Professional Documents
Culture Documents
إن قانون املسؤولية العامة يتخذ أمهية متزايدة.إن متطلبات األمن تستدعي أن
كل املخاطر جيب تغطيتها وأن تعويض الضرر ال بد أن يكون سريعا وكامال وأن على
اجملتمع أن يقوم بتعويض األضرار اليت تسبب فيها بل كذلك اليت مل تستطع منعها.
إن املسؤولية حمل الدراسة هي املسؤولية غري التعاقدية ألما تلك اليت ترتبط بعدم
تنفيذ أو سوء تنفيذ إلتزام تعاقدي فتدرس يف إطار نظام العقود اإلدارية.
إن نظام املسؤولية عرف منذ تقريبا قرن ونصف حتوال عميقا وذلك مع املرور من
مبدأ عدم مسؤولية الدولة إىل االعرتاف مبسؤولية الدولة يف قرار بالنكو الشهري(حمكمة
التنازع 8فرباير .)3881
إن االعرتاف مببدأ املسؤولية كان مؤطر بشروط كانت تبدو ضيقة مادام أن...
ولكن تطورت قواعد املسؤولية بعد قرار بالنكو.فإىل جانب املسؤولية على
أساس اخلطأ ظهرت فرضيات كثرية أين املسؤولية العمومية قبلت من قبل القضاء يف
غياب اخلطأ أو دون أن يستلزم ذلك إثبات اخلطأ.هكذا وضعت نصوص قانونية
أنظمة خمتلفة بقصد ضمان محاية أحسن للضحايا يف بعض الظروف اخلاصة.
إن األفعال الضارة اليت جيب للدولة حتملها مصدرها دامما فعل أو نشاط أو
نقص عامد إىل أشخاص طبيعية اليت تعمل باسم اجلماعة العامة .بالتايل تثور صعوبة
بالنسبة ملن يتحمل أفعاهلا الضارة هل اإلدارة العامة أو أعواهنا؟
6
.2تطور توزيع المسؤوليات بين اإلدارة و أعوانها
إن حمكمة التنازع هي اليت أقرت يف 3881التمييز املهم بني اخلطأ
الشخصي واخلطأ املرفقي .مازال للتمييز بني اخلطأ الشخص واخلطأ املرفقي أمهية رغم
اعرتاف القضاء برتاكم املسؤوليات أين اإلدارة واملوظف يتحمالن التعويض.
أ .التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي:
قد أقرت هبذا التمييز حمكمة التنازع يف قرار 13( PELLETIERجويلية
.)3881
إن اخلطأ الشخصي يرتب مسؤولية املوظف الشخصية أمام احملكمة العادية بينما
يرتب اخلطأ الشخصي مسؤولية اإلدارة العامة أمام القضاء اإلداري.
إن اخلطأ الشخصي أو املنفصل عن الوظيفة جيب أن يكون منفصال بصفة كافية عن
املرفق حىت يستطيع القاضي العادي مالحظته واستخالص النتامج دون تقدير سري
اإلدارة .هذا اخلطأ ميكن أن ينفصل ماديا عن املرفق :ارتكاب أخطاء خارج املرفق
ودون عالقة هبذا األخري.
األخطاء اليت حىت وإن ارتكبت مبناسبة املرفق ،تعترب منفصلة عنه إذا ارتكبت
لدوافع شخصية كاالنتقام أو بقصد اإلثراء الشخصي.
ميكن أن سلوك excessifيتمثل يف ألفاظ injurieux
ميكن أن تعترب أخطاء شخصية األخطاء غري املعذورة نظرا جلسامة نتامجها أو
غياب أي ضمري مهين.رفض طبيب استشفامي يف احلراسة التنقل لتفقد حالة مريض
بينما أعلم حبالته املقلقة مرارا .يرتكب خطأ شخصيا الضابط الذي ينظم حصة
تدريب بالذخرية احلية دون ضرورة تذكر معرضا اجلنود إىل املوت.
الخطأ المرفقي :ال يعترب بالضرورة خطأ جمهوال.حىت وإن كان من )2
املمكن التعرف على أعوان اإلدارة مصدر خلل يف سريها فإن اخلطأ املرتكب ال يفقد
صفة اخلطأ املرفقي إذا مل يقدم خصامص اخلطأ الشخصي.
7
إن اإلدارة العامة يف سعيها لتحقيق الصاحل العام تقوم بأنشطة و تصرفات
خمتلفة قد حتدث من خالهلا أضرارا لغريها .هل ميكن لألفراد متابعة اإلدارة عما
أصاهبم من أضرار و هل ميكن للهيئات القضامية اإلدارية تقرير مسئوليتها و احلكم
عليها بتقدمي تعويضات مقابل األضرار اليت تسببت فيها ؟
إن فكرة التعويض من قبل السلطة العامة مل تفرض نفسها إال بعد فرتة طويلة.
يف استمرارية هاملة بني النظام القدمي ،الثورة وجزء كبري من القرن التاسع عشر ،فإن
مسو السلطة وخصامص مهامها املرتكزة على الصاحل العام كانت قد بررت عدم
املسؤولية التامة هلذه السلطة العامة .فاألضرار اليت تتسبب فيها الدولة هي نوع من
املخاطر اليت يتحملها املواطنون .كما أن خصوصية مهام الدولة جعلت آلت دون
تطبيق قواعد القانون املدين وخاصة مواده 1382وما بعدها.
إن المشكل المطروح هو من يتحمل تعويض هذه األضرار ،هل الموظفين
أم اإلدارة؟ هذا هو حمور ما تعاجله املسؤولية اإلدارية.
قبل أن نتعرف على النظام القانوين للمسؤولية يف اجلزامر ال بد وأن نعرض
لبعض مالمح املسؤولية يف مهدها األول وهو فرنسا مث مدى تأثر النظام اجلزامري
للمسؤولية بنظريه الفرنسي.
أ -مالمح املسؤولية اإلدارية يف فرنسا
لقد مرت املسؤولية اإلدارية يف فرنسا مبراحل تارخيية وقضامية حىت استقرت على
ما هي عليه اآلن.
مبدأ عدم مسؤولية الدولة ب-
مل تكن املسؤولية اإلدارية مسلما هبا بل العكس ،كان املبدأ السامد يف القرن
التاسع عشرة هو عدم مسؤولية الدولة عن أعماهلا وأعمال أعواهنا ويرجع ذلك إىل أن
الدولة صاحبة سيادة وال جيوز متابعتها عما تلحقه من أضرار .فعدم املسؤولية يظهر
وكأنه مرتبط بالسيادة .هذا ما كان يراه .Duguitفاملسؤولية والسيادة بالنسبة إليه
8
شيئان متضادان .إن االعتقاد الذي كان سامدا قدميا هو أن الدولة ال ختطئ وال
حتدث أضرارا وإن " أحدثتها فإن هذه األضرار جيب حتملها وقبوهلا يف مقابل ما
تقدمه من خدمات".
أما بعد انتقال الدولة من دولة بوليسية إىل دولة تدخليه وتكثف نشاطاهتا
املختلفة واستعماهلا لوسامل وامتيازات السلطة العامة ،مل يعد ملبدأ عدم املسؤولية مربر
أو سند مقبول .كان الزما أن يساير هذا التطور مبدأ جديد يقر مبسؤولية الدولة
كنتيجة لألضرار اليت صارت تلحقها بغريها .ظهرت بوادر هذه املسؤولية يف قرار
بالنكو Blancoالشهري .
قرار بالنكو كأساس للمسؤولية اإلدارية ت-
برزت املسؤولية اإلدارية إىل الوجود يف قضية بالنكو سنة .1873
أصيبت الفتات أنياس بالنكو جبروح إثر اصطدامها بعربة تابعة ملصنع التبغ .رفع أبوها
السيد بالنكو دعوى تعويض ضد الدولة بصفتها مسؤولة مدنيا عن األخطاء اليت
ارتكبها عمال هذا املصنع .احتجت اإلدارة آنذاك ودفعت بعدم اختصاص احملاكم
العادية بالنظر يف مثل هذه القضايا .رفعت الدعوى أمام حمكمة التنازع للفصل يف
اجلهة اليت تعرف عن الدعاوى ضد الدولة .قررت حمكمة التنازع يف حكمها
الشهري(الذي أصبح حجر الزاوية بالنسبة لكل القانون اإلداري) على أن " مسؤولية
الدولة عن األضرار اليت تصيب األفراد بفعل األشخاص اليت تستخدمهم الدولة يف
مرفقها العام ،ال ميكن أن حتكمها القواعد املقررة يف القانون املدين بالنسبة لعالقة
الفرد بالفرد ،وأن هذه املسؤولية ليست عامة وال مطلقة وأن هلا قواعدها اخلاصة اليت
تتغري وفقا حلاجيات املرفق وضرورة توفيق حقوق الدولة وحقوق اخلواص" ( .حمكمة
التنازع .بالنكو 8 ،فرباير .) G.A.J.A . 1873النطق يف احلكم على أن
املسؤولية ليست عامة و ال مطلقة وأن هلا قواعدها اخلاصة اليت تتغري وفقا حلاجيات
املرفق تبدو على أهنا شروط ضيقة لقيام املسؤولية اإلدارية إال أن تطور املسؤولية جعل
هذه الشروط تسقط.
9
كرس قرار بالنكو النتائج التالية نوليها فيما يلي:
قلب قرار بالنكو مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن فعل األشخاص
املستخدمني يف مرافقها وبني على أن السلطة العامة ليست عامقا يف تقرير
مسئوليتها؛
صرح قرار بالنكو على أن املسؤولية اإلدارية ليست عامة وال مطلقة .يظهر
من خالل:
بالنسبة للنفي األول فقد اختفى من القانون الوضعي وذلك بتوسع املسؤولية
اإلدارية .فقد أصبحت اآلن عامة .فابتداء من بداية القرن التاسع عشر،
عرفت املسؤولية اإلدارية توسعا قويا .فحاليا كل األشخاص العامة و كل
نشاطاهتا ختضع هلذه املسؤولية .بالتايل إن مبدأ املسؤولية العامة فرض نفسه.
أما بالنسبة للنفي الثاين ،أي عدم اعتبار املسؤولية مطلقة ،فهذا يعين أنه
يأخذ بعني االعتبار الظروف اليت تعمل فيها املرافق العامة والقيود اليت تضغط
عليها( استمرارية ،تكيف ،مساواة)؛ وكذا وسامل وأهداف املرافق اليت هي حتقيق
الصاحل العام .إن معطيات املسؤولية اإلدارية تكون جمموعا معقدا والقاضي اإلداري
لعب وما زال يلعب دورا كبريا إعداد توفيق بني متطلبات خمتلفة :متطلبات الصاحل
العام اليت تضاف إليها الصعوبات اليت تعرتض بعض املرافق العامة يف تنفيذ مهامها،
محاية األموال العامة ،نتامج مبدأ املساواة أمام القانون واألعباء العامة ،احلماية
الضرورية لألعوان العموميني وذلك خلصوصية مهامهم ولكن يف نفس الوقت األخذ
بعني االعتبار مسئوليتهم اخلاصة املماثلة ملسؤولية املواطنني .إضافة هلذه االعتبارات
املتعلقة باملوظفني يضاف هدف آخر :السماح للضحية بإجياد un débiteur
. solvableاإلدارة تعترب كذلك ،ولكن ليس احلال عادة بالنسبة للموظف.
فالقاضي قام بتهيئة نوع من العالقات ما بني اإلدارة ،املوظف والضحية .هذه
1
التهيئة الذي هو يف صاحل الضحية يعترب قانونيا معقد.
1
G.DUPUIS. M.J GUEDON. P. CHRETIEN . Droit administratif. ARMAND COLIN. 6
EME EDITION REVUE. 1999 P 515.
11
طبيعة املسؤولية اإلدارية ث-
إن املسؤولية اليت يعاجلها القانون اإلداري هي مسؤولية مدنية ،فال وجود ملسؤولية
جنامية لإلدارة .ترتتب املسؤولية اإلدارية عندما حيدث لشخص ما من جراء أعمال
اإلدارة العامة و نشاطاهتا املتمثلة يف األعمال القانونية واملادية اليت تقوم هبا .هذه هي
املسؤولية التقصريية ،أما أعمال اإلدارة التعاقدية فتدخل يف جمال املسؤولية العقدية
وتدرس ضمن نظرية العقد.
ج -تأثر النظام اجلزامري للمسؤولية اإلدارية بالنظام الفرنسي
قد سلكت فرنسا يف جمال املسؤولية مسلكا خاصا متميزا عن النمط الربيطاين القاضي
بتحمل صاحب الفعل الضار املسؤولية من ذمته اخلاصة.
قد شيد جملس الدولة الفرنسي نظرية كاملة للمسؤولية اإلدارية وقد تأثر هبا املشرع
اجلزامري وبىن كل قراراته على ضوء هذه النظرية.
)3النظام الفرنسي للمسؤولية اإلدرية
بعد تصحيح مبدأ عدم مسؤولية الدولة وتقرير مسئوليتها قضاميا عن طريق قرار
بالنكو ،استقر القضاء اإلداري الفرنسي بعد قرار ( PELETIERحمكمة التنازع،
30جويلية ) G.A.J.A، 1873على التمييز بني املسؤولية الشخصية للموظف
ومسؤولية اإلدارة؛ إال أن احلاجز بني هذين النوعني من املسؤولية مرن ،حيث يوجد
تداخل وتأثري متبادل بينهما .هذا ما أدى مبجلس الدولة الفرنسي إىل اإلقرار يف كثري
من قراراته على أن املسؤولية يتحمل فيها كل من املوظف واإلدارة مسؤولية مشرتكة
(مجع املسؤوليات).؛ فهو تعايش بني مسؤولية اإلدارة و مسؤولية املوظف.
)2النظام اجلزامري للمسؤولية
لقد طبقت اجلزامر بعد االستقالل وإىل غاية 1965النظرية الفرنسية
للمسؤولية قضاميا ،تشريعيا وفقهيا؛ إال أنه رغم احلركة التشريعية الواسعة ،بقيت
املسؤولية يف صبغتها الفرنسية مؤثرة على القضاء اإلداري اجلزامري .فالتمييز بني اخلطأ
الشخصي للموظف ( مسؤولية شخصية) واخلطأ املرفقي( مسؤولية اإلدارة) مازال
11
يتمتع بكل قوته؛ ويعترب اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي األساسان اللذان تعتمد
عليهما املسؤولية اإلدارية يف ظل القانون اإلداري اجلزامري.
إن التمييز بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي يعتمده املشرع يف نص املادة
20فقرة 2من القانون األساسي النموذجي لعمال املؤسسات واإلدارات العمومية:
" إذا تعرض العامل ملتابعة قضامية من الغري بسبب ارتكابه خطأ يف اخلدمة وجب
على املؤسسة أو اإلدارة العمومية اليت ينتمي إليها أن حتميه من العقوبات املدنية اليت
تسلط عليه ما مل ينسب إىل هذا العامل خطأ شخصي ميكن أن يفصل عن ممارسة
مهامه".
للتمييز بني اخلطأين الشخصي واملرفقي أمهية .ففي حالة اخلطأ املرفقي اإلدارة
هي اليت تتحمل املسؤولية أمام اهليئات القضامية؛ بينما يؤدي اخلطأ الشخصي إىل
تقرير مسؤولية املوظف أمام احملاكم العدية مع تطبيق قواعد القانون املدين.
من املالحظ أن القضاء اإلداري اجلزامري على غرار نظريه الفرنسي يعرتف
جبميع املسؤوليات يف حالة وقوع اخلطأين معا.
نعرض إىل دراسة مسؤولية اإلدارة مث مسؤولية املوظف الشخصية ،مع بيان
التطور الذي عرفته كل من هذين املسؤولتني.
.1مسؤولية اإلدارة الخطئية
ترتب مسؤولية اإلدارة نتيجة خلطأ ارتكبته هذه األخرية ،أو بعبارة أصح ،إذا
ارتكب اخلطأ أحد موظفيها أو أعواهنا؛ ألن الشخص املعنوي شخص جمرد ال يرتكب
أخطاء ومن مث فمسؤولية األشخاص العامة املستندة على خطأ تظهر وكأهنا مسؤولية
بفعل الغري .إن من بني الصعوبات اليت اعرتضت قيام املسؤولية اإلدارية هي التمييز
بني مسؤولية األشخاص املعنوية واألشخاص الطبيعية اليت تعمل لصاحلها :فعندما
يكون هناك ضرر سببه موظف فكيف ميكن حتديد ما إذا كان الضرر مرتبط مبمارسة
الوظيفة وبالتايل يرتب مسؤولية اإلدارة أو إذا كان من فعل وتصرف املوظف مرتبا
12
مسئوليته اخلاصة .إن النوع الثاين من الصعوبات اليت اعرتضت املسؤولية تتعلق
باندالع املسؤولية اإلدارية .هل نلتزم فقط بتعويض األخطاء(وهل تستدعي املسؤولية
خطأ معينا) أم نعرتف بوجود مسؤولية دون خطأ؟
إن اخلطأ ال يعترب األساس الوحيد يف حتريك مسؤولية اإلدارة بل تقوم كذلك دون
خطأ( على أساس فكرة املخاطر وفكرة انعدام املساواة أمام التكاليف العامة).
إن املسؤولية على أساس اخلطأ تبقى هي املسؤولية األكثر استعماال ولكن املسؤولية
دون خطأ فقد عرفت تطورا مهما.
قد وضع القضاء معايري التمييز بني اخلطأ املرفقي واخلطأ الشخصي كما أهنا
حددت القواعد املتعلقة جبمع األخطاء وعالقة مسؤولية اإلدارة مبسؤولية موظفيها.
نتناول بالدراسة املسؤولية على أساس اخلطأ( املبحث األول) واملسؤولية على أساس
املخاطر ( املبحث الثاين).
)3املسؤولية على أساس اخلطأ
أ .مفهوم اخلطأ املرفقي
حاول الكثري من الفقهاء تقدمي تعريف للخطأ املرفقي ،كما أتيحت الفرصة
للقضاميني الفرنسي واجلزامري اإلفصاح عن موقفهما من فكرة اخلطأ املرفقي.
التعريفات الفقهية للخطأ املرفقي:
يرى األستاذ حميو أنه من الصعب إعطاء تعريف للخطأ املرفقي وأنه ال ميكن
تعريفه إال تعريفا سلبيا أي بتمييزه عن اخلطأ الشخصي أو بتحديد معامله األكثر
خصوصية.
نفس التعريف يتبناه األستاذ الطماوي حني قوله " :اخلطأ املرفقي هو كل ما
ال يعترب خطأ شخصيا" .مفهوم هذا التعريف يظهر مبناسبة ما يقدمه الطماوي من
شروح ملفهوم اخلطأ .فاخلطأ املرفقي " هو الذي ينسب إىل املرفق حىت ولو كان الذي
13
قام به ماديا أحد املوظفني" .يقوم اخلطأ هنا على أساس أن املرفق ذاته هو الذي
تسبب يف الضرر ألنه مل يؤد اخلدمة العامة وفقا للقواعد اليت يسري عليها".
أما الفقهاء الفرنسيون فهم يربطون كذلك اخلطأ املرفقي أو املصلحي بسري
املرفق العام .هكذا يرى األستاذ DELAUBADEREأن اخلطأ املصلحي مرتبط
بسوء سري املرفق وسوء تنظيمه .تقدر هذه املفاهيم بالقياس مع ما ينتظر من مرفق
عام عصري وما جيب أن يكون تصرفه العادي.
األستاذ RIVEROيعرف اخلطأ املرفقي على أنه خلل يف السري العادي
للمرفق يتسبب فيه موظف أو عدة موظفني لإلدارة و لكن ال ينسب إليهم شخصيا.
يتضح من خالل ما تقدم وكما يراه بعض الفقه أن اخلطأ املرفقي الذي يرتب مسؤولية
اإلدارة هو ذلك اخلطأ الذي إما يرتكب بصفة جمهولة أو بالعكس يرتكب من قبل
موظف أو عدة موظفني معينني.
فاخلطأ املرفقي الذي يرتكبه موظف أو جمموعة من املوظفني ال يفصل عن
اخلدمة .فاملسؤولية ال تنسب إىل املوظف بل إىل اإلدارة والنزاع هنا ا نزاع إداري
يفصل فيه القاضي اإلداري .أما اخلطأ املرفقي اجملهول فهو الذي يصعب إثباته .فهو
1
خطأ مجاعي ملرفق غري منظم أو مسري بصفة سيئة.
ب .موقف القضاء اإلداري الفرنسي واجلزامري من اخلطأ الشخصي
قضاميا ،ظهر اخلطأ املرفقي ألول مرة يف قرار .PELETIERحيث ميزت فيه
حمكمة التنازع بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي.
تتلخص وقامع القضية فيما يلي :استنادا إىل السلطات اليت يستمدها من حالة
احلصار ،قام القامد العسكري ملقاطعة L oiseحبجز أعداد من صحيفة كان السيد
PELETIERينوي نشرها .رفع هذا األخري دعوى أمام احملكمة املدنية طالبا إلغاء
احلجز و اإلفراج عن النسخ احملجوزة وطالبا التعويض .رفع احملافظ النزاع أمام حمكمة
1
- Dupuis p 526
14
التنازع اليت قررت أن السلطات اإلدارية والعسكرية مل ترتكب خطأ شخصيا بل أن
اإلدارة وحدها هي مسؤولة وأن االختصاص بالنظر يف هذه الدعوى يرجع إىل
القاضي العادي.
هكذا ميز هذا القرار بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي .فاخلطأ املرفقي وفقا
لقرار PELETIERهو اخلطأ الذي ال ينفصل عن املرفق و يقرر يف حالة حدوث
ضرر مسؤولية اإلدارة العامة وحدها أمام القاضي اإلداري.
ت .تطبيقات اخلطأ املرفقي يف ظل القضاء اإلداري اجلزامري
أحتت للهيئات القضامية اجلزامرية تقرير مسؤولية اإلدارة على أساس اخلطأ املرفقي.
ففي قرار بن مشيش( جملس أعلى 6أفريل .1973اجمللة اجلزامرية للعلوم القانونية،
االقتصادية والسياسية .عدد 3سبتمرب 1977ص ) 581استند اجمللس األعلى
على خطأ مرفقي ارتكبه رميس اجمللس الشعيب البلدي للخروب( والية قسنطينة)
لتقرير مسؤولية الدولة .يف عيد املولد النبوي استعمل األطفال املفرقعات وألقوا عمدا
بعضا منها داخل حمل للنجارة فاشتعلت فيه النريان و أحلقت به خسامر مادية معتربة.
كان الزما على رميس اجمللس الشعيب البلدي بصفته ممثال للدولة نشر وتنفيذ
التشريعات املتعلقة بصنع ،بيع واستعمال هذه املفرقعات عرب الرتاب الوطين( مرسوم
291-63ل 2أوت ) 1963فلم يفعل ومل يتخذ االحتياطات والوسامل لوقاية
مثل هذه املخاطر واحلد من نتامجها( املادة .) 170
يف قرار بلقاسي( جملس قضاء اجلزامر .بلقاسي ضد وزارة العدل.17.4.1978 .
اجمللة اجلزامرية رقم 1مارس 1978ص ) 193اعترب القاضي اخلطأ املرفقي خطأ
مرتبطا ارتباطا وثيقا بااللتزامات املهنية.
قام أعوان الضبط القضامي باحلجز على مبلغ من املال للسيد بلقاسي ومكون من
أوراق بنكية قدمية ووضعها يف صندوق الودامع لكتابة الضبط .وفقا للتنظيمات
السارية املفعول ،كان الزما استبدال هذه األوراق النقدية يف 4أبريل 1964كآخر
15
أجل حىت تبقى هذه النقود يف التداول؛ إال أن كاتب الضبط خرق التزاماته املهنية
ونسي استبدال هذه النقود يف الوقت احملدد .بعد اإلفراج عن السيد بلقاسي وضياع
النقود منه ،رفع دعوى إىل اجمللس القضامي يطلب التعويض عن األضرار اليت حلقت
به مدعيا أن وزارة العدل هي املسؤولة و مرتكزا على اخلطأ املرفقي الذي ارتكبه كاتب
الضبط.
قرر اجمللس القضامي(غرفة إدارية) على أن التهاونات املرتكبة من كاتب الضبط
تكون فعال ملحق بالضرر ويرتب مسؤولية وزارة العدل اليت تستخدمه وبالتايل عليها
تعويضه تعويضا كامال عما ضاع منه من أموال.
ث .العالقة بني اخلطأ والالمشروعية و تأثريمها على مسؤولية اإلدارة
إن اخلطأ املرفقي ينتج عن جتاوز السلطة .فما هي العالقات بني اخلطأ والالمشروعية؟
)3استقاللية نسبية للخطأ و الالمشروعية؟
إن الالمشروعية شرط ضروري لوجود خطأ من طبيعته تقرير مسؤولية اإلدارة.
هذا هو رأي الفقه و القضاء معا؛ ولكن هل هذا الشرط الضروري كاف ،أي هل
ميكن التأكيد على أن كل قرار غري مشروع مكون خلطأ؟
موقف CHAPUS DELBEZ BENOIT
رغم تأكيد CHAPUSعلى استقاللية كل من اخلطأ والالمشروعية مبناسبة األضرار
النامجة عن األفعال املادية املكونة خلطأ( خطأ يرتكبه طبيب يف فحص مريض ،نسيان
سلطة إدارية تصليح طريق عمومي…) إال أنه بني استقالهلما النسيب فيما يتعلق
باألعمال القانونية لإلدارة .هذا ما فعله كذلك BENOITو DELBEZاللذان
أكدا على التمييز بني مفهومي الالمشروعية واخلطأ لعدم التقامهما دامما.
إن جملس الدولة الفرنسي عندما يعرتف بوجود جتاوز السلطة ويلغي القرار على
هذا األساس ،فإن هذا التجاوز ال يكون بالضرورة خطأ من طبيعته ترتيب مسؤولية
السلطة العامة .الالمشروعية إذن شرط ضروري ولكن غري كاف لتقرير املسؤولية.
16
رأي DUGUIT
يرى هذا الفقيه أن كل المشروعية تؤدي إىل ترتيب مسؤولية السلطة العامة وبالتايل
فهو يربط بني اخلطأ والالمشروعية.
)2احللول املناسبة يف العالقة بني اخلطأ و الالمشروعية
إن احللول املناسبة واملأخوذ هبا هي أن الالمشروعية اليت تصيب القرار تكون
خطأ من طبيعته ترتيب مسؤولية السلطة العامة .حىت منيز بني الالمشروعية املكونة
خلطأ والالمشروعية غري املكونة خلطأ جيب اللجوء إىل التصنيف املعروف حلاالت
جتاوز السلطة.
)1القرارات الباطلة بسبب عيب عدم االختصاص
القرار الباطل بسبب عيب عدم االختصاص يكون خطأ من طبيعته تقرير مسؤولية
اإلدارة ،فهو عيب خطري رتب القضاء على أثره مسؤولية اإلدارة بسبب عيب عدم
االختصاص الزماين أو املكاين.
)4القرارات الباطلة بسبب عيب الشكل
الفكرة هنا أن كل عيب شكل ال يؤدي إىل تقرير مسؤولية اإلدارة .حىت ترتب
مسئوليتها جيب على املدعي إلثبات الضرر بيان أن لو احرتمت اإلدارة قواعد الشكل
ملا اختذ القرار حمل الطعن وملا أصابه ضرر.
)5القرارات الباطلة بسب عيب اجلسيم.
مثل هذا العيب يقرر املسؤولية ال حمالة ألنه عيب جسيم من شأنه ترتيب خطأ.
)6القرارات الباطلة بسبب خمالفة القانون
ج .درجات اخلطأ املرفقي
إن اخلطأ املرفقي درجات .فقد ميز القضاء اإلداري بني اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم.
)3اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم
هل هناك تعريف للخطأ اجلسيم؟
17
يرى األستاذ CHAPUSبأن اخلطأ اجلسيم هو خطأ أخطر من اخلطأ البسيط.
هذا التعريف يبني طبعا أن هناك أخطاء واضحة وجلية وأخرى أقل خطورة؛ ولكن ما
بني اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم توجد رمبا أخطاء ذات درجات متفاوتة يصعب
تقديرها .على كل يعود للقاضي اإلداري تقدير هذه األخطاء وإضفاء عليها صبغة
اخلطأ اجلسيم.
للتمييز بني اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم أمهية ،ويظهر ذلك من خالل األحكام
القضامية جمللس الدولة الفرنسي .فهو يشرتط لتقرير مسؤولية بعض املرافق العامة أن
تكون هذه األخرية قد ارتكبت خطأ جسيما.
ما هو السبب يف التمييز بني املرافق العامة ومن مث التمييز بني اخلطأ البسيط واخلطأ
اجلسيم؟
يعرتف القضاء اإلداري بأن هناك مرافق عامة تؤدي نشاطاهتا يف ظروف صعبة ومن
مث ال جيوز تقرير مسئوليتها يف حالة اخلطأ البسيط بل ال بد من وجود خطأ جسيم.
قد أوجز األستاذ CHAPUSاالعتبارات اليت تربر العالقة بني اخلطأ اجلسيم
والنشاط الصعب األداء .هذه االعتبارات تنحصر يف ثالث:
األخطاء البسيطة املرتكبة عند ممارسة األنشطة الصعبة هي أخطاء
معذورة و ليس هلا أي نتيجة؛
إذا كان اخلطأ البسيط يكفي لتقرير مسؤولية اإلدارة فيما يتعلق
باألنشطة الصعبة ،فكيف ميكن معرفة ما إذا كان املوظف خمطأ ما دام
أن الظروف اليت يعمل فيها صعبة؟
فالتأكيد على األخطاء اجلسيمة فقط يعين التأكيد على األخطاء اليت يسهل معرفتها.
األخذ باألخطاء البسيطة يف مثل هذه األنشطة الصعبة يؤدي إىل عرقلة
نشاط اإلدارة وذلك لتخوف هذه األخرية من أن تقرر مسئوليتها يف كل
مرة مبناسبة هذه األخطاء.
18
ح .املرافق العامة اليت تتوقف مسئوليتها على اخلطأ اجلسيم.
قد حدد جملس الدولة املرافق العامة اليت تقوم بأنشطة صعبة و اليت ال تقرر مسئوليتها
إال يف حالة ارتكاهبا خلطأ جسيم .نذكر منها:
مرفق الصحة العامة( مث عدل عنها القضاء يف سنة ،) 1992
مرفق الشرطة.
)3تقرير مسؤولية مرفق الصحة العامة
أن القضاء اإلداري ال يطبق نظام مسؤولية موحد بالنسبة ملرفق الصحة،
و إمنا يعمد على التمييز بني النشاط الطيب وتنظيم وسري مرفق الصحة.
)2مسؤولية مرفق املستشفى يف مزاولة نشاطه الطيب
جيب التمييز فيما يتعلق بالنشاط الطيب بني األعمال الطبية و األعمال العالجية .ال
تقرر مسؤولية إدارة املستشفى فيما يتعلق بنشاطها الطيب إال إذا ارتكبت اإلدارة خطأ
جسيما؛ أما يف حالة األعمال العالجية فيكفي إثبات وجود خطأ بسيط .وقد ذهب
القضاء اإلداري اجلزامري إىل االعتماد على هذه التفرقة بني اخلطأ البسيط واخلطأ
اجلسيم يف تقرير مسؤولية إدارة املستشفى.
)Consort Bensalem C. centre hospitalier dAlger. 29.10.1977.
(Rec.Bouchahda p123.
)1العمل العالجي
العمل الطيب هو عمل يقوم به إنسان خمتص هبدف عالج الغري ويرتكز هذا
العمل على استعمال معلومات بيولوجية مصاحبة لتقنيات عالج .وقد اعترب القضاء
اإلداري الفحص والعمليات اجلراحية من قبيل اإلعمال الطبية وبني حاالت تؤدي إىل
تقرير مسؤولية اإلدارة.
قيام طالب يف الطب بعملية جراحية يعترب خطأ جسيما ألن هذا
الطالب ليست له الصفة يف القيام مبثل هذه األعمال الطبية.
19
نسيان طبيب ألداة جراحة يف بطن مريض يعترب خطأ جسيما.
التأخر يف القيام بعملية جراحية نتيجة خطأ يف الفحص يعترب خطأ
جسيما.
)4املسؤولية عن العمل العالجي
العمل العالجي هو عمل تطبيقي ال يتطلب معلومات نظرية كبرية وهي من فعل
عامل منفذ( ممرض).
تتمثل هذه األعمال العالجية يف احلراسة الطبية ويف تقدمي األدوية والعالج .ومن
األمثلة عن أعمال احلراسة الطبية:
وفاة شخص بعد اإلقدام به استعجاال إىل املستشفى وعدم تقدميه إىل
الطبيب للفحص،
عدوى تلحق بشخص مريض بعد تقدمي له الدم دون املراقبة الكافية هلذا
الدم.
من األمثلة عن تقدمي األدوية و العالج:
كأن يقدم ممرض دواء ملريض غري الدواء املسجل له،
شل ذراع مريض بعد تلقيه حقنة،
جروح تسببها كمادات ساخنة.
)5مسؤولية إدارة املستشفى عن سوء تسيري و تنظيم مرفقه الصحي
يكفي لرتتيب مسؤولية إدارة املستشفى يف هذه احلالة إثبات وجود خطأ بسيط.
)6التطور الذي عرفته املسؤولية الطبية يف فرنسا بعد قرار Epoux V
لسنة 1992
)8تقرير مسؤولية مرفق البوليس
أ -قرار Tomaso Grecoكأساس ملسؤولية مرفق البوليس
برزت مالمح هذه املسؤولية ألول مرة يف قرار ( Tomaso Grecoجملس
الدولة 10فرباير .) 1905انطلق ثور ثامر هاربا يف سوق األرباس( تونس)
21
واجلمهور وراءه .أطلقت رصاصة فأصابت السيد Tomaso Grecoوهو داخل
منزله .تقدم بدعوى يطلب فيها من الدولة تعويضه عما أصابه من أضرار مستندا يف
ذلك على أن أحد رجال الدرك هو الذي أطلق النار وعلى أن مرفق الشرطة ارتكب
خطأ ألنه مل يقم بتحقيق النظام ومن مث تفادي وقوع مثل هذه احلوادث.
رفض جملس الدولة تعويض السيد Tomasoو ذلك لعدم وجود خطأ ينسب إىل
مرفق الشرطة ،إال أنه أصبح هذا القرار صدى عميق يف القضاء اإلداري و ذلك
لتقريره نتامج معينة.
اإلقرار مبسؤولية اإلدارة عن نشاط مرفق البوليس ب-
لقد قلب قرار Tomasoاملبدأ السامد يف قضاء جملس الدولة والقامل بعدم
مسؤولية الدولة عن اإلجراءات البوليسية وهتاون موظفي مرفق الشرطة؛ وأقر صراحة
هذه املسؤولية.
التمييز بني األعمال املادية ملرفق الشرطة واألعمال القانونية ت-
إن مسؤولية اإلدارة فيما يتعلق مبرفق الشرطة ليست مطلقة ،بل على القاضي
دراسة وفحص كل قضية مطروحة أمامه مراعيا يف ذلك اخلطأ الذي ارتكبه مرفق
الشرطة وهل من طبيعة هذا اخلطأ ترتيب مسؤولية الدولة؛ كما على القاضي األخذ
بعني االعتبار هذا املرفق والصعوبات واألخطار الذي تواجهه.
حىت ترتب مسؤولية اإلدارة ذهب القضاء يف بدايته إىل اشرتاط خطأ جسيم
يرتكبه مرفق الشرطة؛ إال أن هذه القاعدة عرفت فيما بعد ختفيفات .ذهب القضاء
اإلداري يف تقرير مسؤولية اإلدارة يف هذا الصدد إىل التمييز بني األعمال املادية
التنفيذية ملرفق الشرطة واألعمال القانونية أو البريوقراطية.
21
ث -األعمال املادية التنفيذية ملرفق البوليس
إن مسؤولية اإلدارة ال ترتب يف هذه احلالة إال إذا ارتكبت مرافق الشرطة حني
قيامها بأعماهلا املادية التنفيذية أخطاء جسيمة .يقصد باألعمال املادية التنفيذية
تدخل مرافق الشرطة هبدف احملافظة على السكينة واألمن العامني:
الشرطي الذي يقتل متظاهر يف تسرع يرتكب خطأ جسيما؛
الشرطي الذي يصيب مارا برصاص ظانا بأنه جمرم يرتكب خطأ
جسيما؛
كل أنواع العنف غري الضرورية اليت يستعملها رجال الشرطة هي مكونة
ألخطاء جسيمة؛
يرتكب مرفق الشرطة خطأ جسيما إذا ما قبضت على شخص وتركته
بدون عالج إذا ما استدعت حالته الصحية ذلك.
نفس احلل يأخذ به فيما يتعلق بأنشطة البوليس األخرى واملتمثلة يف
مكافحة احلرامق .فاخلطأ اجلسيم يتمثل هنا يف سوء تسيري تنظيم وتسيري
املرفق.
يكون خطأ جسيما:
عدم اختاذ مرفق حماربة احلرامق ألي إجراء ملكافحة احلرامق؛
الوصول املتأخر لرجال املطافئ؛
عدم وجود حراسة يف مركز احلريق؛
النقص يف الرجال و العتاد؛
ترك رجال املطافئ مكافحة احلريق وقت الغذاء…
خ .األعمال القانونية ملرفق البوليس
ال يتطلب اخلطأ اجلسيم عند قيام مرفق البوليس بنشاطاته القانونية احملضة ،بل يأخذ
القضاء اإلداري هنا باخلطأ البسيط.
أخطاء نامجة عن عدم مشروعية مقرر بلدي مينع عرض فيلم؛
22
السحب غري الشرعي لرخصة سياقة…
د .مسلك القضاء اإلداري اجلزامري فيما يتعلق مبسؤولية مرفق البوليس
لقد طبق القضاء اإلداري اجلزامري يف قضية بن مشيش نفس التمييز بني
اخلطأ البسيط و اخلطأ اجلسيم يف إطار املسؤولية عن النشاط البوليسي.
قد نسب لإلدارة يف قضية بن مشيش خطئني:
غياب إجراءات الضبط للبلدية و املتعلقة مبنع ،صنع و بيع و استعمال
املفرقعات و اليت أدى مبجلس األعلى إىل تقرير مسؤولية اإلدارة مرتكزا
يف ذلك على اخلطأ البسيط؛
التنظيم غري الكايف ملكافحة احلريق و الذي أدى باجمللس األعلى إىل
استبعاد املسؤولية ألن البلدية مل ترتكب أي خطأ يف مكافحة احلريق
مبحل النجارة وذلك الفتقارها ملرفق مكافحة احلرامق مبعىن الكلمة.
يف قضية سماتي ومبناسبة أنشطة أخرى ملرفق البوليس رتب اجمللس األعلى مسؤولية
الدولة عن أنشطة مرفق الشرطة الذي ارتكب خطأ وذلك بتسبيبه جروحا للسيد
مسايت نبيل ( جملس أعلى 25جوان 1976جمموع أحكام بوشهدة ،ص .) 75
رغم تأكيد اجمللس األعلى على اخلطأ إال أنه مل يعط وصفا .
.3المسؤولية بدون خطأ
إن اخلطأ املرفقي يكون النظام العادي للمسؤولية اإلدارية .فمىت وجد خطأ مرفقي
رتبت مسؤولية اإلدارة؛إال أنه اتضح أن هذه األخرية يف القيام بنشاطاهتا الكثرية قد
تلحق أضرارا بالغري دون إمكان إثبات ارتكاب خطأ من جانبها ،مما أدى مبجلس
الدولة الفرنسي إىل سد الفجوة بتصوره لنوع جديد من املسؤولية أين املتضرر غري ملزم
بإثبات وجود خطأ مرفقي.
أ .املسؤولية دون خطأ هي نظرية قضامية استثنامية
رغم أن املشرع الفرنسي نص على بعض حاالت املسؤولية بدون خطأ إال أنه
قررها يف نطاق حمدود جدا .يعود الفضل للقضاء اإلداري الفرنسي يف إبرازها إىل
23
الوجود وحتديد معاملها وجماالت تطبيقها؛ إال أن اخلطأ املرفقي يبقى بالنسبة للقضاء
اإلداري األساس القانوين األصيل ملسؤولية اإلدارة .فمىت انعدم اخلطأ املرفقي أو
صعب إثباته جلأ القضاء إىل تقرير مسؤولية اإلدارة دون خطأ و ذلك إذا ما أحلقت
أضرارا بالغري؛ ومن مث فاملسؤولية دون خطأ هي مسؤولية فرعية استثنامية بالنسبة
للمسؤولية على أساس اخلطأ.
ب .موقف املشرع اجلزامري من املسؤولية اإلدارية دون خطأ
لقد نص املشرع اجلزامري صراحة على قيام املسؤولية دون خطأ يف تشريعات
خمتلفة.
هكذا حيتوي القانون البلدي على بعض املواد اليت تنص على هذه املسؤولية.
تنص املادة.....؟ على ":أن البلديات مسؤولة مدنيا عن اإلتالف واإلضرار النامجة
عن اجلنح املرتكبة بالقوة املسلحة وبالعنف يف أراضيها على األشخاص أو األموال
بواسطة التجمعات والتجمهرات".
املادة ": .....تسهم الدولة مبوجب اخلطر اإلمجاعي لدفع النصيب من اإلتالف
واإلضرار املسببة".
كما أن املادة ....تنص على ":أن البلديات مسؤولة مدنيا عن احلوادث الطارمة
لرؤساء -اجمللس الشعيب البلدي و نوابه و لرؤساء اجملالس املؤقتة القاممني بوظامفهم
أو مبناسبتها".
-التشريعات العمالية وخاصة تلك املتعلقة باملخاطر املهنية واألمراض املهنية تقرر
تعويض العمال على أساس املخاطر
-األخطار واألضرار االستثنامية النامجة عن الكوارث الطبيعية املختلفة.
ت .شروط قيام هذه املسؤولية
حىت تقوم مسؤولية اإلدارة العامة جيب توافر شرطان:
أن توجد عالقة سببية بني الفعل الضار وسري مرفق عام،
24
وجود ضرر غري عادي وخاص .مل يوضح القضاء اإلداري معىن
الضرر غري العادي واخلاص ،كل ما يف ذلك أن هذه العبارة تسمح بالتمييز بني
الضرر الذي يؤدي إىل التعويض والضرر الذي ال يؤدي إىل التعويض.
ث .أسس هذه النظرية
إن مسؤولية اإلدارة دون خطأ تقوم على أساسني:
فكرة املخاطر،
فكرة انعدام املساواة أمام التكاليف العامة.
)3املسؤولية على أساس املخاطر وجماالت تطبيقها.
أ -فكرة املخاطر
إن اإلدارة العامة عند قيامها بنشاطاهتا تعرض بعض األشخاص إىل خماطر
خاصة وحتقق هذه املخاطر دون خطأ من جانب اإلدارة .فالقاضي جيربها على
التعويض يف بعض احلاالت.
إن املسؤولية على أساس املخاطر هي رمز املسؤولية دون خطأ حىت يبدو أحيانا
وكأهنا تذوب فيها؛ إال أهنا يف احلقيقة صورة للمسؤولية دون خطأ.
ب -جماالت تطبيق املسؤولية على أساس املخاطر
إن وجود " خماطر خاصة" للضرر من طبيعتها تربير أن يتحقق هذا الضرر الذي يولد
املسؤولية دون خطأ.
إن احللول القضامية هلذا النوع من املسؤولية تتعلق باألضرار اليت جتد مصدرها يف "
املواد واألشياء اخلطرية،
الوسامل اخلطرية،
احلاالت اخلطرية.
25
ب : 3-املواد و األشياء اخلطرية
هناك مواد وأشياء خطرية من املمكن أن حتدث أضرارا ،ولكن هناك درجات يف
خطورة األشياء اخلطرية .حىت يتم التعويض عن األضرار اليت قد ترتبها هذه األشياء
جيب أن حتدد قاممتها قضاميا.
إن القاممة القضامية هلذه األشياء واملواد اخلطرية حتتوي على أمالك منقولة وعلى مباين
عامة:
منتجات الدم وذلك خلطر عدوى فريوس السيدا .ترتب هنا مسؤولية
مراكز الدم؛
اإلنفجارات( جملس أعلى 9جويلية 1977بن أحسن أمحد ضد وزير
الداخلية .أحكام بوشهدة .ص ) 117؛
انفجار خمزن للذخرية يف قلعة( جملس الدولة 28مارس 1919
)Regnault-. Desrosiers؛
انفجار عربات حمملة بالذخرية يف حمطة قطار؛
األسلحة و اآلالت اخلطرية:
إن األسلحة النارية بكل أنواعها من املسدس إىل الرشاشات هي مصدر
مسؤولية دون خطأ .على عكس ذلك العصي والقنابل املسيلة للدموع ال تعترب أشياء
خطرية.
املباين العامة اخلطرية:
هي املباين اليت حتمل نوعا من اخلطورة و اليت يف حالة إحلاق أضرار بالغري ترتب
مسؤولية االدارة العامة دن خطأ .هذه املباين هي:
أشغال نقل وتوزيع الكهرباء و الغاز واملاء،
بعض الطرقات العامة خلطورهتا.
26
ب : 2-األساليب اخلطرية
إن الطابع اخلطري لبعض الوسامل املستعملة من طرف اإلدارة العامة أدى مبجلس
الدولة الفرنسي ابتداء من 1956إىل تقرير مسؤولية اإلدارة العامة دون ارتكاب
خطأ من جانبها .فهي مسؤولية دون خطأ .من األمثلة لبعض هذه الوسامل نذكر:
األساليب احلرة يف إعادة الرتبية للطفولة املنحرفة واليت تسمح
للمنحرفني اهلروب بسهولة من املراكز والقيام ببعض األعمال املضرة بالغري(سرقة،
سرقة السيارات ،اعتداءات…)؛
نفس احلل بالنسبة ألساليب أخرى املنشأة ملخطر خاصة للتعوض.
مثال ،معاجلة املصابني باألمراض العقلية يف مستشفيات األمراض العقلية،
ومن بني هذه العالجات إخراج املرضى للتجربة والتأكد من قدرهتم على
اإلدماج يف احلياة؛
كذلك احلال بالنسبة للمساجني وإعطامهم رخص خروج وذلك
إلبقاء الروابط العاملية وحتضري إدماجهم يف احلياة اإلمجاعية.
ب : 1-احلاالت اخلطرية
إن املسؤولية دون خطأ املرتبطة مبخاطر خاصة ينتفع منها كذلك األشخاص
املوجودين حبكم االلتزامات املفروضة عليهم يف حالة خطرية.
أثناء احلرب الكورية وبينما كانت مدينة Seoulحمتلة من طرف قوات كوريا
اجلنوبية ،أمرت احلكومة الفرنسية قنصلها بالبقاء يف منصبه ،فنهبت أمالكه .رغم أن
احلكومة مل ترتكب خطأ إال أن القاضي اإلداري قر أن للقنصل احلق يف التعويض
ألنه وضع من طرف احلكومة يف حالة خطرية.
ج .املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة
هناك حاالت من املسؤولية دون خطأ ال ميكن أن تفسر على ضوء فكرة
املخاطر بل جتد مصدرها يف مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة.
27
)3مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة
إن مبدأ مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة مبدأ عام من املبادئ العامة .يعين
هذا املبدأ املساواة يف احلقوق واملنافع( مساواة أمام القانون وأمام الوظامف وأمام
خدمات املرافق العامة) واملساواة يف التكاليف والواجبات العامة(مساواة أمام الضرامب
وأمام اخلدمة العسكرية) .هذا املبدأ يعترب أساسا للمسؤولية دون خطأ لألشخاص
العامة اليت حتمل ،باسم الصاحل العام ،بعض أفراد اجلماعة أعباء وتكاليف خاصة ،مما
يستوجب على الدولة دفع تعويض بتوزيع عبئه على أفراد اجلماعة العامة.
)2خصامص نظام املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف
العامة
إن املسؤولية دون خطأ القاممة على أساس انعدام املساواة أمام التكاليف العامة هلا
خاصيتني:
األضرار هي نتيجة طبيعية و ضرورية و متوقعة لبعض احلاالت وبعض
اإلجراءات و اليت مبوجبها يضحى ببعض األفراد اجلماعة العامة يف سبيل
متطلبات الصاحل العام.
جيب أن يكون الضرر غري عادي وخاص.
ومعىن أن يكون الضرر خاصا أي أنه ال ميس إال بعض أعضاء اجلماعة العامة وإال
ال نكون أمام انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة.
ومعىن أن يكون غري عا دي أي أن تكون له درجة من األمهية ألن على أعضاء
اجلماعة العامة حتمل إزعاجات ومضايقات ومساوئ احلياة اإلمجاعية.
)1جمال تطبيق املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة
إن تطبيقات املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة
تنحصر قي اجملاالت التالية:
األشغال العامة،
28
تنفيذ األحكام القضامية،
القوانني واملعاهدات الدولية
أ -املسؤولية عن األضرار الداممة لألشغال العامة
يف ميدان األشغال العامة الضرر الناتج عن جماورة مبىن عام غري خطري يفتح
للمتضرر منه حقا يف التعويض إذا ما كان الضرر يفوق اإلزعاجات العادية اليت
يسببها هذا اجلوار .فالضرر هنا ال ينتج عن حوادث معينة بل ينتج عن تنفيذ أشغال
عامة أو جماورهتا.
لقد بني القضاء اإلداري يف هذا الصدد احلاالت اليت تسمح فيها بالتعويض:
أشغال تصليح طريق استلزمت غلق حمل جتاري ملدة معينة،
أشغال طريق تسببت يف نقص موارد مالية ملدة سنتني لصانع أحذية،
نقص موارد مالية حملل بيع األقمشة بسبب صعوبة اإللتحاق هبذا احملل
الذي فرضته أشغال صنع مرتو مدينة لييون،
نقص قيمة ملك بسبب أشغال مبوجبها طريق سريع ومرور هذا الطريق
بقرب هذا امللك.
املسؤولية عن عدم تنفيذ األحكام القضامية ب-
تظهر هذه احلالة مبناسبة تنفيذ األحكام القضامية النهامية .إن الشخص الذي
يصدر لصاحله حكم قضامي هنامي يستطيع طلب مساعدة القوة العمومية لتنفيذ هذا
احلكم؛ و لكن إذا كانت اإلدارة ختشى من أن ميس هذا التنفيذ بالنظام العام فيمكن
أن متتنع اإلدارة عن تقدمي املساعدة القوة العمومية.
هذا ما تنص عليه املادة 324فقرة 2من ق.إ.م ":عندما يكون التنفيذ من شأنه
أن يعكر األمن العمومي إىل درجة اخلطورة فيمكن للوايل أن يطلب التوقيف املؤقت
هلذا التنفيذ".
إن قرار منع تقدمي مساعدة القوة العمومية مشروع و لكنه يفرض على املنتفع
من القرار عبئ ميس مببدأ مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة.
29
يف قرار ( Couiteasجملس الدولة 30نوفمرب )G.A.J.A 1930امتنعت
اإلدارة عن تنفيذ حكم لصاحل السيد Couiteasألن تنفيذ احلكم كان يتطلب
عملية إخالء جمموعة من القبامل الرحل من اجلنوب التونسي وأن العملية كانت
تتطلب مساعدة القوات العسكرية وخشيت اإلدارة اضطرابات من وراء العملية .قرر
جملس الدولة تعويض السيد Couiteasعن عدم تنفيذ احلكم على أساس انعدام
املساواة أمام التكاليف العامة.
املسؤولية بسبب القوانني واملعاهدات الدولية ت-
املبدأ هو عدم مسؤولية الدولة بفعل القوانني واملعاهدات الدولية إال أن جملس
الدولة أقر يف بعض قراراته مسؤولية الدولة بسبب الوظيفة التشريعية وبسبب
املعاهدات الدولية اليت هلا قو (La fleuretteجملس الدولة 14جانفي 1938
) G.A.J.Aأقر جملس الدولة مسؤولية الدولة بفعل القوانني.
صدر قانون 9جويلية 3914املتعلق حبماية سوق احلليب وقد منع هذا
القانون صنع كل املنتجات اليت ميكن أن تعوض القشدة الطبيعية وغري الصادرة
مباشرة من احلليب .أجربت شركة منتجات La fleuretteعن التوقف عن
نشاطها مما مسح جمللس الدولة احلكم بالتعويض على أساس انعدام مساواة اجلميع
أمام التكاليف العامة.
نفس احلل تبناه جملس الدولة فيما يتعلق مبعاهدة دولية.
إن الشركة العامة للطاقة الكهرو -مذياعية كانت متلك حمالت وأجهزة إرسال
عن طريق الراديو وقد استولت عليها القوات األملانية طيلة فرتة اإلحالل.
بعد انتهاء احلرب تقدمت الشركة بطلب تعويض للدولة الفرنسية عن األضرار
اليت حلقتها عن عدم استعماهلا وانتفاعها من هذه احملالت واألجهزة فرفضت الدولة
تعويضها .تقدمت الشركة بدعوى أمام احملكمة اإلدارية مث استئنافا أمام جملس الدولة
طالبة التعويض و مرتكزة على معاهدات الهاي ل 38أكتوبر 3938اليت كانت
31
تنص على إمكانية تعويض مثل هذه العمليات بدع احلرب .لكن فرمسا كانت قد
أبرمت معاهدة يف 3946و 3951لتأجيل دفع كل الديون إزاء الدولة األملانية
ومن مث اعتربت الشركة على أن هلا احلق يف التعويض على أساس انعدام مساواة
اجلميع أمام التكاليف العامة.
31