You are on page 1of 26

‫المسؤولية اإلدارية‬

‫بناصر يوسف‪ -‬أستاذ التعليم العالي‬


‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫جامعة وهران ‪ 1‬محمد بن أحمد‬

‫إن قانون املسؤولية العامة يتخذ أمهية متزايدة‪.‬إن متطلبات األمن تستدعي أن‬
‫كل املخاطر جيب تغطيتها وأن تعويض الضرر ال بد أن يكون سريعا وكامال وأن على‬
‫اجملتمع أن يقوم بتعويض األضرار اليت تسبب فيها بل كذلك اليت مل تستطع منعها‪.‬‬
‫إن املسؤولية حمل الدراسة هي املسؤولية غري التعاقدية ألما تلك اليت ترتبط بعدم‬
‫تنفيذ أو سوء تنفيذ إلتزام تعاقدي فتدرس يف إطار نظام العقود اإلدارية‪.‬‬
‫إن نظام املسؤولية عرف منذ تقريبا قرن ونصف حتوال عميقا وذلك مع املرور من‬
‫مبدأ عدم مسؤولية الدولة إىل االعرتاف مبسؤولية الدولة يف قرار بالنكو الشهري(حمكمة‬
‫التنازع ‪ 8‬فرباير ‪.)3881‬‬
‫إن االعرتاف مببدأ املسؤولية كان مؤطر بشروط كانت تبدو ضيقة مادام أن‪...‬‬
‫ولكن تطورت قواعد املسؤولية بعد قرار بالنكو‪.‬فإىل جانب املسؤولية على‬
‫أساس اخلطأ ظهرت فرضيات كثرية أين املسؤولية العمومية قبلت من قبل القضاء يف‬
‫غياب اخلطأ أو دون أن يستلزم ذلك إثبات اخلطأ‪.‬هكذا وضعت نصوص قانونية‬
‫أنظمة خمتلفة بقصد ضمان محاية أحسن للضحايا يف بعض الظروف اخلاصة‪.‬‬
‫إن األفعال الضارة اليت جيب للدولة حتملها مصدرها دامما فعل أو نشاط أو‬
‫نقص عامد إىل أشخاص طبيعية اليت تعمل باسم اجلماعة العامة‪ .‬بالتايل تثور صعوبة‬
‫بالنسبة ملن يتحمل أفعاهلا الضارة هل اإلدارة العامة أو أعواهنا؟‬

‫‪6‬‬
‫‪ .2‬تطور توزيع المسؤوليات بين اإلدارة و أعوانها‬
‫إن حمكمة التنازع هي اليت أقرت يف ‪ 3881‬التمييز املهم بني اخلطأ‬
‫الشخصي واخلطأ املرفقي‪ .‬مازال للتمييز بني اخلطأ الشخص واخلطأ املرفقي أمهية رغم‬
‫اعرتاف القضاء برتاكم املسؤوليات أين اإلدارة واملوظف يتحمالن التعويض‪.‬‬
‫أ‪ .‬التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي‪:‬‬
‫قد أقرت هبذا التمييز حمكمة التنازع يف قرار ‪ 13( PELLETIER‬جويلية‬
‫‪.)3881‬‬
‫إن اخلطأ الشخصي يرتب مسؤولية املوظف الشخصية أمام احملكمة العادية بينما‬
‫يرتب اخلطأ الشخصي مسؤولية اإلدارة العامة أمام القضاء اإلداري‪.‬‬
‫إن اخلطأ الشخصي أو املنفصل عن الوظيفة جيب أن يكون منفصال بصفة كافية عن‬
‫املرفق حىت يستطيع القاضي العادي مالحظته واستخالص النتامج دون تقدير سري‬
‫اإلدارة‪ .‬هذا اخلطأ ميكن أن ينفصل ماديا عن املرفق‪ :‬ارتكاب أخطاء خارج املرفق‬
‫ودون عالقة هبذا األخري‪.‬‬
‫األخطاء اليت حىت وإن ارتكبت مبناسبة املرفق‪ ،‬تعترب منفصلة عنه إذا ارتكبت‬
‫لدوافع شخصية كاالنتقام أو بقصد اإلثراء الشخصي‪.‬‬
‫ميكن أن سلوك ‪ excessif‬يتمثل يف ألفاظ ‪injurieux‬‬
‫ميكن أن تعترب أخطاء شخصية األخطاء غري املعذورة نظرا جلسامة نتامجها أو‬
‫غياب أي ضمري مهين‪.‬رفض طبيب استشفامي يف احلراسة التنقل لتفقد حالة مريض‬
‫بينما أعلم حبالته املقلقة مرارا‪ .‬يرتكب خطأ شخصيا الضابط الذي ينظم حصة‬
‫تدريب بالذخرية احلية دون ضرورة تذكر معرضا اجلنود إىل املوت‪.‬‬
‫الخطأ المرفقي‪ :‬ال يعترب بالضرورة خطأ جمهوال‪.‬حىت وإن كان من‬ ‫‪)2‬‬
‫املمكن التعرف على أعوان اإلدارة مصدر خلل يف سريها فإن اخلطأ املرتكب ال يفقد‬
‫صفة اخلطأ املرفقي إذا مل يقدم خصامص اخلطأ الشخصي‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫إن اإلدارة العامة يف سعيها لتحقيق الصاحل العام تقوم بأنشطة و تصرفات‬
‫خمتلفة قد حتدث من خالهلا أضرارا لغريها‪ .‬هل ميكن لألفراد متابعة اإلدارة عما‬
‫أصاهبم من أضرار و هل ميكن للهيئات القضامية اإلدارية تقرير مسئوليتها و احلكم‬
‫عليها بتقدمي تعويضات مقابل األضرار اليت تسببت فيها ؟‬
‫إن فكرة التعويض من قبل السلطة العامة مل تفرض نفسها إال بعد فرتة طويلة‪.‬‬
‫يف استمرارية هاملة بني النظام القدمي‪ ،‬الثورة وجزء كبري من القرن التاسع عشر‪ ،‬فإن‬
‫مسو السلطة وخصامص مهامها املرتكزة على الصاحل العام كانت قد بررت عدم‬
‫املسؤولية التامة هلذه السلطة العامة‪ .‬فاألضرار اليت تتسبب فيها الدولة هي نوع من‬
‫املخاطر اليت يتحملها املواطنون‪ .‬كما أن خصوصية مهام الدولة جعلت آلت دون‬
‫تطبيق قواعد القانون املدين وخاصة مواده ‪ 1382‬وما بعدها‪.‬‬
‫إن المشكل المطروح هو من يتحمل تعويض هذه األضرار‪ ،‬هل الموظفين‬
‫أم اإلدارة؟ هذا هو حمور ما تعاجله املسؤولية اإلدارية‪.‬‬
‫قبل أن نتعرف على النظام القانوين للمسؤولية يف اجلزامر ال بد وأن نعرض‬
‫لبعض مالمح املسؤولية يف مهدها األول وهو فرنسا مث مدى تأثر النظام اجلزامري‬
‫للمسؤولية بنظريه الفرنسي‪.‬‬
‫أ‪ -‬مالمح املسؤولية اإلدارية يف فرنسا‬
‫لقد مرت املسؤولية اإلدارية يف فرنسا مبراحل تارخيية وقضامية حىت استقرت على‬
‫ما هي عليه اآلن‪.‬‬
‫مبدأ عدم مسؤولية الدولة‬ ‫ب‪-‬‬
‫مل تكن املسؤولية اإلدارية مسلما هبا بل العكس‪ ،‬كان املبدأ السامد يف القرن‬
‫التاسع عشرة هو عدم مسؤولية الدولة عن أعماهلا وأعمال أعواهنا ويرجع ذلك إىل أن‬
‫الدولة صاحبة سيادة وال جيوز متابعتها عما تلحقه من أضرار‪ .‬فعدم املسؤولية يظهر‬
‫وكأنه مرتبط بالسيادة‪ .‬هذا ما كان يراه ‪ .Duguit‬فاملسؤولية والسيادة بالنسبة إليه‬

‫‪8‬‬
‫شيئان متضادان‪ .‬إن االعتقاد الذي كان سامدا قدميا هو أن الدولة ال ختطئ وال‬
‫حتدث أضرارا وإن " أحدثتها فإن هذه األضرار جيب حتملها وقبوهلا يف مقابل ما‬
‫تقدمه من خدمات"‪.‬‬
‫أما بعد انتقال الدولة من دولة بوليسية إىل دولة تدخليه وتكثف نشاطاهتا‬
‫املختلفة واستعماهلا لوسامل وامتيازات السلطة العامة‪ ،‬مل يعد ملبدأ عدم املسؤولية مربر‬
‫أو سند مقبول‪ .‬كان الزما أن يساير هذا التطور مبدأ جديد يقر مبسؤولية الدولة‬
‫كنتيجة لألضرار اليت صارت تلحقها بغريها‪ .‬ظهرت بوادر هذه املسؤولية يف قرار‬
‫بالنكو ‪ Blanco‬الشهري ‪.‬‬
‫قرار بالنكو كأساس للمسؤولية اإلدارية‬ ‫ت‪-‬‬
‫برزت املسؤولية اإلدارية إىل الوجود يف قضية بالنكو سنة ‪.1873‬‬
‫أصيبت الفتات أنياس بالنكو جبروح إثر اصطدامها بعربة تابعة ملصنع التبغ‪ .‬رفع أبوها‬
‫السيد بالنكو دعوى تعويض ضد الدولة بصفتها مسؤولة مدنيا عن األخطاء اليت‬
‫ارتكبها عمال هذا املصنع‪ .‬احتجت اإلدارة آنذاك ودفعت بعدم اختصاص احملاكم‬
‫العادية بالنظر يف مثل هذه القضايا‪ .‬رفعت الدعوى أمام حمكمة التنازع للفصل يف‬
‫اجلهة اليت تعرف عن الدعاوى ضد الدولة‪ .‬قررت حمكمة التنازع يف حكمها‬
‫الشهري(الذي أصبح حجر الزاوية بالنسبة لكل القانون اإلداري) على أن " مسؤولية‬
‫الدولة عن األضرار اليت تصيب األفراد بفعل األشخاص اليت تستخدمهم الدولة يف‬
‫مرفقها العام‪ ،‬ال ميكن أن حتكمها القواعد املقررة يف القانون املدين بالنسبة لعالقة‬
‫الفرد بالفرد‪ ،‬وأن هذه املسؤولية ليست عامة وال مطلقة وأن هلا قواعدها اخلاصة اليت‬
‫تتغري وفقا حلاجيات املرفق وضرورة توفيق حقوق الدولة وحقوق اخلواص"‪ ( .‬حمكمة‬
‫التنازع‪ .‬بالنكو‪ 8 ،‬فرباير ‪ .) G.A.J.A . 1873‬النطق يف احلكم على أن‬
‫املسؤولية ليست عامة و ال مطلقة وأن هلا قواعدها اخلاصة اليت تتغري وفقا حلاجيات‬
‫املرفق تبدو على أهنا شروط ضيقة لقيام املسؤولية اإلدارية إال أن تطور املسؤولية جعل‬
‫هذه الشروط تسقط‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ ‬كرس قرار بالنكو النتائج التالية نوليها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬قلب قرار بالنكو مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن فعل األشخاص‬
‫املستخدمني يف مرافقها وبني على أن السلطة العامة ليست عامقا يف تقرير‬
‫مسئوليتها؛‬
‫‪ ‬صرح قرار بالنكو على أن املسؤولية اإلدارية ليست عامة وال مطلقة‪ .‬يظهر‬
‫من خالل‪:‬‬
‫‪ ‬بالنسبة للنفي األول فقد اختفى من القانون الوضعي وذلك بتوسع املسؤولية‬
‫اإلدارية‪ .‬فقد أصبحت اآلن عامة‪ .‬فابتداء من بداية القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫عرفت املسؤولية اإلدارية توسعا قويا‪ .‬فحاليا كل األشخاص العامة و كل‬
‫نشاطاهتا ختضع هلذه املسؤولية‪ .‬بالتايل إن مبدأ املسؤولية العامة فرض نفسه‪.‬‬
‫‪ ‬أما بالنسبة للنفي الثاين‪ ،‬أي عدم اعتبار املسؤولية مطلقة‪ ،‬فهذا يعين أنه‬
‫يأخذ بعني االعتبار الظروف اليت تعمل فيها املرافق العامة والقيود اليت تضغط‬
‫عليها( استمرارية‪ ،‬تكيف‪ ،‬مساواة)؛ وكذا وسامل وأهداف املرافق اليت هي حتقيق‬
‫الصاحل العام‪ .‬إن معطيات املسؤولية اإلدارية تكون جمموعا معقدا والقاضي اإلداري‬
‫لعب وما زال يلعب دورا كبريا إعداد توفيق بني متطلبات خمتلفة‪ :‬متطلبات الصاحل‬
‫العام اليت تضاف إليها الصعوبات اليت تعرتض بعض املرافق العامة يف تنفيذ مهامها‪،‬‬
‫محاية األموال العامة‪ ،‬نتامج مبدأ املساواة أمام القانون واألعباء العامة‪ ،‬احلماية‬
‫الضرورية لألعوان العموميني وذلك خلصوصية مهامهم ولكن يف نفس الوقت األخذ‬
‫بعني االعتبار مسئوليتهم اخلاصة املماثلة ملسؤولية املواطنني‪ .‬إضافة هلذه االعتبارات‬
‫املتعلقة باملوظفني يضاف هدف آخر‪ :‬السماح للضحية بإجياد ‪un débiteur‬‬
‫‪ . solvable‬اإلدارة تعترب كذلك‪ ،‬ولكن ليس احلال عادة بالنسبة للموظف‪.‬‬
‫فالقاضي قام بتهيئة نوع من العالقات ما بني اإلدارة‪ ،‬املوظف والضحية‪ .‬هذه‬
‫‪1‬‬
‫التهيئة الذي هو يف صاحل الضحية يعترب قانونيا معقد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪G.DUPUIS. M.J GUEDON. P. CHRETIEN . Droit administratif. ARMAND COLIN. 6‬‬
‫‪EME EDITION REVUE. 1999 P 515.‬‬
‫‪11‬‬
‫طبيعة املسؤولية اإلدارية‬ ‫ث‪-‬‬
‫إن املسؤولية اليت يعاجلها القانون اإلداري هي مسؤولية مدنية‪ ،‬فال وجود ملسؤولية‬
‫جنامية لإلدارة‪ .‬ترتتب املسؤولية اإلدارية عندما حيدث لشخص ما من جراء أعمال‬
‫اإلدارة العامة و نشاطاهتا املتمثلة يف األعمال القانونية واملادية اليت تقوم هبا‪ .‬هذه هي‬
‫املسؤولية التقصريية‪ ،‬أما أعمال اإلدارة التعاقدية فتدخل يف جمال املسؤولية العقدية‬
‫وتدرس ضمن نظرية العقد‪.‬‬
‫ج‪ -‬تأثر النظام اجلزامري للمسؤولية اإلدارية بالنظام الفرنسي‬
‫قد سلكت فرنسا يف جمال املسؤولية مسلكا خاصا متميزا عن النمط الربيطاين القاضي‬
‫بتحمل صاحب الفعل الضار املسؤولية من ذمته اخلاصة‪.‬‬
‫قد شيد جملس الدولة الفرنسي نظرية كاملة للمسؤولية اإلدارية وقد تأثر هبا املشرع‬
‫اجلزامري وبىن كل قراراته على ضوء هذه النظرية‪.‬‬
‫‪ )3‬النظام الفرنسي للمسؤولية اإلدرية‬
‫بعد تصحيح مبدأ عدم مسؤولية الدولة وتقرير مسئوليتها قضاميا عن طريق قرار‬
‫بالنكو‪ ،‬استقر القضاء اإلداري الفرنسي بعد قرار ‪ ( PELETIER‬حمكمة التنازع‪،‬‬
‫‪ 30‬جويلية ‪ ) G.A.J.A، 1873‬على التمييز بني املسؤولية الشخصية للموظف‬
‫ومسؤولية اإلدارة؛ إال أن احلاجز بني هذين النوعني من املسؤولية مرن‪ ،‬حيث يوجد‬
‫تداخل وتأثري متبادل بينهما‪ .‬هذا ما أدى مبجلس الدولة الفرنسي إىل اإلقرار يف كثري‬
‫من قراراته على أن املسؤولية يتحمل فيها كل من املوظف واإلدارة مسؤولية مشرتكة‬
‫(مجع املسؤوليات)‪.‬؛ فهو تعايش بني مسؤولية اإلدارة و مسؤولية املوظف‪.‬‬
‫‪ )2‬النظام اجلزامري للمسؤولية‬
‫لقد طبقت اجلزامر بعد االستقالل وإىل غاية ‪ 1965‬النظرية الفرنسية‬
‫للمسؤولية قضاميا‪ ،‬تشريعيا وفقهيا؛ إال أنه رغم احلركة التشريعية الواسعة‪ ،‬بقيت‬
‫املسؤولية يف صبغتها الفرنسية مؤثرة على القضاء اإلداري اجلزامري‪ .‬فالتمييز بني اخلطأ‬
‫الشخصي للموظف ( مسؤولية شخصية) واخلطأ املرفقي( مسؤولية اإلدارة) مازال‬
‫‪11‬‬
‫يتمتع بكل قوته؛ ويعترب اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي األساسان اللذان تعتمد‬
‫عليهما املسؤولية اإلدارية يف ظل القانون اإلداري اجلزامري‪.‬‬
‫إن التمييز بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي يعتمده املشرع يف نص املادة‬
‫‪ 20‬فقرة ‪ 2‬من القانون األساسي النموذجي لعمال املؤسسات واإلدارات العمومية‪:‬‬
‫" إذا تعرض العامل ملتابعة قضامية من الغري بسبب ارتكابه خطأ يف اخلدمة وجب‬
‫على املؤسسة أو اإلدارة العمومية اليت ينتمي إليها أن حتميه من العقوبات املدنية اليت‬
‫تسلط عليه ما مل ينسب إىل هذا العامل خطأ شخصي ميكن أن يفصل عن ممارسة‬
‫مهامه"‪.‬‬
‫للتمييز بني اخلطأين الشخصي واملرفقي أمهية‪ .‬ففي حالة اخلطأ املرفقي اإلدارة‬
‫هي اليت تتحمل املسؤولية أمام اهليئات القضامية؛ بينما يؤدي اخلطأ الشخصي إىل‬
‫تقرير مسؤولية املوظف أمام احملاكم العدية مع تطبيق قواعد القانون املدين‪.‬‬
‫من املالحظ أن القضاء اإلداري اجلزامري على غرار نظريه الفرنسي يعرتف‬
‫جبميع املسؤوليات يف حالة وقوع اخلطأين معا‪.‬‬
‫نعرض إىل دراسة مسؤولية اإلدارة مث مسؤولية املوظف الشخصية‪ ،‬مع بيان‬
‫التطور الذي عرفته كل من هذين املسؤولتني‪.‬‬
‫‪ .1‬مسؤولية اإلدارة الخطئية‬
‫ترتب مسؤولية اإلدارة نتيجة خلطأ ارتكبته هذه األخرية‪ ،‬أو بعبارة أصح‪ ،‬إذا‬
‫ارتكب اخلطأ أحد موظفيها أو أعواهنا؛ ألن الشخص املعنوي شخص جمرد ال يرتكب‬
‫أخطاء ومن مث فمسؤولية األشخاص العامة املستندة على خطأ تظهر وكأهنا مسؤولية‬
‫بفعل الغري‪ .‬إن من بني الصعوبات اليت اعرتضت قيام املسؤولية اإلدارية هي التمييز‬
‫بني مسؤولية األشخاص املعنوية واألشخاص الطبيعية اليت تعمل لصاحلها‪ :‬فعندما‬
‫يكون هناك ضرر سببه موظف فكيف ميكن حتديد ما إذا كان الضرر مرتبط مبمارسة‬
‫الوظيفة وبالتايل يرتب مسؤولية اإلدارة أو إذا كان من فعل وتصرف املوظف مرتبا‬

‫‪12‬‬
‫مسئوليته اخلاصة‪ .‬إن النوع الثاين من الصعوبات اليت اعرتضت املسؤولية تتعلق‬
‫باندالع املسؤولية اإلدارية‪ .‬هل نلتزم فقط بتعويض األخطاء(وهل تستدعي املسؤولية‬
‫خطأ معينا) أم نعرتف بوجود مسؤولية دون خطأ؟‬
‫إن اخلطأ ال يعترب األساس الوحيد يف حتريك مسؤولية اإلدارة بل تقوم كذلك دون‬
‫خطأ( على أساس فكرة املخاطر وفكرة انعدام املساواة أمام التكاليف العامة)‪.‬‬
‫إن املسؤولية على أساس اخلطأ تبقى هي املسؤولية األكثر استعماال ولكن املسؤولية‬
‫دون خطأ فقد عرفت تطورا مهما‪.‬‬
‫قد وضع القضاء معايري التمييز بني اخلطأ املرفقي واخلطأ الشخصي كما أهنا‬
‫حددت القواعد املتعلقة جبمع األخطاء وعالقة مسؤولية اإلدارة مبسؤولية موظفيها‪.‬‬
‫نتناول بالدراسة املسؤولية على أساس اخلطأ( املبحث األول) واملسؤولية على أساس‬
‫املخاطر ( املبحث الثاين)‪.‬‬
‫‪ )3‬املسؤولية على أساس اخلطأ‬
‫أ‪ .‬مفهوم اخلطأ املرفقي‬
‫حاول الكثري من الفقهاء تقدمي تعريف للخطأ املرفقي‪ ،‬كما أتيحت الفرصة‬
‫للقضاميني الفرنسي واجلزامري اإلفصاح عن موقفهما من فكرة اخلطأ املرفقي‪.‬‬
‫‪ ‬التعريفات الفقهية للخطأ املرفقي‪:‬‬
‫يرى األستاذ حميو أنه من الصعب إعطاء تعريف للخطأ املرفقي وأنه ال ميكن‬
‫تعريفه إال تعريفا سلبيا أي بتمييزه عن اخلطأ الشخصي أو بتحديد معامله األكثر‬
‫خصوصية‪.‬‬
‫نفس التعريف يتبناه األستاذ الطماوي حني قوله‪ " :‬اخلطأ املرفقي هو كل ما‬
‫ال يعترب خطأ شخصيا"‪ .‬مفهوم هذا التعريف يظهر مبناسبة ما يقدمه الطماوي من‬
‫شروح ملفهوم اخلطأ‪ .‬فاخلطأ املرفقي " هو الذي ينسب إىل املرفق حىت ولو كان الذي‬

‫‪13‬‬
‫قام به ماديا أحد املوظفني"‪ .‬يقوم اخلطأ هنا على أساس أن املرفق ذاته هو الذي‬
‫تسبب يف الضرر ألنه مل يؤد اخلدمة العامة وفقا للقواعد اليت يسري عليها"‪.‬‬
‫أما الفقهاء الفرنسيون فهم يربطون كذلك اخلطأ املرفقي أو املصلحي بسري‬
‫املرفق العام‪ .‬هكذا يرى األستاذ ‪ DELAUBADERE‬أن اخلطأ املصلحي مرتبط‬
‫بسوء سري املرفق وسوء تنظيمه‪ .‬تقدر هذه املفاهيم بالقياس مع ما ينتظر من مرفق‬
‫عام عصري وما جيب أن يكون تصرفه العادي‪.‬‬
‫األستاذ ‪ RIVERO‬يعرف اخلطأ املرفقي على أنه خلل يف السري العادي‬
‫للمرفق يتسبب فيه موظف أو عدة موظفني لإلدارة و لكن ال ينسب إليهم شخصيا‪.‬‬
‫يتضح من خالل ما تقدم وكما يراه بعض الفقه أن اخلطأ املرفقي الذي يرتب مسؤولية‬
‫اإلدارة هو ذلك اخلطأ الذي إما يرتكب بصفة جمهولة أو بالعكس يرتكب من قبل‬
‫موظف أو عدة موظفني معينني‪.‬‬
‫فاخلطأ املرفقي الذي يرتكبه موظف أو جمموعة من املوظفني ال يفصل عن‬
‫اخلدمة‪ .‬فاملسؤولية ال تنسب إىل املوظف بل إىل اإلدارة والنزاع هنا ا نزاع إداري‬
‫يفصل فيه القاضي اإلداري‪ .‬أما اخلطأ املرفقي اجملهول فهو الذي يصعب إثباته‪ .‬فهو‬
‫‪1‬‬
‫خطأ مجاعي ملرفق غري منظم أو مسري بصفة سيئة‪.‬‬
‫ب‪ .‬موقف القضاء اإلداري الفرنسي واجلزامري من اخلطأ الشخصي‬
‫قضاميا‪ ،‬ظهر اخلطأ املرفقي ألول مرة يف قرار ‪ .PELETIER‬حيث ميزت فيه‬
‫حمكمة التنازع بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي‪.‬‬
‫تتلخص وقامع القضية فيما يلي‪ :‬استنادا إىل السلطات اليت يستمدها من حالة‬
‫احلصار‪ ،‬قام القامد العسكري ملقاطعة‪ L oise‬حبجز أعداد من صحيفة كان السيد‬
‫‪ PELETIER‬ينوي نشرها‪ .‬رفع هذا األخري دعوى أمام احملكمة املدنية طالبا إلغاء‬
‫احلجز و اإلفراج عن النسخ احملجوزة وطالبا التعويض‪ .‬رفع احملافظ النزاع أمام حمكمة‬

‫‪1‬‬
‫‪- Dupuis p 526‬‬
‫‪14‬‬
‫التنازع اليت قررت أن السلطات اإلدارية والعسكرية مل ترتكب خطأ شخصيا بل أن‬
‫اإلدارة وحدها هي مسؤولة وأن االختصاص بالنظر يف هذه الدعوى يرجع إىل‬
‫القاضي العادي‪.‬‬
‫هكذا ميز هذا القرار بني اخلطأ الشخصي واخلطأ املرفقي‪ .‬فاخلطأ املرفقي وفقا‬
‫لقرار ‪ PELETIER‬هو اخلطأ الذي ال ينفصل عن املرفق و يقرر يف حالة حدوث‬
‫ضرر مسؤولية اإلدارة العامة وحدها أمام القاضي اإلداري‪.‬‬
‫ت‪ .‬تطبيقات اخلطأ املرفقي يف ظل القضاء اإلداري اجلزامري‬
‫أحتت للهيئات القضامية اجلزامرية تقرير مسؤولية اإلدارة على أساس اخلطأ املرفقي‪.‬‬
‫ففي قرار بن مشيش( جملس أعلى ‪ 6‬أفريل ‪ .1973‬اجمللة اجلزامرية للعلوم القانونية‪،‬‬
‫االقتصادية والسياسية‪ .‬عدد ‪ 3‬سبتمرب ‪ 1977‬ص ‪ ) 581‬استند اجمللس األعلى‬
‫على خطأ مرفقي ارتكبه رميس اجمللس الشعيب البلدي للخروب( والية قسنطينة)‬
‫لتقرير مسؤولية الدولة‪ .‬يف عيد املولد النبوي استعمل األطفال املفرقعات وألقوا عمدا‬
‫بعضا منها داخل حمل للنجارة فاشتعلت فيه النريان و أحلقت به خسامر مادية معتربة‪.‬‬
‫كان الزما على رميس اجمللس الشعيب البلدي بصفته ممثال للدولة نشر وتنفيذ‬
‫التشريعات املتعلقة بصنع‪ ،‬بيع واستعمال هذه املفرقعات عرب الرتاب الوطين( مرسوم‬
‫‪ 291-63‬ل‪ 2‬أوت ‪ ) 1963‬فلم يفعل ومل يتخذ االحتياطات والوسامل لوقاية‬
‫مثل هذه املخاطر واحلد من نتامجها( املادة ‪.) 170‬‬
‫يف قرار بلقاسي( جملس قضاء اجلزامر‪ .‬بلقاسي ضد وزارة العدل‪.17.4.1978 .‬‬
‫اجمللة اجلزامرية رقم ‪ 1‬مارس ‪ 1978‬ص ‪ ) 193‬اعترب القاضي اخلطأ املرفقي خطأ‬
‫مرتبطا ارتباطا وثيقا بااللتزامات املهنية‪.‬‬
‫قام أعوان الضبط القضامي باحلجز على مبلغ من املال للسيد بلقاسي ومكون من‬
‫أوراق بنكية قدمية ووضعها يف صندوق الودامع لكتابة الضبط‪ .‬وفقا للتنظيمات‬
‫السارية املفعول‪ ،‬كان الزما استبدال هذه األوراق النقدية يف ‪ 4‬أبريل ‪ 1964‬كآخر‬

‫‪15‬‬
‫أجل حىت تبقى هذه النقود يف التداول؛ إال أن كاتب الضبط خرق التزاماته املهنية‬
‫ونسي استبدال هذه النقود يف الوقت احملدد‪ .‬بعد اإلفراج عن السيد بلقاسي وضياع‬
‫النقود منه‪ ،‬رفع دعوى إىل اجمللس القضامي يطلب التعويض عن األضرار اليت حلقت‬
‫به مدعيا أن وزارة العدل هي املسؤولة و مرتكزا على اخلطأ املرفقي الذي ارتكبه كاتب‬
‫الضبط‪.‬‬
‫قرر اجمللس القضامي(غرفة إدارية) على أن التهاونات املرتكبة من كاتب الضبط‬
‫تكون فعال ملحق بالضرر ويرتب مسؤولية وزارة العدل اليت تستخدمه وبالتايل عليها‬
‫تعويضه تعويضا كامال عما ضاع منه من أموال‪.‬‬
‫ث‪ .‬العالقة بني اخلطأ والالمشروعية و تأثريمها على مسؤولية اإلدارة‬
‫إن اخلطأ املرفقي ينتج عن جتاوز السلطة‪ .‬فما هي العالقات بني اخلطأ والالمشروعية؟‬
‫‪ )3‬استقاللية نسبية للخطأ و الالمشروعية؟‬
‫إن الالمشروعية شرط ضروري لوجود خطأ من طبيعته تقرير مسؤولية اإلدارة‪.‬‬
‫هذا هو رأي الفقه و القضاء معا؛ ولكن هل هذا الشرط الضروري كاف‪ ،‬أي هل‬
‫ميكن التأكيد على أن كل قرار غري مشروع مكون خلطأ؟‬
‫‪ ‬موقف ‪CHAPUS DELBEZ BENOIT‬‬
‫رغم تأكيد ‪ CHAPUS‬على استقاللية كل من اخلطأ والالمشروعية مبناسبة األضرار‬
‫النامجة عن األفعال املادية املكونة خلطأ( خطأ يرتكبه طبيب يف فحص مريض‪ ،‬نسيان‬
‫سلطة إدارية تصليح طريق عمومي…) إال أنه بني استقالهلما النسيب فيما يتعلق‬
‫باألعمال القانونية لإلدارة‪ .‬هذا ما فعله كذلك ‪ BENOIT‬و‪ DELBEZ‬اللذان‬
‫أكدا على التمييز بني مفهومي الالمشروعية واخلطأ لعدم التقامهما دامما‪.‬‬
‫إن جملس الدولة الفرنسي عندما يعرتف بوجود جتاوز السلطة ويلغي القرار على‬
‫هذا األساس‪ ،‬فإن هذا التجاوز ال يكون بالضرورة خطأ من طبيعته ترتيب مسؤولية‬
‫السلطة العامة‪ .‬الالمشروعية إذن شرط ضروري ولكن غري كاف لتقرير املسؤولية‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ ‬رأي ‪DUGUIT‬‬
‫يرى هذا الفقيه أن كل المشروعية تؤدي إىل ترتيب مسؤولية السلطة العامة وبالتايل‬
‫فهو يربط بني اخلطأ والالمشروعية‪.‬‬
‫‪ )2‬احللول املناسبة يف العالقة بني اخلطأ و الالمشروعية‬
‫إن احللول املناسبة واملأخوذ هبا هي أن الالمشروعية اليت تصيب القرار تكون‬
‫خطأ من طبيعته ترتيب مسؤولية السلطة العامة‪ .‬حىت منيز بني الالمشروعية املكونة‬
‫خلطأ والالمشروعية غري املكونة خلطأ جيب اللجوء إىل التصنيف املعروف حلاالت‬
‫جتاوز السلطة‪.‬‬
‫‪ )1‬القرارات الباطلة بسبب عيب عدم االختصاص‬
‫القرار الباطل بسبب عيب عدم االختصاص يكون خطأ من طبيعته تقرير مسؤولية‬
‫اإلدارة ‪ ،‬فهو عيب خطري رتب القضاء على أثره مسؤولية اإلدارة بسبب عيب عدم‬
‫االختصاص الزماين أو املكاين‪.‬‬
‫‪ )4‬القرارات الباطلة بسبب عيب الشكل‬
‫الفكرة هنا أن كل عيب شكل ال يؤدي إىل تقرير مسؤولية اإلدارة‪ .‬حىت ترتب‬
‫مسئوليتها جيب على املدعي إلثبات الضرر بيان أن لو احرتمت اإلدارة قواعد الشكل‬
‫ملا اختذ القرار حمل الطعن وملا أصابه ضرر‪.‬‬
‫‪ )5‬القرارات الباطلة بسب عيب اجلسيم‪.‬‬
‫مثل هذا العيب يقرر املسؤولية ال حمالة ألنه عيب جسيم من شأنه ترتيب خطأ‪.‬‬
‫‪ )6‬القرارات الباطلة بسبب خمالفة القانون‬
‫ج‪ .‬درجات اخلطأ املرفقي‬
‫إن اخلطأ املرفقي درجات‪ .‬فقد ميز القضاء اإلداري بني اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم‪.‬‬
‫‪ )3‬اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم‬
‫هل هناك تعريف للخطأ اجلسيم؟‬

‫‪17‬‬
‫يرى األستاذ ‪ CHAPUS‬بأن اخلطأ اجلسيم هو خطأ أخطر من اخلطأ البسيط‪.‬‬
‫هذا التعريف يبني طبعا أن هناك أخطاء واضحة وجلية وأخرى أقل خطورة؛ ولكن ما‬
‫بني اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم توجد رمبا أخطاء ذات درجات متفاوتة يصعب‬
‫تقديرها‪ .‬على كل يعود للقاضي اإلداري تقدير هذه األخطاء وإضفاء عليها صبغة‬
‫اخلطأ اجلسيم‪.‬‬
‫للتمييز بني اخلطأ البسيط واخلطأ اجلسيم أمهية‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل األحكام‬
‫القضامية جمللس الدولة الفرنسي‪ .‬فهو يشرتط لتقرير مسؤولية بعض املرافق العامة أن‬
‫تكون هذه األخرية قد ارتكبت خطأ جسيما‪.‬‬
‫ما هو السبب يف التمييز بني املرافق العامة ومن مث التمييز بني اخلطأ البسيط واخلطأ‬
‫اجلسيم؟‬
‫يعرتف القضاء اإلداري بأن هناك مرافق عامة تؤدي نشاطاهتا يف ظروف صعبة ومن‬
‫مث ال جيوز تقرير مسئوليتها يف حالة اخلطأ البسيط بل ال بد من وجود خطأ جسيم‪.‬‬
‫قد أوجز األستاذ ‪ CHAPUS‬االعتبارات اليت تربر العالقة بني اخلطأ اجلسيم‬
‫والنشاط الصعب األداء‪ .‬هذه االعتبارات تنحصر يف ثالث‪:‬‬
‫‪ ‬األخطاء البسيطة املرتكبة عند ممارسة األنشطة الصعبة هي أخطاء‬
‫معذورة و ليس هلا أي نتيجة؛‬
‫‪ ‬إذا كان اخلطأ البسيط يكفي لتقرير مسؤولية اإلدارة فيما يتعلق‬
‫باألنشطة الصعبة‪ ،‬فكيف ميكن معرفة ما إذا كان املوظف خمطأ ما دام‬
‫أن الظروف اليت يعمل فيها صعبة؟‬
‫فالتأكيد على األخطاء اجلسيمة فقط يعين التأكيد على األخطاء اليت يسهل معرفتها‪.‬‬
‫‪ ‬األخذ باألخطاء البسيطة يف مثل هذه األنشطة الصعبة يؤدي إىل عرقلة‬
‫نشاط اإلدارة وذلك لتخوف هذه األخرية من أن تقرر مسئوليتها يف كل‬
‫مرة مبناسبة هذه األخطاء‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫ح‪ .‬املرافق العامة اليت تتوقف مسئوليتها على اخلطأ اجلسيم‪.‬‬
‫قد حدد جملس الدولة املرافق العامة اليت تقوم بأنشطة صعبة و اليت ال تقرر مسئوليتها‬
‫إال يف حالة ارتكاهبا خلطأ جسيم‪ .‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬مرفق الصحة العامة( مث عدل عنها القضاء يف سنة ‪،) 1992‬‬
‫‪ ‬مرفق الشرطة‪.‬‬
‫‪ )3‬تقرير مسؤولية مرفق الصحة العامة‬
‫أن القضاء اإلداري ال يطبق نظام مسؤولية موحد بالنسبة ملرفق الصحة‪،‬‬
‫و إمنا يعمد على التمييز بني النشاط الطيب وتنظيم وسري مرفق الصحة‪.‬‬
‫‪ )2‬مسؤولية مرفق املستشفى يف مزاولة نشاطه الطيب‬
‫جيب التمييز فيما يتعلق بالنشاط الطيب بني األعمال الطبية و األعمال العالجية‪ .‬ال‬
‫تقرر مسؤولية إدارة املستشفى فيما يتعلق بنشاطها الطيب إال إذا ارتكبت اإلدارة خطأ‬
‫جسيما؛ أما يف حالة األعمال العالجية فيكفي إثبات وجود خطأ بسيط‪ .‬وقد ذهب‬
‫القضاء اإلداري اجلزامري إىل االعتماد على هذه التفرقة بني اخلطأ البسيط واخلطأ‬
‫اجلسيم يف تقرير مسؤولية إدارة املستشفى‪.‬‬
‫‪)Consort Bensalem C. centre hospitalier dAlger. 29.10.1977.‬‬
‫(‪Rec.Bouchahda p123.‬‬

‫‪ )1‬العمل العالجي‬
‫العمل الطيب هو عمل يقوم به إنسان خمتص هبدف عالج الغري ويرتكز هذا‬
‫العمل على استعمال معلومات بيولوجية مصاحبة لتقنيات عالج‪ .‬وقد اعترب القضاء‬
‫اإلداري الفحص والعمليات اجلراحية من قبيل اإلعمال الطبية وبني حاالت تؤدي إىل‬
‫تقرير مسؤولية اإلدارة‪.‬‬
‫‪ ‬قيام طالب يف الطب بعملية جراحية يعترب خطأ جسيما ألن هذا‬
‫الطالب ليست له الصفة يف القيام مبثل هذه األعمال الطبية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ ‬نسيان طبيب ألداة جراحة يف بطن مريض يعترب خطأ جسيما‪.‬‬
‫‪ ‬التأخر يف القيام بعملية جراحية نتيجة خطأ يف الفحص يعترب خطأ‬
‫جسيما‪.‬‬
‫‪ )4‬املسؤولية عن العمل العالجي‬
‫العمل العالجي هو عمل تطبيقي ال يتطلب معلومات نظرية كبرية وهي من فعل‬
‫عامل منفذ( ممرض)‪.‬‬
‫تتمثل هذه األعمال العالجية يف احلراسة الطبية ويف تقدمي األدوية والعالج‪ .‬ومن‬
‫األمثلة عن أعمال احلراسة الطبية‪:‬‬
‫‪ ‬وفاة شخص بعد اإلقدام به استعجاال إىل املستشفى وعدم تقدميه إىل‬
‫الطبيب للفحص‪،‬‬
‫‪ ‬عدوى تلحق بشخص مريض بعد تقدمي له الدم دون املراقبة الكافية هلذا‬
‫الدم‪.‬‬
‫من األمثلة عن تقدمي األدوية و العالج‪:‬‬
‫‪ ‬كأن يقدم ممرض دواء ملريض غري الدواء املسجل له‪،‬‬
‫‪ ‬شل ذراع مريض بعد تلقيه حقنة‪،‬‬
‫‪ ‬جروح تسببها كمادات ساخنة‪.‬‬
‫‪ )5‬مسؤولية إدارة املستشفى عن سوء تسيري و تنظيم مرفقه الصحي‬
‫يكفي لرتتيب مسؤولية إدارة املستشفى يف هذه احلالة إثبات وجود خطأ بسيط‪.‬‬
‫‪ )6‬التطور الذي عرفته املسؤولية الطبية يف فرنسا بعد قرار ‪Epoux V‬‬
‫لسنة ‪1992‬‬
‫‪ )8‬تقرير مسؤولية مرفق البوليس‬
‫أ‪ -‬قرار ‪ Tomaso Greco‬كأساس ملسؤولية مرفق البوليس‬
‫برزت مالمح هذه املسؤولية ألول مرة يف قرار ‪( Tomaso Greco‬جملس‬
‫الدولة ‪ 10‬فرباير ‪ .) 1905‬انطلق ثور ثامر هاربا يف سوق األرباس( تونس)‬
‫‪21‬‬
‫واجلمهور وراءه‪ .‬أطلقت رصاصة فأصابت السيد ‪ Tomaso Greco‬وهو داخل‬
‫منزله‪ .‬تقدم بدعوى يطلب فيها من الدولة تعويضه عما أصابه من أضرار مستندا يف‬
‫ذلك على أن أحد رجال الدرك هو الذي أطلق النار وعلى أن مرفق الشرطة ارتكب‬
‫خطأ ألنه مل يقم بتحقيق النظام ومن مث تفادي وقوع مثل هذه احلوادث‪.‬‬
‫رفض جملس الدولة تعويض السيد ‪ Tomaso‬و ذلك لعدم وجود خطأ ينسب إىل‬
‫مرفق الشرطة‪ ،‬إال أنه أصبح هذا القرار صدى عميق يف القضاء اإلداري و ذلك‬
‫لتقريره نتامج معينة‪.‬‬
‫اإلقرار مبسؤولية اإلدارة عن نشاط مرفق البوليس‬ ‫ب‪-‬‬
‫لقد قلب قرار ‪ Tomaso‬املبدأ السامد يف قضاء جملس الدولة والقامل بعدم‬
‫مسؤولية الدولة عن اإلجراءات البوليسية وهتاون موظفي مرفق الشرطة؛ وأقر صراحة‬
‫هذه املسؤولية‪.‬‬
‫التمييز بني األعمال املادية ملرفق الشرطة واألعمال القانونية‬ ‫ت‪-‬‬
‫إن مسؤولية اإلدارة فيما يتعلق مبرفق الشرطة ليست مطلقة‪ ،‬بل على القاضي‬
‫دراسة وفحص كل قضية مطروحة أمامه مراعيا يف ذلك اخلطأ الذي ارتكبه مرفق‬
‫الشرطة وهل من طبيعة هذا اخلطأ ترتيب مسؤولية الدولة؛ كما على القاضي األخذ‬
‫بعني االعتبار هذا املرفق والصعوبات واألخطار الذي تواجهه‪.‬‬
‫حىت ترتب مسؤولية اإلدارة ذهب القضاء يف بدايته إىل اشرتاط خطأ جسيم‬
‫يرتكبه مرفق الشرطة؛ إال أن هذه القاعدة عرفت فيما بعد ختفيفات‪ .‬ذهب القضاء‬
‫اإلداري يف تقرير مسؤولية اإلدارة يف هذا الصدد إىل التمييز بني األعمال املادية‬
‫التنفيذية ملرفق الشرطة واألعمال القانونية أو البريوقراطية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ث‪ -‬األعمال املادية التنفيذية ملرفق البوليس‬
‫إن مسؤولية اإلدارة ال ترتب يف هذه احلالة إال إذا ارتكبت مرافق الشرطة حني‬
‫قيامها بأعماهلا املادية التنفيذية أخطاء جسيمة‪ .‬يقصد باألعمال املادية التنفيذية‬
‫تدخل مرافق الشرطة هبدف احملافظة على السكينة واألمن العامني‪:‬‬
‫‪ ‬الشرطي الذي يقتل متظاهر يف تسرع يرتكب خطأ جسيما؛‬
‫‪ ‬الشرطي الذي يصيب مارا برصاص ظانا بأنه جمرم يرتكب خطأ‬
‫جسيما؛‬
‫‪ ‬كل أنواع العنف غري الضرورية اليت يستعملها رجال الشرطة هي مكونة‬
‫ألخطاء جسيمة؛‬
‫‪ ‬يرتكب مرفق الشرطة خطأ جسيما إذا ما قبضت على شخص وتركته‬
‫بدون عالج إذا ما استدعت حالته الصحية ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬نفس احلل يأخذ به فيما يتعلق بأنشطة البوليس األخرى واملتمثلة يف‬
‫مكافحة احلرامق‪ .‬فاخلطأ اجلسيم يتمثل هنا يف سوء تسيري تنظيم وتسيري‬
‫املرفق‪.‬‬
‫‪ ‬يكون خطأ جسيما‪:‬‬
‫‪ ‬عدم اختاذ مرفق حماربة احلرامق ألي إجراء ملكافحة احلرامق؛‬
‫‪ ‬الوصول املتأخر لرجال املطافئ؛‬
‫‪ ‬عدم وجود حراسة يف مركز احلريق؛‬
‫‪ ‬النقص يف الرجال و العتاد؛‬
‫‪ ‬ترك رجال املطافئ مكافحة احلريق وقت الغذاء…‬
‫خ‪ .‬األعمال القانونية ملرفق البوليس‬
‫ال يتطلب اخلطأ اجلسيم عند قيام مرفق البوليس بنشاطاته القانونية احملضة‪ ،‬بل يأخذ‬
‫القضاء اإلداري هنا باخلطأ البسيط‪.‬‬
‫‪ ‬أخطاء نامجة عن عدم مشروعية مقرر بلدي مينع عرض فيلم؛‬

‫‪22‬‬
‫‪ ‬السحب غري الشرعي لرخصة سياقة…‬
‫د‪ .‬مسلك القضاء اإلداري اجلزامري فيما يتعلق مبسؤولية مرفق البوليس‬
‫لقد طبق القضاء اإلداري اجلزامري يف قضية بن مشيش نفس التمييز بني‬
‫اخلطأ البسيط و اخلطأ اجلسيم يف إطار املسؤولية عن النشاط البوليسي‪.‬‬
‫قد نسب لإلدارة يف قضية بن مشيش خطئني‪:‬‬
‫‪ ‬غياب إجراءات الضبط للبلدية و املتعلقة مبنع‪ ،‬صنع و بيع و استعمال‬
‫املفرقعات و اليت أدى مبجلس األعلى إىل تقرير مسؤولية اإلدارة مرتكزا‬
‫يف ذلك على اخلطأ البسيط؛‬
‫‪ ‬التنظيم غري الكايف ملكافحة احلريق و الذي أدى باجمللس األعلى إىل‬
‫استبعاد املسؤولية ألن البلدية مل ترتكب أي خطأ يف مكافحة احلريق‬
‫مبحل النجارة وذلك الفتقارها ملرفق مكافحة احلرامق مبعىن الكلمة‪.‬‬
‫يف قضية سماتي ومبناسبة أنشطة أخرى ملرفق البوليس رتب اجمللس األعلى مسؤولية‬
‫الدولة عن أنشطة مرفق الشرطة الذي ارتكب خطأ وذلك بتسبيبه جروحا للسيد‬
‫مسايت نبيل ( جملس أعلى ‪ 25‬جوان ‪ 1976‬جمموع أحكام بوشهدة‪ ،‬ص ‪.) 75‬‬
‫رغم تأكيد اجمللس األعلى على اخلطأ إال أنه مل يعط وصفا ‪.‬‬
‫‪ .3‬المسؤولية بدون خطأ‬
‫إن اخلطأ املرفقي يكون النظام العادي للمسؤولية اإلدارية‪ .‬فمىت وجد خطأ مرفقي‬
‫رتبت مسؤولية اإلدارة؛إال أنه اتضح أن هذه األخرية يف القيام بنشاطاهتا الكثرية قد‬
‫تلحق أضرارا بالغري دون إمكان إثبات ارتكاب خطأ من جانبها‪ ،‬مما أدى مبجلس‬
‫الدولة الفرنسي إىل سد الفجوة بتصوره لنوع جديد من املسؤولية أين املتضرر غري ملزم‬
‫بإثبات وجود خطأ مرفقي‪.‬‬
‫أ‪ .‬املسؤولية دون خطأ هي نظرية قضامية استثنامية‬
‫رغم أن املشرع الفرنسي نص على بعض حاالت املسؤولية بدون خطأ إال أنه‬
‫قررها يف نطاق حمدود جدا‪ .‬يعود الفضل للقضاء اإلداري الفرنسي يف إبرازها إىل‬
‫‪23‬‬
‫الوجود وحتديد معاملها وجماالت تطبيقها؛ إال أن اخلطأ املرفقي يبقى بالنسبة للقضاء‬
‫اإلداري األساس القانوين األصيل ملسؤولية اإلدارة‪ .‬فمىت انعدم اخلطأ املرفقي أو‬
‫صعب إثباته جلأ القضاء إىل تقرير مسؤولية اإلدارة دون خطأ و ذلك إذا ما أحلقت‬
‫أضرارا بالغري؛ ومن مث فاملسؤولية دون خطأ هي مسؤولية فرعية استثنامية بالنسبة‬
‫للمسؤولية على أساس اخلطأ‪.‬‬
‫ب‪ .‬موقف املشرع اجلزامري من املسؤولية اإلدارية دون خطأ‬
‫لقد نص املشرع اجلزامري صراحة على قيام املسؤولية دون خطأ يف تشريعات‬
‫خمتلفة‪.‬‬
‫هكذا حيتوي القانون البلدي على بعض املواد اليت تنص على هذه املسؤولية‪.‬‬
‫تنص املادة‪.....‬؟ على ‪ ":‬أن البلديات مسؤولة مدنيا عن اإلتالف واإلضرار النامجة‬
‫عن اجلنح املرتكبة بالقوة املسلحة وبالعنف يف أراضيها على األشخاص أو األموال‬
‫بواسطة التجمعات والتجمهرات"‪.‬‬
‫املادة‪ ": .....‬تسهم الدولة مبوجب اخلطر اإلمجاعي لدفع النصيب من اإلتالف‬
‫واإلضرار املسببة"‪.‬‬
‫كما أن املادة‪ ....‬تنص على‪ ":‬أن البلديات مسؤولة مدنيا عن احلوادث الطارمة‬
‫لرؤساء ‪ -‬اجمللس الشعيب البلدي و نوابه و لرؤساء اجملالس املؤقتة القاممني بوظامفهم‬
‫أو مبناسبتها"‪.‬‬
‫‪ -‬التشريعات العمالية وخاصة تلك املتعلقة باملخاطر املهنية واألمراض املهنية تقرر‬
‫تعويض العمال على أساس املخاطر‬
‫‪ -‬األخطار واألضرار االستثنامية النامجة عن الكوارث الطبيعية املختلفة‪.‬‬
‫ت‪ .‬شروط قيام هذه املسؤولية‬
‫حىت تقوم مسؤولية اإلدارة العامة جيب توافر شرطان‪:‬‬
‫‪ ‬أن توجد عالقة سببية بني الفعل الضار وسري مرفق عام‪،‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ ‬وجود ضرر غري عادي وخاص‪ .‬مل يوضح القضاء اإلداري معىن‬
‫الضرر غري العادي واخلاص‪ ،‬كل ما يف ذلك أن هذه العبارة تسمح بالتمييز بني‬
‫الضرر الذي يؤدي إىل التعويض والضرر الذي ال يؤدي إىل التعويض‪.‬‬
‫ث‪ .‬أسس هذه النظرية‬
‫إن مسؤولية اإلدارة دون خطأ تقوم على أساسني‪:‬‬
‫‪ ‬فكرة املخاطر‪،‬‬
‫‪ ‬فكرة انعدام املساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬
‫‪ )3‬املسؤولية على أساس املخاطر وجماالت تطبيقها‪.‬‬
‫أ‪ -‬فكرة املخاطر‬
‫إن اإلدارة العامة عند قيامها بنشاطاهتا تعرض بعض األشخاص إىل خماطر‬
‫خاصة وحتقق هذه املخاطر دون خطأ من جانب اإلدارة‪ .‬فالقاضي جيربها على‬
‫التعويض يف بعض احلاالت‪.‬‬
‫إن املسؤولية على أساس املخاطر هي رمز املسؤولية دون خطأ حىت يبدو أحيانا‬
‫وكأهنا تذوب فيها؛ إال أهنا يف احلقيقة صورة للمسؤولية دون خطأ‪.‬‬
‫ب‪ -‬جماالت تطبيق املسؤولية على أساس املخاطر‬
‫إن وجود " خماطر خاصة" للضرر من طبيعتها تربير أن يتحقق هذا الضرر الذي يولد‬
‫املسؤولية دون خطأ‪.‬‬
‫إن احللول القضامية هلذا النوع من املسؤولية تتعلق باألضرار اليت جتد مصدرها يف "‬
‫‪ ‬املواد واألشياء اخلطرية‪،‬‬
‫‪ ‬الوسامل اخلطرية‪،‬‬
‫‪ ‬احلاالت اخلطرية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ب‪ : 3-‬املواد و األشياء اخلطرية‬
‫هناك مواد وأشياء خطرية من املمكن أن حتدث أضرارا‪ ،‬ولكن هناك درجات يف‬
‫خطورة األشياء اخلطرية‪ .‬حىت يتم التعويض عن األضرار اليت قد ترتبها هذه األشياء‬
‫جيب أن حتدد قاممتها قضاميا‪.‬‬
‫إن القاممة القضامية هلذه األشياء واملواد اخلطرية حتتوي على أمالك منقولة وعلى مباين‬
‫عامة‪:‬‬
‫‪ ‬منتجات الدم وذلك خلطر عدوى فريوس السيدا‪ .‬ترتب هنا مسؤولية‬
‫مراكز الدم؛‬
‫‪ ‬اإلنفجارات( جملس أعلى ‪ 9‬جويلية ‪ 1977‬بن أحسن أمحد ضد وزير‬
‫الداخلية‪ .‬أحكام بوشهدة‪ .‬ص ‪) 117‬؛‬
‫‪ ‬انفجار خمزن للذخرية يف قلعة( جملس الدولة ‪ 28‬مارس ‪1919‬‬
‫‪)Regnault-. Desrosiers‬؛‬
‫‪ ‬انفجار عربات حمملة بالذخرية يف حمطة قطار؛‬
‫‪ ‬األسلحة و اآلالت اخلطرية‪:‬‬
‫إن األسلحة النارية بكل أنواعها من املسدس إىل الرشاشات هي مصدر‬
‫مسؤولية دون خطأ‪ .‬على عكس ذلك العصي والقنابل املسيلة للدموع ال تعترب أشياء‬
‫خطرية‪.‬‬
‫‪ ‬املباين العامة اخلطرية‪:‬‬
‫هي املباين اليت حتمل نوعا من اخلطورة و اليت يف حالة إحلاق أضرار بالغري ترتب‬
‫مسؤولية االدارة العامة دن خطأ‪ .‬هذه املباين هي‪:‬‬
‫‪ ‬أشغال نقل وتوزيع الكهرباء و الغاز واملاء‪،‬‬
‫‪ ‬بعض الطرقات العامة خلطورهتا‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ب‪ : 2-‬األساليب اخلطرية‬
‫إن الطابع اخلطري لبعض الوسامل املستعملة من طرف اإلدارة العامة أدى مبجلس‬
‫الدولة الفرنسي ابتداء من ‪ 1956‬إىل تقرير مسؤولية اإلدارة العامة دون ارتكاب‬
‫خطأ من جانبها‪ .‬فهي مسؤولية دون خطأ‪ .‬من األمثلة لبعض هذه الوسامل نذكر‪:‬‬
‫‪ ‬األساليب احلرة يف إعادة الرتبية للطفولة املنحرفة واليت تسمح‬
‫للمنحرفني اهلروب بسهولة من املراكز والقيام ببعض األعمال املضرة بالغري(سرقة‪،‬‬
‫سرقة السيارات‪ ،‬اعتداءات…)؛‬
‫‪ ‬نفس احلل بالنسبة ألساليب أخرى املنشأة ملخطر خاصة للتعوض‪.‬‬
‫مثال‪ ،‬معاجلة املصابني باألمراض العقلية يف مستشفيات األمراض العقلية‪،‬‬
‫ومن بني هذه العالجات إخراج املرضى للتجربة والتأكد من قدرهتم على‬
‫اإلدماج يف احلياة؛‬
‫‪ ‬كذلك احلال بالنسبة للمساجني وإعطامهم رخص خروج وذلك‬
‫إلبقاء الروابط العاملية وحتضري إدماجهم يف احلياة اإلمجاعية‪.‬‬
‫ب‪ : 1-‬احلاالت اخلطرية‬
‫إن املسؤولية دون خطأ املرتبطة مبخاطر خاصة ينتفع منها كذلك األشخاص‬
‫املوجودين حبكم االلتزامات املفروضة عليهم يف حالة خطرية‪.‬‬
‫أثناء احلرب الكورية وبينما كانت مدينة ‪ Seoul‬حمتلة من طرف قوات كوريا‬
‫اجلنوبية‪ ،‬أمرت احلكومة الفرنسية قنصلها بالبقاء يف منصبه‪ ،‬فنهبت أمالكه‪ .‬رغم أن‬
‫احلكومة مل ترتكب خطأ إال أن القاضي اإلداري قر أن للقنصل احلق يف التعويض‬
‫ألنه وضع من طرف احلكومة يف حالة خطرية‪.‬‬
‫ج‪ .‬املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة‬
‫هناك حاالت من املسؤولية دون خطأ ال ميكن أن تفسر على ضوء فكرة‬
‫املخاطر بل جتد مصدرها يف مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ )3‬مبدأ املساواة أمام التكاليف العامة‬
‫إن مبدأ مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة مبدأ عام من املبادئ العامة‪ .‬يعين‬
‫هذا املبدأ املساواة يف احلقوق واملنافع( مساواة أمام القانون وأمام الوظامف وأمام‬
‫خدمات املرافق العامة) واملساواة يف التكاليف والواجبات العامة(مساواة أمام الضرامب‬
‫وأمام اخلدمة العسكرية)‪ .‬هذا املبدأ يعترب أساسا للمسؤولية دون خطأ لألشخاص‬
‫العامة اليت حتمل‪ ،‬باسم الصاحل العام‪ ،‬بعض أفراد اجلماعة أعباء وتكاليف خاصة‪ ،‬مما‬
‫يستوجب على الدولة دفع تعويض بتوزيع عبئه على أفراد اجلماعة العامة‪.‬‬
‫‪ )2‬خصامص نظام املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف‬
‫العامة‬
‫إن املسؤولية دون خطأ القاممة على أساس انعدام املساواة أمام التكاليف العامة هلا‬
‫خاصيتني‪:‬‬
‫‪ ‬األضرار هي نتيجة طبيعية و ضرورية و متوقعة لبعض احلاالت وبعض‬
‫اإلجراءات و اليت مبوجبها يضحى ببعض األفراد اجلماعة العامة يف سبيل‬
‫متطلبات الصاحل العام‪.‬‬
‫‪ ‬جيب أن يكون الضرر غري عادي وخاص‪.‬‬
‫ومعىن أن يكون الضرر خاصا أي أنه ال ميس إال بعض أعضاء اجلماعة العامة وإال‬
‫ال نكون أمام انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة‪.‬‬
‫ومعىن أن يكون غري عا دي أي أن تكون له درجة من األمهية ألن على أعضاء‬
‫اجلماعة العامة حتمل إزعاجات ومضايقات ومساوئ احلياة اإلمجاعية‪.‬‬
‫‪ )1‬جمال تطبيق املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة‬
‫إن تطبيقات املسؤولية على أساس انعدام مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة‬
‫تنحصر قي اجملاالت التالية‪:‬‬
‫‪ ‬األشغال العامة‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ ‬تنفيذ األحكام القضامية‪،‬‬
‫‪ ‬القوانني واملعاهدات الدولية‬
‫أ‪ -‬املسؤولية عن األضرار الداممة لألشغال العامة‬
‫يف ميدان األشغال العامة الضرر الناتج عن جماورة مبىن عام غري خطري يفتح‬
‫للمتضرر منه حقا يف التعويض إذا ما كان الضرر يفوق اإلزعاجات العادية اليت‬
‫يسببها هذا اجلوار‪ .‬فالضرر هنا ال ينتج عن حوادث معينة بل ينتج عن تنفيذ أشغال‬
‫عامة أو جماورهتا‪.‬‬
‫لقد بني القضاء اإلداري يف هذا الصدد احلاالت اليت تسمح فيها بالتعويض‪:‬‬
‫‪ ‬أشغال تصليح طريق استلزمت غلق حمل جتاري ملدة معينة‪،‬‬
‫‪ ‬أشغال طريق تسببت يف نقص موارد مالية ملدة سنتني لصانع أحذية‪،‬‬
‫‪ ‬نقص موارد مالية حملل بيع األقمشة بسبب صعوبة اإللتحاق هبذا احملل‬
‫الذي فرضته أشغال صنع مرتو مدينة لييون‪،‬‬
‫‪ ‬نقص قيمة ملك بسبب أشغال مبوجبها طريق سريع ومرور هذا الطريق‬
‫بقرب هذا امللك‪.‬‬
‫املسؤولية عن عدم تنفيذ األحكام القضامية‬ ‫ب‪-‬‬
‫تظهر هذه احلالة مبناسبة تنفيذ األحكام القضامية النهامية‪ .‬إن الشخص الذي‬
‫يصدر لصاحله حكم قضامي هنامي يستطيع طلب مساعدة القوة العمومية لتنفيذ هذا‬
‫احلكم؛ و لكن إذا كانت اإلدارة ختشى من أن ميس هذا التنفيذ بالنظام العام فيمكن‬
‫أن متتنع اإلدارة عن تقدمي املساعدة القوة العمومية‪.‬‬
‫هذا ما تنص عليه املادة ‪ 324‬فقرة ‪ 2‬من ق‪.‬إ‪.‬م ‪ ":‬عندما يكون التنفيذ من شأنه‬
‫أن يعكر األمن العمومي إىل درجة اخلطورة فيمكن للوايل أن يطلب التوقيف املؤقت‬
‫هلذا التنفيذ"‪.‬‬
‫إن قرار منع تقدمي مساعدة القوة العمومية مشروع و لكنه يفرض على املنتفع‬
‫من القرار عبئ ميس مببدأ مساواة اجلميع أمام التكاليف العامة‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫يف قرار ‪( Couiteas‬جملس الدولة ‪ 30‬نوفمرب ‪ )G.A.J.A 1930‬امتنعت‬
‫اإلدارة عن تنفيذ حكم لصاحل السيد ‪ Couiteas‬ألن تنفيذ احلكم كان يتطلب‬
‫عملية إخالء جمموعة من القبامل الرحل من اجلنوب التونسي وأن العملية كانت‬
‫تتطلب مساعدة القوات العسكرية وخشيت اإلدارة اضطرابات من وراء العملية‪ .‬قرر‬
‫جملس الدولة تعويض السيد ‪ Couiteas‬عن عدم تنفيذ احلكم على أساس انعدام‬
‫املساواة أمام التكاليف العامة‪.‬‬
‫املسؤولية بسبب القوانني واملعاهدات الدولية‬ ‫ت‪-‬‬
‫املبدأ هو عدم مسؤولية الدولة بفعل القوانني واملعاهدات الدولية إال أن جملس‬
‫الدولة أقر يف بعض قراراته مسؤولية الدولة بسبب الوظيفة التشريعية وبسبب‬
‫املعاهدات الدولية اليت هلا قو ‪ (La fleurette‬جملس الدولة ‪ 14‬جانفي ‪1938‬‬
‫‪ ) G.A.J.A‬أقر جملس الدولة مسؤولية الدولة بفعل القوانني‪.‬‬
‫صدر قانون ‪ 9‬جويلية ‪ 3914‬املتعلق حبماية سوق احلليب وقد منع هذا‬
‫القانون صنع كل املنتجات اليت ميكن أن تعوض القشدة الطبيعية وغري الصادرة‬
‫مباشرة من احلليب‪ .‬أجربت شركة منتجات ‪ La fleurette‬عن التوقف عن‬
‫نشاطها مما مسح جمللس الدولة احلكم بالتعويض على أساس انعدام مساواة اجلميع‬
‫أمام التكاليف العامة‪.‬‬
‫نفس احلل تبناه جملس الدولة فيما يتعلق مبعاهدة دولية‪.‬‬
‫إن الشركة العامة للطاقة الكهرو‪ -‬مذياعية كانت متلك حمالت وأجهزة إرسال‬
‫عن طريق الراديو وقد استولت عليها القوات األملانية طيلة فرتة اإلحالل‪.‬‬
‫بعد انتهاء احلرب تقدمت الشركة بطلب تعويض للدولة الفرنسية عن األضرار‬
‫اليت حلقتها عن عدم استعماهلا وانتفاعها من هذه احملالت واألجهزة فرفضت الدولة‬
‫تعويضها‪ .‬تقدمت الشركة بدعوى أمام احملكمة اإلدارية مث استئنافا أمام جملس الدولة‬
‫طالبة التعويض و مرتكزة على معاهدات الهاي ل‪ 38‬أكتوبر ‪ 3938‬اليت كانت‬

‫‪31‬‬
‫تنص على إمكانية تعويض مثل هذه العمليات بدع احلرب‪ .‬لكن فرمسا كانت قد‬
‫أبرمت معاهدة يف ‪ 3946‬و ‪ 3951‬لتأجيل دفع كل الديون إزاء الدولة األملانية‬
‫ومن مث اعتربت الشركة على أن هلا احلق يف التعويض على أساس انعدام مساواة‬
‫اجلميع أمام التكاليف العامة‪.‬‬

‫‪31‬‬

You might also like