Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في
المسؤولية المدنية
المس ؤولية عبارة ع ن التزام يترت ب عل ى الشخ ص بضمان
تصرفاته ...وهي الحالة التي يؤاخذ فيها الشخص عن عمل
قام ب ه ،وه ي تتنوع بتنوع القاعدة الت ي أخ ل به ا ذل ك
الشخص ،فإذا كانت تلك القاعدة قانونية فاإلخالل بها يستتبع
مس ؤولية قانوني ة ،وإذا كان ت تل ك القاعدة أخالقي ة
فالمسؤولية تكون أدبية .
تعت بر المس ؤولية المدني ة م ن أعق د فروع القانون المدن ي وأكثره ا
ص عوبة ،وق د زادت أنزعته ا ف ي الفترة األخيرة بدرج ة ملحوظ ة
نتيج ة امتداد العمران والحال ة االقتص ادية الت ي يعان ي منه ا الناس
والتضخم المستمر وما صاحب كل ذلك من مشاكل جمة ،هذا فضال
ع ن ص دور قواني ن التأمي ن اإلجباري ،والذي جع ل للمضرور حق ا
مباشرا قبل شركة التأمين فأصبح حصوله على حكم التعويض أمرا
يسيرا وتنفيذه قبل شركة التأمين مسألة سهلة ،بعد أن كان يالقى
ف ي س بيل ذل ك م ن المص اعب والمشاك ل م ا يثق ل كاهل ه ،وكان م ن
نتيجة ذلك أن كثرت قضايا المسؤولية وزادت زيادة رهيبة.
تمث ل المس ؤولية الشخص ية القاعدة العام ة ف ي مجال المس ؤولية
المدني ة ،بم ا تشتم ل علي ه م ن مبادئ واجب ة التط بيق ،فيم ا عدا
األحكام الخاصة بالمسؤولية عن فعل الغير والمسؤولية الشيئية ،
ويلزم بالتال ي لقيام المس ؤولية المدني ة تحق ق الخط أ والضرر
والعالق ة الس ببية بي ن الخط أ والضرر ،حي ث يلزم بالتعوي ض ك ل
شخ ص ص در عن ه خط أ س بب ضررا للغي ر(المادة 77م ن قانون
االلتزامات والعقود المغرب ي ،والمادة 163م ن القانون المدن ي
المصري ،والمادة 1382و 1383من القانون المدني الفرنسي).
وتتأس س المس ؤولية المدني ة بالتال ي عل ى الخط أ ،ويق ع عل ى
المضرور ،حس ب األص ل ،عب ء اإلثبات انحراف المدع ى علي ه
ع ن س لوك الشخ ص المعتاد ،ف ي ضوء الظروف الخارجي ة
المحيطة .
المس ؤولية بوج ه عام ه ي المؤاخذة أ و المحاس بة أ و المجازاة
عل ى فع ل أ و س لوك معي ن .فه ي جزاء مخالف ة واج ب م ن
الواجبات االجتماعية ،بيد أن هذه األخيرة تنقسم إلى واجبات
قانوني ة ،وأخرى غي ر قانوني ة أدبي ة أ و ديني ة ،وبوج ه عام
أخالقي ة ،فإ ن كان الواج ب مجرد واج ب أخالق ي ،أدب ي أ و
دين ي ،كان ت المس ؤولية الناجم ة ع ن مخالفت ه ،مس ؤولية
أخالقي ة أ و أدبية .وإ ن كان هذا الواج ب قانوني ا ،كان ت
المسؤولية الناجمة عن مخالفته مسؤولية قانونية.
• المسؤولية القانونية تشتمل على نوعين من المسؤولية هما:
المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية .
• والمسؤولية المدنية إما أن تنشأ عن اإلخالل بالتزام عقدي ،
وتسمى في هذه الحالة بالمسؤولية العقدية ،أو قد تنشأ عن
فعل يحدث ضررا للغير وهذه هي المسؤولية التقصيرية ،أو
(المس ؤولية ع ن العم ل غي ر المشروع ) ،أ و كم ا يس ميها
الفقهاء المسلمون الفعل الضار.
• كم ا تنبغ ي اإلشارة أ ن المس ؤولية س واء كان ت عقدي ة أ و
تقص يرية ال تتحق ق إال بتوفره ا عل ى ثالث ة أركان جوهري ة :
الخطأ ،والضرر ،والعالقة السببية.
• كما تقوم فكرة المسؤولية المدنية بنوعيها تعاقدية وتقصيرية
عل ى فكرة إص الح الضرر غي ر المشروع ،فالجزاء فيهم ا
جميعا عبارة عن تعويض هذا الضرر أو إزالة أثره على قدر
اإلمكان .
• فال تقوم المس ؤولية المدني ة إذا انتف ى الضرر بص رف النظ ر
ع ن جس امة الخط أ الذي اقترف ه الفاع ل ...وضرورة تواف ر
الضرر هي التي تميز المسؤولية المدنية من جهة عن كل من
المسؤولية الخلقية والمسؤولية الجنائية من جهة أخرى
• سنقسم دراستنا للمسؤولية المدنية إلى ثالثة فصول
تتنوع المس ؤولية تبع ا لدرج ة وخطورة الضرر المترت ب عنه ا ،
وتبع ا لذل ك يختل ف الجزاء الذي يوق ع ف ي ح ق الفاع ل الذي
اقترفها إلى مسؤولية أخالقية ومسؤولية قانونية.
الفرع األول:المسؤولية األخالقية
• األخالق مجموع ة م ن القواع د المثالي ة الت ي توص ل إليه ا المجتم ع لدع م الخي ر
والحرص علي ه ،وقم ع الش ر ومحاربت ه ،وم ن األخالق بر الوالدي ن،اإلحس ان
بالفقراء الوفاء بالعه د ،تجن ب الكذب ،عدم االعتداء عل ى الناس ...الخ ،ويتعي ن
عل ى األفراد االمتثال له ا حت ى ول و تعارض ت م ع رغباته م ونزواته م
الفردية ،فاألخالق هي أساس القانون
• عندما نقول المسؤولية األخالقية فهذا يعني أن اإلخالل وقع بمضمون ومبادئ
القاعدة األخالقي ة ،ومعلوم أ ن القواع د األخالقي ة تل ك القواع د الت ي تحدد
واجبات الشخ ص نح و نفس ه ،كم ا ت بين وواجبات الشخ ص نح و غيره ،وم ا
يجب أن يحرص عليه من فضائل و ما يجب عليه أن يتجنبه من رذائل.
• أ و ه ي مجموع ة م ن األحكام المتعلق ة بتهذي ب النف س وإص الح شأنه ا و تف ي
بتبيان الفضائل التي يجب على المرء أن يتمثلها في سلوكه و معامالته كما تبين
الرذائل التي يجب على اإلنسان تجنبها.
• أم ا قواع د المعامالت فه ي القواع د الت ي تتناول تنظي م س لوك وعالقات
األشخاص في المجتمع وتختلف األديان في تصديها لتنظيم هذه العالقات،
فمنها م ا ال يتعرض لها إال في أضي ق نطاق كما فعل ت الديان ة المسيحية،
فلم تعن إال بمسألة هامة لها أثرها البالغ في نظام األسرة وكيان المجتمع
وه ي مس ألة الزواج و الطالق وفيم ا عدا ذل ك اقتص رت عل ى تنظي م
العالقات ذات الص بغة اإلنس انية كعالقات التراح م و التآل ف والمس اعدة
ويرجع ذلك إلى الظروف التي نشأت فيها المسيحية.
• أم ا أحكام الدي ن اإلس المي فيتمي ز بالعموم و البقاء و الخلود ال م ن حي ث
المكان و ال م ن حي ث الزمان ،فالنظام اإلس المي ه و نظام شام ل لشؤون
الحياة في مختلف ميادين النشاط اإلنساني ،فهو يتسم من حيث الموضوع
القانون ي بالعمومي ة والشمول وق د تناول قواع د القانون العام والخاص
بكافة فروعها.
• المس ؤولية األخالقي ة ه ي الحال ة الت ي يوج د فيه ا الشخ ص مخالف ا
لقاعدة من قواعد األخالق .ومن المعلوم أن دائرة األخالق واسعة،
ألنه ا تشم ل س لوك اإلنس ان نح و خالق ه ونح و نفس ه ونح و غيره.
وألنها تأمر بالخير في ذاته وتنظر إلى نوايا اإلنسان فتنفره على ما
يتجه منها نحو الخير وتؤاخذه على ما يحيد منها عن هذا السبيل
• وال يشترط لقيام هذه المسؤولية حدوث ضرر للغير ،بل يكفي فقط
أ ن يتمن ى اإلنس ان لغيره شرا حت ى يتحق ق قيام هذه المس ؤولية.
والمعيار هن ا معيار شخص ي فق د يرتك ب فرد فعال يؤاخذه علي ه
ضميره بعد ارتكابه وتتحقق مسؤوليته األدبية ،وقد يرتكب شخص
آخ ر نف س الفع ل دون أ ن يرت ب ف ي نفس ه هذا األث ر نظرا لضع ف
ضميره أو النعدامه .
الفرع الثاني:المسؤولية القانونية
هو الجزاء الذي يقرره القانون إما على عدم توفر ركن من أركان
العق د كم ا ل و كان أح د المتعاقدي ن ص غيرا غي ر ممي ز ،أ و كان
مح ل االلتزام التعاقدي عمال مس تحيال ،أ و كان االلتزام يفتق ر
إل ى س بب يحم ل علي ه ،وإم ا بموج ب ن ص قانون ي يقض ي ف ي
حالة خاصة والعتبارات تتعل ق بالنظام العام ،ببطالن تصرف
ما رغم توفر سائر أركان انعقاده.
:ا إلبطا ل2-
إن المسؤولية األدبية تقوم على أساس معيار شخصي يكفي لقيام
هذه المس ؤولية أ ن يتمن ى اإلنس ان لغيره شرا،أم ا المس ؤولية
القانوني ة فتقوم عل ى أس اس معيار موضوع ي ،وه ي مس ؤولية
اإلنسان أمام غيره.
:من حيث الجزاء
يقتصر الجزاء في نطاق األخالق على تأنيب الضمير ،واستنكار
المجتمع ،ومن تم فهو جزاء معنوي ،بينما الجزاء في القانون
يتمثل في الجزاء المادي الذي تفرضه السلطة العامة ،إال أنه ال
يمن ع م ن أ ن القانون يعتم د أس اسا عل ى األخالق ،ومرج ع ذل ك
أ ن القانون ال يهت م إال بتنظي م م ا يتص ل بالقي م األخالقي ة
األس اسية والت ي ال غن ى ف ي كفال ة احترامه ا للجزاء األدب ي
المتمثل في االستنكار
المطلب الثاني :التمييز بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية
قد نازع أنص ار نظري ة الوحدة في الحجج والفروق التي جاء بها
أصحاب النظرية التقليدية.
عل ى الرغ م م ن الفروق الس الفة الت ي يزع م أنص ار فكرة ازدواج
المسؤولية المدنية قيامها بين المسؤولية العقدية وبين المسؤولية
التقصيرية ،ذهب فريق آخر من الفقهاء إلى وحدة المسؤولية
المدني ة ،وقالوا إن ه لي س هناك ف ي الواق ع إال مس ؤولية مدني ة
واحدة ه ي المس ؤولية التقص يرية الت ي تنش أ ع ن العم ل غي ر
المشروع وليس ت المس ؤولية العقدي ة إال ص ورة خاص ة أ و
تطبيق ا خاص ا لهذه المس ؤولية العام ة اتخ ذ فيه ا الفع ل الضار
صورة ( اإلخالل بالتزام تعاقدي ) ،ومن هنا كانت شروط هذه
الص ورة الخاص ة للمس ؤولية المدني ة ،وأحكامه ا كذل ك نف س
شروط وأحكام المسؤولية األم وهي المسؤولية التقصيرية.