Professional Documents
Culture Documents
مقدمـــة
إن مضمون القانون المدني في البالد العربية يقتصر على تنظيم عالقات األشخاص من
ّ
حيث المال ،والمال في لغة القانون هو الحق المالي.
والحقوق المالية تنقسم إلى نوعين :حقوق شخصية ،وحقوق عينية ،ويعتبر االلتزام الوجه
السلبي للحق الشخصي ،فالحق للدائن وااللتزام على المدين.
موضوع النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني هو أنها تشتمل على القواعد العامة
التي تحكم الحقوق الشخصية ،وهي أحد نوعي الحقوق المالية التي ينظمها القانون المدني،
ومن تم يتحدد موضوع نظرية االلتزام في هذا القانون على أساس التفرقة بين الحق العيني
والحق الشخصي.
فالحق العيني سلطة مباشرة لشخص على شيء مادي معين بالذات ،تخوله القيام بأعمال
معينة تتصل بهذا الشيء تحقيقا لمصلحة له ،ومثاله :حق الملكية الذي يتميز عن غيره من
الحقوق بأنه يرد على شيء معين بالذات ،وأنه يخول صاحبه سلطة مباشرة على ذلك
الشيء ،أي دون الحاجة إلى وساطة شخص آخر.
ويشترك مع غيره من الحقوق في أنه سلطة يخولها القانون لشخص معين ويفرض
احترامها على الكافة ،بحيث ال يجوز لهم أن ينافسوا صاحب هذه السلطة أو يتعرضوا له في
استعمالها.
أما الحق الشخصي فهو سلطة مقررة لشخص قبل شخص آخر ،تخول األول أي الدائن
أن يجبر الثاني أي المدين على أن يعطيه شيئا ،أو على أن يقوم بعمل ،أو يمتنع عن
1
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
عمل ،ومثاله :حق الدائن في استرجاع دينه ،وحق المستأجر في الحصول على منفعة العين
المؤجرة من المؤجر.
ويتميز هذا النوع من الحقوق بأنه سلطة ال ترد على شيء معين بالذات بصفة مباشرة،
بل سلطة ضد شخص آخر إللزامه بأداء أمر معين.
ويشترك مع غيره من الحقوق في أنه سلطة يخولها القانون لشخص معين ويفرض
احترامها على الكافة بحيث ال يجوز لهم أن ينافسوا صاحبها الدائن أو يتعرضوا له في
استعمالها ،سواء باقتضاء الدين ذاته من المدين أو بمنع الدائن من اقتضائه منه.
موضوعات نظرية االلتزام :تنقسم دراسة نظرية االلتزام إلى قسمين رئيسيين:
القسم األول :مصادر االلتزام أي نشوء االلتزام( .وهو موضوع هذه المحاضرات)
القسم الثاني :القواعد التي تحكم االلتزام بعد نشوئه أي أحكام االلتزام.
مصادر االلتزام :تقتضي دراسة مصادر االلتزام تحديد مركز نظرية االلتزام في القانون
المدني )أوال( وتعريف االلتزام )ثانيا( ،ثم بيان صوره وأنواعه (ثالثا).
ينظم القانون المدني قواعد المعامالت ،وهي التي تنظم عالقة الفرد بغيره من حيث
المال ،والمال في نظر القانون يتكون من حقوق ،والحق في المعامالت مصلحة ذات قيمة
إما أن يكون حقا عينيا أو حقا شخصيا.1
مالية يقرها القانون للفرد ،وهو ّ
عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام ،الجزء 1
أما الحق والحق العيني هو سلطة يعطيها القانون لشخص معين على شيء ّ
معينّ ،
يخول الدائن بمقتضاها مطالبة المدين
الشخصي فهو رابطة من بين شخصين ،دائن ومدينّ ،
بالقيام بعمل أو االمتناع عن عمل أو إعطاء شيء ،والحق الشخصي هو االلتزام ،فيسمى
حّقا إذا نظر إليه من جهة الدائن ،والتزاما إذا نظر إليه من جهة المدين.
أن االلتزام
اختلف الفقهاء في تعريف االلتزام تبعا للمذهب الذي يؤخذ به في شأنه ،ذلك ّ
يتناوله مذهبان :مذهب شخصي ومذهب مادي.
أما المذهب الشخصي فيرى األمر الجوهري في االلتزام هو ّأنه رابطة شخصية فيما بينّ
ثم يؤخذ شخص المدين باالهتمام في هذه الرابطة ملتصقة به وتعطي الدائن والمدين ،ومن ّ
1
للدائن سلطة عليه ،وقد أخذت هذه النظرية عن القانون الروماني الذي كان يعتبر المدين
ملتزما شخصيا بالدين ،ويجيز للدائن أن ينّفذ بدينه على شخص المدين فيحبسه ،أو يسترقه،
ال يجوز إحالل مدين بل وكان له أن يقتله إذا لم يقم بسداد دينه ،وطبقا لهذه النظرية
ألن الدين ملتصق بشخص المدين ،كما ّأنه ال يتصور التزام بدون
محل مدين )حوالة الدين( ّ
أهمها القانون المدني الفرنسي بهذه النظرية.2
دائن ،وقد أخذت القوانين الالتينية و ّ
أما المذهب المادي فاعتنقه الفقه األلماني ، 3وساد في القانون المدني األلماني ،وهو
ينظر إلى االلتزام كرابطة مادية بين ذمتين ماليتين ،وال يأخذ بشخصية الدائن أو المدين،
وبالتالي يجوز أن يتغير شخص الدائن وشخص المدين )حوالة الحق وحوالة الدين( ،ويجوز
أن يلتزم شخص لدائن غير معين )الوعد الموجه للجمهور(.
1
من أشهر الفقهاء الذين قالوا بالمذهب الشخصي" :بالنيول" والفقيه األلماني "سافيني".
علي علي سليمان ،النظرية العامة لاللتزام ،مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري ،الطبعة السابعة ،ديوان 2
ولقد أخذ القانون المدني الجزائري بالمذهب الشخصي وجعله هو األصلّ ،
ولكنه أخذ
أيضا بالكثير من األحكام الناتجة عن المذهب المادي.1
لذلك ،نرى عدم ترجيح مذهب على آخر في تعريف االلتزام ،بل ضرورة الجمع بينهما،
بأنه" :رابطة قانونية بين شخصين أو بين ذمتين ماليتين ،تجيز
وبالتالي يمكن تعريف االلتزام ّ
الملتَ ِزم )المدين( بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو االمتناع
لصاحب الحق )الدائن( أن يطالب ُ
عن عمل".
محل االلتزام
-1من حيث طبيعة ّ
-االلتزام بالقيام بعمل :وهو االلتزام المتعلق بنشاط ايجابي يقوم به المدين لمصلحة
الدائن ،كالتزام العامل بأداء العمل المتفق عليه مع صاحب العمل بموجب عقد العمل ،أو
التزام المقاول بتشييد المسكن المتفق عليه مع شخص بموجب عقد المقاولة.
-االلتزام باالمتناع عن عمل :وهو االلتزام المتعلق بنشاط سلبي ،أي أن يمتنع المدين
بمقتضاه عن عمل يملك القيام به قانونا لوال وجود هذا االلتزام ،ومثاله التزام عامل بعدم
إفشاء أسرار مهنية تتعلق بالعمل الذي يقوم به مع صاحب العمل ،أو التزام ممثل بعدم
مدة العقد.
التمثيل إالّ في األفالم التي تنتجها الشركة التي تعاقد معها طول ّ
مثل حوالة الحق وحوالة الدين )المواد من 239إلى ،(257والوعد بجانزة الموجه للجمهور ،واالشتراط لمصلحة 1
الغير.
4
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-االلتزام بإعطاء شيء :وهو االلتزام بنقل حق عيني على عقار أو منقول ،مثل الت ازم
البائع بنقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري ،أو التزام مالك عقار بترتيب حق ارتفاق على
عقاره لفائدة عقار مملوك لشخص آخر.
-االلتزام بتحقيق نتيجة :يتعهد المدين أمام الدائن بتحقيق نتيجة معينة ،وهو االلتزام
الذي ال يتم تنفيذه إالّ إذا تحققت الغاية المقصودة ،ومثاله التزام المقاول ببناء المسكن حسب
المواصفات المتفق عليها ،والتزام الناقل بإيصال المسافر إلى المكان والزمان المتفق عليهما
آمنا سالما.
-االلتزام ببذل عناية :ومضمونه مطالبة المدين ببذل جهد معين سواء تحقق الهدف
المنشود أم لم يتحقق ،فيكفي إذن ،أن يقوم المدين ببذل العناية الواجبة سواء تحققت النتيجة
المقصودة أو لم تتحقق ،1ومثاله التزام الطبيب بعالج المريض ،والتزام المحامي ببذل العناية
الالزمة من أجل كسب الدعوى التي يرفعها باسم موكله.
بأنه السبب القانوني الذي أنشأ االلتزام ،أي السبب الموّلد لاللتزام،
يعرف مصدر االلتزام ّ
ّ
فالتزام المستأجر بدفع بدل اإليجار مصدره عقد اإليجار ،والتزام المحدث للضرر بتعويض
المتضرر مصدره العمل غير المشروع الذي قام به بعمد أو بغير عمد.
بلحاج العربي ،النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ،الجزء األول ،التصرف القانوني ،العقد 1
واإلرادة المنفردة ،الطبعة الثالثة ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،2004 ،ص .24
5
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
وتتعدد مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري ،إذ نجد المشرع رتّب هذه المصادر
في أربعة فصول ،هي:
بناء على ما تقدم ،تنقسم مصادر االلتزام المذكورة أعاله إلى قسمين:
أضاف المشرع الجزائري اإلرادة المنفردة كمصدر من مصادر االلتزام بموجب القانون رقم 10/05 :المؤرخ في: 1
6
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ومصادر االلتزام هي التي تلعب فيها اإلرادة دو ار حاسما ،وعلى هذا األساس نجد هذه
المصادر تنقسم إلى :العقد واإلرادة المنفردة أي التصرف من جانب واحد ،وهو ما سنعرضه
في فصلين.
سنعرض في هذا المبحث تعريف العقد في مطلب أول ،وندرس مبدأ سلطان اإلرادة في
مطلب ثان ،ونتناول أهم تقسيمات العقود في مطلب ثالث.
7
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
عرف المشرع الجزائري العقد في المادة 54من القانون المدني ،1بنصه على ما يلي:
"العقد اتفاق يلزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين
بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما".
يستفاد من نص هذه المادة أن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني
معين سواء كان هذا األثر بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما ،ومثال ذلك عقد البيع الذي
ينشئ التزامات في جانب كل من البائع والمشتري.
هذا ،ويحكم العقد مبدأ أساسي في القانون يسمى "مبدأ سلطان اإلرادة" ،فما المقصود
مر بها؟ وما مدى ما وصل إليه القانون في القانون
بهذا المبدأ؟ وما هي المراحل التي ّ
الجزائري؟
سنتطرق في هذا المطلب لتعريف مبدأ سلطان اإلرادة ،ثم نبين كيفية نشأة وتطور هذا
المبدأ في فرعين.
سار المشرع الجزائري -في تعريفه للعقد -على مسار المشرع الفرنسي (المادة 1101من القانون المدني 1
ميز بين العقد واالتفاق ،حيث جعل العقد مقصو ار على إنشاء الحق فقط بما جاء فيه من
الفرنسي) ،وهو بذلك ّ
القول )بمنح أو فعل ،أو عدم فعل شيء ما( ،وكان من األفضل في العيان أن تكون )بإعطاء شيء ،أو القيام
بعمل ،أو االمتناع عنه(.
-لتفاصيل أكثر حول التمييز بين العقد واالتفاق ،يراجع :عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،36
ص ،137ومحمد صبري السعدي ،الواضح في شرح القانون المدني الجزائري ،الجزء األول ،النظرية العامة
لاللتزامات ،مصادر االلتزام ،العقد واإلرادة المنفردة ،الطبعة الرابعة ،دار الهدى ،الجزائر ،2007 ،ص .43-42
8
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
أن اإلرادة وحدها قادرة على إحداث أثر قانوني دون الحاجة إلى إجراء شكلي
األولّ :
أن اإلرادة وحدها قادرة على تحديد مضمون
خاص ،وهذا هو مبدأ الرضائية ،والثاني ّ
أن العقد شريعة المتعاقدين.
االلتزامات واآلثار القانونية التي تتجه إلى إحداثها ،أي ّ
لم يعترف القانون الروماني بمبدأ سلطان اإلرادة بل كانت العقود شكلية تحوطها أوضاع
يكون عقدا وال يوّلد
مجرد توافق إرادتين فال ّ
أما ّ
معينة من حركات وإشارات وألفاظ وكتابةّ ،
ّ
التزاما.2
لكن مع تطور الحضارة الرومانية ،والحاجة إلى كثرة التبادل ،ووجوب السرعة في
ثم ظهرت عقود أخرى إلى جانب العقودالمعامالت ،وجب التمييز بين الشكل واإلرادة ،ومن ّ
الشكلية تتمثل في العقود الرضائية والعقود العينية ،وتناقصت العقود الشكلية ،وأخذ أثر
خليل أحمد حسن قدادة ،الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ،الجزء ّ
1
األول ،مصادر االلتزام ،الطبعة
الثانية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،2005 ،ص .18
2
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،42ص .142
3
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة 42ص .143
9
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-عوامل دينية :كان المتعاقد إذا أقسم على احترام عقده ،ولو لم يفرغه في شكل
عد الحنث باليمين خطيئة يعاقب عليها.
مخصوص ّ
-العوامل السياسية :بعد أن بسطت الدولة نفوذها تدخلت في الروابط القانونية بين
األفراد ،وأخذت في حماية العقود التي تتم بمجرد االتفاق.
وقد واصل مبدأ رضائية العقود سيره في العصور الوسطى ،بعد زوال الدولة الرومانية،
وساعدت الكنيسة على قيامه ،إذ كانت تنادي باحترام العهود والمواثيق ،ووصل ذروة مجده
في القرن السابع عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر بسبب تفشي المذاهب الفردية التي
كانت تحترم الفرد وإرادته.
أن مبدأ سلطان اإلرادة بعد ازدهاره بدأ في التقلص ابتداء من القرن العشرين تحت
على ّ
أن غاية القانون هي المجتمع وليس الفرد وتسّلل
تأثير المذاهب االشتراكية التي اعتبرت ّ
التدخل التشريعي ليضع مجموعة من القيود على مبدأ سلطان اإلرادة ،ومن أمثلة هذه القيود:
فكرة النظام العام واآلداب العامة وتوسع نطاقها في النظام االشتراكي ،والعقود الجبرية التي
ُيجبر الشخص على إبرامها كعقود التأمين من حوادث السيارات ،1وعقود العمل التي حدد
القانون التزامات وحقوق كل من العامل ورب العمل ،وعقود اإلذعان ،وسلطة القاضي في
1
يراجع األمر رقم 15/74المؤرخ في 30 :يناير 1974المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات.
10
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تعديل الشروط التعسفية التي تتضمنها ، 1ونزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة ، 2ونظرية
الظروف الطارئة.3
يراجع القانون رقم 11/91المؤرخ في 27أبريل 1991المحدد للقواعد المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة 2
11
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تتعدد تقسيمات العقود بتعدد النواحي أو الزوايا التي ُينظر إليها من خاللها ،وهو ما
سنعرضه على التوالي.
الفرع األول :تقسيم العقد من حيث وجود تنظيم تشريعي خاص به:
تقسم العقود بالنظر إلى تنظيم المشرع لها أو عدم تنظيمه لها إلى عقود مسماة أو عقود
ّ
غير مسماة ،ومن حيث تكييفها إلى عقود بسيطة وعقود مركبة أو مختلطة.
هو عقد خصه المشرع الجزائري باسم معين وبنصوص قانونية تنظم أحكامه بالذات
بسبب شيوعه بين الناس ،ومثال ذلك عقد البيع ،وعقد اإليجار ،وعقد المقاولة ،والشركة،
وعقد الوديعة ،وعقد الهبة.
المسمى للقواعد القانونية التي أوردها القانون بشأنه ،باإلضافة إلى القواعد
ّ ويخضع العقد
العامة التي يخضع لها سائر العقود.
هو العقد الذي لم ينظمه المشرع الجزائري تنظيما خاصا بسبب عدم شيوعه بين الناس،
ولم يخصه باسم معين وترك األمر فيه إلى القواعد العامة ،وإلى جهد الفقه والقضاء لتأصيل
األحكام الخاصة به ،ومن أمثلته عقد النشر 1وعقد الفندقة.1
1
عقد النشر هو ذلك العقد الذي تتعهد بمقتضاه دار النشر بطبع كتاب لمؤلف معين وتتولى نشره وبيعه في مقابل
نصيب من األرباح.
12
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-1العقــود البسيطــة :هي العقود التي تتناول نوعا واحدا من العقود مثل عقد البيع
وعقد اإليجار.
-2العقـــود المختلطـة :هي التي تجمع بين عدة عقود ،عادة تكون عقودا غير مسماة،
ومثالها العقد بين صاحب الفندق والنزيل الذي يجمع بين عدة عقود مختلطة ببعضها ،عقد
اإليجار بالنسبة للغرفة التي يشغلها النزيل ،وعقد العمل بالنسبة للخدمة التي تُؤدى له ،وعقد
البيع بالنسبة للطعام الذي يقدم للنزيل ،وكذلك العقد بين صاحب المسرح والسينما والجمهور،
1
عقــد الفندق ــة هو عقد مختلط يتضمن عدة أنواع من العقود ،كاإليجار والبيع ،ومثاله ذهاب شخص إلى الفندق
ليبيت فيه ،فيطلب من صاحبه تأجيره غرفة ،فهذا التعامل يعتبر إبرام عقد إيجار ،ثم يذهب إلى مطعم الفندق
فيطلب أكالً ،هنا تكون بصدد عملية بيع وشراء ،لذلك تم اعتبار هذا النوع من العقود غير مسمى ،وهو يخلق
للقاضي نوعا من المشاكل فيما يخص تحديد طبيعة التعامالت السارية.
2
ومن أمثلة ذلك عقد التأمين.
13
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
فهو يشمل عقد إيجار بالنسبة للمقعد ،وعقد عمل بالنسبة للرواية التي تعرض على
المشاهدين.
فالقاعدة بالنسبة للعقود المختلطة أنه تُطبق عليها فيما يتعلق بتفسيرها أحكام العقود التي
امتزجت فيها ،ولكن إذا تناقضت هذه األحكام ،فيجب على القاضي ترشيح أحد العقود
باعتباره العقد الرئيسي وتطبيق أحكام هذا العقد دون سواه.
تنقسم العقود من حيث تكوينها إلى عقود رضائية (أوال) ،وعقود شكليــة (ثانيا) ،وعقود
عينية (ثالثا) ،وهو ما سنشرحه على التوالي.
إذن العقد الرضائي يقوم على تبادل إرادتين متطابقتين ،بمعنى إيجاب وقبول ،إذ متى
تطابق اإليجاب مع القبول بأي طريقة كانت ،تم العقد دون الحاجة إلى إفراغ اإلرادة في شكل
معين.
والغالب في الشكل أن يكون سندا رسميا ُيفرغ فيه العقد ،يحرره موظف مختص ،ولعل
المتعاقدين أو أحدهما
َ السبب في إدراج الشكل كركن أو كشكل إلثبات التصرف هو تنبيه
إلى خطورة العقد الذي يريدان إبرامه.
وقد يكون الشكل ركنا النعقاد العقد أو إلثباته ،ومثاله عقد الرهن الرسمي ،1وعقد نقل
ملكية العقار أو أي حق عيني آخر ،2وعقد الهبة ،3وعقد الكفالة 4الذي تكون فيه الكتابة
شرطا لإلثبات ال ركنا لالنعقاد.
هو العقد الذي ال يكفي النعقاده مجرد اإليجاب والَقبول ،بل يجب فوق ذلك ان يقترن
توافق اإلرادتين بتسليم العين موضوع العقد من أحد الطرفين إلى اآلخر ،ومثاله :هبة
المنقول ،حيث نص المشرع الجزائري في المادة 206من قانون األسرة على ما يلي " :تنعقد
الهبة باإليجاب والقبول ،وتتم بالحيازة ،ومراعاة أحكام التوثيق في العقارات واإلجراءات
الخاصة في المنقوالت .وإذا أختل أحد القيود السابقة بطلت الهبة ".
1
المادة 883من ق.م.
المادة 324مكرر 1من ق.م والمادة 12من قانون التوثيق. 2
4
المادة 645من ق.م.
15
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ينقسم العقد من حيث اآلثار المترتبة عنه إلى عقود ملزمة لجانبيـن(أوال) ،وعقود ملزمة
لجانب واحد (ثانيا) وذلك على النحو اآلتي.
هو العقد الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين ،ومثال ذلك عقد البيع
الذي يلتزم بمقتضاه البائع بنقل ملكية المبيع وتسليمه إلى المشتري في مقابل التزام هذا
األخير بدفع الثمن إلى البائع.
وفي هذا النوع من العقود ،نجد أن كل طرف فيها يكون دائنا ومدينا في نفس الوقت ،إذ
أن كل التزام من طرف يقابله التزام من الطرف اآلخر.
هو العقد الذي ينشئ التزامات في جانب أحد المتعاقدين دون اآلخر ،بحيث يكون أحد
طرفيه دائنا فقط غير مدين واآلخر مدينا غير دائن.
عرفته المادة 56من القانون المدني بنصها على ما يلي" :يكون العقد ملزما لشخص أو
لعدة أشخاص ،إذا تعاقد فيه شخص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين دون التزام من
هؤالء اآلخرين ".
ومثاله عقد الهبة الذي يلتزم فيه الواهب بنقل ملكية الشيء الموهوب وتسليمه إلى
الموهوب له ،دون أن يلتزم هذا األخير بأي شيء.
16
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
وعقد الوديعة بغير أجر ،و الذي يلتزم فيه المودع عنده بتسليم الشيء المودع ،ورده لدى
طلبه وال يلتزم المودع بشيء.
والمالحظ أن العقد الملزم لجانب واحد هو كسائر العقود ال يتم إال بتوافق اإلرادتين،
فلفظ "جانب واحد" مقصود ب ه أثر العقد ال تكوينه أو انعقاده ،فهو عقد ثنائي االنعقاد لكن
أحادي اآلثار ،ومن تم فهو يختلف عن التصرف القانوني الصادر من جانب واحد كالوصية
التي تنعقد بإرادة واحدة وال تعتبر عقدا كالهبة.
أهميـة التقسيــم :تظهر أهمية تقسيم العقود من حيث األثر أو المضمون من خالل:1
في العقد الملزم للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ،جاز للمتعاقد اآلخر أن
يتحلل من التزامه بأن يطلب من القاضي فسخ العقد ،فينحل العقد بأثر رجعي .2أما في العقد
الملزم لجانب واحد فال محل للفسخ ألنه عند إخالل المدين بالتزاماته فال تكون هناك
التزامات متقابلة في ذمة الطرف الثاني حتى يتصور أن يسعى المدين بتنفيذ التزامه إما
تنفيذا عينيا أو بمقابل أو عن طريق التعويض.
في العقد الملزم للجانبين ،يجوز ألحد الطرفين أن يدفع بعدم التنفيذ إذا ما طالبه الطرف
اآلخر بتنفيذ التزامه حتى يقوم هذا األخير بتنفيذ التزامه طبقا للمادة 123من القانون
محل لطلب الدفع بعدم التنفيذ ألنه ليس للدائن
المدني ،أما في العقد الملزم لجانب واحد فال ّ
أي التزام حتى يتحلل منه.
ّ
1
خليل أحمد حسن قدادة ،المرجع السابق ،ص .23-22
2
المادة 119من ق.م.
17
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
في العقد الملزم للجانبين ،إذا انقضى االلتزام بسبب استحالة تنفيذه فانه تنقضي معه
االلتزامات المتقابلة 1وينفسخ العقد من تلقاء نفسه أي بقوة القانون ،فال يستطيع المدين في
االلتزام الذي استحال تنفيذه أن يطالب الطرف اآلخر بتنفيذ االلتزام المقابل.
أما في العقد الملزم لجانب واحد ،فان الذي يتحمل تبعة االستحالة هو الدائن ال المدين،
ففي عقد الهبة مثال إذا هلك الشيء الموهوب ،فان الواهب ينقضي التزامه فيكون الدائن
الموهوب له هو الذي يتحمل الخسارة الناشئة عن استحالة تنفيذ االلتزام.
تنقسم العقود بالنظر إلى مقابل االلتزام إلى عقود معاوضة (أوال) ،وعقود تبرع (ثانيا)،
وهو ما سنعرضه تباعا.
هو ذلك العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابال لما أعطى ولما التزم به ،ولقد
عرفه المشرع الجزائري في المادة 58من القانون المدني بأنه" :العقد بعوض هو الذي يلزم
كل واحد من الطرفين إعطاء أو فعل شيء ما" ،ومثاله عقد البيع الذي يأخذ فيه البائع الثمن
مقابل نقل ملكية الشيء المبيع ،ويأخذ فيه المشتري الشيء المبيع مقابل الثمن الذي دفعه.
والحال كذلك في عقد اإليجار والشركة والصلح والعمل وغيرها.
18
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
هو العقد الذي ال يأخذ فيه المتعاقد مقابال لما أعطى ،فهو يتميز عن عقود المعاوضة
بقصد أو نية التبرع .ومثاله عقد الهبة بغير عوض ،وعارية االستعمال ،والوديعة وغيرها.
أهميـة التقسيــم :تظهر أهمية تقسيم العقد إلى عقد معاوضة وعقد تبرع من خالل:
أن
في عقود المعاوضات ال يبطل العقد إذا حدث غلط في شخص العاقد إال اذا ثبت ّ
شخصيته كانت محل إعتبار خاص عند التعاقد ،أما في عقود التبرع فاألصل العام أن الغلط
في شخص المتعاقد يعيب الرضا فيجعل العقد قابال لإلبطال.
مسؤولية المتبرع أخف عادة من مسؤولية المعاوض ،ومسؤولية المعاوض أخف من
مسؤولية المتبرع له ،فمسؤولية الواهب في عقد الهبة أخف من مسؤولية البائع في عقد البيع،
ومسؤولية المستأجر في عقد اإليجار أخف من مسؤولية المستعير في عقد العارية 1وهكذا.
-4إثبات سوء النية في عقود التبرع أسهل منه في عقود المعاوضة ،فالدائن يستطيع أن
يطعن في أي تصرف يقوم به المدين ويؤدي إلى إضعاف الضمان العام وذلك بالدعوى
1
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،60ص .163
19
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
فالبد
ّ البوليصية دون الحاجة إلى إثبات سوء نية من تلقى التبرعّ ،
أما في عقود المعاوضة
للدائن أن يثبت سوء النية.1
تقسيـــم فرعــــي :تنقسم عقود المعاوضة بدورها إلى عقود محددة القيمة ،وعق ــود
احتمالية وهو ما سنوضحه.
هو العقد الذي تكون فيه قيمة األداء معروفة ومعينة وقت التعاقد ،ففي البيع مثال،
يستطيع البائع وقت التعاقد أن يحدد قدر المبيع الذي أعطاه للمشتري وقدر الثمن الذي
تقاضاه منه ونفس الشيء بالنسبة للمشتري ،وكذلك الحال بالنسبة لعقود اإليجار والشركة
والعمل.
هو العقد الذي ال يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد أثناء إبرام العقد مقدار ما
يأخذ أو مقدار ما يعطي ألنه عقد متوقف على أمر مستقبلي محتمل غير محقق الوقوع ،أي
أنه عقد ال يعرف سلفا وقت التعاقد أيهما سيربح وأيهما سيخسر.
ومثاله عقد التأمين ،وعقد الرهان ،وعقد بيع الثمار قبل نتاجها بثمن جزافي ،وعقد المرتب
مدى الحياة.
هذا وتبرز أهمية تقسيم العقد إلى محدد واحتمالي في تطبيق أحكام الغبن 2في العقود
المحددة القيمة ،يجوز للطرف المغبون أن يطلب رفع الغبن عنه طبقا للقانون .أما في العقود
1
ومن أمثلة العقود االحتمالية أيضا :البيع بثمن هو إيراد مرتب مدى الحياة ،وعقود الرهان والمقامرة.
الغبن هو عدم التوازن والتعادل بين االلتزامات المتقابلة. 2
20
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
االحتمالية فال يمكن للطرف الخاسر أن يلجأ إلى أحكام الغبن لفرعها عنه ألنه كان مضاربا
من األول ،وعليه أن يجب عليه أن يتحمل نتيجة مضاربته ،فاحتمال الخسارة في العقود
االحتمالية عنصر أساسي في هذا النوع من العقود.
كما يعتبر االحتمال في العقود االحتمالية عنص ار جوهريا فيه ،فإذا اتضح عدم وجود
االحتمال عند التعاقد يكون العقد باطال ،فمثال إذا أبرم شخص عقد تأمين على بضاعة
تنقسم العقود من حيث المدة إلى عقود فورية (أوال) ،وعقود ممتدة (ثانيا).
هو العقد الذي يتم تنفيذه دفعة واحدة فور انعقاده ،أي دون أن يمتد إلى الزمن .ويعتبر
تنفيذه فورياً حتى ولو تراخى إلى أجل أو آجال متتابعة ومثاله عقد البيع الذي ينقل فيه البائع
فور انعقاده ملكية المبيع ويدفع فيه المشتري الثمن.
ويعتبر فورياً ولو كان الثمن مؤجال أو مقسط ًا ،2ألن الزمن في هذه الحالة ال أثر له في
تحديد مقدار الثمن وألن الزمن فيه كان عنص ار عارضاً.
2
ألن الثمن الذي يدفع أقساطا ليس إال ثمنا مؤجال إلى
يعتبر البيع بالتقسيط من العقود الفورية وليس الزمنية ّ
آجال متعددة.
21
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
هو العقد الذي يعتبر الزمن فيه عنص ار جوهريا كعقد اإليجار وعقد العمل ،ذلك أن
االستفادة من جهة العامل ،واالنتفاع بالعين المؤجرة ينطوي على عنصر الزمن.
وقد يكون العقد الزمني ذا تنفيذ دوري كعقد التوريد أو عقد اإليراد المرتب مدى الحياة
متى اتفق األطراف على ذلك.
فإنه يقع بأثر رجعي يعود إلى وقت إبرام العقد ،بينما في
-1إذا فسخ العقد الفوريّ ،
ألن ما نفذ ال يمكن إعادته.
فإن أثر الفسخ ليس له أثر رجعي ّ
العقد الزمني ّ
إن نظرية الظروف الطارئة 1هي المجال الطبيعي في العقود الزمنية ،حيث يكون
ّ -2
أما
تتغير الظروف أثناء فترة تنفيذ العقدّ ،
الزمن عنص ار جوهريا في العقد ومن ثم يمكن أن ّ
بالنسبة للعقد الفوري فال تطبق عليه نظرية الظروف الطارئة.
-3في العقد الفوري يكون االعذار أم ار ضروريا الستحقاق التعويض عن التأخير في
ألن تأخر المدين عن تنفيذ التزامه ال يمكن
أما في العقد الزمني فال ضرورة لالعذار ّ
تنفيذهّ ،
تداركه بمرور الزمن ،فال فائدة من االعذار.
1
لقد أخذ الفقه اإلسالمي بنظرية الظروف الطارئة وسماها نظرية العذر ،وأجاز الفقهاء فسخ العقد للعذر ،وقالوا
أنه لو لزم تنفيذ العقد لترتب لصاحبه ضرر لم يلزمه بالعقد.
22
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تنقسم العقود من حيث سلطة الطرفين إلى عقود مساومة (أوال) ،وعقود إذعـ ــان (ثانيا)،
وهو ما سنعرضه تباعا.
هو ذلك العقد الذي يقوم على حرية كل من أطراف العقد في مناقشة الشروط التي
تناسب مصلحة كل طرف ،وتكون فيه إرادة الطرفين متساويتين ،كعقد البيع واإليجار ،أي
يوجد مساواة بين الطرفين من حيث اإلدارة.
هو العقد الذي يكون أحد الطرفين فيه قوياً واآلخر ضعيفاً ،فيسمى الطرف القوي في
(الم ْذ َع ْن). ِ
الم ْذع ْن ويسمى الطرف الضعيف في العالقة ُ
العالقة ُ
وفيه يعرض الطرف القوي شروطه على الطرف الضعيف ،بحيث ال يمكنه مناقشة هذه
الشروط وتعديلها ،كالتعاقد مع شركة الكهرباء .وعليه يظهر لنا أن اإلرادتين غير متساويتين.
ولقد نظم المشرع الجزائري أحكام عقد اإلذعان في المادة 70من القانون المدني التي
تنص على ما يلى" :يحصل القبول في عقد اإلذعان بمجرد التسليم لشروط مقررة يضعها
الموجب وال يقبل المناقشة فيها".
23
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
أهميـة التقسيــم :تكمن أهمية تقسيم العقد إلى مساومة وإذعان في اآلتي:
ال يجوز للقاضي أن يعدل شروط عقد المساومة ،ألنها تقوم على أساس مبدأ سلطان
اإلرادة ،والتي تكرسه المادة 106من القانون المدني التي تنص على ما يلى" :العقد شريعة
المتعاقدين ،فال يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين ،أو لألسباب التي يقررها القانون".
أما في عقود اإلذعان فللقاضي أن يعدل شروطها التعسفية ،بل وله أن يعفي فيها
الم ْذ َع ْن (الضعيف) سواء كان دائنا أو مدينا طبقاً للمادة 1/110من القانون المدني.
الطرف ُ
يفسر الشك لمصلحة المدين طبقاً لنص المادة 1/112من القانون المدني في عقود
الم ْذ َع ْن (الطرف الضعيف) سواء كان دائنا أو مدينا
المساومة ،بينما يفسر الشك لمصلحة ُ
في العقد البسيط أو العقد المركب طبقا للفقرة الثانية من نفس المادة المذكورة.
24
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
البد من توافر أركانه األساسية وهي :التراضي والمح ــل والسب ــب
لينعقد العقد صحيحا ّ
والشكـ ــل بالنسبة للعقود الشكلية.
1
المطلب األول :التراضـــــــــــــــــــي
تنص المادة 59من القانون المدني على ما يلى" :يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان
التعبير عن إرادتهما المتطابقتين ،دون اإلخالل بالنصوص القانونية" ،األمر الذي ُيستفاد
منه ،أن التراضي هو تطابق إرادتي المتعاقدين وتوافقهما وانصرافهما إلى إحداث أثر قانوني
معين أال وهو إنشاء االلتزام.
ولكي يكون التراضي صحيحا منتجا آلثاره ،يجب أن تكون كل من اإلرادتين المتوافقتين
قد صدرت عن ذي أهلية ،وأن تكون خالية من العيوب ،وهذا ما سنتناوله في الفرعين
التاليين.
-1وجــــود اإلرادة
المقصود بها -سواء كانت إيجابا أو َق ُبوال -هو صدورها من شخص لديه إرادة ذاتية،
يعتد بها القانون بنية إحداث أثر قانوني.
25
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
فتنعدم اإلرادة الذاتية للشخص ،إذا ما فقد وعيه .مثال لسكر أو مرض أو تنويم
مغناطيسي.
وال تنتج اإلرادة أثرها رغم تحققها عند الشخص عندما ال يعتد بها القانون ،وذلك متى
صدرت عن شخص غير مميز كالطفل غير المميز والمجنون ،فالقاضي ال يعتد إال بإرادة
المميز.
هذا وتعتبر اإلرادة غير منشئة ألثر قانوني كما لو صدرت في حالة المجامالت
االجتماعي ة 1أو عن إرادة الهازل أو من يعلق التزامه على محض مشيئته ،كأن يقول
الشخص" :أبيعك هذا الشيء إذا أردت" ،هنا لم تصدر عنه بعد إرادة االلتزام ،فال ينعقد العقد
بقبول يصدر من الطرف اآلخر.
-2التعبيـــر عن اإلرادة
اإلرادة في ذاتها عمل نفسي ال يعلم به إال صاحبه ،وال يعتد بها القانون إال عن طريق
التعبير عنها .فكيف تتبلور هذه اإلرادة حتى ينشأ العقد؟
أن القانون ال يهتم بمجرد النوايا الداخلية وال يرتب عليها أي أثر إال إذا اقترنت
القاعدة ّ
بفعل خارجي.
والمبدأ العام في انعقاد العقد هو الرضائية ،إ ْذ لم يشترط المشرع الجزائري طريقة معينة
ليعبر المتعاقد عن إرادته وهذا ما أكدت عليه المادة 60من القانون المدني في نصها على
1
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،72ص .172
26
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ما يلي" :التعبير عن اإلرادة يكون باللفظ ،وبالكتابة ،أو باإلشارة المتداولة عرفا ،كما يكون
باتخاذ موقف ال يدع أي شك في داللته على مقصود صاحبه.
ويجوز أن يكون التعبير عن اإلرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على
أن يكون صريحا".
ُيستفاد من نص هذه المادة أنه ال ُيشترط مظهر أو طريقة خاصة يتعين بها التعبير عن
اإلرادة ،إذ يجوز للشخص أن يعبر عن إرادته بالصورة التي يراها مناسبة له ،فقد يكون
التعبير عن اإلرادة صراحة أو ضمنا.
التعبير الصريح هو ما يدل على قصد صاحبه حسب الطرق المتعارف عليها بين
الناس ،فيكون التعبير صريحا بالكالم ،أي بإستعمال لأللفاظ الدالة على المعنى الذي تنطوي
عليه اإلرادة أيا كانت اللغة المستعملة في ذلك ،فالكالم يتم مباشرة باللسان أو بالواسطة
كالهاتف أو بإيفاد رسول ال يكون نائبا.
أو بالكتابة سواء كانت عرفية أو رسمية ،وتكون الكتابة إما بخط اليد أو باآللة الكاتبة
وقد تكون ُم َوقع عليها أو غير ُم َوقع عليها مادام ال يوجد شك في صدورها عن صاحبها.
أو باإلشارة المتداولة عرفا كهز الرأس عموديا للتعبير عن "الموافقة" وهزه أفقيا للتعبير
عن "الرفض" ،أو إشارة األخرس.
كما قد يكون التعبير الصريح باتخاذ موقف معين يدل بذاته على المقصود بحسب
المعدة لركوب
المألوف بين الناس ،كوقوف سيارات األجرة ذات األسعار المحددة في األماكن ُ
المسافرين ،يعتبر تعبي ار صريحا من السائق عن إيجار موجه منه إلى الجمهور ،وكعرض
27
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
التاجر بضائعه في واجهة حانوته مع بيان أسعارها فيه إيجاب صريح ببيع البضاعة
المعروضة بالثمن المبين.
أما للتعبير الضمني فهو الذي ال يستدل منه على وجود اإلرادة إال بطرق غير مباشرة،
أي هو تعبير عن اإلرادة بطريق غير مباشر ،أي هو تعبير عن اإلرادة غير مباشر ،يستنتج
من األفعال التي يقوم بها الشخص كمؤشر لتلك اإلرادة وما تنطوي عليه .ومثاله بقاء
المستأجر في العين المؤجرة رغم انتهاء مدة اإليجار ،يعتبر قرينة على رغبته في تجديد
اإليجار ،وقبض المؤجر أجرة الشهر التالي النتهاء اإليجار يفيد ضمنا قبوله لهذا التجديد.
والمالحظ انه تطبيقا لمبدأ الرضائية ،يكون للتعبير الضمني نفس قيمة التعبير الصريح،
على أن القانون يوجب أحيانا أن يكون التعبير عن اإلرادة مفرغا في شكل خاص كما هو
الحال في العقود الشكلية التي ال يكفي التعبير الضمني بذاته النعقادها.
نشير بهذا الصدد أن هناك أحواال يجب أن يكون تعبير اإلرادة فيها صريحا وال يمكن أن
يكون ضمنيا ،إذ نص المشرع الجزائري 1مثال على أن حجية الدفاتر التجارية واألوراق
التجارية ال تقوم مقام السند إال إذا قصد من هذه األوراق أن تقوم مقام السند.
هل يصح استخالص التعبير الضمني عن اإلرادة من وضع سلبي محض هو السكوت؟
من الواضح أنه ال محل لهذا السؤال بخصوص اإليجاب ،فاإليجاب ينطوي على عرض
موجه من شخص إلى شخص آخر ،فال يتصور أن يستخلص من السكوت .وإنما يطرح هذا
السؤال حول القبول ،بحيث إذا سكت من وجه إليه اإليجاب فلم يصدر عنه أي تعبير صريح
28
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
عن موقفه من هذا اإليجاب ،ولم يقم بأي عمل إيجابي يستنتج منه قبول أو رفض ،فهل
يصح أن يستنتج من هذا السكوت قبول ضمني لإليجاب المعروض عليه؟
األصل أن السكوت المجرد ال يتضمن أية داللة على القبول طبقا للقاعدة الفقهية
المعروفة "ال ينسب لساكت قول" فهو ال يدل ال على القبول وال على الرفض ،غير أن هناك
رضاء ،أي تعبير عن اإلرادة ،وذلك إذ نص المشرع
ً حاالت استثنائية يعتبر فيها السكوت
صراحة على اعتبار السكوت رضا ،وهذا ما نص عليه المشرع في المادة 68من القانون
المدني بقوله" :إذا كانت طبيعة المعاملة ،أو العرف التجاري ،أو غير ذلك من الظروف،
تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول ،فإن العقد يعتبر قد تم ،إذا لم يرفض
اإليجاب في وقت مناسب.
الرد قبوال ،إذا اتصل اإليجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين ،أو إذا
ويعتبر السكوت في ّ
كان اإليجاب لمصلحة من وجه إليه".
من خالل نص المادة سالفة الذكر ،يمكن اعتبار السكوت قبوال في الحاالت األربعة
اآلتية:
-إذا كانت طبيعة المعاملة تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول.
ومثاله أن يرسل المصرف لعميله بيانا بحسابه الجاري.
-العرف التجاري يدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريح بالقبول .ومثاله تاجر
الجملة الذي اعتاد أن يرسل بضاعة لتاجر التجزئة مرفوقة بأسعار جديدة قبول التاجر لهذه
السلعة يعني أن التاجر وافق على األسعار الجديدة.
29
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل اإليجاب بهذا التعامل .ومثاله تاجر
التجزئة قام بإرسال قائمة لتاجر الجملة قبل هذه البضاعة – هذا الموقف يعني أنه قبل
وسوف يرسل البضاعة وشأنه أنه يطمئن تاجر التجزئة بأن البضاعة سوف تصل إليه.
-إذا كان اإليجاب لمصلحة من وجه إليه فسكوت هذا األخير يعتبر قبول .ومثاله
شخص عرض على شخص آخر أنه سوف يهبه شيء ما دون مقابل فسكوت الطرف اآلخر
يعني قبول هذه الهبة.
ب -قيمة اإلرادة والتعبير عنها في تكوين العقد (نظرية اإلرادة الباطنة والظاهرة)
وهي النظرية التقليدية التي تعتد باإلرادة الحقيقية ال باإلرادة الظاهرة ،فالتصرف يستمد
قوته من اإلرادة الحقيقية ألطرافه باعتبارها العنصر األهم في تكوين التصرف القانوني ،وقد
30
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
أخذت بهذه النظرية القوانين الالتينية وعلى األخص القانون الفرنسي وذلك نتيجة سيطرة
النزعة الذاتية أو الشخصية على تلك الشرائع.1
أن
وهي النظرية الحديثة ويرجع الفضل في ظهورها إلى الفقهاء األلمان الذين اعتبروا ّ
اإلرادة ال يجوز أن يكون لها أثر في القانون فهي شيء كامن في النفس ،و ّ
البد إلنتاج أثرها
أن تتخذ مظه ار اجتماعيا ،وهذا المظهر يكون باإلفصاح عنها وهذا اإلفصاح هو الذي يعتد
به القانون ويرتب أحكامه عليه ،فالعبرة إذن بالتعبير أي باإلرادة الظاهرة حتى يكون هناك
استقرار في التعامل بين الناس.2
2
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،79ص ،181-180وعلي علي سليمان ،النظرية العامة
لاللتزام ،مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري ،الطبعة السابعة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص
.33-32
نص المشرع الجزائري في المادة 111من ق.م على ما يلي" :إذا كانت عبارة العقد واضحة فال يجوز 3
يقصد بتوافق اإلرادتين اقتران اإليجاب بقبول مطابق له فينعقد العقد ،وعليه يتم توافق
اإلرادتين على ثالثة مراحل هي :اإليجاب ،والقبول ،ثم اقتران اإليجاب بالقبول ،وهو ما
سنتناوله بالشرح والتفصيل فيما يلي.
-1اإليجــــاب
أي أن ينطوي على إرادة الموجب في إبرام العقد بمجرد اقتران القبول به ،وهذا ما ُيميزه
على الدعوة للتفاوض ،ألن اإلرادة التي تقابل الدعوة للتفاوض ،ال تعدو أن تكون إيجابا وال
تكفي النعقاد العقد ،بل تحتاج إلى قبول من الداعي إلى التفاوض وذلك خالفا لإليجاب.
ومثاله عرض السلع في واجهات المحالت التجارية ،فإذا كان عرضها مقرونا ببيان ثمنها
أعتبر ذلك إيجابا جازما موجها إلى الجمهور ،وطلب الشراء الذي يتقدم به أحد الجمهور
أعتبر َقبوال ،ينعقد به العقد ،أما إذا كان العرض خاليا من الثمن أعتبر ذلك مجرد دعوة إلى
التفاوض .وأن طلب الشراء حتى بعد االستعالم عن الثمن يعد إيجابا فحسب يحتاج إلى
قبول من التاجر (البائع) حتى ينعقد العقد.
32
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
والمالحظ أن هذه الخاصية تبقى قائمة حتى ولو علق اإليجاب بشرط صريح أو ضمني
وهو ما يسمى باإليجاب المعلق ،كأن يعرض شخص على الجمهور شيئا ذا كمية محدودة
كأماكن المسرح أو السينما ،فيكون هذا إيجابا معلقا على شرط عدم نفاذ الشيء المعروض
فيتم العقد مع من يقبل أوال حتى نفاذ الشيء المعروض.
ففي هذه الحالة متى توافرت نية التعاقد على وجه جازم ،فان تعليق العرض على شرط
صريح أو ضمني ال يمنع من اعتباره إيجابا.
أي أن تتوافر في اإليجاب كل العناصر األساسية للعقد المراد إبرامه ،بحيث ينعقد العقد
بمجرد اقتران القبول به ،ففي البيع مثال ال يعتبر العرض إيجابا إال إذا عين فيه على األقل
شيئين :الشيء المبيع وثمنه (تعيينا دقيقا) وهذه الخاصية تميز اإليجاب عن الدعوة
للتفاوض ،فوضع الفتة على منزل مثال ألنه للبيع ،يعتبر مجرد دعوة للتفاوض ال إيجابا إلى
أن تعين مساحة المنزل وثمنه إلى غير ذلك.
أ -القـــوة الملزمــة لإليجـــاب :أي ما مدى التزام الموجب بالبقاء على إيجابه بعد صدوره
منه؟
القاعدة أنه ال يترتب على مجرد صدور اإليجاب من الموجب أي التزام ،طالما لم
يتصل اإليجاب بعلم من ُوجه إليه ،وعليه إذا رجع الموجب عن إيجابه خالل هذه المدة ،كان
رجوعه صحيحا.
أما بعد اتصال اإليجاب بعلم من ُوجه إليه (القبول) فال يجوز للموجب الرجوع عن
إيجابه إذا اقترن بتحديد مدة القبول ألن اإليجاب هنا أصبح ملزما.
33
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
وليس ضروريا أن يحدد الموجب هذه المهلة صراحة ،بل يصح استنتاجها من الظروف
التي يستطيع فيها من ُوجه إليه اإليجاب أن يتدبر أمره أو ُيرد بالقبول أو الرفض.
وعليه إذا رجع الموجب عن إيجابه الملزم خالل مدة التزامه به ،فال يكون له ٌ
أثر ،بل
يظل قائما رغم الرجوع بحيث إذا ما اقترن به القبول خالل هذه المدة انعقد العقد.1
انتهينا إلى أن اإليجاب ال يكتمل وجوده القانوني وال يرتب أثره ،إال من وقت علم
الموجب له لهذا اإليجاب ،لكن السؤال الذي يطرح هنا :ما هو أثر الموت وفقد األهلية في
التعبير عن اإلرادة؟
إذا صدر التعبير فيكون له وجود فعلي من وقت صدوره من صاحبه ،وهذا الوجود
الفعلي يبقى حتى لو مات صاحبه أو فقد أهليته . 2وهذا ما نصت عليه المادة 62من
القانون المدني التي جاء فيها ما يلي" :إذا مات من صدر منه التعبير عن اإلرادة أو فقد
فإن ذلك ال يمنع من ترتيب هذا األثر عند اتصال التعبير
أهليته قبل أن ينتج التعبير أثرهّ ،
بعلم من وجه إليه ،هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو طبيعة التعامل".
1
المواد 61إلى 63ق.م.
2
من أمثلة ذلك شخص في الجزائر كتب آلخر في فرنسا يعرض عليه صفقة فقبلها هذا األخير ،ومات الشخص
الذي في الجزائر قبل أن يصل القبول إلى علمه ،في هذه الحالة يتم العقد ويتعين على ورثته تنفيذ ما التزم به
مورثهم.
34
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-إذا مات ا لموجب له (القابل) أو فقد أهليته قبل علمه باإليجاب ،فال يجوز لورثته
القبول محله.ألنه لم ينشأ لمورثهم قبل وفاته حق في القبول ،حتى ينتقل إليهم هذا الحق
بالميراث.
-إذا مات الموجب له (القابل) أو فقد أهليته بعد صدور القبول عنه أنتج هذا القبول أثره
متى اتصل به ع لم الموجب ومن ثم ينعقد العقد وينفذ في مواجهة الورثة ،غير أنه إذا تبين
من التعبير أو من طبيعة التعامل أن المتعاقد كان محل اعتبار بالعقد (فنان ،رساما ،)...فإن
العقد ال يتم وال يتم التعبير أثره حتى ولو اتصل بعلم من وجه إليه.
-إذا مات الموجب أو فقد أهليته قبل علم الموجب له به ،فإن العقد ال يتم حتى لو أعلن
القابل عن قبوله دون أن يعلم بوفاة الموجب أو بفقدان أهليته.ألنه يجب لتمام العقد أن يصل
العلم بالقبول إلى الموجب.
-إذا كان اإليجاب غير ملزم في التعاقد بين الحاضرين ،أي إذا انفض مجلس العقد
ولم َي ْعدل الموجب عنه أو لم يقترن بتحديد ميعاد صريح للقبول ولم ُيستخلص من
الظروف ميعاد الضمني برجوع الموجب عن إيجابه قبل قبوله ممن وجه إليه.
هذا وتجدر اإلشارة إلى ّأنه إذا صدر القبول بعد سقوط اإليجاب فال يعتد بهذا القبول
المتأخر وال يعتبر قبوال إليجاب قائم ،ولكن يعتبر بمثابة إيجاب جديد موجه إلى من أصدر
األول ،فإذا قبله انعقد العقد.1
اإليجاب ّ
-2القبــــــــــول
القبول هو التعبير الثاني عن اإلرادة يصدر ممن ُوجه إليه اإليجاب يخبره بقبوله اإليجاب
فيتحقق توافق اإلرادتين أو هو رد على اإليجاب بالموافقة ،ويشترط فيه أن يكون مطابقا
تماما لما ورد في اإليجاب ،ألنه إذا اقترن بما يزيد في اإليجاب أو يقيد منه أو يعدل فيه
اعتبر ذلك رفضا يتضمن إيجابا جديدا.
-أن يكون حرا ،أي أن الموجب له يستطيع أن يقبل اإليجاب أو يرفضه أو يدعه
يسقط.
-أن يكون مطابقا لإليجاب ،فإذا كان يختلف عنه ولو في مسائل ثانوية ال يعتبر قبوال
ينعقد به العقد.
-أن يوجه إلى الموجب في الوقت المناسب أي خالل المدة المعينة للقبول إذا وجدت،
أو خالل المدة التي تلزمه عادة وفقا لما تقتضيه طبيعة التعامل أو العرف.
-أن يصدر القبول في الشكل الذي تطلبه الموجب ،مثل تطلب صدوره مكتوبا.
36
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يعتبر القبول مطابقا لإليجاب طبقا للمادة 65من القانون المدني وينعقد العقد ،متى اتفق
الطرفان على جميع المسائل الجوهرية ،واحتفظا بالمسائل التفصيلية يتفقان عليها فيما بعد،
ولم يشترطا أن العقد ال يتم عند عدم االتفاق عليها.
على أنه إذا قام خالف بين المتعاقدين على المسائل التي لم يتفق عليها ،فان المحكمة
تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة وألحكام القانون والعرف والعدالة.
أ -الصـور الخـاصة للقبـول :هناك حاالت خاصة للقبول نوجزها في:
طبقا للمادة 70من القانون المدني ،يحصل القبول في عقود اإلذعان بمجرد التسليم
المذعن (الطرف ِ
(المذعن) دون مناقشتها من بالشروط التي وضعها وقررها الموجب
َ
الضعيف) كما هو الحال في عقود التأمين ،وعقود النقل والطيران وغيرها.1
طبقا للمادة 69من القانون المدني ،ال يتم العقد في المزايدات إال ُ
برسّو المزاد ،ويسقط
المزاد بمزاد أعلى ولو كان باطال ،وعليه ويعتبر قبوال في عقود المزاد أعلى عطاء.
1
لتفاصيل أكثر حول طبيعة عقد اإلذعان ،يراجع :عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،118-117
ص 231وما يليها.
37
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يجب أن يتطابق اإليجاب بالقبول حتى ينعقد العقد ،وهنا نميز بين حالتين:
يقصد به ،إتحاد مجلس العقد حقيقة أو حكما أي أن التعاقد قد تَ َم بين حاضرين يجمعهم
مجلس عقد واحد.1
حقيقـــة :االثنين معا في مجلس عقد واحد ال يفرقهما ال زمان وال مكان ،بحيث إذا صدر
التعبير على أحدهما يعلم به الطرف اآلخر في ذات الوقت وفي عين المكان.
حكمـــا :التعاقد بالهاتف مثال ،بحيث ال يوجد فاصل زمني بين صدور التعبير والعلم به
وهنا الرأي الراجح أن مكان انعقاد العقد هو مكان وجود الموجب وقت علمه بالقبول.
متى اتحد مجلس العقد حقيقـة أو حكمـا ،وجب على الموجب له أن يقبله فورا ،وإال ُع َد
ذلك رفضا ،2ومع ذلك يتم العقد ولو لم يقبل اإليجاب فورا ،إذا لم يوجد ما يدل أن الموجب
قد عدل عن إيجابه في الفترة مابين اإليجاب والقبول وصدر القبول قبل أن ينفض مجلس
العقد.3
إذن ،يجوز أن يتراخى القبول ما دام المتعاقدان في مجلس العقد ومنشغلين بالتعاقد.
1
خليل احمد حسن قدادة ،المرجع السابق ،ص.402
2
المادة 1/64من ق.م.
3
المادة 2/64من ق.م.
38
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يقصد به حالة ما إذا كان المتعاقدين غير حاضرين وال يجمعهما مجلس عقد واحد ال
حقيقة وال حكما ،فيكون التعامل بطريق المراسلة مثال أن يوجد فاصل زمني ومكاني بين
المتعاقدين فتثور بهذا الشأن مشكلة تحديد مكان وزمان انعقاد العقد .وعليه كيف ومتى يتم
التعاقد بين الغائبين؟
القبـــول
* نظريـــة إعـــالن َ
التي تعتبر العقد منعقدا بمجرد إعالن القابل قبوله لإليجاب .يعاب على هذه النظرية أن
الموجب قد ال يعلم بصدور القبول وقد يعدل عن إيجابه قبل علمه بالقبول.
والتى تعتبر العقد تاما في الوقت الذي يصدر فيه القابل رسالته المتضمنة قبوله .يعاب
على هذه النظرية أيضا أن القابل يمكنه الرجوع والعدول عن قبوله ما دامت الرسالة لم تصل
إلى الموجب أو أن يعدل الموجب عن إيجابه إذا لم يحدد أجل لذلك.
والتي تعتبر العقد منعقدا في الوقت الذي يصل فيه القبول إلى الموجب ولو لم يعلم به
كما لو وضع القابل رسالة القبول في الصندوق البريدي للموجب في هذه اللحظة ينعقد العقد.
يعاب على هذه النظرية أن الموجب قد تصله رسالة القابل دون أن يعلم بقبوله ،ألنه لم يفتح
صندوقه البريدي.
39
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
والتي تعتبر العقد تاما عند علم الموجب بالقبول ،وبها أخذ المشرع الجزائري ،إذا نص
في المادة 67من القانون المدني على ما يلي" :يعتبر التعاقد مابين الغائبين قد تم في
المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ،ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني
يقضي بغير ذلك.
ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما
القبول".
ومنه يتم العقد في الزمان والمكان الذين يعلم بهم الموجب بقبول القابل ،أما وصول
رسالة القابل إلى الموجب فيعتبر مجرد قرينة بسيطة على علم الموجب بالقبول حتى يثبت
العكس وبالتالي اقتران القبول باإليجاب.
رأينا كيف يتم العقد على نحو بات نهائي ،ولكن قد يسبق مرحلة التعاقد النهائي مرحلة
تمهيدية قد تؤدي أو ال تؤدي إلى المرحلة النهائية ،ومن أهم صور هذه المرحلة التمهيدية:
الوعد بالتعاقد والتعاقد بالعربون.
/1الوعد بالتعاقد:
40
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تنص المادة 71من القانون المدني على ما يلي" :االتفاق الذي يعد له كال المتعاقدين
معين في المستقبل ال يكون له أثر إالّ إذا عينت جميع المسائل
أو أحدهما بإبرام عقد ّ
الجوهرية للعقد المراد إبرامه ،والمدة التي يجب إبرامه فيها.
وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يطبق على االتفاق
المتضمن الوعد بالتعاقد".
بمجرد ظهور
ّ أن الوعد بالتعاقد خطوة نحو التعاقد النهائي فيجب أن يكون ّ
مجه از بما ّ
رغبة الموعود له ،ومن ثم يجب أن تتوافر في الوعد بالتعاقد الشروط التالية:
-1يجب أن يتضمن الوعد بالتعاقد المسائل الجوهرية للعقد الموعود بإبرامه ،فإذا كان
فالبد من تحديد الشيء المبيع والثمن.
بيعا ّ
في هذه الحالة يعتبر الوعد بالتعاقد عقدا ملزما لجانب واحد وهذا بحسب األصل ،لكن قد يكون الوعد بالتعاقد 1
المدة التي يجب خاللها إبرام العقد الموعود به ،وتحديد المدة
-2يشترط في الوعد تعيين ّ
قد يكون صراحة أو ضمنا يستدل من ظروف الحال.1
-3يجب أن يستوفي عقد الوعد الشكل الذي يتطلبه القانون إذا كان العقد الموعود به
من العقود الشكلية مثل عقد بيع العقار ،وعقد الهبة ،والرهن الرسمي ،وهذا طبقا لمقتضيات
المادة 2/71المذكورة أعاله ،فإذا لم يستوف الوعد بالتعاقد الشكل المطلوب وقع باطال.2
إذا انعقد الوعد صحيحا ،فنميز فيه بين مرحلتين يفصل بينهما ظهور رغبة الموعود له
في التعاقد النهائي.
قبل أن يظهر الموعود له رغبة في التعاقد النهائي ال يكسب الموعود له إالّ حقوق
شخصية ،فإذا كان العقد النهائي بيعا فال تنتقل الملكية إلى الموعود له ويبقى الواعد مالكا
ثم يمكنه أن يبيعه ويرجع الموعود له على الواعد بالتعويض فقط ،وإذا هلك
لشيء ومن ّ
تحمل الواعد تبعة الهالك.
الشيء بقوة قاهرة ّ
إذا لم يظهر الموعود له رغبته في إبرام العقد النهائي خالل المدة المتفق عليها سقط
بمجرد
ّ فإن التعاقد النهائي يتم
أما إذا أظهر رغبته خالل المدة المتفق عليها ّ
الوعد بالتعاقدّ ،
ظهور الرغبة ال من وقت الوعد.
1
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،134ص .253
2
يراجع قرار المحكمة العليا ،ملف رقم 154760 :مؤرخ في 12 :أفريل ،1996منشور في المجلة القضائية
لسنة ،1996العدد األول ،ص .99
42
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
إذا وعد شخص آخر بإبرام عقد ثم نكل ،وكانت الشروط الموضوعية والشكلية متوافرة في
الوعد بالتعاقد ،جاز للموعود له أن يرفع دعوى يطالب فيها بإتمام العقد ،وهنا يقوم الحكم
مقام العقد وهذا وفقا لمقتضيات المادة 72من القانون المدني.
/2التعاقد بالعربون:
يسمى
يتفق المتعاقدان أحيانا عند إبرام العقد أن يرفع أحدهما لآلخر مبلغا من المال ّ
لكل منهما في العدول عن العقد بدفع قدر هذاإما تقرير حق ّالعربون ،ويكون الغرض منه ّ
إما تأكيد العقد عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العربون.1
العربون لآلخر ،و ّ
ولقد حسم المشرع الجزائري داللة العربون بإضافة المادة 72مكرر من القانون المدني
التي نصت على ما يلي" :يمنح دفع العربون وقت إبرام العقد لكل من المتعاقدين الحق في
العدول عنه خالل المدة المتفق عليها ،إالّ إذا قضى االتفاق بخالف ذلك.
فإذا عدل من دفع العربون فقده ،وإذا عدل من قبضه رده ومثله ولو لم يترتب عل
العدول أي ضرر".
يستفاد من هذه المادة أن دفع العربون وقت إبرام العقد يدل على حق ّ
كل من المتعاقدين
في العدول عن إبرامه ويكون ذلك خالل المدة المتفق عليها ،فإذا انقضت المدة دون أن
يظهر أي من المتعاقدين رغبته في العدول فيتأكد العقد ويعتبر العربون تنفيذا جزئيا لهّ ،
أما
فإنه يفقده ،وإذا عدل من قبض العربون فيرده ومعه مثله.
قدم العربون ّ
إذا عدل من ّ
1
البت .لتفاصيل أكثر
لقد انقسمت القوانين بين هاتين الداللتين ،فبعضها أخذ بداللة العدول ،وبعضها أخذ بداللة ّ
حول هذا الموضوع ،يراجع عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،فقرة ،142 ،141 ،140ص 259وما يليها.
43
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
إذا كان العقد يتم في الغالب بحضور المتعاقدين شخصيا ،إالّ ّأنه أحيانا قد يتعذر على
أحد المتعاقدين الحضور من أجل إبرام العقد ،فينيب عنه شخصا آخر يتولى إبرام العقد
مكانه ،وهذه هي النيابة في التعاقد ،فما المقصود بالنيابة؟ ما هي أنواعها؟ وما هي اآلثار
التي تترتب عنها؟
يقصد بالنيابــة في التعاقد ،قيام شخص ُيسمى النائب مقام شخص آخر ُيسمى األصيل،
بإبرام تصرف قانوني باسم ولحساب األصيل ،بحيث ينتج هذا التصرف القانوني آثاره مباشرة
في ذمة األصيل ، 1فالنائب هو الذي يعبر عن إرادة األصيل ،أي أن إرادة النائب هي التي
محل إرادة األصيل في إبرام العقد.
تحل ّ
-النيابـــة القانونيـــة :النيابة القانونية يفرضها القانون على األصيل دون االعتداد
بإرادته .ومن أمثلتها :الوالية (والية األب عن ابنه) أو (الوصاية) أو الحراسة القضائية.
-النيابـــة االتفاقية :يختار فيها األصيل شخصا نائبا ويحدد نطاق سلطته .ومن
أمثلتها :عقد الوكالة.
1
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،83ص .189
44
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يجب أن يعبر النائب في العقد عن إرادته هو ال عن إرادة األصيل ،أي أن تحل إرادة
محل إرادة األصيل في التعاقد كما لو كان هو حاضرا ،وعليه البد من أن يكون
النائب ّ
للنائب إرادة ذاتية سليمة ال يشوبها عيب من عيوب اإلرادة ،هذا ويعد التعاقد مع النائب قد
حصل بين الحاضرين حتى ولو كان األصيل متغيبا عن مجلس العقد.
يجب أن تتوفر لدى النائب والغير الذي تعاقد معه نية انصراف آثار العقد إلى األصيل
مباشرة ،أي أن ُيعلم النائب الغير الذي تعاقد معه بأنه يتعاقد باسم األصيل ولحسابه ،أي
بصفته نائبا ،أو كان من المفروض حتما أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة أو كان
يستوي عنده أن يتعامل مع األصيل أو النائب ،وعليه إذا تخلف هذا الشرط ،انصرفت آثار
العقد إلى النائب والمتعاقد معه دون األصيل كقاعدة عامة.
يجب على النائب سواء كانت نيابته قانونية أو اتفاقية عدم تجاوز حدود نيابته ،بل البد
قره.
من أن يلتزم بها ،فإن هو خرج عن حدودها ،لم يكن العقد نافذا في حق األصيل ما لم ُي ّ
غير أن القانون أجاز في المادة 76من القانون المدني انصراف أثر العقد -حقا كان أو
التزاما -إلى األصيل رغم تخلف هذا الشرط في حالة ما إذا كان النائب حسن النية ومن
تعاقد معه حسن النية ،أي يجهالن معا وقت العقد انقضاء النيابة.
ينظم هذه العالقة االتفاق في حالة النيابة االتفاقية ،والقانون في حالة النيابة القانونية.
هي عالقة مباشرة تنشأ نتيجة التصرف الذي أبرمه النائب مع اختفاء شخص هذا األخير
ما لم يرتكب خطأً جسيما رتب ضر ار بالغير أو تجاوز حدود نيابته.
ال تنصرف آثار العقد الذي أبرمه إليه ،بل تنصرف مباشرة إلى األصيل ،بحكم العقد
ذاته ،دون الحاجة إلى أي إجراء آخر ،فيكون األصيل هو طرف العقد ال النائب.
وعليه ال يكسب النائب أي حق وال يلتزم بأي دين وال يمكنه أن يطالب الغير (المتعاقد)
بأي حق نتج عن التصرف ،كما ال يجوز للغير أن يطالبه بأي شيء إذ أن آثار التصرف
تنصرف إلى األصيل وحده.
رابعا :تعاقـــد الشخـــص مـــع نفســـه :قد يأخذ إحدى هاتين الصورتين:
-أن تحل إرادة الشخص محل إرادة أخرى أي أن يكون نائبا وفي نفس الوقت يكون
أصيال عن نفسه في العقد ،مثال :كما لو وكل النائب بيع شيء وأراد شرائه لنفسه.
-أن يكون نائبا عن الطرفين ،كما لو وكل النائب لبيع قطعة أرض من طرف "محمد"
ووكل بشراء قطعة أرض من طرف "أحمد" ،أي يتعامل بصفته بائعا عن أحدهما ومشتريا
ُ
لآلخر.
46
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ولقد اعتبر المشرع الجزائري تعاقد الشخص مع نفسه غير جائز في صورتيه طبقا للمادة
77من القانون المدني والتي جاء نصها كاآلتي " :ال يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه
باسم من ينوب عنه سواء أكان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر ،دون ترخيص
من األصيل .على أنه يجوز لألصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد ،كل ذلك مع مراعاة ما
يخالفه ،مما يقضي به القانون وقواعد التجارة".
ولعل السبب الذي دفع المشرع الجزائري إلى عدم إجازة تعاقد النائب مع نفسه هو حماية
مصلحة األصيل ،فإذا ما وكل األصيل مثال النائب ببيع شيء معين وأراد النائب شراءه
لنفسه ،فإن ذلك سيتعارض مع مصلحة األصيل التي تتمثل في أن يتم البيع في أحسن ثمن
ممكن ،في حين أن مصلحة النائب هو أن يشتري الشيء بأقل مما يساوي.
غير أنه متى تحققت مصلحة األصيل في ذلك التعاقد ،جاز له أن ُيرخص للنائب
مقدما بأن يتعاقد لحساب نفسه أو أن يجيز هذا التعاقد بعد تمامه باستثناء ما قضى به
القانون في بعض الحاالت وقواعد التجارة في حالة الوكيل بالعمولة.
47
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يشترط لصحة التراضي أن يكون الرضا صاد ار عن شخص كامل األهلية (أوال) ولم
يشب إرادته أي عيب من عيوب اإلرادة (ثانيا) ،وهذا ما سنتناوله تباعا:
أوال :األهليـــــــة
-1تعريف األهلية
هي صالحية الشخص الكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات ومباشرة التصرفات القانونية
التي تُرتب له الحقوق أو تُرتب عليه التزامات أو واجبات.1
48
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-2أهلية األداء
أهلية األداء هي صالحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية ،وأساسها هو التمييز ،فإذا
كان الشخص فاقد التمييز تكون أهليته معدومة ،وإذا كان ناقص التمييز فهو ناقص األهلية،
أما إذا كان كامل التمييز واإلدراك فهو كامل األهلية.
ّ
تنعدم أهلية األداء في حالتين :األولى هي انعدام التمييز لدى الشخص بسبب عدم بلوغه
المحددة قانونا ،والثانية هي انعدام التمييز لدى الشخص بسبب إصابته بعارض
ّ سن التمييز
من عوارض األهلية المعدمة للتمييز.
المميز(
ّ -انعدام األهلية بسبب صغر السن) :الصبي غير
يقصد بالصبي غير المميز الطفل الذي لم يبلغ سن التمييز ،إذن تبدأ مرحلة عدم التمييز
لصغر السن بميالد الطفل وتنتهي ببلوغه سن التمييز وهي ثالثة عشرة سنة طبقا لنص
المادة 42من القانون المدني.
ويقوم مقام الصغير غير المميز في مباشرة تصرفاته القانونية من يمثله قانونا ،وهو الولي
أو الوصي أو المقدم ،وذلك عمال بأحكام المادة 81من قانون األسرة التي تنص على ما
مقدم طبقا
يلي" :من كان فاقد األهلية ...لصغر السن ...ينوب عنه قانونا ولي أو وصي أو ّ
ألحكام هذا القانون".
49
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يهمنا هنا
عوارض األهلية هي أمور تدرك الشخص البالغ فتعدم أهليته أو تنقصها ،وما ّ
1
الجنون هو آفة تصيب عقل اإلنسان فتعدم عند صاحبه اإلدراك والتمييز ّ ،
أما العته 2
فاضطراب يعتري العقل دون أن يبلغ درجة الجنون ،يجعل المريض مختلط الكالم قليل الفهم
سوى المشرع الجزائري بين المجنون والمعتوه من حيث أهلية األداء ،فاعتبر كالّولقد ّ
منهما فاقد التمييز طبقا لنص المادة 101من قانون األسرة.
تكون أهلية األداء ناقصة في حالتين :األولى هي عندما يكون التمييز ناقصا ويتحقق ذلك
إذا بلغ الشخص سن التمييز لكنه لم يبلغ سن الرشد ،والثانية هي عندما يكون الشخص
مصابا بإحدى العوارض المنقصة لألهلية.
المميز(
ّ -نقص األهلية بسبب صغر السن )الصبي
1
ولكنها
تتشابه عوارض األهلية مع صغر السن في التأثير على التمييز عند الشخص وبالتالي على أهليتهّ ،
تختلف عن صغر السن في ّأنها ال تعدم األهلية وال تنقصها إالّ بتوقيع الحجر على الشخص.
2خليل أحمد حسن قدادة ،المرجع السابق ،ص .47
3محمد سعيد جعفور ،المدخل للعلوم القانونية ،الجزء الثاني ،دروس في نظرية الحق ،الطبعة األولى،دار هومه،
الجزائر ،2011 ،ص .530
50
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
أن نفاذها يبقى موقوفا على إجازة الولي أو النفع والضرر فهي تنعقد صحيحة غير ّ
3
الوصي.4
تنص المادة 43من القانون المدني على ما يلي ..." :كل من بلغ سن الرشد وكان سفيها
أو ذا غفلة ،يكون ناقص األهلية وفقا لما يقرره القانون".
إذن ،يعتبر الشخص ناقص التمييز )األهلية( كل من بلغ ثالث عشرة سنة ولم يبلغ سن
أما كامل األهلية فهو من
الرشد وهي 19سنة ،أو بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلةّ ،
1
المميز من غير
ّ بأنها تلك التي يترتب عليها دخول شيء في ملك الصبي
عرف التصرفات النافعة نفعا محضا ّ
تُ ّ
مقابل مثل قبول هبة أو وصية.
2
المميز من غير مقابل ،مثل أن يهب شيئا.
ّ هي تلك التصرفات التي يترتب عليها خروج شيء من ملك الصبي
هي تلك التصرفات التي تحتمل أن تكون نافعة للصبي المميز ،وتحتمل أن تكون ضارة به مثل :عقد البيع 3
والشراء.
يراجع نص المادة 83من قانون األسرة. 4
5
محمد سعيد جعفور ،المرجع السابق ،ص 560و.566
6
محمد سعيد جعفور ،نفس المرجع ،ص 560و.566
51
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
بلغ سن 19سنة ولم يعتريه عارض من العوارض المنقصة أو المعدمة لألهلية وهو يعتبر
أهال لمباشرة التصرفات القانونية.
حتى يكون الرضا صحيحا ،يجب أن تكون إرادة المتعاقدين سليمة ،خالية من العيوب،
الغبن واالستغالل.
وعيوب الرضا هي :الغلط ،والتدليس ،واإلكراه ،و ُ
-1الغلـــــط اL’erreur
أ -تعريفــــه
فيصور له األمر على غير حقيقته ،ويدفعه إلى الغلط وهم يقوم في ذهن الشخص ُ
التعاقد ،ولقد اشترط المشرع الجزائري في المادة 81من القانون المدني ،أن يكون الغلط
الذي يعيب اإلرادة ويجعل العقد قابال لإلبطال جوهريا ،طبقا للمادة 82من القانون المدني" :
يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة ،بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم
يقع في هذا الغلط ,ويعتبر الغلط جوهريا على األخص إذا وقع في صفة للشيء يراها
المتعاقدان جوهرية ،أو يجب اعتبارها كذلك نظ ار لشروط العقد ولحسن النية ,إذا وقع في ذات
المتعاقد أو صفة من صفاته ،وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد".
من خالل هذه المادة يتضح لنا أن المشرع الجزائري أخذ بالمعيار الذاتي للغلط فتطلب
أن يكون الغلط جوهريا ،أي أن يكون هو الدافع إلبرام العقد ،بحيث لو عرف المتعاقد
الحقيقة لما أبرم العقد ،والغلط الجوهري المعيب لإلرادة يشترط أن يقع في:
ب -شروطـــه :حتى يكون الغلط جوهريا يعيب اإلرادة يجب أن يكون:
52
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يتحقق هذا الغلط في حالة ما إذا كانت هذه الصفة هي الدافع للتعاقد ،بحيث أنه لوال
هذه الصفة لما أقدم الشخص على التعاقد ،ومن أمثلة ذلك :أن يشتري شخص لوحة فنية
على أساس أنها مرسومة من طرف فنان مشهور ،فيتبين له فيما بعد أنها تقليد لرسمه .أو
أن يشتري شخص قطعة منحوتة على أساس أنها قطعة أثرية فيكتشف فيما بعد أنها مجرد
تقليد.
يتحقق الغلط هنا إذا كانت الذات أو الصفة هي الدافع للتعاقد ،أي السبب الرئيسي
للتعاقد ومن أمثلة ذلك :أن يتعاقد الشخص مع جراح آخر يحمل نفس اسم الجراح الذي كان
يود التعامل معه .أو أن يتعاقد شخص مع مهندس معتقدا أنه يحمل شهادة هندسة ،فإذا به
ُ
ال يحملها .أو أن يبرم شخص عقد عمل مع آخر ليعمل كأمين عام للصندوق فيتضح فيما
بعد أنه محكوم عليه من قبل بجريمة خيانة األمانة.
سواء وقع الغلط في ذات الشخص أو في صفة من صفاته أو صفة جوهرية الشيء،
فإنه ال يؤدي إل ى إبطال العقد ،إال إذا كانت هذه الذات أو الصفة الدافع إلى التعاقد ،وإذا لم
يكن كذلك فال يؤثر الغلط على صحة العقد.
متى توافرت شروط الغلط المنصوص عليها في المادتين 81و 82أعاله ،كان العقد
قابال لإلبطال ،وعليه ال يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب أو مجرد غلطات
القلم ،لكن في هذه الحاالت يجب تصحيح الغلط طبقا للمادة 84من القانون المدني.
-الغلـــــط في القانــون
ُيقصد به قيام وهم في ذهن المتعاقد يجعله يتصور حكم القاعدة القانونية على خالف ما
تقضي به حقيقة ،بحيث لو عرف الحكم لما أبرم العقد .ومثال ذلك :أن يبيع المورث نصيبه
في اإلرث معتقدا أنه يرث الربع وإذا به يرث الثمن طبقا للقانون ،فهنا يجوز له أن يطلب
اإلبطال لوقوعه في غلط في القانون.
وطبقا للمادة 83من القانون المدني ،الغلط في القانون يجعل العقد قابال لإلبطال،
كالغلط في الواقع ،بشرط أن يكون غلطا جوهريا أي بلغ حدا من الجسامة ،بحيث لواله لما
أبرم المتعاقد العقد.
تنص المادة 85من القانون المدني على ما يأتي" :ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك
به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية .ويبقى باألخص ملزما بالعقد قصد إبرامه
إذا أظهر الطرف اآلخر استعداده لتنفيذ هذا العقد".
ُيستفاد من نص المادة ،ال يجوز التمسك بطلب إبطال العقد من طرف الشخص الذي
وقع في الغلط دفعه إلى التعاقد ما دام المتعاقد اآلخر حسن النية ،أو أظهر استعداده لتفادي
ذلك الغلط ،وبالنتيجة إذا ما أصر على التمسك بالغلط رغم ذلك ُعد متعسفا في استعمال
حقه.
54
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
مثال :إذا إشترى شخص شيئا على أساس أنه أثري ،ثم يتبين له أنه مقلد ،فال يجوز له
التمسك بطلب إبطال العقد للغلط حتى ولو توافرت شروطه وهذا في حالة ما إذا عرض
البائع عليه الشيء األثري الذي كان يريد شراءه ،إذ ليس للمشتري في هذه الحالة أن يصر
على إبطال العقد وإال كان متعسفا.
التدليـس هو إيهام الشخص بغير الحقيقة فيحمله على التعاقد .أو هو تضليل المتعاقد
بوسائل احتيالية إليقاعه في غلط يدفعه إلى التعاقد.
* العنصر الشخصي :أن تكون هذه الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه
من الجسامة ،بحيث لوالها لما أبرم الطرف الثاني العقد.
ج -شروطــــه
طبقا للمادة 86من القانون المدنيُ ،يشترط في التدليس حتى يكون عيبا مفسدا للرضا ما
يلي:
55
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
المدلس
تتخذ الحيل المستعملة في التدليس صو ار عديدة تختلف باختالف حالة المتعاقد ُ
عليه .والمالحظ أن الحيل يستحيل جمعها في قائمة واحدة ،فهي تتحقق بأي طريقة تتجاوز
حدود النزاهة المألوفة في التعامل يتخذها المتعاقد لخديعة المتعاقد اآلخر.
عادة ما تتكون من وقائع إيجابية أو أعمال مادية ،كاألقوال واألفعال التي تُولد الغلط في
ذهن المتعاقد فتحمله على التعاقد ،وهذه الطرق تتكون من عنصرين هما:
العنصــر المـــادي :يقصد به تلك الوسائل التي تتكون منها الحيل ،كالمظاهر الكاذبة
التي تطابق الواقع من تظاهر بالوجاهة واليسار ،واصطناع أوراق أو مستندات أو كشوف من
الب نك ،أو انتحال اسم أو صفة كاذبة؛ كأن يظهر رجل وامرأة في مظهر الزوجين لكي
يحصال على شقة سكنية يستأجرانها في حين أنهما خليالن.
56
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
الكتمان هو السكوت العمدي وقد يعتبر تدليسا إذا كان متعمدا .فإذا أخفى الشخص واقعة
يجب اإلفصاح بها عند إبرام العقد ،أُعتبر الكتمان تدليسا ما دام الطرف اآلخر المدلس عليه
ال يستطيع معرفة حقيقة الواقعة من طريق آخر .ومثاله أن بخفي المؤمن عليه عن شركة
التأمين مرضا أصابه قبل إبرام عقد التأمين عن حياته.
أي أن تكون الحيلة مؤثرة ،فيكون التدليس هو الذي دفع الشخص إلى التعاقد بحيث ما
كان ليتعاقدا لوال وجود الحيل التدليسية ،وأن تكون هذه الحيل جسيمة بحيث لوالها لما أبرم
الطرف الثاني العقد .ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية في تقرير ما إذا كان التدليس دافعا
للتعاقد أم ال بحسب شخص المدلس عليه ،إذ من الناس من يصعب خداعه ،ومنهم من
يسهل غشه ،مع مراعاة درجة ثقافة العاقد المدلي عليه وذكائه وخبرته وسنه وجنسه وغيرها.
ج -3أن يصدر التدليس من المتعاقد اآلخر أو أن يكون على علم به على األقل
األصل أن يصدر التدليس من أحد المتعاقدين على اآلخر وهذا هو المألوف ،غير أنه
قد يحصل التدليس من غير المتعاقدين وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 87
من القانون المدني" :إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين ،فليس للمتعاقد المدلس عليه أن
يطلب إبطال العقد ،ما لم يثبت أن المتعاقد اآلخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن
يعلم بهذا التدليس".
وعليه إذا صدر التدليس من شخص ثالث فإنه طبقا للمادة المذكورة أعاله ،يجوز
للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد بشرط أن يكون المتعاقد اآلخر عالما به أو كان
من المفروض أن يعلم به عند إبرام العقد.
إذا توافرت عناصر وشروط التدليس المذكورة أعاله ،كان العقد قابالً لإلبطال لمصلحة
المدلس عليه ،فيجوز إما أن يطلب إبطال العقد أو أن يتمسك به ،ويقتصر طلبه الطرف ُ
على التعويض عن الضرر الناتج عن التدليس ،طبقا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية.
خصص المشرع الجزائري لكل منهما أحكام خاصة ،واعتبرهما مختلفان ،فال يغني الغلط
عن التدليس ،وذلك لألسباب التالية:
58
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
أ -تعريفــــه
اإلكراه هو ذلك الضغط المادي أو األدبي الذي يولد في نفس الشخص رهب ٌة تدفعه إلى
التعاقد.
وقد يكون اإلكراه معنويا ووسيلته هنا هي التهديد بإيقاع األذى ،سواء كان هذا األذى
ماديا يقع على الجس م كالتهديد بالقتل أو الضرب ،أو يقع على المال كإحراق المسكن ،أو
يمس العاطفة أو الشرف والسمعة ،كالتهديد بنشر فضيحة أو عالقة غير
كان أذاً نفسياً ُ
مشروعة.
ب -شروطــــه :اإلكراه المفسد للرضا يجب أن ينطوي على عنصرين هما:
تن بعث الرهبة عادة من التهديد بإلحاق األذى ،سواء كان هذا األذى الحقا بشخص
المتعاقد نفسه أو ماله أو شرفه ،أو كان األذى لشخص عزيز على المتعاقد ،ويجب أن يكون
اإلكراه على قدر من الجسامة ،بحيث تكون الرهبة الناتجة عنه هي التي دفعته إلى التعاقد.
معيار ذاتي ،بحيث ُينظر فيه إلى ظروف الشخص ٌ على أن المعيار في تحديد الرهبة
ٌ
جنس من وقع عليه اإلكراه ِ
وسَن ُه وحالته االجتماعية ُ فيراعى في التقدير،
المكره ذاتهُ .
ُ
الصحية ،وغيرها من الظروف التي تُأثر في جسامة اإلكراه.
و ّ
ُيشترط في اإلكراه الذي ُيعيب اإلرادة ،أن يكون غير مشروع ،أي أن يكون واقعا من
اء كانت وسيلة اإلكراه غير مشروعة أو
أجل الحصول على حق غير مملوك له ،سو ٌ
مشروعة.
أما إذا كان الغرض من اإلكراه مشروعاً ،أي كانت الغاية منه حصول الشخص على
حق له ،كالدائن الذي يهدد مدينه بالقتل إذا لم يعترف بدين له بذمته ،فإن اإلكراه هنا ال
ُيفسد الرضا وال ُيبطل العقد ،حتى ولو كانت وسيلته غير مشروعة.
طبقا للمادة 1/88من القانون المدني ،يجوز إبطال العقد لإلكراه ،إذا تعاقد شخص
تحت سلطان رهبة بينة ،بعثها المتعاقد اآلخر في نفسه دون حق.
غير أنه وطبقا للمادة 89من ذات القانون ،إذا صدر اإلكراه من غير المتعاقدين ،فليس
كره أن يطلب إبطال العقد ،إال إذا أثبت أن المتعاقد اآلخر كان يعلم أو كان من
الم َ
للمتعاقد ُ
المفروض حتما أن يعلم بهذا اإلكراه.
النفوذ األدبي يكون من شخص على آخر ،تربطه به عالقة خاصة ،كنفوذ األب على
إبنه ونفوذ الزوج على زوجته ،ونفوذ األستاذ على تالميذه ،ونفوذ الرئيس على مرؤوسه.
والقاعدة أن النفوذ األدبي ُيعتبر إكراها إذا كان القصد منه الوصول إلى غرض غير
مشروع ،أما إذا كان استعمال النفوذ الغرض منه مشروعا ،فإنه ال ُيعتبر إكراهٌ.
60
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
وبالرجوع إلى القانون الجزائري ،فإننا نجد قد سكت عن حكمه لهذه المسألة ،بخالف
القانون الفرنسي الذي اعتبر مجرد الخشية الصادرة على احترام األب واألم مثال ال تكفي
إلبرام العقد ما لم تقترن بإكراه واقع ،وعلى عكس القانون اإلنجليزي الذي اعتبر أن النفوذ
األدبي إكراهاً ،يمكن معه إبطال العقد وسماه بـ" :التأثير غير المشروع".
-4االستغالل L’exploitation
االستغالل هو أن يستغل المتعاقد الحالة النفسية للمتعاقد اآلخر ،فيبرم معه عقدا يصيبه
بغبن فاحش.
والغبن هنا هو المظهر المادي لالستغالل ،يقصد به عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد
ص َوُر إال في عقود المعاوضة غير االحتمالية.
وما يأخذه .والغبن ال ُيتَ َ
أما االستغالل فهو أمر نفسي يقوم عند المتعاقد ،فيستغل من طرف المتعاقد اآلخر،
واالستغالل في األخير يؤدي إلى عدم التعامل بين قيمة محل التزامات المتعاقدين .وذلك
فإن االستغالل يقوم على عنصرين (مادي ونفسي) ،وبين العنصرين عالقة سببية ،فالعنصر
النفسي هو الذي أدى إلى وجود العنصر المادي.1
1زكريا سرايش ،الوجيز في مصادر االلتزام ،الطبعة الثانية ،دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر،
،2014ص .87
61
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
االستغالل هو انتهاز المتعاقد حالة الطيش البين أو الهوى الجامح الذي يعتري المتعاقد
معه لحمله على إبرام عقد يتحمل بمقتضاه التزامات ال تتعادل بتاتا مع العوض المقابل أو
من غير عوض .فلالستغالل عنصر مادي وآخر نفسي.1
مثال :1كأن يشتري زيد من عمر جهاز كهربائي منزلي بثمن ( 2000دج) وقيمته
الحقيقية في السوق ( 8000دج) فيستغل زيد صداقته مثالً بعمر أو يستغل طيشه فهذا ما
يسمى غبناً فهنا الفارق كبير ويوجد عدم تعادل بين ما يعطيه المتعاقد وما يأخذ بمقتضى
العقد فإذا توافرت شروط الغبن فهنا يستطيع الطرف المغبون أن يطلب تعديل العقد بما يرفع
عنه الفحش في الغبن.
مثال :2كما لو تزوجت امرأة مسنة غنية من فتى شاب عن ميل وهوى ،فعمد الزوج إلى
استغالل هواها البتزاز مالها عن طريق عقود يستكتبها.
تنص المادة 91من القانون المدني على ما يلي " :يراعى في تطبيق المادة 90عدم
أن القانون الجزائري قد أخذ
اإلخالل باألحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود" ،وهذا يعني ّ
بنظرية الغبن المادي وذلك في المادة 358من القانون المدني التي جاء فيها ما يلي" :إذا
بيع العقار بغبن يزيد عن الخمس فللبائع الحق في طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن
المثل".
أي ّأنه إذا بيع عقار بغبن يزيد عن الخمس فللبائع الحق في تكملة الثمن إلى أربعة
أخماس ثمن المثل ،على أن يراعى في تقدير الغبن قيمته وقت البيع ،2وتسقط بالتقادم دعوى
1علي فياللي ،الوجيز في مصادر االلتزام ،الطبعة الثالثة ،موفم للنشر ،الجزائر ،2013 ،ص .217
2
يراجع نص المادة 358من ق.م.
62
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت ثالثة سنوات من يوم انعقاد البيع ، 1وال تلحق هذه
الدعوى ضر ار بالغير حسن النية إذا كسب حقا عينيا على العقار المبيع.2
طبقا للمادة 90من القانون المدني االستغالل هو" :عدم التعادل بين ما يحصل عليه
المتعاقد وبين ما يلتزم به نتيجة الستغالل المتعاقد اآلخر له".3
-عنصر مادي :يتمثل في عدم التعادل بين ما يحصل عليه الشخص من فائدة وما
يتحمله من التزامات ،وهذا وفقا لمقتضيات المادة 1/90مدني.
ويخضع تقدير هذا العنصر المادي للقاضي بشرط أن يكون التفاوت في االلتزامات
جسيما أو فادحا حتى ُي ِّ
قرر وجوده.
-عنصر شخصي :وهو أن يكون الغبن نتيجة استغالل أحد المتعاقدين اآلخر لسبب ما
1
يراجع نص المادة 1/359من ق.م.
2
يراجع نص المادة 3/359من ق.م.
-3خليل أحمد حسن قدادة ،المرجع السابق ،ص .64
63
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-أن يكون االستغالل هو الذي دفع المغبون إلى التعاقد :وهنا نالحظ أن االستغالل
يلتقي مع سائر عيوب اإلرادة.
وتقدير توافر عناصر االستغالل هو مسألة متروكة لقاضي الموضوع الذي يجوز له،
بناء على طلب المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات المتعاقد المغبون إذا كانت
التزاماته متفاوتة كثي ار في النسبة مع ما حصل عليه من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات
المتعاقد اآلخر ،وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إال ألن المتعاقد األخر قد أستغل
عليه من طيش أو هوى (المادة 90ق.م.ج).
إما أن يطلب إبطال العقد أو إنقاص إذا توافرت عناصر االستغالل كان للمغبون ّ
الحد الذي يكفي لرفع الغبن ،والمسألة كما قررتها المادة 90من القانون
االلتزامات إلى ّ
المدني جوازية بالنسبة للقاضي ،فإذا رأى إبطال العقد قضى به ،وإذا رأى إنقاص االلتزامات
بدال من اإلبطال فله ذلك.
غير ّأنه يجوز في عقود المعاوضات أن يتوقى الطرف اآلخر دعوى اإلبطال إذا عرض
ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن وفقا لمقتضيات المادة 3/90من القانون المدني ،وذلك
رغبة من المشرع في تحقيق االستقرار في المعامالت وتقليل حاالت البطالن.
ويقع عبء إثبات االستغالل على من يدعيه ،فعلى المتعاقد المغبون أن يقيم الدليل على
البين والهوى
اختالل االلتزامات اختالال كبيرا ،وعلى ّأنه أبرم العقد تحت تأثير الطيش ّ
الجامح الذي أصابه.
وتسقط دعوى االستغالل بمضي سنة من تاريخ إبرام العقد ،وهذا ما تقتضي به ما 3/90
من القانون المدني.
64
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تتقادم دعوى الغلط ،التدليس واإلكراه بمضي خمس ( )05سنوات من تاريخ كشف
عشر ( )10سنوات
ُ العيب ،أي كشف الغلط أو التدليس أو انقطاع اإلكراه .وتتقادم بمضي
من وقت تمام العقد ،طبقا للمادة 101من القانون المدني التي تنص على ما يلي" :يسقط
الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خالل خمس ( )05سنوات.
ويبدأ سريان هذه المدة في حالة ناقص األهلية من اليوم الذي يزول فيه السبب ،وفي
حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ُيكشف فيه ،وفي حالة اإلكراه من يوم انقطاعه .غير
أنه ال يجوز التمسك بحق اإلبطال بغلط أو تدليس أو إكراه ،إذا انقضت مدة من وقت تمام
العقد".
65
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
سنعرض في هذا المطلب تعريف المحل والشروط الواجب توافرها فيه في فرعين على
التوالي.
المحل ركن في االلتزام كما هو ركن في العقد ،ومحـل االلتزام هو األداء الذي يجب على
المدين أن يقوم به لصالح الدائن ،وهو إما أن يكون إعطاء شيء أو القيام بعمل أو االمتناع
فيقصد به العملية القانونية التي تراضا الطرفان على تحقيقها،1
محـل العقد ُ
عن عمل .أما ّ
ومنه يتحدد محل العقد بمحل االلتزامات الرئيسية التي تتحقق بها العملية القانونية المقصودة.
يجب توفر ثالثة شروط في محل االلتزام تضمنتها المواد من 92إلى 96من القانون
المدني ،وهذه الشروط هي:
يجب أن يكون محل االلتزام موجودا ،فالقاعدة أنه ال التزام بمستحيل .وعليه إذا تخلف
المحل موجودا ثم َهَل َك قبل إبرام العقد ،انتفى
محل االلتزام ،ال ينشأ العقد ،ومن ثَ َم إذا كان ّ
1
بلحاج العربي ،المرجع السابق ،ص .138
66
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ويجوز أن يكون محل االلتزام شيئا مستقبال ومحققا ،2غير أن التعاقد في تركة اإلنسان
على قيد الحياة باطال ولو برضاه طبقا للمادة 2/92من القانون المدني ،وإذا كان المحل
مستحيال في ذاته كان العقد باطال بطالنا مطلقا.
والمقصود باالستحالة المطلقة أن تكون قانونية أو طبيعية كأن يتعهد شخص بتعبئة
أشعة الشمس في زجاجات ويبيعها للغير ،أو يتعهد المحامي برفع االستئناف بعد انقضاء
أجله.
أو أن تكون االستحالة نسبية كأن يتعهد شخص يرسم لوحة فنية وهو ال يجيد الرسم.
إذن ُيشترط أن يكون محل االلتزام موجودا عند إبرام العقد ،أو يكون ممكن الوجود في
المستقبل ،أي أن ال يكون مستحيال في ذاته ،فإذا كان مستحيال ،كان العقد باطال بطالنا
مطلقا ،واالستحالة المقصودة هي االستحالة المطلقة وقت إبرام العقد سواء كانت االستحالة
قانونية أو طبيعية.
أما إذا استحال المحل بعد انعقاد العقد ،فإن العقد ُيصبح قابال للفسخ.
يراجع أحكام عقد البيع بناء على التصاميم الصادر بموجب القانون رقم 04/11 :المؤرخ في 17 :فبراير2011 1
المحدد للقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية ،الجريدة الرسمية ،العدد.14
2
وهذا أمر مخالف للشريعة اإلسالمية ،التي تقضي قواعدها بأن التعامل ال يصح إال في شيء موجود ،فبيع
المعدوم باطل.
67
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
طبقا للمادة 1/94من القانون المدني إذا لم يكن محل االلتزام معينا بذاتهَ ،و َج َب أن
يكون معينا بنوعه ومقداره ،وإال كان العقد باطال.
وعليه يجب أن يكون المحل معينا عند إبرام العقد ،أو أن يكون قابال للتعيين وإال كان
العقد باطال.
ويكون المحل معينا إذا ُحدد تحديدا كافيا لبيان عناصره ومضمونه .فإذا كان الشيء
معينا بالذات كبيع منزلَ ،و َج َب أن يحدد الطرفان الشيء محل االلتزام تحديدا كافيا نافيا
للجهالة كذكر موقعه ،حدوده ،مساحته ،عدد طوابقه...إلخ.
وإذا كان االلتزام االمتناع عن عمل ،وجب تعيين األمور التي يمتنع عن الملتزم القيام
بها.
وإذا كان محل االلتزام شيئا معينا بنوعه وجب أن يتضمن العقد ما ُيستطاع به تعيين
مقداره ،وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته ولم ُيمكن تبين ذلك من
العرف أو من أي ظرف آخر ،التزم المدين بتسليم الشيء بصنف متوسط ،طبقا للمادة
2/94من القانون المدني.
أما إذا كان محل االلتزام نقودا فيلتزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن
يكون الرتفاع قيمة هذه النقود أو انخفاضها وقت الوفاء أي تأثير.
68
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ُيشترط أن يكون محل االلتزام مشروعا ،سواء كان االلتزام القيام بعمل أو االمتناع عن
عمل أو إعطاء شيء ،أي أن يجوز التعامل فيه فال يكون مخالف للنظام العام واآلداب
العامة ،وهو ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة 93من القانون المدني" :إذا كان
محل االلتزام مستحيال في ذاته أو مخالفا للنظام العام واآلداب العامة ،كان باطال بطالنا
مطلقا".
69
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
المحل،
يعتبر السبب ركنا جوهريا في العقد ،إذ ال ينعقد بدونه ،وهو يختلف عن ركن ّ
فالمحل هو ما يلتزم به المدين ،وهو إجابة على السؤال التالي :بماذا التزم المدين؟ أما
ّ
السبب فهو الهدف أو الغرض الذي من أجله التزم المدين ،وهو إجابة على السؤال التالي:
لماذا التزم المدين؟
ويقصد بالسبب المصلحة التي يسعى المتعاقد الحصول عليها من وراء تعاقده أو الغرض
ُ
محل خالف بين الفقهاء.
المباشر الذي يقصد الوصول إليه ،ولقد كانت نظرية السبب ّ
-2السبــب القصــدي (سبب االلتزام) :وهو الغرض المباشر الذي يقصده الملتزم من
وراء التزامه ،ففي عقد البيع مثال سبب التزام البائع هو الحصول على الثمن وسبب التزام
المشتري هو نقل الملكية إليه ،والسبب في هذا المعنى هو الذي تُعنى به النظرية التقليدية.
-3السبــب الباعـث الدافـع للتعاقــد :وهو الغرض البعيد أو غير المباشر الذي يريد
المتعاقدان تحقيقه من العقد ،ففي عقد البيع مثال يكون الدافع الباعث للبائع هو الحصول
على الثمن لشراء قطعة أرض أو سيارة أو لسداد ديونه...إلخ ،ويكون الدافع الباعث للمشتري
سكن هذا المنزل أو استعماله كمكتب أو محل تجاري...إلخ.
70
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
وتشترط هذه النظرية حتى ينعقد العقد أن يوجد له سبب ،وأن يكون السبب صحيحا
ومشروعا وإال كان العقد باطال.
تعرضت هذه النظرية للنقد في أواخر القرن التاسع عشر ( )19على أساس أنها غير
صحيحة وعديمة الفائدة.
السبب وفقا لهذه النظرية هي السبب الباعث الدافع أو الغاية البعيدة التي قصد المتعاقد
الوصول إليها ،ومن ثَ َم فهو يختلف باختالف األشخاص المتعاقدة وباختالف العقود المراد
إبرامها.
وبناء عليهُ ،يعتبر العقد باطال إذا كان السبب الباعث غير مشروع بشرط علم الطرف
اآلخر به ،فال يعتبر السبب في عقد البيع مثال -وفقا لهذه النظرية -مجرد التزام المشتري
بدفع الثمن وإنما السبب هو نية إعداد المنزل.
نص المشرع الج ازئـري في المادة 97من القانون المدني على ما يلي" :إذا التزم المتعاقد
لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو لآلداب ،كان العقد باطال" .ونص في
المادة 98من نفس القانون على ما يلي" :كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا ،ما لم يقم
الدليل على غير ذلك .ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل
على ما يخالف ذلك .فإذا قام الدليل على صورية السبب ،فعلى من يدعي أن لاللتزام سببا
آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه".
71
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يتبين من خالل قراءة نصي المادتين أعاله ،أن المشرع الجزائري جمع بين السبب في
العقد والسبب في االلتزام بالمعنى الحديث ،أي الباعث الدافع على التعاقد ،فاشترط أن يكون
مشروعا وغير مخالف للنظام العام واآلداب العامة ،وأن يكون هو الباعث الدافع للعقد.
لكل التزام سبب ،إذ ال ُيتصور وجود التزام بدون سبب ،وعليه إذا انعدم السبب لعدم
وجوده كان العقد باطال بطالناً مطلقاً.
يجب أن يكون السبب مشروعا ،أي غير مخالف للنظام العام واآلداب العامة حتى ينعقد
العقد صحيحا ،على أنه ُيفترض أن يكون السبب مشروعا حتى يثبت العكس ،وإذا تبين أن
فيشترط لبطالن العقد أن يكون المتعاقد اآلخر على علم بهذا
الباعث الدافع مشروعا ُ
الباعث ،والمالحظ أن السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على
خالف ذلك ،وإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن لاللتزام سببا آخر
مشروعا أن يثبت ما يدعيه.1
1
المادة 2/98من ق.م.
72
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
قد ُيصرح بالسبب في العقد ،وقد ال ُيصرح به ،وذلك على النحو اآلتي.
في هذه الحالة يفترض القانون أن سبب العقد مشروع ،وبالتالي ُيعتبر العقد صحيحا،
لكن يجوز للمدين الذي يدعي عدم مشروعية السبب إثبات ذلك بجميع طرق اإلثبات ،وإثبات
أن الطرف اآلخر كان يعلم بأن هذا السبب كان غير مشروع ،أما إذا ادعى صورية السبب،
فعليه أن يثبت ذلك بالكتابة.
في هذه الحالة ُيفترض أن السبب المذكور في العقد صحيح ،وعلى من يدعي خالف
ذاك إثبات ما يدعيه.
ومنه على المدين أن يثبت أن السبب المذكور صورٌي وأن يقدم دليله بالكتابة ما دام
السبب مكتوب في العقد ،فإذا أثبت أنه صورٌي َو َج َب على الدائن إثبات العكس ،فإذا تمكن
من إثبات ذلك ،كان للمدين أن ُيثبت أنه غير مشروع بكل طرق اإلثبات.
73
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
المطلب الرابع :نظريــــة البطــــالن (الجزاء المترتب على تخلف ركن أو شرط صحة في
العقد)
البطالن هو الجزاء القانوني الذي يترتب على تخلف أحد أركان العقد أو شرط من
شروط صحته.
ولقد نظم المشرع الجزائري أحكام البطالن في القسم الثاني مكرر من الكتاب الثاني
المتعلق بااللتزامات والعقود في المواد من 99إلى 105من القانون المدني.
بداية ُيقصد بعدم النفاذ ،عدم سريان آثار التصرف في مواجهة الغير مع بقائه منتجا
آلثاره فيما بين طرفيه ،فهو نتيجة لمبدأ نسبية أثر التصرف ،ومن أمثلته :العقد الذي أبرمه
المعسر إض ار اًر بحق دائنيه ،1يعتبر صحيحا فيما بين المتعاقدين ،لكن ال يسري في
المدين ُ
حق الدائن إذا طعن فيه بالدعوى البوليصية ،أو البيع في مرض الموت صحيح فيما بين
المتعاقدين ،ولكن ال يسري في حق الورثة فيما ُيجاوز ثلث التركة.
-1النـــطاق
يصاحب البطالن -سواء كان مطلقا أو نسبيا -العقد منذ لحظة إنشائه ،أما عدم النفاذ
أو عدم السريان فيلحق التصرف بعد نشوئه صحيحا ،إذ ُيعتبر غير سار أو نافذ في حق
1
المادة 191من ق.م.
74
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
آثاره غير ممكنة التحقيق بالنسبة إلى الغير على الرغم من أن التصرف
الغير متى كانت ُ
يعتبر صحيحا عند نشأته.
-2األثــــــر
يؤدي البطالن إلى انعدام أثر التصرف سواء بالنسبة لألطراف أو الغير ،أما عدم النفاذ
فيترتب عليه عدم سريان أثر التصرف في مواجهة الغير فقط ،على الرغم من أن هذا
التصرف يظل منتجا لكل أثاره فيما بين طرفيه.
البطالن النسبي ُمقرر لمصلحة أحد طرفي العقد ،بينما عدم النفاذ فيقتصر على الغير.
-4كيفيــة الــزوال
البطالن النسبي ال تُصححه إال اإلجازة الصادرة من أحد طرفي العقد ،أما عدم النفاذ فال
يتعين إق اررهُ من طرف الغير صاحب المصلحة في التصرف.
ُ ُيصححه أطراف العقد ،وإنما
يقصد بالفسخ انحالل الرابطة التعاقدية لعدم قيام أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ،1وهو
بهذا المعنى يختلف عن البطالن من حيث:
-1السبـــب
سبب البطالن يرجع إلى تخلف أحد أركان العقد أو أحد شروط صحته ،فهو يصاحب
التصرف من وقت وجوده ،أما سبب الفسخ فجزاء يترتب على عدم تنفيذ أحد الطرفين
1
المادة 119ق.م.
75
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
اللتزامه ،سواء كان عدم التنفيذ راجعا إلى امتناع أحد المتعاقدين أو راجعا إلى استحالة
التنفيذ بسبب أجنبي ال َي َد للمدين فيه.
-2نـــوع التصـــرف
َي ِرُد البطالن على كل التصرفات الصادرة عن جانبين أو عن جانب واحد ،أما الفسخ
َفي ِرُد على العقود الملزمة لجانبين فقط.1
-3الوقـــت
طلب منه ذلك ،أما فيملزما -بحسب األصل -بالحكم بالبطالن متى ُ يكون القاضي ً
الفسخ فيبقى األمر جوازياً ،أي يخضع إلى السلطة التقديرية للقاضي ،فله أن يحكم به أو
يعدل عنه إلى الحكم بالتنفيذ ،كأن يمنح مهلة للمدين بالتنفيذ ،أو يرفض طلب الفسخ إذا رأى
ُ
أن عدم التنفيذ كان جزئيا وليس ذا أهمية.
القاضي ّ
العقد الموقوف هو العقد الذي ال ُيرتب أي أثر إلى أن يتم إق ارره ،ومثاله العقد الذي
ُيبرمه النائب باسم األصيل متجاو از حدود نيابته ،يكون موقوفا على إقرار األصيل ،فاإلقرار
هنا هو الذي يجعل العقد منتجا ألثاره .أما العقد القابل لإلبطال فهو ينشأ صحيحا منتجا
1
يراجع نص المادة 119من ق.م.
76
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
آلثاره لكن يكون مهددا بالزوال ،فإذا أجيز سقط الحق في طلب إبطاله ،ومثاله أن يتنازل
المكرهُ عن طلب اإلبطال باإلكراه الذي وقع عليه.
ُ
-يكون للبطالن أثر رجعي (إرجاع الحالة كما كانت أول مرة) ،أما اإلنهاء فسواء تم
بإرادة أحد طرفي العقد أو نتيجة قوة قاهرة أو بحكم قضائي ،فينصب أثره على المستقبل فقط
كأن ينهي رب العمل عقد المقاولة.
-األصل أال يكون التقايل أثر رجعي ،على عكس البطالن النسبي الذي ينصرف أثره
إلى الماضي متى صدر الحكم به.
-يسري البطالن على التصرفات التي لم تستوف جميع أركان قيامها أو شروط
صحتها ،أما اإلنهاء فيقع على التصرفات المستوفاة لكل أركانها ولشروط صحتها.
-يستلزم التقايل تطابق إرادتي طرفي العقد عليه ،أما البطالن فال يستلزم ذلك.
-ينجم عن التقايل إعفاء كل طرف من التزاماته دون الحاجة إلى استصدار حكم
قضائي بذلك ،أما البطالن فإذا كان نسبيا وجب صدور حكم قضائي لتقريره ،وإذا كان مطلقا
فاألصل فيه أنه ال حاجة لرفع دعوى قضائية بشأنه طالما لم يحصل نزاع بصدده ،فإن
وج َب استصدار حكم قضائي لحسم النزاع.
حصل ونزاع َ
77
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
قسم الفقه الغالب البطالن إلى :بطالن مطلق ،وبطالن نسبي ،1وهو ما أخذ به المشرع
ُي ُ
الجزائري.
أوال :البطــالن المطلــق :هو جزاء تخلف ركن أساسي أو شرط في الركن ،كتخلف ركن
التراضي ،أو المحل أو السبب أو الشكل في العقود الشكلية أو أحد الشروط المكونة لهذه
األركان.
ثانيا :البطــالن النسبــي :فهو جزاء تخلف شرط من شروط الصحة في العقد ،أي نقص
األهلية أو وجود عيب من عيوب اإلرادة كالغلط أو التدليس أو اإلكراه أو االستغالل.
الفرع الثالث :أحكام العقد الباطل والعقد القابل لإلبطال في القانون المدني الجزائري
رأينا أن البطالن المطلق هو جزاء عدم استجماع العقد لكل أركانه أو بعضها ،ومن ثم
يتقرر البطالن المطلق في الحاالت اآلتية:
المطلـــق
البطـــالن ُ
-1حـــاالت ُ
على أساس المصلحة التي يحميها القانون ،فإذا كانت المصلحة عامة كان البطالن مطلقا ،وإذا كانت المصلحة 1
-البطالن بموجب نص خاص في القانون ،كنص المادة 2/92من القانون المدني التي
تنص على بطالن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو كان برضاه.
-2اإلجـــــازة
اإل جازة وضع قانوني يدل على أن المتعاقد الذي عيبت إرادته ينزل عن حقه في طلب
إبطال العقد ،1بمعنى أنها تنازل عن البطالن.
نص المشرع الجزائري صراح ًة على أنها ال تلحق العقد الباطل بطالنا مطلقا ألنه
ولقد ّ
عدم ، 2والعدم ال سبيل لتصحيحه ،فاإلجازة تقتصر فقط على العقود القابلة لإلبطال كما
سنرى .فالعقد الباطل ال وجود له ،وال يمكن بالتالي لشخص واحد وبإرادته المنفردة أن يخلق
من العدم عقدا ،ولكن إذا شاء الطرفان معا أن يعيدا إبرام العقد من جديد ،فانه ال يوجد ما
يمنعهما من تحقيق هدفهما ،مع وجوب مراعاة الطرفين في عقدهما الجديد وجود أركانه
وشروط صحته كاملة ،وعندئذ ال يكون هذا العقد منتجا آلثاره إال من ساعة تكوينه.
نص المشرع الجزائري في المادة 2/102من القانون المدني على ما يلي" :وتسقط
دعوى البطالن بمضي خمسة عشر سنة من وقت إبرام العقد" .لكن هل يعني ذلك أن العقد
ُيصبح صحيحاً بعد ُمضي هذه المدة؟
1
خليل أحمد حسن قدادة ،المرجع السابق ،ص .85
2
تنص المادة 102من ق.م... " :وال يزول البطالن باإلجازة".
79
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ولعل السبب الذي دفع المشرع الجزائري إلى اتخاذ هذا الموقف يرجع إلى أن األوضاع
التي استقرت يجب احترامها ،وذلك بإسقاط دعوى البطالن والتي كان للكافة حق استعمالها.
لم ينص المشرع الجزائري على حالة سقوط الدفع بالبطالن بالتقادم ،وعليه ال يسقط الدفع
بالبطالن بالتقادم مهما طالت المدة .وبالنتيجة لو تصرف شخص في منزله آلخر بالبيع
بموجب عقد بيع باطل لعدم استيفائه ركن التوثيق (الشكل) ومرت على هذا العقد مدة 15
سنة دون أن يسلم البائع العين (المنزل) ،فهنا ال يستطيع البائع رفع دعوى ببطالن عقد البيع
ألنها سقطت بالتقادم ،لكن إذا طالبه المشتري بتسليم العين المبيعة ،كان من حقه أن يدفع
ببطالن البيع على الرغم من انقضاء مدة 15سنة ،ألن الدفع بالبطالن دون دعواه ال يسقط
بالتقـادم.
تنص المادة 1/102من القانون المدني على ما يلي" :إذا كان العقد باطل بطالنا مطلقا
جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطالن وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها."...
80
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
من له حق قد تأثر بصحة العقد أو ببطالنه إال وله أن يرفع دعوى يطالب فيها ببطالن العقد
بطالنا مطلقا ،كالمتعاقدين والخلف العام (الورثة) أو الخلف الخاص (الدائن) والدائنون.
يترتب كقاعدة عامة على تقرير البطالن إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها
قبل التعاقد .وبالتالي زوال كل أثر للعقد ،فعلى كل متعاقد أن يرد ما تسلمه بمقتضى العقد
إلى المتعاقد اآلخر .وفي حالة إذا لم ينفذ العقد الذي تقرر بطالنه ،فإنه ال ُي َلزُم أي متعاقد
بأي إلتزام نحو المتعاقد اآلخر .أما إذا نف َذ أحد المتعاقدين العقد كله أو جزًئا منه َو َج َب إعادة
المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.
1
أ -1استحالة إعادة الطرفين إلى حالتهما األولى قبل التعاقد
حكــم الواقــع :كما لو أن الشيء المبيع هلك في يد المشتري بخطأ منه ،فإن القاضي هنا
يحكم بتعويض يعادل قيمة الشيء المبيع وقت هالكه.
طبيعـة األشيــاء :كما هو الحال في العقود الزمنية ،مثال :عقد اإليجار إذا تم بطالنه،
يلتزم المستأجر ّبرد العين المؤجرة ويلزم المؤجر ّبرد كل المبالغ التي أخذها على سبيل
1
المادة 1/103من ق.م.
81
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
األجرة ،لكن المدة التي انتفع المستأجر فيها قبل البطالن يستحيل ردها ،لذلك يلتزم المستأجر
بالتعويض.
ال ُي َلزُم ناقص األهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته إال برد ما عاد عليه من منفعة بسبب
تنفيذ العقد ،أي يرد ما قد يكون قد تبقى مما أعطاه المتعاقد اآلخر ،ويرد ما أنفقه وما عاد
عليه من منفعة أو فائدة كتسديد ديون عليه ،أو قام بشراء أشياء مفيدة ،أما ما أنفقه ولم يعد
عليه بالفائدة فال يرده.
ُيحرم من االسترداد في حالة البطالن من تسبب في عدم مشروعية العقد أو كان عالما
به.
مثال :من يدفع مبلغا آلخر مقابل أن يقتل شخص ثالث ،فال يجوز له أن يسترد المبلغ
في حالة عدم قيام من اتفق معه بفعل القتل.
المقصود بالغير هنا كل شخص اكتسب حقا على العين محل العقد الذي تقرر بطالنه،
كما لو أن العقد الباطل بيعاً ،فتصرف المشتري في العين التي اشتراها آلخر بالبيع ،فاألصل
ط َل العقد األول ،فيجب أن ُيبطل العقد الثاني تطبيقا لألثر الرجعي للبطالن.
هنا أنه إذا ب ُ
غير أن المشرع الجزائري نص على بعض االستثناءات على هذه القاعدة ،وذلك تحقيقا
تباعا:
الستقرار التعامل وحماي ًة لالئتمان وللغير حسن النية ،نذكرها ً
82
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تنص المادة 885من القانون المدني على أنه" :يبقى صحيحا لمصلحة الدائن المرتهن
الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله ألي
سبب آخر ،إذا ثبت أن الدائن كان حسن النية وقت إبرام عقد الرهن" .
ومؤدى هذا النص أنه إذا آلت ملكية عقار إلى شخص معين بعقد قابل لإلبطال أو
الفسخ أو الزوال ألي سبب ،وقام المشتري بتقرير حق رهن على العقار لصالح شخص،
المرتهن ،وكان حسن النية أي ال يعلم بالعيب الذي يشوب سند
ويسمى في هذه الحالة الدائن ُ
ملكية المشتري ،وهو هنا المدين الراهن ،فإن بطالن التصرف الذي تملك بمقتضاه المشتري،
ال يؤثر على حق الدائن المرتهن ،فيعود العقار إلى البائع مثقال بهذا الحق.
بالنسبة ألعمال اإلدارة الصادرة من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته ،تضل قائمة
لصالح من تعامل معه إذا كان حسن النية .فإذا كسب الغير حقاً يتعلق بالشيء الذي ورد
عليه العقد الباطل ،وذلك بمقتضى عقد من عقود اإلدارة ،فإن هذا الحق يبقى بالرغم من
البطالن .فلو اشترى شخص شقة بعقد قابل لإلبطال ثم أجرها ،فإن إبطال العقد ال يؤدي
إلى زوال اإليجار ،حيث يظل قائم ًا لصالح المستأجر ،ويسترد البائع الصفقة محملة بحق
اإليجار.
ويشترط لبقاء عقود اإلدارة بالرغم من البطالن أال تكون مشوبة بغرض من جانب من
أبرمها ،وأن يكون الغير حسن النية ،وأن يكون ثابتة التاريخ قبل دعوى البطالن فيشترط
لبقاء عقد اإليجار مثالً أن يكون بشروط مألوفة كأجرة المثل والمدة المعقولة ،وأن يكون ثابت
83
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
التاريخ قبل دعوى البطالن ،وأن يكون المستأجر حسن النية ،أي يجهل ما يشوب سند
المتصرف من أسباب البطالن.
الصورية عقد غير حقيقي بين المتعاقدين يخفي عقدا آخر ،كالبيع الصوري الذي يخفي
هبة مستترة ،وقد حمى القانون الدائنين والخلف الخاص من صورية العقد ،فأجاز لهم التمسك
بالعقد الصوري طبقا لنص المادة 198من القانون المدني ،فدائن المشتري ولمن كسب من
حقا عينيا على الشيء محل التصرف الصوري هو عقد حقيقي ،ويرتبون أمورهم على هذا
األساس.
1
* الشركات التجارية الباطلة تعتبر شركات فعلية
الشركة الفعلية هي الشركة التي أنشئت بشكل في ظاهره أنها سليمة وبني على ذلك
تعامالت مع الغير ونشوء مراكز قانونية دائنة أو مدينة ثم حكم ببطالنها لعوار وتخلف
أصاب واحد أو أكثر من الشروط الموضوعية العامة وهي( :الرضا والمحل والسبب
واألهلية) أو الخاصة وهي( :تعدد الشركاء وتقديم الحصص) أو الشرطان الشكليان وهما:
(شرط الكتابة وشرط اإلشهار).
ويترتب على العوار في واحد أو أكثر من الشروط أعاله وتخلفها بطالن إما مطلق أو
نسبي بحسب الحال.
1
المادة 742من ق.م.
84
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ويترتب على الحكم بالبطالن المطلق (مثل حاالت إذا كان غرضها غير شرعي أي
محرم شرعاً أو ممنوعا من قبل الدولة) انهيار عقد الشركة كامالً منذ نشوئه بأثر رجعي
واعتبار الشركة كأن لم تكن.
يقصد بالعقد الباطل بطالنا نسبيا أو القابل لإلبطال ،ذلك العقد الذي ُيبرمه شخص
ناقص األهلية أو الذي تكون إرادته مشوبة بعيب من عيوب الرضا.
يعرف أيضا بأنه الجزاء المقرر لعقد توافرت أركانه ،لكنه لم يستوف أحد شرطي
كما ّ
صحته ،وهي أن يكون صاد ار من غير ذي أهلية لو أن إرادته مشوبة بأحد عيوب الرضا.
يس، -إذا كانت إرادة المتعاقد كامل األهلية مشوبة بعيب من عيوب الرضا (اْل َغَل ُ َّ ِ
ط ،الت ْدل ُ
بن واالستغالل).
اإلكراه ،اْل ُغ ُ
ط في الب ِ
اعث ،ومثاله :الموظف الذي يستأجر منزال في -الغلط في سبب العقد أي اْل َغَل ُ
َ
مدينة يعتقد أنه قد تم نقله إليها ثم يتبين له فيما بعد أنه لم ينقل ،يعتبر هذا غلطا بالباعث
يجعل عقد اإليجار قابال لإلبطال.
85
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
في هذه الحاالت ينعقد العقد منتجا آلثاره إلى أن ُيحكم بإبطاله بناء على طلب المتعاقد
الذي تقرر اإلبطال لمصلحته.
-2اإلجـــــــــــازة
هي نزول المتعاقد عن حقه في طلب إبطال العقد ،وهي إما أن تكون صريحة أو
ضمنية ،ولكي تكون اإلجازة صحيحة البد أن تستوفي نوعين من الشروط:
نص المشرع الجزائري صراح ًة أن اإلجازة تقتصر فقط على العقود القابلة لإلبطال في
المادة 100من القانون المدني والتي تنص على ما يلي" :يزول حق إبطال العقد باإلجازة
الصريحة أو الضمنية وتستند اإلجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ،دون إخالل بحقوق
الغير".
تنص المادة 379من ق.م على ما يلي" :إذا باع شخص شيئا معينا بالذات وهو ال يملكه فللمشتري الحق في 1
طلب إبطال البيع ويكون األمر كذلك و لو وقع البيع على عقار أعلن أو لم يعلن ببيعه.
وفي كل حالة ال يكون هذا البيع ناج از في حق مالك الشيء المبيع ولو أجازه المشتري .
86
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
لم يتطلب القانون شكال معينا في اإلجازة ،وعليه يمكن أن تتم صراح ًة أو ضمناً طبقا
للمادة 100المذكورة أعاله.
هذا ويقع عبء إثبات اإلجازة على الطرف الذي له مصلحة في التمسك بها بكافة طرق
اإلثبات ،بحيث تعتبر اإلجازة سببا النقضاء اإلبطال فبموجبها ُيصبح العقد القابل لإلبطال
عقدا صحيحا من يوم انعقاده ال من يوم إجازته.1
نصت المادة 101من القانون المدني على ما يلي" :يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم
خمس ( )05سنوات.
يتمسك به صاحبه خالل ُ
ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص األهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب ،وفي
حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ُيكشف فيه ،وفي حالة اإلكراه من يوم انقطاعه ،غير
عشر ()10
ُ أنه ال يجوز التمسك في حق اإلبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت
سنوات من وقت تمام العقد".
وبالنتيجة يصبح العقد بمضي هذه المدد صحيحا بعد أن كان مشوبا بأحد العيوب التي
تجعله قابال لإلبطال ،وهو في ذلك يشبه اإلجازة للعقد القابل لإلبطال.
1
أن الحديث عن األثر الرجعي لإلجازة يتعارض مع اعتبار العقد القابل لإلبطال عقدا لقد اعتبر بعض الفقهاء ّ
صحيحا منتجا لجميع آثاره منذ قيام العقد.
يراجع بهذا الصدد :خليل أحمد حسن قدادة ،ص 86و ،87ومحمد صبري السعدي ،المرجع السابق ،ص 252
و.253
87
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
إذا انقضت المدة القانونية المحددة في المادتين 101و 2/90من القانون المدني ،ولم
يستعمل صاحب الحق حقه في طلب اإلبطال ،أُعتبر متنازال عن حقه ،وانقلب العقد صحيحا
ُم َرِتب ًا لكل آثاره ،وعليه يمتنع عليه فيما بعد أن يتمسك باإلبطال بطريق الدعوى أو بطريق
الدفع.
بقراءة نص المادة 99من القانون المدني والتي جاء فيها أنه" :إذا جعل القانون ألحد
المتعاقدين حقا في إبطال العقد ،فليس للمتعاقد اآلخر أن يتمسك بهذا الحق" يتضح لنا أن
طلب اإلبطال قاصر فقط على المتعاقد الذي ُش ِرع اإلبطال لمصلحته ،أي لناقص األهلية أو
لمن كان رضاهُ َمعيباً ،ومن ثَ َم ال يجوز للمتعاقد اآلخر الذي لم يقم به سبب اإلبطال حق
التمسك به ،كما ال يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ،إذا لم يتمسك صاحب
المصلحة أمامها به.
كقاعدة عامة ،وطبقا للمادة 1/103من القانون المدني يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي
تسلم ُه بموجب العقد
َ كانا عليها قبل التعاقد في حالة إبطاله ،ومن ثم َي ُرُد كل متعاقد ما
المبطل للمتعاقد اآلخر.
ُ
88
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
غير أنه استثناءا عن القاعدة العامة ال ُي َع ُاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل
التعاقد ،وذلك حماية لناقص األهلية ،1وفي التعويض عند استحالة إعادة الحال إلى ما كانت
عليه قبل التعاقد عن طريق طلب التعويض.2
الفرع الرابع :اآلثار المترتبة على العقد الباطل والعقد القابل لإلبطال
كقاعدة عامة ،إذا كان العقد باطالً أو قابالً لإلبطال ،وتقرر إبطاله ،ال يكون له وجود
العدم
تب أي أثر ،سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير ألنه و ُ قانوني ،ومن ثم ال ُير ُ
سواء ،وعليه يتعين إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ، 3غير أنه
استثناءا قد ُينتج العقد الباطل أث اًر أصلياً مثل العقد الصحيح بمقتضى حكم القانون أو حماية
لحسن النية.
قد ُينتج العقد الباطل آثا ار باعتباره واقعة مادية وليس عمال قانونيا ،إذ هو كـعقد ال وجود له،
بل هو أثر عرضي يترتب على العمل المادي باعتباره واقعة قانونية ،وذلك سعيا إلنقاذ
بعض التصرفات من فكرة الرجعية ،ومن أهم اآلثار العرضية التي ينتجها العقد الباطل أثران
تحول العقد ونظرية إنقاص العقد.
يستخلصان من تطبيق نظريتين معروفتين هما :نظرية ّ
1
نحيل إلى ما سبق شرحه في البطالن المطلق.
ال ُي َلزُم ناقص األهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته إال برد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد ،أي يرد ما قد
يكون قد تبقى مما أعطاه المتعاقد اآلخر ،ويرد ما أنفقه وما عاد عليه من منفعة أو فائدة (كتسديد ديون عليه ،أو
قام بشراء أشياء مفيدة) ،أما ما أنفقه ولم يعد عليه بالفائدة فال يرده
2
المادة 1/103من ق.م.
حبار محمد،نظرية بطالن التصرف القانوني في القانون المدني الجزائري وفي الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة، 3
تنص المادة 104من القانون المدني على ما يلي" :إذا كان العقد في شق منه باطال أو
قابال لإلبطال ،فهذا الشق وحده هو الذي يبطل ،إال إذا تبين هذا العقد ما كان ليتم بغير
الشق الذي وقع باطال أو قابال لإلبطال ،فيبطل العقد كله".
أن يكون العقد باطال في أحد أجزائه ،دون األجزاء األخرى. -
على أن مسألة إثبات الشق الباطل تقع على عاتق المدعي ،فإذا أثبت أن هذا الجزاء
(الباطل) هو الدافع إلى التعاقد يكون العقد باطال ُكُل ُه أما إذا أخفق في إثبات ذلك ،فيكون
العقد صحيحا والشرط باطالً.
هب زوج لزوجته ماالَ ويشترط عليها عدم الزواج بعد وفاته بدافع الغيرة،
ومثال ذلك أن َي َ
هنا تكون الهبة صحيحة ،لكن الشرط باطل.
تنص المادة 105من القانون المدني على ما يلي" :إذا كان العقد باطال أو قابال
لإلبطال وتوافرت فيه أركان عقد آخر ،فإن العقد يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توافرت
أركانه ،إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد".
90
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-أن تنصرف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى هذا العقد اآلخر أي إلى العقد الصحيح.
ومثاله أن يتعهد شخص تعهدا ال رجوع فيه بأن يجعل شخصا آخر وارثا له ،فيكون
التعهد باطال لمخالفته الشريعة اإلسالمية ،ولكنه قد يتحول إلى وصية صحيحة يجوز الرجوع
فيها.
2
-3نظرية الخطأ عند تكوين العقد
مفادها أن يكون سبب البطالن آتيا من أحد المتعاقدين دون اآلخر الذي يعتقد صحة
العقد .ومثاله أن يعدل الموجب عن إيجابه قبل أن يتالقى بالقبول ،ولكن المتعاقد اآلخر
تم ،أو أن يلتزم البائع لسبب غير مشروع ولكن المشتري ال يعلمأن العقد قد ّ
يطمئن إلى ّ
سبب البطالن ويطمئن إلى قيام العقد.
هنا يجوز للمتعاقد الذي وقع في الخطأ واطمأن إلى العقد أن يطلب التعويض عن هذا
الخطأ ،ال على أساس العقد المبرم ،بل على أساس أنه واقعة مادية.
1
حبار محمد ،المرجع السابق ،ص .373
2
المادتان 1/103و 399من ق.م.
91
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
إذا نشأ العقد صحيحا مستوفيا ألركانه وشروطه على الوجه الذي سبق ذكره ،توفرت له
قوته الملزمة ،ووجب على المتعاقدين تنفيذ ما التزما به.
وعليه ،ال يتقيد بهذه القوة الملزمة للعقد إالّ المتعاقدان فهما دون غيرهما ممن يلتزمان
أن المتعاقدان يلتزمان
بالعقد ،وهذا ما يسمى بالقوة الملزمة للعقد من حيث األشخاص ،كما ّ
بما تضمنه العقد من التزامات دون غيرها وهذا ما يسمى بالقوة الملزمة للعقد من حيث
الموضوع.
إذن ،فالعقد نسبي في قوته الملزمة من حيث األشخاص )المطلب األول( ،ومن حيث
الموضوع )المطلب الثاني(.
األصل أن العقد لما ينشأُ صحيحا مكتمل األركان والشروط ُينتج آثاره القانونية بالنسبة
إلى طرفيه فقط ،لكن أحيانا قد تنصرف هذه اآلثار إلى الغير ،وهذا ما سنتناوله تباعا.
1
الفرع األول :أثــر العقــد بالنسبــة إلــى المتعاقديـــن
أثر العقد ،أي نشوء الحقوق وااللتزامات التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين ،ينصرف إلى
المتعاقدين والخلف العام والخلف الخاص 2مع مالحظة أن هذين األخيرين في حدود معينة
ال يعتبران من الغير ،نظ ار لكون المتعاقدين ُيمثالنهما عند التعاقد.3
1
المادتان 108و 109من ق.م.
2
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،334ص .541-540
3
لتفاصيل أكثر ،يراجع :عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،355ص .554-553
92
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
هو من يخلف الشخص (السلف) في ذمته المالية كلها أو بعضها عن طريق الميراث،
أن الشخص ال تلحق به هذه
ومثاله الوارث والموصى له ،ومن خالل هذا التعريف يتضح لنا ّ
الصفة إال في حالة ِ
وفاة السلف فقط.
والقاعدة أن أثر العقد ينصرف إليه طبقا للمادة 108من القانون المدني ،سواء كانت
المورث ،مع مراعاة القواعد المتعلقة بالميراث والتي
هذه اآلثار حقوقا أو التزامات بعد وفاة ُ
سدِاد الديون".
تقضي بأنه "ال تركة إال بعد َ
مثال ذلك :إذا أبرم المورث عقدا ثم تُوفي ،تنصرف آثار هذا العقد إلى خلفه العام إذا
كانت حقوق ،أما إذا كان التزامات َفتُ َس َد ُد هذه األخيرة من أموال التركة ،وما زاد من الديون،
ال ينزع من الذمة المالية الخاصة بالوارث ألن ال يسأل مسؤولية شخصية عن أموال مور ِ
ثه، ُ ُ ُ ُ
بل ُيسأل عنها في حدود التركة.
أن هناك حاالت استثنائية ال تنصرف فيها آثار العقد إلى الخلف العام ،وهي:
غير ّ
إذا اتفق المتعاقدان على ذلك ،أي على عدم انصراف آثار العقد إلى الخلف العام. -
إذا كانت طبيعة العقد أو التعامل ذاتها تقضي بعدم انصراف اآلثار إلى الخلف العام. -
ومثال ذلك حق االنتفاع الذي ينقضي بوفاة المنتفع ،فال ينتقل إلى ورثته ،1أو الشريك في
تعويضه في الشركة باعتباره شريكا.2
ُ عقد الشركة ،إذا مات ال يستطيع خلفه
1
المادة 852من ق.م
2
المادة 439من ق.م.
93
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
إذا وجد نص قانوني يقضي بعدم انتقال آثار العقد إلى الخلف العام ،كنص المادة -
569من القانون المدني التي قضت أنه ينتهي عقد المقاولة بموت المقاول ،إذا لم تتوافر في
ورثته الضمانات الكافية لتنفيذ الباقي من األشغال.
إذا كانت ديون التركة تزيد على حقوقها. -
هو من يخلف الشخص (السلف) في ملكية الشيء (مال معين) أو في حق عيني عليه،
ومثاله المشتري الذي يخلف البائع في المبيع ،والمنتفع الذي يخلف المالك في حق االنتفاع.
وينصرف أثر العقد إلى الخلف الخاص إذا توافرت الشروط التالية:
ُ
-أن تكون الحقوق وااللتزامات من مستلزمات الشيء ،يعني أنها مكملة له ،ومحددةٌ ُ
له.
كحق ارتفاق العين ينتقل معها ، 1أو إذا حول الدائن دينا انتقل معه تأميناته كالرهن
والكفالة ،أو عقد التأمين ضد الحريق الذي أبرم لصالح المنزل المباع.
علم الخلف الخاص بهذه الحقوق وااللتزامات التي رتبها سلفه مع الغير وقت -أن َي َ
انتقال الشيء إليه ،ويشترط العلم اليقين ال مجرد استطاعة العلم ،إال أنه يغني عن العلم
التسجيل كالقيد في الحقوق العينية الواجب شهرها.
1
علي علي سليمان ،المرجع السابق ،ص .88
94
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ال يعتبر الدائنون العاديون من الخلف العام وال من الخلف الخاص ،وعلى العموم كل
أموال المدين ضامنةٌ لوفاء ديونه طبقا للمادة 188من القانون المدني.
أن األصل هو عدم انصراف آثار العقد إلى غير المتعاقدين ،1لكن قد
قلنا فيما تقدم ّ
يحصل استثناء أن تنصرف هذه اآلثار إلى الغير ،فمن هو الغير المقصود هنا؟
الغير هو الطرف األجنبي عن العقد وعلى عاقديه ،فهو شخص لم يشارك في العقد ولم
يكن ممثال فيه ،وقد يكون الخلف العام من الغير إذا كان التصرف مثال صاد ار في مرض
الموت ،كما قد يكون الخلف الخاص من الغير إذا كان االلتزام غير م ٍ
كمل للشيء أو غير ُ
له. ٍ
ُمحدد ُ
-أن يتعاقد المتعهد باسمه ال باسم الغير الذي يتعهد عنه ،وهو ما ُيفرقه عن الوكالة.
1
تنص المادة 113من ق.م على ما يلي " :ال يرتب العقد التزاما في ذمة الغير ،ولكن يجوز أن يكسبه حقا".
2
المادة 114من ق.م.
95
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تعهد بأن يحمل الغير الذي تَ َع َه َد عنه على قبول هذا التعهد.
الم ُ -أن يلتزم ُ
ونتيجة التعهد عن الغير تكون إما بقبول الغير التعهد ،أو رفضه على النحو التالي:
الشكل إال إذا اشترط القانون ذلك كما في الرهن الرسمي أو الهبة.
ومن ثم ينصرف أثر القبول من وقت صدوره ما لم تنصرف نيتَ ُه إلى قبوِل ِه من يوم
صدور التعهد.
ُ
ومن أمثله الت عهد عن الغير أن يلتزم شخص بأن يجعل غيره يبرم العقد ،أو شركاء في
الشيوع يريدون أن يبيعوا عقار شائعا ،ويوجد قاصر بينهم ،ويريدون تجنب اإلجراءات الالزمة
لبيع القصر ،فيتعاقدون عن أنفسهم وعن الشريك القاصر ،ويتعهدون أن يقبل البيع.
1
ثانياً :االشتراط لمصلحــة الغيـــر
يتم عن طريق االتفاق بين شخصين ،فيتعهد أحدهما بأن يؤدي مباشرة إلى شخص
يشترطه الطرف اآلخر في هذا االتفاق ،ومن أمثلته أن يشترط
ُ معينا
أداء ً أجنبي عن العقد ً
ط) على المشتري (المتع ِهد) عند ِ
بيعه المحل بقاء العمال في عملهم (الم ْشتَ ِر ُ
َ ُ ُ صاحب المتجر ُ
(المنتفع) ،أو أن يشترط الواهب على الموهوب له إيرادا للغير.
1
المواد 116إلى 118من ق.م.
96
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-أن يكون للمشترط مصلحة شخصية (مادية أو معنوية) في االشتراط لمصلحة الغير.
دد بالنظر إلى الدافع لالشتراط ،فيكون إما تبرعاً أو عالقة المشترط بالمنتفع :تتح ُ -
معاوضة.
تعهد مباشرة بحقه.4 ِِ
الم َالمتعهد بالمنتفع :المتعهد له أن يطالب ُ
عالقة ُ -
1
المادة 1/116من ق.م.
2
المادتان 2/116و 118من ق.م.
3
المادة 3/116من ق.م.
4
المادة 117من ق.م.
97
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
سنعرض بداية تحديد موضوع العقد في فرع أول ،ثم نبين المسؤولية العقدية في فرع ثان.
ال يلتزم المتعاقد إال بما ورد في العقد ،ولكن قد يكون الذي ورد في العقد بحاجة إلى
نطاقه ،ثم تنفيذ ما َوَرَد فيه.
ُ تفسير ،فإذا فسره القاضي َو َج َب تحديد
متى نشأ العقد صحيحا مكتمل األركان والشروط ،كانت له قوة ُملزمة تنصرف إلى
حص ُل أال تكون كل بنود
المضمون ،أي أن كل طرف يلتزم تماما بما َوَرَد فيه ،لكن قد َي ُ
العقد واضحة فيصعب فهم مضمون العقد.
طبقا للمادة 1/111من القانون المدني إذا كانت عبارة العقد واضحة ،فال يجوز
االنحراف عنها عن طريق تأويلها للتعرف عن إرادة المتعاقدين.1
إذا تبين من الظروف أن المتعاقدين أرادا استعمال التعبير الواضح فقصدا معنى -
1
-2حالة كون عبارات العقد غير واضحة
إذا كانت عبارات النص غير واضحة تحتمل التأويل ،فيجب البحث عن النية المشتركة
للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي لأللفاظ ،وذلك باالستعانة بطبيعة التعامل 2وبما
ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين 3وفقا للعرف الجاري في المعامالت.4
5
-3حالة قيام الشك في معرفة اإلرادة المشتركة للمتعاقدين
ال يقتصر العقد على التزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب ،بل قد يتناول كذلك ما هو من
ُمستلزماته وفقا للقانون كالقواعد المنظمة لمسألة عدم ذكر ميعاد التسليم 7أو ضمان العيوب،
والعرف ،1وبحسب طبيعة االلتزام.2
1
المادة 2/111من ق.م.
2
ومثاله إذا تنازل وارث عن حقوقه في التركة ،فهذا ال يعني انه تنازل عن حقوقه في تركة أخرى.
3
ومثاله من وجه له إيجاب يجب أن يفهم عباراته بما تقتضيه األمانة في التعامل ،فإذا وجد خطأ في األمانة
عليه أال يستغله.
4
ومثاله الطريقة التي ينفذ بها المتعاقدان العقد .فإذا اعتاد المستأجر مدة من الزمن أن يدفع للمؤجر اإليجار في
محل المؤجر ،ثم أراد مخالفة هذه القاعدة ودفع الثمن في محل المستأجر.
-بلحاج العربي ،المرجع السابق ،ص .241-240
5
المادة 112من ق.م.
6
المادة 2/107من ق.م.
7
المادة 388من ق.م.
99
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-1المبـــدأ العـــام
تنص المادة 106من القانون المدني على ما يلي" :العقد شريعة المتعاقدين ،فال يجوز
نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو لألسباب التي يقررها القانون" ،وعليه يجب على
المتعاقدين تنفيذ العقد في جميع ما اشتمل عليه.
هذا ويجب على المتعاقدين تنفيذ العقد بحسن نية طبقا للمادة 1/107من القانون
المدني ،فالمقاول إذا تعهد بتوصيل أسالك الكهرباء وجب عليه أن يقوم بتوصيلها من أقصر
طريق ممكن ،3والناقل يجب عليه أن ينقل البضاعة من أقصر طريق.4
وهناك عقود يتجلى فيها واجب حسن النية في التنفيذ في صورة التزام بالتعاون ،وهو
التزام يقتضي أن يتعاون كل من المتعاقدين مع صاحبه في تنفيذ العقد ،ففي عقد البيع مثال
على المشتري أن يخطر البائع بدعوى استحقاق المبيع في وقت مناسب ،5وإذا كشف عيبا
مدة معقولة.
في المبيع وجب عليه أن يخطر البائع به خالل ّ
1وهو ما جرت به العادة خاصة في المسائل التجارية ،والمعامالت البحرّية ،ومثال ذلك الشروط المألوفة التي
جرت العادة على إدراجها في بعض العقود ،مثل إضافة نسبة مئوية لحساب العميل في المطاعم
طبيعة االلتزام تقتضي أن يستكمل القاضي نطاق العقد بما تفرضه طبيعته وفقا للقانون والعرف والعدالة ،فمن 2
باع عينا يعتبر ّأنه قد باع ملحقات هذه العين ولو لم تذكر هذه الملحقات في البيع– .عبد الرزاق السنهوري،
المرجع السابق ،الفقرة ،404ص .619
3
نقض مدني فرنسي 19يناير ،1925دالوز األسبوعي ،1925ص .77
4
نقض مدني فرنسي 31يناير .1887
5
يراجع نص المادة 372من ق.م.
100
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
هناك حاالت استثنائية يجيز القانون فيها للقاضي – العتبارات تتعّلق بالعدالة -أن ّ
يعدل
العقد ،وقد أورد المشرع على هذه القاعدة –عند حديثه على آثار العقد -1استثناءان هما:
2
أ -نظريـــة الظـــروف الطارئـــة
الحادث الطارئ هو حادث غير متوقع ،يط أر قبل بعد تحويل العقد فيجعل تنفيذه مرهقا
ألحد الطرفين وهو بهذا المعنى يختلف عن القوة القاهرة التي تعتبر حادثا غير متوقع
ومستحيل الدفع ،ال يمكن رده أو مواجهته ويترتب عليه انقضاء االلتزام.
شروطها:
أن تط أر بعد إبرام العقد،حوادث استثنائية عامة ،كاالرتفاع الباهظ في األسعار؛ -
أن يصبح تنفيذ العقد بسبب هذه الحوادث مرهقا 3للمدين وليس مستحيال؛ -
أن تكون هذه الحوادث غير متوقعة وال يمكن دفعها. -
لقد أورد المشرع استثناءات أخرى في أماكن مختلفة من القانون .يراجع بهذا الصدد :بلحاج العربي ،المرجع 1
جزاؤها:
خروجا عن القاعدة العامة (المادة 106من القانون المدني) وبسبب هذه الحوادث ،توزع
تبعة الخسارة بين المتعاقدين ،بإنقاص القاضي االلتزام المرهق إلى الحد المعقول ،ويقع باطال
كل اتفاق على خالف ذلك.
ومن أمثلة ذلك :أن يشتري شخص (أ) مواد بناء من الصين ،فيتعاقد مع (ب) ليوصل
إليه هذه المواد إلى الجزائر ،وأثناء نقل (ب) لهذه المواد ومرو ار بمصر ،نشبت حرب في قناة
السويس التي يمر بها ،فاضطر إلى عدم المرور ،ونظ ار لطول االنتظار فسدت المواد.
هنا ال تقوم المسؤولية على عاتق المدين الناقل (ب) وحده ،بل توزع بين الطرفين.
طبقا للمادة 110من القانون المدني ،يمكن الخروج استثناء على القاعدة العامة في
وتضمن شروطا
ّ المادة 106المذكورة آنفا ،وذلك في حالة ما إذا تم العقد بطريقة اإلذعان،
تعسفية ،جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ،وذلك وفقا
لما تقضي به قواعد العدالة ،ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك.
102
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
إذا نشأ العقد صحيحا مكتمل األركان والشروط المتطلبة قانونا وجب تنفيذه من قبل
األطراف ،غير أنه إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية أو تأخر في تنفيذها ،جاز
للطرف األخر أن يرفع دعوى قضائية يلزمه فيها بالتنفيذ .واألصل أن ينفذ المدين التزامه
تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا ،فإذا لم يكن التنفيذ العيني ممكنا أو لم يطلبه الدائن ،تقوم
المسؤولية العقدية للتعويض عن عدم تنفيذ العقد.
وتتمثل أركان المسؤولية العقدية في الخطأ ،والضرر ،وعالقة السببية بينهما ،وهو ما
سنعرضه بشكل موجز فيما يلي:
يتمثل في عدم تنفيذ المدين التزاماته الناشئة عن العقد ،سواء كان ذلك ناجما عن عمد
أو عن إهمال أو بغير ذلك كالسبب األجنبي.
ويشمل عدم التنفيذ عدم التنفيذ الجزئي والتنفيذ المتأخر ،ويتحقق باالمتناع عما يوجبه
القانون وإذا كان التنفيذ غير مطابق لالتفاق أو بالتأخير في التنفيذ.
والخطأ العقدي قد يكون إما في االلتزام بتحقيق نتيجة ،فيتحقق بعدم تحقيق تلك
النتيجة،1كااللتزام بنقل الملكية أو القيام بعمل أو االمتناع عن عمل.2
1
أمثلة - :التزام الناقل بتوصيل البضاعة إلى المرسل إليه ،يعتبر الناقل مخطئا إذا لم يوصل البضاعة.
-التزام المقاول ببناء عمارة ،يعتبر المقاول مخطئا إذا لم يبن تلك العمارة.
2
يقع على الدائن عبء إثبات الخطأ العقدي في جانب المدين بمجرد أن يثبت عدم تحقيق النتيجة المتفق عليها.
103
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
وقد يكون في االلتزام ببذل العناية ،1فيتحقق الخطأ العقدي بعدم بذل هذه العناية،كالتزام
الطبيب بمعالجة المريض أو التزام المحامي بالدفاع عن موكله ،وغيرها.
ثانيا :الضـــــــــــــرر
حتى تقوم المسؤولية العقدية ،يجب إلى جانب الخطأ أن يترتب على عدم تنفيذ االلتزام
ضرر بالدائن .والضرر إما أن يكون ماديا يصيب الشخص في جسمه أو ماله فيلحق به
خسارة ،أو يفوت عليه كسبا ،أو أن يكون معنويا أدبيا ،فيتمثل في األلم الذي يصيب
الشخص لسبب يمس عاطفته أو شعوره أو كرامته.
-أن يكون تقديره على أساس ما أصاب الدائن من خسارة وما فاته من كسب.
1
في هذه الحالة ،يقع عبء اإلثبات على الدائن كذلك ،فهو الذي يجب عليه أن يثبت عدم بذل المدين الجهد
والعناية المتفق عليها.
2
استثناء ،يسأل المدين عن الضرر غير المتوقع في حالتي الغش والخطأ الجسيم.
3
أما إذا كان احتماليا ،فال يستحق عليه التعويض في الحال إال بعد حدوثه.
104
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
حتى تقوم المسؤولية العقدية ،يجب أن يكون الخطأ الواقع هو السبب في الضرر الالحق
بالدائن .والقاعدة أنه يفترض قيام عالقة السببية بينهما ،ما لم يثبت المدين عدم تحقق هذه
العالقة (أي ينفيها) ،وذلك عن طريق إثبات السبب األجنبي بأن يثبت مثال أن الضرر يرجع
لقوة قاهرة أو لحادث فجائي ،1أو خطأ الدائن 2أو بفعل الغير.3
وعليه ،إذا تسبب المدين بخطأ ،لم ينتج عنه ضرر ،فان عالقة السببية تكون مقطوعة،
ومن تم ال تقوم المسؤولية.
مثالهما الحرب أو الفيضانات أو القرار اإلداري وغيرها ،يشترط فيهما أن يكون الحادث أو القوة غير متوقع وال 1
طبقا للمادة 178من القانون المدني ،1يجوز للمتعاقدين تعديل أحكام المسؤولية العقدية
في حدود النظام العام واآلداب العامة .إذ يجوز لهما االتفاق مسبقا على تشديد أحكامها
باالتفاق على أن يتحمل المدين تبعية الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة ،أو التخفيف من
أحكامها باالتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ الت ازمه التعاقدي
بشرط عدم الغش أو الخطأ الجسيم ،إذا كان واقعا منه ،أما إذا وقع من أشخاص يستعين بهم
في تنفيذ التزاماته ،فيجوز له أن يشترط إعفاءه من المسؤولية العقدية.
على أنه يبطل كل شرط يقضي باإلعفاء من المسؤولية الناجمة عن عمل إجرامي.
1
تنص المادة 178من ق.م على ما يلي" :يجوز االتفاق على أن ال يتحمل المدين تبعة الحدث المفاجئ أو القوة
القاهرة.
وكذلك يجوز االتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على تنفيذ التزامه التعاقدي ،إالّ ما ينشأ عن غشه،
أو عن خطئه الجسيم غير أنه يجوز للمدين أن يشترط إعفاءه من المسؤولية الناجمة عن الغش ،أو الخطأ الجسيم
الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه.
ويبطل كل شرط يقضي باإلعفاء من المسؤولية الناجمة عن العمل اإلجرامي".
106
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
بعدما ينشأ العقد صحيحا مكتمل األركان والشروط المتطلبة قانونا والمذكورة أعاله ،تنعقد
آثاره ،إذ يجب على المتعاقدين تنفيذ ما التزما به في العقد وهذه هي الحالة العادية ،لكن قد
يحدث وأن يمتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته التعاقدية فينتج عن ذلك النزاع ،والذي قد
يفضي إلى طلب الفسخ وهو ما سنتناوله في مطلب أول ،أو الدفع بعدم التنفيذ وهو ما
سنعرضه في مطلب ثان.
يقصد بالفسخ انحالل الرابطة التعاقدية بأثر رجعي نتيجة لعدم تنفيذ أحد المتعاقدين
اللتزاماتهما التعاقدية بإرادتهما أو لسبب أجنبي ال َي َد لهما فيه ،ولقد نظم المشرع الجزائري
أحكام الفسخ في المواد من 119إلى 122من القانون المدني.
يتقرر بموجب حكم قضائي ،بناء على طلب الدائن ،ويترتب عليه في حالة إق ارره:
-واستثناء الحفاظ على بعض األوضاع السابقة كعقود اإلدارة المبرمة بحسن نية،
والحيازة في المنقول بحسن نية سند الملكية ،وفي العقود المستمرة التنفيذ.
107
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يشترط فيه:
يتم باالتفاق بين المتعاقدين ،ومفاده اعتبار العقد مفسوخا بمجرد عدم وفاء أحد الطرفين
بالتزاماته التعاقدية .لكن يجب فيه اإلعذار الذي يحدد حسب العرف عند عدم تحديده من
أحد الطرفين.
نص عليه المشرع الجزائري في المادة 121من القانون المدني والتي جاء فيها " :في
العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه االلتزامات
المتقابلة له وينفسخ العقد بحكم القانون" .األمر الذي يستفاد منه أن االنفساخ يكون في
العقود الملزمة لجانبين ،فإذا انقضى االلتزام بسبب استحالة تنفيذه ،فتنقضي معه االلتزامات
المتقابلة له ،وينفسخ العقد بحكم القانون.
يترتب على هذا النوع من الفسخ ما يعرف بنظرية تحمل التبعة ،والتي يقصد بها أال
يكون للمدين الذي لم ينفذ التزاماته والذي طالبه الدائن بالفسخ أن يطلب من دائنه تنفيذ
التزاماته ،فهو يتحمل تبعة عدم التنفيذ ،إذ ينقضي االلتزام بالمقابل ،وبذلك تقع عليه الخسارة،
على خالف العقود الملزمة لجانب واحد التي ينقضي التزام المدين فيها ويتحمل الدائن تبعة
االستحالة.
108
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
طبقا للمادة 123من القانون المدن ي 1يقصد بالدفع بعدم التنفيذ امتناع كل من
المتعاقدين في العقود الملزمة لجانبين عن تنفيذ التزاماتهما التعاقدية ،ما دام لم يقم المتعاقد
اآلخر بتنفيذ ما التزام به ،أي وقف تنفيذ العقد إلى حين تنفيذ الطرف اآلخر التزاماته ،وهذا
الحكم يتقرر عندما تكون االلتزامات المتقابلة مستحقة األداء.
-أال يكون من تمسك بالدفع هو الذي تسبب في تأخير تنفيذ الطرف اآلخر اللتزاماته.
يترتب على التمسك بالدفع بعدم التنفيذ وقف تنفيذ العقد دون انقضاء االلتزام ،ويستمر
هذا الوقف إلى حين تنفيذ الطرف اآلخر اللتزاماته ،فإذا ما نفذها ظل العقد منتجا آلثاره ،أما
إذا امتنع عن التنفيذ فان هذا قد يؤدي إلى طلب المتعاقد اآلخر طلب الفسخ.
كما ينقضي الدفع بعدم التنفيذ في حالة هالك الشيء محل التزام الدائن .فإذا ما هلك
المبيع مثال في يد البائع الحابس له ،تقع تبعة الهالك على المشتري خالل فترة الحبس.
1
تنص المادة 123من ق.م على ما يلي " :في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت االلتزامات المتقابلة مستحقة
الوفاء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد اآلخر بتنفيذ ما التزم به".
109
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
نظم المشرع الجزائري أحكام اإلرادة المنفردة في الفصل الثاني مكرر من الباب األول
المعنون بمصادر االلتزام في المادتين 123مكرر و 123مكرر 1من القانون المدني
الصادر بموجب القانون رقم 10-05المؤرخ في 20يونيو 2005المعدل والمتمم.1
قبل أن نبين موقف المشرع الجزائري ،نشير إلى أنه ظهرت نظريات بشأن اإلرادة
المنفردة.
2
-1النظريــــة الفرنسيــــة
يرى أنصارها أن االلتزام ينشأ فقط على عمل قانوني مصدره العقد ،الذي ينشأ بتوافق
اإلرادتين ،أما إرادة منفردة فال تنشأ التزاما ،ألنه يمكن لمن صدرت منه أن يتنصل منها،
ومن ثم ال تنشأ أثرها إال إذا اقترنت بإرادة أخرى بصورة العقد.
-2النظريــــة األلمانيــــة
تعتبر اإلرادة المنفردة كافية إلنشاء االلتزام وفقا لمبدأ سلطان اإلرادة ،ومن ثم يكون
اإليجاب وحده كاف لاللتزام ،فى يمكن للموجب العدول عن إيجابه.
أن القانون المدني الجزائري – جارى المدرسة األلمانية وخالف المدرسة الفرنسية – في يتبين من هذا التعديل ّ
ّ
1
أخذ المشرع الجزائري باإلرادة المنفردة كمصدر استثنائي لاللتزام ،فنص في المادة 123
مكرر من القانون المدني على أنه" :يجوز أن يتم التصرف باإلرادة المنفردة للمتصرف ما لم
يلزم الغير ويسري على التصرف باإلرادة المنفردة نفس القواعد العامة التي تسري على العقد
باستثناء أحكام القبول".
ومن أبرز تطبيقات اإلرادة المنفردة في القانون المدني الجزائري وقانون األسرة ،نذكر ما
يلي:
111
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
دراسة صورة تطبيقية لإل رادة المنفردة كمصدر لاللتزام في القانـون المدني" :الوعـــــد
1
بالجائـــــزة"
-أن تكون إرادة3الواعد جدية باتة ،تتجه إلى إحداث أثر قانوني ،هو إلزام الواعد نفسه
بالجائزة لمن يقوم بالعمل المطلوب.
-أن يحصل التعبير عن اإلرادة بصفة علنية ،أي أن يوجه الوعد إلى الجمهور ،ألنه إذا
وجه إلى شخص واحد نكون بصدد إيجاب وقبول ،أي في إطار العقد ال اإلرادة المنفردة.
-أن يتوافر اإلعالن على عنصرين هما :العمل المعين الذي يقوم به الشخص
الستحقاق الجائزة ،والجائزة المعينة (مادية :مبلغ مالي ،أو أدبية :وسام أو شهادة).
أن يتم نشر اإلعالن بالوعد بالجائزة بأي طريقة من طرق اإلعالم. -
1
تسمى الجعالة في الفقه اإلسالمي.
2
تنص المادة 123مكرر 1ق.م.على أنه" :من وعد الجمهور بجائزة يعطيها عن عمل معين يلزم بإعطائها لمن
قام بالعمل ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون العلم بها.
وإذا لم يعين الواعد أجال إلنجاز العمل ،جاز له الرجوع في وعده بإعالن الجمهور ،على أال يؤثر ذلك في حق
من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد.
يمارس حق المطالبة بالجائزة تحت طائلة السقوط في أجل ستة ( )6أشهر من تاريخ إعالن العدول للجمهور".
أي تتوافر لديه أهلية التصرف وأن تكون إرادته خالية من العيوب. 3
112
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
إذا حددت للوعد مدة للقيام بالعمل المطلوب ،وجب على الواعد أن يتمسك بالمدة التي
حددها ،فإذا تحقق العمل المطلوب خالل تلك المدة ،كان لمن قام بالعمل أن يطلب الجائزة،
سواء كان يعلم بها أو ال يعلم ،فإذا تم العمل بعد انتهاء المدة ،فليس له أن يطالب بشيء.
إذا لم تحدد للوعد مدة للقيام بالعمل المطلوب ،فيجوز للواعد أن يرجع عن وعده في أي
وقت ،بشرط مراعاته لقاعدة العالنية في الرجوع ،ويلتزم بالتعويض لمن سبق له البدء في
التنفيذ ،على أال يؤثر ذلك الرجوع في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد.
هذا وترفع دعوى المطالبة بالجائزة تحت طائلة السقوط في أجل ستة ( )06أشهر من
تاريخ إعالن العدول للجمهور ،أي الرجوع عن الوعد.
وإذا نفذ العمل الذي رصدت له الجائزة من أكثر من شخص واحد ،كانت الجائزة
لألسبق ،فإذا تعدد المنفذون في وقت واحد ،قسمت الجائزة بينهم.
113
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
المصادر غير اإلرادية لاللتزام هي تلك التي ال دخل التجاه اإلرادة في إحداثها ،أو ما
يعرف بالواقعة القانونية ،وهي التي ال يرتب عليها القانون أثرا ،بغض النظر عن أن تكون
اإلرادة قد اتجهت إلى إحداث هذا األثر.
وسنقسم هذا الباب المتعلق بالواقعة القانونية أو المصادر غير اإلرادية إلى ثالثة فصول:
ّ
نتكلم في الفصل األول عن العمل غير المشروع أو المسؤولية التقصيرية ،ونعالج في الفصل
الثاني اإلثراء بال سبب ،ونتعرض في الفصل الثالث لنص القانون كمصدر مباشر لاللتزام.
المسؤولية المدنية هي إلزام المدين بتعويض الضرر الذي ترتب على إخالله بالتزام يقع
إما أن تكون مسؤولية عقدية إذا كان مصدر االلتزام الذي حصل اإلخالل به عليه ،وهي ّ
1
ولقد عرفت أحكام المسؤولية التقصيرية تطو ار عبر الزمن ،حيث أنه في المجتمعات
القديمة كان جزاء الفعل الضار متروكا لمن أصابه الضرر فيثأر بنفسه من المسؤول ،إذا لم
يكن هناك تمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية .ومع تطور المجتمع ظهرت
بلحاج العربي ،النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ،الواقعة القانونية ،الجزء الثاني ،ديوان 1
الدية كتعويض للمضرور أكثر منها كعقوبة وبذلك بدأ مبدأ انفصال المسؤولية المدنية عن
ّ
المسؤولية الجنائية.1
تم الفصل في القانون الفرنسي القديم بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية ،كما ّ
ميز ّ
بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية ،وانتهى إلى وضع قاعدة عامة في المسؤولية
أن كل خطأ سبب ضر ار للغير ُيلزم فاعله بالتعويض ،3وبذلك أصبح الجزاء
قرر ّ
التقصيرية تُ ّ
تعويضا مدنيا ال يختلط بفكرة العقوبة الجنائية.
منذ صدور القانون المدني الفرنسي في سنة ( 1804قانون نابوليون) تطورت المسؤولية
فتم تقرير المبدأ العام في المسؤولية التقصيرية على أساس فكرة التقصيرية تطو ار كبيراّ ،
الخطأ وأضيفت صور خاصة للمسؤولية كمسؤولية األوالد ،والمتبوع ،والحيوان والبناء.
أدى التقدم الصناعي في نهاية القرن التاسع عشر إلى كثرة االختراعات الميكانيكية وقيام
ثم زيادة الحوادث الضارة بالعمال وبالناس
الصناعات الضخمة ،وانتشار وسائل النقل ،ومن ّ
من وسائل النقل ،وكان من الصعب في حاالت كثيرة نسبة هذه الحوادث إلى خطأ معين ،لذا
ّأدى ذلك إلى وجوب قيام المسؤولية التقصيرية على فكرة الضرر ال على فكرة الخطأ أو ما
يتحمل
ّ يسمى نظرية تحمل التبعة ،فالشخص الذي يستفيد من أخطار هو محدثها عليه أن
2
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،الفقرة ،517ص.763
وضع هذه القاعدة الفقيه دوما ( )Domatأكبر فقهاء القانون الفرنسي القديم ،عبد الرزاق السنهوري ،المرجع 3
أن الغنم بالغرم ،وهذه هي النظرية الموضوعية وهي تقابل النظرية الشخصية
مضارها ،إذ ّ
تؤسس المسؤولية على فكرة الخطأ.1
التي ّ
أما عن موقف المشرع الجزائري ،فنجد القانون المدني الجزائري نظم أحكام المسؤولية
التقصيرية على ضوء ما وصل إليه تطور المسؤولية ،وذلك في المواد من 124إلى 140
مكرر 1من القانون المدن ي 2تحت عنوان "الفعل المستحق للتعويض" ،وجعل أساس
المسؤولية التقصيرية هو الخطأ ،كما أخذ بنظرية تحمل التبعة في بعض التطبيقات الخاصة
أهمها قانون العمل ، 3والتعويض عن حوادث المرور ، 4وكذا في حوادث الطيران والسفن
ّ
البحرية.
هذا وإننا نرى أال نفصل في أحكام هذه المسؤولية باعتبارها مصد ار غير إرادي -
وسنكتفي بهذا الحد -كونها ستكون محل دراسة مفصلة –بإذن هللا -فيما بعد التدرج لطلبة
الماستر ،قانون خاص.
محمد صبري السعدي ،شرح القانون المدني الجزائري ،الواقعة القانونية ،المرجع السابق ،ص .21 1
3
الصادر بموجب األمر 183/66الصادر في 21جوان 1966الخاص بتعويض حوادث العمل واألمراض
المهنية ،المعدل والمتمم .
4
الصادر بموجب األمر 15/74المؤرخ في 30جوان 1974المتعلق بالتعويض عن حوادث المرور.
116
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
وقاعدة اإلثراء بال سبب مصدر قديم من مصادر االلتزام تستند إلى قواعد القانون
الطبيعي ومبادئ العدالة ،إال أنها لم تعرف كقاعدة عامة إال في أواخر القرن التاسع عشر،
يقرر قاعدة اإلثراء بال سبب ،بل اقتصر
فالتقنين المدني الفرنسي لم يحتو على نص عام ّ
على إيراد تطبيقات لها مثل الفضالة والدفع غير المستحق.2
تم إنكار المبدأ العام لقاعدة اإلثراء بال سبب ،ثم اعترف القضاء
في المرحلة األولى ّ
الفرنسي في المرحلة الثانية بقاعدة اإلثراء بال سبب على أنها فرع من الفضالة ، 3وفي
تم االعتراف بالمبدأ ،وقاد هذه المرحلة الفقيهان أوبري و رو ،فاعتب ار ّ
أن قاعدة المرحلة الثالثة ّ
اإلثراء بال سبب تقوم بذاتها مبدأ مستقال عن الفضالة كمصدر لاللتزام مبني على قواعد
أن دعوى اإلثراء بال سبب دعوى
مقيدة بقيدين :األول ّ
أن القاعدة بقيت ّ
العدالة ،غير ّ
أن اإلثراء يشترط فيه أن يكون قائما وقت رفع الشكوى.4
احتياطية ،والثاني ّ
1
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق .بند ،737ص .1103
2
راجع التطور التاريخي لقاعدة اإلثراء بال سبب في السنهوري ،المرجع السابق ،فقرة 799ص 1104وما يليها.
3
محكمة النقض الفرنسية 18جوان ،1872دالوز .471-1-72
4
السنهوري ،المرجع السابق ،فقرة ،748ص.1110
117
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
لم يرد نص في القانون المدني المصري القديم يقرر القاعدة العامة في اإلثراء بال سبب،
ولكنه تضمن نصا غامضا تكلم في النصف األول منه عن الفضالة ،وجاء النصف الثاني
خاصا باإلثراء بال سبب ،وكانت دعوى اإلثراء بال سبب دعوى احتياطية ويشترط وجوب
بقاء اإلثراء حتى رفع الدعوى.1
نص المشرع الجزائري على اإلثراء بال سبب كقاعدة عامة في المادة 141من التقنين
ّ
المدني التي جاء فيها ما يلي" :كل من نال عن حسن نية من عمل الغير أومن شيء له
منفعة ليس لها ما يبررها يلزم بتعويض من وقع اإلثراء على حسابه بقدر ما استفاد من
العمل أو الشيء".
أن القانون المدني الجزائري قد أخذ باإلثراء بال سبب كمصدر عام
يتضح من هذه المادة ّ
ومستقل من مصادر االلتزام ،وجعل دعوى اإلثراء بال سبب دعوى أصلية ولم يشترط فيها أن
تكون دعوى احتياطية كالقانون الفرنسي.
محمد صبري العدي ،شرح القانون المدني الجزائري ،مصادر االلتزام ،المرجع السابق ،ص .247وأنور سلطان، 1
ونالحظ بأن النص العربي للمادة 141مدني يختلف عن النص الفرنسي لهذه المادة في
أن النص الفرنسي يقول " sans une
أنه يقتصر على عبارة" :ليس لها ما يبررها" في حين ّ
"causeأي دون سبب ،وهو تعبير أدق من التعبير العربي. 1
لقد أخذ المشرع الجزائري اإلثراء بال سبب كقاعدة عامة ،ثم تناول صورتين خاصتين
لهذا المبدأ هما الدفع غير المستحق والفضالة.
طبقا لنص المادة 141من القانون المدني أركان اإلثراء بال سبب أربعة هي :إثراء
المدين ،وافتقار الدائن ،وانعدام السبب القانوني لهذا اإلثراء ،وحسن النية.
يقصد باإلثراء كل منفعة مادية أو معنوية يمكن تقويمها بالمال تدخل ذمة المشتري إما
في شكل الحصول على كسب أو تجنب خسارة ، 2وتتمثل صور اإلثراء فيما يلي:
1
علي علي سليمان ،المرجع السابق ،ص233
2
فاضلي إدريس ،المرجع السابق ،ص.281
119
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
اإلثراء اإليجابي وهو الغالب ،فيتمثل في إدخال قيمة مالية أو منفعة مادية لذمة المدين،
كحالة االلتصاق المنصوص عليها في المواد 785-783من القانون المدني.
أما اإلثراء السلبي فهو إنقاص العنصر السلبي من ذمة المشتري ،ومن أمثلته أن يوفي
ّ
شخص بدين على آخر ،فيثري هذا إثراء سلبيا عن طريق النقص من ديونه ،أو أن يدفع
المشتري لعقار مرهون دين الراهن.
يتحقق اإلثراء المادي بنقل مبلغ من المال من ذمة الدائن إلى ذمة المدين ،أو بتقديم
منحة أو عمل مادي يقوم الدائن به لمصلحة المدين ،كما هو الشأن في األمثلة السابقة.
أما اإلثراء المعنوي فهو الذي ال يمكن تقديره بالمال ،كما لو علم مدرس تلميذا ،أو عالج
طبيب مريضا ،أو دافع محام عن متهم فيحكم ببراءته.
أما اإلثراء غير المباشر فيتحقق بتدخل شخص أجنبي في نقل المال من ذمة المفتقر
إلى ذمة المثرى ،ومثاله أن يلقي رّبان سفينة بعض ما تحمله في البحر لينقذ الباقي.
120
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يقصد باالفتقار الخسارة التي يتكبدها الدائن أو تلك المنفعة التي تفوت ه . 1واالفتقار
كاإلثراء قد يكون إيجابيا أو سلبيا ،ماديا أو معنويا ،مباش ار أو غير مباشر.
ويشترط أن يكون هناك تالزم (عالقة سببية) بين افتقار الدائن وإثراء المدين ،فإذا تحقق
اإلثراء دون االفتقار فال يلزم المثرى برد أي شيء ،فإذا أقامت شركة مصنعا في جهة ما
وترتب على ذلك ارتفاع قيمة األراضي المجاورة فال رجوع للشركة على أصحاب األراضي
ألن إنشاء المصنع كان لفائدتها.
بقيمة ما أثروا ألن هذا اإلثراء لم يقابله افتقار في جانبها ّ
المقصود بالسبب المصدر القانوني المكسب لإلثراء ،2فإذا انعدم السبب بهذا المعنى جاز
للمفتقر الرجوع بدعوى اإلثراء ،وانعدام السبب القانوني يعني ّأنه ال يجب أن يكون اإلثراء أو
االفتقار ناشئا عن عقد أو عن فعل غير مشروع أو عن أي سبب قانوني آخر كالتقادم أو
حجية الشيء المقضي به ،فال يجوز للواهب الرجوع على الموهوب له بدعوى اإلثراء بال
يبرر افتقار أحدهما وإثراء اآلخر ،وال
ألن بين المتعاقدين تصرفا قانونيا هو عقد الهبة ّ
سبب ّ
يستطيع المفتقر في التقادم الرجوع على المشتري (المالك األصلي) ّ
ألن األخير قد اكتسب
الملكية بالتقادم وهو سبب قانوني لكسب الحق العيني.3
1
بلحاج العربي ،النظرية العامة لاللتزام ،الواقعة القانونية ،المرجع السابق،ص .455
2
علي علي سليمان ،المرجع السابق ،ص.236-235
محمد صبري السعدي ،المرجع السابق ص.258 3
121
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
تميز المشرع الجزائري باشتراط حسن النية لدى المثرى ،خالفا ألغلب التشريعات العربية
ّ
التي ال تشترط هذا الشرط .1ويرى الدكتور علي علي سليمان ّأنه يجب إعادة النظر في
فإما أن يؤخذ في اإلثراء بال سبب بالمعيار الشخصي وفي هذه الحالةالمادة 141مدني ّ
ويشدد الجزاء عليه ،وإما أن يحذف
ّ يجب أن يضاف في هذه المادة حكم من يثرى بسوء نية
من هذه المادة شرط حسن النية .ويكون القانون المدني الجزائري قد أخذ بالمعيار
الموضوعي في اإلثراء بال سبب ،وحذا في ذلك حذو القوانين العربية األخرى.2
إذا توافرت أركان اإلثراء بال سبب وفقا لما سبق ذكره ،وجب على المثرى أن ّ
يعوض
المفتقر ،وذلك عن طريق رفع دعوى اإلثراء ،وهذا ما سنتناوله فيما يلي:
طرفا دعوى اإلثراء هما المفتقر والمثرى ،وال يشترط في المدعي أي المفتقر أو المدعى
ولما كان أن قواعد األهلية تكون في االلتزامات اإلرادية،
عليه أي المثرى أهلية ما ،إذ ّ
مصدر االلتزام المثرى هو الواقعة القانونية ال العمل القانوني فال ّ
محل لطلب أهلية ما.3
القانون المصري :المادة 179مدني ،والسوري :المادة 180مدني ،والليبي :المادة 182مدني. 1
2
علي علي سليمان ،المرجع السابق ،ص.238
محمد صبري السعدي ،المرجع السابق ،ص .263 3
122
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ويقع عبء اإلثبات على الدائن وهو المفتقر ،فيثبت قيام إثراء في جانب المثرى وافتقار
أن اإلثراء ليس له سبب قانوني ،والمفتقر له أن يثبت ذلك بكافة طرق اإلثبات
في جانبه ،و ّ
البينة والقرائن.1
ومنها ّ
ينشأ حق المفتقر في التعويض من واقعة اإلثراء المترتب على االفتقار دون سبب قانوني
لذلك ،وه ي واقعة مادية ،فإذا تحققت الواقعة المادية نشأ حق المفتقر ،فالحكم الصادر في
دعوى اإلثراء هو مقرر لهذا الحق وليس منشئا.2
يقدر اإلثراء واالفتقار وقت النطق بالحكم قياسا على تقدير التعويض في المسؤولية
ّ
ألن االفتقار كالضرر في المسؤولية التقصيرية ،ال يمكن تحديده على وجه
التقصيرية ،وذلك ّ
الدقة إالّ في لحظة النطق بالحكم.3
1
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،فقرة ،795ص .1175
محمد صبري السعدي ،نفس المرجع ،ص .265 2
3
بلحاج العربي ،النظرية العامة لاللتزام ،الواقعة القانونية ،المرجع السابق ،ص .472
123
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
نص المشرع الجزائري على تطبيقين لقاعدة اإلثراء بال سبب ،هما الدفع غير المستحق،
ّ
والفضالة ،وسنتناول فيما يلي دراسة هذين التطبيقين.
دفع غير المستحق هو قيام شخص بوفاء دين غير مستحق عليه ،فيلتزم من يتلقى
ألن في احتفاظه به إثراء بال سبب على حساب غيره.1
برد ما أخذه إلى من وّفى بهّ ،
الوفاء ّ
تنص المادة 143من القانون المدني على ما يلي" :كل من تسّلم على سبيل الوفاء ما
ّ
للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم ّأنه غير
محل ّ
رده ،غير ّأنه ال ّ
ليس مستحقا له وجب عليه ّ
ملزم بما دفعه ،إالّ أن يكون ناقص األهلية ،أو أن يكون قد أكره على هذا الوفاء".
لقد اعتبر المشرع الجزائري دفع غير المستحق شبه عقد قرض. 1
124
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يقصد بالوفاء كل تصرف قانوني تتجه فيه إرادة الموفي إلى قضاء دين ثابت في ذمته
مهما كان مصدره.
-إذا لم يكن للدين وجود أصال ،كما لو ّأدى أحد الورثة دينا معتقدا ّأنه دين على التركة
ثم يتضح عدم وجوده أصال.1
ّ
ثم أصبح غير مستحق لزوال سببه فيما بعد، -إذا كان الدين مستحقا وقت الوفاء ّ
ثم تحقق هذا الشرط أو أن يكون الدين واجبا
وصوره أن يكون الدين معلقا على شرط فاسخ ّ
ثم يفسخ هذا العقد أو يبطل.
بمقتضى عقد قابل للفسخ أو اإلبطال ّ
يجب أن يقع الموفي في غلط ،أي أن يعتقد وقت الوفاء ّأنه ملزم بأداء الدين ،وأن ال
يكون قد قصد بوفائه التبرع ،فالمفروض أالّ يقوم الشخص بوفاء دين إالّ إذا كان يعتقد ب ّأنه
أن
أن قرينة الغلط بسيطة يستطيع الموفى له نقضها بإثبات ّ
مستحق وواجب األداء ،غير ّ
بأنه غير ملتزم بالدين.
الموفي كان يعلم وقت الوفاء ّ
125
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
غير ّأنه يجوز للموفي استرداد ما دفعه ،ولو لم يقع في غلط في حالتين:
-إذا أثبت ّأنه كان مكرها على الوفاء ،فدفع مع علمه ّأنه غير ملزم.
قصر في جنيها
برد األرباح التي جناها ،أو التي ّ
فإنه يلزم أيضا ّ
سيئ النية ّ
أما إذا كان ّ
ّ
سيئ
من الشيء الذي تسّلمه بغير حق ،وذلك من يوم الوفاء ،أو من اليوم الذي أصبح فيه ّ
النية.
يكون الموفى له حسن النية إذا كان يعتقد ّأنه يتسّلم ما هو حق له ،واألصل هو افتراض
حسن النية وإذا ادعى الموفي عكس ذلك فعليه إثبات ادعائه بكافة الطرق ،وفي حالة حسن
بمجرد قبضها وال
ّ أما الثمار فيملكها الموفى له
رد ما تسّلم فقطّ ،
فيتعين عليه ّ
ّ نية الموفى له
بردها إالّ من يوم رفع الدعوى.
يلتزم ّ
126
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
سيئ النية
ثانيا :الموفى له ّ
هناك حالتان خاصتان في القانون المدني الجزائري تستقالّن بأحكام خاصة في هذا
الموضوع هما:
نصت المادة 148مدني على ما يلي" :إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسّلم غير ّ
المستحق فال يكون ملزما إالّ بالقدر الذي أثرى به".
1
فاضلي إدريس ،المرجع السابق ،ص .291
127
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
أحكام هذه المادة جاءت مخالفة للقاعدة العامة في اإلثراء بال سبب باعتبارها واقعة
الفضالة 2هي أن يتوّلى شخص (يسمى الفضولي) عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب
أن يكون ملزما بذلك ،فيرتّب القانون على ذلك التزام
شخص آخر (يسمى رب العمل) دون ّ
تمت لحسابه األعمال تعويض من قام بهذا األعمال.
من ّ
وقد عرفت الفضالة في القانون الروماني الذي كان يعتبرها شبه عقد ،ويقيمها على فكرة
ثم انتقلت الفضالة إلى القانون الفرنسي القديم
العدالة وتطبيقا من تطبيقات اإلثراء بال سببّ ،
واعتبرت شبه عقد ،غير ّأنه قلب الوضع الذي كان سائدا في القانون الروماني ،فاعتبر
اإلثراء بال سبب من تطبيقات الفضالة ولكن تنقصه نية العمل لمصلحة الغير.3
وانتقل هذا الوضع إلى القضاء الفرنسي إلى أن وضع مبدأ اإلثراء بال سبب ،وتناول
تقنين نابوليون النص على الفضالة في المواد من 1372إلى ،1375وأخضع الفضولي
وسد الثغرات التي وردت في
إلى أحكام الوكالة ،وتولى القضاء الفرنسي بلورة أحكام الفضالة ّ
القانون المدني.4
إذا كان ممي از طبقا لنص المادة 125من القانون المدني. 1
2
كلمة الفضالة تعني التفضل ال التطفل.
3
علي علي سليمان ،المرجع السابق ،ص .263
4
علي علي سليمان ،المرجع السابق ،ص .263
128
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
أقر رب العمل ما قام به الفضولي من عمل ،والوكالة قد تنتهي إلى فضالة إذا
وكالة إذا ّ
خرج الوكيل عن حدود نيابته أو إذا استمر في عمله بعد انتهاء الوكالة ،غير ّأنه بالرغم من
أن
هذا التقارب بين النظامين ،تختلف الفضالة عن الوكالة في أمرين أساسيين :األول ّ
أما الفضالة فهي واقعةالوكالة تصرف قانوني مصدرها العقد القائم بين الوكيل والموكلّ ،
أن عمل الفضولي قد يكون تصرفا ماديا أو قانونيا، قانونية مصدرها القانون ،والثاني هو ّ
بينما يكون عمل الوكيل تصرفا قانونيا فقط.2
تنص المادة 150من القانون المدني على ما يلي" :الفضالة هي أن يتولى شخص عن
ّ
قصد القيام بالشأن لحساب شخص آخر ،دون أن يكون ملزما بذلك".
-الركن المعنوي :وهو نية الفضولي في أن يعمل لمصلحة الغير وهو رب العمل.
-الركن القانوني :وهو أالّ يكون الفضولي قد قام بالعمل تنفيذا اللتزام عليه.
1
يسمي الفضالة شبه عقد الوكالة.
هناك من ّ
بلحاج العربي ،المرجع السابق ،ص ، 497ومحمد صبري السعدي ،المرجع السابق ،ص .284 2
129
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يتمثل الركن المادي للفضالة بقيام الفضولي بشأن عاجل 1لشخص آخر هو رب العمل،
ويستوي أن يكون هذا العمل تصرفا قانونيا كأن يبيع الفضولي لرب العمل مواد سريعة التلف
أو يدفع ضريبة مستحقة على رب العمل تفاديا للحجز اإلداري على أمواله ،أو يكون عمال
ماديا كأن يطفئ حريقا في منزل رب العمل أو يجني محصول يخشى عليه التلف.
إذن ،ما يقوم به الفضولي من عمل قد يكون تصرفا قانونيا أو عمال ماديا ،ولكن يجب
في الحالتين أن يكون عمال ضروريا وعاجال فال يكفي أن يكون عمال نافعا.2
يجب أن يكون قيام الفضولي بالعمل العاجل لحساب رب العمل بقصد أداء خدمة له،
يميز بين الفضالة واإلثراء بال سبب ،فالفضولي هو من يعمل
وهذا القصد أو النية هو الذي ّ
لمصلحة الغير ال لمصلحة نفسه ،فإن عمل لمصلحة نفسه وعاد من ذلك نفع على الغير فال
يرجع إالّ بدعوى اإلثراء بال سبب إذا توافرت شروطها.3
غير ّأنه ال يشترط أن تنصرف نية الفضولي إلى العمل لمصلحة رب العمل وحده ،بل
تتحقق الفضالة طبقا لنص المادة 151من القانون المدني "ولو كان الفضولي ،أثناء توليه
شأنا لنفسه ،قد تولى شأن غيره لما بين األمرين من ارتباط ال يمكن معه القيام بأحدهما
منفصال عن اآلخر" ،فالشريك على الشيوع الذي يؤجر العين الشائعة كّلها يعمل لمصلحة
شريكه وإن كان قد قصد أن يعمل لمصلحته أوال ،لذا يعتبر فضوليا بالنسبة لشريكه.
أن المشرع الجزائري لم يذكر عبارة "عاجل" ،ولكن الفقه أجمع على ذلك.
نالحظ ّ
1
2
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،فقرة ،865ص .1235
3
عبد الرزاق السنهوري ،نفس المرجع ،فقرة ،868ص .1237
130
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يجب حتى تتحقق الفضالة من الناحية القانونية ،أال يكون الفضولي ملتزما بالعمل الذي
قام به ،وال موكال فيه ،وال منهيا عنه.
كذلك ال يعتبر فضوليا من يكون ملتزما بتولي شأن الغير بمقتضى عقد كالوكيل أو
نص قانوني كالولي أو الوصي.
بمقتضى أمر من المحكمة كالحارس القضائي ،أو بمقتضى ّ
131
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يلتزم الفضولي وفقا ألحكام المواد من 153إلى 155مدني بأربعة التزامات هي:
-أن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه.
تدخل في شؤون الغير بدون داع وجب عليه أالّ يتخلى عن العمل الذي بدأه حتى ّ
يتمه رعاية
لمصلحة رب العمل.
132
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
عدد تعدد الفضوليون في القيام بعمل واحد كانوا متضامنين في المسؤوليةّ ،
أما إذا ت ّ وإذا ّ
الفضوليون ولكل منهم عمل مستقل فال تضامن بينهم.
2
بلحاج العربي ،المرجع السابق ،ص .512
133
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يلتزم رب العمل طبقا لنص المادة 157من القانون المدني بأربعة التزامات هي:
إذا تحققت شروط الفضالة ،وبذل الفضولي في عمله عناية الرجل العادي ،كان نائبا
قانونيا عن رب العمل ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة ،1فإذا عقد الفضولي تصرفا قانونيا باسم
ألن
رب العمل يلتزم هذا األخير بتنفيذ االلتزامات المترتبة عن هذا التصرف القانوني ّ
ثم تنصرف آثار هذا التصرف لرب العمل
رب العمل نيابة قانونية ومن ّ
الفضولي ينوب عن ّ
(النائب).
فإن حقوق العقد والتزاماته تضاف إلى الفضولي ،فإذا ّأدى هذا الفضولي هذه االلتزامات ّ
فإنه ّ
يرجع بما دفعه على رب العمل.
134
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
برد النفقات:
-3التزام رب العمل ّ
كما يلتزم رب العمل بدفع أجر الفضولي إذا كان ما قام به يدخل في أعمال مهنته
أما إذا كان ما قام به الفضولي ال يدخل في نطاق مهنته فإّنه
كالطبيب والمحامي والمهندسّ ،
ال يأخذ أج ار على عمله.
تنص المادة 158من القانون المدني على ما يلي" :إذا لم تتوافر في الفضولي أهلية ّ
التعاقد فال يكون مسؤوال عن إدارته إالّ بالقدر الذي أثري به ،ما لم تكن مسؤوليته ناشئة عن
عمل غير مشروع.
أما رب العمل فتبقى مسؤوليته كاملة ،ولو لم تتوافر فيه أهلية التعاقد".
ّ
أن الفضولي إذا أبرم تصرفا قانونيا باسمه فيجب أن تتوافر فيه
يتبين من هذه المادة ّ
ّ
أما إذا تعاقد باسم رب العمل فال تشترط فيه سوى
أهلية التعاقد الالزمة للعقد الذي أبرمهّ ،
135
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
ويالحظ ّأنه إذا كان الفضولي ناقص األهلية فال يكون مسؤوال عن إدارته إالّ بالقدر الذي
أثرى به ،غير ّأنه إذا ارتكب خطأ تقصيريا فيكون مسؤوال مسؤولية كاملة طبقا ألحكام
المسؤولية التقصيرية.
فإنه طبقا للفقرة الثانية من المادة المذكورة أعاله -فال تشترط فيه أي
أما رب العمل – ّ
ّ
ألن مصدر التزامه بتعويض الفضولي هو اإلثراء بال سبب وهو واقعة مادية بالنسبة أهلية ّ
فإنه يشترط أن
لرب العمل ،لكن إذا أبرم الفضولي تصرفا قانونيا باسم رب العمل ونيابة عنه ّ
فإن أثاره ال تنصرف إليه.1
تتوافر في رب العمل أهلية األداء إلبرام مثل هذا التصرف ،وإالّ ّ
نصت المادة 156من القانون المدني على ما يلي" :إذا مات الفضولي التزم ورثته بما
ّ
يلزم به ورثة الوكيل طبقا ألحكام المادة 589فقرة 2وإذا مات رب العمل بقي الفضولي
ملتزما نحو الورثة بما كان ملزما به نحو مورثهم".
يستفاد من هذه المادة ّأنه إذا مات الفضولي انقضت الفضالة ،كما تنقضي الوكالة بموت
الوكيل ،ويلتزم ورثة الفضولي إذا كانوا كاملي األهلية وعلى علم بالفضالة بإخطار رب العمل
تم من العمل حتى يتمكن
بموت مورثهم وأن يتخذوا من التدابير الالزمة للمحافظة على ما ّ
رب العمل من التدخل لمباشرة العمل بنفسه.
أما في حالة موت رب العمل فال تنقضي الفضالة بل يبقى الفضولي ملتزما قبل الورثةّ
فإن الفضالة تستمر بالرغم من موت رب العمل.
بما كان ملتزما به قبل رب العمل ،ولذا ّ
137
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
يعتبر القانون مصد ار غير مباشر لجميع االلتزامات ،فااللتزامات الناشئة عن العقد أو
عن اإلرادة المنفردة أو عن العمل غير المشروع أو عن اإلثراء بال سبب مصدرها القانون،
ألن القانون هو الذي جعلها تنشئ هذه المصادر ،فالقانون مصدر غير مباشر لهاّ ،
ألنه هو ّ
الذي جعلها تنشأ مباشرة عن هذه المصادر.1
ولكن القانون قد يكون مصد ار مباش ار لاللتزام ،ولقد تناول المشرع الجزائري القانون
ّ
كمصدر لاللتزام في المادة 53من القانون المدني التي جاء فيها ما يلي" :تسري على
االلتزامات الناجمة مباشرة عن القانون دون غيرها النصوص القانونية التي قررتها".2
فالقانون ال يعتبر مصد ار مباش ار لاللتزام إالّ إذا أنشأه بنص خاص ،وهذا النص القانوني
ويبين أحكامه ،ومن بين هذه االلتزامات الموجودة في
يحدد أركان هذا االلتزامّ ،
هو الذي ّ
نطاق القانون الخاص والعام ما يلي:3
-في القانون المدني :هناك التزامات الجوار والحائط المشترك (المادة 704قانون
مدني) ،وااللتزامات المترتبة عن الشيوع (المادة 713قانون مدني).
-في قانون األسرة :نجد االلتزام بالنفقة بين الزوجين (المادة 74قانون األسرة) ،والنفقة
بين األقارب (المادة 77من قانون األسرة).
أن القانون
النص العربي ّ
إن النص الفرنسي للمادة 53مدني جاء موفقا على النص العربي ،فبدل أن يقول ّ ّ
2
أن هذه االلتزامات هي وحدها التي تسري على النصوص التي قررتها.
وحده هو مصدر لاللتزامات القانونية قال ّ
انظر :علي علي سليمان ،المرجع السابق ،ص .312 – 311
3
عبد الرزاق السنهوري ،المرجع السابق ،فقرة ،911ص 1297وما بعدها.
138
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
الخاتمة
وبهذا نكون قد ألممنا بمختلف مواضيع مادة القانون المدني (مصادر االلتزام) وذلك
وفقا لما تقتضيه حاجة الطالب التكوينية.
139
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
قائمة المراجع:
بلحاج العربي ،النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ،الجزء األول ،التصرف -
القانوني ،العقد واإلرادة المنفردة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،الطبعة الثالثة،
.2004
-بلحاج العربي ،النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ،الواقعة القانونية،
الجزء الثاني ،ديوان المطبوعات الجامعية ،ط ،4الجزائر.2007 ،
-بن الشويخ رشيد ،دروس في النظرية العامة لاللتزام ،دار الخلدونية ،الجزائر .2011
خليل أحمد حسن قدادة ،الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ،الجزء ّ
األول ،مصادر -
-دربال عبد الرزاق ،الوجيز في النظرية العامة لاللتزام ،مصادر االلتزام ،دار العلوم،
الجزائر.2004 ،
-عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر
االلتزام ،الجزء األول ،دار إحياء التراث العربي.1952 ،
علي علي سليمان ،النظرية العامة لاللتزام ،مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري، -
-علي فياللي ،االلتزامات ،الفعل المستحق للتعويض ،الطبعة الثانية ،موفم للنشر ،الجزائر،
.2007
-فاضلي إدريس ،الوجيز في النظرية العام لاللتزام ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر
.2009
140
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
-محمد سعيد جعفور ،المدخل للعلوم القانونية ،الجزء الثاني ،دروس في نظرية الحق،
الطبعة األولى ،دار هومة ،الجزائر.2011 ،
محمد صبري السعدي ،الواضح في شرح القانون المدني الجزائري ،الجزء األول ،النظرية -
العامة لاللتزامات ،مصادر االلتزام ،العقد واإلرادة المنفردة ،الطبعة الرابعة ،دار الهدى،
الجزائر.2008 ،
محمد صبري السعدي ،شرح القانون المدني ،مصادر االلتزام ،الواقعة القانونية ،الجزء -
-حبار محمد ،نظرية بطالن التصرف القانوني في القانون المدني الجزائري وفي الفقه
اإلسالمي ،دراسة مقارنة ،رسالة دكتوراه ،جامعة الجزائر.1987 ،
141
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
142
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
الفهرس:
الموضوع ....................................................................الصفحة
145
د .شيخ نسيمة محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)
146