Professional Documents
Culture Documents
وقد احتلت -بجانب قضايا محاربة اإلرهاب -المرتبة األولى على قائمة االهتمامات العالمية في مرحلة ما بعد هجمات 11سبتمبر
2001م بالواليات المتحدة األمريكية ،وأصبحت تستحوذ على الحيز الرئيس من التفاعالت الدولية.
توالت الجهود الفقهية للبحث عن صيغ ٍة ُمثلى لتعريف الجريمة المنظمة ،لذلك تعددت التعريفات التي يتميز ك ٌّل منها بالتركيز على
عنصر من عناصرها ،نذكر من هذه التعريفات: ٍ
-تعريف أبادنسكي Abadanski:الجريمة المنظمة «مؤسسة غير إيديولوجية ،تشمل عددا ً من األفراد ذوي عالقات اجتماعية قوية،
منظمة بشك ٍل هرمي ،وبثالثة مستويات على األقل ،وذلك بهدف تأمين الربح والقوة؛ من خالل االنغماس في نشاطات غير قانونية
وقانونية».
-تعريف سدرالند وكريسي :هي« :ذلك االرتباط العضوي لجماع ٍة صغيرةٍ من المجرمين ،يهدف لتنفيذ أنماط معينة من الجريمة(1).
ي ،يقوم على أشخاص يوحدون صفوفهم للقيام بأنشطة إجرامية دائمة -تعريف األستاذة نسرين عبد الحميد« :مشروعٌ إجرام ٌّ
ومستمرة ،ويتميز هذا التنظيم بكونه يشبه البناء الهرمي ،وتحكمه لوائح ونظ ٌم داخلية لضبط سير العمل داخله ،في سبيل تحقيق
وابتزاز ورشوةٍ ،إلخضاع وإفساد المسؤولين ،سواء في أجهزة اإلدارة والحكم أو أجهزة
ٍ أهدافه ،باستخدام وسائله ،من عنفٍ وتهدي ٍد
إدارة العدالة ،وفرض السيطرة عليهم؛ بهدف تحقيق االستفادة القصوى من النشاط اإلجرامي»(2).
-كما تعددت الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة ،فنجد تعريف اإلنتربول :أنها« :األنشطة الصادرة عن التنظيمات أو الجماعات
ذات التشكيل الخاص ،والتي تهدف إلى تحقيق الربح بالطرق غير المشروعة ،وتستخدم ذلك النشاط الصادر عن التهديد والرشوة
لتحقيق األهداف المعتبرة»(3).
تبذل بلدان الساحل جهودا ً لمكافحة الجريمة المنظمة ،إال أنها لم تحقّق سوى تقد ٍّم ضئي ٍل في تفكيك بعض شبكاتها
من خالل التعريفات السابقة يمكن استخالص أبرز ما تتميز به الجريمة المنظمة عن الجرائم العادية من خصائص ،وهي:
أ -التخطيط والتنظيم :يعتبر العامل األهم في الجريمة المنظمة ،فهو يكفل لها النجاح واالستمرار.
ٌ
شرط من شروط الجريمة المنظمة ،ويتطلب أفرادا ً مؤهلين وذوي خبرة عالية. ب -االحترافية :وهو
د -التعقيد :ويعتبر شرطا ً من شروط التنظيم ،فاألمر البسيط ال يحتاج إلى تنظيم ،وهو سرعان ما ينكشف أمره بوضوح أسبابه.
ي في اختيار األشخاص الذين يت ّم التعامل معهم ،بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وله ّ
المنظم ذك ٌّ هـ -االبتزاز واالستغالل :فاإلجرام
القدرة على شراء ضمائر األشخاص أو تخويفهم والضغط عليهم.
كثير من األحيان لعدم توفر و -القدرة على اإلفالت من العقوبة :حيث يعجز القضاء -في الغالب ّ -
أن يثبت الجريمة المنظمة في ٍ
األدلة؛ بسبب تواطؤ بعض المسؤولين معهم ،فاألشخاص الذين يقومون بالجريمة أصحاب خبرة ،يعتمدون على التخطيط والتنظيم،
ويمارسون اإلجرام دون خشي ٍة من عقوبة.
ح -التأثير السلبي في المجتمع ومسيرة التنمية :إذ تؤدي نتائجها إلى تعطيل التنمية ،والفساد في الدولة.
ط -التركيز في التحالفات االستراتيجية :أي أن تعقد تحالفات مع المنظمات اإلجرامية المحلية وعبر الدول ،وهذا لتفادي التناحر
والتصادم بين هذه المنظمات اإلجرامية.
ي -الطابع الدولي :تتصف أنشطة الجريمة عبر الدول بأنها ال تقتصر على إقليم الدولة الواحدة فحسب ،بل تتعداه إلى أقاليم الدول
األخرى(4).
تهدف عصابات الجريمة المنظمة من خالل عملها اإلجرامي إلى تحقيق :
) 1الربح :يُع ّد الدافع والمحرك األساسي ألعضاء الجريمة المنظمة ،وهو ما يميزها عن غيرها من التنظيمات اإلجرامية ،ويجعلها
تدر األرباح الطائلة ،كتجارة المخدرات والسالح واالتجار بالبشر.
تمارس نشاطاتها المشروعة وغير المشروعة ،والتي ّ
) 2الدخول في تحالفات استراتيجية :فبسبب زيادة األعمال اإلجرامية التي تمارسها المنظمات اإلجرامية في مناطق متعددة من العالم؛
كان ال بد لهذه التنظيمات أن تدخل في تحالفات استراتيجية ،وذلك من خالل إبرام اتفاقيات فيما بينها؛ حتى تحمي ك ّل منظمة نشاطها
الذي تمارسه في الدول الخاضعة لنفوذ تنظيم إجرامي آخر ،أو لتنظيم عمليات التسويق لما تنتجه من مواد مشروعة وغير مشروعة،
وكان لهذه التحالفات االستراتيجية األثر في تعزيز قدرتها على المواجهات األمنية ،والقضاء على العنف الذي كان دائرا ً بينها،
باإلضافة إلى الشراكة في اقتسام األرباح والخسائر().5
إن الجريمة المنظمة بمنطقة الساحل اإلفريقي نتاج متغيرات عديدة ،ساهم في تش ّكلها وظهورها تفاعل عدة أسباب اجتماعية وسياسية
ّ
واقتصادية ،إلى جانب استفادة عناصر الجريمة المنظمة من التطورات التكنولوجية.
أن بعض القبائل المستوطنة بالمنطقةوتش ّكل الحياة القبلية ،التي يغلب فيها الوالء للقبيلة على الوالء للوطن ،عامالً مه ّماً ،خصوصا ً ّ
ّ
لها امتدادات عابرة لألوطان ،كقبائل التوارق ،والبامبارا ،والسونغاي ،والبولسالكانوري ،والهاوس ،ما أثر مباشرة في تماسك الوحدة
الوطنية ،وأدى إلى ضعف الدولة ،األمر الذي جعل الدولة القائمة على أنقاض مخلفات االستعمار ال تقوم بدورها في المنطقة،
والمتمثل أساسا ً في دعم اإلحساس القومي باالنتماء والوالء للوطن الذي تمارس عليه الدولة سيادتها ،ومن ث ّم لم تنجح في تبني
سياسات أمنية قادرة على مواجهة الجريمة المنظمة)(6
ويش ّكل ارتفاع نسب الفقر عامالً آخر مه ّما ً كذلك؛ حيث تتراوح نسب مستوى الدخل الفردي بالنسبة للدخل العالمي في هذه المنطقة
من %0.004بالنسبة للصومال إلى %0.01بالنسبة لمالي ،والنيجر ،وتشاد ،والسودان ،%0.04وموريتانيا %.0.003
وترجع أسباب ظاهرة الفقر إلى عدة عوامل ،نذكر منها :الجفاف الناتج عن قلة األمطار ،والتصحر الذي ضاعفه قطع الغابات،
إضافة إلى غزو الجراد ،وضعف األداء االقتصادي ،أي االعتماد على آليات قديمة في اإلنتاج الزراعي ،فالنيجر – مثالً -ال تزال
تعتمد على آليات لم تتطور منذ 4قرون ،وكذلك االعتماد على المحاصيل التصديرية الموجهة للخارج على حساب المحاصيل
الزراعية االستهالكية(7).
ب
عالوة على هذه العوامل؛ تشهد منطقة الساحل اإلفريقي العديد من النزاعات الداخلية الناتجة عن التناقض اإلثني ،ويعتبر أه ّم سب ٍ
مفجّر للصراعات الداخلية ،والتي تشتد خطورتها عندما يكون سببها دينياً؛ ومن أبرزه الصراع بين الشمال المسلم والجنوب
المسيحي ،كما هو حاصل في السودان وتشاد.
ع آخر من الصراعات ،وهو النزاع (الشمالي – الشمالي) ،مثلما يحدث اآلن في السودان في دارفور ،وتشاد( ,)8إضافة
كما ظهر نو ٌ
إلى وجود (صراعات جوارية) عنيفة ،كالصراع (اإلريتري – اإلثيوبي) الذي تفجّر عام 1998م.
هذه الصراعات تحول دون اإلصالحات االقتصادية ،وتعرقل عملية التنمية ،وتكون سببا ً في عدم وصول المساعدات الخارجية
الغذائية والمالية؛ ما يزيد من إضعاف دول هذه المنطقة التي هي في أصلها فاشلة وعاجزة ،األمر الذي يزيد من األعباء والمسؤوليات
الموضوعة على كاهل دول الساحل؛ حيث لم تستطع هذه األخيرة أن تتبنى سياسة متطورة ومتجانسة قائمة على العدل واحترام
الحقوق والواجبات للجميع دون تمييز ،وتوفير صفقات عادلة للجميع؛ فكانت النتيجة اتباع هذه الدول للنظم العسكرية؛ ّ
ألن استمرار
رحالت الصراعات والنزاعات المستمرة ولّد نزعة تسلّحية لهذه الدول من أجل مقاومة المتمردين داخليا ً وخارجيا ً.
إن طبيعة النزاعات في هذه المنطقة تتسم بالترابط والتعقيد؛ بحيث يؤدي -في الغالب -حدوث أي نزاع إلى اندالع نزاعات أخرى ّ
مجاورة ،وقد انعكست هذه األوضاع على قوة دول الساحل اإلفريقي وتماسكها؛ وهو األمر الذي جعل دول المنطقة تُعرف بضعف
ّ
المنظم ،وسهولة الرقابة على حدودها ،وعدم قدرتها على فرض اإلدارة األمنية على أراضيها؛ ما يؤدي إلى سهولة العمل اإلجرامي
االتصال بين المنظمات اإلجرامية غير الوطنية؛ حيث يعود ذلك باألساس إلى إفالس الدولة ،والتي ساهم فيه بالدرجة األولى النظام
القبلي الذي يحكم الكثير من دول المنطقة ،إضافة إلى السيطرة االستعمارية التي عملت وتعمل على إشاعة الفوضى والتفرقة بين
الفصائل.
تشهد دول الساحل اإلفريقي تنامي ظاهرة الجريمة المنظمة بك ّل أنواعها وأشكالها ،من غسيل األموال ،إلى التجارة باألعضاء
البشرية ،إلى تهريب السجائر ،خصوصا ً في منطقة ديكال المالية التي تُع ّد أهم منطقة ،أو الحلقة األساسية لتهريب السجائر.
كما تشهد دول الساحل اإلفريقي تنامي ظاهرة التجارة غير المشروعة ،ومنها تجارة المخدرات ،خصوصا ً بعد ّ
تحول المنطقة إلى
عبور للمخدرات الصلبة ،مثل الهيروين والكوكايين والكراك ،من أمريكا الالتينية إلى أوروبا عبر إفريقيا الغربية ثم الساحل
ٍ مكان
اإلفريقي ،وعبر المغرب العربي.1
تنبع أهمية هذا النشاط (تجارة المخدرات) هناك من قلة األنشطة البديلة التي تحقّق ثرا ًء سريعاً ،وهذا ما ينطبق على ثالث مهمات
توسعت بشك ٍل مالحظ ،أبرزها تجارة المخدرات التي تحقّق نموا ً سريعاً()10؛ فقد توسّعت وبسرعة اثنان من التدفقات المختلفة،
وهما :الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا عن طريق ليبيا ومصر العام 2005م تقريباً ،وتدفق صمغ الحشيش المغربي إلى ليبيا
ومصر وشبه الجزيرة العربية ،ويُعزى هذا النمو إلى ارتفاع الطلب في أوروبا والمشرق ،كذلك بسبب فرض ضوابط مشددة على
طول السواحل والحدود المغربية الجزائرية؛ األمر الذي جعل الطرق المارة عبر منطقة الساحل التي تضعف السيطرة عليها جذابة
للمهربين.
ّ
لقد توسعت تجارة الكوكايين بالمنطقة في الفترة بين 2005م 2007 -م ،وهي ال تزال مستمرة على الرغم من انكماشها في العام
تمر عبر غربأن نحو %14من المخدرات التي ّ 2008م ،فقد قدّر مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المنظمةّ :
إفريقيا إلى أوروبا تصل أوالً إلى إحدى الدول الساحلية ،وبخاصة غينيا – بيساو ،وتوغو ،وبينين ،وغانا ،وبعد ذلك يتم نقلها عن
طريق الجو أو بواسطة القوارب ،وكبديل يتم إرسال الكوكايين عبر خدمات الشحن الجوي إلى أوروبا ،مستخدمة المطارات الداخلية
يمر بعضها عبر المطارات في غرب إفريقيا ،وتُع ّد مطارات( :نيامي ،وباماكو ،و واغادوغو) من بين مراكز الشحن الجوي ،حيث ّ
الجزائرية.
إن هذه الطرق ما زالت نشطة ،كما تؤكد المضبوطات خالل العامين 2011م 2012 -م في هذه المطارات( ,)11وقد جاء على لسان ّ
ّ
إمنوال لوكير نائب مدير مكافحة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات قوله« :إن بعض دول إفريقيا الغربية التي تقع خلف الشريط
الحدودي الجنوبي للجزائر أصبحت طريقا ً مفضالً لنشاط التجارة الدولية للكوكايين الوافد من أمريكا الالتينية في اتجاه أوروبا».
أن االنكشاف األمني الذي تعيشه وكذا تشهد دول الساحل تنامي ظاهرةٍ خطيرة ،أال وهي التجارة باألسلحة ،ويُشار في هذا السياق إلى ّ
دولة مالي يمثّل تهديدا ً مباشرا ً لألمن بالمنطقة ،خصوصا ً بعد انتشار ماليين قطع السالح الخفيف والثقيل بعد انتهاء الثورة الليبية،
وإمكانية وصول هذه األسلحة إلى أيدي جماعات الجريمة المنظمة المنتشرة في المنطقة ،في هذا الصدد يحذر رزاق بارة من ّ
أن
إن «سقوط الدولة الليبية بين هناك« :قرابة مليون قطعة سالح تُباع وتُشترى دون رقيب في الساحل اإلفريقي ،»...ويضيف قائالًّ :
أيدي الميليشيات ،والتد ّخل غير المدروس لحلف شمال األطلسي في هذا البلد ،نتج عنه استباحة مخازن السالح وتهريبها ،ونقلها إلى
منطقة الساحل مع قوافل الجنود التوارق العائدين لديارهم ،ومعظمهم من إقليم أزواد شمال مالي مدججين باألسلحة»(12).
ومن جانب آخر؛ تزايدت -مؤخرا ً -عمليات االختطاف للحصول على الفدية ،والتي ارتبطت ارتباطا ً وثيقا ً بتنامي وجود تنظيم
القاعدة في المغرب اإلسالمي في منطقة الساحل ،والتي كانت محركا رئيسا ً له ،وقد ركزت عمليات االختطاف على الرعايا األجانب
حين آلخر ،لغايات سياسية أو مالية ،حيث نُفذت العديد من عمليات االختطاف ،نذكر منها اختطاف 32سائحا ً أوروبيا ً في جنوب
من ٍ
الجزائر عام 2003م ،وقد شملت عمليات االختطاف مواقع في جنوب الجزائر ،وتونس ،وموريتانيا ،والنيجر ،فضالً عن شمال
مالي ،ور ّكز الخاطفون على مواطني الدول التي كانت معروفة باستعدادها للتفاوض على دفع الفدية(13).
كما تع ّد الهجرة غير الشرعية من أخطر المهددات األمنية؛ نظرا ً الرتباطها الوثيق بباقي أشكال الجريمة المنظمة ،مثل :تهريب
المخدرات ،وتجارة السالح ،وتزوير األوراق النقدية ،وعملية تبيض األموال ...إلخ ،وحسب دراسة أجرتها المنظمة العالمية للهجرة؛
يٍ ،يجولون في مختلف دول العالم ،يوجد بينهم 700ألف طفل وامرأة ،وهذه الفئة هي مهاجر غير شرع ّ
ٍ فإن ما بين 15و 30مليون ّ
المهربين الذي يسعون إلى تهريبهم عبر الحدود والموانئ( ,)14وتضطلع المنظمات اإلجرامية في دول ّ ِبل ق من ً ااستهداف األكثر
إفريقيا عموما ً ودول الساحل اإلفريقي بتهريب أعدا ٍد كبيرةٍ من المهاجرين الذين يغادرون بلدانهم ألسباب اقتصادية واجتماعية
وسياسية ،وإدخالهم بصورة غير مشروعة إلى البلدان المتقدمة.
أصبحت الجريمة المنظمة تمثّل أحد األخطار التي تهدّد األمن واالستقرار على ك ّل المستويات.
تؤدي الجريمة المنظمة إلى تهديد أمن اإلنسان وزوال الطمأنينة لدى المواطنين؛ من خالل إشاعة الخوف وبثّه في نفوس الناس،
بسبب لجوء عصابات اإلجرام المنظم إلى وسائل التهديد والعنف ،بل ارتكاب جرائم القتل إلرهاب الشعوب.
ّ
إن من شأن االنفالت األمني واالنتشار الواسع لتجارة السالح أن يهدّد على أكثر من صعي ٍد استقرار دول منطقة الساحل ،وحتى دول
شمال إفريقيا؛ إذ تساهم الجريمة المنظمة في المساس باألمن الصحي من خالل ما ينتج عن تجارة المخدرات من أضرار تحيق بحياة
الفرد وبصحته وبحياته وسلوكياته(15).
كما تساهم (الجريمة المنظمة) في نشر مختلف أنواع األمراض عن طريق المهاجرين غير الشرعيين ونقلهم لك ّل أنواع األمراض،
وبخاصة مرض السيدا ،والذي تمثّل إفريقيا أعلى النسب العالمية لحامليه ،إضافة إلى األمراض األخرى الفتاكة ،كالطاعون
أن هناك دوالً ،مثل
شح للزحف أكثر نحو المناطق الشمالية للقارة ،خصوصا ً ّ
والكوليرا ،وهذا االنتشار الواسع لهذه األمراض مر ّ
السنغال والنيجر ،يدخل مواطنوها التراب المغاربي بسرية دون الخضوع للرقابة الطبية(16).
ومن جانب آخر؛ ّ
فإن المخدرات تساهم في االنحطاط األخالقي والضعف العام للبنى االجتماعية ،وتزيد من االنقسامات داخل
ي بين تجارة المخدرات وبين تمويل ٌ
ومعرضة إياها للصراعات؛ فهنالك ارتباط قو ٌّ
ّ المجتمع؛ مهدّدة بذلك التجانس المجتمعي للدولة،
بعض النزاعات الداخلية وتجارة األسلحة.
ويتمثّل التأثير السلبي للجريمة المنظمة على الجانب األخالقي في نشر الفساد بين أفراد المجتمع ،وانتشار الرشوة ،وتفشي الممارسات
غير األخالقية ،وانهيار القيم الدينية واالجتماعية؛ ما يؤدي إلى هدم كيان األسرة وتفكيكها ،وضعف تماسك بنى المجتمع ،هذا بجانب
إهدار آلدمية اإلنسان وكرامته.
ٍ ما تسبّبه بعض أنشطة الجريمة المنظمة ،كتجارة الرقيق ،من
للجريمة المنظمة ت ّ ٌ
أثير واض ٌح على اقتصاديات دول الساحل اإلفريقي؛ بحكم ما تسبّبه عصابات الجريمة المنظمة على حركة األفراد
واألموال من تهديدات ،خصوصا ً في ظ ّل وجود أشكا ٍل مختلفة للجريمة االقتصادية وتنوع أساليب ارتكابها(17).
أن أغلب العمليات اإلجرامية تهدف إلى نشر الرعب والخوف في األوساط االجتماعية؛ فإن ذلك يدفع الحكومات إلى وبالنظر إلى ّ
ً
توجيه مخططات أكبر ألغراض األمن والدفاع؛ بدال عن توجيهها نحو أغراض أخرى تنموية بالدرجة األولى ،فعلى المستوى
االقتصادي تقوم عصابات الجريمة المنظمة بالسيطرة على قطاعٍ ما من االقتصاد أو على االقتصاد بأكمله ،وذلك بسبب ما تملكه من
مبالغ طائلة ،فضالً عن تأثيرها على بعض المسؤولين في القطاع الخاص ،واستغاللهم لتنفيذ جرائمها أو التغاضي عنها عن طريق
الرشوة أو االبتزاز.
بالتهرب الضريبي ،والتشجيع على المعامالت المشبوهة ،إضافة إلى عمليات غسيل األموال التي ّ كما تقوم عصابات الجريمة المنظمة
تقوم بها إلخفاء مصادر أموالها غير المشروعة؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى خسائر اقتصادية على مستوى األفراد والشركات،
وحتى على مستوى االقتصاد بأكمله( ,)18فهو يخفي من جه ٍة آثار العمل الجرمي ،ويم ّكِن من جه ٍة أخرى الفاعل من التمتع بثمار
عمله؛ فيكون بذلك عامالً مشجعا ً على استمرار الجريمة وازديادها وارتكاب المزيد من الفساد.
تساهم الجريمة المنظمة بشك ٍل كبير في زعزعة االستقرار السياسي للدول ،وذلك من خالل فقدان الثقة في العملية الديمقراطية ،وفشل
الحكومات في السيطرة على الجريمة ،ودور األخيرة في إفساد أجهزة الدولة عن طريق رشوة المسؤولين وأصحاب القرار السياسي
في الدولة وابتزازهم ،واختراق األحزاب والتنظيمات السياسية للوصول للسلطة والحفاظ على مصالحها؛ ما يؤدي في النهاية إلى
تشويه العملية الديمقراطية ،وسقوط األنظمة السياسية في هذه الدول.
تعرض المنظمات اإلجرامية سيادة الدول للخطر؛ فتنظيم المرور عبر حدود ك ّل دولة هو صفة أساسية من صفات سيادتها ،وهو كما ّ
ما تتجاوزه المنظمات اإلجرامية عبر الدول؛ حيث تجتاز بجرمها الحدود ،والدولة عاجزة عن التحكم في حدودها ومنع انتقال الجريمة
إلى أراضيها؛ وفي هذا تح ٍ ّد لسلطة الدولة وسيادتها ،بل لما يش ّكل جزءا ً جوهريا ً من مفهوم الدولة.
تقوض المجتمع المدني ،وتضيف درجة من االضطراب على الشؤون السياسية إن المنظمات اإلجرامية عبر الدول -بحكم طبيعتها ّ -ّ
المحلية ،وتتحدى األداء المعتاد للحكومة وسريان القانون ،وتش ّل سلطة الحكومة ،ولربما هيمنت على الحكومة نفسها وأصبح النفوذ
والسلطة بيدها ،فطوال الثمانينيات كانت الجريمة المنظمة في إيطاليا وكولومبيا على عالقات وثيقة باألحزاب السياسية الحاكمة
وتسللت إلى داخل الحكومة ،كما قامت بقتل رجال الشرطة والقضاة والسياسيين والموظفين العموميين(19).
تُع ّد مؤتمرات األمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين (التي تُعقد ك ّل خمس سنوات) من أهم المؤشرات على االهتمام الذي
توليه األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة ،ومن أبرز هذه المؤتمرات نذكر:
ب -مؤتمر األمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في كاراكاس عام 1980م :أكد ّ
أن الجرائم المرتكبة ض ّد
األشخاص والممتلكات ليست وحدها أخطر الجرائم وأشدها ضرراً ،فهناك أيضا ً ما يُعرف بإساءة استخدام السلطة ،أو الجرائم
االقتصادية التي تُع ّد من أخطر الجرائم.
ج -مؤتمر األمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في ميالنو عام 1985م :الذي أوصى بضرورة بذل الجهود
لمكافحة ظاهرة االتجار غير المشروع بالعقاقير المخدرة وإساءة استعمالها.
د -مؤتمر األمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بهافانا عام 1990م :دعا إلى اتخاذ إجراءات وطنية ودولية
ف ّعالة ضد الجريمة المنظمة والنشاطات اإلرهابية ،ووضع عددا ً من اإلجراءات الموضوعية لتعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة
الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية ،وذلك باعتماد المعاهدات النموذجية بشأن تسليم المجرمين وتبادل المساعدات في المسائل
الجنائية.
ذ -مؤتمر األمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد بالقاهرة في القاهرة عام 1995م :أكد انتشار ظاهرة الجريمة
المنظمة في مختلف أنحاء العالم ،ودعا إلى ضرورة وضع الخطط والسياسات ،وتوسيع التعاون والبحث في مجال الجريمة المنظمة
ومكافحتها بك ّل الوسائل.
هـ -مؤتمر األمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في فيينا عام 2000م :أشار إلى جسامة األخطار المترتبة
خاص الجريمة المنظمة بمختلف أشكالها.
ٍّ على ارتكاب الجرائم الخطيرة ذات الطبيعة العالمية ،وبشك ٍل
نوه إلى ّ
أن المدة التي عُقد خ -مؤتمر األمم المتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في بانكوك عام 2005مّ :
وأن األمن أصبح شاغالً رئيسا ً.
فيها المؤتمر شهدت تغيرات سريعة في صور اإلجرام العالميةّ ،
أقر بضرورة
و -مؤتمر األمم المتحدة الثاني عشر لمنع الجريمة المنظمة ومعاملة المجرمين المنعقد في السلفادور عام 2010مّ :
اتخاذ التدابير الجنائية الالزمة من أجل التصدي لتهريب المهاجرين واالتجار باألشخاص ،وغيرها من الجرائم المنظمة ،وتوثيق
التعاون الدولي في هذا المجال على ك ّل المستويات(20).
أن منظومة األمم المتحدة تحظى بطائفة عريضة من الخبرات التي يمكن أن تقدّمها إلى المجتمع الدولي وهو يصارع ومن الجلي ّ
التحديات المعقدة التي أوجدتها شبكات االتجار في منطقة الساحل ،ويقوم العديد من هيئات األمم المتحدة بالفعل بالعمل في المنطقة
بشأن موضوع شبكات االتجار ،مثل :مكتب األمم المتحدة لغرب إفريقيا ،ومكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة،
والمنظمة الدولية للهجرة ،ومفوضية األمم المتحدة لشؤون الالجئين(21).
المرحلة األولى :ما قبل تأسيس النيباد (أي الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا) :حيث ت ّم إدراج بعض المواد الخاصة بتعريف
تضر بأمن
ّ الجريمة واإلرهاب في المعاهدة ال ُمنشئة لمنظمة الوحدة اإلفريقية ،فمثالً حدّد الميثاق التأسيسي للمنظمة النشاطات التي
األفراد والجماعات وأدانها بشك ٍل صريح ،وذلك في المادة ( )05من الفصل ( ،)03حيث« :يدين بك ّل صراحة ك ّل أشكال االغتياالت
السياسية والنشاطات التخريبية من طرف دول مجاورة أو أي دولة أخرى».
وقد تعززت هذه المواقف فيما بعد بقمة داكار بالسنغال ،والتي قررت وضع آليات للوقاية من النزاعات وتسييرها بما يضمن حلها
بشك ٍل سلمي.
المرحلة الثانية :ما بعد النيباد :أفرزتها محدودية الترتيبات السابقة ،والنقائص التي شابت المؤسسات اإلقليمية التي اضطلعت بدور
تعزيز إجراءات األمن واالستقرار في القارة ،حيث اندلعت عد ٌد من الصراعات المسلحة ،وتفاقمت الجريمة المنظمة واإلرهاب في
شمال القارة وجنوبها.
ك ّل هذه المعطيات دفعت إلعادة النظر في التنظيمات القائمة لجعلها أكثر مرونة ،وكانت أول خطوة من القادة األفارقة إبدال منظمة
الوحدة اإلفريقية بمنظمة االتحاد اإلفريقي ،وذلك خالل اللقاء الوزاري في 2000/6/2م ،حيث اإلعالن الرسمي عن ميالد التنظيم
القديم الجديد خالل قمة «لومي» بتوغو بين 10و 12جويلية 2000م.
لم تستطع دول الساحل أن تتبنى سياسة متطورة ومتجانسة قائمة على العدل واحترام الحقوق والواجبات للجميع دون تمييز
وكنتيجة لهذا التصور الجديد الذي طرأ على العمل اإلفريقي المشترك ت ّم خالل الدورة 37الجتماع زعماء القادة األفارقة من خالل
االتحاد اإلفريقي طرح وثيقة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا NEPADفي جويلية 2001م ،حيث تم التأكيد في هذه الوثيقة على
ي ٍ لألمن والسلم واالستقرار السياسي واالجتماعي واالقتصادي ،وركزت المبادئ الجديدة التي
ب مركز ّتدعيم الحكم الرشيد كمطل ٍ
انبثقت عن المبادرة الجديدة على وضع اآلليات الالزمة والضرورية للوقاية من عدة مخاطر؛ أبرزها الجريمة المنظمة.
وتبذل بلدان الساحل جهودا ً لمكافحة الجريمة المنظمة ،إال أنها لم تحقّق سوى تقد ٍّم ضئي ٍل في تفكيك بعض شبكاتها ،فعلى الرغم من
ت كبيرةٍ من الخارج
الجهود الحالية التي تبذلها دول منطقة الساحل في إطار منظمة االتحاد اإلفريقي؛ فإنها ما لم تحصل على مساعدا ٍ
لن تتمكن من القضاء الفعلي على شبكات االتجار.
وفي خالل السنوات األخيرة قدّمت دو ٌل عديدة ٌ مساعدات ثنائية ،عسكرية ومالية وتقنية ،ويذكر هنا -على سبيل المثال -إعالن
واشنطن عن إجراء مناورات عسكرية بدولة مالي ،بمشاركة ك ٍّل من الواليات المتحدة األمريكية ودول المنطقة :تشاد ،ومالي،
وموريتانيا ،والمملكة المغربية ،والنيجر ،والسنغال ،وأخيرا ً نيجيريا(22).
كما نجد تقريرا ً لبعثة التقييم المعنية بتأثير األزمة الليبية على منطقة الساحل ،الذي قُدّم إلى مجلس األمن في كانون الثاني/يناير
2012م ،باإلضافة إلى التدابير الوارد تفصيلها في التقرير؛ ّ
فإن األمم المتحدة واالتحاد اإلفريقي والجماعة االقتصادية لدول غرب
إفريقيا؛ قامت جميعها باتخاذ خطوات لوضع ترتيبات للتنسيق بهدف تعزيز جهودها المبذولة للقضاء على االتجار غير المشروع.
وهناك على -وجه التحديد -خطة عمل لالستجابة اإلقليمية تابعة للجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا ،اعتمدها رؤساء الدول
والحكومات في أبوجا في كانون األول/ديسمبر 2008م ،والتي انتهت رسميا ً في كانون األول/ديسمبر 2011م ،وخطة عمل لالتحاد
اإلفريقي بشأن مراقبة المخدرات ومنع الجريمة (2007م – 2012م) ،ومبادرة ساحل غرب إفريقيا المشتركة بين األمم المتحدة
والجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا ،والتي يتم بموجبها تنسيق بناء القدرات في سيراليون ،وغينيا ،وغينيا – بيساو ،وكوت
ديفوار ،وليبيريا ،وهي تركز أساسا ً في إنشاء وحدات لمنع الجريمة عبر الوطنية في ك ّل بلد.
الخاتمة :
فإن التطور الواضح الذي شهدته شبكات االتجار على الرغم من الجهود التي تبذلها دول منطقة الساحل في مكافحة الجريمة المنظمة؛ ّ
في المنطقة يعكس مدى عجز الجهود المبذولة في مكافحة اإلجرام المنظم ،ويُعزى جز ٌء من المعضلة ،التي تكتنف تنظيم استجابة
فعّالة لهذه المشكلة ،إلى ضعف القدرة المؤسسية لدول المنطقة ،والتي تُع ّد من أش ّد المناطق حرمانا ً من المزايا في العالم.
ت أقوى منها ،وبأولويات أخرى ،وهو ما يتطلب فرض حلول لمجابهة هذا الخطر بأشخاص وشبكا ٍ
ٍ فكثيرا ً ما تواجه هذه الجهود
المتنامي ،وقد خلصت الدراسة إلى طرح مجموعة حلول للتصدي لخطر الجريمة المنظمة ،تتمثل في :
) 1إقامة أنظمة حكم ديمقراطية معبّرة عن اإلرادة الحرة للشعوب ،تحرص على سلطة القانون وتوفير الحريات للمواطنين ،وتحترم
حقوق اإلنسان ،ومؤسسات المجتمع المدني ،وتتفاعل معها باعتبارها شريكا ً حقيقيا ً في إدارة شؤون البالد وتنفيذ برامج التنمية.
) 2اعتماد التنمية المستدامة والحكم الصالح والديمقراطية في الساحل اإلفريقي ،فهي آليات ضرورية إلحداث التغيير داخل أنظمة
ي ٍ مع
مسار تكامل ّ
ٍ دول الساحل ،التي ستجد نفسها -إذا التزمت وطبقت آليات الحكم الراشد والتنمية المستدامة -مؤ َّهلة للدخول في
توفر إرادة سياسية ،وتشريعات ضامنة ومؤسسات وقضـاء مستقل ،التي تُع ّد ضمانا ً لممارسة الحكم الرشيد.
) 3ضرورة استعانة دول الساحل اإلفريقي يبعضها البعض على نح ٍو يت ّم فيه حشد الجهود والطاقات الوطنية والدولية جميعها لمواجهة
تحديات جرائم من نوعٍ جدي ٍد في األسلوب والقوة والنطاق.