Professional Documents
Culture Documents
قبلة وشرقا ،وحد المغرب من الجوف البحر الشامي وهو بحر اإلسكندرية وهو المتفرغ في بحر الزقاق من جزيرة
طريف وعالمته صنم قادس ،وحد المغرب من الغرب البحر المحيط المسمى االبالية ،وصار المغرب كالجزيرة
دخل فيه بعض أعمال مصر وأفريقية كلها والزاب والقيروان والسوس األدنى والسوس األقصى وبالد الحبشة ومنه
5
يتفرع نيل مصر.
إ ن هذه الفضاء الشاسع اإلفريقي يمثل المغرب اإلسالمية وإن إسبانيا في الواقع الجغرافي والمناخي ليست إال جزءا من
أفريقية .6
سكان المغرب قبل الفتح اإلسالمي: -1
عاش بالمغرب قبل الفتح اإلسالمي ثالثة أنماط من السكان ،لكل منها سماته ومميزاته ،هي:
-الروم :وهم الطبقة الحاكمة للشريط الساحلي للمغرب؛ إذ لم تمكنهم طبيعة البالد وصعوبة الحياة بها من التوغل إلى
داخلها ،فضال عن بغض القبائل لسلطة المستعمرين ،واستقر بعض هؤالء الروم هناك واشتغلوا بالتجارة وزرعوا
األرض ،إلى جانب عملهم باإلدارة الحكومية.
-األفارقة :وهم خليط من بقايا األمم التي احتلت بالد المغرب من الرومان والوندال وغيرهم ،وهم ليسوا من البربر،
ولكنهم انصهروا في حياتهم الجديدة بمدن المغرب واستقروا بها ،واختلطوا بالمتحضرين من البربر ،ولم تكن تجمعهم
بأهالي البالد إال الحياة المشتركة ،المرتبطة بأسباب المعيشة.
1كتاب :الموسوعة الموجزة في التاريخ اإلسالمي الصفحة 255نقال عن :موسوعة سفير للتاريخ اإلسالمي
- 2أي البحر األبيض المتوسط
- 3شهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري الدرعي الجعفري السالوي (المتوفى1315 :هـ)) االستقصا ألخبار
دول المغرب األقصى ،تحقيق :جعفر الناصري /محمد الناصري ،دار الكتاب -الدار البيضاء.
4أي البحر األحمر
2ابن عذاري المراكش))))ي ،أبو عبد هللا محمد بن محمد (المتوفى :نحو 695هـ))))))))))) ،البيان المغرب في أخبار األندلس والمغرب،
تحقيق ومراجعة :ج .س .كوالنِ ،إ .ليفي بروفنسال ،دار الثقافة ،بيروت – لبنان ،الطبعة الثالثة 1983 ،م
6هشام جعيْط ،تاسيس الغرب اإلسالمي الصفحة /دار الطليعة للنشر بيروت لبنان ،ص.8 :
2
-البربر :وهم الغالبية العظمى من سكان بالد المغرب؛ وأصحاب البالد األصليون ،وقد تصدوا للفتح اإلسالمي -في
أول األمر -ثم لم يلبثوا أن ساندوه ،بعد أن اختلطوا بالمسلمين وعرفوا الدعوة اإلسالمية ومبادئها السامية ،فأقبلوا على
7
اإلسالم وآمنوا به ،وحملوا رايته إلى «األندلس»؛ مبشرين به ومدافعين عنه.
المغرب قبل الفتح اإلسالمي: -2
تعرض إقليم المغرب قبل الفتح اإلسالمي لموجات من الغزو الرومانى والوندالي والبيزنطى ،وعاشت المنطقة في ظل
سلطة أجنبية حاولت صبغها بحضارتها وأسلوبها في الحياة.
-الحكم الرومانى للمغرب :وبدأ أول اتصال بين المغرب والرومان حينما استولى الرومان على «إفريقية» فى سنة
( 146ق .م).
-الحكم الوندالى للمغرب :خلف الوندا ُل الرومانَ في احتالل بالد المغرب سنة (429هـ) ،ولم يكونوا أهل حضارة بل
كانوا شعبًا همجيا ،عُرف بوحشيته وقسوته ،فاهتم حكامه بفرض الضرائب التي أثقلت كاهل المغربيين وجمعها ،فضال
خرب القائد الوندالى «جنعديك» القالع والحصون في المدن المغربية باستثناء «قرطاجنة» العاصمة ،حتى عن ذلك فقد َّ
آثارا حضارية بالمغرب ،وكان ال يتحصن بها البربر ويشقوا عصا الطاعة على الوندال ،ومن ثَم لم يُخلف الوندال ً
حكمهم بمثابة سحابة سوداء جثمت قرنًا من الزمان على أرض المغرب.
-الحكم البيزنطي للمغرب :قامت اإلمبراطورية البيزنطية على أنقاض اإلمبراطورية الرومانية ،فاستعاد البيزنطيون
الحكم في بالد المغرب سنة (533م) ،واهتموا بالعمارة وأنشؤوا القصور والكنائس ...
ولقد كان تمركز هذه اإلدارات األجنبية بقواتها في منطقة الساحل ،وحرصها على التحكم في أهالي هذه األرض،
واالستفادة من خيراتها دليل على أهميتها وقوة شعبها ومهارته في المقاومة رغم الهجمات من هنا وهناك.
بداية الفتح اإلسالمي للمغرب: -3
من الطبيعي أن يبدأ الفتح اإلسالمي لبالد المغرب بـ «برقة» و «طرابلس» باعتبارهما االمتداد الجغرافي الطبيعي
للمنطقة ،وذلك رغبة من الفاتحين المسلمين في تخليص هذه الشعوب من قبضة المستعمرين ،وإتاحة الفرصة أمامها
8
لتعرف الدين اإلسالمي وتدخل فيه.
وتدخل حركة الفتح ضمن انطالقة اإلسالم التي قوضت الدولة الساسانية وجردت الدولة البيزنطية وريثة روما في
توجهها اإلمبراطوري من والياتها الشرقية ،والتي ظلت متمسكة بقوتها ومحافظة على وجودها على الرغم من خسارتها،
ورغم تطويقها والتهديد الذي لحقها مما سيجعلها تتحمل لقرون الضغط العربي الذي أرضخها ،إال أنه لم يقض عليها
تماما.9
3
برقة ،وطرابلس ولم يلق فيهما عناء كبيرا فاستسلمتا للقائد المسلم دون قتال ،ووافقت على شروطه ،ودخل بعض أبنائها
في اإلسالم ،وارتضى آخرون دفع الجزية مقابل االحتفاظ بعقيدتهم .10وكان أغلب سكان مدينة برقة من قبيلة «لواته»
البترية .فلما اطمأن عمرو إلى استقرار األوضاع ببرقة قسم قواته إلى جزئين ،وخرج على رأس أحدهما نحو طرابلس،
مقصورا على الشريط الساحلي فحسب ،ولكي ً وبعث بالجزء الثاني إلى زويلة والواحات الداخلية ،حتى ال يكون الفتح
يأمن الهجوم عليه من الخلف وقد دل عمرو بن العاص بذلك على براعة عسكرية وخبرة بفنون القيادة ومعرفة بأحوال
المنطقة وطبيعتها .11غير أنه فى سنة 646م ،اضطر إلى العودة لإلسكندرية السترجاع ها من أيد البيزنطيين الذين
طرد جيشهم اإلمبراطوري بقيادة مانويل بعد أن هزمه.
كانت طرابلس مدينة حصينة ذات أسوار عالية فحاصرها فترة ثم تمكن من فتحها بعد صدام لم يطل مع القوة البيزنطية
الموجودة بالمدينة ،ولم يمكث عمرو طويال بعد أن تم له فتحها ،حيث سارع بإرسال جزء من جيشه إلى مدينة «سبرت»
لمفاجأتها قبل أن تستعد لمالقاته ،وفوجئ أهلها بالمسلمين على أبواب مدينتهم ،فسقطت دون عناء ،وكان يمكن لعمرو
بن العاص أن يمضي في مسيرته ليفتح إفريقية ،لكنه لم يكن ليفعل ذلك دون استئذان الخليفة عمر بن الخطاب ،فبعث
إليه برسالة جاء فيها« :إن هللا قد فتح علينا طرابلس ،وليس بينها وبين إفريقية إال تسعة أيام ،فإن رأى أمير المؤمنين أن
يغزوها ،ويفتحها هللا على يديه فعل» .ولكن الخليفة رفض رغبة عمرو بن العاص ،فتوقف الفتح ورجع عمرو بن
العاص إلى مصر قبل منتصف سنة (23هـ 644/م) ،بعد أن م َّهد الطريق لمن سيأتي بعده ،12وفى هذه الفترة الذي
امتدت خمس سنوات (من 21إلى 26هـ) كان النشاط العسكري مكثفا في مصر وعلى الساحل الليبي ،ولم يتم التأكد
من االستيالء على مصر إال عام 646م.13
-فترة القائد عبد هللا بن سعد بن أبى سرح في خالفة عثمان رضي هللا عنه :وهو أحد صحابة رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم -أسلم قبل الفتح اإلسالمي بمكة ،وتولى إمارة مصر سنة 25هـ 646/م ،خلفًا لعمرو بن العاص ،فأخذ
يبعث السرايا لإلغارة على أطراف إفريقية ،ولكنه شعر أن هذه السرايا لم تعد كافية لتأمين الحدود الغربية لمصر ،فبعث
إلى الخليفة عثمان بن عفان يستأذنه في الخروج على رأس حملة عسكرية تجاه إفريقية لتأمين مصر والمسلمين من
الخطر البيزنطى المسيطر على إفريقية ،فوافق الخليفة على طلبه وأمده بجيش كبير ،ضم نخبة من الصحابة والتابعين
بقيادة الحرث بن الحكم ،فلما وصل مصر انضم إلى قوات عبدهللا بن أبى سرح فصارت نحو عشرين ألفًا ،وانطلق بها
إلى إفريقية التي كانت تحت حكم القائد البيزنطى جريجوريوس المعروف باسم «جرجير» في المصادر العربية .استعد
هذا القائد لمالقاة المسلمين ،وتحصن في مدينة «سبيطلة» ،وعسكر المسلمون في بلدة «قمونية» التي تبعد بضعة أميال
عن مدينة «سبيطلة» ،ثم بدأت المفاوضات بين الطرفين ،وعرض المسلمون شروطهم كما أمر اإلسالم ،ولكن
المفاوضات فشلت ،وفشل معها الحل السلمي ،وبدأت المناوشات العسكرية بين الطرفين ،وتمكنوا في النهاية بعد أن
جاءهم المدد من المدينة من فتح مدينة «سبيطلة» سنة 28هـ وقتلوا القائد البيزنطى « ُجرجير» ،وتمكنوا من االستيالء
على المعاقل وا لحصون ،وجمعوا مغانم كثيرة ،وكان من المتوقع بعد هذا النصر العظيم أن يواصل المسلمون زحفهم
صوب «المغرب األوسط» ،إال أن عبد ا هلل بن أبى سرح قرر فجأة العودة بجنده إلى مصر ،مكتفيا بما حقق من "
غارات " ،وما حصل عليه من غنيمة ،خاصة أن المسلمين لم تكن لهم قاعدة عسكرية قريبة يلجؤون إليها عند الحاجة.
وباختصار فإن عدم االستعداد لالستقرار في هذه األرض من قبل العرب ووجود صعوبة في القضاء نهائيا على النظام
الدفاعي البيزنطي ،والتمزقات الداخلية في الجيش العربي ،كل هذه العوامل أدت إلى توقف تمدد الحملة مدة تقارب
4
عشرين سنة خاصة بعد نشوب االضطرابات في مركز الخالفة ،والتي أدت إلى استشهاد الخليفة عثمان .14إال أن عملية
ابن أبى سرح ،وإن كانت بمثابة الغارة ،إال أنها شكلت بذرة مهمة في مشروع الفتح اإلسالمي لبالد المغرب . 15
-فترة القائد معاوية بن حديج :أدرك معاوية بن أبى سفيان أهمية إفريقية من الناحية االقتصادية ،ودورها المؤثر في
البحر المتوسط ،فضال عن موقعها المجاور لمصر اإلسالمية ،وأهمية مواصلة التوسع اإلسالمي فأرسل معاوية بن
حديج على رأس جيش لمتابعة الجهاد في إفريقية ،فخرج إليها سنة (45هـ666/م) ،والتقى بالبيزنطيين عند
« قمونية» ،ودار قتال مرير بينهما أسفر عن انتصار كبير للمسلمين ،وقتل كثير من البيزنطيين ،ثم مضى المسلمون
نحو « جلوالء» واستولوا عليها بعد قتال شديد .وقد مكنت مرحلة االستطالع هذه من االحتكاك المباشر بالبربر على
أرض المغرب ،ومعرفة أحوال هذه البالد ،مما كان له أثر في دخول بعض سكان المنطقة من البربر اإلسالم 16.وقد
أعادت عودة الجيش بقيادة بن حديج األوضاع إلى ما كانت عليه أيام 649م ،ومكنت من االستالء على بالد مزاق.
-والية عقبة بن نافع األولى :ويتفق المؤرخون على أن بداية والية عقبة بن نافع الفهري تمثل مرحلة جديدة من
مراحل الجهاد اإلسالمي في منطقة المغرب ،وكان اختياره موفقا إلى حد بعيد ،ونابعا من قناعة تامة بأنه هو القائد
الجديد رجل المستقبل في مرحلة انتهت بها حرب االستكشاف والسرايا العادية لتبدأ مرحلة ذوي الكفاءات العسكرية
17
من الفرسان الموهوبين؛ مرحلة الفتح الثابت المستقر.
تولى عقبة بن نافع إمرة الجيش في سنة (50هـ 670/م) بعد تجربة طويلة في ميدان الحرب ولم تكن هذه هي المرة
األولى التي يتوجه فيها إلى إفريقية؛ إذ إنه اشترك من قبل في حملة عمرو بن العاص على برقة ،وتولى فتح المناطق
الداخلية بها ،وأقام فيها فترة ،ونشر اإلسالم بين سكانها ،فأكسبه ذلك خبرة ومعرفة بأوضاع البالد وحالة سكانها،
وقد تأكد لعقبة بن نافع أن فتح إفريقية وبقية المغرب ال يثبت إال بأمرين أولهما :إنشاء مركز للمسلمين تعسكر فيه
جيوشهم ،ويأمنون فيه على أموالهم ونسائهم وذراريهم ،ومنه يخرجون للغزو ،بدال من العودة في كل مرة إلى
"فسطاط" مصر ،وثانيهما :غزو البربر أنفسهم ،والتوغل في قلب بالدهم ،وإدراكهم في منازلهم في الهضاب
والجبال والصحراء ،بدال من االكتفاء بغزو مدائن الساحل ثم العود إلى الفسطاط؛ ألن المسلمين ال يكادون ينصرفون
عن هذه البالد حتى تعود األمور إلى ما كانت عليه ،التصال هذه المناطق عن طريق البحر بالبيزنطيين ،تتلقى منهم
اإلمدادات ،وكانوا -كما وصفهم عقبة نفسه " : -إذا دخل عليهم أمير أطاعوا ،وأظهر بعضهم اإلسالم ،فإذا عاد
األمير عنهم نكثوا ،وارتد من أسلم".18
وقبل ذلك انطلق عقبة على رأس قواته التي بلغت عشرة آالف مقاتل إلى إفريقية ،متخذ ًا الطريق الداخلي ،ومبتعد ًا
عن الطريق الساحلي؛ لكثرة القالع والحصون البيزنطية على الساحل ،ولرغبته في استخدام عنصر المفاجأة مع
سكان الواحات 19،لتحقيق نصر سريع فتحقق له ما أراد ،واستولى على كثير من المدن والقالع والحصون مثل:
« ودن» ،و « جرمة» و«قصور فزان» ،و « خادار» ،و «غدامس» ،كما استولى على مدينتي « قنصه»
14الموسوعة الموجزة في التاريخ اإلسالمي نقال عن :موسوعة سفير للتاريخ اإلسالمي ،ج ،3ص.8 :
15هشام جعيط ،مرجع سابق ،ص.15 :
16عبد العزيز غوردو ،الفتح اإلسالمي لبالد المغرب ،ص19 :
17طه عبد المقصود عبد الحميد أبو عُبيَّة ،موجز عن الفتوحات اإلسالمية ،دار النشر للجامعات – القاهرة.
18ابن عذارى البيان المغرب ،19 /1ابن األثير ،الكامل ،320 /3حس))))))ين مؤنس :فتح العرب للمغرب ،ص ،133:دراس))))))ات
أندلسية للدكتور محمد عبد الحميد عيسى ،ص.22 :
17راجع :فتح العرب للمغرب ،لحسين مؤنس ،ص.139 :
5
و«قصطيلية» .وذكر أن البربر لشدة ما أصابهم من الرعب اعتنقوا اإلسالم ،ويفسر ذلك قوة الرجل وصرامته
وسطوته ،20وبعد أن تم له ما أراد من فتح رأى عقبة أن أفضل طريقة لتثبيت الفتح اإلسالمي في هذه المنطقة هو
ً
مركز ا ألعمال الفتح القادمة ،فوقع اختياره على مكان مدينة بناء مدينة يسكنها الناس تصبح قاعدة عسكرية ،وتكون
القيروان ،وكان واديًا كثير الشجر ،تأوي إليه السباع والوحوش والهوام ،فأعده هو و َم ن معه من المسلمين وبنى به
ودار ا لإلمارة ،ثم بنى الناس دورهم حول المسجد ،وظلت عمليات البناء هذه مستمرة حتى سنة ً مسجد ًا
(55هـ675/م) ،وتجل َّت عبقرية عقبة في حسن اختياره لمكان المدينة؛ إذ توافر فيه البعد الكافي عن شواطئ البحر
المتوسط ،ليأمن المسلمون غارات األسطول البيزنطي المتكررة ،والقرب من قبائل البربر ووسط معاقلهم ،وه ي
خطوة عملية في سبيل اجتذابهم إلى الدين اإلسالمي ،واندماجهم مع العرب الفاتحين ،يضاف إلى ذلك أن موقع
القيروان كان على الطرق الموصلة إلى مصر ،وبذلك ضمن عقبة سالمة خطوط إمداده من مصر ،وقد علق
المستشرق الفرنس "كودل" " "CAUDELعلى ذلك بقوله" :وكان اختيار المكان موفقا ،بل بلغ من التوفيق في
اختياره أن والة المغرب ومن خلفهم من الحكام المستقلين أقاموا بها زمنا طويال ،ولم ينتقلوا عنها إال حينما
اضطرتهم ظروف سياسية جديدة إلى ذلك ،كما كان موقعها الحربي ملحوظ األهمية ،إذ كان الحاكم الذي يتخذ هذا
الموضع مركزا ل عملياته يستطيع أن يرى العدو من بعيد ،ويتحرز من الغارات المفاجئة الكثيرة الحدوث عند البربر،
وإذا أراد أن يطاردهم إلى هضابهم وجد الطريق مفتوحة أمامه ، 21 "...وقد كانت مدة إعداد المعسكر الجديد 4
سنوات مما شغل عقبة عن أي عمل آخر من أعمال الفتوحات ،22ويمكن هنا أن نورد مالحظتين أساسيتين هما :أن
عقبة بن نافع بإنشائه قاعدة يحكم فيها البالد التي تفتتح وتصدر منها الغزوات قد جعل "إفريقية" والية إسالمية
جديدة ،ألنه ما دام قد أنشأ بها مسجدا ودارا لإلمارة فقد أصبحت المنطقة كلها جزءا من الدولة اإلسالمية ،وال يجوز
بعد ذلك للمسلمين أن يتخلوا عنها ،وبالفعل كان من الممكن -قبل ذلك -أن ينسحبوا من "إفريقية" إلى "برقة" أو إلى
مصر كما كانوا يفعلون ،وكما أفادت هذه المدينة حركة الفتوح إفادة كبرى من الناحية العسكرية فقد أفادت أيضا في
العمل على نشر اإلسالم والعروبة في المغرب ،وقد زاد هذا األمر أهمية أن الكثيرين البربر الذين أسلموا أخذوا
ينتظمون في جيوش المسلمين ،ويسيرون معهم إلتمام فتح البالد ،23غير أن عقبة لم يستمر ليجني ثمـرة جهوده ،إذ
تم عزله ،وتولى أبو المهاجر دينار إمارة الجيوش ووالية المغرب بدال منه .
-والية أبي المهاجر دينار (62-55هـ681-674 /م) :بينما كان عقبة يتخذ األهبة للخروج للغزو الواسع النطاق -بعد
أن أتم تأسيس "نقطة االرتكاز" -إذا معاوية بن أبي سفيان "الخليفة" يفاجئه بالعزل سنة 55هـ674 /م .وكان من
المتوقع بعد أن قام عقبة بهذا العمل المجيد أن تكافئه الدولة بأن تتركه في واليته ليتم ما بدأه ،إال أنه -بدال من ذلك-
تلقى أمرا بعزله عن "إفريقية" وإحالل أب ي المهاجر دينار محله ،وتوجه إلى دمشق.24
لقد كان أبو المهاجر الرجل األمثل ليحل محل القائد السابق وإن كانت ميزة اضمحالل الشهرة من أكثر مميزاته،
وبغض النظر عن شهرة الرجل بالنسبة إلى سلفه ،نجد أن بعض الباحثين المعاصرين أرجع التفوق فى الفتح إلى
أبي المهاجر -على حساب عقبة -مقلبا األدوار بذلك .25لقد اختار القائد الجديد النزول بقرية صغيرة على بعد ميلين
6
من القيروان ،تعرف بـ "تكرور" أو "تكروان" رغبة في التقليل من أهمية العاصمة الجديدة ،وإيجاد بديل عنها،
وبل وحث الناس على تعمير الموضع الجديد.
لقد اختلف القائدان في سياستهما وطباعهما اللينة من جانب والعنيفة من الجانب اآلخر لكنهما استوطنتهما نية واحدة
متمثلة في استقرار متين بإفريقية وتوسيع الفتح ليشمل كامل المغرب.
كانت عين أبي المهاجر على تلمسان التي فتحها وأسر قائدها ،كما استطاع في سنة 59هـ ،أن يغزو مواقع "أوربة"
في جبال "األوراس" ،وأن يكتسب رئيسها كسيلة" إلى اإلسالم ،فأسلم وتبعه نفر كبير من قومه .وبعد أن قضى أبو
المهاجر في هذا الغزو نحو من سنتين (61-59هـ) عاد إلى معسكره ،وأقام به عاما واحدا حتى عزل.26
-والية عقبة بن نافع الثانية :عاد عقبة إلى المغرب ثانية سنة (62هـ682/م) ،بقرار من الخليفة يزيد بن معاوية بن
أبى سفيان ،وقد اختلفت واليته الثانية عن سابقتها؛ ف بينما تميزت واليته األولى ببعض األعمال العسكرية الداخلية
في إقليم الواحات ،وقضاء الشطر األكبر منها في تأسيس مدينة « القيروان» وتعميرها ،نراه في العودة يقوم بغزوة
كبرى ،يصل فيها إلى شواطئ المحيط األطلسي ،حيث بدأ حملة كبرى تختلف عن كل الحمالت السابقة ،وساح في
كل صحراوات المغربين -األوسط واألقصى -حتى وصل إلى سواحل "السوس األقصى" على البحر المحيط..
وقد انطلق عبر الطريق الداخلي بعيد ًا عن الساحل ،ودخل في معارك عنيفة مع الروم حتى أجبرهم على الفرار،
وتمكن من فتح أمنع حصونهم مثل « :لميس» ،و « باغاية» ،ثم فتح «أذنة» قاعدة «الزاب» ،واستولى على مغانم
كثيرة ،بعد معارك ضارية مع أهلها ،ثم اتخذ طريق الساحل ليطرق أبواب « المغرب األقصى» ،وتم له ذلك ،فكان
أول فاتح عربي تطأ قدماه هذا اإلقليم ،فبادر «بطنجة» أهم مدن اإلقليم ،فأسرع حاكمها «يليان» ،وقدم له فروض
الطاعة مع كثير من الهدايا والتحف ،وانطلق « عقبة» عقب ذلك إلى مدينة « وليلى» ومنها إلى بالد «درعة» و
« السوس» والتقى هناك مع جموع البربر في معركة حامية ،تمكن من هزيمتهم ،وواصل مسيرته حتى بلغ المحيط.27
واستمر في مغامرته الكبرى حتى وطئت جيوشه أرض السوس األقصى ،وانتهى إلى جنوب المدينة الحالية
المعروفة باسم "أكادير" ،وتقع على مصب وادي السوس الذي يصب في المحيط .وهناك وقع المشهد التاريخي
الشهير الذي حدثتنا عنه كتب التاريخ ،وهو مشهد عقبة يدخل بفرسه في مياه المحيط األطلسي حتى وصل الماء إلى
تالبيبه ،ويشهد هللا على أنه وصل براية اإلسالم إلى آخر المعمورة ،ويقول" :يا رب لوال أن البحر منعني لمضيت
28
في البالد إلى مسلك ذي القرنين ،مدافعا عن دينك ،مقاتال من كفر بك.
وفى ظل هذا النصر وعزم عقبة بن نافع الرجوع واتخذه طريقا نحو "طنجة" لكي يعود إلى "المغرب األوسط"
وبعد أن أرسل غالبية جنوده نحو القيروان ولم يبق معه سوى خمسة ءاالف باغته كسيلة بن لم زم مرتدا ،وهو القائد
البربري الذي أسلم على يد أبي المهاجر دينار ،وهو فى قلة من قومه فقاتله مع جند عظيم من البربر وأستشهد عقبة
وقد كانت تلك الوقعة سنة( 63هـ -أو 64هـ682-681 /م) .29ودخل «كسيلة» زعيم البربر مدينة « القيروان» ،
فانتهت بذلك المرحلة الثانية من مراحل الفتح .بقي أن نقول إن هذ المجاهد الكبير -عقبة بن نافع -يعتبر بحق من
أعظم قادة الفتح اإلسالمي ،وواحدا من أكبر بناء الدولة اإلسالمية ،وال يقارن في هذا المجال إال بالقائد الكبير "قتيبة
بن مسلم الباهلي" الذي تولى مهمة الفتوح في الجناح الشرقي لدولة اإلسالم ،وإليه يرجع الفضل في التغلب على
مقاومة الترك الوثنيين وفتح بالدهم لإلسالم ،والوصول به إلى "كاشغر" في إقليم "سنكيانج" في غرب الصين
27وراجع :تاريخ المس))))لمين في المغرب واألندلس ،لدكتور /طه عبد المقص))))ود عبد الحميد "ص" "73-72ط دار طيبة لإلنتاج
والتوزيع -القاهرة 2000م".
28البيان المغرب " ،"27 /1وراجع :الكامل البن األثير " ."451 /3والعبر البن خلدون "107 /6
29البيان المغرب " ."29 ،28 /1وراجع :فتوح مصر والمغرب البن عبد الحكم ص" ،"198الكامل البن األثير "."452 /3
7
الحالية .وكان "عقبة" و"قتيبة" متعاصرين ،واحد منهما وصل بحدود دولة اإلسالم إلى أقصاها غربا ،والثاني
وصل بها إلى أقصاها شرقا .30
-زهير بن قيس :تولى عبد الملك بن مروان الخالفة بدمشق في سنة (65هـ 685/م) ،فواجهته المشاكل والثورات
العديدة ،ولكن ذلك لم يمنعه من التفكير في أوضاع إفريقية ،وضرورة استعادة نفوذ المسلمين بها ،واستشار من
حوله في ذلك ،واستقر الرأي على ضرورة تجهيز حملة جديدة ،بعد يقينه من إتمام وحدة المسلمين وقام بالعزم على
إرسال زهير بن قيس؛ ل معرفته بطبيعة المنطقة وأحوال الناس هناك ،وكان ذلك ما بين 71 /70هـ ،فأرسل الخليفة
بذلك إلى «زهير» ببرقة ،وأمده بما تحتاج إليه هذه الحملة ،وحشد إليه وجوه العرب ،ووفر له المال الالزم .رتب
زهير أموره ،وخرج للقاء كسيلة وجموع البربر والروم ،فعلم كسيلة بتحركات زهير وفضَّل الخروج لمالقاته خارج
معسكر ا لجنوده،
ً القيروان ،خشية أن ينضم المسلمون المقيمون بها إلى جيش زهير ،واختار منطقة «ممس» لتكون
لوفرة المياه بها وقربها من الجبال ،التي يمكن االحتماء بها ،أو الهروب إليها إذا ما حلَّت الهزيمة بجنوده .وصل
زهير على رأس قواته إلى القيروان ،واستراح خارجها عدة أيام عبأ فيها قواته ،وتجهز للمعركة ،ثم انطلق للقاء
كسيلة وجموعه من البربر والروم عند «ممس» ،ودارت بين الفريقين معركة حامية؛ حمى فيها الوطيس ،وكثر
عدد القتلى من الفريقين ،ولكن المسلمين صمدوا ،وتمكنوا من قتل كسيلة ،فدبَّ الضعف والوهن في جموع البربر
كبير ا ،وتتبعوهم حتى فروا من أرض المعركة؛ً والروم ،وتكاثر عليهم المسلمون من كل مكان ،وقتلوا منهم عدد ًا
يجرون وراءهم أذيال الهزيمة المنكرة.
انتهز الروم فرصة رحيل الجيش اإلسالمي من برقة إلى القيروان ،وقرروا مباغتة مدينة برقة ،مستعينين ببعض
قطع أسطولهم الراسية على شواطئ صقلية ،وانطلقوا بها صوب برقة ،فلم تستطع المدينة مقاومتهم وسقطت بين
أيديهم ،فألحقوا بها الدمار ،وبلغت هذه األنباء المؤلمة مسامع زهير فأسرع بمن معه من الجنود -وكانوا قلة -لنجدة
المدينة ،ولكن الروم كانوا كثرة ،فخرجوا عليه وعلى جنوده من كل مكان ،وأسفر ذلك عن هزيمة المسلمين
واستشهاد زهير.
وإذا نظرنا إلى أحوال "إفريقية" عقب استشهاد زهير بن قيس في الفترة من (69هـ688 /م" إلى "73هـ692 /م) -
بإيجاز -نجد أن السيطرة عادت لبعض البيزنطية على أجزاء من الساحل اإلفريقي ،وخاصة في "قرطاجنة" ،كما
أن قبيلة "أوربة" -البرنسية التي كان كسيلة األوربي يتزعمها -بدأت في التقهقر عن مركز الصدارة في جبال
"األوراس" ،تاركة المجال لقبيلة أخرى شديدة المراس تدعى "جراوة" -من قبائل البربر "البتر" -وتقودها امرأة
لقبها العرب بالكاهنة ،واسمها "داهيا بنت ماتية" ،وكانت على جانب كبير من المهارة والقدرة ،وتمكنت من تجميع
قبائل جبال "األوراس" تحت إمرتها ،حتى أصبح "جميع من بإفريقية من الروم منها خائفي ن وجميع البربر لها
مطيعي ن" حسب تعبير المؤرخين.31
-حسان بن النعمان :بعد أن استعاد المسلمون وحدتهم سنة 73هـ تحت لواء المروانيين وأصبحوا قادرين على
استئناف التوسع ،أراد عبد الملك التفكير في حل مشكل إفريقية وكلف حسان بن النعمان بذلك فكون له جيشا قوامه
طه عبد المقصود عبد الحميد أبو عُبيَّة ،موجز عن الفتوحات اإلسالمية ،دار النشر للجامعات – القاهرة ،ص76 : 30
8
40000ألف جندي مشكال بذلك أعظم جيش إسالمي دخل إفريقية 76هـ ، 32وكان هدفه القضاء على القوة البيزنطية
التي تشكلت من جديد فهاجم قرطاج عاصمة والية إفريقية الرومانية وبعد حصارها ــ على األرجح ـــ دخلها
بمقتضى اتفاق ،ففر الموظفون وأصحاب اإلدارة إلى صقلية وإسبانيا وتفرق من بقي في األرياف المجاورة ،وبمجرد
خروجه منها رجعوا إليها في حصن ومنعة فعاد وحاصرها وأقتلع األسوار وهدم الحصون ،بعد ذلك اشتد غليان
البربر وقاموا بانتفاضة كبيرة ضد العرب ،وحاولوا جمع أمرهم على الكاهنة ،التي كانت قد تمكنت بادعاءاتها
وكهانتها من السيطرة على معظم قبائل البربر ،وبسطت نفوذها عليهم ،واتخذت هي وأعوانها من جبل «أوراس»
معقال ً وحصنًا.
توجه إليها حسان بجيوشه والتقى معها عند وادي "مسكيانه" .ورغم ما تقوله النصوص التاريخية من أن الجيش
اإلسالمي كان في أعلى الوادي ،أي في مركز استراتيجي جيد ،وأن جموع البربر كانت في أسفله فإن القتال المرير
انتهى بهزيمة حسان هزيمة منكرة أدت إلى ضياع كل إفريقية وراتداد المسلمين إلى حدود مدينة قابس ،وقد تأخر
وصول المدد من الخليفة لمدة تصل إلى خمس سنوات ،وقيل :ثالث سنوات -بعد أن كتب إليه حسا ن بما جرى-
وهي مدة طويلة جعلت الكاهنة صاحبة الشأن في تصريف شئون إفريقية .وقد عاد حسان إلى الكاهنة بعد أن وصله
المدد من الخليفة مكتسبا خبرة عالية بالمنطقة ،والتقى بجيشها ،وتمكن من هزيمتها وقتلها ،واقتحم جبال األوراس
عنوة ،33وكان من ثمرات هذا النصر المبين أن سارع كثير من البربر يطلبون األمان ويعلنون اإلسالم والطاعة،
وبهذا يكون حسان بن النعمان قد أتم فتح "إفريقية" و"المغرب األوسط" ،ورأى أن عليه -قبل أن يسترسل في إكمال
األعمال العسكرية -أن ينظم هذه البالد الواسعة التي دانت بعد ما يقرب من ستين عاما ،منذ أن بدأ عمرو بن العاص
فتحها سنة 21هـ642 /م؛ فقام ببعض األعمال اإلنشائية واإلدارية المهمة ،كان لها األثر البعيد في بالد المغرب،
وتثبيت اإلسالم فيها إلى آخر الدهر ،ومن ذلك ،أنه اهتم بعمران مدينة "القيروان" على نحو جعلها تتسع لجموع
العرب والمسلمين التي سكنتها حتى أصبحت المدينة جديرة بمركزها كعاصمة للبالد بدال من "قرطاجنة" ،كما أنه
جدد مسجدها وأحسن بناءه ،وأقام في المدينة يوجه منها شؤون البالد ويدير أحوالها .وقد عمرها المسلمون حتى
انتشر فيها العمران ،واتسعت رقعتها .34كما قام بتعمير مدينة ترشيش التي تبعد نحو ( )12ميال شرقى قرطاجنة،
دار ا لصناعة
لتكون ميناء عربيا إسالميا ،بدال من «قرطاجنة» البيزنطية التي تم هدمها في المعارك ،ثم أنشأ بها ً
السفن ،ليكفل حماية شواطئ المغرب اإلسالمية من تطلعات البيزنطيين وغاراتهم ،واتبع « حسان» سياسة جديدة
في إدارة شؤون هذه البالد ،ووضع األسس التي تجعل من المغرب والية عربية؛ تعتمد على مواردها ،دون االعتماد
على غيرها في شيء.
-موسى بن نصير :وقد تولى والية المغرب بعد خروج حسان (703 /84م) ،وفي هذا الوقت كانت قد ظهرت بعض
الحركات المقاومة في البر وقنصلية ،ولكن موسى بن نصير قضى عليها بسرعة .35فأخذ موسى الخارجين من
زغوان ،ثم سجوم فكانتا آخر انتفاضات إفريقية القديمة .وتوجه لالستيالء على الموريطانيات ،وتمكن من ذلك،
لتخضع بالد المغرب في عهده بشكل لسيطرة العرب بعد أكثر من نصف قرن من المقاومة الشرسة.
خاتمة:
قد ال نكاد نجد عن طالئع الفتوحات العربية اإلسالمية في المغرب األقصى ووقائعها من مصادر مردها إلى العربية
سوى نزر يسير من النصوص المتأخرة وفى بعض األحيان تكون متضاربة .لذلك ما زالت تحوم فوق تفاصيلها شكوك
كثيرة ،ولكن ما تجمع عليه النصوص هو أن الفتح العربي للمغرب األقصى كلف زمنا طويال وجهدا بشريا وماليا
عظيما ،وقد مر بمراحل وفترات اختلفت بحسب الظرف والحكم ،ومنعة السلطة ،وطموح القادة ،ولقد كان كأي عمل
بشري يتعقبه اإلخفاق والنجاح ،متوزعا بين الجهد العسكري والمالي والبشري ،ولقد دفعت بالد المغرب غاليا ثمن
9
مقاومتها إلى أن استسلمت لغالبها ،وإذا كان التأريخ الغربي لم يهتم إال بالموت المفاجئ للحضارة الرومانية البيزنطية،
إال أن ما يبدوا لنا جديرا باالهتمام هي المقاومة الشرسة الفوضوية البطولية التي طبعت البربر وبوسائل بدائية.
10