الفوج الثالث وحدة :المنازعات اإلدارية المعمقة د .عبد العالي الفياللي السنة الجامعية 2019-2020 مقدمة : يعتبر القضاء أيا كان نوعه إداريا أو عاديا ،أهم ما يميز الدولة المعاصرة المرتكزة على مبادئ الديمقراطية والعدالة ،فالقضاء هو سلطة قائمة الذات سواء في النظم التي تأخذ بوحدة القضاء أو في األنظمة التي تأخذ بنظام القضاء المتخصص ،بحيث يلعب القضاء دورا كبيرا في التوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة في حال ة وجود نزاع م ن نوع متمي ز (نزاع يخض ع لقواعد القانون العام) .كما يعمل على تسوية النزاعات وذلك بتحقيقه للعدالة القانوني ة بي ن األطراف المتس اوية الحقوق والواجبات ف ي العالقة القانونية (نزاع يخضع لقواعد القانون الخاص). من جانب آخر يمكن القول أن القضاء اإلداري يعد من أه م الدعامات الت ي ترتك ز عليه ا الدول الديمقراطي ة لرفع الحيف عن مواطنيها في ما قد يصدر عن اإلدارة أو الدولة في حقهم من شطط في استعمال السلطة. كم ا يهت م القضاء اإلداري في جوهره بإعطاء الحلول للمنازعات اإلدارية التي تنشأ بين اإلدارة والخواص أو اإلدارات العمومية فيما بينها. فمن الناحية التاريخية يرتبط القانون والقضاء اإلداريين في نشأتهما وتطورهما بالمنظومة القضائية والقانونية الفرنسية، حيث شكل حكم بالنكو النواة األولى لتمييز المنازعات اإلدارية عن المنازعات المدنية. أما بالنسبة للمغرب فقد عرف بدوره مجموعة من التطورات على صعيد نظامه القضائي إذ عرف ثالث محطات أساسية بدءا بفترة ما قبل الحماية التي ساد فيها تطبيق مبادئ الشريعة اإلسالمية في مختلف مناحي الحياة ،حيث كانت (اإلدارة) ف ي تل ك المرحل ة تقوم بوظائ ف تشريعي ة وتنفيذي ة وقضائي ة مع ا ،في غياب تام لمبدأ فصل السلط ،ولم يكن ألحد أن يطعن في تصرفاتها أو أن يتناولها بالنقد نظرا الرتباطها بشخص السلطان وكل انتقاد لها يعد بمثابة انتقادا له ،إال أنه ومن الناحية العملية كانت هناك مجموعة من الوسائل يلجأ إليها كل من لحقه جور من أعمال اإلدراة (المملكة) وفي هذه الحالة فإذا ما أصاب شخص حيف م ن اإلدارة يجوز ل ه أ ن يتظل م م ن ذل ك إل ى وزي ر الشكايات الذي يتولى بدوره تقديمها إلى السلطان قصد إرجاع الحق إلى صاحبه. و من نتائج ازدياد تدخل الدولة و توسيع نشاطها واحتكاكها المباشر باإلفراد وتعدد أخطاءها وكثرت األضرار التي يصاب بها األشخاص من جراء هذا النشاط لدى كان البد من تعويض المتضررين . فالقضاء الشامل هو ذلك القضاء الذي يتيح للقاضي ليس فقط مجرد بحث مدى مشروعية العمل اإلداري ،ومن ثم إلغاء أو عدم إلغاء ذلك العمل ،أو بمعنى آخر ال يتيح للقاضي فقط مجرد إدانة أعمال الدولة المخالفة للقانون ،وإنما يتجاوز ذلك إلى تصحيح وحسم المركز القانوني الذاتي للطاعن وذلك بتعديل العمل اإلداري أو تبديله إذا ثبت بطبيعة الحال عدم مشروعيته أو عدم صحته ،والحكم له كذلك بالتعويض عن األضرار الناجمة عنه. وفى كلمة يمكن القول أن القضاء الكامل يتيح للقاضي بيان الحل الكامل والصحيح للنزاع المعروض عليه بما من شأنه حسم كافة عناصر ذلك النزاع بشكل نهائي. كما تشكل دعوى المسؤولية وسيلة قانونية تمكن المتضرر من نشاط اإلدارة من التوجه إلى القضاء من اجل أن يحصل على تعويض عن الضرر الذي أصابه .ويقصد بالمسؤولية لغة "ما يكون اإلنسان مطالبا به أو مؤاخذا به ألجل أمور أرتكبها وتعني اصطالحا "بأن هناك فعال ضارا يجب أن يؤاخذ مرتكبه " كم ا عرفها سليمان مرخس "حال ة الشخ ص الذي ارتكب أمرا يستوجب المؤاخذة. فقبل القرن 19لم يكن من المتصور أن تسأل اإلدارة أو الدول ة باعتباره ا ص احبة الس يادة فه ي تلزم الجميع و ال تلزم نفس ها بشي ء إال أ ن هذه النظري ة انهارت وأصبحت مس ؤولية الدول ة مقررة ,فاألشخاص العموميون شأنه م في ذل ك شأ ن باق ي أألفراد يتحملون مس ؤولية أعماله م التي تتول د عنه ا أضرار ينبغ ي جبره ا ورغ م وجود نصوص المس ؤولية اإلداري ة ف ي قانون التزامات و العقود فانه ال يمكن آن نخلط بينها و بين المسؤولية المدنية لكل منهما أحكامها المتميزة عن األخرى ،ولكن بما أن األنشطة العامة تخضع لقواعد متميزة المطبقة في األنشطة الخاصة التي كان من الط بيعي أن تخضع ألحكام وقواعد تختلف عن تلك المعروفة في نظام المسؤولية المدنية. إ ن الفق ه اختل ف حول تحدي د أس س ومرتكزات لك ن صدور حكم بال نكو سنة 1873كان له الفضل في التمييز بين المنازعات الت ي تخض ع لقواع د القانون اإلداري والتي تخضع لقواعد القانون المسؤولية اإلدارية للمرافق العامة. و مع ذلك تبقى هناك ميادين مستثناة من المسؤولية يمكن تحديدها في المجاالت التالية وهي: üعدم مسؤولية ا لدولة عنا لنشاط ا لتشريعي üعدم مسؤولية ا لدولة عنا لنشاط ا لتنفيذي ل لسيادة. üعدم مسؤولية ا لدولة عنأعما ا إال انه في المغرب يمكن أن تثار مسؤولية الدولة في هذه األعمال في حاالت حددها المشرع في قانون المسطرة المدنية،مع استثناء القرارات الملكية . وقد عرف المغرب تنظيم دعوى التعويض ابتداء من عهد الحماية من خالل قانون االلتزامات والعقود سنة 1913في فصلين 79و 80اللذان يشكالن العمود الفقري الذي تنبني عليه المسؤولية اإلدارية. كما انه ف ي دعاوى القضاء الشام ل نجد أ ن والي ة المحاك م اإلدارية بالطلبات المستعجلة لها أهمية قصوى ،ففيها تزداد الحاجة إلى تقدير موقف اإلدارة في عالقتها بالطرف األخر ،وذلك خالل النظر في الدعوى وقبل الفصل فيها ،مما يدفعنا إلى القول أن الحماية القضائية الوقتية ذات فاعلية في هدا الصدد بما تحمله من قضاء عاجل ال يمنح الحق وال يضيعه ،و إنما يمنع الضرر أن يستفحل أو يثبت ضررا واقعا فيمكن المضرور من إثباته وهو يطلب تعويضه عنه. تتجلى أهمية هدا الموضوع في كونه يعطينا فكرة ولو موجزة عن مفهوم ،نشأة وتطور القضاء اإلداري بكل من فرنسا والمغرب بصفة عامة ،والقضاء الشامل بصفة خاصة ،كما يوضح لنا كافة إجراءات دعوى التعوي ض م ن شروط وتقدي ر ومس طرة وكذا الجهاز القضائي المختص في هده الدعوى،إضافة إلى ذلك فهو يوضح لنا نطاق والية الطلبات االستعجالية في القضاء الشامل. اإلطار المفاهيمي للمنازعات اإلدارية المعمقة: