬‬

‫‪16‬‬
‫‪-‬شوف الولية بتلكك أزاي تصدقي تستاهلي يا‬
‫ً‬
‫راجية علشان دايما تدافعي عنها‬
‫وكزتها بمرفقها‪:‬‬
‫أسكت بقى ما تولعيهاش ‪ ...‬رمضان كريم‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫فهمت غلط‬
‫ِ‬ ‫‪...‬مشيرة حقك عليا لو‬
‫ثم أستدارت بسرعة نحو الخارج‪:‬‬
‫‪-‬أنا هظبط السالطات واملخلل على السفرة‪...‬‬
‫تعال شوفي ألاوالد سكتيهم شوية‬
‫وفاء وحياتك ِ‬
‫زمان ماما تحية صدعت‬
‫تنفست الصعداء فبخروج وفاء ألامن‬
‫سيستتب‬
‫ً‬
‫ألتفت الجميع وأنهماك بعيدا عنها ‪..‬‬
‫مساحة هي وضعتها من البداية‬

‫‪17‬‬
‫ً‬
‫وال تنوي تجاوزها يوما ما‬
‫********‬
‫مائدة عامرة بل ثالث موائد واحدة للرجال‬
‫وواحدة للسيدات وأخرى لألطفال‬
‫ً‬
‫املوائد ممتدة دائما في بيت الحاجة تحية فهي‬
‫فى رمضان وألاعياد واملواسم بداية الشهور‬
‫العربية‪ ..‬مواسم الزراعة بمناسبة وبدون‬
‫ً‬
‫مناسبة هناك دائما سبب لوجودهم‬
‫تعشق تجمعهم حولها‪..‬‬
‫تستمد الحياة والطاقة من وجودهم ‪ ..‬تشرف‬
‫بنفسها على كل صغيرة وكبيرة‬
‫تضع قائمة الطعام لتلك الوالئم‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫ر‬
‫تجبر بناتها على الحضو مبكرا ألعداد كل ما لذ‬
‫وطاب‬

‫‪18‬‬
‫والجميع يمتثل ألوامرها بمحبة خالصة‬
‫إال هي تشعر بالحنق ‪ ..‬بالغربة‪ ..‬طبيعتها‬
‫املتمردة رفضت ألانصياع لتلك العادات التي‬
‫تكلفهم الكثير‬
‫رغم أن تلك الوالئم من مالها الخاص من‬
‫معاشها عن زوجها الراحل وإيجار قطعة أرض‬
‫ضخمة ولكنها تشعر بأنها وأوالدها أولى بها‬
‫فالطبيب والعالج وكل مايلزم املنزل من نفقات‬
‫من مال زوجها يرفض مساهمتها عدا الوالئم‬
‫ً‬
‫والتي يكون لها نصيبا من راتب زوجها‬
‫ً‬
‫تفاصيل أجتماعهم دائما مابين أبتسامات‬
‫ونكات بالكاد تفهمها ال تفهم لم تتعالى‬
‫الضحكات ملواقف تراها سخيفة‬

‫‪19‬‬
‫أفاقت من شرودها على وكزة من يد حماتها‬
‫فالجميع أنتهى من الطعام وبدأ رفع ألاطباق‬
‫‪-‬قومي يا مشيرة ساعدي أخواتك‬
‫زفرت حانقة بدون كلمة واحدة فهي ليس لها‬
‫أختيار ‪..‬عليها ألامتثال لقوانين املنزل وإال غضب‬
‫ً‬
‫لن ٌيحمد عواقبه أبدا‬
‫ً‬
‫فمحمد لن يتهاون أبدا من يتسبب في أغضاب‬
‫ً‬
‫والدته وخصامه لها دائما هو ألاسوء‬
‫أنصرف الرجال ألداء الصالة وبقيت السيدات‬
‫ً‬
‫لترتيب املنزل وأعداد الحلوى أنتظارا ملقدمهم‬
‫ً‬
‫لينصرف الجميع أخيرا رافضين‬
‫عرض الحاجة تحية باملكوث لوجبة السحور‬

‫‪20‬‬
‫تجلس جوارها تلتقط أنفاسها بصعوبة‪:‬‬
‫‪-‬هو لسه في حد هنا في صوت في املطبخ‬
‫‪-‬أه دي راجية صممت ترتب املطبخ قبل ما‬
‫تنزل‬
‫‪-‬طيب يابنتي يصح تقفي معاها‬
‫‪-‬يا طنط رجلي واجعاني وبعدين أنا قولت لها‬
‫ملوش لزوم هي اللي صممت‬
‫خرجت راجية تجفف يدها‪:‬‬
‫‪-‬أنا هطلع بقى ألحق أحضر لهم السحور ‪ ..‬أنا‬
‫حضرت لك السحور يا مشيرة يادوب تطلعيه‬
‫على السفرة ولو محتاجاني بكرة الصبح في‬
‫ترتيب البيت أنا فاضية طول النهار وبصحى‬
‫بدري‬

‫‪21‬‬
‫تشاغلت مشيرة بالنظر ألظافرها‪:‬‬
‫‪-‬مالوش لزوم فتحية جاية بكرة هتنضف‬
‫البيت كله‬
‫ران الصمت على الجميع لتكسره راجية‬
‫بأبتسامتها الحانية‬
‫‪-‬طيب كويس ‪ ...‬ماما عايزة مني حاجة‬
‫‪-‬أعوزك سعيدة يا بنتي تسلم أيدك تاعبينك‬
‫ً‬
‫معانا دايما‬
‫‪-‬ماتقوليش كدا تصبحوا على خير‬
‫قبلت رأسها وأنصرفت‬
‫وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة كانت مشيرة قد‬
‫ً‬
‫أبتعدت هي تعلم ما فعلته جيدا لينهض محمد‬
‫فتتمسك بيده‬

‫‪22‬‬
‫‪-‬وديني أوضتي يا محمد‬
‫‪-‬مش هتتسحري معانا‬
‫‪ -‬ال مش قادرة أبقى شوية كدا وهات لي كوباية‬
‫زبادي‬
‫تستند على مرفقه تمطره بدعواتها حتى تصل‬
‫فراشها فيتجه نحو الباب‬
‫‪-‬أقفل الباب وتعال يا محمد‬
‫‪-‬خير يا أمي‬
‫‪-‬كل خير يا حبيبي ‪..‬أنت رايح تتخانق مع‬
‫مشيرة؟‬
‫‪-‬حضرتك مش شايفة بتكلم راجية أزاي ودي‬
‫مش أول مرة؟‬
‫أقتربت منه لتمسك بأذنه‬

‫‪23‬‬
‫ً‬
‫عقابها الدائم لها منذ كان طفال‬
‫‪-‬الغلط على مين؟ اللي راح حكى لها أنه كان‬
‫عايز يتجوزها والست بتغير يابني‬
‫يزفر بحنق‪:‬‬
‫‪-‬لسه مش عارفة تعيش معانا بعد كل دا وال‬
‫تطبع بطبعنا طيب وأخواتي البنات دول كمان‬
‫كنت هتجوزهم‬
‫‪-‬مراتك بتحبك وكل همها ترضيك ما تنساش‬
‫هي هنا لوحدها وأخواتك كمان لقوها خدت‬
‫جنب ما حاولوش يقربوا ‪..‬شايفة راجية جوزها‬
‫ساب بلده وأهله وجيه هنا ‪..‬‬
‫‪-‬يعني هو بمزاجه ماهو مقدم على شقق‬
‫ألاسكان وأول ماتجيله هاياخدها ويمشوا‬

‫‪24‬‬
‫‪-‬وأختك ثريا ما هو جوزها باع حاله وجيه‬
‫أبتدى هنا من جديد جواها بيتعذب ال عارفة‬
‫ترضيك وال مستحملة بعد أهلها‬
‫‪-‬أنا تعبت مش عارف أرضيها وال عارف أخليها‬
‫تبقى زينا‬
‫‪-‬أنت أخترت وكنت عارف أنه صعب وهي ما‬
‫كذبتش عليك وعدتك تحاول وما عرفتش‬
‫وطلبت تبعد لكن علشان خاطرك فضلت هنا‬
‫‪-‬وهفضل هنا عمري كله وهي عارفة كدا‬
‫‪-‬وهي بطولها ملهاش غيرك حاسة أننا كلنا‬
‫مبسوطين بلمتنا وهي أهلها مقاطعينها علشان‬
‫خاطرك ضحت بأهلها عوضها يابني خليك أنت‬
‫كل أهلها‬

‫‪25‬‬
‫‪-‬بعدي كتير ومفيش فايدة‬
‫‪-‬أول مرة شوفت فيها مشيرة يوم مارحنا نخطبها‬
‫قولت دي مش توبنا مش هتستحمل عيشتنا‬
‫لكن كنت متمسك بيها خوفت عليك من كسرة‬
‫القلب لكن كل يوم كنت بشوفها تيجي على‬
‫نفسها علشان خاطرك كانت بتكبر في عيني‬
‫حتى لو ما بتحبنيش هي بتحب أبني ودا يغلي‬
‫مقامها عندي أستحملها يابني بكرة ملا أموت‬
‫وتبقى هي ست البيت هتشوف واحدة تاني‬
‫أنحنى يقبل يدها‪:‬‬
‫عليك يا أمي كلنا من غيرك نتوه فى‬
‫‪-‬بعد الشر ِ‬
‫الدنيا جرى أيه يا توحة هتقلبيها نكد ليه‬

‫‪26‬‬
‫‪-‬يال روح ماتسيبش مراتك تنام من غير سحور‬
‫دي بتصوم يابني وهي خالص قربت تولد‬
‫تالقيها خايفة منك‬
‫أستقام وقد هدأت مالمحه‪:‬‬
‫‪-‬دا أنا هروح أكسر رقبتها‬
‫أبتسمت فوحيدها رغم قسوته الظاهرة يملك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قلبا حانيا‬
‫وزوجته أبنة املدن لم تتوقع أن تحتمل كل‬
‫هذا خاصة مع قطيعة أهلها لها ‪ ..‬ترى كسرة‬
‫خاطرها بعد عودتها من زيارة لهم تقوم بها كلما‬
‫أشتاقت لهم ‪..‬‬
‫ترى الخيبة والهوان‬
‫فترق لحالها تغفر لها ألف غلطة‬

‫‪27‬‬
‫ً‬
‫ترفض ألانصهار في عاملهم كأنها تعاقبهم جميعا‬
‫على فراق ذويها‬
‫هي أختارت أبنها تعشقه هو وأوالدهم كل عاملها‬
‫*********‬
‫الحيرة والضياع بتفاصيلها املزعجة تحتل كيانه‬
‫تلغي عقله عن التفكير السليم‬
‫حيرة ألنه ال يستطيع تغيير طباعها املتمردة وال‬
‫ترويضها‬
‫وال جعلها تحيا كفرد من أسرته‬
‫حيرة ألنها هادئة بطبعها حلوة املعشر تتحول‬
‫فقط في وجود شقيقاته‬
‫حيرة ألنه يعلم مدى تضحيتها تركت كل ش يء‬
‫فقط من أجله‬

‫‪28‬‬
‫حيرة ألنه يعشقها بكل تفاصيلها وتمردها‬
‫صفع الباب بقوة فلم تتحرك من مكانها‬
‫متصنعة النوم بينما داخلها يرتجف‬
‫‪-‬مشيرة بطلي أستعباط فاكرة ملا تعملي نفسك‬
‫نايمة هنس ى‬
‫أزاحت الغطاء من فوقها وأنتصبت جالسة‬
‫تبادره بلهجة هجومية‬
‫ً‬
‫‪-‬طبعا ما أكيد الحاجة أخدتك أوضتها علشان‬
‫تولعها نار وأنا عملت أيه يعني!‬
‫جلس جوارها على الفراش بهدوء‬
‫‪-‬كلمة واحدة مش هقولها تاني راجية ما‬
‫تستاهلش منك املعاملة دي وال حد من‬
‫أخواتي‪ ..‬سايبك العمر دا كله تكتشفي‬

‫‪29‬‬
‫بنفسك قد أيه هم ناس طيبين محتاجين‬
‫أنت مصممة تعامليهم‬
‫منك معاملة حلوة‪ ..‬لكن ِ‬
‫بتعال بتدفعيهم تمن ملهمش ذنب فيه‬
‫بدأت بالبكاء‪:‬‬
‫‪-‬كلهم ماليكة وأنا الشيطان صح؟‬
‫نهض من جوارها وألتقط منامته‪:‬‬
‫عليك دي حياتي‬
‫‪-‬يابنت الناس أنا ما ضحكتش ِ‬
‫ودول أهلي‬
‫‪-‬أنا سبت أهلي علشانك ‪ ..‬كان مفروض‪....‬‬
‫كنت مكاني كان عمرك ماهتسيبي‬
‫‪-‬لو ِ‬
‫واملوجودين هنا ما ينفعش يدفعوا ضريبة‬
‫أختيارك‬
‫‪-‬محمد أنت قاس ي أوي عليا‬

‫‪30‬‬
‫رفع الفراش وأتخذ وضعه للنوم‬
‫‪-‬الحاجة تحية بتقولك أوعي تنامي من غير‬
‫سحور صحيني على الفجر‬
‫خرجت من غرفتها تقهر عبراتها بقوة ‪..‬تخلت‬
‫عن كبريائها وكل ما تملك من أجل البقاء‬
‫جواره‬
‫فمحمد هو كل عاملها ال تستطيع ألابتعاد عنه‬
‫فلماذا ال يكتفي هو بها كما تفعل!!‬
‫*********‬

‫‪31‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫ما بين مد وجزر‬


‫ورغد عيش وتقطير‬
‫تمض ي الحياة‬
‫نتأرجح بها تارة أعلى مما رسمنا وحلمنا‬
‫ً‬
‫وأحيانا ال ننال نصيبنا إال من إلانكسارات‬
‫والحزن‬
‫وهي بين كل ذلك وتلك لم تهن لحظة‬
‫ً‬
‫لم يعرف اليأس طريقا لها‬
‫تنحن لريح وال ألتفتت لعاصفة‬
‫لم ِ‬
‫ثبات الجبال وقوتها في وجه املحن‬

‫‪32‬‬
‫ورقة النسيم فى تعاملها وأبتسامتها‬
‫راجية‪....‬‬
‫هي التي أرتجتها أمها من الدنيا بعد وفاة كل من‬
‫سبقوها من أشقاء وشقيقات‬
‫وكانت لها نعم ألابنة والشقيقة والصديقة‬
‫وفاة والدها وهي بعد طفلة صغيرة ال تذكر حتى‬
‫مالمحه‬
‫لتعود ألام ملنزل العائلة لتنشأ راجية بين أسرتها‬
‫تنعم بحب أوالد وزوج خالتها الذي لم يفرق‬
‫بينها وبين أوالده‬
‫ً‬
‫معاش ألام الضئيل لم يكن كافيا فكانت‬
‫الخالة وزوجها نعم ألاهل والسند‬

‫‪33‬‬
‫رحلت عن املنزل لتلتحق بالجامعة رغم رفض‬
‫ً‬
‫والدتها فبنات الخالة كال منهن أكتفت بالتعليم‬
‫الثانوي وتزوجت وكونت أسرة‬
‫ساندها الزوج وأبن الخالة الذي يسبقها بعدة‬
‫سنوات وعلى وشك التخرج‬
‫كان لها نعم الشقيق والسند حتى يوم رفضت‬
‫ً‬
‫عرضه بالزواج ألرتباطها عاطفيا بجالل كان‬
‫هو أول من أعترفت له بالحقيقة‬
‫وساندها حتى أستطاعت الزواج منه‬
‫جالل زوجها وحبيبها مصادفة لقاؤهما‬
‫‪...‬شقيقته زميلتها وصديقتها كانت حلقة الوصل‬
‫ً‬
‫حب هاديء كشخصيته تماما معه تشعر بأنه‬
‫العالم ومن فيه‬

‫‪34‬‬
‫فهو ليس زوج وال حبيب فقط‬
‫هو أبنها الذي ال يجد سوى ذراعيها يلجأ لها‬
‫ينتظر مشورتها‬
‫تزوجا بعد حرب صغيرة مع الشقيقتين‬
‫ألام والخالة‬
‫وبمساندة زوج الخالة ومحمد‬
‫تفاصيل‪ ..‬تفاصيل وذكريات هي ألاحب لقلبها‬
‫بيتها الصغير في العاصمة ‪..‬بأثاثه البسيط‬
‫‪..‬بالدفء الذي مأل جنباته وجالل فعل كل ما‬
‫يمكنه ألسعادها‬
‫عشقت حياتها الهادئة بين جنباته ‪ ..‬الزيارات‬
‫ً‬
‫الخاطفة لألهل تعشقها ولكنها دائما تعود‬
‫ملنزلها بحنين‬

‫‪35‬‬
‫وألن الحياة ال تمنحنا كل ش يء واملصائب ال‬
‫ً‬
‫تأتي فرادا أنهار املنزل الذي يحوي مسكنها‬
‫بكامله‪ ...‬العش الدافيء الصغير رأت الجانب‬
‫ألايجابي نجاتها هي وصغارها لترحب بها والدتها‬
‫في مسكنها مرة أخرى كوضع مؤقت‬
‫ً‬
‫أصبح دائما فال بديل‬
‫ّ‬
‫والدي جالل بالكاد مسكنهم يكفيهم وراتب‬
‫جالل الضعيف بالكاد يكفي ألطعامهم دون‬
‫التوفير‬
‫وأنتهت حياتها الهادئة لألبد فما بين صخب‬
‫جمعتهم التي تحبها وطلبات خالتها ووالدتها‬
‫التي ال تنتهي‬

‫‪36‬‬
‫ٌ‬
‫كانت تشتاق للعودة تمني نفسها بالصبر‬
‫وبمسكن بسيط يكون لها وألسرتها الصغيرة‬
‫فقط‬
‫وفاة والدتها وزوج خالتها في شهور قليلة تلت‬
‫أنتقالها كان ضربة قاصمة أختل توازنها لفترة‬
‫حتى أستعادت نفسها‬
‫وطنا أنفسهما على املعيشة الدائمة هنا فأنتقل‬
‫جالل للعمل باملدرسة الثانوية بالبلدة بينما‬
‫ً‬
‫عملت هي أيضا بأحد مدارسها ألاعدادية‬
‫ومضت السنوات زواجها ال يوجد بها أية‬
‫منغصات سوى ضيق الحال‪...‬‬
‫الذى تنتصر عليه بالصبر والرضا‬

‫‪37‬‬
‫فقد كبر ألابناء وأزدادت نفقاتهم بينما الزوج‬
‫على نفس أصراره بمنعها من الدروس‬
‫الخصوصية لزيادة الدخل‬
‫‪-‬أيه ضايقتك؟‬
‫‪-‬ها‪!..‬‬
‫أنت مش معانا خالص‬
‫‪-‬ها أيه ِ‬
‫أبتسمت له أبتسامتها الرائقة التي يعشقها‬
‫ً‬
‫فراجية ال تعرف التعاسة طريقا لها وال يقهر‬
‫أبتسامتها أي حزن‬
‫قوية كصخرة صلدة ال تجد أشد املعاول‬
‫ً‬
‫طريقا لها‬
‫‪-‬ما تشغلش دماغك يال نتسحر الفجر قرب‬
‫فرصة بكرة أجازة ننام براحتنا‬

‫‪38‬‬
‫شوف ألاوالد على ما أجهز السفرة‬
‫أنسحب وهو يلعن نفسه ألف مرة وضيق حاله‬
‫ألاف املرات ِلم عليها أن تتحمل معاملة مشيرة‬
‫السخيفة لها لو كان فقط ألامر بيده لبنى لها‬
‫ً‬
‫قصرا وجعلها ملكته‬
‫هي ال تشكو وال تعترض‪ ..‬ال تمن بطيب أخالقها‬
‫على أحد‬
‫وهذا ما يمزقه‬
‫*********‬
‫حلقاتك برجاالتك‬
‫يارب يا ربنا تكبر وتبقى قدنا‪....‬‬
‫ً‬
‫الفرح موصول بمنزل العائلة دائما وكل مناسبة‬
‫هي عيد يجمعهم‬

‫‪39‬‬
‫هي املرة ألاولى التي تشعر بكل هذا القدر من‬
‫الحب من عائلة زوجها نحوها‬
‫أو هي أصبحت عاطفية أكثر من الالزم‬
‫منذ أصرت والدة زوجها على تسمية الطفلة‬
‫"إنجي" على أسم والدتها علها تعيد الود املفقود‬
‫ً‬
‫ونظرتها لها أصبحت مختلفة تماما‬
‫حين وضعها محمد بين يديها لتحصل على‬
‫بركتها ظلت تهمس في أذنها بكلمات غير‬
‫مسموعة‬
‫ترقرقت عيناها بالدموع وهي تراها تخلع‬
‫سلسالها املفضل بمصحفه الضخم من رقبتها‬
‫لتلبسه أياها‪..‬‬

‫‪40‬‬
‫‪-‬دا أمانة في رقبتك يوم ما إنجي تتجوز تقوليلها‬
‫دي هدية تيتا تحية‬
‫‪-‬ماما تحية دا أكتير أوي‬
‫‪-‬يا أختي ألف نهار أبيض ماما طالعة منك‬
‫حلوة أوي أوعي تقولي طنط تاني كانت ماسخة‬
‫أوي‬
‫تعالت ضحكات الحضور وتقبلت بطيب خاطر‬
‫كل ماطلب منها من طقوس وعادات السبوع‬
‫ً‬
‫كانت ترفضها تماما من قبل‬
‫ربما ٌ‬
‫تقبل الجميع ألسم والدتها حتى وفاء دعت‬
‫لها أن يصلح هللا بينهم‬
‫أنظرة جديدة هي ما تراه بهم ألان؟‬
‫أم هي غشاوة زالت عن عينيها فرأت من حولها‬
‫بصورة مختلفة!‬

‫‪41‬‬
‫وضعت يدها على قالدتها ألاثيرة كل مابقى لها‬
‫من عائلتها‪....‬يجاورها سلسال الحاجة تحية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تشعر به غريبا ولكنها ستعتاده قريبا‬
‫فقالدتها لم تفارق عنقها طيلة السنوات‬
‫املاضية تضع يدها عليها حينما تشتاق‪..‬‬
‫أملاستها الباردة تمنحها قوة لتحتمل فراقهم‬
‫كيف أستطاعوا أن يكونوا بتلك القسوة وهي‬
‫من كانت مدللتهم ألاثيرة‬
‫تمر ألايام غيرت فيها الكثير بينما لم تغير من‬
‫قسوتهم‬
‫تمر ألايام ويزداد حنينها وأشتياقها لهم بينما‬
‫يزداد جفاؤهم لها‬
‫تمر ألايام وال تعتاد فراقهم‬

‫‪42‬‬
‫وال تكف عن املحاوالت في التواصل معهم‬
‫بدعم زوجها ومصاحبته لها في البداية ولكنه‬
‫يعود كل مرة بجرح غائر فى كرامته‬
‫حتى أخبرها أنه أكتفى لن يحاول منعها أعادة‬
‫ً‬
‫املحاولة ولكنه لن يصطحبها مجددا‬
‫الجلسة التي تجمعهم على املائدة أصبحت‬
‫مفضلة لديها الحاجة تحية تشيد بطعامها‬
‫بينما محمد يشاكسها ويسخر منها من أسماء‬
‫أكالتها تسحب منه الطعام بغيظ فيعود‬
‫ليستسلم والصغار حولها جلسة عائلية دافئة‬
‫‪-‬بأقولك أيه يا مشيرة مش أن ألاوان يابنتي‬
‫تاخدي والدك وتروحي تزوري أهلك‬
‫‪-‬والدي أل يا ماما هي حرة في نفسها‬

‫‪43‬‬
‫طأطات رأسها بحزن ولم تستطع التفوه بكلمة‬
‫فقد غص حلقها بالعبرات‪:‬‬
‫‪-‬ووالدها هي كمان يا محمد دا ألاوالد دول‬
‫بيلينوا قلب الحجر خليهم يروحوا يابني‬
‫يمكن ربنا يجعل الصلح على أيديهم‬
‫‪-‬وهي ناقصها أيه من غيرهم‬
‫‪-‬أخص عليك وأنا اللي كنت بأقول عليك‬
‫بتفهم ‪..‬هو أنا يا واد لو مت هتنساني هتقول‬
‫مش ناقصني حاجة هم مراتك ووالدك‬
‫هيغنوك عني‪..‬‬
‫‪-‬يا أمي مش قصدي بس ألاوالد لو سمعوا اللي‬
‫أنا سمعته هيكرهوهم العمر كله‬
‫‪-‬أنا مش عايزة أروح‬

‫‪44‬‬
‫معاك‬
‫ِ‬ ‫‪-‬اليابنتي هتروحي دا واجب وخدي إنجي‬
‫دلوقت‬
‫ِ‬ ‫بالش ألاوالد‬
‫‪-‬شوفي عايزة تروحي أمتى هتفق لك مع السواق‬
‫بأبتسامة أمل ورجاء دعمتها الحاجة تحية‬
‫أستقبلتها والدتها التي تركتها تنتظر ألكثر من ربع‬
‫ساعة قبل أن تدخل عليها تتهادى وتتخذ‬
‫ً‬
‫مقعدا في أقص ى الغرفة متجاهلة يدها‬
‫املمدودة‬
‫‪-‬أذيك يا مشيرة وال أقولك يا أم ‪....‬‬
‫‪-‬إنجي يا ماما أسمها أنجي‬
‫أختلجت عيناها لثوان وببسمة هازئة‪:‬‬
‫‪-‬والفالحين بقى هيعرفوا ينطقوه‬

‫‪45‬‬
‫أقتربت منها بأبنتها تحاول ملرة أخيرة‪:‬‬
‫‪-‬شوفي يا ماما دي شبهك أوي بضمها بحس‬
‫بيك بنتي غالية عليا أوي يا ماما ال يمكن أتخلى‬
‫ِ‬
‫عنها مهما تعمل‬
‫عليك العمر دا كله‪ ..‬عمرك ما‬
‫ماصعبتش ِ‬
‫حسيتي أنك نفسك تاخديني في حضنك زي ما‬
‫با أحس‬
‫أنت جاية عايزة أيه!‬
‫‪-‬مشيرة ِ‬
‫بتلومينا على أيه! ‪..‬‬
‫على العيشة الهباب اللي أختارتيها‪ ..‬مشيرة‬
‫أجمل بنات العيلة اللي رفضنا أبن سفير وقولنا‬
‫تستاهل ألاحسن تختار فالح وياريته فالح غني ‪..‬‬
‫معيشك عيشة زفت‬

‫‪46‬‬
‫‪-‬ماما محمد مش فقير وال محتاج يمكن مش‬
‫مليونير لكن موفرلي أحسن عيشة وعندي‬
‫شغالة و‪....‬‬
‫تتطلع لها بأشمئزاز‪:‬‬
‫‪-‬أحسن عيشة واضح من منظر لبسك ومنظر‬
‫أيدك‬
‫ضمت أبنتها لها وزفرت بقوة مستسلمة‬
‫فالكالم لن يجدي وعلى القلوب أقفالها ‪..‬‬
‫قلوب لن تلين‬
‫‪-‬مفيش فايدة‪ ..‬ممكن أشوف بابا‬
‫‪-‬هو مش عايز يشوفك ‪ ..‬بتفكريه بخيبته أنه‬
‫فيك وفي ألاخر أضطر يجوزك بدل ما‬‫وثق ِ‬
‫تفضحينا‬

‫‪47‬‬
‫‪-‬عمري ما كنت هفضحكم ‪ ..‬كان نفس ي‬
‫أتشرف بيكم ومحمد يشرف أي حد ‪..‬‬
‫بتعمل أيه هنا؟‬
‫ِ‬ ‫أنت‬
‫‪ِ -‬‬
‫ألتفتت لشقيقها متحفز املالمح‪ ...‬تتطلع له‬
‫بعدم تصديق أرتبكت تبحث عن الكلمات لم‬
‫تجد سوى‬
‫‪-‬ماجد‪ ..‬دي إنجي بنتي‬
‫لم يلق عليها حتى نظرة واحدة‬
‫وأنت جاية بقى تعايريني أن معنديش والد‬
‫‪-‬أه ِ‬
‫دلوقت‬
‫ِ‬ ‫لحد‬
‫هو دا أقص ى طموحك تأكلي وتعاشري وتخلفي‬
‫زي البهايم اللي عايشة وسطهم‬

‫‪48‬‬
‫‪-‬ماجد أنت أزاي تفكر كدا‪ ..‬أنا جاية أفرحكم‬
‫جاية أ‪...‬‬
‫‪-‬مشيرة مفيش وقت للكالم وألافضل ماتجيش‬
‫تاني أحنا فهمنا الكل أنك هاجرتي ومراتي‬
‫دلوقت‬
‫ِ‬ ‫وأهلها جايين‬
‫تطلعت لوالدتها كأنها تتوقع منها مساندة ولكنها‬
‫ً‬
‫بدال من ذلك أشاحت بوجهها‬
‫‪-‬ماما‪.....‬‬
‫سمحت ولو الزم تيجي كلمينا‬
‫ِ‬ ‫أتفضل لو‬
‫ِ‬ ‫‪-‬مشيرة‬
‫ألاول وألافضل ماتجيش‬
‫بخطوات مرتبكة أقرب للركض أتخذت طريقها‬
‫نحو الخارج ألقت بنفسها في سيارة عم ياسين‬
‫العجوز الطيب ‪..‬‬

‫‪49‬‬
‫يستأجر لها محمد سيارته في كل مرة تقوم بها‬
‫بنفس الزيارة‬
‫شهد خيباتها وكسرتها مرات عديدة‬
‫على الرغم من عدم تفوهه بكلمة واحدة ولكنها‬
‫كانت ترى نظرة دعم ومواساة‬
‫تكبح عبراتها بقوة تجاهد أال تنهار تشعر بأن‬
‫الطريق ال ينتهي‬
‫كل ما تريده فقط ألانهيار‬
‫الدرجات القليلة بكاء الصغيرة خطواتها التي‬
‫بالكاد تحملها تنهار على فراشها وصغيرتها‬
‫جوارها طرقات الحاجة تحية هي أخر ما تريده‬
‫ألان ولكنها في النهاية جففت وجهها‬

‫‪50‬‬
‫بمحاولة أبتسامة تشق وجهها‪:‬‬
‫‪-‬أتفضلي يا ماما‬
‫أبتسمت وتجاهلت وجهها املحتقن فمالمح‬
‫خيبة ألامل جلية على وجهها‬
‫‪-‬هاتي إنجي وحشتني‬
‫‪-‬حاضر يا ماما أرضعها بس وأجيبهالك على‬
‫طول‬
‫دلوقت ريحي شوية يا بنتي‬
‫ِ‬ ‫‪-‬ال مترضعيهاش‬
‫ماتقلقيش عليها معايا‬
‫زفرت بقوة ووضعت يدها كعادتها مكان قالدتها‬
‫تلتمس منها الدعم لتظهر مالمح الرعب جلية‬
‫على وجهها‬
‫فالقالدة ليست بمكانها‬

‫‪51‬‬
‫ً‬
‫تساقطت عبراتها مجددا وهي تبحث عنها بلهفة‬
‫تفتش الفراش ألابسطة درجات السلم القليلة‬
‫حتى مدخل املنزل‬
‫مكاملة هستيرية لزوجها‬
‫لم يجدها السائق وال توجد بأي مكان‬
‫ربما سقطت بمنزل ذويها‬
‫أو سقطت في الطريق‬
‫أدراكها لضياعها وحزن لم يعد له معنى‬
‫غصة ستظل تشعر بأملها‬
‫ربما هي أشارة لها ألن تودع حياتها القديمة‬
‫لألبد‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫أدراكنا للواقع‪....‬‬
‫معايشته أو ألاستسالم له‬
‫نتمنى لو ملسنا أحالمنا بيدنا ولكننا في النهاية‬
‫نسقط‬
‫ونتحطم‬
‫وتتحطم أحالمنا على صخرة الواقع‬
‫يوم أن ندرك أننا وصلنا لنقطة النهاية‬
‫وستمض ي بنا الحياة كما أعتدنا‬
‫يتغير املسار ‪..‬نعود أدراجنا لنقطة الصفر‬
‫الحياة عادت لطبيعتها مع بعض التغيير‬

‫‪53‬‬
‫فمشيرة املتمردة أصبحت أهدأ‬
‫نشأ بينها وبين الحاجة تحية عالقة ود وصداقة‬
‫أصبحت هي ألاقرب إليها وشقيقاته حالة من‬
‫الهدنة غير املعلنة وراجية ال تعلم هي فقط‬
‫تتجنبها قدر ألامكان‬
‫ظنت أن الحياة ستمض ي بها لألبد على نفس‬
‫النهج ولكن ألاقدار لها رأي أخر‬
‫سقطت الحاجة تحية فريسة املرض‬
‫ظلت جوارها طيلة الوقت هو الخوف ‪...‬‬
‫ً‬
‫الخوف أن تفقدها هي أيضا‬
‫ربما أدركت متأخرة دورها في حياتها‬
‫كانت نعم السند دون أنتظار مقابل وال حتى‬
‫نظرة أمتنان‬

‫‪54‬‬
‫تبحث في عينيي زوجها وشقيقاته عن من‬
‫يطمأنها أنها بخير فال تجد سوى الحزن سكن‬
‫العيون‬
‫ً‬
‫املرض أجهز عليها سريعا وكأنه أنتظر أن تشعر‬
‫ً‬
‫بحبها فأقسم أن يختطفها هي أيضا‬
‫بنشيج مكتوم تجمعوا حولها بينما هي غائبة في‬
‫عالم أخر تحادث شقيقتها وزوجها الراحلين‬
‫تفيق لثوان تبتسم راضية‬
‫جمعتهم في حياتها وهاهي تخش ى املوت فيتفرق‬
‫الجمع‬
‫‪-‬مالكم زعالنين كدا ليه دا أنا فرحانة هرتاح‬
‫أنا تعبت تعبت أوي ‪...‬‬
‫أبو محمد كمان فرحان بيضحك لي‬

‫‪55‬‬
‫تعالى النشيج املكتوم من وفاء التي أسرعت‬
‫بالخروج قبل أن تنفجر باكية‬
‫ربتت راجية يدها بحنان‪:‬‬
‫‪-‬أرتاحي يا ماما هتبقي زى الفل‬
‫ضغطت على يدها بضعف‪:‬‬
‫‪-‬ماتقسيش على اللي منك يا راجية‬
‫أغمضت عينيها مرة أخرى‬
‫‪-‬محمد ‪ ..‬محمد‪ ..‬ماتبعدش ‪ ..‬راجية يا محمد‬
‫‪..‬راجية ملهاش غيركم يابني‬
‫أقترب منها محمد وهو يكبت عبراته بقوة‬
‫‪-‬ماتخافيش ياماما كلنا جنبك‬

‫‪56‬‬
‫لم تنتظر باقي كلماتها لم تستمع لكلماتها وهي‬
‫ً‬
‫توصيه بها أيضا‬
‫فقط خرجت حانقة من الغرفة ‪..‬‬
‫ً‬
‫راجية‪ ..‬راجية‪ ..‬دائما راجية هي من تستحق‬
‫الدعاء‪ ...‬الوصية ألاخيرة‪...‬‬
‫رغم سهرها جوارها طيلة ألاشهر املاضية ‪..‬‬
‫عالقة بطريقة ما تغلغلت لقلبها هاهي تصر‬
‫للحظة ألاخيرة أن تحطم كل هذا في لحظة‬
‫واحدة ‪..‬‬
‫تستجمع نفسها بقوة تقنع نفسها بأنها سكرات‬
‫املوت تتجه نحو حجرتها مرة أخرى‬
‫تتجمد خطواتها فقد علت أصوات الصراخ‬
‫والعويل وصوت محمد املختنق يصرخ بهن أن‬
‫يتوقفن‬

‫‪57‬‬
‫وجه الحاجة تحية الذي خط الزمان فوقه‬
‫تجاربه مشرق رغم أن الحياة فارقته‬
‫أبتسامة راضية ووجه مستسلم‬
‫ماتت الحاجة تحية ‪ ..‬عمود البيت الذي إن‬
‫تهاوى سقط فوق رؤوسهم‬
‫تقف جوار زوجها وعبراتها تنساب دون توقف‬
‫تضع يدها فوق كتفه ال تعلم أتلتمس من أمان‬
‫أم تهديه مساندة‬
‫تطلع نحوها وكفكف دموعه بسرعة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫‪-‬مشيرة أكيد مش هتقدري تحضري الغسل‬
‫ممكن تتأكدي أنهم يجهزوا البيت واملضيفة‬
‫للمعزين هنصلي عليها الضهر بأذن هللا‬

‫‪58‬‬
‫هزت رأسها بتفهم ودون كلمة واحدة كانت تعد‬
‫ما كانت ستفعله الحاجة تحية هي ألان سيدة‬
‫هذا املنزل ‪...‬‬
‫***********‬
‫يوم الحزن بألف عام‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يمر بطيئا ثقيال‬
‫رغم أن كل ما يحتاجه ألانفراد بنفسه ولكن‬
‫الواجب الثقيل بأستقبال املعزين أجبره على‬
‫الوقوف طيلة اليوم‬
‫كلها كلمات تعزية لم يدرك أغلبها‬
‫فهو رجل عليه التحمل والصبر‬
‫أستقبل مصابك كرجل ال تبكي وال تنهار‬
‫البكاء للنساء فقط‬

‫‪59‬‬
‫والرجال رجال ال يسمح لهم‬
‫كل ما كان يحتاجه في نهاية يومه حمام دافيء‬
‫وفراش‬
‫ليس فراشه املعتاد بل فراش والدته يشتم‬
‫رائحتها يبكيها كطفل صغير يشعر بقربها مجرد‬
‫أن وضع رأسه على وسادتها شعر كأنه ألقى‬
‫بنفسه في أحضانها‬
‫دموعه تنساب تبلل وسادتها‬
‫أغمض عينيه بقوة وهو يشعر بها تتسلل إلى‬
‫جواره‬
‫أحاطته بذراعها‬
‫‪-‬روحي نامي في أوضتك يا مشيرة‬
‫‪-‬أنا محتاجة أكون جنبك‬

‫‪60‬‬
‫‪-‬وأنا محتاج أكون لوحدي‬
‫‪-‬أحنا واحد يامحمد أنا جزء منك‬
‫ً‬
‫أنتفض جالسا‪:‬‬
‫‪-‬مش عايز أسمع حد ومحتاج أكون لوحدي‬
‫فاهمة وال أل‬
‫بصوت باك‪:‬‬
‫‪-‬أل مش فاهمة ‪..‬لكن فاهمة أن حزني أكبر‬
‫منك‪ ..‬فاهمة أن كان عندك أم أديتك كل‬
‫حاجة وأنا معرفتش يعني أيه حنية غير منها أن‬
‫ملا أبتديت أعرف أنا غلطت قد أيه‬
‫راحت مني‬
‫ربنا بيعاقبني علشان معرفتش قيمتها الوقت دا‬
‫كله‬

‫‪61‬‬
‫أنت عندك أخواتك يعوضوك لكن أنا‬
‫معنديش غيرك يعوضني عنها أنا محتاجاك‬
‫أكتر‬
‫ألقت نفسها بين ذراعيه وبدأت بأنين خافت‬
‫تعالت لبكاء وعبراتها تنساب كشالل كأنها لم‬
‫تبك من قبل تبلل كتفه وهو يضمها أليه‬
‫وتنسال من عينه عبرات صامتة تهديه سالم‬
‫نفس ي‬
‫***********‬
‫هو التجمع ألاول منذ وفاتها‬
‫الكل يغالب عواطفه‬
‫نظرات حزينة ملكان جلستها املفضل‬
‫ونظرات زائغة في املكان‬

‫‪62‬‬
‫حاولن قدر ألامكان أقناع محمد بالعدول عن‬
‫رأيه وألانتظار حتى مرور ألاربعين على ألاقل‬
‫ولكنه أصر على أبراء ذمته‬
‫ألتففن حول املائدة حتى راجية ومشيرة أصر‬
‫على تواجدهن‬
‫‪-‬أمي هللا يرحمها وصتني البيت وألارض‬
‫يتقسموا بشرع ربنا أما عن الدهب فهي كتبت‬
‫ورقة بنصيب كل واحدة‬
‫فتح الصنوق الخشبي أمامهن وبدأ في وضع‬
‫القطع التي أوصت بها لكل واحدة‬
‫الكل يتمتم بالدعاء للوالدة بينما تحجرت‬
‫عيناها على القطعة ألاخيرة املوجودة‬

‫‪63‬‬
‫قطعة ذات أملاسة المعة رفعت يدها بتلقائية‬
‫نحو عنقها لتجد سلسال الحاجة تحية بدال‬
‫منه‬
‫تلتقط القطعة ألاخيرة بسرعة بصوت عال‬
‫‪-‬أيه اللي جاب دي هنا؟‬
‫توقفت نظرات الجميع بدهشة على القطعة‬
‫التي تمسك بها‬
‫بلهجة ساخرة‪:‬‬
‫‪-‬أيه مش عارفين دا أيه!‬
‫دا الكوليه بتاعي اللي أقنعتوني أنه ضاع عند‬
‫أهلي ألن محدش من أهل البلد بيقبل على‬
‫نفسه‬

‫‪64‬‬
‫ران الصمت على الجميع فال يوجد تفسير‬
‫واحد لوجوده في صندوق والدتهم وهي من‬
‫سألت الجميع عنه‬
‫‪-‬مش قادرين تتكلموا‪ ..‬طيب فسروا لي ليه‬
‫كانت سايباني أتعذب وهي عارفة أنه أخر‬
‫حاجة من ريحة أهلي كانت عايزاني أنساهم!‬
‫حد يقولي لييه عملت كدا‪ ..‬ليه كانت من‬
‫القسوة تاخد حاجة غالية عليا!‬
‫أنتزعت بقسوة السلسال الذهبي و أمسكت‬
‫بالقطع الذهبية التي وضعها محمد أمامها‬
‫وألقتها بطول ذراعها وصرخت بهستريا‬
‫مسمحاك‬
‫ِ‬ ‫‪-‬مش عايزة منك حاجة يا تحية وال‬
‫مش هسامح في وجع قلبي وال سرقتك ليا ‪...‬‬

‫‪65‬‬
‫أنت بتتكلمي عن أمي ‪ ..‬أمي ال يمكن‬
‫‪-‬أخرس ي ِ‬
‫تسرقك أكيد في حاجة غلط‬
‫‪-‬أنا هخرس‪ ..‬هخرس على طول يا محمد ‪..‬‬
‫هخرس ألن ماليش حد ال هقدر أبعد عن‬
‫والدي وال ليا مكان أروح له ‪ ..‬هخرس ألن اللي‬
‫بعت الدنيا علشانه هيبيعني في لحظة‬
‫لو قولت الحقيقة‬
‫أنسحبت وتركت الجميع على حالهم ال أحد‬
‫يعرف سبب ما حدث وال يوجد تفسير واحد‬
‫ً‬
‫يمكن أن يتقبله أيا منهم‬
‫هرعت نحو غرفتها تبكي‪ ...‬تدفن رأسها فى‬
‫وسادتها وتبكي‬

‫‪66‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تبكي عمرا ضائعا في منزل تظاهر لفترة أنه‬
‫تقبلها‪ ..‬تبكي حياة أعتقدت لغبائها أنها‬
‫أصبحت جزء منها‬
‫تبكي إمرأة أصرت أن تنتقم على معاملتها لها‬
‫حتى بعد أن فارقت الحياة‬
‫تبكي القادم الذي ال تعرف كيف سيكون ولكن‬
‫ً‬
‫ما تعرفه أنها لن تعود كما كانت أبدا فالخذالن‬
‫أتى من موضع الثقة‬
‫************‬
‫إنهار السقف وتشتت الشمل‬
‫رغم دعواته املتكررة لشقيقاته‬
‫فالكل فضل ألابتعاد‬
‫َ‬
‫ضمانا ألستقرار حياة شقيقهم‬

‫‪67‬‬
‫فمشيرة أصبحت كأتون مشتعل تهدد باألنفجار‬
‫في أية لحظة‬
‫كان لديها قدر من التوجس بتفرقهم ولكن ليس‬
‫بتلك السرعة‬
‫ً‬
‫حاولت مرارا أن تكون من تجمعهم مرة أخرى‬
‫ولكن كل محاوالتها باءت بالفشل‬
‫فمشيرة أعتزلت الجميع حتى زوجها جعلت لها‬
‫ً‬
‫وألوالدها حدودا باملنزل‬
‫شرطها الوحيد ألستئناف حياتها الزوجية‬
‫مغادرة املنزل دون عودة‬
‫تشعر بغصة بحلقها وألم ينحر قلبها كلما رأته‬
‫شاحب الوجه كأنه فقد الرغبة بالحياة ال يعلم‬
‫كيف ٌيبرأ ساحة والدته وال كيف يستعيد‬
‫زوجته‬

‫‪68‬‬
‫أبتسمت وهي تفتح له الباب‪:‬‬
‫ً‬
‫‪-‬أهال يا محمد حماتك بتحبك‬
‫ً‬
‫أبتسم ساخرا‪:‬‬
‫‪-‬ما لقتيش غير دي‬
‫شعرت باألحراج لينقذها جالل‬
‫‪-‬تعال يا محمد راجية عاملة لنا بط من اللي‬
‫قلبك يحبه‬
‫‪-‬ماليش نفس يا جالل أتغدوا أنتم هستناكم في‬
‫الصالون‬
‫تبادلت النظرات مع جالل الذي تبعه‬
‫‪-‬هعمل شاي وأحصلكم‬
‫الصمت يعم املكان فقط دخان التبغ يعبأ‬
‫املكان‬

‫‪69‬‬
‫‪-‬مالك يا أخويا شكلك تعبان أوي‬
‫‪-‬هطلقها‬
‫‪-‬طالق أيه بس أستهدى باهلل يا جدع ما أنت‬
‫عارف الستات ودماغهم راضيها شوية وخالص‬
‫‪-‬مش عارف أراضيها على حساب أمي‬
‫‪-‬يا محمد مشيرة طيبة بس هي حست أن ماما‬
‫تحية ضحكت عليها‬
‫ألتفت نحوها بغضب‪:‬‬
‫‪-‬راجية هي أمي ممكن تعمل كدا؟‬
‫‪-‬أل ‪ ..‬لكن ممكن تكون غلطة‪ ...‬أو‪...‬‬
‫تدخل بسرعة قبل أن يشتعل غضب محمد‬
‫أكثر‬

‫‪70‬‬
‫دلوقت خراب البيت‬
‫ِ‬ ‫‪-‬محمد اللي حصل حصل‬
‫مش بالساهل في أوالد وحياة‬
‫‪-‬قول لي أعمل أيه وهي مصرة على إهانة أمي‬
‫ومصرة أكتر تسيب البيت‬
‫‪-‬أنا هحاول أتكلم معاها تاني يمكن ربنا يهديها‬
‫‪-‬مفيش فايدة كلكم حاولتم وهي مصرة‪ ..‬أنا‬
‫اللي تاعبني مش هقدر أوفرلها شقة في مكان‬
‫محترم من غير ما أبيع نصيبي في ألارض‬
‫‪-‬أنت أول واحد وقف في وش ثريا ملا حبت تبيع‬
‫نكس رأسه‬
‫‪-‬معنديش بديل ال هأقدر أسيب هنا وال قادر‬
‫أجيب شقة من غير ما أبيع ‪..‬الطالق حل‬
‫وألاوالد معاها لحد ما يوصلوا السن‬

‫‪71‬‬
‫وبعد كدا يرجعوا ألصلهم وبيت أبوهم‬
‫‪-‬وال تقدر أنت بتموت فيها‬
‫رفع رأسه وعادت النظرة الصارمة لعينه‬
‫‪-‬بأموت أكتر من حزني على أمي ال قادر أبرأها‬
‫وال هي قابلة تسامحها ‪ ..‬بحلم بأمي كل يوم‬
‫بتطبطب عليا لكن وشها كله حزن‬
‫توقفت للحظات بعينين ذاهلتين‪:‬‬
‫‪-‬دا نفس اللي بشوفه‬
‫ً‬
‫لبضع لحظات لم ينطق أيا منهم‬
‫‪-‬يبقى أنا صح كل واحد يروح لحاله وأمي ترتاح‬
‫‪-‬عمر خالتي ماهترتاح وأنت تعبان أصبر أديها‬
‫فرصة شهر كمان يمكن ربنا يصلح الحال‬

‫‪72‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بدا يائسا وهو ينسحب عائدا ملنزله‬
‫كمن نثر ملح على جرح شعرت بالعجز‬
‫باألنكسار‬
‫تتوجه لغرفة صغارها تدعوهم للغذاء الذي‬
‫ً‬
‫فقدت شهيتها له تماما‬
‫‪-‬باسم يال الغدا شوف أخواتك و‪..‬‬
‫كل ألاالم تهون وال يهون على قلب أم رؤية‬
‫حزن صغيرها‬
‫ومن لها في هذا العالم سواهم هو وشقيقه‬
‫وشقيقته‬
‫رجلها الصغير يحاول التشبث بتصرفات الكبار‬
‫ينس ى أن يستمتع بطفولته مازال في الثانية‬
‫عشر تبتسم وهي تراه يغالب دموعه حين تنهره‬

‫‪73‬‬
‫ألمر ما يتفطر قلبها وهي تراه ألان البد أن ألامر‬
‫فوق أحتماله‬
‫أثار رعبها وهي تراه يدفن وجهه بين راحتيه‬
‫ويبكي أقتربت بهدوء وقلبها يصرخ لتعرف مابه‬
‫ضمته لها فزاد النشيج والنحيب‬
‫‪-‬أنا أسف يا ماما‬
‫ً‬
‫متصنعة هدوءا ال تملكه‬
‫‪-‬أسف على أيه يا حبيبي‪...‬مالك يا قلب ماما‬
‫‪-‬أصل ‪ ..‬خالو محمد صعبان عليا‬
‫تنفست الصعداء وبدأت بمسح عبراته بكف‬
‫يدها‬
‫‪-‬صعبان علينا كلنا لكن هنعمل أيه هي دي‬
‫الحياة يوم حلو ويوم مر ‪ ..‬كله بيعدي‬

‫‪74‬‬
‫ماتقلقش خالو محمد قوي‬
‫‪-‬لكن هو مالوش ذنب‬
‫‪-‬عارفة حبيبي‪ ..‬خالتي هللا يرحمها بقى محدش‬
‫عارف أسبابها‬
‫ً‬
‫قامت من جواره تنشد هروبا وقد غص حلقها‬
‫والعبرات تهدد بالسقوط ‪ ..‬ولكنها توقفت بل‬
‫توقف الزمن وهي تستمع لكلماته‬
‫‪-‬و ال تيتا كمان ليها ذنب‬
‫عادت أدراجها تجلس جواره دون كلمة واحدة‬
‫ً‬
‫تنتظر تفسيرا‬
‫والتفسير صادم ‪ ..‬صادم لها كأم ‪ ..‬كأنسانة‪...‬‬
‫تفسير وضعها في حمم باطن ألارض وأغلق‬
‫عليها‬

‫‪75‬‬
‫‪-‬أنت اللي‪....‬‬
‫‪-‬القيته على السلم أخدته بس كنت رايح‬
‫الدرس قولت ملا أرجع هرجعه‪..‬‬
‫ً‬
‫أنفجر بالبكاء مجددا وهي مازالت تتصنع‬
‫الهدوء وهي ترى عالمات الخوف جلية على‬
‫وجهه‬
‫‪-‬ومارجعتوش ليه؟‬
‫‪-‬فكرت أخده أبيعه وأروح مع أصحابي الرحلة‬
‫و أصرف براحتي و ‪ ...‬ماما صدقيني كان مجرد‬
‫تفكير وبعدها قولت هرجعه خفت يفكروا أني‬
‫أخدته‬
‫وماحدث بعدها هو مجرد تفكير طفل مرتعب‬
‫خاف أن يلقيه بأي مكان‬

‫‪76‬‬
‫فيعثر عليه أحدهم فيضيع لألبد‬
‫فكانت علبة الحاجة تحية هي ألاقرب ليده وهو‬
‫يناولها الدواء‬
‫مرضها وتوالي ألاحداث كان أكبر من أستيعابه‬
‫وكلمات محمد اليوم أيقظت شعوره بالذنب‬
‫‪-‬ماما أنا‪....‬‬
‫توقف تنظر إليه ذاهلة أتجهت نحو غرفتها‬
‫جلست على فراشها شاحبة الوجه العينين‬
‫شاخصتين في الفراغ‬
‫زوجها يوجه لها الكالم دون أن تعي ما يقول‬
‫أضطر معه أن يهزها بقوة علها تفيق القلق‬
‫ً‬
‫أحتل كيانه فهو لم يرها أبدا بتلك الحالة من‬
‫قبل‬

‫‪77‬‬
‫‪-‬راجية ردي عليا في أيه‬
‫رفعت رأسها تتطلع إليه كأنها تراه ألول مرة لم‬
‫تتفوه بكلمة وال يطرف لها جفن باردة كالثلج‬
‫شاحبة كاملوتى‬
‫بصعوبة بدأت تمتم بكلمات كأنها الهزيان لم‬
‫يتبين منها سوى القليل‬
‫‪-‬باسم سرق‪...‬أل‪...‬أل‪ ...‬هو غلط‪...‬مش عارفة‬
‫عمل كدا ليه ‪...‬ياحبيبي هو خايف‪ ..‬أنا‬
‫معرفتش‪..‬ومحمد‬
‫بدأت ألانهيار والبكاء أرتمت بين ذراعيه ترتعد‬
‫ضائعة ‪..‬خائفة تبحث عن أمانها بين ذراعيه‬
‫لم يتبين كلماتها بوضوح أو هو تبين ولكن في‬
‫ً‬
‫مرحلة ألانكار مثلها تماما‬

‫‪78‬‬
‫وضعها بالفراش دثرها باألغطية علها تهدأ لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يسأل مجددا لم يطلب تفسيرا يخش ى ما‬
‫ستقوله‬
‫يخش ى املواجهة‪..‬تجنبها طيلة حياته‬
‫تذهب في نوم عميق ‪ ..‬عادتها في الهروب جلس‬
‫جوارها ينتظر ال يعلم ما ينتظره‬
‫أينتظر أستيقاظها أم ينتظر ما ستقوله أم هو‬
‫كعادته عاجز وينتظر منها حل مشكالته‬
‫هو يخش ى حتى الذهاب لغرفة أبنه ليعلم ما‬
‫بها‬
‫يخش ي أن ما سيقوله لن يكون له رد‬

‫‪79‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫هروب الوعي ‪...‬‬


‫هو الحل ألامثل ليتكيف العقل مع صدمة‬
‫تفوق أدراكه‬
‫وسيلة حماية ‪ ..‬لصاحبه كي يمرر له مرارة‬
‫الواقع‬
‫يمررها كحلم ‪..‬يمررها بين خالياه يتشبع بها‬
‫يخفف بها وقعها أو يمنحها شرعية أمكانية‬
‫الحدوث‬
‫‪-‬أنا بحلم مش كدا ؟ أنا خايفة أكون مش‬
‫بحلم‬

‫‪80‬‬
‫ربت رأسها بحنو‬
‫ً‬
‫‪-‬مش عارف يا راجية ‪ ..‬أتعودت أنك دايما‬
‫بتطمنيني أول مرة أحس بالعجز‬
‫أمسكت يده بقوة ‪ ..‬حيرتها ضياعها لن تجد‬
‫تحك له ما حدث‪ ...‬كعادتها‬
‫سواه يمكن أن ِ‬
‫ربما ستجد حل مشكلتها مجرد أن تخبره بها ‪..‬‬
‫ستجد الدعم والقوة سينتشلها من هوة‬
‫الضياع سيضع قدمها على أول الطريق‬
‫ولكن سفينته غرقت جوارها والحيرة أحتلت‬
‫كيانهم‬
‫ً‬
‫ليلة لم يعرف النوم طريقا لجفونهم املثقلة‬
‫ً‬
‫كال منهم يتطلع لألخر عله يجد لديه الحل‬

‫‪81‬‬
‫‪-‬املوضوع دا محدش يعرف بيه ‪..‬باسم‬
‫هيتعاقب ‪..‬لكن يفضل سر بيننا‬
‫‪-‬ومحمد وبيته اللي هيتخرب‬
‫‪-‬وال هيتخرب وال حاجة هو يجمد شوية وهي‬
‫هتقبل وتعيش‬
‫‪-‬وخالتي وبرائتها؟‬
‫‪-‬وأبنك ومستقبله؟‬
‫‪-‬وعقاب ربنا‬
‫‪-‬ربنا تجاوز لنا عن ألاكراه‬
‫‪-‬ومن يكتم شهادة‪!....‬‬
‫‪-‬عايزة تقولى اللي حصل! ‪..‬عايزة تشوفي الكل‬
‫وهو بيبعد عنك وعن والدك‪..‬مستنية ملا تقولي‬
‫الكل هيصقف لك على شجاعتك‬

‫‪82‬‬
‫محمد وأخواته أول ناس هيبقوا خايفين‬
‫يدخلوا أبنك بيوتهم ‪..‬لو حاجة ضاعت‬
‫ً‬
‫هيبصلوه دايما بشك‬
‫فكرت في أبنك لو املوضوع وصل املدرسة‬
‫ِ‬
‫وأكيد هيوصل مش هنقدر نعيش ومعندناش‬
‫بديل‬
‫‪-‬دا طفل مين ممكن يحاسبه‬
‫‪-‬الكل هيحاسبه ويحاسبنا معاه ‪ ..‬هيدوسوا‬
‫أنت في بلد صغيرة‬
‫علينا ِ‬
‫ً‬
‫الكلمات رغم قسوتها حقيقية تماما ‪ ..‬بيدها‬
‫ستقض ي على مستقبل أبنها ربما لألبد‬
‫حزينة كعادتها حينما تزورها في منامها الذي‬
‫بالكاد تغفو في يومها لبضع دقائق‬

‫‪83‬‬
‫تهديدات زوجها بالعواقب تقض ي مضجعها‬
‫"ماتقسيش على اللي منك"‬
‫كانت أخر كلماتها لها وصيتها التي لم تعرف‬
‫كيف تفسرها‬
‫هل كانت تعلم ؟ هل كانت توصيها بالصمت!‬
‫الجحيم الذي تحياه ألان أشد وطأة مما‬
‫توعدها به‬
‫هي على يقين سيتفهم الجميع‬
‫ليسوا مجرد أوالد خالة ولكنهم السند والعون‬
‫ً‬
‫لها دائما في كل محنة‬
‫وأتخذت قرارها رغم كل العواقب‬
‫رغم كل الخوف والرهبة التي شعرت بها‬
‫دون علمه فلتبقيه طي الكتمان‬

‫‪84‬‬
‫ً‬
‫ربما لن يعلم أبدا‬
‫كانت تظنها سهلة ‪ ..‬سهولة حديثها الدائم معهم‬
‫‪..‬موضع أسرارها ومحل ثقتها‬
‫الجميع يتطلع نحوها‪ ..‬ينتظر ملعرفة سبب‬
‫جمعتهم‬
‫مشيرة نافذة الصبر والبقية بين ترقب و خوف‬
‫مما ستقول‬
‫التوقعات برحيلها عن املنزل جعلت قلوبهن‬
‫ً ً‬
‫تخفق عاليا وكال منهن بدأت تحضر لهجومها‬
‫عليها علها تمنعها من املغادرة‬
‫أنت جمعتينا علشان تسكتي‬
‫‪-‬مش فاهمة ِ‬
‫وال مفروض نخمن ِ‬
‫أنت عايزة أيه؟‬

‫‪85‬‬
‫النظرات الساخطة من الجميع نحوها لم‬
‫ً‬
‫تعيرها أهتماما فهي أعتادتها‬
‫لتقاطع ثريا الصمت والتكهنات الدائرة في‬
‫مخيلة الجميع‬
‫‪-‬مالك يا راجية قولي حبيبتي وشك أصفر‬
‫وعينك زايغة هتقولي ملين غيرنا‬
‫تبحث عن الكلمات فال تجد ما تقوله وال كيف‬
‫ستبدأ ‪ ..‬تفكر في التراجع ألف مرة وتعود‬
‫للتطلع لصورة خالتها فتستجمع قواها تحاول‬
‫أن تجلي صوتها فتخرج الكلمات‬
‫‪-‬أنا كنت طالعة على السلم‪ ..‬أل كنت نازلة‬
‫وبعدين‪....‬‬

‫‪86‬‬
‫توقفت ال تعلم كيف تكمل ما أنتوته ليظلم‬
‫وجه محمد‬
‫أنت عايزة تمش ي من البيت يا راجية‬
‫‪ِ -‬‬
‫أنسابت دمعة على وجهها‬
‫‪-‬أمش ي أروح فين!‬
‫بنفاذ صبر‪:‬‬
‫‪-‬أمال في أيه؟‬
‫الصمت يلف الجميع فقد توقفت مخيلتهم عن‬
‫العمل أغمضت عينيها أستجمعت شجاعتها‬
‫الهاربة مرة أخرى‬
‫‪-‬شهيرة أنا اللي القيت الكوليه على السلم‬
‫ونسيت وحطيته في علبة ماما تحية‬

‫‪87‬‬
‫توقفت تلتقط أنفاسها ران الصمت على‬
‫الجميع حتى مشيرة تطلعت لها في البداية‬
‫بدهشة ثم نهضت وبلهجة ساخرة‬
‫‪-‬ههههههه أيه التمثلية الخايبة دي‪....‬‬
‫نظرت ملحمد بأتهام‬
‫‪-‬أاااااه علشان كدا كل يوم عندهم بترتبوا‬
‫للفيلم الهابط دا ‪..‬‬
‫محمد ريح نفسك حياتنا مش هترجع إال لو‬
‫سبت البيت دا‬
‫ألتفتت لتغادر فسابقتها راجية تلتقط‬
‫املصحف الكبير من مكانه‬
‫‪-‬مشيرة أقسم باهلل أن خالتي ما كانت تعرف أن‬
‫الكوليه في علبتها ومحمد أول مرة يسمع الكالم‬
‫دا‬

‫‪88‬‬
‫وضعت املصحف مكانه وهي ترتجف والعيون‬
‫ً‬
‫محدقة بها اللهجة صادقة ومشيرة تعلم يقينا‬
‫ألان أنها صادقة‬
‫ولكن مالذي بيدها تفعله ألان توافق أنها‬
‫وجدته ونست كذبة حمقاء ال يصدقها طفل‬
‫صغير‬
‫هو أول من خرج من بئر الحيرة الذي وضعتهم‬
‫به راجية بنبرة عالية وهجوم‬
‫أنت حلفتي أن أمي‬
‫‪-‬أنا مش مصدق الكالم دا ِ‬
‫عملت‬
‫ِ‬ ‫أنت اللي‬
‫ما تعرفش لكن ماحلفتيش أن ِ‬
‫كدا‬
‫‪-‬يا سالم مش مصدق ‪ ..‬ملا أختك وفاء قالت‬
‫أن أنا اللي حطتيه علشان أمش ي من البيت‬
‫ما سمعتش أنك أعترضت‬

‫‪89‬‬
‫‪-‬مشيرة مش وقته الكالم دا‪ ..‬راجية أنا عايز‬
‫معاك لوحدنا‬
‫ِ‬ ‫أتكلم‬
‫نظر للجميع نظرة محذرة‬
‫‪-‬الكالم دا ما يطلعش برا وال حتى ألوالدكم‬
‫جحيم أشتعل بها وهو ينسحب براجية للغرفة‬
‫املجاورة ال يصدق ‪ ..‬يبحث عن برائتها ‪ ..‬يريد‬
‫أن تظل النقية ‪ ..‬مكتملة الصفات ال يشوبها‬
‫جرمها ‪ ..‬أختياره ألاول‬
‫أندفعت نحو حجرتها يتأكلها الغضب ‪ ..‬تبحث‬
‫عن وسيلة ألنتقامها‬
‫كل السبل تؤدي لخسارة محمد وهي تفعل‬
‫املستحيل للخروج به من هذا املنزل‬
‫تعلم أنه لن يتخلى عنها فليس لها سواه‬

‫‪90‬‬
‫فتزيد الضغط وحين أعتقدت أنه الن‬
‫وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من حلمها ها‬
‫ً‬
‫هي راجية تظهر بقصتها التي لم يصدقها أيا‬
‫منهم‬
‫*************‬
‫يتجنب النظر أليها والكالم معها منذ ليلة أمس‬
‫سمع وفاء وهي تلومها على أعترافها‬
‫هي وصلت ملا تريد ما بين مصدق ورافض‬
‫ألعترافها هي مرتاحة الضمير أبنها بمنأى عن أي‬
‫أتهام‬
‫وأبرأت ذمة خالتها‬
‫وجالل طبعه الهاديء املسالم لن يستطيع‬
‫معها أن يظل على خصامه‬

‫‪91‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نوما متقطعا وراحة لن تجدها قبل أن يعود‬
‫كل ش يء كما كان‬
‫وصباح أقبل بالتصميم على أنهاء كل ش يء‬
‫وحان وقت العقاب ألبنها ومهمة أخيرة‬
‫طرقات على باب مشيرة بعد أنصراف محمد‬
‫لعمله‬
‫ترسم أبتسامة مترددة على وجهها وألاخرى‬
‫ً‬
‫تنظر لها شذرا‬
‫‪-‬تسمحيلي أدخل؟‬
‫أبتعدت عن الباب دون كلمة واحدة وجلست‬
‫ً‬
‫تضع ساقا فوق ألاخرى بكبرياء‪ ..‬تجلس راجية‬
‫جوارها بهدوء‬
‫تلتقط أنفاسها بصعوبة‬

‫‪92‬‬
‫تتأمل وجه مشيرة وقسماته القاسية‬
‫‪-‬أنا عارفة أني غلطانة في حقك جيت أعتذر‬
‫‪-‬أووه ميرس ي لذوقك في حاجة تاني‬
‫تجاهلت طريقتها املهينة في الحديث‬
‫‪-‬أنا حطيته فى علبة خالتي خفت يضيع‬
‫ونسيت تعب خالتي و‪...‬‬
‫بأبتسامة ساخرة‪:‬‬
‫‪-‬ملا كانوا بيقولوا راجية ما بتعرفش تكذب‬
‫مكنتش بصدقهم‬
‫نهضت تواجهها بقامتها الفارعة‬
‫أنزوت في مقعدها شعرت معها بأنها تضائلت‬
‫أكثر وهي تصرخ بها‬

‫‪93‬‬
‫‪-‬وشك واضح عليه الكذب ‪ ..‬أقولك أنا‬
‫الحقيقة ‪..‬لقيتي الكوليه حاولتي تبيعيه‬
‫ماعرفتيش ‪ ..‬مين في بلدكم كلها معاه تمنه‬
‫رجعتي زي الخايبة ترجعيه‬
‫أنت خايبة للدرجة وال كان قصدك‬‫بس هو ِ‬
‫بتمثل‬
‫ِ‬ ‫كنت‬
‫أالقيه ونرجع نقع في بعض تاني ‪ِ ..‬‬
‫أنك فرحانة ألن عالقتنا بقت كويسة ‪..‬‬
‫خبث ومكر كنت عارفة من البداية وش املالك‬
‫دا وراه حاجة‬
‫‪-‬أحلفلك‪.....‬‬
‫ً‬
‫رفعت عينيها تواجه مشيرة ولكنها بدال من ذلك‬
‫أصطدمت بعيني أمرأة أخرى ‪..‬تقف في أقص ى‬
‫ركن الغرفة تستمع‬

‫‪94‬‬
‫ً‬
‫أمرأة لن تكتفي أبدا بما سمعته ولن تبقي ما‬
‫ً ً‬
‫سمعته سرا أبدا‬
‫تتبعت مشيرة نظرتها املرتعبة لتجد فتحية‬
‫أبتسمت ساخرة وعادت لجلستها‬
‫أنت أسفة وأنا ما قبلتش‬
‫‪-‬من غير حلفان ِ‬
‫أسفك أتفضلي بقى‬
‫لثوان شعرت باألس ى لخطوات راجية ولكنها‬
‫عادت تنهر نفسها فهي عاشت نفس ألاحساس‬
‫من قبل ولم ترحمها‬
‫ً‬
‫وألاهم أن أسطورة راجية ستتحطم أخيرا‬
‫ً‬
‫ففتحية ستقوم باملطلوب تماما‬
‫***********‬

‫‪95‬‬
‫كيف يمكن أن يتبدل الحال بين ليلة وضحاها‬
‫من أسرة لها أحترامها وتوقيرها بالبلدة‬
‫لنظرات إتهام طالت الجميع‬
‫فاألم املربية الفاضلة‬
‫متهمة بالسرقة ومن أقرب الناس لها‬
‫أنتشر الخبر كالنار في الهشيم‬
‫الكل يعلم‬
‫الكل صنع قصته الخاصة‬
‫عن أنتقام من زوجة ألاخ حتى الشقيقات‬
‫أصبحن مشتركات في الجريمة‬
‫وأضعف ألاقوال هو كيد النساء‬

‫‪96‬‬
‫كرة رماد قذفتها زوجته بقوة ومع أشتداد الريح‬
‫عادت‬
‫بل لم تغادر مكانها‬
‫هي فقط أرتدت في وجوههم‬
‫لوثت الجميع ‪ ..‬أعمت أعينهم‬
‫زكمت بها أنوفهم‬
‫أحتلت مالمحهم مرارتها‬
‫كانت كعلقم‬
‫وشذراتها أحرقت املتبقي‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫تركت ندوبا بأرواحهم لن تمحى أبدا‬

‫‪97‬‬
‫ً‬
‫ورشة املدرسة الصناعية والطلبة كال يجد ما‬
‫يشغله بينما هو غائب بعقله ينتظر ألاسوء‬
‫فكل يوم يمر يزداد عزلة‬
‫ً‬
‫وراجية تزداد شحوبا‬
‫خرج من أفكاره على صوت طالب لديه يطلب‬
‫منه شرح ألستخدام ماكينة الخراطة‬
‫‪-‬أااه‬
‫جرح يده دون قصد ينظر لقطرات الدم وهي‬
‫تسيل‬
‫يبحث عن ما يطبب به جرحه فلم يجد‬
‫يهرع الطالب فيحضر له ألاسعافات الالزمة‬
‫يميل على أذنيه بعد أن أنتهى‬
‫‪-‬على فكرة يا أستاذ جالل الواد محسن سرق‬

‫‪98‬‬
‫مفك من الورشة وحطه في شنطته‬
‫‪-‬أنت شوفته؟‬
‫‪-‬أه وهللا يا أستاذ‬
‫‪-‬لو طلعت بتكذب هخصم منك ‪ 01‬درجات‬
‫أتجه نحو الطالب وطلب حقيبته وبالفعل‬
‫أخرجه من الحقيبة‬
‫‪-‬أنت بتسرق مدرستك اللي بتعلمك بكرة تيجي‬
‫ومعاك ولي أمرك‬
‫بسمة جانبية ساخرة ولهجة متهكمة‪:‬‬
‫‪-‬خالص بقى يا أستاذ مالوش الزمة‬
‫‪-‬طيب علشان طريقتك دي هحولك لناظر‬
‫املدرسة وكمان هسقطك في مادتي‬

‫‪99‬‬
‫بوقاحته بطريقة موحية‪:‬‬
‫‪-‬كل دا علشان مفك أمال لو سرقت علبة‬
‫دهب و أملاظ كنت هتعمل فيا أيه؟‬
‫توقف وهو ينظر له بينما ألتف الطلبة حول‬
‫زميلهم النظرات ساخرة ‪..‬نظرات أدانة ‪..‬‬
‫ً‬
‫نظرات يعرف معناها جيدا ‪...‬‬
‫ً‬
‫عاد صامتا كعادته في الفترة ألاخيرة‬
‫لم يعاتبها على ما قالته ‪ ..‬لم يعترض بالكلمات‬
‫رفض تناول الطعام ‪ ..‬وأغلق باب حجرته دونها‬
‫هو ال يعاقبها على قوتها‬
‫ولكن يعاقب نفسه على ضعفه‬
‫ً‬
‫لم يستطع يوما أن يواجه و ال يجد حل مشكلة‬

‫‪100‬‬
‫راجية هي من تستطيع ‪..‬‬
‫راجية هي من تقدر‬
‫هو فقط حمل زائد ‪...‬‬
‫ً‬
‫ألول مرة يتخذ قرارا دون الرجوع أليها‬
‫جمع مالبسه القليلة بعد أنصرافها لعملها‬
‫ورحل‬
‫رحل دون تبرير‪...‬‬
‫رحل دون أن يتعلق به صغار وزوجة مطالبين‬
‫بالبقاء‬
‫بقاء لن يتحمله‬
‫لن يقدم حماية وال أن يقف في وجه الجميع‬
‫وال حتى أضعف ألايمان توفير مكان بديل‬
‫للهروب والبدء من جديد‬

‫‪101‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فليرحل وحيدا قبل أن يصبح عبأ أضافيا عليها‬
‫فما بين قوتها وشجاعتها وضعفه‬
‫مات الكثير‪......‬‬
‫************‬
‫" سامحيني يا راجية أنا مش بنفس قوتك وال‬
‫قادر أتحمل أعيش كدا بحلك من أي وعد أو‬
‫ألتزام ناحيتي لحد ما أقدر أرجع بمكان يبعدنا‬
‫عن كل دا‬
‫أو تالقي الحل ألاسرع حد يقدر يحميكي"‬
‫تهاوت في مقعدها وهي تقرأ لكلمات القليلة‬
‫لم يهزمها كل ما مرت به‬
‫ولكن جالل هزمها‬

‫‪102‬‬
‫نست أن محمد يقف أمامها‬
‫فأنهارت وتساقطت عبراتها‬
‫تخلى عنها في الوقت الذي تحتاج مساندته‬
‫لم تطلب الكثير‬
‫فقط بعض الدعم حتى يمر كل هذا‬
‫حتى يجد الجميع قصة جديدة‬
‫كانت تعلم أنه سيمر‬
‫من القسوة أن يتخلى عنها بعد أن تخلت بنات‬
‫خالتها عنها‬
‫فقد طالتهن ألاتهامات معها‬
‫أشارت بالورقة ملحمد الذي قرأ سطورها‬
‫القليلة بسرعة‬

‫‪103‬‬
‫لم يكن يدري كيف يخبرها بما يحمله لها‬
‫‪-‬راجية ‪ ..‬جالل بعت معايا قسيمة الطالق‬
‫ً‬
‫تطلعت له كأنها لم تصنع فارقا‬
‫هي فقط كلمة النهاية‬
‫بصوت واهن‪:‬‬
‫‪-‬ممكن تتفضل أنت‬
‫وأنت كدا‬
‫‪-‬مش هسيبك ِ‬
‫‪-‬أنا كويسة‬
‫‪-‬راجية كفاية هروب بقى ‪ ..‬مش ِ‬
‫أنت اللي‬
‫لت كدا ومش عايزة تقولي الحقيقة‬
‫عم ِ‬
‫‪-‬أيوا يا خالو مش ماما اللي عملت كدا أنا اللي‬
‫عملت‬
‫‪-‬باسم أخرس وأدخل جوا‬

‫‪104‬‬
‫بصوت باك‪:‬‬
‫‪-‬ال يا ماما كله الزم يعرف أنا هقول للناس كلها‬
‫ضمته أليها بقوة‬
‫‪-‬ال يا قلب ماما ماتقولش حاجة خالص ‪..‬‬
‫خالص كل حاجة هتبقى كويسة‬
‫تطلع نحو محمد الذي ضمه أليه بدوره كلمات‬
‫مهدئة مطمئنة ونظرة صارمة لراجية بمجرد‬
‫أنصرافه‬
‫قولت أنا كنت هتصرف‬
‫‪-‬ليه ما جتيش ِ‬
‫‪-‬كنت هتعمل أيه هترجع لخالتي برائتها أزاي‪..‬‬
‫خالتي برائتها كان الزم ترجع قدام الكل‪..‬‬
‫كان الزم ترجع أنت ومشيرة‬
‫‪-‬كنت هتصرف هنسأل شيخ ‪ ..‬هقنع مشيرة ‪..‬‬
‫هعمل أي حاجة‬

‫‪105‬‬
‫‪-‬كنت أقنعتها الشهور اللي فاتت‪ ..‬مشيرة عمرها‬
‫ماهتقبل كالم كان الزم حاجة حقيقية قدامها‬
‫‪ ..‬صدقني لو كنت قولت باسم مكنتش‬
‫هتصدق‬
‫‪-‬يا راجية‪....‬‬
‫أوقفته بيدها‪:‬‬
‫‪-‬اللي حصل حصل‪ ..‬وصدقني أنا ضميري مرتاح‬
‫وكل دا هيعدي‬
‫ً‬
‫وقف حائرا ال يعرف ماذا يفعل حتى املساندة‬
‫ال يستطيعها‬
‫كيف يكمم ألافواه‪ ..‬كيف يمنع نظرات الهمز‬
‫واللمز‬

‫‪106‬‬
‫هو يعلم مجتمع النساء بقريته ويعلم أنها تالقي‬
‫الكثير‬
‫حتى شقيقاته لم يسلمن والكتهن ألالسنة‬
‫ومنعهن أزواجهن من زيارة راجية أو الحديث‬
‫معها‬
‫ً‬
‫حتى وفاء ألاشد دفاعا عنها توقفت عن زيارتها‬
‫هوة ساحقة سقط بها ال يعرف كيف يخرج‬
‫منها والبقية تتعلق بقدمه زوجته التي ترى أن‬
‫لها كل الحق في أنتقامها‬
‫راجية التي تحملت فوق طاقتها كان يمكن أن‬
‫تصمت لألبد ولن يعلم أحد‬
‫هي فقط قررت أن تنقذ حياته تبريء ساحة‬
‫والدته‬

‫‪107‬‬
‫ً‬
‫بينما هو يقف عاجزا عن سحبها من القاع‬
‫وزوج هارب من املواجهة‬
‫ألول مرة يرى نظرة ألانكسار في عينيها تقتله وال‬
‫يستطيع الدفاع عنها‬
‫بل يستطيع سينس ى الجميع مع الوقت فقط‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سيتذكرون شيئا واحدا أنها زوجته‬
‫‪-‬تتجوزيني يا راجية؟‬
‫تطلعت نحوه بدهشة في البداية كأنها أخطأت‬
‫السمع‬
‫أغمضت عينيها بقوة‪:‬‬
‫تشعر باملهانة في داخلها‬
‫أصبحت تدعو للرثاء حتى محمد يطلب منها‬
‫ً‬
‫زواجا ال يريده‬

‫‪108‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ألتقطت نفسا عميقا‪:‬‬
‫‪-‬أنزل بيتك يا محمد ‪ ..‬مفيش واحد بيتجوز‬
‫أخته‬
‫‪-‬جوازنا هيخرس الكل أكبر دليل على براءتك‬
‫‪-‬ماتشغلش بالك شوية وهيسكتوا‬
‫ً‬
‫سقطت عينيها على كلمات الرسالة مجددا‬
‫‪-‬عايز تساعدني؟‬
‫‪-‬مستعد ألي حاجة‬
‫‪-‬أشتري شقتي وسبني أسافر أرجع القاهرة تاني‬
‫‪-‬مستحيل‬
‫‪-‬دا الحل الوحيد‬
‫‪-‬مش هسيبك تعيش ي لوحدك وال ‪..‬‬

‫‪109‬‬
‫‪-‬مش هبقى لوحدي جوزي ووالدي هيبقوا‬
‫معايا‬
‫‪-‬جوزك!! دا سابك دا جبان‪..‬‬
‫ً‬
‫رفعت أصبعا محذرة‬
‫‪-‬جالل أطيب وأحن راجل في الدنيا وهيرجع‬
‫أستطردت قبل أن يعترض‬
‫‪ -‬من فضلك أنا أخترت حياتي ‪ ..‬أشتري الشقة‬
‫أو سيبني أبيعها دي املساعدة الوحيدة اللي‬
‫محتاجاها منك‬
‫الغضب سيطر عليه‬
‫‪-‬مش هيحصل يا راجية ‪..‬مش هيحصل‬
‫ً‬
‫صفع الباب وخرج غاضبا‬

‫‪110‬‬
‫ماهذا ألارث الثقيل؟‬
‫تحيطه النساء من كل جانب‬
‫عاطفة تحركهن دون عقل أو منطق‬
‫لو فقط لم تتشبث راجية بمنطقها أو تخلت‬
‫مشيرة عن غيرتها الحمقاء‬
‫أيتخلى هو عن الجميع وينس ى وصية والدته ‪..‬‬
‫ينتقل للحياة في املدينة يبتعد عن القيال‬
‫والقال‬
‫ولكن كيف هو جذوره تمتد في هذه القرية‬
‫سافر أبتعد ولكنه لم يجد مكان يحتضنه كما‬
‫يجد هذا هنا‬
‫رغم املساويء فهنا أصله و أهله‬
‫كل هذا سينتهي‬

‫‪111‬‬
‫إن وقع له أو لعائلته مكروه سيجد الجميع‬
‫جواره‬
‫زفرة حانقة وهو يجدها تقف أمامه ونظرات‬
‫الغضب تطل من عينيها‬
‫‪-‬كنت عندها بتعمل أيه؟ بتدور على برائتها ‪..‬‬
‫عايز تبرأها وخالص حتى لو على حسابي‬
‫صعبانة عليك أوي‬
‫أقترب منها وأمسك ذراعها بقسوة أملتها‬
‫عليك أن أمي‬
‫‪-‬عارفة يا مشيرة اللي مصبرني ِ‬
‫عليك‬
‫وصتني ِ‬
‫بعد عملتك السودا دي كان أول حاجة الزم‬
‫ً‬
‫أعملها أطلقك وكان هيبقى رد مناسب جدا‬
‫والكل هيقول محروقة من الطالق وبتكذب‪...‬‬

‫‪112‬‬
‫شوفتي برائتها سهلة أزاي‬
‫أفلت ذراعها وأتجه نحو غرفته ثم توقف‬
‫‪-‬راجية أطلقت يارب تكوني مبسوطة‬
‫أسقط في يدها‪ ...‬الذهول ومالمح الصدمة‬
‫أحتلت مالمحها وهو ينسحب‬
‫لم تتصور أن ألامور ستصل لهذا الحد ‪ ..‬كل‬
‫ما أرادته أن تجعل الجميع يراها على حقيقتها‬
‫كل ما أرادته أحساس بالتفوق عليها‬
‫هي بكل جمالها وسطوتها السابقة على القلوب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في محيطها كانت دائما أمام راجية مواطنا من‬
‫الدرجة الثانية‬
‫ألانبهار الذي كانت تنشده في حديث الجميع‬
‫عنها لم تجده‬

‫‪113‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بل كان أنبهارا حقيقيا من الجميع براجية كيف‬
‫توازن بين بيتها وعملها ورعاية خالتها‬
‫واملجامالت و‪ ...‬و‪...‬‬
‫والكثير‪ ..‬الكثير‬
‫ملاذا وضعها الجميع بتلك املقارنة السخيفة‬
‫معها؟‬
‫أو ربما هي من وضعت نفسها غيرة حمقاء‬
‫أحتلتها‬
‫هي دمرت حياتها‪ ..‬بداخلها يقين بأن راجية‬
‫ليست لصة‬
‫ولكن أختالقها ملا حدث ال ٌيقنع طفل صغير‬
‫دمرت حياتها ‪ ..‬بندم حقيقي من داخلها كيف‬
‫تعيد لها حياتها‬

‫‪114‬‬
‫نعم هي تعمدت أن يعرف الجميع ولكن لم‬
‫تعتقد للحظة أن تصل ألامور لهذا الحد‬
‫يتأكلها شعور الندم ألول مرة تدرك فداحة ما‬
‫فعلت‬
‫ليعود شيطانها ويتصاعد غضبها مرة أخرى‬
‫راجية ألان متاحة‪ ..‬ألاختيار ألاول‪ ..‬أختيار‬
‫العقل‬
‫فالقلب ثبت فشله‪ ..‬ال هو مازال يحبها لم يتخل‬
‫عنها بعد كل ما فعلت ‪ ..‬تعلم قوة حبه لها‬
‫ولكن‪....‬‬
‫هي ألان متاحة لرجل تحركه حميته ملن حوله‬
‫من النساء‬

‫‪115‬‬
‫الفصل الخامس و ألاخير‬

‫الحد الفاصل بين الخير والشر‬


‫بين الحق البين و املطموس‬
‫وحده الضمير هو من يعرف الفرق‬
‫هو من يمنحك السالم‬
‫أو تصطلي بنار لومه‬
‫ترقد فوق جمر مشتعل ال ترى النوم‬
‫فهو يقظ‬
‫ورغم أنه أهداها السالم‬
‫لكن البشر قرروا سلبه بمنتهى القسوة‬

‫‪116‬‬
‫أغمضت عينيها تحاول التماسك أمام صغارها‬
‫تذهب لعملها كل يوم‬
‫تواجه التلميحات والنظرات املترصدة بأبتسامة‬
‫ذابلة‬
‫تزرع في قلوب صغارها ألامل كل يوم‬
‫تدعو هللا أال يتلوث نقاؤهم بشرور من حولهم‬
‫تحتمل وتحاول التماسك قدر ألامكان‬
‫بداخلها حنين لزوج كان يحتوي كل هذا‬
‫ً‬
‫ولكن غضبها منه يتصاعد يوما بعد يوم‬
‫تعلم أنه يجبن عن مواجهتها‬
‫أحبته وما زالت رغم ضعفه ‪ ..‬لين طبع رفضه‬
‫الجميع في البداية‬

‫‪117‬‬
‫ولكنه كان من تريد هي ال تحتمل زوج كمحمد‬
‫ألامر الناهي‬
‫ولكن حدث ماحذرها منه الجميع‬
‫تخلى عنها حين فاق ألامر قدرته‬
‫تعلم أنه سيعود ‪..‬‬
‫ولكن هل ستعود معه ‪!...‬؟‬
‫قامت بوهن تصارع أفكارها تستجمع قواها‬
‫تبحث عن ألهاء داخل مطبخها‬
‫تحضر وجبة لصغارها تبحث عن مكوناتها التي‬
‫ال تعرفها‬
‫تستفيق على صوت صفع الباب‬
‫تخرج لترى باسم يسرع نحو غرفته‬
‫ممزق املالبس‪ ..‬أشعث الشعر يعلوه الغبار‬

‫‪118‬‬
‫أسرعت نحوه لترى ما به‬
‫هالها ما رأت من الجروح وأثار ألاظافر تغطي‬
‫وجهه شفاه دامية ونظرات شوهها الخذالن‬
‫تضمه لصدرها بقوة تتسائل عما به وهي تعلم‬
‫ً‬
‫ألاجابة جيدا‬
‫تعلمها من خبرات سابقة‬
‫أو تعلمها بقلبها فأبنها الهاديء كوالده لن‬
‫ينفعل إال لسبب جلل‬
‫يتصنع القوة يكبح عبراته طيلة الطريق ولكنها‬
‫سقطت ما إن ضمته والدته‬
‫ربما عليها أن تجعله يتوقف عن كونه لين ‪..‬‬
‫ربما عليه أن يدرك حقائق الحياة‬
‫قليل من قسوتها وقوتها قد يخلق بداخله قوة‬

‫‪119‬‬
‫‪-‬أنا مش رايح املدرسة تاني‬
‫أمسكت به من كتفيه بقوة‪:‬‬
‫‪-‬طول عمرك بتحاول تبقى راجل عارف يعني‬
‫أيه راجل ‪ ..‬راجل يعني قوة ‪ ..‬يعني مواجهة‪..‬‬
‫يعني يقف في وش الكل طاملا الحق معاه‬
‫‪-‬دول بيقولوا‪...‬‬
‫‪-‬مهما يقولوا أنت عارف الحقيقة أنت أقوى‬
‫منهم أنت راجل يا باسم راجل بيستحمل‬
‫ً‬
‫أشاح بوجهه و أنهار باكيا‬
‫أنت السبب‬
‫‪-‬أنا السبب أنا‪...‬ال ِ‬
‫كان الزم تسمعي كالم بابا‬
‫كان الزم ماتقوليش كان مفيش حاجة حصلت‬

‫‪120‬‬
‫عادت لتمسك به بقوة‬
‫‪-‬كان في ربنا هيحاسبنا هيجي يوم وحد يتهمنا‬
‫أننا سرقنا هنبقى متهمين من غير مانعمل‬
‫حاجة ‪ ..‬كل كلمة وكل حق صاحبه عاجز يرده‬
‫ربنا بيرجعه ‪...‬‬
‫أنت غلطت وكلنا بنغلط أخدت عقابك وأنا‬
‫كمان أختارت أخد عقابي‬
‫ألن كان الزم أكون أقرب من كدا منك ‪ ..‬كان‬
‫الزم أعرف أمتى التطلع لغيرك دخل دماغك‬
‫‪-‬أحنا خسرنا كل حاجة حتى بابا سابنا‬
‫‪-‬بابا محتاج وقت يبعد وهيرجع‬
‫أبتسمت أمام مالمحه الغاضبة غضب أصبح‬
‫موجه نحوها‬

‫‪121‬‬
‫ربما هذا ما سيحطمها بالفعل نظرات باسم‬
‫اليوم وسيف باألمس حتى الصغيرة نورا التي‬
‫بالكاد أكملت السادسة من عمرها تسألها‬
‫ببراءة‬
‫"يعني أيه حرامية"‬
‫زفرت الهواء من صدرها بقوة ونهضت من جوار‬
‫أبنها‬
‫ألتقطت وشاحها وأتجهت صوب الباب بنظرة‬
‫ً‬
‫لم يرها مخلوقا من قبل في عينيها ‪ ..‬خطوات‬
‫غاضبة ووجهة محددة وهدف لن تحيد عنه‬
‫ً‬
‫ربما أن ألاوان وعليها أن تجد للجميع حديثا‬
‫ً‬
‫أخرا‬
‫***********‬

‫‪122‬‬
‫الحب هو رجل و إمرأة يتقنان الجنون هي‬
‫أنوثتها طاغية‬
‫وهو رجولته قاتلة‬
‫تتذكر حين سمعت تلك املقولة بعد معرفتها‬
‫ً‬
‫بمحمد بمدة قصيرة أنها ناسبتهم تماما هو‬
‫الرجل القوي الذي جعلها الترى سواه‬
‫وهي‪......‬تقف تتأمل نفسها باملرآة تنظر‬
‫ً‬
‫ملنحنياتها التي زادت جماال وفتنة بعد الحمل‬
‫وألانجاب قميص وردي شفاف وعطر نفاذ‬
‫ربما ليس الطريق ألامثل ملحمد ولكنه سد‬
‫أمامها كافة الطرق للصلح تمسك بحالة‬
‫الرفض التي أعلنتها ‪..‬‬
‫أعتذرت ‪..‬طلبت الصفح مرات عديدة ولكنه‬
‫بقى على صمته تباعده‬

‫‪123‬‬
‫ولكن ربما يناسبه الدالل الليلة نظرة عينيه لها‬
‫بها شوق لم ينجح في أخفائه قبل أن تراه‬
‫ً‬
‫يداعب صغاره ويرفع صغيرتهما عاليا بفرحة‬
‫قلب أب يسمع ألول مرة كلمة "بابا" منها يزيد‬
‫ً‬
‫فداللها دونا عن شقيقيها‬
‫يسحب الصغيرة من مهدها لتنام جواره ليلة‬
‫بعد ليلة وهي ال تملك أن تعترض‬
‫ربما أصبحت الصغيرة عزاؤه الوحيد طيلة فترة‬
‫خصامهما‬
‫رأته بوضوح ‪..‬بفراسة أنثى تعلم متى يلين‬
‫زوجها ربما أن ألاوان بدك حصونه بقوة‬
‫فهناك في الحصن برزت نقطة ضعف‬

‫‪124‬‬
‫أبتسمت لنفسها مرة أخيرة وأطمئنت على نوم‬
‫صغيرتها‬
‫كانت على حق نس ى أو تناس ى أن يغلق الباب‬
‫تعلم أنه ينتظرها وهي لم تتأخر‬
‫حجرة والدته التي نقل أليها كل أمتعته‬
‫فتحت الباب ووقفت خلفه تتطلع نحوه وقد‬
‫عبأ دخان سجائره الغرفة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أصطنعت سعاال خفيفا وهي تقترب منه‬
‫‪-‬حد يعمل في نفسه كدا كل دا دخان‬
‫‪-‬روحي على أوضتك يا مشيرة‬
‫ً‬
‫الصوت الهاديء أختلف كثيرا عن الصوت‬
‫الغاضب أو الالمبالي الذي كان يحادثها به طيلة‬
‫الفترة السابقة‬

‫‪125‬‬
‫شجعها أكثر على ألاقتراب جلست جواره‬
‫ووضعت يدها على ظهره بصوت هامس‬
‫‪-‬وحشتني‬
‫شعرت بثقل أنفاسه وتصلب جسده تحت‬
‫ً‬
‫أصابعها لثوان لكنه أنتفض واقفا وأبتعد‬
‫ألقص ى الغرفة‬
‫‪-‬عايزة أيه يا مشيرة شايفاني أهبل وبريالة‬
‫هتضحكي عليه بقميص نوم‬
‫أقتربت منه مرة أخرى بخطوات بطيئة ونظرة‬
‫مشجعة ال تحيد عن عينيه‬
‫‪-‬أل يا محمد أنا حسيت أنك محتاج لي ندهت‬
‫لي حسيت بيك فجيت‬
‫‪-‬ها ببساطة كدا! والخراب اللي سببتيه‬

‫‪126‬‬
‫وقفت على أطراف أصابعها لتضع قبلة خفيفة‬
‫على ذقنه‬
‫‪-‬أصلحه ‪..‬قولي أصلحه أزاي وأنا أصلحه‬
‫ً‬
‫وضع يده يبعدها قليال‬
‫‪-‬أخواتي‪ ..‬تروحي لكل واحدة فيهم بيتها في النهار‬
‫تاخدي زيارة‬
‫ً‬
‫أزاحت يده جانبا‬
‫‪-‬وأعزمهم على الغدا كمان‬
‫‪-‬وراجية!‬
‫ً‬
‫توقفت وظهر الغضب جليا على وجهها‬
‫‪-‬مالها راجية مفروض أروح لها هي كمان!!‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫توقفت فهي ال تبغي جدالا جديدا‬

‫‪127‬‬
‫ً‬
‫هي تريد عودة وهو مهيأ لها تماما‬
‫‪-‬ممكن تعزمها يا محمد وأوعدك هبقى ظريفة‬
‫معاها لكن أوعى تطلب مني أعتذار أو‪...‬‬
‫توقفت على صوت الطرقات العالية ورنين‬
‫الجرس املتواصل هرع بتوجس للخارج ليجد‬
‫راجية تقف بالباب‬
‫‪-‬راجية خير في أيه‬
‫‪-‬أنا أسفة يا محمد عارفة أنك بتنام الضهر‬
‫لكن‪....‬‬
‫تتطلع ملشيرة التي وقفت متخصرة ببهائها‬
‫بقميصها الشفاف برونق من أعتادت حياة‬
‫الرفاهية‬
‫ببساطة أستعادت حياتها ‪ ..‬أستعادت زوجها‬

‫‪128‬‬
‫ٌ‬
‫غافلين عن الحياة التى دمرت‬
‫نسيت كل ما كانت تنوي قوله تحولت نظراتها‬
‫من الخجل وألارتباك لنظرات مشتعلة قاسية‬
‫كتفت ذراعيها أمام صدرها وواجهت مشيرة‬
‫بقوة‬
‫‪-‬محمد لو لسه عايز تتجوزني أنا موافقة‬
‫توقف الزمن توقفت الحياة من حولهما هي‬
‫ً‬
‫أتت في الوقت املناسب تماما وقت كانت على‬
‫أستعداد للتنازل حتى عن كرامتها ألجله‬
‫ً‬
‫وهاهو قد تجاهلها تماما‬
‫تجاهل كل ما ربط بينهما‬
‫كل ما تعاهدا عليه‬

‫‪129‬‬
‫ووقفت هي هناك كعادتها كأنها صاحبة املنزل‬
‫ولكن تغيرت نظرتها ‪ ..‬تبدلت نظرة البراءة‬
‫ألخرى قوية متحجرة‬
‫ليست هي‬
‫إمرأة أخرى أكثر شراسة‬
‫‪-‬أدخلي يا راجية أحنا لسه كنا بنتكلم‬
‫ومشيرة‪...‬‬
‫‪-‬أيه غيرت رأيك ‪..‬هتعمل أيه هتعتذر! ألاعتذار‬
‫مبقاش كفاية يا محمد‬
‫ً‬
‫حاولت املقاومة ولكن رغما عنها تساقطت‬
‫عبراتها‬
‫‪-‬مراتك دمرتني‪ ..‬ودمرت حياتي وسكت قولت‬
‫بكرة تعرف أن اللي حصل مجرد غلطة‬

‫‪130‬‬
‫لكن اللي يجي جنب والدي‪....‬‬
‫‪-‬والدك!! مالهم والدك يا راجية‬
‫‪-‬مش من حق حد يسأل عليهم ‪ ..‬محمد قدامك‬
‫حل من أتنين يا تشتري شقتي وتسبوني أمش ي‬
‫من هنا يا تتجوزني وتثبت للناس كلها غلطهم‬
‫ً‬
‫أخيرا أستطاعت النطق بلهجة ساخرة‬
‫‪-‬وكدا الناس هتبطل كالم عنك‬
‫‪-‬أل كدا الناس هتالقي موضوع جديد تتكلم فيه‬
‫وبدل ما أبقى حرامية هبقى خطافة رجالة‬
‫ربما عرض عليها ألامر بالفعل ولكنه كان‬
‫ً‬
‫متأكدا أنها سترفض ولكن هاهي تضعه أمام‬
‫أمرواقع‬
‫ً‬
‫أمر ربما لم يضعه في الحسبان أبدا‬

‫‪131‬‬
‫أنت بتقو ِل أيه‬
‫أنت مش عارفة ِ‬
‫‪-‬راجية ِ‬
‫‪-‬عمري ما كنت عارفة قد النهاردة ‪..‬عدتي‬
‫قدامها شهر وتخلص شهر تجيلي والحل معاك‬
‫ً‬
‫أشتعلت أكثر وهي تراه مستسلما ملا تقول كأنها‬
‫أصبحت بالفعل سيدة املنزل لم يعترض فقط‬
‫ً‬
‫يقف هناك جامدا‬
‫‪-‬يا سالم ولو معملش حاجة منهم هتعملي أيه؟‬
‫نظرت لها بسخرية‬
‫‪-‬تبقي معرفتيش محمد‬
‫ً‬
‫أنصرفت وتركتها في دوامة ‪ ..‬بل هي تعرفه جيدا‬
‫‪-‬محمد أتكلم قول حاجة أنت طلبت تتجوزها‬
‫ً‬
‫فعال‬

‫‪132‬‬
‫صرخت بقوة‪:‬‬
‫‪-‬أنت هتجنني ساكت ليه أنطق ‪ ..‬مارمتهاش برا‬
‫ليه‬
‫‪-‬أقول أيه‪ ..!...‬مش عايزة تنتقمي من وهم في‬
‫دماغك أهو بقى حقيقة‬
‫هتجوز راجية علشان أحميها ‪ ..‬أحميها من‬
‫نارولعتيها ومش عارفين نطفيها‬
‫‪-‬طلقني يا محمد‬
‫أنت عمرك ما قدرتي تعيش ي‬
‫‪-‬حاضر يا مشيرة ِ‬
‫عيشتنا يمكن دا الصح من حقك تعيش ي زي‬
‫أتعودت‬
‫ِ‬ ‫ما‬
‫من بكرة هشوف مشتري لألرض وهوفر لك‬
‫بيك عمري ما ههينك‬
‫مكان يليق ِ‬

‫‪133‬‬
‫وال أجبرك على وضع مش عايزاه‬
‫بصوت خافت‪:‬‬
‫‪-‬بتبيعني يا محمد وأنا اللي بعت الدنيا علشانك‬
‫دوست على‬
‫ِ‬ ‫‪-‬أشتريتك سنين طويلة‪ ...‬سنين‬
‫أهلي وكانوا هم اللي بيدورولك على عذر‬
‫أشتريت خاطرك أستحملت دلعك وكل مرة‬
‫أقول عقلت ترجعي أسوء من ألاول‬
‫أنصرف نحو غرفته ثم أستدار مرة أخرى لها‬
‫بصوت يقطر مرارة‬
‫‪-‬أنا أشتريتك سنين طويلة تعرفي تشتريني يا‬
‫مشيرة‬
‫مرة واحدة بس ‪...‬‬

‫‪134‬‬
‫تركها وحيدة وأتجه نحو غرفته وأوصد بابه‬
‫دونها هذه املرة هي لم تكن تنوي أن تتبعه‬
‫وقفت فقط تتأمل ما حولها بصدمة‬
‫تحاول فقط أن تستوعب حقيقة ما حدث‬
‫ألول مرة تشعر بفداحة تضحيتها بغباء قلبها‬
‫الذي تبعته‬
‫بعالم الترف الذي باعته لتحصل على لطمة‬
‫من عالم قاس ي أختارته بنفسها‬
‫سترحل بمنتهى البساطة ستصبح راجية سيدة‬
‫املنزل وسيدة قلب زوجها ‪..‬‬
‫تصرخ صغيرتها بفراشها فتحملها بقلب مرتجف‬
‫تضمها أليها علها ببرائتها تهديها الحل‬

‫‪135‬‬
‫ً‬
‫من يعلم ربما تنجب له صغارا وينساها وينس ى‬
‫صغارها‬
‫ً‬
‫أحبته حبا أعمى منذ اللحظة ألاولى‬
‫وال تستطيع ألابتعاد عنه وألان هو من يبعدها‬
‫ضمت صغيرتها لصدرها وحاولت أن تغفو‬
‫ً‬
‫ولكن هل يجد النوم سبيال إلى قلب متعب‬
‫ً‬
‫العقل يعمل كمرجال ضخم يموج بشتى‬
‫ألانفعاالت هي لن تستسلم ولن تترك محمد‬
‫لسواها‬
‫وضعت يدها بعفوية على قالدتها هي سبب كل‬
‫هذا تعلقها بها ‪ ..‬خلعتها من عنقها وألقت بها‬
‫جوارها‬
‫أحتضنت أبنتها بقوة و نامت‬
‫أو هي بالكاد غفت أو هي لم تنم‬

‫‪136‬‬
‫ً‬
‫فما رأته كان يبدو حقيقي تماما‬
‫الحاجة تحية تجلس على طرف فراشها جوار‬
‫باسم تربت رأسه بحنو تبتسم كأنها تطيب‬
‫خاطره وبينهما قالدتها نفس املكان الذي ألقت‬
‫به القالدة منذ ثوان‬
‫أنتفضت من فراشها تبحث عنها وجدت قالدتها‬
‫بالفعل مكانها‬
‫ً‬
‫هي هناك تشعر بها هل ما رأته حلما بالفعل‪!..‬‬
‫ضوء النهار املتسرب من النافذة جعلها تنهض‬
‫ً‬
‫مجددا‬
‫ترتدي مالبسها ‪ ..‬تعد أبنتها‬
‫تطرق باب محمد بقوة‬
‫ينظر لها بدهشة وهي مستعدة للخروج‬

‫‪137‬‬
‫تحمل أبنتها بحقيبتها‬
‫‪-‬أنا رايحة أزور أهلى هأخد أنجي معايا وألاوالد‬
‫خد بالك منهم أو وديهم عند حد من أخواتك‬
‫لو الزم تروح شغلك‬
‫‪-‬أستني هكلم السواق‬
‫هزت رأسها وأتجهت نحو باب الخروج ستقف‬
‫هذا الوقت في مدخل املنزل‬
‫ال تستطيع مواجهته ألان وال الدخول في أي‬
‫نقاش‬
‫أستوقفها‬
‫‪-‬مشيرة ‪ ...‬هترجعي؟‬
‫‪-‬هرجع يا محمد ‪ ..‬هرجع ومعايا الحل‬

‫‪138‬‬
‫أتجهت نحو الخارج قبل مزيد من النقاش قبل‬
‫أن يصر أن يعلم ماذا تنتوي‬
‫خرجت لتجد باسم تستند شقيقته الصغرى‬
‫على كتفه وهو يدفع بها الدراجة الصغيرة‬
‫هالها ما رأت وجهه من تمأله الجروح كدمة‬
‫زرقاء أحتلت عينيه ورباط ضاغط يظهر من‬
‫تحت سرواله القصير من يمكن أن يفعل هذا‬
‫بطفل‬
‫تتفهم ألان أسباب ثورة راجية هي تبحث عن‬
‫حمـاية لصغارها‬
‫توقفت وهي تتطلع نحو باسم‬
‫الذي تحاش ى النظر أليها‬

‫‪139‬‬
‫أستقلت السيارة بسرعة هي أدركت ألان ما‬
‫حدث الحكاية الغير منطقية تترابط ألان أمام‬
‫عينيها‬
‫من كان يدخل ويخرج غرفة الحاجة تحية! من‬
‫كان يناولها أدويتها و صندوق الحلوى الذي‬
‫تحتفظ به في دوالبها‬
‫من كان يمكنه أن يصدق حكاية راجية إال‬
‫عقل طفل صغير‬
‫ً‬
‫وإمرأة ال تعرف للكذب طريقا‬
‫**********‬
‫ألاختيار بين أمرين أحالهما مر‬
‫ماذا عن تمسكك بخيوط املاض ي‬
‫تأبى أن تتنازل عنها‬

‫‪140‬‬
‫ٌ‬
‫ولكن عليك أن تختار قبل أن تفرض عليك‬
‫بالقوة‬
‫صعدت الدرجات القليلة ومنحت بياناتها‬
‫للسكرتيرة لتدخل بسرعة يستقبلها شقيقها‬
‫بوجه مكفهر‬
‫‪-‬أزاي تيجي هنا مش قولت ‪...‬‬
‫أوقفته بيدها وجلست قبل مزيد من ألاعتراض‬
‫‪-‬أنا جاية ألخر مرة بعد كدا مش هأجي وال‬
‫هتشوفوني إال لو حبيتم يعني‪...‬‬
‫ألتقطت القالدة من حقيبتها ورفعتها أمامه‬
‫ً‬
‫‪-‬أنا هبيع الكوليه وطبعا أنت عارف‬
‫ممكن تجيب كام‬
‫‪-‬أيه الباشمهندس بعد مابيعك أهلك‬

‫‪141‬‬
‫هيبيعك أخر حاجة محترمة تملكيها‬
‫‪-‬من غير كالم كتير وتضييع وقت هتشتري وال‬
‫أروح لحد من اللي كانوا عايزينها أنت عارف‬
‫قيمتها كويس‬
‫‪-‬أنا مش معايا مبلغ زي دا ِ‬
‫أنت عايزة تفضحينا‬
‫و‪...‬‬
‫‪ -‬أهل مراتك عندهم ولو كلمتها دلوقتي هتالقي‬
‫الفلوس عندك هي كانت هتموت عليها‬
‫‪-‬خالص سيبيهالي وأنا هشوف طريقة أمهد لها‬
‫وأقولها أزاي‬
‫‪-‬مفيش تمهيد وال طريقة أنا لو خرجت من هنا‬
‫من غير الفلوس هروح لحد يقدر قيمتها‬
‫الفعلية‬

‫‪142‬‬
‫أستقامت لتتجه نحو ألاريكة تطعم صغيرتها‬
‫أمام عينيه الغاضبة تستمع لكل ألاكاذيب التي‬
‫سردها على مسمع زوجته تتخيل عينيها‬
‫تومضان من الفرحة‬
‫‪-‬ساعة والفلوس تكون عندك ‪ ..‬أعملي حسابك‬
‫دا هيكون أخر اللي بيننا‬
‫ً‬
‫أرخى الليل سدوله حين أخذت السيارة مجددا‬
‫ً‬
‫طريقها نحو البلدة ‪ ..‬اليوم كان أكثر من مرهقا‬
‫ولكن عالقاتها القديمة ببعض الصديقات‬
‫ً‬
‫أفادتها كثيرا لتجد بغيتها بسرعة‬
‫تعود وقد أنهكها التعب حتى أنها غفت في‬
‫السيارة‬
‫صعودها الدرجات القليلة نحو مسكن راجية‬
‫‪-‬ممكن أدخل‬

‫‪143‬‬
‫كادت أن تصفع الباب بوجهها‪ ..‬تصرخ بها‬
‫تخبرها أن ترحل ولكنها أبتعدت فصغارها‬
‫بالجوار‬
‫دخلت بتردد لتجلس على أقرب مقعد تتطلع‬
‫نحو الصغار وجلستهم أمام شاشة التلفاز‬
‫‪-‬باسم ممكن أطلب منك طلب‪..‬أنزل ألعب مع‬
‫أسر وعمر وقول لخالو محمد يطلع ‪...‬خد بالك‬
‫منهم‬
‫تراقب أنصراف الصغار فهي رغم كل ش يء لم‬
‫تحاول للحظة أن تخلق بينهم عداوة ومشيرة‬
‫بدورها أو محمد ال تدري فالصغار لم‬
‫ً‬
‫ينقطعوا يوما عن بعضهم البعض‬

‫‪144‬‬
‫‪-‬خير يا مشيرة ؟ أعتقد مفيش بيننا كالم يتقال‬
‫طلباتي واضحة‪..‬‬
‫‪-‬أنا كمان جاية بعرض واضح محمد يطلع بس‬
‫وهتكلم في كل حاجة‬
‫دقائق مرت ثقيلة حتى ظهر محمد في مدخل‬
‫الباب بنظرات قلقة في البداية ثم متسائلة عن‬
‫جمعتهم‬
‫وضعت صغيرتها ثم نهضت تخرج بعض‬
‫ألاوراق من حقيبتها‬
‫‪-‬دا عقد شقة تمليك‪ ..‬في مكان كويس مساحة‬
‫معقولة وعلى السكن على طول أسم املشتري‬
‫لسه فاض ي وزي ما خيرتينا يا راجية ألاختيارين‬
‫أهم قدامك عقد الشقة ومحمد‬

‫‪145‬‬
‫لم تتردد لثانية واحدة أختطفت عقد الشقة‬
‫تتطلع له بحب‬
‫تلك الورقات القليلة ستعيد لها حياتها هدوئها‬
‫ً‬
‫الذي حلمت به طويال‬
‫‪-‬راجية أختارت يا محمد وأنت‪...‬‬
‫تجاهل كالمها‬
‫أنت عارفة طول عمرك زي أختي واللي‬
‫‪-‬راجية ِ‬
‫أنت متأكدة من أنك عايزة‬
‫يرضيك يرضينا ِ‬
‫ِ‬
‫تسيبي البلد‬
‫‪-‬أنا مش عايزة غير حياتي وجالل يرجع لي‬
‫‪-‬هترجعي يا راجية! أيه هتروحي تتحايلي عليه؟‬
‫‪-‬أل هو هيرجع ‪ ..‬أنا متأكدة أنه هيرجع وأنا‬
‫هستناه‬

‫‪146‬‬
‫وزي ما مشيرة سابت الدنيا علشان تفضل‬
‫جنبك ‪ ..‬حق جالل عليا أعيش في املكان اللي‬
‫يريحه وهو عمره ما أرتاح هنا‬
‫أنصرفا وبداخله ألف سؤال ومئات عالمات‬
‫ألاستفهام تدور في رأسه‬
‫أمسك بمرفقها بقوة يسحبها نحو غرفتهما‬
‫ولكنها سحبت يدها أتجهت نحو الصغار‬
‫جلست جوار باسم تربت على رأسه ضمته أليها‬
‫وقبلت جبهته بصوت هامس ال يسمعه سواهما‬
‫‪-‬باسم‪ ..‬تيتا تحية بتقولك هي مش زعالنة منك‬
‫رفع رأسه نحوها فأستطردت‬
‫‪-‬أنا مش عارفة أنت كنت مزعلها في أيه‬
‫بس هي قالت لي أقولك أنها مش زعالنة‬

‫‪147‬‬
‫ودا سر بينكم مش الزم حد يعرفه‬
‫تطلع باسم نحوها وهو يبتسم أشراقة وجهه‬
‫رغم كل الجروح التي تعلوه بعثت رجفة فرح في‬
‫قلبها‬
‫‪-‬كملوا لعب يا أوالد‬
‫ً‬
‫سحبها مجددا بأستسالم تام منها هذه املرة‬
‫تشعر باألنهاك‬
‫ً‬
‫كل ماتريده فراشها ونوم عميق بعيدا عن‬
‫أستجوابه ونظراته الغاضبة‬
‫جبت فلوس الشقة منين يا مشيرة أخدتي‬
‫‪ِ -‬‬
‫أخوك‬
‫ِ‬ ‫فلوس من‬
‫خلعت وشاحها لتريه عنقها الخالي من قالدتها‬
‫‪-‬روحت أرجع أخر حاجة كانت ربطاني بيهم ‪..‬‬

‫‪148‬‬
‫بعتها علشان أعرفك أني شارياك ‪..‬يمكن كنت‬
‫مستنية منك تعمل كدا‪..‬تقولي هشوف لراجية‬
‫مكان ‪..‬‬
‫ً‬
‫طأطأ رأسه أرضا هو يعلم مدى تعلقها بها‬
‫تضحيتها هذه ربما تغفر لها كل ش يء أقترب منها‬
‫‪-‬ما كنتش أقدر أعمل كدا‪ ..‬ما اقدرش أقولها‬
‫أتفضل برا بلدك وبيتك‪..‬راجية زيها زي أخواتي‬
‫ِ‬
‫البنات وأنا بالنسبة لها زي أخوها لو عرفتيها‬
‫عرفت أنها ال يمكن تسرق‬
‫ِ‬ ‫كنت‬
‫كويس ِ‬
‫وضعت يدها بينها وبينه مشاعر ألاسف تعلو‬
‫وجهها‬
‫‪-‬عرفت بس عرفت متأخر ‪ ..‬غلطت كتير وأنت‬
‫سامحتني ‪ ..‬كلكم سامحتوني‪..‬‬

‫‪149‬‬
‫لكن اللي مش ممكن أسامح فيه أنك فكرت‬
‫تتجوز واحدة غيري‬
‫أبتسم وضمها أليه فعادت لألبتعاد وبلهجة‬
‫جادة‬
‫‪-‬أنا مش بهزر ‪ ..‬أنا كان جوايا نار من راجية‬
‫دلوقت‬
‫ِ‬ ‫مجرد أنك فكرت تتجوزها قبلي ‪..‬‬
‫محتاجة أنس ى أنك كنت هتعمل كدا‬
‫قبل جبينها وأتجه نحو الباب‬
‫‪-‬أرتاحي وخدي وقتك كلنا محتاجين وقت نقدر‬
‫نسامح ونغفر ويمكن نقدر ننس ى‬
‫‪-‬محمد عايزة سلسلة ماما تحية‬
‫***********‬

‫‪150‬‬
‫الخاتمة‬

‫ثقيلة هي الحياة حلوها قليل‬


‫مرها كثير‬
‫نحن فقط من يصنع من املر حياة تحتمل‬
‫حياة صالحة للعيش‬
‫نمرر الكثير ‪..‬‬
‫نتجاوز‪....‬نتغافل‪...‬‬
‫ننحني للريح حتى تمر‬
‫أو نحاول أن نقف في وجها فننكسر تارة‬
‫وتشوه أرواحنا تارة أخرى‬
‫وحتى النجاة تترك لنا ذكريات‬

‫‪151‬‬
‫نغمض عينينا بألم حين مرور طيفها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تستنشق نفسا عميقا فهدوء املكان حولها‬
‫يبعث على الراحة‬
‫تأتي كلما أستطاعت في الصباح الباكر وتجلس‬
‫حتى الظهيرة‬
‫بين قبري والديها فاملكان يبعث سكينة وراحة‬
‫في نفسها‬
‫ً‬
‫تحاول أن ال تلتقي بأيا كان‬
‫هي تركت هذا املكان خلفها ربما منذ شهور‬
‫قليلة ولكنها تشعر بها سنوات بعيدة‬
‫تتذكر يوم أستعدادها لألنتقال ‪..‬عودة جالل‬
‫وعقد شقة ألاسكان بيده‬
‫عودة تقبلتها بكثير من املرار‬

‫‪152‬‬
‫دموع الرجاء في عيني صغارها‬
‫نظراته املتوسلة كرهتها ‪ ..‬كرهت أن ينطفأ أكثر‬
‫في عينيها قبلت به‬
‫ربما تجاوزت ولكن لم تعف‬
‫تلوث قلب راجية ‪..‬أصبحت بداخله نقطة‬
‫سوداء‬
‫ً‬
‫ربما عوضها قليال منزلها الجديد أثاثه البسيط‬
‫ً‬
‫‪..‬حياة هادئة أفتقدتها طويال‬
‫ولكنها رفضت أن تترك املسكن الذي وفرته له‬
‫مشيرة‬
‫هي دفعت ثمنه من روحها‬
‫ً‬
‫هو خالصا لها سيمنحها ألامان بين جدرانه‬
‫وجالل لم يعترض‬

‫‪153‬‬
‫املهم راحتها ‪..‬‬
‫عادت‪ ..‬ربما لم تعد كسابق عهدها مع جالل‬
‫ولكن من يدري فاأليام كفيلة برأب الصدع أو‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫حتى تنبت زهورا بين شروخها تجملها‬
‫قامت لتروي نباتات الصبار حول القبرين‬
‫‪-‬أنا لسه روياهم من يومين‬
‫توقفت وهي تتطلع ملشيرة ثم عادت تجلس‬
‫مكانها ساهمة‬
‫‪-‬أيه مستغربة ‪ ..‬أصل أنا وماما تحية بقينا‬
‫أصحاب أوي‬
‫جلست جوارها سقطت عبرة من مقلتيها‬
‫مسحتها بسرعة‬

‫‪154‬‬
‫‪-‬ضيعت كتير من عمري بدور على راحة كانت‬
‫جنبي طول الوقت الغريب لقيت دا املكان‬
‫الوحيد اللي بالقي في راحتي‬
‫‪-‬إذا ضاقت الصدور فزوروا القبور‬
‫‪-‬علشان كدا كنت برتاح ملا بأجي هنا‪ ..‬عارفة يا‬
‫راجية أنا عمر ما كان ليا أصدقاء باملعنى‬
‫ً‬
‫الفعلي لكلمة صديقة‪..‬كانت عالقات دايما‬
‫تافهة مين فينا تغيظ التانية أكتر‬
‫أنت ووفاء كنت بغير‬
‫كنت بشوف عالقتك ِ‬
‫وأقول ليه ماعنديش أصحاب زيك ‪..‬أنا غبية‬
‫عمري ما فكرت لحظة نبقى أصدقاء أكيد كنا‬
‫هنبقى قريبين أوي‪..‬‬
‫أنت بتفهمي الكل وبتسامحي الكل‬
‫ِ‬
‫كنت هتفهميني وتستحمليني‬
‫أكيد ِ‬

‫‪155‬‬
‫لم تعلق فليس هناك ما يقال هي لم تجد حتى‬
‫الطاقة للرد عليها نهضت من مكانها تشاغلت‬
‫بترتيب مالبسها‬
‫‪-‬أنا الزم أمش ي‬
‫‪-‬أنا أتغيرت ياراجية عرفت قد أيه كنت قاسية‬
‫معاك‬
‫ِ‬ ‫وأنانية‬
‫علي قد ما أنا حاسة أني أتولدت من جديد ‪..‬‬
‫حاسة في جدار أتبنى بيني وبين محمد مش‬
‫عارفة أتجاوزه وال أهده يمكن الجدار دا ذنبك‬
‫أنك لسه ما سامحتنيش نفس ي تسامحيني‬
‫نفس ي نبقى أصحاب ‪....‬لو جيت أزورك هتفتحي‬
‫لي الباب ‪..‬؟‬
‫‪-‬أنا مش مالك و الجرح لسه بينزف‬

‫‪156‬‬
‫ّ‬
‫خلى كل حاجة زي ماهي يا مشيرة على ألاقل‬
‫دلوقت كل ما أشوفك هفتكر كل لحظة وحشة‬ ‫ِ‬
‫مريت بيها بسببك ومين عارف يمكن يوم‬
‫تالقيني أنا اللي بخبط على بابك‬
‫ألتفتت لتغادر‬
‫‪-‬راجية ‪...‬هستنى اليوم دا وعارفة أنه مش‬
‫هيكون بعيد‬
‫غادرت دون كلمة وأبتسامة حزينة شوهت‬
‫مالمحها الجميلة‬
‫ً‬
‫من يدري ماذا يحدث غدا‬
‫فهي الحياة تتبدل من حال إلى حال في ثوان‬
‫ويبقى لكل منا إنكساراته وهزائمه التي تترك‬
‫بصمتها على روحه‬

‫‪157‬‬
‫ربما تمنحه النضج والقوة ولكن قد تسلبه‬
‫ألامان‬
‫هي الحياة تمنح وتسلب‬
‫والقوي فقط من يعبرها بخطوات واثقة‬
‫وقلب سليم‬
‫تمت بحمدهللا‬
‫أماني حسين‬
‫القاهرة في ‪2120/2/9‬‬
‫نبذة عن الكاتبة‪:‬‬
‫أماني طه حسين‬
‫خريجة كلية التجارة جامعة القاهرة‬
‫من محافظة القاهرة‬
‫أعمال تم نشرها إلكترونيا‪:‬‬
‫‪-‬رواية أسيرة‬

‫‪158‬‬
‫‪-‬نوفيال كي الننس ى‬
‫‪-‬رواية ذكرى‬
‫‪-‬عاشقة (قصة قصيرة)‬
‫‪-‬رواية دموع قلب‬
‫‪-‬رواية دموع عشق‬
‫‪-‬نوفيال إمرأة من ملح‬
‫‪-‬نوفيال بالعودة‬
‫‪-‬ساحرة (قصة قصيرة)‬
‫‪-‬رواية صفحات مغلقة‬
‫‪-‬حكايا ألايام (مجموعة قصص قصيرة)‬
‫‪-‬نساء خلف صفحات التاريخ‬

‫‪159‬‬

You might also like