دروس الفلسفة للسنة الثانية باك :مجزوءة األخالق
ثانية باك آداب وعلوم انسانية اضف تعليق
تقديم عام للمجزوءة إن اإلنسان مشروط ب ُمثُل أخالقية سامية توجه سلوكاته وتنظم عالقاته باآلخرين .ولعل األخالق بما تتضمنه من قيم إيجابية ومثل عليا ،شكلت كابحا للنوازع الشريرة وللعدوانية لدى اإلنسان كما شكلت حافزا غيريا يبين أن بإمكان اإلنسان أن يفعل الخير ويتجنب الشر واإلذاية لقد عمد المجتمع للحفاظ على وجوده ،إلى تأكيد Rبعض القيم األخالقية وترسيخها ،وتحديد Rالواجبات التي على كل فرد القيام بها ،سواء نحو ذاته أو نحو مجتمعه ،وهي واجبات قد يخضع لها تلقائيا ،مثل العادات والتقاليد .كما يشعر اتجاهها ،وهو يعيش تجربة الحياة ،بضغطها وإكراهاتها ،فيتجه نحو بناء واجبات إضافية ،يطبعها بطابعه الذاتي والعقلي فيلتزم بها التزاما واعيا وإراديا حرا .وتعني الحرية في بعدها األخالقي عدم الخضوع إلكراهات الغريزة والنزوات .إن الحرية ليست مجرد قيمة ،بل هي حق يرتبط بالفعل اإلنساني إن كان للفعل اإلنساني من غاية قصوى ،فقد تكون السعادة هي الهدف األخير لهذا الفعل ،وتَ َمثُّ ُل السعادة يفضي إلى البحث عن وسيلة لتحقيقها، فطموح اإلنسان ال يتوقف عند حدود الرغبة بقدر ما يسعى إلى إشباعها ،وهو ما يحقق السعادة لديه بناء على كل هذا ،تطرح مسألة األخالق مجموعة من التساؤالت أهمها ما معنى الواجب؟ وما مصدره؟ كيف تسمح القيم األخالقية بتحرر اإلنسان وهي ذاتها تقنين لتصرفاته؟ كيف تتحقق السعادة لدى اإلنسان؟ مفهوم الواجب الطرح اإلشكالي في كثير من األحيان يجد الفرد نفسه ملزما بالقيام بسلوكات معينة رغم كونها تتعارض مع إحساساته ورغباته الشخصية .وغالبا ما تدفعه بعض المواقف االجتماعية للتخلي عن حقوقه الذاتية لصالح الواجب األخالقي الذي يوجد في كل القيم األخالقية ،ويضفي عليها طابع الضرورة واإللزام، إال أن هذا الواجب يطرح قضايا فلسفية مادام يبدو كإكراه مفروض على إرادتنا في بعض مظاهره ،وكإرادة حرة تعبر عن ذاتها بتلقائية في مظاهر أخرى .إضافة إلى تعدد Rأسس الوعي األخالقي بين األساس الذاتي متمثال في األحاسيس والمشاعر الفطرية ،واألساس الموضوعي الذي يتجلى في المصدر االجتماعي .وهذا ما يدفعنا إلى طرح األسئلة التالية ما هي مظاهر وتجليات الواجب؟ ما مصدر الوعي األخالقي؟ ما عالقة الواجب بالمجتمع؟ أوال :الواجب واإلكراه أ– الواجب كأمر أخالقي ال تخضع اإلرادة دوما ألوامر العقل – في نظر إيمانويل كانط – لذلك يمارس العقل عليها إكراها .وهذا اإلكراه هو األمر األخالقي ،وهو نوعان األوامر األخالقية الشرطية :التي تعبر عن الضرورات العملية لبعض األفعال التي ال ينظر إليها في ذاتها بل من خالل نتائجها .وهذه األفعال عبارة عن وسائل لتحقيق بعض األهداف األوامر األخالقية القطعية :وهي األوامر التي ينظر لها من حيث هي غاية في ذاتها ،وهي أوامر لها بداهة مباشرة ،لدرجة أن اإلرادة تعرف أن عليها أن تخضع لهذه األوامر .وهذه األوامر ذات صبغة كونية وشـمولية ب– الواجب كشعور بقدرة يرتد الواجب – في نظر جون ماري غويو – إلى الشعور بقدرة داخلية معينة تمتاز في طبيعتها على القدرات األخرى ،فأن يشعر المرء شعورا داخليا بما هو قادر على فعله من أمر عظيم ،فهذا شعور أول بما يجب عليه فعله .فالواجب إنما هو فيض من الحياة يريد أن يتدفق .لقد ظنوه إلى اآلن شعورا بضرورة أو ضغط ،وما هو في حقيقته إال الشعور بقدرة .إن كل قوة متجمعة تحدث نوعا من الضغط على الحواجز الموضوعية أمامها .وكل قدرة تنتج نوعا من الواجب متناسبا معها .فمن المستحيل على امرئ أن يصل إلى غايته ،حين ال تكون له قدرة على تجاوز هذه الغاية إن الواجب األخالقي – حسب النظرة الطبيعية – يرتد إلى القانون الطبيعي الشامل :إن الحياة ال تستطيع أن تبقى بدون أن تنتشر ثانيا :الوعي األخالقي أ– فطرية الوعي األخالقي يوجد في أعماق النفوس البشرية مبدأ فطري للعدالة والفضيلة – حسب ج .ج .روسو – والذي تقوم عليه أحكامنا التي نصدرها على أفعالنا وأفعال الغير ،فنصفها بالخيرة أو الشريرة .وهذا المبدأ يسمى :الوعي .والذي يتكون من أحاسيس فطرية وهي :حب الذات ،الخوف من األلم والموت، والرغبة في العيش السعيد… ولكن مادام اإلنسان كائن اجتماعي بطبعه ،فقد ظهرت أحاسيس فطرية أخرى في عالقته باآلخرين .هكذا يولد دافع الوعي من النسق األخالقي ،فهناك فرق ،في نظر روسو ،بين معرفة الخير ومحبته :فاإلنسان ليست لديه معرفة فطرية ،لكنه بمجرد ما يدرك الخير بعقله ،حتى يحمله وعيه على حب هذا الخير ،وهذا اإلحساس هو وحده الفطري ب– الوعي األخالقي وقانون اإللزام لكي يكسب ال َمدين Rمصداقية لوعده بالتسديد R،ويطبع في ضميره ضرورة التسديد Rباعتبار ذلك واجبا والتزاما ،فإنه – حسب فريديريك نيتشه – يلتزم لل ّدائن بموجب عقد ،في حالة عدم تسديد Rالدين R،أن يعوضه بشيء آخر مما « يملكه ،» مما ال يزال تحت سيطرته ،كجسده مثال أو زوجته ،أو حريته بل وحياته .وبفضل « العقاب الموجه » لل َمدين Rينال الدائن كمقابل ذلك اإلحساس المشرف الناتج عن تمكنه Rمن احتقار وإهانة مخلوق ما باعتباره شيئا أدنى منه في نطاق قانون اإللزام هذا يكمن أصل التصورات األخالقية ،في نظر نيتشه ،مثل « الخطأ » و» الضمير » و» الواجب » وقدسية « الواجب.» ومثل كل شيء عظيم على هذه األرض فقد روتها في بدايتها دماء كثيرة َر ْدحا طويال من الزمن ثالثا :الواجب والمجتمع أ– الواجب هو سلطة المجتمع إن المجتمع ،في نظر إميل دوركايم ،هو الذي بث فينا ،حين عمل على تكويننا ُخلُقِيا ،تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة ،أو تثور علينا بمثل هذه القوة عندما تأبى أن نمتثل ألوامرها .فضميرنا األخالقي لم ينتج إال عن المجتمع وال يعبر إال عنه ،وإذا تكلم ضميرنا ،فإنما يردد صوت المجتمع فينا ،وال شك في أن اللهجة التي يتكلم بها خير دليل على السلطة الهائلة التي يتمتع Rبها الضمير األخالقي ب– الواجب كانفتاح على اإلنسانية إن المجتمع هو الذي يرسم للفرد مناهج حياته اليومية ،حسب هنري برغسون ،فيخضع ألوامره ،وينقاد إلى واجبات موافقة لقوانينه .وال نكاد نشعر بما نفعل ،وال نبذل في ذلك شيئا من الجهد .فالمجتمع قد رسم لنا الطريق ،فما يسعنا إال أن نتبعه ونسير فيه .حتى يمكن القول بأن الخضوع للواجب يكون في معظم الحاالت بأن يرخي اإلنسان زمام نفسه ،ويستسلم لها .إن المجتمع بهذا المعنى سيؤدي إلى أخالق منغلقة .لدا دعا برغسون إلى تبني األخالق المنفتحة من خالل االرتباط بالمجتمع المفتوح الذي هو اإلنسانية بكاملها ،أي واجبات اإلنسان نحو اإلنسان ،كاحترام حياة اآلخرين، واحترام حقهم في التملك استنتاجات عامة ما يميز الواجب األخالقي عن الواجبات القانونية هو أن هذه األخيرة مفروضة على الفرد من خارج ذاته ،وتتميز باإلكراه ،في حين أن الواجب األخالقي نابع من إرادة الفرد واختياره الحر إن القيم األخالقية ،وإن بدت ُمثال عُليا وسامية يسعى إليها اإلنسان ويطلبها ،فإن التاريخ يحدثنا أن عملية نشرها وتنزيلها على أرض الواقع نتج عنها الكثير من الجرائم والفضاعات اإلنسانية كالحروب واإلعدامات والعقوبات الوحشية إن الواجب األخالقي وإن بدا نابعا من الداخل ،فإن مصدره هو المجتمع ،حيث تتسرب قيمه األخالقية إلى داخل الشخصية اإلنسانية من خالل آلية التنشئة االجتماعية (التربية) ،وهي ما يسمى عند سيغموند فرويد باألنا األعلى وهو أحد مكونات الجهاز النفسي للشخصية مفهوم الحرية الطرح اإلشكالي يرتبط مفهوم الحرية بالتخلص من مختلف اإلكراهات ،سواء كانت من طبيعة بيولوجية أو نفسية أو اجتماعية… ونظرا لهذه الجوانب المتباينة التي يحيل عليها مفهوم الحرية ،فإن تحديده يطرح الكثير من الصعوبات ،فإذا كانت الحرية خصما عنيدا للحتمية ،فإن ذلك سيلقي بها في أحضان العفوية والصدفة .أما إذا كانت خاضعة لقانون ما ،فهذا سيطرح مسألة اإلرادة موضع تساؤل .فاإلرادة تستدعي الحديث عن المسؤولية ،إذ بدون :مسؤولية ال يمكن التحكم في حرية اإلرادة .وهذا ما يمكن أن نعبر عنه من خالل اإلشكاالت الفلسفية التالية ما طبيعة العالقة بين الحرية والحتميةّ؟ ما هي تجليات حرية اإلرادة؟ كيف يؤطر القانون الحرية؟ أوال :الحرية والحتمية أ– التوازن بين الحرية والحتمية إن الحرية – في نظر أبو الوليد بن رشد – ال يمكن فصلها عن الحتمية .فاإلنسان له قدرة وإرادة يستطيع بهما فعل الخير والشر وباقي األضداد األخرى ،ولكنه في نفس الوقت محكوم بضرورات مثل قوانين الطبيعة ،وقوى الجسد المخلوقان من طرف هللا .وهكذا ال يمكن تصور الفعل اإلنساني – حسب ابن رشد – حرا بشكل مطلق ،وال مقيدا بشكل مطلق ،إنه فعل يتركب من حرية االختيار والقدرة واإلرادة ،إال أنه محدود بقدرات البدن ومشروط بقوانين الطبيعة التي خلقها هللا ب– الحرية النسبية إذا كان التفكير الموضوعي ،الذي ينطلق من الوجود الموضوعي للكائن ،يذهب إلى أن أفعالنا ينبغي أن تأتي بالضرورة من الخارج .وبالتالي فال وجود للحرية إطالقا وإذا كان التفكير التأملي عند دراسته للوعي ،يقر بأن أفعالنا إنما تنبع من الداخل ،وهكذا فحريتنا حرية مطلقة فإن موريس ميرلوبونتي ،يعتبر أن الحرية عند اإلنسان هي حرية نسبية ،ألن التعرف على نظام الظواهر يبين لنا أننا مندمجون مع العالم والغير اندماجا وثيقا ال ينفصل .وبناء عليه ،فإن الوضعية التي نكون فيها ،تلغي الحرية المطلقة عند بداية الفعل وعند نهايته .وفي هذا الوضع يستطيع اإلنسان أن يدخل تعديالت إرادية واعية على وضعه المعطى ثانيا :حرية اإلرادة أ -األخالق واإلرادة الحرة لقد اعتبر إيمانويل كانط مجال األخالق ،هو مجال ممارسة اإلرادة الحرة لفعلنا .فاإلنسان بوصفه كائنا عاقال يستطيع ،اعتمادا على إرادته الحرة، وضع القوانين العقلية للفعل اإلنساني ،والخضوع لهذه القواعد .فكل كائن عاقل هو كائن يتمتع بحرية اإلرادة والقدرة على القيام بالفعل األخالقي، وال معنى للفعل األخالقي في غياب الحرية -حسب كانط -هكذا تشتق األخالق من حرية اإلرادة ب -إرادة الحياة عندما وجد الحيوان -اإلنسان ،كإرادة حياة في هذا الكون ،لم يكن لوجوده أي هدف أو غاية حسب فريدريك نيتشه ،لذلك أبدع المثل ُّ الز ْهدي باعتباره أخالقا كاملة ،لكي يعطي لحياته معنى .وفي رغبته للوصول إلى الكمال األخالقي ،عمل على نفي الحياة ذاتها من خالل إقصاء كل ما هو الز ْهدي بإرادة حرة ،تطلب الحياة وتدافع عما هو إنساني في التجربة اإلنسانية، مادي ،غريزي -حسي في اإلنسان لذلك دعا نتشه إلى مقاومة المثل ُّ أي إرادة الحياة ثالثا :الحرية والقانون أ -الدستور كضامن للحرية إن الحرية في األنظمة الديمقراطية -حسب مونتسكيو -هي الحق في القيام بكل ما تسمح به القوانين .فإذا كان كل مواطن يستطيع القيام بفعل تمنعه القوانين ،فلن تكون له في المستقبل حرية ما دام اآلخرون لهم أيضا نفس القدرة على فعل ما يشاءون .إن الحرية السياسية ال توجد إال في الحكومات المعتدلة ،وبما أن كل سلطة تميل إلى التعسف ،ينبغي أن تنظم األشياء بحيث تجد السلطة نفسها محدودة بسلطة أخرى .ويمكن في هذا السياق ،أن يصاغ الدستور بحيث ال يلزم أحدا بفعل مناف للقانون ،وبأن يسمح لكل مواطن بحق عدم القيام بفعل يخوله له القانون ب -السياسة كمجال لممارسة الحرية إن المجال الذي عرفت فيه الحرية باعتبارها ممارسة فعلية في الحياة اليومية ،هو مجال السياسة ،حسب حنا أرندت .من المؤكد أن الحرية بمكن أن تسكن أفئدة الناس ،باعتبارها رغبة ،أو إرادة ،أو أمنية ،أو طموح… غير أن قلوب الناس مكان غامض ،ال يمكن معرفة ما يجري في ظلمته الداخلية .إننا ال ندرك الحرية أو نقيضها إال عندما ندخل في عالقة مع غيرنا ،باعتبارها وضعا لإلنسان الحر الذي يسمح له فيه بالتنقل وبالخروج من منزله وبالتجول في العالم وااللتقاء بغيره ،فال يكون للحرية تحقق فعلي في العالم الذي يسمح بممارسة الفعل والكالم ،مثل المجتمعات االستبدادية Rالتي تعتقل رعاياها داخل بيوتهم الضيقة ،وتمنع بذلك ميالد Rحياة عمومية ،فبدون حياة عمومية مضمونة سياسيا ،ال يمكن للحرية أن تتجلى ،إذ ينقصها الشرط الالزم لظهورها وهو المجال العام استنتاجات عامة إن للحرية عند اإلنسان تجليات كثيرة ،تتمثل في عدم خضوعه لغرائزه ،بل التحكم فيها من خالل تأجيلها ،عكس الحيوان الذي يخضع لها خضوعا ضروريا .كما تتمثل في كونه يمكن أن يقول للشيء » نعم » أو » ال » حسب اختياره ،إضافة إلى قدرته على القيام بالفعل ونقيضه حسب رغبته وحرية إرادته .لكن هذه الحرية تبقى محدودة بحدود حريات اآلخرين ،وبالقوانين المادية (فيزيائية ،بيولوجية…) ،والظروف التاريخية (االجتماعية ،االقتصادية ،السياسية…) ،التي يتموضع ضمنها الفرد أن الحرية اإلنسانية ،ترتبط بالمسؤولية ،ففي غياب هذه األخيرة تتحول إلى فوضى ،لذلك عمل المجتمع على تقنينها بقانون يحدد الحقوق (الحريات) والواجبات إذا كان االستبداد Rنظام سياسي ال توجد فيه إال الواجبات ،وتغيب فيه الحقوق والحريات ،وإذا كانت الفوضى حالة تسود فيها الحريات المطلقة في غياب الواجبات ،فإن الديمقراطية نظام سياسي معتدل يوجد بين االستبداد والفوضى حيث ينبني على التوازن بين الحقوق والواجبات بموجب قانون عادل مفهوم السعادة الطرح اإلشكالي إن السعادة هي شعور الفرد بإحساس الفرح ،واالرتياح ،واللذة… وهذا ما يجعلها غاية لإلنسان يسعى إليها سواء على المستوى الحسي -الغريزي، أو على مستوى الفكر النظري ،أو على مستوى السلوك األخالقي .وهكذا فللسعادة قيمة حسية ،وقيمة فلسفية تأملية ،وقيمة أخالقية تثير عدة قضايا فلسفية متمثلة في تعدد Rالتمثالت التي تنسج حولها ،وتنوع الموضوعات التي تحققها .إضافة إلى تعدد الدوافع التي تدفعنا إلى السعي ورائها .وأخيرا ارتباطها بالواجب الذي يحقق السعادة عندما يكون اتجاه الذات واتجاه الغير كذلك .إنها قضايا يمكن صياغتها من خالل هذه األسئلة ما هي التمثالت التي تم بناؤها حول السعادة؟ لماذا نسعى نحو السعادة؟ ما عالقة السعادة بالواجب؟ أوال :تمثالت السعادة أ -السعادة إشباع للفكر اللذات ،وأكمل السعادات ّلذة المطعم والشهوة وسائر ّ اللذات البدنية ،فإن هذا القول يزول عند فخر الدين إذا كان الغالب عند الناس هو أن أقوى ّ الرازي ،ويدل على ذلك عدة وجوه وهي كل شيء يكون سببا لحصول السعادة والكمال ،يكون اإلنسان أكثر إقباال عليه .ونحن نعلم أن االنشغال بقضاء الشهوة يعد من الدناءة والنّهَم كل شيء يكون في نفسه كماال وسعادة ،وجب أن ال يُستحيى منه ،بل أن يُتب ّجح إلظهاره .ونحن نعلم أن ال أحد من العقالء يفتخر بكثرة األكل والشرب لو كانت السعادة متعلقة بقضاء الشهوة ،لكان الحيوان الذي هو أقوى في هذا الباب ،أكثر سعادة وكماال من اإلنسان إن سعادة اإلنسان -حسب الرازي -وكماله وفضيلته ال تظهر إال بالعلوم والمعارف واألخالق الفاضلة ،ال باألكل والشرب ب -السعادة غاية في ذاتها إن األفعال صنفان فعل يطلب لذاته ،وفعل يطلب لغيره ،والسعادة ليست ملكة -في نظر أرسطو -وإنما هي فعل يطلب لذاته .هناك بعض أصناف اللهو تطلب لذاتها ،لكن ينجم عنها ضرر ال منفعة ،لما قد يؤدي من التهاون بأمر الجسد أو الثروة ،وهي مع ذلك مما يتهافت عليه الكثير من الناس ممن يندرجون في عداد السعداء .والحق أنه من الجهل أن يقال إن اللهو هو غاية الحياة .وأننا نكد طوال العمر لكي يتاح لنا اللهو .إن قول مثل هذا قول صبياني إن كل ما يمكن تصوره يطلب من أجل ما عداه ،إال السعادة إذ هي غاية بحد ذاتها -حسب أرسطو .-والحياة السعيدة هي التي يحياها المرء وفق الفضيلة ،وهي حياة جد واجتهاد ،ال حياة لهو ثانيا :السعي وراء السعادة أ -السعي وراء السعادة شقاء قي إطار بناء أطروحته حول سعي اإلنسان وراء تحقيق السعادة ،وجدوى هذا السعي ،أكد ج .ج .روسو ،أن على اإلنسان ،ليبلغ غايته ،أن يحقق معادلة متكافئة بين رغباته وقدراته .إال أنها معادلة لم تكن ممكنة إال في حالة الطبيعة ،حيث كانت الرغبات بسيطة ،ومقدور عليها .أما حالة التمدن ،فإن الرغبات تطورت وتجاوزت قدراته .وعليه فإن السعي وراء السعادة إنما هو في الحقيقة سعي وراء الشقاء وهكذا فإن انتقال اإلنسان من حالة الطبيعة البسيطة في حاجاتها ،إلى حياة الجماعة وما صاحب ذلك من ظهور كماالت متعددة وال متناهية ،أدى- في نظر روسو -إلى فقدانه لسعادته R،وتحول البحث عنها إلى شقاء مستمر ب -الجمال يحقق السعادة إن اإلنسان لم يبدع Rفقط أسباب الشقاء -في نظر ديفيد هيوم ،-وإنما أبدع أيضا إمكانات االقتراب من تحقيق سعادته ،بإمكانه أن يحقق ذلك اعتمادا على إبداعاته الفنية (الموسيقى ،الرسم ،الشعر…) .فإذا كان يملك ذوقا رهيفا ،وعمل على تهذيب هذا الذوق والسمو به انطالقا مما تقدمه األعمال الفنية من جمال ورقة ،أمكنه التخفيف من التوتر واأللم واالقتراب من السعادة ثالثا :السعادة والواجب أ -السعادة واجب اتجاه الغير ليس من الصعب تحقيق سعادة اآلخرين ،في نظر برترند راسل ،إذ يكفي محاولة التقرب منهم بمودة تلقائية للتعرف على الغير ،وفهم تفرده وخصوصية ،وهذا ما يشكل مصدر إسعاد الغير .وبالتالي تحقيق سعادة الذات .وهكذا ننتقل مع راسل من تصورات تشرط السعادة بتحقيق الرغبات أو إقصائها ،إلى تصور يربطها بالممارسة والفعل ب -السعادة واجب اتجاه الذات تكون السعادة ممكنة -في نظر أالن -عندما تتوفر لدى اإلنسان إرادة طلبها ،وتصبح واجبا تجاه الذات واآلخر .وال يكون باستطاعته إسعاد غيره، إال إذا منح السعادة لذاته فمن السهل على المرء أن يكون مستاء ،كما من السهل عليه أن يرفض ما تقدمه الحياة من عطايا .وبالمقابل من السهل على اإلنسان أن يصنع من أشياء قليلة وبسيطة ،مظاهر السعادة التي يتلمسها في عالقته باآلخرين .إن رفض السعادة ،حسب أالن ،هو السبب األكبر فيما تعرفه اإلنسانية من مآس وحروب ،وهكذا تصبح السعادة قيمة أخالقية توجه تصرفات اإلنسان في عالقته بذاته وباآلخر استنتاجات عامة إن السعادة شعور داخلي بالسرور والرضا على النفس… إال أن مصادر هذا الشعور تتحدد وتتنوع حسب األفراد والجماعات .فهناك من يحقق السعادة من خالل جمع األموال وإشباع الغرائز .وهناك من يحققها بإشباع العقل بواسطة العلم وتحصيل المعارف .كما نرى من يجد سعادته في إشباع الجوانب الروحية على مستوى المشاعر واألحاسيس الباطنية إن للسعادة مظهرين ،مظهر نظري تأملي ،وآخر عملي أخالقي .بتمثل المظهر األول في تحقيق الرغبات ،وإشباع المشاعر واألحاسيس .أما المظهر الثاني فيرتبط بالممارسة والفعل .التي تتحدد Rبعالقة الذات سواء بذاتها أو باآلخر أو عالقة اآلخر بالذات استنتاجات حول مجزوءة األخالق إن األخالق هي مجموعة من القيم الثقافية واالجتماعية ،تمثل مثال عليا يسعى نحوها اإلنسان من جهة ،كما تسعى إلى تنظيم عالقة الفرد باآلخرين من جهة ثانية .وقد تتخذ شكل واجب يتميز باإلكراه ،كما قد تتخذ شكل التزام حر يتبناه الفرد بطواعية .وغايتها هو تحقيق السعادة لمعتنقيها ،سواء كان فردا أو جماعة تتجلى األخالق في بعدها المطلق على مستوى الواجب :في تلك اإللزامات واإلكراهات العقلية التي تحدد الفعل اإلنساني وتجعله يحترم القانون األخالقي من أجل الواجب ذاته ،وذلك بغض النظر عن األهواء الذاتية والمصالح الفردية على مستوى الحرية :في اعتبار الفعل اإلنساني فعال ،إما حرا بشكل مطلق ،أو خاضعا لحتميات مطلقة على مستوى السعادة :في الطابع العقلي التأملي للسعادة ،واعتبارها غاية قصوى لكل إنسان تتمثل األخالق في بعدها النسبي على مستوى الواجب :في اختالف الواجبات حسب المجتمعات ،وحسب قدرات األفراد على مستوى الحرية :في اختالف قوى وقدرات الجسد من شخص آلخر ،وأيضا في اختالف األنظمة السياسية والقوانين المحددة للحرية على مستوى السعادة :في كون مفهوم السعادة يخضع لتمثالت الناس حسب ظروفهم االجتماعية والتاريخية