Professional Documents
Culture Documents
السنة الجامعية
2023-2024
1
المخطط
2
الفـــرع الثـــاني :إثـــارة الـــدعوى العموميـــة من
المتضرر
المقدمة
ان الجريمة ظاهرة اجتماعية .ذلك أن النزعة العدوانية و الصبغة األنانية هي الطبيعة الغالبة في االنسان.
و ملا كانت العدال ة هي مح ور الحق وق الطبيعي ة اإلنس انية ،فان ه ال يس تقيم أن يفلت الشخص بذنب ه .و ملا
كان الوج ود البش ري ذات ه و األمن و االس تقرار االجتم اعي يقتض يان من ع قص اص املتض رر لنفس ه ،فان
احتكار الدول ة لس لطة العق اب هي الوس يلة الفض لى لتحقي ق العدال ة م ع ض مان الحف اظ على النظ ام
االجتماعي .و األكيد أن الدولة ال يجوز لها اللجوء الى تنفيذ العقاب مباشرة ،حتى و لو كانت العقوبة ذات
حد واحد و قبل الجاني الخضوع لها طواعية ،بل عليها أن تلجأ الى السلطة القضائية التي لها وحدها حق
اص دار الحكم بالعق اب و ذل ك احترام ا لس يادة الق انون و مطيته ا في ذل ك ال دعوى العمومي ة ال تي تعت بر
التجسيد االجرائي لحق الدولة في العقاب .و ليس من املمكن أن يتجسد هذا الحق على الصعيد االجرائي
اال بإث ارة ال دعوى العمومي ة .و ال دعوى هي الس لطة ال تي يس تمدها الشخص من الق انون للحص ول على
الح ق ال ذي ي دعي أن ه ل ه من خالل هيئ ة قض ائية تابع ة للدول ة .و ال دعوى العمومي ة هي نش اط اج رائي
تمارسه النيابة العمومية في حق املجتمع و ينطوي على مرحلتين االثارة و املمارسة و املالحظ أن املشرع
لم يع رف اث ارة ال دعوى العمومي ة ب ل اكتفي بتحدي د األط راف ال تي يمكن أن تثيره ا في الفص ل الث اني من
مجلة اإلجراءات الجزائية و يمكن تعريف اثارة الدعوى العمومية بكونها العمل القانوني الذي تمارسه
مبدئيا النيابة العمومية تتولى بموجبه إحالة شخص على القاضي أو الهيئة املختصة.
و بما أنه يشترط في التعريف أن يكون جامعا مانعا كان لزاما علينا الفصل بين مفهومين متشابهين و ذلك
بالتفرقة بين مصطلح اثارة الدعوى العمومية و مفهوم ممارسة الدعوى العمومية.
و ممارسة ال دعوى العمومية هي املرحل ة الالحقة إلثارة الدعوى العمومية و هي الهدف منه ا .فهي تعني
اتخاذ اإلجراءات القانونية الالزمة بعد اثارتها لتتولى الهيئة القضائية املختصة أو القاضي معاينة الفعل
االجرامي و اثبات ادانة مرتكبه و الحصول منها على حكم يوقع عقاب على مرتكب الجريمة و شريكه عند
االقتضاء وفق ما ينص عليه القانون.
و ق د س بقت اإلش ارة الى أن اث ارة ال دعوى العمومي ة هي من اختص اص الدول ة وح دها ممثل ة مب دئيا في
النياب ة العمومي ة اال أن ه ذه الحقيق ة القانوني ة ق د ش هدت مخاض ا تاريخي ا عس يرا و ج داال نظري ا بين
النظ ام االته امي و النظ ام التنقي بي .و يع د النظ ام االته امي أق دم النظم االجرائي ة ظه ورا ويرج ع في أص ل
3
نش أته إلى ش عوب الش رق وعنهم أخ ذه اإلغري ق والروم ان وظ ل س ائدا في فرنس ا ح تى الق رن الث اني عش ر
امليالدي .كم ا ان ه م ازال س اريا في انكل ترا والوالي ات املتح دة األمريكي ة وال دول ال تي أخ ذت عن الق انون
اإلنكليزي .و يقتصر تحريك الدعوى الجزائية على املجنى عليه او أقربائه كما ال تتدخل السلطات العامة
في جم ع األدل ة إلثب ات التهم ة و بالت الي ف ان دور القاضي في ه س لبي يقتص ر على فحص األدل ة ال تي يق دمها
طرف ا ال دعوى ثم ي رجح ج انب أح دهما والقض اء بمص لحته .كم ا يع اب على ه ذا النظ ام أن ه نظ ام يق دم
املص لحة الخاص ة على مص لحة املجتم ع باعتب ار أن ال دعوى العمومي ة حك ر على املتض رر .أم ا النظ ام
التنقي بي فق د ارتب ط بظه ور الدول ة و ه و يق وم على فك رة احتكاره ا لس لطة االته ام ممثل ة في النياب ة
العمومية و للقاضي في هذا النظام دور إيجابي يستمد شرعيته من غايته املتمثلة في البحث عن الحقيقة
املطلقة دون التقيد بحجج االتهام أو ردود الدفاع .و من رحم هذا هذه املبارزة النظرية خرجت للوجود
نظري ة مختلط ة أخ ذت بمحاس ن م ا س بقها من نظري ات و اتقت مس اوئها و ه ذه النظري ة تش كل النظ ام
االجرائي الجزائي الذي أخذ به القانون التونسي و مثله نظيره الفرنسي.
و قد ظهرت الدعوى العمومية في القانون التونسي بمفهومها الحديث ألول مرة في في 26أفريل .1861و
بمقتضى األمر الصادر في 30ديسمبر 1921تم إرساء أول نظام جزائي تونسي .و في سنة 1986وقع إعادة
تنظيم قانون املرافعات الجنائية بمقتضى القانون عدد 23لسنة 1968املؤرخ في 24جويلية 1968الذي
ق ام بجم ع كل النص وص القانوني ة املتعلق ة ب اإلجراءات الجزائي ة في مجل ة واح دة هي مجل ة اإلج راءات
الجزائية .و قد شهدت مجلة اإلجراءات الجزائية بعد ذلك عددا من التنقيحات املهمة لعل أهمها تنقيح 2
ديسمبر 1987و تنقيح 200و تنقيح 2016
و تج در املالحظ ة الى اع داد مش روع ملجل ة إج راءات جزائي ة جدي دة ج اء بع دة تغي يرات تهم الش كل و
املوض وع كإض افة ب اب تمهي دي متعل ق ببعض القواع د األساس ية لإلج راءات الجزائي ة أو التجدي د في
مستوى التنظيم الهيكلي للضابطة العدلية.
و تكتسي اثارة الدعوى العمومية أهمية كبرى تكتسبها من خالل غايتها املتمثلة في إرضاء الشعور بالعدالة
اال أن هذه الغاية و ان كانت مشروعة في حد ذاتها فان انتفاء املشروعية على آليات تحقيقها يفرغها من
محتواه ا و ذل ك اعتب ارا ملا سينتج عن اث ارة ال دعوى العمومي ة من مس ب الحقوق الفردي ة الدس تورية
باإلض افة الى م ا يتول د عنه ا من آث ار اجتماعي ة وخيم ة على املتهم من تحطيم العتب اره وس ط محيط ه
االجتماعي و تغيير مركزه االجتماعي من مجرد مواطن مسالم الى مجرم خطير .و اعتبارا ملا ذكر فانه ال
يكون من املبالغة بمكان اذا قلنا أن قرار اثارة الدعوى العمومية هو قرار املوت االجتماعي للفرد .و لذلك
قام املشرع بإحاطة اثارة الدعوى العمومية بنظام قانوني دقيق.
4
و ب الرجوع الى الفص ل الث اني من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة نتبين أن املش رع أوكل مهم ة اث ارة ال دعوى
العمومية الى أطراف قضائية من جهة ( الفرع األول ) و من جهة أخرى الى أطراف غير قضائية ( الفرع
الثاني ).
5
:الجزء األول :إثارة الدعوى العمومية من قبل اإلطار القضائي
يع د القض اء الجه از الرئيسي و املختص في إث ارة ال دعوى العمومي ة فق د منح املش رع ه ذه الس لطة
بصفة أصلية إلى النيابة العمومية(الفرع األول) بيد أن سلطة اإلثارة ليست حكرا على قلم االدعاء
فقط حيث يتحمل القضاء الجالس في بعض األحيان مسؤولية إثارتها(الفرع الثاني)
الفرع األول :القضاء الواقف طرف أصلي في إثارة الدعوة العمومية :
يعتبر القضاء الواقف الطرف األصلي في إثارة الدعوى العمومية وذلك بمعية مسؤولية هذا الجهاز في
حماي ة املجتم ع و باعتب اره ممث ل الدولة فإن ه من الض روري تق ديم النياب ة العمومي ة (الفق رة األولى)
وإبراز الشروط التي وضعها املشرع إلثارة الدعوى العمومية من قبل هذا الجهاز (الفقرة الثانية)
الفقرة األولى :تقديم للنيابة العمومية:
تعهد مهمة تحريك الدعوى العمومية إلى النيابة العمومية وهو حق و جزء ال يتج زأ من هذا الجهاز
الذي خصه املشرع بتنظيم هيكلي متميز(أ) عن بقية األجهزة القضائية كما ميزه بعدة خصائص (ب).
ظهر مع تطور اإلجراءات الجزائية جهاز قضائي مستقل أسندت إليه صالحية إثارة الدعوى العمومية
وهو القض اء الواق ف أي النياب ة العمومي ة وهو الجه از القض ائي ال ذي أوكل ل ه املش رع ال دفاع عن
مص الح املجتم ع والحض ور في جلس ات الحكم باس مه ،فاستنادا إلى أحكام الفص ل 20م.إ.ج 1تس هر
النياب ة العمومي ة على تط بيق الق انون ومتابع ة ال دعوى أم ام املح اكم وتحريكه ا إض افة إلى تلقي
الشكايات كما يمكنها التفطن لجرائم جديدة أثناء إجراء عمليات جمع األدلة.
ه ذا ال دور الج وهري للنياب ة العمومي ة يفضي إلى أهمي ة معرفة األشخاص املمثلين لقلم اإلدع اء،
حيث يش رف على ه ذا اإلط ار وزي ر الع دل وال ذي بإمكان ه اإلذن ب إجراء تتبع ات و إص دار األوام ر إلى
الوكيل العام إذا تبين له وجود جريمة أو بلغ له العلم بها .
1ينص الفصل 20على أنه "النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية و تمارسها كما تطلب تطبيق القانون ,وتتولى تنفيذ
األحكام".
6
و نتبين من خالل مجل ة اإلج راءات الجزائي ة ممثلي النياب ة العمومي ة أم ام املح اكم بمختل ف درجته ا،
فيمثله ا وكي ل الجمهوري ة ومس اعدوه أماماملحكم ة اإلبتدائي ة ال ذي تم تنظيمهموتحدي د وظائفهم 2في
القسم الرابع من م.إ.ج .املعنون في "وظائف وكيل الجمهورية".
ويتقلد منصب ممثل النيابة العمومية لدى محكمة االستئناف الوكيل العام ومساعديه وهو قاضي
من الرتبة الثالثة يتم تعيينه من قبل املجلس األعلى إلى القضاء
وينص الفص ل 24من نفس املجل ة على أن ه "يمث ل املدعي العم ومي بنفس ه أو بواس طة مس اعديه
النيابة العمومية لدى محكمة االستئناف".
وأخ يرا وعلى غ رار وكي ل الجمهوري ة والوكي ل الع ام ومس اعديه ف إن وكي ل الدولة الع ام يمث ل النياب ة
العمومية لدى محكمة التعقيبإال أن الدور األساسي لوكيل الدولة العام هوالسهر على حسن تطبيق
القانون وليس بإمكانه إثارة الدعوى العمومية كما تجدر اإلشارة أن خطة الوكيل العام للدولة ليست
مذكورة بالقسم الثاني من الباب األول من مجلة اإلجراءات الجزائية و املعنون في "النيابة العمومية"
وهنا يطرح التساؤل حول مدى تمثيلية وكيل الدولة العام للنيابة العمومية.
يعتبر األستاذ فريد من جحا وكياللدولة العام ممثالللنيابة العمومية أمام محكمة التعقيب ذلك
أن ه يس تطيع الطعن ب التعقيب ملص لحة الق انون معت برا أنه ا من الص الحيات االستثنائية ملمارسة
الدعوى العمومية.3
وقد ص درت بعض التغي يرات على مجل ة اإلج راءات الجزائي ة فيم ا يتعل ق في خط ط النياب ة العمومي ة
وذلك عن طريق القانون عدد 80لسنة 1987املؤرخ في 29ديسمبر 1987والذي يتعلق بإلغاء خطة
وكيل العام للجمهورية وتم إسناد هذا االختصاص إلى الوكالء العامين بمحاكم االستئناف.4
للنياب ة العمومي ة أربع ة خص ائص أساس ية فهي تتم يز باس تقاللها على القض اء الج الس وعدم التجزئة وعدم
املسؤولية والتبعية اإلدارية
تكمن التفرقة الجوهرية بين القضاء الجالس والواقف في مبدأ عدم التجزئة ،حيث أن ثائر القضاة و
املس اعدين املمثلين للنياب ة العمومي ة واملنتمين إلى نفس املحكم ة يمثل ون نفس الشخص من الناحي ة
القانوني ة ذل ك أن التن اوب على قض ية واح دة على سبيل املث ال ج ائز بالنس بة للنياب ة تحت نفس
اإلج راءات أي أن كل األعم ال ال تي يق وم به ا وكي ل الجمهوري ة من جه ة أو مس اعديه من جه ة أخ رى
تنط وي تحت اس م النياب ة العمومي ة كتلقي الش كايات واإلذن ملأموري الض ابطة العدلي ة ب التحرك
والتفتيش ،وذلك ال نراه في القضاء الجالس الذي يبت ويصدر األحكام من خالل هيئة قضائية واحدة
6
وهي بضرورة التي حظرت املرافعة.
عدم مسؤولية النيابة العمومية:
أعطى املش رع ألعض اء النياب ة العمومي ة أثن اء مباش رتهم ل وظيفتهم ع دة س لطات وصالحيات منه ا م ا
يمس بحرية املتهم كاالحتفاظ ¹ومنعه من مغادرة تراب الجمهورية إلى جانب بطاقات اإليداع بالسجن
ومنه ا م ا يعت دي على حرمة املس كن كتف تيش وبطاق ات الجلب وهن ا يط رح التس اؤل في الح االت ال تي
يكون فيها املتهم بريء
5الفصل 117من دستور " 2022القضاء وظيفة مستقلة يباشرها قضاة ال سلطان عليهم إال القانون"
6الفصل 205المنقح بالقانون عدد 114لسنة 1994
8
يمكن في بعض الحاالت أن يقضي املتهم فترة االحتفاظ بأكملها ثم يتضح أنه بريء ومع ذلك ليس من
حق ه أن يق وم ض د النياب ة العمومي ة و"ال يس وغ بح ال القي ام عليهم باالدع اء بالباط ل أو ب الغرم بن اء
على اآلراء التي أوجب عليهم هذا الفصل إبدائها ما لم يثبت سوء نيتهم".
كم ا أن ه ال يمكن التج ريح في النياب ة العمومي ة عمال بأحكام الفص ل 297م.إج .وتبقى الحال ة
االستثنائية التي يمكن فيها مؤاخذة الحكام هي القيام عليهم في صورة ثبوت إحدى الحاالت املذكورة
في الفص ول 199و 200م.م.م.ت.كالتغرير واالحتي ال أو االرتش اء وهي نفس الح االت ال تي يمكن القي ام
فيها على القضاء بصفة عامة.
إن هذه الصالحيات والسلطات وإن كانت لهدف حماية املجتمع والقيام باسمه أمام املحاكم إال أنها
قد تكون في بعض األحيان زجرية وتعسفية في صورة ارتكاب خطأ من النيابة العمومية ال يستطيع من
ثبتت براءته املطالبة بتعويض إال في صور حصرية ومعدودة طبقا للقانونعدد 94لسنة .2002
التبعية اإلدارية:
إن ما يميز قلم اإلدعاء أيضا هو أن جل أعضائه مطالبون باالنصياع ألوامر رؤسائهم حسب نوع من
الهرمية حيث أن وزير العدل يمثل أعلى سلطة ويخضع ألوامره وكيل الدولة العام كما يخضع وكيل
الجمهورية ومساعده لسلطة الوكيل العام لدى محكمة االستئناف.
واجهت هذه التبعية اإلدارية عديد االنتقادات في مدى استقاللية القضاء رغم أن هذه السلطة تابعة
تماما للسلطة التنفيذية في القانون الفرنسي..
لكن تبقى هذه التبعية محدودة في القانون التونسي والتي نلتمس حدودها في مقتضيات الفصل 21
م.إ.ج .القائ ل ب أن" على النياب ة العمومي ة أن تق دم طلب ات كتابي ة طبق ا للتعليم ات ال تي تعطى له ا
حسب الشروط الواردة بالفصل 23وتتولى بسط املالحظات الشفاهية بما تراه متماشيا مع مصلحة
القضاء".
فيمكن للنيابة العمومية في املرافعات الشفاهية تقديم طلبات تتعارض مع الطلبات الكتابية الصادرة
7
عن وزير العدل مثال.
7حرر الفصل 52من مشروع تنقيح مجلة اإلجراءات الجزائية بطريقة تضمن استقاللية النيابة العمومية و قد تم حــذف الربــط
مع الفصل 23من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي يجبرها على تقديم طلباتها الكتابية طبقا للتعليمــات الــتي تعطى لهــا باعتبــار
أن جل أعضاء اللجنة و الخبراء و الضيوف يساندون الغاء الفصل 23الحالي و تعويضه بنص جديــد يتماشــى مــع مقتضــيات
الدستور الجديد.
9
إن الش رط األساسي واملب دئي ه و أن تم ارس ال دعوى العمومي ة من قب ل وكي ل الجمهوري ة حس ب
اختصاص ه ال ترابي وتق دم الش كايات املحاض ر املح ررة من قب ل م أموري الض ابطة العدلي ة و لوكي ل
الجمهوري ة تق دير خط ورة ه ذه الج رائم إن وجدت وإن كانت تس تلزم القي ام بالتتبع ات أي أن إث ارة
الدعوة العمومية تخضع لشروط أصليةتتمثل أساسا مثال في مبدأ مالئمة التتبع (أ) ثم تخضع لشروط
إجرائية(ب)
يعتبر شرط مالئمة التتبع شرطا أساسيا إلثارة الدعوة وتختص به النيابة العمومية عن غيرها إال أن
هذا الشرط له عدة حدود.
ويقص د بمالئم ة التتب ع أن ألعض اء النياب ة العمومي ة الس لطة لتق ييم إذا كانت الجريم ة املرتكب ة
تستحق إثارتها أمام املحاكم الجزائية فرغم أن الجريمة قد تكون مكتملة األركان إال أن بإمكان النيابة
العمومية إصدار قرار بالحفظ فيها ألنها ترى مثال أن الجريمة ال تمثل خطرا على املجتمع ،ويجب تمييز
مبدأ مالئمة التتبع عن مبدأ شرعية التتبع حيث أن األخير يفرض على النيابة العمومية إثارة الدعوى
العمومية عن كل جريمة اتصل العلم بها.
كما ينبغي على النيابة العمومية تقدير شرعية التتبع حيث أنه أحيانا ورغم توفر أركان جريمة إال أن
األدلة قد تكون غير متوفرة أو غير كافية والعكس بالعكس فيضطر وكيل الجمهورية إلى حفظ التهمة.
وقد تعرض املشرع التونسي إلى مبدأ مالئمة التتبع تحديدا بالفصل الثالثم.إ.ج 8.والذي نستنتج من
خالل ه أن لوكي ل الجمهوري ة الس لطة التقديرية إلص دار ق رار باإلحال ة أو ق رار بالحف ظ ،ويبقى ق رار
الحف ظ ق رارا إداريا باألس اس وال يتمت ع بقرين ة اتص ال القض اء ويمكن الرجوع في ه طاملا لم تس قط
الدعوة بمرور الزمن.9
حدود املبدأ :يمكن أن تسلط عدة قيود على حق النيابة العمومية في إثارة الدعوى في حاالت معينة
كأن تكونمتوقفة على وجود شكاية من املتضرر كجريمة الزناء حيث يشترط تقديم الشكاية من أحد
الزوجين كذلك جرائم الثلب والقذف املوجهة للخواص.10
8ينص الفصل الثالث " فيما عدا الصور التي نص عليها القانون ال تتوقف اثارة الدعوى العمومية على وجود التشكي كما ال يوقفها و ال يعلقها الرجــوع
في الشكاية أو في القيام بالحق الشخصي
9علي كحلون :دروس في اإلجراءات الجزائية صفحة 125
10الفصل 261من المجلة الجزائية
10
كم ا تقي د الس لطة التقديرية في إث ارة ال دعوى العمومي ة لوكي ل الجمهوري ة إذا كان م رتكب الجريم ة
متمتعا بحصانة كنواب الشعب والقضاة والتي تتطلب رفع الدعوى الستكمال إجراءات تحريكها.
نفس الصورة بالنسبة للجرائم املتوقفة على البت في مسائل مدنية بحتة والتي تقتضي الفصل فيها
من قبل القضاء املدني.
وتفقد النيابة سلطتها التقديرية في عدم إثارة الدعوى العمومية ويتم إلزامها بالتتبع حتى وإن رأى أن
ال طائل من ذلك كلما تعلق األمر بإصدار أوامر من وزير العدل تأذن بإجراء تتبعات حسب الفصل 23
م.إ.ج ، .ونالحظ أن التبعية اإلدارية تستنقص في هذه الحالة من حرية النيابة العمومية في التتبع كما
هو الحال بالنسبة لقرارات دائرة االتهام املتعلقة بإجراء تتبع جديد طبقا ألحكام الفصل 116م.إ.ج.
الشروط اإلجرائية إلثارة الدعوى: ب.
تتمث ل الش روط اإلجرائي ة أساس ا في ط رق إث ارة ال دعوى العمومي ة وهن ا يط رح التس اؤل عن كيفي ة
إثارته ا فإم ا أن تك ون عن طريق اإلحال ة على قاضي التحقي ق أو عن طريق اإلحال ة على املح اكم
املختصة وذلك يكون بالطبع حسب خطورة الجرائم املرتكبة.
11
يمكن لوكي ل الجمهوري ة إحال ة املظن ون فيهم على املح اكم املختص ة مباش رة وذل ك فق ط في ص ورة
الجنح واملخالف ات حيث أن الجناي ات تس توجب التحقي ق ،ومن ش روط إحال ة املتهم مباش رة على
املحاكم املختصة هو أن يكون معلوم الهوية فالتحقيق وجوبي في صورة غياب الهوية مع وجود وبيان
األفع ال املنس وبة للشخص املح ال و تحدي د ت اريخ ق رار اإلحال ة وأخ يرا توقي ع وكي ل جمهوري ة أو
مساعديه على هذا القرار.
وتتولى كتابة املحكمة بعد تسلم القرار استدعاء املعني باألمر إما من خالل الطريقة اإلدارية أي عن
طريق أع وان الش رطة أو الح رس ،أو بواس طة ع دل منف ذ ويق وم م دير السجن باس تدعاء املتهمين
املحبوسين حسب الفصل 137م.إ.ج.
الفرع الثاني :إثارة الدعوة العمومية بصفة استثنائية من القضاء الجالس :
يش ارك القض اء الج الس في بعض الح االت في إث ارة ال دعوى العمومي ةباعتبار أن ه ليس اختصاص ا
حص ريا للقض اء الواق ف ذل ك أن قض اء التحقي ق(الفق رة األولى) وللمحكم ة(الفق رة الثاني ة) س لطة
تحريك الدعوى العمومية بصفة استثنائية
الفقرة األولى :إثارة الدعوة من قبل قضاء التحقيق:
إن حسن سير العدالة وحماية املجتمع وضمان النظام يتطلب الفصل بين سلطتي التتبع والتحقيق
وذل ك في سبيل ،تحقي ق نجاع ة س ير ال دعوة العمومي ة إال أن هن اك بعض الح االت االستثنائية ال تي
يتوجب فيها الجمع بين هاتين السلطتين ،ويتمثل قضاء التحقيق أساسا في قاضي التحقيق(أ) ودائرة
االتهام باعتبارها محكمة تحقيق من درجة تانية(ب)
قاضي التحقيق: أ.
مب دئيا ال يتعه د قاضي التحقي ق باألبح اث الجزائي ة إال من خالل اإلذن ب إجراء فتح تحقي ق من قب ل
وكيل الجمهورية لكن تدعو الضرورة في بعض األحيان إلى التصرف العاجل من قبل قاضي التحقيق
خشية ضياع األدلة،أو أن تقع صعوبة في معينة الجريمة ،وباعتبار أنه هيكل مستقل تابع للمحكمة
اإلبتدائي ة وال تس لط علي ه أي س لطة إش راف قض ائي فه و يعم ل بكل حرية ويس تطيع في ح االت
استثنائية الجم ع بين س لطة تتب ع والتحقي ق وهي يكتس ب ب ذلك ص فة الض ابطة العدلي ة وصالحيات
12
وكيل الجمهورية ،ويستطيع قلم التحقيق إثبات الدعوة من تلقاء نفسه في حالة التلبس وهي صورة
الفص ل 35م.إج.ال ذي ينص على أن ه "لح اكم التحقي ق في دائرته أن يج ري رأس ا وبنفس ه فيص ورة
الجناي ة املتلبس به ا جمي ع األعم ال املخولة ل وكالء الجمهوري ة طبق ا الق انون زيادة على مال ه من
الوظائف الخاص ة ب ه ويجب علي ه إعالم وكي ل جمهوري ة ح اال ".وبالت الي ف إن قاضي التحقي ق يتمت ع
بصالحيات وكيل الجمهورية في الجنايات املتلبس بها ويتصرف بكل استقاللية ذلك مع اإلعالم الفوري
لوكيل الجمهورية بالتعهد التلقائي.
ورغم أنه قد يكتسب صفة الضابطة العدلية في بعض الحاالت األخرى إال أن اإلشكال يطرح في مدى
تعه د قاضي تحقي ق بإث ارة ال دعوة فيه ا فبالنس بة للج رائم ال تي ارتكبت بمحض ره و أثن اء مباش رته
لوظيفته والجرائم التي اكتشفها أثناء عملية البحث القانوني فهي حاالت يكون فيها قاضي التحقيق
ط رف مس اعد في إث ارة ال دعوى حيث يحي ل التق ارير في كلت ا الح التين إلى النياب ة العمومي ة وهي ال تي
تتولى إثارة الدعوة ،فهل تنطبق نفس اإلجراءات على دائرة االتهام؟
دائرة االتهام ب.
تمث ل دائ رة االته ام الدرجة الثاني ة من التحقي ق وله ا ص بغة مزدوجة تجم ع بين التحقي ق واملهم ات
القضائية الحكمية وتتألف من رئيس دائرة ومستشارين وعند التعذر يمكن تعويض الرئيس بمستشار
ل دى محكم ة االستئناف واملستش ارين بح اكمين من املحكم ة اإلبتدائي ة ،¹وتع نى دائ رة االته ام بإث ارة
ال دعوى العمومي ة في حال ة استثنائية وهي حال ة الفص ل 115حيث تنص الفق رة األخ يرة من ه على أن
لدائرة االتهام"الحق كذلك في اإلذنبإجراء تتبع جديد أو في البحث بنفسها أو بواسطة عن أمور لم يقع
إجراء تحقيق في شأنها وذلك بعد سماع ممثل النيابة العمومية" وال تتقيد دائرة االتهام في هذه الحالة
ب رأي قلم االدع اء ،ف إذا أث ارت النياب ة العمومي ة ال دعوة وطلبت فتح بحث ل دى ح اكم التحقي ق ض د
شخص معين يتعه د القاضي باألبح اث ويح رر ق رار الختم ويحي ل املل ف ل دائرة االته ام وتتكف ل به ذه
األخيرة بمراقبة أعمال قاضي التحقيق وتحيلها على املحكمة املختصة إن كانت اإلجراءات سليمة إال
أن ه ق د تتفطن إلى مالبس ات ت ؤذي إلى اكتش اف ج رائم جدي دة ك أن تتضح أن الش يكات مدلس ة هي
ش يكات مسروقة باألس اس فله ا أن ت أذن ب إجراء بحث جدي د من أجل جريمة الس رقة ،كم ا يمكن أن
تمدد االتهام ليشمل أشخاص لم يشملهم التتبع فدائرة االتهام إذن هي محكمة ذات سيادة ال تقف
عند حد معين فهي تقوم بمراجعة شاملة للوقائع واألشخاص والتأكد من أركان كل جريمة إال أنها ال
يمكن أن توجه االته ام على شخص س بق وأن تم حفظ التهمة في ش أنه أو تم الحكم ببراءته فمصلحة
13
املجتمع تقضي أن تكون األحكام ذات حجية وأنه ال يمكن تغييرها متى اتصل بها القضاء وهو ما نص
عليه الفصل 132مكرر م.إ.ج.
تختص املح اكم الجزائي ة بتس ليط الج زاء الج زائي على مرتك بي الج رائم وليس من وظائفه ا إث ارة أو
ممارسة الدعوى العمومية وخرق هذه القاعدة يعتبر تجاوزا لسلطاتها املحددة في القانون إال أن هذا
الفصل بين س لطة إثارة ال دعوة وسلطة توقيع العق اب ال يمكن أخذه على إطالق ه حيث منح املشرع
بصفة استثنائية للقضاءحق تحريك الدعوى في جرائم املجلسية(أ) وقد خصها بنظام قانوني مميز عن
اإلجراءات العادية إلثارتها(ب).
أ .الجرائم المجلسية:
إن ف رض اح ترام النظ ام بجلس ات املح اكم وضمان س ير ،العدال ة ه و ه دف أساسي ارتآه املش رع من
خالل وضعه ملجموعة من القواعد حول تسيير املحاكم وصالحيات رؤسائها ،ومن بين هذه الصالحيات
إثارة الدعوى العمومية في حالة ارتكاب الجرائم املجلسية.
وتع رف الجريم ة املجلس ية بكونه ا الجريم ة ال تي ت رتكب في املحكم ة أثن اء انعق اد الجلس ة س واء كان
القض اء متعه دا ب النظر في املادة الجزائي ة أو في املادة املدني ة وقد تع رض الفص ل 295م.إ.ج .إلى
الج رائم املجلس ية فتك ون إم ا جنح ة أو مخالف ة أو جناي ة ،وتك ون الجريم ةإما تس تهدف الهيئ ة
الحكومي ة مباش رة أي رئيس ها أو أح د أعض ائها أو ح تى الحاض رين بالجلس ة كم ا يمكن أن تس تهدف
حسن سير العدالة.
ونظرا لحرمة قاعة الجلسة فإن املشرع جرم عدة أفعال رغم أنها قد ال تكون جريمة خارجة الجلسة
كالتش ويش أو الش غب املعرقل لس ير العدال ة كحال ة الفص ل 315من املجل ة الجزائي ة املتعل ق
بالتشويش كما منع املشرع بالفصل 64مجلة الصحافة استعمال أجهزة التسجيل والتصوير ملا قد
تحدثه من فوضى داخل قاعة الجلسة.
وقد تك ون الج رائم أش د خط ورة كص دور أفع ال وأق وال وإش ارات وتهدي د من املعت دي إلى ج انب
االعتداءات سواء بالعنف الشديد أو الخفيف ويعتبر ارتكاب هذه الجرائم داخل قاعة الجلسة ظرفا
من ظروف التشديد.
14
كم ا أن الجريم ة املجلس ية ب املفهوم ال وارد بالفص ل 295م.إ.ج .يستثني الج رائم املرتكب ة مثال ببه و
املحكم ة أو بع د انته اء الجلس ة أو قب ل إنتص اب هيئ ة الحكم ،وال يمكن إدراجه ا تحت طائل ة النظ ام
القانوني الخاص بالجرائم املجلسية.
نظ را الحتمالي ة ك ون قاع ة الجلس ة مس رحا الرتكاب جريم ة من الج رائم ح رص املش رع على إخض اع
ه ذه الج رائم لقواع د خاص ة ومس تقلة في التتب ع فق د تم تعميم ه ذه اإلمكاني ة س واء كانت الجريم ة
املرتكبة جنحة أو مخالفة أو جناية وينص الفصل 295م.إ.ج .على أنه "إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة
أثناء انعقاد الجلسة فإن قاضي الناحية أو رئيس املحكمة الجناحية أو الدائرة الجنائية االبتدائية أو
الدائرة الجناحية االستئنافية أو الدائرة الجنائية االستئنافية يحرر محضرا في الواقع ويباشر سماع
املض مون في ه والش هود ثم تس لط املحكم ة العقوبات املنص وص عليه ا بالق انون بحكم قاب ل للتنفي ذ
بقطع النظر عن االستئناف .
وإذا كانت الجريمة املرتكبة أثناء انعقاد الجلسة محكمة الناحية راجع بالنظر إلى املحكمة الجناحية
فإن قاضي الناحية يحرر فيها محضرا يحيله فورا على وكيل الجمهورية.
وإذا كانت الجريمة املرتكبة جناية فإن قاضي الناحية أو رئيس املحكمة الجناحية أو الدائرة الجنائية
االبتدائية أو الدائرة الجناحية االستئنافية أو الدائرة الجنائية االستئنافية ينهي فورا املحاضر املحررة
في الواقعة وسامع املضمون فيه والشهود إلى وكيل الجمهورية الذي يأذن بفتح بحث .على أنه يجوز
للمحكمة الجنائية أن تقضي في الجريمة في الحال".
وبذلك يكون للقاضي املتعهد سلطة إثارة هذه الدعوى دون انتظار النيابة وتوقيع العقوبات املناسبة
على املذنبين أثن اء جلس ة املرافع ة وذل ك كلم ا كانت داخل ة في نط اق اختصاص ه الحكمي غ ير أن نظ ر
قاضي الناحي ة في املخالف ات مباش رة ال يعت بر من قبي ل االستثناءات قواع د االختص اص حيث أعطى
املش رع ص لب الفص ل 200م.إ.ج .س لطة التعه د باملخالف ات دون توقف على إحال ة من النياب ة
العمومي ة في ص ورة التلبس ففي ص ورة املخالف ة املتلبس به ا ح تى ل و كانت خ ارج الجلس ة فلقاضي
الناحي ة إث ارة التتب ع دون انتظ ار قلم االدع اء .أم ا في الجناي ات فيج وز للمحكم ة الجنائي ة فق ط أن
تقضي في الجريمة في الحال.
15
تجدر اإلشارة إلى أن إثارة الدعوى العمومية في بعض الجرائم تتوقف على تقديم شكاية من املتضرر
كش رط أساسي إلقام ة التتب ع إال أن ه في حال ة كونه ا جريم ة مجلس ية ال تقي د املحكم ة به ذا الش رط
ويمكن البت فيها حاال .
كم ا أن الخصوصية ال تي تكتس بها الجريم ة املجلس يةتكون ح ائال أم ا ممارسة النياب ة العمومي ة ملب دأ
مالئمة التتبع باعتبار أنه يتم البت في الجريمة بصفة مباشرة كما يتم تغييب مرحلة التحقيق في هذه
الجرائم رغم تناقض ذلك مع الفصل 47م.إ.ج الذي يقر بوجوبية التحقيق في املادة الجنائية ،وتكون
اإلجراءات مختصرة واستثنائية بإقصاء مراحل البحث األولي الذي يقوم به أعوان الضابطة العدلية
ويتم االقتصار على تحرير محضر في كيفية حصول الواقعة يمليه رئيس الجلسة على الكاتب ثم يستمع
للشهود إن رأى في ذلك ضرورة ثم يستنطق املتهم ويتم حجز الوسائل املستعملة في ارتكاب الجريمة إن
كانت موفي صورة عدم االختصاص الحكمي يتم تسليم املحضر الذي تم تحريره إلى النيابة العمومية
بغاية إعالمها فتقوم باستكمال اإلجراءات الالزمة في ذلك.
يمكن اإلش ارة إلى أن إص دار األحكام الحيني ة يتماشى م ع الح ل ال ذي اعتم ده املش رع الفرنسي
ويتناقض مع التشريع األملاني الذي ال يخول للمحاكم إصدار األحكام الحينية.
و على غرار االطار القضائي أوكل املشرع مهمة اثارة الدعوى العمومية لالطار غير القضائي.
ينص الفصل الثاني من مجلة اإلجراءات الجزائية على أنهك " اثارة الدعوى العمومية و ممارستها من
خصائص الحكام و املوظفين الذين أناطها القانون بعهدتهم .و يمكن اثارة الدعوى املذكورة من طرف
املتضرر حسب القواعد املبينة بهذا القانون " .و يتبين من هذا الفصل أن الدعوى العمومية يمكن
اثارتها بصفة استثنائية من أطراف غير قضائية تتمثل في اإلدارة ( فرع أول ) و املتضرر ( فرع ثاني ).
الفرع األول :اثارة الدعوى العمومية من قبل االدارة:
استجابة للخصوصية التي تتميز بها بعض املجاالت و مراعاة ملا تقتضيه بعض الوظائف من معارف
خاص ة و إج راءات فني ة دقيقة ,أن اط املش رع الي بعض االدارات بمقتضى ق وانين خاص ة س لطة اثارة
الدعوى العمومية ( فقرة أولى ) وفق اجراءات خاصة تستجيب لطبيعة العمل اإلداري ( فقرة ثانية )
فقرة أولى :اإلدارات التي لها حق اثارة الدعوى العمومية
16
تتع دد اإلدارات ال تي مكنه ا املش رع من س لطة اث ارة ال دعوى العمومي ة بمقتضى نص وص خاص ة.
وتاريخي ا تم اس ناد ح ق إقام ة ال دعوى العمومي ة الى االدارة بم وجب األم ر العلي املؤرخ في 3اكت وبر
1884ال ذي أح دث تحت اش راف االدارة العام ة للمالي ة ,إذ ج اء بالفص ل 127من ه م ا يلي "و يجب
على من ت ولى ال دفاع عن حق وق االدارة العام ة أو الف رع املالي ال ذي يهمهم ا االم ر أن يطلب عن د
حض وره بالجلس ة تط بيق العقوبات ال تي ت رتبت عن الفع ل املح ررة في ه التق ارير و حم ل مص اريف
القضية على الفاعل".
و تعتبر إدارة الجباية من اول االدارات التي منح لها املشرع سلطة اثارة الدعوى العمومية .حيث جاء
بالفص ل 74من مجل ة الحق وق و األج راءات الجبائي ة في فقرته االولى "يت ولى املدير الع ام لألداءات أو
رئيس وحدة املراقبة الوطنية و األبحاث الجبائية أو مدير املؤسسات الكبرى أو مدير ادارة املؤسسات
املتوسطة أو رئيس املركز الجهوي ملراقبة األداءات اثارة الدعوى العمومية"...
وتظي ف الفقرة الثاني ة من نفس الفصل انه "وتتم إثارة ال دعوى العمومية ل دى املحكمة االبتدائية
التي توجد بدائرتها مصلحة الجباية التي عاينت املخالفة أو تعهدت بها بالنسبة الى املخالفات الجبائية
الجزائي ة املوجب ة لعقوبة بدني ة من قب ل وزي ر املالي ة أو املدير الع ام لالداءات بتف ويض من وزي ر
املالية"...
واملالح ظ من خالل احكام الفق رتين االولى و الثاني ة من الفص ل 74من مجل ة الحق وق و اإلج راءات
الجبائي ة أن مص الح الجباي ة تتمت ع بإس تقاللية مطلق ة في اث ارة ال دعوى العمومي ة .فهي ال تخض ع
لنفس السياس ة التش ريعية ال تي تخض ع له ا النياب ة العمومي ة في الج رائم العادي ة ,وكأنه ا نياب ة
جبائي ة,على عكس املش رع املص ري ال ذي خص ص نياب ة للش ؤون املالي ة و التجارية و ك ذلك نياب ة
13
رائب. ة الض ملكافح
هذا االختيار يجد مبرره في قدرة مصالح الجباية على معالجة املشاكل الجبائية و تعقيداتها ملا لها من
علم و معرفة باملادة الجبائية .
إال أن إقصاء النيابة العمومية يبقى حبيسا في مستوى إثارة الدعوى فقط ,فاالدارة الجبائية تقوم
بإث ارة ال دعوى العمومي ة بتق ديم ش كاية الى النياب ة العمومي ة لتت ولى ه ذه االخ يرة فيم ا بع د ممارسة
ال دعوى العمومي ة .و املالح ظ أن ه قب ل ص دور مجل ة الحق وق واإلج راءات الجبائي ة س نة 2000كان
بإمكان اإلدارة الجبائية إثارة و ممارسة الدعوى العمومية فيما يتعلق باملخالفات الجبائية ,إال أنه
بصدور املجلة حصر الفصل 74صالحيات اإلدارة في إثارة الدعوى العمومية دون ممارستها التي ترجع
13حسن دياب :الدعوى العمومية في القانون الجنائي اإلقتصادي :رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية .كاية الحقوق بتــونس -1997
, 1998ص. 46
17
14
ة. ة العمومي الى النياب
إض افة إلى اإلدارة الجبائي ة تتمت ع إدارة الديوان ة ك ذلك بس لطة إث ارة ال دعوى العمومي ة بمقتضى
ق انون ع دد 34املؤرخ في 2ج وان 2008املتعل ق بإص دار مجل ة الديوان ة .و ق د نص الفص ل 318من
مجلة الديوانة على أنه "يتولى وزير املالية أو من فوض له وزيراملالية في ذلك ممن له صفة مدير إدارة
ة دعوى العمومي ارة ال ة إث مركزية أو جهوية للديوان
على غرار اإلدارة الجبائية أوكل املشرع سلطة اثارة الدعوى العمومية في الجرائم الديوانية الى إدارة
الديوانة بصفة صريحة مقصيا بذلك النيابة العموميةالتي يقتصر دورها على مد إدارة الديوانة بكل
املعلومات ال تي تتحص ل عليه ا و ال تي تف ترض وجود مخالف ة ديواني ة أو أي ة من اورة ت رمي أو ينتج عنه ا
مخالفة القوانين و التراتيب التي لها صلة بتطبيق مجلة الديوانة و ذلك بمناسبة نظرالنيابة العمومية
في قض ايا مدني ة أو تجارية أو بحث ج زائي و ل و انتهى ذل ك بع دم س ماع ال دعوى وفق م ا نص علي ه
الفصل 319من مجل ة الديوانة .و بالتالي تتكفل النيابة العمومية بإحال ة كل املعلومات ال تي تخدم
الجرائم الديوانية على إدارة الديوانةكإستثناء للمبدأ اإلجرائي العام الذي تكون فيه النيابة العمومية
الطرف املتلقي للمعلومات من املواطنين و أعوان الضابطة العدلية .وتسترجع النيابة العمومية حقها
في إث ارة ال دعوى العمومي ة إذا تعل ق األم ر بجريم ة ح ق ع ام اذا كانت الجريم ة الديواني ة تمس من
النظ ام الع ام حيث يف رض املنط ق الق انوني خروجه ا عن نظ ر اإلدارة الديواني ة. 15وبالرجوع الى
النصوص القانونية نستنتج أن املشرع أوكل الى االدارة سلطة اثارة الدعوى العمومية في الجرائم التي
تهم االدارة فقط ملا لها من خصوصية .
كما أناط املشرع الى إدارة املالية اثارة الدعوى العمومية في املجال املصرفي حيث جاء بأحكام الفصل
30من مجل ة الص رف " ل وزير املالي ة أو ملمثل ه املؤهل له ذا الغ رض الح ق في ط رح القض ية أم ام
املحكمة وإسماع ما يعتمده من امللحوظات في كل القضايا الناتجة عن جرائم في حق تراتيب الصرف
" فيمكن لوزير املالية طرح القضية مباشرة أمام املحكمة متجاوزا بذلك سلطة النيابة العمومية ,و
األبعد من ذلك يمكنه إجراء مصالحة حسب أحكام الفصل 31من مجلة الصرف الذي ينص على انه
"يمكن لوزير املالية أو ملمثله املؤهل لهذا الغرض إبرام مصالحة مع مرتكب الجريمة و ضبط شروط
16
ه ده املص الحة بنفس ه " .فهي ب ذلك تتص رف في ال دعوى العمومي ة تص رف النياب ة العمومي ة.
14
مريم الفقي :إثارة الدعوى العمومية ,مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الجنائية ,كلية الحقوق بتونس , 2009-2008,ص.44
18
إال أن الفصل 29من نفس املجلة نص على أنه "ال يمكن ممارسة تتبع الجرائم في حق تراتيب الصرف
إال تبعا لشكوى من وزير املالية أو من ممثل له مؤهل لهذا الغرض "...
و ينص الفصل 30من مجلة اإلجراءات الجزائية أن النياب ة العمومية وحدها تقرر مآل الشكايات و
اإلعالم ات ال تي يتلقاه ا أو ال تي تنهى إليه ا بم ا ي وحي بوجود تع ارض بين أحكام الفص ل 30من مجل ة
الص رف و أحكام الفص لين 29من نفس املجل ة و 30من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة .
ولتجاوزمثلهذااإلشكالذهبالبعض إلىاإلقراربازدواجيةملكيةالدعوىالعموميةبين اإلدارة الص رفية و
النياب ة العمومي ة فهي ليس ت حك را على اح دهما و ذل ك تأسيس ا على أحكام الفص ل 2من مجل ة
اإلجراءات الجزائية الدي أش ار إلى الحكام و املوظفين .فكال الجهتين يتمتع بإختص اص إثارة الدعوى
العمومة.
ف إذا م ا كانت الجريم ة ص رفية بحت ة ف وزارة املالي ة له ا س لطة مطلق ة في خصوصها فإم ا ان تق رر
املصالحة او إصدار شكوى إذا إقتضى القانون ذلك أو عرضها على املحاكم مباشرة حسب مقتضيات
الفصل 30من مجلة الصرف .أما إذا كانت الجريمة مزدوجة تحتمل مؤاخدة صرفية و أخرى ديوانية
أو تابع ة للق انون الع ام يك ون تتبعه ا طبق ا للق انون ال ذي وقع خرقه حس ب الفص ل 34من نفس
17
املجلة.
من جهته أوكل املش رع التونسي الى محافظ البنك املركزي مهمة تتبع املخالفات للتشريع و التراتيب
املص رفية و ذل ك بمقتضى الفص ل 27جدي د من الق انون ع دد 25لس نة 1994الص ادر في 7فيف ري
1994املنظم ملهنة البنوك .
أم ا بخص وص إث ارة ال دعوى العمومي ة املتعلق ة ب الجرائم البحرية فق د نظمت باملجل ة التأديبي ة و
الجزائي ة البحرية الص ادرة بمقتضى الق انون ع دد 28لس نة 1977املؤرخ في 30م ارس , 1977إذ نص
الفص ل 19منه ا على أن ه "كل جناي ة أو جنح ة مرتكب ة على متن س فينة يفتح في ش أنها بحث من ط رف
الس لطة البحرية بالنس بة للس فن املع دة للمالح ة الس احلية أو من ط رف الربان في الص ور األخ رى و
ذل ك طبق ا ألحكام الفص ول 46إلى 49من مجل ة املرافع ات الجنائي ة".و أض اف الفص ل 22من نفس
املجل ة أن " عن د ارتكاب جناي ة أو جنح ة ب البالد التونس ية من ط رف الربان أو بمش اركته ف ان م دير
البحرية التجارية يق وم تلقائيا و فور علمه باملخالف ة ببحث أولي و يرفع الدعوى الى السلطة العدلية
املختص ة و يمكن أن يف وض األم ر الى ممثل ه الجه وي أو املحلي أو الى اح دى الس لط املكلف ة بالش رطة
العدلي ة املذكورة بالفص ل 17من ه ذه املجل ة " .من خالل ق راءة الفص لين 19و 22يط رح التس اؤل
19
الت الي .من املكلف بإث ارة ال دعوى العمومي ة في الج رائم البحرية ؟ الس لطة البحرية ام م دير البحرية
التجارية؟
الجريم ة البحرية هي الجريم ة ال تي تق ع على متن الس فن بإستثناء الس فن الحربي ة من ط رف أح د
املس افرين أو من ط رف ط اقم الس فينة نفس ه حس ب أحكام الفص ل األول من املجل ة التأديبي ة و
الجزائية البحرية .و بناء على ما تقدم ذكره فان سلطة تحريك الدعوى العمومية تخول الى السلطة
البحرية أو إلى م دير البحرية التجارية بحس ب ص فة م رتكب الجريم ة .ف إذا كانت الجريم ة مرتكب ة من
طرف أحد املسافرين فإن السلطات البحرية تتولى إثارة الدعوى العمومية تطبيقا الفصل , 20اما إذا
كانت الجريمة مرتكبة من طرف الربان فإن إثارة الدعوى تتم من طرف مدير البحرية التجارية تطبيقا
للفصل 22من نفس املجلة.
كم ا منح املش رع لبعض أع وان اإلدارات االخ رى بمقتضى ق وانين خاص ة معاين ة و إث ارة ال دعوى
العمومية مثل متفقدي املراقبة اإلقتصادية من خالل الفصل 62من قانون إعادة تنظيم املنافسة و
األسعار .والفصل 21من قانون حماية املستهلك الذي أضاف إلي األعوان أطباء و بياطرة و صيادلة
الصحة العمومي ة والفن يين و الس امين ال دين يكلفهم وزي ر الصحة 18.كم ا يمكن ملديري السجون و
مراك ز اإلص الح أن يمارسوا وضائف الض ابطة العدلي ة في بعض الح االت وهي ح االت الج رائم ال تي
يعاينوها أثن اء آداء وظائفهم داخ ل السجون أو مراك ز اإلص الح أو بمناس بتها.وذل ك تطبيق ا للفص ل
الثالث من القانون عدد 51لسنة 2001املؤرخ في 3ماي 2001املتعلق بإطارات و أعوان السجون و
اإلصالح.
الفقرة الثانية:اجراءات إثارة الدعوى العمومية من طرف اإلدارة :
تتم يز اإلدارة ب إجراءات خاص ة إلث ارة ال دعوى العمومي ة وضعها املش رع بمقتضى نص وص خاص ة
تماش يا م ع م ا يملي ه الواق ع اإلقتص ادي من س رعة في اإلج راءات ,و هي ب ذلك تتمت ع بإس تقاللية عن
االجراءات العامة املتعلقة بالنيابة العمومية .
تنطلق هذه اإلجراءات بمعاينة الجرائم املرتكبة في اإلدارات,إذ نصت الفقرة السادسة من الفصل 10
من مجلة اإلجراءات الجزائية على أنه "يباشر وظائف الضابطة العدلية ...من سيأتي ذكرهم :أعوان
اإلدارات ال ذين منح وا بمقتضى ق وانين خاص ة الس لطة الالزمة للبحث عن بعض الج رائم أو تحرير
التقارير فيها" .و تتنوع اإلجراءات بتنوع الجرائم.
20
بالنس بة للج رائم الجبائي ة تق ع معاين ة املخالف ات ألحكام التش ريع الجب ائي بإستثناء املخالف ات
املنصوص عليها بالفصول من 80إلى 85من مجلة الحقوق و اإلجراءات الجبائية بمحاضر تحرر من
قبل أعوان مصالح الجباية و غيرهم من األعوان املؤهلين ملعاينة املخالفات الجبائية الجزائية وذلك
وفق الفصل 70من مجلة الحقوق و اإلجراءات الجبائية.
أم ا فيم ا يتعل ق باملخالف ات و الجنح الديواني ة فيعاينه ا أع وان الديوان ة و أع وان الغاب ات و األع وان
ال ذين لهم ص فة الض ابطة العدلي ة بم وجب أحكام الفص ل 10من مجل ة اإلجراءات الجزائي ة وكذلك
أعوان الشرطة و أعوان الحرس الوطني و أفراد الجيش الوطني الذين من مشموالتهم حراسة الحدود
برا أو بحرا أو جوا .
بالنسبة للمجال الصرفي يتولى األعوان املذكورين بالفصل 24من مجلة الصرف معاينة الجرائم في
ح ق ت راتيب الص رف و هم م أمورو الض ابطة العدلي ة ,أع وان القم ارق ,أع وان وزارة املالي ة و أع وان
البنك املركزي التونسي الذين لهم الصفة التي تؤهلهم لذك.و املالحظ تعدد األعوان الذين لهم حق
املعاينة وذلك من شأنه ان يطرح إشكاال في صورة وجود جريمتين من فعل واحد مثال جريمة ديوانية و
أخ رى ص رفية .19في ه ذه الحال ة يق ع األخ ذ باملحض ر األول و يق ع ض م بقي ة املحاض ر إلى ه ذا
املحض ر ,فعن د ت داخل عدي د الجه ات كالنياب ة العمومي ة و اإلدارة القمرقي ة و اإلدارة املص رفية ,فإن ه
يق ع زجر الجريم ة وفق الق انون ال ذي وقع خرقه حيث القاع دة تقتضي أن األس بق في وضع الي د ه و
األسبق بالتعهد.20
أم ا في خص وص املخالف ات املتعلق ة باملنافس ة واألس عار تك ون معاينته ا من قب ل متفق دي املراقب ة
اإلقتصادية في املخالفات املتعلقة بأحكام الباب األول من العنوان الرابع حسب الفصل 62من قانون
املنافس ة و األس عار,و املخالف ات املتعلق ة بالب ابين الث اني و الث الث تك ون من قب ل ع وني مراقب ة
إقتصادية أو أعوان الضابطة العدلية حسب الفصل 63من نفس القانون.
أما بالنسبة إلى الجرائم البحرية يقع معاينتها من قبل أعوان السلطة البحرية و األعوان الذين منحوا
صراحة سلطة البحث حسب الفصل 17من املجلة التأديبية و الجزائية البحرية.
بعد إتمام عملية املعاينة من األعوان اإلداريين املكلفون بذلك تحرر محاضر في الغرض وفق شروط
ش كلية خاص ة بكل جريم ة .في املخالف ات الجبائي ة الجزائي ة تح رر املحاض ر من قب ل ع ونين محلفين
يكونا ق د عاين ا بص فة شخص ية و مباش رة وقائع املخالف ة و يق ع إعتم اد ه ذه املحاض ر م ا لم يثبت
21
خالف ذل ك وفق أحكام الفص ل 71من مجل ة الحق وق و اإلج راءات الجبائي ة.ويجب أن يتض من ه ذا
املحضر على بيانات محددة بالفصل 72من نفس املجلة ,تاريخ املحضر و ساعته و مكانه ,نوع املخالفة
,إس م املخ الف و لقب ه وحرفت ه إذا كان شخص ا طبيعي ا أو اإلس م االجتم اعي و املق ر إذا كان شخص ا
معنويا ,اج راءات الحج ز ,إمض اء املخ الف و ختم املص لحة ال تي يرجع إليه ا ب النظر.ثم ترسم محاض ر
معاينة املخالفات الجبائية الجزائية بسجالت خاصة تفتح للغرض بمصالح الجباية ,وتسجل بالنسبة
إلى كل محضر إجراءات التتبع أو الصلح التي وقع إتباعها و نتائج ذلك.
وعلى غرار املحضر املتعلق بالجريمة الجبائية فإن املحاضر األخرى أيضا تضبطها شكليات محددة مثل
الفص ل 311من مجل ة الديوانة و الفص ل 24من مجل ة الص رف و الفص ل 39فقرة ثاني ة من ق انون
اعادة تنظيم السوق املالية .
وقد أعطى املش رع للمحاض ر املح ددة من قب ل بعض اإلدارات حجي ة أك بر و حص انة أق وى مقارنة
باملحاض ر ال تي تحرره ا أع وان الض ابطة العدلي ة وفق التش ريع الع ام .وذل ك يبقى ح بيس أن تك ون
مستوفاة لكل الشروط الشكلية التي إقتضاهاالقانون.وال يمكن دحض القوة الثبوتية لهذه إال بإثبات
العكس مثل ما نص على ذلك الفصل 313من مجلة الديوانة "تعتمد املحاضر الديوانية املحررة من
قب ل ع ون واح د إلى حين إثب ات العكس ",أو ب دعوى ال زور مث ل م ا ج اء بالفص ل 315فق رة أولى من
نفس املجلة "يقع رمي محاضر الديوانة بالزور وفق اإلجراءات الجاري بها العمل في التشريع العام"
أيضا من شروط الدعوى العمومية من قبل بعض اإلدارات صدور شكوى من االدارة وهو يعتبر قيد
إجرائي إلثارة الدعوى العمومية تطبيقا للفصل 3من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي جاء به " في ما
ع دا الص ور ال تي نص عليه ا الق انون ال تتوقف إث ارة ال دعوى العمومي ة على وجود التش كي" .ذل ك م ا
أك ده الفص ل 29من مجل ة الص رف حيث ال يمكن ممارسة تتب ع الج رائم في ح ق ت راتيب الص رف إال
تبعا لشكوى من وزير املالية"...
وفي بعض الح االت االخ رى يتوقف إث ارة ال دعوى العمومي ة على ض رورة أخ ذ رأي بعض الجه ات
املختص ة وهي الحال ة ال تي تهم املخالف ات الجبائي ة الجزائي ة املوجب ة لعقوبة بدني ة حيث تك ون اث ارة
الدعوى من قبل وزير املالية أو املدير العام لألداءات بتفويض منه بعد أخذ رأي لجنة حسب الفصل
74في فقرته الثانية من مجلة الحقوق و اإلجراءات الجبائية .
وقد تولى األمر عدد 1721املؤرخ في 24جويلية 2001ضبط تركيبة ومهامه و طرق
22
21
عمل هذه اللجنة .
وتج در اإلش ارة إلى أن رأي اللجن ة إستش اري و ليس إجب اري اذ يقتص ر دوره ا على إق تراح اإلج راءات
املناسبة و ذلك على خالف التشريع الفرنسي الذي يكون رأي اللجنة إلزامي وفق الفقرة 3من الفصل
228من كتاب اإلجراءات الجبائية.
من جهة أخرى يكون رأي بعض الهيئات مطلوب من الجهات القضائية مثل هيئة السوق املالية وفق
الفصل 86من القانون املتعلق بإعادة تنظيم السوق املالية .
21تتكون اللجنة حسب الفصل 2من األمر عدد 1721لسنة 2001من الكاتب العام بوزارة الماليــة ,ممثــل عن وزارة العــدل,المكلــف العــام بنزاعــات
الدولة ,المدير العام للمراقبة الجبائية ,المدير العام لإلمتيازات الجبائية و المالية ,رئيس ارقابة العامة للمالية.
22ويقصد المشرع " بالقواعد المبينة بهذا القانون " أحكام القسم السادس من الباب األول من الكتــاب األول من مجلــة اإلجــراءات الجزائيــة الــوارد تحت
عنوان " في القيام بالحق الشخصي " وبالتحديد الفصول من 36الى 46من نفس المجلة
23
هي وصف دين اميكي يص بغه املش رع على مجموعة من األشخاص ع ددهم حص را فهي تش مل على
السواء الشخص الطبيعي 23و الشخص املعنوى
24
و ق د أق رت ج ل التش ريعات ،إن لم نق ل أغلبه ا ،بح ق املتض رر في تحريك ال دعوى العمومي ة على
املسؤولية الخاصة وهو حق استثنائي طاملا أن النيابة العمومية هي املختصة بإثارة الدعوى العمومية
ّف
،لذلك يبقى هذا الحق دائما مقيدا بضرورة تو ر عّد ة شروط منها ما يتصل باملوضوع (أ) و منها ما
يتصل بالشكل (ب).
أ :الشروط الموضوعية
اثارة الدعوى العمومية من قبل املتضرر يفترض وجود جريمة ينتج عنها ضرر.
فالقي ام على املس ؤولية الخاص ة ال يقب ل إال م تى ثبت أن الفع ل الض ار يك ون جريم ة معاقب ا عليه ا و
تكييف الفعل الضار هل أنه يشكل جريمة أم ال هو من اختصاص القاضي املتعهد فإذا تبين لقاضي
التحقي ق أو للمجلس الحكمي أن الواقع ة املنس وبة للمتهم ليس ت جريم ة و أن ال نزاع بين الط رفين ذو
صبغة مدنية وجب عليه أن يقرر حفظ التهمة وعدم اختصاصه بالفصل في الدعوى املدنية وهو ما
قام به قاضي التحقيق باملكتب الرابع باملحكمة االبتدائية بأريانة وأيدته في ذلك دائرة االتهام بمحكمة
االستئناف بتونس في قرارها عدد 54803الصادر بتاريخ 24جوان .1999
لكن هل يمكن تحريك الدعوى العمومية في كل الجرائم ؟.
وجب التمي يز في ه ذا االط ار بين الطبيع ة اإلجرائي ة للجريم ة و الطبيع ة املادي ة للجريم ة .و املقص ود
بالطبيعة اإلجرائية هو التصنيف االجرائي للجرائم الذي تكون الغاية منه ضبط اختصاص املحاكم
فتصنف الجرائم حسب درجة خطورتها الى مخالفات و جنح و جنايات .و يمكن للمتضرر من الجريمة
القيام على املسؤولية الشخصية مهما كانت طبيعة الجريمة ألن عبارة الفصل 36جاءت مطلقة و اذا
وردت عبارة القانون مطلقة جرت على اطالقها و ال تمييز حيث لم يميز املشرع.
أم ا فيما يخص الطبيع ة املادية للجريمة فهي تقتضي دراس ة الجريمة في ركنه ا املادي أو املعنوي كما
يمكن التط رق اليه ا من حيث أشخاص ها أو أه دافها و في ه ذا االط ار يق ع الح ديث عن الج رائم
العسكرية و جرائم األطفال و الجرائم السياسية و الجرائم االقتصادية التي ال يمكن مبدئيا اثارتها على
23
يجب أن تتوفر في الشخص الطبيعي الشروط التي ضبطها الفصل 19م مم ت أي الصفة والمصلحة واألهلية و ذلك باعتبار أن اثارة الدعوى
العمومية على المسؤولية الشخصية هو حسب الفقهاء ادعاء مدني أمام القضاء الجزائي
24
الشخص المعنوي الخاص و العام .بالنسبة للشخص المعنوي الخاص فان الفصل 36من مشروع مجلة اإلجراءات الجزائية المقابل للفصل 37من
المجلة الحالية قد جدد على مستوى أصحاب الحق في القيام من الشخصيات المعنوية و ذلك بإضافة األحزاب السياسية و النقابات و الهيئات المهنية
باإلضافة الى التجديد على مستوى شروط القيام بإضافة شرط زمني يتمثل في مضي 5سنوات على نشاطها
24
املسؤولية الشخصية و ذلك لخروج الدعوى املدنية التابعة للدعوى العمومية عن اختصاص هذه
املحاكم.
و يجب أن ينتج عن الجريمة وجود ضرر حتى تكتمل شروط القيام على املسؤولية الشخصية.
و اش تراط حص ول الض رر يقصي الج رائم الش كلية من مي دان القي ام على املس ؤولية الشخص ية و
الجرائم الشكلية هي الجرائم التي ال تحدث بطبيعتها أية نتيجة مادية ضارة كجرائم حيازة سالح بدون
ترخيص ،وحيازة املخدرات،و حيازة نقود مزيفة .و قد نص املشرع بالفصل 36إجراءات جزائية على
شرط الضرر دون أن يقوم بتحديد مفهومه أو خصائصه.
و يع رف الض رر بكونه كل نقص أو خس ارة تلح ق بالشخص في ح ق من حقوقه و في مص لحته و ق د
يك ون مادي ا أو معنويا أو جس ديا .و الض رر املادي يخض ع في تق ديره الى اج راء اختب ارات و أبح اث و
تحقيق ات في حين أن الض رر املعن وي يك ون خاض عا الجته اد القاضي و يش ترط في الض رر أن يك ون
شخصيا و هو الضرر الواقع على شخص القائم .كما يشترط في الضرر أن يكون مباشر و هو ما أكدته
محكم ة التعقيب في قرارها الص ادر في 10فيف ري 1986ال ذي ج اء في ه أن " القي ام بال دعوى املدني ة
من حق كل من لحقه شخصيا ضرر بشرط أن يكون الضرر ناشئا مباش رة عن الجريمة " .و كذلك
من أوصاف الض رر املباش ر أن يك ون محقق ا و ه و الض رر ال ذي وقع بالفع ل و يس مى أيض ا بالض رر
الحال و هو الذي كان موجودا وقت تحريك الدعوى أو أنه سيقع حتما .و لعل االشكال األهم يتعلق
بم دى ال زام الق ائم ب الحق الشخصي بإثب ات الض رر .و ق د ج رى العم ل القض ائي على ع دم ال زام
الطالب بإثبات الضرر بجميع خصائصه بل يكتفي باثبات وجود عالقة سببية مباشرة بين الضرر و
الجريمة.
و هذه الشروط املوضوعية يجب أن تتكامل مع مجموعة من الشروط الشكلية حتى يستقيم القيام
على املسؤولية الشخصية
ب -الشروط الشكلية
تنقس م الش روط الش كلية الى ش روط تتعل ق بالتعه د القض ائي ب املطلب و ش روط تتص ل ب النظر في
املطلب.
و بالنس بة لألولى فان ه و ب الرجوع الى الفص لين 36و 39من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة نتبين أن تعه د
املحكم ة ب دعوى املتض رر بالقي ام على املس ؤولية الشخص ية يس توجب ت وفر ق رار بالحف ظ و يف رض
تقديم مطلب كتابي في الغرض.
25
أما بالنسبة الى صدور قرار بالحفظ من النيابة العمومية فقد جاء بالفصل 36من مجلة اإلجراءات
الجزائية أن " حفظ القضية من طرف وكيل الجمهورية ال يمنع املتضرر من إثارة الدعوى العمومية
على مسؤوليته الشخصية وفي هذه الصورة يمكنه عن طريق القيام بالحق الشخصي إما طلب إحالة
القض ية على التحقي ق أو القي ام مباش رة ل دى املحكم ة " ويع رف ق رار الحف ظ بكونه امتن اع النياب ة
العمومية عن اثارة الدعوى الجزائية و هو يمثل من حيث طبيعته القانونية إجراء إداري بحت إذ ال
يتمت ع بمم يزات الق رار القض ائي وال يمكن الطعن في ه ب أي وجه من وجوه الطعن ،كم ا ال يتمت ع
بخصائص الحكم الذي أحرز على قوة ما اتصل به القضاء وبالتالي فهو ليس باتا بل يتميز بكونه قرارا
وقتي ا ويمكن الرجوع في ه .و رغم أن ق رار الحف ظ يمث ل ش رطا جوهريا ال يس تقيم بدونه القي ام على
املسؤولية الخاصة اال أن املشرع قد سكت على بيان آجال اتخاذ هذا القرار كما أنه لم يلزم النيابة
العمومية بإعالم املتضرر أو صاحب الشكاية بهذا القرار و هو ما يهدد وضعية املتضرر خاصة اذا بلغه
العلم بقرار الحفظ بعد سقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن .غير أن صدور قرار بالحفظ ال يعني في
كل األح وال إمكاني ة القي ام على املس ؤولية الشخص ية و ذل ك في الح االت ال تي يمتن ع فيه ا وكي ل
الجمهورية عن اثارة الدعوى العمومية ألسباب قانونية كعدم رفع الحصانة البرملانية أو القضائية أو
الدبلوماسية.
و الى جانب صدور قرار بالحفظ فقد نص الفصل 39من مجلة اإلجراءات الجزائية على وجوب تقديم
مطلب كتابي في الغرض و ذلك حتى يستقيم التعهد القضائي.
و لئن أوجب املشرع تقديم هذا املطلب فانه لم يحدد شكله و ال البيانات التي يجب أن يتضمنها .و هو
ما عمل مشروع مجلة اإلجراءات الجزائية على تالفيه فنص الفصل 43املقابل للفصل 39من املجلة
الحالي ة على أن ه " :يجب أن يش تمل مطلب القي ام على املس ؤولية الخاص ة أو االس تدعاء للجلس ة
بحس ب األح وال على الهوية الكامل ة للق ائم على املس ؤولية الخاص ة و للمش تكى ب ه و ع دد تض مين
الشكاية املحفوظة و موضوع التهمة و النصوص املنطبقة عليها و املستندات القانونية و الواقعية التي
تبرر طلب القيام مع وجوب ارفاقها بشهادة في أن ال وجه للتتبع " .و تجب اإلشارة في هذا االطار الى أن
هذا الفصل من مشروع املجلة انما هو ترجمة ملا استقر عليه فقه القضاء.
و إضافة الى كل ذلك يجب على املتضرر تأمين مبلغ مالي و هو الشرط الشكلي الالزم لبت املحكمة في
املطلب .تطبيقا للفصل 39من مجلة اإلجراءات الجزائية في فقرته الثانية الذي جاء به ما يلي " غير
أن ه في الص ورة املق ررة بالفص ل 36يجب على الش اكي أن ي ؤمن املبل غ ال ذي يظه ر ض روريا لتس ديد
مصاريف النازلة وإال سقط حقه في القيام ويتولى تحديد هذا املبلغ بحسب األحوال رئيس املحكمة أو
26
ح اكم التحقي ق " .ويتعين بالت الي على رئيس املحكم ة أو قاضي التحقي ق املتعه د بالقض ية أن يص در
ق رارا في تع يين املبل غ ال واجب تأمين ه وأن يح دد أجال ل ذلك ،وإذا لم ي ؤمن الق ائم ب الحق الشخصي
املبل غ املعين في األجل املح دد يس قط حقه في القي ام ،وذلك م ا أكدته محكم ة التعقيب في ق رار له ا،
صادر بتاريخ 8ديسمبر 1976الذي جاء فيه " من قام على مسؤوليته الخاصة بعد حفظ التهمة من
ط رف النياب ة حس ب الفص ل 36من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة يجب علي ه ت أمين املبل غ ال ذي يظه ر
ضروريا لتسديد مصاريف القضية وإال سقط حقه في القيام طبق الفصل 39منها ".
و قيمة املبلغ املؤمن تخضع الى السلطة التقديرية لرئيس املحكمة أو لقاضي التحقيق حسب الفصل
39دون تسقيف قانوني للمبلغ .غير أن املقترح الثاني للفصل 44من مشروع مجلة اإلجراءات الجزائية
املقابل للفقرة الثانية من الفصل 39ينص على أنه " على من يقوم على املسؤولية الخاصة أن يؤمن
مصاريف القضية على النحو التالي ":مائة دينار في صورة اإلحالة على محكمة الناحية ،مائتا دينار في
صورة اإلحالة على املحكمة االبتدائية ،ثالثمائة دينار في صورة اإلحالة على قاضي التحقيق " .و تجدر
اإلشارة في هذا االطار إلى أن الغاية من اشتراط هذا التأمين هي الحد من اإلفراط وإساءة استعمال
حق التتبع على املسؤولية الخاصة وذلك بجعل املبلغ املالي الواجب تأمينه حاجزا أمام املتقاضيين
سيئي النية وبالتالي الحفاظ على الصبغة اإلستثنائية لهذا النوع من القيام و بالتالي فان املقترح الثاني
للفص ل 44و ان كان يحمي ح ق األف راد في اللج وء الى القض اء بع دم اش تراط مبل غ تعج يزي من املال
فانه و في املقابل يفرغ شرط التأمين من محتواه و يجرده من فاعليته باعتبار أنه شرع في األصل حتى
يكون له مفعول ردعي معدم لحاالت التقاضي الكيدي و عليه فانه من األنسب الحفاظ على الفصل
39في صيغته الحالية و اإلبقاء على السلطة التقديرية لقاضي التحقيق أو لرئيس املحكمة في تقدير
املبلغ املؤمن مع االسترشاد باألبحاث التي قامت بها النيابة العمومية في هذا االطار.
فقرة ثانية :آثار اثارة الدعوى العمومية من المتضرر
يترتب عن القيام على املسؤولية الشخصيةمجموعة من اآلثار منها ما يكتسي طبيعة إجرائية (أ) و منها
ما يتسم بطبيعته املوضوعية (ب).
أ -اآلثار اإلجرائية
ينج ر عن ت وفر الش روط القانوني ة ملمارسة ه ذا الح ق االستثنائي تعه د القاضي الج زائي ب النزاع و
باعتبار الطبيعة املزدوجة للقيام على املسئولية الشخصية فان الحكم الجزائي ستكون له حجية على
املدني.
27
اما بالنسبة الى تعهد القاضي الجزائي باملطلب فان املتضرر يتولى عرضه اما مباشرة على املحكمة أو
إحالة القضية على التحقيق.
أم ا بالنس بة الى تعه د املحكم ة باالدع اء املباش ر ج اء بالفص ل 200من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة أن
قاضي الناحي ة " يتعه د باملخالف ات بمقتضى إحال ة مباش رة من وكي ل الجمهوري ة...أو من املتض رر ".
كم ا اقتضى الفص ل 206أن املحكم ة االبتدائي ة تتعه د " بمقتضى إحال ة مباش رة من وكي ل
الجمهورية ...أو من املتضرر عند امتناع ممثل النيابة العمومية من اجراء التتبع من تلقاء نفسه " .و
يش ترط في تعه د محكم ة الناحي ة أو املحكم ة االبتدائي ة أن تك ون الجريم ة من ص نف املخالف ات أو
الجنح التي ال توجب التحقيق و في هذا االطار وجب التذكير أن توزيع االختصاص بين محكمة الناحية
و ال دائرة الجناحي ة في املحكم ة االبتدائي ة يعتم د معي ار ص نف الجريم ة .ف اذا كانت جريم ة املخالف ة
تمثل أساس القيام على املسؤولية الشخصية فان النظر فيها يكون من االختصاص املطلق ملحكمة
الناحية .أما اذا كان الدافع للقيام على املسؤولية الخاصة هو وجود جريمة جنحة ال توجب التحقيق
فان النظر فيها يكون مبدئيا من اختصاص الدائرة الجناحية باملحكمة االبتدائية باستثناء الجنح التي
تس توجب عقوبة سجن ت تراوح من 16ي وم الى س نة ف ان النظ ر فيه ا يك ون من اختص اص الناحي ة و
استثناء لالستثناء و بالت الي تكريس ا للمب دأ تخ رج جريم تي الح رق و الج رح على وجه الخط أ عن مرجع
نظر قاضي الناحية و يعود النظر فيها للدائرة الجناحية باملحكمة االبتدائية.
و لم يحدد الفصل 39إجراءات تقديم املطلب للمحكمة حتى يتسنى النظر فيه .لكن الفصل 43من
مش روع مجل ة اإلج راءات الجزائي ة تج اوز ه ذا الخل ل ونص على اإلج راءات الالزمة مكرسا م ا اس تقر
عليه فقه القضاء.
و تتخ ذ املحكم ة قرارها و تص در حكمه ا ال ذي ترتئي ه و فق ا للوقائع املعروض ة عليه ا ص لب عريض ة
الق ائم على املس ؤولية الخاص ة و دون اعت داد بالوصف الق انوني لكل من النياب ة العمومي ة أو الق ائم
على املسؤولية الخاصة.
أما بالنسبة الى تعهيد قاضي التحقيق فقد جاء بالفصل 36م إ ج أن "حفظ القضية من طرف وكيل
الجمهوري ة ال يمن ع املتض رر من إث ارة ال دعوى العمومي ة على مس ؤوليته الخاص ة ،و في ه ذه الص ورة
يمكن ه عن طريق القي ام ب الحق الشخصي إم ا طلب إحال ة القض ية على التحقي ق أو القي ام مباش رة
لدى املحكمة".
و في ه ذه الحال ة يص بح قاضي التحقي ق ملزما ب أن يفتتح التحقي ق دون انتظ ار ق رار في إج راء بحث
تص دره النياب ة العمومي ة ثم يحي ل فيم ا بع د املل ف و ه ذا املوقف تبنت ه مجل ة اإلج راءات الجزائي ة
28
الفرنس ية في فص لها .86و يت ولى قاضي التحقي ق بع د تعه ده بالقض ية وتأك ده من اس تجابة مطلب
ّف
القيام على املسؤولية الخاصة لجميع الشروط الواجب تو رها و بعد إجراء األبحاث طبق الطريقة
املعتمدة في سائر القضايا ،إحالة امللف على وكيل الجمهورية ،الذي عليه تقديم طلباته كتابيا في
أجل أقصاه ثمانية أيام تتضمن طلب إحالة القضية على املحكمة املختصة أو حفظها أو زيادة البحث
ّل
فيها أو التخ ي عنها لعدم أهلية النظر و فقا للفصل 104من مجلة اإلجراءات الجزائية .و بمجّر د تقديم
وكيل الجمهورية لطلباته يصدر قاضي التحقيق قراره ويسّم ى هذا القرار ،قرار ختم البحث ويكون إما
ب التخلي أو بالحف ظ أو باإلحال ة على املحكم ة املختص ة .و املالح ظ أن الفص ل 104لم يح دد أج ل
أقصى يلتزم به قاضي التحقيق عند اصدار قرار ختم البحث .غير أن الفصل 256من مشروع مجلة
اإلجراءات الجزائية ينص على أنه " تختتم األبحاث التحقيقية في أجل أقصاه عام واحد في القضية
الجنائي ة و س تة أش هر في القض ية الجناحي ة و ذل ك من ت اريخ ق رار افتت اح البحث .و ه ذا األج ل قاب ل
للتمديد مرة واحدة ملدة ستة أشهر في الجنايات و ثالثة أشهر في الجنح " ...و يعد هذا الفصل الذي
نأم ل أن ي دخل ح يز النف اذ قريب ا تكريس ا لج ودة الح ق في التقاضي و ه و م ا يعج ز الفص ل 104على
تحقيقه و ذلك ما ينعكس على مستوى التطبيق اذ أن عددا ال بأس به من القضايا التحقيقية ال يتم
البحث فيه ا اال بع د س نوات طويل ة ب دون م وجب مقن ع.و تج در اإلش ارة الى أن م ا س بق ذك ره من
تجدي دات انم ا س قناه على سبيل االسترشاد و االستئناس ألن املجل ة الجزائي ة الجدي دة ال ت زال في
مرحلتها الجنينية و تفتقد بالتالي لقوة النفاذ بما يمنع تطبيقها في الزمان و املكان .
و املتمّع ن في أحكام الفص ل 36م إ ج يتبين أن ه ال يمكن للمتض رر تق ديم املطلب مباش رة إلى قاضي
التحقيق بل ال بد من املرور عبر جهاز النيابة العمومية وهو ما يؤكده الفصل املذكور إذ جاء فيه "…و
في ه ذه الص ورة يمكن عن طريق القي ام ب الحق الشخصي إم ا طلب إحال ة القض ية على التحقي ق أو
القيام مباشرة لدى املحكمة " .و هو نفس الحل الذي اعتمده املشرع الفرنسي .و هو في الحقيقة ما
يثير معضلة قانونية تتعلق باستعداد النيابة العمومية للتعامل موضوعيا مع هذا املطلب الذي يعتبر
تجاوزا لقرارها بالحفظ.
و باإلضافة الى ما سبق شرحه من آثار إجرائية تتعلق بتعهيد القاضي الجزائي املختص فان هذه اآلثار
اإلجرائية تشمل كذلك حجية الجزائي على املدني
فعن د القي ام على املس ؤولية الشخص ية يكون القاضي الجزائي ملزما ب النظر في ال دعوى العمومية و
الدعوى املدنية في الوقت نفسه .و يطرح التساؤل في هذا االطار ماهي آثار الحكم الجزائي على الفرع
املدني ؟.
29
بالرجوع الى القانون املقارن ,نتبين وجود أنظمة أقرت استقالال كامال للمدني عن الجزائي ,و هو حال
القانون األردني و األنظمة األنقلوسكسونية كالنظام الهولندي .أما بالنسبة للقانون التونسي ,نستنتج
أن املشرع قد تبنى من خالل قاعدة الفصل 101من مجلة االلتزامات و عقود موقفا وسطا .و قد جاء
في ه ذا الفص ل أن " الحكم الص ادر من محكم ة جزائي ة في ت رك سبيل متهم ال ي أثر في مس ألة تع ويض
خسارة ناشئة من الفعل الذي قامت به " يستنتج من هذا الفصل أنه في صورة صدور حكم جزائي
بالبراءة فٍا نه يجب على القاضي الجزائي التخلي عن الفرع املدني و هذا الحكم ال يقيد القاضي املدني
و ذلك اعتبارا الزدواجية الخطأ الجزائي و الخط أ املدني باعتبار أن الخطأ الجزائي يخضع الى قاعدة
شرعية الجرائم و العقوبات أما الخطأ املدني فهو فعل ما وجب تركه أو ترك ما وجب فعله و بالتالي
فان مجاله موسع ذكرا.
و تتأسس حجية الجزائي على املدني في صورة اإلدانة على مجموعة من الحجج أبرزها علوية الجزائي
على املدني ألنه يتعلق بالنظام العام
باإلض افة الى تجنب التض ارب بين األحكام الجزائي ة و األحكام املدني ة بم ا يمس من األم ان الق انوني
لدى األفراد.
ب -اآلثار الموضوعية
أقر املشرع مسؤولية القائم على الحق الشخصي سيء النية و رتب عن إساءة استعمال هذا الحق آثار
زجرية ردعية من خالل إقرار املسؤولية املدنية و ترتيب املسؤولية الجزائية
أما بالنسبة الى املسؤولية املدنية فقد جاء بالفصل 45من مجلة اإلجراءات الجزائية " اذا صدر قرار
بالحفظ اثر قي ام ب الحق الشخصي ج از للمتهم أن يطلب تع ويض الض رر الحاصل ل ه من جراء إثارة
الدعوى العمومية ".
و يقر هذا الفصل حق املتهم في تتبع القائم على املسؤولية الخاصة نظرا ملا يمكن أن يتعرض له من
أضرار مادية و معنوية نتيجة التشهير به.
و ال بد من توفر مجموعة من الشروط حتى تترتب املسؤولية املدنية للقائم على الحق الشخصي .و هي
تتعلق بطريقة اثارة الدعوى العمومية اذ يجب أن تثار هذه الدعوى على املسؤولية الخاصة و بالتالي
فان االنضمام الى الدعوى املرفوعة من قبل النيابة العمومية ال يخول للمتهم طلب التعويض املدني
اذا وقع حفظ القض ية من طرف قاضي التحقيق أو املحكمة املختصة .كما يجب أن تكون الدعوى
العمومية املثارة على املسؤولية الخاصة قد تمت احالتها على التحقيق و صدر قرار في حفظها أما اذا
30
تمت اإلحال ة على املحكم ة مباش رة فان ه ال يس ع املتهم ال ذي قضي ببراءت ه اال القي ام بطلب التع ويض
من القاضي املدني .كم ا تش مل الش روط م آل ال دعوى العمومي ة املث ارة على املس ؤولية الخاص ة اذ
تس توجب املطالب ة ب الغرم ص دور ق رار ب ات بالحف ظ من قب ل قاضي التحقي ق و بالت الي ف ان الق رار
الصادر بعدم االختصاص ال يستقيم معه القيام على أساس املسؤولية املدنية .و بالنسبة لآلجال فقد
نص الفصل 45من مجلة اإلجراءات الجزائية أن مطلب الغرم يقدم في ظرف ثالثة أشهر ابتداء من
اليوم الذي أصبح فيه قرار الحفظ باتا.
و تتم يز دع وى الغ رم بخصوصية على مس توى اإلج راءات حيث أنه ا تجم ع الق ائم ب الحق الشخصي و
املتمتع بقرار الحفظ دون اعتبار النيابة العمومية طرفا في الدعوى .كما تتميز دعوى الغرم بخاصية
على مس توى اختص اص النظ ر اذ أن البت فيه ا يك ون من اختص اص ال دائرة الجناحي ة من املحكم ة
االبتدائية الواقع بدائرتها بحث القضية وذلك قصد االستفادة من سرعة اإلجراءات و ربح الوقت.
كم ا ينتج عن القي ام على املس ؤولية الشخص ية بس وء ني ة قي ام املس ؤولية الجزائي ة للق ائم اذ ج اء
بالفصل 46م.إ.ج أنه في “في صورة الحكم بترك السبيل يسوغ للمحكمة أن تحكم على القائم بالحق
الشخصي الذي قام مباشرة على املظنون فيه بخطية قدرها خمسون دينارا بدون أن يمنع ذلك من
تتبعه عند االقتضاء ألجل جريمة االدعاء بالباطل” .ولعل ما يثير االنتباه عند قراءة هذا الفصل هو
تنصيص ه على عقوبتين في ج انب الق ائم على مس ؤوليته الشخص ية من أج ل نفس الفع ل وهو م ا
يخالف القاعدة القائلة بأنه ال يعاقب الشخص من أجل نفس الفعل مرتين ،فالفصل 46يق ّر عقوبة
الخطي ة املالي ة كعقوبة أولي ة لكن ه ذه العقوبة املالي ة ال تمن ع من تتب ع الق ائم”عن د االقتض اء ألجل
االّد عاء بالباطل” و هي الجريمة التي كّر سها الفصل . 248
31