Professional Documents
Culture Documents
1
كما ورد في القرآن الكريم آيتين تنصان علـى مبدأ التحكيم .األولى تخص النزاعات العائلية بين الزوجين ،في
َّللا َبْيَن ُه َما ِإ هن ه َ
َّللا َِهلِ ِه َو َح َك ًما ِم ْن
يدا ِإ ْص َال ًحا ُي َوف ِق ه ُ اق َبْيِن ِه َما َف ْاب َعثُوا َح َك ًما ِم ْن أ ْ
َهلِ َها ِإ ْن ُي ِر َ
أْ ِ قوله سبحانه وتعالى( :وإ ْ ِ
ِن خ ْف ُت ْم شَق َ َ
َك َ ِ
َن ُت َؤُّدوا
ْمُرُك ْم أ ْ وهي قوله تعالىِ( :إ هن ه َ
َّللا َيأ ُ ير)[النساء .]35:وأما الثانية فكانت عامة لجميع المنازعات، يما َخِب ًاان َعل ً
اس أ َْن َت ْح ُك ُموا ِباْل َع ْد ِل) [النساء ،]58:ومعنى ذلك أن المحكم يمكن أن يفصل النزاع َهلِ َها َوِإ َذا َح َك ْم ُت ْم َبْي َن الهن ِ ْاألَماَن ِ
ات ِإَلى أ ْ َ
ويصدر قرار إلزاميا للفرقاء إذا لم يستطع اإلصالح بينهم .ومتى أصدر المحكم ق ارره أصبح هذا القرار ملزما
للخصمين المتنازعين ،وتعين إنفاذه دون أن يتوقف على رضا الخصمين ،اتفق على ذلك جمهور الفقهاء ،واعتبروا
حكم المحكم كحكم القاضي.
.2التحكيم في العصور الوسطى
عرفت المماليك األوربية المسيحية خالل القرون الوسطى نظام التحكيم عندما كانت تلجأ في منازعاتها إلى
تحكيم البابا واإلمبراطور باعتبارهما سلطتين " فوق الممالك" .وإن أشهر قضية عرفت في هذا الموضوع هي المرسوم
البابوي الذي أصدره البابا إسكندر VIبتاريخ 1493-09-26إثر وقوع صراع حاد بين اسبانيا والبرتغال حول
المناطق المكتشفة بقارة أمريكا الجنوبية والذي سعى من خالله إقرار تقسيم عادل يرضى الطرفين المتنازعين .ومع
مطلع القرن 16وظهور الدولة الحديثة المستقاة ذات السلطة المطلقة بدأ التحكيم يتراجع قليال بين الدول األوربية
نتيجة تمسكها المفرط بسيادتها فقد كانت هذه الدول تعتبر التحكيم بمثابة إجراء يمس بسيادتها التي ظلت لفترة
طويلة الهاجس األكبر لها .وكانت الخالفات الكبرى تجري تسويتها بين الدول بواسطة الوسائل السياسية أي
بالتفاوض الدبلوماسي.
.3التحكيم في العصر الحديث.
تعد البداية الحقيقية لنظام التحكيم اعتبا ار من السنوات األخيرة من القرن الثامن عشر وذلك بتوقيع معاهدة
الصداقة التجارية والمالحة بين الواليات المتحدة األميركية وبريطانيا سنة 1749والتي تسمى (بمعاهدة جاي)،
والتي نصت صراحة على اللجوء إلى التحكيم في صورة لجان مختلطة لتسوية الخالفات التي نصت عليها.
هذه المعاهدة ساعدت في تطور نظام التحكيم في إطار العالقات الدولية ،حتى أنه خالل الفترة من تاريخ توقيع
المعاهدة وحتى بدايات القرن التاسع عشر تم تشكل نحو 177محكمة تحكيم أطلق عليها اسم لجان المطالبات
المختلطة Mixed claims commissionsوقد تناولت هذه اللجان بالنظر في العديد من المنازعات الخاصة
بمطالبات األفراد وأخرى تتعلق بمسائل سياسية وأخرى بشأن النزاع على الحدود ،كما أنشأت خالل هذه الفترة أيضا
عدة محاكم دولية أطلق عليها محاكم اللجان المختلطة Mixed Commissions courtوذلك بموجب اتفاقيات
خاصة بمحاربة تجارة الرقيق اإلفريقي.
ويعتبر تحكيم األلباما Albamaأبرز مثال على التحكيم الدولي الحديث و اصطباغه بالصيغة القضائية في
سنة 1872ويتلخص موضوع تحكيم األلباما في أن الواليات المتحدة األمريكية قامت باتهام بريطانيا بانتهاك مبدأ
الحياد خالل الحرب األهلية األمريكية ،حيث قامت بريطانيا ببناء سفن للواليات المتحدة األمريكية الجنوبية وذلك
مساعدة منها في الحرب ضد الواليات المتحدة األمريكية الشمالية .و تم االتفاق بين الدولتين بموجب معاهدة
2
واشنطن سنة 1871على قواعد معينة بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة فقد بادرت الدولتان إلى تكوين محكمة
تحكيم أصدرت حكما في هذه القضية الشهيرة بإدانة بريطانيا في.1872
وبعد تحكيم األلباما انتشرت حاالت اللجوء إلى التحكيم الدولي بصورة واضحة وأصبحت المعاهدات الثنائية
والجماعية تتضمن نصوصا تتعلق بشرط اللجوء إلى التحكيم ،كما قام مجمع القانون الدولي والذي أنشأ عام 1873
بالدراسات العلمية القيمة في موضوع التحكيم الدولي مما كان له األثر في وضع الئحة إلجراءات التحكيم اتفاقية
النقل الدولي بالسكك الحديدية والمنعقدة عام .1890ثم حقق التحكيم الدولي خطوة مهمة وذلك خالل اتفاقية الهاي
.1899حيث سعت وفود الدول إلنشاء محكمة دولية حقيقية تفتح أبوابها للدول كافة وبالفعل وافق مؤتمر الهاي
في 29أكتوبر ،1899على االتفاقية الخاصة بفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية بواسطة المساعي الحميدة
والوساطة والتحكيم وضمنت االتفاقية النص صراحة على إنشاء محكمة دولية دائمة للتحكيم أطلق عليها المحكمة
الدائمة للتحكيم.
وجاء مؤتمر الهاي الثاني سنة ،1907وقام بتعديل بعض نصوص االتفاقية األولى ووضع قواعد جديدة بشأن
محكمة التحكيم الدائمة وأصدرت المحكمة الدائمة للتحكيم أول حكم لها في 1902/10/14بشأن نزاع بين الواليات
المتحدة والمكسيك ،وفي 1909أصدرت حكما في القضية الخاصة بمصايد األطلنطي بين بريطانيا والواليات
المتحدة األمريكية.
.4التحكيم بعد الحرب العالمية األولى
في أعقاب الحرب العالمية األولى سعت الدول إلى إنشاء تنظيم دولي بهدف تسوية المنازعات الدولية بالطرق
السلمية ،خاصة بعد أن عانى العالم من ويالت الحرب و الخسائر المترتبة عليها .ونجحت الدول في إنشاء عصبة
األمم Société des Nationsعقب مؤتمر باريس للسالم .1919وقد ورد النص صراحة في الفقرة األولى من
المادة 13من عهد عصبة األمم على" :اتفاق أعضاء العصبة على أنه كلما ثار نزاع بينهم يرون أنه قابل للتسوية
بطريق التحكيم أو القضاء ،وكان هذا النزاع لم يمكن تسويته بدرجة مرضية بالطريق الدبلوماسي فإنهم يعرضون
الموضوع برمته على التحكيم أو القضاء" .وفي عام 1920وضعت عصبة األمم إطار لنظام قضائي دولي وذلك
بإنشاء محكمة عدل دولية دائمة .وفي عام 1924نجحت عصبة األمم في التوصل إلى الموافقة على بروتوكول
جنيف للمساعدة المتبادلة وعدم االعتداء ،والذي يقوم على مبدأ مؤداه (األمن بدون تحكيم) وبموجب هذا البروتوكول
تحقق مبدأ اللجوء اإلجباري إلى التحكيم إال أن هذا البروتوكول لم يحقق الهدف المرجو لرفض بعض الدول له وعدم
إستيفائه لإلجراءات الشكلية الخاصة بالتصديق عليه وبالتالي نفاذه.
ولم تتوقف مساعي عصبة األمم في سبيل إرساء وتحقيق مبدأ اللجوء إلى التحكيم إلى أن توصلت في 26
سبتمبر 1928إلى الموافقة على ميثاق عام للتحكيم في صورة اتفاقية عامة للتسوية السلمية للمنازعات الدولية.
ذلك الميثاق كان المعين الحقيقي لفكرة اللجوء للتحكيم كان في االتفاقيات الثنائية ومنها معاهدة التحكيم والتوفيق بين
مصر والواليات المتحدة األمريكية في 27أغسطس 1929.
3
.5التحكيم بعد الحرب العالمية الثانية:
سعت دول العالم إلى إقامة منظمة األمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بهدف تحقيق األمن والسالم بعد
أن فشلت عصبة األمم المتحدة في تحقيقه .وكان من أبرز أهداف المنظمة هو تحقيق السالم العالمي وذلك بتسوية
الخالفات الدولية بالوسائل السلمية ،وهو ما نصت عليه المادة األولى من الميثاق .وفي 21نوفمبر 1947قررت
الجمعية العامة لألمم المتحدة تشكيل لجنة للقانون الدولي بهدف تقنين وتطوير وتوحيد القانون الدولي ،وكان
موضوع التحكيم الدولي من الموضوعات التي حظيت بعناية واهتمام اللجنة إلى أن انتهت اللجنة في عام 1958
إلى وضع نموذج لقواعد إجراءات التحكيم التجاري الدولي .ليكون دليال ومرشدا للدول عند التوقيع على تعهدات
باللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي.
وقد ارتبطت االستثمارات األجنبية بنشأة وتطور التجارة الدولية وساعد على انتشارها وتزايد معدالتها ظهور
الشركات المتعددة الجنسية وعمليات االندماج .وقد استعانت معظم دول العالم واخصها الدول النامية برأس المال
األجنبي لتحديث وتطوير منشأتها اإلنتاجية واالقتصاديات الوطنية ،خاصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
واخذ المجتمع يلجأ إلى التحكيم واجدا فيه األمان.
ومن اجل ذلك أخذت اتفاقيات التحكيم الدولية تبصر النور ،و من أهمها:
• اتفاقية نيويورك لعام 1958المتعلقة بتنفيذ ق اررات التحكيم األجنبية .والتي تمت تحت إشراف هيئة األمم
المتحدة.
• االتفاقية األوروبية بخصوص التحكيم التجاري الموقعة في جنيف عام 1961والترتيبات المتعلقة بتطبيق
هذه االتفاقية عام .1962
• االتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات عن طريق التحكيم المتعلقة باالستثمارات بين الدول ورعايا الدول
األخرى الموقعة عام 1965برعاية البنك الدولي لإلنشاء والتعمير والتي أنشأت مرك از للتحكيم هو .ICSID
• اتفاقية موسكو لعام 1972بخصوص تسوية المنازعات عن طريق التحكيم بين الدول االشتراكية.
• اتفاقية تسوية منازعات االستثمار بين الدول المضيفة لالستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية
األخرى الموقعة عام .1974
4