You are on page 1of 60

‫مقدمة‬

‫توجد الجريمة حيثما يوجد اإلنسان إذ ال يمكن تصور مجتمع بدون جرائم وقد عرفت الجريمة في اآلونة‬
‫األخيرة تطورا خطيرا شغل بال وفكر العاملين في مجال الجريمة واملجرم‪ ،‬وحير الباحثين في علم اإلجرام‬
‫لتنوعها واعتمادها أساليب مختلفة وخاصة منها تلك التي تعتمد على التطور التكنولوجي ووسائل اإلتصال‬
‫الحديثة وكذلك تلك التي تأتي في صورة اإلجرام املنظم إضافة إلى جرائم اإلرهاب وتزوير العمالت وتهريب‬
‫السلع واملخدرات واألشياء الثمينة والذهب وتحويل األموال عبر الحاسوب وجرائم الجنس‪..‬إلخ كلها جرائم‬
‫حديثة العهد‪.‬‬
‫ويتطلب هذا الوضع ضرورة تكثيف الجهود والبحوث والدراسات لصد الظاهرة االجرامية التي تعد قطبا‬
‫للبحث في مجال الجريمة واملجرم‪ ،‬والدراسات التي ثم تقديمها في هذا الشأن تستهدف باألساس املجرم‬
‫كفاعل والظاهرة االجرامية كفعل وهي دراسات ذات أهمية تبحث في املجرم وأسباب ارتكاب الجريمة وأنوعها‬
‫والبحث في هذه الثنائية هو مايعرف بعلم االجرام‬

‫وعليه سوف نخص هذا العلم بالدراسة والتحليل من خالل ثالث محاور كبرى‪:‬‬
‫املحور االول‪ :‬يتعلق بتوطئة عامة لعلم اإلجرام نتطرق فيها لتعريف هذا العلم وتأصيل تاريخه وتحديد‬
‫موضوعه وعالقته بالعلوم األخرى وكذا بيان مناهج البحث فيه‬
‫املحور الثاني‪ :‬نتعرف فيه بمختلف املدارس والنظريات التي عملت على تفسير الظاهرة اإلجرامية‬
‫املحور الثالث‪ :‬ويتعلق بمختلف العوامل املؤدية إلى السلوك اإلجرامي سواء كانت هذه العوامل داخلية أو‬
‫خارجية‬

‫املحور األول‪ :‬توطئة عامة لعلم اإلجرام‪.‬‬


‫نتعرف في هذه التوطئة على مجموعة من النقاط التي لها عالقة مباشرة أو غير مباشرة بعلم اإلجرام‪.‬‬
‫أوال‪ :‬التأصيل التاريخي لعلم اإلجرام‪.‬‬
‫الشك أن الجريمة وجدت بوجود اإلنسان ‪،‬إذ ال يمكن تصور مجتمع بدون جرائم‪ ،‬فاإلنسان اجتماعي‬
‫بطبعه ومعرض دوما لالحتكاك ب أخيه اإلنسان (نظرا لتبادل العالقات و اقتسام املنافع) ‪،‬وهذا االحتكاك‬
‫يؤدي إلى ارتكاب سلوك إجرامي أساسه عوامل وأسباب مختلفة وال يمكن حصرها‪.‬‬
‫وقد عرفت نظرة اإلنسان للجريمة واملجرم تطورا موازيا لتطور مراحله‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫=》مرحلة اإلنسان البدائي‪:‬‬
‫ويرجع تاريخ علم اإلجرام إلى اإلنسان البدائي حيث كانت الجريمة في املجتمعات البدائية‪ ،‬عبارة عن مخالفة‬
‫ألوامر تمليها قدرة مقدسة مجهولة‪ .‬يحترمها وينساق إليها املجتمع كما كان يطمئن إليها كل أطراف القبيلة أو‬
‫العشيرة‪،‬وهي بذلك تقوم بدور التشريع الذي تجب له الطاعة‪ ،‬ومن يخرج عن تعاليمه يعتبر عاصيا تجب‬
‫عليه الكفارة عن ذنبه لكي ال تغضب تلك القدرة املقدسة املجهولة ‪،‬وعرفت العصور البدائية بعض أنواع‬
‫الجرائم مثل‪ :‬السحر و الشعوذة والسخرية من اآللهة‪ ،‬وعقوبة السخرية من اآللهة كانت تتسم بالقسوة‬
‫الشديدة حيث تقوم على إرضاء اآللهة‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن تطور هذا اإلنسان وبدأ يستأنس ويسالم بعضه البعض وأخذ يلتف حول رأس مدبر‬
‫يخضع لقيادته ويحتمي به عند الضرورة‪،‬وهكذا إلى أن عرف اإلنسان بداية وضع قوانين لفض النزاعات التي‬
‫تنشب بين األفراد‪.‬‬

‫=》مرحلة وضع القوانين لفض النزاعات‪:‬‬


‫وقد عرفت الحضارة البابلية صدور قانون حمورابي (‪ 1686/1728‬قبل امليالد)‪ ،‬ويعتبر هذا القانون مرجعية‬
‫أساسية في وضع القوانين‪.‬وتم اكتشافه سنة‪. 1901‬وقد تضمنت أحكامه جميع املعامالت من أحوال‬
‫شخصية ومدنية وتجارية ‪،‬وكذا عقوبات لبعض األفعال الجرمية كالغش والقتل والسرقة واإلجهاض‪....‬‬
‫وغيرها من الجرائم‪ .‬وبعد ذلك بدأت تظهر التشريعات في الحضارات املتتالية تعطي مفاهيم مختلفة ألنواع‬
‫كثيرة من الجرائم‪.‬‬

‫=》مرحلة الفكرالفلسفي‪:‬‬
‫وقد كان للفكر الفلسفي رأي كذلك في الجريمة واملجرم وكذا األسباب والدوافع املؤثرة في السلوك اإلجرامي‬
‫‪،‬كفالسفة اليونان الذين أعطوا آراء متباينة في هذا الباب ومنهم من أرجع فعل ارتكاب الجريمة إلى اآللهة‬
‫حيث يعتبرون أن سبب ذلك قوة مفروضة على اإلنسان (كسقراط و أفالطون)‪.‬‬

‫=》 مرحلة الفكرالعلمي‪:‬‬


‫إن البحث عن سبب الجريمة كان من أكبر املسائل التي تواجه املفكرين قديما وحديثا‪ ،‬ويمكن القول أن‬
‫البحث في السلوك اإلجرامي أخذ طابعا جديا في بداية القرن ‪ 16‬إلى منتصف القرن ‪ 19‬في سبيل فهم املجرم‬

‫‪2‬‬
‫وشرح سلوكه ‪،‬أمثال لومبروزو وديالبويرتا و فيرجينيو في إيطاليا وطوماس مور و داروين في بريطانيا ومورين‬
‫في فرنسا‪ ,‬فإن املجرمين لم تبدأ دراستهم العلمية باملعنى الصحيح إال سنة ‪،1876‬حينما قدم العالم‬
‫والطبيب اإليطالي سيزار لومبروزو كتابه " اإلنسان املجرم "‪."l'homme criminel‬‬
‫وعليه وكما أقر األستاذ جولي فإن علم اإلجرام تأسس من دون إذن أحد‪،‬وبالفعل أخد هذا العلم طريقه‬
‫بفضل األعمال التي قام بها الثالثي الهرمي سيزار لومبروزو ‪ 1909/1835‬وإنريكو فيري اإليطالي ‪1856/1727‬‬
‫‪,‬ورفايل غارو فالو‪.‬‬
‫وقد كان لومبروزو طبيبا عسكريا وأستاذ للطب الشرعي ومدير املستشفى األمراض العقلية بمدينة طورينو‬
‫‪،‬ولقد مكنته هذه الوظيفة من مالحظة بعض مميزات الشر في كثير من املرض ى واملجرمين حيث وجد عيوب‬
‫في تكوينهم الجسماني مما حمله على فكرة‪ ،‬تحولت إلى فرضية علمية هي أن املجرم يختلف عن سائر‬
‫البشر‪،‬بتكوينه الجسدي والعضوي الذي هو حصيلة الوراثة اإلجرامية‪.‬‬
‫أما إنريكو فيري‪ ،‬وإن سار على نهج لومبروزو‪،‬إال أنه اختلف معه في تحديد أسباب الجريمة حيث يرى أنها‬
‫ترتكب إما بسبب التكوين الفردي لإلنسان‪،‬أي بعامل شخص ي عضوي أو عامل طبيعي جغرافي أو عامل‬
‫اجتماعي‪،‬ويحدد الجريمة بأنها نتيجة تجاذب وتداخل بين العوامل الداخلية في املجرم وبين العوامل‬
‫الخارجية طبيعية كانت أم إجتماعية‪.‬‬
‫وأخيرا غارو فالو الذي انتقد اإلتجاه البيولوجي عند لومبروزو وابتعد عن دراسة التكوين العضوي للمجرم‪،‬‬
‫ونادى بدراسة مضمون السلوك اإلجرامي حتى يمكن مقاومة املجرم وإصالحه وقد صنف الجرائم إلى نوعين‪:‬‬
‫‪ -‬جرائم طبيعية‪ :‬وهي التي تمس الشعور العام للمجتمع وتمثل السلوك الشاذ عن سلوك املجتمع دون‬
‫اعتبار لألخالق والقيم‪.‬‬
‫‪ -‬جرائم مصطنعة أو اعتبارية‪ :‬وهي التي تكون من صنع املشرع ينص عليها ويفرضها في زمان ومكان معينين‪.‬‬
‫فبعد تأسيس علم اإلجرام من طرف هؤالء األقطاب ‪،‬تواصلت األبحاث العلمية والفلسفية لتفسير الظاهرة‬
‫اإلجرامية‪ ،‬حيث جاء كتاب " اإلجرام والعقاب" وكتاب "علم اإلجرام والقانون الوضعي" وهم للعالم‬
‫البلجيكي أدولف برانس‪ .‬قدم فيهما كيفية الوقاية من اإلجرام وسياسة تفريد العقوبة لتحقيق هدفها‪ .‬ويعد‬
‫مؤلف ماكسويل من أهم املؤلفات في علم الجريمة وفي سنة ‪ 1905‬أصدر عالم اإلجرام الهولندي بونجير‬
‫كتابه"اإلجرام واألحوال اإلقتصادية"‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1929‬أصدر ديتيليو كتاب عن التكوين الجرمي في أسبابه وعالج الجريمة وأتبعه سنة ‪ 1950‬كتاب‬

‫‪3‬‬
‫" الوجيز في علم اإلنسان الجنائي"‪ .‬وفي أمريكا أصدر األستاذ سذرالند كتاب "مبادئ علم اإلجرام" وجدد‬
‫طبعه عدة مرات ألهميته ‪،‬كما كتب هوتون عن املجرم األمريكي سنة ‪.1939‬‬

‫=》مرحلة ما بعد الحرب العاملية الثانية‪:‬‬


‫عرف البحث في الظاهرة اإلجرامية منحى جديد حيث توجه إهتمام العلماء إلى البحث عن وسائل ناجعة‬
‫ملكافحة الجريمة و الوقاية منها‪،‬عن طريق مؤلفات عديدة و مؤتمرات متعددة و يعتبر كتاب "مقدمة في علم‬
‫اإلجرام" للطبيب البلجيكي اثيان دوكريف مرجعا مهما في علم اإلجرام الحديث أما األستاذ الفرنس ي بيناتيل‬
‫فقد شارك في إغناء هذه املادة بكتابه " علم اإلجرام" سنة ‪.1963‬‬
‫وإلى جانب الكتب الفقهية يعرف علم اإلجرام نشاط مستمر من خالل مجالت ودوريات متخصصة في علم‬
‫اإلجرام تصدر على املستوى اإلقليمي والوطني والعاملي هذا باإلضافة إلى املؤتمرات والدراسات الخاصة التي‬
‫حققت نتائج مهمة تتعلق بالكشف و البحث عن أسباب الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫من أهم هذه املؤتمرات مؤتمر األمم املتحدة حول الجريمة والوقاية منها‪ ،‬والتي أصبحت مرجعا قانونيا‬
‫وفقهيا يجب األخذ بها وتطبيقها ملواجهة الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬ومعاملة املسجونين و من أمثلة هذه املؤتمرات‬
‫مؤتمر جنيف سنة ‪ 1955‬ومؤتمر لندن سنة ‪ 1960‬ومؤتمر ستوكهولم سنة ‪ 1965‬و مؤتمر طوكيو سنة‬
‫‪.1970‬‬
‫ورغم األشواط التي قطعها العلم حتى وقتنا الحاضر‪،‬فالثابت أنه لم يصل بعد إلى صياغة نظرية عامة و‬
‫واضحة املعالم في موضوع تفسير الظاهرة اإلجرامية‪،‬بحيث ال يقدم علم اإلجرام قوانين علمية نفسية و‬
‫اجتماعية مقطوعة بصحتها بل أن أغلب ما تمخضت عنه الدراسات التي أجريت في هذا املجال ال يزال رهن‬
‫البحث و التحقيق‪.‬‬
‫لهذا السبب ظهر اتجاه ينكر على هذه الدراسات طابع العلم مستندا في ذلك على مجموعة من الحجج‬
‫أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الظاهرة اإلجرامية ال تصلح أن تكون موضوعا لعلم من العلوم لكونها تتسم بعدم الثبات‬
‫واالستقرار‪،‬وأن الجريمة فكرة نسبية تتغير بتغير الزمان واملكان‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا كانت فكرة الجريمة متغيرة وغير مستقرة فإنه يصعب على الباحث في علم اإلجرام أن يستخلص‬
‫القواعد العلمية التي تربط بين الظواهر العلمية التي يدرسها‪.‬‬
‫‪ -3‬أن دراسة الظاهرة اإلجرامية لم تصل حتى اآلن إلى نتائج قاطعة حول أسباب الجريمة والعوامل املهيئة‬
‫‪4‬‬
‫لها‪.‬‬
‫‪ -4‬أن علم اإلجرام ليس علما باملعنى الدقيق‪ ،‬ألنه علم تطبيقي أي ينشغل بتطبيق على ما وصل إليه علم‬
‫آخر من نتائج‪.‬‬
‫كانت هذه مجموعة من الحجج التي يستند عليها املنكرون لعلم اإلجرام‪.‬‬
‫لكن ذلك ال يعني أن علم اإلجرام يقوم على الحدس والتخمين بل يحاول تجميع التعاريف واملعطيات‬
‫املتعلقة بالظاهرة اإلجرامية ويستعمل املنهج التجريبي لتحليلها وتفسير نتائج هذا التحليل للوصول إلى‬
‫أسباب السلوك اإلجرامي وبالتالي إعطاء املزيد من التحديد ملفهوم هذا العلم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف علم اإلجرام‬


‫مبدئيا علم اإلجرام تسمية مكونة من كلمتين ‪crimine‬و ‪ logie‬أي علم الجريمة‪ .‬بمعنى أن علم اإلجرام أعتبر‬
‫علما "‪" science‬مثل العلوم التي تخضع للمالحظة والتجربة لتصل إلى نتيجة معينة‪.‬‬
‫‪ -‬وعلم اإلجرام علم حديث النشأة‪ -‬ظهر في الربع األخير من القرن ‪-19‬ولم تكتمل بعد مراحل نموه‪ ،‬لذلك‬
‫تعددت تعاريفه بتعدد الزوايا التي ينظر منها إلى نطاقه وأسبابه‪ ،‬ولتشعب مضامينه وتنوع العلوم املساعدة‬
‫له‪.‬‬
‫‪ -‬ورغم محاولة الكثير من العلماء تعريفه نجد هذه التعريفات تتباين وتختلف‪،‬إال أنها تصب في مضمون‬
‫واحد‪ ،‬ولذلك قيل بأنه يوجد لعلم اإلجرام تعريفات بقدر ما يوجد من علماء لعلم اإلجرام‪.‬‬
‫‪ -‬وملا كانت هذه التعاريف غير متطابقة وال متجانسة إال أنه يمكن إعطاء تعريف يجمع بين النظرة العلمية‬
‫والفقهية وفق ما يلي‪:‬‬
‫=》علم اإلجرام هو العلم الذي يدرس الجريمة كظاهرة اجتماعية‪ ،‬احتمالية في حياة الفرد وحتمية في‬
‫حياة املجتمع‪ ،‬ويتقص ى أسبابها الفردية واإلجتماعية الداخلية والخارجية ليحدد القوانين املنطقية التي‬
‫تحكمها وتفسرها في مظاهرها املتنوعة‪.‬‬
‫=》 علم اإلجرام هو العلم الذي يختص بدراسة املجرم وبالدراسة العلمية ألسباب ارتكاب الفعل املجرم‬
‫من أجل إتخاد السبل الناجعة للحد منها‪.‬‬

‫وهكذا فإن علم اإلجرام موضوعه الظاهرة اإلجرامية بمختلف تركيباتها املؤدية إلى العدوان إلستخالص‬
‫الطرق الرادعة ملقاومة هذه الظاهرة واستئصالها‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وتأسيسا على ذلك يعرفه البعض تبعا للمفهوم املعاصر كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬هو العلم الذي يبحث في تفسير السلوك العدواني الضار باملجتمع وفي مقاومته عن طريق إرجاعه إلى‬
‫عوامله الحقيقية‪.‬‬
‫‪ -2‬و يعرفه البعض بأنه تلك الدراسات العلمية للمذنب من الوجهة الداخلية والخارجية‪ ،‬وهناك من يذهب‬
‫إلى اعتباره تلك الدراسة العلمية للجريمة كظاهرة فردية واجتماعية تقصد الكشف عن العوامل التي تسبب‬
‫تلك الظاهرة‪.‬‬

‫ويعود تباين هذه التعريفات إلى تنوع وتعدد انتماء باحثي علم اإلجرام إلى تخصصات علمية متباينة كعلم‬
‫النفس وعلم اإلجتماع وعلم األمراض العقلية‪ ،‬وكما هو ثابت فإن اختلفت هذه التعريفات من حيث‬
‫األلفاظ ‪،‬فإنها تتفق من حيث الجوهر‪ .‬أي أن علم اإلجرام هو العلم الذي يهتم بدراسة الظاهرة اإلجرامية‬
‫بكل مقوماتها الخاصة والعامة وآثارها الفردية والجماعية‪.‬‬
‫ولهذا يمكن القول أن ما يصل إليه الباحث في علم اإلجرام ليس قوانين ثابتة‪،‬وإنما نتائج تقريبية‬
‫واحتمالية وهذا ما يفسر وجود مجموعة من العلوم املتناثرة واملختلفة التي تجعل من الظاهرة اإلجرامية‬
‫ميدانا ألبحاثها‪.‬‬
‫ونظرا لهذه اإلشكالية حاول البعض تق سيم علم اإلجرام إلى ثالثة أنواع‪ :‬علم إجرام عام؛ علم إجرام خاص؛‬
‫علم إجرام تطبيقي‪:‬‬
‫● علم اإلجرام العام‪ :‬موضوعه األساس ي يدور حول الدراسة العامة للسلوك اإلجرامي أيا كانت طبيعة‬
‫السلوك املرتكب وأيا كانت الدراسة املساعدة على فهم هذا السلوك لذلك يتصف هذا القسم بصفتين‪:‬‬
‫‪ --‬صفة العمومية‪ :‬حيث يتسع ليشمل جميع املعلومات املتصلة بميدان اإلجرام‪ -‬دراسة عامة‪.‬‬
‫‪ --‬صفة تركيبية‪ :‬أي أن هذا العلم يتركب من عدة علوم‬
‫● علم اإلجرام الخاص‪ :‬هو فرع يهتم بدراسة جريمة جنائية محددة أو ظاهرة إجرامية معينة دون إعطاء‬
‫اإلهتمام لدراسة املجرم (مثال جرائم املخدرات‪،‬وجرائم السرقة‪ ،‬وجرائم الجنس‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫● علم اإلجرام التطبيقي أو املعملي‪ :‬هذا العلم يقوم هو اآلخر بدراسة حالة إجرامية فردية معينة وفي نوع‬
‫محدد من الجرائم‪ ،‬وهو علم يقوم على تحقيق تقارب بين عدة علوم متفقة من حيث األسلوب العلمي‬
‫املعملي ومختلفة من حيث املناهج والنتائج‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ثالثا‪ :‬موضوع علم اإلجرام‬
‫مما ال شك فيه أن موضوع علم اإلجرام هو دراسة وتفسير الظاهرة اإلجرامية والسؤال املطروح هنا ما هي‬
‫العناصر املكونة للظاهرة اإلجرامية؟‬
‫‪ -‬مبدئيا تكمن هذه العناصر في ثالثة على النحو التالي‪:‬‬
‫‪-3‬الضحية‪.‬‬ ‫‪-1‬الجريمة‪-2 .‬املجرم‪.‬‬
‫إال أن هناك من العلماء من يكتفي بعنصري الجريمة واملجرم فقط‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الجريمة‬


‫يمكن تعريف الجريمة عامة بأنها كل فعل مخالف لقاعدة من القواعد التي تنظم سلوك اإلنسان داخل‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬وموضوع الجريمة كان وال زال محط اهتمام الباحثين على اختالف انتماءاتهم من فالسفة ورجال الدين‬
‫وعلماء اجتماع وعلماء النفس‪،‬والباحثين في العلوم الجنائية ورجال القانون‪...‬إلخ‪ .‬كل يبحث في الجريمة من‬
‫منطلق اختصاصه‪.‬‬
‫‪ -‬فالجريمة تتباين من زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر ‪،‬وتتأثر بعوامل مختلفة بحيث إن الفعل املجرم في‬
‫زمان ومكان معينين ال يكون كذلك في مكان وزمان آخرين‪.‬‬
‫انطاالقا مما سبق فإن للجريمة معنيان‪:‬‬
‫أحدهما قانوني يهتم بدراسة مضمون القاعدة القانونية الوضعية التي يترتب على مخالفتها جزاء جنائي‪.‬‬
‫وثانيهما علمي يبحث في الجريمة كظاهرة اجتماعية ينصب البحث فيها على أسباب السلوك اإلجرامي‬
‫ودوافعه ومحاولة مقاومته والتصدي له من خالل العناية بشخص املجرم‪.‬‬

‫‪-1‬املفهوم القانوني للجريمة‪:‬‬


‫الجريمة بمفهومها العام هي كل فعل أو امتناع مخالف للقانون ومعاقب عليها إما بعقوبة أو بتدبير وقائي‬
‫‪،‬والقانون هو مصدر التجريم والعقاب (مبدأ ال نصية" ال جريمة وال عقوبة وال تدبير وقائي إال بنص")‪.‬هذا‬
‫املفهوم هو الذي تبناه املشرع املغربي من خالل الفصلين ‪ 1‬و ‪ 110‬من القانون الجنائي ‪ ،‬فهو أساس تجريم‬
‫األفعال الضارة‪ ،‬فاملجتمع هو الذي يرى ضرورة تجريم ومعاقبة فعل معين إذا كان يلحق أضرار باملصلحة‬
‫االجتماعية العامة‪،‬أما إذا كان عكس ذلك أي ال يلحق ضررا باملجتمع ولو أنه فعل يستنكره املجتمع فال‬

‫‪7‬‬
‫يعتبر فعال إجراميا باملفهوم القانوني للجريمة وقد عرفها دور كهايم‪ :‬بأنها كل فعل أو امتناع يتعارض مع‬
‫القيم و األفكار املستقرة في وجدان الجماعة‪(،‬مثال ذلك الكذب فهو فعل يستنكره املجتمع لكنه غير مجرم‬
‫قانونا إال إذا اقترن بالنصب واالحتيال على اآلخرين)‪.‬‬

‫وبهذا التعريف تختلف الجريمة الجنائية عن املخالفة التأديبية‪:‬‬


‫‪ -‬الجريمة الجنائية‪ :‬تتمثل في اإلخالل بأمن املجتمع ونظامه‪ ،‬حيث رتب عليها املشرع عقوبة أو تدبير وقائي‪.‬‬
‫‪ -‬املخالفة التأديبية‪ :‬تتمثل في اإلخالل بأخالقيات املهنة وبواجبات الوظيفة التي ينتمي إليها الفاعل‪ ،‬حيث‬
‫رتب عليها املشرع جزاءات خاصة تتدرج من اإلنذار إلى التوبيخ إلى االقتطاع من الراتب إلى حدود الفصل من‬
‫الوظيفة‪.‬‬
‫كما تختلف الجريمة الجنائية عن الجريمة املدنية ‪ ،‬التي تعتبر مصدر من مصادر االلتزام والتي تخضع‬
‫لقاعدة (كل فعل سبب ضرر للغير ألزم مرتكبه بالتعويض وذلك حسب الفصل ‪ 77‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود املغربي)‪.‬‬
‫والضرر هنا قد يكون جريمة إذا كان منصوص عليه في القانون الجنائي أو القوانين املكملة له‪ ،‬وفي هذه‬
‫الحالة ي نشأ عن الفعل الواحد حقان مثال في(جرائم الضرب والجرح والقتل‪)....‬‬
‫‪ -‬حق عام‪ :‬تباشره النيابة العامة حيث تطلب توقيع العقوبة وتسمى الدعوى الجنائية‪.‬‬
‫‪ -‬حق خاص‪ :‬يباشره الشخص املتضرر من الجريمة ‪ ،‬يطلب فيه تعويضا عن هذا الضرر‪ ،‬وتسمى بالدعوى‬
‫املدنية ‪،‬واألصل فيها أن ترفع أمام املحاكم املدنية واستثناء لدى املحاكم الزجرية تبعا للدعوى الجنائية‬
‫‪،‬وتسمى الدعوى املدنية التابعة‪.‬‬
‫‪ -‬وبهذا التعريف يمكن تحديد األفعال التي تعتبر جرائم والجزاءات املقررة لها حيث يشمل هذا التعريف‬
‫املفهوم القانوني للجريمة من حيث‪:‬‬
‫=》 أنها فعل أو امتناع يجرمه املشرع ويفرض له جزاء معين‪.‬‬
‫=》 أن هذا الفعل ال يعتبر جريمة إال إذا كان صادرا عن هيئة تشريعية مختصة‪.‬‬
‫=》 أن هذا الفعل ال يمكن تصوره إال بوجود شخص مخطئ‪.‬‬
‫فالجريمة حتى تستجمع عناصر قيامها ال بد من وجود أحد أهم أركانها وهو الركن القانوني أو مبدأ الشرعية‬
‫وهذا املبدأ يستند إلى وجود نص تشريعي يجرم الفعل ويعاقب عليه بنص مكتوب وهذا ما أخذ به املشرع‬

‫‪8‬‬
‫املغربي في الفصل األول من القانون الجنائي "يحدد التشريع الجنائي أفعال اإلنسان التي يعدها جرائم‪،‬‬
‫بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي‪ ،‬ويوجب زجرمرتكبيها بعقوبات أو بتدابيروقائية"‪ .‬وكذلك‬
‫الفصل ‪ 110‬من القانون الجنائي الذي يعرف لنا الجريمة "الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون‬
‫الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه"‪.‬‬
‫والجريمة محددة بنص القانون الجنائي سواء في جانبها اإليجابي (في شكل عمل) أو في جانبها السلبي (في‬
‫شكل امتناع)‪،‬واملشرع يضع قوانينه متأثرا بثقافة املجتمع بما أن أساس التجريم هو املجتمع الذي يحدد‬
‫األفعال التي تحدث اضطرابا اجتماعيا في زمان ومكان معينين ‪،‬ومن ثم فإنما يجعل الفعل جريمة ليس‬
‫الفعل ذاته ولذاته بل نظرة مجتمع بذاته إليه‪ ،‬واملجتمع يحتكم أصال إلى ثقافته(عادات ـ تقاليد ـ قيم ـ‬
‫عقيدة ‪،)....‬مثال (الدول االسالمية تعاقب على الزنا لكن دول أخرى ال تجعل منها جريمة على اإلطالق)‪.‬‬
‫وقد تختلف املجتمعات داخل البلد الواحد من حيث الثقافة وتحكمها أعراف وتقاليد‪ ،‬حيث يلجؤون‬
‫للقاعدة العرفية كقانون يحتكمون إليه (في مجال القضايا العرفية)في املجاالت التعاقدية دون الجنائية مما‬
‫يجعل القاعدة العرفية تصطدم بالقاعدة التشريعية ( األخذ بالثأر مثال )‪.‬‬

‫‪-2‬املفهوم االجتماعي للجريمة‪:‬‬


‫الجريمة اجتماعيا هي الفعل الذي تعتقد الجماعة أنه يشكل ضررا على مصلحتها اإلجتماعية‪،‬أي ذلك‬
‫الفعل الشاذ أو الضار‪،‬فهو انحراف عن الضوابط اإلجتماعية سواء نص القانون على اعتباره جريمة أو لم‬
‫ينص على ذلك‪ ،‬وقد عرفها الفيلسوف الفرنس ي دور كهايم بأنها كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم‬
‫واألفكار املستقرة في وجدان الجماعة‪.‬‬
‫هذا وقد تعددت التعريفات االجتماعية للجريمة وتباينت مضامينها‪ ،‬لكنها تصب في اتجاه واحد على أنها‬
‫تتعلق بفعل مخالف للسلوك اإلنساني إذ يتعلق األمر بفعل يستنكره املجتمع ويجرمه وقد يستنكره املجتمع‬
‫و ال يجرمه القانون‪.‬‬
‫وقد يتعلق األمر بفعل يجرمه القانون وهو سلوك يستنكره املجتمع كالقتل‪ ،‬وبالتالي فكل األفعال املعاقب‬
‫عنها قانون ا فاملجتمع هو الذي جرمها بنص قانوني‪ .‬لهذا السبب تبقى الجريمة نسبية من حيث الزمان واملكان‬
‫وحسب تطور املجتمع ثقافيا وسياسيا واجتماعيا‪.‬‬
‫لكن السؤال املطروح هنا‪ :‬ما هي الجرائم التي يهتم بها علم اإلجرام؟ هل يتقيد بالجريمة بمفهومها القانوني أم‬
‫يتعداها إلى الجريمة بمفهومها النفس ي واالجتماعي واالقتصادي و األخالقي‪...‬؟‬
‫‪9‬‬
‫في إطار اإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬فإن الفقيه بيناتيل يرى أن األمر يتعلق بظاهرة (الجريمة) والبحث فيها‬
‫يتطلب توافر شروط معينة للقيام بالتجربة ‪،‬وإذا انعدم أحدهما استحال الوصول إلى النتيجة وهذه‬
‫الشروط هي‪:‬‬
‫‪-1‬أن تكون الظاهرة إيجابية‪.‬‬
‫‪-2‬أن تكون الظاهرة متميزة‪.‬‬
‫‪- 3‬أن تكون الظاهرة قابلة للتحليل‪.‬‬
‫‪- 4‬أن تكون الظاهرة عامة في املجتمع‪.‬‬
‫وقد أثارت هذه الشروط نقاشا حادا كاآلتي‪:‬‬
‫=》 يرى بعض الفقه أن شرط اإليجابية منعدم في الجريمة‪ .‬على اعتبار أنها نمط قانوني جامد (هذا يتنافى‬
‫مع املفهوم القانوني للجريمة)‪.‬‬
‫=》 يرى الفقيه دور كهايم بخصوص التمييز بأن وجود العقاب هو ما يميز الجريمة وليست الجريمة هي‬
‫املتميزة‬
‫=》 يرى البعض بخصوص القابلية للتحليل أن الجريمة ظاهرة معقدة يصعب تحليلها ألن الجريمة قد‬
‫تتغير‪.‬‬
‫=》 فيما يخص شرط أن تكون الظاهرة عامة في املجتمع فيقول البعض أن الجريمة غير متجانسة وليس‬
‫لها شكل واحد بحيث قد تكون عامة ولكن غير متجانسة‪.‬‬
‫والحقيقة أن مسألة خضوع الظاهرة اإلجرامية للمنهج التجريبي صعبة جدا‪ ،‬وال يمكن الوصول فيها إلى‬
‫نتائج حتمية ألن األمر يتعلق بفعل ناتج عن اجتماع ثقافات متظافرة وركام من املؤثرات اإلجتماعية والدينية‬
‫واإلقتصادية‪....‬إلخ‪.‬‬
‫‪-‬بخصوص اإلجابة عن السؤال املطروح ‪،‬يرى الكثيرون أن علم اإلجرام يجب أن يقف عند حدود الفعل‬
‫الجرمي املعاقب عنه قانونا‪ .‬لكن إذا علمنا أن علم اإلجرام يجمع الكثير من العلوم اإلجتماعية والنفسية‬
‫واألنتربولوجيا ‪،‬فإن اهتمامه بالجريمة يجب أن يتعدى املفهوم القانوني إلى جميع املفاهيم األخرى‪ .‬ألن مهمة‬
‫علم اإلجرام هي دراسة أسباب الظاهرة اإلجرامية وليس إصدار أحكام قضائية فالفعل غير املجرم قانونا‬
‫اآلن قد يجرم مستقبال والعكس من ذلك قد يكون الفعل مجرم اآلن ويصبح غير مجرم في املستقبل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬املجرم‬
‫هناك عدة مفاهيم ملصطلح املجرم‪ ،‬وذلك الختالف الرؤية بشأن هذا املفهوم‪ .‬ألن الكل يعرفه من منطلقه‬
‫هو‪ ،‬كما أن الدراسة الشخصية للمجرم تتطلب التمكن والتمعن والتمحيص في جميع دقائقها سواء كانت في‬
‫إطارها الداخلي أو الخارجي‪ ،‬الش يء الذي يصعب معه وضع تعريف دقيق لذلك كانت تعريفات متعددة‬
‫حسب املجاالت‪.‬‬
‫‪-1‬مفهوم املجرم في القانون الجنائي‪:‬‬
‫املجرم قانونا هو الشخص الذي يرتكب فعل أو امتناع مجرم وذلك متى توافرت في حقه أركان الجريمة‬
‫(الركن املادي‪ ،‬الركن املعنوي‪ ،‬والركن القانوني أو الشرعي) وأن يكون مسؤوال جنائيا‪،‬أي له ملكة التمييز و‬
‫القدرة على االختيار والوعي‪ -‬بذلك نقص ي املجنون والشخص غير املميز‪.‬‬
‫‪-2‬مفهوم املجرم في قانون املسطرة الجنائية‪:‬‬
‫مفهوم املجرم ليس فحسب الفاعل كما يحدده القانون الجنائي‪ ،‬بل هو الشخص الذي صدر من القضاء‬
‫حكم بإدانته على ارتكاب الجريمة متى صار هذا الحكم نهائيا غير قابل للطعن فيه‪ .‬تطبيقا لقاعدة "املتهم‬
‫برئ حتى تثبث إدانته"‪،‬وتلك هي فترة املسطرة الجنائية‪.‬‬
‫وهذا يعني بمفهوم املخالفة أن صفة املجرم ال تثبت في حق الشخص الذي يتهم سواء في مرحلة التحقيق أو‬
‫أثناء املحاكمة ‪،‬إذ ال يعتبر مجرما طبقا لقاعدة "املتهم برئ حتى تثبت إدانته" ‪،‬ذلك أن املجرم يظل حامال‬
‫لصفة الضنين او املتهم إلى أن يصدر في حقه حكم باإلدانة وأن يكون هذا الحكم نهائيا وغير قابل للطعن‪.‬‬
‫‪-3‬مفهوم املجرم في علم اإلجرام‪:‬‬
‫علماء اإلجرام ال يتقيدون باملفهوم العام للمجرم بل يتجهون إلى وجهة أخرى يستهدفون من ورائها تفسير‬
‫الظاهرة اإلجرامية تفسيرا علميا بغض النظر عن اآلثار القانونية‪ ،‬وبذلك يكون املجرم في علم اإلجرام هو كل‬
‫شخص ارتكب فعال ينص القانون على تجريمه سواء صدر حكم بإدانته أو لم يصدر‪ ،‬و سواء كان هذا‬
‫الشخص في مرحلة التحقيق أم في مرحلة املحاكمة‪.‬‬
‫و يرى البعض أن مفهوم املجرم في علم اإلجرام يجب أن يتسع ليشمل حتى أولئك الذين صدر في حقهم حكم‬
‫بالبراءة‪ .‬ذلك أن الب راءة ليست دائما دليال على عدم ارتكاب الجريمة فقد يستطيع بعض املجرمين إخفاء‬
‫جرائمهم والحصول على براءتهم بطرق أخرى(مثال بالرشوة ) ‪،‬ال يعني أنهم أقل إجراما من غيرهم في نظر علم‬
‫اإلجرام الذي يبحث في عوامل اإلجرام‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫من خالل تعريف هذا املجرم نخلص إلى نتيجة أن املجرمون ليسوا على درجة واحدة من اإلدراك والتمييز‬
‫فقد تم تقسيمهم إلى صنفين املجرم السوي واملجرم غير السوي‪.‬‬
‫‪ -‬املجرم السوي‪ :‬هو الشخص الذي تتوفر فيه كافة شروط املسؤولية الجنائية وأهمها التمتع بملكة‬
‫الوعي والتمييز من ناحية‪ ،‬وبالقدرة على اإلختيار من ناحية أخرى وهذا تكون مسؤوليته كاملة ‪،‬ويكون محال‬
‫لدراسة علم اإلجتماع الجنائي وعلم النفس الجنائي ألن أسباب إجرامه تتراوح بين أن تكون اجتماعية‬
‫ونفسية‪.‬‬
‫‪ -‬املجرم غيرالسوي‪ :‬هو على نوعين هناك املجنون الذي تنعدم مسؤوليته الجنائية وهناك الشاذ أي‬
‫املجرم الذي تدفعه إلى ارتكاب الجريمة عوامل عضوية تتصل بتكوينه الداخلي‪ ،‬فاملجنون تنعدم مسؤوليته‬
‫الجنائية ألنه مصاب بمرض عقلي حيث تنتفي عنده ملكة الوعي والتمييز‪،‬أما الشاذ فهو املصاب بخلل‬
‫جزئي‪ -‬تنتابه حاالت –في تكوينه العقلي أو النفس ي ‪،‬وهذا النوع من املجرمين تنقص مسؤوليتهم الجنائية أو‬
‫تقرر لهم بعض التشريعات معامالت خاصة كالتدابير الوقائية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الضحية‬


‫بعد الدراسة املعمقة للجريمة ‪،‬والدراسة التحليلية العلمية بدأت الدراسات الحديثة في مجال العلوم‬
‫الجنائية تهتم بدراسة الضحية كحلقة من الحلقات املتممة للظاهرة اإلجرامية وأن الضحية هو الشخص‬
‫املجني عليه الذي يعتبر جزء ال يتجزأ من الظاهرة اإلجرامية‪ .‬أي ينظر إليه على أنه طرف إيجابي بسلوكه‬
‫اإلستفزازي ال طرفا سلبيا في الواقعة اإلجرامية والسؤال هو ملاذا دراسة الضحية؟‪.‬‬
‫اهتمت الدراسات الجنائية الحديثة بدراسة شخصية الضحية أو جوانبها النفسية لتوضيح العالقة بين‬
‫الجاني واملجني عليه و هذا ما أشار إليه البعض بقوله العالقة تكون واضحة بين املجرم وضحيته في جرائم‬
‫الدم‪ ،‬إذ غالبا ما تكون هناك عالقة معرفة سابقة بين القاتل والضحية ونادرا ما يقتل إنسان آخر بال قصد‬
‫‪،‬ولكن معرفة طبيعة هذه العالقة ليس من السهل كشفها‪ ،‬لذلك أوجب األخذ بأساليب علم الضحية‬
‫للكشف عن حقيقة العالقة بين الجاني والضحية ليتسنى تفسير السلوك اإلجرامي وبالتالي تقدير الجزاء‬
‫العادل‪.‬‬
‫‪-‬ففي جرائم الخطأ تكون الضحية‪ ،‬ضحية بريئة وال يكون لها دخل في دفع الجاني إلى قتلها‪.‬‬
‫‪-‬أما في جرائم القتل العمد فيكون للضحية دور من شأنه إثارة مشاعر وأحاسيس الجاني ومن ثم يجب أن‬
‫يكون لهذا الدور تقدير للمسؤولية العقابية على الفاعل‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ودور الضحية في ارتكاب الجريمة قد يكون‪:‬‬
‫‪ -1‬إما بسبب التكوين الجسدي‪ ،‬مثالها امرأة فاتنة تسير بخالعة في طريق مظلم‪ ،‬فبعملها هذا تدفع إلى‬
‫سرقتها أو قتلها أو اغتصابها من مجرم مجنون أو شاذ‪ ،‬وال يستثنى الرجال من ذلك فقد يحصل نفس الش يء‬
‫للرجل‪.‬‬
‫‪- 2‬إما بسبب التكوين النفس ي‪ ،‬مثالها الشخص الساذج أو حسن النية الذي من السهل خداعه أو النصب‬
‫عليه‪ ،‬فهذه السذاجة قد أثارت الجاني ودفعته إلى ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫وقد ال يكون للضحية دور في ارتكاب الجريمة كما لو تقابل شخص صدفة مع شاذ أو مجنون في لحظة نوبة‬
‫الحالة املرضية فيقتله‪.‬‬
‫وعلم الضحية يساهم في دراسة شخصية الضحية من الناحية البيولوجية والنفسية واإلجتماعية بقصد‬
‫الوصول إلى الوقاية والعالج لهذه الضحية‪ .‬ويرى العالم ماندل سانت أنه يجب النظر إلى الضحية بأنها‬
‫نقطة البداية التي تسبق الجريمة وليست نتائج الجريمة كما يردد الكثيرون‪ ،‬وهو بهذا يجعل من علم‬
‫الضحية علما مستقال في حين يرى هينتج اعتبار علم الضحية فرعا جديدا من فروع علم اإلجرام‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬عالقة علم اإلجرام بالعلوم األخرى‬


‫يدخل علم اإلجرام ضمن مجموع العلوم الجنائية باعتباره يدرس الظاهرة اإلجرامية علما بأن هذه األخيرة ال‬
‫يمكن أن تكون موضوع علم واحد‪ ،‬ملاذا؟ نظرا التساع مجال البحث واختالف الزوايا التي تتناول املوضوع‬
‫الواحد الش يء الذي أدى إلى نشأة مجموعة من العلوم الجنائية‪.‬‬
‫لذلك يجب بيان صلة علم اإلجرام بباقي العلوم الجنائية األخرى ثم تحديد فروعه‪ .‬صلة علم اإلجرام بغيره‬
‫من العلوم الجنائية‪:‬‬
‫نظرا لتعددا لعلوم الجنائية التي لها صلة بعلم اإلجرام فسوف نقتصر على أهمها‪:‬‬
‫=》علم‬ ‫=》علم السياسة الجنائية‪.‬‬ ‫=》 علم العقاب‪.‬‬ ‫=》 القانون الجنائي‪.‬‬
‫اإللنثروبولوجيا الجنائية‪.‬‬

‫‪ -1‬علم اإلجرام والقانون الجنائي‪:‬‬


‫يتحد علم اإلجرام والقانون الجنائي بدراسة ذات املوضوع أي الظاهرة اإلجرامية لكنهما يختلفان من حيث‬
‫النظرة إلى هذه الظاهرة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬فالقانون الجنائي يدرس الجريمة ليضع لها التنظيم القانوني‪ ،‬ويحدد أركانها وأصنافها وعقوباتها وإجراءات‬
‫التحقيق واملحاكمة‪...‬‬
‫‪ -‬أما علم اإلجرام فيدرس الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد باعتماده – األنثروبولوجيا الجنائية–‬
‫وكظاهرة في حياة املجتمع باعتماده علم اإلجتماع الجنائي‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك اختالف أساس ي من حيث أسلوب الدراسة‪:‬‬
‫‪ -‬فقه القانون الجنائي يعتمد األسلوب القانوني الذي يقوم على تفسير نصوص التشريع والتنقيب عن قصد‬
‫املشرع بحيث يغلب عليه طابع األسلوب اإلستنباطي‪.‬‬
‫‪ -‬في حين علم اإلجرام يتميز بطابع تجريبي بحيث يتجه إلى مالحظة الظاهرة ثم محاولة تأصيل القوانين‬
‫العلمية التي تحكمها وبالتالي يغلب عليه األسلوب اإلستقرائي‪.‬‬
‫باإلضافة إلى الصلة الوثيقة بين العلمين – القانون الجنائي وعلم اإلجرام‪، -‬فإن لكل من هما تأثيره على‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫فإذا كان القانون الجنائي يمد علم اإلجرام بموضوع دراسته فإن السلطات املكلفة بتطبيق القانون الجنائي‬
‫وخاصة القضاء وسلطات التنفيذ هي التي تمد علماء اإلجرام بنماذج املجرمين كي يكونوا موضوعا ألبحاثهم‪.‬‬
‫فالعالقة بين القانون الجنائي وعلم اإلجرام تقوم على هدف واحد وموحد هو التصدي للجريمة والقضاء‬
‫عليها بحيث‪:‬‬
‫‪ -‬أن علم اإلجرام يحلل الظاهرة اإلجرامية اجتماعيا ونفسيا وبيئيا وثقافيا‪.‬‬
‫‪ -‬أن القانون الجنائي أصبح في فلسفته وروحه يستعين بهذه املعطيات (أي من الناحية النفسية والبيئية‬
‫واالجتماعية والثقافية ‪.)...‬‬
‫‪ -‬أن القاض ي الجنائي يوظف كل العناصر التي تفيد في قيام املسؤولية الجنائية أو انتفاءها أو تشديد‬
‫العقوبة أو تخفيفها معتمدا على نتائج الباحثين في علم اإلجرام‪.‬‬

‫‪-2‬علم اإلجرام وعلم العقاب‪:‬‬


‫يقصد بعلم العقاب الدراسة العلمية للجزاء الجنائي املقرر في التشريع الجنائي لذلك يتفق علم اإلجرام‬
‫وعلم العقاب في أن كالهما من العلوم املساعدة للقانون الجنائي بالرغم من استقالل مجال كل من هما عن‬
‫اآلخر‪:‬‬
‫فعلم اإلجرام يبحث في أسباب الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬أما علم العقاب فيدرس األغراض واألهداف االجتماعية‬
‫‪14‬‬
‫للعقوبات والتدابير الوقائية‪ ،‬واستخالص القواعد التي ينبغي مراعاتها في تنفيذ تلك العقوبات والتدابير‬
‫الوقائية حتى تكون أقرب أغراضها‪ .‬وتبدو مظاهر ارتباط علم اإلجرام بعلم العقاب من ناحيتين‪:‬‬
‫‪ -‬من ناحية نجد أن غاية العلمين واحدة‪ ،‬في مكافحة الجريمة وإن اختلفت وسائل الكشف عنها‪ .‬فإذا كان‬
‫علم اإلجرام يسعى إلى اكتشاف أسباب اإلجرام ومقومات تطوره فإن علم العقاب يسعى إلى التحقق من‬
‫وجود عالقة سببية بين إتباع وسيلة معينة لتنفيذ الجزاء الجنائي وبين السلوك الالحق للمحكوم عليه الذي‬
‫قد يتمثل في العودة إلى الجريمة‪ ،‬الش يء الذي يعني ضرورة بناء املعاملة العقابية على ضوء املعطيات‬
‫العلمية الثابتة التي تمخضت عن أبحاث علم اإلجرام‪.‬‬
‫‪ -‬من ناحية أخرى نالحظ توثق الروابط بين العلمين على اعتبار أن تنفيذ الجزاءات الجنائية يتطلب إملاما‬
‫مسبقا باألسباب التي دفعت إلى اإلجرام كي تتم مكافحتها في شخصه و ال يتأتى هذا اإلملام إال عن طريق‬
‫دراسة شخصية املتهم للوصول إلى تلك األسباب‪.‬‬

‫‪ -3‬علم اإلجرام وعلم السياسة الجنائية‪:‬‬


‫تجمع بين علم اإلجرام وعلم السياسة الجنائية نقطتين أساسيتين هما‪:‬‬
‫‪ -‬اعتبارهما فرعين من فروع العلوم املساعدة للقانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ -‬يختصان بجانب الوقاية من الجرائم ومكافحة مرتكبيها‪.‬‬
‫هذا ويختلف العلمين من حيث موضوع أبحاثهما‬
‫‪ -‬فعلم اإلجرام يدرس الظاهرة اإلجرامية وأسبابها وله مجاالت مستقلة كعلم األنثروبولوجيا الجنائية‪ ،‬وعلم‬
‫االجتماع الجنائي‪ ،‬وعلم اإلحصاء الجنائي‪.‬‬
‫‪ -‬أما السياسة الجنائية فهي األساليب التي ينهجها املشرع ملكافحة الجريمة (حيث إنه يجرم األفعال ويضع‬
‫لها عقوبات)‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذه االستقاللية فإن الصلة بين العلمين وثيقة ذلك أن السياسة الجنائية تهتدي في تحديد‬
‫خطتها ملكافحة الجريمة في املجتمع بنتائج أبحاث ودراسات علم اإلجرام لتستأنس بها‪ .‬ويمثل بعض الفقه‬
‫على أن العقوبة في املاض ي كانت تطبق على املحكوم عليهم بها في مكان واحد وبطريقة واحدة‪ ،‬لكن بعد ما‬
‫أثبتت أبحاث ودراسات علم اإلجرام اختالف أسباب الجريمة إضافة إلى اختالف أصناف املجرمين أدى ذلك‬
‫إلى اختالف وسيلة تنفيذ العقوب باختالف شخصية املجرمين‪ ،‬وهو ما يعرف بنظام تفريد العقاب‬

‫‪15‬‬
‫خامسا‪ :‬فروع علم اإلجرام‬
‫هناك مجموعة من العلوم صنفها البعض على أساس موضوعي واعتبرها علوم مساعده لعلم اإلجرا م‬
‫باعتباره يبحث في أسباب الجريمة‬
‫ومهما يكن فإن هذه العلوم جميعها تهدف إلى الدراسة أو إلى دراسة الظاهرة اإلجرامية ومحاولة الحد منها‪،‬‬
‫وهي على نوعين‪:‬‬
‫=》علوم مرتبطة بتكوين املجرم‪.‬‬
‫=》علوم مرتبطة بالكشف عن الجريمة‪.‬‬
‫النوع األول‪ :‬علوم مرتبطة بتكوين املجرم‪.‬‬
‫وهي علوم تهتم بالتكوين الداخلي والخارجي للمجرم كما تهتم بالبحث عن أسباب الجريمة والعمل على‬
‫محاربتها قصد منع ارتكاب جرائم أخرى‪ .‬ويتكون هذا النوع من مجموعة من العلوم‪:‬‬
‫أ‪ -‬علم النفس الجنائي‪:‬‬
‫يهتم بدراسة العوامل النفسية التي تؤدي‪ ،‬وتقود إلى الجريمة‪ ،‬حيث يدرس األحوال النفسية للمجرم (مثال‬
‫قياس نسبة ذكائه‪ ،‬غرائزه‪ ،‬انفعاالته‪ ...‬إلخ) ومدى تأثيرها على أنواع السلوك اإلجرامي الذي يرتكبه‪ .‬وقد‬
‫استعان الباحثون في علم النفس الجنائي بأساليب التحليل النفس ي التي قال بها سيغموند فرويد‪ ،‬ذلك أن‬
‫أسباب الجريمة قد تكون نفسية‪ ،‬ومن هنا يشكل علم النفس الجنائي عامل من عوامل تفسير الظاهرة‬
‫اإلجرامية فهو‪:‬‬
‫‪ -‬من جهة يظهر مدى تأثير العوامل املحيطة بالفرد على تكوينه النفس ي‪ ،‬ودور هذا التأثير على الجريمة‪.‬‬
‫‪ -‬من جهه أخرى يساعد على تحديد جوانب الخلل في التكوين النفس ي للمجرم‪ .‬وتجدر اإلشارة أن هذا العلم‬
‫في طريقه إلى التالش ي ألن علم األنثروبولوجيا الجنائية يبحث ويهتم بالجوانب النفسية إلى جانب الجوانب‬
‫العضوية‪.‬‬

‫ب‪-‬علم البيولوجيا الجنائية‪:‬‬


‫أو ما يعرف بعلم الحياة الجنائية‪ ،‬هو فرع من علوم الحياة بصفة عامة‪ ،‬ويهتم بحياة اإلنسان العضوية‬
‫وكيفية عمل هذه األعضاء وأنواع اإلفرازات الغددية وتأثيرها على الجهاز العصبي والعقلي‪ ،‬والعضوي‪ ،‬وما‬
‫تعكسه على السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫وتكمن العالقة بين هذا العلم والعلوم الجنائية في املعطيات العلمية للحياة الخاصة والعامة لإلنسان املجرم‬
‫‪16‬‬
‫بحيث يستعين بها العالم الجنائي في محاولته تحليل وشرح السلوك اإلجرامي‪ .‬وهذه املعطيات تتعلق بتركيبة‬
‫هذا اإلنسان املجرم و ماهيته الحياتية وتفاعالته العضوية وأثر ذلك على السلوك املنحرف‪.‬‬

‫ج‪-‬علم اإلجتماع الجنائي‪:‬‬


‫هو علم يهتم بدراسة البيئة اإلجرامية أو دراسة العوامل اإلجرامية ذات الطابع اإلجتماعي حيث يدرس‬
‫الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ويبحث في مدى الصلة بينها وبين غيرها من الظواهر والظروف‬
‫‪،‬كالظروف اإلقتصادية واإلجتماعية والسياسية والدينية والثقافية ‪...‬إلخ‪ ،‬وكذا الظواهر الطبيعية والبيئية‪،‬‬
‫وذلك من أجل تحديد العالقة بين هذه الظروف وظاهرة اإلجرام ‪،‬وهذا يعني أن أسباب اإلجرام ال يمكن أن‬
‫تنحصر في الخصائص البيولوجية والنفسية للمجرم بل إن البيئة هي املصدر املباشر لجانبها من هذه‬
‫األسباب‪.‬‬
‫هذا ويشبه املفكر "تارد"علم اإلجتماع الجنائي باملكروسكوب الذي يكشف الخبايا التي توجد في الحياة‬
‫اإلجتماعية والتي يصعب على فقيه القانون معرفتها عند اقتراحه لتشريع ما‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬علوم ترتبط بالكشف عن الجريمة‬


‫يتعلق األمرهنا بعلم األدلة الجنائية والعلوم التي تدخل في نطاقها‪:‬‬

‫‪ -I‬علم األدلة الجنائة‪:‬‬


‫يهتم هذا العلم بالبحث في الوسائل الفنية والتقنية التي تساعد على معرفة املجرم الذي ارتكب الجريمة ‪،‬‬
‫وتحديد الظروف املادية التي وقعت فيها الجريمة‪ .‬فالعناصر التقنية املساعدة على معرفة املجرمين تتطور‬
‫بتطور البشرية وأساليب ارتكاب الجرائم‪.‬‬
‫فيكفي أن أثر بسيط يتركه املجرم إال و يتم تحليله في املختبر ملعرفة صاحبه علما بأن رفع البصمات وتحليل‬
‫بقع الدم‪ ،‬ودراسة آثار إطالق الرصاص ملعرفة نوع السالح و العيار املستعمل‪...‬إلخ‪ .‬كلها وسائل تم اكتشافها‬
‫اتباعا‪ .‬فعلم األدلة الجنائية ال يدرس الجريمة واملجرم مثل علم اإلجرام بل يدرس السبل املؤدية الرتكاب‬
‫األفعال اإلجرامية‪.‬‬
‫ومن األدلة التي يعتمدها هذا العلم‪:‬‬
‫‪ -‬هناك األدلة املباشرة وهناك األدلة غيرمباشرة‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫=) األدلة املباشرة‪ :‬هي األدلة التي لها صلة مباشرة بالجريمة وتؤدي إلى اليقين في مضمونها ويلتزم القضاء‬
‫باعتمادها‪.‬‬
‫=) األدلة غيرمباشرة‪ :‬هي التي تزيد في درجات اإلتهام وتعتبر من اآلثار املادية التي تم جمعها من مسرح‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك األدلة القانونية واألدلة اإلقناعية‪:‬‬
‫=) األدلة القانونية‪ :‬هي التي يعتمدها و ينص عليها القانون كشهادة الشهود‪.‬‬
‫=) األدلة اإلقناعية‪ :‬وهي التي يقتنع بها املحقق أو القضاء بارتكاب املتهم للفعل اإلجرامي كوجود الحامض‬
‫النووي للمتهم في مسرح الجريمة‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك األدلة املادية واألدلة املعنوية‪:‬‬
‫=) األدلة املادية‪ :‬هي ذلك األثر املادي املوجود ب مكان الجريمة والذي تم معالجته باملختبرات للوقوف على‬
‫اعتماده كدليل مادي للبراءة أو اإلدانة‪.‬‬
‫=) األدلة املعنوية‪ :‬هي أدلة يجب الحرص فيها كاالعتراف وشهادة الشهود‪ .‬وعدم أخذها على إطالقها‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك أدلة اإلثبات وأدلة النفي‪:‬‬
‫=) أدلة اإلثبات‪ :‬وجودها يثبت الجريمة على املتهم كوجود املسروق بحوزته‪.‬‬
‫=) أدلة النفي‪ :‬وجودها ينفي الفعل املجرم عن املتهم‪.‬‬

‫‪-II‬العلوم املساعدة لعلم األدلة الجنائية‪:‬‬


‫يدخل في نطاق علم الكشف عن الجريمة علوم متعددة نذكر منها ‪ ،‬فن القياس البشري‪،‬الطب‬
‫الشرعي‪،‬الطب النفس ي‪،‬علم اإلحصاء‪،‬علم النفس القضائي‪ ،‬الشرطة الفنية‪.‬‬
‫‪ -1‬فن القياس البشري‪:‬‬
‫و هو علم يهدف إلى التعرف على املجرمين املبتدئين أو املتعودين وعدم الخلط فيما بينهم نتيجة تغيير‬
‫أسمائهم أو بعض مالمحهم أو للتشابه الذي قد يوجد بينهم‪.‬‬
‫مثال تطبيقي‪ :‬قامت مصلحة التشخيص القضائي في باريس بفرنسا بتطبيق فن القياس البشري فلم تجد‬
‫في مصنفاتها املئة ألف مصنفين يتشابهان‬
‫وتكمن أهمية هذا العلم من الناحية العلمية التطبيقية في قياس أعضاء اإلنسان بعد أن يتم ‪ 21‬سنة من‬
‫عمره ‪ ،‬ألنه بعد هذا السن يكتمل نمو العظام وتأخذ شكلها النهائي‪ .‬وقد الحظ البعض أن مصلحة‬
‫‪18‬‬
‫التشخيص القضائي في باريس لم تستطع أن تجد في مصنفاتها الذي بلغ عددها مئة ألف ‪،‬مصنفين اثنين‬
‫تتشابه قياساتهما‪.‬‬
‫إال أن هذا األسلوب ال يمكن تطبيقه عن األشخاص دون ‪ 20‬سنة‪ ،‬ألنهم الزالوا في نمو مستمر‪.‬‬
‫لذلك فضل البعض أسلوب بصمات األصابع ألنها ال تتغير وتالزم صاحبها من املهد إلى اللحد ‪ ،‬بحيث ال‬
‫يمكن إيجاد شخصين اثنين تتشابه بصمات أصابعهم العشر‪.‬‬
‫وقد اخترع هذه العملية غاليتون سنة ‪، 1880‬لترتب على أساسها بطاقات السجل العدلي ويرجع التاريخ‬
‫الحقيقي الكتشاف البصمة لسنة ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1902‬عندما نجح أحد األطباء الشرعيين الفرنسيين في‬
‫التعرف على الجاني الذي ترك بصمته في مكان الجريمة و هذا الطبيب هو برتبلون‬
‫ولإلشارة هنا‪ ،‬إن تشخيص املجرم عن طريق البصمات ال تتم إال بعد إلقاء القبض عليه‪ ،‬لذلك ثم‬
‫اإلعتماد إلى جانب البصمات أسلوب الرسم الحاكي الذي هو عبارة عن وصف دقيق لوجه اإلنسان‬
‫ومالمحه‪.‬‬
‫هذا وال زال العلم من وقت آلخر يكتشف وسائل جديدة للكشف عن الجريمة كبصمات الشفاه وبصمات‬
‫املخ(مثال جهاز الكشف عن الكذب ) وبصمة الحدقة ‪،‬باإلضافة الى االستعانة بالعنصر الوراثي ‪ DNA‬الذي‬
‫يكشف عن هوية املجرم عن طريق شعيرة صغيرة قد تقع منه في مسرح الجريمة‪ ,‬وأخيرا تحليل الحمض‬
‫النووي‪ .ADN‬يأخذ بها القضاء في غالب األحيان‬
‫‪- 2‬الطب النفس ي‪:‬‬
‫يبحث الحالة النفسية للمجرم من الناحية املرضية حيث ال يستطيع القاض ي التحكم في معطياتها وبالتالي‬
‫يتعين عليه الرجوع فيها إلى املختصين ‪،‬خاصة في حالة التظاهر بالجنون من قبل بعض املجرمين أو بعض‬
‫الحاالت املشابهةله‪.‬‬
‫وتكمن أهمية علم طب األمراض العقلية بالنسبة لعلم اإلجرام أنه يوجه اإلهتمام إلى جانب هام من‬
‫الجوانب املرتبطة باألسباب املؤثرة في الجريمة واملتمثلة في الخلل العقلي ( املرض العقلي ) الكلي أو الجزئي‪.‬‬
‫‪- 3‬الطب الشرعي‪:‬‬
‫هو مجموع القواعد الطبية والبيولوجية الالزمة في التطبيق العلمي للقانون الجنائي والطبيب الشرعي‬
‫يستطيع عند تواجده بمسرح الجريمة أن يعاين املكان ويرفع البصمات ‪ ،‬ويعاين الجثة من ناحية التصلب‪,‬‬
‫ويقيس درجة حرارتها او برودتها ملعرفة وقت الوفاة بدقة ‪،‬حيث يجمع الفقه والقضاء على أن تحديد الزمن‬

‫‪19‬‬
‫هو دليل مهم إلثبات أو نفي التهمة عن املتهم‪.‬‬
‫ومن أمثلة دراسات الطب الشرعي‪:‬‬
‫=) التشريح لبيان سبب الوفاة(هل باالختناق أو التسمم ‪...‬إلخ )‪.‬‬
‫=) التحليالت املتعلقة بعلم السموم‪.‬‬
‫=) التحليل الكيماوي لبيان طبيعة املادة محل الفحص‪.‬‬
‫=) تحليل الخطوط ملعرفة شخصية املتهم‪.‬‬
‫وتكمن أهمية الطب الشرعي بالنسبة لعلم اإلجرام في كون الطب الشرعي يساعد في الكشف على الجريمة إذ‬
‫ال يكمن تصور تقدم دولة في علم الكشف عن الجريمة بدون الطب الشرعي حتى ولو في ظل قضاء نزيه‬
‫وشرطة فاعلة ومنظمة‪ ،‬ذلك أنه في حالة تفسخ الجثة أو تحللها أو اختفاء معالم الجريمة تصبح مهمة رجال‬
‫التحقيق صعبة بل ومستحيلة في بعض األحيان ‪،‬فكما هو مقرر من وسائل اإلثبات كاعتراف املجرم و وجود‬
‫شهود ال تشكل أدلة قاطعة على اثبات أو نفي املجرم ومن هنا تبرز أهمية اإلثبات العلمي في إبراز معالم‬
‫الجريمة باعتماد الطب الشرعي كتحليل الدم(قضية عمر الرداد) و التحليل الكيماوي لبيان طبيعة املواد‬
‫املوجودة في مسرح الجريمة‪.‬‬
‫فالبعد العلمي للطب الشرعي يمكن أن يبرئ شخصا متهما أو يوقع بشخص برأته املحكمة‪.‬‬
‫‪-4‬علم اإلحصاء‪( :‬و سوف نعرض له بمزيد من التفصيل الحقا ضمن مناهج البحث)‬
‫وهو علم يهتم بدراسة الظاهرة اإلجرامية من حيث بيان عدد الجرائم التي ارتكبت في سنة معينة وأمكنة‬
‫معينة وتوزيع هذا العدد في جرائم مختلفة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬سنة ‪ 2011‬في الدار البيضاء تم إحصاء ‪ 1000‬جريمة صنفت كالتالي‪ 100 :‬جريمة قتل‪800.‬‬
‫سرقة‪ 50،‬ضرب وجرح‪ 6،‬إغتصاب‪،‬و ‪ 44‬مختلفة‬
‫نتائج اإلحصاء‪:‬‬
‫واألسلوب املعتمد في الدراسات اإلجرامية ينحصر في تحديد العالقة بين عدد الجرائم من جهة وبين ما‬
‫يحدث من تغييرات اجتماعية واقتصادية وجغرافية من جهة أخرى‪ .‬وقد أثبت هذا األسلوب وجود عالقة‬
‫وثيقة بين عدد الجرائم والظروف اإلقتصادية الش يء الذي دفع البعض إلى استخدامه‪ -‬اإلحصاء– لبيان‬
‫تأثير إختالف الفصول وعدد الجرائم املرتكبة في كل فصل و كثافة السكان و البطالة على حركة اإلجرام‪.‬‬
‫وأكدوا خالل أبحاثهم أنه باإلمكان اإلعتماد على اإلحصائيات لتعيين عدد املجرمين بالصدفة الذين‬

‫‪20‬‬
‫سيعرضون على املحاكم السنة املقبلة وعدد املجرمين الذين سيعرضون في حالة عود في نفس السنة أو‬
‫السنة املوالية‪ .‬لكن هذه األرقام ال تكفي كمعيار للحكم على حركية اإلجرام وتحديد نسبته بالزيادة أو‬
‫النقصان بل البد من دراسة جميع القضايا التي تعرض على مؤسسات وهيئات مختلفة مثل‪:‬‬
‫‪ -‬املؤسسات القضائية‪ ،‬من خالل إحصائيات تصدر عن وزارة العدل بخصوص الجرائم التي صدرت فيها‬
‫أحكام نهائية‪.‬‬
‫‪ -‬املؤسسات اإلصالحية‪ ،‬بخصوص اإلحصائيات الصادرة عن إدارة السجون تتضمن الجرائم التي يحكم‬
‫على فاعليها بعقوبات سالبة للحرية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلدارة العامة لألمن الوطني ‪،‬من خالل إحصائيات تصدرها املديرية العامة لألمن الوطني تتضمن الجرائم‬
‫التي تبلغ إلى أقسامها املختلفة سواء على مستوى الدائرة أو املدينة أو اإلقليم أو الدولة‪.‬‬
‫أنواع اإلحصاء‪:‬‬
‫بخصوص أنواع اإلحصاءات فهي تتنوع بحسب نوع الجريمة واملجرم‪:‬‬
‫‪-‬فاإلحصائيات املتعلقة بالجريمة تبحث في أنواعها وأماكن استفحالها وبالتالي تصنيفها من أجل تحديد‬
‫العوامل املؤدية إلى ارتكابها إقتصادية كانت أم إجتماعية أم سياسية أم ثقافية ‪،‬كالوقوف مثال على اإلجرام‬
‫وظاهرة البطالة‪...‬‬
‫‪-‬أما اإلحصائيات املتعلقة باملجرم فتنصب على الجوانب النفسية و اإلجتماعية واإلقتصادية املؤدية إلى‬
‫السلوك اإلجرامي ومقارنتها بغير املجرمين انطالقا من عوامل مختلفة كالسن والجنس ودرجة الذكاء وتأثير‬
‫بعض األمراض الهرمونية واألمراض العقلية‪.‬‬
‫‪ -‬باإلضافة إلى الجريمة واملجرم فإن علم اإلجرام يشمل كذلك إحصاء األحياء و املدن و مقارنتها بأحياء ومدن‬
‫أخرى‪ ،‬ومن ثم إقليم بإقليم ثم إحصاء قومي و إحصاء دولي للوقوف على الظاهرة اإلجرامية ‪،‬أسبابها محليا‬
‫و إقليميا و وطنيا ثم دوليا‬
‫‪-5‬علم النفس القضائي‪:‬‬
‫هو فرع من علم النفس التطبيقي يهتم بدراسة الظواهر النفسية ملختلف األشخاص الذين يساهمون في‬
‫سير الدعوى الجنائية كالقضاة بما فيهما القاض ي الواقف والجالس ثم املحامي ثم املتهم‪.‬‬
‫كما يهتم هذا العلم بدراسة سلوك املتهم أثناء التحقيق واملحاكمة حيث يكون للتقييم النفس ي أثر بالغ على‬
‫اإلثبات وعن حاالت االعتراف و دور الضحية ‪...‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-6‬الشرطة الفنية‪:‬‬
‫ومهمتها دراسة أنسب الوسائل العلمية للبحث عن املجرم وإلقاء القبض عليه من جهة أخرى وهذه الوسائل‬
‫كثيرة ومتنوعة كنظام البصمات وفحص آثار املقذوفات النارية‪ ،‬واستخدام أجهزة البحث الجنائي الحديثة‬
‫كجهاز الكشف عن الكذب مثال ‪...‬‬

‫مناهج البحث والدراسة في علم اإلجرام‬


‫هناك مجموعة من املناهج واألساليب أهمها‪:‬‬
‫‪-‬أساليب البحث املوضوعية (متعلقة بالفعل أي الجريمة)‬
‫‪ -‬أساليب البحث الشخصية(متعلقة بالفاعل أي املجرم)‬

‫املطلب األول‪:‬أساليب البحث املوضوعية‪:‬‬


‫تتحدد أساليب البحث املتعلقة بالجريمة في أسلوبين للبحث العلمي هما‪ :‬األسلوب اإلحصائي وأسلوب املسح‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬األسلوب اإلحصائي‪ :‬مفهومه‪ ،‬أنواعه وتقسيمه من من حيث اإليجابيات والسلبيات‪.‬‬
‫‪-1‬مفهوم اإلحصاء الجنائي‪:‬‬
‫‪ -‬يعتبر أهم طرق البحث العلمية في دراسة الجريمة‪ ،‬لذلك كان أول أسلوب استخدم لدراسة الظاهرة‬
‫االجرامية‪ ،‬وكان ذلك فى فرنسا‪.‬‬
‫‪-‬يراد به جمع مختلف البيانات عن ظاهرة معينة وترجمتها الى أرقام داخل مجال معين أو عدة مجاالت‪،‬‬
‫وخالل فترة زمنية أو عدة أزمنة‪ ،‬ومفاد ذلك القيام بعملية حسابية لألفعال املنتهكة للنصوص وأحكام‬
‫اإلدانة وعدد األشخاص املسجونين‪.‬‬
‫وانطالقا من هذه املعطيات يقوم الباحث بتتبع ومالحظة التغيرات سواء بالزيادة أو النقصان‪ ،‬ومدى عالقة‬
‫هذه التغيرات بالعوامل التالية‪:‬‬
‫‪-‬العوامل الذاتية الفردية‪ ،‬مثل‪:‬السن والجنس والساللة والتكوين العضوي والنفس ي‪...‬‬
‫‪ -‬العوامل املوضوعية‪:‬مثل‬
‫العوامل البيئية ‪:‬كاملناخ والتربة ودرجة الحرارة والبرودة ‪...‬‬

‫‪22‬‬
‫العوامل اإلجتماعية‪:‬األسرة‬
‫العوامل اإلقتصادية‪ :‬الفقر والبطالة‪...‬‬
‫العوامل الدينية‬
‫العوامل السياسية‬
‫ويعتبر الباحث الفرنس ي ‪ Guerry‬جيري والعالم البلجيكي ‪ Quetelet‬كتليه أول من قاما بأسلوب اإلحصاء‬
‫الجنائي‪.‬‬

‫‪ -2‬طرق البحث اإلحصائي وأنواعه‪:‬‬


‫أ) طرق البحث اإلحصائي‪ :‬يمكن للباحث إستعمال طريقتين‪:‬‬
‫‪ -‬اإلحصاء املتحرك‪ :‬معناه دراسة الجريمة من حيث الكم والنوع‪ ،‬وفي أوقات مختلفة داخل بقعة واحدة ‪،‬ثم‬
‫القيام باملقارنة لحركية اإلجرام‪.‬‬
‫‪-‬اإلحصاء الثابث‪ :‬معناه دراسة الجريمة من حيث الكم والنوع في وقت محدد‪ ،‬وفي أمكنة مختلفة ثم القيام‬
‫باملقارنة‪.‬‬
‫ب)أنواع اإلحصائيات الجنائية‪ :‬تنقسم اإلحصائيات الجنائية بحسب طبيعتها إلى نوعين‪:‬‬
‫‪-‬النوع األول‪ :‬اإلحصائيات الشمولية أي املعطيات الرقمية التي تبين حركية اإلجرام العام بخصوص مجتمع‬
‫ما وفي بلد ما‪.‬‬
‫‪-‬النوع الثاني‪ :‬اإلحصائيات النوعية‪ ،‬هي معطيات دقيقة عن فئة معينة من املجرمين(أحداث‪ ،‬نساء‪،‬‬
‫رجال‪ )...‬وعن نوع معين من الجرائم(قتل‪ ،‬فساد‪ ،‬مخدرات‪.)...‬‬
‫وهذه الخبرة تجزأ الظاهرة اإلجرامية باألرقام وتساعد على التأكد من صحة أو خطأ اإلحصائيات الشمولية‬
‫من خالل التشابه أو اإلختالف في األرقام واملعدالت‪.‬‬

‫‪ -3‬مصادراإلحصاء الجنائي‪:‬‬
‫تحديد بعض املفاهيم‪:‬‬
‫هناك عدة مصادر لإلحصاء الجنائي يمكن تصنيفها كاآلتي‪:‬‬
‫* اإلحصائيات الجنائية الرسمية أو العامة‪ :‬هي التي تصدر عن أجهزة ومؤسسات رسمية مثل مؤسسات‬
‫الدولة أو معاهد متخصصة‪...‬‬

‫‪23‬‬
‫* اإلحصائيات الجنائية الخاصة أو العلمية‪:‬هي التي يقوم الباحثون أنفسهم بإعدادها من خالل أبحاثهم‬
‫دراساتهم العلمية‪.‬‬
‫*اإلحصائيات الجنائية الوطنية‪ :‬هي التي يتم إعدادها على مستوى الدولة الواحدة‪ ،‬ويعتبر هذا املصدر‬
‫األقدم في الوجود‪ ،‬بحيث يعود إلى بدايات القرن ‪.)1826( 19‬‬
‫*اإلحصائيات الجنائية الدولية‪ :‬هي التي يتم إعدادها على مستوى مجموعة من الدول‪ ،‬وهي حديثة النشأة‪،‬‬
‫بحيث تم اللجوء إلى إعدادها ونشرها أول مرة سنة ‪ 1952‬من طرف الشرطة الدولية(االنتيربول )وتصدر‬
‫مرتين في السنة‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬تتعدد األجهزة التي تقوم بمهمة اإلحصاء في مجال اإلجرام على مستوى كل دولة‪ ،‬ومن أهم‬
‫هذه املصادر نذكر‪:‬‬
‫أ) اإلحصائيات الصادرة عن الشرطة‪ :‬أو اإلحصائيات البوليسية‪ ،‬هي التي تختص بإعدادها أجهزة‬
‫الشرطة ‪ ،‬وتشمل معطيات حسابية ألعداد الجريمة التي تسجلها أقسام الشرطة خالل العام‪ ،‬وتبين توزيعها‬
‫على مختلف شهور السنة‪ ،‬مع تحديد مناطق ارتكابها وصفات مرتكبيها‪.‬‬
‫وفي املغرب تقوم الشرطة القضائية بجميع املدن برفع تقرير شهري مفصل عن حالة اإلجرام ومدى تصاعده‬
‫أو تراجعه إلى اإلدارة املركزية‪.‬‬
‫وتعد إحصائيات الشرطة األكثر عددا ودقة في رصد حجم الظاهرة اإلجرامية عن غيرها من اإلحصائيات‬
‫األخرى‪ ،‬ذلك أن إحصائيات الشرطة تضم باإلضافة إلى القضايا التي تحال على العدالة الجنائية‪:‬‬
‫‪ -‬القضايا ا لتي يتم حفظها من قبل النيابة العامة لسبب من األسباب( كضعف األدلة‪)...‬‬
‫‪ -‬القضايا التي يتم الحكم فيها بالبراءة ولو لفائدة الشك‪.‬‬
‫‪ -‬القضايا التي تحال على العدالة الجنائية بسبب عدم الوصول إلى مرتكبيها أو تنازل الضحايا(الخيانة‬
‫الزوجية‪ ،‬العنف ضد األصول أو الفروع‪)...‬‬
‫ب) اإلحصائيات الصادرة عن القضاء‪ :‬تعمل وزارة العدل سنويا على إحصاء الجرائم ونشر هذه‬
‫اإلحصائيات وتتضمن هذه األخيرة أساسا‪:‬‬
‫‪ -‬عدد األحكام الصادرة باإلدانة أمامها‬
‫‪ -‬عدد الجرائم الرائجة أمامها‬
‫‪ -‬عدد األشخاص املحالين أمام التحقيق أو املحاكم‬

‫‪24‬‬
‫‪ -‬عدد املحكوم عليهم‬
‫‪ -‬عدد الشكاوى والوشايات املعروضة على العدالة الجنائية‪.‬‬
‫ورغم أهمية هذه اإلحصائيات إال أنها نسبية وال تمثل اإلجرام الحقيقي نظرا ملا يلي‪:‬‬
‫‪ +‬أن عدد كبير من املجرمين يضل طليقا بسبب عدم القبض عليهم‪.‬‬
‫‪ +‬يتم تبرئة عدد كبير من املجرمين لعدم كفاية األدلة أو للشك‪.‬‬
‫‪ +‬ال تتم إدانة عدد كبير من املجرمين رغم ثبوت الجريمة في حقهم‪ ،‬وذلك بسبب بطالن بعض اإلجراءات‬
‫كاجراءات التفتيش‪.‬‬
‫ج)اإلحصائيات الصادرة عن مؤسسات السجون‪ :‬هذا النوع من اإلحصائيات تصدره سنويا اإلدارة العامة‬
‫للسجون‪ ،‬ويتض من عدد املحكوم عليهم وأنواع الجرائم التي أدينوا من أجلها ‪،‬وكذلك املعلومات املتعلقة‬
‫بوضعيتهم الصحية واإلجتماعية‪.‬‬
‫غير أن هذه اإلحصائيات ال تشمل‪:‬‬
‫‪ -‬من هم في حالة فرار‬
‫‪ -‬املحكوم عليهم مع إيقاف التنفيذ‬
‫‪ -‬من صدر في حقهم عفو عن جرائمهم‬
‫و إذا كانت إحصائيات إدارة السجون تعد أكثر دقة في البيانات املتعلقة باملسجونين إال أنها أقل دقة‬
‫بالنسبة لرصد حجم الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪ -4‬تقييم اإلحصائيات الجنائية‪:‬‬
‫تكتس ي االحصائيات الجنائية أهمية بالغة ‪ ،‬و تتسم تبعا لذلك بمجموعة من اإليجابيات في توجيه السياسة‬
‫الجنائية ملواجهة ال ظاهرة اإلجرامية‪ .‬وعلى الرغم من هذه األهمية فإنها ال تخلو من بعض السلبيات ‪.‬‬
‫أ‪ -‬إيجابيات اإلحصاء الجنائي‪:‬‬
‫تتميز اإلحصائيات الجنائية بمجموعة من اإليجابيات أهمها ‪:‬‬
‫• توجيه السياسة الجنائية في مواجهة الظاهرة اإلجرامية من خالل التحديد الكمي و النوعي‪ ،‬حيث يمكن‬
‫إجراء مقارنة بين حجم و حركية الجريمة و املجرم بالزيادة أو بالنقصان ‪.‬‬
‫• إن املعلومات اإلحصائية تلعب دورا في تفسير الظاهرة اإلجرامية من حيث الزمان و املكان‪ ،‬و اقتراح‬
‫الوسائل املالئمة ملكافحتها‬

‫‪25‬‬
‫• تساعد اإلحصائيات الجنائية في دراسة العالقة بين الظاهرة اإلجرامية و غيرها من الظواهر االجتماعية أو‬
‫االقتصادية ‪ ...‬كالعالقة بين ارتفاع وانخفاض نسبة الجريمة و بين الفقر أو البطالة ‪...‬‬
‫ونظرا ألهمية هذه اإلحصائيات فقد ساعدت على إجراء العديد من الدراسات و البحوث‪ ،‬كان أولها‬
‫الدراسات التي أجراها الباحثان جيري (فرنس ي) و کیتل یه (بلجيكي) و التي ساهمت في تكوين و نشأة علم‬
‫اإلحصاء الجنائي ‪.‬‬
‫ب‪ -‬سلبيات اإلحصاء الجنائي‪:‬‬
‫و على الرغم من اإليجابيات التي يقدمها اإلحصاء الجنائي‪ ،‬إال أن هناك حقيقة علمية ثابتة هي أن هذه‬
‫اإلحصائيات تعتريها سلبيات تنقص من قيمتها العلمية‪ ،‬و بالتالي ليست قادرة على إعطاء قياس عددي دقيق‬
‫لحجم اإلجرام الحقيقي‪ .‬ومن بين سلبيات اإلحصاء الجنائي نذكر‪:‬‬
‫‪ -‬ما يعرف بالرقم األسود (‪ (Chiffre noir / Dark Number‬والذي يمثل الفرق بين اإلجرام الحقيقي‬
‫واإلجرام الظاهر أو املعلن‪ .‬ذلك أن اإلحصاء الجنائي يكون أقل من الجرائم التي ارتكبت فعال (الجرائم التي‬
‫يتم كشفها أو التي لم يبلغ عنها إلتقاء الفضيحة كما في جرائم العرض‪ ،‬أو كونها جرائم تقع في الخفاء مثل‬
‫الرشوة واإلجهاض‪ ...‬أو تفاهة الضرر املترتب عنها ‪..‬‬
‫فالرقم األسود يمثل إذن الفرق بين اإلجرام الفعلي الحقيقي و اإلجرام الواقعي الظاهر ‪.‬‬
‫• اإلجرام الفعلي‪ :‬الرقم األسود ‪ ،‬هي الجرائم التي لم تصل إلى علم السلطات العامة أي مصالح الشرطة‬
‫الجنائية لعدة أسباب منها ما يعود إلى املجرم و منها ما يعود إلى الجريمة أو الضحية نفسها‪: .‬‬
‫• اإلجرام الظاهر‪ :‬هو كل الجرائم التي تصل إلى علم السلطة الجنائية (شرطة‪ ،‬نيابة عامة‪ ،‬قضاء تحقيق‪)..‬‬
‫و اإلحصاء الجنائي الظاهر ال يعكس العدد الحقيقي للجرائم لعدة أسباب أهمها الصعوبات التي تعترض‬
‫عمل الشرطة‪ ،‬دور النيابة العامة في اعتماد حق املالئمة من عدمه و كذلك حاالت سقوط الدعوى‬
‫العمومية‪...‬‬
‫•اإلجرام الشرعي‪ :‬هو كل اإلحصائيات الجنائية الصادرة عن املحاكم أو ما يصطلح عليه بالرقم الرمادي‪ ،‬و‬
‫هذه ال تقدم الرقم الحقيقي‪ ،‬ذلك أن كل القضايا املحالة على القضاء ال تنتهي بإصدار اإلدانة بشأنها‪ ،‬بل‬
‫هناك حاالت حكم فيها بالبراءة للشك أو انعدام األدلة‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك اإلحصائيات املقدمة من طرف إدارة السجون ال تمثل الحقيقة ألنه ال يوجد بين املسجونين أولئك‬
‫الذين صدر بحقهم حكم غيابي أو عقوبة موقوفة التنفيذ أو حكم بالغرامة ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫هذا إذن كل ما يتعلق بأسلوب البحث اإلحصائي‪ ،‬و الذي يتميز بالرغم من السلبيات بقيمة علمية يساعد‬
‫الباحث في إنجاز دراسات ميدانية و االطالع على حركية الظاهرة اإلجرامية ولو بطريقة نسبية تقريبية ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬املسح االجتماعي‬


‫لدراسة املسح االجتماعي كوسيلة من وسائل البحث في علم االجرام يقتض ي تعريفه ثم عوض صورة من‬
‫صور الخاصة املتعلقة بدراسة البيئة‬
‫‪/1‬تعريف مسح االجتماعي‬
‫يراد املسح االجتماعي في نطاق علم االجرام الدراسة الوضعية التي تقوم على جمع املعلومات الخاصة بإجرام‬
‫طائفة معينة مثال ‪:‬‬
‫‪ -‬جرائم السرقة املقترفة من طرف األحداث في فترة محددة‬
‫‪ -‬دراسة الجرائم التي ترتكب في مكان معين (مدينة‪ .‬قرية‪ .‬حي‪ )...‬خالل فصل معين (صيف‪ .‬الشتاء‪ )...‬يستعان‬
‫في جمع هذه الحقائق و املعلومات سواء على املجرم او الجريمة ببعض وسائل البحثية االخرى مثل املقابلة‬
‫واالستبيان و دراسة الحالة‬
‫وعموما يهدف املسح االجتماعي إلى تحقيق ثالثة أبعاد أساسية ‪:‬‬
‫‪ -‬بعد شخص ي‪ :‬حيث يركز على انماط و فئات معينة من املجتمع ملعرفة السلوك اإلجرامي ونوعية الجرائم‬
‫املرتكبة من طرفهم‬
‫‪ -‬بعد موضوعي او النوعي‪ :‬حيث يقوم بدراسة انماط الجريمة وأنواعها والوقوف على معدالتها في املجتمع‬
‫‪ -‬بعد مكاني‪ :‬يبحث في األماكن و املناطق التي تنتشر فيها الجريمة يهدف الكشف عن عوامل الضاهرة‬
‫اإلجرامية‬

‫‪-2‬دراسة البيئة كأسلوب من أساليب املسح االجتماعي‪ :‬ثم استخدام دراسة البيئة في كل من الواليات‬
‫املتحدة األمريكية وعدد من دول االوروبية‬
‫يقوم مسح االجتماعي على تقسيم بلد معين إلى مناطق صغيرة بحسب ما تمتاز به كل منطقة من خصائص‬
‫مثال تقسيم بلد معين إلى منطقة صناعية واخرى فالحية او منطقة غنية واخرى فقيرة او إلى مدينة و بادية‬
‫وبعد ذلك تتم دراسة حركية االجرام في كل منطقة ومقارنتها باملنطقة االخرى بهدف وصول إلى تفسير‬
‫الظاهرة اإلجرامية‬

‫‪27‬‬
‫على الرغم من أهمية هذا األسلوب في تجميع املعلومات ومحاولة تفسير السلوك اإلجرامي باعتماد علي‬
‫حقائق اجتماعية واقتصادية وثقافية إال أنه انتقد من طرف بعض الباحثين لعدم موضوعية النتائج‬
‫املتوصل إليها ‪.‬‬

‫الطلب الثاني ‪ :‬أساليب البحت الشخصية (تتعلق باملجرم)‬


‫تتنوع الوسائل العلمية التي تبحت شخصية املجرم وتساعد علي دراسة مختلف جوانب شخصيته بهدف‬
‫الوصول إلي أسباب إجرامه‪.‬‬
‫ومن بين وسائل البحت املرتبطة باملجرم هناك ‪ :‬التجربة واملالحظة والفحص البيولوجي والنفس ي ‪ ،‬ودراسة‬
‫الحالة الفردية والحاالت املتماثلة واخيرا االستبيان واملقابلة واملقارنة‬
‫‪ -/1‬التجربة‪:‬‬
‫الثابت أن التجربة هي الركيزة األساسية في مجال العلوم الطبيعية ‪،‬حيت تقدم نتائج علمية جد دقيقة ‪،‬لكن‬
‫هذه الدقة ال يمكن الوصول إليها في مجال علم اإلجرام‬
‫إن التجربة في مجال علم اإلجرام يمكن تطبيقها‪ ،‬إال أن هذا التطبيق يواجهه بعض الصعوبات وتترتب عليه‬
‫بعض األثار السلبية ‪ ،‬ألن محل التجربة هنا هو إلنسان بوصفه مجرما‪.‬‬
‫وتظهر صعوبة تطبيق أسلوب التجربة عند إجراء مقارنة بين أتر عامل الوراثة وبين أثر العامل االجتماعي في‬
‫الدفع إلي الجريمة وتمت هذه التجربة على توأمين متماثلين من خالل وضع أحدهما في بيئة سليمة وصالحة‬
‫وألخر في بيئة فاسدة ‪،‬ويتم تتبع سلوكها ومدى اتجاهه نحو اإلجرام‪.‬‬

‫‪-/2‬املالحظة‪ :‬أو املر اقبة‬


‫تستعمل املالحظة في علم اإلجرام كوسيلة مباشرة ملراقبة الظاهرة اإلجرامية ‪،‬أي املجرم والجريمة بصفة‬
‫عامة وعلي ضوء النتائج املتوصل إليها يستطيع الباحث تفسير السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫واملالحظة في علم اإلجرام هي علي شكلين ‪ :‬بسيطة ومنظمة‬
‫أ) مالحظة بسيطة‪ :‬يقصد بها مشاهدة املجرم والستماع له دون االستعانة بوسائل تقنية أو فنية للتأكد من‬
‫صحة ما يتوصل إليه الباحث‪ ،‬وتتم هذه املالحظة البسيطة بطريقة املشاركة أو بدون مشاركة‬
‫املالحظة باملشاركة‪ :‬تتم عن طريق نزول الباحث إلي ميدان اإلجرام املراد البحت فيه تم يتخفى ويندمج‬
‫وسط الجماعة التي بهدف دراستها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فإذا كان هذا ألسلوب يتيح للباحث رؤية الظاهرة عن قرب ومن جميع الجوانب إال أنه قد يفقده القدرة علي‬
‫املالحظة املوضوعية نتيجة اندماجه التام مما يؤثر علي القيمة العلمية واملوضوعية للنتائج املتوصل إليها‬
‫املالحظة دون املشاركة‪ :‬تكمن هذه الطريقة في إفصاح الباحث املالحظ لألفراد عن هويته وصفته وعن‬
‫حقيقة مهمته حيت يقتصر إنجاز بحته علي توطيد العالقة معهم قصد الحصول علي معلومات وبيانات‬
‫صحيحة دون االندماج معهم منها ألي تأثير ‪.‬‬
‫ب)‪-‬مالحظة منظمة‪ :‬تتلخص هذه املالحظة في استخدام الباحث مجموعة من الوسائل التقنية التي‬
‫تساعده علي جميع البيانات واملعلومات وذلك متل االستمارات والختبارات وأجهزة التصوير والتسجيل‬
‫والتحاليل الكيميائية والكشف الطبي‬
‫فهذه الوسائل لها دور فعال في مساعدة الباحث في التحقيق من صحة البيانات التي يجمعها‬

‫‪-/3‬الفحص البيولوجي والنفس ي‪:‬‬


‫أ)‪-‬الفحص العضوي‪ :‬ويكون هذا الفحص إما داخلي أو خارجي ‪.‬‬
‫الفحص العضوي الخارجي املجرم‪ :‬يتعلق بدراسة املظهر الخارجي لجسم املجرم ومحاولة الربط بين سماته‬
‫الجسمانية الظاهرة وسلوكه اإلجرامي وهذا ما قام به العالم اإليطالي ‪ lombrozo‬حين ربط بين اإلجرام‬
‫والعيوب الخلقية التكوينية وقد توصل إلي أن وجود تشوه خلقي قد يكون له أتر علي السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫الفحص العضوي الداخلي للمجرم‪ :‬ينصب هذا الفحص علي كل من الجهاز التنفس ي ‪،‬الجهاز الهضمي‪،‬‬
‫الجهاز البولي ‪ ،‬الجهاز التناسلي ‪ ،‬الجهاز العصبي الداخلي والخارجي‪ ...‬ذلك أنه كثيرا ما يكشف اختالل‬
‫وظائف هذه األجهزة نتيجة إصابته بأمراض تدفع الفرد إلي السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫ب)الفحص النفس ي والعقلي للمجرم‪ :‬يتعلق هذا الفحص بمجموعة من العناصر‪:‬‬
‫‪-‬فحص الوعي وإلدراك وملكة االنتباه وملكة الذاكرة عن طريق إخضاع املجرم الستجوابات أو اختبارات‬
‫‪-‬فحص طريقة التفكير للكشف عن قدرة هذا املجرم في الحكم علي ألشياء وترتيب األفكار ومعرفة طبيعة‬
‫أفكارها كما ونوعا‪.‬‬
‫‪ -‬فحص طريقة التصور والتخيل للكشف عما اذا كان خيال املجرم طبيعي او غير طبيعي‪,‬أي هل يتميز‬
‫باملبالغة في أمور عاديةأو باإلنشاء الخيالي ألمور ال وجود لها‪.‬‬
‫‪ -‬فحص الناحية الشعورية في نفسه‪,‬ويتعلق األمر ب‪:‬‬
‫* الجانب الغريزي‪ :‬كبحث غريزة حب البقاء؛ حب التملك؛ القتال؛ الدفاع؛ الغريزة الجنسية‪...‬‬
‫‪29‬‬
‫*الجانب العاطفي‪ :‬كبحث ضيق الدرع والحساسية النفسانية (اإلنفعال) ‪,‬الكره‪,‬االستحسان‪..‬‬
‫ويبقى الهدف األول واألخير من هذه الفحوصات هو البحث عن مكامن الخلل وربطه بالسلوك اإلجرامي‪.‬‬

‫‪ :4‬اإلستبيان واملقابلة واملقارنة‪:‬‬


‫أ‪ :‬اإلستبيان‪ :‬هو أسلوب من أساليب املالحظة‪,‬يهدف الى جمع البيانات واملعلومات املتعلقة بالظاهرة‬
‫اإلجتماعية ‪,‬وتتم هذه الوسيلة عن طريق توجيه عدة أسئلة‪ ،‬وأن لألفراد محل الدراسة‪ ،‬وتصاغ في اسثمارة‬
‫بحث تنصب على أسباب ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫ومن مميزات اإلستبيان أن الباحث اليحضر أثناء االجابة عن األسئلة‪ ،‬وأن هذه االخيرة تنصب على املاض ي‬
‫والحاضر عكس املالحظة التي تقتصر على الحاضر فقط‪.‬‬
‫كما يعتبر االستبيان أنسب طريقة لرفع الحرج عن الباحث واملبحوث خاصة في جرائم العرض والدعارة‬
‫والجرائم الجنسية‪.‬‬
‫ب‪ :‬املقابلة‪ :‬كما يدل اسمها تتم عبر التواصل املباشر بين الباحث والفرد‪ ،‬موضوع البحث يهدف الى جمع‬
‫البيانات املتعلقة بالبحث‪ ،‬حيث يقوم الباحث بتوجيه أسئلة مباشرة تخص موضوع بحثه‪.‬‬
‫وتتخد املقابلة عدة أشكال‪:‬‬
‫*فردية‪ :‬أي اجراء املقايلة مع شخص واحد‪ ،‬مما يتيح له حرية ابداء الرأي والصدق في املعلومات‪.‬‬
‫*جماعية‪ :‬إجراء مقابلة مع مجموعة من األشخاص يجمعهم نفس املوضوع‪.‬‬
‫*منظمة‪ :‬هذه الحالة تستوجب اإلعداد املسبق لألسئلة واملوضوعات التي ستطرح على الفرد أو االفراد‬
‫املعنيين بها‪.‬‬
‫*غيرمنظمة‪ :‬عكس املنظمة‪ ،‬بحيث تبقى مفتوحة ومرنة وال تستوجب طرح أسئلة محددة‪.‬‬
‫وتعتبر املقابلة بكافة أنواعه ا أكثر الوسائل استخداما في علم اإلجرام لدقتها و فعاليتها في الكشف عن عوامل‬
‫الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫ج ‪-‬املقارنة‪ :‬و تعتبر املقارنة من التقنيات التي تميز الدراسة في علم اإلجرام‪ ،‬حيث يقوم الباحث بإجراء‬
‫مقارنة بين بعض فئات املجرمين و عوامل اإلجرام مع البعض اآلخر‪ ،‬و ذلك للوقوف على مدى صحة تفسير‬
‫الظاهرة اإلجرامية و املقارنة الجادة في علم اإلجرام هي التي تساعد على الوصول إلى نتائج علمية تخص‬
‫حركية اإلجرام ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أهم املناهج واألساليب املتبعة لدراسة السلوك اإلجرامي‬
‫‪30‬‬
‫هناك صنفين من املناهج‪ :‬املنهج املتعلق بشخص املجرم (أ) واملنهج املتعلق بالجريمة (ب)‬
‫أ‪-‬املنهج املتعلق بدراسة شخص املجرم‪:‬‬
‫ويعرف أيضا باملنهج الشخص ي‪ ،‬حيث يهتم بدراسة شخص املجرم وذلك باالعتماد على مجموعة من‬
‫األساليب أهمها ‪:‬‬
‫‪-1‬األسلوب اإلنتروبولوجي‪ :‬هو أسلوب يعمل على كشف الصفات التكوينية للمجرم من غيره‪ ،‬مثل هذه‬
‫الدراسات نجدها عند كل من‪:‬‬
‫‪ -‬الطبيب اإليطالي لومبروزو ‪LOMBROZ0‬‬
‫‪-‬الطبيب اإلنجليزي جورين ‪GORING‬‬
‫‪ -‬العالم اإلنتروبولوجي األمريكي هوتون ‪HOOTON 2‬‬
‫‪ --2‬األسلوبي البيولوجي‪ :‬هو ذلك األسلوب الذي يهتم بعالقة اإلجرام بعامل الوراثة‪.‬‬
‫‪ -1‬األسلوب الطبي‪ :‬هو الذي يدرس عالقة األمراض والعاهات الجسيمة كعامل من عوامل السلوك‬
‫اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -2‬األسلوب الفيزيولوجي‪ :‬هو الذي يهتم بمراحل النمو اإلنساني و التغيرات الفيزيولوجية وعالقته‬
‫بالسلوك‬
‫‪ -3‬األسلوب البيوكميائي‪ :‬مجاله دراسة عالقة اإلفرازات الغددية بالسلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -4‬األسلوب النفس ي‪ :‬يختص بدراسة العوامل النفسية التي تدفع إلى السلوك اإلجرامي‬
‫‪ -5‬أسلوب الطب العقلي‪ :‬هو الذي يختص بدراسة وتشخيص وعالج األمراض و واالضطرابات إضافة‬
‫إلى أمراض األعصاب ‪ ،‬ويعمل هذا األسلوب على دراسة العالقة بين مختلف هذه األمراض والسلوك‬
‫اإلجرامي‬
‫‪ -6‬أسلوب التحليل النفس ي‪ :‬يقوم بالتحليل النفس ي للفرد ملعرفة أسباب كبث الدوافع والرغبات‬
‫والحاجيات‪.‬‬
‫وقد ينشأ صراع بين هذه الرغبات والظروف االجتماعية املحيطة‪ :‬هنا قد يلجأ إلى من هذا الصراع‪ -‬وقد‬
‫يشكل هذا الخروج سلوكا إجراميا‪.‬‬
‫ب‪ /‬املنهج املتعلق بدراسة الجريمة‪:‬‬
‫ويعرف أيضا باملنهج املوضوعي ‪ ،‬يحتوي عدة أساليب في الدراسة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ - 1‬الدراسة الجغر افية‪ :‬تقوم بدراسة مختلف العوامل البيئية التي تحيط بالفرد مثل ‪ :‬املناخ التضاريس ‪،‬‬
‫تعاقب الفضول ‪ ،‬دراسة الحرارة والرطوبة وتأثيرها على السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -2‬الدراسة اإليكولوجية‪ :‬تهتم بدراسة التوزيع السكاني وتحليل العوامل االجتماعية التي لها عالقته‬
‫بالسلوك اإلجرامي ‪ --‬مثل الدراسة التي أجراها كليفورد شو ‪ -‬البقع اإلجرامية مدينة شيكاكو‬
‫‪ -3‬الدراسة االقتصادية‪ :‬تقوم بدراسة الوضعية االقتصادية‪ :‬مثال حالة الركود واالزدهار والتقلبات‬
‫االقتصادية و عالقتة بكل فرد ‪ -‬وعالقة كل ذلك بالسلوك اإلجرامي‬
‫‪ -4‬الدراسة اإلجتماعية‪ :‬تهتم بدراسة كل الجوانب االقتصادية و الثقافية ‪ ،‬ومالها من دور وتأثير على‬
‫السلوك اإلجرامي للفرد‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬مدارس ونظريات تفسيرالظاهرة اإلجرامية‪.‬‬


‫بدأ البحث في أساليب الجريمة من الناحية العلمية إبان الثورة العلمية وتراكمت األبحاث بتراكم العلوم التي‬
‫تهتم بالسلوك اإلجرامي‪ ،‬كما تعددت مدارس تفسير الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املدارس التقليدية‬
‫نشأت سنة ‪ 1775‬في إنجلت را تعتمد على بسيكولوجية اللذة و األلم ‪ ،‬بمعنى أن الفرد ال يقوم بأي فعل أو‬
‫تصرف إال بعد تقدير ما ينتج عن ذلك من لذة لدى الفاعل و ألم لدى املجني عليه ‪ ،‬على اعتبار إرادة حرة و‬
‫مختارة ألفعاله و من بين رواد هذه املدرسة الرائد "بكاريا" ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬املدرسة الجغر افية‬
‫نشأت سنة ‪ ، 1830‬تركز على توزيع الجرائم في بعض املناطق من الناحيتين الجغرافية و اإلجتماعية و تقوم‬
‫بتوزيع الجرائم في املناطق تبعا للمناخ و التضاريس و كذا الجانب اإلقتصادي ‪ ،‬من أنصارها سموثليت و‬
‫جيري ‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬املدرسة اإلشتراكية‬
‫نشأت سنة ‪ 1850‬اعتمدت على دراسة املبادئ التي جاء بها ماركس و انجلز حيث تقول بارتباط معدل‬
‫الجريمة بالظروف اإلقتصادية السائدة في املجتمع ‪ .‬كما جاءت لتأكيد البرنامج اإلشتراكي من خالل األبحاث‬
‫املنجزة في هذا الشأن ‪ .‬واعتبروا أن الرأسمالية هي سبب اإلجرام (شخص له شركة يضطهد العمال ويتعدى‬
‫على حقوقهم)‪.‬‬
‫رابعا‪:‬املدرسة الشخصية أو النوعية‬
‫‪32‬‬
‫تعتمد على النوع و التركيبة الشخصية للمجرمين و تفت رض اختالف املجرمين عن غيرهم ببعض املميزات‬
‫الشخصية التي تفسر عن ميول غريزي غير عادي نحو اإلجرام ‪ ،‬و هو ميول إما وراثي أو تعبير عن‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬املدرسة اللمبروزية البيولوجية‬
‫نشأت سنة ‪ 1875‬حينما أقرت املجرم بامليالد أو بالفطرة ثم سنة ‪ 1905‬حينما بنت اإلجرام على أساس‬
‫الضعف العقلي‪.‬‬
‫(العامل النفس ي) ثم بعد ذلك إقرار اإلجرام على أساس عوامل ذاتية خاصة بالشخص سواء ذاخلية أو‬
‫خارجية و كذلك عوامل إجتماعية‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬املدرسة اإلجتماعية أو الدفاع اإلجتماعي‬
‫نشأت سنة ‪ 1915‬التي تدرس جميع الظواهر اإلجتماعية و تأثيرها على السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫وسوف نحاول التركيز على أهم هذه املدارس و هي‪ :‬التحليل العضوي ثم التحليل النفس ي والتحليل‬
‫اإلجتماعي وأخيرا التحليل التكاملي‪.‬علما أن جميع هذه النتائج املتوصل إليها في هذه الدراسة تبقى نتائج‬
‫نسبية ال تصل إلى درجة قوية من الصحة‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬نظريات التحليل العضوي في تفسيرللظاهرة اإلجرامية‬
‫كثيرة هي الدراسات واألبحاث التي إهتمت بالتحليل العضوي لتفسير الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬وسوف نقتصر‬
‫على أهمها و أكثرها شيوعا‪.‬‬
‫أوال‪:‬نظرية لومبروزو‬
‫يعتبر من مؤسس ي علم اإلجرام من خالل دراسته لشخصية املجرم و قد ساعده على ذلك عمله كطبيب‬
‫بالجيش اإليطالي الش يء الذي أتاح له القيام بدراسة جسم اإلنسان ‪.‬‬
‫‪ :1‬مضمون نظرية ملبروز‬
‫تتلخص نظرية ملبروزو في أن املجرم يختلف عن غيره بصفات خاصة عضوية و نفسية و ذلك من خالل‬
‫إجراء أبحاث ميدانية تمثلت في إجراء فحوصات عادية على ‪ 5907‬مجرم‪.‬‬
‫أ‪-‬الصفات العضوية‬
‫يتعلق األمر باملجرم بالفطرة أو املجرم بامليالد الذي يتميز بتقاطيع مختلفة عن اإلنسان العادي‪:‬‬
‫* إختالف شكل وحجم الرأس وفق ما هو عليه األمر في الساللة واملنطقة التي ينتمي إليها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫* عدم انتظام وتشابه نصفي الوجه‪.‬‬
‫* كبر زائد في أبعاد الفك وعظام الوجنتين‪.‬‬
‫* تشوهات في العينين وتقاربها وجبهة ضيقة‪.‬‬
‫* كبر زائد أو صغر غير عادي في األدنين أو بروزهما من الرأس‪.‬‬
‫* التواء األنف أو اعوجاجه أو إنفطاسه أو مشابه للمنقار أو وجود بروز فيه‪.‬‬
‫* امتالء الوجنتين و بروزهما‪.‬‬
‫* دقن طويلة أو قصيرة أو مفلطحة‪.‬‬
‫* طول الذراعين‪.‬‬
‫* ضعف حاسة السمع‪.‬‬
‫* كتافة و انخفاض الحاجبين وصغر العينين و قلقهما(أي كثرة حركتهما) و تحركهما املستمر‪....‬‬
‫ب‪ -‬الصفات النفسية‬
‫الحظ ملبروزو أن املجرم يتميز بصفات نفسية خاصة منها‪:‬‬
‫* كثرة الوشم املوجود على أجسام املجرمين و خالعة هذا الوشم‪.‬‬
‫* ضعف اإلحساس باأللم‪.‬‬
‫* القسوة البالغة وعدم االكتراث‪.‬‬
‫* انعدام الشعور بالخجل(حيت أنها قد تكون ميزة لبعض املهن مثل التعليم و التمثيل‪.)....‬‬
‫* عنف املزاج وحب الشر‪.......‬‬
‫كما الحظ بعض التشابه بين اإلنسان املجرم واملريض بالصرع‪.‬‬
‫هذا وقد ال تتوفر هذه الصفات العضوية أو النفسية في بعض األشخاص ومع ذلك يكونون مجرمين لكن‬
‫من تتوافر فيهم هذه الصفات يكون في الغالب مجرمين ‪ ،‬ونشير هنا إلى أن ملبروزو أثناء تشريحه ملجرم خطير‬
‫يدعى فيليال اكتشف وجود غور(فراغ مجوف في آخر جمجمته) مشابهة لجماجم الحيوانات املفترسة‬
‫وخاصة القرود ‪ ،‬فاستنتج من ذلك أن املجرم فرع شاد من الناس يقترب من اإلنسان البدائي األول ‪ ،‬لذلك‬
‫فهو بدائي بطبعه ال يستطيع االندماج في املجتمع‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس ‪ ،‬قال ملبروزو أن املجرم شخص مغلوب على أمره فهو مجرم بامليالد أو بالفطرة ‪ ،‬وبالتالي‬
‫أطلق عليه اسم "اإلنسان املجرم " في كتابه الشهير‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ونخلص هنا من خالل مضمون نظرية ملبروزو ان الفكرة األساسية التي تقوم عليها ‪ ،‬تكمن في وجود نمط‬
‫إجرامي يمكن التعرف إليه من خالل خصائصه _ العضوية و الفيزيولوجية_‪.‬‬

‫‪ -2‬تطور نظرية ملبروزو‬


‫تطورت نظريته عبر عدة مراحل‪:‬‬
‫‪ -1‬املرحلة األولى‪ :‬كان النمط اإلجرامي لديه يكمن فى الخصائص العضوية و الوظيفية ‪ ،‬وكذلك‬
‫الفيزيولوجية‪.‬‬
‫‪ -2‬املرحلة الثانية‪ :‬أضاف الخصائص النفسية للنمط اإلجرامي و املتمثل في _ عدم اإلحساس النفس ي و‬
‫التميز بالنزعة العدوانية و غياب الرحمة‪.‬‬
‫‪ -3‬املرحلة الثالثة‪ :‬أض اف بعض الخصائص السوسيولوجية للنمط باعتمادها أسلوب املالحظة ‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل وصفه طريقة عيشه و اللغة املنحطة و الساقطة التي يستعملها‪.‬‬
‫‪ -4‬املرحلة األخيرة‪ :‬حاول إعطاء تفسير علمي للنمط اإلجرامي في حالتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬عندما استنتج أن اإلنسان املجرم يتوفر على نفس الخصائص العضوية و البيولوجية لإلنسان البدائي‬
‫_تأثره بنظرية داروين‪.‬‬
‫ب‪ -‬حالة فحص الجندي ‪ myssid‬حيث توصل إلى صياغة نظرية املجرم الصرعي _ وقدم تفسير علمي جديد‬
‫يتمثل في الشذوذ البثالوجي ‪.pathologie‬‬
‫لم يتوقف عمل ملبروزو عند املجرم بالفطرة بل زاد عن ذلك حيت وصفه بأنه مريض نفساني و أضاف إلى‬
‫جانب املجرم بالفطرة ‪ ،‬املجرم الصرعي( أي املجرمين املصابين بمرض الصرع) ‪ ،‬مثال الجندي السفاح‬
‫‪ missiden‬ميسيديا‪ ،/‬الذي قام باطالق النار وقتل بعض زمالئه في الجيش ‪ ،‬ثم وقع مغما عنه مدة ‪ 15‬ساعة‬
‫وعند استيقاظه لم يتذكر أي ش يء مما قام به‪.‬‬
‫أحدث ملبروزو بنظريته هذه نقاشا حادا وتعرض إلى نقد شديد غير رؤيته على إثرها‪ ،‬و أصدر بحوثا‬
‫متتالية أضاف فيها أصناف أخرى من املجرمين‪:‬‬
‫كاملجرم بالعادة بحيث ال يولد مجرما بالفطرة بل يكتسب النزعة اإلجرامية من الظواهر املحيطة به؛‬
‫و املجرم العاطفي الذي له حساسية بالغة و عاطفة كبيرة و جارفة تدفعه الرتكاب الجريمة؛‬
‫و املجرم املجنون‪ ،‬واملجرم الصرعي‪ ،‬واملجنون خلقيا السيكوباتي الذي هو الشخص الذي تنعدم عنده‬
‫القدرة على التكيف فيتصادم مع املحيط ويقع في الجريمة؛‬
‫‪35‬‬
‫واملجرم العرض ي أو بالصدفة وهو من يرتكب الجريمة بسبب مؤشرات خارجية وهو نوعان إما مجرم حكما‬
‫أي بحكم القانون مثال يرتكب جريمة حمل السالح بدون رخصة أواملجرم العرض ي املدمن الذي يتعاطى‬
‫املخدرات‪.‬‬
‫وهذه الفئات من املجرمين جعلت ملبروزو يأخذ إلى جانب الحتمية البيولوجية باملؤثرات النفسية‬
‫الخارجية عن إرادة املجرم و خصص لها حيزا كبيرا عند دراسة هذا السلوك اإلجرامي في أواخر عمره‪.‬‬

‫‪ - 3‬تقييم نظرية ملبروزو‪ :‬نحاول تقييم هذه النظرية من خالل النقط التالية‪:‬‬
‫ج ‪ -‬عيوب نظرية ملبروزو‬ ‫ب ‪ -‬مزايا نظرية ملبروزو‬ ‫أ‪ -‬مرجعيات نظرية ملبروزو‬
‫أ‪ -‬مرجعيات نظرية ملبروزو ‪:lombrozo‬‬
‫يجمع علماء اإلجرام أن جذور نظرية ملبروزو ضاربة في التاريخ ‪ ،‬وأنها نتاج ملجموعة من األبحاث والدراسات‬
‫العملية السابقة له و بالخصوص تلك التي تهتم باملجاالت العلمية ‪ ،‬خاصة املتعلقة بالتفسيرات‬
‫األنتروبولوجية التكوينية الخاصة بمفهوم اإلنسان‪.‬‬
‫و على العموم يمكن القول أن نظرية ملبروزو نجد أسسها الوضعية في مجموعة من األبحاث والدراسة نذكر‬
‫منها على الخصوص‪:‬‬
‫الدراسات و األبحاث التي قام بها كل من لوكاس ‪ LUCAS‬و موريل ‪ MOREL‬حيت ركزوا على عامل الوراثة‬
‫في تفسير الظاهرة اإلجرامية ‪ ،‬و التي غلبت عامل الوراثة عن ما عداه من العوامل ‪ ،‬وركزت على دوره في‬
‫تفسير السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫مجموع الدراسات و األبحاث األنت روبولوجية التي كانت تبحث في العالقة بين اإلجرام وبعض املظاهر‬
‫العضوية و الفيزيولوجية ‪ ،‬والتي قام بها كل من ‪ dellu porta - Lavatcr - voisin‬في مجال األنتروبولوجيا(‬
‫بعض املظاهر العضوية؛ الفيزيولوجية و عالقتها بالسلوك اإلجتماعي )‪.‬‬
‫الدراسات و األبحاث التي قام بها كل من كبانيس ‪ - cabanis‬اسكيرول ‪ - esquirol‬جورجي ‪ - georget‬في‬
‫مجال التحليل النفس ي ‪ ،‬في املرحلة مابين نهاية القرن ‪ 18‬و بداية القرن ‪.19‬‬
‫أخيرا اعتمد لومبروزو في صياغة نظريته على نظرية النشوء و االرتقاء وتطور النوع التي توصل إليها شالز‬
‫داروين‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وعليه فإن منطلق لومبروزو في وضع نظرية " اإلنسان املجرم " لم تكن من عدم بل هي نتاج مجموعة من‬
‫الحالصات و األبحاث والدراسات التي سبقته و ساعدته في بسط نظريته باالعتماد على مناهج مختلفة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مميزات نظرية ملبروزو‪:‬‬


‫على الرغم من اإلنتقادات املوجهة لنظرية ملبروزو‪ ،‬إال أنه يرجع له الفضل في استعمال املنهجية العلمية‬
‫لدراسة الظاهرة اإلجرامية( من خالل الدراسات و الفحوصات التي أجراها ) ‪ ،‬كما كانت السبب في ظهور‬
‫املدرسة اإليطالية الوضعية التي غيرت مفاهيم علم اإلجرام القديم و وبالتالي دحض كل التفسيرات‬
‫الكالسيكية والفلسفية التي تربط الجريمة بحرية اإلرادة‪.‬‬
‫ويعد ملبروزو أول من قال بحتمية الجريمة و اعتبر املجرم مسير ليس مخير لذا يجب أن ال يسأل جنائيا ‪،‬‬
‫كما اعتبر املجرم مريضا ال يستحق العقوبة و إنما مجرد تدبير وقائي أو عالجي ‪ ،‬أو التخلص منه بالنفي عند‬
‫تعذر العالج أو اإلصالح‪.‬‬

‫ج‪ -‬العيوب و اإلنتقادات املوجهة لنظرية ملبروزو‪:‬‬


‫‪ -‬الوقوع فى خطأ التعميم و قصور الجانب اإلحصائي ‪ ،‬ذلك أن األبحاث التي قام بها لم تجري على عدد كاف‬
‫من املجرمين حتى يتم التعميم بشأنها و اعتمادها كنظرية علمية ثابتة‪.‬‬
‫‪ -‬عدم استعماله املجموعة الضابطة من أجل املقارنة و التأكد من وجود هذه الصفات و خصائص االنحالل‬
‫عند اإلنسان غير املجرم ‪ ،‬فقد يتصف األسوياء بهذه الصفات لكنهم ال يرتكبون السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -‬تشبيه املجرم باإلنسان البدائي ال يستند على أسس متينة ذلك أن علم األنتروبولوجيا الزال يبحث ويجمع‬
‫املعلومات حول اإلنسان البدائي‪.‬‬
‫‪ -‬قصور في اإلحصاء ‪ ،‬و جهل قوانين الوراثة ‪ ،‬و املبالغة في إظهار العيوب الجسدية‪.‬‬
‫‪ -‬فكرة املجرم بامليالد أو بالفطرة ليست صحيحة على اإلطالق ألن الشخص ال يكون مجرما إال بعد ارتكاب‬
‫فعل يجرمه القانون و يعاقب عليه‪.....‬‬
‫‪ -‬فكرة حتمية الجريمة ال يمكن التسليم بها ألنها تمس بمبدأ الشرعية ‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك فكرة اعتبار املجرم مسير غير مخير فيه ضرب ملبادئ القانون الجنائي الذي يؤسس العقوبة على‬
‫مبدأ حرية االختيار‪.‬‬
‫‪ -‬أنه ال وجود لنمط إجرامي وفق الخصائص املميزة التي وصفها ‪ lombrozo‬و هذا ما توصل إليه العالم‬

‫‪37‬‬
‫اإلنجليزي شالز جورنج ‪ charles goring‬من خالل دراسة أجراها على ‪ 3‬آالف مسجون عائد انجليزي قارنها‬
‫بنفس العدد من غير املسجونين ‪ ،‬وقد دامت ‪ 12‬سنة وهذا يعني أنه ليس هناك عالقة بين السلوك اإلجرامي‬
‫و صفات التخلف و االنحالل العضوي أو الوظيفي ‪ ،‬و أن النتيجة املتوصل لها ‪ ،‬تكمن في عدم وجود فوارق‬
‫ملموسة بين املجرمين و غيرهم من الناس‪.‬‬
‫و على الرغم من هذه النتائج الحظ جورنج أن املجرمين يتميزون عن غيرهم بخاصية عامة تكمن في نقص‬
‫في الوزن والطول ‪ ،‬ويعتقد أنه دليل على انحطاط عام موروث يدفعه إلى اإلجرام‪.‬‬
‫كما توصل من خالل دراسته هذه أن هناك تشابه بين اآلباء و األبناء في السلوك اإلجرامي ‪ ،‬ومرد هذا‬
‫التشابه في نظره عوامل وراثية‪.‬‬
‫على هذا األساس حرص على تأكيد الوراثة في انتقال امليول اإلجرامي من السلف إلى الخلف ‪ ،‬مستبعدا أي‬
‫تأثير لعامل الوسط أو التقليد أو العوامل اإلجتماعية في ارتكاب السلوك اإلجرامي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬باقي رواد املدرسة الوضعية‪:‬‬


‫يعد ملبروزو من رواد هذه املدرسة كذلك ‪ ،‬مضمون نظريته هذه أن الجريمة ليست ذنبا وال شرا‬
‫اقترفه الجاني ‪ ،‬بل هي نتيجة لعدة عوامل متناثرة ذاتية و اجتماعية و تدخل املجتمع ال يكون على أساس‬
‫أخالقي و إنما على أساس دفاعي حيث يعمل املجتمع على الدفاع عن نفسه من الخطر‪.‬‬
‫ومن رواد هذه النظرية كذلك نجد إنريكو فيري ورفاييل غارونالو‪.‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة إلنريكو فيري واصل مابدأه ملبروزو من أبحاث في موضوع التأثير البيولوجي على السلوك اإلجرامي‬
‫‪ ،‬و أضاف عوامل أخرى ( سوف نتطرق إليها عند دراسة التحليل التكاملي ) واعتبرها أسبابا مؤثرة على‬
‫سلوك الشخص نحو اإلجرام و املتمثلة في العوامل السياسية و اإلجتماعية و اإلقتصادية ‪ ،‬و أفضت نتائج‬
‫بحوثه إلى تأسيس علم اإلجتماع الجنائي حيث يجمع بين األصول الطبيعية و اإلجتماعية في تفسير السلوك‬
‫اإلجرامي ‪ ،‬ويرى أن هناك الكثير من الدوافع املؤثرة على سلوك الشخص نحو ارتكاب الجريمة حدده كاآلتي‪:‬‬
‫عوامل أنثروبولوجيا‪ :‬ذات السمات و االستعدادات العضوية و العقلية‪.‬‬
‫الظروف الطبيعية‪ :‬كاملناخ و املوقع الجغرافي‪ ،‬درجة الحرارة‪ ،‬اختالف فصول السنة‪.‬‬
‫الظروف اإلجتماعية‪ :‬من ضمنها كثافة السكان‪ ،‬الوضع العائلي‪ ،‬األحوال السياسية‪ ،‬واملعتقدات الدينية‪.‬‬
‫‪ -2‬فيما يخص رفاييل غاروفالو‪ :‬يؤكد هو األخر نظرية ملبروزو فيما يخص الصفات اإلنحطاطية املتمثلة‬

‫‪38‬‬
‫في الصفات العضوية‪ ،‬النفسية‪ ،‬والعقلية التي يتميز بها املجرم ‪ ،‬حيث يرى أن املجرم هو شخص غير سوي‬
‫له شذوذ خلقي عقلي موروث يدفع إلى السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫وقد عمل رفاييل غاروفالو على تصنيف املجرمين والجرائم إلى أنواع عددها في اآلتي ‪:‬‬
‫املجرم القاتل؛‬
‫املجرم العنيف أو بالعنف؛‬
‫املجرم اللص؛‬
‫املجرم الشبقي الجنس ي ( الجرائم الجنسية )‪.‬‬
‫بالنسبة ألنواع الجرائم صنفها كاآلتي‪:‬‬
‫=) الجريمة الطبيعية‪ :‬وتمثل سلوكا شاذا عن سلوك املجتمع دون اعتبار لألخالق و القيم‪.‬‬
‫=) الجريمة املصطنعة‪ :‬أي تلك التي تترتب نتيجة النظام السياس ي و اإلجتماعي كالجرائم السياسية و‬
‫الجرائم اإلقتصادية‪.‬‬
‫وبهذا التحديد يميل غاروفالو إلى الفكرة اإلجتماعية للجريمة مستبعدا بذلك املفهوم القانوني‬
‫للجريمة‪ .‬كما يذهب إلى ضرورة التفريق بالعقاب تبعا لنوعية الجرائم املرتكبة كوجوب استئصال القتلة‬
‫ونفي مجرمي الجنس إلى املستعمرات‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬املدرسة التكوينية لهوتن ‪: Hooton‬‬


‫هو أستاد أمريكي ويعتبر من مؤكدي نظرية ملبروزو واقتنع بها وقام بأبحاث تؤكد على أن املجرم بالفطرة‬
‫وذلك من خالل كتابة " املجرم األمريكي "‪.‬‬
‫‪ -1‬مضمون النظرية‪:‬‬
‫حاول تجاوز اإلنتقادات التي وجهت للمبروزو بعد القيام بدراسة ‪ 14‬ألف مجرم وربع هذا العدد غير مجرمين‬
‫فتوصل إلى ما يأتي‪:‬‬
‫ان املجرمين أدنى عضويا من غير املجرمين وذلك باتصافهم بميزات موروثة أو مكتسبة أحيانا تتعلق إما‬
‫بشكل العينين ‪ ،‬األنف ‪ ،‬األدنين‪...‬أو بمقاييس هذه األعضاء ‪ ،‬وكما أقر أن الجريمة تكون نتاج تأثير البيئة‬
‫على اإلنسانية املنحطة( بها تشوه داخلي ‪ +‬خارجي )‪.‬‬
‫استنتج كذلك أن التركيب العضوي للمجرم يختلف باختالف نوعية الجرائم املرتكبة مثال القاتل يكون‬

‫‪39‬‬
‫أقرب إلى الطول والنحافة ‪ ،‬اللص يكون أقرب إلى القصر والنحافة ‪ ،‬جرائم الجنس يكون أقرب إلى الغليظ‬
‫القصير‪ (...‬تصنيف املجرمين حسب نوعية الجريمة )‪.‬‬

‫‪ - 2‬تقييم نظرية هوتون‪:‬‬


‫تعرضت نظريته إلى مجموعة من اإلنتقادات ندكر من بينها‪:‬‬
‫‪ -‬اقتصاره على عينة منتقاة من املجرمين(أي املسجونين ) والحال أنه ليس كل املجرمين مسجونين بل هناك‬
‫من هم في حالة فرار أو لم يكتشف أمرهم‪ ،‬أو حكموا بغرامة فقط‪ ،‬أو بعقوبة موقوفة التنفيد‪ ...‬الش يء‬
‫الذي يمنع من القيام بدراسة محددة ودقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬قصر تقسيم السلوك اإلجرامي على العوامل البيولوجية وأهمل العوامل اإلجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬رجع األسباب البيولوجية االنحطاطية الى الوراثة والحال أن هناك أسباب أخرى مكتسبة والتي قد تصيب‬
‫املجرم كمرض الزهري او السل‪ ...‬الذي قد يؤدي الى جسمانية أشد من أسباب الوراثة‪.‬‬
‫‪-‬أن القول باختالف أصناف املجرمين تبعا الختالف نوعية الجرائم أمر مردود عنه‪ ،‬ألن نسبة كبيرة من‬
‫السجناء هم في حلة عود ‪,‬اي ارتكبوا جرائم مخالفة للجرائم السابقة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التكيف االجتماعي ل كمبرج‪.‬‬
‫يعتبر كمبرج من رواد املدرسة التكوينية الحديثة‪ ،‬ويعد التكوين العضوي للشخص أساس نظريته‪ ،‬بحيث‬
‫تعتبر الشخصية اإلنسانية سبب ومصدر السلوك اإلجرامي نتيجة تفاعل وتصادم هذه الشخصية مع‬
‫العوامل البيئية واإلجتماعية الخاجية‪.‬‬
‫وبالتالي السلوك الجرامي هو نتاج عوامل‪ :‬عضوية‪,‬نفسية واجتماعية‪,‬ومفاد ذلك أن وجود الخلل العضوي‬
‫في حد ذاته ليس دافعا للسلوك اإلجرامي‪,‬بل البد من تفاعل هذا الخلل مع العوامل البيئية املحيطة لترتيب‬
‫السلوك املنحرف‪.‬‬
‫‪ :1‬مضمون نظرية كمبرج‪:‬‬
‫ركز العالم السويدي ألوف كمبرج في تفسيره للسلوك االجرامي على أساس فكرة عدم التكيف العضوي‬
‫والنفس ي للمجرم مع الوسط الخارجي ‪,‬فهو يرى أن أهم ما يميز التكوين العضوي هو عنصر املرونة والقدرة‬
‫على التكيف مع التغيرات التي تحدث سواء في الوسط الخارجي ‪-‬كالظروف الطبيعية واالجتماعية‪ -‬او الوسط‬
‫الداخلي ‪-‬كالعنصر الفسيولوجي والكم يائي املساهم في تغير مظاهر الحياة والتكوين التشريحي‪ -‬وتعتبر هذه‬
‫القابلية للتكيف أحد الشروط الضرورية لبقاء الفرد ودوام استمراره‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫فإذا لم تحصل هذه املرونة تنشأ حالة عدم التكيف اإلجتماعي واملتمثلة في عدم اإلنسجام بين العضو و بين‬
‫الوسط الذي يحيى فيه‪.‬‬
‫ويرتبط عدم التكيف اإلجتماعي في نظر كمبرج‪ ،‬بما يصيب البنيان العضوي للفرد الذي قد يتمثل إما في‬
‫انتفاء التكيف الجسماني أو النفس ي‪:‬‬
‫‪ -‬فيما يخص عدم التكيف الجسماني‪ :‬قد ينشأ عن عاهات وراثية أو تكوين س يء‪ ،‬او عدم انتظام وظيفي‬
‫للجسم ‪...‬‬
‫ينتج عنه فقد السمع او البصر او بقع على البشرة أو النطق املشوه أو العرج أو مرض مزمن كالتهاب‬
‫املفاصل‪ ،‬والحساسية‪..‬‬
‫‪ -‬فيما يخص التكيف النفس ي‪ :‬قد ينشأ عن شذوذ نفس ي او عصبي ‪,‬يتمثل في اضطراب التوازن العقلي‪،‬‬
‫الذي يترتب عنه الحساسية املفرطة والتوثر النفس ي‪..‬‬
‫فهذه األشكال العضوية والنفسية غير السليمة‪ ،‬تؤدي الى انعدام التكيف مع املحيط االجتماعي وبالتالي قد‬
‫تنتهي بالفرد الى ارتكاب السلوك االجرامي‪.‬‬
‫وبهذا نالحظ أن هذه النظرية ركزت على دراسة العوامل الفردية املتعلقة بالتكوين العضوي وكذلك العوامل‬
‫االجتماعية املتعلقة بالوسط االجتماعي‪ ,‬بحيث ربطت هذين العاملين لتفسير السلوك االجرامي لبعض‬
‫االفراد الذين اليسمح تكوينهم العضوي بالتكيف مع الوسط االجتماعي الذي يعيشون فيه‪.‬‬

‫‪ :2‬تقييم نظرية كمبرج‪:‬‬


‫يمكن تقييم نظرية كمبرج من خالل تسجيل نقطتين اثنين أحدهما ايجابية واألخرى سلبية‪:‬‬
‫فيما يخص النقطة االيجابية‪:‬‬
‫يعود الفضل لكمبرج من خالل نظريته"التكيف االجتماعي" في اهتمامه بدراسة كل من العوامل الفردية‬
‫املتعلقة بالتكوين العضوي للمجرم‪ ,‬وكذلك العوامل الخارجية املتعلقة بالوسط االجتماعي‪,‬وربطه بين هذين‬
‫النوعين من العوامل الفردية واالجتماعية ليخلص لنظرية فسر بها السلوك االجتماعي لبعض االفراد الذين‬
‫ال يسمح تكوينهم العضوي بالتكييف مع الوسط االجتماعي حولهم‪ ،‬وبالتالي إقدامهم على السلوك االجرامي‪.‬‬
‫فيما يخص النقطة السلبية‪:‬‬
‫رغم أهمية نظرية كمبرج إال أنه يعاب عليه من بعض الباحثين‪ ،‬أنه رجح العوامل الفردية‪ :‬عضوية كانت او‬

‫‪41‬‬
‫نفسية او عقلية‪ ،‬موروثة كانت او مكتسبة‪ ،‬على العوامل االجتماعية في ارتكاب السلوك االجرامي‪ .‬ويرى‬
‫هؤالء الباحثين أن العوامل الفردية اليمكنها وحدها تفسير السلوك اإلجرامي وإنما تضاف إلى جانبها عوامل‬
‫خارجية اليمكن إغفالها‪.‬‬

‫خامسا‪ /‬نظرية دي تيليو‪:‬‬


‫تعد نظرية تيليو من النظريات البيولوجية الحديثة ‪،‬فقد اهتم دي تيليو بالتكوين العضوي إال انه تميز عن‬
‫لومبروزو في كونه لم يفعل العوامل البيئية الخارجية‪ .‬واثارها على السلوك اإلجرامي ‪.‬‬
‫‪ -1‬مضمون نظرية دي تيليو ‪:‬‬
‫تقوم نظرية دي تيليو على اإلستعداد اإلجرامي انطالقا من نظرية ملروزو القائمة على فكرة النمط البيولوجي‬
‫ويرى ان الجريمة سلوك فرديبيولوجي اجتماعي بسبب الدوافع العريزية للمؤثرات الخارجية بمعنى أن‬
‫لإلنسان تكوين نفس ي وآخر عقلي ثم تكوين عصبي وأخيرا تكوين إجرامي وهذا األخير إذا ما صادف‬
‫مؤثرا يوقده فإن غريزة الفرد تنطلق دون تراجع مما يجعل الفرد يرتكب الفعل اإلجرامي لتحقيق رغبة هذه‬
‫الغريزة الكامنة‪.‬‬
‫ويضيف دي تيليو أن االستعداد اإلجرامي ال يكون عند جميع الناس‪ ،‬بل هو عبارة عن مرض يتمكن من‬
‫الجسم إذا لم يلقى عالجا ومقاومة‪ ،‬ويتميز املجرمون عنده عن غيرهم من حيث‪:‬‬
‫‪ -‬أعضاء الجسم الظاهرة (يسير مسار ملبروزو) فهم مصابون بعيوب جسمية تنتشر بينهم بنسبة اكبر من‬
‫غيرهم من األسوياء‪.‬‬
‫‪ -‬وظائف األعضاء الداخلية‪ ،‬بحكم تكوينهم تكون عندهم في هذه األعضاء عيوب في افرازات الغدد وخاصة‬
‫الغدة الدرقية ‪،‬وخلل في الجهاز العصبي والجهاز البولي ‪.‬كما تظهر عليهم بعض األمراض كالزهري والسل‪.‬‬
‫‪ -‬من الناحية النفسية يتميزون بالشذوذ في الجانب الغريزي كغريزة للتملك (وتظهر في جرائم‬
‫األموال)بالشذوذ في غريزة البقاء (وتظهر في جرائم القتل)‪،‬الشذوذ في الغريزة الجنسية (وتظهر في كافة‬
‫أشكال الجرائم الجنسية)‪.‬‬
‫وانطالقا من نظريته قام دي تيليو بتصنيف املجرمين إلى طائفتين‪ ،‬طائفة املجرمين بالتكوين وطائفة‬
‫املجرمين العرضين أو بالصدفة‪.‬‬
‫الطائفة األولى‪ :‬يتميزون بتكوين إجرامي أصيل وهم أربعة أنواع‪:‬‬
‫‪ +‬املجرمون بالتكوين الشائعين‪ :‬يتميزون بخصائص بيولوجية ونفسية ومور فولوجية معينة ‪،‬من اهم‬
‫‪42‬‬
‫األسباب التي تدفعم إلرتكاب ‪،‬الجرائم الحقد والحسد والبخل والغضب والبعالة والتهور‪ ،‬وهم قابلون اإلثارة‬
‫ومبالون للسفه والعنف ويرتكبون اخطر الجرائم في اسرار‪.‬‬
‫‪ +‬املجرمون بالتكوين ذوو االتجاه التطوري الناقص‪ :‬هو الشخص الذي يكون له نمو وتطور ضعيف في‬
‫الصفات الجسمية(تشبه املجرم بامليالد)والصفات الروحية (ضعيفو الفهم والتحليل)‪ ،‬وهذه الصفات ترجع‬
‫إلى أسباب وراثية أو مكتسبة‪ .‬ويكون استعدادهم اإلجرامي قوي‪ ،‬ويرتكبون جرائم اللصوصية واالعتداء على‬
‫الغير بشراسة‪.‬‬
‫‪ +‬املجرمون السيكوباتيون‪ :‬السيكوباتية هي اضطراب أو مرض خطير من أمراض الشخصية يستقل على‬
‫األمراض العقلية والنفسية‪.‬‬
‫وتتلخص أهم املظاهر والسمات األساسية للسلوك السيكرباتي في ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬السيكوباتي املجنون معنويا يتحمل شخصية غير ناضجة وغير سوية وتتوفر فيه القوة الدافعة لإلجرام‪.‬‬
‫‪ -‬املستوي الذهني للسيكوباتي غالبا مايكون عاديا وفوق املتوسط وبخصوص درجة ذكائه تصنف تصرفاته‬
‫وانفعاالته وسطا بين جرائم الذكاء (النصب وسرقة البنوك) وجرائم الغباء (الضرب‪ ،‬إتالف ملك الغير‪،‬‬
‫إضرام النار)‬
‫‪ -‬هيمنة مبدأ اللذة على حياتهم‪ ،‬اندفاعيون ويبشرون بالحاجة امللحة إلرضاء رغباتهم ولو على حساب‬
‫صحتهم وعقلهم وحتى روابطهم األسرية‪.‬‬
‫‪ -‬ال يتاثرون بوسائل العقاب بل يزيد العقاب على اضطرابهم و يعودون إلى اإلجرام على نحو أخطر دون‬
‫خوف‪.‬‬
‫* املجرم املجنون‪ :‬هناك نوعان من الجنون‪ ،‬الجنون بسبب عدم القدرة على اإلدراك و التمييز‪ :‬حيت يرجع‬
‫سلوكه اإلجرامي إلى إصابته بمرض عقلي‪ .‬والجنون بسبب االستعداد و التكوين اإلجرامي‪ :‬حيت يرجع سبب‬
‫إجرامه إلى تكوينه اإلجرامي على أن شفاء هذا املجرم من جنونه ال يحول دون العودة لإلجرام ألن االستعداد‬
‫لإلجرام موجود بتكوينه ‪.‬‬
‫* املجنون املجرم‪ :‬ليس له تكوين إجرامي ‪،‬و إجرامه سببه جنونه ‪.‬‬

‫الطائفة الثانية‪ :‬املجرمون العرضيون أو بالصدفة‬


‫املجرم العرض ي او بالصدفة هو الدي تتوفر لديه القوة الدافعة للجريمة و القوة املانعة منها غير ان التوازن‬
‫بينهما قد يختلف بسبب عيب عضوي أو نفس ي يصادف عامال خارجيا يزيد من القوة الدافعة ويضعف من‬
‫‪43‬‬
‫القوة املانعة ‪،‬لكن سرعان ما يعود التوازن بزوال العامل الخارجي ويمكن التقسيم إلى ثالت أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬املجرم بالصدفة املحض‪ :‬هو الدي يرتكب أفعال قليلة األهمية تحت دوافع استثنائية فهو يفتقر إلى‬
‫القوة الكافية على تحمل اإلحباط و اتخاذ األنماط السلوكية السوية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الجرم بالصدفة‪ :‬هو الذي يرجع إجرامه إلى ظروف البيئة غير املالئمة وإلى عادات اجتماعية فاسدة‬
‫بحيت يعيش تحت تأثير ضغط تقاليد و عادات التي تحكم العالقات اإلنسانية من أمتلة هذه الجرائم األخد‬
‫بالثأر و جرائم الدفاع عن الشرف ‪.‬‬
‫ج‪ -‬املجرم العرض ي العاطفي‪ :‬هو الذي يرتكب الجريمة تحت تأثير حالة اندفاعية و عاطفية وهذا السلوك‬
‫مرتبط بوظائف األعضاء لدى األشخاص العاطفيين‪.‬‬

‫‪/2‬تقييم نضرية دي تيليو ‪:ditilio‬‬


‫يمكن القول أن نظرية دي تيليو لها بعض املمي زات عن النظريات السابقة ‪،‬لكنها وعلى الرغم من ذلك‬
‫تعرضت ملجموعة من االنتقادات‪.‬‬
‫أ‪ -‬املميزات‪:‬‬
‫‪ -‬أخده بالعوامل النفسية وبيان دور التكوين النفس ي للفرد في إنتاج السلوك اإلجرامي‬
‫‪ -‬أخده كدلك بالعوامل االجتماعية وجعلها أساسا لتفسير اإلجرام العرض ي‬
‫وبهده املميزات يكون دي تيليو قد سد فراغا كبيرا في النضرية اللمبروزية دون التنكر ألصولها العلمية‬
‫وملنهجها البحثي القائم على أساس تفسير الضاهرة اإلجرامية باملجرم ال الجريمة‪.‬‬
‫ب‪ -‬االنتقادات‪:‬‬
‫تتفق االنتقادات املوجهة إلى دي تيليو بأن نظريته جاءت قاصرة على مجموعة من الجوانب‪:‬‬
‫‪ -‬يرجع اإلجرام إلى تكوين العضوي أو االستعداد اإلجرامي كما أسماء‪ ،‬والحقيقة أنه مهما حاول الخروج من‬
‫دائرة التحليل االنتربولوجي وإعطائها بعدا اجتماعيا ونفسيا إال أنه مازال يفسر الضاهرة اإلجرامية تفسيرا‬
‫عضويا ويردها إلى التكوين البيولوجي والعقلي والعصبي‪.‬‬
‫‪ -‬جنح إلى االسراف عند ربطه بين السلوك اإلجرامي وبين فكرة التكوين اإلجرامي‪ ،‬ويتجلى هدا اإلسراف‬
‫بالنسبة لفئة املجرمين العرضين‪ ،‬والحال أن إجرام هذه الفئة ال يستند إلى التكوين العضوي بقدر استناده‬
‫إلى عوامل نفيسة أو إجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد مذهب التفسير النفس ي الفيزيولوجية لتعميم تفسير الضاهرة اإلجرامية‪ ،‬والحال أنه ليس كل‬
‫‪44‬‬
‫سلوك إجرامي راجع للخلل في الجانب العاطفي‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬االتجاه النفس ي في تفسيرالضاهرة اإلجرامية‬
‫حاول اإلتجاه النفس ي تجاوز االنتقادات التي وجهت للنضريات البيولوجية التقليدية‪ ،‬والتي ركزت في تفسير‬
‫الجريمة على العامل البيولوجي واعتبار العوامل النفسية واالجتماعية عوامل تابعة‪.‬‬
‫في حين نجد االتجاه النفس ي‪ ،‬والدي يعد األكثر تعقيدا لدراسته النفس البشرية وماتكنه من غموض‬
‫وتعقيد‪ ،‬يرجع الجريمة إلى العامل النفس ي باألساس‪ ،‬وتغليب دور الغرائز واالنفعاالت في تفسير السلوك‬
‫اإلجرامي ‪.‬‬
‫قبل الوقوف على مضمون هدا اإلتجاه‪ ،‬والنضريات التي قيلت فيه‪ ،‬ونرى أن نتطرق أوال للمفهوم النفس ي‬
‫للجريمة واملجرم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املفهوم النفس ي للجريمة واملجرم‪.‬‬
‫‪-1‬املفهوم النفس ي للجريمة‪:‬‬
‫الجريمة من وجهة نظر علم النفس "هي تعبير عن طاقة انفعالية لم تجد لها مخرج اجتماعيا؛ فأدت إلى‬
‫سلوك ال يتفق واألوضاع التي يسمح بها املجتمع"‬
‫أما فرويد فيرى أن الجريمة هي تعبير عن الطاقة الغريزية التي لم تجد لها مخرجا اجتماعيا مقبوال‪.‬مما حدا‬
‫بها إلى البحث عن مخرج غالبا مايكون غير مقبول اجتماعيا‪.‬‬
‫ويرى ألفريد أدلر الجريمة الجريمة مثل املرض النفس ي تأتي نتيجة للصراعات بين غريزة الذات‪ -‬أي النزعة‬
‫للتفوق‪ -‬وبين الشعور اإلجتماعي‪ ،‬في حين يرى الكسندر أن السلوك اإلجرامي يكون نتيجة إضطراب في‬
‫مكونات الشخصية الثالث في تكييفها مع منضومة األخالق واملعايير السادة في املجتمع‪.‬‬
‫بينما يرى(ديبري ‪ dupre‬أن الجريمة تعود إلى انجراف في الغرائز األساسية عند اإلنسان‪.‬‬
‫فحسب منضوره محركات السلوك البشري تنقسم إلى ثالث غراءز وهي‪:‬‬
‫* غريزة التكاثر‪،‬‬
‫* غريزة املجتمع‪،‬‬
‫* وغريزة املحافضة على الجنس‪،‬‬
‫وهذه الغرائز تكون معرضة لإلنحراف نتيجة املبالغة في واحدة من الغرائز أو النقص الشاذ فيها‪ ،‬وهذه‬
‫العوارض هي املسؤولة عن الجريمة أو السلوك اإلجرامي ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ونخلص من املفاهيم أعاله‪ ،‬أن علم النفس وعلى عكس علم االجتماع ركز على الشخص املجرم‪ ،‬وتوصل إلى‬
‫أن سلوكه اإلجرامي ناتج عن خلل في شخصيته‪.‬‬
‫‪ -2‬املفهوم النفس ي للمجرم‪:‬‬
‫انطالقا من املفهوم النفس ي للسلوك اإلجرامي‪ ،‬والذي يرى أنه سلوك متعمد وغير مشروع‪ ،‬يصدر عن‬
‫مضاهر نفسية‪ ،‬تكمن في اعراض الكبت واالضطراب الداخلي‪ ،‬من أجل إشباع رغبات واحتياجات الفاعل‪،‬‬
‫فإن املجرم من املنضور النفس ي‪ ،‬هو ذلك الشخص الذي يعاني خلل من التوفيق بين غراءزه وميوله‬
‫الفطرية‪ ،‬وبين مقتضيات ومعايير املحيط والوسط الخارجي الذي يعيش فيه‪.‬‬
‫وملا كانت الجريمة صورة من صور النشاط النفس ي‪ ،‬فإن هذا النشاط إما أن يكون عادي أو مرض ي أو شاذ‬
‫صادر عن املجرم‪ .‬بهدا التصنيف تناولت النضرية النفسية السلوك اإلجرامي‪ ،‬فإما أن يكون مرض نفس ي أو‬
‫إضطراب عقلي أو عبارة عن شذوذ نفس ي كما ذهبت إلى ذلك نضرية التحليل النفس ي عند فرويد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحليل النفس ي عند فرويد‬


‫تعد نظرية التحليل النفس ي لفرويد من أهم وأشهر النظريات النفسية‪ ،‬حيث ركز في تفسير السلوك‬
‫االجرامي على الجانب النفس ي للفرد‪ ،‬وذلك ألن الصراع الذي يحدث بين مكونات الشخصية يؤدي إلى‬
‫اختالفها‪.‬فالشخصية او النفس من وجهة نظر فرويد هي مضمون نظرية التحليل النفس ي‪ ,‬حيث قسمها الى‬
‫ثالثة أقسام‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أقسام النفس عند فرويد‬
‫إن الدراسة البيولوجية التقليدية ركزت في دراستها لعوامل اإلجرام على التكوين العضوي فقط عند‬
‫اإلنسان‪,‬لكن املدرسة البيولوجية الحديثة ركزت على البحث عن مظاهر اإلجرام في النفس البشرية اعتمادا‬
‫على التحليل النفس ي‪ ،‬ويعد سيغموند فرويد رائد ثورة التحليل النفس ي ‪1939 /1856‬‬
‫وعلى هذا األساس قسم فرويد النفس البشرية بحسب وظائفها الى ثالث أقسام‪:‬‬
‫‪ :1‬الذات (الهو ‪ :)ça le‬هو ذلك الحيز من النفس الذي يعتبره فرويد مخزنا للسيول الفطرية والنزاعات‬
‫الغريزية واالستعدادات املوروثة‪ .‬ويستقر كل ذلك في الالشعور‪ ،‬والذات تتصرف الى اخراج هذه امليول‬
‫والرغبات الى الظاهر الواقع دون مباالة بالقيم واألخالق والتقاليد اإلجتماعية و على هذا األساس يمكن‬
‫اعتبار أن الذات تحتل ذلك الجانب الس يء من النفس أو النفس األمارة بالسوء‪.‬‬
‫‪ :2‬األنا (األنانية ‪ :)le moi‬تمثل النفس العاقلة التي تعمل على كبح جماح الذات‪ ،‬عاملة على اقامة انسجام‬
‫‪46‬‬
‫بين النزاعات الغريزية وما هو مقبول اجتماعيا حتى تعد سلوكا ترتضيه الجماعة لنفسها وترض ى عنها األنا‬
‫العليا فإذا لم تتمكن من ذلك عمدت الى تصعيد النشاط الغريزي او لكبته في الالشعور‪.‬ومن الوسائل‬
‫األخرى التى قد تلجأ إليها األنا للدفاع عن األخطار الداخلية او الخارجية مثال‪:‬‬
‫‪-‬النكوص‪ :‬وهو االرتداد الى عهد الطفولة‪ ،‬فاليافع الذي يبلل فراشه يكون قد عاد الى عهد الطفولة‪.‬‬

‫اإلسقاط‪ :‬أي رمي املشاعر واملخاوف الداخلية على اآلخرين معتقدا أن القلق الذي يعاني منه األنا ناجم عن‬
‫الخارج‪.‬‬

‫‪ -‬العزل‪ :‬وهو نوع من االحتماء بالقلق عوض املواجهة‪ ،‬انسحاب األنا في املواقف الحرجة والصعبة لتجنب‬
‫اآلالم الناتجة عن املواجهة واالحتم اء بالقلق او املرض يجعل هذا األخير ينتقل من الش يء املخيف بذاته الى‬
‫ش يء آخر‪.‬‬
‫التماهي‪ :‬وهي أن يحاكي شخصية ما‪ ،‬كمحاكاة االب أو االبطال أو أحد أفراد العائلة‪،‬حين يأخده كمثله‬
‫األعلى‪ .‬ويقع التماهي على الشخصية بأكملها على عكس التقليد الذي ينحصر في بعض األعمال املحسوسة‪.‬‬
‫التسامي‪ :‬وهو أسمى انواع الدفاع حيث يحقق نمو األنا بكاملها ألن الطاقات الغريزية تنتقل من مستوى‬
‫أدنى الى مستوى رفيع‪،‬كتصعيد الغرائز في أنشطة فنية او ادبية او مايرجع بالنفع‪.‬‬
‫ويقول فرويد‪ ،‬أن التسامي ابعد مجموعة من العلماء و األدباء والفنانين عن طريق اإلنحراف واملرض‬
‫والعصاب‪ .‬فالتسامي أساسا للنجاح في الحياة‪.‬‬
‫‪-‬اإلرتداد العضوي‪ :‬اكتشفه فرويد أثناء دراسته للهستريا ذلك أن الصراعات النفسية والدوافع املكبوثة‬
‫تنفجر في الداخل وتظهر في اضطرابات عضوية كضعف الشهية‪.‬‬
‫‪ : 3‬األنا العليا)املثالية او الضمير(‪ :‬هي الجانب املثالي للنفس حيث توجد املبادئ السامية املستقاة من‬
‫التعليم‪ ،‬الدين‪ ،‬األخالق والقانون‪ .‬ويعرف هذا القسم بالضمير‪ ،‬والذي تتمثل مهمته في مراقبة األنا (أي‬
‫العقل)وكبحها وردعها‪ ،‬وكذلك مساءلتها عن اي تقصير في أداء وظيفتها التوجيهية للنزعات الفطرية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أثرالتحليل النفس ي الفرويدي على الجريمة‪.‬‬


‫يفسر فرويد الجريمة فيرجعها إما لعجز األنا عن تكييف ونزعات الذات مع متطلبات القيم والتقاليد او عن‬
‫تصعيد النشاط الغريزي او عن صده وكبته في الالشعور او لغياب األنا العليا او عجزها عن أداء وظيفتها في‬

‫‪47‬‬
‫الرقابة واملساءلة‪ .‬وعلى العموم فإن الذات تجد نفسها بدون رقيب فتنطلق لتشبع حاجتها بأي وسيلة بما في‬
‫ذلك السلوك االجرامي‪ .‬فالغريزة الجنسية مثال‪ ،‬في مرحلة من مراحل العمر يجدها الطفل في أحد والديه)‬
‫يحب الطفل أمه وتحب الطفلة والدها)‪.‬‬
‫فهذه املنافسة في امليل العاطفي سماها فرويد "عقدة أوديب" ‪،‬فإذا لم تتمكن األنا من تكييف هذا الصراع‬
‫مع القيم السائدة في املجتمع فإنه قد يؤدي بالطفل الى سلوك طريق الجريمة‪.‬‬
‫تعرض فرويد لعقدة الذنب التي تتولد لدى الفرد بسبب ضعف او انعدام األنا العليا لديه وعدم استطاعة‬
‫األنا كبح الرغبات الفطرية‪ ،‬وفي لحظة قد تستيقظ لديه القيم واملثل العليا وبالتالي ينشأ لديه الشعور‬
‫بالذنب ويظل هذا الذنب لصيقا به مادام لم ينل جزاء فعلته ويبقى على هذا الحال لدرجة قد تدفعه‬
‫الرتكاب الجريمة أمال في العقاب ليتحرر من عقدة الذنب‪.‬‬
‫تقييم النظرية‪:‬‬
‫وتعتبر نظرية فرويد قفزة نوعية نحو البحث في أسباب السلوك االجرامي حيث تسلط الضوء على جوانب‬
‫الشخصية اإلنسانية من خالل التحليل النفس ي‪ .‬إال ان هذه النظرية تعرضت للنقاش حيث يؤخد عليها‬
‫انعدام وجود صلة حتمية بين الخلل النفس ي والجريمة‪.‬‬
‫كما ان هذه النظرية تستعص ي على االثبات العلمي لتعلقها بعناصر غير قابلة للمالحظة والقياس‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬املدرسة النفسية الو اقعية‪.‬‬


‫رائدهم العالم البلجيكي دي كريف ‪ ،De Greef‬انطلق من االنتقادات التي وجهت ملدرسة التحليل النفس ي‬
‫لفرويد‪.‬‬
‫يرى دي كريف ان الجريمة ليس فقط مظهر من مظاهر الشخصية‪ ،‬وانما هي لحظة عنف وقطع في اطار‬
‫اشكالية تبادلية‪ .‬ويمكن ان تكون هذه اللحظة‪ ،‬خطيرة و مرضية‪ ،‬عندما يشعر املجرم انه مرفوض وغير‬
‫معترف به‪.‬‬
‫مفاد ذلك‪:‬‬
‫• أن الجريمة نتاج مواقف ذهنية سلبية‪ ،‬لشعور املجرم بأنه غير مرغوب فيه‪.‬‬
‫• وهذا الشعور يدفعه الى اغالق ذهنه عن األشياء الجميلة‪ ،‬والعيش في سراديب مظلمة من التفكير السلبي‬
‫وهذا يدفعه الى االنتقام من االخر الذي يرفضه‪.‬‬
‫فما هو مضمون النضرية وكيف تم تقييمها؟‬
‫‪48‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مضمون نظرية دي كريف النفسيةالو اقعية‪:‬‬
‫تقوم نظرية دي كريف على مجموعة من املعطيات أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬التأكيد على ضرورة عدم تهميش عامل التكوين العضوي‪،‬وذلك لتأثيره الواضح على السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -‬كما يركز دي كريف على عامل التكوين النفس ي للفرد‪.‬‬
‫‪ -‬فالسلوك اإلجرامي عند دي كريف يقوم بعاملين إثنين ‪:‬‬
‫‪/1‬عامل التكوين العضوي‪.‬‬
‫‪/2‬عامل التوازن النفس ي‪.‬‬
‫ولفهم السلوك اإلجرامي في نظر دي كريف‪ ،‬يجب دراسة درجةتوافق الفرد مع كل من مكونات الجانب‬
‫الشعوري والالشعوري‪ ،‬وعامل البيئة املحيط به‪.‬‬
‫وبهذا تجمع نظرية دي كريف بين‪:‬‬
‫النظرية التكوينية والنظرية النفسية‪ ،‬وبذلك يطلق عليها اسم النظرية النفسية الفيزيولوجية‪.‬‬
‫ويلتقي دي كريف مع منظور فرويد‪ ،‬في كونه يعتبر املجرم مجرد أداة مسخرة من طرف الالشعور‪ ،‬الذي‬
‫تعودأسباب تكونه إلى الطفولة‪ :‬كتكون اإلحساس بالظلم‪ ،‬واإلحساس بانعدام العدالة‪ ،‬ويعد هذا اإلحساس‬
‫عامل للسلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫ومفاد ذلك أن املجرم شخص مرض أو شاذ إما عضويا أو نفسيا أو هما معا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقييم نضرية دي كريف‪:‬‬


‫عرف هذا التحليل نفس االنتقادات التي وجهت للتحليل العضوي والنفس ي ‪-‬يجب الرجوع إليها ‪-‬‬
‫ولهذا السبب نجذ بعض الدراسات األخرى قد أخدت بتفسيرات مختلفة‪ ،‬تقوم على أساس إعتبار الجريمة‬
‫بمثابة سلوك فردي وضاهرة إجتماعية في الوقت نفسه‪.‬‬
‫وقد توصلت هده الدراسات ملا يأتي‪:‬‬
‫ال يمكن تفسير السلوك اإلجرامي العضوي والنفس ي‪،‬ألنه لو كان سبب السلوك اإلجرامي يتحدد في الخلل أو‬
‫املرض فما الفائدة من عن سبب اإلجرام الذي ليس ش يء أخر غير املرض نفسه‪.‬‬
‫وعليه وحسب منضور هده الدراسات فإنها تنطلق مما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن البحث عن أسباب السلوك اإلجرامي‪ ،‬يجب أن يقتصر على املجرمين الحقيقين‪ ،‬أي األسوياء دون‬
‫املرض ى‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ -2‬أن سبب إجرام هؤالء هو العقلية الالجتماعية‪ ،‬وعدم التأقلم اإلجتماعي ‪،‬مما يؤدي إلى اضطرابات‬
‫عصبية ونفسية تؤدي إلى السلوك اإلجرامي‬
‫أن هذا التوجه ال تعتبر الضاهرة اإلجرامية ضاهرة مرضية‪ ،‬بل يرى أن املجرم شخص سوي ‪.‬‬
‫تقييم هذه الدراسات‪:‬‬
‫• يعاب على هذا التوجه‪ ،‬بناء تفسير للسلوك اإلجرامي على معطيات غير قابلة للتحديد حيث يرجع سبب‬
‫السلوك اإلجرامي إلى العقلية الالجتماعية‪ ،‬دون بيان الكيفية التي نشأت بها هذه العقلية‪.‬‬
‫• كما يعاب عليه إعطاؤه دور كبير للعامل النفس ي‪ ،‬على حساب العوامل األخرى‪ ،‬وذلك عندما أرجع سبب‬
‫هذه العقلية "أي الالجتماعية وغير املتأقلمة " إلى عامل نفس ي‪ ،‬وأيضا إلى طبيعة التكوين العضوي‪ ،‬إضافة‬
‫إلى البيئة االجتماعية مع إعطاء أولوية للعامل النفس ي ‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬التحليل اإلجتماعي للضاهرة اإلجرامية‪:‬‬
‫كانت بدايات التفسير االجتماعي للضاهرة اإلجرامية‪ ،‬على يد مجموعة من الرواد من بينهم نذكر‪:‬‬
‫• إنريكو فيري اإليطالي‪ ،‬الذي أعتبر الجريمة نتيجة عوامل‪:‬‬
‫داخلية وخارجية‪ ،‬مع ترجيح الخارجية واملقصود بها في نضره الضروف البيئية واإلجتماعية‪.‬‬
‫• دور كهايم‪ :‬الذي لعب دور كبير في إرساء املحاوالت األولى للتحليل اإلجتماعي للضاهرة اإلجرامية‪ .‬حيث يرى‬
‫أن الجريمة تعتبر مضهر من مضاهر عدم التوافق والتكييف بين الفرد واملجتمع‪.‬‬
‫•جابريال تاود الذي واصل هذه املحاوالت‪ ،‬من خالل وضعه ملا أسماءه بقانون التقليد‪ ،‬حيث يرى أن املجرم‬
‫إنما يقلد في سلوكه املجرمين اآلخرين‪.‬‬
‫وعلى العموم ظهرت اتجاهات علمية إجتماعية عديدة ومتنوعة‪ ،‬قاسمها املشترك هو العامل اإلجتماعي‪.‬‬
‫حيث بحث رواد هذه املدرسة‪-‬املدرسة اإلجتماعية ‪ -‬أو هذا اإلتجاه‪ ،‬في الجريمة كظاهرة إجتماعية وليس‬
‫كفكرة ثانوية‪ ،‬كما يذهب رواد هذا اإلتجاه إلى كل العوامل واألسباب اإلجتماعية املباشرة وغير املباشرة‬
‫املؤدية إلى السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫وتأسيسا على ذلك ظهرت عدة نظريات في هذا املجال من أهمها‪:‬‬
‫‪ -2‬نظرية التفكك االجتماعي‬ ‫‪ -1‬نظرية تصارع الثقافات‪.‬‬

‫‪ -3‬نظرية املخالطة املتفاوتة‪.‬‬


‫أوال‪ :‬نظرية تصارع الثقافات‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫تتكون كل ثقافة من عدة عناصر‪ ،‬كالروافد‪ ،‬واألنماط‪ ،‬واألساليب الثقافية‪ ،‬فالصراع بين الثقافين يعني‬
‫اصطدام بين عناصرها ويأخذ هذا الصراع صورا عديدة‪.‬‬
‫ويرى رواد هذه النظ رية أن فكرة الصراع الثقافي عامل أساس ي من عوامل السلوك اإلجرامي والسؤال‬
‫املطروح هو كيف يسوق أو يدفع الفرد إلى ارتكاب الفعل اإلجرامي؟‬
‫سنحاول االجابة على هذا السؤال من خالل تفصيل هذه الصراعات وتقسيمها إلى صراع داخلي وآخر‬
‫خارجي‪.‬‬

‫‪ )I‬الصراع الثقافي الداخلي‪(:‬في مجتمع واحد)‬


‫هو الذي يقع نتيجة اصطدام مختلف االتجاهات والقيم اإلجتماعية داخل املجتمع الواحد تبعا الختالف‬
‫األعراف والعادات والتقاليد‪ ،‬وقد يتعلق األمر ببعض الجماعات التي تحتفض ببعض العادات والتقاليد‬
‫والقيم املعارضة ملا عليها ألغلبية ‪ ،‬أو يتعلق األمر ببعض الجماعات العرفية أو الطبقية أو العنصرية لها‬
‫أنماط ثقافية من السلوك اإلجرامي تختلف مع الق وانين السائدة خاصة بجرائم معينة‪ ،‬وهذه األشكال الغير‬
‫مشروعة من السلوك اإلجرامي ناتجة عن ثقافات فرعية تمارس ضغوطا في اتجاه االنحراف عن معايير‬
‫القانون الجنائي‪.‬‬
‫وصورة هذا السلوك تتجلى في قبيلة بها مانس ي الهندية املعروفة بإحتراف الجرائم اللصوصية في القطارات‬
‫والحافالت وحتى في املعابد‪...‬وقد قد تربو على هذا منذ نشأتهم‪.‬‬
‫وقد يتخذ الصراع شكل الثورة على القانون الجنائي بدعوى أنه أصبح بالي و متجاوز وغير مناسب للحياة‬
‫اإلجتماعية وتطورها‪ .‬ويستمر هذا الصراع إال أن يتدخل املشرع إللغاء بعض هذه القواعد املتجاوز هذا‬
‫ماقال به ‪" :‬دوركهايم" بأن الجرعة تساهم في تطور املجتمع من حيث أن املجرم القانوني يثور على القيم‬
‫البالية و يساعد على ظهور قيم جديدة‪.‬‬
‫‪ -1‬أشكال الصراع الداخلي‪ :‬يمكن تقسيم الصراع الداخلي من حيث الشكل إلى شكلين‪.‬‬
‫‪-‬صراع أولي ‪ :‬هو صراع ينشأ عندما تتضارب ثقافتان مختلفتان تتحكمان في سلوك الشخص ‪ :‬مثاله‪،‬‬
‫إنتقلت أسرة من األسرة البدائية (تعيش على أعراف وتقاليد متوارثة) إلى مدينة نيويورك ‪ ،‬فتحرش أحد‬
‫األشخاص على بناته فقام األب يقتل هذا الشخص لينتقم لشرف األسرة‪ ،‬فتم إعتقاله وإدانته بجريمة‬
‫القتل‪،‬لكنه لم يفهم سبب إعتقاله وإدانته ألن الفعل الذي قام به ال يشكل فعال إجراميا بنسبة لثقافته‬
‫األصلية‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫صراع ثانوي‪ :‬هو ما يطلق عليه الثقافة الخاصة أو الفرعية أي الثقافات األصغر التي توجد داخلة الثقافة‬
‫األكبر وإنطالقا من ذلك فإن الثقافة الفرعية قد تنظر إلى البغاء‪ ،‬السكر‪ ،‬القمار؛ على أنه سلوك عادي‬
‫ومشروع في حين تجرمه الثقافة األكبر ‪ .‬وبالتالي يعرضهم ذلك لإلدانة‪.‬‬
‫‪-2‬مظاهرالصراع الداخلي‪:‬‬
‫تتعدد هذه املضاهر وتختلف من بلد آلخر ‪ ،‬وذلك بحسب البنية التاريخية والحضارية‪ .‬ومن بين هذه‬
‫املظاهر نذكر ‪:‬‬
‫صراع العرف والتشريع‪ :‬يعد العرف نابعا من صميم الجماعة‪ ،‬وإستقر في نفوس أفرادها من خالل تكراره‬
‫وإتجاه شعور الجماعة بإلزاميته حيث يوقع الجزاء على من يخالفه بالنبذ و التشهير‪.‬‬
‫ويعرف البعض بأنه املصدر األصيل للقانون بل يتفوق عل التشريع من حيث تشبعه مما يؤهله لتنضيم‬
‫التفاصيل الجماعة‪.‬‬
‫من هذا املنطلق نجذ بعض الجماعات ال تأبه بالتشريع إذا تعارض مع العرف في جميع مجاالت‬
‫القانون‪:‬مدني‪،‬تجاري‪ ،‬أحوال شخصية‪ ،‬بل وحتى في املجال الجنائي ‪.‬ومن أمثلة ذلك األخذ بالثأر واالنتقام‬
‫للشرف‪.‬‬
‫أ‪ -‬األخذ بالثأر‪:‬‬
‫يمثل باألخذ بالثأر مسألة الصراع بين العرف والتشريع‪ ،‬فهذا النمط الثقافي اإلجباري املتجذر في بعض‬
‫املناطق (خاصة الريف املصري ) يعتبر من أسوء التقاليد التي تزعزع كيان املجتمع وتستهين بضميره بما في‬
‫ذلك الدولة‪،‬القضاء‪ ،‬التشريع‪ ،‬فالذي يكلف باألخذ بالثأر ال يهمه في األمر شيئا غير تنفيذ مهمته‪.‬‬
‫ويرتكز األخذ بالثأر على ثالث أسس‪:‬‬
‫األساس األول‪ :‬رابطة الدم حيث تتميز املجتمعات الثأرية‪ ،‬باإلرتباط الوثيق بصلة القرابة حيث تكون لها‬
‫أصول عشائرية على اعتبار أن القبيلة تتكون من أقارب وال يسمح ألحد التعدي على فرد منهم‪ ،‬وإذا فعل‬
‫مآله القصاص ثأرا‪.‬‬
‫األساس الثاني‪ :‬رابطة املكان‪ ،‬حيث هذه املجتمعات كذلك باإلرتباط القوي باألرض والعزلة اإلجتماعية‬
‫واالقتصادية والسياسية‪ ،‬حيث تتصرف الجماعة كوحدة سياسية في تنضيم عالقتها مع الجماعات املماثلة‬
‫الش يء الذي يؤدي إلى ضعف األداة الحكومية‪.‬‬
‫األساس الثالث‪ :‬عدم وضوح التفاصيل اإلجتماعية واالقتصادية بين الجماعات املكونة لذلك املجتمع أي‬

‫‪52‬‬
‫أن هم من نوع املجتمع الذي أطلق عليه أحد العلماء األملانيين إسم "املجتمع املحلي ترتكز العالقات‬
‫اإلجتماعية فيه على املكانة واملرتبة "فالثأر هو عرف ونمط ثقافي إجباري مسيطر‪ ،‬وهو بذلك عمل مقبول‬
‫يعطي الحق في القتل لدى هذه املجتمعات‪.‬‬

‫ب‪ -‬اإلنتقام للشرف‬


‫الفاعل في هذه الجريمة ينوي القتل مع سبق اإلصرار والترصد‪،‬والجاني تربطه بالضحية عالقة قرابة قوية‬
‫فهو إما أخوها أو إبنها أو أبوها‪ ...‬إلى غير ذلك‪ ،‬والجاني عند ارتكابه للجريمة اليعامل كمجرم بل كبطل انتقم‬
‫لشرف األسرة أو القبيلة‪ ،‬وعندما يتابع قضائيا يلتمس األعذار املخففة(كالفصل ‪ 418‬من القانون الجنائي‬
‫املغربي )‬
‫‪ )II‬الصراع الثقافي الخارجي‪:‬‬
‫هو الدي يقع بين عدة ثقافات غير متجانسة من حيث قيامها وثقافتها ويكون نتيجة التصادم بين اتجاهات‬
‫ثقافية خارجية ويمكن إجمال مصادر الصراع الثقافي الخارجي في ثالث مصادر‪:‬‬
‫‪ -1‬االستعمار‪ :‬يفرض املستعمر هيمنته على بلد ما يحاول فرض أساليبه الثقافية على أفراد الشعب‬
‫املستعمر مما يجعل من بعض األنماط السلوكية املباحة جراءم تعاقب عليها قوانين املستعمر الش يء الذي‬
‫دفع بأفراد الشعب املستعمر إلى التمرد على هذه القوانين فيقع تصارع تكون نتائجه أفعال إجرامية‬
‫مثال‪ :‬بإمتداد القوانين السوفيتية إلى قبائل صربيا األمر الذي جعل بعض النساء يتركن الحجاب امتثاال لهذه‬
‫القوانين فتم قتلهن من طرف القبيلة‪.‬‬
‫فاملستعمر يعمل جاهدا إلبادة ثقافة البلد الذي استعمره‪ ،‬حتى ولو أدى األمر إلى استصدار قوانين جائرة في‬
‫هذا البلد‪.‬‬
‫‪-2‬الهجرة‪ :‬حينما يهاجر املشتركون في ثقافة ما إلى ثقافة أخرى‪،‬فإنه يمكن أن ينقلوا معهم سلوكيات تصدم‬
‫مع الثقافة التي يتلقوها فهذا االصطدام تتولد عنه بعض الجرائم‪.‬‬
‫والهجرة قد تكون داخلية من القرية إلى املدينة أو العكس‪ .‬وقد تكون إلى الخارج ألسباب أو ألخرى‪.‬‬
‫وقد تالقي ثقافة هذا املهاجر استجابة في البلد اآلخر كالعربي الذي يهاجر إلى بلد عربي‪ ،‬وقد تجد نفورا مما‬
‫يتطلب األمر وقتا طويال للتكيف مع ثقافة هذا البلد وأخيرا قد تصدم بثقافة يتولد عنها نزاع يؤدي إلى‬
‫سلوك إجرامي‪ .‬مثال‪:‬في فرنسا مثال تتم عملية املراقبة بشكل ذاتي ‪ autocontrôle‬لتذكرة القطار أو‬
‫الحافلة‪ ،‬ويقابل ذلك املغاربي الذي نشأ على ثقافة املراقبة مما سوف يؤدي إلى سلوك إجرامي تترتب عنه‬
‫‪53‬‬
‫غرامة مالية عند القيام باملراقبة‪ .‬ومثال آخر‪ :‬هناك بعض الدول التي تمنع الذبح في املنازل ويقوم بعض‬
‫املهاجرين املسلمين بالذبح في املنازل في عيد األضحى‪.‬‬
‫وقد يتعلق األمر بالتهجير (عكس الهجرة حيث يرغم شخصا على الهجرة ) كاإلنتقال السكان من أمكانهم‬
‫بقوة ‪ ،‬وقد يتسبب التهجير في اإلصطدامات مسلحة تكبد خسائر في األموال واألرواح‪.‬‬
‫‪-3‬الحدود‪ :‬وتعني بها الحدود السياسية والطبيعية التي تفصل بين أساليب ثقافية املتباينة‪ ،‬وتؤدي إال‬
‫تعارض سلوك األفراد املنتمين إليها ‪ ،‬كما تعني بالحدود هنا خطوط الفاصلة حيث نكون بصدد الثقافتين‬
‫مختلفتين خصوصا الدول املجاورة التي تختلف فيها مقومات الثقافة و باألخص ‪ ،‬الدين (مثال تركيا‬
‫واليابان) أو الفرق كما هو الشأن بالنسبة للمكسيك والواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نظرية املخالطة املتفاوتة ل سذرالند‬
‫من رواد هذه النظرية سذر الند الذي يري أن السلوك اإلجرامي يرجع إلى العوامل املؤثرة في الفرد التي‬
‫تدفعه إلى السلوك اإلجرامي حيث ترحجه على عدم إحترام القوانين ‪.‬‬
‫كما يرى أن السلوك اإلجرامي هو السلوك املكتسب وليس الوراثي ( عكس لومبروزو) ‪.‬ذلك بأنه يأتي نتيجة‬
‫الثأر بعوامل مختلفة‪،‬املترتبة عن اإلختالط بجماعات مختلفة‪ ،‬بمعنى أن الفرد يتأثر منذ نشأته ومرورا‬
‫بمراحل عمره بجميع املؤثرات املجتمعية التي قد تدفعه إلى إحترام القانون أو مخالفته‪.‬‬
‫وإنطالقا مما سبق فإن أساس السلوك اإلجرامي عند سذر الند في نضريته هذه هو التعلم ‪،‬فهو يرى أن‬
‫الصبي الذي يمتاز بنشاط هو روحه اإلجتماعية قد يندمج في جماعة إجرامية أسرع من السيكوباتي املنطوي‬
‫على نفسه‪ ،‬كما أن هذا الصبي قد يندمج بنفس املقدار بنشاط اإلجتماعي راقي يبتعد عن السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫وهكذا فإن إجرام تبعا لهذه النضرية ويزداد بنسبة تعرفه لعوامل السلوك اإلجرامي املختلفة‪ .‬ويعطي سذر‬
‫الند مثال لذلك بتفسير اإلختالف لنسبة اإلجرام بين األمم بالتباين في تنظيم اإلجتماعي ‪ ،‬مما يفسر تفش ي‬
‫ظاهرة اإلجرامية في املجتمعات الصناعية خاصة فيالواليااملتحدة األمريكية‪ .‬نتيجة الفردية وإنعدام‬
‫التجانس والتماسك وتصارع الثقافات ‪.‬‬
‫ومن أهم الجراءم املفتشية‪ ،‬إجرام رجال األعمال والذي يطلق عليه إجرام ذوي الياقات البيض والذهب‬
‫واالحتيال الضريبي والجمركي‪.‬‬
‫كما سذر الند بتطبيق هذه النظرية على الدول واملدن والجماعات ليفهم إنتشار الجريمة في أي منها وأطلق‬
‫على هذا التطبيق لنضريته التفكك اإلجتماعي الفارق‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ويمكن عرض هذا التطبيق كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬السلوك اإلجرامي سلوك مكتسب عن طريق التعلم‪ ،‬فهو ال يورث‪.‬‬
‫‪ -2‬يتم تعلم اإلجرام عن طريق اإلتصال املباشر‪ ،‬والتفاعل مع األشخاص املمارسين للجريمة‪ ،‬حيث تربطهم‬
‫عالقة وثيقة بهذا الفرد حين يكتسب املهارة والخبرات في مجال اإلجرام‪.‬‬
‫‪ -3‬أن األثر نتيجة اإلختالف يكون تبعا لتكراره وعمقه وأسبقيته ويعني باألسبقية األثر املنفوس في نفس‬
‫الفرد في السنوات األولى من عمره‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلتجاه نحو السلوك اإلجرامي يكون إذا رجحته األفراد القاءلة بخرق القانون عن تلك القاءلة بإحترامه‪،‬‬
‫وهو جوهر املخالطة الذي يشير إلى التفرقة بين املخالطة السوية واملخالطة املنحرفة‪.‬‬

‫تقييم نضرية سيدرالند‪:‬‬


‫تعرضت نضرية سيدر الند النتقادات على مستوى املنهج واملوضوع‪.‬‬
‫على مستوى املنهج‪:‬‬
‫‪ -‬الجنوح إلى التعميم واالفتراض املبدء لتساوي األفراد من الناحية العضوية والنفسية وأن اإلجرام يعزى إلى‬
‫املخالطة اإلجتماعية وهذا يعني أن املجرم املريض عضويا ونفسيا اليمثل سوى نسبة ضئيلة لدى العامل‬
‫العضوي أو البيولوجي ليس دافعا إلى الجريمة‪.‬‬
‫‪-‬وتسليمه بحتمية الجريمة نتيجة املخالطة املتفاوتة دون أن يكون إلرادة الفرد دخل في ذلك‪ ،‬والحال أن هذه‬
‫الحتمية ال يقبل بها العديد من فقهاء العصر الحديث‪.‬‬
‫على مستوى املوضوع‪:‬‬
‫‪ -‬إن فكرة املخالطة إذا كانت تصلح لتفسير إجرام طائفة األسوياء فإنها ال تصلح لطائفة غير األسوياء ألنهم‬
‫غير قادرين على التعلم والتدرب على الجريمة لخلل عضوي أو نفس ي‬
‫‪ -‬اقتصار فكرة املخالطة على صنف من الجرائم دون أصناف أخرى من اإلجرام متال‪ :‬جراءم األحداث‬
‫الجرائم العاطفية واالنفعالية‪.‬‬
‫‪ )III‬نضرية التفكك اإلجتماعي‬
‫التفكك الجماعي كمصدر للجريمة نضرية قديمة ولها صيغ متنوعة أبرزها صيغة العالم اإلجتماعي األمريكي‬
‫تورستن سيلين‪.‬‬
‫‪-1‬مضمونها‪:‬‬
‫‪55‬‬
‫يعد مفهوم التفكك اإلجتماعي في هذه النظرية مفهوم واسع يحتوي كل أمر أو شرخ أو إضطراب في البناء‬
‫االجتماعي‪ ،‬فجميع الضواهر الثقافية واالجتماعية أو إنهيار الجماعات خلقيا أو أدبيا كلها عوامل تدفع إلى‬
‫السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫والباحثون غالبا مايربطون أثر التفكك اإلجتماعي على السلوك اإلجرامي بعنصر التحضير‪ ،‬إذ كلما كان‬
‫املجتمع متحضر إال واستفحلت فيه الجريمة نتيجة انعدام االنسجام من جهة وتعدد وتنوع الثقافات من‬
‫جهة أخرى مما سيؤدي إلى تضارب املصالح بين الفقراء واألغنياء‪ ،‬وبين املتعلمين والجاهلين‪ ،‬وبين املتدينين‬
‫والفاسقين‪.‬‬
‫ففي هذه املجتمعات يتذبذب األطفال بين أشكال مختلفة من السلوك حتى داخل البيت الواحد حيث يعيش‬
‫الطفل ذلك التناقض الحاصل بين األب واألم (التدين‪ ،‬والفسق)‪ .‬فالطفل هنا تجادبه مشاعر مختلفة وهو‬
‫سريع التأثر بكل الجماعات التي تجادبه في املنزل‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬أو في الحي الى غير ذلك‪..‬وهو يحاول التكيف مع‬
‫هذه الجماعات ويعمل على التجاوب معها وهذا التجاوب يولد صراعا يؤدي الى سلوك اجرامي نتيجة‬
‫االستجابة إلحدى الجماعات‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك نجد املجتمعات القروية تكون نوعا ما في انسجام تام يحس الفرد بأمان واستقرار‬
‫نتيجة تغطية الحاجيات الضرورية من طعام وتمريض وإعانات‪ ...‬وذلك بتعاون وتآزر أفراد هذه املجتمعات‪.‬‬
‫فآثر هذا التآزر والدفء يحول دون التوجه إلى سلوك اإلجرامي‪ ،‬وهذا ال يعني انعدام الجريمة بل تقل نسبتها‬
‫النعدام الصراع او التفكك االجتماعي‪.‬‬
‫تقييم النظرية‪:‬‬
‫خلصت النظرية الى القول بأن ماتتميز به املجتمعات املتمدنة من تفكك اجتماعي هو الذي يؤدي الى‬
‫السلوك االجرامي ويزداد هذا االجرام بتطور الحياة الحديثة‪ .‬هذه النظرية مبدئيا سليمة من حيث النتائج‬
‫املتوصل إليها لكن يعاب عليها أنها ال تمثل الحقيقة بأكملها‪.‬‬
‫حقيقة يعتبر التفكك عامال من عوامل االجرام وارتفاع نسبة االجرام‪ ،‬مثال‪ :‬ثورات داخلية‪ ،‬حروب ازمات‬
‫اقتصادية‪..‬‬
‫تبين االحصاءات الجنائية نشأة أصناف جديدة من الجرائم‪ :‬جرائم التموين‪ ،‬مخالفة األسعار‪ ،‬ارتفاع جرائم‬
‫السرقة‪.‬‬
‫موضع النقد في هذه النظرية أنها قصرت عوامل االجرام على عامل التفكك االجتماعي وحده‪ ،‬وهذا أمر‬

‫‪56‬‬
‫مردود ألنه لو كان األمر كذلك‪ ،‬فلماذا لم يقدم باقي أفراد املجتمع على الجريمة مثل البعض اآلخر‪ ،‬والحال‬
‫أنهم جميعا تأثروا بهذا التفكك االجتماعي‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬التحليل االقتصادي للظاهرة االجرامية‪.‬‬


‫تقوم هذه النظرية على أساس كتابات ماركس و انجلز لدراسة الرابط بين الجريمة والوسط االقتصادي‬
‫الذي يعيش فيه الفرد‪.‬‬
‫يرى االشتراكيون ان العوامل االقتصادية الرأسمالية‪ ،‬من اهم العوامل التي لها دور في استفحال الجريمة‪,‬‬
‫ومن القائلين بذلك االشتراكيون الذين يتهمون النظام الرأسمالي بأنه من بين العوامل املؤثرة في السلوك‬
‫اإلجرامي‪.‬‬
‫فالجريمة في املجتمع الرأسمالي ردة فعل طبيعي ضد أشكال الظلم االجتماعي لذلك تنتشر الجريمة عند‬
‫الطبقة الكادحة‪ .‬فحسب منظور هذه املدرسة‪ ،‬االجرام ناتج عن عدم املساواة بين األفراد‪ ،‬حيث يقولون ان‬
‫تهافت التجار نحو الربح‪ ،‬واملنافسة القوية بين رؤوس األموال من العوامل التي تدفع التاجر الى الغش‪،‬‬
‫الزيادة في األسعار‪..‬إضافة الى االحتيال على القانون بجميع الوسائل وسحق الطبقة العاملة مما يدفعها هي‬
‫االخرى الرتكاب الجرائم‪.‬‬
‫ومن أنصار هذه النظرية العالم الهولندي بونجر الذي يرى ان من اهم العوامل التي تخلق الظروف غير‬
‫املالئمة‪ ،‬النظام الرأسمالي وما يوجد من فوارق اجتماعية تولد االحقاد لدى الطبقة العاملة‪ ،‬مما يدفعهم الى‬
‫السلوك االجرامي‪.‬‬
‫‪ -2‬نقد النظرية‪:‬‬
‫يمكن اجمال هذا النقد فيما يلي‪:‬‬
‫_ اليمكن الجزم أن النظام الرأسمالي هو سبب االجرام في املجتمعات الصناعية والدليل على ذلك ان‬
‫املجتمع االشتراكي لم ينجح في الحد من الظاهرة االجرامية رغم خلوه من مقومات النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫_ صعوبة الربط بين الفقر وحركية االجرام الن هذا مؤداه صيرورة كل الفقراء مجرمين واستبعاد االغنياء من‬
‫االجرام هذه نتيجة تخالف املنطق والواقع‪.‬‬
‫_ أنه وعلى فرض صحة هذه النظرية‪ ،‬فإن تطبيقها يقتصر على جرائم األموال فقط‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫املبحث الخامس‪ :‬التحليل الجغرافي او الطبيعي للظاهرة االجرامية‪.‬‬
‫ظهرت هذه النظرية على يد كل من‪:‬‬
‫العالم الفرنس ي‪ guerry‬جيري‪ ,‬والبلجيكي كيتليه‪ ،quetlet‬حيث قاما بأول احصائيات جنائية في فرنسا‪,‬‬
‫وخلصا إلى نتائج تتصل بربط حركية االجرام بالعوامل الطبيعية‪.‬‬
‫أوال‪:‬مضمون النظرية‪:‬‬
‫تقوم هذه النظرية على فكرة أساسية مفادها‪ ،‬أن العوامل الطبيعية تلعب دور كبير في حركية االجرام‪ ,‬فمن‬
‫خالل االحصائيات التي أجراها كل من جيري وكتليه‪ ،‬تدل على أن هناك عالقة بين الظاهرة االجرامية‬
‫واملناخ‪.‬‬
‫فمن خالل نتائج الدراسة‪ ،‬تبين لها أن جرائم اإلعتداء على األشخاص أكثر شيوعا في فترات ارتفاع درجة‬
‫الحرارة وطول النهار‪ .‬بينما جرائم االموال تكثر في الفت رات الباردة وطول الليل‪..‬وهذا ما أطلقنا عليه تسمية‪:‬‬
‫"قانون الحرارة االجرامي"‬
‫وقد لقيت هذه النظرية تأييدا واسعا لدى العديد من الباحثين في كل من أوربا وأمريكا‪.‬‬
‫كما أكدوا من خالل االحصائيات والدراسات التي قاموا بها أكدوا صحة قانون الحراة اإلجرامي‪.‬‬
‫وقد توصل الباحثون الى نتائج تؤكد وجود عالقة بين العوامل الطبيعية والظاهرة االجرامية‪ ,‬وذلك من‬
‫خالل دراسة أثر مجموعة من املعطيات الطبيعية مثل‪ :‬الرياح‪ ،‬األمطار‪ ،‬الرطوبة‪..‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم النظرية‪:‬‬
‫استنادا الى مختلف الدراسات التي انجزت في هذا املجال والنتائج املتوصل إليها‪ ،‬اليمكن انكار دور العوامل‬
‫الطبيعية في حركية اإلجرام‪ ،‬وهذا هو الجانب االيجابي للنظرية‪.‬‬
‫أما الجانب السلبي فيكمن في كون هذه النتيجة ال تكفي بمفردها‪،‬وال يمكن اعتبارها سبب مباشر للسلوك‬
‫اإلجرامي ما دام دور هذه العوامل يقتصر على نوعين من الجرائم‪:‬اإلعتداء على األشخاص‪ ،‬و اإلعتداء على‬
‫األموال دون األنواع األخرى‪.‬‬
‫إدن تظل النظرية الطبيعية أو الجغرافية‪،‬أحد عوامل تفسير الظاهرة اإلجرامية‪{.‬لنا عودة للموضوع‬
‫بتفصيل أثناء الحديث عن عوامل السلوك اإلجرامي}‪.‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬التحليل التكاملي للظاهرة اإلجرامية‪ :‬إنريكو فيري‪.‬‬


‫نظرا لقصور النظريات السابقة في تحليل الظاهرة اإلجرامية فقد ظهر اتجاه أخر في تحليل الجريمة يعرف‬
‫‪58‬‬
‫باسم االتجاه التكاملي‪،‬الذي يري بأن الجريمة هي حصيلة مجموعة من العوامل املتداخلة التي تتفاعل‬
‫معا‪،‬ومن هذه العوامل ما هو متصل بشخصية الفرد نفسه أي بداخله ويتعلق بتكوينه العضوي‬
‫والنفس ي‪،‬ومنها ما ه و متصل بالبيئة املحيطة به‪،‬ومختلف العوامل اإلجتماعية‪.‬على أنه يالحظ اختالف‬
‫تأثيرها على الفرد فقد تتغلب العوامل الفردية أو اإلجتماعية على أن هذا التغلب يتناسب عكسا‪،‬وتعتبر‬
‫نظرية إنريكو فيري في تحليل السلوك اإلجرامي نموذج لالتجاه التكاملي لتفسير الجريمة‪.‬‬
‫‪-1‬مضمون نظرية إنريكو فيري‪:‬‬
‫واصل فيري ما بدأه ملبروزو من أبحاث في ظاهرة التحليل البيولوجي على السلوك اإلجرامي وأضاف عوامل‬
‫أخرى واعتبرها أسباب مؤثرة على سلوك الشخص نحو اإلجرام واملتمثلة في العوامل الفردية‪،‬وقد أفضت‬
‫بحوثه إلى تأسيس علم اإلجتماع الجنائي حيث يجمع فيه بين األحوال الطبيعية واإلجتماعية في تفسير‬
‫السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫ويعتبر من أنصار املدرسة الوضعية التي تقول بحتمية الجريمة وتنكر حرية اإلختيار على الفرد وتعتبره‬
‫مسير‪،‬ويرى فيري أن هناك الكثير من العوامل املؤثرة على سلوك الشخص نحو ارتكاب الجريمة حددها‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪-‬عوامل انتروبولوجيا‪ :‬أو ما يعرف بالعوامل الفردية و هي تلك املتعلقة بشخص املجرم و اللصيقة به و منها‬
‫ما يتعلق بالتكوين العضوي للفرد ومنها ما يكشف عن مظاهر الخلل في التكوين النفس ي و العقلي‪،‬و كذلك‬
‫ما هو مرتبط بالسن والجنس‪.‬‬
‫‪ -‬عوامل الظروف الطبيعية‪ :‬املناخ‪،‬درجة الحرارة‪،‬املوقع الجغرافي وكذلك إختالف فصول السنة‪...‬‬
‫‪ -‬الظروف االجتماعية‪ :‬كثرة السكان‪،‬نظام التعليم‪،‬التنظيم اإلقتصادي و السياس ي‪،‬و املعتقدات الدينية‪،‬و‬
‫اإلنتاج الصناعي‪....‬‬
‫ويخلص أن الجريمة ترتكب نتيجة تفاعل هذه العوامل و الظروف مما ينشأ عنه ما أسماه بقانون التشبع‬
‫اإلجرامي‪.‬‬
‫و قد عمل على تصنيف املجرمين إلى خمسة أصناف‪:‬‬
‫‪-1‬املجرم بامليالد‪ :‬هو الذي يتميز بخصائص النموذج اإلجرامي الذي صاغه ملبروزو‪.‬‬
‫‪-2‬املجرم املصاب بخلل عقلي‪ :‬ومرد إجرامه ما يعانيه من مرض عقلي‪.‬‬
‫‪-3‬املجرم باالعتياد‪ :‬و هو املجرم الذي تعود على ارتكاب الجريمة‪،‬يشبه املجرم املحترف‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪-4‬املجرم بالصدفة‪ :‬ويمثل الغالبيةو يرجع إجرامه إلى ضغط بعض الظروف االجتماعية القاسية التي‬
‫يتعرض لها وهي ظروف تتسم بالعرضية‪.‬‬
‫‪-5‬املجرم العاطفي‪ :‬هو شخص يتسم بحساسية مفرطة ويقدم على ارتكاب السلوك اإلجرامي تحت عوامل‬
‫عارضة ال يمكنه مقاومتها‪.‬‬

‫تقييم النظرية‪ :‬خلقت نظرية إنريكو فيري ثورة في مجال الدراسات االجتماعية وعلى الخصوص مسألة‬
‫تفسير السلوك اإلجرامي‪،‬وعلى الرغم من املزايا التي قدمتها فإنها ال تخلو من بعض العيوب‪.‬‬
‫املزايا‪ :‬تشكل نظرية فيري رؤية شمولية للظاهرة اإلجرامية وتمتاز نظريته عن باقي النظريات األخرى أنه لم‬
‫يرجع اإلجرام لعامل بعينه أو مجموعة من العوامل ذات الطبيعة الواحدة‪ ،‬ولكنه رد هذا اإلجرام إلى نوعين‬
‫رئيسيين من العوامل تستوعبان باقي العوامل األخرى‪ ،‬فالجريمة نتيجة كافة مظاهر الخلل في التكوين‬
‫الفردي للمجرم في شقيه العضوي والنفس ي‪ ،‬وهي كذلك استجابة لضغط العوامل واملؤثرات االجتماعية‬
‫والطبيعية والبيئية‪.‬‬
‫إن إدراك "فيري" لدور العامل االجتماعي في استفحال ظاهرة الجريمة‪ ،‬بحيث يؤسس البحث في العوامل‬
‫البيولوجية واالجتماعية وتأثيرها على اإلجرام‪.‬‬

‫العيوب‪ :‬يعاب عليه التصنيف الخماس ي للمجرمين وخاصة على صنف املجرم بامليالد رغم إنتقاد هذه‬
‫الفكرة بشدة عندما تعرض لها لومبروزو‪ ،‬كما أنه ميز بين املجرم العاطفي واملجرم بالصدفة وهذا تمييز غير‬
‫منطقي ألنهما يجتمعان في مجموعة من الخصائص ألنه راج اقتراح ثالث أصناف عوض خمسة أصناف وهم‬
‫‪-1:‬املجرم بالصدفة ‪ -2‬املجانين أو املصابين بخلل عقلي ‪-3‬املعتادون‪.‬‬
‫يعاب عليه أيضا تمسكه بحتمية السلوك اإلجرامي والحال انها فكرة دخيلة على علم اإلجرام فهي فكرة‬
‫فلسفية‪.‬‬

‫املحور الثالث ( محذوف)‬

‫‪60‬‬

You might also like