You are on page 1of 93

‫الفصل الثالث‬

‫(ادلاضي القريب)‬

‫انتقل حسن وحيدر ووالدهتما إىل الطابق‬

‫العلوي من منزل حامت بعد إصرار األخَت‬

‫على ذلك فما كان بينو وبُت والده ُدفِ َن مع‬

‫األخَت بقربه وىو لن يًتك أخويو يعانون‬

‫َشظف العيش وىو على قيد احلياة فوالده‬

‫ب ّدد كل أموال زوجتو اليت ورثتها عن عائلتها‬

‫كما أراد أن يفعل مع والدتو قدديا ولكن‬

‫‪1‬‬
‫احلظ مل يسعفو وقتها‪.‬‬

‫وقد ساعده وجود والدة أخويو مع أدلاسة‬

‫كثَتا خاصة عندما وضعت طفلتهما الثانية‬

‫إيالف بعد مشاري بفًتة قصَتة وأصاهبا‬

‫الو َىن بعدىا وقد حزن كثَتا لوفاة تلك‬


‫َ‬
‫عوضتو‬
‫ادلرأة اليت عرفها لوقت قصَت لكنها ّ‬
‫تفرق بينو وبُت ولديها‬
‫عاطفة األمومة ومل ّ‬
‫أبدا‪.‬‬

‫ابتسم حامت وىو يرى أخويو يهبطان ال َد َرج‬

‫‪2‬‬
‫الداخلي للمنزل ومها على أمت االستعداد‪..‬‬

‫سيقضون اليوم لدى الزىرانية كما ىو متفق‬

‫بكل هناية أسبوع وىو يشعر ابلسعادة أن‬

‫اعتاد أخويو على األطفال ىناك وأحبا‬

‫التواجد معهم ومل يعودا يشعران ابلغربة‬

‫بينهم كما كاان يف بداية األمر وىذا أراحو‬

‫كثَتا خاصة حسن الذي يشعر ابحلساسية‬

‫كثَتا بسبب وضعو‪ ,‬بكل أتكيد حسن أتثّر‬

‫دبعاملة والده لوالدتو أكثر من حيدر الذي‬

‫‪3‬‬
‫كان صغَتا نسبيا وشخصيتو ادلنفتحة خمتلفة‬

‫عن حسن اخلجول االنطوائي نوعا ما لذا‬

‫حياول االقًتاب منو وجعلو يشعر ابلثقة بو‬

‫وبنفسو حىت ال يعاين مثلما عاىن ىو‪..‬‬

‫فهو أكثر َمن يعرف نفسية الطفل الذي‬

‫صح أن يطلق‬
‫يعيش مع أب كوالده إذا ّ‬
‫عليو أب‪.‬‬

‫**‬

‫‪4‬‬
‫الزىرانية‬

‫يراقبها ذبلس بدالل بُت أطفال أعمامها‬

‫تداعب ىذا وتساعد تلك فيبتسم وىو‬

‫يراىا تلعب دور الفتاة الكربى بينهم فتنهر‬

‫ىذا مع ّدلة سلوكو فيما تكافئ تلك على‬

‫سلوكها احلسن‪..‬‬

‫ىي‪ ,‬كربى أحفاد الزىرانية‪ ,‬شيهانة‪,‬‬

‫شعر ابلدىشة عندما أخربتو ابمسها أول مرة‬

‫إال أنو كلما عرفها كلما أت ّكد أنو يليق هبا‪..‬‬

‫‪5‬‬
‫أنثى الصقر بشخصيتها القوية ادلسيطرة‬

‫وادلفًتسة ألي أحد يقًتب من صغارىا وىي‬

‫تعترب أوالد أعمامها مجيعا صغارىا وملكية‬

‫حصرية ذلا وحدىا لذا شعر ابلعداء قليال‬

‫من جهتها ابدلرة األوىل اليت قابلها هبا حىت‬

‫رضيت عنو وابتسمت لو وحليدر وجعلتهما‬

‫جيلسان معهم ويالعبان الصغار بعدما‬

‫مسحت للصغار أن يقًتبوا منهما فكلهم‬

‫أيسبِرون أبمرىا!‬

‫‪6‬‬
‫تلعب دورىا برباعة منقطعة النظَت فمكانتها‬

‫بُت اجلميع خمتلفة عن ابقي األحفاد والكل‬

‫حيبها ويدللها وىذا يثَت حنقو قليال منها‬

‫فهي فتاة صغَتة مدللة تلعب دور األمَتة‬

‫اليت أتمر فتُطاع حىت أ ّن األمر وصل إليو‪,‬‬

‫فعندما رفض أن يلعب معها ادلرة السابقة‬

‫وأخربىا أنو كرب على ألعاب الصغار غضبت‬

‫منو وذباىلت وجوده سباما وىا ىي تواصل‬

‫ذباىلها لو بشكل متقن أاثر غيظو ومرحو‬

‫‪7‬‬
‫ٍ‬
‫آبن واحد‪َ ,‬من ىي حىت تتعامل معو هبذه‬

‫الطريقة؟!‬

‫"حسن إلعب معي"‬

‫قالتها إيالف الصغَتة ابنة حامت أخيو مقاطعة‬

‫أفكاره ذباه شيهانة فابتسم ذلا حبنو وىو‬

‫يومئ موافقا وينهض معها يالعبها ابلكرة‬

‫ببطء ويشاىدىا تركض خلف الكرة‬

‫ضاحكة وىي تتشاجر مع مشاري حىت‬

‫يًتكها ذلا فهي َمن أخذهتا أوال فيقًتب منهما‬

‫‪8‬‬
‫بغيّة حل اخلالف إال أن قتادة ابن خالتها‬

‫لؤلؤة تد ّخل وأهنى اخلالف عندما أعطى‬

‫كرتو اخلاصة ذلا حىت ال ربزن وأخرب مشاري‬

‫أن يبتعد عنها وال يسبب ذلا احلزن مرة‬

‫أخرى فالرجال مهمتهم إسعاد نسائهم‬

‫ومحايتهن وليس إاثرة غضبهن وحزهنن‪..‬‬

‫ابتسم خبفة دمتزجة ببعض احلزن وىو يفكر‬

‫وترّب‬
‫ماذا لو كان ابنا ألحد رجال الزىرانية ّ‬
‫على مبادئهم ورجولتهم؟!‬

‫‪9‬‬
‫ماذا لو كان فردا منهم حقا؟! بكل أتكيد‬

‫ستتغَت كثَتا عما‬


‫ّ‬ ‫كانت حياتو وشقيقو‬

‫ت لألبوة بصلة‪,‬‬
‫عاشاه مع أب ال َديُ ّ‬
‫زفر قليال وىو يفكر أن حامت أخاه األكرب‬

‫حالو أكثر وحشة منو وحيدر‪ ..‬يكفي وفاة‬

‫والدتو أمام عينيو ونشأتو غريبا دبنزل خالتو‬

‫وزوجها والد أدلاسة ولؤلؤة‪..‬‬

‫إال أنو ردبا كان ىذا أفضل لو على األقل‬

‫نشأ بكنف شيخ قبيلة مكانة و ُخلُقا وأتثّر بو‬

‫‪11‬‬
‫وأصبح رجال يفخر كونو أخاه األكرب‪.‬‬

‫أنت تلعب اآلن"‬


‫"إذا‪َ ,‬‬
‫مسع صوهتا أييت من خلفو فابتسم داخلو‬

‫وىو يلتفت ذلا متظاىرا بعدم الفهم‪:‬‬

‫"أجل‪ ,‬ألعب‪..‬إذن؟"‬

‫"دلاذا رفضت اللعب معي؟"‬

‫قالتها شيهانة ببعض الغضب ادلمتزج ابحلزن‬

‫الذي ظهر بعينيها الداكنتُت الساحرتُت‬

‫فشرد للحظات هبما قبل أن جيلي صوتو‬

‫‪11‬‬
‫وىو يشيح بنظره عنها قائال‪:‬‬

‫"مل أكن أريد اللعب وقتها"‬

‫"بل ال تريد اللعب معي خاصة"‬

‫قالتها شيهانة بتأكيد ونربة آدلت قلبو وقبل‬

‫أن ينفي ما قالتو كانت زبتفي من أمامو‬

‫راكضة جمللس النساء ومل يرىا مرة أخرى‬

‫لنهاية اليوم‪.‬‬

‫***‬
‫"دلاذا ال ربب شيهانة؟"‬

‫‪12‬‬
‫سألو حيدر وىو على وشك اخللود للنوم‬

‫فرمقو بدىشة وىو يسألو‪:‬‬

‫"دلاذا تقول ىذا حيدر؟"‬

‫"كلنا الحظنا ابتعادك عنها دوما وعدم‬

‫موافقتك على اللعب معها أو بوجودىا‬

‫وكلما كان اللعب بعيدا عنها وافقت على‬

‫مشاركتنا اللعب ببساطة"‬

‫شرح لو حيدر أفعالو واليت أ ّدت إىل معٌت‬

‫عكسي سباما دلا يشعر بو‪ ..‬ىو حقا ال يكره‬

‫‪13‬‬
‫شيهانة ردبا يغار منها قليال بسبب نشأهتا‬

‫بقبيلة مثل الزىرانية إال أهنا غَتة محيدة‪..‬‬

‫أي ِغبطة‪ ,‬يتمٌت لو كان مثلها ولكنو ال‬

‫يتمٌت أن تذىب منها ىذه النعمة‪..‬‬

‫ىو فقط يشعر ابحلَتة كيف يعاملها!‬

‫ىل يعاملها كفتاة بدأت زبطو على أعتاب‬

‫األنوثة بسنواهتا األربعة عشر؟!‬

‫أم يعاملها كطفلة تلهو وتركض حبرية خاصة‬

‫أن كل ذكور القبيلة يصغروهنا ابلعمر فلم‬

‫‪14‬‬
‫يفصلوا بينها وبينهم بعد‪ ,‬حسب تقاليد‬

‫القبيلة؟!‬

‫ىو يشعر ابالرتباك بوجودىا لذا حياول‬

‫ذبنّب التواجد معها خاصة أنو يكربىا بثماين‬

‫سنوات أي بعُرف القبيلة ال حيق لو التواجد‬

‫معها ولكنها ال سبنحو فرصة لتجنّبها فهي‬

‫تفرض عليو حصارا معنواي كبَتا بتواجدىا‬

‫أمامو دوما بُت اجلميع وطلبها اللعب معها‬

‫يتحجج بشيء ولكنو‬


‫أكثر من مرة وكل مرة ّ‬

‫‪15‬‬
‫أبدا ال يكرىها!‬

‫التفت حليدر حىت خيربه أنو ال يكرىها ولكنو‬

‫ط ابلنوم بسهولة كعادتو‪..‬‬


‫وجده غ ّ‬

‫ابتسم حبنو وىو حيكم غطاءه فوقو مفكرا‬

‫أن نوم حيدر السريع والثقيل نعمة من هللا‬

‫فلم يشهد أغلب شجارات والديو وتعنيف‬

‫وإىانة والده لوالدتو ادلعتادة وىذا محاه دما‬

‫يشعر ىو بو اآلن‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫***‬
‫"ما ِ‬
‫بك شيهانة؟ مل تشاركينا ابللعب اليوم‬
‫ِ‬
‫كعادتك!"‬

‫سألتها َو َىج ابىتمام فأجابتها شيهانة‪:‬‬

‫"شعرت ابلتعب"‬

‫رمقتها ريفال دبكر وىي تسأذلا‪:‬‬


‫ِ‬
‫"شعرت ابلتعب أم ابحلنق؟"‬
‫"دلاذا ستشعر ابحلنق؟ ِ‬
‫ودمّن؟"‬

‫سألت شادن بفضول فأجابتها ريفال بنفس‬

‫‪17‬‬
‫ادلكر‪":‬من حسن ألنو رفض اللعب معها‬

‫أكثر من مرة"‬

‫"بكل أتكيد لديو سبب فهو حنون ورقيق"‬

‫قالت غزل برقة فرمقتها َو َىج اببتسامة‬

‫لرقتها اليت رببها فيما لوت ريفال شفتيها‬

‫ويعمق‬
‫حبنق من رقتها اليت تشعرىا بشقاوهتا ّ‬
‫شعورىا قول شقيقها مراد كوين رقيقة كغزل‬

‫وال تتصريف كصيب ىكذا!‬


‫"أتفق ِ‬
‫معك غزل‪ ,‬حسن جيد حقا وأفضل‬

‫‪18‬‬
‫من حيدر الذي يغضبٍت دوما‪ ..‬أريد أن‬

‫أتزوج حسن عندما أكرب"‬

‫قالتها شادن كعادة األطفال مع أي شخص‬

‫لطيف معهم فابتسمت ذلا َو َىج وغزل فيما‬

‫رمقتها شيهانة بغيظ قبل أن تنهض قائلة‪:‬‬

‫"سأذىب للنوم‪ ,‬لدي دروس كثَتة غدا"‬

‫وقبل أن تعلّق إحداىن كانت تنسحب‬

‫لغرفتها بصمت‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫***‬
‫(ىل تكرىٍت ذلذا احلد؟!)‬

‫صدى صوهتا جبملتها اليت صعقتو تلك ادلرة‬

‫مازال يًتدد داخلو منذ مواجهتها لو‬

‫بتصرفاتو الغريبة معها خاصة آبخر زايرة كان‬

‫هبا ابلزىرانية وىو يف حَتة من أمره فيومها مل‬

‫يستطع أن جييبها فقد ظهرت ابنة عمها‬

‫َو َىج وىي أقرهبن ذلا تناديها ألن والدهتا‬

‫تريدىا أبمر ما فغادرت بعد أن أىدتو نظرة‬

‫‪21‬‬
‫لوت قلبو من األمل عليها‪.‬‬

‫"يف الزايرة التالية سأخربىا أنٍت ال أكرىها‬

‫أبدا بل أان‪"...‬‬

‫سبتم حسن مث توقف عن التمتمة وىو يفكر‬

‫أان ماذا؟!‬

‫ماذا سأخربىا عن تصرفايت الغريبة معها؟!‬

‫ىل أخربىا أهنا تربكٍت؟ أم أنٍت ال أحب‬

‫التواجد قرهبا!‬

‫أي سبب من األسباب اليت سبوج داخلو‬

‫‪21‬‬
‫ستجرحها وىو ال يريد جرحها أبي شكل‬

‫من األشكال ولكنو أيضا ال يريد أن يكون‬

‫جوارىا‪ ..‬ال يريد أن أيمل بشيء لن يتحقق‪,‬‬

‫إن مشواره طويل جدا حىت يكون الئقا ألي‬

‫فتاة فما ابلك أبمَتة الزىرانية؟!‬

‫ويف الزايرة التالية وجدىم قد فصلوا‬

‫الفتيات عن الشباب‪ ..‬وعلى قدر سعادتو‬

‫أنو لن يتواجو معها مرة أخرى على قدر‬

‫حزنو أنو لن يراىا حولو بطلّتها ادلَلَكية‬

‫‪22‬‬
‫كأمَتة من العصور الوسطى تسيب قلوب‬

‫الرعية دون أن تفعل شيئا‪ ,‬يكفيها أن تظهر‬

‫أمامهم فقط فتَ ِخر القلوب معلنة عشق ليس‬

‫مثلو عشق‪.‬‬

‫***‬
‫"ماذا تقول اي شيخ انصر؟ أسيًتك ولدك‬

‫بنات عمو سليم ويتزوج من غريبة مثل‬

‫حرب ابن أخيك؟! ىل توافقو على ىذا‬

‫اجلنون؟"‬

‫‪23‬‬
‫قالتها زوجة انصر بعدم تصديق ليتململ‬

‫غازي دبكانو‪ ,‬كان خيشى رد فعل والدتو إال‬

‫أن زواج حرب من خارج العائلة جعل‬

‫الشجاعة تتملّكو ففاتح والده ابألمر وتركو‬

‫ىو خيرب والدتو إال أن رد فعل والدتو اآلن‬

‫جعلو يشعر ابحلزن‪ ..‬ال يريد أن يتزوج دون‬

‫موافقة والدتو إال أنو حقا مل تلفت نظره أي‬

‫واحدة من بنات عمو فماذا يفعل؟!‬

‫ىو أحب محدة ويريد الزواج هبا وأيمل أن‬

‫‪24‬‬
‫يقنع والده والدتو ابألمر‪.‬‬

‫"لن أفرض رأيي ورغبيت على األوالد اي أم‬

‫غازي‪ ..‬ىو يريد محدة وىي ليست غريبة‪,‬‬

‫ردبا ليست ابنة عمو القريبة إال أهنا تعترب من‬

‫العائلة أيضا وال يعيبها شيء‪.‬‬


‫أم أن ِ‬
‫لديك حديث آخر؟"‬

‫قال انصر هبدوء وحكمة فأسرعت زوجتو‬

‫ابإلجابة‪":‬بل ىي زينة الفتيات ولكن‪"...‬‬

‫صمتت ومل تكمل حديثها مث نظرت لغازي‬

‫‪25‬‬
‫وىي تقول‪":‬إذا تريد محدة وتسَت على‬

‫خطى ابن عمك حرب؟ أرجو ّأال يفعل‬

‫الباقي ىكذا وإال ستذىب فتياتنا خلارج‬

‫القبيلة على غَت عاداتنا وما نشأان عليو"‪.‬‬

‫***‬
‫رفرفت برموشها تتمطى بكسل وىي تفتح‬

‫عينيها ببطء ليصطدم بصرىا بعينُت‬

‫سوداوين تنظران ذلا بلهفة وعشق جعال‬

‫قلبها خيفق بقوة ويدىا سبتد للغطاء ترفعو‬

‫‪26‬‬
‫ألعلى عنقها تكاد زبفي وجهها لتسمع‬

‫ضحكتو الرجولية اخلشنة قبل أن دييل عليها‬

‫يشاكسها وىو جيذب الغطاء من يدىا‬

‫ىامسا‪":‬ال يوجد مكان لتهريب مٍت"‬

‫منك أبدا‪ ,‬بل أريد‬


‫"ولكٍت ال أريد اذلرب َ‬
‫اذلرب فيك"‬

‫قالتها خنساء حبب فانتشت رجولتو حببها‬

‫ضمها لو بقوة وىو‬


‫الظاىر بكل حملة منها مث ّ‬
‫ِ‬
‫أصبحت‬ ‫يهمس ذلا‪":‬مازلت ال أص ّدق ِ‬
‫أنك‬

‫‪27‬‬
‫يل‪ ,‬وكأنٍت حبلم طويل ولكٍت ال أريد‬

‫االستيقاظ منو أبدا"‬

‫عنك أبدا حرب"‬


‫"وأان ال أريد االبتعاد َ‬
‫قالت خنساء بقلق وىي تشعر بشيء يقبض‬

‫صدرىا فربّت على وجنتها حبنو وىو يقول‪:‬‬

‫عٍت؟‬ ‫ِ‬
‫إبعادك‬ ‫"ومن جيرؤ على‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫لقد ِ‬
‫وقعت يف الفخ"‬

‫قال اجلملة األخَتة غامزا إايىا دبرح‬

‫فابتسمت لو حبب وىي تقول‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫"وال أريد اخلروج منو أبدا"‪.‬‬

‫****‬
‫عاد إىل ادلنزل ال يعرف كيف سيخرب ابنو‬

‫عما حدث‪..‬‬
‫ّ‬
‫لقد شعر ابلصدمة ووالد محدة خيربه أنو‬

‫يريده أبمر ما فظنّو أمر متعلق ابلعمل وف ّكر‬

‫أن الفرصة لديو ليخربه عن طلب ابنو وحيدد‬

‫معو موعدا إال أن الصدمة شلّت لسانو‬

‫واآلخر خيربه عن عقد قران محدة ابنتو على‬

‫‪29‬‬
‫ابن عمها بنهاية األسبوع ويريده أن يكون‬

‫يشرفو ىذا‪ ..‬مل يستطع أن‬


‫متواجدا وسوف ّ‬
‫خيربه عن رغبة غازي اببنتو فالفتاة بعرفهم‬

‫أصبحت متزوجة وال حيق ألحد طلبها‪.‬‬

‫قابلو غازي ابحلديقة اخلارجية سائال إايه‬

‫بلهفة عما حدث‪":‬ماذا حدث اي شيخ؟‬

‫ىل طلبتها؟ ىل وافق والدىا؟"‬

‫رمقو انصر بصمت للحظات قبل أن جيلي‬

‫صوتو وىو يقول‪":‬اتبعٍت غازي"‬

‫‪31‬‬
‫دخل معو للمجلس وغازي خلفو قلق من‬

‫رد فعل والده الغريبة وما إن جلس حىت بدأ‬

‫ابلقول‪":‬أنت تعلم أن الزواج قسمة‬


‫َ‬ ‫والده‬

‫ونصيب وأن لكل فرد نصيبو ادلكتوب‬

‫عند هللا"‬

‫رمقو غازي بعدم فهم للحظات قبل أن تغتم‬

‫مالحمو وىو يقول‪":‬ىل رفض والدىا؟‬

‫حسنا سأكرر طليب بعد فًتة علّو يوافق‬

‫وقتها‪ ,‬ردبا جيدىا صغَتة على الزواج"‬

‫‪31‬‬
‫أطرق والده برأسو للحظات قبل أن‬

‫يقول‪":‬مل أجد الفرصة حىت ألعرض عليو‬

‫طلبك بٍت فما إن رآين حىت أخربين عن عقد‬

‫قران محدة على ابن عمها بنهاية األسبوع‬

‫ودعاين حلضوره"‬

‫بدت الصدمة على مالمح غازي جليّة‬

‫لوالده فشعر ابلتعاطف معو ولكن ماذا بيده‬

‫أن يفعل؟‬

‫ما إن أخربه حىت ذىب للرجل ولكن يبدو‬

‫‪32‬‬
‫أنو ال نصيب بينو وبُت الفتاة‪.‬‬

‫"غازي‪ ,‬لعلّو خَت بٍت"‬

‫قال انصر حبزن فأومأ غازي بصمت موافقا‬

‫مث استأذن من والده وغادر اجمللس إىل‬

‫اسطبل اخليول واعتلى فرسو وأسرع يسابق‬

‫الريح بو وكل تفكَته أهنا خدعتو!‬

‫لقد مثّلت عليو احلب مث وافقت على ابن‬

‫عمها ببساطة وكأنو مل دير حبياهتا قط!‬

‫‪33‬‬
‫***‬
‫"أمي أتوسل ِ‬
‫إليك ال أريد الزواج من رفيق‪,‬‬

‫أخربي أيب أن يرفضو‪ ..‬أان‪"....‬‬

‫قالت محدة فقاطعتها والدهتا وىي سبسك‬

‫ذراعها بقسوة‪":‬أخربه أن يرفض ابن شقيقو‬

‫من أجل غازي أليس كذلك؟ غازي الذي‬


‫غازلك وتر ِ‬
‫كك بكل بساطة ومل حياول حىت‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫خدعك ابن الشيخ‬ ‫الزواج ِ‬
‫بك! لقد‬

‫اي ابنة بطٍت"‬

‫‪34‬‬
‫ّلوحت ذلا رافضة ما تقولو‪":‬ال‪ ,‬بل حيبٍت‬

‫وأخرب والده عٍت لقد أخربين أنو سيتزوجٍت‬


‫أمي‪ ,‬أتوسل ِ‬
‫إليك ال أريد رفيق أريد غازي‪..‬‬

‫كيف أتزوج برفيق وأان أحب غازي؟!"‬

‫صفعة تليها أخرى كانت إجابة والدهتا على‬

‫حديثها وىي زبربىا بقسوة تربّت عليها‪:‬‬


‫ِ‬
‫سيدفنك‬ ‫مسعك ِ‬
‫والدك‬ ‫"اخرسي‪ ,‬لو ِ‬

‫ِ‬
‫وأعرفك جيدا‬ ‫ِ‬
‫والدتك‬ ‫ِ‬
‫مكانك‪ ..‬لوال أنٍت‬
‫لظننت ِ‬
‫بك سوءا وىذا لن يكون رأي‬

‫‪35‬‬
‫ِ‬
‫والدك أو أي أحد آخر يسمع ما تقولُت‬
‫ِ‬
‫أخربك‬ ‫ِ‬
‫صوتك وإذا‬ ‫لذا‪ ..‬ال أريد مساع‬
‫ِ‬
‫والدك عن الزفاف فابتسمي خبجل وفقط‬
‫ىذا لو ِ‬
‫سألك فبعرفنا النساء ال تُسأل"‪.‬‬

‫***‬
‫"إىل أين ذىب غازي اي شيخ؟ أين ابٍت‬

‫اي انصر؟"‬

‫قالتها والدة غازي حبزن وىي تشعر ابحلسرة‬

‫على ابنها الذي غادر منذ علم بعقد قران‬

‫‪36‬‬
‫محدة وال تعلم عنو شيئا منذ ذلك الوقت‪.‬‬

‫"اىدأي اي أم غازي‪ ,‬ىو خبَت ومعو عمران‬

‫وغسان أيضا فقط كان يف حاجة لالبتعاد‬


‫ّ‬
‫عن ىنا لبعض الوقت حىت يلتئم جرحو"‬

‫قاذلا انصر هبدوء دمتزج حبزن على ولده‬

‫البكري وشيخ القبيلة من بعده وما حيدث‬

‫معو‪ ..‬يشعر بو جيدا وكيف ال وىو قطعة‬

‫من روحو إال أنو ليس بيده شيء لألسف‪,‬‬

‫فابن عمها أوىل هبا كما تربّوا مجيعا‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫"أخربتكم من البداية أن بنات عمو أوىل بو‪,‬‬

‫ىا ىي تسببت بًتكو البلدة وال أعلم إذا‬

‫كان سيعود أم ال"‬

‫قالت والدة غازي حبزن وغم فربّت انصر‬

‫على كتفها مواسيا وىو يقول‪":‬غازي رجل‪,‬‬

‫هزه شيء كهذا ىو فقط حيتاج أن‬


‫ولن ي ّ‬
‫يبتعد قليال وسيعود أفضل دما كان"‬

‫***‬

‫‪38‬‬
‫عقد قران وزفاف محدة ورفيق‬

‫رضيت محدة ابألمر الواقع وصمتت كما‬

‫أخربهتا والدهتا وماذا كان بيدىا أن تفعل؟!‬

‫لقد كتبت رسالة ل غازي حىت يعلم أهنا مل‬


‫زبنو‪ ,‬أهنا أ َِ‬
‫ُجربت على الزواج من ابن عمها‬

‫مزقتها ومل ترسلها فقد خشيت أن‬


‫إال أهنا ّ‬
‫تقع الرسالة بيد أحد وربدث فضيحة أو‬

‫يفعل غازي شيئا متهورا تكون عاقبتو وخيمة‬

‫عليهما معا‪ ..‬مث ماذا بيده أن يفعل؟!‬

‫‪39‬‬
‫الشيء بكل أسف‪.‬‬

‫قاطع أفكارىا دخول والدهتا مع زوجة عمها‬

‫والدة العريس حىت يرافقاىا لشقتها اليت‬

‫تعلو شقة محاهتا فسارت معهما هبدوء‬


‫وقلبها ينبض خبوف دما ىو ِ‬
‫آت أدخالىا‬

‫غرفة النوم وساعدهتا والدهتا بتبديل مالبسها‬

‫مث تركتها تنتظر عريسها وىي توصيها أن‬

‫تنتبو لزوجها وال تغضبو وأن تكون امرأة‬

‫جيدة معو ومع محاهتا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫حلظات بعد خروجها مسعت ابب الشقة‬

‫يغلق مث خطوات تقًتب من ابب الغرفة وما‬

‫إن فُتِ َح ابب الغرفة حىت انتفضت خبوف‬

‫فضحك رفيق وىو يقول‪:‬‬


‫"دلاذا ِ‬
‫خفت ىكذا محدة؟ إنو أان ال تقلقي"‬

‫ابتسمت لو ابىتزاز فاقًتب منها وىو خيلع‬

‫جلبابو ويلقيو على مقعد جانيب وىو ينظر‬

‫إليها حبنو يتح ّدث معها برفق مث سأذلا‪:‬‬

‫"ىل تريدين تناول الطعام؟"‬

‫‪41‬‬
‫رفضت حبركة من رأسها فاتسعت ابتسامتو‬

‫غرة فصاحت خبوف قبل‬


‫ليحملها على حُت ّ‬
‫أن هتدأ وىي ذبد نفسها بُت ذراعيو على‬

‫الفراش حي ّدثها برفق مل تظنو موجودا اببن‬

‫عمها وسرعان ما وجدت نفسها تنظر إليو‬

‫نظرة خمتلفة عما عرفتو عنو قبال‪..‬‬

‫لقد ظنّتو سيكون خشنا ال يراعيها كما‬

‫مسعت من معظم الفتيات الاليت تزوجن‬

‫قبلها فكرىت الزواج وقتها إال أنو خالف‬

‫‪42‬‬
‫ظنّها وجعلها تطمئن بُت ذراعيو تشعر‬

‫ابألمان الذي مل تشعر بو دبنزل والدىا حىت‬

‫فوالديها تباراي دوما يف قسوهتما عليها‬

‫خاصة أهنا االبنة الوحيدة ذلما ومل يستطيعا‬

‫جلب الولد الذي أراداه فرضيا هبا على‬

‫مضض‪.‬‬

‫*‬

‫بعد فًتة‬

‫اعي حقا؟!"‬
‫ر‬ ‫ذ‬ ‫بُت‬ ‫"ىل أان أحلم أم ِ‬
‫أنك‬
‫ّ‬

‫‪43‬‬
‫مهس ذلا رفيق فابتسمت خبجل وىي تدفن‬

‫وجهها بصدره فضمها لو حبنو وىو يهمس‬


‫ذلا‪":‬وأخَتا ربقق حلمي بضم ِ‬
‫ك بُت ذراعي‬ ‫ّ‬
‫اي ابنة عمي"‬

‫استكانت على صدره وىي تشعر أهنا‬

‫تكتشف كل حلظة شيئا جديدا عن ابن‬

‫عمها الذي مل ذبتمع معو منذ زبطّت‬

‫وربجبت عنو واحتجزىا‬


‫عهد الطفولة ّ‬
‫والداىا ابدلنزل إال من زايرات خاطفة لبيت‬

‫‪44‬‬
‫األقارب‪..‬ىل حقا كان حيلم هبا؟!‬

‫أجاهبا صوت داخلها (كل دلسة ومهسة منو‬

‫تؤّكد ذلك)‬

‫ابتسمت خبجل وأنفاسها هتدأ والنوم يداعب‬

‫جفنيها لتجد نفسها تسألو ىامسة بفضول‪:‬‬

‫"وىل كانت احلقيقة أفضل أم احللم؟"‬

‫وآخر ما مسعتو كان مهسو العاشق‪:‬‬

‫"احلقيقة أفضل دباليُت ادلرات"‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫****‬
‫"ال أص ّدق أن محدة تزوجت آبخر غَت‬

‫غازي بعد ما كان بينهما!"‬

‫قالتها خزامى بصدمة لتصمتها عود قائلة‬


‫"اصمت خزامى لو ِ‬
‫مسعك أحدىم‬ ‫ِ‬ ‫خبوف‪:‬‬

‫لظن هبما سوءا"‬


‫ّ‬
‫قالت ُرّب دبرارة العارف دبا حيدث‪:‬‬

‫"وماذا كان بيدىا أن تفعل؟ حىت غازي‬

‫مل يكن بيده ما يفعلو‪ ,‬إهنا العادات اليت‬

‫‪46‬‬
‫تنتصر ابلنهاية مهما كانت رغباتنا وأحالمنا‬

‫أفضل شيء ّأال حنلم حىت ال نصاب‬

‫خبيبة أمل ربطّم ذلك احللم"‬

‫نظرت ذلا عود حبزن فيما قالت خزامى‬

‫علي‬
‫ّ‬ ‫يفرض‬ ‫أن‬ ‫أقبل‬ ‫لن‬ ‫"ولكٍت‬ ‫د‪:‬‬‫بتمر‬
‫ّ‬
‫أحدىم شيئا أبدا"‬

‫رمقتها ُرّب أبسف فيما قالت عود بشرود‪:‬‬

‫"أسبٌت أن يكون أيب خمتلفا"‪.‬‬

‫***‬

‫‪47‬‬
‫بعد شهر تقريبا عاد غازي لبلدتو وقد سلّم‬

‫ابألمر الواقع إال أنو كان ىناك غصة داخل‬

‫قلبو دما حدث خاصة عندما ذاع نبأ محل‬

‫محدة من زوجها وابن عمها رفيق‪..‬‬

‫دلاذا مل يُق ّدر لو أن يتزوج دبَن أحبها!‬

‫ىل قدره سيكون مثل عمو محدان؟!‬

‫لقد ح ّدثو جده عزيز الباشا عنو وىو طفل‬

‫وشاىد صوره اليت كان حيتفظ هبا جده‬

‫بعناية وأخربه أنو أحب فتاة من قبيلة‬

‫‪48‬‬
‫الزىرانية إال أن عبيد الزىراين خطفها منو‬

‫وآمل قلبو فكان حب تلك الفتاة لعنة لو لذا‬

‫ترك البلدة وغادر خارج الوطن كلو ومل يتب ّق‬

‫منو سوى صور يرسلها إليو كل فًتة حىت‬

‫انقطعت أخباره بعد وفاة جده‪.‬‬

‫فهل سيكون مصَته كمصَت عمو؟!‬

‫***‬
‫(احلاضر)‬

‫مل يرىا منذ فًتة طويلة تقريبا سنوات إال من‬

‫‪49‬‬
‫حملات خاطفة ال تسمن وال تغٍت من جوع‪,‬‬

‫ابلواقع ىو يتحاشى التواجد دبنزذلا ويلتزم‬

‫دبنزل عمو فيصل ويبدو أهنا تفعل ادلثل فلم‬

‫تتالقى طرقهما مباشرة على الرغم أهنما‬

‫جبامعة واحدة إال أن القدر أّب أن جيمعهما‬

‫معا ولو صدفة‪..‬‬

‫وبداخلو تساءل تُ َرى كيف أصبحت‬

‫اآلن؟!‬

‫ستبلغ احلادية والعشرين الشهر القادم‬

‫‪51‬‬
‫ربديدا يف بداية شهر سبتمرب‪ ..‬أجل لقد‬

‫حفظ اتريخ ميالدىا بكل يسر فهو َمن قام‬

‫ابلتقدًن ذلا ابجلامعة بطلب من عمو مصعب‬

‫لن يبالغ لو قال أنو حفظ كل تفاصيلها‬

‫الورقية والشخصية أيضا وكل ىذا دون‬

‫إرادتو فهي تتغلغل داخلو دون جهد منو‬

‫وكأهنا ولدت لتكون دائو ودوائو‪.‬‬

‫زفر بضيق وىو دير ابلقرب من منزذلم فقد‬

‫لعمو فيصل من‬


‫أرسلو حامت أبوراق ىامة ّ‬

‫‪51‬‬
‫أجل العمل فهو مل يستطع الذىاب بسبب‬

‫عمل طارئ ابدلكتب لذا أرسلو بدال منو‬

‫ابلواقع كان سَتسل حيدر إال أنو تربّع للقيام‬

‫بذلك حبجة أن حيدر يف اجلامعة وسيتأخر‬

‫اليوم دبحاضراتو‪.‬‬

‫ليتجمد حادلا فتحت لو شيهانة‬


‫ر ّن اجلرس ّ‬
‫ورد فعلها مل يكن أبفضل منو فقد ظلّت‬

‫صامتة للحظات قبل أن تدخل إىل ادلنزل‬

‫مرة أخرى وىي زبربه جبفاء‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫"ادخل جمللس الرجال‪ ,‬أظنك تعلم مكانو‬

‫وعمي فيصل سيقابلك ىناك"‬

‫عض على شفتيو غيظا من طريقتها معو إال‬


‫ّ‬
‫أنو ذىب للمجلس كما أخربتو وانتظر عمو‬

‫وأصر عليو أن‬


‫مرحبا بو ّ‬
‫فيصل حىت جاء ّ‬
‫يتناول معهم الغداء فشيهانة َمن أعدتو‬

‫فليتذوقو وخيربىا برأيو بكل‬


‫ّ‬ ‫اليوم لذا‬

‫صراحة‪.‬‬

‫"أىناك شيء آخر جيعلها تكرىٍت أكثر من‬

‫‪53‬‬
‫رأيي ابلطعام الذي صنعتو؟!"‬

‫سبتم حسن داخلو قبل أن حياول االعتذار‬

‫أصر عليو أن‬


‫إال أن فيصل مل يًتكو بل ّ‬
‫يتناولو معو وقد فعل!‬

‫ولدىشتو أكل أصنافا مل يكن حيبها من‬

‫األساس‪ ,‬فقط ألهنا َمن صنعتها وللحق فقد‬

‫كان أشهى طعام أكلو لسنوات‪..‬‬

‫ىذه الفتاة موىوبة حقا‪ ,‬سبنح كل شيء‬

‫تفعلو نكهة دميزة مثلها وىذا ما كان خيشاه‬

‫‪54‬‬
‫من قربو منها‪..‬‬

‫فها ىو يقع دبنحدر مشاعري عميق خيشى‬

‫تبعاتو‪.‬‬

‫***‬
‫تتذمر‪":‬اجللف‪ ,‬تناول‬
‫دخلت غرفتها وىي ّ‬
‫الطعام دون أن خيربين برأيو أو حىت‬

‫يشكرين‪ ..‬ما ىذا الكائن ال أعلم!"‬


‫ِ‬
‫نفسك شيهانة؟!"‬ ‫"ىل رب ّدثُت‬

‫ابدرهتا َو َىج بريبة واليت تنتظرىا ابلغرفة كما‬

‫‪55‬‬
‫أخربهتا برسالة على اذلاتف منذ قليل‬

‫فانتبهت ذلا شيهانة وىي زبربىا عن حسن‬

‫الذي تناول الطعام وغادر دون كلمة‬

‫شكر أو مدح واحدة‪..‬‬

‫"ال أعلم دلاذا يكرىٍت ىكذا؟!"‬

‫قالتها شيهانة حبزن فأجابتها َو َىج‪:‬‬


‫ِ‬
‫يكرىك شيهانة على العكس سباما إنو‬ ‫"ال‬
‫يق ّد ِ‬
‫رك كثَتا"‬

‫"إذا دلاذا يتجاىلٍت دوما؟ ال يفعل ذلك مع‬

‫‪56‬‬
‫سواي!"‬

‫ما أن أهنت مجلتها حىت بكت حبرقة غريبة‬

‫ال تفهم ِملَ يهمها رأيو وحديثو معها ذلذا‬

‫احلد!‬

‫دلاذا ىو خاصة َمن تنتظر كالمو أو نظراتو‬

‫أو أي شيء خيصو؟!‬

‫ظلّت َو َىج تنظر ذلا ابنشداه للحظات فلم‬

‫َتر شيهانة تبكي بسبب أحدىم هبذه ادلرارة‬

‫قبال وال تفهم دلاذا هتتم برأي حسن وعالقتو‬

‫‪57‬‬
‫هبا ذلذا احلد!‬

‫أو ابألحرى تفهم ذلك لذا تتعاطف معها‬

‫وتشعر هبا‪ ..‬أال تفعل مثلها اآلن؟!‬

‫نظرة واحدة غاضبة منو ذبعلها ال تنام ألايم‬

‫وال تعلم كيف تسألو عما يغضبو وىو ال‬

‫يتعامل معها أبدا‪..‬‬

‫حىت إذا تالقت طرقهما يتعامل معها برمسية‬

‫تثَت غيظها منو وكأهنا ليست ابنة عمو‬

‫خاصة أنو ال يفعل ذلك مع البقية‪,‬‬

‫‪58‬‬
‫إذا دلاذا ىي؟!‬

‫"اىدأي شيهانة‪ ,‬ابلتأكيد يوجد تفسَت‬

‫لذلك‪ ..‬ردبا يشعر أنو غريبا عن العائلة لذا‬


‫يشعر ابحلرج أن يتح ّدث ِ‬
‫معك خاصة أن‬

‫الفارق بُت عمريكما قريب وىو يعلم غَتة‬


‫عمي مصعب ِ‬
‫عليك فال يريد إاثرة غضبو‬

‫منو‪"..‬‬

‫قالت َو َىج بتأكيد وكأن حسن أخربىا أن‬

‫ىذا ىو السبب ابلفعل فنظرت ذلا شيهانة‬

‫‪59‬‬
‫أبمل وىي تقول‪":‬ىل تظنُت ىذا حقا؟!"‬

‫أومأت َو َىج وىي تقول بتأكيد‪:‬‬

‫"أجل‪ ,‬ىذا ىو السبب ادلنطقي الوحيد"‬

‫لتتابع داخلها (أو ألنو يشعر حببك لو‬


‫فيتحاشى التواجد ِ‬
‫معك ألنو ال يشعر ابدلثل‬
‫لذا يبتعد عن طر ِ‬
‫يقك حىت ال تفهمي‬

‫مشاعره بطريقة خاطئة)‬

‫ذبمدت للحظات مكاهنا وحديث نفسها‬


‫ّ‬
‫يقع بقلبها فيشطره لنصفُت!‬

‫‪61‬‬
‫إذا ىذا ىو سبب تباعده وجفاءه معها‬

‫أيضا!‬

‫إذا ما مسعتو صدفة ىو احلقيقة!‬

‫وكان تفكَتىا ىذا كفيل أبن تستأذن من‬

‫شيهانة لتغادر متحججة ابنتظار والدهتا ذلا‬

‫لفعل شيء ما وحادلا وصلت منزذلم وجدتو‬

‫أمامها مباشرة فلم ربتمل رؤيتو هبذا الوقت‬

‫خصيصا وكل ىذه ادلشاعر سبوج داخلها فلم‬

‫ومن معو بل دخلت‬


‫تلقي حىت التحية عليو َ‬

‫‪61‬‬
‫رأسا إىل غرفتها ومل زبرج منها حىت اليوم‬

‫التايل ليال وتظاىرت ابدلرض حىت ال يسأذلا‬

‫أحدىم عما هبا وإن ش ّكت أن والدهتا مشوخ‬

‫تعلم جيدا ما هبا فقد منعت اجلميع أن‬

‫يدخل ذلا حبجة العدوى وتركها حىت تستعيد‬

‫عافيتها فاكتفوا ابلتواصل عرب اذلاتف‬

‫لالطمئنان عليها أما مشوخ فقد قالت ذلا‬

‫مجلة مازالت تدور خبلدىا حىت ىذه‬


‫اللحظة‪( :‬ال تتسرعي بتسليم ِ‬
‫قلبك ألحدىم‬ ‫ّ‬

‫‪62‬‬
‫اي و َىج وانتظري اختيار هللا ِ‬
‫لك فاختياره‬ ‫َ‬
‫أفضل وعوضو أمجل)‬

‫****‬
‫لك اي مراد‪ ,‬أتوق‬
‫"إذا مىت سأطلب َو َىج َ‬
‫إلغاظة سلطان ألنٍت سآخذ ابنتو منو"‬

‫قال بتّار دبرح لولده مراد وىم يتناولون‬

‫العشاء مجيعا فتوقّفت ريفال وجوزال عن‬

‫الطعام وحاولت جوزال الرد قبل ولدىا‬

‫فقالت‪":‬مازال الوقت ابكرا على الزواج‬


‫بتّار"‬
‫‪63‬‬
‫عقد بتّار حاجبيو وىو يقول‪":‬أي ابكر ابهلل‬
‫يك جوزال؟ إن ِ‬
‫ولدك يطلبها منذ طفولتو‬ ‫عل ِ‬

‫مث إنو أصبح رجال وىي أصبحت فاتنة‬


‫كخالتها أم ِ‬
‫أنك ستقومُت بدور احلماة منذ‬

‫اآلن؟!"‬

‫قبل أن ترد جوزال ورباول صرفو عن ىذا‬

‫األمر حىت ال ربدث مشادة بينو وبُت مراد‬

‫كان األخَت يتوىل الرد على والده‪:‬‬

‫"ولكٍت ال أريد الزواج من َو َىج أيب‪,‬‬

‫‪64‬‬
‫ما حدث قدديا كان حديث أطفال وعندما‬

‫نضجت علمت أنٍت ال أكن ذلا مشاعر‬

‫خاصة بل ىي مثل جوزال لدي"‬

‫رمقتو ريفال شقيقتو بتحذير إال أنو مل يلقي‬

‫ذلا ابال فقد آن األوان ليضع النقاط على‬

‫احلروف يف ىذا األمر الذي طال وزاد عن‬

‫حده إال أنو مل يكن مستعدا لرد فعل والده‬

‫العنيف فقد انتفض واقفا وىو يهتف بو‪:‬‬

‫"ماذا تقول اي ابن بتّار؟ أترفض ابنة عمك‬

‫‪65‬‬
‫وتًتكها للغريب؟ أال تعلم أن ىناك َمن طلبها‬

‫من عمك ولوال أنٍت مل أفاتح عمك سلطان‬

‫ابألمر مباشرة كنت أخربت الرجل أهنا‬

‫خمطوبة ابلفعل البن عمها‪ ..‬واآلن زبربين أهنا‬

‫مثل أختك!"‬

‫ىم مراد ابلتحدث إال أن بتّار مل دينحو‬


‫ّ‬
‫الفرصة لذلك فقد أخربه بنربة قاطعة‬

‫صارمة‪":‬ستتزوج َو َىج ابنة عمك ولن‬

‫أيخذىا الغريب وابن عمها رأسو يشم‬

‫‪66‬‬
‫اذلواء ىل فهمت؟!"‬

‫وتركهم وذىب إىل غرفتو وىو يقول‪:‬‬

‫"سأىاتف عمك سلطان اآلن وأخربه بطلبك‬

‫ابنتو للزواج"‬

‫ح ّدق مراد إبثر والده بذىول وىو يتمتم‪:‬‬

‫"ىل أان فتاة لتجربوين على الزواج دبَن‬

‫زبتاروىا؟!"‬

‫دافعت ريفال عن ابنة عمها وىي تقول‪:‬‬

‫أنت َمن أعلنت‬


‫"أنت َمن اخًتهتا اي مراد‪َ ..‬‬
‫َ‬

‫‪67‬‬
‫للعامل أهنا خطيبتك وزبصك حىت الغرابء عنّا‬

‫التنصل من‬
‫لك‪ ,‬وتريد اآلن ّ‬
‫يعرفون أهنا َ‬
‫تلك اخلطبة اليت أعلنتها بنفسك على‬

‫مشهد من اجلميع! أتريد لسمعة َو َىج أن‬

‫تضيع بسببك وابن عمها يًتكها بعد سنوات‬

‫أخرب العامل فيها أهنا لو؟! أترضاىا يل؟"‬

‫"كفى ريفال‪"..‬‬

‫قالت جوزال أبسى لتقول ريفال وىي تغادر‬

‫لغرفتها مثل والدىا‪":‬آن األوان لت ُك ّفي عن‬

‫‪68‬‬
‫داللو اي أمي فلم يعد ولدا صغَتا تدافعُت‬

‫عنو وتعطُت لو ما يريده دون حساب‪..‬‬


‫إهنا مسعة وكرامة و َىج ابنة ِ‬
‫أختك مشوخ‪..‬‬ ‫َ‬
‫ىل تذكرينها أمي؟!"‪.‬‬

‫***‬
‫كان مصعب وولده شهم جيلسان مع‬

‫سلطان وولديو دايب وداغر يتح ّدثون‬

‫ابلعمل ليقاطعهم زنُت ىاتف سلطان برقم‬

‫بتّار فأجابو سلطان بنزق مصطنع‪:‬‬

‫‪69‬‬
‫"أمل تكن معي منذ قليل اي رجل‪ ,‬اتركٍت‬

‫أتناول العشاء بشهية دون صحبتك الرائعة"‬

‫وصلتو ضحكة بتّار قبل أن يصلو صوتو‬

‫أىاتفك من أجل ابنيت‬


‫َ‬ ‫وىو يقول لو‪":‬بل‬

‫لديك"‬
‫اليت َ‬
‫عقد سلطان حاجبيو بريبة وىو يقول‪:‬‬

‫"ىل ريفال ىنا؟ مل زبربين َو َىج بذلك"‬

‫"بل أربدث عن َو َىج‪ ..‬ابنيت اليت ستكون‬

‫كنّيت إبذن هللا قريبا جدا اي ابن عمي"‬

‫‪71‬‬
‫فزم سلطان شفتيو وىو‬
‫قال بتّار إبغاظة ّ‬
‫تك أن ال فتيات لدي للزواج‬
‫يقول‪":‬أخرب َ‬
‫اي بتّار"‬

‫ضحكة أخرى من بتّار جعلتو يريد إغالق‬

‫اخلط بوجهو تبعها مجلة بتّار‪":‬اعرف يل رأي‬

‫َو َىج أوال مث نرى إذا كنت ستعطينا إايىا أم‬

‫ال اي شيخ سلطان"‬

‫أغلق معو سلطان اذلاتف وىو يفكر ىل‬

‫حالة ابنتو الغريبة بسبب مراد؟ ىل حقا‬

‫‪71‬‬
‫تريده؟!‬

‫"ماذا ىناك سلطان؟"‬

‫سألو مصعب الذي تقريبا أدرك مغزى‬

‫احلديث بينو وبُت بتّار ولكنو أراد التأكد‬

‫فأخربه سلطان حبنق‪":‬يريدين بتّار أن أسأل‬

‫َو َىج عن رأيها ابلزواج من مراد"‬

‫"ولكٍت غَت موافق أيب"‬

‫قاذلا داغر حبنق فهو ال يوافق على مراد‬

‫أبدا‪..‬‬

‫‪72‬‬
‫يراه مدلال ولن يعرف التعامل مع َو َىج‬

‫بطريقة جيدة‪..‬‬

‫َو َىج ربتاج شخص حنون‪ ,‬رجل يدللها‬

‫كابنتو وحيبها كامرأتو ويق ّدرىا كأمو ومراد‬

‫لن يفعل ذلك‪.‬‬

‫رمقو والده بنظرة ذات مغزى وىو يقول‪:‬‬

‫"رأي َو َىج ىو الفيصل اي داغر‪ ..‬إهنا حياهتا‬

‫وىي فقط َمن ستعطي رأيها هبذا األمر"‬

‫زم داغر شفتيو حبنق مثل دايب شقيقو الذي‬


‫ّ‬

‫‪73‬‬
‫يوافقو ابلرأي إال أهنما مل يعًتضا على قول‬

‫والدمها احًتاما لو بل انتظرا حىت خيتليا ب‬

‫َو َىج وينقال رأيهما ذلا بكل صراحة‪ ..‬إهنا‬

‫يفرطا هبا ذلذا ال مراد أبدا‪.‬‬


‫مدللتهما ولن ّ‬
‫فيما أومأ مصعب حبزن بدا جليا على وجهو‬

‫لشقيقو سلطان الذي أدرك سبب حزنو فهو‬

‫يريدىا ل شهم ولده ولكن يبدو أن شهم ال‬

‫يريدىا لذا مل يفاربو مصعب ابألمر قبال لو‬

‫فعل لكان أعطاىا لو بال أدىن تردد‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫***‬
‫عقدت مشوخ حاجبيها وىي تنظر لسلطان‬

‫قائلة‪":‬ىل زبربين أن مراد خطب َو َىج‬

‫منك؟ غريب"‬
‫َ‬
‫كان دور سلطان ليعقد حاجبيو ىذه ادلرة‬

‫صرح أكثر من مرة‬


‫وىو يسأذلا‪":‬دلاذا؟ لقد ّ‬
‫مٍت وليس‬
‫أنو يريدىا‪ ,‬مث أن بتّار َمن خطبها ّ‬
‫مراد"‬

‫زمت مشوخ شفتيها للحظات قبل أن ذبيبو‪:‬‬


‫ّ‬

‫‪75‬‬
‫"ألنو مل يقل شيئا منذ سنوات فظننت أن‬

‫األمر كان ذلو أطفال وقتها فقط مث أن‬

‫جوزال كانت معي اليوم ومل زبربين شيئا!"‬

‫رمقها سلطان بتفكَت للحظات قبل أن‬

‫يقول‪":‬ىل زبربيٍت أن بتّار َمن يريدىا وليس‬

‫مراد؟"‬

‫أطرقت مشوخ برأسها قبل أن تزفر وىي‬

‫تقول‪":‬أشعر أن ىناك خطبا ابألمر سلطان‪..‬‬

‫ال أشعر أن األمر طبيعي وقد طلبوىا هبذه‬

‫‪76‬‬
‫الطريقة"‬

‫"ىل تظنُت َو َىج ستوافق؟!"‬

‫سأذلا سلطان بريبة فابتسمت مشوخ بثقة‬

‫وىي تقول‪":‬كال‪ ,‬سًتفضو رفضا هنائيا"‬

‫رفع حاجبيو بشك فابتسمت لو وىي تقول‪:‬‬

‫"اسأذلا بنفسك"‬

‫***‬
‫طرق خافت على ابب غرفتها تبعو دخول‬

‫دايب وداغر هبدوء فرمقتهما َو َىج بريبة‬

‫‪77‬‬
‫وىي تقول‪":‬ماذا ىناك؟"‬

‫جلسا جوارىا بعدما طبع كل منهما قبلة‬

‫على جبينها حبنو جعلها تبتسم حبب‬

‫لشقيقيها ليبدأ دايب احلديث‪:‬‬


‫"لقد تق ّدم ِ‬
‫لك عريسُت اليوم"‬

‫رفعت َو َىج حاجبيها بدىشة وىي تضحك‬

‫خبجل‪":‬عريسُت مرة واحدة‪ ,‬أصبحت‬

‫مطلوبة فجأة!"‬
‫ِ‬
‫"أنت مطلوبة منذ زمن طويل أخيت ولكننا‬

‫‪78‬‬
‫فأنت‬ ‫ِ‬
‫نعطيك ألي شخص ِ‬ ‫َمن نرفض أن‬
‫تستحقُت شيخ يليق ِ‬
‫بك"‬

‫قاذلا داغر حبب فابتسمت لو وىي تضم‬

‫نفسها لو تتمتع حبنوه عليها وتدعو هللا ّأال‬

‫تفارقهما أبدا‪.‬‬

‫"أال تريدين معرفة َمن مها؟"‬

‫سأذلا دايب وىو ينظر ذلا بًتقّب لتهز كتفيها‬

‫بالمباالة وىي تقول‪":‬وِملَ أعرفهما وأان‬

‫سأرفض كليهما"‬

‫‪79‬‬
‫ضمها داغر حبب وىو يقول‪:‬‬
‫ّ‬
‫"ىذه ىي أخيت"‬
‫"حىت لو كان مراد ابن ِ‬
‫عمك ىو أحدمها؟"‬

‫سأذلا دايب مرة أخرى بغموض فصمتت‬

‫للحظات وقبل أن ترد كان سلطان يقتحم‬

‫الغرفة وديسك كال ولديو من مالبسهما‬

‫كلص ادلالبس وبلفظ آخر (حرامي غسيل)‬

‫وىو يهتف هبما‪":‬ماذا أتى بكما ىنا؟‬

‫أمل أخربكما أن تًتكاىا دون رأيكما غَت‬

‫‪81‬‬
‫ادلهم من األساس!"‬

‫ضحكت مشوخ اليت دخلت خلفو وىي‬

‫رباول زبليص ولديها منو قائلة‪:‬‬

‫"اتركهما سلطان‪ ,‬مها أخويها ورأيهما‬

‫ىام بكل أتكيد"‬

‫"سيكون ىام عندما يطلبو أحد فقط"‬

‫قال سلطان جبدية مث نظر ذلما نظرة ذات‬

‫مغزى فغادرا على مضض وغادرت بعدمها‬

‫مشوخ وىي تبتسم ل َو َىج ابتسامة معناىا‬

‫‪81‬‬
‫أهنا تثق هبا‪.‬‬

‫"ماذا ىناك أيب؟ مها مل خيطئا بشيء!"‬

‫قالت َو َىج مدافعة عن أخويها فابتسم‬

‫سلطان وىو يقول‪":‬أعلم أمَتيت ولكن البد‬


‫أن يعرفا أن الرأي األول واألخَت ِ‬
‫لك فقط‪,‬‬

‫أنت"‬ ‫ِ‬
‫حياتك ِ‬ ‫فهذه‬

‫صمتت َو َىج ال تعلم ماذا زبربه فأعاد سؤال‬


‫خلطبتك ما ر ِ‬
‫أيك‬ ‫ِ‬ ‫دايب ذلا‪":‬مراد تق ّدم‬

‫اي َو َىج؟"‬

‫‪82‬‬
‫"أخشى أن ربدث مشكلة بسبيب اي أيب"‬

‫قالت َو َىج خبفوت فرفع سلطان حاجبيو‬


‫ِ‬
‫رفضك لو؟"‬ ‫وىو يسأذلا‪":‬ىل ىذا معناه‬

‫أومأت برأسها حبرج فسأذلا‪":‬وىل يل أن‬


‫ِ‬
‫رفضك لو؟ ىل ىناك ما يسيء‬ ‫أعلم سبب‬

‫لو بنظر ِك؟"‬

‫نفت هبزة من رأسها وىي تقول‪:‬‬

‫"كال مراد شخص جيد ولكنو مثل أخي"‬

‫صمتت قليال مث أضافت حبذر‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫"كما أنو ال يريدين"‬
‫ِ‬
‫علمت؟"‬ ‫عقد حاجبيو وىو يسأذلا‪":‬وكيف‬

‫ابتسمت بثقة وىي تقول‪":‬األنثى تعرف إذا‬

‫كان الرجل يريدىا أو ال وأان أعلم جيدا‬

‫أنٍت مثل ريفال ابلنسبة إليو وأن رغبتو قدديا‬

‫ال تعد سوى ذلو أطفال ال غَت"‬


‫ِ‬
‫رفضك لو؟ ىل‪"..‬‬ ‫"وىل ىذا سبب‬

‫قاطعت سؤال والدىا هبدوء قائلة‪:‬‬

‫"كال أيب‪ ,‬أان ال أريده حىت لو كان يريدين‪..‬‬

‫‪84‬‬
‫ىو أخ يل فقط وال أشعر بشيء آخر ذباىو‬

‫لك‬
‫لذا‪ ..‬أعتذر لو رفضي سيسبب َ‬
‫مشاكل"‬

‫ربّت على وجنتها حبنو وىو يقول‪:‬‬


‫"إنو زواج وحياة اي قلب ِ‬
‫أبيك‪ ,‬والبد أن‬

‫يكون ىناك اقتناع اتم من الطرفُت هبذه‬

‫العالقة قبل أي اعتبارات أخرى"‬

‫بعد مغادرة والدىا وجدت رسالة على‬

‫ىاتفها وصلتها قبال ومل تلتفت ذلا فالتقطت‬

‫‪85‬‬
‫اذلاتف لتجدىا من مراد!‬
‫ِ‬
‫أرجوك‬ ‫(و َىج‪ ,‬أعتذر دلا سأطلبو ِ‬
‫منك ولكن‬ ‫َ‬
‫ال توافقي على الزواج مٍت‪ِ ,‬‬
‫أنت تستحقُت‬
‫رجال يهيم ِ‬
‫بك عشقا وليس زواج بدافع‬

‫الشهامة‪)..‬‬

‫مل تكمل قراءة الرسالة إال أهنا شعرت‬

‫ابلغضب وبعض الشفقة ذباىو‪ ..‬مراد متهور‬

‫ومتسرع دوما وىذا ما جيلب لو ادلشاكل‬

‫خاصة مع عمها بتّار والذي تعرف جيدا أنو‬

‫‪86‬‬
‫َمن يريدىا البنو وربمد هللا أهنا مسعت ما‬

‫مسعتو وواجهت نفسها دبشاعرىا مبكرا‪.‬‬

‫استلقت على الفراش دون أن ترد عليو‬

‫وآخر ما ف ّكرت فيو أن والدىا مل خيربىا‬

‫هبوية العريس اآلخر!‬

‫***‬
‫منذ علمت شيهانة أن حسن ىو َمن أنقذىا‬

‫تربع ذلا بدمو اتليا وىي‬


‫ابحلادث أوال مث ّ‬
‫تعيش حالة غريبة من السعادة على الرغم‬

‫‪87‬‬
‫أهنا تعرف جيدا أن أي رجل جيد آخر كان‬

‫سيفعل مثلما فعل حسن ولكن ألنو حسن‬

‫ربديدا ىي تشعر ابلسعادة أن دمو اختلط‬

‫بدمها وكأنو أنشأ رابط بينهما عن طريق ىذا‬

‫الدم‪.‬‬

‫اتسعت ابتسامتها قبل أن تنتفض على‬

‫صوت شقيقها شهم من الغرفة األخرى اليت‬

‫ذباور غرفتها واليت حلسن احلظ بعيدة عن‬

‫غرفة والديهما‪..‬‬

‫‪88‬‬
‫ألول مرة يعلو صوت شقيقها هبذه الطريقة‬

‫وقد أدركت أنو يتحدث ابذلاتف!‬

‫تُ َرى َمن سيء احلظ الذي أوصل شقيقها‬

‫اذلادئ دوما ذلذا احلد من الغضب؟!‬

‫****‬
‫يف اليوم التايل‬

‫أخرب بتّار برأي َو َىج بكل صراحة ورد فعل‬

‫بتّار أعلمو أن حديث مشوخ صحيحا‪..‬‬

‫مراد ال يريد َو َىج وبتّار ىو َمن يريدىا كنّة‬

‫‪89‬‬
‫لو وعلى الرغم من غضبو من ىذا األمر إال‬

‫أنو محد هللا أن ابنتو رفضت بل وال تفكر بو‬

‫من األساس‪.‬‬

‫وصل الرجال الذين طلبوا مقابلتو رمسيا مع‬

‫كبار قبيلتهم وابلتايل مل يستطع الرفض أو‬

‫حىت أتجيل ادلوعد عدة أايم‪.‬‬

‫زفر بضيق مث رسم ابتسامة دبلوماسية على‬

‫وجهو وىو يدخل مع شقيقو اجمللس ادلليء‬

‫أبوالده وأوالد عمو وأوالدىم وابن شقيقو‬

‫‪91‬‬
‫تعجب‬
‫الذي جلس جوار ولديو بوجو عابس ّ‬
‫لو وذ ّكر نفسو أن يسألو عن سر ضيقو بعد‬

‫انصراف القبيلة األخرى‪.‬‬

‫"لقد جئنا اليوم لنطلب كرديتكم اي شيخ‬

‫سلطان البننا خالد ونرجو أن ُجياب طلبنا‬

‫شرفنا بنسبكم"‬
‫وتُ ّ‬
‫قال والد العريس فأجابو سلطان هبدوء‪:‬‬

‫"نستشَت العروس أوال اي شيخ مث نرد لكم‬

‫خرب"‬

‫‪91‬‬
‫ابتسم الرجل وىو يصر قائال‪:‬‬

‫"ولكننا نريد ردا مبدأاي اي شيخ سلطان‪,‬‬

‫وأنت تعرفو جيدا لذا‬


‫العريس ليس بو عيب َ‬
‫نريد اإلذن منكم لزايرة نسائية تتعرف هبا‬

‫العروس على عائلتها اجلديدة"‬

‫شعر سلطان ابلضيق وىو يرى الرجل حيصره‬

‫ابلزاوية ويريد ردا فوراي وىو داخلو يتمناىا‬

‫ىم ابحلديث سبقو‬


‫ألحد أوالد عمها وعندما ّ‬
‫شهم ابن شقيقو مصعب وىو يقف قائال‬

‫‪92‬‬
‫بصوت صارم‪":‬طلبكم ليس عندان‪,‬‬

‫فابنة الشيخ سلطان البن عمها"‬

‫مث التفت لعمو وىو يقول‪:‬‬

‫"أان شهم ابن مصعب الزىراين أهني على ابنة‬

‫عمي َو َىج سلطان الزىراين ولن تكون‬

‫لسواي"‬

‫هناية الفصل‬

‫‪93‬‬

You might also like