You are on page 1of 4

‫دروس الفلسفة للسنة الثانية باك‪ :‬مجزوءة األخالق‬

‫ثانية باك آداب وعلوم انسانية اضف تعليق‬


‫تقديم عام للمجزوءة‬
‫إن اإلنسان مشروط ب ُمثُل أخالقية سامية توجه سلوكاته وتنظم عالقاته باآلخرين‪ .‬ولعل األخالق بما تتضمنه من قيم إيجابية ومثل عليا‪ ،‬شكلت كابحا‬
‫للنوازع الشريرة وللعدوانية لدى اإلنسان كما شكلت حافزا غيريا يبين أن بإمكان اإلنسان أن يفعل الخير ويتجنب الشر واإلذاية‬
‫لقد عمد المجتمع للحفاظ على وجوده‪ ،‬إلى تأكيد‪ R‬بعض القيم األخالقية وترسيخها‪ ،‬وتحديد‪ R‬الواجبات التي على كل فرد القيام بها‪ ،‬سواء نحو ذاته أو‬
‫نحو مجتمعه‪ ،‬وهي واجبات قد يخضع لها‪  ‬تلقائيا‪ ،‬مثل العادات والتقاليد‪ .‬كما يشعر اتجاهها‪ ،‬وهو يعيش تجربة الحياة‪ ،‬بضغطها وإكراهاتها‪ ،‬فيتجه‬
‫نحو بناء واجبات إضافية‪ ،‬يطبعها بطابعه الذاتي والعقلي فيلتزم بها التزاما واعيا وإراديا حرا‪ .‬وتعني الحرية في بعدها األخالقي عدم الخضوع‬
‫إلكراهات الغريزة والنزوات‪ .‬إن الحرية ليست مجرد قيمة‪ ،‬بل هي حق يرتبط بالفعل اإلنساني‬
‫إن كان للفعل اإلنساني من غاية قصوى‪ ،‬فقد تكون السعادة هي الهدف األخير لهذا الفعل‪ ،‬وتَ َمثُّ ُل السعادة يفضي إلى البحث عن وسيلة لتحقيقها‪،‬‬
‫فطموح اإلنسان ال يتوقف عند حدود الرغبة بقدر ما يسعى إلى إشباعها‪ ،‬وهو ما يحقق السعادة لديه‬
‫بناء على كل هذا‪ ،‬تطرح مسألة األخالق مجموعة من التساؤالت أهمها‬
‫ما معنى الواجب؟ وما مصدره؟‬
‫كيف تسمح القيم األخالقية بتحرر اإلنسان وهي ذاتها تقنين لتصرفاته؟‬
‫كيف تتحقق السعادة لدى اإلنسان؟‬
‫مفهوم الواجب‬
‫الطرح اإلشكالي‬
‫في كثير من األحيان يجد الفرد نفسه ملزما بالقيام بسلوكات معينة رغم كونها تتعارض مع إحساساته ورغباته الشخصية‪ .‬وغالبا ما تدفعه بعض‬
‫المواقف االجتماعية للتخلي عن حقوقه الذاتية لصالح الواجب األخالقي الذي يوجد في كل القيم األخالقية‪ ،‬ويضفي عليها طابع الضرورة واإللزام‪،‬‬
‫إال أن هذا الواجب يطرح قضايا فلسفية مادام يبدو كإكراه مفروض على إرادتنا في بعض مظاهره‪ ،‬وكإرادة حرة تعبر عن ذاتها بتلقائية في مظاهر‬
‫أخرى‪ .‬إضافة إلى تعدد‪ R‬أسس الوعي األخالقي بين األساس الذاتي متمثال في األحاسيس والمشاعر الفطرية‪ ،‬واألساس الموضوعي الذي يتجلى في‬
‫المصدر االجتماعي‪ .‬وهذا ما يدفعنا إلى طرح األسئلة التالية‬
‫ما هي مظاهر وتجليات الواجب؟‬
‫ما مصدر الوعي األخالقي؟‬
‫ما عالقة الواجب بالمجتمع؟‬
‫أوال‪ :‬الواجب واإلكراه‬
‫أ– الواجب كأمر أخالقي‬
‫ال تخضع اإلرادة دوما ألوامر العقل – في نظر إيمانويل كانط – لذلك يمارس العقل عليها إكراها‪ .‬وهذا اإلكراه هو األمر األخالقي‪ ،‬وهو نوعان‬
‫األوامر األخالقية الشرطية‪ :‬التي تعبر عن الضرورات العملية لبعض األفعال التي ال ينظر إليها في ذاتها بل من خالل نتائجها‪ .‬وهذه األفعال عبارة‬
‫عن وسائل لتحقيق بعض األهداف‬
‫األوامر األخالقية القطعية‪ :‬وهي األوامر التي ينظر لها من حيث هي غاية في ذاتها‪ ،‬وهي أوامر لها بداهة مباشرة‪ ،‬لدرجة أن اإلرادة تعرف أن‬
‫عليها أن تخضع لهذه األوامر‪ .‬وهذه األوامر ذات صبغة كونية وشـمولية‬
‫ب– الواجب كشعور بقدرة‬
‫يرتد الواجب – في نظر جون ماري غويو – إلى الشعور بقدرة داخلية معينة تمتاز في طبيعتها على القدرات األخرى‪ ،‬فأن يشعر المرء شعورا‬
‫داخليا بما هو قادر على فعله من أمر عظيم‪ ،‬فهذا شعور أول بما يجب عليه فعله‪ .‬فالواجب إنما هو فيض من الحياة يريد أن يتدفق‪ .‬لقد ظنوه إلى‬
‫اآلن شعورا بضرورة أو ضغط‪ ،‬وما هو في حقيقته إال الشعور بقدرة‪ .‬إن كل قوة متجمعة تحدث نوعا من الضغط على الحواجز الموضوعية‬
‫أمامها‪ .‬وكل قدرة تنتج نوعا من الواجب متناسبا معها‪ .‬فمن المستحيل على امرئ أن يصل إلى غايته‪ ،‬حين ال تكون له قدرة على تجاوز هذه الغاية‬
‫إن الواجب األخالقي – حسب النظرة الطبيعية – يرتد إلى القانون الطبيعي الشامل‪ :‬إن الحياة ال تستطيع أن تبقى بدون أن تنتشر‬
‫ثانيا‪ :‬الوعي األخالقي‬
‫أ– فطرية الوعي األخالقي‬
‫يوجد في أعماق النفوس البشرية مبدأ فطري للعدالة والفضيلة – حسب ج‪ .‬ج‪ .‬روسو – والذي تقوم عليه أحكامنا التي نصدرها على أفعالنا وأفعال‬
‫الغير‪ ،‬فنصفها بالخيرة أو الشريرة‪ .‬وهذا المبدأ يسمى‪ :‬الوعي‪ .‬والذي يتكون من أحاسيس فطرية وهي‪ :‬حب الذات‪ ،‬الخوف من األلم والموت‪،‬‬
‫والرغبة في العيش السعيد… ولكن مادام اإلنسان كائن اجتماعي بطبعه‪ ،‬فقد ظهرت أحاسيس فطرية أخرى في عالقته باآلخرين‪ .‬هكذا يولد دافع‬
‫الوعي من النسق األخالقي‪ ،‬فهناك فرق‪ ،‬في نظر روسو‪ ،‬بين معرفة الخير ومحبته‪ :‬فاإلنسان ليست لديه معرفة فطرية‪ ،‬لكنه بمجرد ما يدرك الخير‬
‫بعقله‪ ،‬حتى يحمله وعيه على حب هذا الخير‪ ،‬وهذا اإلحساس هو وحده الفطري‬
‫ب– الوعي األخالقي وقانون اإللزام‬
‫لكي يكسب ال َمدين‪ R‬مصداقية لوعده بالتسديد‪ R،‬ويطبع في ضميره ضرورة التسديد‪ R‬باعتبار ذلك واجبا والتزاما‪ ،‬فإنه – حسب فريديريك نيتشه – يلتزم‬
‫لل ّدائن بموجب عقد‪ ،‬في حالة عدم تسديد‪ R‬الدين‪ R،‬أن يعوضه بشيء آخر مما «‪ ‬يملكه‪ ،» ‬مما ال يزال تحت سيطرته‪ ،‬كجسده مثال أو زوجته‪ ،‬أو‬
‫حريته بل وحياته‪ .‬وبفضل «‪ ‬العقاب الموجه‪ » ‬لل َمدين‪ R‬ينال الدائن كمقابل ذلك اإلحساس المشرف الناتج عن تمكنه‪ R‬من احتقار وإهانة مخلوق ما‬
‫باعتباره شيئا أدنى منه‬
‫في نطاق قانون اإللزام هذا يكمن أصل التصورات األخالقية‪ ،‬في نظر نيتشه‪ ،‬مثل «‪ ‬الخطأ‪ » ‬و‪» ‬الضمير‪ » ‬و‪» ‬الواجب‪ » ‬وقدسية «‪ ‬الواجب‪.» ‬‬
‫ومثل كل شيء عظيم على هذه األرض فقد روتها في بدايتها دماء كثيرة َر ْدحا طويال من الزمن‬
‫ثالثا‪ :‬الواجب والمجتمع‬
‫أ– الواجب هو سلطة المجتمع‬
‫إن المجتمع‪ ،‬في نظر إميل دوركايم‪ ،‬هو الذي بث فينا‪ ،‬حين عمل على تكويننا ُخلُقِيا‪ ،‬تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة‪ ،‬أو‬
‫تثور علينا بمثل هذه القوة عندما تأبى أن نمتثل ألوامرها‪ .‬فضميرنا األخالقي لم ينتج إال عن المجتمع وال يعبر إال عنه‪ ،‬وإذا تكلم ضميرنا‪ ،‬فإنما‬
‫يردد صوت المجتمع فينا‪ ،‬وال شك في أن اللهجة التي يتكلم بها خير دليل على السلطة الهائلة التي يتمتع‪ R‬بها الضمير األخالقي‬
‫ب– الواجب كانفتاح على اإلنسانية‬
‫إن المجتمع هو الذي يرسم للفرد مناهج حياته اليومية‪ ،‬حسب هنري برغسون‪ ،‬فيخضع ألوامره‪ ،‬وينقاد إلى واجبات موافقة لقوانينه‪ .‬وال نكاد نشعر‬
‫بما نفعل‪ ،‬وال نبذل في ذلك شيئا من الجهد‪ .‬فالمجتمع قد رسم لنا الطريق‪ ،‬فما يسعنا إال أن نتبعه ونسير فيه‪ .‬حتى يمكن القول بأن الخضوع للواجب‬
‫يكون في معظم الحاالت بأن يرخي اإلنسان زمام نفسه‪ ،‬ويستسلم لها‪ .‬إن المجتمع بهذا المعنى سيؤدي إلى أخالق منغلقة‪ .‬لدا دعا برغسون إلى تبني‬
‫األخالق المنفتحة من خالل االرتباط بالمجتمع المفتوح الذي هو اإلنسانية بكاملها‪ ،‬أي واجبات اإلنسان نحو اإلنسان‪ ،‬كاحترام حياة اآلخرين‪،‬‬
‫واحترام حقهم في التملك‬
‫استنتاجات عامة‬
‫ما يميز الواجب األخالقي عن الواجبات القانونية هو أن هذه األخيرة مفروضة على الفرد من خارج ذاته‪ ،‬وتتميز باإلكراه‪ ،‬في حين أن الواجب‬
‫األخالقي نابع من إرادة الفرد واختياره الحر‬
‫إن القيم األخالقية‪ ،‬وإن بدت ُمثال عُليا وسامية يسعى إليها اإلنسان ويطلبها‪ ،‬فإن التاريخ يحدثنا أن عملية نشرها وتنزيلها على أرض الواقع نتج‬
‫عنها الكثير من الجرائم والفضاعات اإلنسانية كالحروب واإلعدامات والعقوبات الوحشية‬
‫إن الواجب األخالقي وإن بدا نابعا من الداخل‪ ،‬فإن مصدره هو المجتمع‪ ،‬حيث تتسرب قيمه األخالقية إلى داخل الشخصية اإلنسانية من خالل آلية‬
‫التنشئة االجتماعية (التربية)‪ ،‬وهي ما يسمى عند سيغموند فرويد باألنا األعلى وهو أحد مكونات الجهاز النفسي للشخصية‬
‫مفهوم الحرية‬
‫الطرح اإلشكالي‬
‫يرتبط مفهوم الحرية بالتخلص من مختلف اإلكراهات‪ ،‬سواء كانت من طبيعة بيولوجية أو نفسية أو اجتماعية… ونظرا لهذه الجوانب المتباينة التي‬
‫يحيل عليها مفهوم الحرية‪ ،‬فإن تحديده يطرح الكثير من الصعوبات‪ ،‬فإذا كانت الحرية خصما عنيدا للحتمية‪ ،‬فإن ذلك سيلقي بها في أحضان‬
‫العفوية والصدفة‪ .‬أما إذا كانت خاضعة لقانون ما‪ ،‬فهذا سيطرح مسألة اإلرادة موضع تساؤل‪ .‬فاإلرادة تستدعي الحديث عن المسؤولية‪ ،‬إذ بدون‬
‫‪:‬مسؤولية ال يمكن التحكم في حرية اإلرادة‪ .‬وهذا ما يمكن أن نعبر عنه من خالل اإلشكاالت الفلسفية التالية‬
‫ما طبيعة العالقة بين الحرية والحتميةّ؟‬
‫ما هي تجليات حرية اإلرادة؟‬
‫كيف يؤطر القانون الحرية؟‬
‫أوال‪ :‬الحرية والحتمية‬
‫أ– التوازن بين الحرية والحتمية‬
‫إن الحرية – في نظر أبو الوليد بن رشد‪ –  ‬ال يمكن فصلها عن الحتمية‪ .‬فاإلنسان له قدرة وإرادة يستطيع بهما فعل الخير والشر وباقي األضداد‬
‫األخرى‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت محكوم بضرورات مثل قوانين الطبيعة‪ ،‬وقوى الجسد المخلوقان من طرف هللا‪ .‬وهكذا ال يمكن تصور الفعل‬
‫اإلنساني – حسب ابن رشد – حرا بشكل مطلق‪ ،‬وال مقيدا بشكل مطلق‪ ،‬إنه فعل يتركب من حرية االختيار والقدرة واإلرادة‪ ،‬إال أنه محدود بقدرات‬
‫البدن ومشروط بقوانين الطبيعة التي خلقها هللا‬
‫ب– الحرية النسبية‬
‫إذا كان التفكير الموضوعي‪ ،‬الذي ينطلق من الوجود الموضوعي للكائن‪ ،‬يذهب إلى أن أفعالنا ينبغي أن تأتي بالضرورة من الخارج‪ .‬وبالتالي فال‬
‫وجود للحرية إطالقا‬
‫وإذا كان التفكير التأملي عند دراسته للوعي‪ ،‬يقر بأن أفعالنا إنما تنبع من الداخل‪ ،‬وهكذا فحريتنا حرية مطلقة‬
‫فإن موريس ميرلوبونتي‪ ،‬يعتبر أن الحرية عند اإلنسان هي حرية نسبية‪ ،‬ألن التعرف على نظام الظواهر يبين لنا أننا مندمجون مع العالم والغير‬
‫اندماجا وثيقا ال ينفصل‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬فإن الوضعية التي نكون فيها‪ ،‬تلغي الحرية المطلقة عند بداية الفعل وعند نهايته‪ .‬وفي هذا الوضع يستطيع‬
‫اإلنسان أن يدخل تعديالت إرادية واعية على وضعه المعطى‬
‫ثانيا‪ :‬حرية اإلرادة‬
‫أ‪ -‬األخالق واإلرادة الحرة‬
‫لقد اعتبر إيمانويل كانط مجال األخالق‪ ،‬هو مجال ممارسة اإلرادة الحرة لفعلنا‪ .‬فاإلنسان بوصفه كائنا عاقال يستطيع‪ ،‬اعتمادا على إرادته الحرة‪،‬‬
‫وضع القوانين العقلية للفعل اإلنساني‪ ،‬والخضوع لهذه القواعد‪ .‬فكل كائن عاقل هو كائن يتمتع بحرية اإلرادة والقدرة على القيام بالفعل األخالقي‪،‬‬
‫وال معنى للفعل األخالقي في غياب الحرية‪ -‬حسب كانط‪ -‬هكذا تشتق األخالق من حرية اإلرادة‬
‫ب‪ -‬إرادة الحياة‬
‫عندما وجد الحيوان‪ -‬اإلنسان‪ ،‬كإرادة حياة في هذا الكون‪ ،‬لم يكن لوجوده أي هدف أو غاية حسب فريدريك نيتشه‪ ،‬لذلك أبدع المثل ُّ‬
‫الز ْهدي‬
‫باعتباره أخالقا كاملة‪ ،‬لكي يعطي لحياته معنى‪ .‬وفي رغبته للوصول إلى الكمال األخالقي‪ ،‬عمل على نفي الحياة ذاتها من خالل إقصاء كل ما هو‬
‫الز ْهدي بإرادة حرة‪ ،‬تطلب الحياة وتدافع عما هو إنساني في التجربة اإلنسانية‪،‬‬ ‫مادي‪ ،‬غريزي‪ -‬حسي في اإلنسان لذلك دعا نتشه إلى مقاومة المثل ُّ‬
‫أي إرادة الحياة‬
‫ثالثا‪ :‬الحرية والقانون‬
‫أ‪ -‬الدستور كضامن للحرية‬
‫إن الحرية في األنظمة الديمقراطية‪ -‬حسب مونتسكيو‪ -‬هي الحق في القيام بكل ما تسمح به القوانين‪ .‬فإذا كان كل مواطن يستطيع القيام بفعل تمنعه‬
‫القوانين‪ ،‬فلن تكون له في المستقبل حرية ما دام اآلخرون لهم أيضا نفس القدرة على فعل ما يشاءون‪ .‬إن الحرية السياسية ال توجد إال في الحكومات‬
‫المعتدلة‪ ،‬وبما أن كل سلطة تميل إلى التعسف‪ ،‬ينبغي أن تنظم األشياء بحيث تجد السلطة نفسها محدودة بسلطة أخرى‪ .‬ويمكن في هذا السياق‪ ،‬أن‬
‫يصاغ الدستور بحيث ال يلزم أحدا بفعل مناف للقانون‪ ،‬وبأن يسمح لكل مواطن بحق عدم القيام بفعل يخوله له القانون‬
‫ب‪ -‬السياسة كمجال لممارسة الحرية‬
‫إن المجال الذي عرفت فيه الحرية باعتبارها ممارسة فعلية في الحياة اليومية‪ ،‬هو مجال السياسة‪ ،‬حسب حنا أرندت‪ .‬من المؤكد أن الحرية بمكن أن‬
‫تسكن أفئدة الناس‪ ،‬باعتبارها رغبة‪ ،‬أو إرادة‪ ،‬أو أمنية‪ ،‬أو طموح… غير أن قلوب الناس مكان غامض‪ ،‬ال يمكن معرفة ما يجري في ظلمته‬
‫الداخلية‪ .‬إننا ال ندرك الحرية أو نقيضها إال عندما ندخل في عالقة مع غيرنا‪ ،‬باعتبارها وضعا لإلنسان الحر الذي يسمح له فيه بالتنقل وبالخروج‬
‫من منزله وبالتجول في العالم وااللتقاء بغيره‪ ،‬فال يكون للحرية تحقق فعلي في العالم الذي يسمح بممارسة الفعل والكالم‪ ،‬مثل المجتمعات‬
‫االستبدادية‪ R‬التي تعتقل رعاياها داخل بيوتهم الضيقة‪ ،‬وتمنع بذلك ميالد‪ R‬حياة عمومية‪ ،‬فبدون حياة عمومية مضمونة سياسيا‪ ،‬ال يمكن للحرية أن‬
‫تتجلى‪ ،‬إذ ينقصها الشرط الالزم لظهورها وهو المجال العام‬
‫استنتاجات عامة‬
‫إن للحرية عند اإلنسان تجليات كثيرة‪ ،‬تتمثل في عدم خضوعه لغرائزه‪ ،‬بل التحكم فيها من خالل تأجيلها‪ ،‬عكس الحيوان الذي يخضع لها خضوعا‬
‫ضروريا‪ .‬كما تتمثل في كونه يمكن أن يقول للشيء ‪ » ‬نعم ‪ » ‬أو ‪ » ‬ال ‪ » ‬حسب اختياره‪ ،‬إضافة إلى قدرته على القيام بالفعل ونقيضه حسب‬
‫رغبته وحرية إرادته‪ .‬لكن هذه الحرية تبقى محدودة بحدود حريات اآلخرين‪ ،‬وبالقوانين المادية (فيزيائية‪ ،‬بيولوجية…)‪ ،‬والظروف التاريخية‬
‫(االجتماعية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬السياسية…)‪ ،‬التي يتموضع ضمنها الفرد‬
‫أن الحرية اإلنسانية‪ ،‬ترتبط بالمسؤولية‪ ،‬ففي غياب هذه األخيرة تتحول إلى فوضى‪ ،‬لذلك عمل المجتمع على تقنينها بقانون يحدد الحقوق‬
‫(الحريات) والواجبات‬
‫إذا كان االستبداد‪ R‬نظام سياسي ال توجد فيه إال الواجبات‪ ،‬وتغيب فيه الحقوق والحريات‪ ،‬وإذا كانت الفوضى حالة تسود فيها الحريات المطلقة في‬
‫غياب الواجبات‪ ،‬فإن الديمقراطية نظام سياسي معتدل يوجد بين االستبداد والفوضى حيث ينبني على التوازن بين الحقوق والواجبات بموجب قانون‬
‫عادل‬
‫مفهوم السعادة‬
‫الطرح اإلشكالي‬
‫إن السعادة هي شعور الفرد بإحساس الفرح‪ ،‬واالرتياح‪ ،‬واللذة… وهذا ما يجعلها غاية لإلنسان يسعى إليها سواء على المستوى الحسي‪ -‬الغريزي‪،‬‬
‫أو على مستوى الفكر النظري‪ ،‬أو على مستوى السلوك األخالقي‪ .‬وهكذا فللسعادة قيمة حسية‪ ،‬وقيمة فلسفية تأملية‪ ،‬وقيمة أخالقية تثير عدة قضايا‬
‫فلسفية متمثلة في تعدد‪ R‬التمثالت التي تنسج حولها‪ ،‬وتنوع الموضوعات التي تحققها‪ .‬إضافة إلى تعدد الدوافع التي تدفعنا إلى السعي ورائها‪ .‬وأخيرا‬
‫ارتباطها بالواجب الذي يحقق السعادة عندما يكون اتجاه الذات واتجاه الغير كذلك‪ .‬إنها قضايا يمكن صياغتها من خالل هذه األسئلة‬
‫ما هي التمثالت التي تم بناؤها حول السعادة؟‬
‫لماذا نسعى نحو السعادة؟‬
‫ما عالقة السعادة بالواجب؟‬
‫أوال‪ :‬تمثالت السعادة‬
‫أ‪ -‬السعادة إشباع للفكر‬
‫اللذات‪ ،‬وأكمل السعادات ّلذة المطعم والشهوة وسائر ّ‬
‫اللذات البدنية‪ ،‬فإن هذا القول يزول عند فخر الدين‬ ‫إذا كان الغالب عند الناس هو أن أقوى ّ‬
‫الرازي‪ ،‬ويدل على ذلك عدة وجوه وهي‬
‫كل شيء يكون سببا لحصول السعادة والكمال‪ ،‬يكون اإلنسان أكثر إقباال عليه‪ .‬ونحن نعلم أن االنشغال بقضاء الشهوة يعد من الدناءة والنّهَم‬
‫كل شيء يكون في نفسه كماال وسعادة‪ ،‬وجب أن ال يُستحيى منه‪ ،‬بل أن يُتب ّجح إلظهاره‪ .‬ونحن نعلم أن ال أحد من العقالء يفتخر بكثرة األكل‬
‫والشرب‬
‫لو كانت السعادة متعلقة بقضاء الشهوة‪ ،‬لكان الحيوان الذي هو أقوى في هذا الباب‪ ،‬أكثر سعادة وكماال من اإلنسان‬
‫إن سعادة اإلنسان‪ -‬حسب الرازي‪ -‬وكماله وفضيلته ال تظهر إال بالعلوم والمعارف واألخالق الفاضلة‪ ،‬ال باألكل والشرب‬
‫ب‪ -‬السعادة غاية في ذاتها‬
‫إن األفعال صنفان فعل يطلب لذاته‪ ،‬وفعل يطلب لغيره‪ ،‬والسعادة ليست ملكة‪ -‬في نظر أرسطو‪ -‬وإنما هي فعل يطلب لذاته‪ .‬هناك بعض أصناف‬
‫اللهو تطلب لذاتها‪ ،‬لكن ينجم عنها ضرر ال منفعة‪ ،‬لما قد يؤدي من التهاون بأمر الجسد أو الثروة‪ ،‬وهي مع ذلك مما يتهافت عليه الكثير من الناس‬
‫ممن يندرجون في عداد السعداء‪ .‬والحق أنه من الجهل أن يقال إن اللهو هو غاية الحياة‪ .‬وأننا نكد طوال العمر لكي يتاح لنا اللهو‪ .‬إن قول مثل هذا‬
‫قول صبياني‬
‫إن كل ما يمكن تصوره يطلب من أجل ما عداه‪ ،‬إال السعادة إذ هي غاية بحد ذاتها‪ -‬حسب أرسطو‪ .-‬والحياة السعيدة هي التي يحياها المرء وفق‬
‫الفضيلة‪ ،‬وهي حياة جد واجتهاد‪ ،‬ال حياة لهو‬
‫ثانيا‪ :‬السعي وراء السعادة‬
‫أ‪ -‬السعي وراء السعادة شقاء‬
‫قي إطار بناء أطروحته حول سعي اإلنسان وراء تحقيق السعادة‪ ،‬وجدوى هذا السعي‪ ،‬أكد ج‪ .‬ج‪ .‬روسو‪ ،‬أن على اإلنسان‪ ،‬ليبلغ غايته‪ ،‬أن يحقق‬
‫معادلة متكافئة بين رغباته وقدراته‪ .‬إال أنها معادلة لم تكن ممكنة إال في حالة الطبيعة‪ ،‬حيث كانت الرغبات بسيطة‪ ،‬ومقدور عليها‪ .‬أما حالة‬
‫التمدن‪ ،‬فإن الرغبات تطورت وتجاوزت قدراته‪ .‬وعليه فإن السعي وراء السعادة إنما هو في الحقيقة سعي وراء الشقاء‬
‫وهكذا فإن انتقال اإلنسان من حالة الطبيعة البسيطة في حاجاتها‪ ،‬إلى حياة الجماعة وما صاحب ذلك من ظهور كماالت متعددة وال متناهية‪ ،‬أدى‪-‬‬
‫في نظر روسو‪ -‬إلى فقدانه لسعادته‪ R،‬وتحول البحث عنها إلى شقاء مستمر‬
‫ب‪ -‬الجمال يحقق السعادة‬
‫إن اإلنسان لم يبدع‪ R‬فقط أسباب الشقاء‪ -‬في نظر ديفيد هيوم‪ ،-‬وإنما أبدع أيضا إمكانات االقتراب من تحقيق سعادته‪ ،‬بإمكانه أن يحقق ذلك اعتمادا‬
‫على إبداعاته الفنية (الموسيقى‪ ،‬الرسم‪ ،‬الشعر…)‪ .‬فإذا كان يملك ذوقا رهيفا‪ ،‬وعمل على تهذيب هذا الذوق والسمو به انطالقا مما تقدمه األعمال‬
‫الفنية من جمال ورقة‪ ،‬أمكنه التخفيف من التوتر واأللم واالقتراب من السعادة‬
‫ثالثا‪ :‬السعادة والواجب‬
‫أ‪ -‬السعادة واجب اتجاه الغير‬
‫ليس من الصعب تحقيق سعادة اآلخرين‪ ،‬في نظر برترند راسل‪ ،‬إذ يكفي محاولة التقرب منهم بمودة تلقائية للتعرف على الغير‪ ،‬وفهم تفرده‬
‫وخصوصية‪ ،‬وهذا ما يشكل مصدر إسعاد الغير‪ .‬وبالتالي تحقيق سعادة الذات‪ .‬وهكذا ننتقل مع راسل من تصورات تشرط السعادة بتحقيق الرغبات‬
‫أو إقصائها‪ ،‬إلى تصور يربطها بالممارسة والفعل‬
‫ب‪ -‬السعادة واجب اتجاه الذات‬
‫تكون السعادة ممكنة‪ -‬في نظر أالن‪ -‬عندما تتوفر لدى اإلنسان إرادة طلبها‪ ،‬وتصبح واجبا تجاه الذات واآلخر‪ .‬وال يكون باستطاعته إسعاد غيره‪،‬‬
‫إال إذا منح السعادة لذاته فمن السهل على المرء أن يكون مستاء‪ ،‬كما من السهل عليه أن يرفض ما تقدمه الحياة من عطايا‪ .‬وبالمقابل من السهل‬
‫على اإلنسان أن يصنع من أشياء قليلة وبسيطة‪ ،‬مظاهر السعادة التي يتلمسها في عالقته باآلخرين‪ .‬إن رفض السعادة‪ ،‬حسب أالن‪ ،‬هو السبب‬
‫األكبر فيما تعرفه اإلنسانية من مآس وحروب‪ ،‬وهكذا تصبح السعادة قيمة أخالقية توجه تصرفات اإلنسان في عالقته بذاته وباآلخر‬
‫استنتاجات عامة‬
‫إن السعادة شعور داخلي بالسرور والرضا على النفس… إال أن مصادر هذا الشعور تتحدد وتتنوع حسب األفراد والجماعات‪ .‬فهناك من يحقق‬
‫السعادة من خالل جمع األموال وإشباع الغرائز‪ .‬وهناك من يحققها بإشباع العقل بواسطة العلم وتحصيل المعارف‪ .‬كما نرى من يجد سعادته في‬
‫إشباع الجوانب الروحية على مستوى المشاعر واألحاسيس الباطنية‬
‫إن للسعادة مظهرين‪ ،‬مظهر نظري تأملي‪ ،‬وآخر عملي أخالقي‪ .‬بتمثل المظهر األول في تحقيق الرغبات‪ ،‬وإشباع المشاعر واألحاسيس‪ .‬أما‬
‫المظهر الثاني فيرتبط بالممارسة والفعل‪ .‬التي تتحدد‪ R‬بعالقة الذات سواء بذاتها أو باآلخر أو عالقة اآلخر بالذات‬
‫استنتاجات حول مجزوءة األخالق‬
‫إن األخالق هي مجموعة من القيم الثقافية واالجتماعية‪ ،‬تمثل مثال عليا يسعى نحوها اإلنسان من جهة‪ ،‬كما تسعى إلى تنظيم عالقة الفرد باآلخرين‬
‫من جهة ثانية‪ .‬وقد تتخذ شكل واجب يتميز باإلكراه‪ ،‬كما قد تتخذ شكل التزام حر يتبناه الفرد بطواعية‪ .‬وغايتها هو تحقيق السعادة لمعتنقيها‪ ،‬سواء‬
‫كان فردا أو جماعة‬
‫تتجلى األخالق في بعدها المطلق‬
‫على مستوى الواجب‪ :‬في تلك اإللزامات واإلكراهات العقلية التي تحدد الفعل اإلنساني وتجعله يحترم القانون األخالقي من أجل الواجب ذاته‪ ،‬وذلك‬
‫بغض النظر عن األهواء الذاتية والمصالح الفردية على مستوى الحرية‪ :‬في اعتبار الفعل اإلنساني فعال‪ ،‬إما حرا بشكل مطلق‪ ،‬أو خاضعا لحتميات‬
‫مطلقة على مستوى السعادة‪ :‬في الطابع العقلي التأملي للسعادة‪ ،‬واعتبارها غاية قصوى لكل إنسان‬
‫تتمثل األخالق في بعدها النسبي‬
‫على مستوى الواجب‪ :‬في اختالف الواجبات حسب المجتمعات‪ ،‬وحسب قدرات األفراد على مستوى الحرية‪ :‬في اختالف قوى وقدرات الجسد من‬
‫شخص آلخر‪ ،‬وأيضا في اختالف األنظمة السياسية والقوانين المحددة للحرية على مستوى السعادة‪ :‬في كون مفهوم السعادة يخضع لتمثالت الناس‬
‫حسب ظروفهم االجتماعية والتاريخية‬

You might also like