You are on page 1of 10

‫مقدمة‪:‬‬

‫ي على خطورتها بوصفها عمالً من أعمال‬ ‫ٌّ‬ ‫دول‬ ‫ع‬


‫ٌ‬ ‫إجما‬ ‫حصل‬ ‫وقد‬ ‫المعاصرة؛‬ ‫األمنية‬ ‫التهديدات‬ ‫أبرز‬ ‫إحدى‬ ‫المنظمة)‬ ‫(الجريمة‬ ‫تُع ّد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ي ٍ كبير؛ لكونها اتخذت أسلوبا منظما وعابرا للقارات‪ ،‬بل ع ّمت جميع أنحاء‬
‫اهتمام دول ّ‬
‫ٍ‬ ‫العنف المتسم بالوحشية المفرطة‪ ،‬وهي موضع‬
‫المعمورة‪ ،‬ومن بينها دول الساحل اإلفريقي‪ ،‬ما جعل منها ظاهرة شديدة الخطر‪ ،‬تهدّد األمن واالستقرار الداخلي واإلقليمي للدول‪ ،‬بل‬
‫العالمي‪.‬‬

‫وقد احتلت ‪ -‬بجانب قضايا محاربة اإلرهاب ‪ -‬المرتبة األولى على قائمة االهتمامات العالمية في مرحلة ما بعد هجمات ‪ 11‬سبتمبر‬
‫‪2001‬م بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وأصبحت تستحوذ على الحيز الرئيس من التفاعالت الدولية‪.‬‬

‫تخص الجريمة المنظمة اهتماما ً أكاديميا ً من طرف‬


‫ّ‬ ‫وهذا ما يعكس أهمية الموضوع من الناحية العلمية‪ ،‬حيث تلقى الدراسات التي‬
‫أن الموضوع يتشعب إلى عدة جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية‪.‬‬ ‫العديد من الدارسين‪ ،‬وخصوصا ً ّ‬
‫َّ‬
‫المنظم بمنطقة الساحل اإلفريقي‪ ،‬من حيث واقعها وحجمها وخطورتها‪،‬‬ ‫وتهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على ظاهرة اإلجرام‬
‫والحركيات المسببة لها‪ ،‬وصوالً إلى معرفة اآلثار الناجمة عنها‪ ،‬وكيفية مواجهتها‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬الجريمة المنظمة مقاربة مفاهيمية‪:‬‬

‫‪ - 1‬تعريف الجريمة المنظمة‪:‬‬

‫توالت الجهود الفقهية للبحث عن صيغ ٍة ُمثلى لتعريف الجريمة المنظمة‪ ،‬لذلك تعددت التعريفات التي يتميز ك ٌّل منها بالتركيز على‬
‫عنصر من عناصرها‪ ،‬نذكر من هذه التعريفات‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫‪-‬تعريف أبادنسكي ‪ Abadanski:‬الجريمة المنظمة «مؤسسة غير إيديولوجية‪ ،‬تشمل عددا ً من األفراد ذوي عالقات اجتماعية قوية‪،‬‬
‫منظمة بشك ٍل هرمي‪ ،‬وبثالثة مستويات على األقل‪ ،‬وذلك بهدف تأمين الربح والقوة؛ من خالل االنغماس في نشاطات غير قانونية‬
‫وقانونية‪».‬‬

‫‪-‬تعريف سدرالند وكريسي‪ :‬هي‪« :‬ذلك االرتباط العضوي لجماع ٍة صغيرةٍ من المجرمين‪ ،‬يهدف لتنفيذ أنماط معينة من الجريمة‪(1).‬‬

‫ي‪ ،‬يقوم على أشخاص يوحدون صفوفهم للقيام بأنشطة إجرامية دائمة‬ ‫‪-‬تعريف األستاذة نسرين عبد الحميد‪« :‬مشروعٌ إجرام ٌّ‬
‫ومستمرة‪ ،‬ويتميز هذا التنظيم بكونه يشبه البناء الهرمي‪ ،‬وتحكمه لوائح ونظ ٌم داخلية لضبط سير العمل داخله‪ ،‬في سبيل تحقيق‬
‫وابتزاز ورشوةٍ‪ ،‬إلخضاع وإفساد المسؤولين‪ ،‬سواء في أجهزة اإلدارة والحكم أو أجهزة‬
‫ٍ‬ ‫أهدافه‪ ،‬باستخدام وسائله‪ ،‬من عنفٍ وتهدي ٍد‬
‫إدارة العدالة‪ ،‬وفرض السيطرة عليهم؛ بهدف تحقيق االستفادة القصوى من النشاط اإلجرامي‪»(2).‬‬

‫‪-‬كما تعددت الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة‪ ،‬فنجد تعريف اإلنتربول‪ :‬أنها‪« :‬األنشطة الصادرة عن التنظيمات أو الجماعات‬
‫ذات التشكيل الخاص‪ ،‬والتي تهدف إلى تحقيق الربح بالطرق غير المشروعة‪ ،‬وتستخدم ذلك النشاط الصادر عن التهديد والرشوة‬
‫لتحقيق األهداف المعتبرة‪»(3).‬‬

‫يٍ‬ ‫وبالنظر إلى التعاريف السابقة نستخلص‪ّ « :‬‬


‫أن الجريمة المنظمة هي‪ :‬األفعال الناتجة عن التنظيم الذي يبنى على أساس تشكي ٍل هرم ّ‬
‫من مجرمين محترفين‪ ،‬يعملون على احترام وإطاعة قواعد خاصة (ثقافة فرعية)‪ ،‬ويخططون الرتكاب أعمال غير مشروعة؛ مع‬
‫استخدام التهديد والعنف والقوة‪».‬‬

‫تبذل بلدان الساحل جهودا ً لمكافحة الجريمة المنظمة‪ ،‬إال أنها لم تحقّق سوى تقد ٍّم ضئي ٍل في تفكيك بعض شبكاتها‬

‫‪ - 2‬خصائص الجريمة المنظمة ‪:‬‬

‫من خالل التعريفات السابقة يمكن استخالص أبرز ما تتميز به الجريمة المنظمة عن الجرائم العادية من خصائص‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التخطيط والتنظيم‪ :‬يعتبر العامل األهم في الجريمة المنظمة‪ ،‬فهو يكفل لها النجاح واالستمرار‪.‬‬

‫ٌ‬
‫شرط من شروط الجريمة المنظمة‪ ،‬ويتطلب أفرادا ً مؤهلين وذوي خبرة عالية‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬االحترافية‪ :‬وهو‬

‫ت قصير‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬الكسب غير المشروع‪ّ :‬‬


‫ألن الهدف منها هو الكسب المالي السريع في وق ٍ‬

‫د ‪ -‬التعقيد‪ :‬ويعتبر شرطا ً من شروط التنظيم‪ ،‬فاألمر البسيط ال يحتاج إلى تنظيم‪ ،‬وهو سرعان ما ينكشف أمره بوضوح أسبابه‪.‬‬

‫ي في اختيار األشخاص الذين يت ّم التعامل معهم‪ ،‬بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وله‬ ‫ّ‬
‫المنظم ذك ٌّ‬ ‫هـ ‪ -‬االبتزاز واالستغالل‪ :‬فاإلجرام‬
‫القدرة على شراء ضمائر األشخاص أو تخويفهم والضغط عليهم‪.‬‬

‫كثير من األحيان لعدم توفر‬ ‫و ‪ -‬القدرة على اإلفالت من العقوبة‪ :‬حيث يعجز القضاء ‪ -‬في الغالب ‪ّ -‬‬
‫أن يثبت الجريمة المنظمة في ٍ‬
‫األدلة؛ بسبب تواطؤ بعض المسؤولين معهم‪ ،‬فاألشخاص الذين يقومون بالجريمة أصحاب خبرة‪ ،‬يعتمدون على التخطيط والتنظيم‪،‬‬
‫ويمارسون اإلجرام دون خشي ٍة من عقوبة‪.‬‬

‫ز ‪ -‬السعي إلى الكسب المادي السريع‪ ،‬وبأي وسيلة‪.‬‬

‫ح ‪ -‬التأثير السلبي في المجتمع ومسيرة التنمية‪ :‬إذ تؤدي نتائجها إلى تعطيل التنمية‪ ،‬والفساد في الدولة‪.‬‬

‫ط ‪ -‬التركيز في التحالفات االستراتيجية‪ :‬أي أن تعقد تحالفات مع المنظمات اإلجرامية المحلية وعبر الدول‪ ،‬وهذا لتفادي التناحر‬
‫والتصادم بين هذه المنظمات اإلجرامية‪.‬‬

‫ي ‪ -‬الطابع الدولي‪ :‬تتصف أنشطة الجريمة عبر الدول بأنها ال تقتصر على إقليم الدولة الواحدة فحسب‪ ،‬بل تتعداه إلى أقاليم الدول‬
‫األخرى‪(4).‬‬

‫‪ - 3‬أهداف الجريمة المنظمة ‪:‬‬

‫تهدف عصابات الجريمة المنظمة من خالل عملها اإلجرامي إلى تحقيق ‪:‬‬

‫‪) 1‬الربح‪ :‬يُع ّد الدافع والمحرك األساسي ألعضاء الجريمة المنظمة‪ ،‬وهو ما يميزها عن غيرها من التنظيمات اإلجرامية‪ ،‬ويجعلها‬
‫تدر األرباح الطائلة‪ ،‬كتجارة المخدرات والسالح واالتجار بالبشر‪.‬‬
‫تمارس نشاطاتها المشروعة وغير المشروعة‪ ،‬والتي ّ‬

‫‪) 2‬الدخول في تحالفات استراتيجية‪ :‬فبسبب زيادة األعمال اإلجرامية التي تمارسها المنظمات اإلجرامية في مناطق متعددة من العالم؛‬
‫كان ال بد لهذه التنظيمات أن تدخل في تحالفات استراتيجية‪ ،‬وذلك من خالل إبرام اتفاقيات فيما بينها؛ حتى تحمي ك ّل منظمة نشاطها‬
‫الذي تمارسه في الدول الخاضعة لنفوذ تنظيم إجرامي آخر‪ ،‬أو لتنظيم عمليات التسويق لما تنتجه من مواد مشروعة وغير مشروعة‪،‬‬
‫وكان لهذه التحالفات االستراتيجية األثر في تعزيز قدرتها على المواجهات األمنية‪ ،‬والقضاء على العنف الذي كان دائرا ً بينها‪،‬‬
‫باإلضافة إلى الشراكة في اقتسام األرباح والخسائر(‪).5‬‬

‫ثانياً‪ :‬الحركيات المسببة للجريمة المنظمة بمنطقة الساحل اإلفريقي‪:‬‬

‫إن الجريمة المنظمة بمنطقة الساحل اإلفريقي نتاج متغيرات عديدة‪ ،‬ساهم في تش ّكلها وظهورها تفاعل عدة أسباب اجتماعية وسياسية‬
‫ّ‬
‫واقتصادية‪ ،‬إلى جانب استفادة عناصر الجريمة المنظمة من التطورات التكنولوجية‪.‬‬

‫أن بعض القبائل المستوطنة بالمنطقة‬‫وتش ّكل الحياة القبلية‪ ،‬التي يغلب فيها الوالء للقبيلة على الوالء للوطن‪ ،‬عامالً مه ّماً‪ ،‬خصوصا ً ّ‬
‫ّ‬
‫لها امتدادات عابرة لألوطان‪ ،‬كقبائل التوارق‪ ،‬والبامبارا‪ ،‬والسونغاي‪ ،‬والبولسالكانوري‪ ،‬والهاوس‪ ،‬ما أثر مباشرة في تماسك الوحدة‬
‫الوطنية‪ ،‬وأدى إلى ضعف الدولة‪ ،‬األمر الذي جعل الدولة القائمة على أنقاض مخلفات االستعمار ال تقوم بدورها في المنطقة‪،‬‬
‫والمتمثل أساسا ً في دعم اإلحساس القومي باالنتماء والوالء للوطن الذي تمارس عليه الدولة سيادتها‪ ،‬ومن ث ّم لم تنجح في تبني‬
‫سياسات أمنية قادرة على مواجهة الجريمة المنظمة)‪(6‬‬

‫ويش ّكل ارتفاع نسب الفقر عامالً آخر مه ّما ً كذلك؛ حيث تتراوح نسب مستوى الدخل الفردي بالنسبة للدخل العالمي في هذه المنطقة‬
‫من ‪ %0.004‬بالنسبة للصومال إلى ‪ %0.01‬بالنسبة لمالي‪ ،‬والنيجر‪ ،‬وتشاد‪ ،‬والسودان ‪ ،%0.04‬وموريتانيا ‪%.0.003‬‬

‫وترجع أسباب ظاهرة الفقر إلى عدة عوامل‪ ،‬نذكر منها‪ :‬الجفاف الناتج عن قلة األمطار‪ ،‬والتصحر الذي ضاعفه قطع الغابات‪،‬‬
‫إضافة إلى غزو الجراد‪ ،‬وضعف األداء االقتصادي‪ ،‬أي االعتماد على آليات قديمة في اإلنتاج الزراعي‪ ،‬فالنيجر – مثالً ‪ -‬ال تزال‬
‫تعتمد على آليات لم تتطور منذ ‪ 4‬قرون‪ ،‬وكذلك االعتماد على المحاصيل التصديرية الموجهة للخارج على حساب المحاصيل‬
‫الزراعية االستهالكية‪(7).‬‬

‫ب‬
‫عالوة على هذه العوامل؛ تشهد منطقة الساحل اإلفريقي العديد من النزاعات الداخلية الناتجة عن التناقض اإلثني‪ ،‬ويعتبر أه ّم سب ٍ‬
‫مفجّر للصراعات الداخلية‪ ،‬والتي تشتد خطورتها عندما يكون سببها دينياً؛ ومن أبرزه الصراع بين الشمال المسلم والجنوب‬
‫المسيحي‪ ،‬كما هو حاصل في السودان وتشاد‪.‬‬

‫ع آخر من الصراعات‪ ،‬وهو النزاع (الشمالي – الشمالي)‪ ،‬مثلما يحدث اآلن في السودان في دارفور‪ ،‬وتشاد(‪ ,)8‬إضافة‬
‫كما ظهر نو ٌ‬
‫إلى وجود (صراعات جوارية) عنيفة‪ ،‬كالصراع (اإلريتري – اإلثيوبي) الذي تفجّر عام ‪1998‬م‪.‬‬

‫هذه الصراعات تحول دون اإلصالحات االقتصادية‪ ،‬وتعرقل عملية التنمية‪ ،‬وتكون سببا ً في عدم وصول المساعدات الخارجية‬
‫الغذائية والمالية؛ ما يزيد من إضعاف دول هذه المنطقة التي هي في أصلها فاشلة وعاجزة‪ ،‬األمر الذي يزيد من األعباء والمسؤوليات‬
‫الموضوعة على كاهل دول الساحل؛ حيث لم تستطع هذه األخيرة أن تتبنى سياسة متطورة ومتجانسة قائمة على العدل واحترام‬
‫الحقوق والواجبات للجميع دون تمييز‪ ،‬وتوفير صفقات عادلة للجميع؛ فكانت النتيجة اتباع هذه الدول للنظم العسكرية؛ ّ‬
‫ألن استمرار‬
‫رحالت الصراعات والنزاعات المستمرة ولّد نزعة تسلّحية لهذه الدول من أجل مقاومة المتمردين داخليا ً وخارجيا ً‪.‬‬
‫إن طبيعة النزاعات في هذه المنطقة تتسم بالترابط والتعقيد؛ بحيث يؤدي ‪ -‬في الغالب ‪ -‬حدوث أي نزاع إلى اندالع نزاعات أخرى‬ ‫ّ‬
‫مجاورة‪ ،‬وقد انعكست هذه األوضاع على قوة دول الساحل اإلفريقي وتماسكها؛ وهو األمر الذي جعل دول المنطقة تُعرف بضعف‬
‫ّ‬
‫المنظم‪ ،‬وسهولة‬ ‫الرقابة على حدودها‪ ،‬وعدم قدرتها على فرض اإلدارة األمنية على أراضيها؛ ما يؤدي إلى سهولة العمل اإلجرامي‬
‫االتصال بين المنظمات اإلجرامية غير الوطنية؛ حيث يعود ذلك باألساس إلى إفالس الدولة‪ ،‬والتي ساهم فيه بالدرجة األولى النظام‬
‫القبلي الذي يحكم الكثير من دول المنطقة‪ ،‬إضافة إلى السيطرة االستعمارية التي عملت وتعمل على إشاعة الفوضى والتفرقة بين‬
‫الفصائل‪.‬‬

‫ب للدولة أو ضعفها‪ ،‬إلى حاالت‬


‫وهذا كله يؤدي بالضرورة إلى سهولة نشوء المنظمات اإلجرامية التي تستغل هذه األوضاع‪ :‬من غيا ٍ‬
‫بكثير منهم إلى االنخراط في نشاط‬
‫ٍ‬ ‫ق وتهميش‪ ،‬وأوضاع اقتصادية مزرية‪ ،‬تؤدي‬ ‫اليأس لدى األفراد بسبب ما يعانونه من ضي ٍ‬
‫عصابات الجريمة المنظمة‪(9).‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أشكال الجريمة المنظمة بمنطقة الساحل اإلفريقي‪:‬‬

‫تشهد دول الساحل اإلفريقي تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة بك ّل أنواعها وأشكالها‪ ،‬من غسيل األموال‪ ،‬إلى التجارة باألعضاء‬
‫البشرية‪ ،‬إلى تهريب السجائر‪ ،‬خصوصا ً في منطقة ديكال المالية التي تُع ّد أهم منطقة‪ ،‬أو الحلقة األساسية لتهريب السجائر‪.‬‬

‫كما تشهد دول الساحل اإلفريقي تنامي ظاهرة التجارة غير المشروعة‪ ،‬ومنها تجارة المخدرات‪ ،‬خصوصا ً بعد ّ‬
‫تحول المنطقة إلى‬
‫عبور للمخدرات الصلبة‪ ،‬مثل الهيروين والكوكايين والكراك‪ ،‬من أمريكا الالتينية إلى أوروبا عبر إفريقيا الغربية ثم الساحل‬
‫ٍ‬ ‫مكان‬
‫اإلفريقي‪ ،‬وعبر المغرب العربي‪.1‬‬

‫تنبع أهمية هذا النشاط (تجارة المخدرات) هناك من قلة األنشطة البديلة التي تحقّق ثرا ًء سريعاً‪ ،‬وهذا ما ينطبق على ثالث مهمات‬
‫توسعت بشك ٍل مالحظ‪ ،‬أبرزها تجارة المخدرات التي تحقّق نموا ً سريعاً(‪)10‬؛ فقد توسّعت وبسرعة اثنان من التدفقات المختلفة‪،‬‬
‫وهما‪ :‬الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا عن طريق ليبيا ومصر العام ‪2005‬م تقريباً‪ ،‬وتدفق صمغ الحشيش المغربي إلى ليبيا‬
‫ومصر وشبه الجزيرة العربية‪ ،‬ويُعزى هذا النمو إلى ارتفاع الطلب في أوروبا والمشرق‪ ،‬كذلك بسبب فرض ضوابط مشددة على‬
‫طول السواحل والحدود المغربية الجزائرية؛ األمر الذي جعل الطرق المارة عبر منطقة الساحل التي تضعف السيطرة عليها جذابة‬
‫للمهربين‪.‬‬
‫ّ‬

‫لقد توسعت تجارة الكوكايين بالمنطقة في الفترة بين ‪2005‬م ‪2007 -‬م‪ ،‬وهي ال تزال مستمرة على الرغم من انكماشها في العام‬
‫تمر عبر غرب‬‫أن نحو ‪ %14‬من المخدرات التي ّ‬ ‫‪2008‬م‪ ،‬فقد قدّر مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المنظمة‪ّ :‬‬
‫إفريقيا إلى أوروبا تصل أوالً إلى إحدى الدول الساحلية‪ ،‬وبخاصة غينيا – بيساو‪ ،‬وتوغو‪ ،‬وبينين‪ ،‬وغانا‪ ،‬وبعد ذلك يتم نقلها عن‬
‫طريق الجو أو بواسطة القوارب‪ ،‬وكبديل يتم إرسال الكوكايين عبر خدمات الشحن الجوي إلى أوروبا‪ ،‬مستخدمة المطارات الداخلية‬
‫يمر بعضها عبر المطارات‬ ‫في غرب إفريقيا‪ ،‬وتُع ّد مطارات‪( :‬نيامي‪ ،‬وباماكو‪ ،‬و واغادوغو) من بين مراكز الشحن الجوي‪ ،‬حيث ّ‬
‫الجزائرية‪.‬‬

‫إن هذه الطرق ما زالت نشطة‪ ،‬كما تؤكد المضبوطات خالل العامين ‪2011‬م ‪2012 -‬م في هذه المطارات(‪ ,)11‬وقد جاء على لسان‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫إمنوال لوكير نائب مدير مكافحة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات قوله‪« :‬إن بعض دول إفريقيا الغربية التي تقع خلف الشريط‬
‫الحدودي الجنوبي للجزائر أصبحت طريقا ً مفضالً لنشاط التجارة الدولية للكوكايين الوافد من أمريكا الالتينية في اتجاه أوروبا‪».‬‬
‫أن االنكشاف األمني الذي تعيشه‬ ‫وكذا تشهد دول الساحل تنامي ظاهرةٍ خطيرة‪ ،‬أال وهي التجارة باألسلحة‪ ،‬ويُشار في هذا السياق إلى ّ‬
‫دولة مالي يمثّل تهديدا ً مباشرا ً لألمن بالمنطقة‪ ،‬خصوصا ً بعد انتشار ماليين قطع السالح الخفيف والثقيل بعد انتهاء الثورة الليبية‪،‬‬
‫وإمكانية وصول هذه األسلحة إلى أيدي جماعات الجريمة المنظمة المنتشرة في المنطقة‪ ،‬في هذا الصدد يحذر رزاق بارة من ّ‬
‫أن‬
‫إن «سقوط الدولة الليبية بين‬ ‫هناك‪« :‬قرابة مليون قطعة سالح تُباع وتُشترى دون رقيب في الساحل اإلفريقي‪ ،»...‬ويضيف قائالً‪ّ :‬‬
‫أيدي الميليشيات‪ ،‬والتد ّخل غير المدروس لحلف شمال األطلسي في هذا البلد‪ ،‬نتج عنه استباحة مخازن السالح وتهريبها‪ ،‬ونقلها إلى‬
‫منطقة الساحل مع قوافل الجنود التوارق العائدين لديارهم‪ ،‬ومعظمهم من إقليم أزواد شمال مالي مدججين باألسلحة‪»(12).‬‬

‫ومن جانب آخر؛ تزايدت ‪ -‬مؤخرا ً ‪ -‬عمليات االختطاف للحصول على الفدية‪ ،‬والتي ارتبطت ارتباطا ً وثيقا ً بتنامي وجود تنظيم‬
‫القاعدة في المغرب اإلسالمي في منطقة الساحل‪ ،‬والتي كانت محركا رئيسا ً له‪ ،‬وقد ركزت عمليات االختطاف على الرعايا األجانب‬
‫حين آلخر‪ ،‬لغايات سياسية أو مالية‪ ،‬حيث نُفذت العديد من عمليات االختطاف‪ ،‬نذكر منها اختطاف ‪ 32‬سائحا ً أوروبيا ً في جنوب‬
‫من ٍ‬
‫الجزائر عام ‪2003‬م‪ ،‬وقد شملت عمليات االختطاف مواقع في جنوب الجزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وموريتانيا‪ ،‬والنيجر‪ ،‬فضالً عن شمال‬
‫مالي‪ ،‬ور ّكز الخاطفون على مواطني الدول التي كانت معروفة باستعدادها للتفاوض على دفع الفدية‪(13).‬‬

‫كما تع ّد الهجرة غير الشرعية من أخطر المهددات األمنية؛ نظرا ً الرتباطها الوثيق بباقي أشكال الجريمة المنظمة‪ ،‬مثل‪ :‬تهريب‬
‫المخدرات‪ ،‬وتجارة السالح‪ ،‬وتزوير األوراق النقدية‪ ،‬وعملية تبيض األموال‪ ...‬إلخ‪ ،‬وحسب دراسة أجرتها المنظمة العالمية للهجرة؛‬
‫يٍ‪ ،‬يجولون في مختلف دول العالم‪ ،‬يوجد بينهم ‪ 700‬ألف طفل وامرأة‪ ،‬وهذه الفئة هي‬ ‫مهاجر غير شرع ّ‬
‫ٍ‬ ‫فإن ما بين ‪ 15‬و ‪ 30‬مليون‬ ‫ّ‬
‫المهربين الذي يسعون إلى تهريبهم عبر الحدود والموانئ(‪ ,)14‬وتضطلع المنظمات اإلجرامية في دول‬ ‫ّ‬ ‫ِبل‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫استهداف‬ ‫األكثر‬
‫إفريقيا عموما ً ودول الساحل اإلفريقي بتهريب أعدا ٍد كبيرةٍ من المهاجرين الذين يغادرون بلدانهم ألسباب اقتصادية واجتماعية‬
‫وسياسية‪ ،‬وإدخالهم بصورة غير مشروعة إلى البلدان المتقدمة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬انعكاسات الجريمة المنظمة‪:‬‬

‫أصبحت الجريمة المنظمة تمثّل أحد األخطار التي تهدّد األمن واالستقرار على ك ّل المستويات‪.‬‬

‫‪ - 1‬اآلثار االجتماعية ‪:‬‬

‫تؤدي الجريمة المنظمة إلى تهديد أمن اإلنسان وزوال الطمأنينة لدى المواطنين؛ من خالل إشاعة الخوف وبثّه في نفوس الناس‪،‬‬
‫بسبب لجوء عصابات اإلجرام المنظم إلى وسائل التهديد والعنف‪ ،‬بل ارتكاب جرائم القتل إلرهاب الشعوب‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن من شأن االنفالت األمني واالنتشار الواسع لتجارة السالح أن يهدّد على أكثر من صعي ٍد استقرار دول منطقة الساحل‪ ،‬وحتى دول‬
‫شمال إفريقيا؛ إذ تساهم الجريمة المنظمة في المساس باألمن الصحي من خالل ما ينتج عن تجارة المخدرات من أضرار تحيق بحياة‬
‫الفرد وبصحته وبحياته وسلوكياته‪(15).‬‬

‫كما تساهم (الجريمة المنظمة) في نشر مختلف أنواع األمراض عن طريق المهاجرين غير الشرعيين ونقلهم لك ّل أنواع األمراض‪،‬‬
‫وبخاصة مرض السيدا‪ ،‬والذي تمثّل إفريقيا أعلى النسب العالمية لحامليه‪ ،‬إضافة إلى األمراض األخرى الفتاكة‪ ،‬كالطاعون‬
‫أن هناك دوالً‪ ،‬مثل‬
‫شح للزحف أكثر نحو المناطق الشمالية للقارة‪ ،‬خصوصا ً ّ‬
‫والكوليرا‪ ،‬وهذا االنتشار الواسع لهذه األمراض مر ّ‬
‫السنغال والنيجر‪ ،‬يدخل مواطنوها التراب المغاربي بسرية دون الخضوع للرقابة الطبية‪(16).‬‬
‫ومن جانب آخر؛ ّ‬
‫فإن المخدرات تساهم في االنحطاط األخالقي والضعف العام للبنى االجتماعية‪ ،‬وتزيد من االنقسامات داخل‬
‫ي بين تجارة المخدرات وبين تمويل‬ ‫ٌ‬
‫ومعرضة إياها للصراعات؛ فهنالك ارتباط قو ٌّ‬
‫ّ‬ ‫المجتمع؛ مهدّدة بذلك التجانس المجتمعي للدولة‪،‬‬
‫بعض النزاعات الداخلية وتجارة األسلحة‪.‬‬

‫ويتمثّل التأثير السلبي للجريمة المنظمة على الجانب األخالقي في نشر الفساد بين أفراد المجتمع‪ ،‬وانتشار الرشوة‪ ،‬وتفشي الممارسات‬
‫غير األخالقية‪ ،‬وانهيار القيم الدينية واالجتماعية؛ ما يؤدي إلى هدم كيان األسرة وتفكيكها‪ ،‬وضعف تماسك بنى المجتمع‪ ،‬هذا بجانب‬
‫إهدار آلدمية اإلنسان وكرامته‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ما تسبّبه بعض أنشطة الجريمة المنظمة‪ ،‬كتجارة الرقيق‪ ،‬من‬

‫‪ - 2‬اآلثار االقتصادية ‪:‬‬

‫للجريمة المنظمة ت ّ ٌ‬
‫أثير واض ٌح على اقتصاديات دول الساحل اإلفريقي؛ بحكم ما تسبّبه عصابات الجريمة المنظمة على حركة األفراد‬
‫واألموال من تهديدات‪ ،‬خصوصا ً في ظ ّل وجود أشكا ٍل مختلفة للجريمة االقتصادية وتنوع أساليب ارتكابها‪(17).‬‬

‫تضررا ً في هذه الدول‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فضالً عن تأثيرها السلبي على المناخ االستثماري للدول‪ ،‬وغالبا ً ما يكون القطاع السياحي أكثر القطاعات‬

‫أن أغلب العمليات اإلجرامية تهدف إلى نشر الرعب والخوف في األوساط االجتماعية؛ فإن ذلك يدفع الحكومات إلى‬ ‫وبالنظر إلى ّ‬
‫ً‬
‫توجيه مخططات أكبر ألغراض األمن والدفاع؛ بدال عن توجيهها نحو أغراض أخرى تنموية بالدرجة األولى‪ ،‬فعلى المستوى‬
‫االقتصادي تقوم عصابات الجريمة المنظمة بالسيطرة على قطاعٍ ما من االقتصاد أو على االقتصاد بأكمله‪ ،‬وذلك بسبب ما تملكه من‬
‫مبالغ طائلة‪ ،‬فضالً عن تأثيرها على بعض المسؤولين في القطاع الخاص‪ ،‬واستغاللهم لتنفيذ جرائمها أو التغاضي عنها عن طريق‬
‫الرشوة أو االبتزاز‪.‬‬

‫بالتهرب الضريبي‪ ،‬والتشجيع على المعامالت المشبوهة‪ ،‬إضافة إلى عمليات غسيل األموال التي‬ ‫ّ‬ ‫كما تقوم عصابات الجريمة المنظمة‬
‫تقوم بها إلخفاء مصادر أموالها غير المشروعة؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى خسائر اقتصادية على مستوى األفراد والشركات‪،‬‬
‫وحتى على مستوى االقتصاد بأكمله(‪ ,)18‬فهو يخفي من جه ٍة آثار العمل الجرمي‪ ،‬ويم ّكِن من جه ٍة أخرى الفاعل من التمتع بثمار‬
‫عمله؛ فيكون بذلك عامالً مشجعا ً على استمرار الجريمة وازديادها وارتكاب المزيد من الفساد‪.‬‬

‫تضر بالتنمية االقتصادية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫آثار سلبيةٌ‬
‫كما يترتب على تسلل العائدات غير المشروعة إلى قطاعات كاملة من االقتصاديات الوطنية ٌ‬
‫وتؤثر تأثيرا ً مباشرا ً في اقتصاديات الدول المغاربية‪.‬‬

‫‪ - 3‬اآلثار السياسية ‪:‬‬

‫تساهم الجريمة المنظمة بشك ٍل كبير في زعزعة االستقرار السياسي للدول‪ ،‬وذلك من خالل فقدان الثقة في العملية الديمقراطية‪ ،‬وفشل‬
‫الحكومات في السيطرة على الجريمة‪ ،‬ودور األخيرة في إفساد أجهزة الدولة عن طريق رشوة المسؤولين وأصحاب القرار السياسي‬
‫في الدولة وابتزازهم‪ ،‬واختراق األحزاب والتنظيمات السياسية للوصول للسلطة والحفاظ على مصالحها؛ ما يؤدي في النهاية إلى‬
‫تشويه العملية الديمقراطية‪ ،‬وسقوط األنظمة السياسية في هذه الدول‪.‬‬
‫تعرض المنظمات اإلجرامية سيادة الدول للخطر؛ فتنظيم المرور عبر حدود ك ّل دولة هو صفة أساسية من صفات سيادتها‪ ،‬وهو‬ ‫كما ّ‬
‫ما تتجاوزه المنظمات اإلجرامية عبر الدول؛ حيث تجتاز بجرمها الحدود‪ ،‬والدولة عاجزة عن التحكم في حدودها ومنع انتقال الجريمة‬
‫إلى أراضيها؛ وفي هذا تح ٍ ّد لسلطة الدولة وسيادتها‪ ،‬بل لما يش ّكل جزءا ً جوهريا ً من مفهوم الدولة‪.‬‬

‫تقوض المجتمع المدني‪ ،‬وتضيف درجة من االضطراب على الشؤون السياسية‬ ‫إن المنظمات اإلجرامية عبر الدول ‪ -‬بحكم طبيعتها ‪ّ -‬‬‫ّ‬
‫المحلية‪ ،‬وتتحدى األداء المعتاد للحكومة وسريان القانون‪ ،‬وتش ّل سلطة الحكومة‪ ،‬ولربما هيمنت على الحكومة نفسها وأصبح النفوذ‬
‫والسلطة بيدها‪ ،‬فطوال الثمانينيات كانت الجريمة المنظمة في إيطاليا وكولومبيا على عالقات وثيقة باألحزاب السياسية الحاكمة‬
‫وتسللت إلى داخل الحكومة‪ ،‬كما قامت بقتل رجال الشرطة والقضاة والسياسيين والموظفين العموميين‪(19).‬‬

‫خامساً‪ :‬آليات مكافحة الجريمة المنظمة‪:‬‬

‫‪ - 1‬على المستوى الدولي (دور األمم المتحدة)‪:‬‬

‫تُع ّد مؤتمرات األمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين (التي تُعقد ك ّل خمس سنوات) من أهم المؤشرات على االهتمام الذي‬
‫توليه األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة‪ ،‬ومن أبرز هذه المؤتمرات نذكر‪:‬‬

‫مؤتمر يطرح الجريمة‬


‫ٍ‬ ‫أ ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة الخاص بمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بجنيف سنة ‪1975‬م‪ :‬يُع ّد أول‬
‫المنظمة للدراسة والنقاش بوصفها ظاهرة قائمة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في كاراكاس عام ‪1980‬م‪ :‬أكد ّ‬
‫أن الجرائم المرتكبة ض ّد‬
‫األشخاص والممتلكات ليست وحدها أخطر الجرائم وأشدها ضرراً‪ ،‬فهناك أيضا ً ما يُعرف بإساءة استخدام السلطة‪ ،‬أو الجرائم‬
‫االقتصادية التي تُع ّد من أخطر الجرائم‪.‬‬

‫ج ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في ميالنو عام ‪1985‬م‪ :‬الذي أوصى بضرورة بذل الجهود‬
‫لمكافحة ظاهرة االتجار غير المشروع بالعقاقير المخدرة وإساءة استعمالها‪.‬‬

‫د ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بهافانا عام ‪1990‬م‪ :‬دعا إلى اتخاذ إجراءات وطنية ودولية‬
‫ف ّعالة ضد الجريمة المنظمة والنشاطات اإلرهابية‪ ،‬ووضع عددا ً من اإلجراءات الموضوعية لتعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة‬
‫الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية‪ ،‬وذلك باعتماد المعاهدات النموذجية بشأن تسليم المجرمين وتبادل المساعدات في المسائل‬
‫الجنائية‪.‬‬

‫ذ ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بالقاهرة في القاهرة عام ‪1995‬م‪ :‬أكد انتشار ظاهرة الجريمة‬
‫المنظمة في مختلف أنحاء العالم‪ ،‬ودعا إلى ضرورة وضع الخطط والسياسات‪ ،‬وتوسيع التعاون والبحث في مجال الجريمة المنظمة‬
‫ومكافحتها بك ّل الوسائل‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في فيينا عام ‪2000‬م‪ :‬أشار إلى جسامة األخطار المترتبة‬
‫خاص الجريمة المنظمة بمختلف أشكالها‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫على ارتكاب الجرائم الخطيرة ذات الطبيعة العالمية‪ ،‬وبشك ٍل‬

‫نوه إلى ّ‬
‫أن المدة التي عُقد‬ ‫خ ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في بانكوك عام ‪2005‬م‪ّ :‬‬
‫وأن األمن أصبح شاغالً رئيسا ً‪.‬‬
‫فيها المؤتمر شهدت تغيرات سريعة في صور اإلجرام العالمية‪ّ ،‬‬

‫أقر بضرورة‬
‫و ‪ -‬مؤتمر األمم المتحدة الثاني عشر لمنع الجريمة المنظمة ومعاملة المجرمين المنعقد في السلفادور عام ‪2010‬م‪ّ :‬‬
‫اتخاذ التدابير الجنائية الالزمة من أجل التصدي لتهريب المهاجرين واالتجار باألشخاص‪ ،‬وغيرها من الجرائم المنظمة‪ ،‬وتوثيق‬
‫التعاون الدولي في هذا المجال على ك ّل المستويات‪(20).‬‬

‫أن منظومة األمم المتحدة تحظى بطائفة عريضة من الخبرات التي يمكن أن تقدّمها إلى المجتمع الدولي وهو يصارع‬ ‫ومن الجلي ّ‬
‫التحديات المعقدة التي أوجدتها شبكات االتجار في منطقة الساحل‪ ،‬ويقوم العديد من هيئات األمم المتحدة بالفعل بالعمل في المنطقة‬
‫بشأن موضوع شبكات االتجار‪ ،‬مثل‪ :‬مكتب األمم المتحدة لغرب إفريقيا‪ ،‬ومكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة‪،‬‬
‫والمنظمة الدولية للهجرة‪ ،‬ومفوضية األمم المتحدة لشؤون الالجئين‪(21).‬‬

‫‪ - 2‬على المستوى اإلقليمي (الدور اإلفريقي)‪:‬‬

‫يمكن تقسيم الجهود اإلقليمية على المستوى اإلفريقي إلى مرحلتين‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬ما قبل تأسيس النيباد (أي الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا)‪ :‬حيث ت ّم إدراج بعض المواد الخاصة بتعريف‬
‫تضر بأمن‬
‫ّ‬ ‫الجريمة واإلرهاب في المعاهدة ال ُمنشئة لمنظمة الوحدة اإلفريقية‪ ،‬فمثالً حدّد الميثاق التأسيسي للمنظمة النشاطات التي‬
‫األفراد والجماعات وأدانها بشك ٍل صريح‪ ،‬وذلك في المادة (‪ )05‬من الفصل (‪ ،)03‬حيث‪« :‬يدين بك ّل صراحة ك ّل أشكال االغتياالت‬
‫السياسية والنشاطات التخريبية من طرف دول مجاورة أو أي دولة أخرى‪».‬‬

‫وقد تعززت هذه المواقف فيما بعد بقمة داكار بالسنغال‪ ،‬والتي قررت وضع آليات للوقاية من النزاعات وتسييرها بما يضمن حلها‬
‫بشك ٍل سلمي‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬ما بعد النيباد‪ :‬أفرزتها محدودية الترتيبات السابقة‪ ،‬والنقائص التي شابت المؤسسات اإلقليمية التي اضطلعت بدور‬
‫تعزيز إجراءات األمن واالستقرار في القارة‪ ،‬حيث اندلعت عد ٌد من الصراعات المسلحة‪ ،‬وتفاقمت الجريمة المنظمة واإلرهاب في‬
‫شمال القارة وجنوبها‪.‬‬

‫ك ّل هذه المعطيات دفعت إلعادة النظر في التنظيمات القائمة لجعلها أكثر مرونة‪ ،‬وكانت أول خطوة من القادة األفارقة إبدال منظمة‬
‫الوحدة اإلفريقية بمنظمة االتحاد اإلفريقي‪ ،‬وذلك خالل اللقاء الوزاري في ‪2000/6/2‬م‪ ،‬حيث اإلعالن الرسمي عن ميالد التنظيم‬
‫القديم الجديد خالل قمة «لومي» بتوغو بين ‪ 10‬و ‪ 12‬جويلية ‪2000‬م‪.‬‬

‫لم تستطع دول الساحل أن تتبنى سياسة متطورة ومتجانسة قائمة على العدل واحترام الحقوق والواجبات للجميع دون تمييز‬
‫وكنتيجة لهذا التصور الجديد الذي طرأ على العمل اإلفريقي المشترك ت ّم خالل الدورة ‪ 37‬الجتماع زعماء القادة األفارقة من خالل‬
‫االتحاد اإلفريقي طرح وثيقة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا ‪ NEPAD‬في جويلية ‪2001‬م‪ ،‬حيث تم التأكيد في هذه الوثيقة على‬
‫ي ٍ لألمن والسلم واالستقرار السياسي واالجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وركزت المبادئ الجديدة التي‬
‫ب مركز ّ‬‫تدعيم الحكم الرشيد كمطل ٍ‬
‫انبثقت عن المبادرة الجديدة على وضع اآلليات الالزمة والضرورية للوقاية من عدة مخاطر؛ أبرزها الجريمة المنظمة‪.‬‬

‫وتبذل بلدان الساحل جهودا ً لمكافحة الجريمة المنظمة‪ ،‬إال أنها لم تحقّق سوى تقد ٍّم ضئي ٍل في تفكيك بعض شبكاتها‪ ،‬فعلى الرغم من‬
‫ت كبيرةٍ من الخارج‬
‫الجهود الحالية التي تبذلها دول منطقة الساحل في إطار منظمة االتحاد اإلفريقي؛ فإنها ما لم تحصل على مساعدا ٍ‬
‫لن تتمكن من القضاء الفعلي على شبكات االتجار‪.‬‬

‫وفي خالل السنوات األخيرة قدّمت دو ٌل عديدة ٌ مساعدات ثنائية‪ ،‬عسكرية ومالية وتقنية‪ ،‬ويذكر هنا ‪ -‬على سبيل المثال ‪ -‬إعالن‬
‫واشنطن عن إجراء مناورات عسكرية بدولة مالي‪ ،‬بمشاركة ك ٍّل من الواليات المتحدة األمريكية ودول المنطقة‪ :‬تشاد‪ ،‬ومالي‪،‬‬
‫وموريتانيا‪ ،‬والمملكة المغربية‪ ،‬والنيجر‪ ،‬والسنغال‪ ،‬وأخيرا ً نيجيريا‪(22).‬‬

‫كما نجد تقريرا ً لبعثة التقييم المعنية بتأثير األزمة الليبية على منطقة الساحل‪ ،‬الذي قُدّم إلى مجلس األمن في كانون الثاني‪/‬يناير‬
‫‪2012‬م‪ ،‬باإلضافة إلى التدابير الوارد تفصيلها في التقرير؛ ّ‬
‫فإن األمم المتحدة واالتحاد اإلفريقي والجماعة االقتصادية لدول غرب‬
‫إفريقيا؛ قامت جميعها باتخاذ خطوات لوضع ترتيبات للتنسيق بهدف تعزيز جهودها المبذولة للقضاء على االتجار غير المشروع‪.‬‬

‫وهناك على‪ -‬وجه التحديد‪ -‬خطة عمل لالستجابة اإلقليمية تابعة للجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا‪ ،‬اعتمدها رؤساء الدول‬
‫والحكومات في أبوجا في كانون األول‪/‬ديسمبر ‪2008‬م‪ ،‬والتي انتهت رسميا ً في كانون األول‪/‬ديسمبر ‪2011‬م‪ ،‬وخطة عمل لالتحاد‬
‫اإلفريقي بشأن مراقبة المخدرات ومنع الجريمة (‪2007‬م – ‪2012‬م)‪ ،‬ومبادرة ساحل غرب إفريقيا المشتركة بين األمم المتحدة‬
‫والجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا‪ ،‬والتي يتم بموجبها تنسيق بناء القدرات في سيراليون‪ ،‬وغينيا‪ ،‬وغينيا – بيساو‪ ،‬وكوت‬
‫ديفوار‪ ،‬وليبيريا‪ ،‬وهي تركز أساسا ً في إنشاء وحدات لمنع الجريمة عبر الوطنية في ك ّل بلد‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬

‫فإن التطور الواضح الذي شهدته شبكات االتجار‬ ‫على الرغم من الجهود التي تبذلها دول منطقة الساحل في مكافحة الجريمة المنظمة؛ ّ‬
‫في المنطقة يعكس مدى عجز الجهود المبذولة في مكافحة اإلجرام المنظم‪ ،‬ويُعزى جز ٌء من المعضلة‪ ،‬التي تكتنف تنظيم استجابة‬
‫فعّالة لهذه المشكلة‪ ،‬إلى ضعف القدرة المؤسسية لدول المنطقة‪ ،‬والتي تُع ّد من أش ّد المناطق حرمانا ً من المزايا في العالم‪.‬‬

‫ت أقوى منها‪ ،‬وبأولويات أخرى‪ ،‬وهو ما يتطلب فرض حلول لمجابهة هذا الخطر‬ ‫بأشخاص وشبكا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫فكثيرا ً ما تواجه هذه الجهود‬
‫المتنامي‪ ،‬وقد خلصت الدراسة إلى طرح مجموعة حلول للتصدي لخطر الجريمة المنظمة‪ ،‬تتمثل في ‪:‬‬

‫‪) 1‬إقامة أنظمة حكم ديمقراطية معبّرة عن اإلرادة الحرة للشعوب‪ ،‬تحرص على سلطة القانون وتوفير الحريات للمواطنين‪ ،‬وتحترم‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬ومؤسسات المجتمع المدني‪ ،‬وتتفاعل معها باعتبارها شريكا ً حقيقيا ً في إدارة شؤون البالد وتنفيذ برامج التنمية‪.‬‬
‫‪ ) 2‬اعتماد التنمية المستدامة والحكم الصالح والديمقراطية في الساحل اإلفريقي‪ ،‬فهي آليات ضرورية إلحداث التغيير داخل أنظمة‬
‫ي ٍ مع‬
‫مسار تكامل ّ‬
‫ٍ‬ ‫دول الساحل‪ ،‬التي ستجد نفسها ‪ -‬إذا التزمت وطبقت آليات الحكم الراشد والتنمية المستدامة ‪ -‬مؤ َّهلة للدخول في‬
‫توفر إرادة سياسية‪ ،‬وتشريعات ضامنة ومؤسسات وقضـاء مستقل‪ ،‬التي تُع ّد ضمانا ً لممارسة الحكم الرشيد‪.‬‬

‫‪) 3‬ضرورة استعانة دول الساحل اإلفريقي يبعضها البعض على نح ٍو يت ّم فيه حشد الجهود والطاقات الوطنية والدولية جميعها لمواجهة‬
‫تحديات جرائم من نوعٍ جدي ٍد في األسلوب والقوة والنطاق‪.‬‬

You might also like