You are on page 1of 29

‫جامعة المنصورة‬

‫كلية الحقوق‬
‫الدراسات العليا‬
‫دبلوم القانون العام‬

‫بحث بعنوان‬
‫( الشروع )‬

‫تحت اشراف‬
‫االستاذ الدكتور‬
‫احمد شوقي عمر ابو خطوة‬
‫استاذ القانون الجنائي‬
‫كلية الحقوق – جامعة المنصورة‬

‫اعداد الباحث‬
‫محمود سالم ابراهيم بدوي‬
‫‪2023_2022‬‬
‫‪1‬‬
‫خطة البحث‬
‫المقدمة‬
‫المبحث االول ‪ :‬ماهية الشروع‬
‫المطلب االول تعريف الشروع‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مراحل الشروع وانواعه‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الفرق بين الشروع و جرائم التعريض للخطر‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اركان الشروع في الجريمة‬
‫المطلب االول ‪ :‬الركن المادي ( البدء في تنفيذ الجريمة )‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الركن المعنوي ( قصد ارتكاب جناية او جنحة )‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬عدم اتمام الجريمة لسبب خارج عن ارادة الجاني‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬العقاب علي الشروع‬
‫المطلب االول ‪ :‬عقوبة الشروع في الجريمة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الجريمة المستحيلة وعقابها‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬عقوبة الشروع في جريمة القتل‬
‫الخاتمة‬
‫المراجع‬
‫الفهرس‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬

‫الشروع بوجه عام نموذج خاص لجريمة تتخلف نتيجتها‪ ،‬أو سلوك غير مفض إلى النهاية التي كان الجاني‬
‫يسعى إلى بلوغها‪ ،‬متى كان عدم تحقق تلك النتيجة راجعا ً إلى سبب غير إرادي‪ .‬فالجاني في هذا النموذج‬
‫قطع شوطا ً ملموسا ً على طريق إتمام الجريمة‪ ،‬ولكن ذلك اإلتمام لم يحدث لسبب خارج عن إرادته‪ :‬فمن‬
‫يطلق رصاصة على الغير بقصد قتله فتطيش رصاصته‪ ،‬أو التصيبه إال بأذى طفيف‪ ،‬أو يضع أخر يده على‬
‫سالحه فيمنعه من إطالق الرصاصة‪ ،‬يعد قد استوفى بنشاطه نموذج الشروع في الجريمة المستهدفة أصالً‬
‫والتي حال دون تمامها عامل بعيد عن إرادة الجاني لواله لتحققت النتيجة‪.‬‬

‫وقد عرفت المادة ‪ 45‬من قانون العقوبات الشروع بأنه «‪....‬البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة‬
‫إذا أوقف أو خاب أثره ألسباب ال دخل إلرادة الفاعل فيها‪ .‬وال يعتبر شروعا ً في الجناية أو الجنحة مجرد‬
‫العزم على ارتكابها وال األعمال التحضيرية لذلك ‪».‬‬

‫نطاق الشروع‬
‫إذا كان الشروع على النحو السابق جريمة خاصة ناقصة النتيجة التي كان الجاني يسعى إليها بسبب خارج‬
‫عن إرادته‪ ،‬فإن ذلك يغطي في تطبيقات الشروع ثالثة فروض أساسية يجمع بينها عدم إفضاء نشاط الجاني‬
‫إلى نتيجة يمكن إلقاء تبعتها عليه قانوناً‪:‬الفرض األول‪ :‬عدم إفضاء نشاط الجاني بالمرة إلى النتيجة اإلجرامية‬
‫المقصودة وال إلى أي نتيجة إجرامية أخرى أقل جسامة‪ ،‬كإطالق رصاصة على شخص دون أن يصاب من‬
‫جرائها بأذى‪ .‬والفرض الثاني‪ :‬تتحقق فيه بعد نشاط الجاني ذات النتيجة اإلجرامية التي كان يسعى إليها دون‬
‫أن يمكن قانونا ً نسبتها إلى فعله‪ ،‬النقطاع عالقة السببية بينهما؛ فثمة في هذا الفرض تحقق مادي للنتيجة‬
‫النهائية المقصودة دون أن تعتبر الجريمة تامة في مواجهة الجاني‪ ،‬ألن النتيجة تُسند سببيا ً إلى عامل آخر‪.‬‬
‫ومن ذلك إطالق«أ» رصاصة تجاه«ب» بقصد قتله وإصابة هذا األخير بجرح بسيط يذهب على أثره إلى‬
‫المستشفى لتلقي اإلسعافات األولية حيث يتوفى على أثر تلقي عالج خاطئ‪ .‬الفرض الثالث في الشروع‪ ،‬هو‬
‫تخلف النتيجة النهائية المقصودة مع تحقق نتيجة أقل جسامة على أثر نشاط الجاني‪ ،‬ومن ذلك إطالق‬
‫رصاصة على المجني عليه تصيبه وال تقتله‪ ،‬فاإلصابة ذاتها تعد نتيجة إجرامية(أقل جسامة من الوفاة) في‬
‫جريمة الجرح العمد‪ ،‬ولكن هذه النتيجة تذوب وتستغرق في نموذج قانوني أوسع هو الشروع في القتل‪ ،‬وعنه‬
‫وحده يُسأل الجاني دون الجرح العمد‪.‬إن التشريعات الجنائية المعاصرة تحتفظ أساسا بفكرة الواقعة اإلجرامية‬
‫و تقيم فلسفة قانون العقوبات عليها دون أن تهمل قيمة العوامل الشخصية في تحديد النموذج التشريعي‬
‫للجريمة في تقدير العقوبة‪.‬‬
‫لذلك يعاقب القانون على األفعال المادية التي تتطابق مع نص التجريم و التي تكون ماديات الجريمة فالقانون‬
‫ال يعاقب على النوايا مهما كانت إجرامية دون أن يعبر عنها بفعل مادي ملموس ينتج أثره في العالم الخارجي‬
‫فالجريمة هي االعتداء الذي يصدر من الجاني ضد المجني عليه مخلفا له نتيجة ضارة و على ذلك نالحظ أن‬
‫عناصر الركن المادي للجريمة المادية هي السلوك أو الفعل اإلجرامي و النتيجة اإلجرامية المتحققة و أخيرا‬
‫العالقة التي تربط بين الفعل و النتيجة و تدعى العالقة السببية و إذا تم و استنفذ الجاني كل نشاطه و أفعاله‬

‫‪3‬‬
‫فإنه يرجو و ينتظر تحقق النتيجة فإذا تحققت تمت الجريمة و إذا لم تتحقق تبقى الجريمة ناقصة و بذلك‬
‫فالنتيجة هي األثر المادي الذي يتحقق‪.‬‬
‫فالجرائم المادية هي التي تتحقق فيها النتيجة اإلجرامية و يتحقق الضرر للمجني عليه لكن في بعض األحيان‬
‫ينفذ الجاني كل نشاطه اإلجرامي لكن يتعذر عليه تحقيق النتيجة اإلجرامية هنا تكون النتيجة القانونية أي‬
‫الضرر لم يلحق بالمجني عليه و إنما اعتدى عليه و على مصالحه التي يحميها القانون و هذا ما يطلق‬
‫بالشروع‪ ،‬و خذا األخير يعتبر ركن مادي من أركان الجريمة و بما أن القانون يحمي المصالح و يعاقب على‬
‫الجرائم التي تلحق أضرار بالمصالح فكذلك يعاقب على محاوالت االعتداء عليها ألنه من المحتمل أن تصير‬
‫هذه المحاوالت حقيقية‪.‬‬
‫وعليه فإن الشروع هو مجرد مرحلة يبدأ فيها الجاني في تنفيذ نشاطه اإلجرامي ولكنه ال يحقق النتيجة‬
‫والقانون يعاقب على النتيجة التي تتحقق وتسبب الضرر للمجني عليه‪ ،‬فما حكم الشروع ؟ هل يعاقب عليه ؟‬
‫وإن كان خناك عقـــاب فهل هو بنـفس عقـــــوبات الجريمة التامة ؟‬
‫موضوع البحث‪:‬‬
‫تهدف هذه الدراسة للحديث عن الشروع في الجريمة وأحكام الشروع‪ ،‬ونطاق تطبيقه وأركانه‪ ،‬وعقوبته‬
‫وبيان موقف التشريعات من الشروع وأحكام القضاء منه‪.‬‬
‫أهمية البحث‪:‬‬
‫تكمن أهمية البحث في بيان الجزاء الذي يقرره قانون العقوبات الفلسطيني بشكل خاص والتشريعات الجزائية‬
‫العربية بشكل عام‪ ،‬علي كل من يرتكب السلوك اإلجرامي سواء تحققت النتيجة اإلجرامية أم لم تتحقق‪ ،‬ألن‬
‫في كلتا الحالتين هناك اعتداء وسلوك إجرامي حدث فعالً‪.‬‬
‫ويعتبر الشروع في الجريمة من القواعد الموضوعية التي نظمها قانون العقوبات الفلسطيني ونص بشكل‬
‫صريح علي الجزاء‪ ،‬والهدف من تطبيق هذا الجزاء علي المخالفين وهو تحقيق الردع الخاص والعام‪.‬‬
‫تساؤالت البحث‪:‬‬
‫يثير بحثنا هذا ويجب علي العديد من التساؤالت منها– ‪:‬‬
‫‪1-‬ماهية الشروع وأنواعه ؟‬
‫‪2-‬ماهية أركان الشروع ؟‬
‫‪3-‬هل العقاب علي الشروع مثل العقاب علي الجريمة الكاملة ؟‬
‫‪4-‬ما هو نطاق الشروع ؟‬
‫‪5-‬هل يتوافر شروع في جميع أنواع الجرائم ؟‬
‫‪6-‬ما هو العقاب علي الشروع أو المحاولة اإلجرامية ؟‬

‫‪4‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫اإلنسان كائن مزدوج في طبيعته خلق من مادة وروح‪ .‬وأودع فيه نوعان من القوى‪ ،‬نوع تأخذ بيده إلى الخير‬
‫وأخرى تدفعه إلى الشر وهذه الحقيقة ذكرها القرآن الكريم { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد‬
‫افلح من زكاها وقد خاب من دساها }‪ .‬نتج عن ذلك أن كان لإلنسان نوعان من السلوك‪ ،‬ما يتفق مع األخالق‬
‫والقانون والنظام وما يختلف عنها‪ .‬وغالبا ما يمر كال النوعين بمرحلتين‪ :‬مرحلة داخلية نفسية ال عالقة لها‬
‫بالمادة وأخرى خارجية وذات طبيعة مادية تتحسسها الحواس‪ .‬وكثيرا ما تسبق المرحلة النفسية المرحلة‬
‫المادية فال يقوم اإلنسان بتنفيذ عمل إال بعد التصميم على القيام به‪ .‬وتسبق كال المرحلتين مرحلة تمهيدية فال‬
‫يصمم اإلنسان على عمل شيء إال بعد التفكير به مليا‪ ،‬وال يقوم بتنفيذه إال بعد التمهيد لهذا التنفيذ والوصول‬
‫إلى مبتغاه‪.‬‬
‫فالسلوك بشكل عام هو مجموعة األفعال الداخلية ( الذهنية ) والخارجية ( المادية ) والتي بواسطتها يحقق‬
‫اإلنسان ما يريد خيرا ً فخير وإن شرا ً فشر‪ .‬فمن يريد إقامة ملجئ لأليتام‪ ،‬البد أن يفكر في الموضوع مليا‪،‬‬
‫موازنا بين حسناته وسيئاته فإذا ما رجحت الحسنات ينتقل إلى مرحلة أخرى أكثر أهمية أال وهي مرحلة‬
‫التصميم والعزم على تنفيذ العمل‪ .‬ومتى بدأ بالتهيئة للتنفيذ فيكون قد انتقل من المرحلة النفسية إلى المرحلة‬
‫التمهيدية لمرحلة التنفيذ‪ ،‬وهي إعداد وتحضير الوسائل الضرورية‪ .‬وما أن يفرغ من التمهيد للمرحلة المادية‬
‫حتى ينتقل الى تنفيذ العمل والوصول إلى النتيجة التي أرادها الفاعل)**( ‪.‬‬
‫ما قيل بالنسبة للسلوك النافع يقال أيضا في السلوك الضار وما يهدف إليه من نتيجة ضارة أو جرمية حيث‬
‫يمر الفاعل بنفس المراحل السابقة‪ .‬فلو أراد شخص قتل آخر يتعين عليه أن يفكر في األمر‪ ،‬ويوازن بين ما‬
‫يحقق رغباته ونزواته وبين ما يلحق به من إضرار‪ .‬فإذا ما أوصله تفكيره إلى اإلتيان بفعل القتل فانه ينتقل‬
‫إلى مرحلة التصميم ليبدأ بعدها بتهيئة وتحضير الوسائل الالزمة للقيام بجريمة القتل مثل شراء سالح‬
‫والتدريب عليه‪ ،‬وما أن يفرغ من المرحلة األخيرة حتى يبدأ التنفيذ وقد يصل إلى النتيجة أو ال يصل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث االول ‪ :‬ماهية الشروع‬

‫الشروع بوجه عام نموذج خاص لجريمة تتخلف نتيجتها‪ ،‬أو سلوك غير مفض إلى النهاية التي كان الجاني‬
‫يسعى إلى بلوغها‪ ،‬متى كان عدم تحقق تلك النتيجة راجعا ً إلى سبب غير إرادي‪ .‬فالجاني في هذا النموذج‬
‫قطع شوطا ً ملموسا ً على طريق إتمام الجريمة‪ ،‬ولكن ذلك اإلتمام لم يحدث لسبب خارج عن إرادته‪ :‬فمن‬
‫يطلق رصاصة على الغير بقصد قتله فتطيش رصاصته‪ ،‬أو التصيبه إال بأذى طفيف‪ ،‬أو يضع أخر يده‬
‫على سالحه فيمنعه من إطالق الرصاصة‪ ،‬يعد قد استوفى بنشاطه نموذج الشروع في الجريمة المستهدفة‬
‫أصالً والتي حال دون تمامها عامل بعيد عن إرادة الجاني لواله لتحققت النتيجة ‪.‬‬
‫وقد عرفت المادة ‪ 45‬من قانون العقوبات الشروع بأنه ‪«....‬البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة‬
‫إذا أوقف أو خاب أثره ألسباب ال دخل إلرادة الفاعل فيها‪ .‬وال يعتبر شروعا ً في الجناية أو الجنحة مجرد‬
‫العزم على ارتكابها وال األعمال التحضيرية لذلك‬
‫نطاق الشروع‬
‫إذا كان الشروع على النحو السابق جريمة خاصة ناقصة النتيجة التي كان الجاني يسعى إليها بسبب خارج‬
‫عن إرادته‪ ،‬فإن ذلك يغطي في تطبيقات الشروع ثالثة فروض أساسية يجمع بينها عدم إفضاء نشاط الجاني‬
‫إلى نتيجة يمكن إلقاء تبعتها عليه قانوناً‪:‬الفرض األول‪ :‬عدم إفضاء نشاط الجاني بالمرة إلى النتيجة اإلجرامية‬
‫المقصودة وال إلى أي نتيجة إجرامية أخرى أقل جسامة‪ ،‬كإطالق رصاصة على شخص دون أن يصاب من‬
‫جرائها بأذى‪ .‬والفرض الثاني‪ :‬تتحقق فيه بعد نشاط الجاني ذات النتيجة اإلجرامية التي كان يسعى إليها دون‬
‫أن يمكن قانونا ً نسبتها إلى فعله‪ ،‬النقطاع عالقة السببية بينهما؛ فثمة في هذا الفرض تحقق مادي للنتيجة‬
‫النهائية المقصودة دون أن تعتبر الجريمة تامة في مواجهة الجاني‪ ،‬ألن النتيجة تُسند سببيا ً إلى عامل آخر‪.‬‬
‫ومن ذلك إطالق«أ» رصاصة تجاه«ب» بقصد قتله وإصابة هذا األخير بجرح بسيط يذهب على أثره إلى‬
‫المستشفى لتلقي اإلسعافات األولية حيث يتوفى على أثر تلقي عالج خاطئ‪ .‬الفرض الثالث في الشروع‪ ،‬هو‬
‫تخلف النتيجة النهائية المقصودة مع تحقق نتيجة أقل جسامة على أثر نشاط الجاني‪ ،‬ومن ذلك إطالق‬
‫رصاصة على المجني عليه تصيبه وال تقتله‪ ،‬فاإلصابة ذاتها تعد نتيجة إجرامية(أقل جسامة من الوفاة) في‬
‫جريمة الجرح العمد‪ ،‬ولكن هذه النتيجة تذوب وتستغرق في نموذج قانوني أوسع هو الشروع في القتل‪ ،‬وعنه‬
‫وحده يُسأل الجاني دون الجرح العمد ‪.‬‬
‫صورتا الشروع[‬
‫ثمة صورتان أساسيتان للشروع أوالهما ‪:‬الشروع التام‪ ،‬ويعرف كذلك بالجريمة الخائبة‪ ،‬وفيها يستنفد الجاني‬
‫نشاطه اإلجرامي كامالً وتتخلف النتيجة لسبب خارج عن إرادته‪ ،‬ومن ذلك أن يضرب شخص امرأة أو‬
‫يعطيها مادة بقصد إسقاطها فال يتحقق ذلك‪ ،‬أو أن يطلق رصاصته تجاه المجني عليه فال يصيب هذا األخير‪،‬‬
‫أو أن يكسر خزينة لسرقة مستند معين فال يجده بها‪ .‬ويدخل في صورة الشروع التام كذلك ما يعرف بالجريمة‬
‫المستحيلة‪ ،‬وفيها يستنفد النشاط االإجرامي في ظروف كان يستحيل فيها تحقق النتيجة لعامل كان الجاني‬
‫يجهله‪ ،‬كمحاولة السرقة من جيب خال‪ ،‬أو قتل شخص فارق الحياة بالفعألو بسالح غير محشو برصاص‪ ،‬أو‬
‫إسقاط امرأة غير حبلى‬

‫‪6‬‬
‫والصورة الثانية للشروع هي الشروع الناقص أو مايعرف بالجريمة الموقوفة‪ ،‬وفيها ال يسنفد الجاني نشاطه‬
‫اإلجرامي حتى نهايته‪ ،‬وإنما يوقفه أو يحبطه عامل خارجي فال يستكمل النشاط وال تتحقق النتيجة‪ ،‬كما لو‬
‫تأهب «أ» إلطالق عيار ناري تجاه «ب» وتدخل «ج» فأمسك بيده وحال دون إطالق العيار؛ أو تسلق «أ»‬
‫سور منزل بقصد السرقة ولم يتم مشروعه على أثر رؤية رجل الشرطة قاد ًما نحوه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وليس ثمة فارق من الناحية القانونية بين صورتي الشروع فيما يتعلق بالتجريم والعقاب‪ :‬فكل منهما يستكمل‬
‫[‪]11‬‬
‫عناصر الشروع‪ ،‬ولكل منهما يتقرر ذات العقاب‪.‬‬
‫سياستا التجريم والعقاب بشأن الشروع[‬
‫في التنظيم القانوني للشروع يتنازع مذهبان يحددان موضعه في السياسة الجنائية بوجه عام‪ ،‬أولهما؛ المذهب‬
‫الموضوعي‪ ،‬وثانيهما‪ ،‬المذهب الشخصي‪ .‬وموضع الخالف بين المذهبين يتعلق بتحديد األساس الذي يبرر‬
‫التجريم والعقاب على الشروع؛ هل هو الخطورة الموضوعية للفعل الصادر عن الجاني‪ ،‬أم هو الخطورة‬
‫الشخصية لهذا األخير بغض النظر عن خطورة الفعل؟‬

‫‪7‬‬
‫المطلب االول تعريف الشروع‬

‫الشروع بوجه عام نموذج خاص لجريمة تتخلف نتيجتها‪ ،‬أو سلوك غير مفض إلى النهاية التي كان الجاني‬
‫يسعى إلى بلوغها‪ ،‬متى كان عدم تحقق تلك النتيجة راجعا ً إلى سبب غير إرادي‪ .‬فالجاني في هذا النموذج‬
‫قطع شوطا ً ملموسا ً على طريق إتمام الجريمة‪ ،‬ولكن ذلك اإلتمام لم يحدث لسبب خارج عن إرادته‪ :‬فمن‬
‫يطلق رصاصة على الغير بقصد قتله فتطيش رصاصته‪ ،‬أو التصيبه إال بأذى طفيف‪ ،‬أو يضع أخر يده‬
‫على سالحه فيمنعه من إطالق الرصاصة‪ ،‬يعد قد استوفى بنشاطه نموذج الشروع في الجريمة المستهدفة‬
‫أصالً والتي حال دون تمامها عامل بعيد عن إرادة الجاني لواله لتحققت النتيجة‬
‫وقد عرفت المادة ‪ 45‬من قانون العقوبات الشروع بأنه ‪«....‬البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة‬
‫إذا أوقف أو خاب أثره ألسباب ال دخل إلرادة الفاعل فيها‪ .‬وال يعتبر شروعا ً في الجناية أو الجنحة مجرد‬
‫العزم على ارتكابها وال األعمال التحضيرية لذلك‬
‫إذا كان الشروع على النحو السابق جريمة خاصة ناقصة النتيجة التي كان الجاني يسعى إليها بسبب خارج‬
‫عن إرادته‪ ،‬فإن ذلك يغطي في تطبيقات الشروع ثالثة فروض أساسية يجمع بينها عدم إفضاء نشاط الجاني‬
‫إلى نتيجة يمكن إلقاء تبعتها عليه قانوناً‪:‬الفرض األول‪ :‬عدم إفضاء نشاط الجاني بالمرة إلى النتيجة اإلجرامية‬
‫المقصودة وال إلى أي نتيجة إجرامية أخرى أقل جسامة‪ ،‬كإطالق رصاصة على شخص دون أن يصاب من‬
‫جرائها بأذى‪ .‬والفرض الثاني‪ :‬تتحقق فيه بعد نشاط الجاني ذات النتيجة اإلجرامية التي كان يسعى إليها دون‬
‫أن يمكن قانونا ً نسبتها إلى فعله‪ ،‬النقطاع عالقة السببية بينهما؛ فثمة في هذا الفرض تحقق مادي للنتيجة‬
‫النهائية المقصودة دون أن تعتبر الجريمة تامة في مواجهة الجاني‪ ،‬ألن النتيجة تُسند سببيا ً إلى عامل آخر‪.‬‬
‫ومن ذلك إطالق«أ» رصاصة تجاه«ب» بقصد قتله وإصابة هذا األخير بجرح بسيط يذهب على أثره إلى‬
‫المستشفى لتلقي اإلسعافات األولية حيث يتوفى على أثر تلقي عالج خاطئ‪ .‬الفرض الثالث في الشروع‪ ،‬هو‬
‫تخلف النتيجة النهائية المقصودة مع تحقق نتيجة أقل جسامة على أثر نشاط الجاني‪ ،‬ومن ذلك إطالق‬
‫رصاصة على المجني عليه تصيبه وال تقتله‪ ،‬فاإلصابة ذاتها تعد نتيجة إجرامية(أقل جسامة من الوفاة) في‬
‫جريمة الجرح العمد‪ ،‬ولكن هذه النتيجة تذوب وتستغرق في نموذج قانوني أوسع هو الشروع في القتل‪ ،‬وعنه‬
‫وحده يُسأل الجاني دون الجرح العمد‬

‫‪8‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مراحل الشروع وانواعه‬

‫يعاقب القانون على األفعال المادية التي تتطابق مع نص التجريم و التي تكون ماديات الجريمة فالقانون ال‬
‫يعاقب على النوايا مهما كانت إجرامية دون أن يعبر عنها بفعل مادي ملموس ينتج أثره في العالم الخارجي‬
‫فالجريمة هي االعتداء الذي يصدر من الجاني ضد المجني عليه مخلفا له نتيجة ضارة و على ذلك نالحظ أن‬
‫عناصر الركن المادي للجريمة المادية هي السلوك أو الفعل اإلجرامي و النتيجة اإلجرامية المتحققة و أخيرا‬
‫العالقة التي تربط بين الفعل و النتيجة و تدعى العالقة السببية ويسبق السلوك اإلجرامي مراحل تتولد لدي‬
‫الجاني تنقسم إلي نفسية مثل مرحلة التفكير وأخري مادية تتمثل في مرحلة اإلعداد والتحضير والشروع في‬
‫السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مرحلة التفكير‬
‫و يراد بها مرحلة النشاط الذهني و النفسي الذي يدور داخل شخصية الجاني فتطرأ فكرة ارتكاب الجريمة‬
‫على ذهنه و يراود نفسه بين دوافع اإلقدام على الجريمة و دوافع اإلحجام عن اقترافها و بعدها يعقد الجاني‬
‫العزم على ارتكاب الجريمة‬
‫و المشرع الفلسطيني واألردني والبحريني والليبي والقطري ال يهتم بما يدور في ذهن الشخص و ال يعاقب‬
‫عليه‪ ،‬إال إذا ظهر في صورة نشاط خارجي كاالتفاق مع الغير الرتكاب الجرائم ففي هذه الحالة يرى المشرع‬
‫أنه يعد فعال خطيرا يهدد المصالح التي يحميها المشرع فيجرمها‪.‬‬
‫والتشريع ال يعاقب علي أفعال التهديد أو التحريض أو االتفاق‪ ،‬لكنه يعاقب علي تلك السلوكيات باعتبارها‬
‫جرائم مستقلة وقائمة بذاتها بصرف النظر عما يحدث بعد ذلك‪ ،‬فهي جرائم خطر ال يعد العقاب عليها عقابا‬
‫علي مجرد التفكير في الجريمة‪ ،‬بل الجزاء يكون عن جريمة نفذت فعال ً‪ ،‬أي جريمة تامة وليس محاولة‬
‫الرتكاب جريمة لم تتم‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مرحلة التحضير‬
‫بعد العزم على الجريمة يبدأ االستعداد لها بأعمال تحضيرية لتنفيذ الجريمة كأن يشتري سالحا و يتدرب على‬
‫استعماله ثم يراقب المجني عليه في مواعيد هو يدرس األمكنة التي يرتادها‪ ،‬فهذه كلها أفعال تحضيرية ال تعد‬
‫بدورها شروعا‪ ،‬و تفلت من العقاب بوصفها مرحلة في الجريمة غير أن الشارع قد يرى بعض تلك األعمال‬
‫التي تعتبر تحضيرية الرتكاب جريمة معينة ما يمكن أن يكون فعال خطرا فيجرمه بصفة جريمة مستقلة‬
‫كمجرد تقليد المفاتيح‪ ،‬فهو وإن كان عمال تحضيريا بالنسبة لجريمة السرقة إال أن المشرع رأى بأن هذا الفعل‬
‫يهدد المصالح التي يحميها القانون فجرمه بصفة مستقلة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مرحلة الشروع‬
‫إذا تجاوز الجاني مرحلة التحضير للجريمة بدأ في تنفيذها‪ ،‬و بذلك يدخل في مرحلة جديدة تسمى الشروع‪ ،‬و‬
‫هذا العمل الذي يقترفه الجاني ينطوي على تهديد للمجتمع بخطر معين مما دفع المشرع إلى تجريمه إذا ما‬
‫وقفت الجريمة عند هذه المرحلة و يتم هذا الوقف إما بسبب تدخل عامل خارجي منع الجاني من الوصول إلى‬
‫غايته‪ ،‬أو بسبب فشل الجاني في تنفيذ الجريمة رغم قيامه بنشاطه كامال‪ ،‬و عندئذ يكون بصدد الشروع في‬
‫الجريمة الذي يعاقب عليه المشرع‪ ،‬و يطلق على الحالة األولى بالجريمة الموقوفة والثانية بالجريمة الخائبة‬

‫‪9‬‬
‫كما اعتبر المشرع الجزائري مرحلة الشروع هي المرحلة التي يتجاوز فيها الجاني مرحلتي التفكير‬
‫والتحضير ليسلك الجريمة‪ ،‬و لكن ال يصل إلى التنفيذ الكامل للجريمة‪.‬‬
‫و في هذه الحالة يعتد المشرع بفعل الجاني و الجريمة في الجنايات و بعض الجنح‪.‬‬
‫فمثالً الشخص الذي لم يتمكن من إتالف حواسيب المجني عيه بواسطة نشر فيروسات مدمرة بسبب تمكن‬
‫المبرمج من وضع برنامج حماية من الفيروسات لتلك الحواسيب يعتبر أنه حاول ارتكاب الجريمة‪ ،‬والشخص‬
‫الذي لم يتوصل بسلوكه من تدمير منزل غريمه بسبب ال دخل إلرادته فيه وهو عدم انفجار المفرقعات يعتبر‬
‫مرتكبا لجريمة محاولة إتالف مال الغير‬
‫وقد استقر القضاء الجزائري علي أنه لثبوت المحاولة يجب توافر الشروط التالية ( ‪ -1‬البدء في التنفيذ ‪ -2‬أن‬
‫يوقف التنفيذ أو يخيب أثره ألسباب ال دخل إلرادة الفاعل فيها ‪ -3‬أن يقصد به ارتكاب جناية أو جنحة‪.‬‬

‫أنواع الشروع‬

‫الفرع األول‪ :‬الجريمة الموقوفة‬


‫هو أن يباشر الجاني أعمال بدء التنفيذ و لكن لحيلولة أسباب لم يكن فيها مختارا لم يستطع إتمام الجريمة و‬
‫وقف على عتبتها‪ ،‬بمعنى آخر يكون الجاني قد بدأ في تنفيذ الجريمة ولم يزل بعد مستغرقا في تنفيذها حيث أنه‬
‫لو يستنفذ نشاطه اإلجرامي‪ ،‬و لكن النتيجة لم تتحقق بسبب ظروف خارجية عن إرادتهومثال ذلك أن يدخل‬
‫لص أحد المتاجر يريد السرقة فيلفى القبض عليه قبل وصوله إلى المال الذي كان يرغب في سرقته فالجاني‬
‫في هذه الحالة قد بدأ نشاطه و لكن لم يستطع إكماله‪ ،‬أي نشاطه أوقف‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الجريمة الخائبة‬


‫وهو أن يستنفذ الجاني كل نشاطه المادي الرتكاب الجريمة ولكن النتيجة التي يسعى إليها ال تتحقق لعوامل‬
‫خارجية ال دخل إلرادته فيها كمن يطلق الرصاص فيخطأ الهدف أو يصيبه في غير مقتل وينجوا المجني عليه‬
‫من الموت‪ ،‬أم المجرم الذي يطعن شخصا بسكين عدة طعنات‪ ،‬نرى أن الجاني هنا قد استنفذ كل نشاطه‬
‫اإلجرامي لكن النتيجة لم تتحقق وهي الموت وذلك ألن المجني عليه أنقذ و أسعف بالعالج‪ ،‬و في هذا النوع‬
‫من الشروع في بعض األحيان يقترن الروع الخائب بالموقوف‪.‬‬
‫قد يتساءل البعض كيف ؟ نقول‪ :‬إن صوب الجاني مسدسه نحو المجني عليه و أطلق عدة رصاصات أصابته‬
‫ولكن دون مقتل وهو كذلك انتزع منه شخصا آخر المسدس‪ ،‬إذا خاب أمل الجاني في قتل المجني عليه وأوقف‬
‫عمله بسبب انتزاع الشخص المسدس من يد الجاني‬

‫‪10‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الفرق بين الشروع و جرائم التعريض للخطر‬

‫منذ ظهور المدرسة الوضعية ومن بعدها مدرسة الدفاع االجتماعي بدأ الفقه الجنائي يوجه نظر المشرع إلى‬
‫ضرورة تجريم بعض صور السلوك الذي يحمل في طياته مخاطر يمكن أن ً تصيب الحقوق والقيم التي‬
‫يحميها القانون الجنائي‪ ،‬وذلك تأكيدا على أن دور القانون ليس التدخل بعد وقوع الجريمة لمعاقبة الجاني‬
‫وجميع من ساهموا معه في ارتكابها فحسب‪ ،‬بل يمكن أن يتدخل ًا بحكمة ” الوقاية خير من العالج“‪ ،‬فيجرم‬
‫بعض السلوك في مرحلة سابقة على وقوع الجريمة أخذ ) ‪)1 .‬من هنا ظهرت بجانب ”جرائم الضرر الخطر‬
‫قبل تحقق أي ضرر فعلي جراء هذا السلوك )” ‪) résultat de délits‬أو ”الجرائم المادية ‪) matériels‬‬
‫‪”)،délits‬طائفة أخرى من الجرائم يطلق عليها ”جرائم الخطر ‪”)، ) risque du délits‬أو ”الجرائم‬
‫الشكلية ‪)، ”) )2، ) formels délits‬أو ” الجرائم العائقة أو ”جرائم المنع أو الوقاية ‪) prévention de‬‬
‫)”‪infractions les‬والحائلة والمانعة من تحقق الضرر‪) obstacles - délits.‬‬

‫اما الشروع فقد عرفت المادة ‪ 45‬من قانون العقوبات الشروع بأنه «لبدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية‬
‫او جنحة‪ ،‬اذا أوقف او خاب اثره بسبب ال دخل ألرادة الفاعل فيها‪» .‬‬
‫ويتضح من هذا النص أن الشروع هو جريمة ناقصة‪ ،‬بسبب تخلف بعض عناصر الركن المادي في الجريمة‪،‬‬
‫وهو النتيجة اإلجرامية‪ .‬أي أن الشروع يفترض توافر كل عناصر الجريمة التامة فيما عدا النتيجة‪ .‬فنكون‬
‫بصدد الشروع إذا اقترف الجاني الفعل الذي أراد به تحقيق النتيجة ولكن فعلـه لم يفض إليها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اركان الشروع في الجريمة‬
‫أركان الشروع‬
‫تقوم الجريمة في صورة الشروع على ثالثة عناصر رئيسية‪ ،‬وذلك حسبما يبين من نص المادة ‪ 45‬من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫البدء في التنفيذ‬
‫موضع البدء في التنفيذ في مسار الجريمة‬
‫ال مجال للشروع في الجريمة إال إذا قطع الجاني‪ ،‬على طريق الجريمة‪ ،‬مسافة يمكن معها القول بأنه قد بدأ‬
‫في تنفيذها‪ .‬ولكن تحديد ذلك ليس باألمر اليسير‪ .‬ويرجع هذا إلى أن المشروع اإلجرامي‪ ،‬في الجرائم الكبرى‬
‫على وجه الخصوص‪ ،‬يمر بمسار طويل يبدأ بالمرحلة النفسية الخالصة‪ ،‬ثم التحضير الرتكاب الجريمة‪ ،‬ثم‬
‫البدء في تنفيذها‪ ،‬ثم تنفيذها كاملة‬
‫أما المرحلة النفسية‪ ،‬ففيها تتولد فكرة الجريمة وتتبلور تدريجيًا حتى تنقلب إلى عزم وتصميم على ارتكابها‪.‬‬
‫والقاعدة أنه ال تجريم وال عقاب على مايدور داخل النفس مهما بدا العزم قاطعًا‪ ،‬والقول بغير ذلك مؤداه تدخل‬
‫ً‬
‫فضال عن أنه‬ ‫سافر في مكنون األنفس‪ ،‬ومطاردة قانونية لمجرد النوايا‪ ،‬وفتح لباب التعسف على مصراعيه‪.‬‬
‫ال خطورة من التصميم اإلجرامي المجرد‪ ،‬ألنه يجوز لصاحبه أن يعدل عنه دون عائق قبل بدأ التنفيذ‪ ،‬ومن‬
‫حسن السياسة التشريعية تشجيعه على ذلك‪ .‬وقد أكد المشرع هذا المعنى بوضوح في الفقرة الثانية من المادة‬
‫عا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها‬
‫‪ 45‬بقوله «ال يعد شرو ً‬
‫متبلورا‪ ،‬وذلك حينما يقدر أن تصميم‬
‫ً‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يتدخل المشرع أحيانًا ويجرم عز ًما أو تصمي ًما إجراميًا‬
‫الجاني قد اقترن بفعل خارجي يعبر عن خطورة ملموسة‪ ،‬فيخلق حينئذ من هذا الوضع جريمة قائمة بذاتها‪.‬‬
‫ومن ذلك أن يتخذ العزم صورة تهديد شفوي أو مكتوب بارتكاب قتل‪ ،‬أو أن يعبر عن التصميم باالنضمام إلى‬
‫مكررا من قانون‬
‫ً‬ ‫عصابة إجرامية أو بتآمر بين عدة أشخاص الرتكاب جريمة ماسة بأمن الدولة (المادة ‪86‬‬
‫العقوبات)‬
‫معيار البدء في التنفيذ‬
‫القصد الجنائي‬
‫يعد القصد الجنائي (الركن المعنوي) هو الركن الثاني الذي يفترضه الشروع‪ .‬و قد أشارت إليه صراحة المادة‬
‫(‪ )45‬من قانون العقوبات وهو يتطلب أن يكون الجاني قد أرتكب الفعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة معينة‬
‫في صورة تامة‪ .‬والمشرع ال يعاقب على الشروع في جميع الجرائم‪ ،‬مما يعني أن إتجاه قصد الجاني إلى‬
‫ارتكاب جريمة معينة يتيح التعرف على حكم القانون في الشروع فيها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ماهية القصد الجنائي في الشروع‬
‫جوهر القصد الجنائي في الشروع هو اإلرادة اآلثمة المتجهة إلى إحداث النتيجة اإلجرامية التي تخلفت لسبب‬
‫غير اختياري‪ ،‬وهي ذات اإلرادة التي يلزم توافرها لقيام الجريمة التامة‪ :‬فاإلرادة متجهة في الحالتين نحو‬
‫إتمام الجريمة‪ ،‬بغض النظر عن عدم تحقق النتيجة المقصودة في الشروع‪ ]15[.‬فمن يطلق رصاصة على آخر‬
‫بقصد قتله وتحدث الوفاة بالفعل يتطابق القصد الجنائي لديه مع قصد شخص آخر يطلق رصاصة مماثلة فال‬
‫[‪]16‬‬
‫تصيب المجني عليه سوى بأذى بسيط‪.‬‬
‫ويلزم أن يتوافر في القصد الجنائي في الشروع عنصران‪ :‬اتجاه اإلرادة إلى إتمام الجريمة من ناحية‪،‬‬
‫واتجاهها إلى ارتكاب جريمة معينة من ناحية أخرى‪.‬‬
‫ويتطلب القانون المصري لقيام الشروع اتجاه القصد الجنائي إلى ارتكاب جناية أو جنحة‪ :‬فال شروع في‬
‫المخالفات‪ ،‬لضآلة المصلحة المحمية في هذا الفرض‬

‫نطاق الشروع بالنظر إلى القصد الجنائي‬

‫عنصرا الز ًما لقيام الشروع حصر مجال هذا األخير في الجرائم التي‬‫ً‬ ‫يترتب على اعتبار القصد الجنائي‬
‫تستقيم طبيعتها وفكرة الشروع‪ ،‬أي التي يتخذ الركن المعنوي _ فيها_ صورة القصد الجنائي‪ .‬أما تلك التي ال‬
‫تقوم على القصد الجنائي فال مجال للشروع فيها‪ ]16[.‬فمن ناحية‪ ،‬ال شروع في الجرائم غير العمدية‪ ،‬وهي‬
‫التي يتخذ الركن المعنوي فيها صورة الخطأ غير العمدي‪ :‬ففي هذا األخير ال تتجه اإلرادة إلى إحداث النتيجة‬
‫اإلجرامية‪ ،‬ومن ثم اليتصور الشروع فيها‪ ،‬مهما كانت خطورة الفعل على المصلحة محل الحماية الجنائية‪.‬‬
‫عا في‬‫وتطبيقًا لذلك‪ ،‬فإن اإلهمال في صيانة آلة على نحو ينذر بانفجارها وإصابة الغير أو وفاته اليعد شرو ً‬
‫قتل غير عمدي أو إصابة غير عمدية‪ ،‬وكذلك الحال بشأن قيادة سيارة على نحو يهدد حياة الغير بالخطر‪:‬‬
‫عا في قتل غير عمدي‪ ،‬ولكنه قد يمثل جريمة قائمة بذاتها إذا كان القانون يجرم فعل القيادة‬
‫فذلك ليس شرو ً‬
‫الخطرة في ذاته؛ وقد يفضي ذلك إلى قتل الغير أو إصابته خطأ‪ ،‬وحينئذ يسأل عن قتل خطأ أو إصابة غير‬
‫عمدية‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ال شروع في الجرائم متجاوزة أو متعدية القصد‪ :‬ففي هذا النوع من الجرائم يتجه القصد‬
‫الجنائي إلى نتيجة محددة‪ ،‬ولكن تقع على أثر فعل الجاني نتيجة أشد جسامة فيحمله القانون تبعتها‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن إرادته لم تتجه إليها‪ .‬ومن ذلك‪ :‬جريمة الضرب المفضي إلى موت‪ ،‬والتي تتجه فيها اإلرادة األثمة إلى‬
‫المساس بسالمة الجسم دون إزهاق الروح‪ .‬ومن البديهي أنه ال يتصور الشروع في هذا النوع من الجرائم‬
‫لتخلف قصد إحداث النتيجة المتفاقمة ابتدا ًء‪ ،‬ومن ثم عدم توافر الشروع‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬الركن المادي ( البدء في تنفيذ الجريمة )‬
‫الركن المادي للشروع‬
‫يتكون الركن المادي للشروع من عنصرين هما البدء في التنفيذ والوقف الالإرادي للتنفيذ‪ ،‬وفيما نفصل كل‬
‫عنصر وفق ما يلي‬

‫الفرع األول‪ :‬البدء في التنفيذ‬

‫حيث أن وضع حد بين األعمال التحضيرية التي ال يعاقب عليها القانون يقتضي وضع معيار ثابت يفصل بين‬
‫المرحلتين‪ ،‬و لتحديد معيار فاصل في هذا الشأن ال مفر من الرجوع إلى المعايير الفقهية السائدة في شأنها و‬
‫قد جرى الفقه على تصنيف اآلراء المختلفة التي قيلت في هذه المعايير إلى مذهبين‪:‬‬
‫المذهب الموضوعي ( المادي ) الذي يهتم بالفعل المادي الذي أرتكب فعال و بخطواته اإلجرامية‪.‬‬
‫ويذهب أنصار هذا المذهب إلى القول أن البدء في التنفيذ هو السلوك الذي يبدأ به الجاني تحقيق الركن المادي‬
‫للجريمة‪ ،‬فالركن المادي في جريمة القتل يتمثل في سلوك يؤدي إلى إزهاق روح المجني عليه ‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة أن هذا االتجاه يمتاز بدقته وسهولة تطبيقه ولكنه انتقد علي أساس انه يضيق من نطاق‬
‫الشروع‪ ،‬ويعرض المصالح والحقوق للخطر‬
‫والمذهب الشخصي الذي يهتم بإرادة الجاني واتجاه إرادته إلى السلوك اإلجرامي وهو المذهب الذي استقر‬
‫عليه العمل في القضاء الفرنسي و الذي أخذ منه المشرع الفرنسي‪ ،‬ويهتم هذا المذهب بخطورة الشخصية‬
‫اإلجرامية للجاني أكثر من االهتمام بالفعل نفسه‪.‬‬
‫ويأخذ الفقه في فرنسا وبريطانيا وألمانيا بهذا المذهب‪ ،‬حيث يهدف إلى التوسيع من نطاق الشروع في‬
‫الجريمة فال يعول علي شكل السلوك الصادر عن الجاني‪ ،‬بل عما ينم عته هذا السلوك من خطورة إجرامية‬
‫لديه‪ ،‬علي عكس المذهب المادي الذي يركز علي السلوك اإلجرامي‬

‫موقف المشرع والقضاء الفلسطيني من المذهبين ‪ /‬اخذ المشرع الفلسطيني بالمذهب الشخصي كمعيار للفعل‬
‫الذي يعد بدءا ً في التنفيذ أم ال‪ ،‬كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه ال يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ‬
‫الفاعل بتنفيذ جزء من األعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي العتبار لته شرع في ارتكاب جريمة‬
‫أن يبدأ في تنفيذ فعل سابق مباشرة علي تنفيذ الركن المادي لها ومؤد له حتما‬
‫ونحن نري انه ال يشترط أن يؤدي السلوك حاالً إلي ارتكاب الجريمة بل يكتفي أن يؤدي مباشرة إلي ارتكابها‬
‫ومثال ذلك كمن يرغب في التسبب عمدا ً إلي إفساد نظام تشغيل الكتروني‪ ،‬فهذا الفعل وان كان ال يؤدي حاالً‬
‫إلي ارتكاب الجريمة إال انه قاطع الداللة علي انعقاد النية علي تنفيذها‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عدم إتمام الجريمة لسبب ال دخل إلرادة الجاني فيه‬
‫من شروط الركن المادي للشروع هو وقف التنفيذ أو خيبة أثره و هو أن يقف هذا التنفيذ أو يخب أثره ألسباب‬
‫ال دخل إلرادة الفاعل فيها‪ ،‬و هذا يعني أنه يجب أال يعدل الجاني باختياره عن تحقيق الجريمة‪ ،‬و وجوب‬
‫التوقف أو الخيبة لكي ال تصبح جريمة تامة‪.‬‬
‫وعليه يجب أن يكون العدول عن الجريمة غير إرادي ومثال ذلك‪ ،‬إذا قاوم المجني عليه الجاني ومنعه من‬
‫تنفيذ الجريمة أو تدخل شخص ثالث لهذا الغرض)‬
‫وتجدر اإلشارة إلي أن السياسة الجنائية الحديثة تتجه إلي عدم قيام الشروع إذا تحقق العدول االختياري الن‬
‫في ذلك تشجيعا علي عدم ارتكاب الجريمة وتدعيم العوامل المانعة من اإلجرام في مواجهة العوامل الدافع‬
‫إليه‪.‬‬
‫وننوه إلي أن هناك فرضية تقرر أن يكون عدول الجاني مختلطا أي اضطراريا ً من جهة وإراديا من جهة‬
‫أخري ومثال ذلك كمن يرغب في تصوير فتاة خلسة‪ ،‬ويري شخص مقبالً نحوه فيعتقد أنه قادما ً للقبض عليه‬
‫فيتوقف عن تنفيذ جريمته‪ ،‬واختلف الفقهاء في هذه المسألة‪ ،‬فذهب رأي إلي اعتبار العدول إرادي علي أساس‬
‫أن البدء في التنفيذ لم يتوقف ألسباب خارجة عن إرادة الجاني بل كان يستطيع الجاني االسترسال في التنفيذ‬
‫ولكنه عدل إراديا عن التنفيذ‪.‬‬
‫ولكن هذا الرأي ال يمكن التسليم به ألن عدول الجاني لم يكن تلقائيا ً خالصا بل كان سببه وقائع خارجية ‪.‬‬
‫وذهب رأي للقول بفكرة العدول الغالب فإن كان العدول اإلرادي هو الغالب يتوافر الشروع في الواقعة‪ ،‬أما‬
‫أن كان العدول االضطراري هو الغالب فيتوافر فيها‪.‬‬
‫ولكن هذا الرأي يعيبه صعوبة تطبيقه لعدم دفته حيث أن المنطق يقتضي اعتبار العدول في هذه الحالة‬
‫اضطراريا ً ومثال ذلك من يدخل بطاقة صراف إلي بقصد سلب مال صاحب البطاقة ولكنه لم يعثر علي مال‬
‫يكون عدوله غير إراديا ً ويتوافر الشروع في حقه‪ ،‬بينما يكون العدول اختياريا ً إذا وجد المال ولم يسرقه ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الركن المعنوي ( قصد ارتكاب جناية او جنحة )‬

‫الركن المعنوي للشروع‬


‫يشترط في كل جريمة توافر الركن المعنوي و هو ركن القصد الجنائي بمعنى انصراف إرادة الجاني إلى‬
‫ارتكاب الجريمة مع العلم بعناصرها القانونية‪ ،‬لذلك يشترط أيضا لقيام الشروع توافر هذا الركن‪ ،‬و القصد‬
‫الجنائي الالزم توافره في الشروع هو نقس القصد الجنائي الواجب توافره في الجريمة التامة‪ ،‬فالجاني ال‬
‫يمكن اعتباره شارعا في جريمة إال إذا انصرفت نيته إلى ارتكابها تامة‪ ،‬فمثال إذا كان القصد الجنائي يتطلب‬
‫في جريمة القتل نية إزهاق الروح و في اختالس مال مملوك للغير فهو يتطلب نفس النية بالنسبة للشروع في‬
‫كل من الجريمتين‪ ،‬فإذا نجح الجاني فالجريمة تامة و إذا فشل فالجريمة شروع‪.‬‬
‫وبالتالي فإن صفة الشروع في الجريمة تلحق بالركن المادي من حيث تحقق أو عدم تحققه وال تلحقه هذه‬
‫الصفة بالركن المعنوي أي القصد الجنائي‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة أنه إذا لم تتجه إرادة الجاني إلي ارتكاب جريمة تامة‪ ،‬فال يسأل عن محاولة اقترفها‪ ،‬بل يسأل‬
‫عن الجريمة التي تتكون من السلوكيات التي ارتكبها ومثال ذلك إذا أصاب شخص شخصا ً آخر بأذى بليغ‬
‫وثبت أنه لم تتوافر لديه نية إزهاق روحه فإنه ال يسأل عن محاولة قتل ولكن يسال عن أذي بليغ فقط ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬عدم اتمام الجريمة لسبب خارج عن ارادة الجاني‬
‫عدم اتمام الجريمة ‪ ::‬يتمثل الركن الثالث في جريمة الشروع في عدم إتمام الجريمة بسبب ال دخل الرادة‬
‫الجاني فيها‪ .‬وذلك هو الذي عناه المشرع بقوله « اذا أوقف او خاب اثره بسبب ال دخل الرادة الجاني فيه»‪،‬‬
‫ولذلك سوف نعرض الصور المختلفة للشروع‪.‬‬

‫(أ) الجريمة الموقوفة‪:‬‬

‫هي الصورة التي يبدأ الجاني فيها تنفيذ الجريمة ‪ ،‬ولكن يوقف النشاط اإلجرامي قبل بلوغ النتيجة وبالتالي فان‬
‫الجريمة ال تتم بسبب اضطراری کالقبض عليه او استيقاظ اهل المنزل في حالة السرقة مثالً‪ .‬ويبين من ذلك‬
‫ان الجاني لم يكمل نشاطه االجرامي‪ ،‬أي لم يأت كل األفعال التنفيذية الالزمة للجريمة‪ ،‬وانما اضطر الى‬
‫ايقافه اضرارا‪ ،‬فالقاتل الذي يهم باطالق الرصاص على غريمه ثم يمنع من ذلك بواسطة شخص ثالث او‬
‫بواسطة رجل البوليس تكون جريمته موقوفة رغم ارادته‪ .‬وكذلك فان القاتل الذي يحشو مسدسه بالرصاص ثم‬
‫يطلق رصاصة على عدوه اصابته اصابة بسيطة‪ ،‬وقبل ان يهم باطالق رصاصة ثانية انتزع منه المسدس‬
‫شخص آخر أو المجنى عليه نفسه‪ ،‬فيكون الجاني شارعا‪ ،‬وتكون الصورة هي الجريمة الموقوفة‪.‬‬

‫المهم في جميع صور الجريمة الموقوفة انها تعبر عن وقف نشاط الجاني االجرامي ومنعه من اتمام جريمته‪.‬‬
‫وال يكون لهذا االيقاف لنشاط الجاني معنى في نطاق القانون الجنائي اال اذا كان اجباريا‪ ،‬اى رغم ارادة‬
‫الجاني الذي اتجهت نيتة واالفعال التي اتاها‪ ،‬الى اتمام الجريمة بحيث لو ترك وشأنه التم ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫وتثور مشكلة التفرقة بين ما يسمى بالعدول االختياري عن اتمام الجريمة أو ايقافها بسبب اضطراري‪ ،‬ألنه‬
‫من الممكن ان يعدل الجاني بارادته عن اتمام ارتكاب الجريمة‪ ،‬فهل يسأل الفاعل في هاتين الحالتين؟الحالتين؟‬

‫حكم العدول االختياري‬ ‫•‬

‫حكم العدول االختياري ‪ ::‬تتطلب المادة ‪ 45‬عقوبات للعقاب على الشروع في الجريمة ان يوقف تنفيذ الجريمة‬
‫لسبب ال دخل الرادة الجاني فيه‪ .‬ومعنى ذلك بمفهوم المخالفة انه اذا عدل الجاني باختياره عن اتمام ارتكاب‬
‫الجريمة فال عقاب عليه‪ .‬ومن البديهي ان يكون هذا العدول بعد البدء في تنفيذ الجريمة‪ ،‬وإال فاننا ال نكون‬
‫اصال بصدد الشروع‪ .‬فاذا بدأ لص في تنفيذ جريمة السرقة وتسلق سور‬
‫المنزل‪ ،‬وهم بالفعل ان يسرق ولكنه سمع اذان الفجر فارتد الى رشـده وصحا ضميره‪ ،‬وترك المسروقات‬
‫وعاد ثانيا الى منزله‪ ،‬فانـه يكـون قـد عـدل بـصورة اختيارية عن اتمام جريمته‪ .‬وكذلك بالنسبة لجريمة القتل‪،‬‬
‫فان الجاني الذي تربص لشخص آخر لقتله وصوب سالحة اليه‪ ،‬وبينما يهم بأطالق الرصاص عليه أخذته‬
‫الشفقه باألسـرة الكبيرة التي يعولهـا غريمه‪ ،‬فالقى سالحه وعدل عن أطـالق‬

‫‪17‬‬
‫الرصاص‪ .‬والقاعدة هي أن العدول االختياري يحدث اسمه ويستفيد منه الجاني وال يسأل عن الشروع‪.‬‬

‫وقد تختلط صورة العدول االختياري بالتوبة الفعالة‪ ::‬وهي الحالة التي يتم فيها الشخص جريمته ولكنه يندم‬
‫عليها ويحاول اصالح ما افسده‪ ،‬كأن يعيد اللص المسروقات التي سرقها فعال الى حيث كانت‪ .‬والفارق‬
‫واضح بين الصورتين‪ ،‬ذلك النه في حالة العدول فان السرقة لم تتم بالفعل‪ ،‬بينما في حالة التوبة الفعالة فان‬
‫الجريمة قد تمت وانتهى األمر‪ ،‬ولكن الجاني بعد ان شعر بالندم حاول ان يزيل‬
‫اثرها‪ ،‬والقاعدة انه ال أثر للتوبه على استحقاق الجاني للعقاب‪ ،‬ولكن ذلك يمكن ان يكون له اثره في تخفيف‬
‫العقوبة باستعمال الظروف القضائية المخففة‪.‬‬

‫حكم العدول االضطراري‬ ‫•‬

‫حكـم الـعـدول االضطراري ‪ :‬يفترض العدول االضطراري أن هناك عوامل خارجية مستقلة عن إرادة الفاعل‬
‫حالت بينه وبين المعنى في إتمام ما بدأه‪ ،‬كأن يضبط الفاعل وهو يقوم بالسرقة‪ ،‬أو اإلمساك به وهو يهرب‬
‫بعد صعودة على سطح المنزل‪ ،‬عند شعوره بأن رجل البوليس قد شاهده‪ ،‬أو بأن أهل المنزل قد أحسوا به‪.‬‬
‫وفي حالة إيقاف الجريمة بسبب اضطراري فإنه يتحقق الشروع المعاقب‬
‫عليه‪ .‬ومن هنا كانت اهمية التفرقة بين الصورتين‪ ،‬ألن العدول االختياري ال يعاقب عليه القانون‪ ،‬وذلك‬
‫تشجيعا للناس وحثهم على العدول دون خشية العقاب‪ ،‬حتى ولو كانوا قد بدأوا تنفيذ الجريمة بالفعل‪ ،‬وفي ذلك‬
‫تتحقق مصلحة أكيدة للمجتمع‪ .‬وللتفرقة بين العدول االختياري وإيقاف الجريمة بسبب اضطراری قدم الفقه‬
‫معيارا خالصته أنه إذا كان العدول راجعا الى اسباب ذاتيه تتعلق بشخص‬
‫الجاني وضميرة ووجدانه‪ ،‬فإن العدول يكون اختياريا مانعا للعقاب‪ ،‬ويسمى ‪ .‬بالعدول التلقائي‪ ،‬أما اذا كان‬
‫السبب وقف تنفيذ الجريمة يرجع الى عوامل خارجية اجبرت الجاني على إيقاف نشاطه اإلجرامي كالقبض‬
‫عليه أو مقاومة المجنى عليه‬
‫فيكون العدول اضطراريا ‪ .‬حينئذ وال تثور مشكلة العدول االختياري إال في صورة الجريمة الموقوفة‪ ،‬فال‬
‫يتصور في الجريمة الخائبة‪.‬‬

‫(ب) الجريمـة الخائبـه‪:‬‬

‫وتتمثل هذه الصورة في قيام الجاني بكل نشاطه اإلجرامي‪ ،‬إال ان النتيجة اإلجرامية ال تتحقق لسبب ال دخل‬
‫إلرادته الجاني فيه‪( ،‬مثل من يطلق عيارا ناريا على شخص بقصد قتله‪ ،‬فيخطأه أو لم يصبه في مقتل ويشفى‬
‫من إصابته‪ .‬فالجاني أتى كل السلوك المحقق لجريمة القتل ولكن النتيجة اإلجرامية لم تقع لسبب خارج عن‬
‫إرادته هو‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫(ج) الجريمـة المستحيلة‪:‬‬

‫جـ‪ -‬الجريمة المستحيلة ‪ :‬في هذه الصورة يرتكب الجاني السلوك اإلجرامي كامالً وال تتحقق النتيجة‬
‫اإلجراميـة لـسبب خارج عن إرادته‪ ،‬وهـو ان السلوك اإلجرامي يتضمن منذ ارتكابه وبالنظر الى الظروف‬
‫التي ارتكب فيها استحالة وقوع الجريمة‪.‬‬

‫فالجريمة المستحيلة تتفق مع الجريمة الموقوفة في ان الجاني قد بذل كل نشاطه االجرامي‪ ،‬ولكن الجريمة‬
‫كان يستحيل ان تتم في الظروف التي ارتكبت فيها‪ ،‬مثل ان يطلق الجاني عيارا ناريا على الشخص الذي يريد‬
‫قتله ويتبين انه كان قد توفى قبل ذلك بساعات‪ ،‬او يظهر ان السالح غير صالح لالستعمال‪ ،‬او من يفتح خزانة‬
‫لسرقة ما بها من اموال ومجوهرات فيجدها خاوية او يحاول سرقة‬

‫وتكون االستحالة نسبية من حيث الوسيلة اذا كانت الوسيلة غير كافية لتحقيق الغرض‪ ،‬كمن يضع في االكل‬
‫كمية من السم غير كافية لقتل عدوه‪ ،‬او من يطلق النار من بندقية صالحة اصال ولكن لم يخرج العيار لسبب‬
‫من االسباب‪ .‬وقد نجح هذا الرأي في التخفيف من التطرف الذي انتهى اليه فعاقب على بعض صور االستحالة‬
‫التي تشكل خطورة معينه في الظروف التي ارتكبت فيها‪ ،‬كما انه يتفق مع التفسير المنطقى لصورة الجريمة‬
‫الخائبه التي يعاقب عليها القانون اسوة بالجريمة الموقوفة‪.‬‬

‫ولكن اخذ على هذا الرأى انه يقيم تفرقة تحكمية لالستحالة ال تستند الى اساس سليم ‪ ،‬فالجريمة اما ان تكون‬
‫ممكنة او مستحيلة الوقوع وال وسط بينهما‪ ،‬ثم انه بالتدقيق في صور االستحالة النسبية فأنـه يبين انها ليست‬
‫اقل استحالة في الظروف التي وقعت وفيها عن االستحالة المطلقة‪.‬‬

‫موقف القضاء من مشكلة الجريمة المستحيلة ‪ ::‬يتضح من استقراء أحكام القضاء المصري في شأن الجريمة‬
‫المستحيلة ‪ ،‬أن محكمة النقض عندنا قد أخذت بالتفرقة بين االستحالة المطلقه‪ ،‬واالستحالة النسبية‪ ،‬وعاقبت‬
‫على الثانية دون األولى‪ ،‬فقد قضت بأنه " متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها إلحداث‬
‫النتيجة المبتغاة فال محل لألخذ بنظرية الجريمة المستحيلة‪ ،‬ألن مقتضى القول بهذه النظرية أال يكون في‬
‫اإلمكان تحقق الجريمة مطلقا النعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صالحية الوسيلة التي‬
‫استخدمت الرتكابها‬

‫كما قضي بالعقاب على الشروع في التسميم إذا كانت المادة المستعملة قد أعطيت بكمية غير كافية إلحداث‬
‫الوفاة أو كان مذاقها السيئ حائال دون تناول المجني عليه الكمية الكافية منها‪ ،‬وقضي بالعقاب كذلك على‬

‫‪19‬‬
‫الشروع في التسميم عن طريق وضع زئبق في أذن المجني عليه على الرغم من أن هذا الفعل ال يؤدي الى‬
‫حدوث الوفاة إال إذا كانت باألذن جروح‪ ،‬وهو ما لم يكن متحققا في حالة المجني‬
‫عليه ‪ ،‬وقضي بالعقاب على الشروع في النصب على الرغم من أن المجني عليه كان عالما بكذب الجاني‬
‫بحيث كان انخداعه بحيلته مستحيال‪.‬‬

‫وقـد حـكـم كـذلك بانـه مـا دامـت الوسيلة تصلح بطبيعتهـا لتحقيـق الغـرض المقصود منها‪ ،‬ولكن الجريمة لم‬
‫تتحقق بسبب ظرف خارج عن ارادة الجاني‪ ،‬فإنه بعد شارعا‪« .‬فاذا كان المتهم قد انتوى قتل المجنى عليه‬
‫واستعمل لذلك الغرض بندقية ثبتت صالحيتها‪ ،‬إال ان المقذوف لـم ينطلق منها لفساد كبسولته‪ ،‬وقد ضبطت‬
‫معه طلقة أخرى سليمة ولكن الفرصة لم تتح له الستعمالها‪ .‬فان قول‬
‫الحكم باستحالة الجريمة استحالة مطلقة استنادا الى فساد كبسولة الطلقة التي استعملها المتهم‪ ،‬هو قول ال يتفق‬
‫وصحيح القانون‪».‬‬
‫وقضت أيضا محكمة النقض في حكم آخـر بمـا يفيد االخـذ بالتفرقة بين االستحالة المطلقة واالستحالة النسبية‬
‫فقالت «ال تعتبر الجريمة في عداد الجرائم المستحيلة إال اذا لم يكن في االمكان تحقيقها مطلقا‪ ،‬كأن تكون‬
‫الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البته لذلك‪ .‬اما اذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن لم‬
‫تتحقق بسبب ظرف آخر خارج عن ارادة الجاني‪ ،‬فانه ال يصح القول باالستحالة‪».‬‬

‫‪20‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬العقاب علي الشروع‬

‫المطلب االول ‪ :‬عقوبة الشروع في الجريمة‬

‫العقاب على الشروع في الجريمة‬ ‫•‬

‫نظم المشرع احكام العقاب على الشروع في الجريمة في المادتين ‪ 46‬و ‪ 47‬من قانون العقوبات معتمدا ً في‬
‫ذلك على مبدأ المساواة بين العقوبة في الشروع وعقوبة الجريمة التامة‪.‬‬

‫عقوبة الشروع في المخالفات‬ ‫•‬

‫عقوبة الشروع في الجنح‬ ‫•‬

‫عقوبة الشروع في الجنايات‬ ‫•‬

‫أما عن نطاق العقاب على الشروع في الجريمة ‪ ،‬فنفرق بين المخالفات والجنح والجنايات‬

‫‪ - ۱‬ال عقـاب عـلـى الـشروع في المخالفات ‪ :‬وذلك وفقا لنص المادة ‪ 45‬عقوبات والذي حدد نوعي الجرائم‬
‫المتصور الشروع فيها‪ ،‬وهما الجنايات والجنح‪،‬‬
‫واستبعد بذلك المخالفات‪ ،‬ويتضح ذلك من قول هذه المادة «‪ ...‬بقصد ارتكاب‬
‫جناية او جنحة ‪ ،»...‬ويرجع عدم العقاب على الشروع في المخالفات الى تفاهتها‪.‬‬

‫‪2 -‬عقاب الشروع في الجنح ‪ ::‬نص المشرع على قاعدة عامة للعقاب على الشروع في الجنح في المادة ‪47‬‬
‫عقوبات بقولها «تعين قانونا الجنح التي يعاقب على الشروع فيها‪ ،‬وكذلك عقوبة هذا الشروع‪».‬‬
‫ويبين من هذا النص انه ال عقاب على الشروع في الجنح إال اذا نص القانون علي ذلك في صدد كل حالة علي‬
‫حدي ‪ ،‬وذلك علي عكس الحال بالنسبة للجنايات ‪ ،‬فالقاعدة ان الشروع معاقب علية اال اذا ً كان هناك نص‬
‫علي غير ذلك في حاله بعينها‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن هناك بعض الجرائم في أصلها جنح وال عقاب على الشروع فيها ‪ ،‬ولكنها قد تقترن بظرف‬
‫مشدد فتتحول الى جنايات فيعاقب على الشروع فيها‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مثال ذلك اتالف المزروعات (المادتان ‪ 368 ،367‬عقوبات)‪.‬‬

‫والمالحظ انه في الحاالت التي نص المشرع فيها على عقاب الجنح‪ ،‬فانه قد جرى على ان يكون الشروع اقل‬
‫من العقاب المقرر للجريمة التامة‪ .‬غير انه في بعض الجنح ساوى المشرع بين عقوبة الشروع وعقوبة‬
‫الجريمة التامة كما يبدو من نص المادة ‪ 170‬عقوبات التي تجرم كل من نقل او شرع في نقل المفرقعات أو‬
‫المواد القابلة لاللتهاب في القطارات او المركبات األخـرى ‪ ،‬والمادة ‪ ٢٢٨‬عقوبات الخاصة بادخال البضائع‬
‫الممنوعة أو نقلها او حملها في الطريق لبيعها او عرضها للبيع او اخفاها او شرع في ذلك‪.‬‬

‫‪3-‬عقوبة الشروع في الجنايات ‪ ::‬نظم المشرع قواعد العقاب في حالة الشروع في الجنايات في المادة ‪46‬‬
‫بقوله « يعاقب على الشروع في الجنايات بالعقوبة االتية اال اذا نص قانونا على خالف ذلك‪» :‬‬

‫بالسجن المؤبد اذا كانت عقوبة الجناية االعدام‪.‬‬

‫بالسجن المشدد اذا كانت عقوبة الجناية السجن المؤبد‪.‬‬

‫بالسجن المشدد مدة ال تزيد على نصف الحد االقصى المقرر قانونا‪ ،‬او غرامة ال تزيد على خمسين جنيها‬
‫مصريا ‪ ،‬إذا كانت عقوبة الجنايات‬

‫أما العقوبات التبعية والتكميلية فمن المتعين توقيعها دون تغيير‪ ،‬إذ ال يجوز استبعادها أو تخفيفها ما لم يقرر‬
‫المشرع ذلك بالنسبة لجريمة أو عقوبة معينة‪.‬‬

‫ويالحظ على هذه النصوص‪:‬‬


‫(ا) ان العقوبة في الشروع بالنسبة للجنايات المعاقب عليهـا باالعدام او بالسجن المؤبد ‪ ،‬هي العقوبة التالية لها‬
‫مباشرة‪ ،‬وهي في الحالة االولى السجن المؤبد ‪ ،‬وفي الحالة الثانية السجن المشدد‪.‬‬

‫(ب) اذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المشدد‪ ،‬فقد اعطى المشرع سلطة تقديرية اوسع بان اعطى‬
‫للقاضي صالحية الحكم‪ ،‬اما بنفس نوع العقوبة‪ ،‬وفي هذه الحالة ال يجب أن تزيد مدتها على نصف الحد‬
‫االقصى المقرر لعقوبة الجريمة التامة أو النزول الى عقوبة السجن‪ ،‬وهي العقوبة التي تلي السجن المشدد في‬
‫الدرجة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫(جـ) بالنسبة للجنايات المعاقب عليها بعقوبة السجن اذا وقعت تامة تكون العقوبة بالنسبة للشروع في هذة‬
‫الحالة السجن مدة ال تزيد على نصف الحـد االقصى المقرر للجريمة التامة أو الحبس‪ ،‬ولكن زاد على ذلك‬
‫بان اباح للقاضي الحكم بعقوبة الغرامة التي ال تزيد على خمسين جنيها‪ .‬وهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن‬
‫ان تكون العقوبة االصلية في الجناية هي الغرامة‪.‬‬

‫(د) ان الشروع في الجناية يعتبر جناية دائما ً وإذا كانت القاعدة طبقا للمادة ‪ 46‬عقوبات أن يكون العقاب على‬
‫الشروع في الجريمة أقل من عقاب الجريمة التامه‪ ،‬إال ان المشرع استثنى من هذه القاعدة بعض الجرائم حيث‬
‫ساوى فيها بين عقاب الشروع والجريمة التامة‪ .‬مثال لذلك ما نصت عليـه المـواد ‪ ۱۰۳ ،۱۰۳‬مکررا‪،۱۰٤ ،‬‬
‫‪ ۱۰٤‬مكررا من قانون العقوبات التي ساوت بين العقوبة في حالة طلب الرشوة او اخذها بالفعل‪ .‬وكذلك نص‬
‫المادة ‪ ٢٦٨‬عقوبات المتعلقة بجريمة هتك العرض التي ساوت بين هتك عرض انسان بالقوة او بالتهديد او‬
‫الشروع في ذلك‪.‬‬
‫واذا كانت القاعدة ان الشروع معاقب عليه في الجنايات دائمـا فـان هناك حاالت استثناها المشرع من العقوبة‬
‫العتبارات خاصة مثل ما نصت عليه المادة ‪ ٢٦٤‬عقوبات من عدم العقاب على الشروع في االجهاض‪.‬‬
‫والحكمة في ذلك واضحة وهي تشجيع مرتكب هذه الجريمة الخاصة التي تتعلق بحماية الجنين على العدول‬
‫حتى ال يمضى في تنفيذ عزمه االجرامي بوسائل اخرى طالما انه معاقب على اية حال‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الجريمة المستحيلة وعقابها‬
‫الشروع والجريمة المستحيلة‬
‫الجريمة المستحيلة هي تلك التي يأتي فيها الجاني نشا ً‬
‫طا بقصد تحقيق نتيجة إجرامية يستحيل ماديًا أو قانونًا‬
‫أن تتحقق لسبب كان يجهله‪ ،‬مهما بلغ قدر العناية التي يبذلها لتحقيقها‪ ،‬وذلك إما ألن موضوع الجريمة ذاته‬
‫غير موجود‪ ،‬وإما ألن الوسيلة التي يستخدمها غير صالحة في الظروف التي استعملت فيها إلحداث النتيجة‪.‬‬
‫وهكذا تبدو المصلحة المحمية جنائيًا في هذا الفرض غير مهددة بخطر ما‪ ،‬حيث كان نشاط الجاني منذ بدايته‬
‫محكو ًما عليه بالفشل وخيبة األثر‪ .‬ومن قبيل ذلك‪ :‬محاولة شخص السرقة من جيب خال أو من خزينة خاوية‪،‬‬
‫أو إجهاض امرأة يعتقدها حبلى بينما هي ليست كذلك‪ ،‬أو قتل شخص قد مات بالفعل‪.‬‬
‫وقد ثار منذ عهد بعيد جدل حول ما إذا كان من المالئم إلحاق الجريمة المستحيلة بالجريمة الخائبة والعقاب‬
‫على الشروع فيهما بذات الشروط‪.‬‬
‫ونقطة البداية في الجدل الذي أثارته فكرة الجريمة المستحيلة هي أنه إذا كان الشروع يتطلب بدء في التنفيذ‪،‬‬
‫فإن هذا يفترض للوهلة األولى أن يكون التنفيذ الكامل ممكنًا لو لم يوقف أو يخيب أثره‪ .‬وهذا يقود إلى تساؤل‬
‫آخر يرتبط به حل مشكلة الجريمة المستحيلة‪ :‬هل يشترط للعقاب على الشروع أن يكون تحقيق النتيجة ممكنًا‬
‫في ذاته‪ ،‬أي من الناحية الواقعية‪ ،‬أم يكفي أن يكون ذلك ممكنًا حسب تقدير الجاني‪ ،‬بصرف النظر عن مدى‬
‫تطابق تقدير‪ ،‬بصرف النظر عن مدى تطابق تقديره مع حقيقة األمور؟‬
‫اإلجابة على هذه التساؤالت تتوقف على المذهب المتبنى في سياستي التجريم والعقاب بشأن الشروع‪.‬‬
‫ويخرج عن إطار الجريمة المستحيلة‪ ،‬رغم تداخلها الظاهري معها‪ ،‬ما يعرف ( بالجرائم الخارقة للطبيعة)‪،‬‬
‫كاالستعانة بالسحر أو الشيطان أو تعويذة أو ممارسة طقوس معينة إللحاق أذى بالغير أو لتحقيق نتيجة‬
‫(إجرامية) أخرى‪.‬‬

‫الجريمة المستحيلة ‪ :‬في هذه الصورة يرتكب الجاني السلوك اإلجرامي كامالً وال تتحقق النتيجة اإلجراميـة‬
‫لـسبب خارج عن إرادته‪ ،‬وهـو ان السلوك اإلجرامي يتضمن منذ ارتكابه وبالنظر الى الظروف التي ارتكب‬
‫فيها استحالة وقوع الجريمة‪.‬‬

‫فالجريمة المستحيلة تتفق مع الجريمة الموقوفة في ان الجاني قد بذل كل نشاطه االجرامي‪ ،‬ولكن الجريمة‬
‫كان يستحيل ان تتم في الظروف التي ارتكبت فيها‪ ،‬مثل ان يطلق الجاني عيارا ناريا على الشخص الذي يريد‬
‫قتله ويتبين انه كان قد توفى قبل ذلك بساعات‪ ،‬او يظهر ان السالح غير صالح لالستعمال‪ ،‬او من يفتح خزانة‬
‫لسرقة ما بها من اموال ومجوهرات فيجدها خاوية او يحاول سرقة‬

‫وتكون االستحالة نسبية من حيث الوسيلة اذا كانت الوسيلة غير كافية لتحقيق الغرض‪ ،‬كمن يضع في االكل‬
‫كمية من السم غير كافية لقتل عدوه‪ ،‬او من يطلق النار من بندقية صالحة اصال ولكن لم يخرج العيار لسبب‬
‫من االسباب‪ .‬وقد نجح هذا الرأي في التخفيف من التطرف الذي انتهى اليه فعاقب على بعض صور االستحالة‬
‫التي تشكل خطورة معينه في الظروف التي ارتكبت فيها‪ ،‬كما انه يتفق مع التفسير المنطقى لصورة الجريمة‬

‫‪24‬‬
‫الخائبه التي يعاقب عليها القانون اسوة بالجريمة الموقوفة‪.‬‬

‫ولكن اخذ على هذا الرأى انه يقيم تفرقة تحكمية لالستحالة ال تستند الى اساس سليم ‪ ،‬فالجريمة اما ان تكون‬
‫ممكنة او مستحيلة الوقوع وال وسط بينهما‪ ،‬ثم انه بالتدقيق في صور االستحالة النسبية فأنـه يبين انها ليست‬
‫اقل استحالة في الظروف التي وقعت وفيها عن االستحالة المطلقة‪.‬‬

‫موقف القضاء من مشكلة الجريمة المستحيلة ‪ ::‬يتضح من استقراء أحكام القضاء المصري في شأن الجريمة‬
‫المستحيلة ‪ ،‬أن محكمة النقض عندنا قد أخذت بالتفرقة بين االستحالة المطلقه‪ ،‬واالستحالة النسبية‪ ،‬وعاقبت‬
‫على الثانية دون األولى‪ ،‬فقد قضت بأنه " متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها إلحداث‬
‫النتيجة المبتغاة فال محل لألخذ بنظرية الجريمة المستحيلة‪ ،‬ألن مقتضى القول بهذه النظرية أال يكون في‬
‫اإلمكان تحقق الجريمة مطلقا النعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صالحية الوسيلة التي‬
‫استخدمت الرتكابها‬

‫كما قضي بالعقاب على الشروع في التسميم إذا كانت المادة المستعملة قد أعطيت بكمية غير كافية إلحداث‬
‫الوفاة أو كان مذاقها السيئ حائال دون تناول المجني عليه الكمية الكافية منها‪ ،‬وقضي بالعقاب كذلك على‬
‫الشروع في التسميم عن طريق وضع زئبق في أذن المجني عليه على الرغم من أن هذا الفعل ال يؤدي الى‬
‫حدوث الوفاة إال إذا كانت باألذن جروح‪ ،‬وهو ما لم يكن متحققا في حالة المجني‬
‫عليه ‪ ،‬وقضي بالعقاب على الشروع في النصب على الرغم من أن المجني عليه كان عالما بكذب الجاني‬
‫بحيث كان انخداعه بحيلته مستحيال‪.‬‬

‫وقـد حـكـم كـذلك بانـه مـا دامـت الوسيلة تصلح بطبيعتهـا لتحقيـق الغـرض المقصود منها‪ ،‬ولكن الجريمة لم‬
‫تتحقق بسبب ظرف خارج عن ارادة الجاني‪ ،‬فإنه بعد شارعا‪« .‬فاذا كان المتهم قد انتوى قتل المجنى عليه‬
‫واستعمل لذلك الغرض بندقية ثبتت صالحيتها‪ ،‬إال ان المقذوف لـم ينطلق منها لفساد كبسولته‪ ،‬وقد ضبطت‬
‫معه طلقة أخرى سليمة ولكن الفرصة لم تتح له الستعمالها‪ .‬فان قول‬
‫الحكم باستحالة الجريمة استحالة مطلقة استنادا الى فساد كبسولة الطلقة التي استعملها المتهم‪ ،‬هو قول ال يتفق‬
‫وصحيح القانون‪».‬‬
‫وقضت أيضا محكمة النقض في حكم آخـر بمـا يفيد االخـذ بالتفرقة بين االستحالة المطلقة واالستحالة النسبية‬
‫فقالت «ال تعتبر الجريمة في عداد الجرائم المستحيلة إال اذا لم يكن في االمكان تحقيقها مطلقا‪ ،‬كأن تكون‬
‫الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البته لذلك‪ .‬اما اذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن لم‬
‫تتحقق بسبب ظرف آخر خارج عن ارادة الجاني‪ ،‬فانه ال يصح القول باالستحالة‪».‬‬

‫‪25‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬عقوبة الشروع في جريمة القتل‬

‫تناول قانون العقوبات رقم ‪ 58‬لسنة ‪ ،1937‬وتعديالته الشروع في القتل‪ ،‬فعرفت المادة ‪ 45‬من قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬وتعديالته معنى الشروع بأنه‪« :‬هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو‬
‫خاب أثره ألسباب ال دخل إلدارة الفاعل فيها‪ ،‬وال يعتبر شروعا في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على‬
‫ارتكاب وال األعمال التحضيرية لذلك»‪.‬‬
‫أخبار متعلقة‬

‫ونصت المادة ‪ 46‬على أنه‪« :‬يعاقب على الشروع في الجناية بالعقوبات اآلتية‪ ،‬إال إذا نص قانونا ً على خالف‬
‫ذلك‪ :‬بالسجن المؤبد إذا كانت عقوبة الجناية اإلعدام‪ ،‬وبالسجن المشدد إذا كانت عقوبة الجناية السجن المؤبد‪،‬‬
‫وبالسجن المشدد مدة ال تزيد على نصف الحد األقصى المقرر قانونا‪ ،‬أو السجن إذا كانت عقوبة الجناية‬
‫السجن المشدد‪ ،‬وبالسجن مدة ال تزيد على نصف الحد األقصى المقرر قانونا أو الحبس إذا كانت عقوبة‬
‫الجناية السجن المشدد‪ ،‬وبالسجن مدة ال تزيد على نصف الحد األقصى المقرر قانونا أو الحبس إذا كانت‬
‫عقوبة الجناية السجن‪.‬‬
‫كما نصت المادة ‪ 47‬على أن تعين قانونا الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع‪.‬‬
‫مكررا‪« :‬يزاد بمقدار المثل الحد األدنى للعقوبة المقررة ألي جريمة إذا وقعت من بالغ‬
‫ً‬ ‫وأوضحت المادة ‪116‬‬
‫على طفل‪ ،‬أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الوالية أو الوصاية عليه أو المسؤول عن مالحظته وتربيته أو‬
‫من له سلطة عليه‪ ،‬أو كان خاد ًما عند من تقدم ذكرهم»‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الخاتمة‬

‫إن الجدل الفقهي الذي ثار حول هذا الموضوع إن دل على شيء إنما يدل على خطورة هذا الفعل و أهميته‬
‫العملية التي نجد تطبيقات كثيرة في العمل القضائي فيما بعد بدءا في التنفيذ يعاقب عليه‪ ،‬و بين ما هو عمل‬
‫تحضيري ال عقاب عليه‪.‬‬
‫اهتمام الفقهاء بالتفرقة بين الجرائم التامة والجرائم غير التامة والعمل التحضيري والبدء في التنفيذ‪ ،‬والعدول‬
‫االختياري والجريمة المستحيلة هذه كلها أمور ساهمت في تحديد األعمال التي يعد من قبيل الشروع وحددت‬
‫أي شروع يمكن العقاب عليه‪ ،‬والمشرع الجزائري كغيره من المشرعين نص على الشروع وعاقب عليه هذا‬
‫ألن الشروع يهدد مصلحة المجتمع ألن عمله إذا لم يوقف لسبب يجهله فإن النتيجة ستتحقق وبالتالي يكون‬
‫أستهدف المجتمع‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫‪ -1‬العمل علي تطبيق مبدأ سيادة القانون‬
‫‪2‬توحيد قانون العقوبات الفلسطيني المطبق في قطاع غزة والضفة الغربية‬
‫‪3-‬محاربة الجريمة وتحقيق الردع العام والخاص للمجرمين والعابثين باستقرار المجتمع‬
‫‪4-‬كفالة المحاكمة العادلة والعلنية للمتهمين بما يضمن سالمة األحكام القضائية‬
‫‪5-‬تطوير نصوص قانون العقوبات الفلسطيني بما يضمن تأثيم الجرائم االلكترونية والحديثة بما‬
‫يواكب تطور المجتمع‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المراجع‬
‫*القرآن الكريم‬
‫**د أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات‪ ،‬ص ‪ 85‬دار النهضة العربية القاهرة‬
‫‪1-‬المادة ‪ 1/30‬قانون العقوبات الفلسطيني رقم ‪ 74‬لسنة ‪1936‬‬
‫‪2-‬المادة ‪ 96‬من مشروع القانون الجنائي العربي الموحد‬
‫‪3-‬المادة ‪ 45‬من القانون الكويتي‬
‫‪4-‬الدكتور ساهر الوليد‪ ،‬األحكام العامة في قانون العقوبات الفلسطيني الجزء األول ص ‪263‬‬
‫‪5-‬الدكتور عبد القادر جرادة مبادئ قانون العقوبات الفلسطيني المجلد األول ص‪164‬‬
‫‪6-‬الدكتور أحمد عوض بالل‪ ،‬مبادئ قانون العقوبات المصري ص ‪ ،312‬دار النهضة العربية القاهرة‬
‫‪7-‬الدكتور أحمد فتحي سرور‪ ،‬مرجع سابق ص ‪439‬‬
‫‪8-‬الدكتور محمود نجيب حسني‪ ،‬علم العقاب ص ‪ ،96‬دار النهضة العربية الطبعة الثالثة‬
‫‪9-‬الدكتور عبد القادر جرادة‪ ،‬مرجع سابق ص‪167‬‬
‫‪10-‬حكم المحكمة العليا الجزائرية في القضية رقم ‪ 82315‬جلسة ‪1991/12/5‬‬
‫‪11-‬الدكتورة أمال عبد الرحيم عثمان‪ ،‬شرح قانون العقوبات ص ‪ ،206‬دار النهضة العربية‬
‫‪12-‬الدكتور ساهر الوليد‪ ،‬مرجع سابق ص‪262‬‬
‫‪13-‬الدكتور عبد القادر جرادة‪ ،‬مرجع سابق ص‪170‬‬
‫‪14-‬الدكتور أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط في قانون العقوبات ص ‪4439‬‬
‫‪15-‬الدكتور محمود نجيب حسني‪ ،‬مرجع سابق ص ‪812‬‬
‫‪16-‬نص جنائي مصري رقم ‪ 2185‬لسنة ‪ 1963‬جلسة ‪1995/1/18‬‬
‫‪17-‬الدكتور عبد القادر جرادة‪ ،‬مرجع سابق ص ‪176‬‬
‫‪18-‬الدكتور محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات ص ‪3879‬‬
‫‪19-‬الدكتور أحمد عوض بالل‪ ،‬مرجع سابق ص ‪346‬‬
‫‪20-‬الدكتور محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون العقوبات ص ‪387‬‬
‫‪21-‬الدكتور أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط في شرح قانون العقوبات ص ‪461‬‬
‫‪22-‬الدكتور عبد القادر جرادة‪ ،‬مرجع سابق ص ‪176‬‬
‫‪23-‬الدكتور عبد القادر جرادة‪ ،‬مرجع سابق ص ‪181‬‬
‫‪24-‬الدكتور ساهر الوليد‪ ،‬مرجع سابق ص‪278‬‬
‫‪25-‬الدكتور علي بدوي‪ ،‬األحكام العامة في القانون الجنائي‪ ،‬الجزء األول ص ‪481‬‬

‫‪28‬‬
‫الفهرس‬

‫المقدمة ‪3 .................................................................................................‬‬
‫المبحث االول ‪ :‬ماهية الشروع ‪6 ......................................................................‬‬
‫المطلب االول تعريف الشروع ‪8 .......................................................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مراحل الشروع وانواعه ‪9 ..........................................................‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الفرق بين الشروع و جرائم التعريض للخطر ‪11 ................................‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اركان الشروع في الجريمة ‪12 ....................................................‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬الركن المادي ( البدء في تنفيذ الجريمة ) ‪14 .....................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الركن المعنوي ( قصد ارتكاب جناية او جنحة ) ‪16 .............................‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬عدم اتمام الجريمة لسبب خارج عن ارادة الجاني ‪17 ...........................‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬العقاب علي الشروع ‪21 ............................................................‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬عقوبة الشروع في الجريمة‪21 .....................................................‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الجريمة المستحيلة وعقابها ‪24 ....................................................‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬عقوبة الشروع في جريمة القتل ‪26 ...............................................‬‬
‫الخاتمة ‪27 ...............................................................................................‬‬
‫المراجع ‪28 ..............................................................................................‬‬
‫الفهرس ‪29 ..............................................................................................‬‬

‫‪29‬‬

You might also like