You are on page 1of 48

‫ملخصاث دسوس بشنامج الفلسفت‬ ‫ّ‬

‫[ الشابعت ‪:‬الشعب العلميت]‬


‫األستار‪ :‬صهيش المذنيني‬
‫اإلنساني بين الوحذة والكثشة"‬
‫اذا كاف سؤاؿ ما ىو االنساني يتصؿ بالماىية االنسانية فيؿ تعد تمؾ الماىية واحدة متعالية ال تحتاج‬
‫الى الغير أو اآلخر أـ أنيا متكثرة محايثة لألجساد والعوالـ والثقافات ؟‬
‫نقؿ ثنائية الوحدة والكثرة أو اليوية والغيرية مف جذورىا األنطولوجية إلى مجاؿ النظر في الكينونة‬
‫اإلنساف باآلخريف وبالتاريخ مف جية أخرى‪ ،‬مف شأنو اف‬ ‫االنسانية داخؿ العالـ مف جية وعالقة‬
‫يغير األفؽ اإلشكالي كأف نتساءؿ ىؿ االنساني معطى ثابت اـ صيرورة تتحقؽ في التاريخ ؟ ىاىنا ال‬
‫ينفصؿ اإلنساني عف ىذا األفؽ العالئقي اإلنساني والتاريخي ‪ ،‬وىكذا تبرز عمى سطح المعرفة ثنائية‬
‫االنية والغيرية ‪.‬‬
‫اإلنيت والغيشيت‪:‬‬
‫االنية والغيرية مسألة تتصؿ بالبعد العالئقي بيف اإلنساف وذاتو‪ ،‬و اإلنساف وعالقاتو بالعالـ والتاريخ‬
‫وعالـ اآلخريف فما ىي دالالت االنية ؟ ىؿ االنية ىي النفس ؟ ىؿ ىي جوىر واحد وثابت؟ ىؿ االنية‬
‫ىي األنا أو الذات المفكرة أو الوعي أو الشعور ؟‬
‫تتحدد بمعزؿ عف الغير‪:‬‬
‫داللة اإلنية ّ‬
‫النفس ىي مصدر إدراؾ اإلنساف لذاتو‪ ،‬والنفس تدرؾ دوف حاجة إلى وسائط‪ ،‬فيي تدرؾ ذات اإلنساف‬
‫وأحوالو ومختمؼ أحواؿ الجسـ عمى خالؼ الجسـ الذي ال يمكنو أف يدرؾ بغير النفس‪.‬‬
‫تتحدد بما ىي نفس ال تشترط شيئا آخر خارج طبيعة النفس‬
‫إ ّنية اإلنساف ّ‬
‫بأي صورة كاف‪.‬‬ ‫ذات اإلنساف مغايرة لمجسـ = الجسـ غير الذات‪ ،‬فإ ّنية اإلنساف تستبعد الغير ّ‬
‫‪ -‬إ ّنية اإلنساف ىي النفس التي تسمو عمى الجسـ‪ ،‬فيي تدرؾ ذاتيا وغيرىا في حيف أ ّنو ال يمكنو‬
‫إدراؾ ذاتو‪.‬‬
‫‪-‬عالقة اإل ّنية والغيرية مبنية عمى التقابؿ‪ ،‬فاإلنية ثابتة عمى خالؼ الغير‬
‫أي شيء آخر و ال تتوقّؼ في إثبات وجودىا ومعرفة حقيقتيا عمى‬
‫تتحدد بمعزؿ عف ّ‬
‫‪ .‬إنية اإلنساف ّ‬
‫تتحدد سائر األشياء األخرى ميما كاف نوعيا وجنسيا وطبيعتيا‪ ،‬وليس ىناؾ ما‬
‫غيرىا‪ ،‬بؿ بواسطتيا ّ‬
‫يجعؿ اإل ّنية في حاجة إلى الغير‪.‬‬
‫أي شيء أنا؟‬
‫_ تحديد ماىية األنا كشيء مف ّكر وتحديد داللة األنا بصفتو وعيا= ّ‬
‫ويتصور ويثبت‪...‬‬
‫ّ‬ ‫يشؾ‬
‫╡ ماىية األنا‪ /‬المعرفة باألنا = ما الشيء المف ّكر؟ ╡ إ ّنو شيء ّ‬
‫‪1‬‬
‫يبدو أف سؤاؿ ما اإلنساني عرؼ منعطفا مع اعتبار اإلنساف إنية أو ذات واعية؛ ثمة تغير في السؤاؿ‬
‫مف ما اإلنساف ما الحيواف إلى سؤاؿ ما حقيقة الذات اإلنسانية ؟ مف أكوف ؟ىؿ تتحقؽ انيتي بمعزؿ‬
‫عف العالـ ؟ ىؿ شرط تحقؽ انيتي االنفصاؿ عف الغير ؟ىؿ يمكف تصور االنية بما ىي أنا دوف معرفة‬
‫الجسد ؟‬
‫يدفعنا ىذا السؤاؿ الى مراجعة الداللة التقميدية الميتافيزيقية لالنية باتجاه الكشؼ عف اقتدار الجسد‬
‫واالنفتاح عمى الغيرية فيؿ يمكف أف تتحقؽ إنسانيتي دوف وعي بالجسد ؟أال يمثؿ الجسد (الرغبة‬
‫القوة) جسرا إلقامة عالقة مع الغير ؟‬
‫يوجد اإلنساف داخؿ ىذا العالـ فضاء المقاء بيف األنا واآلخر ذوات تتفاعؿ فيما بينيا وتبني عالقات‬
‫بينذاتية وتحيي تجارب متنوعة قواميا حضور الجسد في العالـ‪.‬‬
‫إف صورة الغير في فمسفات الذات تبدو فقيرة و ال تكتسي قيمة فاعمة في معرفة اإلنساف بذاتو وفي‬
‫ّ‬
‫ولكف الفقر وانعداـ الفعالية ال يمكف أف يعنيا الغير‬
‫تحديد طبيعة وجوده وخصائص حضوره في العالـ‪ّ ،‬‬
‫تتوىـ" امتالؾ يقيف‬
‫تعينو وبالنظر إلى منزلتو الفعمية وا ّنما يعنياف باألساس صورة تقترحيا ذات " ّ‬
‫في ّ‬
‫أي واقع وال يمكف أف تثبتو‬
‫مطمؽ ومعرفة كمية تجعميا في غنى عمى اآلخر والعالـ‪ ،‬وىو ما ال يدعمو ّ‬
‫ّأية تجربة بشرية‬
‫داللة اإل ّنية تشترط حضور الغير‪:‬‬
‫يمكف فيـ انسانيتي ( ما يحقؽ إنسانيتي ‪ ،‬أو ما يؤسسيا في ضوء المعرفة بكوامف الذات‪-‬جوانب‬
‫داخمية ‪ -‬أو المعرفة بدواعي و جسور االنفتاح عمى الغير – جوانب خارجية ‪ ) -‬وآليات التجاوز(‬
‫النقد ‪ ،‬القطع النيائي‪ )...‬لمذات ( المفكرة و المتعالية و المستقمة عف الغير‪ -‬الداللة الميتافيزيقية‬
‫عموما )‪،‬وفؽ مساريف متكامميف‪:‬‬
‫أوال تجاوز الذات المفكرة بغاية معرفة المكونات الداخمية لإلنساف شأف انفعاالت الجسد أو الرغبات‪.‬‬
‫ثانيا تجاوز الذات بما ىي فرد ال يحتاج إلى الغير‪ ،‬وفي ىذه الحالة نفيـ أف المقصود بالتجاوز ىو‬
‫الدعوة إلى مراجعة الذات المنغمقة عمى ذاتيا‪ ،‬قصد إخراجيا مف ذاتويتيا واقحاميا ضمف عالقة مع‬
‫الغير‪ .‬والحاصؿ مف ىذا إخراج الذات مف وىـ الذات الساكنة إلحداث التغاير و الكثرة بيف مختمؼ‬
‫إبعادىا الداخمية والخارجية‪.‬‬
‫يتحدد أحدىما بمعزؿ عف اآلخر‪ :‬تكشؼ دراسة انفعاالت اإلنساف أ ّنو‬
‫‪ ‬النفس والجسد شيء واحد وال ّ‬
‫إما بالتوافؽ معو مف خالؿ تنمية أواصر‬
‫متأصؿ في الرغبة التي تجعؿ اإلنساف منفتحا عمى الغير‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫التواصؿ أو بالصراع مف أجؿ الييمنة عميو= "الرغبة ىي عيف ماىية اإلنساف"(اسبينوزا)_ الرغبة ىي‬
‫ينمي قدرة الجسد عمى الحركة‪ :‬مبدأ الكوناتيس‪.‬‬
‫ينمي قدرة النفس عمى التفكير وما ّ‬
‫ما ّ‬
‫‪2‬‬
‫‪ ‬عالقة اإلنية والغيرية تحكميا األوضاع المادية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فالوعي البشري واألفكار‬
‫تحدد عالقة الذات بالطبيعة وباآلخريف=‬
‫خضـ ظروؼ وعوامؿ موضوعية ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتأسس إ ّال في‬
‫والتمثالت ال ّ‬
‫أشكاؿ الوعي تمثّؿ انعكاسات لمجمؿ النشاطات المادية والعالقات اإلنتاجية لممجتمع تاريخيا‪ .‬البنية‬
‫تتحدد بالنظر إلى النشاط المادي الذي يحكـ‬
‫وتتحدد بيا‪ .‬فإ ّنية اإلنساف ّ‬
‫ّ‬ ‫تحدد البنية الفوقية‬
‫التحتية ّ‬
‫عالقتو بالطبيعة واآلخريف _ كارؿ ماركس‪.‬‬
‫مما يجعؿ العالقة مع‬
‫متأصمة في دوافع غريزية مكبوتة في الالشعور منذ الطفولة ّ‬‫ّ‬ ‫‪ ‬إ ّنية اإلنساف‬
‫محدد بمبدأي اإليروس(الحب) والتاناتوس(الكراىية) ويجعؿ مبدأ المذة [الالوعي ‪ /‬اليو] متعارضا‬
‫الغير ّ‬
‫مع مبدأ الواقع والقيـ [ األنا األعمى]=مبدأ المذة يعكس نشاطا ييدؼ إلى تج ّنب االنزعاج ويبحث عف‬
‫أف االنزعاج يرتبط بزيادة كمية اإلثارة والمذة أو المتعة ترتبط بتخفيض ىذه‬
‫المتعة بناء عمى ّ‬
‫الكمية‪(.‬سيغموند فرويد)‬
‫ّ‬
‫• الغير ىـ في اآلف نفسو المماثؿ والمبايف‪ ،‬وطبيعة الذات مغمقة ومفتوحة في آف واحد‪ :‬الغير إنساف‬
‫يتميز عني بخصوصيتو‪ ،‬فيو مبايف لي‪.‬‬
‫يشاركني إنسانيتي‪ ،‬فيو مماثؿ لي؛ لك ّنو ّ‬
‫تنوع إنساني"_ إدغار موراف= انغالؽ الذات حوؿ نفسيا‪ ،‬أي‬
‫"توجد وحدة إنسانية بقدرما يوجد ّ‬
‫مركزيتيا تجعؿ مف الغير غريبا فتنشأ عالقة عداوة ‪ /‬انفتاح الذات عمى الغير يخمؽ شعور التعاطؼ‬
‫والصداقة‪".‬نستطيع إقحاـ اآلخر وادماجو في األنا بالتعاطؼ والصداقة والحب‪".‬موراف‬
‫متعددة لعالقة اإل ّنية والغيرية‪:‬‬
‫بناء عمى ذلؾ يمكف أف نرصد أشكاال ّ‬
‫التناظر‪ ،‬فالغير يعكس نظيرا لألنا وعندئذ تتح ّقؽ إ ّنيتي بالقدر الذي يتح ّقؽ فيو غيري‪ ،‬أل ّني‬ ‫‪‬‬
‫يتأمؿ في ضوئيا األنا ذاتو‬
‫أتحوؿ بدوري إلى غير بالنسبة إلى األنا اآلخر(الصداقة ىي العالقة التي ّ‬
‫ّ‬
‫بيف ذلؾ أرسطو)‬‫عبر اآلخر كما ّ‬
‫المشاركة ‪ /‬التذاوت‪ ،‬الغير ال يمثّؿ شيئا في عالـ األشياء‪ ،‬وال نحسبو موضوعا خارجيا في‬ ‫‪‬‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫قبالة الذات وبمعزؿ عنيا‪ ،‬وا ّنما ىو ذات في عالـ الذوات (التعاطؼ‪ ،‬العالقة البينذاتية في‬
‫الفينومينولوجي)‬
‫الوعي بالذات يستوجب اآلخر‪ ،‬فالغير وسيط ضروري يتوقّؼ تحقيؽ وعي الذات بذاتيا عمى‬ ‫‪-‬‬
‫السيطرة عميو = عالقة صراع تحكـ األنا والغير عمى النحو الذي ينكشؼ مف خالؿ جدلية السيد والعبد‬
‫كما أبرزىا ىيجؿ ‪.‬‬
‫عدو يكوف مستيدفا بالتدمير والقتؿ‪ ،‬فاإلنساف كائف تحدوه نزعة العدواف والسعي نحو‬‫‪ -‬الغير ّ‬
‫تدمير اآلخر ‪ /‬استثمار المقاربة الفرويدية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫يحوؿ‬
‫أف اآلخر ّ‬
‫إما أنا أو اآلخر‪ ،‬ذلؾ ّ‬
‫‪ -‬الغير بماىو سمب لحريتي عمى النحو الذي أبرزه سارتر ‪ّ :‬‬
‫تحوؿ اآلخر إلى موضوع وتقوـ بنفيو‪ .‬فينجـ عف‬
‫األنا إلى موضوع ويستيدفيا بالنفي‪ ،‬واألنا بدورىا ّ‬
‫ذلؾ النزاع مف أجؿ اثبات الذات والدفاع عف الحرية‪.‬‬
‫أف أساس ماىو إنساني في العالقة بيف األنا والغير ىو اإلعتراؼ المتبادؿ داخؿ‬
‫‪ -‬التأكيد عمى ّ‬
‫نطاؽ االقرار والقبوؿ باالختالؼ وىو ما سيسمح بضماف لقاء اإلنساف باإلنساف عمى النحو الذي‬
‫أي كائف إنساني ال يستعمي عمى الكائنات اإلنسانية األخرى بشكؿ‬
‫إف ّ‬‫صاغو ميرلوبونتي بقولو ‪ّ " :‬‬
‫ظؿ عاطال و جاثما عمى اختالفو الطبيعي"‪.‬‬
‫نيائي إالّ متى ّ‬

‫الخصوصيت والكونيت‪:‬‬
‫وىويتيا دوف أف تواجو تناقضا بيف ماضييا‬
‫كيؼ يمكف لمثقافة أف تضمف المحافظة عمى خصوصيتيا ّ‬
‫يسبب ذلؾ فقداف‬
‫بأي معنى يمكف لثقافة ما أف تتواصؿ مع ثقافة أخرى دوف أف ّ‬
‫وحاضرىا؟ ّ‬
‫ميددا‬
‫اي نحو يكوف التواصؿ بيف الثقافات مثمرا وب ّناءا وليس ّ‬
‫ىويتيا؟ عمى ّ‬
‫خصوصيتيا أو اختراؽ ّ‬
‫ومحطّما ؟‬

‫‪4‬‬
‫تتحدد وفؽ جدلية الماضي والحاضر مف خالؿ االنتماء إلى تراث ثقافي‬
‫اليوية ّ‬
‫ّ‬ ‫اليوية الثقافية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫معنى‬
‫تتحدد‬
‫تجسـ خصوصية ّ‬ ‫ىوية ّ‬ ‫وكؿ ّ‬
‫يجسـ أصالة وباإلعالف عف موقؼ حداثي يالقي الثقافات األخرى‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫بناء عمى أنظمة تواصؿ ورموز أو وسائط مثؿ المغة والديف واألسطورة والصورة‪...‬وىو ما تشترؾ فيو‬
‫تنوع الثقافات داخؿ وحدة اإلنسانية‪ :‬وحدة الكثرة‪ :‬وحدة الثقافة اإلنسانية وكثرة‬
‫جميع الثقافات‪ّ :‬‬
‫يحدد موقع الثقافة وموقفيا الحامؿ لمقيـ والفكار والمشاعر ومختمؼ‬‫اليوية ىي ما ّ‬
‫ّ‬ ‫وتنوعيا‪.‬‬
‫الثقافات ّ‬
‫اليوية ذات طابع مرّكب يشتمؿ عمى ما ىو محّمي خاص وما ىو كوني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االبداعات=‬
‫كؿ ثقافة خصوصيتيا مف لغتيا ودينيا ورموزىا ‪...‬‬
‫تستمد ّ‬
‫ّ‬
‫مما يسمح ليا بأف تكوف مصدر خصوصية تحمؿ‬ ‫المغة نظاـ رمزي تمتقي فيو جميع االبداعات الثقافية ّ‬
‫يتسبب ذلؾ في طمس المغة الصمية وبالتالي اليوية‬
‫ّ‬ ‫مخزوف تجارب المجتمع‪ ،‬ومتى ىيمنت لغة أخرى‬
‫أف األنجميزية ىي لغة‬
‫ادعاء ّ‬
‫مما ينجـ عنو غزو ثقافي عمى نحو ما تمارسو اليوـ مثال العولمة عبر ّ‬
‫ّ‬
‫العمـ‪.‬‬
‫المقدس‪ :‬ذو صبغة رمزية يرتبط بما ىو متعالي ومفارؽ فيتقابؿ مع الدنيوي والمرئي‪ .‬ىو أحد السمات‬‫ّ‬
‫ويستمد منو اإلنساف شعوره باالنتماء‬
‫ّ‬ ‫يستمد منو المجتمع وحدتو وتماسكو‬
‫ّ‬ ‫لميوية الثقافية‬
‫ّ‬ ‫المميزة‬
‫ّ‬
‫الذي يجعمو مرتبطا باآلخر‪.‬‬
‫بوأىا مكانة أرفع مف‬
‫مما ّ‬
‫وتعد الوسيط األكبر لمثقافة الراىنة‪ّ ،‬‬
‫الصورة‪ :‬أساس وسائطي يضمف التواصؿ ّ‬
‫تعوض الحوار‪.‬‬ ‫ومما جعؿ الفرجة(مجتمع الفرجة أو المشيد) اليوـ ّ‬
‫المغة ّ‬
‫توظيؼ الصورة ثقافيا تحت توجيو منطؽ غزو السوؽ أو الغزو الثقافي بموجب الثورة الرقمية‬
‫تسبب في تفاوت عمى مستوى االمكانيات‪ ،‬فمف يييمف عمى مصادر الصورة‬ ‫وتكنولوجيا االتصاالت‪ّ ،‬‬
‫استغؿ ذلؾ مف أجؿ السيطرة عمى اآلخريف وترويج قيـ ثقافية أحادية=‬
‫ّ‬ ‫وتقنيات انتاجيا وترويجيا‬
‫تيدد الكونية الثقافية‪.‬‬
‫تيدد الخصوصيات الثقافية كما ّ‬
‫النمطية الثقافية أو ثقافة التماثؿ والتشابو التي ّ‬
‫الميددة الخصوصية الثقافية ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫األخطار‬
‫تعصبو النتمائو‪ /‬اكماش وانطواء‬
‫التنوع والحوار بدافع ّ‬
‫ىويتو فيرفض ّ‬ ‫مف ينغمؽ حوؿ ّ‬ ‫‪-‬‬
‫يسبب موتا لمثقافة‪.‬‬
‫ّ‬
‫مف ينفتح عمى الثقافات المختمفة ويتبادؿ معيا تأثيرا وتأثّرا عمى أساس الحوار‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مف يعتقد في أفضميتو ويسعى إلى الييمنة عمى اآلخر‪ /‬صداـ الحضارت وصراعيا‪(.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المركزية الثقافية)‪.‬‬
‫أشكاؿ العالقة بيف الثقافات‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫مقوماتيا ومف اإلسياـ في‬
‫مما يمنعيا مف تطوير ّ‬
‫‪ ‬انغالؽ الثقافة عمى نفسيا يقودىا عمى العزلة ّ‬
‫بناء صرح الكوني‪.‬‬
‫يتسبب في‬
‫ّ‬ ‫تفوقيا العممي والتقني‬
‫ادعاء مركزيتيا بمقتضى ّ‬
‫‪ ‬اعتقاد الثقافة في أفضميتيا و ّ‬
‫ىويتو‬
‫االستعالء عمى الغير والعمؿ عمى إخضاعو وطمس ّ‬
‫فيعمؽ الفوارؽ ويغ ّذي‬
‫= صراع بيف الثقافت يفرز واقعا صداميا يمنع مف المقاء والحوار بيف الثقافات ّ‬
‫فكرة كونية مزعومة تكوف عمى طراز الثقافة المركزية مثؿ الثقافة الغربية اليوـ‪.‬‬
‫‪ ‬اإليماف بوحدة الثقافة اإلنسانية المراىنة عمى الكونية يتوقّؼ عمى االعتراؼ المتبادؿ بيف سائر‬
‫الثقافات ببعضيا البعض والعمؿ عمى التواصؿ عبر اختالفيا بما يرسي دعائـ الحوار الذي يسمح‬
‫بالتالقح الثقافي‪.‬‬
‫اعتبرت الثقافة الغربية القيـ التي أنتجتيا في مرحمة تنويرىا وحداثتيا الفكرية بمثابة القيـ العالمية‪،‬‬
‫ييدد الخصوصيات الثقافية‪ ،‬وىو ما يتراءى ‪:‬‬
‫فاتّجيت نحو تسويقيا وتعميميا بشكؿ ّ‬
‫ادعاء‬
‫يؤدي عمى موت الثقافة‪ ،‬وا ّما عبر ّ‬
‫مما ّ‬
‫بالقوة ّ‬
‫إما مف خالؿ السعي نحو دمج ثقافة اآلخر ّ‬ ‫ّ‬
‫مما يقود إلى إذابة الخصوصية‪.‬‬
‫عالميتيا والترويج لفكرة كونيتيا ّ‬
‫جرء العولمة‪.‬‬
‫ميددة باليالؾ مف ّ‬
‫مثاؿ ما تمارسو اليوـ العولمة الثقافية‪ :‬فالكونية ّ‬
‫العولمة وىيمنة النموذج‪:‬‬
‫كؿ شعوب العالـ دوف استثناء بمقتضى ما تعنيو مف داللة تقوـ‬ ‫العولمة اليوـ ظاىرة بارزة في حياة ّ‬
‫كؿ الحدود التي تفصؿ مناطؽ العالـ عف بعضيا البعض عمى ضوء ما تح ّقؽ‬ ‫باألساس عمى اختراؽ ّ‬
‫لدف الثورة المعموماتية وتكنولوجيا اال تّصاالت‪،‬؛ وكذلؾ بناء عمى تحويؿ العالـ إلى قرية تكوف أقرب‬
‫مف ّ‬
‫إلى سوؽ لممبادالت‪ .‬أصبحنا قادريف اليوـ عمى أف نرى مشيدا واحدا ىو الذي تنقمو إلينا الحضارة‬
‫المستأثرة بوسائؿ اإلعالـ والمييمنة عمى صناعة القرار في جميع المجاالت‪ ،‬سواء كانت اقتصادية أو‬
‫التفوؽ‬
‫سياسية أو اجتماعية ‪ .‬؛ خمؼ العولمة الثقافية تتوارى نزعات عنصرية ومآرب إثنية تغ ّذي ّ‬
‫متقدـ وآخر متخمّؼ وغيرىما ىمجي أو‬
‫العرقي وتدافع عف تراتبية في العالـ وتفاضؿ في العوالـ (عالـ ّ‬
‫بدائي أو غيرذلؾ مف التسميات المح ّقرة لإلنساف‪.)...‬‬
‫الكونية المنشودة‪:‬‬
‫مشاىد إيجابية اقترنت بظاىرة العولمة وال يمكف التغاضي عنيا أو إنكارىا‪ ،‬مف قبيؿ ما تح ّقؽ عمى‬
‫مستوى التواصؿ مف تقارب بيف الشعوب‪ ،‬عالوة عمى ما أنجزتو ثورة االتصاالتمف نتائج لطالما تطّمع‬
‫فمجرد ما تم ّكف اإلنساف اليوـ مف تخطّي‬
‫ّ‬ ‫ظؿ قير المكاف والزماف‪.‬‬
‫اإلنساف إلى تحقيقيا في ّ‬
‫توصؿ إلى االقتراب أكثر مف الغير واإلحاطة بتراث إنساني‬
‫الصعوبات المرتبطة بالمكاف والزماف حتّى ّ‬
‫‪6‬‬
‫مضادة"‬
‫ّ‬ ‫نشيد ما أطمؽ عميو البعض " عولمة‬‫يتعيف أف ّ‬
‫كوني كاف يجيؿ مداه واتّساعو وأبعاده‪ّ . .‬‬
‫تسمح ببزوغ أمؿ اإلنساف في قيـ العدؿ والتسامح والسمـ بما ىي قيـ كونية ال تحتاج إلى مف يبرىف‬
‫عمى أح ّقيتيا أو يدافع عف ضرورة انتشارىا في مختمؼ أرجاء المعمورة‪.‬‬

‫العلم بين الحقيقت والنمزجت‪:‬‬


‫النموذج ىو التمثؿ الذىني لشيء ما و لكيفية اشتغالو‪ ،‬و عندما نضع شيئا ما في نموذج نستطيع‬
‫أف نقمد اصطناعيا تصرؼ ىذا الشيء و بالتالي االستعداد لردوده‪ .‬و ىذا يعني أف النمذجة ليست إال‬
‫الفكر المنظـ لتحقيؽ غاية عممية‪ ،‬ذلؾ أف النموذج ىو نظرية موجية نحو الفعؿ الذي نريد تحقيقو‪.‬‬
‫فالنمذجة ىي أداة أو تقنية تمكف الباحث مف بناء الظاىرة أو السموؾ عبر إحصاء المتغيرات أو‬
‫العوامؿ المفسرة لكؿ واحدة مف ىذه المتغيرات‪ ،‬فيي تمش عممي يمكف مف إعادة إنتاج الواقع‬
‫افتراضيا‪ .‬وىكذا فالنموذج تركيب نظري يتمثؿ مف خاللو المنمذج عممية فيزيائية أو بيولوجية أو‬
‫اجتماعية‪ ،‬و نقصد بالتمثؿ أو التمثيؿ ىنا أف النموذج يقوـ عمى افتراضات تبسيطية ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫أبعاد النمذجة‪ :‬البعد التركيبي‪ /‬البعد الداللي‪ /‬البعد التداولي‬
‫نمذجة الواقع تكوف عبر إجراء تركيبي يقوـ عمى الترييض واألكسمة والصورنة يتيح تقولب ظواىر‬
‫مجردة = إنشاء صور قابمة لمتفسير عمى النحو الذي نستثمرىا فيو‪ :‬قوالب ندرج‬
‫الواقع ضمف صور ّ‬
‫داخميا المعطيات التي نسعى إلى فيميا‬
‫األولية ىي قضية واضحة يقع التسميـ بيا دوف إقامة البرىنة‬
‫األوليات‪ /‬و ّ‬
‫األكسيومية‪ :‬أو منظومة ّ‬
‫عمييا‪ .‬اقترنت بالرياضيات مف خالؿ توخي المنيج الفرضي االستنباطي الذي اعتمدتو سائر العموـ‬
‫متعددة‪.‬‬
‫وتنتج بناء عميو نماذج ّ‬
‫مجرد روابط تراكمية ولك ّنيا‬
‫تسمى تركيبية وىي ليست ّ‬
‫البنية ‪:‬تتش ّكؿ مف عناصر تخضع إلى قوانيف ّ‬
‫الكؿ بصفتو كالّ خصائص المجموعة المغايرة لخصائص العناصر‪.‬‬
‫تمنح ّ‬
‫تتعدى‬
‫” مجموعة تحويالت تحتوي عمى قوانيف كمجموعة تغتني بمعبة التحويالت نفسيا دوف أف ّ‬
‫حدودىا أو تستعيف بعناصر خارجية“ – بياجيو‬
‫تتوخاه النمذجة لما تتيحو مف نفاذ إلى أعمؽ دالالت الواقع المنشأ‬
‫الصورنة ىي األسموب الذي ّ‬
‫متعددة‬
‫وأوسعيا عمى أساس ما تمنحو البنية و الترييض واألكسمة مف صور تفتح عمى تفسيرات ّ‬
‫لمجاالت مختمفة مف الواقع‪.‬‬
‫المنمذج وضعيات تنسجـ مع‬
‫يتخيؿ مف خالليا ُ‬
‫تبنى النماذج عمى أساس خيالي‪ ،‬أي إعتماد فرضيات ّ‬
‫ما يطرحو مف نظرية تم ّكف مف الكشؼ عف قوانيف جديدة‪.‬‬
‫شيد عبر النماذج‪ ،‬ويحيؿ فييا النموذج ال‬
‫يقدمو العمـ مف حقائؽ ليس إ ّال أبنية تُ ّ‬
‫الواقع والنموذج‪ :‬ما ّ‬
‫عمى معنى محاكاة الواقع المعطى‪ ،‬وا ّنما عمى معنى نسؽ الرموز الخطية أو الوصفية أو الرياضية أو‬
‫المبسطة والمرنة والتي مف خالليا نصؼ موضوعا مالحظا أو متخيال أو افتراضيا(موضوعا‬
‫ُ‬ ‫الصورية‬
‫ينتمي إلى واقع افتراضي)‬
‫العممية ليست موضوعات اعتقاد عند العمماء‪ ،‬و ّ‬
‫أف ىؤالء يكتفوف‬ ‫ّ‬ ‫النظريات‬
‫ّ‬ ‫مغزى تعدد النماذج‪:‬‬
‫بقبوليا دوف تب ّنييا بحؽ‪ ،‬بغية التم ّكف مف استعماليا عمى نحو توقّعي‪” .‬‬
‫تقدميا النظريات العممية؟‬
‫فبماذا تتّصؼ المعرفة التي ّ‬
‫‪ ،‬لك ّنيا ال‬ ‫‪ -‬تشير النظرية إلى نموذج مقترح لشرح ظواىر معينة بإمكانيا التنبؤ بأحداث مستقبمية‬
‫تكتسي طابعا مطمقا أو نيائيا لذلؾ فيي ال تكوف“موضوعات اعتقاد عند العمماء‬
‫تحسيف النموذج و تطويره ليالئـ كافة الظروؼ عف طريؽ تقميؿ االفتراضات‬ ‫‪-‬يقع العمؿ عمى‬
‫التبسيطية و تحسيف العالقات ضمف النموذج‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الطريقة العممية الكالسيكية كانت تستيدؼ الظواىر مف أجؿ اختزاليا ضمف سالسؿ سببية معزولة أو‬
‫أ ّنيا نتيجة ثابتة لعدد غير محدود مف المسارات‪ ،‬لكف إزاء تفاعؿ عدد أكبر مف العناصر تفشؿ الطريقة‬
‫ثمت مشكالت جديدة برزت عند اإلبقاء عمى المفاىيـ الكالسيكية ‪:‬‬
‫الكالسيكية‪ّ .‬‬
‫يفسر الظواىر المالحظة عبر اختزاليا إلى وحدات مف العناصر المحدودة‬
‫‪ )°‬إذا كاف العمـ الكالسيكي ّ‬
‫تصورات جديدة برزف مف خالؿ إجراءات‬
‫فإف العمـ المعاصر يعتمد ّ‬‫بصورة مستقّمة عف بعضيا البعض‪ّ ،‬‬
‫يسمى "المجموع" وتنمذج الظواىر التي اليمكف إختزاليا ضمف‬
‫توجو يرتبط بما ّ‬
‫تنمذج الواقع وفؽ ّ‬
‫أحداث محمّية وتنمذج التفاعالت الحركية التي تتمظير في سموؾ األجزاء المعزولة أو القائمة في‬
‫مجموع مرّكب‪ ،‬أي "أنساؽ" مختمؼ األنظمة التي ال يمكف أف تُ ْد َرؾ عبر دراسة أجزائيا بصورة معزولة‬
‫تغير جذري‬
‫فإف ما نشيده اليوـ ىو ّ‬
‫تطورىا باستقاللية عف بعضيا البعض‪ّ ،‬‬ ‫‪ )°‬إذا كانت العموـ أحرزت ّ‬
‫التصورات بحيث أصبح ىناؾ بفضؿ النمذجة مالمح متماثمة في العموـ المختمفة حتّى أ ّننا‬
‫في المواقؼ و ّ‬
‫جد في مياديف مختمفة قوانيف واحدة عمى المستوى الصوري‪ :‬في العديد مف الحاالت تكوف القوانيف‬
‫عامة‬
‫ثمت قوانيف ّ‬
‫بغض النظر عف طبيعة المواضيع المدروسة‪ّ .‬‬
‫المتشاكمة صالحة ألقساـ مف األنساؽ ّ‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مميزاتو‬
‫أي صنؼ بصورة مستقمّة عف ّ‬ ‫كؿ نسؽ مف ّ‬
‫تطبؽ عمى ّ‬
‫لألنساؽ يمكف أف ّ‬
‫تتوزع‬
‫تنفؾ ّ‬
‫الغرض األقصى يكمف في التخّمص مف النظر إلى العموـ المنفصمة وكما لو أ ّنيا مجاالت ال ّ‬
‫كؿ اختصاص نموذجا صغيرا بال معنى منفصؿ عف البقية‪ ،‬عمى‬ ‫حد يصبح فيو ّ‬
‫إلى أقساـ أصغر إلى ّ‬
‫عامة لمعموـ وتجمع مبادئ رئيسة بيف‬
‫العامة لألنساؽ إلى تمبية احتياجات ّ‬
‫ّ‬ ‫عكس ذلؾ‪ ،‬ترمي النظرية‬
‫طراد‬
‫تتقدـ با ّ‬
‫أف النظرية العامة لألنساؽ ّ‬
‫مجرد برنامج نظري‪ ،‬بؿ نجد ّ‬
‫اختصاصات مختمفة‪ .‬وليس ذلؾ ّ‬
‫في مجاؿ التأليؼ بيف االختصاصات المختمفة والدراسات المندمجة‪.‬‬
‫التقدـ‪ ،‬فإ ّنو ال يحجب ع ّنا ما يرتبط بو مف نتائج عمى الصعيد االيتيقي‪ .‬فنحف‬
‫لكف ميما كاف حجـ ىذا ّ‬
‫تقدـ غير مسبوؽ في جميع المياديف المتصمة بحياة اإلنساف‪ :‬معرفتنا بالقوانيف الفيزيائية‬ ‫بصدد إحراز ّ‬
‫تتسع وتكتسي جودة متزايدة‪ ،‬تح ّكمنا في الطبيعة بواسطة التكنولوجيا فائؽ النجاعة‪ ،‬التكنولوجيا‬
‫كؿ ذلؾ لـ يمح المجاعة ولـ يقضي عمى الحروب ولـ ينقذ كرامة‬ ‫الجينية والطب الحيوي ‪ ،‬لكف ّ‬
‫مما عرفتو اإلنسانية في فترات خمت‪.‬‬
‫ربما معاناة اإلنساف اليوـ أكبر بكثير ّ‬
‫اإلنساف‪ ،‬بؿ ّ‬
‫* يجب إنقاذ العمـ بإعطائو طابعا اجتماعيا وثقافيا‪ .‬فاإلنساف ليس مجرد كائف طبيعي‪ ،‬بؿ كائف‬
‫والمشكؿ يرتبط‬ ‫اجتماعي وثقافي‪ .‬فالعقالنية األداتية التي سعت إلى تحرير اإلنساف قد استعبدتو‪.‬‬
‫حسب إدغار موراف بالوعي بالمسؤولية‪ .‬الوعي بالمسؤولية يفترض إعادة ىيكمة لبنيات المعرفة ذاتيا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الجدية بحيث مف غير المعقوؿ أف تترؾ بأيدي العمماء‪،‬‬
‫أف المسألة العممية مفرطة ّ‬ ‫** يعتبر موراف ّ‬
‫إف‬
‫جدية المعرفة العممية يمنع قطعيا مف أف تترؾ بأيدي الساسة والدوؿ‪ّ .‬‬
‫إف ىذا اإلفراط في ّ‬
‫بؿ ّ‬
‫تيـ المواطنيف‪.‬‬
‫المسألة العممية حسب موراف مسألة مدنية ّ‬
‫‪ -‬تطور البحوث العممية واالكتشافات التقنية محكوـ بالقوة السياسية وغير مبني عمى مسؤولية‬
‫إنسانية‪.‬‬
‫أف العقؿ لـ يعد قادرا عمى‬
‫لقد أفمتت اإلنجازات العممية والتقنية مف تح ّكـ العقؿ ورقابة القيـ‪ ،‬ذلؾ ّ‬
‫مراقبة الفعؿ اإلنساني؛ فاستبعدت بذلؾ أحكاـ القيمة التي ال تعد عمى صمة بالعمـ‪ ،‬فال أخالؽ في‬
‫العمـ‪ .‬إف استحضار القيـ واألخالؽ في مجاؿ العمـ يعني القضاء عمى الموضوعية ‪ .‬فالموضوعية‬
‫تقتضي مف العالـ استبعاد كؿ المقومات الذاتية واعتماد الحياد في النظر‪ .‬فال مشاعر وال قيـ وال‬
‫أخالؽ‪.‬‬
‫* لقد أصبحنا أماـ تقدـ ىائؿ لمعديد مف العموـ‪ ،‬خاصة عموـ االتصاؿ والفضاء وصناعة األدوية‬
‫والتقنية الحيوية واليندسة الوراثية‪ ،‬وغيرىا‪ .‬وىو ما م ّكف اإلنساف مف القدرة عمى استئصاؿ المموثات‬
‫مف التربة والماء والقضاء عمى العديد مف األمراض واألوبئة‪ ،‬لكف ىذا التقدـ أثار بالمقابؿ قضايا‬
‫تقتضي المعالجة مف منظور فكر نقدي‪ .‬فكما أف اليندسة الوراثية مثال استخدمت في العديد مف‬
‫المجاالت النافعة لإلنساف‪ ،‬فيمكف كذلؾ أف تضر بو؛ وأف تفتؾ بو مف خالؿ حروب جرثومية واستخداـ‬
‫أسمحة بيولوجية‪ .‬وعميو‪ ،‬فال يجادؿ أحد في أف اإلنجازات التي حققتيا العديد مف العموـ مكنتنا مف‬
‫التغمب عمى مجموعة مف العوائؽ‪ ،‬دوف أف نجادؿ في نفس الوقت بأف العديد منيا وضعنا أماـ قضايا‬
‫تيـ القيـ باألساس‪.‬‬
‫أماـ ما يشيده العالـ مف محاوالت النمذجة وسيطرة القيـ المادية عمى القيـ الروحية أصبحت العديد‬
‫مف العموـ تطرح قضايا لـ يعيد بيا اإلنساف مف قبؿ‪ .‬كما أصبحت التقنية تطرح عمينا أسئمة لـ تعد‬
‫معرفية فقط‪ ،‬بؿ أصبحت وجودية باألساس‪ .‬وىو مازاد مف مسؤولية المفكر‪ .‬حيث لـ يعد الوضع‬
‫يتطمب منو البحث عف الحقيقة‪ ،‬بؿ التصدي كذلؾ لمختمؼ السبؿ المعتمدة لطمسيا أو تعطيؿ‬
‫تحصيميا‬

‫‪10‬‬
‫القيم بين النسبي والمطلك‪:‬‬
‫الذولت ‪ :‬السيادة والمواطنت‬
‫الدولة و الحاجة إلى السمطة‪:‬‬
‫تجسـ كيانا سياسيا قانونيا محكـ التنظيـ‪ ،‬ومف طبيعة ىذا الكياف أ ّنو‬
‫‪ -‬تمثّؿ الدولة مؤسسة حقوقية ّ‬
‫مشخص‪ ،‬لذلؾ اعتبر بعض المف ّكريف السياسييف المعاصريف الدولة بمثابة الفكرة التي‬
‫ّ‬ ‫معنوي وغير‬
‫التصور الذىني وليست واقعة‪ ،‬ويمكف التمييز بيف‪:‬‬
‫ّ‬ ‫تنتمي إلى مجاؿ‬
‫يرتبط فيـ الدولة بالسمطة‪ ،‬و ليا الحؽ في استعماؿ وسائؿ العنؼ إزاء مف ال يطيعوف القوانيف‪.‬‬
‫وتنقسـ السمطة إلى ثالثة أنواع ‪ :‬السمطة التشريعية والسمطة القضائية والسمطة التنفيذية‪ .‬و ىي التي‬
‫القوة بصورة مشروعة ومصدر الشرعية ىو االقتناع والقبوؿ الذي يبديو عامة‬
‫تخوؿ لمدولة المجوء إلى ّ‬
‫ّ‬
‫تخولو مف ىيمنة واستئثار بالعنؼ المشروع‬‫المواطنيف عف السمطة‪ .‬وباإلستناد إلى ىذه السمطة وما ّ‬
‫كؿ انتياؾ‪.‬‬
‫تستطيع الدولة أف تفرض سيادتيا وتتم ّكف مف حمايتيا مف ّ‬
‫تعريؼ السيادة‪:‬‬
‫‪11‬‬
‫السيادة مفيوـ سياسي و مقولة قانونية أو قاعدة عميا لمنظاـ القانوني ‪ .‬وتتمثّؿ في السمطػة التػي ال‬
‫فيي سمطة عميا ومطمقة ‪،‬‬ ‫تعموىا سمطة في الداخؿ ‪ ،‬وغير الخاضعة ألي سمطة أخرى في الخارج‬
‫وافرادىا باإللزاـ وشموليا بالحكـ لكؿ األمور والعالقات سواء التي تجري داخؿ الدولة أو خارجيا‬
‫حؽ السيادة إلى شخص‬‫اتّخذت فكرة السيادة مظاىر مختمفة تاريخيا‪ ،‬ففي مجاؿ الحكـ الممؾي ينتسب ّ‬
‫ظؿ تتش ّكؿ الفكر‬
‫الحؽ‪ ،‬لكف في ّ‬
‫ّ‬ ‫الممؾ بمفرده؛ وفي العصور الوسطى‪ ،‬استحوذت الكنيسة عمى ىذا‬
‫الحقوقي والسياسي الحديث انبثقت نظرية في السيادة المبنية عمى القانوف‪.‬‬
‫ظؿ ممارسة السمطة داخؿ الحدود الجغرافية لمدولة عمى‬
‫نميز بيف سيادة داخمية‪ ،‬تتحقّؽ في ّ‬‫يمكف أف ّ‬
‫سائر المواطنيف‪ .‬وسيادة خارجية‪ ،‬تتجّمى مف خالؿ تفظيـ الدولة لعالقاتيا مع غيرىا مف الدوؿ األخرى‬
‫عمى نحو يعكس استقالليتيا في إدارة شؤونيا الخارجية وحقيا في إقرار أشكاؿ التعاوف ‪.‬‬
‫حؽ السيادة‪:‬‬
‫ّ‬
‫حالة الطبيعة يسطع فييا شخص صاحب السيادة‪ ، ،‬ؼتكوف السيادة في ىذا المجاؿ ؿؿقوي الذي فرض‬
‫مستمدة مف القوة‬
‫ّ‬ ‫إف شرعية السيد ىنا‬
‫تفوقو في الصراع بيف مختمؼ القوى‪ّ .‬‬
‫نفسو سيداً بموجب ّ‬
‫ظؿ الخطر الذي يحدؽ ببقية األفراد مف بطش القوي‪ ،‬وتحت ضغط الشعور بوطأة‬
‫المجردة ‪ .‬وفي ّ‬
‫الخوؼ مف الموت العنيؼ‪ ،‬يجد جميع األفراد أنفسيـ أماـ حتمية التنازؿ بموجب التعاقد مع القوي‪،‬‬
‫عف كؿ الحقوؽ والحريات التي كانوا يتمتّعوف بيا في الحالة الطبيعية‪.‬‬
‫الجيدة ليست بالضرورة القوانيف العادلة‪ ،‬وا ّنما كفيمة بتغطية ما يستمزمو‬
‫بأف القوانيف ّ‬
‫يقوؿ ىوبس ّ‬
‫وتيور الرعايا‪.‬‬
‫الحد مف الفوضى ّ‬
‫الصالح العاـ و ّ‬
‫الحؽ‬
‫ّ‬ ‫سيادة‬

‫التصرؼ بمقتضى‬
‫ّ‬ ‫كؿ فرد مف‬
‫الحؽ الطبيعي ىو ما يم ّكف ّ‬
‫ّ‬ ‫الحؽ المدني‪.‬‬
‫الحؽ الطبيعي و ّ‬
‫ّ‬ ‫نميز بيف‬
‫ّ‬
‫تصرؼ‬
‫أي ّ‬‫الحؽ المدني‪ ،‬فيو الذي يجعؿ مف ّ‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫بكؿ ما ينجـ عف الحرية والممكية‪ّ ،‬‬
‫طبيعتو والتمتّع ّ‬
‫يشرعو القانوف‪ .‬فمقولة الحؽ في الحياة المدنية‪ ،‬ترتبط بفكرة القانوف بصفتو قاعدة‬
‫خاضعا إلى ما ّ‬
‫التغيرات‬
‫يتطور بحسب ّ‬ ‫ويعد الحؽ قاعدة القانوف وىو ّ‬ ‫لتوجيو السموؾ وتنظيـ العالقات البشرية‪ّ .‬‬
‫التاريخية التي تطرأ عمى المجتمعات وأشكاؿ التنظيـ السياسي‪(.‬روسو)‬

‫ا المواطنة و مقتضيات العدالة‪:‬‬


‫المواطنة صفة مف يشارؾ في الوظائؼ العامة والوظائؼ القضائية لممدينة مف منطمؽ االنتماء إلى‬
‫كؿ عضو ناشط في‬‫صفوؼ الشعب الذي يمثّؿ في النظاـ الديمقراطي السمطة العميا‪ ،‬وىي صفة ّ‬
‫سيدة لنفسيا"‪ .‬وىكذا يدخؿ أعضاء المجتمع المدني شركاء في ىيئة سيادية‬
‫ضيقة ّ‬ ‫"جماعة ممموسة ّ‬
‫‪12‬‬
‫واحدة (دولة) ال تنقسـ وال تتجزأ‪ ،‬وىـ متساووف في ىذه الشراكة ‪ .‬لقد اتّسع المجاؿ الداللي لممواطنة‪،‬‬
‫بحيث تجاوز فيـ المواطنة دائرة المدينة الدولة ليتمظير تصورا جديدا يكوف بمقتضاه اإلنساف مواطنا‬
‫عالميا مف جية أنو إنساف يقطف ىذا العالـ ويتساوى مع اآلخريف في ىذه الصفة اإلنسانية‪.‬‬
‫العدالة وحدود امكانيا‪:‬‬
‫إف مثؿ ىذا‬
‫ىؿ يكتفي االلتزاـ بالقانوف والعمؿ عمى تطبيقو حتى تتوفر العدالة في المجتمع المدني أـ ّ‬
‫االلتزاـ واف كاف مفروضا عمى المواطف‪ ،‬فإ ّنو ال يعني صاحب السيادة ؟‬
‫العدالة‪ ،‬في المدينة‪ ،‬كما طرحيا الفكر اليوناني‪ ،‬تكمف في احتراـ التسمسؿ االجتماعي والوظيفي داخؿ‬
‫كؿ فرد القياـ بوظيفتو بحسب إمكانياتو وقدراتو‪ .‬تتمثّؿ العدالة في بقاء كؿ‬
‫المدينة‪ ،‬فبموجبيا يتوّلى ّ‬
‫وكؿ انحراؼ‬
‫وكؿ طبقة في المكاف الذي يالئميا‪ ،‬وعندئذ يتح ّقؽ توازف المدينة وانسجاميا وسمميا‪ّ .‬‬ ‫فرد ّ‬
‫ينجر عنو الجور‬
‫عف ىذا التسمسؿ‪ ،‬أو انتياؾ ليذا النظاـ بسبب عدـ التزاـ األفراد بالبقاء في مواقعيـ ّ‬
‫وانتشار الظمـ في المدينة‪.‬‬
‫(أ)‪ -‬قانوف العدالة ‪ :‬يترادؼ مفيوـ العدالة عند أرسطو مع مفيوـ الفضيمة الكامنة في االمتثاؿ‬
‫لمقوانيف؛ و العدالة تعني أيضا االعتداؿ‪ ،‬وىذا ما تدؿ عميو العبارة األرسطية المشيورة‪" :‬الفضيمة ىي‬
‫الوسط"‪ .‬ويمكف التمييز بيف العدالة التوزيعية‪ ،‬التي تقتضي مف الدولة القياـ بتوزيع الموارد والخيرات‬
‫بالتساوي عمى المواطنيف مع مراعاة استعداداتيـ ومؤىالتيـ وقدراتيـ‪ ،‬كما تقتضي تقديـ الخدمات‬
‫األساسية‪ ،‬كالتعميـ والصحة مثال‪ ،‬لجميع المواطنيف دوف تفضيؿ أو تمييز بعضيـ عمى بعض‪ ،.‬وىناؾ‬
‫العدالة التعويضية‪ ،‬تكمف في إعادة الحؽ المنتيؾ إلى نصابو‪ ،‬والحقوؽ الميضومة إلى أصحابيا‬
‫إف اإلنصاؼ يوجب الحكـ عمى األشياء بحسب روح القانوف‪ ،‬أما‬
‫(ب)‪ -‬عدالة القانوف‪ :‬اإلنصاؼ‪ّ :‬‬
‫العدؿ فيوجب الحكـ عمييا بحسب نص القانوف‪.‬‬
‫السميـ وما يتعاقد عميو أفراد‬
‫الحس ّ‬
‫ّ‬ ‫القانوف ىو بمثابة قواعد يشرعيا المجتمع وفؽ ما يقتضيو‬
‫الضرر بأحد‬
‫المجموعة ويمتزـ األفراد بتطبيقو‪ .‬وينتيؾ القانوف حينما يعمد شخص ما‪ ،‬إلى إلحاؽ ّ‬
‫بإيجاد معادلة توفؽ بيف‬ ‫المواطنيف رافضا أوامر الحاكـ‪ .‬الفيمسوؼ النفعي ستيوارت ميؿ ‪ ،‬اىتـ‬
‫المحددة لمنظاـ الرأسمالي ‪ ،‬فمـ‬
‫ّ‬ ‫المصمحة والعدالة أو بيف المبرالية والديمقراطية عند صياغة القوانيف‬
‫التييز بيف اؿمجاؿ‬
‫ضرر باآلخريف‪ ،‬وىو ما دفع نحو ـ‬ ‫ا‬ ‫يسمح بتقييد حرية اؿفرد إال متى ترتّب عنيا‬
‫الخاص واؿمجاؿ العاـ‪ ،‬فؿلفرد اؿحرية اؿمطمقة في اؿمجاؿ األوؿ‪ ،‬ومف شأف الدولة أف تتدخؿ فقط فيما‬
‫يتعمؽ باؿمجاؿ الثاني‪.‬‬
‫فإف البحث في مسألة العدالة يدفع نحو النظر في المبادئ التي تستخدـ‬
‫أما بالنسبة إلى جوف راولز‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫فإف‬
‫‪ ،‬ومف ىنا‪ّ ،‬‬ ‫في “توزيع الحقوؽ والواجبات األساسية وتحدد توزيع ثمار التعاوف االجتماعي"‬
‫‪13‬‬
‫تنصب عمى العدالة التوزيعية وليس العدالة التعويضية‪ ،‬وىو ما يقتضي وضع مجموعة مبادئ‬
‫ّ‬ ‫العناية‬
‫لتوزيع السمع داخؿ المجتمع‪.‬‬
‫المواطف بيف واجب الطاعة والطموح إلى الحرية‬
‫حد الطغياف‪ ،‬وأخرى شمولية ذات مغزى عالمي‬
‫تتراوح األنظمة السياسية بيف سمطة استبدادية تصؿ ّ‬
‫كما في إطار اإلمبراطوريات (الرومانية مثال)‪ ،‬وثالثة معتدلة وديمقراطية تعمؿ عمى تحقيؽ مطالب‬
‫الشعب والتعبير عف اختياراتو وسيادتو‬
‫الديمقراطية ‪ :‬تفيد تولّي الشعب سمطة التشريع لمقوانيف عبر توخي أسموب االختيار عف طريؽ‬
‫ظؿ مساواة سياسية وىو المقصود عادة بحكـ الشعب لنفسو بنفسو‪ ،‬أو مبدأ‬ ‫االنتخاب لمف يمثّمو في ّ‬
‫سيادة الشعب و سيادة اإلرادة العامة‪ .‬توجد الديمقراطية الميبرالية الذي تجعؿ مف المصمحة الفردية‬
‫توجو في الحكـ يدعو‬
‫والتنافس قوامي التنظيـ السياسي لمدولة‪.‬وىناؾ الديموقراطية االشتراكية‪ ،‬وىي ّ‬
‫إلى إدخاؿ إصالحات عمى المنظومة الرأسمالية بتعديؿ بعض مبادئيا وأىدافيا الرأسمالية وىو ما‬
‫يتح ّقؽ عبر تقنيف الرأسمالية بشكؿ كبير‪.‬‬
‫‪ -‬الطموح إلى الحرية بيف السيادة الوطنية والسيادة العالمية‪:‬‬
‫فكرة المواطنة العالمية ليست فكرة جديدة وا ّنما تعتبر مف بيف أقدـ المقوالت التي شغمت العديد مكف‬
‫المقاربات‪ ،‬وأف يكوف ىناؾ إمكانية لمحديث عف مواطف عالمي‪ ،‬فذلؾ يفترض التسميـ بالمساواة بيف‬
‫جميع البشر وتماثؿ الطبيعة البشرية كما يشترط تخطّي النطاؽ المحمّي لفكرة المواطنة داخؿ إطار‬
‫المدينة أو الدولة إلى مجاؿ العالـ بصفتو وطف اإلنساف دوف تمييز‪ .‬فالفمسفة الرواقية قديما مثال‪،‬‬
‫كؿ فرد مع‬
‫رّكزت فكرة المواطنة العالمية عمى نحو يجعؿ الكوف فضاء يتّسع لجميع البشر ويرتبط فيو ّ‬
‫فف العيش المستند عمى وعي عالقاتنا مع الكوف" ‪ .‬ويتوقّؼ تحقيؽ ىذا الطموح عند كانط‬
‫اآلخريف " ّ‬
‫عمى جعؿ السالـ قانونا شامال وعالميا يستأصؿ تماما كؿ سبب لمضغائف والحروب التي تصبح أمرا‬
‫ويستمد المشروع إمكانات تحقيقو مف خالؿ إقامة‬
‫ّ‬ ‫يسميو كانط بالسمـ الدائـ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مستحيؿ الوقوع‪ ،‬وذلؾ ما‬
‫تتكوف مف سائر الدوؿ الحرة التي تحترـ حقوؽ االنساف وتنشد السالـ العالمي‪.‬‬
‫فيدرالية عالمية ّ‬
‫األخالق ‪ :‬الخيش والسعادة‪:‬‬
‫يشرع السموؾ وفؽ ما يجب أف‬
‫تبحث الفمسفة األخالقية في مبادئ السموؾ اإلنساني وغايتو‪ ،‬أي ما ّ‬
‫يظؿ السموؾ األخالقي رىيف الوجود مع‬
‫يكوف عميو الفعؿ بصفة تتجاوز ما ىو كائف‪ ،‬ومع ذلؾ ّ‬
‫اآلخريف واالعتراؼ بالغير‪.‬‬
‫‪ -1‬السعادة والفضيمة‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫المادي عموما‪ ،‬فإ ّنيا لدى الفالسفة‬
‫ّ‬ ‫إذا كانت السعادة لدى الجميور ىي الم ّذة ورغد الحياة واالستمتاع‬
‫غاية في ذاتيا باعتبارىا الخير األسمى‪ .‬السعادة قيمة في ذاتيا غير مرتبطة بحاجات اإلنساف‬
‫التصور األرسطي بصفتيا الفعؿ المطابؽ لمفضيمة‪"،‬مف‬ ‫ّ‬ ‫تتحدد السعادة في‬
‫وشيواتو‪ .‬في ىذا السياؽ ّ‬
‫ص ُد مف الحكمة ىنا الحكمة العممية‪.‬‬
‫وي ْق َ‬
‫أحسف األفعاؿ المطابقة لمفضيمة ىو الفعؿ المطابؽ لمحكمة" ُ‬
‫الفضيمة وسط بيف رذيمتيف تكوف في مجاليا العدالة فضيمة الفضائؿ‪".‬الفضيمة تمسؾ بالوسط بيف‬
‫التأمؿ‪ ،‬أل ّنو‬
‫قصييف‪ ،‬أحدىما إفراطا واألخر تفريطا"‪ .‬والمقصود بالفعؿ المطابؽ ليا ىو التفكير و ّ‬‫طرفيف ّ‬
‫ما يضمف الفيـ الذي يمثّؿ أفضؿ األشياء الموجودة لدى اإلنساف‪ .‬إ ّنو بمثابة المبدأ القدسي في‬
‫اإلنساف‪ .‬مف ىنا فكرة كوف العمـ سعادة أل ّنو يجمب أشرؼ الم ّذات وأطوليا‪ "،‬الم ّذات التي تجمبيا الحكمة‬
‫يظير إذف أ ّنيا عجيبة بنقائيا ومتانتيا"‪ .‬فالحكيـ وحده القادر عمى إدراؾ السعادة الحقيقية أل ّنو وحده‬
‫إف السعادة ىي بال معارضة أعظـ الخيرات"‪.‬‬
‫يعمؿ وفؽ معرفتو بالخير‪ ،‬يقوؿ أرسطو‪ّ ":‬‬
‫‪ -‬الم ّذة والسعادة‪:‬‬
‫أي فمسفة أخرى ىي االنتقاؿ مف سؤاؿ‪ :‬ما‬
‫تعتبر المشكمة الرئيسية لمفمسفة األبيقورية كما في ّ‬
‫ظؿ‬
‫أي السبؿ تستطيع الذات تحقيؽ السعادة في ّ‬
‫السعادة ؟ إلى سؤاؿ‪ :‬كيؼ نبمغ السعادة؟ وفؽ ّ‬
‫تيز حياة الفرد والمجتمع؟‬
‫ظروؼ عويصة ّ‬
‫أف الم ّذة ىي المبدأ الذي يجب‬
‫إف الم ّذة ىي بداية الحياة السعيدة وغايتيا"‪ ،‬يقصد بذلؾ ّ‬
‫يقوؿ أبيقور‪ّ ":‬‬
‫األوؿ الموافؽ‬
‫لنحدد ما ينبغي أف نختاره وما ينبغي أف نتج ّنبو مف جية‪ ،‬وىي الخير ّ‬‫االنطالؽ منو ّ‬
‫لطبيعتنا‪ ،‬مف جية أخرى‪.‬‬
‫فإف الجسـ‬
‫فإذا كانت األخالؽ األفالطونية مثال تقوـ عمى ىجر المم ّذات والتخمّص مف أىواء الجسد‪ّ ،‬‬
‫بالنسبة إلى أبيقور ىو ما يسمح لمنفس بأف تنعـ بالطمأنينة أو ما يعرؼ باألتراكسيا ‪. ataraxie‬‬
‫إف سعادة اإلنساف ال تخضع لمظروؼ التي تحيط بو‪ ،‬وا ّنما تتوقّؼ عمى حالة في النفس‪ ،‬فميست‬ ‫ّ‬
‫األشياء الخارجية ىي التي تؤثّر بذاتيا في وجودنا‪ ،‬وا ّنما المؤثّر الحقيقي ىو استعداد بداخؿ النفس‬
‫لمتالؤـ مع الطبيعة‪ .‬ينبغي عمى اإلنساف أف يعيش في وفاؽ مع الطبيعة‪.‬‬
‫والمذات المقصودة ىي المذات الروحية مف قبيؿ الصداقة وتحصيؿ الحكمة ‪ ،‬وىي لذات تستمزـ االعتداؿ‬
‫تتميز بانعداـ األلـ في الجسـ وانعداـ االضطراب في النفس‪".‬‬
‫في السموؾ‪":‬الم ّذة التي نقصدىا ىي التي ّ‬
‫سمو بالم ّذة إلى مستوى روحي أعمى ومقياس المذة ىو كؿ ما يحقؽ السعادة‪.‬‬‫ىناؾ ّ‬
‫وتعد الرؤية النفعية في الفمسفة المعاصرة امتدادا لمذىب المذة فقد جعموا مف المنفعة أساسا لمفعؿ‬
‫ّ‬
‫ويظؿ االختالؼ بيف النفعييف في أي المنافع يصمح مقياسا لمفعؿ‪ .‬و لـ يحد ستيوارت ميؿ عف ىذا‬
‫التوجو لمذىب المنفعة‪ ،‬فيو يشترط في نقاء المذة ورفعتيا تضحية اإلنساف مف أجؿ اآلخريف ‪.‬ويقوؿ‬
‫ّ‬
‫‪15‬‬
‫بأف السعادة‬
‫جوف ستيوارت مؿ‪" :‬المذة ىي المبتغى األوحد "‪.‬وىو بذلؾ يشترؾ مع أبيقور في القوؿ ‪َّ ،‬‬
‫اىتـ بالفرد وأغفؿ المنفعة العامة‪.‬‬
‫أف أبيقور ّ‬
‫ىي الخير بالذات ‪ ،‬والسعادة ليست سوى المذة‪ .‬غير ّ‬
‫اإلرادة والسعادة‪:‬‬
‫مستقرىا‬
‫ّ‬ ‫لقد أفسد الفالسفة المثاليوف عمينا السعادة‪ ،‬في نظر نيتشو‪ ،‬وجعمونا نحتفؿ بامتالؾ حقيقة‬
‫تندد بالغرائز وتدعو إلى العزوؼ عف‬
‫العالـ الماورائي‪ ،‬و نتوخى سموكا خاضعا إلى أوامر أخالقية ّ‬
‫الحياة لتكريس قيـ الوىف والضعؼ مف خالؿ صيغ اإللزاـ القطعي‪ ":‬افعؿ ىذا وذاؾ وامتنع عف ىذا‬
‫وذاؾ‪ .‬ىكذا تصبح سعيدا "‪ ،‬أراد نيتشو تحرير اإلنساف مف وطأة القيـ عبر استعادة رمز اإلرادة‬
‫إف ىدا الرمز ىو ما يدفع نحو اإلقباؿ عمى الحياة و‬ ‫والمخاطرة والمغامرة واالقتدار‪ ،‬أال وىو الجسد‪ّ ،‬‬
‫التحرر مف ضغوط العقؿ وأحكاـ اإلدانة التي ماانف ّكت الفمسفات‬
‫ّ‬ ‫يسمح بسيادة قيـ األقوياء‪ .‬ينبغي‬
‫المتأصمة‬
‫ّ‬ ‫القوة‪ ،‬تمؾ الغريزة‬
‫إف السعادة كامنة في إرادة ّ‬‫ضد الغرائز والحياة نفسيا‪ّ .‬‬
‫توجييا ّ‬
‫األخالقية ّ‬
‫قوة توجد حياة‪ ،‬فالحياة تقيـ فينا والييا نعود‬
‫بكؿ معانيو‪ .‬وحيثما توجد إرادة ّ‬
‫في الجسد بؿ إ ّنيا الجسد ّ‬
‫يفؾ ارتباط‬
‫يتحدد وجودنا‪ .‬وىنا لنا أف نتساءؿ عف إمكانية طرح مشكؿ السعادة ضمف أفؽ ّ‬‫ومنيا ّ‬
‫السعادة بثنائية الخير والفضيمة‪ .‬ىؿ يمكف أف يكوف الميداف السياسي أو االقتصادي أو العممي فضاء‬
‫إلعادة التفكير في مشكؿ السعادة ؟‬
‫الرفاه والسعادة ‪:‬‬
‫إف تحقيؽ السعادة ليس أمراً ممكناً‪ ،‬بؿ الممكف ىو كشؼ مصادر اآلالـ والمآسي ومحاربتيا قدر‬
‫َّ‬
‫اإلمكاف إذ " بد ًال مف طمب السعادة القصوى ألكبر عدد مف األفراد يتعيَّف عمينا‪ ،‬بتواضع أكثر‪ ،‬أف نطمب‬
‫تحمؿ العذاب الذي ال يمكف تجنبُّو ػ كالمجاعة في حاؿ نقصاف‬
‫لمجميع أقؿ قدر ممكف مف العذاب‪ ،‬وأف ُي َّ‬
‫جالء إذا ما وضعنا مطالبنا سمباً‪ ،‬أي إذا‬
‫ً‬ ‫إف المسألة األخالقية تصبح أكثر‬‫المواد الغذائية ػ بالتساوي‪َّ ".‬‬
‫طمبنا القضاء عمى العذاب بد ًال مف توفير السعادة ‪".‬‬
‫يتبيف أ ّنو لـ يعد حكرا عمى الفمسفة األخالقية بالمعنى‬
‫وفي نطاؽ التناوؿ المعاصر لمشكؿ السعادة ّ‬
‫المألوؼ‪ ،‬وا ّنما ارتبط بالميداف السياسي‪ ،‬حيث أصبح التساؤؿ قائما حوؿ الكيفية التي تضمف مف‬
‫يسمى بالدولة الراعية أو دولة الرفاه‪ .‬ودولة الرفاه ىي التي‬
‫خالليا الدولة السعادة لممجتمع ضمف ما ّ‬
‫الحد األدنى مف متطمّبات رفاىية الحياة لممواطنيف‪ .‬ونقصد‬‫تتوخى سياسة الرفاه وتعمؿ عمى ضماف ّ‬
‫ّ‬
‫بالرفاىية تغطية الحاجات البيولوجية األساسية والحاجات التي تقتضييا الحياة االجتماعية مثؿ التعميـ‬
‫والصحة والعمؿ واألمف‪.‬‬
‫حدود الخير والسعادة‬

‫‪16‬‬
‫أي‬
‫خيرة إرادة مستقمّة عف ّ‬
‫بأف أعمى غرض عممي لو ىو أف يضع إرادة ّ‬ ‫يقر ّ‬
‫إف العقؿ البشري وىو ّ‬ ‫ّ‬
‫معينة‪ ،‬وا ّنما ىي خير في ذاتيا‪ ،‬فاإلرادة‪ ،‬حسب كانط‪"،‬ىي الخير‬
‫نفع‪ ،‬ال يتّحذ اإلرادة وسيمة لغاية ّ‬
‫بد مف أف نالحظ ىنا أف‬‫الوحيد األسمى" و" تيب نفسيا لمخمود"‪ ،‬إ ّنيا مصدر القانوف األخالقي‪ .‬و ال ّ‬
‫اإلرادة وقع تجريدىا مف جميع اإلغراءات التي يمكف أف تجعميا مرتبطة بنتائج منتظرة‪ ،‬والمبدأ‬
‫المؤسس لمقانوف األخالقي ىو الواجب‪ ،‬أو عمى النحو الذي ذكره كانط‪ ":‬ضرورة إنجاز فعؿ احتراما‬
‫ّ‬
‫لمقانوف"‪.‬‬
‫كمّما توافؽ الفعؿ مع الواجب توافقا خارجيا كاف مصدره الميؿ أو المصمحة و ال يكتسي عندئذ قيمة‬
‫إف الواجب ينبغي‬
‫خيرة فيو فعؿ منجز بمقتضى الواجب األخالقي‪ّ .‬‬
‫أما إف كاف صادرا عف إرادة ّ‬
‫أخالقية‪ ،‬و ّ‬
‫ثـ أف يكوف صالحا لجميع الكائنات‬‫أف يكوف ضرورة عممية لمفعؿ غير مشروطة بشرط‪ ،‬وينبغي مف ّ‬
‫العاقمة‪.‬‬
‫تحدد األخالؽ لإلنساف‪ ،‬فرداً أو جماع ًة‪ ،‬أنماط الحياة األفضؿ‪ ،‬وأغراض الوجود األسمى‪ ،‬وفي ىذا‬
‫اإلطار يحدد كانط جممة مف القواعد أو الصيغ التي تقاس بيا أفعاؿ اإلنساف‪.‬‬
‫‪ " -‬اعمؿ دائما بحيث تستطيع أف تجعؿ مف قاعدة فعمؾ قانونا كميا شبييا بقانوف الطبيعة‪".‬‬
‫‪ "-‬اعمؿ دائما بحيث تعامؿ اإلنسانية في شخصؾ وفي أشخاص اآلخريف دائما كغاية ال كوسيمة‪".‬‬
‫‪" -‬اعمؿ دائما بحيث تستطيع أف تجعؿ إرادتؾ وكما لو أ ّنيا اإلرادة الكمية المشرعة لمقانوف األخالقي"‪.‬‬
‫الخير والواقع ‪:‬‬
‫‪ ،‬فالقيـ والطموحات‬ ‫تختمؼ طبيعة الخير وداللة السعادة مف عصر إلى آخر ومف مجتمع إلى غيره‬
‫تحددىا العالقات االجتماعية وظروؼ البشر المادية‪ ،‬وىي بذلؾ ال يمكف أف تكتسي صبغة‬
‫البشرية ّ‬
‫إطالقية أو تش ّكال منفصال عف العالقات االقتصادية واألوضاع الطبقية في أي مجتمع مف المجتمعات‪:‬‬
‫تصوراتيـ األخالقية مف العالقات العممية التي يقوـ‬
‫إف الناس يستقوف – عف وعي أو دوف وعي‪ّ -‬‬ ‫" ّ‬
‫عمييا وضعيـ الطبقي‪ ،‬أي مف العالقات االقتصادية التي في مضمارىا ينتجوف ويتبادلوف"‪ ( .‬أنجمز)‪.‬‬
‫أف تحديد قيمة الخير ومعنى السعادة وكؿ ما يتّصؿ بالمعايير‬
‫يقود ىذا االعتبار إلى التأكيد عمى ّ‬
‫السموكية لإلنساف يرتبط ضرورة بمصالح الطبقة المييمنة وتندرج‪ ،‬بصفتيا أشكاؿ وعي‪ ،‬ضمف البناء‬
‫الفكري الفوقي لممجتمع‪ ،‬فيي إذف انعكاس لمواقع ولألوضاع االجتماعية‪ ،‬أي أشكاؿ إيديولوجية يحدوىا‬
‫التعارض والصراع بيف أخالؽ مييمنة وىي التي يقع تمقينيا‪ ،‬وأخالؽ خاضعة إلى الييمنة وىي أخالؽ‬
‫الطبقة الكادحة والمضطيدة ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫األخالؽ اإلقطاعية المسيحية المنتمية إلى الماضي‪ :‬تبقى مخمّفاتيا قائمة في العالقات‬ ‫‪-‬‬
‫يحددىا ىو ما تشترؾ فيو مع‬
‫أف األساس الذي ّ‬ ‫االجتماعية الستمرار تأثيرىا بشكؿ مف األشكاؿ‪ ،‬طالما ّ‬
‫الخاصة لوسائؿ اإلنتاج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخالؽ البرجوازية الحديثة‪ ،‬ونعني بذلؾ الممكية‬
‫يعبر الوعي األخالقي عف محتوى يتالءـ‬
‫األخالؽ البرجوازية الحديثة ‪ :‬وىي المييمنة واقعيا‪ ،‬إذ ّ‬ ‫‪-‬‬
‫مع ما ىو مستحسف ومأموؿ مف مبادئ ونظـ سموكية تستجيب إلى المصالح البرجوازية‪ ،‬وتنسجـ‬
‫تصورات الخير والشر والعدالة والسعادة مع طموحات ىذه الطبقة وأىدافيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫طياتيا نواة العالقات المستقبمية‬
‫تخص الطبقة الكادحة والمستغمّة‪ ،‬تحمؿ في ّ‬
‫ّ‬ ‫األخالؽ البروليتارية ‪:‬‬
‫التي مف خالليا تتش ّكؿ شروط االنتقاؿ إلى المجتمع االشتراكي‪ ،‬فيي ترمي إذف‪ ،‬إلى تحقيؽ أىداؼ‬
‫عما ىو‬
‫تصورات عف الخير والمساواة والسعادة بديمة ّ‬
‫وطموحات الكادحيف والمضطيديف اجتماعيا عبر ّ‬
‫مزيفة ووىمية‪.‬‬
‫تصورات ّ‬
‫قائـ مف ّ‬
‫انفؾ يكشؼ دائما عف التناقضات‬
‫اتّخذت القيـ األخالقية مسارا طبقيا‪ ،‬ذلؾ أف الواقع التاريخي ما ّ‬
‫معبرة عف قيـ الطبقة‬
‫إما ّ‬
‫الطبقية التي حكمت المجتمعات البشرية التي في مجاليا تبرز األخالؽ ّ‬
‫ضد‬
‫التمرد ّ‬
‫فتجسـ ّ‬
‫ّ‬ ‫معبرة عف طموحات المضطيديف‬ ‫لتبرر بواسطتيا مصالحيا‪ ،‬وا ّما أف تكوف ّ‬
‫المييمنة ّ‬
‫االستغالؿ والشقاء االجتماعي والتطّمع بفضؿ ذلؾ إلى تجاوز األخالؽ الطبقية‪ ،‬وفي ىذه المرحمة يمكف‬
‫القضاء عمى التناقضات االجتماعية وتحقيؽ أخالؽ إنسانية‪.‬‬
‫التصور الواقعي الناقد لمتأمالت الميتافيزيقية في النظريات األخالقية األخرى وجد نفسو ىو‬
‫ّ‬ ‫إف ىذا‬
‫تصور قريب إلى‬
‫اآلخر يواجو تأمال ميتافيزيقيا جديدا مف خالؿ تصوره لمجتمع ال طبقي وبال دولة وىو ّ‬
‫الطوباوية الشبيية بالطوباويات القديمة التي قامت الفمسفة الماركسية عمى تجاوزىا‪ .‬ىذا إلى جانب‬
‫التصور عمى اإلجابة عف األسئمة الكبرى ‪ :‬عف معنى الخير وعف معنى السعادة ألنيا‬
‫ّ‬ ‫عدـ قدرة ىذا‬
‫انغمقت داخؿ البعد االقتصادي الصرؼ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫اﻹﻧﯾـــــــﺔ و اﻟﻐﯾرﯾـــــــﺔ‬
‫اﻹﻧﯿﺔ ‪ :‬إﻧﯿﺔ اﻟﺸﻲء أي ذاﺗﮫ و ﺟﻮھﺮ وﺟﻮده ‪ ،‬أي ﻛﻞ ﻓﻌﻞ أو ﻣﺠﮭﻮد ﺗﺒﺬﻟﮫ اﻟﺬات ﯾﮭﺪف إﻟﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻮد‬

‫ﻓﻌـــــــﻞ اﻹﻗﺼــــــــــﺎء ﻟﻠﻐﯿﺮﯾـــــــــﺔ‬

‫ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ‬ ‫إﻗﺼﺎء اﻟﻨﻔﺲ ‪ /‬اﻟﺬات ﻟﻠﺠﺴﺪ‬


‫ـ اﻟﺠﺴﺪ ‪ :‬ھﻮ ﺟﺴﻢ‬ ‫‪1‬ـ طﺒﯿﻌﺔ اﻹﻗﺼﺎء ‪ :‬إﻗﺼﺎء أﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻲ ) ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﻮﺟﻮد ( ) أﻓﻼطﻮن (‬
‫اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻰ‬ ‫ـ ﻣﺒﺮرات اﻹﻗﺼﺎء ‪ :‬اﻟﺠﺴﺪ ﻣﻮطﻦ ﻟﻠﺮﻏﺒﺎت و اﻟﺸﮭﻮات اﻟﻤﻌﯿﻘﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ و اﻟﺘﻌﻘﻞ‬
‫ﺑﻘﯿﺔ اﻷﺟﺴﺎم ﺑﻠﺤﻤﮫ و دﻣﮫ‬ ‫واﻟﻮﻋﻲ ‪ /‬اﻟﺠﺴﺪ ﺑﺸﮭﻮاﺗﮫ ﻣﺠﺎل ﻟﻠﺮذﯾﻠﺔ و ﻧﻔﻲ ﻟﻠﻔﻀﯿﻠﺔ ‪ /‬اﻟﺠﺴﺪ رﻣﺰ ﻟﻠﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻤﺴﻠﻄﺔ‬
‫و اﻟﺤﯿﺎة ﻓﯿﮫ ‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﺟﺴﺪ‬ ‫ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﺴﯿﺎﻧﮭﺎ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ ‪.‬‬
‫ھﻮ ﺟﺴﻢ و ﻟﯿﺲ ﻛﻞ ﺟﺴﻢ‬ ‫ـ ﺗﺒﻌﺎت اﻹﻗﺼﺎء ‪ :‬ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﺷﺮور اﻟﺠﺴﺪ " اﻟﺠﺴﺪ ﻗﺒﺮ ﻟﻠﻨﻔﺲ " و ھﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺟﺴﺪ ‪.‬‬ ‫اﻟﺠﺴﺪ ﻛﺎﻟﻨﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺳﻔﯿﻨﺘﮫ ‪ /‬ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ و اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻓﻲ "ﻋﺎﻟﻢ‬
‫ـ اﻟﺠﺴﻢ ‪ :‬ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ‬ ‫اﻟﻤﺜﻞ" ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺨﯿﺮ و اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ و اﻟﺠﻤﺎل ‪ /‬وﻋﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻨﻔﺴﮭﺎ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ اﻟﺠﺴﺪ " أﯾﮭﺎ‬
‫ﺗﻮﻓﺮت ﻓﯿﮫ ﺧﺼﺎﺋﺺ‬ ‫اﻹﻧﺴﺎن اﻋﺮف ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻨﻔﺴﻚ "‬
‫اﻻﻣﺘﺪاد اﻟﺜﻼث ‪ :‬اﻟﻄﻮل‬ ‫ﺿﺮورة إﻗﺼﺎء اﻟﺠﺴﺪ ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻤﻜﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ‬
‫واﻟﻌﺮض و اﻟﻌﻤﻖ ‪.‬‬ ‫اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ و اﻟﺘﻌﻘﻞ و اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺬاﺗﮭﺎ ‪.‬‬
‫ـ اﻟﻮﻋﻲ ‪ ) :‬ﻋﺎﻣﺔ ( ھﻮ‬ ‫‪ 2‬ـ طﺒﯿﻌﺔ اﻹﻗﺼﺎء ‪ :‬إﻗﺼﺎء ﻣﻌﺮﻓﻲ ) ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ( ) دﯾﻜﺎرت (‬
‫ﻣﺠﻤﻞ اﻟﻌﻤﻠﯿﺎت اﻟﺬھﻨﯿﺔ‬ ‫ـ ﻣﺒﺮرات اﻹﻗﺼﺎء ‪ :‬اﻟﺠﺴﻢ ﻣﻮطﻦ ﻟﻠﺤﻮاس اﻟﺨﺎدﻋﺔ و اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت ‪ /‬اﻟﺠﺴﻢ " ﺟﻮھﺮ‬
‫اﻟﺘﻲ ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺎ اﻟﻌﻘﻞ ﻗﺼﺪ‬ ‫ﻣﻤﺘﺪ" ﻻ ﯾﻔﻜﺮ ‪ /‬اﻟﺠﺴﻢ ﻣﺼﺪر ﻛﻞ ﻏﻤﻮض ﻓﻲ اﻟﺬات اﻟﻤﻔﻜﺮة أو ﻟُﺒﺲ ﻧﻈﺮا ﻻﻣﺘﺰاﺟﮫ‬
‫إدراك ذاﺗﮫ و اﻟﻌﺎﻟﻢ‬ ‫ﺑﮭﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻤﺤﯿﻂ ﺑﮫ ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ـ ﺗﺒﻌﺎت اﻹﻗﺼﺎء ‪ :‬ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﯿﻘﯿﻨﯿﺔ اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻟﺒﺲ أو ﻏﻤﻮض ‪ /‬ﻗﺪرة اﻟﺬات‬
‫ﻋﻠﻰ إﺛﺒﺎت وﺟﻮدھﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ اﺳﺘﻨﺎدا إل اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻘﻂ " أﻧﺎ أﻓﻜﺮ إذن أﻧﺎ ﻣﻮﺟﻮد " ‪ /‬ﺗﺤﻘﻖ‬
‫ﺟﻮھﺮﯾﺔ اﻟﺬات ﺑﻤﺎ " ﺟﻮھﺮ ﻣﻔﻜﺮ " ﻣﺘﻤﯿﺰ ﻋﻦ " اﻟﺠﻮھﺮ اﻟﻤﻤﺘﺪ " ‪.‬‬

‫اﻟﻤــــــــﻮﻗـــﻒ اﻟﻤﻘــــــــــﺎﺑﻞ‬

‫ھﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﯾﻌﺘﺮف ﺑﻘﯿﻤﺔ اﻟﺠﺴﺪ و ﯾﻌﺘﺒﺮه أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻹﻧﯿﺔ و اﻟﻮﺟﻮد و اﻟﻮﻋﻲ‬
‫)ﻣﺎرﻟﻮﺑﻮﻧﺘﻲ ‪ /‬ﺳﺒﯿﻨﻮزا ‪ /‬ﻧﯿﺘﺸﮫ (‬

‫ـ ﻣﺒﺮرات اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪:‬‬


‫ـ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ ‪:‬‬ ‫‪ ‬ﻣﺎرﻟﻮﺑﻮﻧﺘﻲ ‪ :‬اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ و اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺨﺎص ‪ /‬ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺘﺪاﺧﻞ‬
‫ھﻮ اﻟﺠﺴﻢ اﻟﻤﻤﺘﺪ أﻣﺎﻣﻲ‬ ‫و اﻹﻧﺸﺒﺎك ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺨﺎص و اﻟﻌﺎﻟﻢ " أﻧﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ " أو " ﻣﻦ ﺟﺴﺪي ﯾﺒﺪأ اﻟﻌﺎﻟﻢ"‬
‫واﻟﻤﻨﻔﺼﻞ ﻋﻨﻲ و اﻟﺬي ﻻ‬ ‫ﻻ ﻣﺠﺎل‬ ‫‪ /‬اﻧﻔﺘﺎح اﻟﻮﻋﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺴﺪ ‪.‬‬
‫ﯾﻤﻜﻨﻨﻲ اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﮫ أو‬ ‫ﻹﻗﺼﺎء اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺨﺎص ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﻮﻋﻲ ﻷﻧﮫ أﺳﺎس ﻛﻞ وﻋﻲ ﺑﺎﻟﺬات و ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ‪.‬‬
‫ﻧﻔﯿﮫ ﻣﻦ ﺣﻘﻞ وﺟﻮدي ‪.‬‬ ‫‪ ‬ﺳﺒﯿﻨﻮزا ‪ :‬اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻓﮭﻲ " ﺟﻤﯿﻊ ﻣﺴﺎﻋﻲ‬
‫ـ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺨﺎص ‪ :‬ھﻮ‬ ‫اﻹﻧﺴﺎن و اﻧﺪﻓﺎﻋﺎﺗﮫ و ﺷﮭﻮاﺗﮫ و إراداﺗﮫ " ﻏﺎﯾﺘﮭﺎ ﺿﻤﺎن اﻟﻮﺟﻮد ‪ /‬وﺣﺪة اﻟﻨﻔﺲ‬
‫اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻤﻌﯿﺶ ‪ ،‬أي‬ ‫ﯾﺠﺐ‬ ‫و اﻟﺠﺴﺪ " اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺠﺴﺪ ﺷﻲء واﺣﺪ " أو " اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻜﺮة اﻟﺠﺴﺪ "‬
‫طﺮﯾﻘﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻜﻞ واﺣﺪ‬ ‫اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﺴﺘﻄﺎع اﻟﺠﺴﺪ ) ﻗﺪراﺗﮫ ( و اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﮫ ﻟﯿﺘﺤﻘﻖ اﻟﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‬
‫ﻟﻺﻗﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ و اﻟﺴﻜﻦ‬ ‫اﻟﻔﻌﻠﻲ ‪.‬‬
‫ﻓﯿﮫ ‪ ،‬ﻓﮭﻮ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺜﻞ‬ ‫‪ ‬ﻧﯿﺘﺸﮫ ‪ :‬زﯾﻒ اﻟﻌﻘﻞ و ﺳﺨﺎﻓﺔ ﻣﻘﻮﻻﺗﮫ و أﻓﻜﺎره ﻓﮭﻮ ﻋﻘﻞ ﻣﺮﯾﺾ ﺑﻤﺮض ھﺠﺮ‬
‫اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ اﻟﺠﺴﻢ ) رﻣﺰ‬ ‫ﺿﺮورة ﺗﺤﻄﯿﻢ أﺻﻨﺎم‬ ‫اﻟﺤﯿﺎة ‪ /‬اﻟﺠﺴﺪ أﺳﺎس اﻟﺤﯿﺎة و اﻟﺤﯿﺎة إرادة ﻗﻮﯾﺔ‬
‫اﻟﺤﯿﺎة (‬ ‫اﻟﻌﻘﻞ ) اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ‪ /‬اﻟﺨﯿﺮ ‪ /‬اﻟﺠﻤﺎل ( و إﺣﯿﺎء ﻣﻘﻮﻻت اﻟﺠﺴﺪ ) اﻟﻮھﻢ ‪ /‬اﻟﺤﯿﺎة ‪( ...‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻓﻌـــــﻞ اﻻﻋﺘـــــــﺮاف ﺑﺎﻟﻐﯿﺮﯾــــــــــﺔ‬
‫ـ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ‪ :‬ﻣﺴﺎر ﺗﻌﺎﻗﺐ‬ ‫اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﺘﺎرﯾﺦ ﺷﺮط ﺗﺤﻖ اﻹﻧﯿﺔ‬
‫ﻓﯿﮫ‬ ‫ﺗﺘﻮاﻟﻰ‬ ‫زﻣﻨﻲ‬ ‫ـ ﻣﺒﺮرات اﻻﻋﺘﺮاف ‪ :‬اﻟﻔﺼﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﻲ و زﻣﻦ اﻟﺪﯾﻤﻮﻣﺔ ‪ /‬دون اﻟﻮﻋﻲ‬
‫اﻟﻠﺤﻈﺎت و ﺗﺘﺮاﺑﻂ ﻓﯿﻤﺎ‬ ‫ﺑﺎﻟﺰﻣﻦ ﯾﺘﻼﺷﻰ اﻟﻮﻋﻲ و ﯾﻜﻮن ﺿﯿﻘﺎ ﻣﻨﺤﺼﺮا ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﯿﻐﯿﺐ اﻟﻤﺎﺿﻲ‬
‫ﺑﯿﻨﮭﺎ و ھﻮ ﺗﺎرﯾﺦ طﺒﯿﻌﻲ‬ ‫وﯾﻨﻌﺪم اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ‪ /‬ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺬاﻛﺮة ﺑﻤﺎ ھﻲ اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ و اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﮫ ‪ /‬ﺿﺮورة اﻧﻔﺘﺎح‬
‫و ﺗﺎرﯾﺦ إﻧﺴﺎﻧﻲ ‪.‬‬ ‫اﻟﻮﻋﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ و اﻻﻧﺘﺒﺎه إﻟﯿﮫ و اﻧﺘﻈﺎره ‪.‬‬
‫ـ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺮﯾﺎﺿﻲ ‪ :‬ھﻮ‬ ‫ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻻﻋﺘﺮاف ‪ :‬اﺗﺴﺎع داﺋﺮة اﻟﻮﻋﻲ زﻣﺎﻧﺎ ‪ /‬ﺗﺤﺮر اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﺰﻣﻦ‬
‫اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ اﻟﺬي‬ ‫اﻟﻄﺒﯿﻌﻲ ﻧﺤﻮ اﻟﺰﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ـ اﻟﺬاﺗﻲ ) ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ اﻟ ُﻤﻌﻄﻰ إﻟﻰ اﻟﺰﻣﻦ اﻟ ُﻤﺒﺪَع ( ‪ /‬ﺗﺠﺎوز‬
‫ﯾﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﯿﻤﮫ إﻟﻰ ﻟﺤﻈﺎت‬ ‫ظﺎھﺮة اﻟﻮﻋﻲ اﻟﺪاﺧﻠﻲ ـ اﻟﻤﻨﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ ﻧﺤﻮ وﻋﻲ ﻣﻨﻔﺘﺢ ﻋﻦ اﻟﻐﯿﺮﯾﺔ ‪.‬‬
‫أو دﻗﺎﺋﻖ و ھﻮ ﺗﺘﺎﺑﻊ‬
‫ﻟﺤﻈﺎت ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻗﺎﺑﻠﺔ‬ ‫اﻟﻣـــــوﻗف اﻟﻣﻘــــــــــﺎﺑل‬
‫ﻟﻠﻤﻼﺣﻈﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺎ ‪.‬‬ ‫ـ ھﻮ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬي ﯾﺮى ﻓﻲ اﻟﻨﺴﯿﺎن ﻗﯿﻤﺔ ﺣﯿﺎﺗﯿﺔ ﻛﺒﺮى و داﻓﻊ ﻧﺤﻮ ﺑﻨﺎء إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ـ زﻣﻦ اﻟﺪﯾﻤﻮﻣﺔ ‪ :‬ھﻮ‬ ‫واﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة ‪ ،‬ﻷن اﻟﺘﺬﻛﺮ ﻋﻮدة إﻟﻰ اﻟﻮراء و اﻧﺸﺪاد إﻟﻰ ﺗﻌﺎﺳﺔ اﻟﻤﺎﺿﻲ و ﺷﻘﺎﺋﮫ ‪.‬‬
‫اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻨﻔﺴﻲ ـ اﻟﺪاﺧﻠﻲ‬ ‫"ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻮﺟﺪ ﺳﻌﺎدة أو ﺻﺪق أو رﺟﺎء أو ﻓﺮﺣﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺮاھﻨﺔ دون وﺟﻮد‬
‫ﻛﻤﺎ ھﻮ ﻣﻌﻄﻰ ﻓﻲ‬ ‫ﻣﻠﻜﺔ اﻟﻨﺴﯿﺎن " ) ﻧﯿﺘﺸﮫ (‬
‫اﻟﻮﺟﺪان ‪ ،‬أي اﻟﺰﻣﻦ‬ ‫ـ ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﻧﻌﯿﺶ إﻻ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺮاھﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻧﻜﻮن ﺳﻌﺪاء ‪ ،‬ﻷﻧﮫ " ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﯾﻮﺟﺪ اﻟﻌﺪم‬
‫اﻟﻤﻌﯿﺶ و اﻟ ُﻤﺸﺨﺺ ‪.‬‬ ‫وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﯾﻮﺟﺪ اﻟﻌﺪم " ‪.‬‬
‫ـ اﻟﺪﯾﻤﻮﻣﺔ ‪ " :‬ھﻲ‬ ‫ـ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺗﻌﺎﺳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺴﻌﺎدة اﻟﺤﯿﻮان ‪ ،‬ﺳﻌﺎدة ﺗﻌﻮد إﻟﻰ أﻧﮫ " ﯾﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻏﯿﺮ‬
‫اﺳﺘﻤﺮار ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ‬ ‫ﺗﺎرﯾﺨﻲ " ‪.‬‬
‫ﻣﻮﺟﻮدا ﻓﯿﻤﺎ ھﻮ ﻣﻮﺟﻮد "‬

‫اﺳﺘﺨﻼص أن ﻛﻼ اﻟﻤﻮﻗﻔﯿﻦ ‪ :‬اﻹﻗﺼﺎء ‪ /‬اﻻﻋﺘﺮاف ﯾﺆﻛﺪان ﻋﻠﻰ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺗﺤﻘﻖ اﻹﻧﯿﺔ و ﯾﻘﺮان ﺑﺤﻘﯿﻘﺘﮭﺎ‬

‫ﻣﺣدودﯾــــﺔ اﻟﻘـول ﺑﺎﻹﻧﯾـــــﺔ‬


‫ـ اﻟﻼوﻋﻲ ‪ :‬ھﻮ ﺣﺎﻟﺔ‬ ‫ـ ﻣﺒﺮرات اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻟﻤﺤﺪودﯾﺔ ‪ :‬اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻼواﻋﯿﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻛﺸﻔﺎ ﻋﻠﻤﯿﺎ إﻛﻠﯿﻨﯿﻜﯿﺎ‬
‫ﻧﻔﺴﯿﺔ ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﻛﺒﺖ‬ ‫) زﻻت ﻟﺴﺎن ـ ھﻔﻮات ﻓﻲ اﻷﻓﻌﺎل ـ ﻧﺪم ـ أﻣﺮاض ﻧﻔﺴﯿﺔ ‪ / ( ...‬ﻓﻀﺢ ﺻﻮرة " اﻷﻧﺎ "‬
‫اﻟﻠﯿﺒﯿﺪﯾﺔ‬ ‫اﻟﺮﻏﺒﺎت‬ ‫ﻣﻦ ذات واﻋﯿﺔ ) ﺗﻘﺼﻲ ‪ /‬ﺗﻌﺘﺮف ( إﻟﻰ " أﻧﺎ " ﺧﺎﺿﻊ ﻷﺳﯿﺎد ﺛﻼث ‪ :‬اﻟﮭﻮ ـ اﻷﻧﺎ اﻷﻋﻠﯩـ‬
‫)اﻟﻌﺪواﻧﯿﺔ ‪ /‬اﻟﺠﻨﺴﯿﺔ (‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ‪.‬‬
‫وﻧﺴﯿﺎﻧﮭﺎ و ﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﻜﻮن‬
‫دوﻣﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺤﻮل إﻟﻰ‬ ‫ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬه اﻟﻤﺤﺪودﯾﺔ ‪ :‬ﻣﺮاﺟﻌﺔ اﻟﻘﻮل ﺑﺤﺮﯾﺔ " اﻷﻧﺎ " و ﺑﻮﻋﯿﮭﺎ و ﺑﻘﯿﻤﺔ وﺟﻮدھﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻮﻋﻲ ) زﻻت‬ ‫اﻟﻌﺎﻟﻢ ‪ /‬اﻟﺘﻈﻨﻦ ) اﻟﺘﺸﻜﯿﻚ ( ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﻟﺔ اﻹﻧﯿﺔ و ﻋﻠﻰ ﻗﺪرات اﻟﺬات ﻋﻠﻰ اﻹﻗﺼﺎء أو‬
‫اﻟﻠﺴﺎن ‪ /‬اﻟﻨﺴﯿﺎن ‪( ...‬‬ ‫اﻹﺛﺒﺎت واﻟﻨﻔﻲ أو اﻻﻋﺘﺮاف ﻷﻧﮭﺎ ھﻲ ذاﺗﮭﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺤﻞ إﻗﺼﺎء و ﻧﻔﻲ و ﺗﺸﻜﯿﻚ ‪.‬‬

‫أﻓــــﻖ ﻋﻼﻗــــــــــﺔ ﺗـــــﺄوﯾﻠﯾــــــــــــــﺔ‬


‫اﻟﺘﺄوﯾﻞ ‪ :‬ﯾﺴﻤﻰ " ﺑُﻌﺪ‬ ‫ـ ﻣﺒﺮرات اﻟﻌﻼﻗﺔ ‪ :‬ﺗﺠﺪد اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ و ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻣﻮاﻗﻌﮭﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار " اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﯿﮭﺎ‬
‫اﻷﻋﻤﺎق " أي أﻧﮫ ﻟﯿﺲ‬ ‫ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ و ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﯿﺎن ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ُﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ آﺧﺮ " ) ﺟﺎك ﻻﻛﻮن ( ‪/‬‬
‫ﻛﺸﻔﺎ ﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻣﺎ ﺗﺎﻣﺔ أو‬ ‫اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺗُﻔﮭﻢ و ﻻ ﺗُﻔﺴﺮ ) وﯾﻠﮭﺎﯾﻢ داﻟﺘﻲ ( ‪ /‬اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﻨﺎء و ﻟﯿﺴﺖ اﻛﺘﺸﺎف‬
‫ﻧﮭﺎﺋﯿﺔ ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ھﻮ ﻣﮭﻤﺔ‬ ‫)ﻓﺎﻟﯿﺮي ( ‪ /‬ﻏﻤﻮض اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ) آﻻن ( ‪ /‬اﻟﻮﺟﻮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ دوﻣﺎ ﻣﺸﺮوع " ﯾُﻌﺮف‬
‫ﻋﻘﻠﯿﺔ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻧﺤﻮ‬ ‫اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﺸﺮوﻋﮫ " ) ﺳﺎرﺗﺮ ( ‪.‬‬
‫ﻋﻤﻖ ﻻ ﻗﺮار ﻟﮫ و ﻓﻲ‬
‫اﺗﺠﺎه ﻓﻜﺮة ﻗﺎﺑﻠﺔ دوﻣﺎ‬ ‫ـ ﺗﺒﻌﺎت اﻟﻌﻼﻗﺔ ‪ :‬ﻋﻼﻗﺔ اﻹﻧﯿﺔ ﺑﺎﻟﻐﯿﺮﯾﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺘﺠﺪدة ‪ /‬ﻣﺘﻐﯿﺮة ‪ /‬ﺗُﻔﮭﻢ و ﻻ ﺗُﻔﺴﺮ ‪ /‬ﺗُﺒﻨﻰ‬
‫ﻟﻠﻔﺤﺺ ‪.‬‬ ‫وﻻ ﺗُﻜﺘﺸﻒ ‪ /‬ﻏﺎﻣﻀﺔ ‪ /‬ﺗﻈﻞ دوﻣﺎ ﻣﺸﺮوﻋﺎ ‪.‬‬

‫‪2‬‬
3
‫ﺗﻤﮭﯿﺪ ‪ :‬ﯾﺴﺘﻮﻗﻔﻨﺎ ھﺬا اﻟﻌﻨﻮان ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﯾﻄﺮح ﻣﺸﻜﻼ ﻋﻠﻤﯿﺎ ﺗﻨﺰل ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﮭﻰ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ إﻟﻰ‬
‫أزﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻮاﺻﻞ و ﻓﻲ اﻟﮭﻮﯾﺔ ﯾﻌﯿﺸﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﯿﻮم ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ أو‬
‫ﻣﻘﺘﺮح ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺣﻞ ھﺬه اﻷزﻣﺎت ‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ إطﺎر ﻣﺎ ﯾﺘﺴﻢ ﺑﮫ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ آﻟﯿﺎت و ﺗﻘﻨﯿﺎت‬
‫ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﻣﺘﻄﻮرة ﺗﺪﻋﻲ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ رﺑﻂ ﺟﺴﻮر اﻟﺘﻮاﺻﻞ و اﻟﺘﺜﺎﻗﻒ ‪ ،‬ﯾﻜﻔﻲ اﻟﻘﻮل اﻧﮫ ﻟﻢ ﺗﺨﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﺤﻞ ھﺬا اﻹﺷﻜﺎل إﻻ ﺑﻌﺪ ﺗﺠﺎوز ﻣﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﺗﻌﯿﺸﮫ اﻟﺤﯿﺎة‬
‫اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﯿﻮم ‪ ،‬و اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﻨُﻘﻠﺔ اﻟﮭﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ‪ ،‬اﺗﺴﻤﺖ ﺑﮭﺎ ﺟﻞ اﻟﻌﻠﻮم ‪ ،‬ﻣﻦ ﻋﻠﻢ‬
‫ھﺎﺟﺴﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ‪ ،‬ﯾﻌﺘﺒﺮھﺎ ﻣﻘﺪس ﻛﻞ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ‪ ،‬إﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺒﺤﺚ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﻨﻤﺎذج ‪.‬‬

‫ﻓﻤﺎ ھﻲ أﺳﺒﺎب ھﺬا اﻟﻨﻘﻠﺔ ؟ ھﻞ ھﻲ أﺳﺒﺎب ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻌﻠﻢ أم ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﮫ أم أﻧﮭﺎ أﺳﺒﺎب‬
‫ﻣﺰدوﺟﺔ؟ ﻓﯿﻢ ﺗﺘﻤﺜﻞ ھﺬه اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ؟ و ﻣﺎ ھﻲ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻌﻠﻤﻲ ؟ ﻣﺎ ﻣﺼﯿﺮ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﻌﺪ ھﺬه‬
‫اﻟﻨﻘﻠﺔ ؟ وﻣﺎ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ إطﺎر إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ھﺬه ؟ أﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﺸﻒ اﻟﻘﺮاءة‬
‫اﻹﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﻋﻦ أزﻣﺔ ﯾﻌﯿﺸﮭﺎ اﻟﻌﻠﻢ ذاﺗﮫ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﯿﻌﺎﺑﮫ ﻟﻤﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ؟‬

‫‪ 1‬ـ أﺳﺒﺎب طﺮح ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ ‪:‬‬

‫ﺑﻤﺎ أن ﻟﻜﻞ ﻧﻘﻠﺔ أو ﺗﺤﻮل أﺳﺒﺎب ﺗﺒﺮرھﺎ ‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﻦ ﻣﺒﺮرات وﻟﻮج ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬
‫اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ھﻮ ظﮭﻮر ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻊ " أﻧﺸﺘﺎﯾﻦ " ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﻛﺸﻔﺖ ھﺬه اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﻋﻦ أن‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ إطﻼﻗﯿﺔ و دﻗﺔ ﻧﮭﺎﺋﯿﺔ و ﺛﻘﺔ ﻻ ﻣﺠﺎل‬
‫ﻟﻠﺸﻚ ﻓﯿﮭﺎ ‪ ،‬ﻛﺤﻘﯿﻘﺔ ﯾﻘﯿﻨﯿﺔ ﺗﺘﻤﯿﺰ وﻓﻖ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺪﯾﻜﺎرﺗﻲ ﺑﺎﻟﺒﺪاھﺔ و اﻟﻮﺿﻮح و اﻟﺘﻤﯿﺰ ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ‬
‫ﻓﺈن اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﯾﻄﺮح أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﺸﻜﻼ ﻋﻠﻤﯿﺎ ﺟﺪﯾﺪا ‪ :‬ﻛﯿﻒ ﻧﻔﻜﺮ ﺑﻌﺪ أﻧﺸﺘﺎﯾﻦ ؟‬

‫ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب أﯾﻀﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﺎھﻤﺖ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ھﻮ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻲ ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف‬
‫اﻟﺤﺎﺳﻮب ‪ ،‬ھﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺘﻘﻨﻲ ﻣﺜﻞ ﺛﻮرة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره أﺻﺒﺢ آﻟﯿﺔ ﻣﻦ آﻟﯿﺎت‬
‫ذﻟﻚ اﻟﺒﺤﺚ ‪ ،‬ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻠﻌﻠﻢ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﺎح ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ‪ .‬ﯾﻜﻔﻲ اﻹﺷﺎرة ﻣﺜﻼ إﻟﻰ أن‬

‫‪1‬‬
‫اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻘﺎم ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺤﺎﺳﻮب ‪ ،‬إﻣﺎ ﻟﻌﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ‬
‫اﻟﻔﻌﻠﻲ أو ﻟﺘﻜﻠﻔﺘﮭﺎ اﻟﺒﺎھﻈﺔ ‪.‬‬

‫ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ أھﻢ اﻟﻤﺒﺮرات اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ رﻛﯿﺰة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﻘﻠﺔ ھﻲ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ‬
‫واﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻨﺎوﻟﮭﺎ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﺎ ظﻮاھﺮ ﻣﺮﻛﺒﺔ و ﻟﯿﺴﺖ‬
‫ظﻮاھﺮ ﻣﻌﻘﺪة ‪ ،‬و اﻟﻤﻌﻘﺪ ھﻮ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻟﻠﻈﺎھﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ‬
‫واﺣﺪة ) ﻣﺜﻼ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰل ﻛﻞ ﺧﺼﺎﺋﺺ ظﺎھﺮة ﺳﻘﻮط اﻷﺟﺴﺎم ﻣﻦ ﺛﻘﻞ و ﺳﺮﻋﺔ و زﻣﻦ ‪...‬‬
‫ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ واﺣﺪة ﺗﻔﺴﺮه و ھﻲ اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ ( ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن اﻟﻤﺮﻛﺐ ﻻ ﯾﻌﻨﻲ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ ھﺬا و ذاك‬
‫و إﻧﻤﺎ ھﻮ ﺣﺴﺐ " إدﻏﺎر ﻣﻮران " ذﻟﻚ اﻟﺘﺪاﺧﻞ ﺑﯿﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻈﺎھﺮة اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻣﺠﺎل‬
‫ﻻﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ و إﻧﻤﺎ ﻧﺤﻦ أﻣﺎم ﺧﯿﺎرﯾﻦ ‪ :‬إﻣﺎ أن ﻧﺪرﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﯿﺘﮭﺎ أو ﺗﻄﺒﯿﻖ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎ اﻹھﻤﺎل‬
‫ﻋﻠﯿﮭﺎ‪ ) .‬اﻟﺬرة ﻣﺜﻼ واﻗﻊ ﻣﺮﻛﺐ ‪ ،‬ﻧﻈﺮا ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰﻟﮭﺎ ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻧﺪرس اﻟﺴﺮﻋﺔ إﻻ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ‪ ،‬و ﻻ اﻟﻄﺎﻗﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ و ﻻ اﻟﺜﻘﻞ إﻻ أﯾﻀﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ ‪،‬‬
‫و ﻛﺬﻟﻚ دراﺳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ‪( ...‬‬

‫ﯾﺒﻘﻰ أﯾﻀﺎ ﻣﺒﺮرا ھﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺒﺮرات اﺳﺘﯿﻌﺎب اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻤﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ أﻻ و ھﻮ وﻻدة ﻋﻠﻮم ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ‪ ،‬ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﺗﻄﻤﺢ ﺑﻜﻞ ﻣﺸﺮوﻋﯿﺔ ﻷن ﺗﻨﺎل ﺷﺮف دﺧﻮل ﻣﺼﺎف‬
‫اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ‪ ،‬و ھﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ) ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ ‪ ،‬ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ‪ ،‬ﻋﻠﻢ‬
‫اﻟﺘﺎرﯾﺦ ‪ ،‬ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ ‪ . ( ...‬و ھﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﻤﻂ ﺟﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ‪:‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﺧﺎﺻﯿﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮة ‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﯿﺰة اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺒﻞ ھﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ أﻧﮫ ﻋﻠﻢ ﯾﻘﺪم‬
‫ﻧﻔﺴﮫ ـ ﺣﺴﺐ اﻟﺒﺎرادﯾﻐﻢ اﻟﻮﺿﻌﻲ ـ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﻘﺪس و اﻹﻧﺠﯿﻞ اﻟﺠﺪﯾﺪ ‪ ،‬ﻧﻈﺮا ﻷن اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻣﻊ " أو ﻗﯿﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ " ‪ ،‬ﻧﺼﺒﺖ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و وﺿﻌﺖ‬
‫ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ و اﻟﻤﻌﺎﯾﯿﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮭﺎ ﺑﯿﻦ ﻣﺎ ھﻮ ﻋﻠﻤﻲ و ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻋﻠﻤﯿﺎ ‪ .‬ﻣﻦ ھﺬه‬
‫اﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ ‬اﻟﺘﺠﺮﯾﺐ ‪ :‬ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ أن ﻛﻞ دراﺳﺔ ﺗﻄﻤﺢ ﻟﻨﯿﻞ ﺷﺮف اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺨﻀﻊ‬
‫ﻧﻈﺮﯾﺘﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻘﻖ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ‪ ،‬أي إﻧﺸﺎء اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ و إﻋﺎدة إﻧﺸﺎﺋﮭﺎ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻣﺪى‬
‫ﺻﺪﻗﮭﺎ‪.‬‬
‫‪ ‬اﻟﺘﺮﯾﯿﺾ ‪ :‬أي اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ ﻟﻜﻞ اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت و اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﺗُﻌﺘﺒﺮ‬
‫اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ ‪ ،‬ذﻟﻚ أن " اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻛﺘﺎب ﻣﻔﺘﻮح ﻛُﺘﺐ ﺑﻠﻐﺔ اﻷرﻗﺎم‬
‫واﻟﺪواﺋﺮ و اﻷﺷﻜﺎل اﻟﮭﻨﺪﺳﯿﺔ اﻷﺧﺮى ﻻ ﯾﻘﺮأه إﻻ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﻮن " ) ﺟﺎﻟﯿﻠﯿﻮ (‬
‫‪ ‬اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ‪ :‬ﯾﻌﺘﺒﺮ ھﺬا اﻟﻤﻘﯿﺎس ﻗﯿﻤﺔ أﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﯾﺚ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﻤﺜﻞ ﻧﺴﺒﺔ ﺣﯿﺎد‬
‫اﻟﺬات ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺣﯿﺎدا ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺘﻢ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ‬
‫اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻤﺴﺒﻘﺔ و ﻋﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺬاﺗﯿﺔ و دون اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ‪.‬‬
‫‪ ‬اﻟﻤﻄﺎﺑﻘﺔ ‪ :‬ﻛﻞ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭﺎ و ﺻﺪﻗﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﺪى ﻣﻄﺎﺑﻘﺘﮭﺎ ﻟﻠﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﻄﻰ‬
‫واﻟﺤﺴﻲ ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻰ ﻛﻞ ﻓﻜﺮة ﻟﺘﻜﻮن ﺻﺎدﻗﺔ أن ﺗﻘﻮل ﻣﺎ ھﻮ ﻣﻮﺟﻮد ‪.‬‬
‫‪ ‬اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ‪ :‬ﻛﻞ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﺗﺤﺪد ﻗﯿﻤﺔ ﻋﻠﻤﯿﺘﮭﺎ اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﯾﺪھﺎ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت ﻗﺼﺪ‬
‫اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﮭﺎ ‪ ،‬ﺛﻢ ﯾﺘﻢ اﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن ﻋﺎم واﺣﺪ و دﻗﯿﻖ ﯾﻔﺴﺮھﺎ ‪.‬‬
‫‪ ‬اﻟﺤﺘﻤﯿﺔ ‪ :‬ھﻲ ﻗﺪرة اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺮاھﻦ ﻟﻠﻈﺎھﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل‬
‫ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ ﺑﺎﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ و ﻗﺪرﺗﮫ ﻣﻦ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﺒﺆ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﺑﺤﺎﻟﺘﮭﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﯿﺔ "‬
‫ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺼﺒﺢ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺎﺛﻼ أﻣﺎﻣﮫ ﻛﻤﺎ اﻟﻤﺎﺿﻲ " ) ﻻﺑﻼص ( ‪.‬‬

‫ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻤﯿﺰ ﺑﮭﺎ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﯾﺚ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ‬
‫اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻘﺪﺳﺎ ﻣﻌﺮﻓﯿﺎ ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻋﻠﻢ دون ﺣﻘﯿﻘﺔ ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ‪:‬‬

‫إن اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺴﺆال اﻟﻤﻄﺮوح ‪ :‬ﻛﯿﻒ ﻧﻔﻜﺮ ﺑﻌﺪ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ؟ ﯾﺠﺪ ﻣﻮﻗﻌﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺴﺘﻮى ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر‬
‫أن اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ھﻲ ﺗﻨﺴﯿﺐ ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ وﻓﻖ ﻣﺎ ﺳﻤﺎه " ﻛﺎرل ﺑﻮﺑﺮ " ب " ﻗﺎﺑﻠﯿﺔ اﻟﺘﻜﺬﯾﺐ " ‪ ،‬أي ﻗﺎﺑﻠﯿﺔ ﻛﻞ‬
‫ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻷن ﺗُﻨ ﱠ‬
‫ﺴﺐ ﺑﺎﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻧﻘﺎﺋﺼﮭﺎ و أﺧﻄﺎﺋﮭﺎ ‪ .‬ھﺬه اﻟﺨﺎﺻﯿﺔ ﺑﯿﻨﺖ أن اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺪأ ﯾﻐﯿﺮ ﻣﻦ‬
‫ﻣﻌﯿﺎر ﺻﺪﻗﮫ ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أو ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﯾﯿﺮ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ھﻲ اﻟﻤﻘﯿﺎس ﻟﻠﻌﻠﻤﯿﺔ و إﻧﻤﺎ‬
‫أﺻﺒﺢ ﻣﺎ ﯾُﻌﯿّﺮ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ و ﯾﻤﻨﺤﮭﺎ ﻗﯿﻤﺔ ھﻮ ﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮭﺎ ﻷن ﺗُﺪﺣﺾ و ﺗُﻐﯿﺮ و ﺗُﺠﺪد ‪ .‬إﻧﻨﺎ إذن إزاء‬
‫ﺻﻮرة أﺧﺮى ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺑﺪأت أﺳﺎﺳﺎ ﻣﻦ دﻻﻟﺘﮫ ﻛﺘﻤﺜﻞ ‪ ،‬ﻟﯿﺲ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻻﺳﺘﺤﻀﺎر ﻟﻤﺎ ھﻮ ﻛﺎﺋﻦ أو‬

‫‪3‬‬
‫ﻣﻮﺟﻮد و ﻟﻜﻨﮫ ﻏﺎﺋﺐ أو ﻏﯿﺮ ﺣﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﺮﻣﺰ ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ اﻟﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻠﻤﻲ ﯾﻌﻨﻲ‬
‫اﻓﺘﺮاض واﻗﻊ ﻏﯿﺮ راھﻦ ‪ ،‬أي ﻟﻢ ﯾﻮﺟﺪ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﮫ ﻗﺎﺑﻞ ﻷن ﯾﻮﺟﺪ ) و إﻻ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ وھﻢ ( ‪.‬‬
‫وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ھﻲ آﻟﯿﺎت اﻟﺘﻤﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮭﺎ ﯾُﺒﻨﻰ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻌﻠﻤﻲ ؟ أول ﻣﺎ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻘﻮم ﻋﻠﯿﮫ‬
‫اﻟﺘﻤﺜﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ھﻮ اﻟﺨﯿﺎل و ﻻ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﮫ اﻟﺘﻮھﻢ و إﻧﻤﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﮫ اﻻﻓﺘﺮاض ﻟﻮاﻗﻊ ﻏﯿﺮ راھﻦ اﺳﺘﻨﺎدا‬
‫إﻟﻰ ﻓﻜﺮة ﻣﺎ ‪ .‬ﻓﺎﻟﺨﯿﺎل ﻣﯿﺰة ھﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﯿﺰات اﻟﻌﻠﻢ ﻛﻲ ﯾﺒﺪع ﻧﻤﻮذﺟﮫ ‪ .‬و ﻟﻜﻦ ﻟﯿﻜﻮن اﻟﺨﯿﺎل ﻋﻠﻤﯿﺎ‬
‫ﺑﺎﻣﺘﯿﺎز ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺘﻘﯿﺪ ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﻤﺎ ھﻮ ﺑﺤﺚ ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ دراﺳ ٍﺔ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﺳﻤﺎھﺎ‬
‫"ﺟﻮن ﻻدارﯾﺎر " " اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻌﻠﻤﻲ " و ھﻮ ﻣﺠﺎل ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ أي ﻣﺮﺣﻠﺔ إﻧﺸﺎء‬
‫اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ و اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﺠﺮدة ﻟﻠﻨﻤﻮذج ‪ ،‬و ﻻ ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ‬
‫اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻧﺴﻖ ‪ ،‬أي ﻛ ٌﻞ ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺘﺮاﺑﻄﺔ ﺗﺸﻜﻞ وﺣﺪة ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ‪ ،‬و ﻷن‬
‫ھﺬه اﻟﻮﺣﺪة ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﺸﺒﻜﺔ ﻋﻼﺋﻘﯿﺔ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ دراﺳﺘﮭﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻌﻼﺋﻘﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺗﺤﻮﻻت ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ ) ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬرة ﻣﺜﻼ ﻧﺴﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ‪ :‬ﺣﺮﻛﺔ ‪ ،‬ﺳﺮﻋﺔ ‪ ،‬ﺛﻘﻞ ‪،‬‬
‫طﺎﻗﺔ ‪ ،‬ﻣﻜﺎن ‪ ، ...‬ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ دراﺳﺘﮭﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﯿﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ (‬
‫ﻏﯿﺮ أن دراﺳﺔ ھﺬه اﻟﺒﻨﯿﺔ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺨﻀﻊ ﺑﺪوره إﻟﻰ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺻﻮرﻧﺔ و ھﻲ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺼﻮرة‬
‫اﻟﻤﺠﺮدة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ أي واﻗﻊ ﺣﺴﻲ ‪ ،‬و اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﺮﺟﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎدﻻت رﯾﺎﺿﯿﺔ أو‬
‫ﻣﻨﻄﻘﯿﺔ ذات طﺎﺑﻊ أﻛﺴﯿﻮﻣﻲ ‪ ،‬ﻧﻈﺮا ﻟﻤﺎ ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﮫ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻦ ﺗﻐﯿﺮ و ﺗﺤﻮل ‪ .‬و اﻷﻛﺴﯿﻮﻣﯿﺔ‬
‫ھﻲ ﻋﺒﺎرة ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ " أﻛﺴﯿﻮم " أي اﻷوﻟﯿﺔ ‪ ،‬و ھﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻢ‬
‫اﻟﺘﺴﻠﯿﻢ ﺑﮭﺎ دون اﻟﺒﺮھﻨﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ و ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺒﺪأ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﮫ اﻟﻔﻜﺮ ﻟﺒﻨﺎء ﻧﺴﻖ ﻣﺎ ‪ .‬و اﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ ھﺬا‬
‫اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻷﻛﺴﯿﻮﻣﻲ أﺻﺒﺢ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻔﺮﺿﻲ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﻲ ) اﻻﺳﺘﻨﺒﺎطﻲ ( رﻛﯿﺰة ﻛﻞ اﻟﻌﻠﻮم ﻣﻤﺎ ﻏﯿﺮ‬
‫ﻓﻲ ﻣﻌﯿﺎر ﺻﺪق ﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ) ﺗﻄﺎﺑﻖ اﻟﻔﻜﺮة ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﺴﻲ ( ھﻲ اﻟﻤﻌﯿﺎر وإﻧﻤﺎ‬
‫اﻟﺼﻼﺣﯿﺔ أي اﻟﺘﻨﺎﺳﻖ و اﻟﺘﻼؤم ﺣﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ و اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت ‪ .‬و ھﺬا اﻟﺘﻼؤم ﯾﺘﻤﯿﺰ ﺿﺮورة‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺮوﻧﺔ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮫ دوﻣﺎ ﻟﻠﺘﻐﯿﺮ و اﻟﺘﻨﺴﯿﺐ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻐﯿﺮت اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت و اﻷوﻟﯿﺎت ‪ .‬و أن‬
‫ﯾﻜﻮن اﻟﻌﻠﻢ اﺳﺘﻨﺒﺎطﯿﺎ ) اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم إﻟﻰ اﻟﺨﺎص أي ﻣﻦ ﻓﻜﺮة ﻋﺎﻣﺔ ﻧﺴﺘﻨﺒﻂ واﻗﻌﺎ ﺧﺎﺻﺎ‬
‫ﯾﻼﺋﻤﮭﺎ ( ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺴﺘﻘﺮئ أﻓﻜﺎره ‪ ،‬أي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺴﺘﻨﺘﺞ أﻓﻜﺎرا ﻋﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﺠﺎرب أو‬
‫واﻗﻊ ﺧﺎص ‪ ) .‬ﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﻌﻠﻢ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ و إﻧﻤﺎ أﺻﺒﺢ ﯾﺬھﺐ إﻟﯿﮫ ( ‪.‬‬

‫ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻌﻠﻤﻲ ـ رﻏﻢ ﻗﯿﻤﺘﮫ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﻮرﻧﺘﮭﺎ‬
‫وأﻛﺴﻤﺘﮭﺎ و اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ و ﺑﻨﯿﺘﮭﺎ ـ ﻻ ﯾﻜﺘﺴﺐ دﻻﻟﺔ و ﻣﻌﻨﻰ ﻋﻠﻤﯿﺎ إﻻ إذا ﺗﺤﻮل إﻟﻰ‬
‫‪4‬‬
‫"ﻧﺸﺎط ﺗﻘﻨﻲ " وﻓﻖ ﺗﺴﻤﯿﺔ " ﺟﻮن ﻻدارﯾﺎر " و ھﻮ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺬي ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﺑﻌﺪا‬
‫ﺗﺠﺮﯾﺒﯿﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل إﺳﻘﺎطﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺪ ﺣﺴﻲ ـ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﻘﻨﻲ إذن ھﻮ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ‬
‫اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻈﻢ وﻓﻘﮫ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ واﻗﻊ ﺗﺠﺮﯾﺒﻲ ذو ﺻﺒﻐﺔ اﻓﺘﺮاﺿﯿﺔ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ أن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ذاﺗﮭﺎ‬
‫أﺻﺒﺤﺖ اﻓﺘﺮاﺿﯿﺔ ﻋﻘﻠﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ إﺑﺪاع ﻟﻮﺿﻌﯿﺎت ﺗﺠﺮﯾﺒﯿﺔ ﺗﺘﻼءم ﻣﻊ اﻷﻓﻜﺎر و اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت‬
‫اﻟﻤﺠﺮدة ‪ ،‬و ﺗﻘﻮم اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻻﻓﺘﺮاﺿﯿﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ رﻗﻤﯿﺔ ﺗﺒﻨﻲ اﻟﻨﻤﺎذج اﻓﺘﺮاﺿﯿﺎ ‪ ،‬ﻗﺼﺪ‬
‫ﺗﺒﺴﯿﻂ ﺻﻼﺣﯿﺘﮭﺎ و ﺗﯿﺴﯿﺮ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻧﺠﺎزھﺎ اﻟﻔﻌﻠﻲ ‪ ،‬و ھﻮ ﻣﺎ ﻣﻜﻨﺘﻨﺎ ﻣﻨﮫ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺤﺎﺳﻮب ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ﻧﻨﻤﺬج ؟ و ﻟﻢ ﯾﺒﻨﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﻧﻤﺎذﺟﮫ ؟ أي ﻣﺎ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﻣﻦ ﺑﺤﺜﮫ ﻋﻦ‬
‫ﻛﻨﻮز اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ إﻟﻰ ﺑﻨﺎﺋﮫ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ ؟ ﺗﺒﺪو اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ و اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻠﻤﻲ ھﻲ اﻟﻔﮭﻢ‬
‫ﻓﮭﻢ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﺒﻨﻲ ‪ ،‬و اﻟﻔﮭﻢ ھﻮ اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻷﺳﺒﺎب و اﻷھﺪاف و اﻟﻐﺎﯾﺎت‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ذﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻊ ) اﻟﻤﺮﻛﺐ ( ‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﯾﺤﯿﻂ ﺑﺎﻟﺠﺰء و ﯾﺨﺘﺰﻟﮫ ﻓﺈن اﻟﻔﮭﻢ ھﻮ اﻋﺘﺒﺎر‬
‫ﻟﻠﻜﻞ دون ﺗﺠﺰﺋﺔ ﺣﺘﻰ و إن طﺒﻖ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎ اﻹھﻤﺎل ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﯾﺆﻛﺪ " ﺟﻮن ﻟﻮﯾﺲ ﻟﻮﻣﻮاﻧﯿﮫ " أن‬
‫" اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻻ ﻣﺤﺪودة " ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ و اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻧﺤﻮ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﺗﺄوﯾﻠﯿﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺻﺪ‬
‫واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ و اﻟﺪﻻﻻت ‪ .‬إذن ﺳﺆال ﻟﻢ ﻧﻨﻤﺬج ؟ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﯿﻮﻟﻮﺟﻲ ‪ /‬ﻏﺎﺋﻲ ‪ /‬ﺗﺪاوﻟﻲ ﯾﻜﺸﻒ ﻋﻦ‬
‫أھﺪاف اﻟﻤﻨﻤﺬج و ﻏﺎﯾﺎﺗﮫ و رھﺎﻧﺎﺗﮫ اﻟﺘﻲ ﯾﻄﻤﺢ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﯿﻘﮭﺎ ‪ .‬ﻓﻼ ﻧﻤﻮذج دون ﻏﺎﯾﺔ ‪ ،‬و ﻣﻨﻄﻖ‬
‫اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ و اﻟﺤﯿﺎد اﻟﺤﺪﯾﺜﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺘﻼءم ﻣﻊ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﯿﻮم ‪،‬‬
‫وذات اﻟﻌﺎﻟﻢ ‪ /‬اﻟﻤﻨﻤﺬج أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﻦ ﺑﺪاﯾﺎﺗﮫ إﻟﻰ ﻧﮭﺎﯾﺎﺗﮫ ‪ .‬ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أن‬
‫اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺤﯿﺎد و إﻧﻤﺎ ھﻲ وﻋﻲ رﺟﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻘﺪراﺗﮫ و ﻛﻔﺎءاﺗﮫ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ‬
‫ووﻋﯿﮫ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﮫ اﻟﻤﺪروس ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ‪ ،‬و ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﻮﻋﻲ أﻛﺒﺮ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ‬
‫أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ‪.‬‬

‫ﺗﻘﻮدﻧﺎ اﻟﺬاﺗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ إذن إﻟﻰ اﻟﺘﺴﺎؤل ‪ :‬ﻣﻦ ﯾﺤﺪد ﻏﺎﯾﺎت اﻟﻨﻤﻮذج ؟ ھﻞ ھﻮ‬
‫اﻟﻤﻨﻤﺬج أم اﻟﻤﺴﺘﺨﺪم ﻟﻠﻨﻤﻮذج ؟ و ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﺗﺘﻢ ھﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ ؟ إن ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﻘﻮدﻧﺎ إﻟﻰ‬
‫ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﯿﻌﺎﺑﮫ ﻟﻤﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ‪ :‬أي ﺻﻮرة ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ ؟ ھﻞ ھﻲ ﺗﻘﺪم ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ‬
‫إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ؟ أﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ذاﺗﮭﺎ ﻧﻤﻮذﺟﺎ ﻣﻨﻘﻮﺻﺎ ؟‬

‫‪5‬‬
‫‪ 4‬ـ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ‪:‬‬

‫ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ إﻟﻰ أن ﻧﻐﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻌﻨﺎ ‪ ،‬ﺑﻌﺪ أن ﻛﻨﺎ ﻓﻲ داﺧﻞ ﺑﻨﯿﺘﮭﺎ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ‬
‫آﻟﯿﺎﺗﮭﺎ و ﻣﺒﺮراﺗﮭﺎ و ﺧﺼﺎﺋﺼﮭﺎ ‪ ،‬ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻧﻨﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج أي ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻧﻘﺪي‬
‫إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺮى ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺴﻤﺢ ﺑﮫ اﻟﺪاﺧﻞ ‪ ،‬ﻣﻦ ذﻟﻚ ‪:‬‬

‫‪ ‬اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ‪ ،‬إﻗﺮار ذو ﻗﯿﻤﺔ ﻣﻌﺮﻓﯿﺔ ﻛﺒﺮى ‪ ،‬ﻷﻧﮫ ﯾﻌﻨﻲ ﻣﻌﺮﻓﯿﺎ ‪،‬‬
‫أﻧﮫ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﯿﻞ ﯾﻮﺟﺪ دوﻣﺎ ﺷﻲء ﻟﻢ ﯾُﻘﻞ ﺑﻌﺪ ‪ ،‬و ھﻮ ﻣﺎ ﯾﻌﺘﺒﺮ داﻓﻌﺎ أﺳﺎﺳﯿﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ‬
‫و ﻟﻤﺰﯾﺪ اﻻﺑﺘﻜﺎر و اﻟﺨﻠﻖ و اﻟﺘﺨﯿﻞ ﻋﻠﻤﯿﺎ ‪ ،‬و أن ﻣﺴﺎر اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﻣﺴﺎر ﻻ‬
‫ﯾﻜﺘﻤﻞ اﻟﺒﺘﺔ ‪ .‬ﻓﻌﻦ طﺮﯾﻖ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﺗﺄﺳﺲ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ و اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﻮار ﻻ ﻣﺘﻨﺎھﻲ ﺟﻌﻞ‬
‫" ھﯿﺰﻧﺒﺮغ " ﯾﺆﻛﺪ أن " اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﺑﮭﺬه اﻟﻜﯿﻔﯿﺔ ﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ﻟﻮﺟﮭﺔ‬
‫ﻧﻈﺮ ـ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋﺎ ﻣﻦ ﺳﻮاھﺎ ـ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‬
‫واﻟﻮاﻗﻊ" و ﻓﻲ ذﻟﻚ وﺿﻊ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎر اﻟﺘﻄﻮر ﻧﺤﻮ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ ‪ ،‬ﻓﻜﺮ‬
‫ﻣﻔﺘﻮح ﯾﻘﺒﻞ داﺧﻠﮫ ﺟﻞ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ‬
‫ﻣﻄﺮودة ﻣﻦ داﺋﺮة اﻻﺳﺘﺤﻘﺎق اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ ‪.‬‬

‫‪ ‬اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ أﯾﻀﺎ أن إدراﻛﻨﺎ ﻟﻠﻮاﻗﻊ ﻟﯿﺲ ﺗﺎﻣﺎ ﻷﻧﮫ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺬھﻨﯿﺔ و اﻟﺤﺴﯿﺔ‬
‫ﻟﻠﻤﻨﻤﺬج و أﯾﻀﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮة اﻟﺘﻲ ﻣﻨﮭﺎ ﯾﻨﻈﺮ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻊ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﯿﻮم‬
‫أﺻﺒﺢ " ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻘﺒﻮل " ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻗﻮل " ﺑﻮل ﻓﺎﯾﺮاﺑﺎﻧﺪ " و ھﻮ اﻟﻤﺒﺪأ اﻟﻮﺣﯿﺪ‬
‫اﻟﺬي ﯾﺠﺐ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﮫ ﺑﺪل اﻟﻮﺿﻮح و اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ و اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ‪ ،‬ﻧﻈﺮا ﻷﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ‬
‫ﯾﻮﺟﺪ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﺗﺘﻮاﻓﻖ ﻛﻠﯿﺎ ﻣﻊ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﻮاﻗﻊ ﯾﺘﻼءم ﻛﻠﯿﺎ ﻣﻊ اﻟﻔﺮﺿﯿﺎت‬
‫واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ‪.‬‬

‫‪ ‬و ﺑﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻔﺼﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھﻮ إﻧﺴﺎﻧﻲ ‪ ،‬ﻷﻧﮫ ھﻮ ذاﺗﮫ إﻧﺘﺎج إﻧﺴﺎﻧﻲ‪،‬‬
‫ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﻧﺘﻔﻖ ﻣﻊ " ﻟﻮي دو ﺑﺮوي " ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺜﮫ ﻋﻦ اﻟﻮﺟﮫ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻟﻠﻌﻠﻢ ‪،‬‬
‫واﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﻤﻨﺤﮫ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ إﺷﺒﺎع ﻟﻐﺮﯾﺰة ﻏﺰو اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدي ﻋﻦ طﺮﯾﻖ‬
‫اﻟﺬﻛﺎء‪ ،‬ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﯿﮫ وﻓﻖ ﻣﺨﻄﻄﺎت ﺳﯿﺒﺎرﻧﯿﻄﯿﻘﯿﺔ ﺗﻮظﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و ﺗﻠﻚ‬
‫اﻟﻤﺸﺎرﯾﻊ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻹﻧﺴﺎن ‪ ،‬و ھﺬا ﻛﻠﮫ ﯾﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺼﺮاع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ‬
‫اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﺘﺨﻔﯿﻒ ﻣﻦ آﻻﻣﮭﺎ ﻋﺒﺮ ﺗﺤﺴﯿﻦ ظﺮوف اﻟﻌﯿﺶ ﻓﯿﮭﺎ ‪ .‬وﻟﯿﺲ‬
‫‪6‬‬
‫طﻤﻮح اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ زﯾﺎدة اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ إﻻ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة‬
‫و"اﻟﻔﺮح اﻟﻤﻘﺪس ھﻮ ﻓﺮح اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﻔﮭﻢ " ) ﻟﻮي دو ﺑﺮوي ( ‪.‬‬

‫ﻏﯿﺮ أن ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻹﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ‪ ،‬و روح اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻨﻘﺪي ‪ ،‬ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻧﻐﯿﺮ اﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻦ‬
‫ﺟﺪﯾﺪ و إﻟﻰ أن ﻧﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﻮة ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻨﺘﺴﺎءل ‪ :‬ھﻞ أن ﻣﺎ ﺣﻘﻘﮫ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻧﺠﺎﺣﺎت ﻓﻲ ﺿﻮء‬
‫إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ‪ /‬اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﺔ ﯾﻌﺪ ﺣﺠﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ و ﺑﯿﺎن ﻟﻘﯿﻤﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺗﻄﻮر‬
‫أم أن ذﻟﻚ ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺨﻔﻲ ﻋﻨﺎ ﻣﺎ ﯾﺘﻮارى ﺧﻠﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺠﺎﺣﺎت ﻣﻦ أزﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﺟﻞ اﻟﻤﺴﺘﻮﯾﺎت‬
‫)ﻣﻌﺮﻓﯿﺔ ‪ ،‬أﺧﻼﻗﯿﺔ ‪ ،‬ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ‪ ،‬دﯾﻨﯿﺔ ‪ ( ...‬؟ ﻓﯿﻢ ﺗﺘﻤﺜﻞ ھﺬه اﻷزﻣﺎت ؟ و ھﻞ ﻣﻦ ﻣﺠﺎل ﻟﺘﺠﺎوزھﺎ‬
‫أو ﺗﺬﻟﯿﻠﮭﺎ ؟‬

‫‪ ‬إن ﻓﻲ اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ‪ ،‬إﻗﺮار ﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻣﻦ‬
‫ﻣﺨﺎطﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ ذاﺗﮫ و ﻋﻠﻰ ﻗﯿﻤﺔ ﻣﺎ ﯾﻨﺘﺠﮫ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرف ‪ ،‬ذﻟﻚ أن اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﺪم ﺛﺒﺎت‬
‫اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﺒﻨﯿﺔ ‪ ،‬و ﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮭﺎ دوﻣﺎ ﻟﻠﺘﻜﺬﯾﺐ ‪ ،‬ﻏﯿﺮ أن ذﻟﻚ اﻹﻗﺮار ﻗﺪ ﯾﻔﻘﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺛﻘﺘﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻠﻢ و ﯾﺼﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻣﺸﻜﻮك ﻓﯿﮫ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﯾﺴﻘﻂ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺿﺮب ﺟﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺒﯿﺔ‬
‫اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ‪ ،‬و اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻨﻲ ﻣﻊ اﻟﺮﯾﺒﯿﯿﻦ ‪ ،‬ﻋﺪم ﻗﺪرة اﻟﻌﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮغ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ‬
‫ﻧﻈﺮا ﻟﻌﺠﺰه ﻋﻦ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﺨﻄﺄ و ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ‪ ،‬و ﯾﺒﺪو اﻷﻣﺮ‬
‫ھﻮ ذاﺗﮫ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﺿﻮء ھﺬه اﻹﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﺔ ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ‬
‫اﻟﺼﺎﻟﺢ و اﻟﻐﯿﺮ ﺻﺎﻟﺢ أو ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ و اﻟﺨﺎطﺊ ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﺠﺎوز اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ‪ ،‬و ﻋﺪم اﻋﺘﺮاﻓﮫ ﺑﻘﺎﻧﻮن اﻟﺤﯿﺎد ‪ ،‬و إﻗﺮاره ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺗﻀﻤﯿﻦ ﻏﺎﯾﺎت اﻟﻤﻨﻤﺬج ﻓﻲ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج ‪ ،‬إﻗﺮار ﻗﺪ ﯾﻌﯿﺪ اﻟﻌﻠﻢ إﻟﻰ داﺋﺮة‬
‫اﻻﺗﮭﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺎول طﻮﯾﻼ اﻟﺘﻤﻠﺺ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺪﻋﻮة اﻟﺤﯿﺎد و اﻟﻼﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ‬
‫اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻼﻋﻠﻤﯿﺔ ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﮫ ‪ .‬و ھﻲ ﺗ ُ َﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﺗﻔﺎدﯾﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻌﺪ‬
‫اﻟﺘﺪاوﻟﻲ ﻟﻠﻌﻠﻢ ‪ ،‬و ھﺬا ﻣﺎ أﺷﺎر إﻟﯿﮫ " إدﻏﺎر ﻣﻮران " ﺣﯿﻦ ﺑﯿﻦ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﯿﺶ " ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻠﻢ‬
‫اﻟﻀﺨﻢ ‪ ،‬و اﻟﺘﻘﻨﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻮﻧﺖ ﺳﻠﻄﺔ ﺟﺒﺎرة " و ﻟﻜﻦ رﻏﻢ أن ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت‬
‫و اﻟﺘﻘﻨﯿﺎت ﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ داﺧﻞ ﻣﺨﺎﺑﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﺈن اﻟﻐﺮﯾﺐ ﻓﻌﻼ أن " اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﺠﺮدون ﺗﻤﺎﻣﺎ‬
‫ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﻠﻄﺎت " ﻧﻈﺮا ﻷن ھﺬه اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻗﺪ ﺗﻤﺮﻛﺰت ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺑﯿﻦ أﯾﺎدي اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت‬
‫و اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ‪ .‬ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أن ﺣﺎﺟﺰ اﻟﺤﯿﺎد ﻗﺪ اﻧﮭﺎر و أن ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ‬

‫‪7‬‬
‫و اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻗﺪ أُﺑﺮم ‪ ،‬و اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺪﻋﻲ اﻟﺤﯿﺎد أﺻﺒﺢ ﻣﻮرطﺎ إﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎ و " اﻟﻌﻠﻤﺎء‬
‫ھﻢ ﻓﺎﻋﻠﻮن ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ و اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ " ) إدﻏﺎر ﻣﻮران ( ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻟﻌﻠﮫ ھﺬا ھﻮ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺘﺮاﺟﯿﺪي اﻟﺬي ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻨﮫ " أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ " ﺣﯿﺚ اﻧﺤﺮف اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ‬
‫ﻣﺴﺎره اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ و اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ و " ﺻﻨﻊ ﺑﺠﮭﺪ ﯾﻜﺎد ﯾﻔﻮق اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ أﺳﻠﺤﺔ اﺳﺘﺒﻌﺪﺗﮫ‬
‫اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺎ و ﻣﺤﻘﺖ ﺷﺨﺼﯿﺘﮫ " ﻟﺬﻟﻚ ﯾﻤﺎﺛﻞ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ و اﻟﺠﻨﺪي اﻟﺬي ﯾﻀﺤﻲ‬
‫ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ و ﯾﺤﻄﻢ ﺣﯿﺎة اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ‪ ،‬ﻷن " اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﻟﯿﻨﺼﺎع ﺗﺤﺖ اﻷواﻣﺮ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬
‫إﻟﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ " ‪ .‬ھﺬه إذن ﺻﻮرة اﻟﻌﻠﻢ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ‬
‫ﺿﻮء ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻠﺔ ‪ " ،‬ﺻﻮرة ذات اﻟﻮﺟﮭﺘﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﮭﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﺴﻠﻄﺔ ﺑﻤﺎ ھﻤﺎ‬
‫وﺟﮭﺎن ﻟﻤﺴﺄﻟﺔ واﺣﺪة ‪ .‬ﻓﻤﻦ ذا اﻟﺬي ﯾﻘﺮر ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻧﮫ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ؟ و ﻣﻦ ذا اﻟﺬي ﯾﻘﺮر ﻣﺎ ھﻮ‬
‫اﻷﻧﺴﺐ ﻟﻠﻘﺮار ؟ إن ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻹﻋﻼﻣﯿﺔ ھﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي‬
‫وﻗﺖ " ) ﻟﯿﻮﺗﺎر ( ‪.‬‬

‫ﺻﻔﻮة اﻟﻘﻮل إذن ﻣﻊ " ﺟﻮن روﺳﺘﻮن " " ﻟﻘﺪ ﺟﻌﻞ ﻣﻨﺎ اﻟﻌﻠﻢ آﻟﮭﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻜﻮن ﺟﺪﯾﺮﯾﻦ‬
‫ﺑﺈﻧﺴﺎﻧﯿﺘﻨﺎ " ﻗﻮل ﯾﺘﻀﻤﻦ دﻋﻮة ﺻﺮﯾﺤﺔ ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻘﯿﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ‪ ،‬واﻋﺘﺒﺎرھﺎ اﻟﻤﻌﯿﺎر‬
‫اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻜﻞ إﻧﺘﺎج ﻣﻌﺮﻓﻲ ‪ ،‬ﻷن " اﻟﻌﻠﻢ دون دﯾﻦ أﻋﺮج و اﻟﺪﯾﻦ دون ﻋﻠﻢ أﻋﻤﻰ "‬
‫)أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ( و ﻷن ﻛﺬﻟﻚ " أي ﻋﻠﻢ ﯾﺘﺼﻮر ﻧﻔﺴﮫ ﻣﺘﺤﺮرا ﻣﻦ اﻟﻘﯿﻢ ھﻮ ﻋﻠﻢ ﺑﺎل و ﻗﺪﯾﻢ"‪.‬‬
‫) ﺳﻔﺮﯾﻨﺲ ( ‪ .‬ﺑﻘﻲ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻘﻂ أن ﻧﺤﺪد ﻣﺠﺎل ھﺬه اﻟﻘﯿﻢ و ﻧﻀﻊ أﺳﺴﮭﺎ ﻟﺘﻜﻮن أﻓﻀﻞ‬
‫ﻣﻌﯿﺎر دون أن ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ذﻟﻚ دﻋﻮة ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻠﻢ و ﺗﺤﻄﯿﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻧﺠﺰه اﻟﻌﻘﻞ‬
‫اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫اﻟﻌﻠــﻢ ﺑﯿـﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘــﺔ و اﻟﻨﻤﺬﺟــﺔ‬
‫ﻷن اﻻﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺬي ﯾﺘﻨﺎول ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺎھﺠﮫ و ﺣﻘﺎﺋﻘﮫ و ﻧﺘﺎﺋﺠﮫ و ﻋﻼﻗﺎﺗﮫ ‪ ،‬ﻓﺈن ھﺬا اﻟﻌﻨﻮان ﻋﺒّﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ‬
‫اﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ﯾﺘﻨﺎول ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ ﻣﺎ ﺷﮭﺪه اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺘﻮﯾﺎﺗﮫ ﻣﻦ ﺗﻄﻮر و ﺗﺤﻮل ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﻛﺎن ھﺎﺟﺴﮫ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ و ﻛﺄﻧﮭﺎ ﻛﻨﺰ ﺧﻔﻲ ‪ ،‬إﻟﻰ ﻋﻠﻢ أﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮫ‬
‫ﺑﻨﺎء ﻧﻤﺎذﺟﮫ وﻓﻖ ﻣﺎ أﻗﺮه ﺑﻮل ﻓﺎﻟﯿﺮي " ﻟﯿﺴﺖ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻛﻨﻮزا ﻧﻜﺘﺸﻔﮭﺎ ‪ ،‬ﺑﻞ ﺑﻨﺎءات " ﻟﺬﻟﻚ ﯾﺘﺴﺎءل اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻻﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ‪ :‬ﻣﺎ ھﻲ أﺳﺒﺎب ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ و ذﻟﻚ‬
‫اﻟﺘﺤﻮل ؟ ھﻞ ھﻲ أﺳﺒﺎب ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺪ أﺟﺒﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ أم ھﻲ ﻧﺘﺎج طﺒﯿﻌﻲ ﻟﻜﻞ ﻓﻜﺮ إﻧﺴﺎﻧﻲ ؟ ﻣﺎ ﻣﻈﺎھﺮ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ و ﻣﺴﺘﻮﯾﺎﺗﮭﺎ ؟ و ﻣﺎ ھﻲ ﺗﺒﻌﺎﺗﮭﺎ ﺳﻮاء‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ أو اﻹﻧﺴﺎن ؟‬

‫ﻣﺒﺮرات ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ‬

‫ﺗﻌﻮد ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻢ إﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺮرات ﻣﻦ أھﻤﮭﺎ ‪ :‬ظﮭﻮر ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻊ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ أن اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ أﺻﺒﺤﺖ‬
‫ﺗﻐﯿﺮ ﻣﻮاﻗﻌﮭﺎ و دﻻﻻﺗﮭﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ‪ ،‬ﻓﻜﯿﻒ ﺳﻨﻔﻜﺮ ﺑﻌﺪ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ‪ ،‬و ﻓﯿﻢ ؟ ‪ /‬ﺗﺤﻮل ﻓﻲ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﻦ واﻗﻊ ﻣﻌﻘﺪ ) ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮ‬
‫وﺧﺼﺎﺋﺺ ﯾﻤﻜﻦ اﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ واﺣﺪة ‪ :‬ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰل ﺧﺼﺎﺋﺺ ظﺎھﺮة ﺳﻘﻮط اﻷﺟﺴﺎم ﻣﻦ ﺛﻘﻞ و ﺳﺮﻋﺔ و زﻣﻦ ‪ ...‬ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ واﺣﺪة ﺗﻔﺴﺮھﺎ وھﻲ‬
‫اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ ( إﻟﻰ واﻗﻊ ﻣﺮﻛّﺐ ﯾﺤﺪده إدﻏﺎر ﻣﻮران ﺑﺄﻧﮫ ذﻟﻚ اﻟﺘﺪاﺧﻞ ﺑﯿﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﺘﻨﺎﻓﺮة ﻟﻈﺎھﺮة ﻣﺎ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻣﺠﺎل ﻻﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ و إﻧﻤﺎ ﻧﻜﻮن أﻣﺎم ﺧﯿﺎرﯾﻦ ‪ :‬إﻣﺎ أن‬
‫ﻧﺪرﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﯿﺘﮭﺎ أو أن ﻧﻄﺒﻖ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎ اﻹھﻤﺎل ﻋﻠﯿﮭﺎ ‪ :‬اﻟﺬرة ﻣﺜﻼ واﻗﻊ ﻣﺮﻛﺐ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻧﺪرس اﻟﺴﺮﻋﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن و ﻻ اﻟﻄﺎﻗﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ و ﻻ اﻟﺜﻘﻞ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ أﯾﻀﺎ ( ‪ /‬وﻻدة دراﺳﺎت ﺟﺪﯾﺪة ﻣﻊ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘﺮن ‪ 19‬ﻋﺸﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﺗﺨﺬت ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ‬
‫ﻟﮭﺎ و ﺗﻄﻤﺢ ﻷن ﺗﻨﺎل ﺷﺮف اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻓﯿﻮﻟﺪ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ و ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ و ﻋﻠﻰ اﻻﺟﺘﻤﺎع و ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ ‪ / ...‬اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﻘﻨﻲ و اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﺬي اﺟﺘﺎح‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ و ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺤﺎﺳﻮب اﻟﺬي ﻣﺜﻞ ﺛﻮرة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أﻧﮫ أﺻﺒﺢ آﻟﯿﺔ ﻣﻦ آﻟﯿﺎت اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺣﯿﺚ أﺻﺒﺢ ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﺗﺠﺮﺑﺘﮫ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻤﻜﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺤﺎﺳﻮب ﺑﺄﻗﻞ ﻣﺠﮭﻮد ﻣﻤﻜﻦ و ﺑﺄﻗﻞ ﺗﻜﻠﻔﺔ ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﻨﻘﻠﺔ‬

‫إﻟـــــﻰ‬ ‫ﻣـِـــــﻦ‬

‫‪ .1‬ﻣﻨﮭﺞ اﺳﺘﻨﺒﺎطﻲ ‪ :‬ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر و اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻌﺎﻣﺔ‬ ‫‪ .1‬ﻣﻨﮭﺞ اﺳﺘﻘﺮاﺋﻲ ‪ :‬ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ وﻗﺎﺋﻊ ﺗﺠﺮﯾﺒﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﯿﺴﺘﻨﺘﺞ‬
‫ﻟﯿﺴﺘﻨﺘﺞ ﻟﮭﺎ وﻗﺎﺋﻊ ﺗﻼﺋﻤﮭﺎ ‪.‬‬ ‫أﻓﻜﺎرا ﻋﺎﻣﺔ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻌﮭﺎ ‪.‬‬

‫‪ .2‬اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺼﻼﺣﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﺗﻼؤم اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻊ اﻟﻔﻜﺮة واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‬ ‫‪ .2‬اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﺗﻄﺎﺑﻖ اﻟﻔﻜﺮة ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﻄﻰ‬
‫ﻣﻊ اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت ‪ ) .‬اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ اﻟﻼإﻗﻠﯿﺪﯾﺔ (‬ ‫و اﻟﺤﺴﻲ ‪ ) .‬اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ اﻹﻗﻠﯿﺪﯾﺔ (‬

‫‪ .3‬واﻗﻊ اﻓﺘﺮاﺿﻲ ﻧﺘﺎج ﺗﻤﺜﻼت اﻟﺬات اﻟﺒﺎﺣﺜﺔ و ﺧﯿﺎﻻﺗﮭﺎ ‪.‬‬ ‫‪ .3‬واﻗﻊ ﻣﻌﻄﻰ و راھﻦ ﯾﻔﺮض وﺟﻮده ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺣﺚ ‪.‬‬

‫‪ .4‬ذاﺗﯿﺔ ﺣﺮة ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮر و اﻟﺨﯿﺎل ﻓﻲ ﺣﺪود‬ ‫‪ .4‬ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎد اﻟﺬات ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ إزاء‬
‫وﻋﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺬات ﺑﻘﺪراﺗﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ ﻣﻮﺿﻮﻋﮭﺎ‬ ‫اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﺎﺳﺘﺒﻌﺎد اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻤﺴﺒﻘﺔ و اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ‪.‬‬ ‫واﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺬاﺗﯿﺔ ‪.‬‬

‫‪ .5‬وﻗﺎﺋﻊ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺗﺘﺪاﺧﻞ ﻓﻲ إطﺎرھﺎ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺘﻨﺎﻓﺮة ﺗﺸﻜﻞ ﻧﺴﯿﺠﺎ‬ ‫‪ .5‬وﻗﺎﺋﻊ ﻣﻌﻘﺪة ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ اﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ‬
‫و ﻧﺴﻘﺎ و ﺑﻨﯿﺔ ﻣﺘﺤﻮﻟﺔ و ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺧﺘﺰال ‪ ) .‬ﻣﺜﺎل اﻟﺬرة (‬ ‫ﻓﻲ ﺣﻘﯿﻘﺔ واﺣﺪة و ﻧﮭﺎﺋﯿﺔ ) ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ ﻟﻨﯿﻮﺗﻦ (‬

‫‪ .6‬وﻗﺎﺋﻊ ﯾﻤﻜﻦ ﻓﮭﻤﮭﺎ و ﺗﺄوﯾﻠﮭﺎ ﺑﺈرﺟﺎﻋﮭﺎ إﻟﻰ أﺳﺒﺎﺑﮭﺎ اﻟﻤﺘﻐﯿﺮة ‪.‬‬ ‫‪ .6‬وﻗﺎﺋﻊ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮھﺎ ﺑﺈرﺟﺎﻋﮭﺎ إﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮن ﻋﺎم دﻗﯿﻖ و ﻧﮭﺎﺋﻲ ‪.‬‬

‫‪ .7‬ﺣﻘﯿﻘﺔ اﺣﺘﻤﺎﻟﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﻧﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ‬ ‫‪ .7‬ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺣﺘﻤﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ إطﻼﻗﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺗﻤﻜﻦ‬
‫ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﻮﻗﻌﺎت و اﻓﺘﺮاﺿﺎت ﻣﻤﻜﻨﺔ ‪.‬‬ ‫ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺒﺆ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻈﺎھﺮة اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ‪.‬‬

‫‪ .8‬ﻟﻐﺔ ﺗﺘﺮاوح ﺑﯿﻦ ﺧﻄﺎب ﻛﻤﻲ و ﺧﻄﺎب ﻛﯿﻔﻲ ) أدﺑﻲ ( ‪.‬‬ ‫‪ .8‬ﻟﻐﺔ رﯾﺎﺿﯿﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻟﻜﻞ ﺧﻄﺎب ﻋﻠﻤﻲ ‪.‬‬

‫‪ .9‬ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻧﺒﻨﯿﮭﺎ ‪.‬‬ ‫‪ .9‬ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻧﻜﺘﺸﻔﮭﺎ‬

‫‪2‬‬
‫ﻣﺜﻠﺖ ھﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ أﺳﺲ اﻟﺒﺎرادﯾﻐﻢ اﻟﺒﻨﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﯾﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻣﺜﻠﺖ ھﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ أﺳﺲ اﻟﺒﺎرادﯾﻐﻢ اﻟﻮﺿﻌﻲ اﻟﺬي ﻗﺪم‬
‫ﻗﺎﺑﻠﯿﺔ ﻛﻞ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ إﻟﻰ أن ﺗُﺒﻨﻰ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻧﻈﺮا لﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮭﺎ ﻟﻠﺘﻜﺬﯾﺐ‬ ‫ﻧﻔﺴﮫ ﻟﺴﺎن دﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻢ و ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﻘﺪّس ﻛﻞ‬
‫ﺣﺴﺐ ﻛﺎرل ﺑﻮﺑﺮ ‪ ،‬و ﻗﯿﻤﺔ ﻛﻞ ﺣﻘﯿﻘﺔ أو ﻧﻤﻮذج ﯾﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺗﻄﻮره و ﺗﺠﺪده‬ ‫ﺑﺤﺚ ﻋﻠﻤﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﯿﺮ أوﻗﯿﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ " إﻧﺠﯿﻼ‬
‫ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ‪.‬‬ ‫ﺟﺪﯾﺪا " ﺣﻘﺎﺋﻘﮫ ﻻ ﺷﻚ ﻓﯿﮭﺎ و ﻣﺼﺎدره ﻣﻨﺰھﺔ ﻋﻦ أي ﺧﻄﺄ أو ﺷﺎﺋﺒﺔ ‪.‬‬

‫ﺗﺒﻌﺎت ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ‬

‫اﻟﺴﻠﺒﯿﺔ‬ ‫اﻹﯾﺠﺎﺑﯿﺔ‬

‫ﺧﻄﻮرة اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ ‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﻼل زﻋﺰﻋﺔ ﺛﻘﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ‬ ‫اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و ﺑﺄن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﯿﻞ ﯾﻮﺟﺪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾُﻘﻞ‬
‫اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﮭﺎ و ﯾﮭﺪد اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻀﺮب ﻣﻦ رﯾﺒﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﺗﻌﻠﻦ‬ ‫ﺑﻌﺪ داﻓﻊ ﻟﻺﺑﺪاع اﻟﻌﻠﻤﻲ و اﻟﺨﻠﻖ و اﻻﺑﺘﻜﺎر و اﻟﺨﯿﺎل ﻓﻲ ﻣﺴﺎر ﻻ‬
‫ﺻﺮاﺣﺔ ﻋﺠﺰ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻦ ﺑﻠﻮغ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ‪ /‬ﺗﺠﺎوز ﻣﻨﻄﻖ‬ ‫ﯾﻜﺘﻤﻞ ﻟﺤﻮار ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ و اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ ‪ /‬اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ أن " ﻛﻞ‬
‫اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ و اﻻﺳﺘﮭﺘﺎر ﺑﻤﺒﺪأ اﻟﺤﯿﺎد ﯾﻀﻌﺎن اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﻓﻲ داﺋﺮة‬ ‫ﺷﻲء ﻣﻘﺒﻮل " ) ﺑﻮل ﻓﺎﯾﺮاﺑﺎﻧﺪ ( و ﻛﻞ ﻧﻤﻮذج ھﻮ ﻧﻈﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل‬
‫اﻻﺗﮭﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮم ﺣﻮل اﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻻت اﻟﻼ إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ و ﺗﺤﺎﻟﻒ‬ ‫ﻛﻮة ﻻ ﻧﺮى ﻣﻨﮭﺎ إﻻ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﮫ و ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻐﯿﺮت وﺟﮭﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﺗﻠﻚ‬ ‫ّ‬
‫اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ و ﺻﺎﺣﺐ و اﻟﺴﻠﻄﺔ و اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ و اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ‬ ‫ﺗﻐﯿﺮت اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ‪ /‬ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻨﮭﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‬
‫اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺪي ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي ﺿﺤﻰ ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و ﻗﺘﻞ‬ ‫وﻣﺰﯾﺪ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻗﺼﺪ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ و " ﯾﻜﻮن ﺳﯿﺪا ﻋﻠﻰ‬
‫اﻵﺧﺮﯾﻦ " اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﻟﯿﻨﺼﺎع ﺗﺤﺖ اﻷواﻣﺮ ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إﻟﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﺘﻄﻮر‬ ‫اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ و ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﮭﺎ " ) دﯾﻜﺎرت ( و ﻓﻖ ﻣﺨﻄﻄﺎت ﺳﯿﺒﺎرﻧﯿﻄﯿﻘﯿﺔ‬
‫اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ " ) أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ( ‪ /‬اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ‬ ‫ھﺎﺟﺴﮭﺎ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺤﻜﻢ و اﻟﻘﯿﺎدة ‪ /‬ﺗﺬﻟﯿﻞ ذﻟﻚ اﻟﺼﺮاع‬
‫اﻟﻨﺠﺎﻋﺔ و اﻟﻤﺮدودﯾﺔ و اﺳﺘﺒﻌﺎد اﻟﻘﯿﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ) اﻟﺤﺮﯾﺔ و اﻟﻌﺪاﻟﺔ‬ ‫اﻟﻘﺪﯾﻢ ﺑﯿﻦ اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺧﻠﻖ ﺣﯿﺎة اﻟﺮﻓﺎه ﻋﺒﺮ ﺗﺤﺴﯿﻦ‬
‫واﻟﻤﺴﺎواة و اﻟﻜﺮاﻣﺔ ‪( ...‬‬ ‫ظﺮوف اﻟﻌﯿﺶ و ﺧﻠﻖ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﺴﻌﺎدة ﺣﯿﺚ أن " اﻟﻔﺮح اﻟﻤﻘﺪّس‬
‫ھﻮ ﻓﺮح اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﻔﮭﻢ " ) ﻟﻮي دو ﺑﺮوﻟﻲ (‬
‫ﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﺤﻞ ھﻮ إﻋﺎدة رﺑﻂ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻠﻢ و ﻋﺎﻟﻢ‬
‫اﻟﻘﯿﻢ " اﻟﻌﻠﻢ دون دﯾﻦ أﻋﺮج و اﻟﺪﯾﻦ دون ﻋﻠﻢ أﻋﻤﻰ " ) أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ(‬

‫‪3‬‬
‫اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ‪ :‬إن ﻃﺮح ﻣﺸﻜﻞ دﻻﻟﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻤﺸﻜﻞ اﻟﻘﻴﻢ ﻗﺪ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻔﻀﺎء‬
‫ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻗﻴﻤﻲ ﻣﻦ ﻋﻼﻗـﺎت و ﺛﻨﺎﺋﻴﺎت ﺗﺸﻜﻞ داﺧﻠﻪ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺎت و اﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﻋﺪل و ﻇﻠﻢ ودﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‬
‫و اﺳﺘﺒﺪاد و ﺳﻴﺎدة و ﻣﻮاﻃﻨﺔ ‪ . ...‬و ﻫﺬﻩ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﺗﺜﻴﺮ إﺷﻜﺎﻻ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ و ﻃﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﻋﻤﻠﻬﺎ و اﻟﻐﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪف إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ‪ .‬ﻓـﺈذا وﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﻴﺎدة ﻟﻐﺔ ﻣﻦ ﺳﻮد ﻳﺴﻮد ﻗﻮﻣﻪ أي‬
‫ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟﺎﻫﺎ و ﻣﻜﺎﻧﺔ و ﻣﻨﺰﻟﺔ أو ﻏﻠﺒﺔ و ﻗﻮة و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ و اﻛﺘﺴﺎب‬
‫اﻟﺴﻴﺎدة ‪ .‬ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﺗﺤﻴﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻻﺻﻄﻼﺣﻴﺔ ﻟﻠﻔﻆ اﻟﺴﻴﺎدة ﺑﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ‬
‫ﺗﻌﺮف ﺳﻠﻄﺔ ﻋﻠﻴﺎ أﺧﺮى ﺗﺸﺎرﻛﻬﺎ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗـﺎت ‪ .‬و ﻟﺬﻟﻚ ارﺗﺒﻂ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﻴﺎدة ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ دﻻﻟﺘﻬﺎ‬
‫اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ أﻧﻬﺎ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻟﻪ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ و اﻟﻴﺪ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻋﻠﻰ إﻗـﻠﻴﻤﻬﺎ و ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺪ‬
‫ﻓﻮﻗﻪ أو ﻓﻴﻪ ‪ ،‬ﻓﻬﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ و اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮدت وﺣﺪﻫﺎ ﺑﺈﻧﺸﺎء اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻤﻠﺰم اﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷﺷﻴﺎء و اﻷﻓﻌﺎل و ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ ﻓـﺈن ﺳﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ﻫﻲ اﻟﺼﻼﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪد ﺣﻘﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ و اﻟﺘﻲ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻄﺎق اﻹﻗـﻠﻴﻤﻲ ﻟﻬﺎ ﻛﺤﻤﺎﻳﺔ ﺣﺪودﻫﺎ و اﻟﺤﻔـﺎظ ﻋﻠﻰ أﻣﻨﻬﺎ و ﻣﻤﺎرﺳﺔ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ دون ﺗﺪﺧﻞ‬
‫ﺧﺎرﺟﻲ أو ﺿﻐﻮط ‪.‬‬

‫ﻏﻴﺮ أن ﻣﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﻫﻮ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺤﺎﺻﻞ داﺧﻞ اﻟﺴﻴﺎدة ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎدة‬
‫اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ و اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ‪ ،‬اﻷوﻟﻰ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎرس وﻓﻘـﺎ ﻟﻠﻘـﺎﻧﻮن اﻟﺸﺮﻋﻲ ‪،‬‬
‫ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻀﻤﻦ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻣﻦ و اﻟﺴﻼم واﻻﻧﺘﻤﺎء و اﻟﺤﺮﻳﺔ و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺤﻘﻮق ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺘﻌﻨﻲ اﻟﻘﻮة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻘﻴﺪة ‪ ،‬أي اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﻓﺮض اﻟﻄﺎﻋﺔ اﺳﺘﻨﺎدا‬
‫إﻟﻰ ﻗﻮة اﻹرﻏﺎم و اﻟﻘﺴﺮ و اﻟﻌﻨﻒ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻬﺪد ﺣﻖ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ‪.‬‬

‫‪ I‬ـ ﺳﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ‪ :‬ﺿﻤﺎن ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﺔ أم ﻧﻔﻲ ﻟﻬﺎ ؟‬

‫ﻧﻤﺲ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺆال ﻣﺸﻜﻼ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ﻧﻈﺮا ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻄﺮح ﻣﻔـﺎرﻗﺔ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ‪ ،‬ﺣﻴﺚ‬
‫أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺿﻤﺎن وﺟﻮدﻫﺎ و ﻛﻴﺎﻧﻬﺎ إﻻ ﺑﻤﺤﺎﻓﻈﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ‪ ،‬أي أن ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﺑﺄي ﺗﺪﺧﻞ‬
‫ﻓﻲ ﺷﺆوﻧﻬﺎ و أن ﺗﻜﻮن ﻟﻬﺎ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﻗﺮاراﺗﻬﺎ ‪ ،‬و ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻰ أي دوﻟﺔ أن ﺗﻮﺟﺪ‬
‫ﻓﻲ ﻏﻴﺎب اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﺳﻮاء ﻛﺠﺰء ﻣﻦ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ أو ﻛﻤﺘﻘﺒﻞ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎدة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ أن ﺗﺘﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﻔﻆ ﺳﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ دون اﻟﻤﺴﺎس‬
‫ﺑﺤﻘﻮق اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ؟ ﻫﻞ ﻳﻜﻮن اﻟﻘـﺎﻧﻮن دوﻣﺎ ﺣﺎﻓﻈﺎ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﺔ و ﺣﺎﻣﻴﺎ ﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ؟‬

‫‪ 2‬ـ اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺿﻤﺎن ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﺔ ‪:‬‬

‫ﺗﺤﺪد اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺳﻠﻄﺔ ﻗـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﺗﻤﻠﻚ دون ﻣﻨﺎزع اﻟﺤﻖ اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ‬
‫اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻻﻟﺘﺰام و اﻟﺨﻀﻮع ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻳﺤﺪدﻩ اﻟﻘـﺎﻧﻮن ‪ .‬و اﻟﻘـﺎﻧﻮن ﻫﻮ ﻣﺠﻤﻞ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﺮﻋﻬﺎ‬
‫اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ اﻟﻌﻘـﻞ اﻟﺴﻠﻴﻢ و ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺎﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ و ﻳﻠﺘﺰم اﻷﻓﺮاد ﺑﺘﻄﺒﻴﻘﻪ ‪ .‬و ﻳُﻨﺘﻬﻚ‬
‫اﻟﻘـﺎﻧﻮن ﺣﻴﻦ ﻳﻌﻤﺪ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ إﻟﻰ إﻟﺤﺎق اﻟﻀﺮر ﺑﺄﺣﺪ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ راﻓﻀﺎ أواﻣﺮ اﻟﺤﺎﻛﻢ ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺣﺎل ﺣﻈﺮ اﻟﻘـﺎﻧﻮن ﺗﺄﺳﺲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ‪ ،‬ﻛﻨﻈﺎم ﻏﺎﻳﺘﻪ ﺗﺨﻠﻴﺺ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺳﻴﻄﺮة اﻟﺸﻬﻮة‬
‫اﻟﻌﻤﻴﺎء و اﻹﺑﻘـﺎء ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﻌﻘـﻞ و ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻌﻴﺶ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻲ وﺋﺎم و ﺳﻠﻢ ‪ .‬ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن‬
‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ رﻏﺒﺔ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ أو ﺗﻌﺒﻴﺮا ﻋﻦ ﺷﻬﻮات ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن و إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺻﻮت اﻟﻌﻘـﻞ‬
‫ﻓﻴﻪ و ﻗﻴﻤﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﺧﺎﺻﻴﺔ ﻓﺮدﻳﺔ ‪ .‬و ﻓﻲ ﺻﻠﺐ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﺗﺘﺤﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺎﻛﻢ ‪،‬‬
‫ﺑﻤﺎ ﻫﻮ رﻣﺰ اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻦ ‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﻼل وﻇﻴﻔﺔ و دور ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ‪ ،‬ﻓﻌﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ رﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗُﻮﺿﻊ ﻣﻬﻤﺔ‬
‫اﻟﺴﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﺒﺎدئ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ و اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻓﻌﻞ ﺗﻤﺎرﺳﻪ اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫و ﻳﻨﻄﻮي ﺗﺤﺖ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أن اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ وﺟﻮب ﺗﻨﻔﻴﺬﻩ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻋﻦ ذﻟﻚ‬
‫اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻻ ﻳﺴﻦ ﻗـﺎﻧﻮﻧﺎ إﻻ وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ اﻟﻌﻘـﻞ و ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ‬
‫اﻟﺠﻤﻴﻊ ‪ .‬ﻓـﺎﻧﺼﻴﺎع اﻟﻔﺮد ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ﻟﻴﺲ اﻧﺼﻴﺎﻋﺎ ﻟﺸﺨﺺ اﻟﺤﺎﻛﻢ وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﻘـﺎﻧﻮن و ﺧﻀﻮع ﻟﻤﺎ أﻗﺮﻩ اﻟﻌﻘـﻞ‬
‫اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ و اﻣﺘﺜﺎل ﻟﻤﺎ اﺗﻔﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻤﻘـﺎﺑﻞ ﻓـﺈن ﻛﻞ ﻓﺮد ﻳﻨﺼﺎع ﻟﺸﻬﻮاﺗﻪ و رﻏﺒﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ و ﻻ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺎﻛﻤﻪ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ‬
‫ﻋﻘـﻠﻴﺔ ‪ ،‬ﻳﻤﺜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪا ﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ و ﺧﻄﺮا ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ ‪ .‬اﻧﻄﻼﻗـﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﻘـﺎرﻧﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺤﺪد‬
‫ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ اﺣﺘﻜﺎم اﻟﻔﺮد ﻟﻌﻘـﻠﻪ دون ﺷﻬﻮاﺗﻪ و اﻟﺘﺰاﻣﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ رﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ‬
‫ﻋﻘـﻠﻴﺔ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ‪ .‬و ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻻﻟﺘﺰام أن ﻳﺘﺤﻮل اﻟﻤﻮاﻃﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺪ ﻷن اﻟﻌﺒﺪ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﻨﻔﺬ أواﻣﺮ إﻧﺴﺎن‬
‫آﺧﺮ و إﻧﻤﺎ اﻟﻌﺒﺪ ﻫﻮ اﻣﺘﺜﻞ ﻟﺸﻬﻮاﺗﻪ و رﻏﺒﺎﺗﻪ و أﻫﻮاﺋﻪ و ﻣﺼﺎﻟﺤﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ‪ .‬ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺤﺮ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ‬
‫ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء أﻳﻦ ﻣﺎ ﺷﺎء و ﻣﺘﻰ ﺷﺎء ذﻟﻚ ‪ ،‬ﺑﺼﻔﺔ ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ ‪ ،‬وإﻧﻤﺎ اﻟﺤﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي اﺧﺘﺎر ﺑﻤﺤﺾ إرادﺗﻪ‬
‫أن ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻬﺪاﻳﺔ اﻟﻌﻘـﻞ ‪ .‬و ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻻﻻت ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ أن اﻻﻧﺼﻴﺎع ﻷواﻣﺮ اﻟﻌﻘـﻞ و اﻟﺤﺎﻛﻢ‬

‫‪2‬‬
‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻟﻴﺲ ﻗﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ و إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻗﻀﺎء ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺔ ﻣﻦ دﻻﻻﺗﻬﺎ و ﻫﻲ " اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻹﺑﺎﺣﻴﺔ " اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺒﻴﺢ ﻛﻞ إﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﻔﻌﻞ ‪ ،‬و ﻓﻲ اﻟﻤﻘـﺎﺑﻞ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺣﺮﻳﺔ ﻋﻘـﻠﻴﺔ ـ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻦ ﺑﺤﻖ اﻟﻔﻌﻞ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ‬
‫ﻳﺒﻴﺤﻪ اﻟﻘـﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘـﻠﻲ " ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺣﺮﻳﺘﻲ ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪأ ﺣﺮﻳﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ " ) روﺳﻮ ( ‪ .‬ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ إذن‬
‫ﺗﺘﺤﻘﻖ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺣﻴﺚ أﻧﻬﺎ ﺿﻤﻨﺖ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ﺣﺮﻳﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ إﻧﺴﺎﻧﺎ ‪ ،‬و ﻣﺴﺎواﺗﻪ ﻣﻊ أي إﻧﺴﺎن آﺧﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫أﻧﻪ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ‪ ،‬واﺳﺘﻘـﻼﻟﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ‪ .‬إن اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻫﺬﻩ اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻫﻮ ﻣﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻟﺤﺎﻛﻤﻪ ﺑﻄﺎﻋﺔ اﻻﺑﻦ ﻷﺑﻴﻪ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻳﺸﺘﺮﻛﺎن ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻤﺎ و اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻣﺔ ‪ ،‬و ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔـﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺬي ﻳﻄﻴﻊ ﺳﻴﺪﻩ ﻓﻘﻂ ﺗﺤﻘﻴﻘـﺎ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ‬
‫ذﻟﻚ اﻟﺴﻴﺪ ‪.‬‬

‫إن اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ‪ ،‬ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ‪ ،‬ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫ﺑﻘﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺣﻴﺚ " ﻟﻢ ﺗﻮد اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺘﺤﻜﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺨﻮف و إﻧﻤﺎ وﺟﺪت‬
‫ﻟﺘﺤﺮر اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻟﺨﻮف " ) ﺳﺒﻴﻨﻮزا ( ‪ ،‬ﻓـﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻣﺎم اﻟﻘـﺎﻧﻮن و ﻫﻮ ﻣﺎ‬
‫ﻳﺘﻤﺎﺛﻞ ﻣﻊ ﻣﺴﺎواة اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ‪ .‬و ﻫﺬﻩ ﻣﻴﺰة ﺗﺨﺘﺺ ﺑﻬﺎ ﻓـﻠﺴﻔﺔ اﻟﻌﻘﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻨﻮزا و‬
‫روﺳﻮ و ﺟﻮن ﻟﻮك ‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ أﻛﺪوا ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة أن ﺗﺤﺎﻓﻆ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ‪ ،‬و‬
‫ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﺠﺎوز ﻟﺪوﻟﺔ " اﻟﺘﻨﻴﻦ " ﻣﻊ ﻫﻮﺑﺰ اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﺮﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻔﻆ اﻟﺴﻼم‬
‫ﺣﺘﻰ و إن ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﺪوﻟﺔ ‪ ،‬و ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﻴﺎدة ﺣﺎﻛﻤﻬﺎ‬
‫ﺗﺼﺒﺢ ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺒﺎﺣﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﻼم ﻣﻦ ﻋﻨﻒ و ﺗﺴﻠﻂ و اﺳﺘﺒﺪاد ‪ .‬إﻧﻪ " اﻟﻠﻴﻔﻴﺎﺗﻮن " اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻮ ﻣﺼﻠﺤﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ ‪ ،‬و اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﺳﺎﻣﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺒﻬﻪ ﻫﻮﺑﺰ " ﺑﺎﻹﻟﻪ اﻟﻔـﺎﻧﻲ‬
‫" ‪ .‬ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻳﺒﺪو أن اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﻻ ﻳﺘﺄﺳﺲ إﻻ ﻓﻲ ﺣﻀﻮر ﻋﻘـﻠﻴﺔ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ و‬
‫اﻟﺘﻨﺎزل و اﻻﺣﺘﺮام اﻟﻤﺘﺒﺎدل وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ إدﻏﺎر ﻣﻮران " اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ " اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ‬
‫اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺘﻮاﻓﻖ واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ و اﻟﺼﺮاع و اﻟﺘﻔـﺎﻋﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻮاﺣﺪ و اﻟﻤﺘﻌﺪد و اﻟﻜﻞ و اﻟﺠﺰء ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻫﺬﻩ اﻟﺜﻘﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎء ﻓﻲ اﻟﻘـﺎﻧﻮن ‪ ،‬ﻷن اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﺑﻴﻦ ﻋﺪﻳﺪ اﻟﻤﺮات ﻋﺪم‬
‫اﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻪ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ و ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ‪ ،‬ﻣﺸﻜﻞ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ‬
‫أﺛﺒﺖ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ذﻟﻚ اﻟﺒﻮن اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﺸﺮﻋﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ و ﻣﺎ ﺗﻤﺎرﺳﻪ ﻓﻲ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻦ أﻓﻌﺎل ‪،‬‬
‫ﻣﻤﺎ ﻳﻄﺮح ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻈﺮي و اﻟﻌﻤﻠﻲ ‪ ،‬ﻣﺸﻜﻞ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﻓﻮﻛﻮ إﻟﻰ أن ﻧﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻌﻤﻠﻨﺎ‬

‫‪3‬‬
‫اﻟﺸﻔـﺎف ﻣﻊ اﻟﺴﻠﻄﺔ و ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ و ﻟﻨﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻤﺠﻬﺮ دﻗﻴﻖ ﻷﻧﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ " ﻇﺎﻫﺮة ﻣﻴﻜﺮوﺳﻜﻮﺑﻴﺔ " دوﻣﺎ ﻣﺎ‬
‫ﺗﺘﺨﻔﻰ وراء اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ و اﻟﻘﻴﻢ ﻟﺘﻤﺎرس ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ اﻟﻐﻴﺮ ﻗـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ " ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ " ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ ‪ :‬اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ‬
‫ﯾﺘﻌﻠﻖ اﻟﻤﺸﻜﻞ اﻟﻤﻄﺮوح ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﺑﯿﻦ ﻗﯿﻤﺘﯿﻦ و ھﻤﺎ اﻟﺴﯿﺎدة ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ‪ ،‬و اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ أوﺟﮫ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ‬
‫ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻠﻖ و إﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﻣﺤﺪد و ھﻮ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﻛﯿﺎن ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻣﺤﻜﻢ اﻟﺘﻨﻈﯿﻢ ذو ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ أﺷﺨﺎص ﯾﻨﺘﺨﺒﮭﻢ اﻟﺸﻌﺐ ﻟﺴﯿﺎﺳﺔ‬
‫أﻣﻮره ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻷﻓﻀﻞ ‪.‬‬

‫ﺗﺜﯿﺮ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎدة و اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻣﺸﻜﻼ ﻓﻠﺴﻔﯿﺎ ﻧﻈﺮا ﻻﺟﺘﻤﺎﻋﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺠﺎل و ھﻮ اﻟﺪوﻟﺔ رﻏﻢ ﻣﺎ ﯾﺒﺪو ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ دﻻﻟﺘﮭﻤﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ ‪ :‬اﻟﺴﯿﺎدة ﺗﻌﻨﻲ‬
‫اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﻠﯿﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺳﻠﻄﺔ أﺧﺮى إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮭﺎ أو ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﮭﺎ ﺗﺸﺎرﻛﮭﺎ ﺗﻨﻈﯿﻤﮭﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت ‪ ،‬ﻓﺼﺎﺣﺐ اﻟﺴﯿﺎدة ھﻮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺸﺎرﻛﮫ ﻓﻲ ﺳﯿﺎدﺗﮫ أﺣﺪ ‪ ،‬و ھﺬه اﻟﺪﻻﻟﺔ‬
‫ﺗﺤﯿﻞ ﺿﺮورة إﻟﻰ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺪوﻟﺔ و رﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻓﮭﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺗﻤﺘﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺤﻖ اﻟﻌﯿﺶ ﺑﻜﺮاﻣﺔ و ﺣﺮﯾﺔ ﻣﺘﺴﺎوون ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻮق و اﻟﻮاﺟﺒﺎت ‪ ،‬ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ھﺬه‬
‫اﻟﺤﻘﻮق‪ :‬اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻧﺘﺨﺎب اﻟﺤﻜﺎم و ﻣﻦ ﯾﻨﻮﺑﮫ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﯾﻒ ﺷﺆون اﻟﺪوﻟﺔ ‪ ،‬و ﺣﻖ اﻟﺘﺮﺷﺢ ﻟﻠﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ و ﺣﻖ ﻣﺮاﻗﺒﺔ آﻟﯿﺎت اﻟﺤﻜﻢ و ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺗﺪاﺑﯿﺮ ﺷﺆون‬
‫اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ‪.‬‬

‫اﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ ھﺎﺗﯿﻦ اﻟﺪﻻﻟﺘﯿﻦ ‪ ،‬ﻧﻼﺣﻆ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎ واﺿﺤﺎ و ﺗﻘﺎﺑﻼ ﺑﯿﻦ آﻟﯿﺎت اﻟﺴﯿﺎدة و ﺣﻘﻮق اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ‪ ،‬ﺗﻘﺎﺑﻼ ﺑﯿﻦ ﺳﯿﺎدة ﺗﺮﻓﺾ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ و ﻣﻮاطﻨﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮھﺎ ﺣﻘﺎ ‪،‬‬
‫ﻓﮭﻞ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺬي ﺳﻮف ﯾﻨﺘﻔﻲ ﻓﯿﮫ ھﺬا اﻟﺘﻘﺎﺑﻞ و ﯾﻀﻤﺤﻞ ﻓﯿﮫ اﻟﺼﺮاع أم أﻧﮭﺎ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺬي ﺳﻮف ﯾُﺬﻛﻰ ﻓﻲ إطﺎره ذﻟﻚ اﻟﺘﻌﺎرض و ﯾُﻜﺮس ؟ و ھﻞ أن‬
‫اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻻ ﺗﺘﺤﻘﻖ إﻻ ﻓﻲ اﻹطﺎر اﻟﻀﯿﻖ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ؟‬

‫اﻟﺴﯿﺎدة ھﺘﻚ ﺑﺎﻟﻤﻮاطﻨﺔ‬ ‫اﻟﺴﯿﺎدة ﺿﻤﺎن ﻟﻠﻤﻮاطﻨﺔ‬

‫ـ ﻣﺒﺮرات ھﺬا اﻟﮭﺘﻚ ‪ :‬ﻏﯿﺎب اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻣﻤﺎ ﯾﺸﺮع ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻘﻮة ‪ ،‬ﻓﺤﯿﺚ ﻏﺎﺑﺖ‬ ‫ـ ﺷﺮوط اﻟﻀﻤﺎن ‪ :‬أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﯿﺎدة ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ‪ ،‬أي اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن‬
‫ﻗﻮة اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺣﻀﺮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻘﻮة ‪ /‬أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﯿﺎدة ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﻗﻮة‬ ‫ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻠﺘﺰم اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺎﻟﺨﻀﻮع ﻟﻤﺎ ﺗﻤﻠﯿﮫ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ و ﯾﺘﻌﺎﻗﺪون ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ‪ /‬أن‬
‫ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﻘﯿﺪة ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺎ ﻏﺎﯾﺘﮭﺎ ﻓﺮض اﻟﻄﺎﻋﺔ وﻓﻖ ﻗﺎﻧﻮن " اﻟﻐﺎﯾﺔ ﺗﺒﺮر‬ ‫ﺗﻜﻮن ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﺸﺮع ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ‪ /‬أن ﺗﺼﺎغ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ وﻓﻖ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ " ) ھﻮﺑﺰ ( ‪ /‬ﻏﯿﺎب اﻷﺧﻼق ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ " ﻓﮭﻲ ﺗﻜﺬب ﺑﻜﻞ‬ ‫ﻣﺎ ﯾﻘﺘﻀﯿﮫ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺴﻠﯿﻢ ‪ /‬وﺟﻮد ﺣﺎﻛﻢ دﯾﻤﻘﺮاطﻲ دوره " ﺗﺨﻠﯿﺺ‬
‫رﺻﺎﻧﺔ ﺣﯿﻦ ﺗﻘﻮل ‪ :‬أﻧﺎ اﻟﺪوﻟﺔ أﻧﺎ اﻟﺸﻌﺐ " ) ﻧﯿﺘﺸﮫ ( ‪ /‬ﺗﻌﻤﺪ اﻟﺪوﻟﺔ‬ ‫اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﺸﮭﻮة اﻟﻌﻤﯿﺎء و اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن‬
‫اﻟﺨﺪاع و اﻟﺘﻤﻮﯾﮫ و ﻧﺼﺐ اﻷﺷﺮاك أﻣﺎم اﻟﺸﻌﺐ ﻗﺼﺪ اﺳﺘﻤﺎﻟﺘﮫ ﻋﺒﺮ‬ ‫ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﻌﻘﻞ و ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻌﯿﺶ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻲ وﺋﺎم وﺳﻠﻢ "‬
‫اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت و اﻟﺼﻮر و اﻟﺪﻋﺎﯾﺔ ‪ /‬اﻧﺘﮭﺎزﯾﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ " ﺗﻨﮭﺶ‬ ‫)ﺳﺒﯿﻨﻮزا( ‪ /‬وﺟﻮب أن ﯾﻨﻔﺬ اﻟﻤﻮاطﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺼﺪر ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎﻛﻢ‬
‫اﻟﺸﻌﻮب ﺑﺄﺳﻨﺎن ﻣﺴﺘﻌﺎرة " ) ﻧﯿﺘﺸﮫ ( ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﮭﺎ ‪.‬‬ ‫اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ ‪ /‬أن ﺗﻜﻮن اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﻄﻠﻘﺔ ) ھﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن‬
‫وزﻣﺎن ( و ﻛﻠﯿﺔ )ﺗﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺴﺎواة ( ‪ /‬أن ﺗﻜﻮن‬
‫ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻟﮭﺘﻚ ‪ :‬ﻧﺸﺄة اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﺑﻤﺎ ھﻮ " اﻟﺘﺼﺮف ﻓﻲ اﻟﺸﺆون‬ ‫اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ و"اﻹرادة اﻟﻌﺎﻣﺔ " ) روﺳﻮ( ھﻲ ﻏﺎﯾﺔ ﻛﻞ ﻗﺎﻧﻮن‬
‫اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ اﻟﮭﻮى " ) اﻟﻜﻮاﻛﺒﻲ ( ‪ /‬ظﮭﻮر دوﻟﺔ اﻟﺮﺟﻞ‬
‫ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻟﻀﻤﺎن ‪ :‬ﺗﺄﺳﯿﺲ ﻧﻈﺎم دﯾﻤﻘﺮاطﻲ ﺗﺘﻌﺎﯾﺶ ﻓﯿﮫ اﻟﺴﯿﺎدة‬
‫ﺗﺒﺮر ﻛﻞ وﺳﺎﺋﻠﮫ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻔﻆ‬ ‫اﻟﻮاﺣﺪ " اﻟﻠﯿﻔﯿﺎﺗﻮن " ) ھﻮﺑﺰ ( اﻟﺘﻲ ﱠ‬
‫اﻟﺴﻼم ‪ /‬اﻹﻗﺮار ﺑﺸﺮﻋﯿﺔ اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺘﻮﯾﺎﺗﮫ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﯿﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ‪،‬‬ ‫ﻣﻊ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺎ ‪ /‬إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ ‪ /‬أﻧﺴﻨﺔ‬
‫ﻓﺎﻷﻣﯿﺮ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻜﻮن " ﻗﻮة اﻷﺳﺪ و ﺣﯿﻠﺔ اﻟﺜﻌﻠﺐ " ) ﻣﺎﻛﯿﺎﻓﺎﻟﻲ ( ‪/‬‬ ‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ و اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﻐﺮاﺋﺰ و اﻟﺸﮭﻮات ‪ ،‬ﻟﯿﺴﺖ‬
‫ﻏﯿﺎب اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﯾﺸﺮﻋﮫ اﻟﻘﺎﻧﻮن ف " ﻟﻮ ﻛﺎن اﻻﺳﺘﺒﺪاد رﺟﻼ ﻟﻘﺎل ‪:‬‬ ‫اﻟﺤﺮﯾﺔ أن ﻧﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻧﺸﺎء وﻓﻖ ﻣﺎ ﻧﺸﺎء و أﯾﻨﻤﺎ ﺷﺌﻨﺎ و ﻣﺘﻰ ﺷﺌﻨﺎ ذﻟﻚ‬
‫أﻧﺎ اﻟﺸﺮ و أﺑﻲ اﻟﻈﻠﻢ ‪ ،‬أﻣﻲ اﻹﺳﺎءة و أﺧﻲ اﻟﻐﺪر ‪ ،‬و أﺧﺘﻲ اﻟﻤﺴﻜﻨﺔ‬ ‫" ﺣﺮﯾﺔ إﺑﺎﺣﯿﺔ " ) ﺟﻮن ﻟﻮك ( و إﻧﻤﺎ " ﺗﻨﺘﮭﻲ ﺣﺮﯾﺘﻲ ﺣﯿﺚ ﺗﺒﺪأ‬
‫و ﻋﻤﻲ اﻟﻀﺮر ‪ ،‬و ﺧﺎﻟﻲ اﻟﺬل ‪ ،‬و اﺑﻨﻲ اﻟﻔﻘﺮ و اﺑﻨﺘﻲ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ووطﻨﻲ‬ ‫ﺣﺮﯾﺔ اﻵﺧﺮﯾﻦ " ) روﺳﻮ ( ‪ /‬ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ اﻟﺘﺰام‬
‫اﻟﺨﺮاب و ﻋﺸﯿﺮﺗﻲ اﻟﺠﮭﺎﻟﺔ " ) اﻟﻜﻮاﻛﺒﻲ ( ‪ /‬ﺗﺨﺒﻂ اﻟﺮﻋﯿﺔ ﻓﻲ‬ ‫ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن و اﺣﺘﻜﺎم ﻟﻠﻌﻘﻞ ‪ /‬ﺗﻤﯿﯿﺰ اﻟﻤﻮاطﻦ ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺪ ‪ ،‬ﻟﯿﺲ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ‬
‫ﺴﯿﺮ ﻧﺤﻮ اﻷﻣﺎم ﻣﻘﺎﺑﻞ‬ ‫اﻟﺠﮭﻞ و اﻟﻈﻠﻤﺎت و اﻟﻐﺒﺎء ‪ /‬ﻏﯿﺎب اﻟﺘﺮﻗﻲ و اﻟ ّ‬ ‫ﺧﻀﻊ ﻷواﻣﺮ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ و إﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻋﺒﺪا ﻟﺸﮭﻮاﺗﮫ و ﻏﺮاﺋﺰه‪/‬‬
‫اﻟﺘﺴﻔّﻞ و اﻻﻧﺤﻄﺎط ‪ /‬ﺿﻌﻒ اﻟﺘﺮﺑﯿﺔ و اﻟﺘﻌﻠﻢ و ﻋﺪم ﻧﻤﺎء اﻟﻌﻘﻞ ‪.‬‬ ‫ﺗـﺄﺳﯿﺲ دوﻟﺔ اﻟﻌﻘﻞ و ﺗﺠﺎوز ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ‪ :‬اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫اﻟﻼﺋﻜﯿﺔ‪ /‬ﺗﺠﺎوز اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ اﻟﺤﯿﻮاﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻜﻮن ﻓﯿﮭﺎ "اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ـ اﻟﺤﻠﻮل اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ‪ :‬ﺿﺮورة اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻻﺳﺘﺒﺪاد و اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺂﻻﻣﮫ ‪/‬‬ ‫ذﺋﺐ ﻷﺧﯿﮫ اﻹﻧﺴﺎن " ) ھﻮﺑﺰ ( ‪ /‬ﺗﺠﺎوز ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﻮف و اﻟﺼﺮاع‬
‫ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻻ ﺗﻜﻮن دوﻣﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮة و اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻠﯿﻦ و اﻟﺤﻜﻤﺔ ‪/‬‬ ‫و " ﺣﺮب اﻟﻜﻞ ﺿﺪ اﻟﻜﻞ " ) ھﻮﺑﺰ ( ﺣﯿﺚ " ﻟﻢ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫وﺿﻊ ﻣﺸﺮوع ﺑﺪﯾﻞ ﻗﺒﻞ اﻹطﺎﺣﺔ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺒﺪ ‪.‬‬ ‫ﻟﺘﺤﻜﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺨﻮف و إﻧﻤﺎ وﺟﺪت ﻟﺘﺤﺮر اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻟﺨﻮف "‬
‫)ﺳﺒﯿﻨﻮزا ( ‪ /‬ﻛﻞ ﻋﻨﻒ ﺗﻤﺎرﺳﮫ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﺷﺮﻋﻲ ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ـ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪ :‬ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﺳﻠﺒﯿﺎت اﻟﻔﮭﻢ اﻟﺨﺎطﺊ‬ ‫ـ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ھﺬا اﻟﻤﻮاﻗﻒ ‪ :‬ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﺒﻮن اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑﯿﻦ‬
‫ﻟﻠﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ و ﻣﺎ ﯾﻨﺘﺞ ﻋﻨﮫ ﻣﻦ ﺗﺴﯿﺐ و ﻓﻘﺪان اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺴﯿﺎدﺗﮭﺎ وھﯿﺒﺘﮭﺎ‬ ‫ﻣﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﮫ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و آﻟﯿﺎت ﺗﻄﺒﯿﻘﮭﺎ ﻓﻲ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ‪/‬‬
‫"ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻌﻮد اﻟﻌﺴﻜﺮ إﻟﻰ أﻗﻞ اﻷﻋﺪاد ‪ ،‬ﺗﻀﻌﻒ اﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ﻟﺬﻟﻚ و ﺗﺴﻘﻂ ﻗﻮة‬ ‫اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﺜﻠﺖ دوﻣﺎ ﻟﻌﺒﺔ ﺳﻠﻄﻮﯾﺔ ﺑﯿﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺘﺸﺮع ﻣﻤﺎرﺳﺎﺗﮭﺎ اﻟﻼ ـ‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ و ﯾﺘﺠﺎﺳﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺎورھﺎ ﻣﻦ اﻟﺪول " ) اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ( ‪ /‬اﻟﻘﻮة ﻗﺪ‬ ‫ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ‪ /‬ﺑﺮوز اﻟﺼﻮرة " اﻟﻤﯿﻜﺮوﺳﻜﻮﺑﯿﺔ " ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻛﺪ ﻗﺪرة‬
‫ﺗﻜﻮن اﻟﺴﻼح اﻷﻓﻀﻞ أﻣﺎم طﺒﯿﻌﺔ ﻋﺪواﻧﯿﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ) ھﻮﺑﺰ و ﻓﺮوﯾﺪ ( ‪.‬‬ ‫ﻣﻤﺎرﺳﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻔﻲ وراء ﻣﺎ ﯾﻀﻔﻲ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﺷﺮﻋﯿﺎ ‪.‬‬

‫اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﺣﻖ ﻋﺎﻟﻤﻲ‬

‫ـ ﻣﺒﺮرات ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪ :‬اﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﺎدة ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ أو ﻏﯿﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ‪ /‬اﺳﺘﺒﺪاد اﻟﺪول و اﻟﺤﻜﺎم ﻋﻠﻰ ﺷﻌﻮﺑﮭﻢ و ﺗﺮاﺟﻊ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻤﺪﻧﻲ ﺑﻤﺎ‬
‫ھﻮ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻵﺧﺮ و اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ ﻣﻌﮫ ‪ /‬ﻧﺸﺄة ﻓﻀﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ و ھﻮ ﺣﺼﯿﻠﺔ ﻓﻌﺎﻟﯿﺔ اﻟﮭﯿﺎﻛﻞ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﻤﺪاﻓﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن أﯾﻨﻤﺎ ﻛﺎن ‪/‬‬
‫ﺻﺪور اﻹﻋﻼن اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن و ﻣﺎ ﯾﺤﻤﻠﮫ ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز ﻟﻜﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﻼ ﻣﺪﻧﯿﺔ ) ﺗﻮﺣﺶ ـ ﺑﺪاﺋﯿﺔ ـ اﺳﺘﺒﺪاد ـ ظﻠﻢ ـ اﺳﺘﻐﻼل( ‪.‬‬

‫ـ ﻣﻈﺎھﺮ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪ :‬ﻧﺸﺄة ﻣﺸﺮوع ﻓﻀﺎء ﻣﻮاطﻨﺔ ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ ) ھﺎﺑﺮﻣﺎس ( ﯾﺆﻛﺪ أن " ﻛﻞ ﻓﺮد ھﻮ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻮاطﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ) ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ (‬
‫وﻣﻮطﻦ دوﻟﺘﮫ " ) ﻛﺎرل ﺷﻤﯿﺚ ( ‪ /‬ﻧﻤﻮ ﻣﺸﺮوع اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺮﯾﺔ ) اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ( ‪ /‬ﺗﺄﺳﯿﺲ ھﯿﺌﺎت ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ و ﻣﻨﻈﻤﺎت دوﻟﯿﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ أي دوﻟﺔ ﻣﮭﻤﺘﮭﺎ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺣﻘﻮق ﻛﻞ ﻣﻮاطﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره إﻧﺴﺎﻧﺎ )ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ‪ /‬ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪ /‬ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻐﺬﯾﺔ ‪ /‬ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ ‪ /‬ﺟﻤﻌﯿﺔ أطﺒﺎء دون ﺣﺪود ‪/‬‬
‫ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ‪. ( ...‬‬

‫ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ‪ :‬ﻛﻮﻧﯿﺔ ﻓﻀﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺨﺼﻮﺻﯿﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ‪ /‬اﻟﺘﻨﺴﯿﺐ ﻣﻦ ﺳﯿﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ أﻣﺎم اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ و اﻟﺘﺸﺮﯾﻌﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ‪ /‬ﺧﻠﻖ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ‬
‫ﻛﻔﻀﺎء ﯾﻀﻤﻦ اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ اﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﯿﺎدة و اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ‪.‬‬

‫ـ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ‪ :‬ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﻣﺎ آل إﻟﯿﮫ ھﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻣﻦ ﻓﻀﺎء ﻟﻠﻤﺪﻧﯿﺔ إﻟﻰ ﻓﻀﺎء ﯾﻌﺘﺮف ﺑﺎﻟﺒﻌﺾ و ﯾﻘﺼﻲ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ‪ ،‬و ﯾﻀﻤﻦ ﺣﻘﻮق‬
‫اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺒﻌﺾ ‪ ،‬و ﻓﻀﺎء ﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺿﺪ آﺧﺮ ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﺿﻤﺎن اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ إطﺎر دوﻟﺔ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺄﺧﻼق ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ) ﻛﺎﻧﻂ ( ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ‪ :‬ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻧﻄﺮح ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ أﺳﺌﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ‪ :‬ﻣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻓﻌﻠﻲ ﻓﻌﻼ أﺧﻼﻗﻴﺎ ؟ ‪ /‬ﻫﻞ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻨﻲ أﺧﻼﻗﻲ ؟ ﻟﻢ‬

‫ﻓﻌﻠﺖ ﻫﺬا و ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ؟ و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻄﺮح إﻻ ﻟﻌﺪة أﺳﺒﺎب ﻣﻨﻬﺎ ‪:‬‬

‫‪ ‬ﻏﻴﺎب ﻳﻘﻴﻦ أﺧﻼﻗﻲ واﺿﺢ و ﺑﺪﻳﻬﻲ و ﻣﺘﻤﻴﺰ ﻧﻔﺮق ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻩ ﺑﻴﻦ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ و ﻓﻌﻞ آﺧﺮ ﻏﻴﺮ أﺧﻼﻗﻲ‪ .‬ﻣﻤﺎ‬

‫ﻳﺴﺒﺐ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺸﻚ و اﻟﺤﻴﺮة ﻓﻲ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻴﻦ اﻷﻓﻌﺎل ‪ ،‬ﻣﺆﻛﺪا ذﻟﻚ إﻳﺮﻳﻚ ﻓـﺎﻳﻞ ﺑﻘﻮﻟﻪ " ﻟﻘﺪ ﻓُﻘﺪ اﻟﻴﻘﻴﻦ‬

‫اﻷﺧﻼﻗﻲ " ‪.‬‬

‫‪ ‬اﻻﺧﺘﻼﻓـﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﻴﻦ اﻷﻧﺴﺎق اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ‪ ،‬ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻮاﺣﺪة ﺑﻴﻦ ﺟﻴﻞ و آﺧﺮ أو ﺑﻴﻦ‬

‫اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ زﻣﺎﻧﺎ و ﻣﻜﺎﻧﺎ ‪ ،‬اﺧﺘﻼﻓـﺎت ﺳﺎﻫﻤﺖ ﺣﺘﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺮاﻋﺎت داﺧﻠﻴﺔ و ﺧﺎرﺟﻴﺔ ‪ ،‬ﻛﻞ ﻳﺤﺎول ﻓﺮض‬

‫ﻧﺴﻘﻪ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻷﻓﻀﻞ و اﻷﻧﺴﺐ ) ﻣﺜﻼ داﺧﻞ اﻷﺧﻼق اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﻦ أﺧﻼق اﻟﺒﺮوﺗﻮﺳﺘﺎﻧﻴﺔ و اﻷﺧﻼق‬

‫اﻷرﺗﻮدوﻛﺴﻴﺔ ‪ ،‬أو ﻓﻲ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻷﺧﻼق اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ و اﻷﺧﻼق اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ( ‪.‬‬

‫‪ ‬اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أﻫﻤﻬﺎ ﺛﻨﺎﺋﻴﺎت ‪ :‬اﻟﻐﺮﻳﺰة ‪ /‬اﻟﻌﻘـﻞ ‪ ،‬اﻟﻬﻮى ‪ /‬اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ‪ ،‬اﻟﻨﻔﺲ ‪/‬‬

‫اﻟﺠﺴﺪ ‪ ،‬و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻔﺮد ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻪ ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻴﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺗﻌﻴﻴﺮ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ و اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻪ ﻋﻦ ﻣﻘﻴﺎس ﺛﺎﺑﺖ ﻳﺒﺮز ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻠﻰ‬

‫أﻧﻪ اﻟﻤﻌﻴﺎر اﻟﻤﻤﻜﻦ اﻻﺳﺘﻨﺎد ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ و آﺧﺮ ﻏﻴﺮ أﺧﻼﻗﻲ ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺴﻌﺎدة ﻫﻲ اﻟﺸﻌﻮر‬

‫ﺑﺎﻟﺮﺿﺎء و اﻟﻘﺒﻮل ﺗﺠﺎﻩ ﻓﻌﻞ أو ﻗﻮل ﻣﺎ ﺻﺎدر ﻋﻨﺎ أو ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻧﺎ ‪ .‬ﻓﻤﺘﻰ ﻧﺴﻌﺪ إذن ﺑﺈﺗﺒﺎع اﻟﻌﻘـﻞ أم اﻟﺸﻬﻮات ؟ ‪،‬‬

‫ﻓﻤﺜﻠﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﻌﺪﻧﺎ ﻓﻜﺮة ﻋﺮﻓﻨﺎﻫﺎ أو أﺳﺴﻨﺎﻫﺎ أو اﻧﺘﻬﻴﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ ‪ ،‬ﻳﻤﻜﻦ أﻳﻀﺎ أن ﺗﺴﻌﺪﻧﺎ رﻏﺒﺔ أو ﺷﻬﻮة ﺣﻘﻘﻨﺎﻫﺎ‬

‫و ﺗﻢ إﺷﺒﺎﻋﻬﺎ ‪ .‬ﺛﻢ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺈﻃﻼق ؟ ﻳﻘـﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﺎم أن رﺿﺎء اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻏﺎﻳﺔ ﻻ ﺗُﺪرك ؟ ﻓـﺄي ﻓﻌﻞ ﺧﻴﺮ‬

‫إذن ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﺳﻌﺎدة ؟‬

‫‪1‬‬
‫‪ / I‬اﻟﺨﻴﺮ أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ‪:‬‬
‫اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ‪ :‬اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻛﻞ اﻟﻐﺮاﺑﺔ أن ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻳﺤﺒﻮن ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻴﺮ ‪ ،‬و ﻳﻔﻀﻠﻮن رؤﻳﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﻴّﺮ ﺣﻮﻟﻬﻢ وﻳﺸﻤﻠﻬﻢ ‪ ،‬و‬

‫ﻟﻜﻦ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻇﻞ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺨﻴﺮ ذاﺗﻪ ﻏﺎﻣﻀﺎ و ﻣﻠﺘﺒﺴﺎ و ﻋﺼﻴﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ‪ ،‬ﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﺜﺎل ﻧﻤﻮذﺟﻲ ﻳﺤﺎﻛﻴﻪ‬

‫اﻟﺠﻤﻴﻊ ) أﻓـﻼﻃﻮن ( أم ﻫﻮ إﻧﺘﺎج إﻧﺴﺎﻧﻲ ) أرﺳﻄﻮ ( ؟ و إذا ﻛﺎن ﻣﻦ وﺿﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﺒﻢ وﺿﻌﻪ ﺑﻌﻘـﻠﻪ أم ﺑﻐﺮاﺋﺰﻩ ؟‬

‫ﻫﻞ ﻫﻮ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ أم واﺟﺐ ﻧﻠﺘﺰم ﺑﻪ ) ﻛﺎﻧﻂ ( ؟ ﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻲ ﻣﻨﻔﻌﺘﻲ أم ﻣﻨﻔﻌﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻌﻲ )‬

‫ﺟﻮن ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ ( ؟‬

‫‪ . 1‬اﻟﺨﻴﺮ اﻷﺳﻤﻰ أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ‪:‬‬

‫ﻳﺤﺪد أرﺳﻄﻮ اﻟﺨﻴﺮ اﻷﺳﻤﻰ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﻟﺬة ﻣﺤﺪدة ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺗﻤﻴﻴﺰ أرﺳﻄﻲ ﺑﻴﻦ ﻟﺬة ﺧﻴﺮة و ﻟﺬة‬

‫ﺳﻴﺌﺔ ‪ ،‬اﻟﻠﺬة اﻟﺨﻴﺮة ﻫﻲ اﻟﻠﺬة اﻟﻌﻘـﻠﻴﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﻠﺐ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻠﺬة اﻟﺴﻴﺌﺔ ﻫﻲ اﻟﻠﺬة اﻟﺤﺴﻴﺔ و اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ‬

‫اﻟﻤﺘﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﻠﺐ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻠﺬات أﺧﺮى ‪ .‬ﻣﺜﻼ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﺬة ﺧﻴﺮة إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻓـﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻤﺠﺪ أو‬

‫اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أو اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺧﻴﺮات ﺳﻴﺌﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻋﺎﺑﺮة و ﻳﺮاد ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﻠﺬات أﺧﺮى ‪ .‬اﻟﺨﻴﺮ اﻷﺳﻤﻰ إذن ﻫﻮ‬

‫ذاﺗﻪ اﻟﻠﺬة اﻟﻌﻘـﻠﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ و اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ و اﻟﺘﻌﻘـﻞ ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺸﺘﺮط أرﺳﻄﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺬة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ‬

‫أن ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﺳﻌﺎدة أن ﺗﻜﻮن ﻟﺬة دون ﻣﻮاﻧﻊ ‪ ،‬أي دون ﻋﻮاﺋﻖ ‪ ،‬وﻋﺎﺋﻖ اﻟﻠﺬة ﻫﻮ أن ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺣﺪﻫﺎ ‪ ،‬ﻷن‬

‫اﻟﺨﻴﺮ ﻳﻜﻮن أﺳﻤﻰ ﻛﺤﺪ أوﺳﻂ ﻻ إﻓﺮاط و ﻻ ﺗﻔﺮﻳﻂ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﻠﻔﻀﻴﻠﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ " اﻟﺤﺪ ﺑﻴﻦ‬

‫رذﻳﻠﺘﻴﻦ " ﻣﺜﻼ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻫﻲ اﻟﺤﺪ اﻷوﺳﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺒﻦ واﻟﺘﻬﻮر‪ ،‬و اﻟﻜﺮم ﻫﻮ اﻟﺤﺪ اﻷوﺳﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺨﻞ و اﻟﺘﺒﺬﻳﺮ ‪.‬‬

‫ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﺒﺴﻴﻂ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻔﻲ اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ‬

‫رذﻳﻠﺘﻴﻦ ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﻮن ﺣﻜﻴﻤﺎ أي ﻗـﺎدرا ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺎﻫﺪة أﻫﻮاء اﻟﺠﺴﺪ و‬

‫ﺿﺮوراﺗﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻔﺮﺿﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﺎﻗـﻠﺔ ‪.‬‬

‫ﺑﻬﺬا ﻟﻤﻮﻗﻒ ﻳﺘﻤﻴﺰ أرﺳﻄﻮ ﻋﻦ ﺳﺎﺑﻘﻴﻪ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷﻓـﻼﻃﻮﻧﻲ ‪ ،‬ﺣﻴﺚ أن اﻷﺧﻼق ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺴﻜﻦ ﻋﺎﻟﻤﺎ‬

‫ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺎ ) ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﻞ ( ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﺘﺎد ﺑﻬﺎ و إﻧﻤﺎ ارﺗﺒﻂ ﻣﺒﺪأ اﻟﻔﻌﻞ ﻷﺧﻼﻗﻲ ﻟﺪى أرﺳﻄﻮ ﺑﻤﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻦ‬

‫ﻣﻠﻜﺎت و اﺳﺘﻌﺪادات ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ و ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻋﻘـﻠﻪ و إرادﺗﻪ ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫ﻏﻴﺮ أﻧﻪ ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ‪ ،‬ﻳﺒﺪو أن اﺳﺘﺒﻌﺎد اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻦ اﻟﻤﻠﺬات اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ‬

‫اﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺠﺴﺪ ﻧﻈﺮة دوﻧﻴﺔ و اﺣﺘﻘـﺎر ﻣﻘـﺎرﻧﺔ ﺑﺮﻓﻌﺔ اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﻌﻘـﻞ ‪ ،‬و ﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻂ‬

‫ﺗﻌﺮف اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻩ إﻟﻰ ﺣﺪود اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻊ ﺳﺒﻴﻨﻮزا اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻌﻪ‬
‫ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺠﺴﺪ و ﺗﺄﺧﺮ ّ‬
‫ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ " ﻣﺴﺘﻄﺎع اﻟﺠﺴﺪ " ‪.‬‬

‫‪ . 2‬اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻗﺪ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﺟﺪﻳﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ‪:‬‬

‫ﻳﺤﺪ ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻟﻘـﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﻪ اﻟﻌﻘـﻞ و ﺗﺄﺗﻤﺮ ﺑﻪ اﻹرادة ﻓﺘﺘﺠﻪ إﻟﻰ ﻓﻌﻠﻪ ‪ ،‬وﻣﻦ‬

‫ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻫﺬا اﻟﻮاﺟﺐ ‪ ،‬أن ﻳﻜﻮن ‪:‬‬

‫‪ ‬ﻗﺒﻠﻴﺎ ‪ :‬أي ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ‪ ،‬ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻘﻮم ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺛﻢ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ أﺧﻼﻗﻴﺘﻪ أو ﻻ أﺧﻼﻗﻴﺘﻪ و إﻧﻤﺎ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ‬

‫ﻗﺒﻞ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻋﻘـﻠﻴﺎ ‪ :‬أي ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﻪ اﻟﻌﻘـﻞ و ﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ ﻧﺤﻮﻩ اﻟﻐﺮﻳﺰة أو اﻟﺮﻏﺒﺔ أو اﻟﺸﻬﻮة ‪ ،‬ﻷن ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻮم‬

‫ﺑﻪ اﻹﻧﺴﺎن اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻤﻴﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲ و ﻏﺮﻳﺰي ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺤﻴﻮاﻧﻲ اﻟﻔـﺎﻗﺪ ﻟﻜﻞ ﺑﻌﺪ إﻧﺴﺎﻧﻲ ‪ ،‬ﻓﻲ‬

‫ﺣﻴﻦ أن اﻷﺧﻼق ﻗﻴﻤﺔ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ‪.‬‬

‫‪ ‬إرادﻳﺎ ‪ :‬ﻗﺪ ﻳﻈﻦ اﻟﺒﻌﺾ أن اﻟﻔﻌﻞ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺄﻣﻮر ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻘـﻞ ﻓـﺈﻧﻪ إذن ﻏﻴﺮ ﺣﺮ ن ‪ ,‬إﻧﻤﺎ ﻳﺠﺐ‬

‫اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻪ ﻗﺴﺮا ‪ ،‬ﻏﻴﺮ ان ﻫﺬا ﻻ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻌﻼ ﺣﺮا ‪،‬‬

‫ﻓـﺎﻟﻌﻘـﻞ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ و ﻹرادة ﻗﺪ ﺗﺄﺗﻤﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﺮﻓﺾ اﻻﻧﺼﻴﺎع ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻛﺎﻧﻂ أن اﻹرادة اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﻌﻘـﻞ‬

‫ﻫﻲ إرادة ﺣﺮة ‪ ،‬ﻷن اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ اﻻﻧﺼﻴﺎع ﻷواﻣﺮ اﻟﻌﻘـﻞ و إﻧﻤﺎ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﻀﻮع‬

‫ﻟﻠﺸﻬﻮات و اﻟﻐﺮاﺋﺰ ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻗﻄﻌﻴﺎ ‪ :‬أي أن ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻔﻌﻞ ﺷﺮﻃﻴﺎ ‪ ،‬و اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺸﺮﻃﻲ ﻫﻮ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ‬

‫ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻘﻄﻌﻲ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻔﻌﻞ ذاﺗﻪ ‪ .‬و ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر ﻳﻤﻴﺰ ﻛﺎﻧﻂ‬

‫ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﻄﺎﺑﻖ ﻟﻠﻮاﺟﺐ و اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ‪ ،‬ﻣﺜﻼ ﻗﺪ ﻳﺘﺼﺪق ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ أﻣﺎم‬

‫‪3‬‬
‫اﻟﻨﺎس و اﻛﺘﺴﺎب ﻣﻮدﺗﻬﻢ ‪ ،‬و رﻏﻢ أن ﻓﻌﻠﻪ ﻣﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺬي ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺼﺪﻗﺔ ‪ ،‬ﻓـﺄﻧﻪ ﻓﻌﻞ ﻏﻴﺮ‬

‫أﺧﻼﻗﻲ ﻷن اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﺼﺪﻗﺔ ذاﺗﻬﺎ و إﻧﻤﺎ ﻏﺎﻳﺔ أﺧﺮى ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻛﻠﻴﺎ ‪ :‬اﻟﻮاﺟﺐ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺨﺎﻃﺐ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻋﺎﻗـﻞ ‪ ،‬ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻩ ﺻﺎدر ﻋﻦ اﻟﻌﻘـﻞ ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻠﺰم أﺷﺨﺎﺻﺎ‬

‫دون أﺷﺨﺎص ‪ ،‬ﻛﻲ ﻻ ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺼﻠﺤﻲ ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻬﺪف ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻲ ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﺬﻟﻚ‬

‫ﻳﺼﻮغ ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻓﻲ ‪ ،‬ﻛﻲ ﻻ ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺼﻠﺤﻲ ‪ ،‬ﻳﺴﺘﻬﺪف ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻲ ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ‬

‫ﺣﺴﺎب اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺼﻮغ ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻓﻲ إﺣﺪى ﺻﻴﺎﻏﺎﺗﻪ " اﻓﻌﻞ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ‬

‫ﺷﺨﺼﻚ " ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻣﻄﻠﻘـﺎ ‪ :‬اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻳﻘﺘﻀﻲ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻐﻴﺮت اﻷﻣﺎﻛﻦ أو اﻷزﻣﻨﺔ ‪ ،‬أي أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻧﺴﺒﻴﺎ ‪ ،‬ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ‬

‫ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﻟﻮاﺟﺐ ﻣﺜﻼ ﻳﺠﺐ أن ﻻ ﺗﻜﺬب ‪ ،‬ﻓﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻹرادة أن ﺗﻠﺘﺰم ﺑﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻜﺎﻧﻴﺔ‬

‫أو اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ ‪.‬‬

‫ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻳﺼﺒﺢ ﺣﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺰم ﺑﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮﻩ ﺑﻪ اﻟﻮاﺟﺐ ﺟﺪﻳﺮا ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا ‪ ،‬ﻗﺪ ﻻ‬

‫ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا ‪ ،‬و ﻗﺪ ﻻ ﻳﺴﻌﺪ ﻓﻌﻼ ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻪ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻨﻪ ﻣﻦ أﻓﻌﺎل أﺧﻼﻗﻴﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻹرادة‬

‫اﻟﻄﻴﺒﺔ ‪ ،‬ﻓـﺈﻧﻪ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا ‪ .‬ﻓـﺎﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﻴﺮ و اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻻ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻤﺎ اﻟﺴﻌﺎدة وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ‬

‫ﺟﺪﻳﺮﻳﻦ ﺑﻬﺎ ‪.‬‬

‫ﻏﻴﺮ أن ﻣﺎ ﻳﻌﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻓﻲ اﻷﺧﻼق ‪ ،‬ﻫﻲ ﻣﺜﺎﻟﻴﺘﻪ اﻟﻤﻔﺮﻃﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻤﺸﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻊ و‬

‫ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﺣﺪا ﺑﺸﻮﺑﻨﻬﺎور ﻓﻲ إﻃﺎر ﺳﺨﺮﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻘـﺎﻧﻮن اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﺑﺬﻟﻚ‬

‫اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﺬي ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻣﺪاواة أﺣﺪ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﺑﺪواء ﻣﺎ ‪ ،‬ﻓـﺄﺑﻰ إﻻ أن ﻳﻄﺒﻖ ذﻟﻚ اﻟﺪواء ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺘﻲ‬

‫ﺗﻌﺮض أﻣﺎﻣﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﺧﺘﻼﻓـﺎﺗﻬﺎ و ﺧﺼﻮﺻﻴﺎﺗﻬﺎ ‪ ،‬و ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺆﻛﺪ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻣﺜﻼ أﻧﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة‬

‫ﺗﺼﺒﺢ ﻛﻞ اﻷﻓﻌﺎل ﻣﺒﺎﺣﺔ أﺧﻼﻗﻴﺎ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻧﻜﺬب ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻴﺎة ﻷﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ أن ﻧﻘﻮل اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻨﻤﻮت ‪.‬‬

‫‪ . 3‬اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻫﻲ اﻟﻔـﺎﺋﺪة اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ‪ ،‬و ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓـﺎﺋﺪة ﺧﺎﺻﺔ أو ﻋﺎﻣﺔ ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺤﺪد ﺟﻮن‬

‫ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻘﻘـﺎ ﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﺤﺪدة وﻓﻖ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ و ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ‪ ،‬و‬

‫ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻬﺪف ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ و ﻣﻨﻔﻌﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ و ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻐﻴﺮ ‪ ،‬ﻫﻮ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻐﻴﺮ ﻫﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ‪ .‬ﻓﻜﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﺮض ﻋﻠﻰ أي ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﻐﻴﺮ و ﻳﺴﻲء ﻟﻨﺎ‬

‫ﻓـﺈﻧﻨﺎ أﻳﻀﺎ ﻧﻌﺘﺮض ﻋﻠﻰ أي ﻓﻌﻞ ﻧﻘﻮم ﺑﻪ و ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻪ إﺳﺎءة ﻟﻠﻐﻴﺮ ‪ .‬ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻳﺆﻛﺪ ﺟﻮن ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ أﺳﺲ‬

‫ﻣﺬﻫﺐ اﻟﻨﻔﻌﻴﺔ اﻟﺬي ﻳﻌﺮف اﻟﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺎﻓﻊ ‪ ،‬و ﻏﺎﻳﺔ ذﻟﻚ اﻟﻔﻌﻞ ﻫﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ‬

‫اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد ‪ .‬و ﻫﺬﻩ اﻟﺴﻌﺎدة ﺗﺘﺤﻘﻖ إﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺿﻤﺎن اﻟﻠﺬة و اﻟﺮﺑﺢ أو ﺗﺠﻨﺐ‬

‫اﻷﻟﻢ و اﻟﺨﺴﺎرة ‪ .‬ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻮزع اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﺣﺴﺐ اﻟﻨﻔﻌﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﻦ ‪:‬‬

‫‪ ‬ﻣﺴﺘﻮى ﻓﺮدي ‪ :‬اﻟﺬي ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻠﻔﺮد ﻟﺬة و ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻣﺴﺘﻮى ﺟﻤﺎﻋﻲ ‪ :‬ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ و ﺗﺴﻤﻰ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﻘﺼﻮى اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎل أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ‬

‫اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ‪.‬‬

‫و ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﻔﺮدي و اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ إﺧﻀﺎع اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺤﺴﺎب و اﻟﻘﻴﺲ وﻓﻖ ﻣﺎ أﻛﺪﻩ ﺑﻮدرﻳﺎر "‬

‫اﻟﺴﻌﺎدة ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻴﺴﻪ " أي أﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺠﺎل اﻟﻠﺬة أﻛﺒﺮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻌﺎدة أﻋﻈﻢ ‪ ،‬و اﻟﻠﺬة ﺗﻘـﺎس ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻘﻘﻪ‬

‫ﻣﻦ ﻓـﺎﺋﺪة و ﻣﺼﻠﺤﺔ و ﻣﻜﺎﻓـﺄة و ﺧﻴﺮ و ﺳﻌﺎدة ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﺨﻀﻊ اﻟﻠﺬة إﻟﻰ ﻣﻘﻴﺎس اﻟﻤﻘـﺎدﻳﺮ و اﻷﺣﺠﺎم واﻟﺪوام و اﻟﻘﺮب و‬

‫اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ‪.‬‬

‫اﻧﻄﻼﻗـﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﻨﻔﻌﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﺘﻨﺘﺞ ﻧﺴﺒﻴﺔ اﻟﻤﻌﻴﺎر اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻧﻈﺮا ﻟﺘﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻵﺧﺮ و ﻣﻦ‬

‫ﻣﻜﺎن ﻟﻤﻜﺎن و ﻣﻦ زﻣﻦ ﻵﺧﺮ ‪ ،‬ﻓﻤﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻲ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻗﺪ ﻳﻀﺮ ﺑﺎﻵﺧﺮ ‪ ،‬و ﺣﺘﻰ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﻨﻔﻌﺔ ﻻ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ‬

‫اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﻜﻠﻴﺔ و اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ و إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪﻳﻦ و أﻛﺒﺮ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح و اﻟﻔﻮز ‪،‬‬

‫ﻓـﺎﻟﻜﺜﺮة ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺿﺮورة اﻻﻃﻼﻗﻴﺔ ‪ ،‬و اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ اﻟﻜﻠﻴﺔ ‪ .‬و ﻫﺬﻩ اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻛﺨﻴﺮ ﺳﻮف ﻟﻦ‬

‫ﺗﻨﺘﺞ إﻻ ﺳﻌﺎدة ﻧﺴﺒﻴﺔ ﺗﺘﺠﺪد ﻣﻊ ﻛﻞ ﻟﺬة و ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ و ﺗﻜﺒﺮ أو ﺗﺼﻐﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺒﺔ ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ / II‬وﻫﻢ اﻟﺴﻌﺎدة ‪:‬‬

‫إن ﻃﺮح ﻣﺸﻜﻞ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻴﻮم ﻳﺆﻛﺪ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﺣﻜﻴﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻛﻠﺔ‬

‫اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﻮن اﻧﺘﻬﺎزﻳﺎ ‪ ،‬ﻣﺘﻬﺎﻓﺘﺎ ‪ ،‬ﻣﺮاوﻏﺎ ‪ ،‬ﻛﺎذﺑﺎ و ﻧﺎﺟﻌﺎ ‪ ،‬ﻓـﻼ وﺟﻮد ﻟﻠﺴﻌﺎدة و إﻧﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ‬

‫ﺳﻌﺎدات ‪ ،‬و ﻟﻜﻞ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ‪ ،‬و ﻟﻜﻞ ﻣﻘـﺎﻳﻴﺲ و ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ‪ ،‬ﺛﻢ ﻣﻦ ﻗـﺎل أﻧﻬﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﻘـﺎ ﺳﻌﺎدة ؟ ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺮوﻃﺔ‬

‫ﺑﺎﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ‪:‬‬

‫‪ ‬ﻗﻮة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻋﻠﻰ ﺷﻴﺨﻮﺧﺔ اﻟﺠﺴﺪ ‪.‬‬

‫‪ ‬ﻋﺪم ﻛﻔـﺎﻳﺔ اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻌﻼﻗـﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺸﺮ ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﺠﺎوز ﻛﻞ ﻫﺬﻩ اﻵﻻم ؟ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺤﻘﻖ ﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﺎرة ﻻ ﺗﻘﻮم إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﺖ "‬

‫ﻣﺰﻳﺪا ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺖ ﻣﺰﻳﺪا ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة " ) ﻓﺮوﻳﺪ ( ‪ .‬إن اﻟﺴﻌﺎدة ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ " ﻓﻲ ﺑﻠﺪة اﻷﺣﻼم‪ ،‬ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ‬

‫ﻟﻬﻮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺴﻜﻦ " و ﺣﺘﻰ إن أﺧﺬﻧﺎ ﺑﻨﺼﻴﺤﺔ اﻟﻜﻨﺪي " ﻳﻨﺒﻐﻲ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺮﻳﺪ ﻣﺎ‬

‫ﻳﻜﻮن " أي اﻟﺮﺿﺎء و اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ‪ ،‬ﻓـﺈن ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺠﺎل اﻷﻓﻀﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ‪ ،‬و ﻛﻞ ﻣﻦ ﻇﻦ‬

‫أن ﺣﻘﻖ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ إﻻ أن ﻫﺘﻚ ﺑﻬﺎ ‪ ،‬ﻷن اﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻌﻨﺎﻩ " أن ﻧﻌﻴﺶ دون ﻋﻨﺎء ‪ ،‬ﺗﻠﻚ ﺣﺎﻟﺔ‬

‫ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ‪ ،‬أن ﻧﻌﻴﺶ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻌﻨﺎﻩ أن ﻧﻤﻮت " )روﺳﻮ( ‪ .‬ﻓـﺎﻟﻮﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ ‪ ،‬ﻷن‬

‫ﻣﻦ ﺣﺼﻞ اﻟﺴﻌﺎدة اﻧﺘﻔﺖ رﻏﺒﺘﻪ و ﻋﺎش ﻣﺤﺮوﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻓـﺈﻧﻨﺎ " ﻟﺴﻨﺎ ﺳﻌﺪاء إﻻ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻜﻮن ﺳﻌﺪاء "‬

‫) روﺳﻮ ( ‪.‬‬

‫ﺷﻜﺮا‬

‫‪6‬‬
‫اﻷﺧﻼق ‪ :‬اﻟﺨﯿﺮ و اﻟﺴﻌﺎدة‬
‫ﻣﺸﻜﻞ اﻷﺧﻼق ‪ :‬إن ﻣﺎ ﯾﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق ﻣﺸﻜﻼ ﻓﻠﺴﻔﯿﺎ ﺑﺎﻷﺳﺎس ھﻮ ‪ :‬ﻏﯿﺎب ﯾﻘﯿﻦ أﺧﻼﻗﻲ ) واﺿﺢ و ﺑﺪﯾﮭﻲ و ﻣﺘﻤﯿﺰ ( ﯾﻤﺜﻞ ﻣﻌﯿﺎرا ﻟﻜﻞ ﻓﻌﻞ أو ﺳﻠﻮك إﻧﺴﺎﻧﻲ و ﯾﺤﺪد‬
‫أﺧﻼﻗﯿﺘﮫ ﻣﻦ ﻻ أﺧﻼﻗﯿﺘﮫ ﺳﺒﺐ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻚ و اﻟﺤﯿﺮة " ﻟﻘﺪ ﻓُﻘﺪ اﻟﯿﻘﯿﻦ اﻷﺧﻼﻗﻲ " ‪ /‬اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﯿﻦ اﻷﻧﺴﺎق اﻷﺧﻼﻗﯿﺔ ﺳﻮاء داﺧﻠﯿﺎ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺤﻀﺎرة‬
‫اﻟﻮاﺣﺪة أو ﺧﺎرﺟﯿﺎ ﺑﯿﻦ ﺣﻀﺎرة و أﺧﺮى ﯾﺆدي إﻟﻰ ﺣﯿﺮة ﻓﻲ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ‪ /‬اﻟﺜﻨﺎﺋﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ‪ :‬اﻟﻐﺮﯾﺰة و اﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﮭﻮى و اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ أو‬
‫اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺠﺴﺪ و اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺮة ﺣﻮل ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻛﻞ ﺳﻠﻮك أو ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ ‪.‬‬

‫اﻟﺴﻌﺎدة ‪ :‬اﻟﺤﻞ أم اﻟﻤﺸﻜﻞ ‪ :‬ﻓﻲ إطﺎر ھﺬه اﻟﺤﯿﺮة ﯾﺒﺮز ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺴﻌﺎدة ﻛﺤﻞ ﻣﻤﻜﻦ أي ﻛﻤﻘﯿﺎس ﯾﻤﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ و اﻟﻔﻌﻞ ﻏﯿﺮ اﻷﺧﻼﻗﻲ ‪ ،‬ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﯾﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ‬
‫اﻟﺴﻌﺎدة ھﻮ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ ‪ ،‬اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﻤﺎ ھﻲ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺮﺿﺎء و اﻟﻘﺒﻮل ﺗﺠﺎه ﻓﻌﻞ أو ﻗﻮل ﻣﺎ ﺻﺎدر ﻋﻨﺎ أو ﻋﻦ ﻏﯿﺮﻧﺎ ‪ .‬ﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﻧﺴﻌﺪ ؟ ﺑﺈﺗﺒﺎع اﻟﻌﻘﻞ أم اﻟﺸﮭﻮات ؟ ﺑﺈﺗﺒﺎع‬
‫اﻟﻨﻔﺲ أم اﻟﺠﺴﺪ ؟ أي ﻓﻌﻞ ﺧﯿﺮ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ اﻟﺴﻌﺎدة ؟ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻌﺎدة رﺿﺎء ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺈطﻼق ؟‬

‫اﻟﺨﯿﺮ طﺮﯾﻖ إﻟﻰ اﻟﺴﻌﺎدة‬


‫اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ) ﺟﻮن ﺳﺘﯿﻮارت ﻣﯿﻞ (‬ ‫ﺑﺎﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﺗﺠﺪر اﻟﺴﻌﺎدة ) ﻛﺎﻧﻂ (‬ ‫اﻟﺨﯿﺮ اﻷﺳﻤﻰ أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ) أرﺳﻄﻮ (‬

‫اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻘﻖ ﻣﻨﻔﻌﺔ ‪ /‬اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ھﻲ اﻟﻔﺎﺋﺪة‬ ‫اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ أن ﻧﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﯾﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﮫ اﻟﻮاﺟﺐ ‪ /‬اﻟﻮاﺟﺐ‬ ‫اﻟﺨﯿﺮ اﻷﺳﻤﻰ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﻘﻖ ﻟﺬة ﻣﺎ ‪ /‬ﯾﺠﺐ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ‬
‫واﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ) اﻟﺨﺎﺻﺔ أو اﻟﻌﺎﻣﺔ ( اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﯿﺎم‬ ‫اﻟﺨﻠﻘﻲ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﮫ اﻟﻌﻘﻞ و ﺗﺄﺗﻤﺮ ﺑﮫ اﻹرادة‬ ‫ﺑﯿﻦ اﻟﻠﺬة اﻟﺨﯿﺮة و اﻟﻠﺬة اﻟﺴﯿﺌﺔ ‪ /‬اﻟﻠﺬة اﻟﺨﯿﺮة ھﻲ اﻟﻠﺬة‬
‫ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ‪ /‬اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﮭﺪف ﺗﺤﻘﯿﻖ‬ ‫ﻓﺘﺘﺠﮫ إﻟﻰ ﻓﻌﻠﮫ ‪ /‬اﻟﻮاﺟﺐ ﻗﺒﻠﻲ أي ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ‬ ‫اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ و اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﺬاﺗﮭﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‬
‫ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺧﺎﺻﺔ و ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻋﺎﻣﺔ ‪/‬‬ ‫وﻋﻦ اﻟﻔﻌﻞ ‪ /‬اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻘﻠﻲ ﻓﮭﻮ أﻣﺮ ﻋﻘﻠﻲ و ﻟﯿﺲ‬ ‫اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ ‪ /‬اﻟﻠﺬة اﻟﺴﯿﺌﺔ ھﻲ اﻟﻠﺬة اﻟﺤﺴﯿﺔ و اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ‬

‫‪1‬‬
‫ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻐﯿﺮ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ‪/‬‬ ‫داﻓﻌﺎ ﻏﺮﯾﺰﯾﺎ أو طﺒﯿﻌﯿﺎ و ھﺬا ﻣﺎ ﯾﻤﯿﺰ اﻟﻔﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‬ ‫اﻟﻤﺘﻐﯿﺮة و اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ ﻣﻠﺬات أﺧﺮى ﻣﺜﻞ‬
‫اﻻﻋﺘﺮاض ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ ﯾﻘﻮم ﺑﮫ اﻟﻐﯿﺮ ﯾﺴﻲء ﻟﻨﺎ ﯾﺪﻋﻮﻧﺎ‬ ‫ﻋﻦ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺤﯿﻮاﻧﻲ ‪ /‬اﻟﻮاﺟﺐ إرادي أي ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ أو اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ أو اﻟﻤﺠﺪ ‪ /‬اﻟﺨﯿﺮ اﻷﺳﻤﻰ إذن ھﻮ‬
‫إﻟﻰ ﻋﺪم اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺄي ﻓﻌﻞ ﻓﯿﮫ ﻣﺼﻠﺤﺘﻨﺎ و ﻟﻜﻨﮫ ﯾﻀﺮ‬ ‫اﻟﺤﺮﯾﺔ ﻷن اﻹرادة ﻗﺪ ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﻤﺎ ﯾﺄﻣﺮھﺎ ﺑﮫ اﻟﻌﻘﻞ‬ ‫اﻟﻠﺬة اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﺗﺄﻣﻞ و ﺗﻌﻘﻞ و اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﻠﺐ‬
‫ﺑﺎﻟﻐﯿﺮ ‪ /‬اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺤﻘﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ‬ ‫وﻗﺪ ﻻ ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ‪ /‬اﻹرادة اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﻌﻘﻞ إرادة ﺣﺮة‬ ‫ﻟﺬاﺗﮭﺎ " اﻟﻠﺬات اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺒﮭﺎ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﯾﻈﮭﺮ إذن أﻧﮭﺎ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ‪ /‬اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺬي ﯾﺤﻘﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ‬ ‫ﻷن اﻹﻟﺰام داﺧﻠﯿﺎ و ﻟﯿﺲ ﺧﺎرﺟﯿﺎ ‪ /‬اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ‬ ‫ﻋﺠﯿﺒﺔ ﺑﻨﻘﺎﺋﮭﺎ و ﻣﺘﺎﻧﺘﮭﺎ " ) أرﺳﻄﻮ ( ‪ /‬اﻟﻠﺬة ﻻ ﺗﺤﻘﻖ‬
‫اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﯾﺤﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ‪ /‬اﻟﺴﻌﺎدة‬ ‫اﻟﺨﻀﻮع ﻷواﻣﺮ اﻟﻌﻘﻞ و إﻧﻤﺎ ﻓﻲ اﻻﻧﺼﯿﺎع ﻷواﻣﺮ‬ ‫اﻟﺴﻌﺎدة إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ دون ﻣﻮاﻧﻊ أي دون ﻋﻮاﺋﻖ ‪/‬‬
‫ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺿﻤﺎن اﻟﻠﺬة و اﻟﺮﺑﺢ و ﺗﺠﻨﺐ اﻷﻟﻢ‬ ‫اﻟﺸﮭﻮات و اﻟﻐﺮاﺋﺰ ‪ /‬اﻟﻮاﺟﺐ ﻗﻄﻌﻲ أي اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‬ ‫ﻋﺎﺋﻖ اﻟﻠﺬة أن ﺗﺰﯾﺪ ﻋﻦ ﺣﺪھﺎ ‪ /‬اﻟﻠﺬة اﻟﺘﻲ ﺗﺰﯾﺪ ﻋﻦ‬
‫واﻟﺨﺴﺎرة ‪ /‬اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻣﺴﺘﻮﯾﯿﻦ ‪ :‬ﻣﺴﺘﻮى ﻓﺮدي ﯾﺤﻖ ﻟﺬة‬ ‫ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﻔﻌﻞ ذاﺗﮫ ﻣﺜﻼ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻷﺟﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﻘﯿﺎم‬ ‫ﺣﺪھﺎ ﺗﻜﻮن رذﯾﻠﺔ ‪ /‬اﻟﻔﻀﯿﻠﺔ ھﻲ اﻟﺤﺪ اﻷوﺳﻂ ﺑﯿﻦ‬
‫اﻟﻔﺮد و ﻣﻨﻔﻌﺘﮫ و ﻣﺴﺘﻮى ﺟﻤﺎﻋﻲ و ﺗﺴﻤﻰ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ‬ ‫ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻐﺎﯾﺔ أﺧﺮى ﻣﺜﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺘﻈﺎھﺮ واﻟﺮﯾﺎء‬ ‫رذﯾﻠﺘﯿﻦ ‪ :‬اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ھﻲ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻌﺎدل ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺒﻦ‬
‫اﻟﻘﺼﻮى اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎل أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ‪/‬‬ ‫ھﻮ ﻓﻌﻞ ﺷﺮطﻲ ‪ /‬اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ‬ ‫واﻟﺘﮭﻮر ‪ /‬ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻔﻀﯿﻠﺔ إذن ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﺠﺎھﺪة‬
‫ﺧﻀﻮع اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻘﯿﺲ و اﻟﺤﺴﺎب " اﻟﺴﻌﺎدة‬ ‫اﻟﻮاﺟﺐ و ﻟﯿﺲ اﻟﻤﻄﺎﺑﻖ ﻟﻠﻮاﺟﺐ ‪ /‬اﻟﻮاﺟﺐ ﻛﻠﻲ أي ھﻮ‬ ‫اﻷھﻮاء و اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت و اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ و اﻟﺮﻏﺒﺎت‬
‫ھﻲ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻗﯿﺴﮫ " ) ﺑﻮدرﯾﺎر ( ‪ /‬ﺧﻀﻮع اﻟﻠﺬة إﻟﻰ‬ ‫واﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﻋﺎﻗﻞ و ﻻ ﯾُﻠﺰم أﺷﺨﺎﺻﺎ دون‬ ‫واﻟﺘﺸﺒﺚ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ و اﻟﺤﻜﻤﺔ ‪ /‬اﻟﺴﻌﯿﺪ ھﻮ‬
‫ﻣﻘﺎﯾﯿﺲ اﻟﻤﻘﺎدﯾﺮ و اﻟﺪوام و اﻟﻘﺮب و اﻟﺴﮭﻮﻟﺔ ‪/‬‬ ‫أﺷﺨﺎص و إﻻ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺼﻠﺤﻲ " اﻓﻌﻞ و ﻛﺄﻧﻚ‬ ‫اﻟﺤﻜﯿﻢ اﻟﺬي ﯾﺨﺘﺎر ﻣﻦ اﻷﻣﻮر أوﺳﻄﮭﺎ ﺣﯿﺚ ﻻ إﻓﺮاط‬
‫ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻚ " ) ﻛﺎﻧﻂ ( ‪ /‬اﻟﻮاﺟﺐ‬ ‫و ﻻ ﺗﻔﺮﯾﻂ ‪.‬‬
‫ﺗﻘﯿﯿﻢ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪ :‬اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ‪ :‬ﺗﻘﺮﯾﺐ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ‬
‫ﻣﻄﻠﻖ ﯾﻘﺘﻀﻲ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﮫ ﻣﮭﻤﺎ ﺗﻐﯿﺮت اﻷﻣﺎﻛﻦ أو‬
‫أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺮاھﻦ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﯾﻘﻮم‬ ‫ﺗﻘﯿﯿﻢ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪ :‬اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ‪ :‬ﺗﺠﺎوز اﻟﻤﻮﻗﻒ‬
‫اﻷزﻣﻨﺔ ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪأ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ و اﻟﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻤﻮذج ﻋﺎم و ﻛﻠﻲ‪/‬‬ ‫اﻷﻓﻼطﻮﻧﻲ اﻟﺬي ﯾﺴﻜﻦ اﻷﺧﻼق ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻣﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺎ‬
‫ﺑﮭﺬه اﻟﺸﺮوط ﯾﺼﺒﺢ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ اﻟﺘﺰم ﺑﻤﺎ اﻟﯿﻮم ﻻ وﺟﻮد ﻟﻠﺴﻌﺎدة و إﻧﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺳﻌﺎدات و ﻟﻜﻞ‬ ‫"ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﻞ " ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮد أن ﯾﻘﺘﺎد ﺑﮫ ‪ /‬رﺑﻂ ﻣﺒﺪأ اﻟﻔﻌﻞ‬
‫ﯾﺄﻣﺮه ﺑﮫ اﻟﻮاﺟﺐ ﺟﺪﯾﺮا ﺑﺄن ﯾﻜﻮن ﺳﻌﯿﺪا ‪ ،‬ﻗﺪ ﻻ ﯾﺴﻌﺪ ﺳﻌﺎدﺗﮫ ‪ /‬اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﯿﻮم ﺗﻌﻨﻲ أن ﺗﻜﻮن اﻧﺘﮭﺎزﯾﺎ‬ ‫اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑﻤﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺪادات طﺒﯿﻌﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ‬
‫و ﻟﻜﻦ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻨﮫ ﻣﻦ أﻓﻌﺎل ﺻﺎدرة ﻋﻦ وﻣﺮاوﻏﺎ و ﻛﺎذﺑﺎ و ﻧﺎﺟﻌﺎ و ﻣﻨﺎﻓﻘﺎ ‪ /‬اﻟﺤﺪود ‪ :‬اﻹﻗﺮار‬ ‫ﻋﻘﻠﮫ و إرادﺗﮫ ‪ /‬اﻟﺤﺪود ‪ :‬اﺳﺘﺒﻌﺎد اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻦ اﻟﻤﻠﺬات‬
‫اﻟﻮاﺟﺐ ﻓﺈﻧﮫ اﻷﺟﺪر ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة ‪ /‬اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﯿﺮ ﻻ ﯾﺤﻘﻖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺮ و اﻟﻠﺬة و اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﯾﺆدي ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ‬ ‫اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ و اﻟﺤﺴﯿﺔ ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﻓﻜﺮ ﻣﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﻲ ﻣﺤﺘﻘﺮ‬
‫اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻌﺎدة و اﻻرﺗﯿﺎب ﻣﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ وﺟﻮدھﺎ ‪/‬‬ ‫اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻌﻼ و ﻟﻜﻨﮫ ﯾﺠﻌﻠﻨﺎ ﺟﺪﯾﺮﯾﻦ ﺑﮭﺎ ‪.‬‬ ‫ﻟﻠﺠﺴﺪ ‪ /‬اﻟﺤﻂ ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺠﺴﺪ ﺳﺎھﻢ ﻓﻲ ﺗﺄﺧﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‬
‫اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﻨﻔﻌﺔ ﻻ ﯾﻌﻨﻲ اﻟﻜﻞ ﻷن اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ﻻ‬ ‫ﺑﻤﺴﺘﻄﺎﻋﮫ ) ﻗﺪراﺗﮫ ( إﻟﻰ ﺣﺪود اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ‬
‫ﺗﻘﯿﯿﻢ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ‪ :‬اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ‪ :‬ﺑﮭﺬه اﻟﺸﺮوط ﺣﻮل‬
‫ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻜﻠﯿﺔ ‪.‬‬ ‫ﻣﻊ ﺳﺒﯿﻨﻮزا‬
‫ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻘﺎﻧﻮن و ﺧﺮج ﺑﮫ‬

‫‪2‬‬
‫ﻣﻦ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﻌﻞ اﻻﻋﺘﺒﺎطﻲ و اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲ و اﻟﺬاﺗﻲ إﻟﻰ ﻓﻌﻞ‬
‫ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻣﻘﻨﻦ ‪ .‬اﻟﺤﺪود ‪ :‬ھﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻣﺜﺎﻟﻲ ) ﻏﯿﺮ‬
‫واﻗﻌﻲ ( ﻟﻢ ﯾﺄﺧﺬ ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﻈﺮوف اﻟﺰﻣﻨﯿﺔ‬
‫واﻟﻤﻜﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﻣﺜﻞ طﺒﯿﺐ ﯾﺪاوي ﻛﻞ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﺑﻨﻔﺲ‬
‫اﻟﺪواء ‪ /‬اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﺣﺴﺐ اﻟﻤﻮﻓﻖ‬
‫اﻟﺬي ﺗﻀﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة و اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻏﺎﯾﺘﮫ‬
‫اﻟﺤﯿﺎة و إرادة اﻟﺤﯿﺎة و اﻟﻘﻮة ﺗﻠﻚ ھﻲ أﺧﻼق اﻷﻗﻮﯾﺎء‬
‫)ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ أن ﻧﻘﻮل اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ و ﻧﻤﻮت ( ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺄﺧﻼق‬
‫اﻟﻀﻌﻔﺎء و اﻟﻌﺒﯿﺪ ) ﻧﯿﺘﺸﮫ ( ‪.‬‬

‫وھﻢ اﻟﺴﻌﺎدة‬
‫اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﺴﺘﺤﯿﻠﺔ ﻷﻧﮭﺎ ﻣﺸﺮوطﺔ ب ‪ :‬اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ و ﻋﻠﻰ ﺷﯿﺨﻮﺧﺔ اﻟﺠﺴﺪ و ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﻛﻔﺎﯾﺔ اﻟﺘﺪاﺑﯿﺮ اﻟﺮاﻣﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﺒﺸﺮ ‪ /‬اﻟﺴﻌﺎدة‬
‫ﻣﺴﺘﺤﯿﻠﺔ ﻷن اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﺖ " ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺖ ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة " ) ﻓﺮوﯾﺪ ( ‪ /‬اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ و اﻟﺮﺿﺎء ﺑﺎﻟﻤﻮﺟﻮد ﻗﺪ ﻻ ﯾﻜﻔﯿﺎن ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻮﺟﻮد ھﻮ ﺳﺒﺐ ﻛﻞ اﻵﻻم و ﻧﺼﯿﺤﺔ اﻟﻜﻨﺪي ﻏﯿﺮ ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻟﺘﺠﻌﻞ ﻣﻨﺎ ﺳﻌﺪاء " ﯾﺠﺐ إذا ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺎ ﻧﺮﯾﺪ أن ﻧﺮﯾﺪ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن " ‪ /‬ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ھﺘﻚ‬
‫وإﻧﮭﺎء ﻟﮭﺎ ﻷن اﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻌﻨﺎه " أن ﻧﻌﯿﺶ دون ﻋﻨﺎء ‪ ،‬ﺗﻠﻚ ﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ن أن ﻧﻌﯿﺶ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻌﻨﺎه أن ﻧﻤﻮت " ) روﺳﻮ ( ‪ /‬اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ھﻲ‬
‫ﻣﻌﺎﻧﺎة و ﺣﯿﺮة و ﻗﻠﻖ ‪ /‬ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ﯾﻌﻨﻲ اﻧﺘﮭﺎء اﻟﺮﻏﺒﺔ و اﻟﻮﯾﻞ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﮫ ﻣﺎ ﯾﺮﻏﺐ ﻓﯿﮫ ﺣﯿﺚ أن " ﻣﻦ ﺣﺼﻞ اﻟﺴﻌﺎدة اﻧﺘﻔﺖ رﻏﺒﺘﮫ و ﻋﺎش ﻣﺤﺮوﻣﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺮﻏﺒﺔ " ) اﻟﻜﻨﺪي ( ‪ /‬طﺎﻟﻤﺎ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻨﺤﻦ ﺳﻌﺪاء و ﻟﺤﻈﺔ ﺗﺤﻘﯿﻘﮭﺎ ﺗﻤﻮت ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺤﻦ " ﻟﺴﻨﺎ ﺳﻌﺪاء إﻻ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻜﻮن ﺳﻌﺪاء " ) روﺳﻮ ( ‪ /‬اﻟﺴﻌﺎدة إذن‬
‫وھﻢ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫ و ﻻ وﺟﻮد ﻟﮫ إﻻ " ﻓﻲ ﺑﻠﺪة اﻷﺣﻼم ‪ ،‬ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﮭﻮ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺠﺪﯾﺮ ﺑﺎﻟﺴﻜﻦ " ) ﻓﺮوﯾﺪ ( ‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like