You are on page 1of 147

‫جامعة بلحاج بوشعيب‪ -‬عين تموشنت‬

‫كلية الحقوق‪ -‬قسم الحقوق‬

‫حماضرات يف القانون املدين‬


‫( مصادر االلتزام)‬

‫موجهة لطلبة السنة الثانية حقوق‬

‫مــن إعــداد األستــاذة‪ :‬شي ــخ نسيم ـ ــة‬


‫‪ -‬دكتوراه يف العلوم يف احلقوق‪ -‬القانون املدين‬
‫‪ -‬أستـاذة حماضرة "أ" بقسم احلقوق‬

‫السنة اجلامعية‪2022/2021 :‬‬


‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫مقدمـــة‬

‫إن مضمون القانون المدني في البالد العربية يقتصر على تنظيم عالقات األشخاص من‬
‫ّ‬
‫حيث المال‪ ،‬والمال في لغة القانون هو الحق المالي‪.‬‬

‫والحقوق المالية تنقسم إلى نوعين‪ :‬حقوق شخصية‪ ،‬وحقوق عينية‪ ،‬ويعتبر االلتزام الوجه‬
‫السلبي للحق الشخصي‪ ،‬فالحق للدائن وااللتزام على المدين‪.‬‬

‫موضوع النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني هو أنها تشتمل على القواعد العامة‬
‫التي تحكم الحقوق الشخصية‪ ،‬وهي أحد نوعي الحقوق المالية التي ينظمها القانون المدني‪،‬‬
‫ومن تم يتحدد موضوع نظرية االلتزام في هذا القانون على أساس التفرقة بين الحق العيني‬
‫والحق الشخصي‪.‬‬

‫فالحق العيني سلطة مباشرة لشخص على شيء مادي معين بالذات‪ ،‬تخوله القيام بأعمال‬
‫معينة تتصل بهذا الشيء تحقيقا لمصلحة له‪ ،‬ومثاله‪ :‬حق الملكية الذي يتميز عن غيره من‬
‫الحقوق بأنه يرد على شيء معين بالذات‪ ،‬وأنه يخول صاحبه سلطة مباشرة على ذلك‬
‫الشيء‪ ،‬أي دون الحاجة إلى وساطة شخص آخر‪.‬‬

‫ويشترك مع غيره من الحقوق في أنه سلطة يخولها القانون لشخص معين ويفرض‬
‫احترامها على الكافة‪ ،‬بحيث ال يجوز لهم أن ينافسوا صاحب هذه السلطة أو يتعرضوا له في‬
‫استعمالها‪.‬‬

‫أما الحق الشخصي فهو سلطة مقررة لشخص قبل شخص آخر‪ ،‬تخول األول أي الدائن‬
‫أن يجبر الثاني أي المدين على أن يعطيه شيئا‪ ،‬أو على أن يقوم بعمل‪ ،‬أو يمتنع عن‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫عمل‪ ،‬ومثاله‪ :‬حق الدائن في استرجاع دينه‪ ،‬وحق المستأجر في الحصول على منفعة العين‬
‫المؤجرة من المؤجر‪.‬‬

‫ويتميز هذا النوع من الحقوق بأنه سلطة ال ترد على شيء معين بالذات بصفة مباشرة‪،‬‬
‫بل سلطة ضد شخص آخر إللزامه بأداء أمر معين‪.‬‬

‫ويشترك مع غيره من الحقوق في أنه سلطة يخولها القانون لشخص معين ويفرض‬
‫احترامها على الكافة بحيث ال يجوز لهم أن ينافسوا صاحبها الدائن أو يتعرضوا له في‬
‫استعمالها‪ ،‬سواء باقتضاء الدين ذاته من المدين أو بمنع الدائن من اقتضائه منه‪.‬‬

‫موضوعات نظرية االلتزام‪ :‬تنقسم دراسة نظرية االلتزام إلى قسمين رئيسيين‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬مصادر االلتزام أي نشوء االلتزام‪( .‬وهو موضوع هذه المحاضرات)‬

‫القسم الثاني‪ :‬القواعد التي تحكم االلتزام بعد نشوئه أي أحكام االلتزام‪.‬‬

‫مصادر االلتزام‪ :‬تقتضي دراسة مصادر االلتزام تحديد مركز نظرية االلتزام في القانون‬
‫المدني )أوال( وتعريف االلتزام )ثانيا(‪ ،‬ثم بيان صوره وأنواعه (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تحديد مركز نظرية االلتزام في القانون المدني‬

‫ينظم القانون المدني قواعد المعامالت‪ ،‬وهي التي تنظم عالقة الفرد بغيره من حيث‬
‫المال‪ ،‬والمال في نظر القانون يتكون من حقوق‪ ،‬والحق في المعامالت مصلحة ذات قيمة‬
‫إما أن يكون حقا عينيا أو حقا شخصيا‪.1‬‬
‫مالية يقرها القانون للفرد‪ ،‬وهو ّ‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الجزء‬ ‫‪1‬‬

‫األول‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،1952 ،‬الفقرة ‪ ،1‬ص‪.103‬‬


‫‪2‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أما الحق‬ ‫والحق العيني هو سلطة يعطيها القانون لشخص معين على شيء ّ‬
‫معين‪ّ ،‬‬
‫يخول الدائن بمقتضاها مطالبة المدين‬
‫الشخصي فهو رابطة من بين شخصين‪ ،‬دائن ومدين‪ّ ،‬‬
‫بالقيام بعمل أو االمتناع عن عمل أو إعطاء شيء‪ ،‬والحق الشخصي هو االلتزام‪ ،‬فيسمى‬
‫حّقا إذا نظر إليه من جهة الدائن‪ ،‬والتزاما إذا نظر إليه من جهة المدين‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف االلتزام‬

‫أن االلتزام‬
‫اختلف الفقهاء في تعريف االلتزام تبعا للمذهب الذي يؤخذ به في شأنه‪ ،‬ذلك ّ‬
‫يتناوله مذهبان‪ :‬مذهب شخصي ومذهب مادي‪.‬‬

‫أما المذهب الشخصي فيرى األمر الجوهري في االلتزام هو ّأنه رابطة شخصية فيما بين‬‫ّ‬
‫ثم يؤخذ شخص المدين باالهتمام في هذه الرابطة ملتصقة به وتعطي‬ ‫الدائن والمدين ‪ ،‬ومن ّ‬
‫‪1‬‬

‫للدائن سلطة عليه‪ ،‬وقد أخذت هذه النظرية عن القانون الروماني الذي كان يعتبر المدين‬
‫ملتزما شخصيا بالدين‪ ،‬ويجيز للدائن أن ينّفذ بدينه على شخص المدين فيحبسه‪ ،‬أو يسترقه‪،‬‬
‫ال يجوز إحالل مدين‬ ‫بل وكان له أن يقتله إذا لم يقم بسداد دينه‪ ،‬وطبقا لهذه النظرية‬
‫ألن الدين ملتصق بشخص المدين‪ ،‬كما ّأنه ال يتصور التزام بدون‬
‫محل مدين )حوالة الدين( ّ‬
‫أهمها القانون المدني الفرنسي بهذه النظرية‪.2‬‬
‫دائن‪ ،‬وقد أخذت القوانين الالتينية و ّ‬

‫أما المذهب المادي فاعتنقه الفقه األلماني‪ ، 3‬وساد في القانون المدني األلماني‪ ،‬وهو‬
‫ينظر إلى االلتزام كرابطة مادية بين ذمتين ماليتين‪ ،‬وال يأخذ بشخصية الدائن أو المدين‪،‬‬
‫وبالتالي يجوز أن يتغير شخص الدائن وشخص المدين )حوالة الحق وحوالة الدين(‪ ،‬ويجوز‬
‫أن يلتزم شخص لدائن غير معين )الوعد الموجه للجمهور(‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫من أشهر الفقهاء الذين قالوا بالمذهب الشخصي‪" :‬بالنيول" والفقيه األلماني "سافيني"‪.‬‬
‫علي علي سليمان‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان‬ ‫‪2‬‬

‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.09‬‬


‫‪3‬‬
‫من أشهر هؤالء الفقهاء األلمان "جيرك" )‪.(Gierke‬‬
‫‪3‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ولقد أخذ القانون المدني الجزائري بالمذهب الشخصي وجعله هو األصل‪ّ ،‬‬
‫ولكنه أخذ‬
‫أيضا بالكثير من األحكام الناتجة عن المذهب المادي‪.1‬‬

‫لذلك‪ ،‬نرى عدم ترجيح مذهب على آخر في تعريف االلتزام‪ ،‬بل ضرورة الجمع بينهما‪،‬‬
‫بأنه‪" :‬رابطة قانونية بين شخصين أو بين ذمتين ماليتين‪ ،‬تجيز‬
‫وبالتالي يمكن تعريف االلتزام ّ‬
‫الملتَ ِزم )المدين( بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو االمتناع‬
‫لصاحب الحق )الدائن( أن يطالب ُ‬
‫عن عمل"‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬صور االلتزام‬

‫إما من حيث طبيعة محّلها‪ ،‬أو‬


‫لاللتزام صور مختلفة‪ ،‬يختلف بعضها عن البعض اآلخر ّ‬
‫الهدف منها‪.‬‬

‫محل االلتزام‬
‫‪ -1‬من حيث طبيعة ّ‬

‫بأن هناك ثالثة أنواع لاللتزام نذكرها تباعا‪:‬‬


‫محل االلتزام‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫بالنظر إلى ّ‬

‫‪ -‬االلتزام بالقيام بعمل‪ :‬وهو االلتزام المتعلق بنشاط ايجابي يقوم به المدين لمصلحة‬
‫الدائن‪ ،‬كالتزام العامل بأداء العمل المتفق عليه مع صاحب العمل بموجب عقد العمل‪ ،‬أو‬
‫التزام المقاول بتشييد المسكن المتفق عليه مع شخص بموجب عقد المقاولة‪.‬‬

‫‪ -‬االلتزام باالمتناع عن عمل‪ :‬وهو االلتزام المتعلق بنشاط سلبي‪ ،‬أي أن يمتنع المدين‬
‫بمقتضاه عن عمل يملك القيام به قانونا لوال وجود هذا االلتزام‪ ،‬ومثاله التزام عامل بعدم‬
‫إفشاء أسرار مهنية تتعلق بالعمل الذي يقوم به مع صاحب العمل‪ ،‬أو التزام ممثل بعدم‬
‫مدة العقد‪.‬‬
‫التمثيل إالّ في األفالم التي تنتجها الشركة التي تعاقد معها طول ّ‬

‫مثل حوالة الحق وحوالة الدين )المواد من ‪ 239‬إلى ‪ ،(257‬والوعد بجانزة الموجه للجمهور‪ ،‬واالشتراط لمصلحة‬ ‫‪1‬‬

‫الغير‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬االلتزام بإعطاء شيء‪ :‬وهو االلتزام بنقل حق عيني على عقار أو منقول‪ ،‬مثل الت ازم‬
‫البائع بنقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري‪ ،‬أو التزام مالك عقار بترتيب حق ارتفاق على‬
‫عقاره لفائدة عقار مملوك لشخص آخر‪.‬‬

‫‪ -2‬من حيث الهدف من االلتزام‪:‬‬

‫التزام المدين تجاه الدائن قد يكون ّ‬


‫إما التزاما ببذل عناية أو التزاما بتحقيق نتيجة‪ ،‬وهو‬
‫تقسيم يقوم على أساس الغاية المنشودة من إنشاء االلتزام‪.‬‬

‫‪ -‬االلتزام بتحقيق نتيجة‪ :‬يتعهد المدين أمام الدائن بتحقيق نتيجة معينة‪ ،‬وهو االلتزام‬
‫الذي ال يتم تنفيذه إالّ إذا تحققت الغاية المقصودة‪ ،‬ومثاله التزام المقاول ببناء المسكن حسب‬
‫المواصفات المتفق عليها‪ ،‬والتزام الناقل بإيصال المسافر إلى المكان والزمان المتفق عليهما‬
‫آمنا سالما‪.‬‬

‫‪ -‬االلتزام ببذل عناية‪ :‬ومضمونه مطالبة المدين ببذل جهد معين سواء تحقق الهدف‬
‫المنشود أم لم يتحقق‪ ،‬فيكفي إذن‪ ،‬أن يقوم المدين ببذل العناية الواجبة سواء تحققت النتيجة‬
‫المقصودة أو لم تتحقق‪ ،1‬ومثاله التزام الطبيب بعالج المريض‪ ،‬والتزام المحامي ببذل العناية‬
‫الالزمة من أجل كسب الدعوى التي يرفعها باسم موكله‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬مصادر االلتزام‬

‫بأنه السبب القانوني الذي أنشأ االلتزام‪ ،‬أي السبب الموّلد لاللتزام‪،‬‬
‫يعرف مصدر االلتزام ّ‬
‫ّ‬
‫فالتزام المستأجر بدفع بدل اإليجار مصدره عقد اإليجار‪ ،‬والتزام المحدث للضرر بتعويض‬
‫المتضرر مصدره العمل غير المشروع الذي قام به بعمد أو بغير عمد‪.‬‬

‫بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬التصرف القانوني‪ ،‬العقد‬ ‫‪1‬‬

‫واإلرادة المنفردة‪ ،‬الطبعة الثالثة ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2004 ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪5‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫وتتعدد مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬إذ نجد المشرع رتّب هذه المصادر‬
‫في أربعة فصول‪ ،‬هي‪:‬‬

‫القانون‪ :‬المادة ‪ 53‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫العقد‪ :‬المواد من ‪ 54‬إلى ‪ 123‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫االلتزام باإلرادة المنفرد ة‪ : 1‬المادتان ‪ 123‬مكرر و‪ 123‬مكرر‪ 1‬من القانون‬
‫المدني‪.‬‬
‫الفعل المستحق للتعويض‪ :‬المواد من ‪ 124‬إلى ‪ 140‬مكرر‪ 1‬من القانون‬ ‫‪-3‬‬
‫المدني‪.‬‬
‫شبه العقود‪ :‬وتتمثل في اإلثراء بال سبب‪ ،‬والدفع غير المستحق‪ ،‬والفضالة‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫المواد من ‪ 141‬إلى ‪ 159‬من القانون المدني‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم‪ ،‬تنقسم مصادر االلتزام المذكورة أعاله إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ -‬مصادر إرادية‪ ،‬تتمثل في كل من العقد واإلرادة المنفردة‪،‬‬


‫‪ -‬ومصادر غير إرادية‪ ،‬تتمثل في كل من الفعل الضار )الفعل المستحق للتعويض(‬
‫والفعل النافع )شبه العقود( والقانون‪.‬‬

‫وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في بابين في هذه المحاضرات‪:‬‬

‫أضاف المشرع الجزائري اإلرادة المنفردة كمصدر من مصادر االلتزام بموجب القانون رقم‪ 10/05 :‬المؤرخ في‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 20‬يونيو ‪ 2005‬المتعلق بالقانون المدني‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الباب األول‪ :‬المصادر اإلرادية لاللتزام‬

‫الموّلد والمنشئ لاللتزام‪ ،‬فالشخص ال يلتزم تجاه‬


‫ُيقصد بالمصادر اإلرادية لاللتزام السبب ُ‬
‫شخص آخر إال لسبب من األسباب‪ ،‬فسبب االلتزام قد يكون تصرفا قانونيا كالتصرفات‬
‫اإلرادية ومنها العقد‪ ،‬وقد يكون واقعة قانونية ال دخل إلرادة اإلنسان فيها كالوقائع الطبيعية‬
‫مثل الفيضانات‪ ،‬والميالد‪ ،‬والوفاة‪ ،‬يرتب القانون على حدوثها نشوء بعض الحقوق‪.‬‬

‫ومصادر االلتزام هي التي تلعب فيها اإلرادة دو ار حاسما‪ ،‬وعلى هذا األساس نجد هذه‬
‫المصادر تنقسم إلى‪ :‬العقد واإلرادة المنفردة أي التصرف من جانب واحد‪ ،‬وهو ما سنعرضه‬
‫في فصلين‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬العقد‬

‫إن دراسة العقد باعتباره‬


‫ألنه ينشئ أكبر عدد من االلتزامات‪ ،‬و ّ‬
‫العقد أهم مصدر لاللتزام ّ‬
‫األول لاللتزام تقتضي تعريفه وتحديد أقسامه )المبحث األول) وبيان أركانه )المبحث‬
‫المصدر ّ‬
‫الثاني) وتحديد آثاره )المبحث الثالث) وكيفية زواله وانقضائه )المبحث الرابع)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية العقــــد وتحديد أقسامه‬

‫سنعرض في هذا المبحث تعريف العقد في مطلب أول‪ ،‬وندرس مبدأ سلطان اإلرادة في‬
‫مطلب ثان‪ ،‬ونتناول أهم تقسيمات العقود في مطلب ثالث‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف العقد‬

‫عرف المشرع الجزائري العقد في المادة ‪ 54‬من القانون المدني‪ ،1‬بنصه على ما يلي‪:‬‬
‫"العقد اتفاق يلزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين‬
‫بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما"‪.‬‬

‫يستفاد من نص هذه المادة أن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني‬
‫معين سواء كان هذا األثر بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما‪ ،‬ومثال ذلك عقد البيع الذي‬
‫ينشئ التزامات في جانب كل من البائع والمشتري‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬ويحكم العقد مبدأ أساسي في القانون يسمى "مبدأ سلطان اإلرادة"‪ ،‬فما المقصود‬
‫مر بها؟ وما مدى ما وصل إليه القانون في القانون‬
‫بهذا المبدأ؟ وما هي المراحل التي ّ‬
‫الجزائري؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫سنتطرق في هذا المطلب لتعريف مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬ثم نبين كيفية نشأة وتطور هذا‬
‫المبدأ في فرعين‪.‬‬

‫سار المشرع الجزائري ‪ -‬في تعريفه للعقد‪ -‬على مسار المشرع الفرنسي (المادة ‪ 1101‬من القانون المدني‬ ‫‪1‬‬

‫ميز بين العقد واالتفاق‪ ،‬حيث جعل العقد مقصو ار على إنشاء الحق فقط بما جاء فيه من‬
‫الفرنسي)‪ ،‬وهو بذلك ّ‬
‫القول )بمنح أو فعل‪ ،‬أو عدم فعل شيء ما(‪ ،‬وكان من األفضل في العيان أن تكون )بإعطاء شيء‪ ،‬أو القيام‬
‫بعمل‪ ،‬أو االمتناع عنه(‪.‬‬
‫‪ -‬لتفاصيل أكثر حول التمييز بين العقد واالتفاق‪ ،‬يراجع‪ :‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪،36‬‬
‫ص‪ ،137‬ومحمد صبري السعدي‪ ،‬الواضح في شرح القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬النظرية العامة‬
‫لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬العقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.43-42‬‬
‫‪8‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫أن إرادة أطراف‬


‫إذا كان العقد عبارة عن اتفاق يتم بين شخصين أو أكثر‪ ،‬فهذا يعني ّ‬
‫العقد هي صاحبة السلطان األكبر في تكوين العقد وتحديد اآلثار التي تترتب عليه‪.1‬‬

‫يستفاد من هذا التعريف أمران‪:‬‬

‫أن اإلرادة وحدها قادرة على إحداث أثر قانوني دون الحاجة إلى إجراء شكلي‬
‫األول‪ّ :‬‬
‫أن اإلرادة وحدها قادرة على تحديد مضمون‬
‫خاص‪ ،‬وهذا هو مبدأ الرضائية‪ ،‬والثاني ّ‬
‫أن العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬
‫االلتزامات واآلثار القانونية التي تتجه إلى إحداثها‪ ،‬أي ّ‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نشأة وتطور مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫لم يعترف القانون الروماني بمبدأ سلطان اإلرادة بل كانت العقود شكلية تحوطها أوضاع‬
‫يكون عقدا وال يوّلد‬
‫مجرد توافق إرادتين فال ّ‬
‫أما ّ‬
‫معينة من حركات وإشارات وألفاظ وكتابة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫التزاما‪.2‬‬

‫لكن مع تطور الحضارة الرومانية‪ ،‬والحاجة إلى كثرة التبادل‪ ،‬ووجوب السرعة في‬
‫ثم ظهرت عقود أخرى إلى جانب العقود‬‫المعامالت‪ ،‬وجب التمييز بين الشكل واإلرادة‪ ،‬ومن ّ‬
‫الشكلية تتمثل في العقود الرضائية والعقود العينية‪ ،‬وتناقصت العقود الشكلية‪ ،‬وأخذ أثر‬

‫اإلرادة يقوى بسبب ّ‬


‫عدة عوامل‪ 3‬نذكر بعضها‪:‬‬

‫خليل أحمد حسن قدادة‪ ،‬الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء ّ‬
‫‪1‬‬
‫األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2005 ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،42‬ص ‪.142‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ 42‬ص ‪.143‬‬
‫‪9‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬عوامل دينية‪ :‬كان المتعاقد إذا أقسم على احترام عقده‪ ،‬ولو لم يفرغه في شكل‬
‫عد الحنث باليمين خطيئة يعاقب عليها‪.‬‬
‫مخصوص ّ‬

‫‪ -‬إحياء القانون الروماني والتأثر به‪ :‬فهم ُش ّراح القانون الروماني ّ‬


‫أن هذا القانون يقرر‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة بسبب اعترافه باستغالل اإلرادة في العقود الملزمة‪.‬‬

‫البد من إزالة ما يعوق المبادالت‬


‫‪ -‬العوامل االقتصادية‪ :‬بعد ازدياد النشاط التجاري كان ّ‬
‫التجارية من األشكال‪.‬‬

‫‪ -‬العوامل السياسية‪ :‬بعد أن بسطت الدولة نفوذها تدخلت في الروابط القانونية بين‬
‫األفراد‪ ،‬وأخذت في حماية العقود التي تتم بمجرد االتفاق‪.‬‬

‫وقد واصل مبدأ رضائية العقود سيره في العصور الوسطى‪ ،‬بعد زوال الدولة الرومانية‪،‬‬
‫وساعدت الكنيسة على قيامه‪ ،‬إذ كانت تنادي باحترام العهود والمواثيق‪ ،‬ووصل ذروة مجده‬
‫في القرن السابع عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر بسبب تفشي المذاهب الفردية التي‬
‫كانت تحترم الفرد وإرادته‪.‬‬

‫أن مبدأ سلطان اإلرادة بعد ازدهاره بدأ في التقلص ابتداء من القرن العشرين تحت‬
‫على ّ‬
‫أن غاية القانون هي المجتمع وليس الفرد وتسّلل‬
‫تأثير المذاهب االشتراكية التي اعتبرت ّ‬
‫التدخل التشريعي ليضع مجموعة من القيود على مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬ومن أمثلة هذه القيود‪:‬‬
‫فكرة النظام العام واآلداب العامة وتوسع نطاقها في النظام االشتراكي‪ ،‬والعقود الجبرية التي‬
‫ُيجبر الشخص على إبرامها كعقود التأمين من حوادث السيارات‪ ،1‬وعقود العمل التي حدد‬
‫القانون التزامات وحقوق كل من العامل ورب العمل‪ ،‬وعقود اإلذعان‪ ،‬وسلطة القاضي في‬

‫‪1‬‬
‫يراجع األمر رقم ‪ 15/74‬المؤرخ في‪ 30 :‬يناير ‪ 1974‬المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫تعديل الشروط التعسفية التي تتضمنها‪ ، 1‬ونزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة‪ ، 2‬ونظرية‬
‫الظروف الطارئة‪.3‬‬

‫أما القانون في وقتنا الحالي فيعترف بمبدأ سلطان اإلرادة ّ‬


‫ولكنه يضع له قيودا‪ ،‬فهو‬ ‫ّ‬
‫ولكنه يحصره في دائرة معقولة تتوازن فيها اإلرادة مع العدالة والمصلحة‬
‫يعترف بالمبدأ ّ‬
‫ألن الروابط االجتماعية لهذا القانون‬
‫العامة‪ ،‬ففي نطاق القانون العام ال سلطان لإلرادة ّ‬
‫ّ‬
‫أما في نطاق القانون الخاص تجد اإلرادة مجاال‬‫تحددها المصلحة العامة ال إرادة الفرد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫خصبا يضيق ويتسع حسب نوع القانون‪ ،‬ففي قانون األحوال الشخصية مثال يكون لإلرادة‬
‫دور في تكوين عقد الزواج فقط بينما اآلثار المترتبة عن هذا العقد ليست خاضعة لإلرادة بل‬
‫فإنه في‬
‫أما في مجال العالقات المالية ّ‬ ‫ينظمها القانون طبقا لمصلحة األسرة والمجتمع‪ّ ،‬‬
‫يحدد اآلثار التي تترتب عليها‪ ،‬كما ّأنها حقوق‬
‫فإن القانون هو الذي ّ‬
‫نطاق الحقوق العينية ّ‬
‫أما فيما يخص الحقوق الشخصية‬ ‫محصورة ال تستطيع اإلرادة أن تخلق شيئا جديدا فيها‪ّ ،‬‬
‫فإن لإلرادة فيها مجال واسع فهي مصدر لكثير من هذه الحقوق‪ ،‬إالّ ّأنه بالرغم من حريتها‬
‫ّ‬
‫الواسعة إالّ ّأنها تخضع لبعض القيود النابعة عن فكرة النظام العام واآلداب العامة‪ ،‬وكذا‬
‫يحددها القانون لبعض التصرفات الشكلية كعقد البيع العقاري‪ ، 4‬والهبة‪، 5‬‬
‫باألشكال التي ّ‬
‫والرهن العقاري‪.6‬‬

‫يراجع نص المادتين ‪ 70‬و‪ 110‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫يراجع القانون رقم ‪ 11/91‬المؤرخ في ‪ 27‬أبريل‪ 1991‬المحدد للقواعد المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة‬ ‫‪2‬‬

‫العامة‪ ،‬المتمم بالمرسوم التنفيذي رقم‪ 248/05 :‬المؤرخ في ‪10‬جويلية ‪.2005‬‬


‫يراجع نص المادة ‪ 3/107‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫يراجع نص المادة ‪ 324‬مكرر من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫يراجع نص المادة ‪ 206‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫يراجع نص المادة ‪ 883‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪11‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تقسيمات العقود‬

‫تتعدد تقسيمات العقود بتعدد النواحي أو الزوايا التي ُينظر إليها من خاللها‪ ،‬وهو ما‬
‫سنعرضه على التوالي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تقسيم العقد من حيث وجود تنظيم تشريعي خاص به‪:‬‬

‫تقسم العقود بالنظر إلى تنظيم المشرع لها أو عدم تنظيمه لها إلى عقود مسماة أو عقود‬
‫ّ‬
‫غير مسماة‪ ،‬ومن حيث تكييفها إلى عقود بسيطة وعقود مركبة أو مختلطة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقـد المسمـى‬

‫هو عقد خصه المشرع الجزائري باسم معين وبنصوص قانونية تنظم أحكامه بالذات‬
‫بسبب شيوعه بين الناس‪ ،‬ومثال ذلك عقد البيع‪ ،‬وعقد اإليجار‪ ،‬وعقد المقاولة‪ ،‬والشركة‪،‬‬
‫وعقد الوديعة‪ ،‬وعقد الهبة‪.‬‬

‫المسمى للقواعد القانونية التي أوردها القانون بشأنه‪ ،‬باإلضافة إلى القواعد‬
‫ّ‬ ‫ويخضع العقد‬
‫العامة التي يخضع لها سائر العقود‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العقـد غيــر المسمى‬

‫هو العقد الذي لم ينظمه المشرع الجزائري تنظيما خاصا بسبب عدم شيوعه بين الناس‪،‬‬
‫ولم يخصه باسم معين وترك األمر فيه إلى القواعد العامة‪ ،‬وإلى جهد الفقه والقضاء لتأصيل‬
‫األحكام الخاصة به‪ ،‬ومن أمثلته عقد النشر‪ 1‬وعقد الفندقة‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫عقد النشر هو ذلك العقد الذي تتعهد بمقتضاه دار النشر بطبع كتاب لمؤلف معين وتتولى نشره وبيعه في مقابل‬
‫نصيب من األرباح‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الحرة في إنشاء ما تريد من‬


‫أن العقود غير المسماة ال حصر لها ألن اإلرادة ُ‬
‫والقاعدة ّ‬
‫عقود في حدود النظام العام واآلداب العامة‪.‬‬

‫المسماة في تطور مستمر‪ ،‬فإذا شاع عقد من العقود غير المسماة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫أن العقود‬
‫المالحظ ّ‬
‫مسمى‪.2‬‬
‫يتدخل لتنظيم أحكام هذا العقد ليصبح بذلك عقدا ّ‬
‫فإن المشرع ّ‬
‫وأصبح عقدا مهما‪ّ ،‬‬

‫أن العقود المسماة‬


‫هذا وتبدو األهمية في التفرقة بين العقود المسماة وغير المسماة في ّ‬
‫تطبق عليها النصوص واألحكام الخاصة بها‪ ،‬وعند عدم كفايتها يرجع إلى األحكام العامة‬
‫للنظرية العامة للعقد أي القواعد القانونية العامة‪ ،‬أما العقود غير المسماة فتطبق بشأنها تلك‬
‫األحكام العامة للعقد مباشرة عن طريق القياس لتطبيق أحكام العقد األقرب إليه‪ ،‬أي مع‬
‫تقريب العقد المسمى بالعقد غير المسمى‪.‬‬

‫تقسيـــم فرعــــي‪ :‬تقسم العقود المسماة وغير المسماة إلى‪:‬‬

‫‪ -1‬العقــود البسيطــة‪ :‬هي العقود التي تتناول نوعا واحدا من العقود مثل عقد البيع‬
‫وعقد اإليجار‪.‬‬

‫‪ -2‬العقـــود المختلطـة‪ :‬هي التي تجمع بين عدة عقود‪ ،‬عادة تكون عقودا غير مسماة‪،‬‬
‫ومثالها العقد بين صاحب الفندق والنزيل الذي يجمع بين عدة عقود مختلطة ببعضها‪ ،‬عقد‬
‫اإليجار بالنسبة للغرفة التي يشغلها النزيل‪ ،‬وعقد العمل بالنسبة للخدمة التي تُؤدى له‪ ،‬وعقد‬
‫البيع بالنسبة للطعام الذي يقدم للنزيل‪ ،‬وكذلك العقد بين صاحب المسرح والسينما والجمهور‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫عقــد الفندق ــة هو عقد مختلط يتضمن عدة أنواع من العقود‪ ،‬كاإليجار والبيع‪ ،‬ومثاله ذهاب شخص إلى الفندق‬
‫ليبيت فيه‪ ،‬فيطلب من صاحبه تأجيره غرفة‪ ،‬فهذا التعامل يعتبر إبرام عقد إيجار‪ ،‬ثم يذهب إلى مطعم الفندق‬
‫فيطلب أكالً‪ ،‬هنا تكون بصدد عملية بيع وشراء‪ ،‬لذلك تم اعتبار هذا النوع من العقود غير مسمى‪ ،‬وهو يخلق‬
‫للقاضي نوعا من المشاكل فيما يخص تحديد طبيعة التعامالت السارية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ومن أمثلة ذلك عقد التأمين‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫فهو يشمل عقد إيجار بالنسبة للمقعد‪ ،‬وعقد عمل بالنسبة للرواية التي تعرض على‬
‫المشاهدين‪.‬‬

‫فالقاعدة بالنسبة للعقود المختلطة أنه تُطبق عليها فيما يتعلق بتفسيرها أحكام العقود التي‬
‫امتزجت فيها‪ ،‬ولكن إذا تناقضت هذه األحكام‪ ،‬فيجب على القاضي ترشيح أحد العقود‬
‫باعتباره العقد الرئيسي وتطبيق أحكام هذا العقد دون سواه‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تقسيم العقد من حيــث التكويــن‬

‫تنقسم العقود من حيث تكوينها إلى عقود رضائية (أوال)‪ ،‬وعقود شكليــة (ثانيا)‪ ،‬وعقود‬
‫عينية (ثالثا)‪ ،‬وهو ما سنشرحه على التوالي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقـــد الرضائـــي‬

‫هو العقد الذي يكفي النعقاده تر ِ‬


‫اضي المتعاقدين أو توافق إرادتيهما على إبرامه دون‬
‫اشتراط أي إجراء أو شكل معين لقيامه‪ ،‬فيتم إما كتابة أو شفاهة أو إشارة‪ ،‬واألصل في‬
‫العقود أنها تنشأ بمجرد التراضي ما لم يقض القانون بغير ذلك‪.‬‬

‫إذن العقد الرضائي يقوم على تبادل إرادتين متطابقتين‪ ،‬بمعنى إيجاب وقبول‪ ،‬إذ متى‬
‫تطابق اإليجاب مع القبول بأي طريقة كانت‪ ،‬تم العقد دون الحاجة إلى إفراغ اإلرادة في شكل‬
‫معين‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العقــد الشكلــي‬

‫المتعاقدين إتباع شكل خاص يوجبه‬


‫َ‬ ‫هو العقد الذي يجب النعقاده باإلضافة إلى تراضي‬
‫القانون‪ ،‬أي البد أن تُفرغ اإلرادة في شكل معين بحيث يعتبر هذا الشكل ركنا النعقاد العقد‬
‫ال يتم بدونه‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫والغالب في الشكل أن يكون سندا رسميا ُيفرغ فيه العقد‪ ،‬يحرره موظف مختص‪ ،‬ولعل‬
‫المتعاقدين أو أحدهما‬
‫َ‬ ‫السبب في إدراج الشكل كركن أو كشكل إلثبات التصرف هو تنبيه‬
‫إلى خطورة العقد الذي يريدان إبرامه‪.‬‬

‫وقد يكون الشكل ركنا النعقاد العقد أو إلثباته‪ ،‬ومثاله عقد الرهن الرسمي‪ ،1‬وعقد نقل‬
‫ملكية العقار أو أي حق عيني آخر‪ ،2‬وعقد الهبة‪ ،3‬وعقد الكفالة‪ 4‬الذي تكون فيه الكتابة‬
‫شرطا لإلثبات ال ركنا لالنعقاد‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العقــــد العينـــي‬

‫هو العقد الذي ال يكفي النعقاده مجرد اإليجاب والَقبول‪ ،‬بل يجب فوق ذلك ان يقترن‬
‫توافق اإلرادتين بتسليم العين موضوع العقد من أحد الطرفين إلى اآلخر‪ ،‬ومثاله‪ :‬هبة‬
‫المنقول‪ ،‬حيث نص المشرع الجزائري في المادة ‪ 206‬من قانون األسرة على ما يلي‪ " :‬تنعقد‬
‫الهبة باإليجاب والقبول‪ ،‬وتتم بالحيازة‪ ،‬ومراعاة أحكام التوثيق في العقارات واإلجراءات‬
‫الخاصة في المنقوالت‪ .‬وإذا أختل أحد القيود السابقة بطلت الهبة "‪.‬‬

‫ويقصد بالحيازة هنا تسليم المنقول إلى الموهوب له وتمكينه من حيازته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 883‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫المادة ‪ 324‬مكرر ‪ 1‬من ق‪.‬م والمادة ‪ 12‬من قانون التوثيق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المادة ‪ 206‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫المادة ‪ 645‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تقسيم العقد من حيــث األثــر أو المضمــون‬

‫ينقسم العقد من حيث اآلثار المترتبة عنه إلى عقود ملزمة لجانبيـن(أوال)‪ ،‬وعقود ملزمة‬
‫لجانب واحد (ثانيا) وذلك على النحو اآلتي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقــد الملــزم للجانبيـــن أو العقد التبادلي‬

‫هو العقد الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين‪ ،‬ومثال ذلك عقد البيع‬
‫الذي يلتزم بمقتضاه البائع بنقل ملكية المبيع وتسليمه إلى المشتري في مقابل التزام هذا‬
‫األخير بدفع الثمن إلى البائع‪.‬‬

‫وفي هذا النوع من العقود‪ ،‬نجد أن كل طرف فيها يكون دائنا ومدينا في نفس الوقت‪ ،‬إذ‬
‫أن كل التزام من طرف يقابله التزام من الطرف اآلخر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العقــد الملــزم لجانــب واحــد‬

‫هو العقد الذي ينشئ التزامات في جانب أحد المتعاقدين دون اآلخر‪ ،‬بحيث يكون أحد‬
‫طرفيه دائنا فقط غير مدين واآلخر مدينا غير دائن‪.‬‬

‫عرفته المادة ‪ 56‬من القانون المدني بنصها على ما يلي‪" :‬يكون العقد ملزما لشخص أو‬
‫لعدة أشخاص‪ ،‬إذا تعاقد فيه شخص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين دون التزام من‬
‫هؤالء اآلخرين "‪.‬‬

‫ومثاله عقد الهبة الذي يلتزم فيه الواهب بنقل ملكية الشيء الموهوب وتسليمه إلى‬
‫الموهوب له‪ ،‬دون أن يلتزم هذا األخير بأي شيء‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫وعقد الوديعة بغير أجر‪ ،‬و الذي يلتزم فيه المودع عنده بتسليم الشيء المودع‪ ،‬ورده لدى‬
‫طلبه وال يلتزم المودع بشيء‪.‬‬

‫والمالحظ أن العقد الملزم لجانب واحد هو كسائر العقود ال يتم إال بتوافق اإلرادتين‪،‬‬
‫فلفظ "جانب واحد" مقصود ب ه أثر العقد ال تكوينه أو انعقاده‪ ،‬فهو عقد ثنائي االنعقاد لكن‬
‫أحادي اآلثار‪ ،‬ومن تم فهو يختلف عن التصرف القانوني الصادر من جانب واحد كالوصية‬
‫التي تنعقد بإرادة واحدة وال تعتبر عقدا كالهبة‪.‬‬

‫أهميـة التقسيــم‪ :‬تظهر أهمية تقسيم العقود من حيث األثر أو المضمون من خالل‪:1‬‬

‫‪ -1‬من حيــث الفســخ‬

‫في العقد الملزم للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه‪ ،‬جاز للمتعاقد اآلخر أن‬
‫يتحلل من التزامه بأن يطلب من القاضي فسخ العقد‪ ،‬فينحل العقد بأثر رجعي‪ .2‬أما في العقد‬
‫الملزم لجانب واحد فال محل للفسخ ألنه عند إخالل المدين بالتزاماته فال تكون هناك‬
‫التزامات متقابلة في ذمة الطرف الثاني حتى يتصور أن يسعى المدين بتنفيذ التزامه إما‬
‫تنفيذا عينيا أو بمقابل أو عن طريق التعويض‪.‬‬

‫‪ -2‬من حيـث الدفـع بعدم التنفيـذ‬

‫في العقد الملزم للجانبين‪ ،‬يجوز ألحد الطرفين أن يدفع بعدم التنفيذ إذا ما طالبه الطرف‬
‫اآلخر بتنفيذ التزامه حتى يقوم هذا األخير بتنفيذ التزامه طبقا للمادة ‪ 123‬من القانون‬
‫محل لطلب الدفع بعدم التنفيذ ألنه ليس للدائن‬
‫المدني‪ ،‬أما في العقد الملزم لجانب واحد فال ّ‬
‫أي التزام حتى يتحلل منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫خليل أحمد حسن قدادة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23-22‬‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 119‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -3‬من حيث تبعة الهالك‬

‫في العقد الملزم للجانبين‪ ،‬إذا انقضى االلتزام بسبب استحالة تنفيذه فانه تنقضي معه‬
‫االلتزامات المتقابلة ‪ 1‬وينفسخ العقد من تلقاء نفسه أي بقوة القانون‪ ،‬فال يستطيع المدين في‬
‫االلتزام الذي استحال تنفيذه أن يطالب الطرف اآلخر بتنفيذ االلتزام المقابل‪.‬‬

‫أما في العقد الملزم لجانب واحد‪ ،‬فان الذي يتحمل تبعة االستحالة هو الدائن ال المدين‪،‬‬
‫ففي عقد الهبة مثال إذا هلك الشيء الموهوب‪ ،‬فان الواهب ينقضي التزامه فيكون الدائن‬
‫الموهوب له هو الذي يتحمل الخسارة الناشئة عن استحالة تنفيذ االلتزام‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬تقسيم العقد من حيــث تحديــد مقابــل االلت ازم‬

‫تنقسم العقود بالنظر إلى مقابل االلتزام إلى عقود معاوضة (أوال)‪ ،‬وعقود تبرع (ثانيا)‪،‬‬
‫وهو ما سنعرضه تباعا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عقــد المعاوضــة‬

‫هو ذلك العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابال لما أعطى ولما التزم به‪ ،‬ولقد‬
‫عرفه المشرع الجزائري في المادة ‪ 58‬من القانون المدني بأنه‪" :‬العقد بعوض هو الذي يلزم‬
‫كل واحد من الطرفين إعطاء أو فعل شيء ما"‪ ،‬ومثاله عقد البيع الذي يأخذ فيه البائع الثمن‬
‫مقابل نقل ملكية الشيء المبيع‪ ،‬ويأخذ فيه المشتري الشيء المبيع مقابل الثمن الذي دفعه‪.‬‬
‫والحال كذلك في عقد اإليجار والشركة والصلح والعمل وغيرها‪.‬‬

‫المادة ‪ 307‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪18‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثانيا‪ :‬عقــد التبــرع‬

‫هو العقد الذي ال يأخذ فيه المتعاقد مقابال لما أعطى‪ ،‬فهو يتميز عن عقود المعاوضة‬
‫بقصد أو نية التبرع‪ .‬ومثاله عقد الهبة بغير عوض‪ ،‬وعارية االستعمال‪ ،‬والوديعة وغيرها‪.‬‬

‫أهميـة التقسيــم‪ :‬تظهر أهمية تقسيم العقد إلى عقد معاوضة وعقد تبرع من خالل‪:‬‬

‫‪ -1‬عقود التبرع تعتبر من التصرفات الضارة بالمتبرع ضر ار محضا‪ ،‬بينما عقود‬


‫المعاوضة فتعتبر من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر‪ ،‬لذلك يشترط أهلية التبرع في‬
‫ال أهلية اإلدارة حسب األحوال‪.‬‬ ‫المتبرع‪ ،‬في حين يشترط أهلية التصرف في المعاوض‬

‫‪ -2‬من حيث الغلـــط في شخص العاقد‬

‫أن‬
‫في عقود المعاوضات ال يبطل العقد إذا حدث غلط في شخص العاقد إال اذا ثبت ّ‬
‫شخصيته كانت محل إعتبار خاص عند التعاقد‪ ،‬أما في عقود التبرع فاألصل العام أن الغلط‬
‫في شخص المتعاقد يعيب الرضا فيجعل العقد قابال لإلبطال‪.‬‬

‫‪ -3‬من حيث المسؤولية العقدية‪:‬‬

‫مسؤولية المتبرع أخف عادة من مسؤولية المعاوض‪ ،‬ومسؤولية المعاوض أخف من‬
‫مسؤولية المتبرع له‪ ،‬فمسؤولية الواهب في عقد الهبة أخف من مسؤولية البائع في عقد البيع‪،‬‬
‫ومسؤولية المستأجر في عقد اإليجار أخف من مسؤولية المستعير في عقد العارية‪ 1‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ -4‬إثبات سوء النية في عقود التبرع أسهل منه في عقود المعاوضة‪ ،‬فالدائن يستطيع أن‬
‫يطعن في أي تصرف يقوم به المدين ويؤدي إلى إضعاف الضمان العام وذلك بالدعوى‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،60‬ص ‪.163‬‬
‫‪19‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫فالبد‬
‫ّ‬ ‫البوليصية دون الحاجة إلى إثبات سوء نية من تلقى التبرع‪ّ ،‬‬
‫أما في عقود المعاوضة‬
‫للدائن أن يثبت سوء النية‪.1‬‬

‫تقسيـــم فرعــــي‪ :‬تنقسم عقود المعاوضة بدورها إلى عقود محددة القيمة‪ ،‬وعق ــود‬
‫احتمالية وهو ما سنوضحه‪.‬‬

‫‪ -1‬العقـد المحـدد القيمـة‬

‫هو العقد الذي تكون فيه قيمة األداء معروفة ومعينة وقت التعاقد‪ ،‬ففي البيع مثال‪،‬‬
‫يستطيع البائع وقت التعاقد أن يحدد قدر المبيع الذي أعطاه للمشتري وقدر الثمن الذي‬
‫تقاضاه منه ونفس الشيء بالنسبة للمشتري‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لعقود اإليجار والشركة‬
‫والعمل‪.‬‬

‫‪ -2‬العقد االحتمالي أو عقد الغرر‬

‫هو العقد الذي ال يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد أثناء إبرام العقد مقدار ما‬
‫يأخذ أو مقدار ما يعطي ألنه عقد متوقف على أمر مستقبلي محتمل غير محقق الوقوع‪ ،‬أي‬
‫أنه عقد ال يعرف سلفا وقت التعاقد أيهما سيربح وأيهما سيخسر‪.‬‬

‫ومثاله عقد التأمين‪ ،‬وعقد الرهان‪ ،‬وعقد بيع الثمار قبل نتاجها بثمن جزافي‪ ،‬وعقد المرتب‬
‫مدى الحياة‪.‬‬

‫هذا وتبرز أهمية تقسيم العقد إلى محدد واحتمالي في تطبيق أحكام الغبن‪ 2‬في العقود‬
‫المحددة القيمة‪ ،‬يجوز للطرف المغبون أن يطلب رفع الغبن عنه طبقا للقانون‪ .‬أما في العقود‬

‫‪1‬‬
‫ومن أمثلة العقود االحتمالية أيضا‪ :‬البيع بثمن هو إيراد مرتب مدى الحياة‪ ،‬وعقود الرهان والمقامرة‪.‬‬
‫الغبن هو عدم التوازن والتعادل بين االلتزامات المتقابلة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪20‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫االحتمالية فال يمكن للطرف الخاسر أن يلجأ إلى أحكام الغبن لفرعها عنه ألنه كان مضاربا‬
‫من األول‪ ،‬وعليه أن يجب عليه أن يتحمل نتيجة مضاربته‪ ،‬فاحتمال الخسارة في العقود‬
‫االحتمالية عنصر أساسي في هذا النوع من العقود‪.‬‬

‫كما يعتبر االحتمال في العقود االحتمالية عنص ار جوهريا فيه‪ ،‬فإذا اتضح عدم وجود‬
‫االحتمال عند التعاقد يكون العقد باطال‪ ،‬فمثال إذا أبرم شخص عقد تأمين على بضاعة‬

‫أن هذه البضاعة قد وصلت سالمة قبل التعاقد ودون أن يعلم ّ‬


‫فإن العقد ال‬ ‫ينقلها ثم اتضح ّ‬
‫ألن عنصر االحتمال وهو أساس العقد قد تخلف‪.1‬‬
‫ينعقد ّ‬

‫الفرع الخامس‪ :‬تقسيم العقد من حيـث المـدة‬

‫تنقسم العقود من حيث المدة إلى عقود فورية (أوال)‪ ،‬وعقود ممتدة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقـــد الفــوري‬

‫هو العقد الذي يتم تنفيذه دفعة واحدة فور انعقاده‪ ،‬أي دون أن يمتد إلى الزمن‪ .‬ويعتبر‬
‫تنفيذه فورياً حتى ولو تراخى إلى أجل أو آجال متتابعة ومثاله عقد البيع الذي ينقل فيه البائع‬
‫فور انعقاده ملكية المبيع ويدفع فيه المشتري الثمن‪.‬‬

‫ويعتبر فورياً ولو كان الثمن مؤجال أو مقسط ًا‪ ،2‬ألن الزمن في هذه الحالة ال أثر له في‬
‫تحديد مقدار الثمن وألن الزمن فيه كان عنص ار عارضاً‪.‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 72‬و‪.73‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫ألن الثمن الذي يدفع أقساطا ليس إال ثمنا مؤجال إلى‬
‫يعتبر البيع بالتقسيط من العقود الفورية وليس الزمنية ّ‬
‫آجال متعددة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثانيا‪ :‬العقـد الممتـد أو الزمني‬

‫هو العقد الذي يعتبر الزمن فيه عنص ار جوهريا كعقد اإليجار وعقد العمل‪ ،‬ذلك أن‬
‫االستفادة من جهة العامل‪ ،‬واالنتفاع بالعين المؤجرة ينطوي على عنصر الزمن‪.‬‬

‫وقد يكون العقد الزمني ذا تنفيذ دوري كعقد التوريد أو عقد اإليراد المرتب مدى الحياة‬
‫متى اتفق األطراف على ذلك‪.‬‬

‫تبرز أهمية تقسيم العقد إلى فوري وزمني في اآلتي‪:‬‬

‫فإنه يقع بأثر رجعي يعود إلى وقت إبرام العقد‪ ،‬بينما في‬
‫‪ -1‬إذا فسخ العقد الفوري‪ّ ،‬‬
‫ألن ما نفذ ال يمكن إعادته‪.‬‬
‫فإن أثر الفسخ ليس له أثر رجعي ّ‬
‫العقد الزمني ّ‬

‫إن نظرية الظروف الطارئة‪ 1‬هي المجال الطبيعي في العقود الزمنية‪ ،‬حيث يكون‬
‫‪ّ -2‬‬
‫أما‬
‫تتغير الظروف أثناء فترة تنفيذ العقد‪ّ ،‬‬
‫الزمن عنص ار جوهريا في العقد ومن ثم يمكن أن ّ‬
‫بالنسبة للعقد الفوري فال تطبق عليه نظرية الظروف الطارئة‪.‬‬

‫‪ -3‬في العقد الفوري يكون االعذار أم ار ضروريا الستحقاق التعويض عن التأخير في‬
‫ألن تأخر المدين عن تنفيذ التزامه ال يمكن‬
‫أما في العقد الزمني فال ضرورة لالعذار ّ‬
‫تنفيذه‪ّ ،‬‬
‫تداركه بمرور الزمن‪ ،‬فال فائدة من االعذار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لقد أخذ الفقه اإلسالمي بنظرية الظروف الطارئة وسماها نظرية العذر‪ ،‬وأجاز الفقهاء فسخ العقد للعذر‪ ،‬وقالوا‬
‫أنه لو لزم تنفيذ العقد لترتب لصاحبه ضرر لم يلزمه بالعقد‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع السادس‪ :‬مــن حيــث سلطــة الطرفيــن‬

‫تنقسم العقود من حيث سلطة الطرفين إلى عقود مساومة (أوال)‪ ،‬وعقود إذعـ ــان (ثانيا)‪،‬‬
‫وهو ما سنعرضه تباعا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عقــد المساومــة‬

‫هو ذلك العقد الذي يقوم على حرية كل من أطراف العقد في مناقشة الشروط التي‬
‫تناسب مصلحة كل طرف‪ ،‬وتكون فيه إرادة الطرفين متساويتين‪ ،‬كعقد البيع واإليجار‪ ،‬أي‬
‫يوجد مساواة بين الطرفين من حيث اإلدارة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عقـــد اإلذعـــان‬

‫هو العقد الذي يكون أحد الطرفين فيه قوياً واآلخر ضعيفاً‪ ،‬فيسمى الطرف القوي في‬
‫(الم ْذ َع ْن)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الم ْذع ْن ويسمى الطرف الضعيف في العالقة ُ‬
‫العالقة ُ‬

‫وفيه يعرض الطرف القوي شروطه على الطرف الضعيف‪ ،‬بحيث ال يمكنه مناقشة هذه‬
‫الشروط وتعديلها‪ ،‬كالتعاقد مع شركة الكهرباء‪ .‬وعليه يظهر لنا أن اإلرادتين غير متساويتين‪.‬‬

‫ولقد نظم المشرع الجزائري أحكام عقد اإلذعان في المادة ‪ 70‬من القانون المدني التي‬
‫تنص على ما يلى‪" :‬يحصل القبول في عقد اإلذعان بمجرد التسليم لشروط مقررة يضعها‬
‫الموجب وال يقبل المناقشة فيها"‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أهميـة التقسيــم‪ :‬تكمن أهمية تقسيم العقد إلى مساومة وإذعان في اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬من حيــث تدخــل القاضــي‬

‫ال يجوز للقاضي أن يعدل شروط عقد المساومة‪ ،‬ألنها تقوم على أساس مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة‪ ،‬والتي تكرسه المادة ‪ 106‬من القانون المدني التي تنص على ما يلى‪" :‬العقد شريعة‬
‫المتعاقدين‪ ،‬فال يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين‪ ،‬أو لألسباب التي يقررها القانون"‪.‬‬

‫أما في عقود اإلذعان فللقاضي أن يعدل شروطها التعسفية‪ ،‬بل وله أن يعفي فيها‬
‫الم ْذ َع ْن (الضعيف) سواء كان دائنا أو مدينا طبقاً للمادة ‪ 1/110‬من القانون المدني‪.‬‬
‫الطرف ُ‬

‫‪ -2‬من حيــث تفسيـــر الشــك‬

‫يفسر الشك لمصلحة المدين طبقاً لنص المادة ‪ 1/112‬من القانون المدني في عقود‬
‫الم ْذ َع ْن (الطرف الضعيف) سواء كان دائنا أو مدينا‬
‫المساومة‪ ،‬بينما يفسر الشك لمصلحة ُ‬
‫في العقد البسيط أو العقد المركب طبقا للفقرة الثانية من نفس المادة المذكورة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أركان العقـــد‬

‫البد من توافر أركانه األساسية وهي‪ :‬التراضي والمح ــل والسب ــب‬
‫لينعقد العقد صحيحا ّ‬
‫والشكـ ــل بالنسبة للعقود الشكلية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التراضـــــــــــــــــــي‬

‫تنص المادة ‪ 59‬من القانون المدني على ما يلى‪" :‬يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان‬
‫التعبير عن إرادتهما المتطابقتين‪ ،‬دون اإلخالل بالنصوص القانونية"‪ ،‬األمر الذي ُيستفاد‬
‫منه‪ ،‬أن التراضي هو تطابق إرادتي المتعاقدين وتوافقهما وانصرافهما إلى إحداث أثر قانوني‬
‫معين أال وهو إنشاء االلتزام‪.‬‬

‫ولكي يكون التراضي صحيحا منتجا آلثاره‪ ،‬يجب أن تكون كل من اإلرادتين المتوافقتين‬
‫قد صدرت عن ذي أهلية‪ ،‬وأن تكون خالية من العيوب‪ ،‬وهذا ما سنتناوله في الفرعين‬
‫التاليين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬وجـــود التراضـــي‪ :‬ندرسه في ثالثة نقاط نعرضها تباعا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬وجود اإلرادة والتعبير عنها‬

‫‪ -1‬وجــــود اإلرادة‬

‫المقصود بها ‪-‬سواء كانت إيجابا أو َق ُبوال‪ -‬هو صدورها من شخص لديه إرادة ذاتية‪،‬‬
‫يعتد بها القانون بنية إحداث أثر قانوني‪.‬‬

‫أن المشرع الجزائري استعمل مصطلح "الرضاء"‪ ،‬وهذا غير صحيح ّ‬


‫‪1‬‬
‫ألن الرضا هو الذي يصدر من‬ ‫المالحظ ّ‬
‫جانب واحد‪ ،‬بينما "التراضي" وهو المقصود كركن في العقد يصدر من طرفين‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫فتنعدم اإلرادة الذاتية للشخص‪ ،‬إذا ما فقد وعيه‪ .‬مثال لسكر أو مرض أو تنويم‬
‫مغناطيسي‪.‬‬

‫وال تنتج اإلرادة أثرها رغم تحققها عند الشخص عندما ال يعتد بها القانون‪ ،‬وذلك متى‬
‫صدرت عن شخص غير مميز كالطفل غير المميز والمجنون‪ ،‬فالقاضي ال يعتد إال بإرادة‬
‫المميز‪.‬‬

‫هذا وتعتبر اإلرادة غير منشئة ألثر قانوني كما لو صدرت في حالة المجامالت‬
‫االجتماعي ة‪ 1‬أو عن إرادة الهازل أو من يعلق التزامه على محض مشيئته‪ ،‬كأن يقول‬
‫الشخص‪" :‬أبيعك هذا الشيء إذا أردت"‪ ،‬هنا لم تصدر عنه بعد إرادة االلتزام‪ ،‬فال ينعقد العقد‬
‫بقبول يصدر من الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪ -2‬التعبيـــر عن اإلرادة‬

‫اإلرادة في ذاتها عمل نفسي ال يعلم به إال صاحبه‪ ،‬وال يعتد بها القانون إال عن طريق‬
‫التعبير عنها‪ .‬فكيف تتبلور هذه اإلرادة حتى ينشأ العقد؟‬

‫أ‪ -‬كيفيــة التعبيــر عن اإلرادة‬

‫أن القانون ال يهتم بمجرد النوايا الداخلية وال يرتب عليها أي أثر إال إذا اقترنت‬
‫القاعدة ّ‬
‫بفعل خارجي‪.‬‬

‫والمبدأ العام في انعقاد العقد هو الرضائية‪ ،‬إ ْذ لم يشترط المشرع الجزائري طريقة معينة‬
‫ليعبر المتعاقد عن إرادته وهذا ما أكدت عليه المادة ‪ 60‬من القانون المدني في نصها على‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،72‬ص ‪.172‬‬
‫‪26‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ما يلي‪" :‬التعبير عن اإلرادة يكون باللفظ‪ ،‬وبالكتابة‪ ،‬أو باإلشارة المتداولة عرفا‪ ،‬كما يكون‬
‫باتخاذ موقف ال يدع أي شك في داللته على مقصود صاحبه‪.‬‬

‫ويجوز أن يكون التعبير عن اإلرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على‬
‫أن يكون صريحا"‪.‬‬

‫ُيستفاد من نص هذه المادة أنه ال ُيشترط مظهر أو طريقة خاصة يتعين بها التعبير عن‬
‫اإلرادة‪ ،‬إذ يجوز للشخص أن يعبر عن إرادته بالصورة التي يراها مناسبة له‪ ،‬فقد يكون‬
‫التعبير عن اإلرادة صراحة أو ضمنا‪.‬‬

‫أ‪ -1.‬التعبيــر الصريــح والتعبيــر الضمنــي‬

‫التعبير الصريح هو ما يدل على قصد صاحبه حسب الطرق المتعارف عليها بين‬
‫الناس‪ ،‬فيكون التعبير صريحا بالكالم‪ ،‬أي بإستعمال لأللفاظ الدالة على المعنى الذي تنطوي‬
‫عليه اإلرادة أيا كانت اللغة المستعملة في ذلك‪ ،‬فالكالم يتم مباشرة باللسان أو بالواسطة‬
‫كالهاتف أو بإيفاد رسول ال يكون نائبا‪.‬‬

‫أو بالكتابة سواء كانت عرفية أو رسمية‪ ،‬وتكون الكتابة إما بخط اليد أو باآللة الكاتبة‬
‫وقد تكون ُم َوقع عليها أو غير ُم َوقع عليها مادام ال يوجد شك في صدورها عن صاحبها‪.‬‬

‫أو باإلشارة المتداولة عرفا كهز الرأس عموديا للتعبير عن "الموافقة" وهزه أفقيا للتعبير‬
‫عن "الرفض"‪ ،‬أو إشارة األخرس‪.‬‬

‫كما قد يكون التعبير الصريح باتخاذ موقف معين يدل بذاته على المقصود بحسب‬
‫المعدة لركوب‬
‫المألوف بين الناس‪ ،‬كوقوف سيارات األجرة ذات األسعار المحددة في األماكن ُ‬
‫المسافرين‪ ،‬يعتبر تعبي ار صريحا من السائق عن إيجار موجه منه إلى الجمهور‪ ،‬وكعرض‬

‫‪27‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫التاجر بضائعه في واجهة حانوته مع بيان أسعارها فيه إيجاب صريح ببيع البضاعة‬
‫المعروضة بالثمن المبين‪.‬‬

‫أما للتعبير الضمني فهو الذي ال يستدل منه على وجود اإلرادة إال بطرق غير مباشرة‪،‬‬
‫أي هو تعبير عن اإلرادة بطريق غير مباشر‪ ،‬أي هو تعبير عن اإلرادة غير مباشر‪ ،‬يستنتج‬
‫من األفعال التي يقوم بها الشخص كمؤشر لتلك اإلرادة وما تنطوي عليه‪ .‬ومثاله بقاء‬
‫المستأجر في العين المؤجرة رغم انتهاء مدة اإليجار‪ ،‬يعتبر قرينة على رغبته في تجديد‬
‫اإليجار‪ ،‬وقبض المؤجر أجرة الشهر التالي النتهاء اإليجار يفيد ضمنا قبوله لهذا التجديد‪.‬‬

‫والمالحظ انه تطبيقا لمبدأ الرضائية‪ ،‬يكون للتعبير الضمني نفس قيمة التعبير الصريح‪،‬‬
‫على أن القانون يوجب أحيانا أن يكون التعبير عن اإلرادة مفرغا في شكل خاص كما هو‬
‫الحال في العقود الشكلية التي ال يكفي التعبير الضمني بذاته النعقادها‪.‬‬

‫نشير بهذا الصدد أن هناك أحواال يجب أن يكون تعبير اإلرادة فيها صريحا وال يمكن أن‬
‫يكون ضمنيا‪ ،‬إذ نص المشرع الجزائري ‪ 1‬مثال على أن حجية الدفاتر التجارية واألوراق‬
‫التجارية ال تقوم مقام السند إال إذا قصد من هذه األوراق أن تقوم مقام السند‪.‬‬

‫أ ‪ -2‬صالحية السكوت في التعبير عن اإلرادة‬

‫هل يصح استخالص التعبير الضمني عن اإلرادة من وضع سلبي محض هو السكوت؟‬

‫من الواضح أنه ال محل لهذا السؤال بخصوص اإليجاب‪ ،‬فاإليجاب ينطوي على عرض‬
‫موجه من شخص إلى شخص آخر‪ ،‬فال يتصور أن يستخلص من السكوت‪ .‬وإنما يطرح هذا‬
‫السؤال حول القبول‪ ،‬بحيث إذا سكت من وجه إليه اإليجاب فلم يصدر عنه أي تعبير صريح‬

‫المادة ‪ 2/60‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪28‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫عن موقفه من هذا اإليجاب‪ ،‬ولم يقم بأي عمل إيجابي يستنتج منه قبول أو رفض‪ ،‬فهل‬
‫يصح أن يستنتج من هذا السكوت قبول ضمني لإليجاب المعروض عليه؟‬

‫األصل أن السكوت المجرد ال يتضمن أية داللة على القبول طبقا للقاعدة الفقهية‬
‫المعروفة "ال ينسب لساكت قول" فهو ال يدل ال على القبول وال على الرفض‪ ،‬غير أن هناك‬
‫رضاء‪ ،‬أي تعبير عن اإلرادة‪ ،‬وذلك إذ نص المشرع‬
‫ً‬ ‫حاالت استثنائية يعتبر فيها السكوت‬
‫صراحة على اعتبار السكوت رضا‪ ،‬وهذا ما نص عليه المشرع في المادة ‪ 68‬من القانون‬
‫المدني بقوله‪" :‬إذا كانت طبيعة المعاملة‪ ،‬أو العرف التجاري‪ ،‬أو غير ذلك من الظروف‪،‬‬
‫تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول‪ ،‬فإن العقد يعتبر قد تم‪ ،‬إذا لم يرفض‬
‫اإليجاب في وقت مناسب‪.‬‬

‫الرد قبوال‪ ،‬إذا اتصل اإليجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين‪ ،‬أو إذا‬
‫ويعتبر السكوت في ّ‬
‫كان اإليجاب لمصلحة من وجه إليه"‪.‬‬

‫من خالل نص المادة سالفة الذكر‪ ،‬يمكن اعتبار السكوت قبوال في الحاالت األربعة‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كانت طبيعة المعاملة تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول‪.‬‬
‫ومثاله أن يرسل المصرف لعميله بيانا بحسابه الجاري‪.‬‬

‫‪ -‬العرف التجاري يدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريح بالقبول‪ .‬ومثاله تاجر‬
‫الجملة الذي اعتاد أن يرسل بضاعة لتاجر التجزئة مرفوقة بأسعار جديدة قبول التاجر لهذه‬
‫السلعة يعني أن التاجر وافق على األسعار الجديدة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل اإليجاب بهذا التعامل‪ .‬ومثاله تاجر‬
‫التجزئة قام بإرسال قائمة لتاجر الجملة قبل هذه البضاعة – هذا الموقف يعني أنه قبل‬
‫وسوف يرسل البضاعة وشأنه أنه يطمئن تاجر التجزئة بأن البضاعة سوف تصل إليه‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كان اإليجاب لمصلحة من وجه إليه فسكوت هذا األخير يعتبر قبول‪ .‬ومثاله‬
‫شخص عرض على شخص آخر أنه سوف يهبه شيء ما دون مقابل فسكوت الطرف اآلخر‬
‫يعني قبول هذه الهبة‪.‬‬

‫ب‪ -‬قيمة اإلرادة والتعبير عنها في تكوين العقد (نظرية اإلرادة الباطنة والظاهرة)‬

‫ال يعتد القانون باإلرادة الكامنة في النفس‪ ،‬بل ّ‬


‫البد من التعبير عنها حتى تنتج آثارها‪،‬‬
‫وإذا كان التعبير يتفق مع ما أراده الشخص فال إشكال‪ ،‬ولكن يثور اإلشكال عندما ينحرف‬
‫التعبير عن اإلرادة وال يأتي مطابقا لها‪ ،‬وبمعنى آخر إذا اختلفت اإلرادة الظاهرة عن اإلرادة‬
‫الباطنة فبأي إرادة نأخذ؟ ومثال ذلك من يوصي على أثاث منزلي بطريق التأشير على‬
‫جدول مطبوع فإذا به يؤشر على أثاث غرفة استقبال وهو يريد أثاث غرفة نوم‪ ،‬فإرادته‬
‫عبرت عن غرفة االستقبال‪ ،‬بأي‬
‫الباطنة توجهت إلى شراء غرفة نوم وإرادته الظاهرة ّ‬
‫اإلرادتين نأخذ؟ هذه الوضعية ّأدت إلى ظهور نظريتين نوجزهما فيما يلي‪:‬‬

‫ب‪ -1‬نظرية اإلرادة الباطنة‪:‬‬

‫وهي النظرية التقليدية التي تعتد باإلرادة الحقيقية ال باإلرادة الظاهرة‪ ،‬فالتصرف يستمد‬
‫قوته من اإلرادة الحقيقية ألطرافه باعتبارها العنصر األهم في تكوين التصرف القانوني‪ ،‬وقد‬

‫‪30‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أخذت بهذه النظرية القوانين الالتينية وعلى األخص القانون الفرنسي وذلك نتيجة سيطرة‬
‫النزعة الذاتية أو الشخصية على تلك الشرائع‪.1‬‬

‫ب‪ -2‬نظرية اإلرادة الظاهرة‬

‫أن‬
‫وهي النظرية الحديثة ويرجع الفضل في ظهورها إلى الفقهاء األلمان الذين اعتبروا ّ‬
‫اإلرادة ال يجوز أن يكون لها أثر في القانون فهي شيء كامن في النفس‪ ،‬و ّ‬
‫البد إلنتاج أثرها‬
‫أن تتخذ مظه ار اجتماعيا‪ ،‬وهذا المظهر يكون باإلفصاح عنها وهذا اإلفصاح هو الذي يعتد‬
‫به القانون ويرتب أحكامه عليه‪ ،‬فالعبرة إذن بالتعبير أي باإلرادة الظاهرة حتى يكون هناك‬
‫استقرار في التعامل بين الناس‪.2‬‬

‫أما عن موقف القانون المدني الجزائري ّ‬


‫فإنه أخذ بالنظريتين معا‪ ،‬فأخذ باإلرادة الباطنة‬ ‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫الحد الذي يقتضيه استقرار المعامالت‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫ولكنه أخذ باإلرادة الظاهرة إلى ّ‬
‫أساسا‪ّ ،‬‬
‫حسب طبيعة ووقائع القضية المتنازع فيها‪.‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.90-89‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،79‬ص ‪ ،181-180‬وعلي علي سليمان‪ ،‬النظرية العامة‬
‫لاللتزام‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‬
‫‪.33-32‬‬
‫نص المشرع الجزائري في المادة ‪ 111‬من ق‪.‬م على ما يلي‪" :‬إذا كانت عبارة العقد واضحة فال يجوز‬ ‫‪3‬‬

‫االنحراف عنها من طريق تأويلها للتعرف عن إرادة المتعاقدين‪.‬‬


‫أما إذا كانت هناك محل لتأويل العقد‪ ،‬فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى‬
‫الحرفي لأللفاظ‪ ،‬مع االستهداء لذلك بطبيعة التعامل‪ ،‬وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين‪ ،‬وفقا‬
‫للعرف الجاري في المعامالت"‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثانيا‪ :‬توافــــق اإلرادتيــــن‬

‫يقصد بتوافق اإلرادتين اقتران اإليجاب بقبول مطابق له فينعقد العقد‪ ،‬وعليه يتم توافق‬
‫اإلرادتين على ثالثة مراحل هي‪ :‬اإليجاب‪ ،‬والقبول‪ ،‬ثم اقتران اإليجاب بالقبول‪ ،‬وهو ما‬
‫سنتناوله بالشرح والتفصيل فيما يلي‪.‬‬

‫‪ -1‬اإليجــــاب‬

‫اإليجاب هو العرض الصادر من شخص‪ ،‬يعبر به عن وجه جازم عن إرادته في إبرام‬


‫عقد معين‪ ،‬بحيث إذا ما اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد‪.‬‬

‫عرف اإليجاب بأنه تعبير عن الرضا‪ ،‬وهو الخطوة األولى في التعاقد‪،‬‬


‫بمعنى آخر ُي ّ‬
‫ويشترط أن تتوفر فيه خاصيتان هما‪:‬‬
‫ُ‬

‫‪ -‬أن يكـــون جازمـــا‬

‫أي أن ينطوي على إرادة الموجب في إبرام العقد بمجرد اقتران القبول به‪ ،‬وهذا ما ُيميزه‬
‫على الدعوة للتفاوض‪ ،‬ألن اإلرادة التي تقابل الدعوة للتفاوض‪ ،‬ال تعدو أن تكون إيجابا وال‬
‫تكفي النعقاد العقد‪ ،‬بل تحتاج إلى قبول من الداعي إلى التفاوض وذلك خالفا لإليجاب‪.‬‬

‫ومثاله عرض السلع في واجهات المحالت التجارية‪ ،‬فإذا كان عرضها مقرونا ببيان ثمنها‬
‫أعتبر ذلك إيجابا جازما موجها إلى الجمهور‪ ،‬وطلب الشراء الذي يتقدم به أحد الجمهور‬
‫أعتبر َقبوال‪ ،‬ينعقد به العقد‪ ،‬أما إذا كان العرض خاليا من الثمن أعتبر ذلك مجرد دعوة إلى‬
‫التفاوض‪ .‬وأن طلب الشراء حتى بعد االستعالم عن الثمن يعد إيجابا فحسب يحتاج إلى‬
‫قبول من التاجر (البائع) حتى ينعقد العقد‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫والمالحظ أن هذه الخاصية تبقى قائمة حتى ولو علق اإليجاب بشرط صريح أو ضمني‬
‫وهو ما يسمى باإليجاب المعلق‪ ،‬كأن يعرض شخص على الجمهور شيئا ذا كمية محدودة‬
‫كأماكن المسرح أو السينما‪ ،‬فيكون هذا إيجابا معلقا على شرط عدم نفاذ الشيء المعروض‬
‫فيتم العقد مع من يقبل أوال حتى نفاذ الشيء المعروض‪.‬‬

‫ففي هذه الحالة متى توافرت نية التعاقد على وجه جازم ‪ ،‬فان تعليق العرض على شرط‬
‫صريح أو ضمني ال يمنع من اعتباره إيجابا‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكـــون كامــال‬

‫أي أن تتوافر في اإليجاب كل العناصر األساسية للعقد المراد إبرامه‪ ،‬بحيث ينعقد العقد‬
‫بمجرد اقتران القبول به‪ ،‬ففي البيع مثال ال يعتبر العرض إيجابا إال إذا عين فيه على األقل‬
‫شيئين‪ :‬الشيء المبيع وثمنه (تعيينا دقيقا) وهذه الخاصية تميز اإليجاب عن الدعوة‬
‫للتفاوض‪ ،‬فوضع الفتة على منزل مثال ألنه للبيع‪ ،‬يعتبر مجرد دعوة للتفاوض ال إيجابا إلى‬
‫أن تعين مساحة المنزل وثمنه إلى غير ذلك‪.‬‬

‫أ‪ -‬القـــوة الملزمــة لإليجـــاب‪ :‬أي ما مدى التزام الموجب بالبقاء على إيجابه بعد صدوره‬
‫منه؟‬

‫القاعدة أنه ال يترتب على مجرد صدور اإليجاب من الموجب أي التزام ‪ ،‬طالما لم‬
‫يتصل اإليجاب بعلم من ُوجه إليه‪ ،‬وعليه إذا رجع الموجب عن إيجابه خالل هذه المدة‪ ،‬كان‬
‫رجوعه صحيحا‪.‬‬

‫أما بعد اتصال اإليجاب بعلم من ُوجه إليه (القبول) فال يجوز للموجب الرجوع عن‬
‫إيجابه إذا اقترن بتحديد مدة القبول ألن اإليجاب هنا أصبح ملزما‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫وليس ضروريا أن يحدد الموجب هذه المهلة صراحة‪ ،‬بل يصح استنتاجها من الظروف‬
‫التي يستطيع فيها من ُوجه إليه اإليجاب أن يتدبر أمره أو ُيرد بالقبول أو الرفض‪.‬‬

‫وعليه إذا رجع الموجب عن إيجابه الملزم خالل مدة التزامه به‪ ،‬فال يكون له ٌ‬
‫أثر‪ ،‬بل‬
‫يظل قائما رغم الرجوع بحيث إذا ما اقترن به القبول خالل هذه المدة انعقد العقد‪.1‬‬

‫انتهينا إلى أن اإليجاب ال يكتمل وجوده القانوني وال يرتب أثره‪ ،‬إال من وقت علم‬
‫الموجب له لهذا اإليجاب‪ ،‬لكن السؤال الذي يطرح هنا‪ :‬ما هو أثر الموت وفقد األهلية في‬
‫التعبير عن اإلرادة؟‬

‫ب‪ -‬أثر الموت وفقد األهلية في التعبير عن اإلرادة‬

‫أن أحد األشخاص مات أو فقد أهليته كأن‬


‫اإلشكال الذي نحن بصدده هو افتراض ّ‬
‫أصبح مجنونا أو معتوها‪ ،‬قبل أن ينتج التعبير عن اإلرادة الذي صدر منه أثره‪ ،‬فهل ينتج‬
‫وجه إليه التعبير أم ال؟‬
‫هذا التعبير أثره عند اتصاله بعلم من ّ‬

‫إذا صدر التعبير فيكون له وجود فعلي من وقت صدوره من صاحبه‪ ،‬وهذا الوجود‬
‫الفعلي يبقى حتى لو مات صاحبه أو فقد أهليته‪ . 2‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 62‬من‬
‫القانون المدني التي جاء فيها ما يلي‪" :‬إذا مات من صدر منه التعبير عن اإلرادة أو فقد‬
‫فإن ذلك ال يمنع من ترتيب هذا األثر عند اتصال التعبير‬
‫أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره‪ّ ،‬‬
‫بعلم من وجه إليه‪ ،‬هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو طبيعة التعامل"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المواد ‪ 61‬إلى ‪ 63‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫من أمثلة ذلك شخص في الجزائر كتب آلخر في فرنسا يعرض عليه صفقة فقبلها هذا األخير‪ ،‬ومات الشخص‬
‫الذي في الجزائر قبل أن يصل القبول إلى علمه‪ ،‬في هذه الحالة يتم العقد ويتعين على ورثته تنفيذ ما التزم به‬
‫مورثهم‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أن القانون ال يجعل للموت أو فقد األهلية أث ار على التعبير عن‬


‫يستفاد من هذه المادة ّ‬
‫محل اعتبار‪ ،‬كأن‬
‫أن شخص القابل ّ‬ ‫اإلرادة‪ ،‬إالّ إذا تبين من اإليجاب أو من طبيعة التعامل ّ‬
‫يكون فنانا وعرض عليه القيام بعمل يدخل في صميم عمله‪ّ ،‬‬
‫فإن القبول يسقط بموت القابل‪.‬‬
‫وعليه‪:‬‬

‫‪ -‬إذا مات ا لموجب له (القابل) أو فقد أهليته قبل علمه باإليجاب‪ ،‬فال يجوز لورثته‬
‫القبول محله‪.‬ألنه لم ينشأ لمورثهم قبل وفاته حق في القبول‪ ،‬حتى ينتقل إليهم هذا الحق‬
‫بالميراث‪.‬‬

‫‪ -‬إذا مات الموجب له (القابل) أو فقد أهليته بعد صدور القبول عنه أنتج هذا القبول أثره‬
‫متى اتصل به ع لم الموجب ومن ثم ينعقد العقد وينفذ في مواجهة الورثة‪ ،‬غير أنه إذا تبين‬
‫من التعبير أو من طبيعة التعامل أن المتعاقد كان محل اعتبار بالعقد (فنان‪ ،‬رساما‪ ،)...‬فإن‬
‫العقد ال يتم وال يتم التعبير أثره حتى ولو اتصل بعلم من وجه إليه‪.‬‬

‫‪ -‬إذا مات الموجب أو فقد أهليته قبل علم الموجب له به‪ ،‬فإن العقد ال يتم حتى لو أعلن‬
‫القابل عن قبوله دون أن يعلم بوفاة الموجب أو بفقدان أهليته‪.‬ألنه يجب لتمام العقد أن يصل‬
‫العلم بالقبول إلى الموجب‪.‬‬

‫ورده عليه فإن القبول ينتج أثره‬


‫‪ -‬إذا مات الموجب أو فقد أهليته بعد علم الموجب له به ّ‬
‫ومن ثم ينعقد العقد وينفذ في مواجهة الورثة‪.‬‬

‫ج‪ -‬سقـــــوط اإليجـــــاب‪ :‬يسقط اإليجاب ألحد األسباب التالية‪:‬‬

‫‪ -‬رفض الموجب له اإليجاب الموجه إليه‪.‬‬


‫‪ -‬إذا كان اإليجاب معلقا على شرط فانعدم أو تخلف هذا الشرط‪.‬‬
‫‪ -‬انقضاء المهلة التي التزم فيها الموجب بالبقاء على إيجابه دون أن يقترن به قبول‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬إذا كان اإليجاب غير ملزم في التعاقد بين الحاضرين‪ ،‬أي إذا انفض مجلس العقد‬
‫ولم َي ْعدل الموجب عنه أو لم يقترن بتحديد ميعاد صريح للقبول ولم ُيستخلص من‬
‫الظروف ميعاد الضمني برجوع الموجب عن إيجابه قبل قبوله ممن وجه إليه‪.‬‬

‫هذا وتجدر اإلشارة إلى ّأنه إذا صدر القبول بعد سقوط اإليجاب فال يعتد بهذا القبول‬
‫المتأخر وال يعتبر قبوال إليجاب قائم‪ ،‬ولكن يعتبر بمثابة إيجاب جديد موجه إلى من أصدر‬
‫األول‪ ،‬فإذا قبله انعقد العقد‪.1‬‬
‫اإليجاب ّ‬

‫‪ -2‬القبــــــــــول‬

‫القبول هو التعبير الثاني عن اإلرادة يصدر ممن ُوجه إليه اإليجاب يخبره بقبوله اإليجاب‬
‫فيتحقق توافق اإلرادتين أو هو رد على اإليجاب بالموافقة‪ ،‬ويشترط فيه أن يكون مطابقا‬
‫تماما لما ورد في اإليجاب‪ ،‬ألنه إذا اقترن بما يزيد في اإليجاب أو يقيد منه أو يعدل فيه‬
‫اعتبر ذلك رفضا يتضمن إيجابا جديدا‪.‬‬

‫كما يشترط فيه‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون حرا‪ ،‬أي أن الموجب له يستطيع أن يقبل اإليجاب أو يرفضه أو يدعه‬
‫يسقط‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون مطابقا لإليجاب‪ ،‬فإذا كان يختلف عنه ولو في مسائل ثانوية ال يعتبر قبوال‬
‫ينعقد به العقد‪.‬‬
‫‪ -‬أن يوجه إلى الموجب في الوقت المناسب أي خالل المدة المعينة للقبول إذا وجدت‪،‬‬
‫أو خالل المدة التي تلزمه عادة وفقا لما تقتضيه طبيعة التعامل أو العرف‪.‬‬
‫‪ -‬أن يصدر القبول في الشكل الذي تطلبه الموجب‪ ،‬مثل تطلب صدوره مكتوبا‪.‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪36‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫يعتبر القبول مطابقا لإليجاب طبقا للمادة ‪ 65‬من القانون المدني وينعقد العقد‪ ،‬متى اتفق‬
‫الطرفان على جميع المسائل الجوهرية‪ ،‬واحتفظا بالمسائل التفصيلية يتفقان عليها فيما بعد‪،‬‬
‫ولم يشترطا أن العقد ال يتم عند عدم االتفاق عليها‪.‬‬

‫على أنه إذا قام خالف بين المتعاقدين على المسائل التي لم يتفق عليها‪ ،‬فان المحكمة‬
‫تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة وألحكام القانون والعرف والعدالة‪.‬‬

‫أ‪ -‬الصـور الخـاصة للقبـول‪ :‬هناك حاالت خاصة للقبول نوجزها في‪:‬‬

‫‪ -‬القبـــول في عقـــود اإلذعــان‬

‫طبقا للمادة ‪ 70‬من القانون المدني‪ ،‬يحصل القبول في عقود اإلذعان بمجرد التسليم‬
‫المذعن (الطرف‬ ‫ِ‬
‫(المذعن) دون مناقشتها من‬ ‫بالشروط التي وضعها وقررها الموجب‬
‫َ‬
‫الضعيف) كما هو الحال في عقود التأمين‪ ،‬وعقود النقل والطيران وغيرها‪.1‬‬

‫‪ -‬القبـــول في عقـــود المـــزاد‬

‫طبقا للمادة ‪ 69‬من القانون المدني‪ ،‬ال يتم العقد في المزايدات إال ُ‬
‫برسّو المزاد‪ ،‬ويسقط‬
‫المزاد بمزاد أعلى ولو كان باطال‪ ،‬وعليه ويعتبر قبوال في عقود المزاد أعلى عطاء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لتفاصيل أكثر حول طبيعة عقد اإلذعان‪ ،‬يراجع‪ :‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪،118-117‬‬
‫ص ‪ 231‬وما يليها‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ج‪ -‬اقتران اإليجـــاب بالقبـــول‬

‫يجب أن يتطابق اإليجاب بالقبول حتى ينعقد العقد‪ ،‬وهنا نميز بين حالتين‪:‬‬

‫ج‪ -1‬التعاقــــد بيــن الحاضريــــن‬

‫يقصد به‪ ،‬إتحاد مجلس العقد حقيقة أو حكما أي أن التعاقد قد تَ َم بين حاضرين يجمعهم‬
‫مجلس عقد واحد‪.1‬‬

‫حقيقـــة‪ :‬االثنين معا في مجلس عقد واحد ال يفرقهما ال زمان وال مكان‪ ،‬بحيث إذا صدر‬
‫التعبير على أحدهما يعلم به الطرف اآلخر في ذات الوقت وفي عين المكان‪.‬‬

‫حكمـــا‪ :‬التعاقد بالهاتف مثال‪ ،‬بحيث ال يوجد فاصل زمني بين صدور التعبير والعلم به‬
‫وهنا الرأي الراجح أن مكان انعقاد العقد هو مكان وجود الموجب وقت علمه بالقبول‪.‬‬

‫متى اتحد مجلس العقد حقيقـة أو حكمـا‪ ،‬وجب على الموجب له أن يقبله فورا‪ ،‬وإال ُع َد‬
‫ذلك رفضا‪ ،2‬ومع ذلك يتم العقد ولو لم يقبل اإليجاب فورا‪ ،‬إذا لم يوجد ما يدل أن الموجب‬
‫قد عدل عن إيجابه في الفترة مابين اإليجاب والقبول وصدر القبول قبل أن ينفض مجلس‬
‫العقد‪.3‬‬

‫إذن‪ ،‬يجوز أن يتراخى القبول ما دام المتعاقدان في مجلس العقد ومنشغلين بالتعاقد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫خليل احمد حسن قدادة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.402‬‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 1/64‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المادة ‪ 2/64‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ج‪ -2‬التعاقــــد بيــن الغائبيـــن‬

‫يقصد به حالة ما إذا كان المتعاقدين غير حاضرين وال يجمعهما مجلس عقد واحد ال‬
‫حقيقة وال حكما‪ ،‬فيكون التعامل بطريق المراسلة مثال أن يوجد فاصل زمني ومكاني بين‬
‫المتعاقدين فتثور بهذا الشأن مشكلة تحديد مكان وزمان انعقاد العقد‪ .‬وعليه كيف ومتى يتم‬
‫التعاقد بين الغائبين؟‬

‫ظهرت عدة نظريات بخصوص اإلجابة على هذا التساؤل منها‪:‬‬

‫القبـــول‬
‫* نظريـــة إعـــالن َ‬

‫التي تعتبر العقد منعقدا بمجرد إعالن القابل قبوله لإليجاب‪ .‬يعاب على هذه النظرية أن‬
‫الموجب قد ال يعلم بصدور القبول وقد يعدل عن إيجابه قبل علمه بالقبول‪.‬‬

‫* نظريــة تصديــر القبــول‬

‫والتى تعتبر العقد تاما في الوقت الذي يصدر فيه القابل رسالته المتضمنة قبوله‪ .‬يعاب‬
‫على هذه النظرية أيضا أن القابل يمكنه الرجوع والعدول عن قبوله ما دامت الرسالة لم تصل‬
‫إلى الموجب أو أن يعدل الموجب عن إيجابه إذا لم يحدد أجل لذلك‪.‬‬

‫* نظريــة تسليــم القبــول‬

‫والتي تعتبر العقد منعقدا في الوقت الذي يصل فيه القبول إلى الموجب ولو لم يعلم به‬
‫كما لو وضع القابل رسالة القبول في الصندوق البريدي للموجب في هذه اللحظة ينعقد العقد‪.‬‬
‫يعاب على هذه النظرية أن الموجب قد تصله رسالة القابل دون أن يعلم بقبوله‪ ،‬ألنه لم يفتح‬
‫صندوقه البريدي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫* نظريــة العلــم بالقبــول‬

‫والتي تعتبر العقد تاما عند علم الموجب بالقبول‪ ،‬وبها أخذ المشرع الجزائري‪ ،‬إذا نص‬
‫في المادة ‪ 67‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬يعتبر التعاقد مابين الغائبين قد تم في‬
‫المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني‬
‫يقضي بغير ذلك‪.‬‬

‫ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما‬
‫القبول"‪.‬‬

‫ومنه يتم العقد في الزمان والمكان الذين يعلم بهم الموجب بقبول القابل‪ ،‬أما وصول‬
‫رسالة القابل إلى الموجب فيعتبر مجرد قرينة بسيطة على علم الموجب بالقبول حتى يثبت‬
‫العكس وبالتالي اقتران القبول باإليجاب‪.‬‬

‫ج‪ -3‬المرحلة التمهيدية في التعاقد )الوعد بالتعاقد والتعاقد بالعربون(‬

‫رأينا كيف يتم العقد على نحو بات نهائي‪ ،‬ولكن قد يسبق مرحلة التعاقد النهائي مرحلة‬
‫تمهيدية قد تؤدي أو ال تؤدي إلى المرحلة النهائية‪ ،‬ومن أهم صور هذه المرحلة التمهيدية‪:‬‬
‫الوعد بالتعاقد والتعاقد بالعربون‪.‬‬

‫‪ /1‬الوعد بالتعاقد‪:‬‬

‫يسمى الواعد بقبول إبرام عقد في المستقبل‪،‬‬


‫الوعد بالتعاقد "عقد يلتزم بمقتضاه شخص ّ‬
‫معينة"‪،‬‬
‫مدة ّ‬‫مع شخص آخر يسمى الموعود له إذا أظهر هذا األخير رغبته في التعاقد خالل ّ‬
‫معين إذا أظهر األخير رغبته في الشراء‬
‫ومثال ذلك أن يعد شخص آخر ببيع أرضه بمبلغ ّ‬
‫معينة شهر مثال‪ ،‬فينعقد بين االثنين عقد وعد بالبيع‪.‬‬
‫مدة ّ‬
‫خالل ّ‬

‫‪40‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أن الشخص قد يريد شراء شيء ما هو في‬


‫وتظهر الفائدة العملية من هذا الوعد في ّ‬
‫حاجة إليه ولكن ال يستطيع شراءه فو ار بسبب عدم كفاية أمواله‪ ،‬فيبرم وعدا بالبيع مع‬
‫فيتقيد صاحب األرض بالبيع دون أن يتقيد الطرف‬
‫ّ‬ ‫مدة معينة‪،‬‬
‫صاحب األرض خالل ّ‬
‫اآلخر‪.1‬‬

‫أ‪ -‬الشروط الواجب توافرها في الوعد بالتعاقد‪:‬‬

‫لكنه عقد تمهيدي وغير نهائي ال ينصب إالّ‬


‫مجرد إيجاب‪ّ ،‬‬
‫الوعد بالتعاقد عقد كامل ال ّ‬
‫على مجرد الوعد بالتعاقد‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 71‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬االتفاق الذي يعد له كال المتعاقدين‬
‫معين في المستقبل ال يكون له أثر إالّ إذا عينت جميع المسائل‬
‫أو أحدهما بإبرام عقد ّ‬
‫الجوهرية للعقد المراد إبرامه‪ ،‬والمدة التي يجب إبرامه فيها‪.‬‬

‫وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يطبق على االتفاق‬
‫المتضمن الوعد بالتعاقد‪".‬‬

‫بمجرد ظهور‬
‫ّ‬ ‫أن الوعد بالتعاقد خطوة نحو التعاقد النهائي فيجب أن يكون ّ‬
‫مجه از‬ ‫بما ّ‬
‫رغبة الموعود له‪ ،‬ومن ثم يجب أن تتوافر في الوعد بالتعاقد الشروط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬يجب أن يتضمن الوعد بالتعاقد المسائل الجوهرية للعقد الموعود بإبرامه‪ ،‬فإذا كان‬
‫فالبد من تحديد الشيء المبيع والثمن‪.‬‬
‫بيعا ّ‬

‫في هذه الحالة يعتبر الوعد بالتعاقد عقدا ملزما لجانب واحد وهذا بحسب األصل‪ ،‬لكن قد يكون الوعد بالتعاقد‬ ‫‪1‬‬

‫ملزما لجانبين في الحالة التي يكون ّ‬


‫كل طرف واعدا وموعودا له‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المدة التي يجب خاللها إبرام العقد الموعود به‪ ،‬وتحديد المدة‬
‫‪ -2‬يشترط في الوعد تعيين ّ‬
‫قد يكون صراحة أو ضمنا يستدل من ظروف الحال‪.1‬‬

‫‪ -3‬يجب أن يستوفي عقد الوعد الشكل الذي يتطلبه القانون إذا كان العقد الموعود به‬
‫من العقود الشكلية مثل عقد بيع العقار‪ ،‬وعقد الهبة‪ ،‬والرهن الرسمي‪ ،‬وهذا طبقا لمقتضيات‬
‫المادة ‪ 2/71‬المذكورة أعاله‪ ،‬فإذا لم يستوف الوعد بالتعاقد الشكل المطلوب وقع باطال‪.2‬‬

‫ب‪-‬آثار الوعد بالتعاقد‬

‫إذا انعقد الوعد صحيحا‪ ،‬فنميز فيه بين مرحلتين يفصل بينهما ظهور رغبة الموعود له‬
‫في التعاقد النهائي‪.‬‬

‫المرحلة األولى ‪:‬قبل ظهور الرغبة‪:‬‬

‫قبل أن يظهر الموعود له رغبة في التعاقد النهائي ال يكسب الموعود له إالّ حقوق‬
‫شخصية‪ ،‬فإذا كان العقد النهائي بيعا فال تنتقل الملكية إلى الموعود له ويبقى الواعد مالكا‬
‫ثم يمكنه أن يبيعه ويرجع الموعود له على الواعد بالتعويض فقط‪ ،‬وإذا هلك‬
‫لشيء ومن ّ‬
‫تحمل الواعد تبعة الهالك‪.‬‬
‫الشيء بقوة قاهرة ّ‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬بعد ظهور الرغبة‬

‫إذا لم يظهر الموعود له رغبته في إبرام العقد النهائي خالل المدة المتفق عليها سقط‬
‫بمجرد‬
‫ّ‬ ‫فإن التعاقد النهائي يتم‬
‫أما إذا أظهر رغبته خالل المدة المتفق عليها ّ‬
‫الوعد بالتعاقد‪ّ ،‬‬
‫ظهور الرغبة ال من وقت الوعد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،134‬ص ‪.253‬‬
‫‪2‬‬
‫يراجع قرار المحكمة العليا‪ ،‬ملف رقم‪ 154760 :‬مؤرخ في‪ 12 :‬أفريل ‪ ،1996‬منشور في المجلة القضائية‬
‫لسنة ‪ ،1996‬العدد األول‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪42‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫إذا وعد شخص آخر بإبرام عقد ثم نكل‪ ،‬وكانت الشروط الموضوعية والشكلية متوافرة في‬
‫الوعد بالتعاقد‪ ،‬جاز للموعود له أن يرفع دعوى يطالب فيها بإتمام العقد‪ ،‬وهنا يقوم الحكم‬
‫مقام العقد وهذا وفقا لمقتضيات المادة ‪ 72‬من القانون المدني‪.‬‬

‫‪ /2‬التعاقد بالعربون‪:‬‬

‫يسمى‬
‫يتفق المتعاقدان أحيانا عند إبرام العقد أن يرفع أحدهما لآلخر مبلغا من المال ّ‬
‫لكل منهما في العدول عن العقد بدفع قدر هذا‬‫إما تقرير حق ّ‬‫العربون‪ ،‬ويكون الغرض منه ّ‬
‫إما تأكيد العقد عن طريق البدء في تنفيذه بدفع العربون‪.1‬‬
‫العربون لآلخر‪ ،‬و ّ‬

‫ولقد حسم المشرع الجزائري داللة العربون بإضافة المادة ‪ 72‬مكرر من القانون المدني‬
‫التي نصت على ما يلي‪" :‬يمنح دفع العربون وقت إبرام العقد لكل من المتعاقدين الحق في‬
‫العدول عنه خالل المدة المتفق عليها‪ ،‬إالّ إذا قضى االتفاق بخالف ذلك‪.‬‬

‫فإذا عدل من دفع العربون فقده‪ ،‬وإذا عدل من قبضه رده ومثله ولو لم يترتب عل‬
‫العدول أي ضرر‪".‬‬

‫يستفاد من هذه المادة أن دفع العربون وقت إبرام العقد يدل على حق ّ‬
‫كل من المتعاقدين‬
‫في العدول عن إبرامه ويكون ذلك خالل المدة المتفق عليها‪ ،‬فإذا انقضت المدة دون أن‬

‫يظهر أي من المتعاقدين رغبته في العدول فيتأكد العقد ويعتبر العربون تنفيذا جزئيا له‪ّ ،‬‬
‫أما‬
‫فإنه يفقده‪ ،‬وإذا عدل من قبض العربون فيرده ومعه مثله‪.‬‬
‫قدم العربون ّ‬
‫إذا عدل من ّ‬

‫ثالثا‪ :‬النيابــة في التعاقــد‬

‫‪1‬‬
‫البت‪ .‬لتفاصيل أكثر‬
‫لقد انقسمت القوانين بين هاتين الداللتين‪ ،‬فبعضها أخذ بداللة العدول‪ ،‬وبعضها أخذ بداللة ّ‬
‫حول هذا الموضوع‪ ،‬يراجع عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ ،142 ،141 ،140‬ص ‪ 259‬وما يليها‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫إذا كان العقد يتم في الغالب بحضور المتعاقدين شخصيا‪ ،‬إالّ ّأنه أحيانا قد يتعذر على‬
‫أحد المتعاقدين الحضور من أجل إبرام العقد‪ ،‬فينيب عنه شخصا آخر يتولى إبرام العقد‬
‫مكانه‪ ،‬وهذه هي النيابة في التعاقد‪ ،‬فما المقصود بالنيابة؟ ما هي أنواعها؟ وما هي اآلثار‬
‫التي تترتب عنها؟‬

‫‪ -1‬تعريف النيابة وشروطها‬

‫يقصد بالنيابــة في التعاقد‪ ،‬قيام شخص ُيسمى النائب مقام شخص آخر ُيسمى األصيل‪،‬‬
‫بإبرام تصرف قانوني باسم ولحساب األصيل‪ ،‬بحيث ينتج هذا التصرف القانوني آثاره مباشرة‬
‫في ذمة األصيل‪ ، 1‬فالنائب هو الذي يعبر عن إرادة األصيل‪ ،‬أي أن إرادة النائب هي التي‬
‫محل إرادة األصيل في إبرام العقد‪.‬‬
‫تحل ّ‬

‫والنيابة إما أن تكون قانونية أو اتفاقية تستمد من إرادة األصيل نفسه‪.‬‬

‫‪ -‬النيابـــة القانونيـــة‪ :‬النيابة القانونية يفرضها القانون على األصيل دون االعتداد‬
‫بإرادته‪ .‬ومن أمثلتها‪ :‬الوالية (والية األب عن ابنه) أو (الوصاية) أو الحراسة القضائية‪.‬‬

‫‪ -‬النيابـــة االتفاقية‪ :‬يختار فيها األصيل شخصا نائبا ويحدد نطاق سلطته‪ .‬ومن‬
‫أمثلتها‪ :‬عقد الوكالة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شـــروط النيابـــة‪ :‬تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،83‬ص ‪.189‬‬
‫‪44‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫محل إرادة األصيـــل‬


‫‪ -1‬حلول إرادة النائب ّ‬

‫يجب أن يعبر النائب في العقد عن إرادته هو ال عن إرادة األصيل‪ ،‬أي أن تحل إرادة‬
‫محل إرادة األصيل في التعاقد كما لو كان هو حاضرا‪ ،‬وعليه البد من أن يكون‬
‫النائب ّ‬
‫للنائب إرادة ذاتية سليمة ال يشوبها عيب من عيوب اإلرادة‪ ،‬هذا ويعد التعاقد مع النائب قد‬
‫حصل بين الحاضرين حتى ولو كان األصيل متغيبا عن مجلس العقد‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يتـــم التعاقـــد باسم األصيـــل‬

‫يجب أن تتوفر لدى النائب والغير الذي تعاقد معه نية انصراف آثار العقد إلى األصيل‬
‫مباشرة‪ ،‬أي أن ُيعلم النائب الغير الذي تعاقد معه بأنه يتعاقد باسم األصيل ولحسابه‪ ،‬أي‬
‫بصفته نائبا‪ ،‬أو كان من المفروض حتما أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة أو كان‬
‫يستوي عنده أن يتعامل مع األصيل أو النائب‪ ،‬وعليه إذا تخلف هذا الشرط‪ ،‬انصرفت آثار‬
‫العقد إلى النائب والمتعاقد معه دون األصيل كقاعدة عامة‪.‬‬

‫‪ -3‬أال يتجـــاوز النائـــب حـــدود نيابتـــه‬

‫يجب على النائب سواء كانت نيابته قانونية أو اتفاقية عدم تجاوز حدود نيابته‪ ،‬بل البد‬
‫قره‪.‬‬
‫من أن يلتزم بها‪ ،‬فإن هو خرج عن حدودها‪ ،‬لم يكن العقد نافذا في حق األصيل ما لم ُي ّ‬

‫غير أن القانون أجاز في المادة ‪ 76‬من القانون المدني انصراف أثر العقد ‪-‬حقا كان أو‬
‫التزاما‪ -‬إلى األصيل رغم تخلف هذا الشرط في حالة ما إذا كان النائب حسن النية ومن‬
‫تعاقد معه حسن النية‪ ،‬أي يجهالن معا وقت العقد انقضاء النيابة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬آثــار النيابـــة‪ :‬تتجسد في‪:‬‬


‫‪45‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -1‬العالقة بين األصيل والنائب‬

‫ينظم هذه العالقة االتفاق في حالة النيابة االتفاقية‪ ،‬والقانون في حالة النيابة القانونية‪.‬‬

‫‪ -2‬العالقـــة بين األصيـــل والغيـــر‬

‫هي عالقة مباشرة تنشأ نتيجة التصرف الذي أبرمه النائب مع اختفاء شخص هذا األخير‬
‫ما لم يرتكب خطأً جسيما رتب ضر ار بالغير أو تجاوز حدود نيابته‪.‬‬

‫‪ -3‬العالقـــة بيـــن النائـــب والغيـــر‬

‫ال تنصرف آثار العقد الذي أبرمه إليه‪ ،‬بل تنصرف مباشرة إلى األصيل‪ ،‬بحكم العقد‬
‫ذاته‪ ،‬دون الحاجة إلى أي إجراء آخر‪ ،‬فيكون األصيل هو طرف العقد ال النائب‪.‬‬

‫وعليه ال يكسب النائب أي حق وال يلتزم بأي دين وال يمكنه أن يطالب الغير (المتعاقد)‬
‫بأي حق نتج عن التصرف‪ ،‬كما ال يجوز للغير أن يطالبه بأي شيء إذ أن آثار التصرف‬
‫تنصرف إلى األصيل وحده‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تعاقـــد الشخـــص مـــع نفســـه‪ :‬قد يأخذ إحدى هاتين الصورتين‪:‬‬

‫‪ -‬أن تحل إرادة الشخص محل إرادة أخرى أي أن يكون نائبا وفي نفس الوقت يكون‬
‫أصيال عن نفسه في العقد‪ ،‬مثال‪ :‬كما لو وكل النائب بيع شيء وأراد شرائه لنفسه‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكون نائبا عن الطرفين‪ ،‬كما لو وكل النائب لبيع قطعة أرض من طرف "محمد"‬
‫ووكل بشراء قطعة أرض من طرف "أحمد"‪ ،‬أي يتعامل بصفته بائعا عن أحدهما ومشتريا‬
‫ُ‬
‫لآلخر‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ولقد اعتبر المشرع الجزائري تعاقد الشخص مع نفسه غير جائز في صورتيه طبقا للمادة‬
‫‪ 77‬من القانون المدني والتي جاء نصها كاآلتي‪ " :‬ال يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه‬
‫باسم من ينوب عنه سواء أكان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر‪ ،‬دون ترخيص‬
‫من األصيل‪ .‬على أنه يجوز لألصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد‪ ،‬كل ذلك مع مراعاة ما‬
‫يخالفه‪ ،‬مما يقضي به القانون وقواعد التجارة"‪.‬‬

‫ولعل السبب الذي دفع المشرع الجزائري إلى عدم إجازة تعاقد النائب مع نفسه هو حماية‬
‫مصلحة األصيل‪ ،‬فإذا ما وكل األصيل مثال النائب ببيع شيء معين وأراد النائب شراءه‬
‫لنفسه‪ ،‬فإن ذلك سيتعارض مع مصلحة األصيل التي تتمثل في أن يتم البيع في أحسن ثمن‬
‫ممكن‪ ،‬في حين أن مصلحة النائب هو أن يشتري الشيء بأقل مما يساوي‪.‬‬

‫غير أنه متى تحققت مصلحة األصيل في ذلك التعاقد‪ ،‬جاز له أن ُيرخص للنائب‬
‫مقدما بأن يتعاقد لحساب نفسه أو أن يجيز هذا التعاقد بعد تمامه باستثناء ما قضى به‬
‫القانون في بعض الحاالت وقواعد التجارة في حالة الوكيل بالعمولة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع الثاني‪ :‬صحـــة التراضـــي‬

‫يشترط لصحة التراضي أن يكون الرضا صاد ار عن شخص كامل األهلية (أوال) ولم‬
‫يشب إرادته أي عيب من عيوب اإلرادة (ثانيا)‪ ،‬وهذا ما سنتناوله تباعا‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األهليـــــــة‬

‫‪ -1‬تعريف األهلية‬

‫هي صالحية الشخص الكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات ومباشرة التصرفات القانونية‬
‫التي تُرتب له الحقوق أو تُرتب عليه التزامات أو واجبات‪.1‬‬

‫أن األهلية نوعان‪ :‬أهلية وجوب وهي صالحية الشخص الكتساب‬


‫يتبين من هذا التعريف ّ‬
‫وتحمل االلتزامات‪ ،‬فهي ترتبط بالشخصية القانونية وجودا وعدما أي ّأنها تبدأ بمجرد‬
‫ّ‬ ‫الحقوق‬
‫والدة الشخص وتظل تالزمه إلى حين وفاته‪ .‬وأهلية أداء‪ ،‬وهي صالحية الشخص ألن يباشر‬
‫بنفسه التصرفات القانونية التي تؤدي إلى اكتسابه الحقوق وتحمله لاللتزامات على وجه يع ّتد‬
‫به القانون‪.‬‬

‫ألن توافرها في المتعاقد ضروري‬


‫وما يعنينا بصدد صحة التراضي هو أهلية األداء ّ‬
‫العتبار رضائه صحيحا‪.‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.152‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪48‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -2‬أهلية األداء‬

‫أهلية األداء هي صالحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية‪ ،‬وأساسها هو التمييز‪ ،‬فإذا‬
‫كان الشخص فاقد التمييز تكون أهليته معدومة‪ ،‬وإذا كان ناقص التمييز فهو ناقص األهلية‪،‬‬
‫أما إذا كان كامل التمييز واإلدراك فهو كامل األهلية‪.‬‬
‫ّ‬

‫أ‪ /‬انعدام األهلية‪:‬‬

‫تنعدم أهلية األداء في حالتين‪ :‬األولى هي انعدام التمييز لدى الشخص بسبب عدم بلوغه‬
‫المحددة قانونا‪ ،‬والثانية هي انعدام التمييز لدى الشخص بسبب إصابته بعارض‬
‫ّ‬ ‫سن التمييز‬
‫من عوارض األهلية المعدمة للتمييز‪.‬‬

‫المميز(‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬انعدام األهلية بسبب صغر السن‪) :‬الصبي غير‬

‫يقصد بالصبي غير المميز الطفل الذي لم يبلغ سن التمييز‪ ،‬إذن تبدأ مرحلة عدم التمييز‬
‫لصغر السن بميالد الطفل وتنتهي ببلوغه سن التمييز وهي ثالثة عشرة سنة طبقا لنص‬
‫المادة ‪ 42‬من القانون المدني‪.‬‬

‫كل تصرفاته القانونية باطلة وهذا‬


‫فإن ّ‬
‫المميز عديم األهلية‪ ،‬ومن ثم ّ‬
‫ّ‬ ‫يعتبر الصبي غير‬
‫وفقا لنص المادة ‪ 82‬من قانون األسرة‪.‬‬

‫ويقوم مقام الصغير غير المميز في مباشرة تصرفاته القانونية من يمثله قانونا‪ ،‬وهو الولي‬
‫أو الوصي أو المقدم‪ ،‬وذلك عمال بأحكام المادة ‪ 81‬من قانون األسرة التي تنص على ما‬
‫مقدم طبقا‬
‫يلي‪" :‬من كان فاقد األهلية‪ ...‬لصغر السن‪ ...‬ينوب عنه قانونا ولي أو وصي أو ّ‬
‫ألحكام هذا القانون‪".‬‬

‫‪49‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬انعدام األهلية بسبب أحد عارضي األهلية )الجنون والعته(‬

‫يهمنا هنا‬
‫عوارض األهلية هي أمور تدرك الشخص البالغ فتعدم أهليته أو تنقصها‪ ،‬وما ّ‬
‫‪1‬‬

‫هما العارضان المعدمان لألهلية وهما الجنون والعته‪.‬‬

‫الجنون هو آفة تصيب عقل اإلنسان فتعدم عند صاحبه اإلدراك والتمييز ‪ّ ،‬‬
‫أما العته‬ ‫‪2‬‬

‫فاضطراب يعتري العقل دون أن يبلغ درجة الجنون‪ ،‬يجعل المريض مختلط الكالم قليل الفهم‬

‫فاسد التعبير ‪ ،‬ويحجر على المعتوه كالمجنون ّ‬


‫ويعين له قيم يتولى شؤونه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫سوى المشرع الجزائري بين المجنون والمعتوه من حيث أهلية األداء‪ ،‬فاعتبر كالّ‬‫ولقد ّ‬
‫منهما فاقد التمييز طبقا لنص المادة ‪ 101‬من قانون األسرة‪.‬‬

‫ب‪ /‬نقص األهلية‪:‬‬

‫تكون أهلية األداء ناقصة في حالتين‪ :‬األولى هي عندما يكون التمييز ناقصا ويتحقق ذلك‬
‫إذا بلغ الشخص سن التمييز لكنه لم يبلغ سن الرشد‪ ،‬والثانية هي عندما يكون الشخص‬
‫مصابا بإحدى العوارض المنقصة لألهلية‪.‬‬

‫المميز(‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬نقص األهلية بسبب صغر السن )الصبي‬

‫ولكنه لم يبلغ بعد سن‬


‫المميز الطفل الذي بلغ سن التمييز )‪ 13‬سنة( ّ‬
‫ّ‬ ‫يقصد بالصبي‬
‫الرشد )‪ 19‬سنة( وهذا طبقا لنص المادة ‪ 43‬من القانون المدني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ولكنها‬
‫تتشابه عوارض األهلية مع صغر السن في التأثير على التمييز عند الشخص وبالتالي على أهليته‪ّ ،‬‬
‫تختلف عن صغر السن في ّأنها ال تعدم األهلية وال تنقصها إالّ بتوقيع الحجر على الشخص‪.‬‬
‫‪2‬خليل أحمد حسن قدادة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ 3‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دروس في نظرية الحق‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬دار هومه‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،2011 ،‬ص ‪.530‬‬
‫‪50‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المميز ناقص األهلية‪ ،‬وعليه تكون تصرفاته النافعة نفعا محضا‪1‬صحيحة‬


‫ّ‬ ‫يعتبر الصبي‬
‫أما التصرفات الدائرة بين‬
‫ونافذة‪ ،‬وتصرفاته الضارة ضر ار محضا تقع باطلة بطالنا مطلقا‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫أن نفاذها يبقى موقوفا على إجازة الولي أو‬ ‫النفع والضرر فهي تنعقد صحيحة غير ّ‬
‫‪3‬‬

‫الوصي‪.4‬‬

‫‪ -‬نقص األهلية بسبب أحد عارضي األهلية )السفه والغفلة(‬

‫تنص المادة ‪ 43‬من القانون المدني على ما يلي‪ ..." :‬كل من بلغ سن الرشد وكان سفيها‬
‫أو ذا غفلة‪ ،‬يكون ناقص األهلية وفقا لما يقرره القانون"‪.‬‬

‫أن كال من السفه والغفلة يعتبر عارضا ينقص األهلية‪ ،‬ويقصد‬


‫يستفاد من هذه المادة ّ‬
‫أما ذو الغفلة فهو‪:‬‬
‫بالسفيه من‪" :‬يبذر المال وينفقه على خالف مقتضى العمل والحكمة" ‪ّ ،‬‬
‫‪5‬‬

‫وغ ْبنه في معامالته مع غيره"‪ ،6‬وال‬


‫"الشخص الساذج الذي تجره طبيعته إلى سهولة خداعه ُ‬
‫أما قبل‬
‫يعتبر السفيه وذوو الغفلة ناقصي األهلية إالّ إذا صدر حكم بتوقيع الحجر عليهما‪ّ ،‬‬
‫ذلك فهما كامال األهلية وفقا لمقتضيات المادة ‪ 85‬من قانون األسرة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬يعتبر الشخص ناقص التمييز )األهلية( كل من بلغ ثالث عشرة سنة ولم يبلغ سن‬
‫أما كامل األهلية فهو من‬
‫الرشد وهي ‪ 19‬سنة‪ ،‬أو بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلة‪ّ ،‬‬

‫‪1‬‬
‫المميز من غير‬
‫ّ‬ ‫بأنها تلك التي يترتب عليها دخول شيء في ملك الصبي‬
‫عرف التصرفات النافعة نفعا محضا ّ‬
‫تُ ّ‬
‫مقابل مثل قبول هبة أو وصية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المميز من غير مقابل‪ ،‬مثل أن يهب شيئا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هي تلك التصرفات التي يترتب عليها خروج شيء من ملك الصبي‬
‫هي تلك التصرفات التي تحتمل أن تكون نافعة للصبي المميز‪ ،‬وتحتمل أن تكون ضارة به مثل‪ :‬عقد البيع‬ ‫‪3‬‬

‫والشراء‪.‬‬
‫يراجع نص المادة ‪ 83‬من قانون األسرة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫محمد سعيد جعفور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 560‬و‪.566‬‬
‫‪6‬‬
‫محمد سعيد جعفور‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪ 560‬و‪.566‬‬
‫‪51‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫بلغ سن ‪ 19‬سنة ولم يعتريه عارض من العوارض المنقصة أو المعدمة لألهلية وهو يعتبر‬
‫أهال لمباشرة التصرفات القانونية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عيـــوب اإلرادة‬

‫حتى يكون الرضا صحيحا‪ ،‬يجب أن تكون إرادة المتعاقدين سليمة‪ ،‬خالية من العيوب‪،‬‬
‫الغبن واالستغالل‪.‬‬
‫وعيوب الرضا هي‪ :‬الغلط‪ ،‬والتدليس‪ ،‬واإلكراه‪ ،‬و ُ‬

‫‪ -1‬الغلـــــط ا‪L’erreur‬‬

‫أ‪ -‬تعريفــــه‬

‫فيصور له األمر على غير حقيقته‪ ،‬ويدفعه إلى‬ ‫الغلط وهم يقوم في ذهن الشخص ُ‬
‫التعاقد‪ ،‬ولقد اشترط المشرع الجزائري في المادة ‪ 81‬من القانون المدني‪ ،‬أن يكون الغلط‬
‫الذي يعيب اإلرادة ويجعل العقد قابال لإلبطال جوهريا‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 82‬من القانون المدني‪" :‬‬
‫يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة‪ ،‬بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم‬
‫يقع في هذا الغلط‪ ,‬ويعتبر الغلط جوهريا على األخص إذا وقع في صفة للشيء يراها‬
‫المتعاقدان جوهرية‪ ،‬أو يجب اعتبارها كذلك نظ ار لشروط العقد ولحسن النية‪ ,‬إذا وقع في ذات‬
‫المتعاقد أو صفة من صفاته‪ ،‬وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد"‪.‬‬

‫من خالل هذه المادة يتضح لنا أن المشرع الجزائري أخذ بالمعيار الذاتي للغلط فتطلب‬
‫أن يكون الغلط جوهريا‪ ،‬أي أن يكون هو الدافع إلبرام العقد‪ ،‬بحيث لو عرف المتعاقد‬
‫الحقيقة لما أبرم العقد‪ ،‬والغلط الجوهري المعيب لإلرادة يشترط أن يقع في‪:‬‬

‫ب‪ -‬شروطـــه‪ :‬حتى يكون الغلط جوهريا يعيب اإلرادة يجب أن يكون‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬الغلط في صفـــة جوهريـــة للشـــيء‬

‫يتحقق هذا الغلط في حالة ما إذا كانت هذه الصفة هي الدافع للتعاقد‪ ،‬بحيث أنه لوال‬
‫هذه الصفة لما أقدم الشخص على التعاقد‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬أن يشتري شخص لوحة فنية‬
‫على أساس أنها مرسومة من طرف فنان مشهور‪ ،‬فيتبين له فيما بعد أنها تقليد لرسمه‪ .‬أو‬
‫أن يشتري شخص قطعة منحوتة على أساس أنها قطعة أثرية فيكتشف فيما بعد أنها مجرد‬
‫تقليد‪.‬‬

‫‪ -‬الغلط في ذات الشخـــص أو صفـــة من صفاتـــه‬

‫يتحقق الغلط هنا إذا كانت الذات أو الصفة هي الدافع للتعاقد‪ ،‬أي السبب الرئيسي‬
‫للتعاقد ومن أمثلة ذلك‪ :‬أن يتعاقد الشخص مع جراح آخر يحمل نفس اسم الجراح الذي كان‬
‫يود التعامل معه‪ .‬أو أن يتعاقد شخص مع مهندس معتقدا أنه يحمل شهادة هندسة‪ ،‬فإذا به‬
‫ُ‬
‫ال يحملها‪ .‬أو أن يبرم شخص عقد عمل مع آخر ليعمل كأمين عام للصندوق فيتضح فيما‬
‫بعد أنه محكوم عليه من قبل بجريمة خيانة األمانة‪.‬‬

‫سواء وقع الغلط في ذات الشخص أو في صفة من صفاته أو صفة جوهرية الشيء‪،‬‬
‫فإنه ال يؤدي إل ى إبطال العقد‪ ،‬إال إذا كانت هذه الذات أو الصفة الدافع إلى التعاقد‪ ،‬وإذا لم‬
‫يكن كذلك فال يؤثر الغلط على صحة العقد‪.‬‬

‫ج‪ -‬حكـــم الغلــط‬


‫‪53‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫متى توافرت شروط الغلط المنصوص عليها في المادتين ‪ 81‬و‪ 82‬أعاله‪ ،‬كان العقد‬
‫قابال لإلبطال‪ ،‬وعليه ال يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب أو مجرد غلطات‬
‫القلم‪ ،‬لكن في هذه الحاالت يجب تصحيح الغلط طبقا للمادة ‪ 84‬من القانون المدني‪.‬‬

‫‪ -‬الغلـــــط في القانــون‬

‫ُيقصد به قيام وهم في ذهن المتعاقد يجعله يتصور حكم القاعدة القانونية على خالف ما‬
‫تقضي به حقيقة‪ ،‬بحيث لو عرف الحكم لما أبرم العقد‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬أن يبيع المورث نصيبه‬
‫في اإلرث معتقدا أنه يرث الربع وإذا به يرث الثمن طبقا للقانون‪ ،‬فهنا يجوز له أن يطلب‬
‫اإلبطال لوقوعه في غلط في القانون‪.‬‬

‫وطبقا للمادة ‪ 83‬من القانون المدني‪ ،‬الغلط في القانون يجعل العقد قابال لإلبطال‪،‬‬
‫كالغلط في الواقع‪ ،‬بشرط أن يكون غلطا جوهريا أي بلغ حدا من الجسامة ‪ ،‬بحيث لواله لما‬
‫أبرم المتعاقد العقد‪.‬‬

‫‪ -‬الغلـــط الذي يتعــارض مع حسن النيــة‬

‫تنص المادة ‪ 85‬من القانون المدني على ما يأتي‪" :‬ليس لمن وقع في غلط أن يتمسك‬
‫به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية‪ .‬ويبقى باألخص ملزما بالعقد قصد إبرامه‬
‫إذا أظهر الطرف اآلخر استعداده لتنفيذ هذا العقد"‪.‬‬

‫ُيستفاد من نص المادة‪ ،‬ال يجوز التمسك بطلب إبطال العقد من طرف الشخص الذي‬
‫وقع في الغلط دفعه إلى التعاقد ما دام المتعاقد اآلخر حسن النية‪ ،‬أو أظهر استعداده لتفادي‬
‫ذلك الغلط‪ ،‬وبالنتيجة إذا ما أصر على التمسك بالغلط رغم ذلك ُعد متعسفا في استعمال‬
‫حقه‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫مثال‪ :‬إذا إشترى شخص شيئا على أساس أنه أثري‪ ،‬ثم يتبين له أنه مقلد‪ ،‬فال يجوز له‬
‫التمسك بطلب إبطال العقد للغلط حتى ولو توافرت شروطه وهذا في حالة ما إذا عرض‬
‫البائع عليه الشيء األثري الذي كان يريد شراءه‪ ،‬إذ ليس للمشتري في هذه الحالة أن يصر‬
‫على إبطال العقد وإال كان متعسفا‪.‬‬

‫‪ -2‬التدليــــس ‪Le Dol‬‬

‫أ‪ -‬تعريف التدليس‬

‫التدليـس هو إيهام الشخص بغير الحقيقة فيحمله على التعاقد‪ .‬أو هو تضليل المتعاقد‬
‫بوسائل احتيالية إليقاعه في غلط يدفعه إلى التعاقد‪.‬‬

‫ب‪ -‬عناصــــره‪ :‬يتضمن التدليس عنصران هما‪:‬‬

‫* العنصر المادي‪ :‬استعمال الحيل‪.‬‬

‫* العنصر الشخصي‪ :‬أن تكون هذه الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه‬
‫من الجسامة‪ ،‬بحيث لوالها لما أبرم الطرف الثاني العقد‪.‬‬

‫ج‪ -‬شروطــــه‬

‫طبقا للمادة ‪ 86‬من القانون المدني‪ُ ،‬يشترط في التدليس حتى يكون عيبا مفسدا للرضا ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -‬استعمال طــرق احتيالية بقصــد التضليــل‪،‬‬


‫‪ -‬أن يحمــل التدليــس إلـى التعاق ــد‪،‬‬
‫‪ -‬أن يصدر التدليس من المتعاقد اآلخر أو أن يكون على علم به على األقل‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ج‪ -1‬استعمال طــرق احتيالية بقصــد التضليــل‬

‫المدلس‬
‫تتخذ الحيل المستعملة في التدليس صو ار عديدة تختلف باختالف حالة المتعاقد ُ‬
‫عليه‪ .‬والمالحظ أن الحيل يستحيل جمعها في قائمة واحدة‪ ،‬فهي تتحقق بأي طريقة تتجاوز‬
‫حدود النزاهة المألوفة في التعامل يتخذها المتعاقد لخديعة المتعاقد اآلخر‪.‬‬

‫عادة ما تتكون من وقائع إيجابية أو أعمال مادية‪ ،‬كاألقوال واألفعال التي تُولد الغلط في‬
‫ذهن المتعاقد فتحمله على التعاقد‪ ،‬وهذه الطرق تتكون من عنصرين هما‪:‬‬

‫‪ ‬العنصــر المـــادي‪ :‬يقصد به تلك الوسائل التي تتكون منها الحيل‪ ،‬كالمظاهر الكاذبة‬
‫التي تطابق الواقع من تظاهر بالوجاهة واليسار‪ ،‬واصطناع أوراق أو مستندات أو كشوف من‬
‫الب نك‪ ،‬أو انتحال اسم أو صفة كاذبة؛ كأن يظهر رجل وامرأة في مظهر الزوجين لكي‬
‫يحصال على شقة سكنية يستأجرانها في حين أنهما خليالن‪.‬‬

‫الم َدلِس إليقاع الطرف اآلخر ودفعه‬ ‫ي‬


‫‪ ‬العنصــر المعنــو ‪ :‬يقصد به نية التضليل لدى ُ‬
‫الم َدَل ُس عليه‪.‬‬
‫على التعاقد‪ ،‬بمعنى أن التدليس هو الدافع إلى التعاقد‪ ،‬بحيث لواله لما تعاقد ُ‬

‫‪ -‬هل ُيعتبــر الكــذب تدليــسا؟‬

‫المجرد الذي لم تقترن به طرق احتيالية تُؤيده‪ ،‬ال يعتبر تدليسا‪،‬‬


‫القاعدة أن الكذب ُ‬
‫فالمبالغة الكاذبة من جانب البائع في منح السلعة المبيعة بما ال يخرج عن حدود المألوف‬
‫في التعامل‪ ،‬ال يعتبر تدلسا‪ ،‬غير أن الكذب المقترن بطرق احتيالية دفعت إلى التعاقد يعتبر‬
‫تدليسا معيبا للرضا‪ ،‬كمن يقدم بيانات كاذبة لخبرته السابقة للحصول على الوظيفة‪.‬‬

‫‪ -‬هل ُيعتبــر الكتمــان تدليســا؟‬

‫‪56‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الكتمان هو السكوت العمدي وقد يعتبر تدليسا إذا كان متعمدا‪ .‬فإذا أخفى الشخص واقعة‬
‫يجب اإلفصاح بها عند إبرام العقد‪ ،‬أُعتبر الكتمان تدليسا ما دام الطرف اآلخر المدلس عليه‬
‫ال يستطيع معرفة حقيقة الواقعة من طريق آخر‪ .‬ومثاله أن بخفي المؤمن عليه عن شركة‬
‫التأمين مرضا أصابه قبل إبرام عقد التأمين عن حياته‪.‬‬

‫ج‪ -2‬أن يحمــل التدليــس إلـى التعاقـــد‬

‫أي أن تكون الحيلة مؤثرة‪ ،‬فيكون التدليس هو الذي دفع الشخص إلى التعاقد بحيث ما‬
‫كان ليتعاقدا لوال وجود الحيل التدليسية‪ ،‬وأن تكون هذه الحيل جسيمة بحيث لوالها لما أبرم‬
‫الطرف الثاني العقد‪ .‬ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية في تقرير ما إذا كان التدليس دافعا‬
‫للتعاقد أم ال بحسب شخص المدلس عليه‪ ،‬إذ من الناس من يصعب خداعه‪ ،‬ومنهم من‬
‫يسهل غشه‪ ،‬مع مراعاة درجة ثقافة العاقد المدلي عليه وذكائه وخبرته وسنه وجنسه وغيرها‪.‬‬

‫ج‪ -3‬أن يصدر التدليس من المتعاقد اآلخر أو أن يكون على علم به على األقل‬

‫األصل أن يصدر التدليس من أحد المتعاقدين على اآلخر وهذا هو المألوف‪ ،‬غير أنه‬
‫قد يحصل التدليس من غير المتعاقدين وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة ‪87‬‬
‫من القانون المدني‪" :‬إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين‪ ،‬فليس للمتعاقد المدلس عليه أن‬
‫يطلب إبطال العقد‪ ،‬ما لم يثبت أن المتعاقد اآلخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن‬
‫يعلم بهذا التدليس"‪.‬‬

‫وعليه إذا صدر التدليس من شخص ثالث فإنه طبقا للمادة المذكورة أعاله‪ ،‬يجوز‬
‫للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد بشرط أن يكون المتعاقد اآلخر عالما به أو كان‬
‫من المفروض أن يعلم به عند إبرام العقد‪.‬‬

‫د‪ -‬جــزاء التدليــــس‬


‫‪57‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫إذا توافرت عناصر وشروط التدليس المذكورة أعاله‪ ،‬كان العقد قابالً لإلبطال لمصلحة‬
‫المدلس عليه‪ ،‬فيجوز إما أن يطلب إبطال العقد أو أن يتمسك به‪ ،‬ويقتصر طلبه‬ ‫الطرف ُ‬
‫على التعويض عن الضرر الناتج عن التدليس‪ ،‬طبقا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫‪ -‬هل ُيغنــي عيـــب الغلــط عــن عيــب التدليــس؟‬

‫خصص المشرع الجزائري لكل منهما أحكام خاصة‪ ،‬واعتبرهما مختلفان‪ ،‬فال يغني الغلط‬
‫عن التدليس‪ ،‬وذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫الم َدَلس عليه يقع في غلط مستتار‬


‫‪ -‬الغالط يقع في الغلط من تلقاء نفسه‪ ،‬بينما ُ‬
‫(مفتعل)؛‬
‫ُ‬
‫‪ -‬إثبات الغلط أمر ع سير‪ ،‬ألنه حالة نفسية‪ ،‬فهو وهم‪ ،‬بينما التدليس سهل ألنه إثبات‬
‫بالوسائل االحتيالية؛‬
‫‪ -‬الغلط غير الجسيم ال يؤدي إلى إبطال العقد كالغلط في الحساب‪ ،‬أما إذا استعملت‬
‫وسائل احتيالية إليقاع المتعاقد لغلط في الحساب‪ ،‬فإن هذا ُيعتبر تدليسا يؤدي إلى‬
‫إبطال العقد‪.‬‬
‫‪ -‬الغلط في القانون في عقد الصلح ال يؤدي إلى إبطال العقد‪ ،‬بينما التدليس المرتبط‬
‫بوسائل احتيالية فيؤدي إلى اإلبطال مهما كان نوع العقد‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلكــــراه ‪La Violence‬‬

‫‪58‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أ‪ -‬تعريفــــه‬

‫اإلكراه هو ذلك الضغط المادي أو األدبي الذي يولد في نفس الشخص رهب ٌة تدفعه إلى‬
‫التعاقد‪.‬‬

‫الم ْك َ ِره فعال‪،‬‬


‫واإلكراه المفسد للرضا قد يكون جسمانيا أو حسيا‪ ،‬وهو الذي َيَق ُع على جسم ُ‬
‫كالضرب والتعذيب‪ ،‬فيقبل الشخص إبرام العقد تخلصا من االستمرار في األلم‪.‬‬

‫وقد يكون اإلكراه معنويا ووسيلته هنا هي التهديد بإيقاع األذى‪ ،‬سواء كان هذا األذى‬
‫ماديا يقع على الجس م كالتهديد بالقتل أو الضرب‪ ،‬أو يقع على المال كإحراق المسكن‪ ،‬أو‬
‫يمس العاطفة أو الشرف والسمعة‪ ،‬كالتهديد بنشر فضيحة أو عالقة غير‬
‫كان أذاً نفسياً ُ‬
‫مشروعة‪.‬‬

‫ب‪ -‬شروطــــه‪ :‬اإلكراه المفسد للرضا يجب أن ينطوي على عنصرين هما‪:‬‬

‫ب‪ -1‬الرهبـــة الدافعــة إلى التعاقـــد‬

‫تن بعث الرهبة عادة من التهديد بإلحاق األذى‪ ،‬سواء كان هذا األذى الحقا بشخص‬
‫المتعاقد نفسه أو ماله أو شرفه‪ ،‬أو كان األذى لشخص عزيز على المتعاقد‪ ،‬ويجب أن يكون‬
‫اإلكراه على قدر من الجسامة‪ ،‬بحيث تكون الرهبة الناتجة عنه هي التي دفعته إلى التعاقد‪.‬‬

‫معيار ذاتي‪ ،‬بحيث ُينظر فيه إلى ظروف الشخص‬ ‫ٌ‬ ‫على أن المعيار في تحديد الرهبة‬
‫ٌ‬
‫جنس من وقع عليه اإلكراه ِ‬
‫وسَن ُه وحالته االجتماعية‬ ‫ُ‬ ‫فيراعى في التقدير‪،‬‬
‫المكره ذاته‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫الصحية‪ ،‬وغيرها من الظروف التي تُأثر في جسامة اإلكراه‪.‬‬
‫و ّ‬

‫واألمر الجوهري هو أن يكون ُ‬


‫المكرهُ قد تصور أنه ال منأى له عن دفع الخطر الذي‬
‫أصابه إال بقبوله إبرام العقد‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ب‪ -2‬عــدم مشروعيــة الرهبـــة‬

‫ُيشترط في اإلكراه الذي ُيعيب اإلرادة‪ ،‬أن يكون غير مشروع‪ ،‬أي أن يكون واقعا من‬
‫اء كانت وسيلة اإلكراه غير مشروعة أو‬
‫أجل الحصول على حق غير مملوك له‪ ،‬سو ٌ‬
‫مشروعة‪.‬‬

‫أما إذا كان الغرض من اإلكراه مشروعاً‪ ،‬أي كانت الغاية منه حصول الشخص على‬
‫حق له‪ ،‬كالدائن الذي يهدد مدينه بالقتل إذا لم يعترف بدين له بذمته‪ ،‬فإن اإلكراه هنا ال‬
‫ُيفسد الرضا وال ُيبطل العقد‪ ،‬حتى ولو كانت وسيلته غير مشروعة‪.‬‬

‫ج‪ -‬حكم التدليس‬

‫طبقا للمادة ‪ 1/88‬من القانون المدني‪ ،‬يجوز إبطال العقد لإلكراه‪ ،‬إذا تعاقد شخص‬
‫تحت سلطان رهبة بينة‪ ،‬بعثها المتعاقد اآلخر في نفسه دون حق‪.‬‬

‫غير أنه وطبقا للمادة ‪ 89‬من ذات القانون‪ ،‬إذا صدر اإلكراه من غير المتعاقدين‪ ،‬فليس‬
‫كره أن يطلب إبطال العقد‪ ،‬إال إذا أثبت أن المتعاقد اآلخر كان يعلم أو كان من‬
‫الم َ‬
‫للمتعاقد ُ‬
‫المفروض حتما أن يعلم بهذا اإلكراه‪.‬‬

‫د‪ -‬هـــل ُيعتبـــر النفـــوذ األدبـــي إكـــراها ؟‬

‫النفوذ األدبي يكون من شخص على آخر‪ ،‬تربطه به عالقة خاصة‪ ،‬كنفوذ األب على‬
‫إبنه ونفوذ الزوج على زوجته‪ ،‬ونفوذ األستاذ على تالميذه‪ ،‬ونفوذ الرئيس على مرؤوسه‪.‬‬

‫والقاعدة أن النفوذ األدبي ُيعتبر إكراها إذا كان القصد منه الوصول إلى غرض غير‬
‫مشروع‪ ،‬أما إذا كان استعمال النفوذ الغرض منه مشروعا‪ ،‬فإنه ال ُيعتبر إكراهٌ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫وبالرجوع إلى القانون الجزائري‪ ،‬فإننا نجد قد سكت عن حكمه لهذه المسألة‪ ،‬بخالف‬
‫القانون الفرنسي الذي اعتبر مجرد الخشية الصادرة على احترام األب واألم مثال ال تكفي‬
‫إلبرام العقد ما لم تقترن بإكراه واقع‪ ،‬وعلى عكس القانون اإلنجليزي الذي اعتبر أن النفوذ‬
‫األدبي إكراهاً‪ ،‬يمكن معه إبطال العقد وسماه بـ‪" :‬التأثير غير المشروع"‪.‬‬

‫‪ -4‬االستغالل ‪L’exploitation‬‬

‫أ‪ -‬تعريــف الغبــن واالستغالل‬

‫االستغالل هو أن يستغل المتعاقد الحالة النفسية للمتعاقد اآلخر‪ ،‬فيبرم معه عقدا يصيبه‬
‫بغبن فاحش‪.‬‬

‫والغبن هنا هو المظهر المادي لالستغالل‪ ،‬يقصد به عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد‬
‫ص َوُر إال في عقود المعاوضة غير االحتمالية‪.‬‬
‫وما يأخذه‪ .‬والغبن ال ُيتَ َ‬

‫أما االستغالل فهو أمر نفسي يقوم عند المتعاقد‪ ،‬فيستغل من طرف المتعاقد اآلخر‪،‬‬
‫واالستغالل في األخير يؤدي إلى عدم التعامل بين قيمة محل التزامات المتعاقدين‪ .‬وذلك‬
‫فإن االستغالل يقوم على عنصرين (مادي ونفسي)‪ ،‬وبين العنصرين عالقة سببية‪ ،‬فالعنصر‬
‫النفسي هو الذي أدى إلى وجود العنصر المادي‪.1‬‬

‫‪ 1‬زكريا سرايش‪ ،‬الوجيز في مصادر االلتزام‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.87‬‬
‫‪61‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫االستغالل هو انتهاز المتعاقد حالة الطيش البين أو الهوى الجامح الذي يعتري المتعاقد‬
‫معه لحمله على إبرام عقد يتحمل بمقتضاه التزامات ال تتعادل بتاتا مع العوض المقابل أو‬
‫من غير عوض‪ .‬فلالستغالل عنصر مادي وآخر نفسي‪.1‬‬

‫مثال‪ :1‬كأن يشتري زيد من عمر جهاز كهربائي منزلي بثمن (‪ 2000‬دج) وقيمته‬
‫الحقيقية في السوق (‪ 8000‬دج) فيستغل زيد صداقته مثالً بعمر أو يستغل طيشه فهذا ما‬
‫يسمى غبناً فهنا الفارق كبير ويوجد عدم تعادل بين ما يعطيه المتعاقد وما يأخذ بمقتضى‬
‫العقد فإذا توافرت شروط الغبن فهنا يستطيع الطرف المغبون أن يطلب تعديل العقد بما يرفع‬
‫عنه الفحش في الغبن‪.‬‬

‫مثال‪ :2‬كما لو تزوجت امرأة مسنة غنية من فتى شاب عن ميل وهوى‪ ،‬فعمد الزوج إلى‬
‫استغالل هواها البتزاز مالها عن طريق عقود يستكتبها‪.‬‬

‫‪ ‬حالة خاصة للغبن المادي‬

‫تنص المادة ‪ 91‬من القانون المدني على ما يلي‪ " :‬يراعى في تطبيق المادة ‪ 90‬عدم‬
‫أن القانون الجزائري قد أخذ‬
‫اإلخالل باألحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود"‪ ،‬وهذا يعني ّ‬
‫بنظرية الغبن المادي وذلك في المادة ‪ 358‬من القانون المدني التي جاء فيها ما يلي‪" :‬إذا‬
‫بيع العقار بغبن يزيد عن الخمس فللبائع الحق في طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن‬
‫المثل"‪.‬‬

‫أي ّأنه إذا بيع عقار بغبن يزيد عن الخمس فللبائع الحق في تكملة الثمن إلى أربعة‬
‫أخماس ثمن المثل‪ ،‬على أن يراعى في تقدير الغبن قيمته وقت البيع‪ ،2‬وتسقط بالتقادم دعوى‬

‫‪ 1‬علي فياللي‪ ،‬الوجيز في مصادر االلتزام‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2013 ،‬ص ‪.217‬‬
‫‪2‬‬
‫يراجع نص المادة ‪ 358‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫تكملة الثمن بسبب الغبن إذا انقضت ثالثة سنوات من يوم انعقاد البيع‪ ، 1‬وال تلحق هذه‬
‫الدعوى ضر ار بالغير حسن النية إذا كسب حقا عينيا على العقار المبيع‪.2‬‬

‫ب‪ -‬عناصــــر االستغالل‬

‫طبقا للمادة ‪ 90‬من القانون المدني االستغالل هو‪" :‬عدم التعادل بين ما يحصل عليه‬
‫المتعاقد وبين ما يلتزم به نتيجة الستغالل المتعاقد اآلخر له"‪.3‬‬

‫إذن‪ ،‬االستغالل يتوافر بوجود عنصرين هما‪:‬‬

‫‪ -‬عنصر مادي‪ :‬يتمثل في عدم التعادل بين ما يحصل عليه الشخص من فائدة وما‬
‫يتحمله من التزامات‪ ،‬وهذا وفقا لمقتضيات المادة ‪ 1/90‬مدني‪.‬‬

‫ويخضع تقدير هذا العنصر المادي للقاضي بشرط أن يكون التفاوت في االلتزامات‬
‫جسيما أو فادحا حتى ُي ِّ‬
‫قرر وجوده‪.‬‬

‫‪ -‬عنصر شخصي‪ :‬وهو أن يكون الغبن نتيجة استغالل أحد المتعاقدين اآلخر لسبب ما‬

‫فيه من طيش ّبين أو هوى جامح دفعه إلبرام التصرف‪ ،‬فالطيش ّ‬


‫البين هو الخّفة والتسرع في‬
‫أما الهوى‬
‫وظاهرا‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫اتخاذ الق اررات والالّمباالة بنتائجها‪ ،‬بشرط أن يكون هذا الطيش واضحا‬
‫الجامح فهو الرغبة التي تقوم في نفس الشخص فتدفعه إلى التصرف عاطفيا‪ ،‬كأن يتزوج‬
‫شيخ كبير امرأة صغيرة فتستغله عن طريق إبرام عقود لها خوفا من هجرها له‪ ،‬ويخضع‬
‫بناء على ظروف ومالبسات كل حالة على‬
‫تقدير هذا العنصر الشخصي أيضا للقاضي ً‬
‫حدى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫يراجع نص المادة ‪ 1/359‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫يراجع نص المادة ‪ 3/359‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬خليل أحمد حسن قدادة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪63‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬أن يكون االستغالل هو الذي دفع المغبون إلى التعاقد‪ :‬وهنا نالحظ أن االستغالل‬
‫يلتقي مع سائر عيوب اإلرادة‪.‬‬

‫وتقدير توافر عناصر االستغالل هو مسألة متروكة لقاضي الموضوع الذي يجوز له‪،‬‬
‫بناء على طلب المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات المتعاقد المغبون إذا كانت‬
‫التزاماته متفاوتة كثي ار في النسبة مع ما حصل عليه من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات‬
‫المتعاقد اآلخر‪ ،‬وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إال ألن المتعاقد األخر قد أستغل‬
‫عليه من طيش أو هوى (المادة ‪ 90‬ق‪.‬م‪.‬ج)‪.‬‬

‫ج‪ -‬الجــزاء المترتـــب على االستغالل‬

‫إما أن يطلب إبطال العقد أو إنقاص‬ ‫إذا توافرت عناصر االستغالل كان للمغبون ّ‬
‫الحد الذي يكفي لرفع الغبن‪ ،‬والمسألة كما قررتها المادة ‪ 90‬من القانون‬
‫االلتزامات إلى ّ‬
‫المدني جوازية بالنسبة للقاضي‪ ،‬فإذا رأى إبطال العقد قضى به‪ ،‬وإذا رأى إنقاص االلتزامات‬
‫بدال من اإلبطال فله ذلك‪.‬‬

‫غير ّأنه يجوز في عقود المعاوضات أن يتوقى الطرف اآلخر دعوى اإلبطال إذا عرض‬
‫ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن وفقا لمقتضيات المادة ‪ 3/90‬من القانون المدني‪ ،‬وذلك‬
‫رغبة من المشرع في تحقيق االستقرار في المعامالت وتقليل حاالت البطالن‪.‬‬

‫ويقع عبء إثبات االستغالل على من يدعيه‪ ،‬فعلى المتعاقد المغبون أن يقيم الدليل على‬
‫البين والهوى‬
‫اختالل االلتزامات اختالال كبيرا‪ ،‬وعلى ّأنه أبرم العقد تحت تأثير الطيش ّ‬
‫الجامح الذي أصابه‪.‬‬

‫وتسقط دعوى االستغالل بمضي سنة من تاريخ إبرام العقد‪ ،‬وهذا ما تقتضي به ما ‪3/90‬‬
‫من القانون المدني‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫د‪ -‬تقادم دعوى اإلبطال بالنسبة لعيب الغلط والتدليس واإلكراه‬

‫تتقادم دعوى الغلط‪ ،‬التدليس واإلكراه بمضي خمس (‪ )05‬سنوات من تاريخ كشف‬
‫عشر (‪ )10‬سنوات‬
‫ُ‬ ‫العيب‪ ،‬أي كشف الغلط أو التدليس أو انقطاع اإلكراه‪ .‬وتتقادم بمضي‬
‫من وقت تمام العقد‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 101‬من القانون المدني التي تنص على ما يلي‪" :‬يسقط‬
‫الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خالل خمس (‪ )05‬سنوات‪.‬‬

‫ويبدأ سريان هذه المدة في حالة ناقص األهلية من اليوم الذي يزول فيه السبب‪ ،‬وفي‬
‫حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ُيكشف فيه‪ ،‬وفي حالة اإلكراه من يوم انقطاعه‪ .‬غير‬
‫أنه ال يجوز التمسك بحق اإلبطال بغلط أو تدليس أو إكراه‪ ،‬إذا انقضت مدة من وقت تمام‬
‫العقد"‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المحـّـــــــــل‬

‫سنعرض في هذا المطلب تعريف المحل والشروط الواجب توافرها فيه في فرعين على‬
‫التوالي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف المحل‬

‫المحل ركن في االلتزام كما هو ركن في العقد‪ ،‬ومحـل االلتزام هو األداء الذي يجب على‬
‫المدين أن يقوم به لصالح الدائن‪ ،‬وهو إما أن يكون إعطاء شيء أو القيام بعمل أو االمتناع‬
‫فيقصد به العملية القانونية التي تراضا الطرفان على تحقيقها‪،1‬‬
‫محـل العقد ُ‬
‫عن عمل‪ .‬أما ّ‬
‫ومنه يتحدد محل العقد بمحل االلتزامات الرئيسية التي تتحقق بها العملية القانونية المقصودة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬شــروط المحـل‬

‫يجب توفر ثالثة شروط في محل االلتزام تضمنتها المواد من ‪ 92‬إلى ‪ 96‬من القانون‬
‫المدني‪ ،‬وهذه الشروط هي‪:‬‬

‫‪ .1‬أن يكون محـل االلتزام موجودا أو ممكنا‪،‬‬


‫‪ .2‬أن يكون المحـّـل معينا أو قابالً للتعيين‪،‬‬
‫‪ .3‬أن يكون المحـّـل مشروعــا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬أن يكون محـل االلتزام موجودا أو ممكنا‬

‫يجب أن يكون محل االلتزام موجودا‪ ،‬فالقاعدة أنه ال التزام بمستحيل‪ .‬وعليه إذا تخلف‬
‫المحل موجودا ثم َهَل َك قبل إبرام العقد‪ ،‬انتفى‬
‫محل االلتزام‪ ،‬ال ينشأ العقد‪ ،‬ومن ثَ َم إذا كان ّ‬

‫‪1‬‬
‫بلحاج العربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪66‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المحل غير موجود وقت التعاقد‬


‫المحل وكان العقد باطال بطالنا مطلقا‪ .‬أما إذا كان ّ‬
‫ركن ّ‬
‫لكن يمكن وجوده في المستقبل‪ ،‬كان العقد صحيحا‪ ،‬ومثاله أن يبيع شخص شقة لم يبدأ‬
‫البناء فيها بعد‪.1‬‬

‫ويجوز أن يكون محل االلتزام شيئا مستقبال ومحققا‪ ،2‬غير أن التعاقد في تركة اإلنسان‬
‫على قيد الحياة باطال ولو برضاه طبقا للمادة ‪ 2/92‬من القانون المدني‪ ،‬وإذا كان المحل‬
‫مستحيال في ذاته كان العقد باطال بطالنا مطلقا‪.‬‬

‫والمقصود باالستحالة المطلقة أن تكون قانونية أو طبيعية كأن يتعهد شخص بتعبئة‬
‫أشعة الشمس في زجاجات ويبيعها للغير‪ ،‬أو يتعهد المحامي برفع االستئناف بعد انقضاء‬
‫أجله‪.‬‬

‫أو أن تكون االستحالة نسبية كأن يتعهد شخص يرسم لوحة فنية وهو ال يجيد الرسم‪.‬‬

‫إذن ُيشترط أن يكون محل االلتزام موجودا عند إبرام العقد‪ ،‬أو يكون ممكن الوجود في‬
‫المستقبل‪ ،‬أي أن ال يكون مستحيال في ذاته‪ ،‬فإذا كان مستحيال‪ ،‬كان العقد باطال بطالنا‬
‫مطلقا‪ ،‬واالستحالة المقصودة هي االستحالة المطلقة وقت إبرام العقد سواء كانت االستحالة‬
‫قانونية أو طبيعية‪.‬‬

‫أما إذا استحال المحل بعد انعقاد العقد‪ ،‬فإن العقد ُيصبح قابال للفسخ‪.‬‬

‫يراجع أحكام عقد البيع بناء على التصاميم الصادر بموجب القانون رقم‪ 04/11 :‬المؤرخ في‪ 17 :‬فبراير‪2011‬‬ ‫‪1‬‬

‫المحدد للقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬العدد‪.14‬‬
‫‪2‬‬
‫وهذا أمر مخالف للشريعة اإلسالمية‪ ،‬التي تقضي قواعدها بأن التعامل ال يصح إال في شيء موجود‪ ،‬فبيع‬
‫المعدوم باطل‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثانيا‪ :‬أن يكون المحـّـل معينا أو قابالً للتعيين‬

‫طبقا للمادة ‪ 1/94‬من القانون المدني إذا لم يكن محل االلتزام معينا بذاته‪َ ،‬و َج َب أن‬
‫يكون معينا بنوعه ومقداره‪ ،‬وإال كان العقد باطال‪.‬‬

‫وعليه يجب أن يكون المحل معينا عند إبرام العقد‪ ،‬أو أن يكون قابال للتعيين وإال كان‬
‫العقد باطال‪.‬‬

‫ويكون المحل معينا إذا ُحدد تحديدا كافيا لبيان عناصره ومضمونه‪ .‬فإذا كان الشيء‬
‫معينا بالذات كبيع منزل‪َ ،‬و َج َب أن يحدد الطرفان الشيء محل االلتزام تحديدا كافيا نافيا‬
‫للجهالة كذكر موقعه‪ ،‬حدوده‪ ،‬مساحته‪ ،‬عدد طوابقه‪...‬إلخ‪.‬‬

‫وإذا كان االلتزام االمتناع عن عمل‪ ،‬وجب تعيين األمور التي يمتنع عن الملتزم القيام‬
‫بها‪.‬‬

‫وإذا كان االلتزام القيام بعمل وجب توضيح هذا العمل‪.‬‬

‫وإذا كان محل االلتزام شيئا معينا بنوعه وجب أن يتضمن العقد ما ُيستطاع به تعيين‬
‫مقداره‪ ،‬وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته ولم ُيمكن تبين ذلك من‬
‫العرف أو من أي ظرف آخر‪ ،‬التزم المدين بتسليم الشيء بصنف متوسط‪ ،‬طبقا للمادة‬
‫‪ 2/94‬من القانون المدني‪.‬‬

‫أما إذا كان محل االلتزام نقودا فيلتزم المدين بقدر عددها المذكور في العقد دون أن‬
‫يكون الرتفاع قيمة هذه النقود أو انخفاضها وقت الوفاء أي تأثير‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثالثا‪ :‬أن يكون المحـل مشروعــا‬

‫ُيشترط أن يكون محل االلتزام مشروعا‪ ،‬سواء كان االلتزام القيام بعمل أو االمتناع عن‬
‫عمل أو إعطاء شيء‪ ،‬أي أن يجوز التعامل فيه فال يكون مخالف للنظام العام واآلداب‬
‫العامة‪ ،‬وهو ما نص عليه المشرع الجزائري في المادة ‪ 93‬من القانون المدني‪" :‬إذا كان‬
‫محل االلتزام مستحيال في ذاته أو مخالفا للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬كان باطال بطالنا‬
‫مطلقا"‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب الثالث‪ :‬السبـــــــــب‬

‫المحل‪،‬‬
‫يعتبر السبب ركنا جوهريا في العقد‪ ،‬إذ ال ينعقد بدونه‪ ،‬وهو يختلف عن ركن ّ‬
‫فالمحل هو ما يلتزم به المدين‪ ،‬وهو إجابة على السؤال التالي‪ :‬بماذا التزم المدين؟ أما‬
‫ّ‬
‫السبب فهو الهدف أو الغرض الذي من أجله التزم المدين‪ ،‬وهو إجابة على السؤال التالي‪:‬‬
‫لماذا التزم المدين؟‬

‫ويقصد بالسبب المصلحة التي يسعى المتعاقد الحصول عليها من وراء تعاقده أو الغرض‬
‫ُ‬
‫محل خالف بين الفقهاء‪.‬‬
‫المباشر الذي يقصد الوصول إليه‪ ،‬ولقد كانت نظرية السبب ّ‬

‫الفرع األول‪ :‬النظريـة التقليديــة للسبــب‬

‫تُميز هذه النظرية بين ثالثة معان للسبب‪:‬‬

‫ويقصد به الواقعة القانونية التي أنشأت‬


‫‪ -1‬السبــب المنشــئ‪ :‬وهو مصدر االلتزام‪ُ ،‬‬
‫االلتزام‪ ،‬كالعقد والعمل المشروع واإلثراء بال سبب والقانون‪...‬إلخ‪.‬‬

‫والواضح أن هذا المعنى ليس هو المقصود بالسبب كركن في العقد أو االلتزام‪.‬‬

‫‪ -2‬السبــب القصــدي (سبب االلتزام)‪ :‬وهو الغرض المباشر الذي يقصده الملتزم من‬
‫وراء التزامه‪ ،‬ففي عقد البيع مثال سبب التزام البائع هو الحصول على الثمن وسبب التزام‬
‫المشتري هو نقل الملكية إليه‪ ،‬والسبب في هذا المعنى هو الذي تُعنى به النظرية التقليدية‪.‬‬

‫‪ -3‬السبــب الباعـث الدافـع للتعاقــد‪ :‬وهو الغرض البعيد أو غير المباشر الذي يريد‬
‫المتعاقدان تحقيقه من العقد‪ ،‬ففي عقد البيع مثال يكون الدافع الباعث للبائع هو الحصول‬
‫على الثمن لشراء قطعة أرض أو سيارة أو لسداد ديونه‪...‬إلخ‪ ،‬ويكون الدافع الباعث للمشتري‬
‫سكن هذا المنزل أو استعماله كمكتب أو محل تجاري‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫وتشترط هذه النظرية حتى ينعقد العقد أن يوجد له سبب‪ ،‬وأن يكون السبب صحيحا‬
‫ومشروعا وإال كان العقد باطال‪.‬‬

‫تعرضت هذه النظرية للنقد في أواخر القرن التاسع عشر (‪ )19‬على أساس أنها غير‬
‫صحيحة وعديمة الفائدة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬النظريـة الحديثــة في السبــب‬

‫السبب وفقا لهذه النظرية هي السبب الباعث الدافع أو الغاية البعيدة التي قصد المتعاقد‬
‫الوصول إليها‪ ،‬ومن ثَ َم فهو يختلف باختالف األشخاص المتعاقدة وباختالف العقود المراد‬
‫إبرامها‪.‬‬

‫وبناء عليه‪ُ ،‬يعتبر العقد باطال إذا كان السبب الباعث غير مشروع بشرط علم الطرف‬
‫اآلخر به‪ ،‬فال يعتبر السبب في عقد البيع مثال ‪ -‬وفقا لهذه النظرية‪ -‬مجرد التزام المشتري‬
‫بدفع الثمن وإنما السبب هو نية إعداد المنزل‪.‬‬

‫مثال‪ :‬اشترى شخص منزال ُ‬


‫ونقلت المكية إليه‪ ،‬من أجل جعله روضة لألطفال‪.‬‬

‫* موقــف المشـــرع الجزائـــري‬

‫نص المشرع الج ازئـري في المادة ‪ 97‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬إذا التزم المتعاقد‬
‫لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو لآلداب‪ ،‬كان العقد باطال"‪ .‬ونص في‬
‫المادة ‪ 98‬من نفس القانون على ما يلي‪" :‬كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا‪ ،‬ما لم يقم‬
‫الدليل على غير ذلك‪ .‬ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل‬
‫على ما يخالف ذلك‪ .‬فإذا قام الدليل على صورية السبب‪ ،‬فعلى من يدعي أن لاللتزام سببا‬
‫آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه"‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫يتبين من خالل قراءة نصي المادتين أعاله‪ ،‬أن المشرع الجزائري جمع بين السبب في‬
‫العقد والسبب في االلتزام بالمعنى الحديث‪ ،‬أي الباعث الدافع على التعاقد‪ ،‬فاشترط أن يكون‬
‫مشروعا وغير مخالف للنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬وأن يكون هو الباعث الدافع للعقد‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬شــــروط السبــــب‬

‫يجب توفر شرطين في السبب كركن في العقد‪ ،‬وهذه الشروط هي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن يكــون السبــب موجــودا‬

‫لكل التزام سبب‪ ،‬إذ ال ُيتصور وجود التزام بدون سبب‪ ،‬وعليه إذا انعدم السبب لعدم‬
‫وجوده كان العقد باطال بطالناً مطلقاً‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن يكــون السبــب مشروعــا‬

‫يجب أن يكون السبب مشروعا‪ ،‬أي غير مخالف للنظام العام واآلداب العامة حتى ينعقد‬
‫العقد صحيحا‪ ،‬على أنه ُيفترض أن يكون السبب مشروعا حتى يثبت العكس‪ ،‬وإذا تبين أن‬
‫فيشترط لبطالن العقد أن يكون المتعاقد اآلخر على علم بهذا‬
‫الباعث الدافع مشروعا ُ‬
‫الباعث‪ ،‬والمالحظ أن السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على‬
‫خالف ذلك‪ ،‬وإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن لاللتزام سببا آخر‬
‫مشروعا أن يثبت ما يدعيه‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 2/98‬من ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع الرابع‪ :‬إثبـــات السبــــب‪:‬‬

‫قد ُيصرح بالسبب في العقد‪ ،‬وقد ال ُيصرح به‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حالة عدم التصريح بالسبــب في العقـد‬

‫في هذه الحالة يفترض القانون أن سبب العقد مشروع‪ ،‬وبالتالي ُيعتبر العقد صحيحا‪،‬‬
‫لكن يجوز للمدين الذي يدعي عدم مشروعية السبب إثبات ذلك بجميع طرق اإلثبات‪ ،‬وإثبات‬
‫أن الطرف اآلخر كان يعلم بأن هذا السبب كان غير مشروع‪ ،‬أما إذا ادعى صورية السبب‪،‬‬
‫فعليه أن يثبت ذلك بالكتابة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حالة ذكــر السبــب في العقـد‬

‫في هذه الحالة ُيفترض أن السبب المذكور في العقد صحيح‪ ،‬وعلى من يدعي خالف‬
‫ذاك إثبات ما يدعيه‪.‬‬

‫ومنه على المدين أن يثبت أن السبب المذكور صورٌي وأن يقدم دليله بالكتابة ما دام‬
‫السبب مكتوب في العقد‪ ،‬فإذا أثبت أنه صورٌي َو َج َب على الدائن إثبات العكس‪ ،‬فإذا تمكن‬
‫من إثبات ذلك‪ ،‬كان للمدين أن ُيثبت أنه غير مشروع بكل طرق اإلثبات‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب الرابع‪ :‬نظريــــة البطــــالن (الجزاء المترتب على تخلف ركن أو شرط صحة في‬
‫العقد)‬

‫البطالن هو الجزاء القانوني الذي يترتب على تخلف أحد أركان العقد أو شرط من‬
‫شروط صحته‪.‬‬

‫ولقد نظم المشرع الجزائري أحكام البطالن في القسم الثاني مكرر من الكتاب الثاني‬
‫المتعلق بااللتزامات والعقود في المواد من ‪ 99‬إلى ‪ 105‬من القانون المدني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تمييز البطالن عما يشابهه من أنظمة‬

‫أوال‪ :‬البطــالن وعــدم النفــاذ‬

‫بداية ُيقصد بعدم النفاذ‪ ،‬عدم سريان آثار التصرف في مواجهة الغير مع بقائه منتجا‬
‫آلثاره فيما بين طرفيه‪ ،‬فهو نتيجة لمبدأ نسبية أثر التصرف‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬العقد الذي أبرمه‬
‫المعسر إض ار اًر بحق دائنيه‪ ،1‬يعتبر صحيحا فيما بين المتعاقدين‪ ،‬لكن ال يسري في‬
‫المدين ُ‬
‫حق الدائن إذا طعن فيه بالدعوى البوليصية‪ ،‬أو البيع في مرض الموت صحيح فيما بين‬
‫المتعاقدين‪ ،‬ولكن ال يسري في حق الورثة فيما ُيجاوز ثلث التركة‪.‬‬

‫وهو بهذا المفهوم يختلف عن البطالن من حيث‪:‬‬

‫‪ -1‬النـــطاق‬

‫يصاحب البطالن‪ -‬سواء كان مطلقا أو نسبيا‪ -‬العقد منذ لحظة إنشائه‪ ،‬أما عدم النفاذ‬
‫أو عدم السريان فيلحق التصرف بعد نشوئه صحيحا‪ ،‬إذ ُيعتبر غير سار أو نافذ في حق‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 191‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫آثاره غير ممكنة التحقيق بالنسبة إلى الغير على الرغم من أن التصرف‬
‫الغير متى كانت ُ‬
‫يعتبر صحيحا عند نشأته‪.‬‬

‫‪ -2‬األثــــــر‬

‫يؤدي البطالن إلى انعدام أثر التصرف سواء بالنسبة لألطراف أو الغير‪ ،‬أما عدم النفاذ‬
‫فيترتب عليه عدم سريان أثر التصرف في مواجهة الغير فقط‪ ،‬على الرغم من أن هذا‬
‫التصرف يظل منتجا لكل أثاره فيما بين طرفيه‪.‬‬

‫‪ -3‬تحديد صاحب الحق في التمسك بكل منهما‬

‫البطالن النسبي ُمقرر لمصلحة أحد طرفي العقد‪ ،‬بينما عدم النفاذ فيقتصر على الغير‪.‬‬

‫‪ -4‬كيفيــة الــزوال‬

‫البطالن النسبي ال تُصححه إال اإلجازة الصادرة من أحد طرفي العقد‪ ،‬أما عدم النفاذ فال‬
‫يتعين إق اررهُ من طرف الغير صاحب المصلحة في التصرف‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُيصححه أطراف العقد‪ ،‬وإنما‬

‫ثانيا‪ :‬البطـــالن والفســخ‬

‫يقصد بالفسخ انحالل الرابطة التعاقدية لعدم قيام أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه‪ ،1‬وهو‬
‫بهذا المعنى يختلف عن البطالن من حيث‪:‬‬

‫‪ -1‬السبـــب‬

‫سبب البطالن يرجع إلى تخلف أحد أركان العقد أو أحد شروط صحته‪ ،‬فهو يصاحب‬
‫التصرف من وقت وجوده‪ ،‬أما سبب الفسخ فجزاء يترتب على عدم تنفيذ أحد الطرفين‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 119‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫اللتزامه‪ ،‬سواء كان عدم التنفيذ راجعا إلى امتناع أحد المتعاقدين أو راجعا إلى استحالة‬
‫التنفيذ بسبب أجنبي ال َي َد للمدين فيه‪.‬‬

‫‪ -2‬نـــوع التصـــرف‬

‫َي ِرُد البطالن على كل التصرفات الصادرة عن جانبين أو عن جانب واحد‪ ،‬أما الفسخ‬
‫َفي ِرُد على العقود الملزمة لجانبين فقط‪.1‬‬

‫‪ -3‬الوقـــت‬

‫معاصر لنشأته‪ ،‬بخالف الفسخ الذي ينشأ بعد قيام‬


‫ٌ‬ ‫يقوم البطالن وقت قيام التصرف فهو‬
‫التصرف سليما صحيحا فهو يظهر عند عدم التنفيذ‪.‬‬

‫‪ -4‬من حيث السلطة التقديرية للقاضي في تقرير ُك ٍل منها‬

‫طلب منه ذلك‪ ،‬أما في‬‫ملزما ‪-‬بحسب األصل‪ -‬بالحكم بالبطالن متى ُ‬ ‫يكون القاضي ً‬
‫الفسخ فيبقى األمر جوازياً‪ ،‬أي يخضع إلى السلطة التقديرية للقاضي‪ ،‬فله أن يحكم به أو‬
‫يعدل عنه إلى الحكم بالتنفيذ‪ ،‬كأن يمنح مهلة للمدين بالتنفيذ‪ ،‬أو يرفض طلب الفسخ إذا رأى‬
‫ُ‬
‫أن عدم التنفيذ كان جزئيا وليس ذا أهمية‪.‬‬
‫القاضي ّ‬

‫ثالثا‪ :‬البطـالن النسبـي والعقـد الموقـوف‬

‫العقد الموقوف هو العقد الذي ال ُيرتب أي أثر إلى أن يتم إق ارره‪ ،‬ومثاله العقد الذي‬
‫ُيبرمه النائب باسم األصيل متجاو از حدود نيابته‪ ،‬يكون موقوفا على إقرار األصيل‪ ،‬فاإلقرار‬
‫هنا هو الذي يجعل العقد منتجا ألثاره‪ .‬أما العقد القابل لإلبطال فهو ينشأ صحيحا منتجا‬

‫‪1‬‬
‫يراجع نص المادة ‪ 119‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫آلثاره لكن يكون مهددا بالزوال‪ ،‬فإذا أجيز سقط الحق في طلب إبطاله‪ ،‬ومثاله أن يتنازل‬
‫المكرهُ عن طلب اإلبطال باإلكراه الذي وقع عليه‪.‬‬
‫ُ‬

‫رابعا‪ :‬البطـــالن واالنحالل‬

‫تنحل قبل تنفيذها وهو إما أن يحصل‬


‫ُ‬ ‫االنحالل يلحق العقود الذي تُبرم صحيحة‪ ،‬ثم‬
‫فيطلق عليه إنهاء‪ ،‬أو قد يتم بإرادتيهما معا فيطلق عليه التقايل‪،‬‬
‫بإرادة أحد طرفي العقد‪ُ ،‬‬
‫وهو يختلف عن البطالن من حيث‪:‬‬

‫‪ -‬يكون للبطالن أثر رجعي (إرجاع الحالة كما كانت أول مرة)‪ ،‬أما اإلنهاء فسواء تم‬
‫بإرادة أحد طرفي العقد أو نتيجة قوة قاهرة أو بحكم قضائي‪ ،‬فينصب أثره على المستقبل فقط‬
‫كأن ينهي رب العمل عقد المقاولة‪.‬‬

‫‪ -‬األصل أال يكون التقايل أثر رجعي‪ ،‬على عكس البطالن النسبي الذي ينصرف أثره‬
‫إلى الماضي متى صدر الحكم به‪.‬‬

‫‪ -‬يسري البطالن على التصرفات التي لم تستوف جميع أركان قيامها أو شروط‬
‫صحتها‪ ،‬أما اإلنهاء فيقع على التصرفات المستوفاة لكل أركانها ولشروط صحتها‪.‬‬

‫‪ -‬يستلزم التقايل تطابق إرادتي طرفي العقد عليه‪ ،‬أما البطالن فال يستلزم ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬ينجم عن التقايل إعفاء كل طرف من التزاماته دون الحاجة إلى استصدار حكم‬
‫قضائي بذلك‪ ،‬أما البطالن فإذا كان نسبيا وجب صدور حكم قضائي لتقريره‪ ،‬وإذا كان مطلقا‬
‫فاألصل فيه أنه ال حاجة لرفع دعوى قضائية بشأنه طالما لم يحصل نزاع بصدده‪ ،‬فإن‬
‫وج َب استصدار حكم قضائي لحسم النزاع‪.‬‬
‫حصل ونزاع َ‬

‫‪77‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أنـــواع البطـــالن‬

‫قسم الفقه الغالب البطالن إلى‪ :‬بطالن مطلق‪ ،‬وبطالن نسبي‪ ،1‬وهو ما أخذ به المشرع‬
‫ُي ُ‬
‫الجزائري‪.‬‬

‫أوال‪ :‬البطــالن المطلــق‪ :‬هو جزاء تخلف ركن أساسي أو شرط في الركن‪ ،‬كتخلف ركن‬
‫التراضي‪ ،‬أو المحل أو السبب أو الشكل في العقود الشكلية أو أحد الشروط المكونة لهذه‬
‫األركان‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬البطــالن النسبــي‪ :‬فهو جزاء تخلف شرط من شروط الصحة في العقد‪ ،‬أي نقص‬
‫األهلية أو وجود عيب من عيوب اإلرادة كالغلط أو التدليس أو اإلكراه أو االستغالل‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أحكام العقد الباطل والعقد القابل لإلبطال في القانون المدني الجزائري‬

‫أوال‪ :‬أحكـــام العقــد الباطــل‬

‫رأينا أن البطالن المطلق هو جزاء عدم استجماع العقد لكل أركانه أو بعضها‪ ،‬ومن ثم‬
‫يتقرر البطالن المطلق في الحاالت اآلتية‪:‬‬

‫المطلـــق‬
‫البطـــالن ُ‬
‫‪ -1‬حـــاالت ُ‬

‫له‪ 2‬كالصبي غير المميز‪ ،‬أو المجنون‪ ،‬أو المعتوه‪.‬‬


‫‪ -‬إبرام العقد من شخص ال أهلية ُ‬
‫‪ -‬إبرام عقد ينعدم فيه التراضي أو المحل أو السبب أو شروطهما‪.‬‬
‫‪ -‬إغفال الشكل الذي ُيعتبر ركنا في العقد عندما يتطلبه القانون‪.‬‬

‫على أساس المصلحة التي يحميها القانون‪ ،‬فإذا كانت المصلحة عامة كان البطالن مطلقا‪ ،‬وإذا كانت المصلحة‬ ‫‪1‬‬

‫خاصة كان البطالن نسبيا‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫أي أهلية األداء التي مناطها اإلدراك والتمييز‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬البطالن بموجب نص خاص في القانون‪ ،‬كنص المادة ‪ 2/92‬من القانون المدني التي‬
‫تنص على بطالن التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة ولو كان برضاه‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلجـــــازة‬

‫اإل جازة وضع قانوني يدل على أن المتعاقد الذي عيبت إرادته ينزل عن حقه في طلب‬
‫إبطال العقد‪ ،1‬بمعنى أنها تنازل عن البطالن‪.‬‬

‫نص المشرع الجزائري صراح ًة على أنها ال تلحق العقد الباطل بطالنا مطلقا ألنه‬
‫ولقد ّ‬
‫عدم‪ ، 2‬والعدم ال سبيل لتصحيحه‪ ،‬فاإلجازة تقتصر فقط على العقود القابلة لإلبطال كما‬
‫سنرى‪ .‬فالعقد الباطل ال وجود له‪ ،‬وال يمكن بالتالي لشخص واحد وبإرادته المنفردة أن يخلق‬
‫من العدم عقدا‪ ،‬ولكن إذا شاء الطرفان معا أن يعيدا إبرام العقد من جديد‪ ،‬فانه ال يوجد ما‬
‫يمنعهما من تحقيق هدفهما‪ ،‬مع وجوب مراعاة الطرفين في عقدهما الجديد وجود أركانه‬
‫وشروط صحته كاملة‪ ،‬وعندئذ ال يكون هذا العقد منتجا آلثاره إال من ساعة تكوينه‪.‬‬

‫‪ -3‬التقـادم ودعــوى البطــالن‬

‫أ‪ -‬المقصود بالتقادم والحكمة من تقريره‬

‫نص المشرع الجزائري في المادة ‪ 2/102‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬وتسقط‬
‫دعوى البطالن بمضي خمسة عشر سنة من وقت إبرام العقد"‪ .‬لكن هل يعني ذلك أن العقد‬
‫ُيصبح صحيحاً بعد ُمضي هذه المدة؟‬

‫‪1‬‬
‫خليل أحمد حسن قدادة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪2‬‬
‫تنص المادة ‪ 102‬من ق‪.‬م‪... " :‬وال يزول البطالن باإلجازة"‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أن العقد يبقى باطال دائما‪ ،‬وإن كانت دعوى البطالن‬


‫الفقه على ذلك بالنفي قائال ّ‬
‫جيب ُ‬ ‫ُي ُ‬
‫الع َد ُم ال‬
‫ال تسمع بسقوطها بالتقادم‪ ،‬فالعقد الباطل بطالناً مطلقاً ال يزول بالتقادم ألنه معدوم و َ‬
‫ينقلب إلى الوجود مهما طال عليه الزمن‪.‬‬

‫ولعل السبب الذي دفع المشرع الجزائري إلى اتخاذ هذا الموقف يرجع إلى أن األوضاع‬
‫التي استقرت يجب احترامها‪ ،‬وذلك بإسقاط دعوى البطالن والتي كان للكافة حق استعمالها‪.‬‬

‫ب‪ -‬التقــادم والدفــع بالبطــالن‬

‫لم ينص المشرع الجزائري على حالة سقوط الدفع بالبطالن بالتقادم‪ ،‬وعليه ال يسقط الدفع‬
‫بالبطالن بالتقادم مهما طالت المدة‪ .‬وبالنتيجة لو تصرف شخص في منزله آلخر بالبيع‬
‫بموجب عقد بيع باطل لعدم استيفائه ركن التوثيق (الشكل) ومرت على هذا العقد مدة ‪15‬‬
‫سنة دون أن يسلم البائع العين (المنزل)‪ ،‬فهنا ال يستطيع البائع رفع دعوى ببطالن عقد البيع‬
‫ألنها سقطت بالتقادم‪ ،‬لكن إذا طالبه المشتري بتسليم العين المبيعة‪ ،‬كان من حقه أن يدفع‬
‫ببطالن البيع على الرغم من انقضاء مدة ‪ 15‬سنة‪ ،‬ألن الدفع بالبطالن دون دعواه ال يسقط‬
‫بالتقـادم‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬طلــب البطــالن‬

‫‪ -1‬من لـه حـق التمسـك بالبطـالن؟‬

‫تنص المادة ‪ 1/102‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬إذا كان العقد باطل بطالنا مطلقا‬
‫جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطالن وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها‪."...‬‬

‫يتبين من النص أن العقد الباطل يجوز أن يتمسك ببطالنه كل من له مصلحة في ذلك‪،‬‬


‫بل وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها في أية حالة تكون عليها الدعوى‪ ،‬وعليه فإن كل‬

‫‪80‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫من له حق قد تأثر بصحة العقد أو ببطالنه إال وله أن يرفع دعوى يطالب فيها ببطالن العقد‬
‫بطالنا مطلقا‪ ،‬كالمتعاقدين والخلف العام (الورثة) أو الخلف الخاص (الدائن) والدائنون‪.‬‬

‫‪ -2‬أثــر تقريــر البطـالن‬

‫أ‪ -‬فيمــا بيــن المتعاقديــن‬

‫يترتب كقاعدة عامة على تقرير البطالن إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كان عليها‬
‫قبل التعاقد‪ .‬وبالتالي زوال كل أثر للعقد‪ ،‬فعلى كل متعاقد أن يرد ما تسلمه بمقتضى العقد‬
‫إلى المتعاقد اآلخر‪ .‬وفي حالة إذا لم ينفذ العقد الذي تقرر بطالنه‪ ،‬فإنه ال ُي َلزُم أي متعاقد‬
‫بأي إلتزام نحو المتعاقد اآلخر‪ .‬أما إذا نف َذ أحد المتعاقدين العقد كله أو جزًئا منه َو َج َب إعادة‬
‫المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد‪.‬‬

‫‪ -‬االستثناءات الواردة على القاعدة العامة‬

‫‪1‬‬
‫أ‪ -1‬استحالة إعادة الطرفين إلى حالتهما األولى قبل التعاقد‬

‫قد تتقرر االستحالة بحكم الواقع أو إلى طبيعة األشياء‪.‬‬

‫حكــم الواقــع‪ :‬كما لو أن الشيء المبيع هلك في يد المشتري بخطأ منه‪ ،‬فإن القاضي هنا‬
‫يحكم بتعويض يعادل قيمة الشيء المبيع وقت هالكه‪.‬‬

‫طبيعـة األشيــاء‪ :‬كما هو الحال في العقود الزمنية‪ ،‬مثال‪ :‬عقد اإليجار إذا تم بطالنه‪،‬‬
‫يلتزم المستأجر ّبرد العين المؤجرة ويلزم المؤجر ّبرد كل المبالغ التي أخذها على سبيل‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 1/103‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫األجرة‪ ،‬لكن المدة التي انتفع المستأجر فيها قبل البطالن يستحيل ردها‪ ،‬لذلك يلتزم المستأجر‬
‫بالتعويض‪.‬‬

‫أ‪ -2‬حالــة نقــص األهليــة‬

‫ال ُي َلزُم ناقص األهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته إال برد ما عاد عليه من منفعة بسبب‬
‫تنفيذ العقد‪ ،‬أي يرد ما قد يكون قد تبقى مما أعطاه المتعاقد اآلخر‪ ،‬ويرد ما أنفقه وما عاد‬
‫عليه من منفعة أو فائدة كتسديد ديون عليه‪ ،‬أو قام بشراء أشياء مفيدة‪ ،‬أما ما أنفقه ولم يعد‬
‫عليه بالفائدة فال يرده‪.‬‬

‫أ‪ - 3‬حالة بطالن العقد لعـدم مشروعيـته‬

‫ُيحرم من االسترداد في حالة البطالن من تسبب في عدم مشروعية العقد أو كان عالما‬
‫به‪.‬‬

‫مثال‪ :‬من يدفع مبلغا آلخر مقابل أن يقتل شخص ثالث‪ ،‬فال يجوز له أن يسترد المبلغ‬
‫في حالة عدم قيام من اتفق معه بفعل القتل‪.‬‬

‫ب‪ -‬بالنسبــــة للغيـــــر‬

‫المقصود بالغير هنا كل شخص اكتسب حقا على العين محل العقد الذي تقرر بطالنه‪،‬‬
‫كما لو أن العقد الباطل بيعاً‪ ،‬فتصرف المشتري في العين التي اشتراها آلخر بالبيع‪ ،‬فاألصل‬
‫ط َل العقد األول‪ ،‬فيجب أن ُيبطل العقد الثاني تطبيقا لألثر الرجعي للبطالن‪.‬‬
‫هنا أنه إذا ب ُ‬

‫غير أن المشرع الجزائري نص على بعض االستثناءات على هذه القاعدة‪ ،‬وذلك تحقيقا‬
‫تباعا‪:‬‬
‫الستقرار التعامل وحماي ًة لالئتمان وللغير حسن النية‪ ،‬نذكرها ً‬

‫‪82‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫* حمايــة الدائــن المرتهــن‬

‫تنص المادة ‪ 885‬من القانون المدني على أنه‪" :‬يبقى صحيحا لمصلحة الدائن المرتهن‬
‫الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله ألي‬
‫سبب آخر‪ ،‬إذا ثبت أن الدائن كان حسن النية وقت إبرام عقد الرهن" ‪.‬‬

‫ومؤدى هذا النص أنه إذا آلت ملكية عقار إلى شخص معين بعقد قابل لإلبطال أو‬
‫الفسخ أو الزوال ألي سبب‪ ،‬وقام المشتري بتقرير حق رهن على العقار لصالح شخص‪،‬‬
‫المرتهن‪ ،‬وكان حسن النية أي ال يعلم بالعيب الذي يشوب سند‬
‫ويسمى في هذه الحالة الدائن ُ‬
‫ملكية المشتري‪ ،‬وهو هنا المدين الراهن‪ ،‬فإن بطالن التصرف الذي تملك بمقتضاه المشتري‪،‬‬
‫ال يؤثر على حق الدائن المرتهن‪ ،‬فيعود العقار إلى البائع مثقال بهذا الحق‪.‬‬

‫* بقاء أعمال اإلدارة رغم بطالن سند ملكية المؤجر‬

‫بالنسبة ألعمال اإلدارة الصادرة من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته‪ ،‬تضل قائمة‬
‫لصالح من تعامل معه إذا كان حسن النية‪ .‬فإذا كسب الغير حقاً يتعلق بالشيء الذي ورد‬
‫عليه العقد الباطل‪ ،‬وذلك بمقتضى عقد من عقود اإلدارة‪ ،‬فإن هذا الحق يبقى بالرغم من‬
‫البطالن ‪ .‬فلو اشترى شخص شقة بعقد قابل لإلبطال ثم أجرها‪ ،‬فإن إبطال العقد ال يؤدي‬
‫إلى زوال اإليجار‪ ،‬حيث يظل قائم ًا لصالح المستأجر‪ ،‬ويسترد البائع الصفقة محملة بحق‬
‫اإليجار‪.‬‬

‫ويشترط لبقاء عقود اإلدارة بالرغم من البطالن أال تكون مشوبة بغرض من جانب من‬
‫أبرمها‪ ،‬وأن يكون الغير حسن النية‪ ،‬وأن يكون ثابتة التاريخ قبل دعوى البطالن فيشترط‬
‫لبقاء عقد اإليجار مثالً أن يكون بشروط مألوفة كأجرة المثل والمدة المعقولة‪ ،‬وأن يكون ثابت‬

‫‪83‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫التاريخ قبل دعوى البطالن‪ ،‬وأن يكون المستأجر حسن النية‪ ،‬أي يجهل ما يشوب سند‬
‫المتصرف من أسباب البطالن‪.‬‬

‫للصورية على حقو ٍق كسبها الغير بحسن نية‬


‫* ال أثر ُ‬

‫الصورية عقد غير حقيقي بين المتعاقدين يخفي عقدا آخر‪ ،‬كالبيع الصوري الذي يخفي‬
‫هبة مستترة‪ ،‬وقد حمى القانون الدائنين والخلف الخاص من صورية العقد‪ ،‬فأجاز لهم التمسك‬
‫بالعقد الصوري طبقا لنص المادة ‪ 198‬من القانون المدني‪ ،‬فدائن المشتري ولمن كسب من‬
‫حقا عينيا على الشيء محل التصرف الصوري هو عقد حقيقي‪ ،‬ويرتبون أمورهم على هذا‬
‫األساس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫* الشركات التجارية الباطلة تعتبر شركات فعلية‬

‫الشركة الفعلية هي الشركة التي أنشئت بشكل في ظاهره أنها سليمة وبني على ذلك‬
‫تعامالت مع الغير ونشوء مراكز قانونية دائنة أو مدينة ثم حكم ببطالنها لعوار وتخلف‬
‫أصاب واحد أو أكثر من الشروط الموضوعية العامة وهي‪( :‬الرضا والمحل والسبب‬
‫واألهلية) أو الخاصة وهي‪( :‬تعدد الشركاء وتقديم الحصص) أو الشرطان الشكليان وهما‪:‬‬
‫(شرط الكتابة وشرط اإلشهار)‪.‬‬

‫ويترتب على العوار في واحد أو أكثر من الشروط أعاله وتخلفها بطالن إما مطلق أو‬
‫نسبي بحسب الحال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 742‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ويترتب على الحكم بالبطالن المطلق (مثل حاالت إذا كان غرضها غير شرعي أي‬
‫محرم شرعاً أو ممنوعا من قبل الدولة) انهيار عقد الشركة كامالً منذ نشوئه بأثر رجعي‬
‫واعتبار الشركة كأن لم تكن‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أحكام العقد القابل لإلبطال‬

‫يقصد بالعقد الباطل بطالنا نسبيا أو القابل لإلبطال‪ ،‬ذلك العقد الذي ُيبرمه شخص‬
‫ناقص األهلية أو الذي تكون إرادته مشوبة بعيب من عيوب الرضا‪.‬‬

‫يعرف أيضا بأنه الجزاء المقرر لعقد توافرت أركانه‪ ،‬لكنه لم يستوف أحد شرطي‬
‫كما ّ‬
‫صحته‪ ،‬وهي أن يكون صاد ار من غير ذي أهلية لو أن إرادته مشوبة بأحد عيوب الرضا‪.‬‬

‫‪ -1‬حـــاالت البطـــالن النسبــي‬

‫صِب ِي اْل ُم َمِّي ِز‪.‬‬


‫َّ‬ ‫الغْفَلة أو اْل‬
‫َ‬ ‫يه‪ ،‬أو ِذي‬
‫ُ‬ ‫كالس ِف‬
‫‪ -‬صدور تصرف من شخص ناقص األهلية َ‬
‫ّ‬

‫يس‪،‬‬‫‪ -‬إذا كانت إرادة المتعاقد كامل األهلية مشوبة بعيب من عيوب الرضا (اْل َغَل ُ َّ ِ‬
‫ط‪ ،‬الت ْدل ُ‬
‫بن واالستغالل)‪.‬‬
‫اإلكراه‪ ،‬اْل ُغ ُ‬

‫ط في الب ِ‬
‫اعث‪ ،‬ومثاله‪ :‬الموظف الذي يستأجر منزال في‬ ‫‪ -‬الغلط في سبب العقد أي اْل َغَل ُ‬
‫َ‬
‫مدينة يعتقد أنه قد تم نقله إليها ثم يتبين له فيما بعد أنه لم ينقل‪ ،‬يعتبر هذا غلطا بالباعث‬
‫يجعل عقد اإليجار قابال لإلبطال‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬القابلية لإلبطال بموجب نص خاص في القانون‪ ،‬ومثاله‪ :‬بيع ملك الغير‪.1‬‬

‫في هذه الحاالت ينعقد العقد منتجا آلثاره إلى أن ُيحكم بإبطاله بناء على طلب المتعاقد‬
‫الذي تقرر اإلبطال لمصلحته‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلجـــــــــــازة‬

‫هي نزول المتعاقد عن حقه في طلب إبطال العقد‪ ،‬وهي إما أن تكون صريحة أو‬
‫ضمنية‪ ،‬ولكي تكون اإلجازة صحيحة البد أن تستوفي نوعين من الشروط‪:‬‬

‫أ‪ -‬الشـــروط الموضوعيــة‪ :‬أن يكون العقد قابال لإلبطال‬

‫نص المشرع الجزائري صراح ًة أن اإلجازة تقتصر فقط على العقود القابلة لإلبطال في‬
‫المادة ‪ 100‬من القانون المدني والتي تنص على ما يلي‪" :‬يزول حق إبطال العقد باإلجازة‬
‫الصريحة أو الضمنية وتستند اإلجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد‪ ،‬دون إخالل بحقوق‬
‫الغير"‪.‬‬

‫المجيز أن يكون عالما بالعيب‬


‫وهي تصدر إما صراح ًة أو ضمناً‪ ،‬على أنه ُيشترط في ُ‬
‫الذي لحق العقد‪ ،‬وأن تتوافر لديه النية في تصحيحه‪ ،‬وأن تتم اإلجازة بعد زوال العيب الذي‬
‫شاب إرادة المتعاقد‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 379‬من ق‪.‬م على ما يلي‪" :‬إذا باع شخص شيئا معينا بالذات وهو ال يملكه فللمشتري الحق في‬ ‫‪1‬‬

‫طلب إبطال البيع ويكون األمر كذلك و لو وقع البيع على عقار أعلن أو لم يعلن ببيعه‪.‬‬
‫وفي كل حالة ال يكون هذا البيع ناج از في حق مالك الشيء المبيع ولو أجازه المشتري ‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ب‪ -‬الشــروط الشكليــة‪:‬‬

‫لم يتطلب القانون شكال معينا في اإلجازة‪ ،‬وعليه يمكن أن تتم صراح ًة أو ضمناً طبقا‬
‫للمادة ‪ 100‬المذكورة أعاله‪.‬‬

‫هذا ويقع عبء إثبات اإلجازة على الطرف الذي له مصلحة في التمسك بها بكافة طرق‬
‫اإلثبات‪ ،‬بحيث تعتبر اإلجازة سببا النقضاء اإلبطال فبموجبها ُيصبح العقد القابل لإلبطال‬
‫عقدا صحيحا من يوم انعقاده ال من يوم إجازته‪.1‬‬

‫ثالثا‪ :‬التقـادم والعقـد القابــل لإلبــطال‬

‫‪ -1‬سقــوط الدعــوى بالتقـادم‬

‫نصت المادة ‪ 101‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم‬
‫خمس (‪ )05‬سنوات‪.‬‬
‫يتمسك به صاحبه خالل ُ‬

‫ويبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص األهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب‪ ،‬وفي‬
‫حالة الغلط أو التدليس من اليوم الذي ُيكشف فيه‪ ،‬وفي حالة اإلكراه من يوم انقطاعه‪ ،‬غير‬
‫عشر (‪)10‬‬
‫ُ‬ ‫أنه ال يجوز التمسك في حق اإلبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت‬
‫سنوات من وقت تمام العقد"‪.‬‬

‫وبالنتيجة يصبح العقد بمضي هذه المدد صحيحا بعد أن كان مشوبا بأحد العيوب التي‬
‫تجعله قابال لإلبطال‪ ،‬وهو في ذلك يشبه اإلجازة للعقد القابل لإلبطال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أن الحديث عن األثر الرجعي لإلجازة يتعارض مع اعتبار العقد القابل لإلبطال عقدا‬ ‫لقد اعتبر بعض الفقهاء ّ‬
‫صحيحا منتجا لجميع آثاره منذ قيام العقد‪.‬‬
‫يراجع بهذا الصدد‪ :‬خليل أحمد حسن قدادة‪ ،‬ص ‪ 86‬و‪ ،87‬ومحمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪252‬‬
‫و‪.253‬‬
‫‪87‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -2‬التقـادم و الدفـــع باإلبـــطال‬

‫إذا انقضت المدة القانونية المحددة في المادتين ‪ 101‬و‪ 2/90‬من القانون المدني‪ ،‬ولم‬
‫يستعمل صاحب الحق حقه في طلب اإلبطال‪ ،‬أُعتبر متنازال عن حقه‪ ،‬وانقلب العقد صحيحا‬
‫ُم َرِتب ًا لكل آثاره‪ ،‬وعليه يمتنع عليه فيما بعد أن يتمسك باإلبطال بطريق الدعوى أو بطريق‬
‫الدفع‪.‬‬

‫اربعا‪ :‬طلـــب اإلبــــــطال‬

‫‪ -1‬من له حق التمسك بطلب اإلبطال؟‬

‫بقراءة نص المادة ‪ 99‬من القانون المدني والتي جاء فيها أنه‪" :‬إذا جعل القانون ألحد‬
‫المتعاقدين حقا في إبطال العقد‪ ،‬فليس للمتعاقد اآلخر أن يتمسك بهذا الحق" يتضح لنا أن‬
‫طلب اإلبطال قاصر فقط على المتعاقد الذي ُش ِرع اإلبطال لمصلحته‪ ،‬أي لناقص األهلية أو‬
‫لمن كان رضاهُ َمعيباً‪ ،‬ومن ثَ َم ال يجوز للمتعاقد اآلخر الذي لم يقم به سبب اإلبطال حق‬
‫التمسك به‪ ،‬كما ال يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها‪ ،‬إذا لم يتمسك صاحب‬
‫المصلحة أمامها به‪.‬‬

‫‪ -2‬أثر التمسك بطلب اإلبطال وتقريره‬

‫كقاعدة عامة‪ ،‬وطبقا للمادة ‪ 1/103‬من القانون المدني يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي‬
‫تسلم ُه بموجب العقد‬
‫َ‬ ‫كانا عليها قبل التعاقد في حالة إبطاله‪ ،‬ومن ثم َي ُرُد كل متعاقد ما‬
‫المبطل للمتعاقد اآلخر‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪88‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫غير أنه استثناءا عن القاعدة العامة ال ُي َع ُاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل‬
‫التعاقد‪ ،‬وذلك حماية لناقص األهلية‪ ،1‬وفي التعويض عند استحالة إعادة الحال إلى ما كانت‬
‫عليه قبل التعاقد عن طريق طلب التعويض‪.2‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬اآلثار المترتبة على العقد الباطل والعقد القابل لإلبطال‬

‫أوال‪ :‬اآلثـــــار األصليـــــة‬

‫كقاعدة عامة‪ ،‬إذا كان العقد باطالً أو قابالً لإلبطال‪ ،‬وتقرر إبطاله‪ ،‬ال يكون له وجود‬
‫العدم‬
‫تب أي أثر‪ ،‬سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير ألنه و ُ‬ ‫قانوني‪ ،‬ومن ثم ال ُير ُ‬
‫سواء‪ ،‬وعليه يتعين إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد‪ ، 3‬غير أنه‬
‫استثناءا قد ُينتج العقد الباطل أث اًر أصلياً مثل العقد الصحيح بمقتضى حكم القانون أو حماية‬
‫لحسن النية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اآلثـــار العرضيـــة‬

‫قد ُينتج العقد الباطل آثا ار باعتباره واقعة مادية وليس عمال قانونيا‪ ،‬إذ هو كـعقد ال وجود له‪،‬‬
‫بل هو أثر عرضي يترتب على العمل المادي باعتباره واقعة قانونية‪ ،‬وذلك سعيا إلنقاذ‬
‫بعض التصرفات من فكرة الرجعية‪ ،‬ومن أهم اآلثار العرضية التي ينتجها العقد الباطل أثران‬
‫تحول العقد ونظرية إنقاص العقد‪.‬‬
‫يستخلصان من تطبيق نظريتين معروفتين هما‪ :‬نظرية ّ‬
‫‪1‬‬
‫نحيل إلى ما سبق شرحه في البطالن المطلق‪.‬‬
‫ال ُي َلزُم ناقص األهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته إال برد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد‪ ،‬أي يرد ما قد‬
‫يكون قد تبقى مما أعطاه المتعاقد اآلخر‪ ،‬ويرد ما أنفقه وما عاد عليه من منفعة أو فائدة (كتسديد ديون عليه‪ ،‬أو‬
‫قام بشراء أشياء مفيدة)‪ ،‬أما ما أنفقه ولم يعد عليه بالفائدة فال يرده‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 1/103‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫حبار محمد‪،‬نظرية بطالن التصرف القانوني في القانون المدني الجزائري وفي الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،1987 ،‬ص‪.339‬‬


‫‪89‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -1‬نظريــة إنقــاص العقـــد‬

‫تنص المادة ‪ 104‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬إذا كان العقد في شق منه باطال أو‬
‫قابال لإلبطال‪ ،‬فهذا الشق وحده هو الذي يبطل‪ ،‬إال إذا تبين هذا العقد ما كان ليتم بغير‬
‫الشق الذي وقع باطال أو قابال لإلبطال‪ ،‬فيبطل العقد كله"‪.‬‬

‫ُيستفاد من هذه المادة أنه ُيشترط في إنقاص العقد شرطان أساسيان‪:‬‬

‫أن يكون العقد باطال في أحد أجزائه‪ ،‬دون األجزاء األخرى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أن يكون هذا العقد قابال للتجزئة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫على أن مسألة إثبات الشق الباطل تقع على عاتق المدعي‪ ،‬فإذا أثبت أن هذا الجزاء‬
‫(الباطل) هو الدافع إلى التعاقد يكون العقد باطال ُكُل ُه أما إذا أخفق في إثبات ذلك‪ ،‬فيكون‬
‫العقد صحيحا والشرط باطالً‪.‬‬

‫هب زوج لزوجته ماالَ ويشترط عليها عدم الزواج بعد وفاته بدافع الغيرة‪،‬‬
‫ومثال ذلك أن َي َ‬
‫هنا تكون الهبة صحيحة‪ ،‬لكن الشرط باطل‪.‬‬

‫‪ -2‬نظريــة تحـــول العقـــد‬

‫تنص المادة ‪ 105‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬إذا كان العقد باطال أو قابال‬
‫لإلبطال وتوافرت فيه أركان عقد آخر‪ ،‬فإن العقد يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توافرت‬
‫أركانه‪ ،‬إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد"‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ويشرط لتحول العقد ما يلي‪:1‬‬

‫‪ -‬أن يكون العقد األصلي باطال بأكمله‪.‬‬

‫‪ -‬أن يتضمن العقد األصلي عناصر عقد آخر صحيح‪.‬‬

‫‪ -‬أن تنصرف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى هذا العقد اآلخر أي إلى العقد الصحيح‪.‬‬

‫ومثاله أن يتعهد شخص تعهدا ال رجوع فيه بأن يجعل شخصا آخر وارثا له‪ ،‬فيكون‬
‫التعهد باطال لمخالفته الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ولكنه قد يتحول إلى وصية صحيحة يجوز الرجوع‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -3‬نظرية الخطأ عند تكوين العقد‬

‫مفادها أن يكون سبب البطالن آتيا من أحد المتعاقدين دون اآلخر الذي يعتقد صحة‬
‫العقد‪ .‬ومثاله أن يعدل الموجب عن إيجابه قبل أن يتالقى بالقبول‪ ،‬ولكن المتعاقد اآلخر‬
‫تم‪ ،‬أو أن يلتزم البائع لسبب غير مشروع ولكن المشتري ال يعلم‬‫أن العقد قد ّ‬
‫يطمئن إلى ّ‬
‫سبب البطالن ويطمئن إلى قيام العقد‪.‬‬

‫هنا يجوز للمتعاقد الذي وقع في الخطأ واطمأن إلى العقد أن يطلب التعويض عن هذا‬
‫الخطأ‪ ،‬ال على أساس العقد المبرم‪ ،‬بل على أساس أنه واقعة مادية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حبار محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.373‬‬
‫‪2‬‬
‫المادتان ‪ 1/103‬و‪ 399‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المبحث الثالث‪ :‬آثـــــــار العقــــــد‬

‫إذا نشأ العقد صحيحا مستوفيا ألركانه وشروطه على الوجه الذي سبق ذكره‪ ،‬توفرت له‬
‫قوته الملزمة‪ ،‬ووجب على المتعاقدين تنفيذ ما التزما به‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ال يتقيد بهذه القوة الملزمة للعقد إالّ المتعاقدان فهما دون غيرهما ممن يلتزمان‬
‫أن المتعاقدان يلتزمان‬
‫بالعقد‪ ،‬وهذا ما يسمى بالقوة الملزمة للعقد من حيث األشخاص‪ ،‬كما ّ‬
‫بما تضمنه العقد من التزامات دون غيرها وهذا ما يسمى بالقوة الملزمة للعقد من حيث‬
‫الموضوع‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فالعقد نسبي في قوته الملزمة من حيث األشخاص )المطلب األول(‪ ،‬ومن حيث‬
‫الموضوع )المطلب الثاني(‪.‬‬

‫الملزمة بالنسبة إلى األشخاص (نسبية أثر العقد)‬


‫المطلب األول‪ :‬قوة العقد ُ‬

‫األصل أن العقد لما ينشأُ صحيحا مكتمل األركان والشروط ُينتج آثاره القانونية بالنسبة‬
‫إلى طرفيه فقط‪ ،‬لكن أحيانا قد تنصرف هذه اآلثار إلى الغير‪ ،‬وهذا ما سنتناوله تباعا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثــر العقــد بالنسبــة إلــى المتعاقديـــن‬

‫أثر العقد‪ ،‬أي نشوء الحقوق وااللتزامات التي اتجهت إليها إرادة المتعاقدين‪ ،‬ينصرف إلى‬
‫المتعاقدين والخلف العام والخلف الخاص‪ 2‬مع مالحظة أن هذين األخيرين في حدود معينة‬
‫ال يعتبران من الغير‪ ،‬نظ ار لكون المتعاقدين ُيمثالنهما عند التعاقد‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫المادتان ‪ 108‬و‪ 109‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،334‬ص ‪.541-540‬‬
‫‪3‬‬
‫لتفاصيل أكثر‪ ،‬يراجع‪ :‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،355‬ص ‪.554-553‬‬
‫‪92‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أوال‪ :‬الخلــف العــام‬

‫هو من يخلف الشخص (السلف) في ذمته المالية كلها أو بعضها عن طريق الميراث‪،‬‬
‫أن الشخص ال تلحق به هذه‬
‫ومثاله الوارث والموصى له‪ ،‬ومن خالل هذا التعريف يتضح لنا ّ‬
‫الصفة إال في حالة ِ‬
‫وفاة السلف فقط‪.‬‬

‫والقاعدة أن أثر العقد ينصرف إليه طبقا للمادة ‪ 108‬من القانون المدني‪ ،‬سواء كانت‬
‫المورث‪ ،‬مع مراعاة القواعد المتعلقة بالميراث والتي‬
‫هذه اآلثار حقوقا أو التزامات بعد وفاة ُ‬
‫سدِاد الديون"‪.‬‬
‫تقضي بأنه "ال تركة إال بعد َ‬

‫مثال ذلك‪ :‬إذا أبرم المورث عقدا ثم تُوفي‪ ،‬تنصرف آثار هذا العقد إلى خلفه العام إذا‬
‫كانت حقوق‪ ،‬أما إذا كان التزامات َفتُ َس َد ُد هذه األخيرة من أموال التركة‪ ،‬وما زاد من الديون‪،‬‬
‫ال ينزع من الذمة المالية الخاصة بالوارث ألن ال يسأل مسؤولية شخصية عن أموال مور ِ‬
‫ثه‪،‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫بل ُيسأل عنها في حدود التركة‪.‬‬

‫أن هناك حاالت استثنائية ال تنصرف فيها آثار العقد إلى الخلف العام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫غير ّ‬

‫إذا اتفق المتعاقدان على ذلك‪ ،‬أي على عدم انصراف آثار العقد إلى الخلف العام‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫إذا كانت طبيعة العقد أو التعامل ذاتها تقضي بعدم انصراف اآلثار إلى الخلف العام‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ومثال ذلك حق االنتفاع الذي ينقضي بوفاة المنتفع‪ ،‬فال ينتقل إلى ورثته‪ ،1‬أو الشريك في‬
‫تعويضه في الشركة باعتباره شريكا‪.2‬‬
‫ُ‬ ‫عقد الشركة‪ ،‬إذا مات ال يستطيع خلفه‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 852‬من ق‪.‬م‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 439‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫إذا وجد نص قانوني يقضي بعدم انتقال آثار العقد إلى الخلف العام‪ ،‬كنص المادة‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 569‬من القانون المدني التي قضت أنه ينتهي عقد المقاولة بموت المقاول‪ ،‬إذا لم تتوافر في‬
‫ورثته الضمانات الكافية لتنفيذ الباقي من األشغال‪.‬‬
‫إذا كانت ديون التركة تزيد على حقوقها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانيا‪ :‬الخلــف الخــاص‬

‫هو من يخلف الشخص (السلف) في ملكية الشيء (مال معين) أو في حق عيني عليه‪،‬‬
‫ومثاله المشتري الذي يخلف البائع في المبيع‪ ،‬والمنتفع الذي يخلف المالك في حق االنتفاع‪.‬‬

‫وينصرف أثر العقد إلى الخلف الخاص إذا توافرت الشروط التالية‪:‬‬
‫ُ‬

‫‪ -‬أن تكون الحقوق وااللتزامات من مستلزمات الشيء‪ ،‬يعني أنها مكملة له‪ ،‬ومحددةٌ ُ‬
‫له‪.‬‬

‫كحق ارتفاق العين ينتقل معها‪ ، 1‬أو إذا حول الدائن دينا انتقل معه تأميناته كالرهن‬
‫والكفالة‪ ،‬أو عقد التأمين ضد الحريق الذي أبرم لصالح المنزل المباع‪.‬‬

‫علم الخلف الخاص بهذه الحقوق وااللتزامات التي رتبها سلفه مع الغير وقت‬ ‫‪ -‬أن َي َ‬
‫انتقال الشيء إليه‪ ،‬ويشترط العلم اليقين ال مجرد استطاعة العلم‪ ،‬إال أنه يغني عن العلم‬
‫التسجيل كالقيد في الحقوق العينية الواجب شهرها‪.‬‬

‫وثابت التاريخ‪ ،‬كالبائع الذي يؤجر‬


‫ُ‬ ‫‪ -‬أن يكون التصرف سابقا على عقد الخلف الخاص‬
‫العقار المبيع إلى الغير بعد انتقال ملكيته إلى المشتري‪ ،‬هنا ال ينفذ عقد اإليجار في حق‬
‫المشتري ألنه جاء الحقا لتاريخ البيع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪94‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثالثا‪ :‬مركــز الدائنيــن العادييــن‬

‫ال يعتبر الدائنون العاديون من الخلف العام وال من الخلف الخاص‪ ،‬وعلى العموم كل‬
‫أموال المدين ضامنةٌ لوفاء ديونه طبقا للمادة ‪ 188‬من القانون المدني‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثــر العقــد بالنسبــة إلـى الغيــر‬

‫أن األصل هو عدم انصراف آثار العقد إلى غير المتعاقدين‪ ،1‬لكن قد‬
‫قلنا فيما تقدم ّ‬
‫يحصل استثناء أن تنصرف هذه اآلثار إلى الغير‪ ،‬فمن هو الغير المقصود هنا؟‬

‫الغير هو الطرف األجنبي عن العقد وعلى عاقديه‪ ،‬فهو شخص لم يشارك في العقد ولم‬
‫يكن ممثال فيه‪ ،‬وقد يكون الخلف العام من الغير إذا كان التصرف مثال صاد ار في مرض‬
‫الموت‪ ،‬كما قد يكون الخلف الخاص من الغير إذا كان االلتزام غير م ٍ‬
‫كمل للشيء أو غير‬ ‫ُ‬
‫له‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُمحدد ُ‬

‫وينصرف األثر الملزم ِ‬


‫للعقد لغير المتعاقدين في الحالتين اآلتيتين‪:‬‬ ‫ُ ُ‬
‫‪2‬‬
‫أوالً‪ :‬التعهــد عــن الغيــر‬

‫حتى يقوم التعهد عن الغير‪ ،‬يجب توافر الشروط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أن يتعاقد المتعهد باسمه ال باسم الغير الذي يتعهد عنه‪ ،‬وهو ما ُيفرقه عن الوكالة‪.‬‬

‫نفسه ال الغير‪ ،‬وهو ما ُيفرقه عن االشتراط لمصلحة الغير‪.‬‬


‫ُ‬ ‫المتعهد‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬أن ُي ِلزَم‬

‫‪1‬‬
‫تنص المادة ‪ 113‬من ق‪.‬م على ما يلي‪ " :‬ال يرتب العقد التزاما في ذمة الغير‪ ،‬ولكن يجوز أن يكسبه حقا"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 114‬من ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫تعهد بأن يحمل الغير الذي تَ َع َه َد عنه على قبول هذا التعهد‪.‬‬
‫الم ُ‬‫‪ -‬أن يلتزم ُ‬

‫ونتيجة التعهد عن الغير تكون إما بقبول الغير التعهد‪ ،‬أو رفضه على النحو التالي‪:‬‬

‫ط فيه عندئذ األهلية‪ ،‬وال يشترط‬


‫أن يقبل الغير التعهد سواء صراحة أو ضمنا‪ ،‬وتُشتر ُ‬ ‫‪‬‬

‫الشكل إال إذا اشترط القانون ذلك كما في الرهن الرسمي أو الهبة‪.‬‬

‫ومن ثم ينصرف أثر القبول من وقت صدوره ما لم تنصرف نيتَ ُه إلى قبوِل ِه من يوم‬
‫صدور التعهد‪.‬‬
‫ُ‬

‫الغير ال يتحمل أية مسؤولية‪ ،‬لكن يبقى‬


‫أن َ‬ ‫أن يرفض الغير التعهد فيترتب على ذلك ّ‬ ‫‪‬‬

‫لزم بتعويضه‪ ،‬كما يجوز له أن ُينفذ االلتزام‬


‫المتعهد َو َح َدهُ مسئوال أمام من تعاقد معه ُفي ُ‬
‫ُ‬
‫بنفسه إذا كان ممكنا‪.‬‬

‫ومن أمثله الت عهد عن الغير أن يلتزم شخص بأن يجعل غيره يبرم العقد‪ ،‬أو شركاء في‬
‫الشيوع يريدون أن يبيعوا عقار شائعا‪ ،‬ويوجد قاصر بينهم‪ ،‬ويريدون تجنب اإلجراءات الالزمة‬
‫لبيع القصر‪ ،‬فيتعاقدون عن أنفسهم وعن الشريك القاصر‪ ،‬ويتعهدون أن يقبل البيع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ثانياً‪ :‬االشتراط لمصلحــة الغيـــر‬

‫يتم عن طريق االتفاق بين شخصين‪ ،‬فيتعهد أحدهما بأن يؤدي مباشرة إلى شخص‬
‫يشترطه الطرف اآلخر في هذا االتفاق‪ ،‬ومن أمثلته أن يشترط‬
‫ُ‬ ‫معينا‬
‫أداء ً‬ ‫أجنبي عن العقد ً‬
‫ط) على المشتري (المتع ِهد) عند ِ‬
‫بيعه المحل بقاء العمال في عملهم‬ ‫(الم ْشتَ ِر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫صاحب المتجر ُ‬
‫(المنتفع)‪ ،‬أو أن يشترط الواهب على الموهوب له إيرادا للغير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المواد ‪ 116‬إلى ‪ 118‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ط في االشتراط لمصلحة الغير‪:‬‬


‫يشتر ُ‬

‫ميزهُ عن النيابة‪.1‬‬ ‫الم ْشتَ ِر ُ‬


‫ط ال باسم المنتفع‪ ،‬وهو ما ُي ُ‬ ‫‪ -‬أن يتم التعاقد باسم ُ‬

‫‪ -‬أن تنصرف إرادة المتعاقدين إلى إنشاء حق مباشر للمنتفع‪.2‬‬

‫‪ -‬أن يكون للمشترط مصلحة شخصية (مادية أو معنوية) في االشتراط لمصلحة الغير‪.‬‬

‫ومعينا وقت إنتاج العقد أَثََرهُ‪.‬‬


‫ً‬ ‫موجودا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬أن يكون المنتفع‬

‫هذا ويترتب على االشتراط لمصلحة الغير اآلثار التالية‪:‬‬

‫تعه ِد‪ :‬عقد االشتراط هو الذي ُيحدد العالقة بينهما‪.3‬‬


‫عالقة المشترط بالم ِ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬

‫دد بالنظر إلى الدافع لالشتراط‪ ،‬فيكون إما تبرعاً أو‬ ‫عالقة المشترط بالمنتفع‪ :‬تتح ُ‬ ‫‪-‬‬

‫معاوضة‪.‬‬
‫تعهد مباشرة بحقه‪.4‬‬ ‫ِِ‬
‫الم َ‬‫المتعهد بالمنتفع‪ :‬المتعهد له أن يطالب ُ‬
‫عالقة ُ‬ ‫‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 1/116‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المادتان ‪ 2/116‬و ‪ 118‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المادة ‪ 3/116‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫المادة ‪ 117‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القوة الملزمة للعقد من حيث الموضوع‬

‫سنعرض بداية تحديد موضوع العقد في فرع أول‪ ،‬ثم نبين المسؤولية العقدية في فرع ثان‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تحديد موضوع التعاقد (مضمون العقد)‬

‫ال يلتزم المتعاقد إال بما ورد في العقد‪ ،‬ولكن قد يكون الذي ورد في العقد بحاجة إلى‬
‫نطاقه‪ ،‬ثم تنفيذ ما َوَرَد فيه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تفسير‪ ،‬فإذا فسره القاضي َو َج َب تحديد‬

‫أوال‪ :‬تفسيـــر العقــــد‬

‫متى نشأ العقد صحيحا مكتمل األركان والشروط‪ ،‬كانت له قوة ُملزمة تنصرف إلى‬
‫حص ُل أال تكون كل بنود‬
‫المضمون‪ ،‬أي أن كل طرف يلتزم تماما بما َوَرَد فيه‪ ،‬لكن قد َي ُ‬
‫العقد واضحة فيصعب فهم مضمون العقد‪.‬‬

‫‪ -1‬حالة كون عبارات العقد واضحة‬

‫طبقا للمادة ‪ 1/111‬من القانون المدني إذا كانت عبارة العقد واضحة‪ ،‬فال يجوز‬
‫االنحراف عنها عن طريق تأويلها للتعرف عن إرادة المتعاقدين‪.1‬‬

‫غير أنه يجوز استثناء للقاضي تفسير العبارة الواضحة لشرطين‪:‬‬

‫إذا تبين من الظروف أن المتعاقدين أرادا استعمال التعبير الواضح فقصدا معنى‬ ‫‪-‬‬

‫معين‪ ،‬لكن عب ار عنه خطأً‪.‬‬


‫أن ُيبين القاضي األسباب التي دفعته إلى التفسير‪ ،‬تحت رقابة المحكمة العليا‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ألنها تعتبر من مسائل القانون‬


‫يعرض الحكم للنقض ّ‬
‫يعد تحريفا وتشويها لها مما ّ‬
‫فاالنحراف عن عبارة العقد ّ‬
‫‪1‬‬

‫التي تخضع لرقابة المحكمة العليا‪.‬‬


‫‪98‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬حالة كون عبارات العقد غير واضحة‬

‫إذا كانت عبارات النص غير واضحة تحتمل التأويل‪ ،‬فيجب البحث عن النية المشتركة‬
‫للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي لأللفاظ‪ ،‬وذلك باالستعانة بطبيعة التعامل‪ 2‬وبما‬
‫ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين‪ 3‬وفقا للعرف الجاري في المعامالت‪.4‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -3‬حالة قيام الشك في معرفة اإلرادة المشتركة للمتعاقدين‬

‫فسر لمصلحة المدين‪ ،‬غير أن هناك استثناءا يرد على هذه‬


‫القاعدة العامة‪ ،‬أن الشك ُي ُ‬
‫شك‬
‫القاعدة أوردته الفقرة الثانية من المادة ‪ ،112‬مفاده أنه في عقود اإلذعان ُيَف َس ُر ال ُ‬
‫الم ْذ َع ْن (الطرف الضعيف) دائما سواء كان دائنا أو مدينا‪.‬‬
‫لمصلحة الطرف ُ‬
‫‪6‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحديـــد نــــطاق العقــــد‬

‫ال يقتصر العقد على التزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب‪ ،‬بل قد يتناول كذلك ما هو من‬
‫ُمستلزماته وفقا للقانون كالقواعد المنظمة لمسألة عدم ذكر ميعاد التسليم‪ 7‬أو ضمان العيوب‪،‬‬
‫والعرف‪ ،1‬وبحسب طبيعة االلتزام‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫المادة ‪ 2/111‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ومثاله إذا تنازل وارث عن حقوقه في التركة‪ ،‬فهذا ال يعني انه تنازل عن حقوقه في تركة أخرى‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ومثاله من وجه له إيجاب يجب أن يفهم عباراته بما تقتضيه األمانة في التعامل‪ ،‬فإذا وجد خطأ في األمانة‬
‫عليه أال يستغله‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ومثاله الطريقة التي ينفذ بها المتعاقدان العقد‪ .‬فإذا اعتاد المستأجر مدة من الزمن أن يدفع للمؤجر اإليجار في‬
‫محل المؤجر‪ ،‬ثم أراد مخالفة هذه القاعدة ودفع الثمن في محل المستأجر‪.‬‬
‫‪ -‬بلحاج العربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.241-240‬‬
‫‪5‬‬
‫المادة ‪ 112‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫المادة ‪ 2/107‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫المادة ‪ 388‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثالثا‪ :‬مدى التزام المتعاقدين بتنفيذ العقد‬

‫‪ -1‬المبـــدأ العـــام‬

‫تنص المادة ‪ 106‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬فال يجوز‬
‫نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو لألسباب التي يقررها القانون"‪ ،‬وعليه يجب على‬
‫المتعاقدين تنفيذ العقد في جميع ما اشتمل عليه‪.‬‬

‫هذا ويجب على المتعاقدين تنفيذ العقد بحسن نية طبقا للمادة ‪ 1/107‬من القانون‬
‫المدني‪ ،‬فالمقاول إذا تعهد بتوصيل أسالك الكهرباء وجب عليه أن يقوم بتوصيلها من أقصر‬
‫طريق ممكن‪ ،3‬والناقل يجب عليه أن ينقل البضاعة من أقصر طريق‪.4‬‬

‫وهناك عقود يتجلى فيها واجب حسن النية في التنفيذ في صورة التزام بالتعاون‪ ،‬وهو‬
‫التزام يقتضي أن يتعاون كل من المتعاقدين مع صاحبه في تنفيذ العقد‪ ،‬ففي عقد البيع مثال‬
‫على المشتري أن يخطر البائع بدعوى استحقاق المبيع في وقت مناسب‪ ،5‬وإذا كشف عيبا‬
‫مدة معقولة‪.‬‬
‫في المبيع وجب عليه أن يخطر البائع به خالل ّ‬

‫‪ 1‬وهو ما جرت به العادة خاصة في المسائل التجارية‪ ،‬والمعامالت البحرّية‪ ،‬ومثال ذلك الشروط المألوفة التي‬
‫جرت العادة على إدراجها في بعض العقود‪ ،‬مثل إضافة نسبة مئوية لحساب العميل في المطاعم‬
‫طبيعة االلتزام تقتضي أن يستكمل القاضي نطاق العقد بما تفرضه طبيعته وفقا للقانون والعرف والعدالة‪ ،‬فمن‬ ‫‪2‬‬

‫باع عينا يعتبر ّأنه قد باع ملحقات هذه العين ولو لم تذكر هذه الملحقات في البيع‪– .‬عبد الرزاق السنهوري‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،404‬ص ‪.619‬‬
‫‪3‬‬
‫نقض مدني فرنسي ‪ 19‬يناير ‪ ،1925‬دالوز األسبوعي ‪ ،1925‬ص ‪.77‬‬
‫‪4‬‬
‫نقض مدني فرنسي ‪ 31‬يناير ‪.1887‬‬
‫‪5‬‬
‫يراجع نص المادة ‪ 372‬من ق‪.‬م‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -2‬االستثناءات الواردة على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين‬

‫هناك حاالت استثنائية يجيز القانون فيها للقاضي – العتبارات تتعّلق بالعدالة‪ -‬أن ّ‬
‫يعدل‬
‫العقد‪ ،‬وقد أورد المشرع على هذه القاعدة –عند حديثه على آثار العقد‪ -1‬استثناءان هما‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫أ‪ -‬نظريـــة الظـــروف الطارئـــة‬

‫الحادث الطارئ هو حادث غير متوقع‪ ،‬يط أر قبل بعد تحويل العقد فيجعل تنفيذه مرهقا‬
‫ألحد الطرفين وهو بهذا المعنى يختلف عن القوة القاهرة التي تعتبر حادثا غير متوقع‬
‫ومستحيل الدفع‪ ،‬ال يمكن رده أو مواجهته ويترتب عليه انقضاء االلتزام‪.‬‬

‫‪ ‬شروطها‪:‬‬

‫أن يكون العقد متراخيا في تنفيذه؛‬ ‫‪-‬‬

‫أن تط أر بعد إبرام العقد‪،‬حوادث استثنائية عامة‪ ،‬كاالرتفاع الباهظ في األسعار؛‬ ‫‪-‬‬

‫أن يصبح تنفيذ العقد بسبب هذه الحوادث مرهقا‪ 3‬للمدين وليس مستحيال؛‬ ‫‪-‬‬

‫أن تكون هذه الحوادث غير متوقعة وال يمكن دفعها‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫لقد أورد المشرع استثناءات أخرى في أماكن مختلفة من القانون‪ .‬يراجع بهذا الصدد‪ :‬بلحاج العربي‪ ،‬المرجع‬ ‫‪1‬‬

‫السابق‪ ،‬ص ‪ ،250‬ومحمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬


‫‪2‬‬
‫لتفاصيل أكثر حول نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬يراجع‪ :‬علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.98‬‬
‫‪3‬‬
‫يقصد باإلرهاق أن يهدد المدين بخسارة فادحة‪ ،‬فيزيد من التزاماته‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ ‬جزاؤها‪:‬‬

‫خروجا عن القاعدة العامة (المادة ‪ 106‬من القانون المدني) وبسبب هذه الحوادث‪ ،‬توزع‬
‫تبعة الخسارة بين المتعاقدين‪ ،‬بإنقاص القاضي االلتزام المرهق إلى الحد المعقول‪ ،‬ويقع باطال‬
‫كل اتفاق على خالف ذلك‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬أن يشتري شخص (أ) مواد بناء من الصين‪ ،‬فيتعاقد مع (ب) ليوصل‬
‫إليه هذه المواد إلى الجزائر‪ ،‬وأثناء نقل (ب) لهذه المواد ومرو ار بمصر‪ ،‬نشبت حرب في قناة‬
‫السويس التي يمر بها‪ ،‬فاضطر إلى عدم المرور‪ ،‬ونظ ار لطول االنتظار فسدت المواد‪.‬‬

‫هنا ال تقوم المسؤولية على عاتق المدين الناقل (ب) وحده‪ ،‬بل توزع بين الطرفين‪.‬‬

‫سلطة القاضي في تعديل عقود اإلذعان‬ ‫ب‪-‬‬

‫طبقا للمادة ‪ 110‬من القانون المدني‪ ،‬يمكن الخروج استثناء على القاعدة العامة في‬
‫وتضمن شروطا‬
‫ّ‬ ‫المادة ‪ 106‬المذكورة آنفا‪ ،‬وذلك في حالة ما إذا تم العقد بطريقة اإلذعان‪،‬‬
‫تعسفية‪ ،‬جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها‪ ،‬وذلك وفقا‬
‫لما تقضي به قواعد العدالة‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المسؤوليـــة العقديـــة (الجزاء المترتب على اإلخالل بالعقد)‬

‫إذا نشأ العقد صحيحا مكتمل األركان والشروط المتطلبة قانونا وجب تنفيذه من قبل‬
‫األطراف‪ ،‬غير أنه إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية أو تأخر في تنفيذها‪ ،‬جاز‬
‫للطرف األخر أن يرفع دعوى قضائية يلزمه فيها بالتنفيذ‪ .‬واألصل أن ينفذ المدين التزامه‬
‫تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا‪ ،‬فإذا لم يكن التنفيذ العيني ممكنا أو لم يطلبه الدائن‪ ،‬تقوم‬
‫المسؤولية العقدية للتعويض عن عدم تنفيذ العقد‪.‬‬

‫وتتمثل أركان المسؤولية العقدية في الخطأ‪ ،‬والضرر‪ ،‬وعالقة السببية بينهما‪ ،‬وهو ما‬
‫سنعرضه بشكل موجز فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الخـــطأ العقــــــدي‬

‫يتمثل في عدم تنفيذ المدين التزاماته الناشئة عن العقد‪ ،‬سواء كان ذلك ناجما عن عمد‬
‫أو عن إهمال أو بغير ذلك كالسبب األجنبي‪.‬‬

‫ويشمل عدم التنفيذ عدم التنفيذ الجزئي والتنفيذ المتأخر‪ ،‬ويتحقق باالمتناع عما يوجبه‬
‫القانون وإذا كان التنفيذ غير مطابق لالتفاق أو بالتأخير في التنفيذ‪.‬‬

‫والخطأ العقدي قد يكون إما في االلتزام بتحقيق نتيجة‪ ،‬فيتحقق بعدم تحقيق تلك‬
‫النتيجة‪،1‬كااللتزام بنقل الملكية أو القيام بعمل أو االمتناع عن عمل‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫أمثلة‪ - :‬التزام الناقل بتوصيل البضاعة إلى المرسل إليه‪ ،‬يعتبر الناقل مخطئا إذا لم يوصل البضاعة‪.‬‬
‫‪ -‬التزام المقاول ببناء عمارة‪ ،‬يعتبر المقاول مخطئا إذا لم يبن تلك العمارة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫يقع على الدائن عبء إثبات الخطأ العقدي في جانب المدين بمجرد أن يثبت عدم تحقيق النتيجة المتفق عليها‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫وقد يكون في االلتزام ببذل العناية‪ ،1‬فيتحقق الخطأ العقدي بعدم بذل هذه العناية‪،‬كالتزام‬
‫الطبيب بمعالجة المريض أو التزام المحامي بالدفاع عن موكله‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الضـــــــــــــرر‬

‫حتى تقوم المسؤولية العقدية‪ ،‬يجب إلى جانب الخطأ أن يترتب على عدم تنفيذ االلتزام‬
‫ضرر بالدائن‪ .‬والضرر إما أن يكون ماديا يصيب الشخص في جسمه أو ماله فيلحق به‬
‫خسارة‪ ،‬أو يفوت عليه كسبا‪ ،‬أو أن يكون معنويا أدبيا‪ ،‬فيتمثل في األلم الذي يصيب‬
‫الشخص لسبب يمس عاطفته أو شعوره أو كرامته‪.‬‬

‫ويقع عبء إثبات الضرر على الدائن‪ .‬هذا ويشترط في الضرر‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون متوقعا‪ 2‬ومباشرا‪ ،‬أي نتيجة مباشرة للخطأ‪.‬‬

‫‪ -‬أن يكون محققا في الحال‪ ،‬أو محقق الوقوع في المستقبل‪.3‬‬

‫‪ -‬أن يكون تقديره على أساس ما أصاب الدائن من خسارة وما فاته من كسب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬يقع عبء اإلثبات على الدائن كذلك‪ ،‬فهو الذي يجب عليه أن يثبت عدم بذل المدين الجهد‬
‫والعناية المتفق عليها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫استثناء‪ ،‬يسأل المدين عن الضرر غير المتوقع في حالتي الغش والخطأ الجسيم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أما إذا كان احتماليا‪ ،‬فال يستحق عليه التعويض في الحال إال بعد حدوثه‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثالثا‪ :‬عالقة السببية بين الخطأ والضرر‬

‫حتى تقوم المسؤولية العقدية‪ ،‬يجب أن يكون الخطأ الواقع هو السبب في الضرر الالحق‬
‫بالدائن‪ .‬والقاعدة أنه يفترض قيام عالقة السببية بينهما‪ ،‬ما لم يثبت المدين عدم تحقق هذه‬
‫العالقة (أي ينفيها)‪ ،‬وذلك عن طريق إثبات السبب األجنبي بأن يثبت مثال أن الضرر يرجع‬
‫لقوة قاهرة أو لحادث فجائي‪ ،1‬أو خطأ الدائن‪ 2‬أو بفعل الغير‪.3‬‬

‫وعليه‪ ،‬إذا تسبب المدين بخطأ‪ ،‬لم ينتج عنه ضرر‪ ،‬فان عالقة السببية تكون مقطوعة‪،‬‬
‫ومن تم ال تقوم المسؤولية‪.‬‬

‫مثالهما الحرب أو الفيضانات أو القرار اإلداري وغيرها‪ ،‬يشترط فيهما أن يكون الحادث أو القوة غير متوقع وال‬ ‫‪1‬‬

‫يمكن دفعه‪ ،‬ويصبح بموجبه تنفيذ االلتزام مستحيال‪.‬‬


‫تب أر ذمة المدين إذا كان تنفيذ التزامه مستحيال بفعل القوة القاهرة‪ ،‬أو إذا كان تنفيذ التزامه مؤقتا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫إذا رجع الضرر لفعل الدائن أي لخطئه‪ ،‬تنتفي عالقة السببية وتب أر ذمة المدين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫الغير هو الشخص الذي ال يسأل عنه المدين تعاقديا‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬هل يجوز تعديل أحكام المسؤولية العقدية؟‬

‫طبقا للمادة ‪ 178‬من القانون المدني‪ ،1‬يجوز للمتعاقدين تعديل أحكام المسؤولية العقدية‬
‫في حدود النظام العام واآلداب العامة‪ .‬إذ يجوز لهما االتفاق مسبقا على تشديد أحكامها‬
‫باالتفاق على أن يتحمل المدين تبعية الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة‪ ،‬أو التخفيف من‬
‫أحكامها باالتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ الت ازمه التعاقدي‬
‫بشرط عدم الغش أو الخطأ الجسيم‪ ،‬إذا كان واقعا منه‪ ،‬أما إذا وقع من أشخاص يستعين بهم‬
‫في تنفيذ التزاماته‪ ،‬فيجوز له أن يشترط إعفاءه من المسؤولية العقدية‪.‬‬

‫على أنه يبطل كل شرط يقضي باإلعفاء من المسؤولية الناجمة عن عمل إجرامي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تنص المادة ‪ 178‬من ق‪.‬م على ما يلي‪" :‬يجوز االتفاق على أن ال يتحمل المدين تبعة الحدث المفاجئ أو القوة‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫وكذلك يجوز االتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على تنفيذ التزامه التعاقدي‪ ،‬إالّ ما ينشأ عن غشه‪،‬‬
‫أو عن خطئه الجسيم غير أنه يجوز للمدين أن يشترط إعفاءه من المسؤولية الناجمة عن الغش‪ ،‬أو الخطأ الجسيم‬
‫الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه‪.‬‬
‫ويبطل كل شرط يقضي باإلعفاء من المسؤولية الناجمة عن العمل اإلجرامي"‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المبحث الرابع‪ :‬انحال ل العقـــد‬

‫بعدما ينشأ العقد صحيحا مكتمل األركان والشروط المتطلبة قانونا والمذكورة أعاله‪ ،‬تنعقد‬
‫آثاره‪ ،‬إذ يجب على المتعاقدين تنفيذ ما التزما به في العقد وهذه هي الحالة العادية‪ ،‬لكن قد‬
‫يحدث وأن يمتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته التعاقدية فينتج عن ذلك النزاع‪ ،‬والذي قد‬
‫يفضي إلى طلب الفسخ وهو ما سنتناوله في مطلب أول‪ ،‬أو الدفع بعدم التنفيذ وهو ما‬
‫سنعرضه في مطلب ثان‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الفســـــــخ‬

‫نعرض في هذا المطلب لتعريف الفسخ ثم بيان أنواعه في فرعين متتاليين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف الفســخ‪:‬‬

‫يقصد بالفسخ انحالل الرابطة التعاقدية بأثر رجعي نتيجة لعدم تنفيذ أحد المتعاقدين‬
‫اللتزاماتهما التعاقدية بإرادتهما أو لسبب أجنبي ال َي َد لهما فيه‪ ،‬ولقد نظم المشرع الجزائري‬
‫أحكام الفسخ في المواد من ‪ 119‬إلى ‪ 122‬من القانون المدني‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أنـــواع الفســخ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الفســــخ القضائــــي‬

‫يتقرر بموجب حكم قضائي‪ ،‬بناء على طلب الدائن‪ ،‬ويترتب عليه في حالة إق ارره‪:‬‬

‫‪ -‬أصال زوال العقد بأثر رجعي‪.‬‬

‫‪-‬واستثناء الحفاظ على بعض األوضاع السابقة كعقود اإلدارة المبرمة بحسن نية‪،‬‬
‫والحيازة في المنقول بحسن نية سند الملكية‪ ،‬وفي العقود المستمرة التنفيذ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫يشترط فيه‪:‬‬

‫أن يكون العقد من العقود التبادلية الملزمة للجانبين‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫أال يقوم أحد الطرفين بتنفيذ التزاماته‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ضرورة صدور حكم قضائي بالفسخ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫اعذار المدين من طرف الدائن بتنفيذ العقد أو فسخه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفسـخ اإلتفاقــي‬

‫يتم باالتفاق بين المتعاقدين‪ ،‬ومفاده اعتبار العقد مفسوخا بمجرد عدم وفاء أحد الطرفين‬
‫بالتزاماته التعاقدية‪ .‬لكن يجب فيه اإلعذار الذي يحدد حسب العرف عند عدم تحديده من‬
‫أحد الطرفين‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الفســخ بحكـم القانــون أو االنفساخ‬

‫نص عليه المشرع الجزائري في المادة ‪ 121‬من القانون المدني والتي جاء فيها‪ " :‬في‬
‫العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه االلتزامات‬
‫المتقابلة له وينفسخ العقد بحكم القانون"‪ .‬األمر الذي يستفاد منه أن االنفساخ يكون في‬
‫العقود الملزمة لجانبين‪ ،‬فإذا انقضى االلتزام بسبب استحالة تنفيذه‪ ،‬فتنقضي معه االلتزامات‬
‫المتقابلة له‪ ،‬وينفسخ العقد بحكم القانون‪.‬‬

‫يترتب على هذا النوع من الفسخ ما يعرف بنظرية تحمل التبعة‪ ،‬والتي يقصد بها أال‬
‫يكون للمدين الذي لم ينفذ التزاماته والذي طالبه الدائن بالفسخ أن يطلب من دائنه تنفيذ‬
‫التزاماته‪ ،‬فهو يتحمل تبعة عدم التنفيذ‪ ،‬إذ ينقضي االلتزام بالمقابل‪ ،‬وبذلك تقع عليه الخسارة‪،‬‬
‫على خالف العقود الملزمة لجانب واحد التي ينقضي التزام المدين فيها ويتحمل الدائن تبعة‬
‫االستحالة‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدفـــع بعـــدم التنفيـــذ‬

‫طبقا للمادة ‪ 123‬من القانون المدن ي ‪ 1‬يقصد بالدفع بعدم التنفيذ امتناع كل من‬
‫المتعاقدين في العقود الملزمة لجانبين عن تنفيذ التزاماتهما التعاقدية‪ ،‬ما دام لم يقم المتعاقد‬
‫اآلخر بتنفيذ ما التزام به‪ ،‬أي وقف تنفيذ العقد إلى حين تنفيذ الطرف اآلخر التزاماته‪ ،‬وهذا‬
‫الحكم يتقرر عندما تكون االلتزامات المتقابلة مستحقة األداء‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬شروط الدفـــع بعـــدم التنفيـــذ‬

‫يشترط في الدفع بعدم التنفيذ ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون العقد ملزما للجانبين‪.‬‬

‫‪ -‬أن تكون االلتزامات المتقابلة مستحقة األداء‪.‬‬

‫‪ -‬أال يكون من تمسك بالدفع هو الذي تسبب في تأخير تنفيذ الطرف اآلخر اللتزاماته‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آثار الدفـــع بعـــدم التنفيـــذ‬

‫يترتب على التمسك بالدفع بعدم التنفيذ وقف تنفيذ العقد دون انقضاء االلتزام‪ ،‬ويستمر‬
‫هذا الوقف إلى حين تنفيذ الطرف اآلخر اللتزاماته‪ ،‬فإذا ما نفذها ظل العقد منتجا آلثاره‪ ،‬أما‬
‫إذا امتنع عن التنفيذ فان هذا قد يؤدي إلى طلب المتعاقد اآلخر طلب الفسخ‪.‬‬

‫كما ينقضي الدفع بعدم التنفيذ في حالة هالك الشيء محل التزام الدائن‪ .‬فإذا ما هلك‬
‫المبيع مثال في يد البائع الحابس له‪ ،‬تقع تبعة الهالك على المشتري خالل فترة الحبس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تنص المادة ‪ 123‬من ق‪.‬م على ما يلي‪ " :‬في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت االلتزامات المتقابلة مستحقة‬
‫الوفاء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد اآلخر بتنفيذ ما التزم به"‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اإلرادة المنفــردة‬

‫نظم المشرع الجزائري أحكام اإلرادة المنفردة في الفصل الثاني مكرر من الباب األول‬
‫المعنون بمصادر االلتزام في المادتين ‪ 123‬مكرر و‪ 123‬مكرر‪ 1‬من القانون المدني‬
‫الصادر بموجب القانون رقم ‪ 10-05‬المؤرخ في ‪ 20‬يونيو ‪ 2005‬المعدل والمتمم‪.1‬‬

‫هل تصلح اإلرادة المنفردة لتكون مصد ار لاللتزام؟‬

‫قبل أن نبين موقف المشرع الجزائري‪ ،‬نشير إلى أنه ظهرت نظريات بشأن اإلرادة‬
‫المنفردة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -1‬النظريــــة الفرنسيــــة‬

‫يرى أنصارها أن االلتزام ينشأ فقط على عمل قانوني مصدره العقد‪ ،‬الذي ينشأ بتوافق‬
‫اإلرادتين‪ ،‬أما إرادة منفردة فال تنشأ التزاما‪ ،‬ألنه يمكن لمن صدرت منه أن يتنصل منها‪،‬‬
‫ومن ثم ال تنشأ أثرها إال إذا اقترنت بإرادة أخرى بصورة العقد‪.‬‬

‫‪ -2‬النظريــــة األلمانيــــة‬

‫تعتبر اإلرادة المنفردة كافية إلنشاء االلتزام وفقا لمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬ومن ثم يكون‬
‫اإليجاب وحده كاف لاللتزام‪ ،‬فى يمكن للموجب العدول عن إيجابه‪.‬‬

‫أن القانون المدني الجزائري – جارى المدرسة األلمانية وخالف المدرسة الفرنسية – في‬ ‫يتبين من هذا التعديل ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬

‫بأن اإلرادة المنفردة قادرة على‬


‫اعتبار اإلرادة المنفردة مصد ار عاما لاللتزام‪ ،‬فلقد نادى كثير من الفقهاء األلمان ّ‬
‫إنشاء االلتزام‪ ،‬بينما رفضت أغلبية الفقه الفرنسي وعلى رأسها بالنيول األخذ بهذا الرأي ولم يعتنقه تقنين نابوليون‪،‬‬
‫بينما أخذ القانون المدني األلماني باإلرادة المنفردة كمصدر استثنائي لاللتزام‪ .‬يراجع‪ :‬علي علي سليمان‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫‪2‬‬
‫جاء بهذه النظرية الفقيه الفرنسي بالنيول‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -3‬موقــــف المشــــرع الجزائــــري‬

‫أخذ المشرع الجزائري باإلرادة المنفردة كمصدر استثنائي لاللتزام‪ ،‬فنص في المادة ‪123‬‬
‫مكرر من القانون المدني على أنه‪" :‬يجوز أن يتم التصرف باإلرادة المنفردة للمتصرف ما لم‬
‫يلزم الغير ويسري على التصرف باإلرادة المنفردة نفس القواعد العامة التي تسري على العقد‬
‫باستثناء أحكام القبول"‪.‬‬

‫ومن أبرز تطبيقات اإلرادة المنفردة في القانون المدني الجزائري وقانون األسرة‪ ،‬نذكر ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫اإليجاب الملزم (المادة ‪ 63‬من القانون المدني)‬ ‫‪-‬‬

‫إجازة العقد القابل لإلبطال (المادة ‪ 100‬من القانون المدني)‬ ‫‪-‬‬

‫إبراء ذمة المدين من الدين (المادة ‪ 305‬من القانون المدني)‬ ‫‪-‬‬

‫إلغاء عقد الوكالة (المادتين ‪ 587‬و‪ 588‬من القانون المدني)‬ ‫‪-‬‬

‫الوصية (المادة ‪ 184‬وما يليها من قانون األسرة)‬ ‫‪-‬‬

‫الوقف (المادة ‪ 217‬وما يليها من قانون األسرة)‬ ‫‪-‬‬

‫‪111‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫دراسة صورة تطبيقية لإل رادة المنفردة كمصدر لاللتزام في القانـون المدني‪" :‬الوعـــــد‬
‫‪1‬‬
‫بالجائـــــزة"‬

‫يتبين لنا أن الوعد بالجائزة هو‬ ‫‪2‬‬


‫بقراءة نص المادة ‪ 123‬مكرر‪1‬من القانون المدني‬
‫تخصيص أجر لشخص لن يتعين إال بتنفيذ األداء الذي حدده الواعد‪ ،‬فالدائن في الوعد‬
‫بجائزة شخص غير معين‪ ،‬ومثاله أن يعد الواعد بجائزة لمن يعثر له على أشياء مفقودة‪ ،‬أو‬
‫لمن يقوم باكتشاف علمي أو فني‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬شروطـ الوعد بالجائزة‬

‫‪ -‬أن تكون إرادة‪3‬الواعد جدية باتة‪ ،‬تتجه إلى إحداث أثر قانوني‪ ،‬هو إلزام الواعد نفسه‬
‫بالجائزة لمن يقوم بالعمل المطلوب‪.‬‬

‫‪ -‬أن يحصل التعبير عن اإلرادة بصفة علنية‪ ،‬أي أن يوجه الوعد إلى الجمهور‪ ،‬ألنه إذا‬
‫وجه إلى شخص واحد نكون بصدد إيجاب وقبول‪ ،‬أي في إطار العقد ال اإلرادة المنفردة‪.‬‬

‫‪ -‬أن يتوافر اإلعالن على عنصرين هما‪ :‬العمل المعين الذي يقوم به الشخص‬
‫الستحقاق الجائزة‪ ،‬والجائزة المعينة (مادية‪ :‬مبلغ مالي‪ ،‬أو أدبية‪ :‬وسام أو شهادة)‪.‬‬

‫أن يتم نشر اإلعالن بالوعد بالجائزة بأي طريقة من طرق اإلعالم‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫تسمى الجعالة في الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تنص المادة ‪ 123‬مكرر‪ 1‬ق‪.‬م‪.‬على أنه‪" :‬من وعد الجمهور بجائزة يعطيها عن عمل معين يلزم بإعطائها لمن‬
‫قام بالعمل ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون العلم بها‪.‬‬
‫وإذا لم يعين الواعد أجال إلنجاز العمل‪ ،‬جاز له الرجوع في وعده بإعالن الجمهور‪ ،‬على أال يؤثر ذلك في حق‬
‫من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد‪.‬‬
‫يمارس حق المطالبة بالجائزة تحت طائلة السقوط في أجل ستة (‪ )6‬أشهر من تاريخ إعالن العدول للجمهور"‪.‬‬
‫أي تتوافر لديه أهلية التصرف وأن تكون إرادته خالية من العيوب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪112‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المبحث الثاني‪ :‬آثار الوعد بالجائزة‬

‫يترتب على قيام الوعد بالجائزة ما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الوعد الذي تحدد له مدة‬

‫إذا حددت للوعد مدة للقيام بالعمل المطلوب‪ ،‬وجب على الواعد أن يتمسك بالمدة التي‬
‫حددها‪ ،‬فإذا تحقق العمل المطلوب خالل تلك المدة‪ ،‬كان لمن قام بالعمل أن يطلب الجائزة‪،‬‬
‫سواء كان يعلم بها أو ال يعلم‪ ،‬فإذا تم العمل بعد انتهاء المدة‪ ،‬فليس له أن يطالب بشيء‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوعد الذي لم تحدد له مدة‬

‫إذا لم تحدد للوعد مدة للقيام بالعمل المطلوب‪ ،‬فيجوز للواعد أن يرجع عن وعده في أي‬
‫وقت‪ ،‬بشرط مراعاته لقاعدة العالنية في الرجوع‪ ،‬ويلتزم بالتعويض لمن سبق له البدء في‬
‫التنفيذ‪ ،‬على أال يؤثر ذلك الرجوع في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد‪.‬‬

‫هذا وترفع دعوى المطالبة بالجائزة تحت طائلة السقوط في أجل ستة (‪ )06‬أشهر من‬
‫تاريخ إعالن العدول للجمهور‪ ،‬أي الرجوع عن الوعد‪.‬‬

‫وو ِج َد من يستحق الجائزة‪،‬‬


‫أما في حالة ما إذا حددت المدة‪ ،‬ولم يعدل الواعد عن وعده‪ُ ،‬‬
‫فإن دعوى المطالبة بها ال تسقط إال بمضي ‪ 15‬سنة كأي التزام إرادي‪.‬‬

‫وإذا نفذ العمل الذي رصدت له الجائزة من أكثر من شخص واحد‪ ،‬كانت الجائزة‬
‫لألسبق‪ ،‬فإذا تعدد المنفذون في وقت واحد‪ ،‬قسمت الجائزة بينهم‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الباب الثاني‪ :‬المصادر غير اإلرادية لاللتزام‬

‫المصادر غير اإلرادية لاللتزام هي تلك التي ال دخل التجاه اإلرادة في إحداثها‪ ،‬أو ما‬
‫يعرف بالواقعة القانونية‪ ،‬وهي التي ال يرتب عليها القانون أثرا‪ ،‬بغض النظر عن أن تكون‬
‫اإلرادة قد اتجهت إلى إحداث هذا األثر‪.‬‬

‫وسنقسم هذا الباب المتعلق بالواقعة القانونية أو المصادر غير اإلرادية إلى ثالثة فصول‪:‬‬
‫ّ‬
‫نتكلم في الفصل األول عن العمل غير المشروع أو المسؤولية التقصيرية‪ ،‬ونعالج في الفصل‬
‫الثاني اإلثراء بال سبب‪ ،‬ونتعرض في الفصل الثالث لنص القانون كمصدر مباشر لاللتزام‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الفعل المستحق للتعويض أو المسؤولية التقصيرية‬

‫المسؤولية المدنية هي إلزام المدين بتعويض الضرر الذي ترتب على إخالله بالتزام يقع‬
‫إما أن تكون مسؤولية عقدية إذا كان مصدر االلتزام الذي حصل اإلخالل به‬ ‫عليه ‪ ،‬وهي ّ‬
‫‪1‬‬

‫إما أن تكون مسؤولية تقصيرية إذا كان االلتزام مصدره‬


‫هو العقد وقد سبق الكالم عنها‪ ،‬و ّ‬
‫العمل غير المشروع‪.2‬‬

‫ولقد عرفت أحكام المسؤولية التقصيرية تطو ار عبر الزمن‪ ،‬حيث أنه في المجتمعات‬
‫القديمة كان جزاء الفعل الضار متروكا لمن أصابه الضرر فيثأر بنفسه من المسؤول‪ ،‬إذا لم‬
‫يكن هناك تمييز بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية‪ .‬ومع تطور المجتمع ظهرت‬

‫بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الواقعة القانونية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ديوان‬ ‫‪1‬‬

‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬الجزائر‪.2007 ،‬‬


‫‪2‬‬
‫بعدة مراحل عبر التاريخ‪ ،‬ولمزيد من التفاصيل حول التطور‬
‫مرت ّ‬‫أن المسؤولية التقصيرية ّ‬‫تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫التاريخي لهذه المسؤولية‪ .‬راجع الدكتور عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪،‬الفقرة ‪ ،516‬ص‪ 762‬وما يليها‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الدية كتعويض للمضرور أكثر منها كعقوبة وبذلك بدأ مبدأ انفصال المسؤولية المدنية عن‬
‫ّ‬
‫المسؤولية الجنائية‪.1‬‬

‫وفي القانون الروماني لم تكن هناك قاعدة عامة ّ‬


‫تقرر المسؤولية عن العمل غير‬
‫خاصة تقرر على بعض أعمال معينة‪ ،‬والجزاء لم يكن‬‫ّ‬ ‫المشروع‪ ،‬بل كانت هناك أحكام‬
‫تعويضا بحتا بل كان مرتبطا بالعقوبة الجنائية‪.2‬‬

‫تم الفصل في القانون الفرنسي القديم بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية‪ ،‬كما ّ‬
‫ميز‬ ‫ّ‬
‫بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية‪ ،‬وانتهى إلى وضع قاعدة عامة في المسؤولية‬
‫أن كل خطأ سبب ضر ار للغير ُيلزم فاعله بالتعويض‪ ،3‬وبذلك أصبح الجزاء‬
‫قرر ّ‬
‫التقصيرية تُ ّ‬
‫تعويضا مدنيا ال يختلط بفكرة العقوبة الجنائية‪.‬‬
‫منذ صدور القانون المدني الفرنسي في سنة ‪( 1804‬قانون نابوليون) تطورت المسؤولية‬
‫فتم تقرير المبدأ العام في المسؤولية التقصيرية على أساس فكرة‬ ‫التقصيرية تطو ار كبيرا‪ّ ،‬‬
‫الخطأ وأضيفت صور خاصة للمسؤولية كمسؤولية األوالد‪ ،‬والمتبوع‪ ،‬والحيوان والبناء‪.‬‬
‫أدى التقدم الصناعي في نهاية القرن التاسع عشر إلى كثرة االختراعات الميكانيكية وقيام‬
‫ثم زيادة الحوادث الضارة بالعمال وبالناس‬
‫الصناعات الضخمة‪ ،‬وانتشار وسائل النقل‪ ،‬ومن ّ‬
‫من وسائل النقل‪ ،‬وكان من الصعب في حاالت كثيرة نسبة هذه الحوادث إلى خطأ معين‪ ،‬لذا‬
‫ّأدى ذلك إلى وجوب قيام المسؤولية التقصيرية على فكرة الضرر ال على فكرة الخطأ أو ما‬
‫يتحمل‬
‫ّ‬ ‫يسمى نظرية تحمل التبعة‪ ،‬فالشخص الذي يستفيد من أخطار هو محدثها عليه أن‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،517‬ص‪.763‬‬
‫وضع هذه القاعدة الفقيه دوما (‪ )Domat‬أكبر فقهاء القانون الفرنسي القديم‪ ،‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع‬ ‫‪3‬‬

‫السابق‪ ،‬الفقرة ‪ ،518‬ص‪.764‬‬


‫‪115‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أن الغنم بالغرم‪ ،‬وهذه هي النظرية الموضوعية وهي تقابل النظرية الشخصية‬
‫مضارها‪ ،‬إذ ّ‬
‫تؤسس المسؤولية على فكرة الخطأ‪.1‬‬
‫التي ّ‬

‫أما عن موقف المشرع الجزائري‪ ،‬فنجد القانون المدني الجزائري نظم أحكام المسؤولية‬
‫التقصيرية على ضوء ما وصل إليه تطور المسؤولية‪ ،‬وذلك في المواد من ‪ 124‬إلى ‪140‬‬
‫مكرر ‪ 1‬من القانون المدن ي‪ 2‬تحت عنوان "الفعل المستحق للتعويض"‪ ،‬وجعل أساس‬
‫المسؤولية التقصيرية هو الخطأ‪ ،‬كما أخذ بنظرية تحمل التبعة في بعض التطبيقات الخاصة‬
‫أهمها قانون العمل‪ ، 3‬والتعويض عن حوادث المرور‪ ، 4‬وكذا في حوادث الطيران والسفن‬
‫ّ‬
‫البحرية‪.‬‬

‫قسم المشرع الجزائري المسؤولية التقصيرية إلى أنواع ثالثة‪:‬‬


‫ولقد ّ‬

‫المسؤولية عن األفعال الشخصية‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫المسؤولية عن فعل الغير‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫المسؤولية الناشئة عن األشياء‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫هذا وإننا نرى أال نفصل في أحكام هذه المسؤولية باعتبارها مصد ار غير إرادي ‪-‬‬
‫وسنكتفي بهذا الحد‪ -‬كونها ستكون محل دراسة مفصلة –بإذن هللا‪ -‬فيما بعد التدرج لطلبة‬
‫الماستر‪ ،‬قانون خاص‪.‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬شرح القانون المدني الجزائري‪ ،‬الواقعة القانونية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫المضافة بموجب القانون رقم‪ 10/05 :‬المؤرخ في ‪ 20‬يونيو ‪.2005‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫الصادر بموجب األمر ‪ 183/66‬الصادر في ‪ 21‬جوان ‪ 1966‬الخاص بتعويض حوادث العمل واألمراض‬
‫المهنية‪ ،‬المعدل والمتمم ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الصادر بموجب األمر ‪ 15/74‬المؤرخ في ‪ 30‬جوان ‪ 1974‬المتعلق بالتعويض عن حوادث المرور‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفصل الثاني‪ :‬اإلثراء بال سبب‬

‫أن كل من أثري على حساب الغير دون سبب قانوني يلتزم‬


‫يقصد بفكرة اإلثراء بال سبب ّ‬
‫بأن يرد لهذا الغير قدر ما أثري به في حدود ما لحق الغير من خسارة‪ ،‬فإذا استولى شخص‬
‫على ملك غيره‪ ،‬دون أن يكون لهذا االستيالء سبب قانوني‪ ،‬وأضافه إلى ملكه ولو بحسن‬
‫نية‪ ،‬يكون قد أثرى بدون سبب قانوني على حساب الغير‪ ،‬فيلتزم برد أدنى القيمتين‪ :‬ما أثري‬
‫به هو وما افتقر به الغير‪.1‬‬

‫وقاعدة اإلثراء بال سبب مصدر قديم من مصادر االلتزام تستند إلى قواعد القانون‬
‫الطبيعي ومبادئ العدالة‪ ،‬إال أنها لم تعرف كقاعدة عامة إال في أواخر القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫يقرر قاعدة اإلثراء بال سبب‪ ،‬بل اقتصر‬
‫فالتقنين المدني الفرنسي لم يحتو على نص عام ّ‬
‫على إيراد تطبيقات لها مثل الفضالة والدفع غير المستحق‪.2‬‬

‫‪ -1‬اإلثراء بال سبب في القانون الفرنسي‪:‬‬

‫تم إنكار المبدأ العام لقاعدة اإلثراء بال سبب‪ ،‬ثم اعترف القضاء‬
‫في المرحلة األولى ّ‬
‫الفرنسي في المرحلة الثانية بقاعدة اإلثراء بال سبب على أنها فرع من الفضالة‪ ، 3‬وفي‬

‫تم االعتراف بالمبدأ‪ ،‬وقاد هذه المرحلة الفقيهان أوبري و رو‪ ،‬فاعتب ار ّ‬
‫أن قاعدة‬ ‫المرحلة الثالثة ّ‬
‫اإلثراء بال سبب تقوم بذاتها مبدأ مستقال عن الفضالة كمصدر لاللتزام مبني على قواعد‬
‫أن دعوى اإلثراء بال سبب دعوى‬
‫مقيدة بقيدين‪ :‬األول ّ‬
‫أن القاعدة بقيت ّ‬
‫العدالة‪ ،‬غير ّ‬
‫أن اإلثراء يشترط فيه أن يكون قائما وقت رفع الشكوى‪.4‬‬
‫احتياطية‪ ،‬والثاني ّ‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ .‬بند ‪ ،737‬ص ‪.1103‬‬
‫‪2‬‬
‫راجع التطور التاريخي لقاعدة اإلثراء بال سبب في السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ 799‬ص‪ 1104‬وما يليها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫محكمة النقض الفرنسية ‪ 18‬جوان ‪ ،1872‬دالوز ‪.471-1-72‬‬
‫‪4‬‬
‫السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ ،748‬ص‪.1110‬‬
‫‪117‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -2‬اإلثراء بال سبب في القانون المصري‬

‫لم يرد نص في القانون المدني المصري القديم يقرر القاعدة العامة في اإلثراء بال سبب‪،‬‬
‫ولكنه تضمن نصا غامضا تكلم في النصف األول منه عن الفضالة‪ ،‬وجاء النصف الثاني‬
‫خاصا باإلثراء بال سبب‪ ،‬وكانت دعوى اإلثراء بال سبب دعوى احتياطية ويشترط وجوب‬
‫بقاء اإلثراء حتى رفع الدعوى‪.1‬‬

‫أن القانون المدني الحالي ّ‬


‫قرر في المادة ‪ 179‬منه القاعدة العامة في اإلثراء بال‬ ‫غير ّ‬
‫سبب‪ ،‬ثم تناول بعد ذلك صورتين خاصتين لهذا المبدأ هما‪ :‬الدفع غير المستحق والفضالة‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلثراء بال سبب في القانون الجزائري‬

‫نص المشرع الجزائري على اإلثراء بال سبب كقاعدة عامة في المادة ‪ 141‬من التقنين‬
‫ّ‬
‫المدني التي جاء فيها ما يلي‪" :‬كل من نال عن حسن نية من عمل الغير أومن شيء له‬
‫منفعة ليس لها ما يبررها يلزم بتعويض من وقع اإلثراء على حسابه بقدر ما استفاد من‬
‫العمل أو الشيء"‪.‬‬

‫أن القانون المدني الجزائري قد أخذ باإلثراء بال سبب كمصدر عام‬
‫يتضح من هذه المادة ّ‬
‫ومستقل من مصادر االلتزام‪ ،‬وجعل دعوى اإلثراء بال سبب دعوى أصلية ولم يشترط فيها أن‬
‫تكون دعوى احتياطية كالقانون الفرنسي‪.‬‬

‫محمد صبري العدي‪ ،‬شرح القانون المدني الجزائري‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .247‬وأنور سلطان‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬الفقرة ‪،539‬ص‪.405‬‬


‫‪118‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ونالحظ بأن النص العربي للمادة ‪141‬مدني يختلف عن النص الفرنسي لهذه المادة في‬
‫أن النص الفرنسي يقول " ‪sans une‬‬
‫أنه يقتصر على عبارة‪" :‬ليس لها ما يبررها" في حين ّ‬
‫‪ "cause‬أي دون سبب‪ ،‬وهو تعبير أدق من التعبير العربي‪. 1‬‬

‫المبحث األول‪ :‬القاعدة العامة اإلثراء بال سبب‬

‫لقد أخذ المشرع الجزائري اإلثراء بال سبب كقاعدة عامة‪ ،‬ثم تناول صورتين خاصتين‬
‫لهذا المبدأ هما الدفع غير المستحق والفضالة‪.‬‬

‫ولتحليل اإلثراء بال سبب البد من تحديد أركانه ثم تبيان أحكامه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أركان اإلثراء بال سبب‬

‫طبقا لنص المادة ‪ 141‬من القانون المدني أركان اإلثراء بال سبب أربعة هي‪ :‬إثراء‬
‫المدين‪ ،‬وافتقار الدائن‪ ،‬وانعدام السبب القانوني لهذا اإلثراء‪ ،‬وحسن النية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬إثراء المدين‬

‫يقصد باإلثراء كل منفعة مادية أو معنوية يمكن تقويمها بالمال تدخل ذمة المشتري إما‬
‫في شكل الحصول على كسب أو تجنب خسارة ‪ ، 2‬وتتمثل صور اإلثراء فيما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪233‬‬
‫‪2‬‬
‫فاضلي إدريس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.281‬‬
‫‪119‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬اإلثراء اإليجابي واإلثراء السلبي‬

‫اإلثراء اإليجابي وهو الغالب‪ ،‬فيتمثل في إدخال قيمة مالية أو منفعة مادية لذمة المدين‪،‬‬
‫كحالة االلتصاق المنصوص عليها في المواد ‪ 785-783‬من القانون المدني‪.‬‬

‫أما اإلثراء السلبي فهو إنقاص العنصر السلبي من ذمة المشتري‪ ،‬ومن أمثلته أن يوفي‬
‫ّ‬
‫شخص بدين على آخر‪ ،‬فيثري هذا إثراء سلبيا عن طريق النقص من ديونه‪ ،‬أو أن يدفع‬
‫المشتري لعقار مرهون دين الراهن‪.‬‬

‫‪ -‬اإلثراء المادي واإلثراء المعنوي‬

‫يتحقق اإلثراء المادي بنقل مبلغ من المال من ذمة الدائن إلى ذمة المدين‪ ،‬أو بتقديم‬
‫منحة أو عمل مادي يقوم الدائن به لمصلحة المدين‪ ،‬كما هو الشأن في األمثلة السابقة‪.‬‬

‫أما اإلثراء المعنوي فهو الذي ال يمكن تقديره بالمال‪ ،‬كما لو علم مدرس تلميذا‪ ،‬أو عالج‬
‫طبيب مريضا‪ ،‬أو دافع محام عن متهم فيحكم ببراءته‪.‬‬

‫‪ -‬اإلثراء المباشر واإلثراء غير المباشر‬

‫أي صورة من صوره مباشرة من المفتقر إلى المثرى‪،‬‬


‫يتحقق اإلثراء المباشر إذا انتقل في ّ‬
‫سواء تحقق هذا االنتقال بفعل المفتقر أو بفعل المثرى نفسه‪ ،‬ومثاله أن يسكن المثرى منزل‬
‫المفتقر بدون عقد إيجار‪.‬‬

‫أما اإلثراء غير المباشر فيتحقق بتدخل شخص أجنبي في نقل المال من ذمة المفتقر‬
‫إلى ذمة المثرى‪ ،‬ومثاله أن يلقي رّبان سفينة بعض ما تحمله في البحر لينقذ الباقي‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع الثاني‪ :‬افتقار الدائن‬

‫يقصد باالفتقار الخسارة التي يتكبدها الدائن أو تلك المنفعة التي تفوت ه‪ . 1‬واالفتقار‬
‫كاإلثراء قد يكون إيجابيا أو سلبيا‪ ،‬ماديا أو معنويا‪ ،‬مباش ار أو غير مباشر‪.‬‬

‫ويشترط أن يكون هناك تالزم (عالقة سببية) بين افتقار الدائن وإثراء المدين‪ ،‬فإذا تحقق‬
‫اإلثراء دون االفتقار فال يلزم المثرى برد أي شيء‪ ،‬فإذا أقامت شركة مصنعا في جهة ما‬
‫وترتب على ذلك ارتفاع قيمة األراضي المجاورة فال رجوع للشركة على أصحاب األراضي‬
‫ألن إنشاء المصنع كان لفائدتها‪.‬‬
‫بقيمة ما أثروا ألن هذا اإلثراء لم يقابله افتقار في جانبها ّ‬

‫الفرع الثالث‪ :‬انعدام السبب القانوني‬

‫المقصود بالسبب المصدر القانوني المكسب لإلثراء‪ ،2‬فإذا انعدم السبب بهذا المعنى جاز‬
‫للمفتقر الرجوع بدعوى اإلثراء‪ ،‬وانعدام السبب القانوني يعني ّأنه ال يجب أن يكون اإلثراء أو‬
‫االفتقار ناشئا عن عقد أو عن فعل غير مشروع أو عن أي سبب قانوني آخر كالتقادم أو‬
‫حجية الشيء المقضي به‪ ،‬فال يجوز للواهب الرجوع على الموهوب له بدعوى اإلثراء بال‬
‫يبرر افتقار أحدهما وإثراء اآلخر‪ ،‬وال‬
‫ألن بين المتعاقدين تصرفا قانونيا هو عقد الهبة ّ‬
‫سبب ّ‬
‫يستطيع المفتقر في التقادم الرجوع على المشتري (المالك األصلي) ّ‬
‫ألن األخير قد اكتسب‬
‫الملكية بالتقادم وهو سبب قانوني لكسب الحق العيني‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬الواقعة القانونية‪ ،‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.455‬‬
‫‪2‬‬
‫علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.236-235‬‬
‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق ص‪.258‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪121‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفرع الرابع‪ :‬حسن النية‬

‫تميز المشرع الجزائري باشتراط حسن النية لدى المثرى‪ ،‬خالفا ألغلب التشريعات العربية‬
‫ّ‬
‫التي ال تشترط هذا الشرط‪ .1‬ويرى الدكتور علي علي سليمان ّأنه يجب إعادة النظر في‬
‫فإما أن يؤخذ في اإلثراء بال سبب بالمعيار الشخصي وفي هذه الحالة‬‫المادة ‪ 141‬مدني ّ‬
‫ويشدد الجزاء عليه‪ ،‬وإما أن يحذف‬
‫ّ‬ ‫يجب أن يضاف في هذه المادة حكم من يثرى بسوء نية‬
‫من هذه المادة شرط حسن النية‪ .‬ويكون القانون المدني الجزائري قد أخذ بالمعيار‬
‫الموضوعي في اإلثراء بال سبب‪ ،‬وحذا في ذلك حذو القوانين العربية األخرى‪.2‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أحكام اإلثراء بال سبب‬

‫إذا توافرت أركان اإلثراء بال سبب وفقا لما سبق ذكره‪ ،‬وجب على المثرى أن ّ‬
‫يعوض‬
‫المفتقر‪ ،‬وذلك عن طريق رفع دعوى اإلثراء‪ ،‬وهذا ما سنتناوله فيما يلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬دعوى اإلثراء‬

‫طرفا دعوى اإلثراء هما المفتقر والمثرى‪ ،‬وال يشترط في المدعي أي المفتقر أو المدعى‬
‫ولما كان‬ ‫أن قواعد األهلية تكون في االلتزامات اإلرادية‪،‬‬
‫عليه أي المثرى أهلية ما‪ ،‬إذ ّ‬
‫مصدر االلتزام المثرى هو الواقعة القانونية ال العمل القانوني فال ّ‬
‫محل لطلب أهلية ما‪.3‬‬

‫فإنه تتقادم دعوى اإلثراء بال سبب بانقضاء عشر سنوات‬


‫لنص المادة ‪ 142‬مدني ّ‬
‫طبقا ّ‬
‫من اليوم الذي يعلم فيه من لحقته الخسارة بحقه في التعويض‪ ،‬وتسقط الدعوى في جميع‬
‫األحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت واقعة اإلثراء أي من يوم نشوء االلتزام‪.‬‬

‫القانون المصري‪ :‬المادة ‪ 179‬مدني‪ ،‬والسوري‪ :‬المادة ‪ 180‬مدني‪ ،‬والليبي ‪:‬المادة ‪ 182‬مدني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.238‬‬
‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.263‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪122‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ويقع عبء اإلثبات على الدائن وهو المفتقر‪ ،‬فيثبت قيام إثراء في جانب المثرى وافتقار‬
‫أن اإلثراء ليس له سبب قانوني‪ ،‬والمفتقر له أن يثبت ذلك بكافة طرق اإلثبات‬
‫في جانبه‪ ،‬و ّ‬
‫البينة والقرائن‪.1‬‬
‫ومنها ّ‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التعويض‪.‬‬

‫ينشأ حق المفتقر في التعويض من واقعة اإلثراء المترتب على االفتقار دون سبب قانوني‬
‫لذلك‪ ،‬وه ي واقعة مادية‪ ،‬فإذا تحققت الواقعة المادية نشأ حق المفتقر‪ ،‬فالحكم الصادر في‬
‫دعوى اإلثراء هو مقرر لهذا الحق وليس منشئا‪.2‬‬

‫فإن المثرى دون سبب قانوني "يلزم بتعويض من وقع‬


‫لنص المادة ‪ 141‬مدني ّ‬
‫طبقا ّ‬
‫أن التعويض الذي يمّثل جزاء‬
‫اإلثراء على حسابه بقدر ما استفاد من العمل"‪ ،‬ومعنى هذا ّ‬
‫ألن المثرى ال يجوز أن يحاسب إالّ‬ ‫اإلثراء غير المشروع يكون ّ‬
‫بأقل قيمتي اإلثراء واالفتقار‪ّ ،‬‬
‫عما افتقر المفتقر وإالّ أصبح المفتقر مثريا في‬
‫على ما كسبه فعال بشرط أالّ يزيد التعويض ّ‬
‫القدر الزائد‪.‬‬

‫يقدر اإلثراء واالفتقار وقت النطق بالحكم قياسا على تقدير التعويض في المسؤولية‬
‫ّ‬
‫ألن االفتقار كالضرر في المسؤولية التقصيرية‪ ،‬ال يمكن تحديده على وجه‬
‫التقصيرية‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الدقة إالّ في لحظة النطق بالحكم‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ ،795‬ص ‪.1175‬‬
‫محمد صبري السعدي‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.265‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬الواقعة القانونية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.472‬‬
‫‪123‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تطبيقات اإلثراء بال سبب‬

‫نص المشرع الجزائري على تطبيقين لقاعدة اإلثراء بال سبب‪ ،‬هما الدفع غير المستحق‪،‬‬
‫ّ‬
‫والفضالة‪ ،‬وسنتناول فيما يلي دراسة هذين التطبيقين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬دفع غير المستحق‬

‫دفع غير المستحق هو قيام شخص بوفاء دين غير مستحق عليه‪ ،‬فيلتزم من يتلقى‬
‫ألن في احتفاظه به إثراء بال سبب على حساب غيره‪.1‬‬
‫برد ما أخذه إلى من وّفى به‪ّ ،‬‬
‫الوفاء ّ‬

‫الفرع األول‪ :‬شروط دفع غير المستحق‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 143‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬كل من تسّلم على سبيل الوفاء ما‬
‫ّ‬
‫للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم ّأنه غير‬
‫محل ّ‬
‫رده‪ ،‬غير ّأنه ال ّ‬
‫ليس مستحقا له وجب عليه ّ‬
‫ملزم بما دفعه‪ ،‬إالّ أن يكون ناقص األهلية‪ ،‬أو أن يكون قد أكره على هذا الوفاء"‪.‬‬

‫أن شروط دفع غير المستحق تتمثل في‪:‬‬


‫يستفاد من هذه المادة ّ‬

‫‪ -‬أن يكون هناك وفاء بدين غير مستحق‪.‬‬

‫‪ -‬أن يعتقد الموفي بوجوب قيامه بهذا الوفاء‪.‬‬

‫لقد اعتبر المشرع الجزائري دفع غير المستحق شبه عقد قرض‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪124‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أوال‪ :‬الوفاء بدين غير مستحق‪.‬‬

‫يقصد بالوفاء كل تصرف قانوني تتجه فيه إرادة الموفي إلى قضاء دين ثابت في ذمته‬
‫مهما كان مصدره‪.‬‬

‫يعتبر الدين غير مستحق في حاالت ثالث‪:‬‬

‫‪ -‬إذا لم يكن للدين وجود أصال‪ ،‬كما لو ّأدى أحد الورثة دينا معتقدا ّأنه دين على التركة‬
‫ثم يتضح عدم وجوده أصال‪.1‬‬
‫ّ‬

‫ولكنه لم يستحق كأن يكون الدين معّلقا على شرط‬


‫‪ -‬إذا كان الدين مؤجل االستحقاق ّ‬
‫واقف ولم يتحقق بعد أو تخّلف هذا الشرط‪.‬‬

‫ثم أصبح غير مستحق لزوال سببه فيما بعد‪،‬‬ ‫‪ -‬إذا كان الدين مستحقا وقت الوفاء ّ‬
‫ثم تحقق هذا الشرط أو أن يكون الدين واجبا‬
‫وصوره أن يكون الدين معلقا على شرط فاسخ ّ‬
‫ثم يفسخ هذا العقد أو يبطل‪.‬‬
‫بمقتضى عقد قابل للفسخ أو اإلبطال ّ‬

‫ثانيا‪ :‬اعتقاد الموفي التزامه بالدين‪.‬‬

‫يجب أن يقع الموفي في غلط‪ ،‬أي أن يعتقد وقت الوفاء ّأنه ملزم بأداء الدين‪ ،‬وأن ال‬
‫يكون قد قصد بوفائه التبرع‪ ،‬فالمفروض أالّ يقوم الشخص بوفاء دين إالّ إذا كان يعتقد ب ّأنه‬
‫أن‬
‫أن قرينة الغلط بسيطة يستطيع الموفى له نقضها بإثبات ّ‬
‫مستحق وواجب األداء‪ ،‬غير ّ‬
‫بأنه غير ملتزم بالدين‪.‬‬
‫الموفي كان يعلم وقت الوفاء ّ‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪125‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫غير ّأنه يجوز للموفي استرداد ما دفعه‪ ،‬ولو لم يقع في غلط في حالتين‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كان ناقص األهلية وقت الدفع‪.‬‬

‫‪ -‬إذا أثبت ّأنه كان مكرها على الوفاء‪ ،‬فدفع مع علمه ّأنه غير ملزم‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أحكام دفع غير المستحق‪.‬‬

‫يميز القانون في دعوى االسترداد بين الموفى له حسن النية والموفى له ّ‬


‫سيئ النية‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬
‫طبقا لنص المادة ‪ 147‬مدني التي جاء فيها ما يلي‪" :‬إذا كان من تسّلم غير مستحق حسن‬
‫يرد إالّ ما تسّلم‪.‬‬
‫النية فال يلزم أن ّ‬

‫قصر في جنيها‬
‫برد األرباح التي جناها‪ ،‬أو التي ّ‬
‫فإنه يلزم أيضا ّ‬
‫سيئ النية ّ‬
‫أما إذا كان ّ‬
‫ّ‬
‫سيئ‬
‫من الشيء الذي تسّلمه بغير حق‪ ،‬وذلك من يوم الوفاء‪ ،‬أو من اليوم الذي أصبح فيه ّ‬
‫النية‪.‬‬

‫برد الثمرات من يوم رفع الدعوى"‪.‬‬


‫وعلى أي حال يلزم من تسّلم غير المستحق ّ‬

‫أوال‪ :‬الموفى له حسن النية‬

‫يكون الموفى له حسن النية إذا كان يعتقد ّأنه يتسّلم ما هو حق له‪ ،‬واألصل هو افتراض‬
‫حسن النية وإذا ادعى الموفي عكس ذلك فعليه إثبات ادعائه بكافة الطرق‪ ،‬وفي حالة حسن‬
‫بمجرد قبضها وال‬
‫ّ‬ ‫أما الثمار فيملكها الموفى له‬
‫رد ما تسّلم فقط‪ّ ،‬‬
‫فيتعين عليه ّ‬
‫ّ‬ ‫نية الموفى له‬
‫بردها إالّ من يوم رفع الدعوى‪.‬‬
‫يلتزم ّ‬

‫‪126‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫سيئ النية‬
‫ثانيا‪ :‬الموفى له ّ‬

‫أن الشيء غير‬ ‫يكون الموفى له ّ‬


‫سيئ النية إذا كان يعلم وقت تسّلمه الشيء أو بعد ذلك ّ‬
‫مستحق له‪ ،‬وعلى الدافع أن يثبت ذلك بكافة وسائل اإلثبات‪.1‬‬

‫برد األرباح والثمار التي‬


‫برد ما تسّلم‪ ،‬كما يلتزم أيضا ّ‬
‫وفي هذه الحالة يلتزم الموفى له ّ‬
‫قصر في قبضها من يوم الوفاء أو من الوقت الذي أصبح فيه سيئ النية‪.‬‬
‫جناها أو التي ّ‬

‫ثالثا‪ :‬حالة الوفاء بدين مؤجل والوفاء لناقص األهلية‪.‬‬

‫هناك حالتان خاصتان في القانون المدني الجزائري تستقالّن بأحكام خاصة في هذا‬
‫الموضوع هما‪:‬‬

‫‪ -‬الوفاء بدين مؤجل قبل حلول أجله‪:‬‬

‫وفاء صحيحا ويعتبر بمثابة نزول عن األجل‬


‫يعتبر الوفاء بدين مؤجل قبل حلول األجل ً‬
‫حتى ولو كان المدين يجهل قيام األجل‪ ،‬وهذا وفقا لمقتضيات المادة ‪ 145‬مدني التي لم‬
‫برد مبلغ اإلثراء الذي حصل‬
‫تجز للمدين استرداد ما دفعه إالّ في حدود الضرر الالحق به‪ّ ،‬‬
‫عليه الدائن بسبب هذا الوفاء المعجل‪.‬‬

‫‪ -‬الوفاء لناقص األهلية‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 148‬مدني على ما يلي‪" :‬إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسّلم غير‬ ‫ّ‬
‫المستحق فال يكون ملزما إالّ بالقدر الذي أثرى به"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فاضلي إدريس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪127‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أحكام هذه المادة جاءت مخالفة للقاعدة العامة في اإلثراء بال سبب باعتبارها واقعة‬

‫مادية‪ ،‬فال يتأثر المثرى بأهليته إالّ ّ‬


‫أن النص المذكور جاء مراعيا لناقص األهلية‪ ،‬إضافة‬
‫سيئ‬
‫إلى عدم مسؤولية ناقص األهلية عن الهالك والتلف الذي يلحق العين حتى ولو كان ّ‬
‫النية‪ ،‬إالّ إذا كان ذلك راجعا إلى خطئه فيسأل مسؤولية تقصيرية‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الفضالة‬

‫الفضالة‪ 2‬هي أن يتوّلى شخص (يسمى الفضولي) عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب‬
‫أن يكون ملزما بذلك‪ ،‬فيرتّب القانون على ذلك التزام‬
‫شخص آخر (يسمى رب العمل) دون ّ‬
‫تمت لحسابه األعمال تعويض من قام بهذا األعمال‪.‬‬
‫من ّ‬

‫وقد عرفت الفضالة في القانون الروماني الذي كان يعتبرها شبه عقد‪ ،‬ويقيمها على فكرة‬
‫ثم انتقلت الفضالة إلى القانون الفرنسي القديم‬
‫العدالة وتطبيقا من تطبيقات اإلثراء بال سبب‪ّ ،‬‬
‫واعتبرت شبه عقد‪ ،‬غير ّأنه قلب الوضع الذي كان سائدا في القانون الروماني‪ ،‬فاعتبر‬
‫اإلثراء بال سبب من تطبيقات الفضالة ولكن تنقصه نية العمل لمصلحة الغير‪.3‬‬

‫وانتقل هذا الوضع إلى القضاء الفرنسي إلى أن وضع مبدأ اإلثراء بال سبب‪ ،‬وتناول‬
‫تقنين نابوليون النص على الفضالة في المواد من ‪ 1372‬إلى ‪ ،1375‬وأخضع الفضولي‬
‫وسد الثغرات التي وردت في‬
‫إلى أحكام الوكالة‪ ،‬وتولى القضاء الفرنسي بلورة أحكام الفضالة ّ‬
‫القانون المدني‪.4‬‬

‫إذا كان ممي از طبقا لنص المادة ‪ 125‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫كلمة الفضالة تعني التفضل ال التطفل‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪4‬‬
‫علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪128‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫تناول المشرع الجزائري أحكام الفضالة في المواد من ‪ 150‬إلى ‪ 159‬من القانون‬


‫المدني‪ ،‬واعتبرها تطبيقا من تطبيقات مبدأ اإلثراء بال سبب‪.‬‬

‫أن كليهما مصدر للنيابة‪ ،‬بل قد تنقلب إلى‬


‫هذا‪ ،‬وتقترب الفضالة من الوكالة ‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫‪1‬‬

‫أقر رب العمل ما قام به الفضولي من عمل‪ ،‬والوكالة قد تنتهي إلى فضالة إذا‬
‫وكالة إذا ّ‬
‫خرج الوكيل عن حدود نيابته أو إذا استمر في عمله بعد انتهاء الوكالة‪ ،‬غير ّأنه بالرغم من‬
‫أن‬
‫هذا التقارب بين النظامين‪ ،‬تختلف الفضالة عن الوكالة في أمرين أساسيين‪ :‬األول ّ‬
‫أما الفضالة فهي واقعة‬‫الوكالة تصرف قانوني مصدرها العقد القائم بين الوكيل والموكل‪ّ ،‬‬
‫أن عمل الفضولي قد يكون تصرفا ماديا أو قانونيا‪،‬‬ ‫قانونية مصدرها القانون‪ ،‬والثاني هو ّ‬
‫بينما يكون عمل الوكيل تصرفا قانونيا فقط‪.2‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أركان الفضالة‬

‫تنص المادة ‪ 150‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬الفضالة هي أن يتولى شخص عن‬
‫ّ‬
‫قصد القيام بالشأن لحساب شخص آخر‪ ،‬دون أن يكون ملزما بذلك"‪.‬‬

‫فإن للفضالة أركانا ثالثة هي‪:‬‬


‫طبقا لهذه المادة ّ‬

‫‪ -‬الركن المادي‪ :‬وهو قيام الفضولي بشأن لحساب الغير‪.‬‬

‫‪ -‬الركن المعنوي‪ :‬وهو نية الفضولي في أن يعمل لمصلحة الغير وهو رب العمل‪.‬‬

‫‪ -‬الركن القانوني‪ :‬وهو أالّ يكون الفضولي قد قام بالعمل تنفيذا اللتزام عليه‪.‬‬

‫ونوضح فيما يلي كل ركن من هذه األركان‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫يسمي الفضالة شبه عقد الوكالة‪.‬‬
‫هناك من ّ‬
‫بلحاج العربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ، 497‬ومحمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.284‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪129‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أوال‪ :‬الركن المادي‪.‬‬

‫يتمثل الركن المادي للفضالة بقيام الفضولي بشأن عاجل‪ 1‬لشخص آخر هو رب العمل‪،‬‬
‫ويستوي أن يكون هذا العمل تصرفا قانونيا كأن يبيع الفضولي لرب العمل مواد سريعة التلف‬
‫أو يدفع ضريبة مستحقة على رب العمل تفاديا للحجز اإلداري على أمواله‪ ،‬أو يكون عمال‬
‫ماديا كأن يطفئ حريقا في منزل رب العمل أو يجني محصول يخشى عليه التلف‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬ما يقوم به الفضولي من عمل قد يكون تصرفا قانونيا أو عمال ماديا‪ ،‬ولكن يجب‬
‫في الحالتين أن يكون عمال ضروريا وعاجال فال يكفي أن يكون عمال نافعا‪.2‬‬

‫ثانيا‪ :‬الركن المعنوي‬

‫يجب أن يكون قيام الفضولي بالعمل العاجل لحساب رب العمل بقصد أداء خدمة له‪،‬‬
‫يميز بين الفضالة واإلثراء بال سبب‪ ،‬فالفضولي هو من يعمل‬
‫وهذا القصد أو النية هو الذي ّ‬
‫لمصلحة الغير ال لمصلحة نفسه‪ ،‬فإن عمل لمصلحة نفسه وعاد من ذلك نفع على الغير فال‬
‫يرجع إالّ بدعوى اإلثراء بال سبب إذا توافرت شروطها‪.3‬‬

‫غير ّأنه ال يشترط أن تنصرف نية الفضولي إلى العمل لمصلحة رب العمل وحده‪ ،‬بل‬
‫تتحقق الفضالة طبقا لنص المادة ‪ 151‬من القانون المدني "ولو كان الفضولي‪ ،‬أثناء توليه‬
‫شأنا لنفسه‪ ،‬قد تولى شأن غيره لما بين األمرين من ارتباط ال يمكن معه القيام بأحدهما‬
‫منفصال عن اآلخر"‪ ،‬فالشريك على الشيوع الذي يؤجر العين الشائعة كّلها يعمل لمصلحة‬
‫شريكه وإن كان قد قصد أن يعمل لمصلحته أوال‪ ،‬لذا يعتبر فضوليا بالنسبة لشريكه‪.‬‬

‫أن المشرع الجزائري لم يذكر عبارة "عاجل"‪ ،‬ولكن الفقه أجمع على ذلك‪.‬‬
‫نالحظ ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ ،865‬ص ‪.1235‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬فقرة ‪ ،868‬ص ‪.1237‬‬
‫‪130‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثالثا‪ :‬الركن القانوني‬

‫يجب حتى تتحقق الفضالة من الناحية القانونية‪ ،‬أال يكون الفضولي ملتزما بالعمل الذي‬
‫قام به‪ ،‬وال موكال فيه‪ ،‬وال منهيا عنه‪.‬‬

‫ألنه في هذه الحالة‬


‫فإنه ال يعتبر فضوليا‪ّ ،‬‬
‫فإذا كان الشخص ملتزما بالعمل الذي قام به ّ‬
‫سيكون مدينا يفي بالتزامه نحو دائنه كالمقاول الذي يقيم بناء لرب العمل‪ ،‬فهو ملتزم بموجب‬
‫عقد المقاولة‪.‬‬

‫كذلك ال يعتبر فضوليا من يكون ملتزما بتولي شأن الغير بمقتضى عقد كالوكيل أو‬
‫نص قانوني كالولي أو الوصي‪.‬‬
‫بمقتضى أمر من المحكمة كالحارس القضائي‪ ،‬أو بمقتضى ّ‬

‫إن تدخله في‬


‫وال يعتبر فضوليا أساسا من يتولى شأنا عاجال هو منهي عن القيام به‪ ،‬بل ّ‬
‫أما‬
‫هذه الحالة يعتبر خطأ منه يتوجب مسؤوليته إذا ما نجم عن تدخله ضرر لرب العمل‪ّ ،‬‬
‫إذا ترتب على هذا التدخل نفع فال يرجع على رب العمل إالّ بدعوى اإلثراء بال سبب‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أحكام الفضالة‬

‫لنص المادة ‪ 152‬من‬ ‫تسري قواعد الوكالة إذا ّ‬


‫أقر رب العمل ما قام به الفضولي طبقا ّ‬
‫القانون المدني‪ ،‬فتنظم العالقات بينهما وفقا ألحكام عقد الوكالة المنصوص عليها في المادة‬
‫أما في غير هذه الحالة‪ ،‬ومتى تحققت أركان الوكالة طبقا لما رأيناه‬
‫‪ 571‬مدني وبعدها‪ّ .‬‬
‫فتترتب التزامات على عاتق الفضولي ورب العمل مصدرها واقعة الفضالة‪.‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.287‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪131‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أوال‪ :‬التزامات الفضولي‬

‫يلتزم الفضولي وفقا ألحكام المواد من ‪ 153‬إلى ‪ 155‬مدني بأربعة التزامات هي‪:‬‬

‫‪ -‬أن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه‪.‬‬

‫‪ -‬إخطار رب العمل متى استطاع ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬بذل عناية الرجل العادي في القيام بالعمل‪.‬‬

‫يرد إليه ما استولى عليه بسبب الفضالة‪.‬‬


‫لرب العمل وأن ّ‬
‫يقدم حسابا ّ‬
‫‪ -‬أن ّ‬

‫‪ -1‬التزام الفضولي بالمضي في العمل‪:‬‬

‫فإنه يجب على الفضولي أن يمضي في العمل الذي بدأه‬


‫لنص المادة ‪ 153‬مدني ّ‬
‫طبقا ّ‬
‫إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه‪ ،‬وهذا االلتزام ضروري ومنطقي ذلك ّ‬
‫أن من‬

‫تدخل في شؤون الغير بدون داع وجب عليه أالّ يتخلى عن العمل الذي بدأه حتى ّ‬
‫يتمه رعاية‬
‫لمصلحة رب العمل‪.‬‬

‫‪ -2‬التزام الفضولي بإخطار رب العمل‪:‬‬

‫فإنه يجب على الفضولي "أن يخطر‬


‫لنص المادة ‪ 153‬مدني في عبارتها األخيرة ّ‬
‫طبقا ّ‬
‫بتدخله رب العمل متى استطاع ذلك"‪ ،‬وذلك حتى يتمكن رب العمل أن يستعمل حقه في‬
‫مباشرة شؤونه وإتمام العمل بنفسه‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -3‬التزام الفضولي ببذل عناية الرجل العادي‪:‬‬

‫لنص المادة ‪ 154‬من القانون المدني ّ‬


‫فإنه يجب على الفضولي أن يبذل في القيام‬ ‫طبقا ّ‬
‫بالعمل عناية الرجل العادي‪ ،‬وهذا يعني ّأنه غير ملزم بتحقيق نتيجة و ّإنما يلتزم فقط ببذل‬
‫عناية الشخص المعتاد‪ ،‬فإذا أخطأ الفضولي أثناء القيام بالعمل وترتب على ذلك أضرار‬
‫فإن الظروف تبرر التخفيف‬
‫ألنه متفضل في تدخله لمصلحة رب العمل ّ‬
‫برب العمل فنظ ار ّ‬
‫من مسؤوليته فينقص القاضي التعويض المستحق لرب العمل‪.‬‬

‫تطوع للقيام بها أو بعضها‬


‫وإذا أناب الفضولي شخصا آخر للقيام بكل األعمال التي ّ‬
‫كان الفضولي مسؤوال عن تصرفات نائبه‪ ،‬دون إخالل بحق رب العمل من الرجوع مباشرة‬
‫على هذا النائب باستعمال الدعوى المباشرة‪.‬‬

‫عدد‬ ‫تعدد الفضوليون في القيام بعمل واحد كانوا متضامنين في المسؤولية‪ّ ،‬‬
‫أما إذا ت ّ‬ ‫وإذا ّ‬
‫الفضوليون ولكل منهم عمل مستقل فال تضامن بينهم‪.‬‬

‫‪ -4‬التزام الفضولي بتقديم حساب لرب العمل‪:‬‬

‫وفقا لمقتضيات المادة ‪ 155‬من القانون المدني ّ‬


‫فإن الفضولي يلتزم بتقديم الحساب لرب‬
‫يرد ما استولى عليه بسبب الفضالة‪ ،‬والتزامه في ذلك كالتزام الوكيل‪ ،1‬وعليه‬
‫العمل‪ ،‬وأن ّ‬
‫لرب العمل بيانا عن إدارته وأن يسّلم إليه كل ما دخل إليه‬
‫يقدم ّ‬
‫يتعين على الفضولي أن ّ‬
‫ّ‬
‫الرد وجب عليه‬
‫بسبب الفضالة‪ ،‬فال يجوز له أن يستعمل هذا المال لصالحه‪ ،‬وإذا تأخر في ّ‬
‫أداء فائدة األموال الواجبة عليه من وقت استخدامها ال من وقت المطالبة القضائية وال من‬
‫وقت اإلعذار‪.2‬‬

‫يراجع نص المادتين ‪ 577‬و‪ 578‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫بلحاج العربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.512‬‬
‫‪133‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثانيا‪ :‬التزامات رب العمل‬

‫يلتزم رب العمل طبقا لنص المادة ‪ 157‬من القانون المدني بأربعة التزامات هي‪:‬‬

‫‪ -‬أن ينفذ التعهدات التي عقدها الفضولي نيابة عنه‪.‬‬

‫‪ -‬أن يعوض الفضولي عن التعهدات التي عقدها باسمه شخصيا‪.‬‬

‫يرد النفقات الضرورية والنافعة ويدفع أجر الفضولي‪.‬‬


‫‪ -‬أن ّ‬

‫يعوض الفضولي عن الضرر الذي لحقه‪.‬‬


‫‪ -‬أن ّ‬

‫‪ -1‬التزام رب العمل بتنفيذ التعهدات التي عقدها الفضولي نيابة عنه‪:‬‬

‫إذا تحققت شروط الفضالة‪ ،‬وبذل الفضولي في عمله عناية الرجل العادي‪ ،‬كان نائبا‬
‫قانونيا عن رب العمل ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة‪ ،1‬فإذا عقد الفضولي تصرفا قانونيا باسم‬
‫ألن‬
‫رب العمل يلتزم هذا األخير بتنفيذ االلتزامات المترتبة عن هذا التصرف القانوني ّ‬
‫ثم تنصرف آثار هذا التصرف لرب العمل‬
‫رب العمل نيابة قانونية ومن ّ‬
‫الفضولي ينوب عن ّ‬
‫(النائب)‪.‬‬

‫‪ -2‬التزام رب العمل بتعويض الفضولي عن التعهدات التي عقدها باسمه‪:‬‬

‫فإنه يكون مسؤوال شخصيا قبل‬


‫إذا تعاقد الفضولي باسمه شخصيا لمصلحة رب العمل‪ّ ،‬‬
‫من تعاقد معه‪ ،‬كما إذا تعاقد باسمه مع مقاول إلصالح جدار آيل للسقوط في منزل جاره‪،‬‬

‫فإن حقوق العقد والتزاماته تضاف إلى الفضولي‪ ،‬فإذا ّأدى هذا الفضولي هذه االلتزامات ّ‬
‫فإنه‬ ‫ّ‬
‫يرجع بما دفعه على رب العمل‪.‬‬

‫طبقا لنص المادة ‪ 157‬من القانون المدني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪134‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫برد النفقات‪:‬‬
‫‪ -3‬التزام رب العمل ّ‬

‫برد النفقات الضرورية والنافعة التي أنفقها الفضولي‪ ،‬ويقصد‬


‫يلتزم رب العمل ّ‬
‫بالمصروفات ا لضرورية تلك التي تصرف للمحافظة على الشيء وصيانته‪ ،‬ويقصد‬
‫بالمصروفات النافعة تلك التي تزيد في قيمة الشيء أو تعود بالنفع على رب العمل‪.‬‬

‫كما يلتزم رب العمل بدفع أجر الفضولي إذا كان ما قام به يدخل في أعمال مهنته‬
‫أما إذا كان ما قام به الفضولي ال يدخل في نطاق مهنته فإّنه‬
‫كالطبيب والمحامي والمهندس‪ّ ،‬‬
‫ال يأخذ أج ار على عمله‪.‬‬

‫عما لحقه من ضرر‪:‬‬


‫‪ -4‬التزام رب العمل بتعويض الفضولي ّ‬

‫فإن رب العمل يكون ملزما بتعويضه‬


‫قد يصاب الفضولي بضرر أثناء قيامه بالعمل‪ّ ،‬‬
‫عما لحقه من ضرر بسبب قيامه بهذا العمل‪ ،‬بشرط أالّ يكون الفضولي هو السبب في‬
‫الضرر‪ ،‬ويتحقق ذلك إذا لم يبذل من العناية القدر المألوف لذا وقع الضرر‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أهلية الفضولي وأهلية رب العمل‬

‫تنص المادة ‪ 158‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬إذا لم تتوافر في الفضولي أهلية‬ ‫ّ‬
‫التعاقد فال يكون مسؤوال عن إدارته إالّ بالقدر الذي أثري به‪ ،‬ما لم تكن مسؤوليته ناشئة عن‬
‫عمل غير مشروع‪.‬‬

‫أما رب العمل فتبقى مسؤوليته كاملة‪ ،‬ولو لم تتوافر فيه أهلية التعاقد"‪.‬‬
‫ّ‬

‫أن الفضولي إذا أبرم تصرفا قانونيا باسمه فيجب أن تتوافر فيه‬
‫يتبين من هذه المادة ّ‬
‫ّ‬
‫أما إذا تعاقد باسم رب العمل فال تشترط فيه سوى‬
‫أهلية التعاقد الالزمة للعقد الذي أبرمه‪ّ ،‬‬

‫‪135‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أما إذا كان العمل ماديا‬


‫ألن آثار العقد سوف تنصرف إلى رب العمل‪ّ ،‬‬
‫أهلية التمييز كالوكيل ّ‬
‫فيكفي في الفضولي أهلية التمييز مثل الوكيل‪.‬‬

‫ويالحظ ّأنه إذا كان الفضولي ناقص األهلية فال يكون مسؤوال عن إدارته إالّ بالقدر الذي‬
‫أثرى به‪ ،‬غير ّأنه إذا ارتكب خطأ تقصيريا فيكون مسؤوال مسؤولية كاملة طبقا ألحكام‬
‫المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫فإنه طبقا للفقرة الثانية من المادة المذكورة أعاله ‪ -‬فال تشترط فيه أي‬
‫أما رب العمل – ّ‬
‫ّ‬
‫ألن مصدر التزامه بتعويض الفضولي هو اإلثراء بال سبب وهو واقعة مادية بالنسبة‬ ‫أهلية ّ‬
‫فإنه يشترط أن‬
‫لرب العمل‪ ،‬لكن إذا أبرم الفضولي تصرفا قانونيا باسم رب العمل ونيابة عنه ّ‬
‫فإن أثاره ال تنصرف إليه‪.1‬‬
‫تتوافر في رب العمل أهلية األداء إلبرام مثل هذا التصرف‪ ،‬وإالّ ّ‬

‫‪ ‬أثر موت أحد طرفي الفضالة‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 156‬من القانون المدني على ما يلي‪" :‬إذا مات الفضولي التزم ورثته بما‬
‫ّ‬
‫يلزم به ورثة الوكيل طبقا ألحكام المادة ‪ 589‬فقرة ‪ 2‬وإذا مات رب العمل بقي الفضولي‬
‫ملتزما نحو الورثة بما كان ملزما به نحو مورثهم"‪.‬‬

‫يستفاد من هذه المادة ّأنه إذا مات الفضولي انقضت الفضالة‪ ،‬كما تنقضي الوكالة بموت‬
‫الوكيل‪ ،‬ويلتزم ورثة الفضولي إذا كانوا كاملي األهلية وعلى علم بالفضالة بإخطار رب العمل‬
‫تم من العمل حتى يتمكن‬
‫بموت مورثهم وأن يتخذوا من التدابير الالزمة للمحافظة على ما ّ‬
‫رب العمل من التدخل لمباشرة العمل بنفسه‪.‬‬

‫‪1‬بلحاج العربي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬


‫‪136‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫أما في حالة موت رب العمل فال تنقضي الفضالة بل يبقى الفضولي ملتزما قبل الورثة‬‫ّ‬
‫فإن الفضالة تستمر بالرغم من موت رب العمل‪.‬‬
‫بما كان ملتزما به قبل رب العمل‪ ،‬ولذا ّ‬

‫‪ ‬تقادم دعوى الفضالة‪:‬‬

‫طبقا لنص المادة ‪ 159‬من القانون المدني الجزائري ّ‬


‫فإنه تتقادم دعوى الفضالة بأقصر‬
‫األجلين عشر سنوات من تاريخ علم كل طرف بحقه أو خمس عشرة سنة من اليوم الذي‬
‫ينشأ فيه هذا الحق‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفصل الثالث‪ :‬القانون‬

‫يعتبر القانون مصد ار غير مباشر لجميع االلتزامات‪ ،‬فااللتزامات الناشئة عن العقد أو‬
‫عن اإلرادة المنفردة أو عن العمل غير المشروع أو عن اإلثراء بال سبب مصدرها القانون‪،‬‬

‫ألن القانون هو الذي جعلها تنشئ هذه المصادر‪ ،‬فالقانون مصدر غير مباشر لها‪ّ ،‬‬
‫ألنه هو‬ ‫ّ‬
‫الذي جعلها تنشأ مباشرة عن هذه المصادر‪.1‬‬

‫ولكن القانون قد يكون مصد ار مباش ار لاللتزام‪ ،‬ولقد تناول المشرع الجزائري القانون‬
‫ّ‬
‫كمصدر لاللتزام في المادة ‪ 53‬من القانون المدني التي جاء فيها ما يلي‪" :‬تسري على‬
‫االلتزامات الناجمة مباشرة عن القانون دون غيرها النصوص القانونية التي قررتها"‪.2‬‬

‫فالقانون ال يعتبر مصد ار مباش ار لاللتزام إالّ إذا أنشأه بنص خاص‪ ،‬وهذا النص القانوني‬
‫ويبين أحكامه‪ ،‬ومن بين هذه االلتزامات الموجودة في‬
‫يحدد أركان هذا االلتزام‪ّ ،‬‬
‫هو الذي ّ‬
‫نطاق القانون الخاص والعام ما يلي‪:3‬‬

‫‪ -‬في القانون المدني‪ :‬هناك التزامات الجوار والحائط المشترك (المادة ‪ 704‬قانون‬
‫مدني)‪ ،‬وااللتزامات المترتبة عن الشيوع (المادة ‪ 713‬قانون مدني)‪.‬‬

‫‪ -‬في قانون األسرة‪ :‬نجد االلتزام بالنفقة بين الزوجين (المادة ‪ 74‬قانون األسرة)‪ ،‬والنفقة‬
‫بين األقارب (المادة ‪ 77‬من قانون األسرة)‪.‬‬

‫‪ -‬في قوانين المالية‪ :‬نجد االلتزام بدفع الضرائب‪.‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.298‬‬ ‫‪1‬‬

‫أن القانون‬
‫النص العربي ّ‬
‫إن النص الفرنسي للمادة ‪ 53‬مدني جاء موفقا على النص العربي‪ ،‬فبدل أن يقول ّ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬

‫أن هذه االلتزامات هي وحدها التي تسري على النصوص التي قررتها‪.‬‬
‫وحده هو مصدر لاللتزامات القانونية قال ّ‬
‫انظر‪ :‬علي علي سليمان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.312 – 311‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬فقرة ‪ ،911‬ص ‪ 1297‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الخاتمة‬

‫وبهذا نكون قد ألممنا بمختلف مواضيع مادة القانون المدني (مصادر االلتزام) وذلك‬
‫وفقا لما تقتضيه حاجة الطالب التكوينية‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬التصرف‬ ‫‪-‬‬

‫القانوني‪ ،‬العقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫‪.2004‬‬

‫‪ -‬بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الواقعة القانونية‪،‬‬
‫الجزء الثاني‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ط‪ ،4‬الجزائر‪.2007 ،‬‬

‫‪ -‬بن الشويخ رشيد‪ ،‬دروس في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬دار الخلدونية‪ ،‬الجزائر ‪.2011‬‬

‫خليل أحمد حسن قدادة‪ ،‬الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء ّ‬
‫األول‪ ،‬مصادر‬ ‫‪-‬‬

‫االلتزام‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة الثانية‪.2005 ،‬‬

‫‪ -‬دربال عبد الرزاق‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار العلوم‪،‬‬
‫الجزائر‪.2004 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬مصادر‬
‫االلتزام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.1952 ،‬‬

‫علي علي سليمان‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة السابعة‪.2006 ،‬‬

‫‪ -‬علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪ ،‬الفعل المستحق للتعويض‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2007‬‬

‫‪ -‬فاضلي إدريس‪ ،‬الوجيز في النظرية العام لاللتزام‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‬
‫‪.2009‬‬

‫‪140‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫‪ -‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬المدخل للعلوم القانونية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دروس في نظرية الحق‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪.2011 ،‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬الواضح في شرح القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬النظرية‬ ‫‪-‬‬

‫العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬العقد واإلرادة المنفردة‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار الهدى‪،‬‬
‫الجزائر‪.2008 ،‬‬

‫محمد صبري السعدي‪ ،‬شرح القانون المدني‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الواقعة القانونية‪ ،‬الجزء‬ ‫‪-‬‬

‫الثاني‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬الجزائر‪.2004 ،‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرسائل الجامعية‪:‬‬

‫‪ -‬حبار محمد‪ ،‬نظرية بطالن التصرف القانوني في القانون المدني الجزائري وفي الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة الجزائر‪.1987 ،‬‬

‫ثالثا‪ :‬النصوص القانونية‪.‬‬

‫‪ -‬األمر رقم ‪ 15/74‬المؤرخ في ‪ 30‬يناير ‪ 1974‬المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات‪.‬‬

‫‪ -‬األمر رقم ‪ 58/75‬المؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪ 1975‬والمتضمن القانون المدني‪.‬‬

‫‪ -‬األمر رقم ‪ 59/75‬المؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪ 1975‬والمتضمن القانون التجاري‪.‬‬

‫‪ -‬القانون رقم ‪ 11/84‬المؤرخ في ‪ 9‬يونيو ‪ 1984‬يتضمن قانون األسرة‪.‬‬

‫المحدد للقواعد المتعلقة بنزع الملكية من‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون رقم ‪ 11/91‬المؤرخ في ‪ 27‬أبريل ‪1991‬‬
‫أجل المنفعة العامة المتمم بالمرسوم التنفيذي رقم ‪ 24/05‬المؤرخ في ‪ 10‬جويلية ‪.2005‬‬

‫ويتمم القانون رقم ‪ 11/84‬المؤرخ‬


‫يعدل ّ‬
‫‪ -‬األمر رقم ‪ 02/05‬المؤرخ في ‪ 27‬فبراير ‪ّ 2006‬‬
‫في ‪ 09‬يونيو ‪ 1984‬والمتضمن قانون األسرة‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ويتمم األمر رقم ‪ 58/75‬المؤرخ‬ ‫‪ -‬القانون رقم ‪ 05/07‬المؤرخ في ‪ 13‬ماي ‪ّ 2007‬‬


‫يعدل ّ‬
‫في ‪ 26‬سبتمبر ‪ 1975‬والمتضمن القانون المدني‪.‬‬

‫‪ -‬القانون رقم ‪ 03/09‬المؤرخ في ‪ 2009/12/25‬المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش‪،‬‬


‫منشور في الجريدة الرسمية العدد ‪ ،15‬لسنة ‪.2009‬‬

‫المحدد للقوانين التي تنظم نشاط الترقية‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون رقم ‪ 04/11‬المؤرخ في ‪ 17‬فبراير ‪2011‬‬
‫العقارية‪ ،‬منشور في الجريدة الرسمية‪ ،‬العدد ‪ ،14‬لسنة ‪.2011‬‬

‫‪142‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫الفهرس‪:‬‬

‫الموضوع‪ ....................................................................‬الصفحة‬

‫مقدمة ‪1................... ..........................................................‬‬


‫الباب األول‪ :‬المصادر اإلرادية لاللتزام ‪7 .............................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬العقد ‪7 ...............................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية العقد وتحديد أقسامه‪7.........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف العقد‪8 ..................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة ‪8 ...........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف مبدأ سلطان اإلرادة ‪9 ....................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نشأة وتطور مبدأ سلطان اإلرادة‪9 ...............................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تقسيمات العقود ‪12.............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تقسيم العقد من حيث وجود تنظيم تشريعي خاص به ‪12..........‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تقسيم العقد من حيث التكوين ‪14................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تقسيم العقد من حيث األثر والمضمون ‪16.......................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬تقسيم العقد من حيث تحديد مقابل االلت ازم‪18.....................‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬تقسيم العقد من حيث المدة ‪21..............................‬‬
‫الفرع السادس‪ :‬تقسيم العقد من حيث سلطة الطرفين‪23......................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أركان العقد ‪25....................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التراضي ‪25....................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬وجود التراضي‪25...............................................‬‬
‫أوال‪ :‬وجود االرادة والتعبير عنها‪25..........................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬توافق اإلرادتين ‪32....................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬صحة التراضي‪48..............................................‬‬
‫أوال‪ :‬األهلية ‪48.............................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬عيوب اإلرادة‪52......................................................‬‬
‫‪143‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المحل ‪66......................................................‬‬


‫الفرع األول‪ :‬تعريف المحل ‪66...............................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط المحل ‪66...............................................‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬السبب ‪70.. ...................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬النظرية التقليدية للسبب‪70........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬النظرية الحديثة في السبب‪71....................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬شروط السبب‪72................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬إثبات السبب‪73...................................................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬نظرية البطالن‪74...............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تمييز البطالن عما يشابهه من االنظمة ‪74......................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أنواع البطالن ‪78...............................................‬‬
‫أوال‪ :‬البطالن المطلق ‪78....................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬البطالن النسبي ‪78...................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أحكام العقد الباطل والقابل لالبطال في القانون الجزائري ‪78......‬‬
‫ّأوال‪ :‬أحكام العقد الباطل ‪78.................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أحكام العقد القابل لالبطال‪68.........................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬التقادم والعقد القابل لالبطال ‪87.......................................‬‬
‫رابعا‪ :‬طلب اإلبطال‪87.....................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬اآلثار المترتبة على العقد الباطل والعقد القابل لالبطال ‪89........‬‬
‫ّأوال‪ :‬اآلثار األصلية ‪89.....................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬اآلثار العرضية‪89....................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬آثار العقد ‪92.....................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬قوة العقد الملزمة للعقد بالنسبة لألشخاص ‪92....................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثر العقد بالنسبة إلى المتعاقدين‪92..............................‬‬
‫ّأوال‪ :‬الخلف العام‪93........................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬الخلف الخاص ‪94....................................................‬‬
‫‪144‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫ثالثا‪ :‬مركز الدائنين العاديين‪95.............................................‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬أثر العقد بالنسبة إلى الغير ‪95..................................‬‬
‫ّأوال‪ :‬التعهد عن الغير ‪95...................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬االشتراط لمصلحة الغير ‪96...........................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬القوة الملزمة للعقد من حيث الموضوع ‪98........................‬‬
‫األول‪ :‬تحديد موضوع العقد ‪98.........................................‬‬
‫الفرع ّ‬
‫ّأوال‪ :‬تفسير العقد ‪98........................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحديد نطاق العقد ‪99.................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬مدى التزام المتعاقدين بتنفيذ العقد ‪100 ................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المسؤولية العقدية ‪103 ..........................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬انحالل العقد‪107...................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الفسخ‪107....................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الفسخ‪107.............................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أنواع الفسخ‪108..............................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدفع بعدم التنفيذ‪109.........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط الدفع بعدم التنفيذ‪109....................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬آثار الدفع بعدم التنفيذ‪109.....................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اإلرادة المنفردة ‪110 ................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬شروط الوعد بالجائزة ‪112 .........................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬آثار الوعد بالجائزة‪113 .......................................... .‬‬
‫مدة ‪113 ...................................‬‬
‫تحدد له ّ‬
‫المطلب األول‪ :‬الوعد الذي ّ‬
‫مدة ‪113 ................................‬‬
‫تحدد له ّ‬
‫المطلب الثاني ‪:‬الوعد الذي لم ّ‬
‫الباب الثاني‪ :‬المصادر غير اإلرادية لاللتزام ‪114 ....................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الفعل المستحق للتعويض أو المسؤولية التقصيرية ‪114 .................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اإلثراء بال سبب ‪117 .................................................‬‬

‫‪145‬‬
‫د‪ .‬شيخ نسيمة‬ ‫محاضرات في القانون المدني (مصادر االلتزام)‬

‫المبحث األول‪ :‬القاعدة العامة اإلثراء بال سبب ‪119 ................................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬أركان اإلثراء بال سبب ‪119 .....................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬إثراء المدين ‪121 ...............................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬افتقار الدائن ‪121 ..............................................‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬انعدام السبب القانوني ‪122 ....................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬حسن النية ‪122 ................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أحكام اإلثراء بال سبب ‪122 ....................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬دعوى اإلثراء ‪123 ..............................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعويض‪123 ................................................ .‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تطبيقات اإلثراء بال سبب‪124 .................................... .‬‬
‫المطلب األول‪ :‬دفع غير المستحق‪124 .........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط دفع غير المستحق‪124 ................................. .‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أحكام دفع غير المستحق‪126 ................................. .‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الفضالة‪128 .................................................. .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أركان الفضالة ‪131 .............................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أحكام الفضالة ‪134 ............................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬القانون ‪138 ..........................................................‬‬
‫الخاتمة‪139..........................................................................‬‬
‫قائمة المراجع ‪140 ...................................................................‬‬
‫الفهرس‪143..........................................................................‬‬

‫‪146‬‬

You might also like