You are on page 1of 13

‫خطة البحث‬

‫مقدمة‬
‫المبحث الوأل ‪ :‬النشأة وأالتسمية‬
‫المطلب الوأل‪ :‬المعتزلة‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الشاعرة‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أثر الفرق الكلمية في تأصيل البلغاة‬
‫المطلب الوأل ‪ :‬أثرهم على البلغاة وأ الدب‬ ‫‪‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬فلسفتهم وأ أثرها على التأصيل البلغاي‬ ‫‪‬‬
‫خاتمة‬
‫قائمة المراجع‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫علم الكلم هو علمم إثبات أو إقامة الدأللة على صحة وصدأق العقائدأ اليمانلية‪ ،‬ويختصر هذا العلم بالكلم‪.‬‬
‫عرفه عدأددأ من علماء الكلم على أنه العلم الذي يستطاع بواسطته إثبات العقائدأ الدأينلية‪ ،‬مكتسب ا مقدأرته تلك‬
‫من أدأللتها اليقينلية – القرآن والسنة – لرلدأ وردأع الشبهات إواقامة الحجج‪ .‬قام ابن خلدأون بتعريف علم الكلم‬
‫على أنه‪ " :‬علدم يتضلمن الحجاج عن العقائدأ اليمانلية بالدأللة العقللية‪ ،‬والرلدأ على المبتدأعة المنحرفين في‬
‫العتقادأات عن مذاهب السلف وأهل السنة‪ ،‬وسرر هذه العقائدأ اليمانلية هو التوحيدأ "‪ .‬أو يمكن تعريفه على‬
‫أنه العلم الذي يتلم من خلله إثبات العقائدأ الدأينلية عن طريق دأفع الشبهات من خلل إبراز الحجج‪.‬‬
‫ولقدأ اشتهرت العدأيدأ من الفرق الكلمية التي ساهمت في إثراء التاريخ العربي على المستوى الدأبي‪ ،‬و لقدأ‬
‫حاولنا من خلل بحثنا التعرف على الفرق الكلمية و أثرها الفكري و العلمي على تأصيل البلغاة ‪ ،‬وركزنا‬
‫في دأراستنا على فرقتي المعتزلة و الشاعرة لما لهما من ثقل على مستوى الدأب و الفلسفة و علم الكلم‪.‬‬
‫المطلب الوأل‪ :‬المعتزلة‪.‬‬
‫تعريف‪:‬‬
‫العتزال لغـة‪ ،‬من اعتزل الشيء وتعزله بمعنى تنحى عنه‪ ،‬وقوله تعالى‪  :‬و إوأإانن لونم تتنؤإمنـتوأا إلي‬
‫وفانعتوإزتلوأإن‪ (1)‬أرادأ ‪ :‬إن لم تؤمنوا بي فل تكونـوا علـي ول معي‪ ،‬واعتزلت القوم‪ ،‬أي فارقتهم وتنحيت عنهم)‪(2‬‬
‫‪.‬‬
‫وأأما اصطلحا ‪ " :‬اسم يطلق على أول مدأرسة كلمية واسعة ظهرت في السلم وأوجدأت الصول‬
‫العقلية للعقائدأ السلمية ")‪. (3‬‬
‫وقـدأ نشـأت المعتزلـة فـي البصرة في حدأودأ نهاية المائة الولى للهجرة في العصر الموي‪ ،‬ولكنها‬
‫ل‪ ،‬ولكن اختلف العلمـاء فـي وقـت ظهورها‪ ،‬فبعضهم‬
‫شغلت الفكـر السلمي في العصر العباسي زمنـ ا طويـ ا‬
‫يرى أنها ابتدأأت في قوم من أصحـاب علي‪ ‬اعتزلوا السياسـة‪ ،‬وانصرفوا إلى العقائدأ عندأما نزل الحسن عن‬
‫الخلفة لمعاوية بـن أبـي سفيـان‪ ،‬فاعتزلوا الحسن ومعاويـة رضي ال عنهما وجميع الناس‪ ،‬ولزموا منازلهم‬
‫ومساجدأهم‪ ،‬وقالوا نشتغل بالعلـم والعبادأة ‪ .‬والكثـرون علـى أن رأس المعتزلة هو واصل بن عطـاء الذي كـان‬
‫تلميذا للحسـن البصـري ثـم اعتزلـه بسبـب الحكم على مرتكـب الكبيـرة ‪.‬‬
‫وأما المعتزلة فيرون أن مذهبهم أقدأم في نشأته من واصل بن عطاء‪ ،‬فيعدأون من رجال مذهبهم‬
‫كثيرين من آل البيت)‪. (4‬‬
‫إن هـذا الدأعـاء مـن المعتزلـة يهدأف إلـى ترويـج مذهبهـم والدأعـوة لـه‪ ،‬ومـن المعلوم أن الذي أخـذ‬
‫ببعض آراء المعتزلـة هـو زيـدأ ابـن علـي الذي تأثـر ببعض أفكـار واصـل بـن عطـاء بسبب الصدأاقة التي كانت‬
‫بينهما‪ ،‬فل يعني ذلك أن أكثـر آل البيت ذهبـوا مذهـب المعتزلـة‪ ،‬كما ل يعني صحة مذهبهم ‪.‬‬
‫وأأما سبب تسميتهم بهذا السم فوتذكر عدة أقوأال ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنهم سموا بهذا السم؛ لن واصلا بن عطاء اعتزل مجلس أستاذه الحسن البصري حيث ذكر المام‬
‫البغدأادأي أن واصلا كان من تلميذ الحسن البصري وكان الناس يومئذ مختلفين في أصحاب الذنوب‬
‫من أمة السلم على فرق‪ ،‬فرقة تزعم أنه كافر‪ ،‬وأخرى يرجئون أصحاب الكبائر لعتقادأهم أنه ل يضر‬
‫مع اليمان ذنب‪ ،‬وكان علماء التابعين مع أكثر المة يقولون ‪ :‬إن صاحب الكبيرة من أمة السلم‬
‫مؤمن لما فيه من معرفة الرسل‪ ،‬والكتب المنزلة من ال تعالى‪ ،‬ولكنه فاسق بكبيرته‪ ،‬وفسقه ل يخرجه‬
‫عن اسم اليمان والسلم‪ ،‬ولكن خرج واصل عن اعتقادأ أهل السنة والجماعة‪ ،‬وزعم أن مرتكب الكبيرة‬
‫في هذه المة ل مؤمن ول كافر‪ ،‬بل هو في منزلة بين منزلتي الكفر واليمان‪ ،‬فلما سمع المام الحسن‬
‫)( سورة الدأخان ‪. 21 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( انظر ‪ :‬لسان العرب ‪ ،1/440‬تاج العروس ‪ ، 8/15‬القاموس المحيط ‪. 4/15‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( دأراسات في الفرق والعقائدأ ‪ ،‬ص ‪. 103‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( انظر ‪ :‬تاريخ المذاهب السلمية ‪ ،‬ص ‪. 124‬‬ ‫‪4‬‬


‫البصري من واصل بدأعته طردأه من مجلسه‪ ،‬فاعتزل عندأ سارية من سواري مسجدأ البصرة‪ ،‬فقال الناس‬
‫يومئذ اعتزل قول المة‪ ،‬وقال الحسن البصري اعتزلنا واصل‪ ،‬فمسمي أتباعه يومئذ معتزلة)‪. (1‬‬
‫‪ -2‬وقي ــل إنه ــم سمـ ـوا معتزل ــة؛ لنه ــم كانـ ـوا رجــالا أتقيــاء متقشــفين معرضي ــن ع ــن ملذ الحي ــاة الدأني ــا‪ ،‬وكلم ــة‬
‫معتزلـة تدأل على أن المتصفيـن بها زاهدأون في الدأنيا ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقيل إنهم سموا بذلك؛ لعتزالهم السياسة وانصرافهم إلى دأراسة العقائدأ ‪.‬‬
‫‪ -4‬وقيل إن لفظ معتزلة أطلقه قوم ممن أسلموا من اليهودأ؛ للمما رأوه من التشابه بين معتزلة اليهودأ ومعتزلة‬
‫السلم في تفسير كلهما التوراة والقرآن على مقتضى منطق الفلسفة وقولهم بأن أفعال العبادأ غاير‬
‫مخلوقة)‪. (2‬‬
‫ولكن القول الول هـو الراجح؛ لنـه يتفق مـع بدأايـة النشأة ول يمنع ذلك أن تكون القـوال الخـرى‬
‫مسانـدأة ومساعـدأة فـي انتشـار أفكار المعتزلة ‪.‬‬
‫وقدأ أطلق على المعتزلة اسم القدأرية؛ لنهم قالوا " بقدأرة الناس على أفعالهم وأنه ليس ل فيها تقدأير‬
‫")‪ . (3‬ولكن عارض المعتزلـة هـذا السم‪ ،‬واعتبروا أن خصومهم أحق بهذا السـم منهم لن الذي يثبت القـدأر‬
‫ل تعالى أحـق أن ينسـب إليـه اسـم القدأرية من نافيه‪ ،‬وقدأ وقع بين المعتزلـة والسلف مناظرات‪ ،‬وكل فريق‬
‫حاول أن يثبت أن اسم القدأريـة يلزم الخـر‪ ،‬وذلك لمـا وردأ عـن النبي ‪ ‬في ذم القدأرية‪ ،‬حيث قال‪ " :‬القدأريـة‬
‫مجوس هـذه المـة‪ ،‬إن مرضوا فل تعودأوهم‪ ،‬إوان ماتوا فل تشهدأوهم ")‪. (4‬‬
‫إوانما جعلهم مجوسا لمضاهات مذهبهم مذاهب المجوس في قولهم بالصلين النور والظلمة‪ ،‬حيث‬
‫يزعمون أن فعل الخير من فعل النور‪ ،‬والشر من فعل الظلمة وكذلك القدأرية يضيفون الخير إلى ال‪ ،‬والشر‬
‫إلى غايره‪ ،‬وال تعالى خالق الخير والشر ول يكون شيء منهما إل بمشيئته)‪. (5‬‬
‫وقدأ وقف القاضي عبدأ الجبار ينفي التهمة عن المعتزلة‪ ،‬ويلصقها بخصومه مطلق ا عليهم اسم‬
‫المجبرة فيقول‪ " :‬إن القدأرية عندأنا هم المجبرة والمشبهة‪ ،‬وعندأهم المعتزلـة‪ ،‬فنحن نرميهم بهذا اللفظ وهم‬
‫يرموننا … والذي يدأل على أنهم هم القدأرية … أن السم اسم ذم‪ ،‬فيجب أن يجري على من له مذهب مذموم‬
‫في القدأر وليس ذلك إل مذهب المجبرة‪ ،‬ومما يدأل على ذلك قول النبي‪ " : ‬القدأرية مجوس هذه المة … "‬
‫فشبه القدأرية بالمجوس على وجه ل يشاركهم فيه غايرهم‪ ،‬فبناء على ذلك ننظر إلى المذاهب التي تشبه‬
‫المجوس على هذا الحدأ‪ ،‬فليس ذلك إل مذهب هؤلء المجبرة فإنه يضاهي مذهب المجوس ")‪.(6‬‬

‫)( انظر ‪ :‬الفرق بين الفرق ‪ ،‬ص ‪ ، 118-117‬الملل والنحل ‪. 1/42‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( انظـر ‪ :‬تاريخ المذاهـب السـلمية ‪ ،‬ص ‪ ، 125-124‬دأراسات في الفرق والعقائدأ ‪ ،‬ص ‪. 109-108‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الملل والنحل ‪. 1/54‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( مسندأ المام أحمدأ ‪ ، 2/86‬جامع الصول ‪ ،130-10/129‬رقم ‪. 7602‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( انظر ‪ :‬عون المعبودأ شرح سنن أبي دأاوودأ ‪ ، 12/453‬الدأين الخالص ‪. 3/162‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( شرح الصول الخمسة للقاضي عبدأ الجبار ‪ ،‬ص ‪. 773-772‬‬ ‫‪6‬‬
‫وأما السلف فاعتبروا المعتزلة هم المجوس‪ ،‬وهو الحق لنهم نفوا تقدأير الشر دأون الخير من ال‬
‫تعالى‪ ،‬وجعلوا العبدأ خالقا لفعاله‪ ،‬فأثبتوا مع ال تعالى خالقا بل جعلوا العبادأ معه كلهم خالقين‪ ،‬ونفوا أن‬
‫يكون ال تعالى هو المتفردأ بالتصرف في ملكه‪ ،‬وهذا راجع إلى مذهب المجوس الثنوية الذين أثبتوا خالقين‬
‫خالق ا للخير وخالق ا للشر)‪. (1‬‬
‫وقدأ ردأ عليهم المام النووي بقوله " زعم بعض القدأريـة بأنهم ليسوا بقدأرية‪ ،‬بل الذين يثبتون القدأر هم‬
‫القدأرية لعتقادأهم إثبات القدأر وهذا تمويه من هؤلء الجهلـة؛ لن أهل الحق يفوضون أمورهم إلى ال سبحانـه‬
‫وتعالى‪ ،‬ويضيفون القدأر والفعال إلى ال سبحانـه وتعالى‪ ،‬وهؤلء يضيفونه إلـى أنفسهم‪ ،‬ومدأعى الشيء‬
‫لنفسـه ومضيفـه إليهـا أولى بأن ينسب إليـه ممن يعتقدأه لغيره وينفيه عن نفسه ")‪. (2‬‬
‫وقـدأ ذكـر المـام الشهرستاني أنه يطلق عليهم أسماء وألقاب أخرى فقال " ويسمون أصحاب العدأل‬
‫والتوحيدأ‪ ،‬ويلقبون بالقدأرية والعدألية ")‪. (3‬‬
‫لقدأ تأثر المعتزلة كثي ار بالفلسفة اليونانية‪ ،‬وأخذوا عنها كثي ار من آرائهم واستدأللتهم‪ ،‬فظهر ذلك في‬
‫أدألتهم‪ ،‬ومقدأمات أقيستهم الباطلة‪ ،‬حتى أن القارىء لكتبهم خاصة كتاب " المغني في أبواب التوحيدأ والعدأل "‬
‫وكتاب " شرح الصول الخمسة " للقاضي عبدأ الجبار؛ ل يكادأ يفرق بينها وبين كتب الفلسفة‪ ،‬حيث يق أر‬
‫ل‪ ،‬وهذا القليل ليس للستدألل‬
‫صفحات عدأيدأة دأون أن يعثر على آية قرآنية أو حدأيث نبوي شريف إل قلي ا‬
‫الحق‪ ،‬إوانما لتأويل المعنى‪ ،‬ليوافق ما ذهبوا إليه من آراء أو الدأفاع عنها ‪.‬‬
‫إن تأثـر المعتزلـة بالفلسفـة اليونانيـة‪ ،‬أدأى بهم إلى العتمادأ على العقل وتقدأيمـه على الشرع فـي‬
‫الستدألل لثبـات العقائدأ‪ ،‬حيث كانت ثقتهم بالعقل كبيرة جدأاا‪ ،‬فإذا عرضت عليهم مسألـة‪ ،‬عرضوها على‬
‫العقل‪ ،‬فإن قبلها أقروها‪ ،‬إوان لم يقبلها رفضوها‪ ،‬وهذا دأفعهم إلى أن يحكموا بحسن الشياء وقبحها على العقل‬
‫بل قالوا‪ " :‬إن المعارف كلها معقولة بالعقل‪ ،‬واجبة بنظر العقل‪ ،‬وشكر النعم واجب قبل ورودأ السمع‪ ،‬والحسن‬
‫والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبح ")‪. (4‬‬
‫إن اعتماد المعتزلة على العقل راجع إلى ‪:‬‬
‫‪ -1‬مقامهم في العراق وفارس حيث كانت تتجاوب فيها أصدأاء المدأنيات وحضارات قدأيمة ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن المعتزلة ينحدأرون في أصلهم من سللة غاير عربية؛ لن أكثرهم كانوا من الموالي ‪.‬‬
‫‪ -3‬تقبلهم لكثير من آراء الفلسفة القدأميين‪ ،‬على الرغام من مخالفتها لتعاليم السلم‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫اختلطهم بكثير من اليهودأ والنصارى‪ ،‬وغايرهم ممن حمل هذه الفكار وترجمها إلى العربية)‪. (5‬‬

‫)( انظر ‪ :‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ،1/154‬معارج القبول ‪. 1/337‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( صحيح مسلم بشرح النووي ‪ 1/154‬بتصرف ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الملل والنحل ‪. 1/39‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( تاريخ المذاهب السلمية ‪ ،1/130‬انظر ‪ :‬الملل والنحل ‪. 1/71‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( انظر ‪ :‬تاريخ المذاهب السلمية ‪. 130-1/129‬‬ ‫‪5‬‬


‫لم يكتف المعتزلة بإدأخال عنصر العقل في المعرفة الدأينية‪ ،‬بل قدأموه على النص‪ ،‬وأولوا المتشابه‬
‫من اليات القرآنية‪ ،‬ورفضوا الحادأيث التي يتعارض ظاهرها مع العقل‪ ،‬وتحرزوا في خبر الحادأ‪ ،‬وقالوا‬
‫بوجوب معرفة ال تعالى بالعقل‪ ،‬ولو لم يردأ شـرع بذلك‪ ،‬إواذا تعارض النص مـع العقل قدأمـوا العقل؛ لنه –‬
‫حسب نظرتهم – أصل النص‪ ،‬ول يتقدأم الفرع على الصل‪ ،‬فالعقل عندأ المعتزلة موجب وآمر وناه)‪. (1‬‬
‫وبالرغام من ذلك لم يغفلوا النصوص القرآنية‪ ،‬بل حاولوا أن يجدأوا لمذهبهم سندأا وبراهين منها‪ ،‬ولكن‬
‫حيثما وجدأوا تعارضا بين مقررات عقولهم ومفاهيمها الخاصة وبين أحكام اليات ومدألولتها الصريحة‪،‬‬
‫أخضعوا اليات للعقول وأولوها تأويلا خارجا عن حدأودأ قواعدأ اللغة التي نزل بها القرآن الكريم مما أدأى إلى‬
‫صرف النصوص عن مفاهيمها ومعانيها ‪.‬‬
‫لقدأ مرت المعتزلة بأحوال متعدأدأة بيـن النتشــار والضــعف ولكــن أكـثر فــترة انتشــر فيهــا العــتزال أثنــاء‬
‫الفتـرة البويهيـة وخاصة في فترة و ازرة الصاحب بن عبادأ التي اسـتمرت ثمانيـة عشـر عامـ ا ‪367‬هــ‪385-‬ه ـ فقـدأ‬
‫كان الصاحب بن عبادأ يجمع بين التشيع والعتزال‪ ،‬حيـث ورث العتزال عن أبيـه‪ ،‬كمـا تأثــر بشـيوخ المعتزلــة‬
‫حــتى تخــرج علي ــهم وصــار واحــدأا مــن ألمــع أســاتذتهم‪ ،‬وأخ ــذ يســتخدأم نفــوذه فــي نص ـرة العــتزال والتبشي ــر بــه‪،‬‬
‫فدأخل الناس فيه رغابة في المال وطمعـ ا فــي الجـاه‪ ،‬وهكـذا انتشــر مــذهب العــتزال فـي ظــل الدأولـة البويهيــة فـي‬
‫العراق وخراسان وماوراء النهر بعدأ الضعف الذي نزل به في عهدأ المتوكل ومن بعدأه)‪. (2‬‬
‫ولكــن المعتزلــة كمدأرســة فكريــة فقــدأ انقرضــت‪ ،‬وأمــا تعــاليمهم فقــدأ عاشــت فــي المــذاهب الكلميــة الــتي‬
‫خلفتها في الفكر السلمي ومن أسباب انقراضهم‪:‬‬
‫‪ - 1‬الغلــو والس ـراف فــي الســتدألل العقلــي أدأى بهــم إلــى تقــدأيم العقــل علــى النقــل‪ ،‬ممــا أبعــدأهم ع ــن منهــج‬
‫الســلف المعتمــدأ علــى الكتــاب والسنــة‪ ،‬وهكــذا انتهــى المــر بهــم إلــى أن " يصــوغاوا العقائــدأ الســلمية فــي‬
‫صيغ استوردأوها من الفلسـفة اليونانيـة والغريبـة عـن روح الســلم بـدألا مــن صوغاهــا وفــق طبيعــة الســلم‬
‫الخاصة المتميزة عـن غايرهـا ")‪. (3‬‬
‫‪ -2‬السياســة الخاطئــة القائمــة علــى العنــف والقــوة فــي فـرض آرائهــم ووجهــات نظرهــم العامــة ومـن ثـم لجـأوا إلـى‬
‫اضطهادأ وتعذيب من خـالفهم فـي المعتقــدأ مــن أهـل الســنة وخاصـة الـذين رفضـوا القـول بخلـق القـرآن‪ ،‬وقـدأ‬
‫تمكنـوا مــن تســخير أجهـزة الدأولــة خاصــة أيــام المــأمون والمعتصــم والواثــق‪ ،‬وذلــك بضــرب الخصــوم إوانـزال‬
‫المحنة بهم وخاصة بالمام أحمدأ بن حنبل إمام أهل السنة يومئذ)‪. (4‬‬
‫‪ -3‬وجــدأ كــثير مــن ذوي اللحــادأ فــي المعتزلــة عش ـ ا يفرخــون فيــه بمقاصــدأهم وآرائهــم ويلقــون فيــه دأســهم علــى‬
‫الســلم والمســلمين حــتى إذا ظهــرت أغا ارضــهم أقصــاهم المعتزلــة عنهــم كــابن الراونــدأي وأحمــدأ بــن خــابط‪،‬‬

‫)( انظر ‪ :‬في الفلسفة السلمية منهج وتطبيق ‪ :‬ابراهيم مدأكور ‪ ، 2/37‬الفرق الكلمية السلمية ‪ ،‬ص ‪. 203‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( انظر ‪ :‬دأراسات في الفرق والعقائدأ السلمية ‪ :‬دأ‪ .‬عرفان عبدأ الحميدأ ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 129‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( انظر ‪ :‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪. 129‬‬ ‫‪4‬‬


‫فهؤلء أظهروا آراء هدأامة‪ ،‬وكان منهم من التهم أنه مستأجر لليهودأ؛ لفسادأ عقيــدأة المســلمين فكــان انتمــاء‬
‫هؤلء في أول أمرهم سببا في التأثير على نشاطهم ووجودأهم)‪. (1‬‬

‫)( انظر ‪ :‬تاريخ المذاهب السلمية ‪ ،‬ص ‪. 135‬‬ ‫‪1‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬الشاعرة‬
‫للحدأيث عن نشأة الشاعرة وكيف ظهرت هذه الطائفة‪ ،‬لبدأ من الحــدأيث أولا عـن الظــروف والملبســات الــتي‬
‫أدأت إلى ظهور هذا المذهب على خشبة تاريخ الفرق السلمية‪ ،‬إذ أنها من أكــثر الفــرق الكلميــة انتشــا ار‬
‫إلــى يومنــا هــذا‪ ،‬رغاـم انــدأثار وانـدأراس كـثير مــن الفـرق القدأيمــة وللوقـوف علــى معــالم هـذه الطائفــة لبـدأ مـن‬
‫الوقوف على عوامل نشأتها وسنبدأأ من علم الكلم‪.‬‬
‫تعريف علم الكلم‪:‬‬
‫علم الكلم‪" :‬علم يقتدأر معه على إثبات العقائدأ الدأينية بإيرادأ الحجج ودأفع الشبه" ‪.‬‬
‫قال ابن خلدأون‪" :‬هو علم يتضمن الحجاج عن العقائدأ اليمانية بالدألة العقلية" ‪.‬‬
‫وعــرف أيض ـ ا بــأنه‪" :‬علــم يبحــث فيــه عــن ذات ال ـ تعــالى وصــفاته وأح ـوال الممكنــات مــن المبــدأأ والمعــادأ علــى‬
‫قانون السلم" ‪.‬‬
‫وكــذلك عرفــه طــاش كــبري زادأه‪ ،‬بــأنه "علــم يقتــدأر معــه علــى إثبــات الحقــائق الدأينيــة بــإيرادأ الحجــج عليهــا ودأفــع‬
‫الشبه عنها" ‪.‬‬
‫ومثله تعريف صدأيق خان‪" .‬انظر )أبجدأ العلوم( ‪."2/589‬‬
‫وعــرف أيضـ ا بــأنه‪" :‬بــاب مــن العتبــار فــي أصــول الــدأين يــدأور النظــر منــه علــى محــض العقــل فــي التحســين‪,‬‬
‫والتقبيح‪ ,‬والحالة‪ ,‬والتصحيح‪ ,‬واليجاب‪ ,‬والتجويز‪ ,‬والقتدأار‪ ,‬والتعدأيل‪ ,‬والتحــوير‪ ,‬والتوحيــدأ‪ ,‬والتفكيــر"‬
‫‪.‬‬
‫وسمي علم الكلم بهذا السم لعدأة أسباب منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن مســألة الكلم هــي مــن أشــهر مبــاحثه الــتي وقــع فيهــا ن ـزاع وجــدأل بيــن المتكلميــن‪ ،‬والمقص ـودأ مــن مســألة‬
‫الكلم هـي مسـألة خلـق القـرآن الـتي تبنتهـا المعتزلـة‪ ،‬ونفـوا صـفة الكلم عـن الـ تعـالى وأكـثروا فيهـا القيـل‬
‫والقال‪.‬‬
‫‪ -‬وقيــل لن العــادأة جــرت عنــدأ المتكلميــن البــاحثين فــي أصــول الــدأين أن يعنونـوا لبحــاثهم بــ"الكلم فــي كــذا‪...‬‬
‫إلخ"‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل لن الكلم والمجادألة والقيل‪ ،‬والقال قدأ كثر فيه وأصبح سمة لهله )‪. (6‬‬
‫نشأة علم الكلم‪:‬‬
‫مــن خلل اســتعراض كتــب العقيــدأة والفــرق الســلمية‪ ،‬يتضــح أن الكلم فــي العقيــدأة ظهــر فــي أواخــر عصــر‬
‫الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬ولم يكن بعدأ قدأ اتضحت معالمه‪ ،‬وأصبح هو الصل في تقرير العقيدأة‪ ،‬ولكــن‬
‫ضل الكلم في هذه الحقبة في بعض جوانب العقيدأة دأون البعض‪ ,‬وموافقــة أغالــب المتكلميــن لهــل الســنة‬
‫في سائر أبواب العقيدأة‪ ،‬حتى إذا اجتمعت هذه الصول التي تكلم فيها المتكلمون ولملم شتاتها ظهر علــم‬
‫الكلم ال ــذي يمث ــل الش ــق والط ــرف المخ ــالف له ــل الس ــنة ف ــي إثب ــات وتقري ــر العقائ ــدأ ابت ــدأاء عل ــى أي ــدأي‬
‫المعتزلة‪.‬‬
‫وأول ما يطلعنا في كتب العقائدأ والفرق‪ ،‬الكلم في القدأر‪.‬‬
‫تطوأر الظاهرة الكلمية‬
‫إن الظـ ـواهر المختلفــة ل تســتقر ول تــترعرع إل بعــدأ أن تمــر بم ارحــل مختلفــة‪ ،‬وأطـ ـوار عدأيــدأة متغيـ ـرة‪ ،‬وأزمــان‬
‫متباعدأة‪.‬‬
‫ولقـدأ انتقـل علـم الكلم بهـذه الم ارحـل‪ ،‬والطـوار جميعـا حـتى صـار ظـاهرة تحمـل العامـة علـى مقتضـاه‪ ،‬وتمثـل‬
‫هــذه المرحلــة منعطف ـا خطي ـ ار فــي عقيــدأة المــة‪ ،‬وذلــك لضــطلع الخلفــة الســلمية عليهــا‪ ،‬وهــو ســبق‬
‫خطير ليس له نظير قبله في تاريخ خلفاء المة‪ ،‬وكان ذلك في زمن المــأمون العباســي‪ ،‬وهــذه هــي مرحلــة‬
‫الستقرار الول لعلم الكلم‪.‬‬
‫يقــول الشهرســتاني‪" :‬ثــم طــالع بعــدأ ذلــك شــيوخ المعتزلــة كتــب الفلســفة حيــن نشــرت أيــام المــأمون‪ ،‬فخلطــت‬
‫مناهجهــا بمناهــج علــم الكلم‪ ،‬وأفردأتهــا فن ـا مــن فنــون العلــم‪ ،‬وســمتها علــم الكلم‪ ،‬إمــا لن أظهــر مســألة‬
‫تكلموا فيها وتقاتلوا عليها هي مسألة الكلم‪ ،‬فسمي النوع باسمها‪ ،‬إواما لمقابلتهم الفلسفة في تســميتهم فنـا‬
‫من فنون علمهم بالمنطق‪ ،‬والمنطق والكلم مترادأفان" ‪.‬‬
‫يقــول شــيخ الســلم – ملحظـ ا هــذا التطــور‪ :-‬فــي أواخــر عصــر التــابعين حــدأث ثلثــة أشــياء الـرأي‪ ،‬والكلم‪،‬‬
‫والتصوف‪ ،‬فكان جمهور الرأي في الكوفة‪ ،‬وكان جمهور الكلم والتصوف في البصرة‪.‬‬
‫ومر علم الكلم بمراحل مختلفة يمكن ذكرها فيما يلي‪:‬‬
‫المرحلة الوألى – وهي مرحلة قدأامى المتكلمين‪ ،‬كواصل بن عطــاء‪ ،‬وعمــرو بــن عبيــدأ‪ ،‬وأبــي الهــذيل العلف‪،‬‬
‫إوابراهيم النظام‪ ،‬وغايرهم‪.‬‬
‫وق ــدأ تمي ــزت ه ــذه المرحل ــة بالت ــأثر بالمص ــطلحات اليوناني ــة‪ ،‬وخاص ــة عن ــدأ المت ــأخرين منه ــم ك ــالعلف‪ ،‬حي ــث‬
‫ترجمت كتب الفلسفة اليونانية‪ ،‬وقدأ كانت المبـاحث الكلميـة فـي هـذه المرحلـة متنـاثرة حسـب موضـوعاتها‬
‫الــتي يتفــق الكلم فيهـا دأون وضـع قواعــدأ صـريحة لهـذا العلـم‪ ،‬كمــا خلــت هـذه المرحلــة مـن الســتعانة بعلــم‬
‫المنطق الرسطي‪.‬‬
‫المرحلة الثانية – وهي المرحلة التي دأخل فيها الشاعرة معترك الكلم في مقابل المعتزلة‪ ،‬وتعـدأ هـذه المرحلـة‬
‫أكثر تطو ارا‪ ،‬نظ ار لوضع قواعدأ علم الكلم ومقدأماته التي يحتاج إليها الدأارس مثل إثبات الجوهر – الف ـردأ‬
‫وغايره ‪.-‬‬
‫المرحلة الثالثــة – حيــث تتميــز هــذه المرحلــة بمناقشــة كلم الفلســفة إوادأخــال ذلــك فــي علــم الكلم كمــا تتميــز‬
‫أيضا باستعمال المنطق الرسطي في مقدأمات علم الكلم ودأراسة أدألته وبراهينه‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة – تتميـز بـالخلط بيـن مـذاهب الفلسـفة والكلم واشـتباه المـر فيهـا علـى الكـاتب والقـارئ جميعـاا‪.‬‬
‫ثم التقليدأ المحض لتلك الراء من غاير نظر في أصولها ‪.‬‬
‫وهناك أسباب كامنة وراء تفش الظاهرة الكلمية منها‪:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أثر الفرق الكلمية في تأصيل البلغاة‬

‫تقديم‪:‬‬
‫أنج ــب المعتزل ــة الك ــثير م ــن الكتلــاب والدأب ــاء والمصـ ـلنفين ال ــذين أغانـ ـوا الدأب العرب ــي م ــن الن ــاحيتين الكلملي ــة‬
‫والنوعيــة; فمــن الناحيــة الكميــة أســهم المعتزلــة فــي رفــدأ الدأب العربــي فــي عصــوره المختلفــة بالعدأيــدأ مــن‬
‫المؤلفات والمصلنفات في فروع المعرفة المختلفة‪ ،‬وفــي مقــدأمتها الدأ ارســات الكلميــة‪ ،‬والبيانيــة‪ ،‬والبلغايــة‪،‬‬
‫لدأبـاء ومتكلمـي المعتزلـة مـن دأور ضـخم فـي تطـوير فـلن‬ ‫والنقدأية‪ ،‬ومن الناحية النوعية ل يخفى مـا كـان ل م‬
‫الكتابة والنـثر‪ ،‬إواضـفاء اتجاهـات‪ ،‬وأسـاليب‪ ،‬وطوابـع جدأيـدأة عليـه‪ ،‬وفـي هـذا المجـال تتبـادأر إلـى الذهـان‬
‫أســماء لمعــة مــن رجــال المعتزلــة وأدأبــائهم مثــل الجــاحظ‪ ،‬وأبــي حيــان التوحيــدأي‪ ،‬والزمخشــري‪ ،‬وابــن أبــي‬
‫الحدأي ــدأ‪ ،‬بالض ــافة إل ــى رج ــال المعتزل ــة الوائ ــل أمث ــال واص ــل ب ــن عط ــاء‪ ،‬وعم ــرو ب ــن عبي ــدأ‪ ،‬والنظل ــام‬
‫والجلبائي‪ ،‬وبشر بن المعتمر‪ ،‬وأبي هذيل العلف‪ ،‬وعلي السواري…‪ .‬وغايرهم ملمن شــهدأ لهــم المؤرخــون‬
‫وعلماء الدأب واللغة ومعاصروهم بالفصاحة‪ ،‬والبلغاة‪ ،‬والتبلحر في علوم اللغة والدأب‪.‬‬
‫ولعلل الخدأمة الكبرى التي أســدأاها المعتزلـة إلــى البلغاـة العربيــة تتمثلـل فـي إضــفاء العمـق والتشـلعب مــن خلل‬
‫ذلــك المــزج ال ارئــع الــذي قــاموا بــه بيــن الســلوب الكلمــي والعقلــي والفلســفي فــي تنــاول وطــرح القضــايا‬
‫والموضوعات المختلفة‪ ،‬وبين النثر الدأبي بطابعه الفلني‪ ،‬كمانرى هذا التجاه بوضوح لدأى الجاحظ وأبي‬
‫حيان التوحيدأي‪ .‬يقول الدأكتور شوقي ضيف‪:‬‬
‫"أفــادأ المعتزلــة مــن الفلســفة أن نظلمــت عقــولهم تنظيم ـا دأقيق ـا وأن جعلتهــم يحســنون اســتنباط الراء وخصــائص‬
‫الشياء كما جعلتهم يقتدأرون على إيرادأ الحجج والبراهين وتشعيب المعاني وتفريعها…‪." .‬‬
‫المطلب الوأل ‪ :‬أثرهم على البلغاة وأ الدب‬
‫وهنــاك شــبه إجمــاع بيــن مــؤلرخي الدأب علــى أن علــم البيــان والبلغاــة إنمــا وضــعت أسســه‪ ،‬ونمــا وترعــرع فــي‬
‫مدأرس ــة المعتزل ــة الكلمي ــة‪ ،‬وال ــدأليل عل ــى ذل ــك أن الغالبي ــة العظم ــى م ــن الم ــبلرزين ف ــي ه ــذين العلمي ــن‪،‬‬
‫وواضعي المؤللفات والمصلنفات فيهما‪ ،‬ومشـليدأي أسســهما هـم مـن المعتزلــة كالجـاحظ فـي كتــابه الـذي شـادأ‬
‫بــه أســاس علــم البلغاــة )البيــان والتــبيين(‪ ،‬وقبلــه بشــر بــن المعتمــر المعــتزلي فــي صــحيفته الشــهيرة‪ ،‬وقــدأ‬
‫وصــفت هــذه الصــحيفة بأنهــا خيــر مــا أثــر عـن المعتزلــة فــي البلغاـة حــتى أواخــر القــرن الثــالث‪ ،‬وقــدأ نقلهــا‬
‫الجاحظ فـي كتـاب البيـان والتـبيين ‪ ،‬وصـاحب الصـناعتين ‪ ،‬ومن البلغاييـن المعتزلـة العتلـابي‪ ،‬والرلمـاني‪،‬‬
‫والزمخشــري صــاحب التفســير البلغاــي والدأبــي الشــهير )الكلشــاف(‪ ،‬وكتــاب "أســاس البلغاــة"‪ ،‬والقاضــي‬
‫صــص جــزاءا كــاملا مــن كتــابه "المغنــي فــي أب ـواب التوحيــدأ والعــدأل" لبحــث‬
‫عبــدأ الجبــار المعــتزلي الــذي خ ل‬
‫اعج ــاز وأسـ ـرار البلغا ــة القرآني ــة‪ ،‬وأب ــو حي ــان التوحي ــدأي ف ــي كت ــابه "المقابس ــات"‪ ،‬و"المت ــاع والمؤانس ــة"‬
‫ورسالته في علم الكتابة‪.‬‬
‫ومــن الســهامات الخــرى للمعتزلــة فــي إغانــاء الناحيــة الشــكلية مــن الدأب العربــي ابتكــارهم لموضــوعات أدأبليــة‬
‫جدأيدأة كالدأب الساخر والمتهلكم‪ ،‬وطرح الموضوعات العلمية والفلسفية في كتاباتهم كالحدأيث عن الشيء‬
‫ونقيضه‪ ،‬ووصف الحقائق والمفاهيم المعنوية‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬فلسفتهم وأ أثرها على التأصيل البلغاي‬
‫وقــدأ عــرف المعتزلــة أيضـ ـ ا بمقــدأرتهم الفــذة علــى الجــدأل وخروجهــم منتصـ ـرين منــه فــي أغالــب الحــالت نتيجــة‬
‫لثقــافتهم العقليــة والمنطقيــة الواســعة‪ ،‬وتملرســهم فــي قواعــدأ وأســاليب الجــدأل الــتي اقتبســوها مــن اليونــانيين‬
‫بالدأرجة الولى‪ ،‬بالضافة إلى ماكان يتميز به زعماؤهم من ذكاء وحضور بدأيهة‪.‬‬
‫وفي باب الوصف كان المعتزلة من أمهر الدأباء والناثرين في تقــدأيم أوصــاف دأقيقــة مســتوعبة لجميــع تفاصــيل‬
‫الموضــوعات‪ ،‬سـ ـواء كــانت مادأليــة محسوســة أم معنويــة مجـ ـلردأة‪ ،‬كمــا رأينــا ذلــك لــدأى الجــاحظ‪ ،‬والنظلــام‪،‬‬
‫وثمامة بن الشـرس‪ ،‬وأبـي حليـان التوحيـدأي وغايرهـم‪ ،‬وذكرنـا أن الخصـائص الـتي نجـدأها فـي وصـفهم مـن‬
‫صـي‬
‫دألقة وشمولية إنما هي أثر مـن آثـار المـذهب العـتزالي الـذي يـدأعو صـاحبه إلـى التألمـل والتـدأقيق وتق ل‬
‫الشياء والظواهر المحيطة به‪.‬‬
‫والمعتزلة بلسطوا الموضوعات العلمية والفلسفية المعلقدأة والشـائكة‪ ،‬وقـلدأموها إلـى عالمـة الجمهـور بأسـلوب سـهل‬
‫مبلســط جـلذاب يتمليــز بالطــابع الدأبــي والفلنــي فــي الطــرح والتنــاول كمــا نلحــظ فــي مؤلفــات الجــاحظ‪ ،‬وأبــي‬
‫حليان التوحيدأي‪ ،‬وذكرنا أن هذه الخصوصية )أي إخضاع الموضــوعات العلميـة للســلوب الدأبـي( تمثـلـل‬
‫إحـ ــدأى الخـ ــدأمات الكـ ــبرى الـ ــتي قـ ـلدأمها المعتزلـ ــة إلـ ــى الدأب العربـ ــي بعـ ــدأ أن كـ ــان النـ ــثر مقصـ ــو ار علـ ــى‬
‫الموضوعات والغاراض التقليدأية‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫لقدأ أثر علم الكلم على العلوم العربية لما يحمله من زخــم معرفــي كــبير ‪ ،‬واشــتهر روادأ هــذا العلــم‬
‫العربي الصل و النشأة بقدأراتهم العالية على التحكم باللغة لما يحملـونه مــن ثقافـات تاريخيــة‬
‫و علميــة و أدأبيــة‪ ،‬أدأى هــذا إلــى وقــع أثرهــم علــى الدأب عامــة ثــم علــى البلغاــة الــتي تــأثرت‬
‫بمذاهبهم العقائدأية و طرقهم اللسانية‪ ،‬لن اللغة هــي نتــاج للفكـرة و الفــرق الكلميــة أبــدأعوا و‬
‫أنتجــو أفكــا ار مســت بالقــالب اللغــوي و البلغاــي للغــة العربيــة فكــان لهــم نصــيب مــن الصــالة‬
‫اللغوية و البلغاية على حدأ سواء‪.‬‬

You might also like