You are on page 1of 31

‫الجمهورية التونسية‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬


‫كلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة‬

‫ندوة بحث تحت عنوان‪:‬‬

‫إثارة الدعوى العمومية‬


‫إعـــــــــــــداد ‪:‬‬
‫ثامر سوقة‬
‫محمد عزيز الجليدي‬
‫عمر المنتوش‬
‫تحت إشراف األستاذ‪:‬‬
‫أمين الفرجاني‬

‫السنة الجامعية‬
‫‪2023-2024‬‬

‫‪1‬‬
‫المخطط‬

‫‪ ‬الجزء األول ‪ :‬إث ارة ال دعوى العمومي ة من قب ل‬


‫اإلطار القضائي‬

‫‪ ‬الفرع األول ‪ :‬القضاء الواقــف طــرف أصــلي‬


‫في إثارة الدعوى العمومية‬

‫‪ ‬الفرع الثاني ‪ :‬إثارة الدعوى العموميــة بصــفة‬


‫إستثنائية من القضاء الجالس‬

‫‪ ‬الج زء الث اني ‪ :‬إث ارة ال دعوى العمومي ة من‬


‫اإلطار غير القضائي‬

‫‪ ‬الفــرع األول ‪ :‬إثــارة الــدعوى العموميــة من قبــل‬


‫اإلدارة‬

‫‪2‬‬
‫‪ ‬الفـــرع الثـــاني ‪ :‬إثـــارة الـــدعوى العموميـــة من‬
‫المتضرر‬
‫المقدمة‬
‫ان الجريمة ظاهرة اجتماعية‪ .‬ذلك أن النزعة العدوانية و الصبغة األنانية هي الطبيعة الغالبة في االنسان‪.‬‬
‫و ملا كانت العدال ة هي مح ور الحق وق الطبيعي ة اإلنس انية‪ ،‬فان ه ال يس تقيم أن يفلت الشخص بذنب ه‪ .‬و ملا‬
‫كان الوج ود البش ري ذات ه و األمن و االس تقرار االجتم اعي يقتض يان من ع قص اص املتض رر لنفس ه‪ ،‬فان‬
‫احتكار الدول ة لس لطة العق اب هي الوس يلة الفض لى لتحقي ق العدال ة م ع ض مان الحف اظ على النظ ام‬
‫االجتماعي‪ .‬و األكيد أن الدولة ال يجوز لها اللجوء الى تنفيذ العقاب مباشرة‪ ،‬حتى و لو كانت العقوبة ذات‬
‫حد واحد و قبل الجاني الخضوع لها طواعية‪ ،‬بل عليها أن تلجأ الى السلطة القضائية التي لها وحدها حق‬
‫اص دار الحكم بالعق اب و ذل ك احترام ا لس يادة الق انون و مطيته ا في ذل ك ال دعوى العمومي ة ال تي تعت بر‬
‫التجسيد االجرائي لحق الدولة في العقاب‪ .‬و ليس من املمكن أن يتجسد هذا الحق على الصعيد االجرائي‬
‫اال بإث ارة ال دعوى العمومي ة‪ .‬و ال دعوى هي الس لطة ال تي يس تمدها الشخص من الق انون للحص ول على‬
‫الح ق ال ذي ي دعي أن ه ل ه من خالل هيئ ة قض ائية تابع ة للدول ة‪ .‬و ال دعوى العمومي ة هي نش اط اج رائي‬
‫تمارسه النيابة العمومية في حق املجتمع و ينطوي على مرحلتين االثارة و املمارسة و املالحظ أن املشرع‬
‫لم يع رف اث ارة ال دعوى العمومي ة ب ل اكتفي بتحدي د األط راف ال تي يمكن أن تثيره ا في الفص ل الث اني من‬
‫مجلة اإلجراءات الجزائية و يمكن تعريف اثارة الدعوى العمومية بكونها العمل القانوني الذي تمارسه‬
‫مبدئيا النيابة العمومية تتولى بموجبه إحالة شخص على القاضي أو الهيئة املختصة‪.‬‬

‫و بما أنه يشترط في التعريف أن يكون جامعا مانعا كان لزاما علينا الفصل بين مفهومين متشابهين و ذلك‬
‫بالتفرقة بين مصطلح اثارة الدعوى العمومية و مفهوم ممارسة الدعوى العمومية‪.‬‬

‫و ممارسة ال دعوى العمومية هي املرحل ة الالحقة إلثارة الدعوى العمومية و هي الهدف منه ا‪ .‬فهي تعني‬
‫اتخاذ اإلجراءات القانونية الالزمة بعد اثارتها لتتولى الهيئة القضائية املختصة أو القاضي معاينة الفعل‬
‫االجرامي و اثبات ادانة مرتكبه و الحصول منها على حكم يوقع عقاب على مرتكب الجريمة و شريكه عند‬
‫االقتضاء وفق ما ينص عليه القانون‪.‬‬

‫و ق د س بقت اإلش ارة الى أن اث ارة ال دعوى العمومي ة هي من اختص اص الدول ة وح دها ممثل ة مب دئيا في‬
‫النياب ة العمومي ة اال أن ه ذه الحقيق ة القانوني ة ق د ش هدت مخاض ا تاريخي ا عس يرا و ج داال نظري ا بين‬
‫النظ ام االته امي و النظ ام التنقي بي‪ .‬و يع د النظ ام االته امي أق دم النظم االجرائي ة ظه ورا ويرج ع في أص ل‬

‫‪3‬‬
‫نش أته إلى ش عوب الش رق وعنهم أخ ذه اإلغري ق والروم ان وظ ل س ائدا في فرنس ا ح تى الق رن الث اني عش ر‬
‫امليالدي ‪ .‬كم ا ان ه م ازال س اريا في انكل ترا والوالي ات املتح دة األمريكي ة وال دول ال تي أخ ذت عن الق انون‬
‫اإلنكليزي‪ .‬و يقتصر تحريك الدعوى الجزائية على املجنى عليه او أقربائه كما ال تتدخل السلطات العامة‬
‫في جم ع األدل ة إلثب ات التهم ة و بالت الي ف ان دور القاضي في ه س لبي يقتص ر على فحص األدل ة ال تي يق دمها‬
‫طرف ا ال دعوى ثم ي رجح ج انب أح دهما والقض اء بمص لحته‪ .‬كم ا يع اب على ه ذا النظ ام أن ه نظ ام يق دم‬
‫املص لحة الخاص ة على مص لحة املجتم ع باعتب ار أن ال دعوى العمومي ة حك ر على املتض رر‪ .‬أم ا النظ ام‬
‫التنقي بي فق د ارتب ط بظه ور الدول ة و ه و يق وم على فك رة احتكاره ا لس لطة االته ام ممثل ة في النياب ة‬
‫العمومية و للقاضي في هذا النظام دور إيجابي يستمد شرعيته من غايته املتمثلة في البحث عن الحقيقة‬
‫املطلقة دون التقيد بحجج االتهام أو ردود الدفاع‪ .‬و من رحم هذا هذه املبارزة النظرية خرجت للوجود‬
‫نظري ة مختلط ة أخ ذت بمحاس ن م ا س بقها من نظري ات و اتقت مس اوئها و ه ذه النظري ة تش كل النظ ام‬
‫االجرائي الجزائي الذي أخذ به القانون التونسي و مثله نظيره الفرنسي‪.‬‬

‫و قد ظهرت الدعوى العمومية في القانون التونسي بمفهومها الحديث ألول مرة في في ‪ 26‬أفريل ‪ .1861‬و‬
‫بمقتضى األمر الصادر في ‪ 30‬ديسمبر ‪ 1921‬تم إرساء أول نظام جزائي تونسي‪ .‬و في سنة ‪ 1986‬وقع إعادة‬
‫تنظيم قانون املرافعات الجنائية بمقتضى القانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 1968‬املؤرخ في ‪ 24‬جويلية ‪ 1968‬الذي‬
‫ق ام بجم ع كل النص وص القانوني ة املتعلق ة ب اإلجراءات الجزائي ة في مجل ة واح دة هي مجل ة اإلج راءات‬
‫الجزائية‪ .‬و قد شهدت مجلة اإلجراءات الجزائية بعد ذلك عددا من التنقيحات املهمة لعل أهمها تنقيح ‪2‬‬
‫ديسمبر ‪ 1987‬و تنقيح ‪ 200‬و تنقيح ‪2016‬‬

‫و تج در املالحظ ة الى اع داد مش روع ملجل ة إج راءات جزائي ة جدي دة ج اء بع دة تغي يرات تهم الش كل و‬
‫املوض وع كإض افة ب اب تمهي دي متعل ق ببعض القواع د األساس ية لإلج راءات الجزائي ة أو التجدي د في‬
‫مستوى التنظيم الهيكلي للضابطة العدلية‪.‬‬

‫و تكتسي اثارة الدعوى العمومية أهمية كبرى تكتسبها من خالل غايتها املتمثلة في إرضاء الشعور بالعدالة‬
‫اال أن هذه الغاية و ان كانت مشروعة في حد ذاتها فان انتفاء املشروعية على آليات تحقيقها يفرغها من‬
‫محتواه ا و ذل ك اعتب ارا ملا سينتج عن اث ارة ال دعوى العمومي ة من مس ب الحقوق الفردي ة الدس تورية‬
‫باإلض افة الى م ا يتول د عنه ا من آث ار اجتماعي ة وخيم ة على املتهم من تحطيم العتب اره وس ط محيط ه‬
‫االجتماعي و تغيير مركزه االجتماعي من مجرد مواطن مسالم الى مجرم خطير‪ .‬و اعتبارا ملا ذكر فانه ال‬
‫يكون من املبالغة بمكان اذا قلنا أن قرار اثارة الدعوى العمومية هو قرار املوت االجتماعي للفرد‪ .‬و لذلك‬
‫قام املشرع بإحاطة اثارة الدعوى العمومية بنظام قانوني دقيق‪.‬‬

‫فكيف نظم املشرع اثارة الدعوى العمومية ؟‬

‫‪4‬‬
‫و ب الرجوع الى الفص ل الث اني من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة نتبين أن املش رع أوكل مهم ة اث ارة ال دعوى‬
‫العمومية الى أطراف قضائية من جهة ( الفرع األول ) و من جهة أخرى الى أطراف غير قضائية ( الفرع‬
‫الثاني )‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪:‬الجزء األول ‪ :‬إثارة الدعوى العمومية من قبل اإلطار القضائي‬
‫يع د القض اء الجه از الرئيسي و املختص في إث ارة ال دعوى العمومي ة فق د منح املش رع ه ذه الس لطة‬
‫بصفة أصلية إلى النيابة العمومية(الفرع األول) بيد أن سلطة اإلثارة ليست حكرا على قلم االدعاء‬
‫فقط حيث يتحمل القضاء الجالس في بعض األحيان مسؤولية إثارتها(الفرع الثاني)‬

‫الفرع األول ‪ :‬القضاء الواقف طرف أصلي في إثارة الدعوة العمومية ‪:‬‬
‫يعتبر القضاء الواقف الطرف األصلي في إثارة الدعوى العمومية وذلك بمعية مسؤولية هذا الجهاز في‬
‫حماي ة املجتم ع و باعتب اره ممث ل الدولة فإن ه من الض روري تق ديم النياب ة العمومي ة (الفق رة األولى)‬
‫وإبراز الشروط التي وضعها املشرع إلثارة الدعوى العمومية من قبل هذا الجهاز (الفقرة الثانية)‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬تقديم للنيابة العمومية‪:‬‬
‫تعهد مهمة تحريك الدعوى العمومية إلى النيابة العمومية وهو حق و جزء ال يتج زأ من هذا الجهاز‬
‫الذي خصه املشرع بتنظيم هيكلي متميز(أ) عن بقية األجهزة القضائية كما ميزه بعدة خصائص (ب)‪.‬‬

‫التنظيم الهيكلي للنيابة العمومية ‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫ظهر مع تطور اإلجراءات الجزائية جهاز قضائي مستقل أسندت إليه صالحية إثارة الدعوى العمومية‬
‫وهو القض اء الواق ف أي النياب ة العمومي ة وهو الجه از القض ائي ال ذي أوكل ل ه املش رع ال دفاع عن‬
‫مص الح املجتم ع والحض ور في جلس ات الحكم باس مه‪ ،‬فاستنادا إلى أحكام الفص ل ‪ 20‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ 1‬تس هر‬
‫النياب ة العمومي ة على تط بيق الق انون ومتابع ة ال دعوى أم ام املح اكم وتحريكه ا إض افة إلى تلقي‬
‫الشكايات كما يمكنها التفطن لجرائم جديدة أثناء إجراء عمليات جمع األدلة‪.‬‬
‫ه ذا ال دور الج وهري للنياب ة العمومي ة يفضي إلى أهمي ة معرفة األشخاص املمثلين لقلم اإلدع اء‪،‬‬
‫حيث يش رف على ه ذا اإلط ار وزي ر الع دل وال ذي بإمكان ه اإلذن ب إجراء تتبع ات و إص دار األوام ر إلى‬
‫الوكيل العام إذا تبين له وجود جريمة أو بلغ له العلم بها ‪.‬‬

‫‪1‬ينص الفصل ‪ 20‬على أنه "النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية و تمارسها كما تطلب تطبيق القانون‪ ,‬وتتولى تنفيذ‬
‫األحكام‪".‬‬
‫‪6‬‬
‫و نتبين من خالل مجل ة اإلج راءات الجزائي ة ممثلي النياب ة العمومي ة أم ام املح اكم بمختل ف درجته ا‪،‬‬
‫فيمثله ا وكي ل الجمهوري ة ومس اعدوه أماماملحكم ة اإلبتدائي ة ال ذي تم تنظيمهموتحدي د وظائفهم‪ 2‬في‬
‫القسم الرابع من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬املعنون في "وظائف وكيل الجمهورية"‪.‬‬
‫ويتقلد منصب ممثل النيابة العمومية لدى محكمة االستئناف الوكيل العام ومساعديه وهو قاضي‬
‫من الرتبة الثالثة يتم تعيينه من قبل املجلس األعلى إلى القضاء‬
‫وينص الفص ل ‪ 24‬من نفس املجل ة على أن ه "يمث ل املدعي العم ومي بنفس ه أو بواس طة مس اعديه‬
‫النيابة العمومية لدى محكمة االستئناف"‪.‬‬
‫وأخ يرا وعلى غ رار وكي ل الجمهوري ة والوكي ل الع ام ومس اعديه ف إن وكي ل الدولة الع ام يمث ل النياب ة‬
‫العمومية لدى محكمة التعقيبإال أن الدور األساسي لوكيل الدولة العام هوالسهر على حسن تطبيق‬
‫القانون وليس بإمكانه إثارة الدعوى العمومية كما تجدر اإلشارة أن خطة الوكيل العام للدولة ليست‬
‫مذكورة بالقسم الثاني من الباب األول من مجلة اإلجراءات الجزائية و املعنون في "النيابة العمومية"‬
‫وهنا يطرح التساؤل حول مدى تمثيلية وكيل الدولة العام للنيابة العمومية‪.‬‬

‫يعتبر األستاذ فريد من جحا وكياللدولة العام ممثالللنيابة العمومية أمام محكمة التعقيب ذلك‬
‫أن ه يس تطيع الطعن ب التعقيب ملص لحة الق انون معت برا أنه ا من الص الحيات االستثنائية ملمارسة‬
‫الدعوى العمومية‪.3‬‬

‫وقد ص درت بعض التغي يرات على مجل ة اإلج راءات الجزائي ة فيم ا يتعل ق في خط ط النياب ة العمومي ة‬
‫وذلك عن طريق القانون عدد ‪ 80‬لسنة ‪ 1987‬املؤرخ في ‪ 29‬ديسمبر ‪ 1987‬والذي يتعلق بإلغاء خطة‬
‫وكيل العام للجمهورية وتم إسناد هذا االختصاص إلى الوكالء العامين بمحاكم االستئناف‪.4‬‬

‫‪.‬ب‪.‬خصائص النيابة العمومية‪:‬‬

‫للنياب ة العمومي ة أربع ة خص ائص أساس ية فهي تتم يز باس تقاللها على القض اء الج الس وعدم التجزئة وعدم‬
‫املسؤولية والتبعية اإلدارية‬

‫استقاللية القضاء الواقف عن القضاء الجالس‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫‪2‬النياية العمومية‪ ،‬محمد عبو‪،‬ص‪36‬‬
‫‪3‬مسرح الجريمة‪ ،‬فريد بن جحا‪ ،‬ص‪19‬‬
‫‪ 4‬ينص الفصل األول من القانون "حذفت خطة وكيل عام للجمهورية و اسندت اختصاصــاتها القضــائية للــوكالء العــامين لــدى‬
‫محاكم اإلستئنافالذين يمارسونها كل في حدود منتقطته تحت سلطة وزير الدولة المكلف بالعدل مباشرة"‬
‫‪7‬‬
‫يلعب القض اء الواق ف والقض اء الج الس أدوار مختلف ة في ال دعوى العمومي ة ف األول يت ولى بص فة‬
‫أص لية إث ارة ال دعوى العمومي ة وتحريكه ا في حين أن الث اني يختص في ممارسة ال دعوى العمومي ة‬
‫والبت في القض ايا املث ارة أمام ه وإص دار األحكام فيه ا س واء كانت لص الح أو ض د املتهم من خالل‬
‫التحقي ق في الوقائع وإنس اب الج رائم للمتهمين وهن ا يمكن الح ديث عن مب دأ الفص ل بين الوظائف‪،‬‬
‫حيث ال يمكن مب دئيا للنياب ة العمومي ة القي ام بأعم ال القض اء الج الس املتمث ل في قاضي التحقي ق‬
‫واملح اكم املختص ة كم ا ال يمكن للقض اء بص فة عكس ية إث ارة ال دعوى العمومي ة إال في ح االت‬
‫استثنائية‪.‬‬
‫ويحي ل مب دأ االس تقاللية أيض ا إلى أن قض اة النياب ة العمومي ة بوصفهم في خدم ة الس لطة‬
‫التنفيذيةليس وا مل زمين ب آراء القض اء الج الس كم ا ال يمكن توجي ه األوام ر إلي ه إال من قب ل الس لطة‬
‫التنفيذية‪ .‬ونجد أن مبدأ استقاللية القضاء مكرس دستوريا حيث أن القضاة مستقلون وال سلطان‬
‫‪5‬‬
‫عليهم إال القانون‬
‫عدم التجزئة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫تكمن التفرقة الجوهرية بين القضاء الجالس والواقف في مبدأ عدم التجزئة‪ ،‬حيث أن ثائر القضاة و‬
‫املس اعدين املمثلين للنياب ة العمومي ة واملنتمين إلى نفس املحكم ة يمثل ون نفس الشخص من الناحي ة‬
‫القانوني ة ذل ك أن التن اوب على قض ية واح دة على سبيل املث ال ج ائز بالنس بة للنياب ة تحت نفس‬
‫اإلج راءات أي أن كل األعم ال ال تي يق وم به ا وكي ل الجمهوري ة من جه ة أو مس اعديه من جه ة أخ رى‬
‫تنط وي تحت اس م النياب ة العمومي ة كتلقي الش كايات واإلذن ملأموري الض ابطة العدلي ة ب التحرك‬
‫والتفتيش‪ ،‬وذلك ال نراه في القضاء الجالس الذي يبت ويصدر األحكام من خالل هيئة قضائية واحدة‬
‫‪6‬‬
‫وهي بضرورة التي حظرت املرافعة‪.‬‬
‫عدم مسؤولية النيابة العمومية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أعطى املش رع ألعض اء النياب ة العمومي ة أثن اء مباش رتهم ل وظيفتهم ع دة س لطات وصالحيات منه ا م ا‬
‫يمس بحرية املتهم كاالحتفاظ‪ ¹‬ومنعه من مغادرة تراب الجمهورية إلى جانب بطاقات اإليداع بالسجن‬
‫ومنه ا م ا يعت دي على حرمة املس كن كتف تيش وبطاق ات الجلب وهن ا يط رح التس اؤل في الح االت ال تي‬
‫يكون فيها املتهم بريء‬

‫‪5‬الفصل ‪ 117‬من دستور ‪ " 2022‬القضاء وظيفة مستقلة يباشرها قضاة ال سلطان عليهم إال القانون"‬
‫‪6‬الفصل ‪ 205‬المنقح بالقانون عدد ‪ 114‬لسنة ‪1994‬‬

‫‪8‬‬
‫يمكن في بعض الحاالت أن يقضي املتهم فترة االحتفاظ بأكملها ثم يتضح أنه بريء ومع ذلك ليس من‬
‫حق ه أن يق وم ض د النياب ة العمومي ة و"ال يس وغ بح ال القي ام عليهم باالدع اء بالباط ل أو ب الغرم بن اء‬
‫على اآلراء التي أوجب عليهم هذا الفصل إبدائها ما لم يثبت سوء نيتهم"‪.‬‬
‫كم ا أن ه ال يمكن التج ريح في النياب ة العمومي ة عمال بأحكام الفص ل ‪ 297‬م‪.‬إج‪ .‬وتبقى الحال ة‬
‫االستثنائية التي يمكن فيها مؤاخذة الحكام هي القيام عليهم في صورة ثبوت إحدى الحاالت املذكورة‬
‫في الفص ول ‪ 199‬و‪ 200‬م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت‪.‬كالتغرير واالحتي ال أو االرتش اء وهي نفس الح االت ال تي يمكن القي ام‬
‫فيها على القضاء بصفة عامة‪.‬‬
‫إن هذه الصالحيات والسلطات وإن كانت لهدف حماية املجتمع والقيام باسمه أمام املحاكم إال أنها‬
‫قد تكون في بعض األحيان زجرية وتعسفية في صورة ارتكاب خطأ من النيابة العمومية ال يستطيع من‬
‫ثبتت براءته املطالبة بتعويض إال في صور حصرية ومعدودة طبقا للقانونعدد ‪ 94‬لسنة ‪.2002‬‬
‫التبعية اإلدارية‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫إن ما يميز قلم اإلدعاء أيضا هو أن جل أعضائه مطالبون باالنصياع ألوامر رؤسائهم حسب نوع من‬
‫الهرمية حيث أن وزير العدل يمثل أعلى سلطة ويخضع ألوامره وكيل الدولة العام كما يخضع وكيل‬
‫الجمهورية ومساعده لسلطة الوكيل العام لدى محكمة االستئناف‪.‬‬
‫واجهت هذه التبعية اإلدارية عديد االنتقادات في مدى استقاللية القضاء رغم أن هذه السلطة تابعة‬
‫تماما للسلطة التنفيذية في القانون الفرنسي‪..‬‬
‫لكن تبقى هذه التبعية محدودة في القانون التونسي والتي نلتمس حدودها في مقتضيات الفصل ‪21‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬القائ ل ب أن" على النياب ة العمومي ة أن تق دم طلب ات كتابي ة طبق ا للتعليم ات ال تي تعطى له ا‬
‫حسب الشروط الواردة بالفصل ‪ 23‬وتتولى بسط املالحظات الشفاهية بما تراه متماشيا مع مصلحة‬
‫القضاء"‪.‬‬
‫فيمكن للنيابة العمومية في املرافعات الشفاهية تقديم طلبات تتعارض مع الطلبات الكتابية الصادرة‬
‫‪7‬‬
‫عن وزير العدل مثال‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬شروط إثارة الدعوى العمومية‪:‬‬

‫‪7‬حرر الفصل ‪ 52‬من مشروع تنقيح مجلة اإلجراءات الجزائية بطريقة تضمن استقاللية النيابة العمومية و قد تم حــذف الربــط‬
‫مع الفصل ‪ 23‬من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي يجبرها على تقديم طلباتها الكتابية طبقا للتعليمــات الــتي تعطى لهــا باعتبــار‬
‫أن جل أعضاء اللجنة و الخبراء و الضيوف يساندون الغاء الفصل ‪ 23‬الحالي و تعويضه بنص جديــد يتماشــى مــع مقتضــيات‬
‫الدستور الجديد‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫إن الش رط األساسي واملب دئي ه و أن تم ارس ال دعوى العمومي ة من قب ل وكي ل الجمهوري ة حس ب‬
‫اختصاص ه ال ترابي وتق دم الش كايات املحاض ر املح ررة من قب ل م أموري الض ابطة العدلي ة و لوكي ل‬
‫الجمهوري ة تق دير خط ورة ه ذه الج رائم إن وجدت وإن كانت تس تلزم القي ام بالتتبع ات أي أن إث ارة‬
‫الدعوة العمومية تخضع لشروط أصليةتتمثل أساسا مثال في مبدأ مالئمة التتبع (أ) ثم تخضع لشروط‬
‫إجرائية(ب)‬

‫الشروط األصلية إلثارة الدعوى‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫يعتبر شرط مالئمة التتبع شرطا أساسيا إلثارة الدعوة وتختص به النيابة العمومية عن غيرها إال أن‬
‫هذا الشرط له عدة حدود‪.‬‬
‫ويقص د بمالئم ة التتب ع أن ألعض اء النياب ة العمومي ة الس لطة لتق ييم إذا كانت الجريم ة املرتكب ة‬
‫تستحق إثارتها أمام املحاكم الجزائية فرغم أن الجريمة قد تكون مكتملة األركان إال أن بإمكان النيابة‬
‫العمومية إصدار قرار بالحفظ فيها ألنها ترى مثال أن الجريمة ال تمثل خطرا على املجتمع‪ ،‬ويجب تمييز‬
‫مبدأ مالئمة التتبع عن مبدأ شرعية التتبع حيث أن األخير يفرض على النيابة العمومية إثارة الدعوى‬
‫العمومية عن كل جريمة اتصل العلم بها‪.‬‬
‫كما ينبغي على النيابة العمومية تقدير شرعية التتبع حيث أنه أحيانا ورغم توفر أركان جريمة إال أن‬
‫األدلة قد تكون غير متوفرة أو غير كافية والعكس بالعكس فيضطر وكيل الجمهورية إلى حفظ التهمة‪.‬‬
‫وقد تعرض املشرع التونسي إلى مبدأ مالئمة التتبع تحديدا بالفصل الثالثم‪.‬إ‪.‬ج‪ 8.‬والذي نستنتج من‬
‫خالل ه أن لوكي ل الجمهوري ة الس لطة التقديرية إلص دار ق رار باإلحال ة أو ق رار بالحف ظ ‪ ،‬ويبقى ق رار‬
‫الحف ظ ق رارا إداريا باألس اس وال يتمت ع بقرين ة اتص ال القض اء ويمكن الرجوع في ه طاملا لم تس قط‬
‫الدعوة بمرور الزمن‪.9‬‬
‫حدود املبدأ‪ :‬يمكن أن تسلط عدة قيود على حق النيابة العمومية في إثارة الدعوى في حاالت معينة‬
‫كأن تكونمتوقفة على وجود شكاية من املتضرر كجريمة الزناء حيث يشترط تقديم الشكاية من أحد‬
‫الزوجين كذلك جرائم الثلب والقذف املوجهة للخواص‪.10‬‬

‫‪ 8‬ينص الفصل الثالث " فيما عدا الصور التي نص عليها القانون ال تتوقف اثارة الدعوى العمومية على وجود التشكي كما ال يوقفها و ال يعلقها الرجــوع‬
‫في الشكاية أو في القيام بالحق الشخصي‬
‫‪9‬علي كحلون‪ :‬دروس في اإلجراءات الجزائية صفحة ‪125‬‬
‫‪10‬الفصل ‪ 261‬من المجلة الجزائية‬

‫‪10‬‬
‫كم ا تقي د الس لطة التقديرية في إث ارة ال دعوى العمومي ة لوكي ل الجمهوري ة إذا كان م رتكب الجريم ة‬
‫متمتعا بحصانة كنواب الشعب والقضاة والتي تتطلب رفع الدعوى الستكمال إجراءات تحريكها‪.‬‬
‫نفس الصورة بالنسبة للجرائم املتوقفة على البت في مسائل مدنية بحتة والتي تقتضي الفصل فيها‬
‫من قبل القضاء املدني‪.‬‬
‫وتفقد النيابة سلطتها التقديرية في عدم إثارة الدعوى العمومية ويتم إلزامها بالتتبع حتى وإن رأى أن‬
‫ال طائل من ذلك كلما تعلق األمر بإصدار أوامر من وزير العدل تأذن بإجراء تتبعات حسب الفصل ‪23‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ج‪ ، .‬ونالحظ أن التبعية اإلدارية تستنقص في هذه الحالة من حرية النيابة العمومية في التتبع كما‬
‫هو الحال بالنسبة لقرارات دائرة االتهام املتعلقة بإجراء تتبع جديد طبقا ألحكام الفصل ‪ 116‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫الشروط اإلجرائية إلثارة الدعوى‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫تتمث ل الش روط اإلجرائي ة أساس ا في ط رق إث ارة ال دعوى العمومي ة وهن ا يط رح التس اؤل عن كيفي ة‬
‫إثارته ا فإم ا أن تك ون عن طريق اإلحال ة على قاضي التحقي ق أو عن طريق اإلحال ة على املح اكم‬
‫املختصة وذلك يكون بالطبع حسب خطورة الجرائم املرتكبة‪.‬‬

‫اإلحالة على قاضي التحقيق‬ ‫‪‬‬


‫ينص الفص ل ‪ 47‬على أن" التحقي ق وجوبي في م ادة الجناي ات‪ ،‬أم ا في م ادة الجنح واملخالف ات فه و‬
‫اختياري ما لم ينص القانون على خالف ذلك"‪.‬‬
‫يأتي هذا الفصل في القسم األول من الباب الثاني واملخصص ملحاكم التحقيق والذي يحدد الجرائم‬
‫ال تي يختص به ا‪،‬فكلم ا ارتأى لوكي ل الجمهوري ة أن الجريم ة تمث ل جناي ة فإن ه مط الب بتمرير أوراق‬
‫التتبع إلى قاضي التحقيق في حين أن له الخيار إذا كانت الجريمة تمثل جنحة أو مخالفة إن لم ينص‬
‫الق انون على خالف ذل ك ويتض من ق رار فتح التحقي ق وجوبا هوية املتهم والج رائم املنس وبة إلي ه‪،‬‬
‫‪11‬‬
‫والنص القانوني و تاريخ فتح التحقيق‬
‫يالحظ في بعض األحيان وجود عدة قضاة تحقيق في املحكمة الواحدة نظرا لكثرة الجرائم‪ ،‬ففي هذه‬
‫‪12‬‬
‫الحالة وكيل الجمهورية مطالب باختيار قاضي تحقيقليعهده بالقضية حسب الفصل ‪ 49‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫ومن هنا ليس لوكيل الجمهورية الحق في الرجوع في الدعوى العمومية بعد إثارتها‬

‫اإلحالة على المحاكم المختصة‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫‪11‬علي كحلون‪ :‬مرجع سابق صفحة ‪130‬‬
‫‪12‬قرار تعقيبي جزائي عدد ‪ 5224‬مؤرخ في ‪ 8‬مارس ‪ :1967‬مجلة القضاء و التشريع‬

‫‪11‬‬
‫يمكن لوكي ل الجمهوري ة إحال ة املظن ون فيهم على املح اكم املختص ة مباش رة وذل ك فق ط في ص ورة‬
‫الجنح واملخالف ات حيث أن الجناي ات تس توجب التحقي ق‪ ،‬ومن ش روط إحال ة املتهم مباش رة على‬
‫املحاكم املختصة هو أن يكون معلوم الهوية فالتحقيق وجوبي في صورة غياب الهوية مع وجود وبيان‬
‫األفع ال املنس وبة للشخص املح ال و تحدي د ت اريخ ق رار اإلحال ة وأخ يرا توقي ع وكي ل جمهوري ة أو‬
‫مساعديه على هذا القرار‪.‬‬
‫وتتولى كتابة املحكمة بعد تسلم القرار استدعاء املعني باألمر إما من خالل الطريقة اإلدارية أي عن‬
‫طريق أع وان الش رطة أو الح رس‪ ،‬أو بواس طة ع دل منف ذ ويق وم م دير السجن باس تدعاء املتهمين‬
‫املحبوسين حسب الفصل ‪ 137‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إثارة الدعوة العمومية بصفة استثنائية من القضاء الجالس ‪:‬‬
‫يش ارك القض اء الج الس في بعض الح االت في إث ارة ال دعوى العمومي ةباعتبار أن ه ليس اختصاص ا‬
‫حص ريا للقض اء الواق ف ذل ك أن قض اء التحقي ق(الفق رة األولى) وللمحكم ة(الفق رة الثاني ة) س لطة‬
‫تحريك الدعوى العمومية بصفة استثنائية‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إثارة الدعوة من قبل قضاء التحقيق‪:‬‬

‫إن حسن سير العدالة وحماية املجتمع وضمان النظام يتطلب الفصل بين سلطتي التتبع والتحقيق‬
‫وذل ك في سبيل‪ ،‬تحقي ق نجاع ة س ير ال دعوة العمومي ة إال أن هن اك بعض الح االت االستثنائية ال تي‬
‫يتوجب فيها الجمع بين هاتين السلطتين‪ ،‬ويتمثل قضاء التحقيق أساسا في قاضي التحقيق(أ) ودائرة‬
‫االتهام باعتبارها محكمة تحقيق من درجة تانية(ب)‬
‫قاضي التحقيق‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫مب دئيا ال يتعه د قاضي التحقي ق باألبح اث الجزائي ة إال من خالل اإلذن ب إجراء فتح تحقي ق من قب ل‬
‫وكيل الجمهورية لكن تدعو الضرورة في بعض األحيان إلى التصرف العاجل من قبل قاضي التحقيق‬
‫خشية ضياع األدلة‪،‬أو أن تقع صعوبة في معينة الجريمة‪ ،‬وباعتبار أنه هيكل مستقل تابع للمحكمة‬
‫اإلبتدائي ة وال تس لط علي ه أي س لطة إش راف قض ائي فه و يعم ل بكل حرية ويس تطيع في ح االت‬
‫استثنائية الجم ع بين س لطة تتب ع والتحقي ق وهي يكتس ب ب ذلك ص فة الض ابطة العدلي ة وصالحيات‬

‫‪12‬‬
‫وكيل الجمهورية‪ ،‬ويستطيع قلم التحقيق إثبات الدعوة من تلقاء نفسه في حالة التلبس وهي صورة‬
‫الفص ل ‪ 35‬م‪.‬إج‪.‬ال ذي ينص على أن ه "لح اكم التحقي ق في دائرته أن يج ري رأس ا وبنفس ه فيص ورة‬
‫الجناي ة املتلبس به ا جمي ع األعم ال املخولة ل وكالء الجمهوري ة طبق ا الق انون زيادة على مال ه من‬
‫الوظائف الخاص ة ب ه ويجب علي ه إعالم وكي ل جمهوري ة ح اال‪ ".‬وبالت الي ف إن قاضي التحقي ق يتمت ع‬
‫بصالحيات وكيل الجمهورية في الجنايات املتلبس بها ويتصرف بكل استقاللية ذلك مع اإلعالم الفوري‬
‫لوكيل الجمهورية بالتعهد التلقائي‪.‬‬
‫ورغم أنه قد يكتسب صفة الضابطة العدلية في بعض الحاالت األخرى إال أن اإلشكال يطرح في مدى‬
‫تعه د قاضي تحقي ق بإث ارة ال دعوة فيه ا فبالنس بة للج رائم ال تي ارتكبت بمحض ره و أثن اء مباش رته‬
‫لوظيفته والجرائم التي اكتشفها أثناء عملية البحث القانوني فهي حاالت يكون فيها قاضي التحقيق‬
‫ط رف مس اعد في إث ارة ال دعوى حيث يحي ل التق ارير في كلت ا الح التين إلى النياب ة العمومي ة وهي ال تي‬
‫تتولى إثارة الدعوة‪ ،‬فهل تنطبق نفس اإلجراءات على دائرة االتهام؟‬
‫دائرة االتهام‬ ‫ب‪.‬‬

‫تمث ل دائ رة االته ام الدرجة الثاني ة من التحقي ق وله ا ص بغة مزدوجة تجم ع بين التحقي ق واملهم ات‬
‫القضائية الحكمية وتتألف من رئيس دائرة ومستشارين وعند التعذر يمكن تعويض الرئيس بمستشار‬
‫ل دى محكم ة االستئناف واملستش ارين بح اكمين من املحكم ة اإلبتدائي ة‪ ،¹‬وتع نى دائ رة االته ام بإث ارة‬
‫ال دعوى العمومي ة في حال ة استثنائية وهي حال ة الفص ل ‪ 115‬حيث تنص الفق رة األخ يرة من ه على أن‬
‫لدائرة االتهام"الحق كذلك في اإلذنبإجراء تتبع جديد أو في البحث بنفسها أو بواسطة عن أمور لم يقع‬
‫إجراء تحقيق في شأنها وذلك بعد سماع ممثل النيابة العمومية" وال تتقيد دائرة االتهام في هذه الحالة‬
‫ب رأي قلم االدع اء‪ ،‬ف إذا أث ارت النياب ة العمومي ة ال دعوة وطلبت فتح بحث ل دى ح اكم التحقي ق ض د‬
‫شخص معين يتعه د القاضي باألبح اث ويح رر ق رار الختم ويحي ل املل ف ل دائرة االته ام وتتكف ل به ذه‬
‫األخيرة بمراقبة أعمال قاضي التحقيق وتحيلها على املحكمة املختصة إن كانت اإلجراءات سليمة إال‬
‫أن ه ق د تتفطن إلى مالبس ات ت ؤذي إلى اكتش اف ج رائم جدي دة ك أن تتضح أن الش يكات مدلس ة هي‬
‫ش يكات مسروقة باألس اس فله ا أن ت أذن ب إجراء بحث جدي د من أجل جريمة الس رقة‪ ،‬كم ا يمكن أن‬
‫تمدد االتهام ليشمل أشخاص لم يشملهم التتبع فدائرة االتهام إذن هي محكمة ذات سيادة ال تقف‬
‫عند حد معين فهي تقوم بمراجعة شاملة للوقائع واألشخاص والتأكد من أركان كل جريمة إال أنها ال‬
‫يمكن أن توجه االته ام على شخص س بق وأن تم حفظ التهمة في ش أنه أو تم الحكم ببراءته فمصلحة‬

‫‪13‬‬
‫املجتمع تقضي أن تكون األحكام ذات حجية وأنه ال يمكن تغييرها متى اتصل بها القضاء وهو ما نص‬
‫عليه الفصل ‪ 132‬مكرر م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬

‫الفقرة الثاية‪ :‬إثارة الدعوى العمومية من قبل محاكم الجزائية‪:‬‬

‫تختص املح اكم الجزائي ة بتس ليط الج زاء الج زائي على مرتك بي الج رائم وليس من وظائفه ا إث ارة أو‬
‫ممارسة الدعوى العمومية وخرق هذه القاعدة يعتبر تجاوزا لسلطاتها املحددة في القانون إال أن هذا‬
‫الفصل بين س لطة إثارة ال دعوة وسلطة توقيع العق اب ال يمكن أخذه على إطالق ه حيث منح املشرع‬
‫بصفة استثنائية للقضاءحق تحريك الدعوى في جرائم املجلسية(أ) وقد خصها بنظام قانوني مميز عن‬
‫اإلجراءات العادية إلثارتها(ب)‪.‬‬
‫أ‪ .‬الجرائم المجلسية‪:‬‬
‫إن ف رض اح ترام النظ ام بجلس ات املح اكم وضمان س ير‪ ،‬العدال ة ه و ه دف أساسي ارتآه املش رع من‬
‫خالل وضعه ملجموعة من القواعد حول تسيير املحاكم وصالحيات رؤسائها‪ ،‬ومن بين هذه الصالحيات‬
‫إثارة الدعوى العمومية في حالة ارتكاب الجرائم املجلسية‪.‬‬
‫وتع رف الجريم ة املجلس ية بكونه ا الجريم ة ال تي ت رتكب في املحكم ة أثن اء انعق اد الجلس ة س واء كان‬
‫القض اء متعه دا ب النظر في املادة الجزائي ة أو في املادة املدني ة وقد تع رض الفص ل ‪ 295‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬إلى‬
‫الج رائم املجلس ية فتك ون إم ا جنح ة أو مخالف ة أو جناي ة‪ ،‬وتك ون الجريم ةإما تس تهدف الهيئ ة‬
‫الحكومي ة مباش رة أي رئيس ها أو أح د أعض ائها أو ح تى الحاض رين بالجلس ة كم ا يمكن أن تس تهدف‬
‫حسن سير العدالة‪.‬‬
‫ونظرا لحرمة قاعة الجلسة فإن املشرع جرم عدة أفعال رغم أنها قد ال تكون جريمة خارجة الجلسة‬
‫كالتش ويش أو الش غب املعرقل لس ير العدال ة كحال ة الفص ل ‪ 315‬من املجل ة الجزائي ة املتعل ق‬
‫بالتشويش كما منع املشرع بالفصل ‪ 64‬مجلة الصحافة استعمال أجهزة التسجيل والتصوير ملا قد‬
‫تحدثه من فوضى داخل قاعة الجلسة‪.‬‬
‫وقد تك ون الج رائم أش د خط ورة كص دور أفع ال وأق وال وإش ارات وتهدي د من املعت دي إلى ج انب‬
‫االعتداءات سواء بالعنف الشديد أو الخفيف ويعتبر ارتكاب هذه الجرائم داخل قاعة الجلسة ظرفا‬
‫من ظروف التشديد‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫كم ا أن الجريم ة املجلس ية ب املفهوم ال وارد بالفص ل ‪295‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬يستثني الج رائم املرتكب ة مثال ببه و‬
‫املحكم ة أو بع د انته اء الجلس ة أو قب ل إنتص اب هيئ ة الحكم ‪ ،‬وال يمكن إدراجه ا تحت طائل ة النظ ام‬
‫القانوني الخاص بالجرائم املجلسية‪.‬‬

‫النظام القانوني إلثارة الدعوة العمومية من قبل القضاء الجالس‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫نظ را الحتمالي ة ك ون قاع ة الجلس ة مس رحا الرتكاب جريم ة من الج رائم ح رص املش رع على إخض اع‬
‫ه ذه الج رائم لقواع د خاص ة ومس تقلة في التتب ع فق د تم تعميم ه ذه اإلمكاني ة س واء كانت الجريم ة‬
‫املرتكبة جنحة أو مخالفة أو جناية وينص الفصل ‪ 295‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬على أنه "إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة‬
‫أثناء انعقاد الجلسة فإن قاضي الناحية أو رئيس املحكمة الجناحية أو الدائرة الجنائية االبتدائية أو‬
‫الدائرة الجناحية االستئنافية أو الدائرة الجنائية االستئنافية يحرر محضرا في الواقع ويباشر سماع‬
‫املض مون في ه والش هود ثم تس لط املحكم ة العقوبات املنص وص عليه ا بالق انون بحكم قاب ل للتنفي ذ‬
‫بقطع النظر عن االستئناف ‪.‬‬
‫وإذا كانت الجريمة املرتكبة أثناء انعقاد الجلسة محكمة الناحية راجع بالنظر إلى املحكمة الجناحية‬
‫فإن قاضي الناحية يحرر فيها محضرا يحيله فورا على وكيل الجمهورية‪.‬‬
‫وإذا كانت الجريمة املرتكبة جناية فإن قاضي الناحية أو رئيس املحكمة الجناحية أو الدائرة الجنائية‬
‫االبتدائية أو الدائرة الجناحية االستئنافية أو الدائرة الجنائية االستئنافية ينهي فورا املحاضر املحررة‬
‫في الواقعة وسامع املضمون فيه والشهود إلى وكيل الجمهورية الذي يأذن بفتح بحث‪ .‬على أنه يجوز‬
‫للمحكمة الجنائية أن تقضي في الجريمة في الحال"‪.‬‬
‫وبذلك يكون للقاضي املتعهد سلطة إثارة هذه الدعوى دون انتظار النيابة وتوقيع العقوبات املناسبة‬
‫على املذنبين أثن اء جلس ة املرافع ة وذل ك كلم ا كانت داخل ة في نط اق اختصاص ه الحكمي غ ير أن نظ ر‬
‫قاضي الناحي ة في املخالف ات مباش رة ال يعت بر من قبي ل االستثناءات قواع د االختص اص حيث أعطى‬
‫املش رع ص لب الفص ل ‪ 200‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬س لطة التعه د باملخالف ات دون توقف على إحال ة من النياب ة‬
‫العمومي ة في ص ورة التلبس ففي ص ورة املخالف ة املتلبس به ا ح تى ل و كانت خ ارج الجلس ة فلقاضي‬
‫الناحي ة إث ارة التتب ع دون انتظ ار قلم االدع اء‪ .‬أم ا في الجناي ات فيج وز للمحكم ة الجنائي ة فق ط أن‬
‫تقضي في الجريمة في الحال‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن إثارة الدعوى العمومية في بعض الجرائم تتوقف على تقديم شكاية من املتضرر‬
‫كش رط أساسي إلقام ة التتب ع إال أن ه في حال ة كونه ا جريم ة مجلس ية ال تقي د املحكم ة به ذا الش رط‬
‫ويمكن البت فيها حاال ‪.‬‬
‫كم ا أن الخصوصية ال تي تكتس بها الجريم ة املجلس يةتكون ح ائال أم ا ممارسة النياب ة العمومي ة ملب دأ‬
‫مالئمة التتبع باعتبار أنه يتم البت في الجريمة بصفة مباشرة كما يتم تغييب مرحلة التحقيق في هذه‬
‫الجرائم رغم تناقض ذلك مع الفصل ‪ 47‬م‪.‬إ‪.‬ج الذي يقر بوجوبية التحقيق في املادة الجنائية ‪ ،‬وتكون‬
‫اإلجراءات مختصرة واستثنائية بإقصاء مراحل البحث األولي الذي يقوم به أعوان الضابطة العدلية‬
‫ويتم االقتصار على تحرير محضر في كيفية حصول الواقعة يمليه رئيس الجلسة على الكاتب ثم يستمع‬
‫للشهود إن رأى في ذلك ضرورة ثم يستنطق املتهم ويتم حجز الوسائل املستعملة في ارتكاب الجريمة إن‬
‫كانت موفي صورة عدم االختصاص الحكمي يتم تسليم املحضر الذي تم تحريره إلى النيابة العمومية‬
‫بغاية إعالمها فتقوم باستكمال اإلجراءات الالزمة في ذلك‪.‬‬
‫يمكن اإلش ارة إلى أن إص دار األحكام الحيني ة يتماشى م ع الح ل ال ذي اعتم ده املش رع الفرنسي‬
‫ويتناقض مع التشريع األملاني الذي ال يخول للمحاكم إصدار األحكام الحينية‪.‬‬
‫و على غرار االطار القضائي أوكل املشرع مهمة اثارة الدعوى العمومية لالطار غير القضائي‪.‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬اثارة الدعوى العمومية من االطار غير القضائي‬

‫ينص الفصل الثاني من مجلة اإلجراءات الجزائية على أنهك " اثارة الدعوى العمومية و ممارستها من‬
‫خصائص الحكام و املوظفين الذين أناطها القانون بعهدتهم‪ .‬و يمكن اثارة الدعوى املذكورة من طرف‬
‫املتضرر حسب القواعد املبينة بهذا القانون "‪ .‬و يتبين من هذا الفصل أن الدعوى العمومية يمكن‬
‫اثارتها بصفة استثنائية من أطراف غير قضائية تتمثل في اإلدارة ( فرع أول ) و املتضرر ( فرع ثاني )‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اثارة الدعوى العمومية من قبل االدارة‪:‬‬
‫استجابة للخصوصية التي تتميز بها بعض املجاالت و مراعاة ملا تقتضيه بعض الوظائف من معارف‬
‫خاص ة و إج راءات فني ة دقيقة ‪,‬أن اط املش رع الي بعض االدارات بمقتضى ق وانين خاص ة س لطة اثارة‬
‫الدعوى العمومية ( فقرة أولى ) وفق اجراءات خاصة تستجيب لطبيعة العمل اإلداري ( فقرة ثانية )‬
‫فقرة أولى‪ :‬اإلدارات التي لها حق اثارة الدعوى العمومية‬
‫‪16‬‬
‫تتع دد اإلدارات ال تي مكنه ا املش رع من س لطة اث ارة ال دعوى العمومي ة بمقتضى نص وص خاص ة‪.‬‬
‫وتاريخي ا تم اس ناد ح ق إقام ة ال دعوى العمومي ة الى االدارة بم وجب األم ر العلي املؤرخ في ‪ 3‬اكت وبر‬
‫‪ 1884‬ال ذي أح دث تحت اش راف االدارة العام ة للمالي ة ‪ ,‬إذ ج اء بالفص ل ‪127‬من ه م ا يلي "و يجب‬
‫على من ت ولى ال دفاع عن حق وق االدارة العام ة أو الف رع املالي ال ذي يهمهم ا االم ر أن يطلب عن د‬
‫حض وره بالجلس ة تط بيق العقوبات ال تي ت رتبت عن الفع ل املح ررة في ه التق ارير و حم ل مص اريف‬
‫القضية على الفاعل‪".‬‬
‫و تعتبر إدارة الجباية من اول االدارات التي منح لها املشرع سلطة اثارة الدعوى العمومية‪ .‬حيث جاء‬
‫بالفص ل ‪ 74‬من مجل ة الحق وق و األج راءات الجبائي ة في فقرته االولى "يت ولى املدير الع ام لألداءات أو‬
‫رئيس وحدة املراقبة الوطنية و األبحاث الجبائية أو مدير املؤسسات الكبرى أو مدير ادارة املؤسسات‬
‫املتوسطة أو رئيس املركز الجهوي ملراقبة األداءات اثارة الدعوى العمومية‪"...‬‬
‫وتظي ف الفقرة الثاني ة من نفس الفصل انه "وتتم إثارة ال دعوى العمومية ل دى املحكمة االبتدائية‬
‫التي توجد بدائرتها مصلحة الجباية التي عاينت املخالفة أو تعهدت بها بالنسبة الى املخالفات الجبائية‬
‫الجزائي ة املوجب ة لعقوبة بدني ة من قب ل وزي ر املالي ة أو املدير الع ام لالداءات بتف ويض من وزي ر‬
‫املالية‪"...‬‬
‫واملالح ظ من خالل احكام الفق رتين االولى و الثاني ة من الفص ل ‪ 74‬من مجل ة الحق وق و اإلج راءات‬
‫الجبائي ة أن مص الح الجباي ة تتمت ع بإس تقاللية مطلق ة في اث ارة ال دعوى العمومي ة‪ .‬فهي ال تخض ع‬
‫لنفس السياس ة التش ريعية ال تي تخض ع له ا النياب ة العمومي ة في الج رائم العادي ة ‪,‬وكأنه ا نياب ة‬
‫جبائي ة‪,‬على عكس املش رع املص ري ال ذي خص ص نياب ة للش ؤون املالي ة و التجارية و ك ذلك نياب ة‬
‫‪13‬‬
‫رائب‪.‬‬ ‫ة الض‬ ‫ملكافح‬
‫هذا االختيار يجد مبرره في قدرة مصالح الجباية على معالجة املشاكل الجبائية و تعقيداتها ملا لها من‬
‫علم و معرفة باملادة الجبائية ‪.‬‬
‫إال أن إقصاء النيابة العمومية يبقى حبيسا في مستوى إثارة الدعوى فقط ‪,‬فاالدارة الجبائية تقوم‬
‫بإث ارة ال دعوى العمومي ة بتق ديم ش كاية الى النياب ة العمومي ة لتت ولى ه ذه االخ يرة فيم ا بع د ممارسة‬
‫ال دعوى العمومي ة ‪.‬و املالح ظ أن ه قب ل ص دور مجل ة الحق وق واإلج راءات الجبائي ة س نة ‪ 2000‬كان‬
‫بإمكان اإلدارة الجبائية إثارة و ممارسة الدعوى العمومية فيما يتعلق باملخالفات الجبائية ‪,‬إال أنه‬
‫بصدور املجلة حصر الفصل ‪ 74‬صالحيات اإلدارة في إثارة الدعوى العمومية دون ممارستها التي ترجع‬
‫‪ 13‬حسن دياب ‪:‬الدعوى العمومية في القانون الجنائي اإلقتصادي ‪:‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية ‪.‬كاية الحقوق بتــونس ‪-1997‬‬
‫‪, 1998‬ص‪. 46‬‬

‫‪17‬‬
‫‪14‬‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة العمومي‬ ‫الى النياب‬
‫إض افة إلى اإلدارة الجبائي ة تتمت ع إدارة الديوان ة ك ذلك بس لطة إث ارة ال دعوى العمومي ة بمقتضى‬
‫ق انون ع دد ‪ 34‬املؤرخ في ‪2‬ج وان ‪ 2008‬املتعل ق بإص دار مجل ة الديوان ة ‪.‬و ق د نص الفص ل ‪ 318‬من‬
‫مجلة الديوانة على أنه "يتولى وزير املالية أو من فوض له وزيراملالية في ذلك ممن له صفة مدير إدارة‬
‫ة‬ ‫دعوى العمومي‬ ‫ارة ال‬ ‫ة إث‬ ‫مركزية أو جهوية للديوان‬
‫على غرار اإلدارة الجبائية أوكل املشرع سلطة اثارة الدعوى العمومية في الجرائم الديوانية الى إدارة‬
‫الديوانة بصفة صريحة مقصيا بذلك النيابة العموميةالتي يقتصر دورها على مد إدارة الديوانة بكل‬
‫املعلومات ال تي تتحص ل عليه ا و ال تي تف ترض وجود مخالف ة ديواني ة أو أي ة من اورة ت رمي أو ينتج عنه ا‬
‫مخالفة القوانين و التراتيب التي لها صلة بتطبيق مجلة الديوانة و ذلك بمناسبة نظرالنيابة العمومية‬
‫في قض ايا مدني ة أو تجارية أو بحث ج زائي و ل و انتهى ذل ك بع دم س ماع ال دعوى وفق م ا نص علي ه‬
‫الفصل ‪ 319‬من مجل ة الديوانة ‪ .‬و بالتالي تتكفل النيابة العمومية بإحال ة كل املعلومات ال تي تخدم‬
‫الجرائم الديوانية على إدارة الديوانةكإستثناء للمبدأ اإلجرائي العام الذي تكون فيه النيابة العمومية‬
‫الطرف املتلقي للمعلومات من املواطنين و أعوان الضابطة العدلية‪ .‬وتسترجع النيابة العمومية حقها‬
‫في إث ارة ال دعوى العمومي ة إذا تعل ق األم ر بجريم ة ح ق ع ام اذا كانت الجريم ة الديواني ة تمس من‬
‫النظ ام الع ام حيث يف رض املنط ق الق انوني خروجه ا عن نظ ر اإلدارة الديواني ة‪. 15‬وبالرجوع الى‬
‫النصوص القانونية نستنتج أن املشرع أوكل الى االدارة سلطة اثارة الدعوى العمومية في الجرائم التي‬
‫تهم االدارة فقط ملا لها من خصوصية ‪.‬‬
‫كما أناط املشرع الى إدارة املالية اثارة الدعوى العمومية في املجال املصرفي حيث جاء بأحكام الفصل‬
‫‪ 30‬من مجل ة الص رف " ل وزير املالي ة أو ملمثل ه املؤهل له ذا الغ رض الح ق في ط رح القض ية أم ام‬
‫املحكمة وإسماع ما يعتمده من امللحوظات في كل القضايا الناتجة عن جرائم في حق تراتيب الصرف‬
‫" فيمكن لوزير املالية طرح القضية مباشرة أمام املحكمة متجاوزا بذلك سلطة النيابة العمومية ‪ ,‬و‬
‫األبعد من ذلك يمكنه إجراء مصالحة حسب أحكام الفصل ‪31‬من مجلة الصرف الذي ينص على انه‬
‫"يمكن لوزير املالية أو ملمثله املؤهل لهذا الغرض إبرام مصالحة مع مرتكب الجريمة و ضبط شروط‬
‫‪16‬‬
‫ه ده املص الحة بنفس ه "‪ .‬فهي ب ذلك تتص رف في ال دعوى العمومي ة تص رف النياب ة العمومي ة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مريم الفقي ‪:‬إثارة الدعوى العمومية ‪,‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الجنائية ‪,‬كلية الحقوق بتونس ‪, 2009-2008,‬ص‪.44‬‬

‫‪15‬مريم الفقي‪,‬مرجع سابق‪ ,‬ص ‪47‬‬


‫‪,16‬تونس ‪,1996-1995‬ص‪ 164,‬فتحي العيوني‪ :‬الجرائم الصرفية‪,‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية‬

‫‪18‬‬
‫إال أن الفصل ‪ 29‬من نفس املجلة نص على أنه "ال يمكن ممارسة تتبع الجرائم في حق تراتيب الصرف‬
‫إال تبعا لشكوى من وزير املالية أو من ممثل له مؤهل لهذا الغرض ‪"...‬‬
‫و ينص الفصل ‪ 30‬من مجلة اإلجراءات الجزائية أن النياب ة العمومية وحدها تقرر مآل الشكايات و‬
‫اإلعالم ات ال تي يتلقاه ا أو ال تي تنهى إليه ا بم ا ي وحي بوجود تع ارض بين أحكام الفص ل ‪ 30‬من مجل ة‬
‫الص رف و أحكام الفص لين ‪ 29‬من نفس املجل ة و ‪ 30‬من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة ‪.‬‬
‫ولتجاوزمثلهذااإلشكالذهبالبعض إلىاإلقراربازدواجيةملكيةالدعوىالعموميةبين اإلدارة الص رفية و‬
‫النياب ة العمومي ة فهي ليس ت حك را على اح دهما و ذل ك تأسيس ا على أحكام الفص ل ‪ 2‬من مجل ة‬
‫اإلجراءات الجزائية الدي أش ار إلى الحكام و املوظفين ‪.‬فكال الجهتين يتمتع بإختص اص إثارة الدعوى‬
‫العمومة‪.‬‬
‫ف إذا م ا كانت الجريم ة ص رفية بحت ة ف وزارة املالي ة له ا س لطة مطلق ة في خصوصها فإم ا ان تق رر‬
‫املصالحة او إصدار شكوى إذا إقتضى القانون ذلك أو عرضها على املحاكم مباشرة حسب مقتضيات‬
‫الفصل ‪ 30‬من مجلة الصرف ‪.‬أما إذا كانت الجريمة مزدوجة تحتمل مؤاخدة صرفية و أخرى ديوانية‬
‫أو تابع ة للق انون الع ام يك ون تتبعه ا طبق ا للق انون ال ذي وقع خرقه حس ب الفص ل ‪ 34‬من نفس‬
‫‪17‬‬
‫املجلة‪.‬‬
‫من جهته أوكل املش رع التونسي الى محافظ البنك املركزي مهمة تتبع املخالفات للتشريع و التراتيب‬
‫املص رفية و ذل ك بمقتضى الفص ل ‪ 27‬جدي د من الق انون ع دد ‪ 25‬لس نة ‪ 1994‬الص ادر في ‪ 7‬فيف ري‬
‫‪ 1994‬املنظم ملهنة البنوك ‪.‬‬
‫أم ا بخص وص إث ارة ال دعوى العمومي ة املتعلق ة ب الجرائم البحرية فق د نظمت باملجل ة التأديبي ة و‬
‫الجزائي ة البحرية الص ادرة بمقتضى الق انون ع دد ‪ 28‬لس نة ‪ 1977‬املؤرخ في ‪ 30‬م ارس ‪, 1977‬إذ نص‬
‫الفص ل ‪ 19‬منه ا على أن ه "كل جناي ة أو جنح ة مرتكب ة على متن س فينة يفتح في ش أنها بحث من ط رف‬
‫الس لطة البحرية بالنس بة للس فن املع دة للمالح ة الس احلية أو من ط رف الربان في الص ور األخ رى و‬
‫ذل ك طبق ا ألحكام الفص ول ‪46‬إلى ‪ 49‬من مجل ة املرافع ات الجنائي ة"‪.‬و أض اف الفص ل‪ 22‬من نفس‬
‫املجل ة أن " عن د ارتكاب جناي ة أو جنح ة ب البالد التونس ية من ط رف الربان أو بمش اركته ف ان م دير‬
‫البحرية التجارية يق وم تلقائيا و فور علمه باملخالف ة ببحث أولي و يرفع الدعوى الى السلطة العدلية‬
‫املختص ة و يمكن أن يف وض األم ر الى ممثل ه الجه وي أو املحلي أو الى اح دى الس لط املكلف ة بالش رطة‬
‫العدلي ة املذكورة بالفص ل ‪ 17‬من ه ذه املجل ة "‪ .‬من خالل ق راءة الفص لين ‪ 19‬و ‪ 22‬يط رح التس اؤل‬

‫‪17‬مريم الفقي ‪,‬مرجع سابق ‪,‬ص‪. 49,‬‬

‫‪19‬‬
‫الت الي ‪.‬من املكلف بإث ارة ال دعوى العمومي ة في الج رائم البحرية ؟ الس لطة البحرية ام م دير البحرية‬
‫التجارية؟‬
‫الجريم ة البحرية هي الجريم ة ال تي تق ع على متن الس فن بإستثناء الس فن الحربي ة من ط رف أح د‬
‫املس افرين أو من ط رف ط اقم الس فينة نفس ه حس ب أحكام الفص ل األول من املجل ة التأديبي ة و‬
‫الجزائية البحرية ‪ .‬و بناء على ما تقدم ذكره فان سلطة تحريك الدعوى العمومية تخول الى السلطة‬
‫البحرية أو إلى م دير البحرية التجارية بحس ب ص فة م رتكب الجريم ة ‪.‬ف إذا كانت الجريم ة مرتكب ة من‬
‫طرف أحد املسافرين فإن السلطات البحرية تتولى إثارة الدعوى العمومية تطبيقا الفصل ‪, 20‬اما إذا‬
‫كانت الجريمة مرتكبة من طرف الربان فإن إثارة الدعوى تتم من طرف مدير البحرية التجارية تطبيقا‬
‫للفصل ‪ 22‬من نفس املجلة‪.‬‬
‫كم ا منح املش رع لبعض أع وان اإلدارات االخ رى بمقتضى ق وانين خاص ة معاين ة و إث ارة ال دعوى‬
‫العمومية مثل متفقدي املراقبة اإلقتصادية من خالل الفصل ‪ 62‬من قانون إعادة تنظيم املنافسة و‬
‫األسعار ‪ .‬والفصل ‪ 21‬من قانون حماية املستهلك الذي أضاف إلي األعوان أطباء و بياطرة و صيادلة‬
‫الصحة العمومي ة والفن يين و الس امين ال دين يكلفهم وزي ر الصحة‪ 18.‬كم ا يمكن ملديري السجون و‬
‫مراك ز اإلص الح أن يمارسوا وضائف الض ابطة العدلي ة في بعض الح االت وهي ح االت الج رائم ال تي‬
‫يعاينوها أثن اء آداء وظائفهم داخ ل السجون أو مراك ز اإلص الح أو بمناس بتها‪.‬وذل ك تطبيق ا للفص ل‬
‫الثالث من القانون عدد‪ 51‬لسنة ‪ 2001‬املؤرخ في ‪ 3‬ماي ‪ 2001‬املتعلق بإطارات و أعوان السجون و‬
‫اإلصالح‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪:‬اجراءات إثارة الدعوى العمومية من طرف اإلدارة ‪:‬‬
‫تتم يز اإلدارة ب إجراءات خاص ة إلث ارة ال دعوى العمومي ة وضعها املش رع بمقتضى نص وص خاص ة‬
‫تماش يا م ع م ا يملي ه الواق ع اإلقتص ادي من س رعة في اإلج راءات ‪,‬و هي ب ذلك تتمت ع بإس تقاللية عن‬
‫االجراءات العامة املتعلقة بالنيابة العمومية ‪.‬‬
‫تنطلق هذه اإلجراءات بمعاينة الجرائم املرتكبة في اإلدارات‪,‬إذ نصت الفقرة السادسة من الفصل ‪10‬‬
‫من مجلة اإلجراءات الجزائية على أنه "يباشر وظائف الضابطة العدلية ‪...‬من سيأتي ذكرهم ‪:‬أعوان‬
‫اإلدارات ال ذين منح وا بمقتضى ق وانين خاص ة الس لطة الالزمة للبحث عن بعض الج رائم أو تحرير‬
‫التقارير فيها"‪ .‬و تتنوع اإلجراءات بتنوع الجرائم‪.‬‬

‫‪18‬القانون غدد ‪ 117‬لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 7‬ديسمبر ‪ 1992‬المتعلق بحماية المستهلك ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫بالنس بة للج رائم الجبائي ة تق ع معاين ة املخالف ات ألحكام التش ريع الجب ائي بإستثناء املخالف ات‬
‫املنصوص عليها بالفصول من ‪ 80‬إلى ‪ 85‬من مجلة الحقوق و اإلجراءات الجبائية بمحاضر تحرر من‬
‫قبل أعوان مصالح الجباية و غيرهم من األعوان املؤهلين ملعاينة املخالفات الجبائية الجزائية وذلك‬
‫وفق الفصل ‪ 70‬من مجلة الحقوق و اإلجراءات الجبائية‪.‬‬
‫أم ا فيم ا يتعل ق باملخالف ات و الجنح الديواني ة فيعاينه ا أع وان الديوان ة و أع وان الغاب ات و األع وان‬
‫ال ذين لهم ص فة الض ابطة العدلي ة بم وجب أحكام الفص ل ‪ 10‬من مجل ة اإلجراءات الجزائي ة وكذلك‬
‫أعوان الشرطة و أعوان الحرس الوطني و أفراد الجيش الوطني الذين من مشموالتهم حراسة الحدود‬
‫برا أو بحرا أو جوا ‪.‬‬
‫بالنسبة للمجال الصرفي يتولى األعوان املذكورين بالفصل ‪ 24‬من مجلة الصرف معاينة الجرائم في‬
‫ح ق ت راتيب الص رف و هم م أمورو الض ابطة العدلي ة ‪,‬أع وان القم ارق ‪ ,‬أع وان وزارة املالي ة و أع وان‬
‫البنك املركزي التونسي الذين لهم الصفة التي تؤهلهم لذك‪.‬و املالحظ تعدد األعوان الذين لهم حق‬
‫املعاينة وذلك من شأنه ان يطرح إشكاال في صورة وجود جريمتين من فعل واحد مثال جريمة ديوانية و‬
‫أخ رى ص رفية‪ .19‬في ه ذه الحال ة يق ع األخ ذ باملحض ر األول و يق ع ض م بقي ة املحاض ر إلى ه ذا‬
‫املحض ر ‪,‬فعن د ت داخل عدي د الجه ات كالنياب ة العمومي ة و اإلدارة القمرقي ة و اإلدارة املص رفية ‪,‬فإن ه‬
‫يق ع زجر الجريم ة وفق الق انون ال ذي وقع خرقه حيث القاع دة تقتضي أن األس بق في وضع الي د ه و‬
‫األسبق بالتعهد‪.20‬‬
‫أم ا في خص وص املخالف ات املتعلق ة باملنافس ة واألس عار تك ون معاينته ا من قب ل متفق دي املراقب ة‬
‫اإلقتصادية في املخالفات املتعلقة بأحكام الباب األول من العنوان الرابع حسب الفصل ‪ 62‬من قانون‬
‫املنافس ة و األس عار‪,‬و املخالف ات املتعلق ة بالب ابين الث اني و الث الث تك ون من قب ل ع وني مراقب ة‬
‫إقتصادية أو أعوان الضابطة العدلية حسب الفصل ‪ 63‬من نفس القانون‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى الجرائم البحرية يقع معاينتها من قبل أعوان السلطة البحرية و األعوان الذين منحوا‬
‫صراحة سلطة البحث حسب الفصل ‪ 17‬من املجلة التأديبية و الجزائية البحرية‪.‬‬
‫بعد إتمام عملية املعاينة من األعوان اإلداريين املكلفون بذلك تحرر محاضر في الغرض وفق شروط‬
‫ش كلية خاص ة بكل جريم ة ‪ .‬في املخالف ات الجبائي ة الجزائي ة تح رر املحاض ر من قب ل ع ونين محلفين‬
‫يكونا ق د عاين ا بص فة شخص ية و مباش رة وقائع املخالف ة و يق ع إعتم اد ه ذه املحاض ر م ا لم يثبت‬

‫‪19‬مريم الفقي‪:‬مرجعسابق‪,‬ص‪55 ,‬‬


‫‪20‬الفصل ‪ 16‬من مجلة اإلجراءات الجزائية‪":‬إذا حدث أن تعهد مأمورون عديدون بقضية واحدة يقدم من رفعت إليه القضية أوال"‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫خالف ذل ك وفق أحكام الفص ل ‪71‬من مجل ة الحق وق و اإلج راءات الجبائي ة‪.‬ويجب أن يتض من ه ذا‬
‫املحضر على بيانات محددة بالفصل ‪ 72‬من نفس املجلة ‪,‬تاريخ املحضر و ساعته و مكانه ‪,‬نوع املخالفة‬
‫‪,‬إس م املخ الف و لقب ه وحرفت ه إذا كان شخص ا طبيعي ا أو اإلس م االجتم اعي و املق ر إذا كان شخص ا‬
‫معنويا ‪,‬اج راءات الحج ز ‪,‬إمض اء املخ الف و ختم املص لحة ال تي يرجع إليه ا ب النظر‪.‬ثم ترسم محاض ر‬
‫معاينة املخالفات الجبائية الجزائية بسجالت خاصة تفتح للغرض بمصالح الجباية ‪,‬وتسجل بالنسبة‬
‫إلى كل محضر إجراءات التتبع أو الصلح التي وقع إتباعها و نتائج ذلك‪.‬‬
‫وعلى غرار املحضر املتعلق بالجريمة الجبائية فإن املحاضر األخرى أيضا تضبطها شكليات محددة مثل‬
‫الفص ل ‪ 311‬من مجل ة الديوانة و الفص ل ‪ 24‬من مجل ة الص رف و الفص ل ‪ 39‬فقرة ثاني ة من ق انون‬
‫اعادة تنظيم السوق املالية ‪.‬‬
‫وقد أعطى املش رع للمحاض ر املح ددة من قب ل بعض اإلدارات حجي ة أك بر و حص انة أق وى مقارنة‬
‫باملحاض ر ال تي تحرره ا أع وان الض ابطة العدلي ة وفق التش ريع الع ام ‪.‬وذل ك يبقى ح بيس أن تك ون‬
‫مستوفاة لكل الشروط الشكلية التي إقتضاهاالقانون‪.‬وال يمكن دحض القوة الثبوتية لهذه إال بإثبات‬
‫العكس مثل ما نص على ذلك الفصل ‪ 313‬من مجلة الديوانة "تعتمد املحاضر الديوانية املحررة من‬
‫قب ل ع ون واح د إلى حين إثب ات العكس "‪,‬أو ب دعوى ال زور مث ل م ا ج اء بالفص ل ‪ 315‬فق رة أولى من‬
‫نفس املجلة "يقع رمي محاضر الديوانة بالزور وفق اإلجراءات الجاري بها العمل في التشريع العام"‬
‫أيضا من شروط الدعوى العمومية من قبل بعض اإلدارات صدور شكوى من االدارة وهو يعتبر قيد‬
‫إجرائي إلثارة الدعوى العمومية تطبيقا للفصل ‪ 3‬من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي جاء به " في ما‬
‫ع دا الص ور ال تي نص عليه ا الق انون ال تتوقف إث ارة ال دعوى العمومي ة على وجود التش كي"‪ .‬ذل ك م ا‬
‫أك ده الفص ل ‪ 29‬من مجل ة الص رف حيث ال يمكن ممارسة تتب ع الج رائم في ح ق ت راتيب الص رف إال‬
‫تبعا لشكوى من وزير املالية‪"...‬‬
‫وفي بعض الح االت االخ رى يتوقف إث ارة ال دعوى العمومي ة على ض رورة أخ ذ رأي بعض الجه ات‬
‫املختص ة وهي الحال ة ال تي تهم املخالف ات الجبائي ة الجزائي ة املوجب ة لعقوبة بدني ة حيث تك ون اث ارة‬
‫الدعوى من قبل وزير املالية أو املدير العام لألداءات بتفويض منه بعد أخذ رأي لجنة حسب الفصل‬
‫‪ 74‬في فقرته الثانية من مجلة الحقوق و اإلجراءات الجبائية ‪.‬‬
‫وقد تولى األمر عدد ‪ 1721‬املؤرخ في ‪ 24‬جويلية ‪ 2001‬ضبط تركيبة ومهامه و طرق‬

‫‪22‬‬
‫‪21‬‬
‫عمل هذه اللجنة ‪.‬‬
‫وتج در اإلش ارة إلى أن رأي اللجن ة إستش اري و ليس إجب اري اذ يقتص ر دوره ا على إق تراح اإلج راءات‬
‫املناسبة و ذلك على خالف التشريع الفرنسي الذي يكون رأي اللجنة إلزامي وفق الفقرة ‪ 3‬من الفصل‬
‫‪ 228‬من كتاب اإلجراءات الجبائية‪.‬‬
‫من جهة أخرى يكون رأي بعض الهيئات مطلوب من الجهات القضائية مثل هيئة السوق املالية وفق‬
‫الفصل ‪ 86‬من القانون املتعلق بإعادة تنظيم السوق املالية ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اثارة الدعوى العمومية من قبل المتضرر‬


‫ج اء بالفص ل الث اني من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة أن ه " يمكن اث ارة ال دعوى املذكورة من ط رف‬
‫املتضرر حسب القواعد املبينة بهذا القانون "‪ .22‬و يعتبر هذا الفصل تكريسا لرواسب النظام االتهامي‬
‫الذي يتيح للمتضرر اثارة الدعوى العمومية‪.‬‬
‫و قد أخضعت مجلة اإلجراءات الجزائية قيام هذا الحق االستثنائي الى شروط دقيقة (فقرة أولى) و‬
‫رتبت على قيامه مجموعة من اآلثار (فقرة ثانية)‪.‬‬
‫فقرة أولى‪ :‬شروط اثارة الدعوى العمومية من قبل المتضرر‬
‫وجب التمي يز بين القي ام ب الحق الشخصي و القي ام على املس ؤولية الشخص ية اذ أنهم ا يختلف ان في‬
‫األساس و الغاية باعتبار أن أساس القيام على املسؤولية الشخصية هو الضرر الذي لحق القائم من‬
‫ق رار الحفظ و غايت ه املطالب ة بتوقي ع القض اء عقوبة جزائي ة على املتهم باإلض افة الى طلب التع ويض‬
‫بما يعطي لطلب القيام على املسؤولية الخاصة بعدا زجريا تعويضيا في حين أن أساس القيام بالحق‬
‫الشخصي ه و الض رر الالح ق بالق ائم من الجريم ة و م راده ه و مطالب ة القض اء ب الحكم ب التعويض‬
‫املدني‪.‬‬
‫و ما يهمنا في هذا املوضوع هو الحق في القيام على املسؤولية الشخصية و ال يصح هذا القيام قانونا‬
‫اال اذا صدر عن املتضرر و املتضرر يمكن أن يكون املجني عليه أو طرف أجنبي املهم هو اتصاله بضرر‬
‫من الجريمة و هذه الصفة القانونية ال يحصرها املشرع في شخص واحد فيجعل منها صفة جامدة بل‬

‫‪21‬تتكون اللجنة حسب الفصل ‪ 2‬من األمر عدد ‪ 1721‬لسنة ‪ 2001‬من الكاتب العام بوزارة الماليــة ‪,‬ممثــل عن وزارة العــدل‪,‬المكلــف العــام بنزاعــات‬
‫الدولة ‪,‬المدير العام للمراقبة الجبائية ‪,‬المدير العام لإلمتيازات الجبائية و المالية ‪,‬رئيس ارقابة العامة للمالية‪.‬‬
‫‪22‬ويقصد المشرع " بالقواعد المبينة بهذا القانون " أحكام القسم السادس من الباب األول من الكتــاب األول من مجلــة اإلجــراءات الجزائيــة الــوارد تحت‬
‫عنوان " في القيام بالحق الشخصي " وبالتحديد الفصول من ‪ 36‬الى ‪ 46‬من نفس المجلة‬

‫‪23‬‬
‫هي وصف دين اميكي يص بغه املش رع على مجموعة من األشخاص ع ددهم حص را فهي تش مل على‬
‫السواء الشخص الطبيعي ‪ 23‬و الشخص املعنوى‬
‫‪24‬‬

‫و ق د أق رت ج ل التش ريعات ‪ ،‬إن لم نق ل أغلبه ا‪ ،‬بح ق املتض رر في تحريك ال دعوى العمومي ة على‬
‫املسؤولية الخاصة وهو حق استثنائي طاملا أن النيابة العمومية هي املختصة بإثارة الدعوى العمومية‬
‫ّف‬
‫‪ ،‬لذلك يبقى هذا الحق دائما مقيدا بضرورة تو ر عّد ة شروط منها ما يتصل باملوضوع (أ) و منها ما‬
‫يتصل بالشكل (ب)‪.‬‬
‫أ‪ :‬الشروط الموضوعية‬
‫اثارة الدعوى العمومية من قبل املتضرر يفترض وجود جريمة ينتج عنها ضرر‪.‬‬
‫فالقي ام على املس ؤولية الخاص ة ال يقب ل إال م تى ثبت أن الفع ل الض ار يك ون جريم ة معاقب ا عليه ا و‬
‫تكييف الفعل الضار هل أنه يشكل جريمة أم ال هو من اختصاص القاضي املتعهد فإذا تبين لقاضي‬
‫التحقي ق أو للمجلس الحكمي أن الواقع ة املنس وبة للمتهم ليس ت جريم ة و أن ال نزاع بين الط رفين ذو‬
‫صبغة مدنية وجب عليه أن يقرر حفظ التهمة وعدم اختصاصه بالفصل في الدعوى املدنية وهو ما‬
‫قام به قاضي التحقيق باملكتب الرابع باملحكمة االبتدائية بأريانة وأيدته في ذلك دائرة االتهام بمحكمة‬
‫االستئناف بتونس في قرارها عدد ‪ 54803‬الصادر بتاريخ ‪ 24‬جوان ‪.1999‬‬
‫لكن هل يمكن تحريك الدعوى العمومية في كل الجرائم ؟‪.‬‬
‫وجب التمي يز في ه ذا االط ار بين الطبيع ة اإلجرائي ة للجريم ة و الطبيع ة املادي ة للجريم ة‪ .‬و املقص ود‬
‫بالطبيعة اإلجرائية هو التصنيف االجرائي للجرائم الذي تكون الغاية منه ضبط اختصاص املحاكم‬
‫فتصنف الجرائم حسب درجة خطورتها الى مخالفات و جنح و جنايات‪ .‬و يمكن للمتضرر من الجريمة‬
‫القيام على املسؤولية الشخصية مهما كانت طبيعة الجريمة ألن عبارة الفصل ‪ 36‬جاءت مطلقة و اذا‬
‫وردت عبارة القانون مطلقة جرت على اطالقها و ال تمييز حيث لم يميز املشرع‪.‬‬
‫أم ا فيما يخص الطبيع ة املادية للجريمة فهي تقتضي دراس ة الجريمة في ركنه ا املادي أو املعنوي كما‬
‫يمكن التط رق اليه ا من حيث أشخاص ها أو أه دافها و في ه ذا االط ار يق ع الح ديث عن الج رائم‬
‫العسكرية و جرائم األطفال و الجرائم السياسية و الجرائم االقتصادية التي ال يمكن مبدئيا اثارتها على‬

‫‪23‬‬
‫يجب أن تتوفر في الشخص الطبيعي الشروط التي ضبطها الفصل ‪ 19‬م مم ت أي الصفة والمصلحة واألهلية و ذلك باعتبار أن اثارة الدعوى‬
‫العمومية على المسؤولية الشخصية هو حسب الفقهاء ادعاء مدني أمام القضاء الجزائي‬
‫‪24‬‬
‫الشخص المعنوي الخاص و العام‪ .‬بالنسبة للشخص المعنوي الخاص فان الفصل ‪ 36‬من مشروع مجلة اإلجراءات الجزائية المقابل للفصل ‪ 37‬من‬
‫المجلة الحالية قد جدد على مستوى أصحاب الحق في القيام من الشخصيات المعنوية و ذلك بإضافة األحزاب السياسية و النقابات و الهيئات المهنية‬
‫باإلضافة الى التجديد على مستوى شروط القيام بإضافة شرط زمني يتمثل في مضي ‪ 5‬سنوات على نشاطها‬

‫‪24‬‬
‫املسؤولية الشخصية و ذلك لخروج الدعوى املدنية التابعة للدعوى العمومية عن اختصاص هذه‬
‫املحاكم‪.‬‬
‫و يجب أن ينتج عن الجريمة وجود ضرر حتى تكتمل شروط القيام على املسؤولية الشخصية‪.‬‬
‫و اش تراط حص ول الض رر يقصي الج رائم الش كلية من مي دان القي ام على املس ؤولية الشخص ية و‬
‫الجرائم الشكلية هي الجرائم التي ال تحدث بطبيعتها أية نتيجة مادية ضارة كجرائم حيازة سالح بدون‬
‫ترخيص ‪ ،‬وحيازة املخدرات‪،‬و حيازة نقود مزيفة‪ .‬و قد نص املشرع بالفصل ‪ 36‬إجراءات جزائية على‬
‫شرط الضرر دون أن يقوم بتحديد مفهومه أو خصائصه‪.‬‬
‫و يع رف الض رر بكونه كل نقص أو خس ارة تلح ق بالشخص في ح ق من حقوقه و في مص لحته و ق د‬
‫يك ون مادي ا أو معنويا أو جس ديا ‪ .‬و الض رر املادي يخض ع في تق ديره الى اج راء اختب ارات و أبح اث و‬
‫تحقيق ات في حين أن الض رر املعن وي يك ون خاض عا الجته اد القاضي و يش ترط في الض رر أن يك ون‬
‫شخصيا و هو الضرر الواقع على شخص القائم‪ .‬كما يشترط في الضرر أن يكون مباشر و هو ما أكدته‬
‫محكم ة التعقيب في قرارها الص ادر في ‪ 10‬فيف ري ‪ 1986‬ال ذي ج اء في ه أن " القي ام بال دعوى املدني ة‬
‫من حق كل من لحقه شخصيا ضرر بشرط أن يكون الضرر ناشئا مباش رة عن الجريمة "‪ .‬و كذلك‬
‫من أوصاف الض رر املباش ر أن يك ون محقق ا و ه و الض رر ال ذي وقع بالفع ل و يس مى أيض ا بالض رر‬
‫الحال و هو الذي كان موجودا وقت تحريك الدعوى أو أنه سيقع حتما‪ .‬و لعل االشكال األهم يتعلق‬
‫بم دى ال زام الق ائم ب الحق الشخصي بإثب ات الض رر‪ .‬و ق د ج رى العم ل القض ائي على ع دم ال زام‬
‫الطالب بإثبات الضرر بجميع خصائصه بل يكتفي باثبات وجود عالقة سببية مباشرة بين الضرر و‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫و هذه الشروط املوضوعية يجب أن تتكامل مع مجموعة من الشروط الشكلية حتى يستقيم القيام‬
‫على املسؤولية الشخصية‬
‫ب‪ -‬الشروط الشكلية‬
‫تنقس م الش روط الش كلية الى ش روط تتعل ق بالتعه د القض ائي ب املطلب و ش روط تتص ل ب النظر في‬
‫املطلب‪.‬‬
‫و بالنس بة لألولى فان ه و ب الرجوع الى الفص لين ‪ 36‬و ‪ 39‬من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة نتبين أن تعه د‬
‫املحكم ة ب دعوى املتض رر بالقي ام على املس ؤولية الشخص ية يس توجب ت وفر ق رار بالحف ظ و يف رض‬
‫تقديم مطلب كتابي في الغرض‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أما بالنسبة الى صدور قرار بالحفظ من النيابة العمومية فقد جاء بالفصل ‪ 36‬من مجلة اإلجراءات‬
‫الجزائية أن " حفظ القضية من طرف وكيل الجمهورية ال يمنع املتضرر من إثارة الدعوى العمومية‬
‫على مسؤوليته الشخصية وفي هذه الصورة يمكنه عن طريق القيام بالحق الشخصي إما طلب إحالة‬
‫القض ية على التحقي ق أو القي ام مباش رة ل دى املحكم ة " ويع رف ق رار الحف ظ بكونه امتن اع النياب ة‬
‫العمومية عن اثارة الدعوى الجزائية و هو يمثل من حيث طبيعته القانونية إجراء إداري بحت إذ ال‬
‫يتمت ع بمم يزات الق رار القض ائي وال يمكن الطعن في ه ب أي وجه من وجوه الطعن ‪،‬كم ا ال يتمت ع‬
‫بخصائص الحكم الذي أحرز على قوة ما اتصل به القضاء وبالتالي فهو ليس باتا بل يتميز بكونه قرارا‬
‫وقتي ا ويمكن الرجوع في ه‪ .‬و رغم أن ق رار الحف ظ يمث ل ش رطا جوهريا ال يس تقيم بدونه القي ام على‬
‫املسؤولية الخاصة اال أن املشرع قد سكت على بيان آجال اتخاذ هذا القرار كما أنه لم يلزم النيابة‬
‫العمومية بإعالم املتضرر أو صاحب الشكاية بهذا القرار و هو ما يهدد وضعية املتضرر خاصة اذا بلغه‬
‫العلم بقرار الحفظ بعد سقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن‪ .‬غير أن صدور قرار بالحفظ ال يعني في‬
‫كل األح وال إمكاني ة القي ام على املس ؤولية الشخص ية و ذل ك في الح االت ال تي يمتن ع فيه ا وكي ل‬
‫الجمهورية عن اثارة الدعوى العمومية ألسباب قانونية كعدم رفع الحصانة البرملانية أو القضائية أو‬
‫الدبلوماسية‪.‬‬
‫و الى جانب صدور قرار بالحفظ فقد نص الفصل ‪ 39‬من مجلة اإلجراءات الجزائية على وجوب تقديم‬
‫مطلب كتابي في الغرض و ذلك حتى يستقيم التعهد القضائي‪.‬‬
‫و لئن أوجب املشرع تقديم هذا املطلب فانه لم يحدد شكله و ال البيانات التي يجب أن يتضمنها‪ .‬و هو‬
‫ما عمل مشروع مجلة اإلجراءات الجزائية على تالفيه فنص الفصل ‪ 43‬املقابل للفصل ‪ 39‬من املجلة‬
‫الحالي ة على أن ه‪ " :‬يجب أن يش تمل مطلب القي ام على املس ؤولية الخاص ة أو االس تدعاء للجلس ة‬
‫بحس ب األح وال على الهوية الكامل ة للق ائم على املس ؤولية الخاص ة و للمش تكى ب ه و ع دد تض مين‬
‫الشكاية املحفوظة و موضوع التهمة و النصوص املنطبقة عليها و املستندات القانونية و الواقعية التي‬
‫تبرر طلب القيام مع وجوب ارفاقها بشهادة في أن ال وجه للتتبع "‪ .‬و تجب اإلشارة في هذا االطار الى أن‬
‫هذا الفصل من مشروع املجلة انما هو ترجمة ملا استقر عليه فقه القضاء‪.‬‬
‫و إضافة الى كل ذلك يجب على املتضرر تأمين مبلغ مالي و هو الشرط الشكلي الالزم لبت املحكمة في‬
‫املطلب‪ .‬تطبيقا للفصل ‪ 39‬من مجلة اإلجراءات الجزائية في فقرته الثانية الذي جاء به ما يلي " غير‬
‫أن ه في الص ورة املق ررة بالفص ل ‪ 36‬يجب على الش اكي أن ي ؤمن املبل غ ال ذي يظه ر ض روريا لتس ديد‬
‫مصاريف النازلة وإال سقط حقه في القيام ويتولى تحديد هذا املبلغ بحسب األحوال رئيس املحكمة أو‬

‫‪26‬‬
‫ح اكم التحقي ق "‪ .‬ويتعين بالت الي على رئيس املحكم ة أو قاضي التحقي ق املتعه د بالقض ية أن يص در‬
‫ق رارا في تع يين املبل غ ال واجب تأمين ه وأن يح دد أجال ل ذلك ‪ ،‬وإذا لم ي ؤمن الق ائم ب الحق الشخصي‬
‫املبل غ املعين في األجل املح دد يس قط حقه في القي ام ‪ ،‬وذلك م ا أكدته محكم ة التعقيب في ق رار له ا‪،‬‬
‫صادر بتاريخ ‪ 8‬ديسمبر ‪ 1976‬الذي جاء فيه " من قام على مسؤوليته الخاصة بعد حفظ التهمة من‬
‫ط رف النياب ة حس ب الفص ل ‪ 36‬من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة يجب علي ه ت أمين املبل غ ال ذي يظه ر‬
‫ضروريا لتسديد مصاريف القضية وإال سقط حقه في القيام طبق الفصل ‪ 39‬منها "‪.‬‬
‫و قيمة املبلغ املؤمن تخضع الى السلطة التقديرية لرئيس املحكمة أو لقاضي التحقيق حسب الفصل‬
‫‪ 39‬دون تسقيف قانوني للمبلغ‪ .‬غير أن املقترح الثاني للفصل ‪ 44‬من مشروع مجلة اإلجراءات الجزائية‬
‫املقابل للفقرة الثانية من الفصل ‪ 39‬ينص على أنه " على من يقوم على املسؤولية الخاصة أن يؤمن‬
‫مصاريف القضية على النحو التالي ‪ ":‬مائة دينار في صورة اإلحالة على محكمة الناحية‪ ،‬مائتا دينار في‬
‫صورة اإلحالة على املحكمة االبتدائية‪ ،‬ثالثمائة دينار في صورة اإلحالة على قاضي التحقيق "‪ .‬و تجدر‬
‫اإلشارة في هذا االطار إلى أن الغاية من اشتراط هذا التأمين هي الحد من اإلفراط وإساءة استعمال‬
‫حق التتبع على املسؤولية الخاصة وذلك بجعل املبلغ املالي الواجب تأمينه حاجزا أمام املتقاضيين‬
‫سيئي النية وبالتالي الحفاظ على الصبغة اإلستثنائية لهذا النوع من القيام و بالتالي فان املقترح الثاني‬
‫للفص ل‪ 44‬و ان كان يحمي ح ق األف راد في اللج وء الى القض اء بع دم اش تراط مبل غ تعج يزي من املال‬
‫فانه و في املقابل يفرغ شرط التأمين من محتواه و يجرده من فاعليته باعتبار أنه شرع في األصل حتى‬
‫يكون له مفعول ردعي معدم لحاالت التقاضي الكيدي و عليه فانه من األنسب الحفاظ على الفصل‬
‫‪ 39‬في صيغته الحالية و اإلبقاء على السلطة التقديرية لقاضي التحقيق أو لرئيس املحكمة في تقدير‬
‫املبلغ املؤمن مع االسترشاد باألبحاث التي قامت بها النيابة العمومية في هذا االطار‪.‬‬
‫فقرة ثانية‪ :‬آثار اثارة الدعوى العمومية من المتضرر‬
‫يترتب عن القيام على املسؤولية الشخصيةمجموعة من اآلثار منها ما يكتسي طبيعة إجرائية (أ) و منها‬
‫ما يتسم بطبيعته املوضوعية (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬اآلثار اإلجرائية‬
‫ينج ر عن ت وفر الش روط القانوني ة ملمارسة ه ذا الح ق االستثنائي تعه د القاضي الج زائي ب النزاع و‬
‫باعتبار الطبيعة املزدوجة للقيام على املسئولية الشخصية فان الحكم الجزائي ستكون له حجية على‬
‫املدني‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫اما بالنسبة الى تعهد القاضي الجزائي باملطلب فان املتضرر يتولى عرضه اما مباشرة على املحكمة أو‬
‫إحالة القضية على التحقيق‪.‬‬
‫أم ا بالنس بة الى تعه د املحكم ة باالدع اء املباش ر ج اء بالفص ل ‪ 200‬من مجل ة اإلج راءات الجزائي ة أن‬
‫قاضي الناحي ة " يتعه د باملخالف ات بمقتضى إحال ة مباش رة من وكي ل الجمهوري ة‪...‬أو من املتض رر "‪.‬‬
‫كم ا اقتضى الفص ل ‪ 206‬أن املحكم ة االبتدائي ة تتعه د " بمقتضى إحال ة مباش رة من وكي ل‬
‫الجمهورية‪ ...‬أو من املتضرر عند امتناع ممثل النيابة العمومية من اجراء التتبع من تلقاء نفسه "‪ .‬و‬
‫يش ترط في تعه د محكم ة الناحي ة أو املحكم ة االبتدائي ة أن تك ون الجريم ة من ص نف املخالف ات أو‬
‫الجنح التي ال توجب التحقيق و في هذا االطار وجب التذكير أن توزيع االختصاص بين محكمة الناحية‬
‫و ال دائرة الجناحي ة في املحكم ة االبتدائي ة يعتم د معي ار ص نف الجريم ة‪ .‬ف اذا كانت جريم ة املخالف ة‬
‫تمثل أساس القيام على املسؤولية الشخصية فان النظر فيها يكون من االختصاص املطلق ملحكمة‬
‫الناحية‪ .‬أما اذا كان الدافع للقيام على املسؤولية الخاصة هو وجود جريمة جنحة ال توجب التحقيق‬
‫فان النظر فيها يكون مبدئيا من اختصاص الدائرة الجناحية باملحكمة االبتدائية باستثناء الجنح التي‬
‫تس توجب عقوبة سجن ت تراوح من ‪ 16‬ي وم الى س نة ف ان النظ ر فيه ا يك ون من اختص اص الناحي ة و‬
‫استثناء لالستثناء و بالت الي تكريس ا للمب دأ تخ رج جريم تي الح رق و الج رح على وجه الخط أ عن مرجع‬
‫نظر قاضي الناحية و يعود النظر فيها للدائرة الجناحية باملحكمة االبتدائية‪.‬‬
‫و لم يحدد الفصل ‪ 39‬إجراءات تقديم املطلب للمحكمة حتى يتسنى النظر فيه‪ .‬لكن الفصل ‪ 43‬من‬
‫مش روع مجل ة اإلج راءات الجزائي ة تج اوز ه ذا الخل ل ونص على اإلج راءات الالزمة مكرسا م ا اس تقر‬
‫عليه فقه القضاء‪.‬‬
‫و تتخ ذ املحكم ة قرارها و تص در حكمه ا ال ذي ترتئي ه و فق ا للوقائع املعروض ة عليه ا ص لب عريض ة‬
‫الق ائم على املس ؤولية الخاص ة و دون اعت داد بالوصف الق انوني لكل من النياب ة العمومي ة أو الق ائم‬
‫على املسؤولية الخاصة‪.‬‬
‫أما بالنسبة الى تعهيد قاضي التحقيق فقد جاء بالفصل ‪ 36‬م إ ج أن "حفظ القضية من طرف وكيل‬
‫الجمهوري ة ال يمن ع املتض رر من إث ارة ال دعوى العمومي ة على مس ؤوليته الخاص ة‪ ،‬و في ه ذه الص ورة‬
‫يمكن ه عن طريق القي ام ب الحق الشخصي إم ا طلب إحال ة القض ية على التحقي ق أو القي ام مباش رة‬
‫لدى املحكمة"‪.‬‬
‫و في ه ذه الحال ة يص بح قاضي التحقي ق ملزما ب أن يفتتح التحقي ق دون انتظ ار ق رار في إج راء بحث‬
‫تص دره النياب ة العمومي ة ثم يحي ل فيم ا بع د املل ف و ه ذا املوقف تبنت ه مجل ة اإلج راءات الجزائي ة‬

‫‪28‬‬
‫الفرنس ية في فص لها ‪ .86‬و يت ولى قاضي التحقي ق بع د تعه ده بالقض ية وتأك ده من اس تجابة مطلب‬
‫ّف‬
‫القيام على املسؤولية الخاصة لجميع الشروط الواجب تو رها و بعد إجراء األبحاث طبق الطريقة‬
‫املعتمدة في سائر القضايا ‪ ،‬إحالة امللف على وكيل الجمهورية ‪ ،‬الذي عليه تقديم طلباته كتابيا في‬
‫أجل أقصاه ثمانية أيام تتضمن طلب إحالة القضية على املحكمة املختصة أو حفظها أو زيادة البحث‬
‫ّل‬
‫فيها أو التخ ي عنها لعدم أهلية النظر و فقا للفصل ‪ 104‬من مجلة اإلجراءات الجزائية‪ .‬و بمجّر د تقديم‬
‫وكيل الجمهورية لطلباته يصدر قاضي التحقيق قراره ويسّم ى هذا القرار‪ ،‬قرار ختم البحث ويكون إما‬
‫ب التخلي أو بالحف ظ أو باإلحال ة على املحكم ة املختص ة ‪ .‬و املالح ظ أن الفص ل ‪ 104‬لم يح دد أج ل‬
‫أقصى يلتزم به قاضي التحقيق عند اصدار قرار ختم البحث‪ .‬غير أن الفصل ‪ 256‬من مشروع مجلة‬
‫اإلجراءات الجزائية ينص على أنه " تختتم األبحاث التحقيقية في أجل أقصاه عام واحد في القضية‬
‫الجنائي ة و س تة أش هر في القض ية الجناحي ة و ذل ك من ت اريخ ق رار افتت اح البحث‪ .‬و ه ذا األج ل قاب ل‬
‫للتمديد مرة واحدة ملدة ستة أشهر في الجنايات و ثالثة أشهر في الجنح‪ " ...‬و يعد هذا الفصل الذي‬
‫نأم ل أن ي دخل ح يز النف اذ قريب ا تكريس ا لج ودة الح ق في التقاضي و ه و م ا يعج ز الفص ل ‪ 104‬على‬
‫تحقيقه و ذلك ما ينعكس على مستوى التطبيق اذ أن عددا ال بأس به من القضايا التحقيقية ال يتم‬
‫البحث فيه ا اال بع د س نوات طويل ة ب دون م وجب مقن ع‪.‬و تج در اإلش ارة الى أن م ا س بق ذك ره من‬
‫تجدي دات انم ا س قناه على سبيل االسترشاد و االستئناس ألن املجل ة الجزائي ة الجدي دة ال ت زال في‬
‫مرحلتها الجنينية و تفتقد بالتالي لقوة النفاذ بما يمنع تطبيقها في الزمان و املكان ‪.‬‬
‫و املتمّع ن في أحكام الفص ل ‪ 36‬م إ ج يتبين أن ه ال يمكن للمتض رر تق ديم املطلب مباش رة إلى قاضي‬
‫التحقيق بل ال بد من املرور عبر جهاز النيابة العمومية وهو ما يؤكده الفصل املذكور إذ جاء فيه "…و‬
‫في ه ذه الص ورة يمكن عن طريق القي ام ب الحق الشخصي إم ا طلب إحال ة القض ية على التحقي ق أو‬
‫القيام مباشرة لدى املحكمة "‪ .‬و هو نفس الحل الذي اعتمده املشرع الفرنسي‪ .‬و هو في الحقيقة ما‬
‫يثير معضلة قانونية تتعلق باستعداد النيابة العمومية للتعامل موضوعيا مع هذا املطلب الذي يعتبر‬
‫تجاوزا لقرارها بالحفظ‪.‬‬
‫و باإلضافة الى ما سبق شرحه من آثار إجرائية تتعلق بتعهيد القاضي الجزائي املختص فان هذه اآلثار‬
‫اإلجرائية تشمل كذلك حجية الجزائي على املدني‬
‫فعن د القي ام على املس ؤولية الشخص ية يكون القاضي الجزائي ملزما ب النظر في ال دعوى العمومية و‬
‫الدعوى املدنية في الوقت نفسه‪ .‬و يطرح التساؤل في هذا االطار ماهي آثار الحكم الجزائي على الفرع‬
‫املدني ؟‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫بالرجوع الى القانون املقارن‪ ,‬نتبين وجود أنظمة أقرت استقالال كامال للمدني عن الجزائي ‪ ,‬و هو حال‬
‫القانون األردني و األنظمة األنقلوسكسونية كالنظام الهولندي‪ .‬أما بالنسبة للقانون التونسي‪ ,‬نستنتج‬
‫أن املشرع قد تبنى من خالل قاعدة الفصل ‪ 101‬من مجلة االلتزامات و عقود موقفا وسطا‪ .‬و قد جاء‬
‫في ه ذا الفص ل أن " الحكم الص ادر من محكم ة جزائي ة في ت رك سبيل متهم ال ي أثر في مس ألة تع ويض‬
‫خسارة ناشئة من الفعل الذي قامت به " يستنتج من هذا الفصل أنه في صورة صدور حكم جزائي‬
‫بالبراءة فٍا نه يجب على القاضي الجزائي التخلي عن الفرع املدني و هذا الحكم ال يقيد القاضي املدني‬
‫و ذلك اعتبارا الزدواجية الخطأ الجزائي و الخط أ املدني باعتبار أن الخطأ الجزائي يخضع الى قاعدة‬
‫شرعية الجرائم و العقوبات أما الخطأ املدني فهو فعل ما وجب تركه أو ترك ما وجب فعله و بالتالي‬
‫فان مجاله موسع ذكرا‪.‬‬
‫و تتأسس حجية الجزائي على املدني في صورة اإلدانة على مجموعة من الحجج أبرزها علوية الجزائي‬
‫على املدني ألنه يتعلق بالنظام العام‬
‫باإلض افة الى تجنب التض ارب بين األحكام الجزائي ة و األحكام املدني ة بم ا يمس من األم ان الق انوني‬
‫لدى األفراد‪.‬‬
‫ب‪ -‬اآلثار الموضوعية‬
‫أقر املشرع مسؤولية القائم على الحق الشخصي سيء النية و رتب عن إساءة استعمال هذا الحق آثار‬
‫زجرية ردعية من خالل إقرار املسؤولية املدنية و ترتيب املسؤولية الجزائية‬
‫أما بالنسبة الى املسؤولية املدنية فقد جاء بالفصل ‪ 45‬من مجلة اإلجراءات الجزائية " اذا صدر قرار‬
‫بالحفظ اثر قي ام ب الحق الشخصي ج از للمتهم أن يطلب تع ويض الض رر الحاصل ل ه من جراء إثارة‬
‫الدعوى العمومية "‪.‬‬
‫و يقر هذا الفصل حق املتهم في تتبع القائم على املسؤولية الخاصة نظرا ملا يمكن أن يتعرض له من‬
‫أضرار مادية و معنوية نتيجة التشهير به‪.‬‬
‫و ال بد من توفر مجموعة من الشروط حتى تترتب املسؤولية املدنية للقائم على الحق الشخصي‪ .‬و هي‬
‫تتعلق بطريقة اثارة الدعوى العمومية اذ يجب أن تثار هذه الدعوى على املسؤولية الخاصة و بالتالي‬
‫فان االنضمام الى الدعوى املرفوعة من قبل النيابة العمومية ال يخول للمتهم طلب التعويض املدني‬
‫اذا وقع حفظ القض ية من طرف قاضي التحقيق أو املحكمة املختصة‪ .‬كما يجب أن تكون الدعوى‬
‫العمومية املثارة على املسؤولية الخاصة قد تمت احالتها على التحقيق و صدر قرار في حفظها أما اذا‬

‫‪30‬‬
‫تمت اإلحال ة على املحكم ة مباش رة فان ه ال يس ع املتهم ال ذي قضي ببراءت ه اال القي ام بطلب التع ويض‬
‫من القاضي املدني‪ .‬كم ا تش مل الش روط م آل ال دعوى العمومي ة املث ارة على املس ؤولية الخاص ة اذ‬
‫تس توجب املطالب ة ب الغرم ص دور ق رار ب ات بالحف ظ من قب ل قاضي التحقي ق و بالت الي ف ان الق رار‬
‫الصادر بعدم االختصاص ال يستقيم معه القيام على أساس املسؤولية املدنية‪ .‬و بالنسبة لآلجال فقد‬
‫نص الفصل ‪ 45‬من مجلة اإلجراءات الجزائية أن مطلب الغرم يقدم في ظرف ثالثة أشهر ابتداء من‬
‫اليوم الذي أصبح فيه قرار الحفظ باتا‪.‬‬
‫و تتم يز دع وى الغ رم بخصوصية على مس توى اإلج راءات حيث أنه ا تجم ع الق ائم ب الحق الشخصي و‬
‫املتمتع بقرار الحفظ دون اعتبار النيابة العمومية طرفا في الدعوى‪ .‬كما تتميز دعوى الغرم بخاصية‬
‫على مس توى اختص اص النظ ر اذ أن البت فيه ا يك ون من اختص اص ال دائرة الجناحي ة من املحكم ة‬
‫االبتدائية الواقع بدائرتها بحث القضية وذلك قصد االستفادة من سرعة اإلجراءات و ربح الوقت‪.‬‬
‫كم ا ينتج عن القي ام على املس ؤولية الشخص ية بس وء ني ة قي ام املس ؤولية الجزائي ة للق ائم اذ ج اء‬
‫بالفصل ‪ 46‬م‪.‬إ‪.‬ج أنه في “في صورة الحكم بترك السبيل يسوغ للمحكمة أن تحكم على القائم بالحق‬
‫الشخصي الذي قام مباشرة على املظنون فيه بخطية قدرها خمسون دينارا بدون أن يمنع ذلك من‬
‫تتبعه عند االقتضاء ألجل جريمة االدعاء بالباطل”‪ .‬ولعل ما يثير االنتباه عند قراءة هذا الفصل هو‬
‫تنصيص ه على عقوبتين في ج انب الق ائم على مس ؤوليته الشخص ية من أج ل نفس الفع ل وهو م ا‬
‫يخالف القاعدة القائلة بأنه ال يعاقب الشخص من أجل نفس الفعل مرتين‪ ،‬فالفصل ‪ 46‬يق ّر عقوبة‬
‫الخطي ة املالي ة كعقوبة أولي ة لكن ه ذه العقوبة املالي ة ال تمن ع من تتب ع الق ائم”عن د االقتض اء ألجل‬
‫االّد عاء بالباطل” و هي الجريمة التي كّر سها الفصل ‪. 248‬‬

‫‪31‬‬

You might also like