Professional Documents
Culture Documents
3
يحوؿ
أف اآلخر ّ
إما أنا أو اآلخر ،ذلؾ ّ
-الغير بماىو سمب لحريتي عمى النحو الذي أبرزه سارتر ّ :
تحوؿ اآلخر إلى موضوع وتقوـ بنفيو .فينجـ عف
األنا إلى موضوع ويستيدفيا بالنفي ،واألنا بدورىا ّ
ذلؾ النزاع مف أجؿ اثبات الذات والدفاع عف الحرية.
أف أساس ماىو إنساني في العالقة بيف األنا والغير ىو اإلعتراؼ المتبادؿ داخؿ
-التأكيد عمى ّ
نطاؽ االقرار والقبوؿ باالختالؼ وىو ما سيسمح بضماف لقاء اإلنساف باإلنساف عمى النحو الذي
أي كائف إنساني ال يستعمي عمى الكائنات اإلنسانية األخرى بشكؿ
إف ّصاغو ميرلوبونتي بقولو ّ " :
ظؿ عاطال و جاثما عمى اختالفو الطبيعي".
نيائي إالّ متى ّ
الخصوصيت والكونيت:
وىويتيا دوف أف تواجو تناقضا بيف ماضييا
كيؼ يمكف لمثقافة أف تضمف المحافظة عمى خصوصيتيا ّ
يسبب ذلؾ فقداف
بأي معنى يمكف لثقافة ما أف تتواصؿ مع ثقافة أخرى دوف أف ّ
وحاضرىا؟ ّ
ميددا
اي نحو يكوف التواصؿ بيف الثقافات مثمرا وب ّناءا وليس ّ
ىويتيا؟ عمى ّ
خصوصيتيا أو اختراؽ ّ
ومحطّما ؟
4
تتحدد وفؽ جدلية الماضي والحاضر مف خالؿ االنتماء إلى تراث ثقافي
اليوية ّ
ّ اليوية الثقافية:
ّ معنى
تتحدد
تجسـ خصوصية ّ ىوية ّ وكؿ ّ
يجسـ أصالة وباإلعالف عف موقؼ حداثي يالقي الثقافات األخرىّ .
ّ
بناء عمى أنظمة تواصؿ ورموز أو وسائط مثؿ المغة والديف واألسطورة والصورة...وىو ما تشترؾ فيو
تنوع الثقافات داخؿ وحدة اإلنسانية :وحدة الكثرة :وحدة الثقافة اإلنسانية وكثرة
جميع الثقافاتّ :
يحدد موقع الثقافة وموقفيا الحامؿ لمقيـ والفكار والمشاعر ومختمؼاليوية ىي ما ّ
ّ وتنوعيا.
الثقافات ّ
اليوية ذات طابع مرّكب يشتمؿ عمى ما ىو محّمي خاص وما ىو كوني.
ّ االبداعات=
كؿ ثقافة خصوصيتيا مف لغتيا ودينيا ورموزىا ...
تستمد ّ
ّ
مما يسمح ليا بأف تكوف مصدر خصوصية تحمؿ المغة نظاـ رمزي تمتقي فيو جميع االبداعات الثقافية ّ
يتسبب ذلؾ في طمس المغة الصمية وبالتالي اليوية
ّ مخزوف تجارب المجتمع ،ومتى ىيمنت لغة أخرى
أف األنجميزية ىي لغة
ادعاء ّ
مما ينجـ عنو غزو ثقافي عمى نحو ما تمارسو اليوـ مثال العولمة عبر ّ
ّ
العمـ.
المقدس :ذو صبغة رمزية يرتبط بما ىو متعالي ومفارؽ فيتقابؿ مع الدنيوي والمرئي .ىو أحد السماتّ
ويستمد منو اإلنساف شعوره باالنتماء
ّ يستمد منو المجتمع وحدتو وتماسكو
ّ لميوية الثقافية
ّ المميزة
ّ
الذي يجعمو مرتبطا باآلخر.
بوأىا مكانة أرفع مف
مما ّ
وتعد الوسيط األكبر لمثقافة الراىنةّ ،
الصورة :أساس وسائطي يضمف التواصؿ ّ
تعوض الحوار. ومما جعؿ الفرجة(مجتمع الفرجة أو المشيد) اليوـ ّ
المغة ّ
توظيؼ الصورة ثقافيا تحت توجيو منطؽ غزو السوؽ أو الغزو الثقافي بموجب الثورة الرقمية
تسبب في تفاوت عمى مستوى االمكانيات ،فمف يييمف عمى مصادر الصورة وتكنولوجيا االتصاالتّ ،
استغؿ ذلؾ مف أجؿ السيطرة عمى اآلخريف وترويج قيـ ثقافية أحادية=
ّ وتقنيات انتاجيا وترويجيا
تيدد الكونية الثقافية.
تيدد الخصوصيات الثقافية كما ّ
النمطية الثقافية أو ثقافة التماثؿ والتشابو التي ّ
الميددة الخصوصية الثقافية :
ّ األخطار
تعصبو النتمائو /اكماش وانطواء
التنوع والحوار بدافع ّ
ىويتو فيرفض ّ مف ينغمؽ حوؿ ّ -
يسبب موتا لمثقافة.
ّ
مف ينفتح عمى الثقافات المختمفة ويتبادؿ معيا تأثيرا وتأثّرا عمى أساس الحوار. -
مف يعتقد في أفضميتو ويسعى إلى الييمنة عمى اآلخر /صداـ الحضارت وصراعيا(. -
المركزية الثقافية).
أشكاؿ العالقة بيف الثقافات:
5
مقوماتيا ومف اإلسياـ في
مما يمنعيا مف تطوير ّ
انغالؽ الثقافة عمى نفسيا يقودىا عمى العزلة ّ
بناء صرح الكوني.
يتسبب في
ّ تفوقيا العممي والتقني
ادعاء مركزيتيا بمقتضى ّ
اعتقاد الثقافة في أفضميتيا و ّ
ىويتو
االستعالء عمى الغير والعمؿ عمى إخضاعو وطمس ّ
فيعمؽ الفوارؽ ويغ ّذي
= صراع بيف الثقافت يفرز واقعا صداميا يمنع مف المقاء والحوار بيف الثقافات ّ
فكرة كونية مزعومة تكوف عمى طراز الثقافة المركزية مثؿ الثقافة الغربية اليوـ.
اإليماف بوحدة الثقافة اإلنسانية المراىنة عمى الكونية يتوقّؼ عمى االعتراؼ المتبادؿ بيف سائر
الثقافات ببعضيا البعض والعمؿ عمى التواصؿ عبر اختالفيا بما يرسي دعائـ الحوار الذي يسمح
بالتالقح الثقافي.
اعتبرت الثقافة الغربية القيـ التي أنتجتيا في مرحمة تنويرىا وحداثتيا الفكرية بمثابة القيـ العالمية،
ييدد الخصوصيات الثقافية ،وىو ما يتراءى :
فاتّجيت نحو تسويقيا وتعميميا بشكؿ ّ
ادعاء
يؤدي عمى موت الثقافة ،وا ّما عبر ّ
مما ّ
بالقوة ّ
إما مف خالؿ السعي نحو دمج ثقافة اآلخر ّ ّ
مما يقود إلى إذابة الخصوصية.
عالميتيا والترويج لفكرة كونيتيا ّ
جرء العولمة.
ميددة باليالؾ مف ّ
مثاؿ ما تمارسو اليوـ العولمة الثقافية :فالكونية ّ
العولمة وىيمنة النموذج:
كؿ شعوب العالـ دوف استثناء بمقتضى ما تعنيو مف داللة تقوـ العولمة اليوـ ظاىرة بارزة في حياة ّ
كؿ الحدود التي تفصؿ مناطؽ العالـ عف بعضيا البعض عمى ضوء ما تح ّقؽ باألساس عمى اختراؽ ّ
لدف الثورة المعموماتية وتكنولوجيا اال تّصاالت،؛ وكذلؾ بناء عمى تحويؿ العالـ إلى قرية تكوف أقرب
مف ّ
إلى سوؽ لممبادالت .أصبحنا قادريف اليوـ عمى أف نرى مشيدا واحدا ىو الذي تنقمو إلينا الحضارة
المستأثرة بوسائؿ اإلعالـ والمييمنة عمى صناعة القرار في جميع المجاالت ،سواء كانت اقتصادية أو
التفوؽ
سياسية أو اجتماعية .؛ خمؼ العولمة الثقافية تتوارى نزعات عنصرية ومآرب إثنية تغ ّذي ّ
متقدـ وآخر متخمّؼ وغيرىما ىمجي أو
العرقي وتدافع عف تراتبية في العالـ وتفاضؿ في العوالـ (عالـ ّ
بدائي أو غيرذلؾ مف التسميات المح ّقرة لإلنساف.)...
الكونية المنشودة:
مشاىد إيجابية اقترنت بظاىرة العولمة وال يمكف التغاضي عنيا أو إنكارىا ،مف قبيؿ ما تح ّقؽ عمى
مستوى التواصؿ مف تقارب بيف الشعوب ،عالوة عمى ما أنجزتو ثورة االتصاالتمف نتائج لطالما تطّمع
فمجرد ما تم ّكف اإلنساف اليوـ مف تخطّي
ّ ظؿ قير المكاف والزماف.
اإلنساف إلى تحقيقيا في ّ
توصؿ إلى االقتراب أكثر مف الغير واإلحاطة بتراث إنساني
الصعوبات المرتبطة بالمكاف والزماف حتّى ّ
6
مضادة"
ّ نشيد ما أطمؽ عميو البعض " عولمةيتعيف أف ّ
كوني كاف يجيؿ مداه واتّساعو وأبعادهّ . .
تسمح ببزوغ أمؿ اإلنساف في قيـ العدؿ والتسامح والسمـ بما ىي قيـ كونية ال تحتاج إلى مف يبرىف
عمى أح ّقيتيا أو يدافع عف ضرورة انتشارىا في مختمؼ أرجاء المعمورة.
8
الطريقة العممية الكالسيكية كانت تستيدؼ الظواىر مف أجؿ اختزاليا ضمف سالسؿ سببية معزولة أو
أ ّنيا نتيجة ثابتة لعدد غير محدود مف المسارات ،لكف إزاء تفاعؿ عدد أكبر مف العناصر تفشؿ الطريقة
ثمت مشكالت جديدة برزت عند اإلبقاء عمى المفاىيـ الكالسيكية :
الكالسيكيةّ .
يفسر الظواىر المالحظة عبر اختزاليا إلى وحدات مف العناصر المحدودة
)°إذا كاف العمـ الكالسيكي ّ
تصورات جديدة برزف مف خالؿ إجراءات
فإف العمـ المعاصر يعتمد ّبصورة مستقّمة عف بعضيا البعضّ ،
يسمى "المجموع" وتنمذج الظواىر التي اليمكف إختزاليا ضمف
توجو يرتبط بما ّ
تنمذج الواقع وفؽ ّ
أحداث محمّية وتنمذج التفاعالت الحركية التي تتمظير في سموؾ األجزاء المعزولة أو القائمة في
مجموع مرّكب ،أي "أنساؽ" مختمؼ األنظمة التي ال يمكف أف تُ ْد َرؾ عبر دراسة أجزائيا بصورة معزولة
تغير جذري
فإف ما نشيده اليوـ ىو ّ
تطورىا باستقاللية عف بعضيا البعضّ ، )°إذا كانت العموـ أحرزت ّ
التصورات بحيث أصبح ىناؾ بفضؿ النمذجة مالمح متماثمة في العموـ المختمفة حتّى أ ّننا
في المواقؼ و ّ
جد في مياديف مختمفة قوانيف واحدة عمى المستوى الصوري :في العديد مف الحاالت تكوف القوانيف
عامة
ثمت قوانيف ّ
بغض النظر عف طبيعة المواضيع المدروسةّ .
المتشاكمة صالحة ألقساـ مف األنساؽ ّ
الخاصة.
ّ مميزاتو
أي صنؼ بصورة مستقمّة عف ّ كؿ نسؽ مف ّ
تطبؽ عمى ّ
لألنساؽ يمكف أف ّ
تتوزع
تنفؾ ّ
الغرض األقصى يكمف في التخّمص مف النظر إلى العموـ المنفصمة وكما لو أ ّنيا مجاالت ال ّ
كؿ اختصاص نموذجا صغيرا بال معنى منفصؿ عف البقية ،عمى حد يصبح فيو ّ
إلى أقساـ أصغر إلى ّ
عامة لمعموـ وتجمع مبادئ رئيسة بيف
العامة لألنساؽ إلى تمبية احتياجات ّ
ّ عكس ذلؾ ،ترمي النظرية
طراد
تتقدـ با ّ
أف النظرية العامة لألنساؽ ّ
مجرد برنامج نظري ،بؿ نجد ّ
اختصاصات مختمفة .وليس ذلؾ ّ
في مجاؿ التأليؼ بيف االختصاصات المختمفة والدراسات المندمجة.
التقدـ ،فإ ّنو ال يحجب ع ّنا ما يرتبط بو مف نتائج عمى الصعيد االيتيقي .فنحف
لكف ميما كاف حجـ ىذا ّ
تقدـ غير مسبوؽ في جميع المياديف المتصمة بحياة اإلنساف :معرفتنا بالقوانيف الفيزيائية بصدد إحراز ّ
تتسع وتكتسي جودة متزايدة ،تح ّكمنا في الطبيعة بواسطة التكنولوجيا فائؽ النجاعة ،التكنولوجيا
كؿ ذلؾ لـ يمح المجاعة ولـ يقضي عمى الحروب ولـ ينقذ كرامة الجينية والطب الحيوي ،لكف ّ
مما عرفتو اإلنسانية في فترات خمت.
ربما معاناة اإلنساف اليوـ أكبر بكثير ّ
اإلنساف ،بؿ ّ
* يجب إنقاذ العمـ بإعطائو طابعا اجتماعيا وثقافيا .فاإلنساف ليس مجرد كائف طبيعي ،بؿ كائف
والمشكؿ يرتبط اجتماعي وثقافي .فالعقالنية األداتية التي سعت إلى تحرير اإلنساف قد استعبدتو.
حسب إدغار موراف بالوعي بالمسؤولية .الوعي بالمسؤولية يفترض إعادة ىيكمة لبنيات المعرفة ذاتيا.
9
الجدية بحيث مف غير المعقوؿ أف تترؾ بأيدي العمماء،
أف المسألة العممية مفرطة ّ ** يعتبر موراف ّ
إف
جدية المعرفة العممية يمنع قطعيا مف أف تترؾ بأيدي الساسة والدوؿّ .
إف ىذا اإلفراط في ّ
بؿ ّ
تيـ المواطنيف.
المسألة العممية حسب موراف مسألة مدنية ّ
-تطور البحوث العممية واالكتشافات التقنية محكوـ بالقوة السياسية وغير مبني عمى مسؤولية
إنسانية.
أف العقؿ لـ يعد قادرا عمى
لقد أفمتت اإلنجازات العممية والتقنية مف تح ّكـ العقؿ ورقابة القيـ ،ذلؾ ّ
مراقبة الفعؿ اإلنساني؛ فاستبعدت بذلؾ أحكاـ القيمة التي ال تعد عمى صمة بالعمـ ،فال أخالؽ في
العمـ .إف استحضار القيـ واألخالؽ في مجاؿ العمـ يعني القضاء عمى الموضوعية .فالموضوعية
تقتضي مف العالـ استبعاد كؿ المقومات الذاتية واعتماد الحياد في النظر .فال مشاعر وال قيـ وال
أخالؽ.
* لقد أصبحنا أماـ تقدـ ىائؿ لمعديد مف العموـ ،خاصة عموـ االتصاؿ والفضاء وصناعة األدوية
والتقنية الحيوية واليندسة الوراثية ،وغيرىا .وىو ما م ّكف اإلنساف مف القدرة عمى استئصاؿ المموثات
مف التربة والماء والقضاء عمى العديد مف األمراض واألوبئة ،لكف ىذا التقدـ أثار بالمقابؿ قضايا
تقتضي المعالجة مف منظور فكر نقدي .فكما أف اليندسة الوراثية مثال استخدمت في العديد مف
المجاالت النافعة لإلنساف ،فيمكف كذلؾ أف تضر بو؛ وأف تفتؾ بو مف خالؿ حروب جرثومية واستخداـ
أسمحة بيولوجية .وعميو ،فال يجادؿ أحد في أف اإلنجازات التي حققتيا العديد مف العموـ مكنتنا مف
التغمب عمى مجموعة مف العوائؽ ،دوف أف نجادؿ في نفس الوقت بأف العديد منيا وضعنا أماـ قضايا
تيـ القيـ باألساس.
أماـ ما يشيده العالـ مف محاوالت النمذجة وسيطرة القيـ المادية عمى القيـ الروحية أصبحت العديد
مف العموـ تطرح قضايا لـ يعيد بيا اإلنساف مف قبؿ .كما أصبحت التقنية تطرح عمينا أسئمة لـ تعد
معرفية فقط ،بؿ أصبحت وجودية باألساس .وىو مازاد مف مسؤولية المفكر .حيث لـ يعد الوضع
يتطمب منو البحث عف الحقيقة ،بؿ التصدي كذلؾ لمختمؼ السبؿ المعتمدة لطمسيا أو تعطيؿ
تحصيميا
10
القيم بين النسبي والمطلك:
الذولت :السيادة والمواطنت
الدولة و الحاجة إلى السمطة:
تجسـ كيانا سياسيا قانونيا محكـ التنظيـ ،ومف طبيعة ىذا الكياف أ ّنو
-تمثّؿ الدولة مؤسسة حقوقية ّ
مشخص ،لذلؾ اعتبر بعض المف ّكريف السياسييف المعاصريف الدولة بمثابة الفكرة التي
ّ معنوي وغير
التصور الذىني وليست واقعة ،ويمكف التمييز بيف:
ّ تنتمي إلى مجاؿ
يرتبط فيـ الدولة بالسمطة ،و ليا الحؽ في استعماؿ وسائؿ العنؼ إزاء مف ال يطيعوف القوانيف.
وتنقسـ السمطة إلى ثالثة أنواع :السمطة التشريعية والسمطة القضائية والسمطة التنفيذية .و ىي التي
القوة بصورة مشروعة ومصدر الشرعية ىو االقتناع والقبوؿ الذي يبديو عامة
تخوؿ لمدولة المجوء إلى ّ
ّ
تخولو مف ىيمنة واستئثار بالعنؼ المشروعالمواطنيف عف السمطة .وباإلستناد إلى ىذه السمطة وما ّ
كؿ انتياؾ.
تستطيع الدولة أف تفرض سيادتيا وتتم ّكف مف حمايتيا مف ّ
تعريؼ السيادة:
11
السيادة مفيوـ سياسي و مقولة قانونية أو قاعدة عميا لمنظاـ القانوني .وتتمثّؿ في السمطػة التػي ال
فيي سمطة عميا ومطمقة ، تعموىا سمطة في الداخؿ ،وغير الخاضعة ألي سمطة أخرى في الخارج
وافرادىا باإللزاـ وشموليا بالحكـ لكؿ األمور والعالقات سواء التي تجري داخؿ الدولة أو خارجيا
حؽ السيادة إلى شخصاتّخذت فكرة السيادة مظاىر مختمفة تاريخيا ،ففي مجاؿ الحكـ الممؾي ينتسب ّ
ظؿ تتش ّكؿ الفكر
الحؽ ،لكف في ّ
ّ الممؾ بمفرده؛ وفي العصور الوسطى ،استحوذت الكنيسة عمى ىذا
الحقوقي والسياسي الحديث انبثقت نظرية في السيادة المبنية عمى القانوف.
ظؿ ممارسة السمطة داخؿ الحدود الجغرافية لمدولة عمى
نميز بيف سيادة داخمية ،تتحقّؽ في ّيمكف أف ّ
سائر المواطنيف .وسيادة خارجية ،تتجّمى مف خالؿ تفظيـ الدولة لعالقاتيا مع غيرىا مف الدوؿ األخرى
عمى نحو يعكس استقالليتيا في إدارة شؤونيا الخارجية وحقيا في إقرار أشكاؿ التعاوف .
حؽ السيادة:
ّ
حالة الطبيعة يسطع فييا شخص صاحب السيادة ، ،ؼتكوف السيادة في ىذا المجاؿ ؿؿقوي الذي فرض
مستمدة مف القوة
ّ إف شرعية السيد ىنا
تفوقو في الصراع بيف مختمؼ القوىّ .
نفسو سيداً بموجب ّ
ظؿ الخطر الذي يحدؽ ببقية األفراد مف بطش القوي ،وتحت ضغط الشعور بوطأة
المجردة .وفي ّ
الخوؼ مف الموت العنيؼ ،يجد جميع األفراد أنفسيـ أماـ حتمية التنازؿ بموجب التعاقد مع القوي،
عف كؿ الحقوؽ والحريات التي كانوا يتمتّعوف بيا في الحالة الطبيعية.
الجيدة ليست بالضرورة القوانيف العادلة ،وا ّنما كفيمة بتغطية ما يستمزمو
بأف القوانيف ّ
يقوؿ ىوبس ّ
وتيور الرعايا.
الحد مف الفوضى ّ
الصالح العاـ و ّ
الحؽ
ّ سيادة
التصرؼ بمقتضى
ّ كؿ فرد مف
الحؽ الطبيعي ىو ما يم ّكف ّ
ّ الحؽ المدني.
الحؽ الطبيعي و ّ
ّ نميز بيف
ّ
تصرؼ
أي ّالحؽ المدني ،فيو الذي يجعؿ مف ّ
ّ أما
بكؿ ما ينجـ عف الحرية والممكيةّ ،
طبيعتو والتمتّع ّ
يشرعو القانوف .فمقولة الحؽ في الحياة المدنية ،ترتبط بفكرة القانوف بصفتو قاعدة
خاضعا إلى ما ّ
التغيرات
يتطور بحسب ّ ويعد الحؽ قاعدة القانوف وىو ّ لتوجيو السموؾ وتنظيـ العالقات البشريةّ .
التاريخية التي تطرأ عمى المجتمعات وأشكاؿ التنظيـ السياسي(.روسو)
14
المادي عموما ،فإ ّنيا لدى الفالسفة
ّ إذا كانت السعادة لدى الجميور ىي الم ّذة ورغد الحياة واالستمتاع
غاية في ذاتيا باعتبارىا الخير األسمى .السعادة قيمة في ذاتيا غير مرتبطة بحاجات اإلنساف
التصور األرسطي بصفتيا الفعؿ المطابؽ لمفضيمة"،مف ّ تتحدد السعادة في
وشيواتو .في ىذا السياؽ ّ
ص ُد مف الحكمة ىنا الحكمة العممية.
وي ْق َ
أحسف األفعاؿ المطابقة لمفضيمة ىو الفعؿ المطابؽ لمحكمة" ُ
الفضيمة وسط بيف رذيمتيف تكوف في مجاليا العدالة فضيمة الفضائؿ".الفضيمة تمسؾ بالوسط بيف
التأمؿ ،أل ّنو
قصييف ،أحدىما إفراطا واألخر تفريطا" .والمقصود بالفعؿ المطابؽ ليا ىو التفكير و ّطرفيف ّ
ما يضمف الفيـ الذي يمثّؿ أفضؿ األشياء الموجودة لدى اإلنساف .إ ّنو بمثابة المبدأ القدسي في
اإلنساف .مف ىنا فكرة كوف العمـ سعادة أل ّنو يجمب أشرؼ الم ّذات وأطوليا "،الم ّذات التي تجمبيا الحكمة
يظير إذف أ ّنيا عجيبة بنقائيا ومتانتيا" .فالحكيـ وحده القادر عمى إدراؾ السعادة الحقيقية أل ّنو وحده
إف السعادة ىي بال معارضة أعظـ الخيرات".
يعمؿ وفؽ معرفتو بالخير ،يقوؿ أرسطوّ ":
-الم ّذة والسعادة:
أي فمسفة أخرى ىي االنتقاؿ مف سؤاؿ :ما
تعتبر المشكمة الرئيسية لمفمسفة األبيقورية كما في ّ
ظؿ
أي السبؿ تستطيع الذات تحقيؽ السعادة في ّ
السعادة ؟ إلى سؤاؿ :كيؼ نبمغ السعادة؟ وفؽ ّ
تيز حياة الفرد والمجتمع؟
ظروؼ عويصة ّ
أف الم ّذة ىي المبدأ الذي يجب
إف الم ّذة ىي بداية الحياة السعيدة وغايتيا" ،يقصد بذلؾ ّ
يقوؿ أبيقورّ ":
األوؿ الموافؽ
لنحدد ما ينبغي أف نختاره وما ينبغي أف نتج ّنبو مف جية ،وىي الخير ّاالنطالؽ منو ّ
لطبيعتنا ،مف جية أخرى.
فإف الجسـ
فإذا كانت األخالؽ األفالطونية مثال تقوـ عمى ىجر المم ّذات والتخمّص مف أىواء الجسدّ ،
بالنسبة إلى أبيقور ىو ما يسمح لمنفس بأف تنعـ بالطمأنينة أو ما يعرؼ باألتراكسيا . ataraxie
إف سعادة اإلنساف ال تخضع لمظروؼ التي تحيط بو ،وا ّنما تتوقّؼ عمى حالة في النفس ،فميست ّ
األشياء الخارجية ىي التي تؤثّر بذاتيا في وجودنا ،وا ّنما المؤثّر الحقيقي ىو استعداد بداخؿ النفس
لمتالؤـ مع الطبيعة .ينبغي عمى اإلنساف أف يعيش في وفاؽ مع الطبيعة.
والمذات المقصودة ىي المذات الروحية مف قبيؿ الصداقة وتحصيؿ الحكمة ،وىي لذات تستمزـ االعتداؿ
تتميز بانعداـ األلـ في الجسـ وانعداـ االضطراب في النفس".
في السموؾ":الم ّذة التي نقصدىا ىي التي ّ
سمو بالم ّذة إلى مستوى روحي أعمى ومقياس المذة ىو كؿ ما يحقؽ السعادة.ىناؾ ّ
وتعد الرؤية النفعية في الفمسفة المعاصرة امتدادا لمذىب المذة فقد جعموا مف المنفعة أساسا لمفعؿ
ّ
ويظؿ االختالؼ بيف النفعييف في أي المنافع يصمح مقياسا لمفعؿ .و لـ يحد ستيوارت ميؿ عف ىذا
التوجو لمذىب المنفعة ،فيو يشترط في نقاء المذة ورفعتيا تضحية اإلنساف مف أجؿ اآلخريف .ويقوؿ
ّ
15
بأف السعادة
جوف ستيوارت مؿ" :المذة ىي المبتغى األوحد ".وىو بذلؾ يشترؾ مع أبيقور في القوؿ َّ ،
اىتـ بالفرد وأغفؿ المنفعة العامة.
أف أبيقور ّ
ىي الخير بالذات ،والسعادة ليست سوى المذة .غير ّ
اإلرادة والسعادة:
مستقرىا
ّ لقد أفسد الفالسفة المثاليوف عمينا السعادة ،في نظر نيتشو ،وجعمونا نحتفؿ بامتالؾ حقيقة
تندد بالغرائز وتدعو إلى العزوؼ عف
العالـ الماورائي ،و نتوخى سموكا خاضعا إلى أوامر أخالقية ّ
الحياة لتكريس قيـ الوىف والضعؼ مف خالؿ صيغ اإللزاـ القطعي ":افعؿ ىذا وذاؾ وامتنع عف ىذا
وذاؾ .ىكذا تصبح سعيدا " ،أراد نيتشو تحرير اإلنساف مف وطأة القيـ عبر استعادة رمز اإلرادة
إف ىدا الرمز ىو ما يدفع نحو اإلقباؿ عمى الحياة و والمخاطرة والمغامرة واالقتدار ،أال وىو الجسدّ ،
التحرر مف ضغوط العقؿ وأحكاـ اإلدانة التي ماانف ّكت الفمسفات
ّ يسمح بسيادة قيـ األقوياء .ينبغي
المتأصمة
ّ القوة ،تمؾ الغريزة
إف السعادة كامنة في إرادة ّضد الغرائز والحياة نفسياّ .
توجييا ّ
األخالقية ّ
قوة توجد حياة ،فالحياة تقيـ فينا والييا نعود
بكؿ معانيو .وحيثما توجد إرادة ّ
في الجسد بؿ إ ّنيا الجسد ّ
يفؾ ارتباط
يتحدد وجودنا .وىنا لنا أف نتساءؿ عف إمكانية طرح مشكؿ السعادة ضمف أفؽ ّومنيا ّ
السعادة بثنائية الخير والفضيمة .ىؿ يمكف أف يكوف الميداف السياسي أو االقتصادي أو العممي فضاء
إلعادة التفكير في مشكؿ السعادة ؟
الرفاه والسعادة :
إف تحقيؽ السعادة ليس أمراً ممكناً ،بؿ الممكف ىو كشؼ مصادر اآلالـ والمآسي ومحاربتيا قدر
َّ
اإلمكاف إذ " بد ًال مف طمب السعادة القصوى ألكبر عدد مف األفراد يتعيَّف عمينا ،بتواضع أكثر ،أف نطمب
تحمؿ العذاب الذي ال يمكف تجنبُّو ػ كالمجاعة في حاؿ نقصاف
لمجميع أقؿ قدر ممكف مف العذاب ،وأف ُي َّ
جالء إذا ما وضعنا مطالبنا سمباً ،أي إذا
ً إف المسألة األخالقية تصبح أكثرالمواد الغذائية ػ بالتساويَّ ".
طمبنا القضاء عمى العذاب بد ًال مف توفير السعادة ".
يتبيف أ ّنو لـ يعد حكرا عمى الفمسفة األخالقية بالمعنى
وفي نطاؽ التناوؿ المعاصر لمشكؿ السعادة ّ
المألوؼ ،وا ّنما ارتبط بالميداف السياسي ،حيث أصبح التساؤؿ قائما حوؿ الكيفية التي تضمف مف
يسمى بالدولة الراعية أو دولة الرفاه .ودولة الرفاه ىي التي
خالليا الدولة السعادة لممجتمع ضمف ما ّ
الحد األدنى مف متطمّبات رفاىية الحياة لممواطنيف .ونقصدتتوخى سياسة الرفاه وتعمؿ عمى ضماف ّ
ّ
بالرفاىية تغطية الحاجات البيولوجية األساسية والحاجات التي تقتضييا الحياة االجتماعية مثؿ التعميـ
والصحة والعمؿ واألمف.
حدود الخير والسعادة
16
أي
خيرة إرادة مستقمّة عف ّ
بأف أعمى غرض عممي لو ىو أف يضع إرادة ّ يقر ّ
إف العقؿ البشري وىو ّ ّ
معينة ،وا ّنما ىي خير في ذاتيا ،فاإلرادة ،حسب كانط"،ىي الخير
نفع ،ال يتّحذ اإلرادة وسيمة لغاية ّ
بد مف أف نالحظ ىنا أفالوحيد األسمى" و" تيب نفسيا لمخمود" ،إ ّنيا مصدر القانوف األخالقي .و ال ّ
اإلرادة وقع تجريدىا مف جميع اإلغراءات التي يمكف أف تجعميا مرتبطة بنتائج منتظرة ،والمبدأ
المؤسس لمقانوف األخالقي ىو الواجب ،أو عمى النحو الذي ذكره كانط ":ضرورة إنجاز فعؿ احتراما
ّ
لمقانوف".
كمّما توافؽ الفعؿ مع الواجب توافقا خارجيا كاف مصدره الميؿ أو المصمحة و ال يكتسي عندئذ قيمة
إف الواجب ينبغي
خيرة فيو فعؿ منجز بمقتضى الواجب األخالقيّ .
أما إف كاف صادرا عف إرادة ّ
أخالقية ،و ّ
ثـ أف يكوف صالحا لجميع الكائناتأف يكوف ضرورة عممية لمفعؿ غير مشروطة بشرط ،وينبغي مف ّ
العاقمة.
تحدد األخالؽ لإلنساف ،فرداً أو جماع ًة ،أنماط الحياة األفضؿ ،وأغراض الوجود األسمى ،وفي ىذا
اإلطار يحدد كانط جممة مف القواعد أو الصيغ التي تقاس بيا أفعاؿ اإلنساف.
" -اعمؿ دائما بحيث تستطيع أف تجعؿ مف قاعدة فعمؾ قانونا كميا شبييا بقانوف الطبيعة".
"-اعمؿ دائما بحيث تعامؿ اإلنسانية في شخصؾ وفي أشخاص اآلخريف دائما كغاية ال كوسيمة".
" -اعمؿ دائما بحيث تستطيع أف تجعؿ إرادتؾ وكما لو أ ّنيا اإلرادة الكمية المشرعة لمقانوف األخالقي".
الخير والواقع :
،فالقيـ والطموحات تختمؼ طبيعة الخير وداللة السعادة مف عصر إلى آخر ومف مجتمع إلى غيره
تحددىا العالقات االجتماعية وظروؼ البشر المادية ،وىي بذلؾ ال يمكف أف تكتسي صبغة
البشرية ّ
إطالقية أو تش ّكال منفصال عف العالقات االقتصادية واألوضاع الطبقية في أي مجتمع مف المجتمعات:
تصوراتيـ األخالقية مف العالقات العممية التي يقوـ
إف الناس يستقوف – عف وعي أو دوف وعيّ - " ّ
عمييا وضعيـ الطبقي ،أي مف العالقات االقتصادية التي في مضمارىا ينتجوف ويتبادلوف" ( .أنجمز).
أف تحديد قيمة الخير ومعنى السعادة وكؿ ما يتّصؿ بالمعايير
يقود ىذا االعتبار إلى التأكيد عمى ّ
السموكية لإلنساف يرتبط ضرورة بمصالح الطبقة المييمنة وتندرج ،بصفتيا أشكاؿ وعي ،ضمف البناء
الفكري الفوقي لممجتمع ،فيي إذف انعكاس لمواقع ولألوضاع االجتماعية ،أي أشكاؿ إيديولوجية يحدوىا
التعارض والصراع بيف أخالؽ مييمنة وىي التي يقع تمقينيا ،وأخالؽ خاضعة إلى الييمنة وىي أخالؽ
الطبقة الكادحة والمضطيدة .
17
األخالؽ اإلقطاعية المسيحية المنتمية إلى الماضي :تبقى مخمّفاتيا قائمة في العالقات -
يحددىا ىو ما تشترؾ فيو مع
أف األساس الذي ّ االجتماعية الستمرار تأثيرىا بشكؿ مف األشكاؿ ،طالما ّ
الخاصة لوسائؿ اإلنتاج.
ّ األخالؽ البرجوازية الحديثة ،ونعني بذلؾ الممكية
يعبر الوعي األخالقي عف محتوى يتالءـ
األخالؽ البرجوازية الحديثة :وىي المييمنة واقعيا ،إذ ّ -
مع ما ىو مستحسف ومأموؿ مف مبادئ ونظـ سموكية تستجيب إلى المصالح البرجوازية ،وتنسجـ
تصورات الخير والشر والعدالة والسعادة مع طموحات ىذه الطبقة وأىدافيا.
ّ
طياتيا نواة العالقات المستقبمية
تخص الطبقة الكادحة والمستغمّة ،تحمؿ في ّ
ّ األخالؽ البروليتارية :
التي مف خالليا تتش ّكؿ شروط االنتقاؿ إلى المجتمع االشتراكي ،فيي ترمي إذف ،إلى تحقيؽ أىداؼ
عما ىو
تصورات عف الخير والمساواة والسعادة بديمة ّ
وطموحات الكادحيف والمضطيديف اجتماعيا عبر ّ
مزيفة ووىمية.
تصورات ّ
قائـ مف ّ
انفؾ يكشؼ دائما عف التناقضات
اتّخذت القيـ األخالقية مسارا طبقيا ،ذلؾ أف الواقع التاريخي ما ّ
معبرة عف قيـ الطبقة
إما ّ
الطبقية التي حكمت المجتمعات البشرية التي في مجاليا تبرز األخالؽ ّ
ضد
التمرد ّ
فتجسـ ّ
ّ معبرة عف طموحات المضطيديف لتبرر بواسطتيا مصالحيا ،وا ّما أف تكوف ّ
المييمنة ّ
االستغالؿ والشقاء االجتماعي والتطّمع بفضؿ ذلؾ إلى تجاوز األخالؽ الطبقية ،وفي ىذه المرحمة يمكف
القضاء عمى التناقضات االجتماعية وتحقيؽ أخالؽ إنسانية.
التصور الواقعي الناقد لمتأمالت الميتافيزيقية في النظريات األخالقية األخرى وجد نفسو ىو
ّ إف ىذا
تصور قريب إلى
اآلخر يواجو تأمال ميتافيزيقيا جديدا مف خالؿ تصوره لمجتمع ال طبقي وبال دولة وىو ّ
الطوباوية الشبيية بالطوباويات القديمة التي قامت الفمسفة الماركسية عمى تجاوزىا .ىذا إلى جانب
التصور عمى اإلجابة عف األسئمة الكبرى :عف معنى الخير وعف معنى السعادة ألنيا
ّ عدـ قدرة ىذا
انغمقت داخؿ البعد االقتصادي الصرؼ.
18
اﻹﻧﯾـــــــﺔ و اﻟﻐﯾرﯾـــــــﺔ
اﻹﻧﯿﺔ :إﻧﯿﺔ اﻟﺸﻲء أي ذاﺗﮫ و ﺟﻮھﺮ وﺟﻮده ،أي ﻛﻞ ﻓﻌﻞ أو ﻣﺠﮭﻮد ﺗﺒﺬﻟﮫ اﻟﺬات ﯾﮭﺪف إﻟﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻮد
اﻟﻤــــــــﻮﻗـــﻒ اﻟﻤﻘــــــــــﺎﺑﻞ
ھﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﯾﻌﺘﺮف ﺑﻘﯿﻤﺔ اﻟﺠﺴﺪ و ﯾﻌﺘﺒﺮه أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻹﻧﯿﺔ و اﻟﻮﺟﻮد و اﻟﻮﻋﻲ
)ﻣﺎرﻟﻮﺑﻮﻧﺘﻲ /ﺳﺒﯿﻨﻮزا /ﻧﯿﺘﺸﮫ (
اﺳﺘﺨﻼص أن ﻛﻼ اﻟﻤﻮﻗﻔﯿﻦ :اﻹﻗﺼﺎء /اﻻﻋﺘﺮاف ﯾﺆﻛﺪان ﻋﻠﻰ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺗﺤﻘﻖ اﻹﻧﯿﺔ و ﯾﻘﺮان ﺑﺤﻘﯿﻘﺘﮭﺎ
2
3
ﺗﻤﮭﯿﺪ :ﯾﺴﺘﻮﻗﻔﻨﺎ ھﺬا اﻟﻌﻨﻮان ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﯾﻄﺮح ﻣﺸﻜﻼ ﻋﻠﻤﯿﺎ ﺗﻨﺰل ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﮭﻰ ﺑﻨﺎ اﻟﺒﺮﻧﺎﻣﺞ إﻟﻰ
أزﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻮاﺻﻞ و ﻓﻲ اﻟﮭﻮﯾﺔ ﯾﻌﯿﺸﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﯿﻮم ،ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ أو
ﻣﻘﺘﺮح ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ ﺣﻞ ھﺬه اﻷزﻣﺎت ،ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ إطﺎر ﻣﺎ ﯾﺘﺴﻢ ﺑﮫ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ آﻟﯿﺎت و ﺗﻘﻨﯿﺎت
ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﻣﺘﻄﻮرة ﺗﺪﻋﻲ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ رﺑﻂ ﺟﺴﻮر اﻟﺘﻮاﺻﻞ و اﻟﺘﺜﺎﻗﻒ ،ﯾﻜﻔﻲ اﻟﻘﻮل اﻧﮫ ﻟﻢ ﺗﺨﻞ ﺛﻘﺎﻓﺔ
ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ .
ﻟﻜﻦ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﺘﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﺤﻞ ھﺬا اﻹﺷﻜﺎل إﻻ ﺑﻌﺪ ﺗﺠﺎوز ﻣﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﺗﻌﯿﺸﮫ اﻟﺤﯿﺎة
اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﯿﻮم ،و اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﻨُﻘﻠﺔ اﻟﮭﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ،اﺗﺴﻤﺖ ﺑﮭﺎ ﺟﻞ اﻟﻌﻠﻮم ،ﻣﻦ ﻋﻠﻢ
ھﺎﺟﺴﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﯾﻌﺘﺒﺮھﺎ ﻣﻘﺪس ﻛﻞ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ،إﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺒﺤﺚ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﻨﻤﺎذج .
ﻓﻤﺎ ھﻲ أﺳﺒﺎب ھﺬا اﻟﻨﻘﻠﺔ ؟ ھﻞ ھﻲ أﺳﺒﺎب ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻌﻠﻢ أم ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﮫ أم أﻧﮭﺎ أﺳﺒﺎب
ﻣﺰدوﺟﺔ؟ ﻓﯿﻢ ﺗﺘﻤﺜﻞ ھﺬه اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ؟ و ﻣﺎ ھﻲ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻌﻠﻤﻲ ؟ ﻣﺎ ﻣﺼﯿﺮ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﻌﺪ ھﺬه
اﻟﻨﻘﻠﺔ ؟ وﻣﺎ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ إطﺎر إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ھﺬه ؟ أﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﺸﻒ اﻟﻘﺮاءة
اﻹﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﻋﻦ أزﻣﺔ ﯾﻌﯿﺸﮭﺎ اﻟﻌﻠﻢ ذاﺗﮫ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﯿﻌﺎﺑﮫ ﻟﻤﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ؟
ﺑﻤﺎ أن ﻟﻜﻞ ﻧﻘﻠﺔ أو ﺗﺤﻮل أﺳﺒﺎب ﺗﺒﺮرھﺎ ،ﻓﺈن ﻣﻦ ﻣﺒﺮرات وﻟﻮج ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ھﻮ ظﮭﻮر ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻊ " أﻧﺸﺘﺎﯾﻦ " ،ﺣﯿﺚ ﻛﺸﻔﺖ ھﺬه اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﻋﻦ أن
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ إطﻼﻗﯿﺔ و دﻗﺔ ﻧﮭﺎﺋﯿﺔ و ﺛﻘﺔ ﻻ ﻣﺠﺎل
ﻟﻠﺸﻚ ﻓﯿﮭﺎ ،ﻛﺤﻘﯿﻘﺔ ﯾﻘﯿﻨﯿﺔ ﺗﺘﻤﯿﺰ وﻓﻖ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺪﯾﻜﺎرﺗﻲ ﺑﺎﻟﺒﺪاھﺔ و اﻟﻮﺿﻮح و اﻟﺘﻤﯿﺰ .ﻟﺬﻟﻚ
ﻓﺈن اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﯾﻄﺮح أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻣﺸﻜﻼ ﻋﻠﻤﯿﺎ ﺟﺪﯾﺪا :ﻛﯿﻒ ﻧﻔﻜﺮ ﺑﻌﺪ أﻧﺸﺘﺎﯾﻦ ؟
ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب أﯾﻀﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﺎھﻤﺖ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ھﻮ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻲ ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف
اﻟﺤﺎﺳﻮب ،ھﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺘﻘﻨﻲ ﻣﺜﻞ ﺛﻮرة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره أﺻﺒﺢ آﻟﯿﺔ ﻣﻦ آﻟﯿﺎت
ذﻟﻚ اﻟﺒﺤﺚ ،ﺗﺘﯿﺢ ﻟﻠﻌﻠﻢ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺘﺎح ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .ﯾﻜﻔﻲ اﻹﺷﺎرة ﻣﺜﻼ إﻟﻰ أن
1
اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻘﺎم ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺤﺎﺳﻮب ،إﻣﺎ ﻟﻌﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ
اﻟﻔﻌﻠﻲ أو ﻟﺘﻜﻠﻔﺘﮭﺎ اﻟﺒﺎھﻈﺔ .
ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ أھﻢ اﻟﻤﺒﺮرات اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ رﻛﯿﺰة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﻘﻠﺔ ھﻲ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ
واﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻈﻮاھﺮ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻨﺎوﻟﮭﺎ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﺎ ظﻮاھﺮ ﻣﺮﻛﺒﺔ و ﻟﯿﺴﺖ
ظﻮاھﺮ ﻣﻌﻘﺪة ،و اﻟﻤﻌﻘﺪ ھﻮ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻟﻠﻈﺎھﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ
واﺣﺪة ) ﻣﺜﻼ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰل ﻛﻞ ﺧﺼﺎﺋﺺ ظﺎھﺮة ﺳﻘﻮط اﻷﺟﺴﺎم ﻣﻦ ﺛﻘﻞ و ﺳﺮﻋﺔ و زﻣﻦ ...
ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ واﺣﺪة ﺗﻔﺴﺮه و ھﻲ اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ ( ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن اﻟﻤﺮﻛﺐ ﻻ ﯾﻌﻨﻲ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ ھﺬا و ذاك
و إﻧﻤﺎ ھﻮ ﺣﺴﺐ " إدﻏﺎر ﻣﻮران " ذﻟﻚ اﻟﺘﺪاﺧﻞ ﺑﯿﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻈﺎھﺮة اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻣﺠﺎل
ﻻﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ و إﻧﻤﺎ ﻧﺤﻦ أﻣﺎم ﺧﯿﺎرﯾﻦ :إﻣﺎ أن ﻧﺪرﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﯿﺘﮭﺎ أو ﺗﻄﺒﯿﻖ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎ اﻹھﻤﺎل
ﻋﻠﯿﮭﺎ ) .اﻟﺬرة ﻣﺜﻼ واﻗﻊ ﻣﺮﻛﺐ ،ﻧﻈﺮا ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰﻟﮭﺎ ،ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻧﺪرس اﻟﺴﺮﻋﺔ إﻻ
ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن ،و ﻻ اﻟﻄﺎﻗﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ و ﻻ اﻟﺜﻘﻞ إﻻ أﯾﻀﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ ،
و ﻛﺬﻟﻚ دراﺳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ( ...
ﯾﺒﻘﻰ أﯾﻀﺎ ﻣﺒﺮرا ھﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺒﺮرات اﺳﺘﯿﻌﺎب اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻤﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ أﻻ و ھﻮ وﻻدة ﻋﻠﻮم ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ
اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ،ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﺗﻄﻤﺢ ﺑﻜﻞ ﻣﺸﺮوﻋﯿﺔ ﻷن ﺗﻨﺎل ﺷﺮف دﺧﻮل ﻣﺼﺎف
اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،و ھﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ) ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻋﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎع ،ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ،ﻋﻠﻢ
اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ . ( ...و ھﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻧﻤﻂ ﺟﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ .
ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﺧﺎﺻﯿﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﻣﻌﺎﺻﺮة ،ﻓﺈن ﻣﯿﺰة اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺒﻞ ھﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ أﻧﮫ ﻋﻠﻢ ﯾﻘﺪم
ﻧﻔﺴﮫ ـ ﺣﺴﺐ اﻟﺒﺎرادﯾﻐﻢ اﻟﻮﺿﻌﻲ ـ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﻘﺪس و اﻹﻧﺠﯿﻞ اﻟﺠﺪﯾﺪ ،ﻧﻈﺮا ﻷن اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻣﻊ " أو ﻗﯿﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ " ،ﻧﺼﺒﺖ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و وﺿﻌﺖ
ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ و اﻟﻤﻌﺎﯾﯿﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮭﺎ ﺑﯿﻦ ﻣﺎ ھﻮ ﻋﻠﻤﻲ و ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﻋﻠﻤﯿﺎ .ﻣﻦ ھﺬه
اﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ :
2
اﻟﺘﺠﺮﯾﺐ :ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ أن ﻛﻞ دراﺳﺔ ﺗﻄﻤﺢ ﻟﻨﯿﻞ ﺷﺮف اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺨﻀﻊ
ﻧﻈﺮﯾﺘﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻘﻖ اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ ،أي إﻧﺸﺎء اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ و إﻋﺎدة إﻧﺸﺎﺋﮭﺎ ﻟﻠﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻣﺪى
ﺻﺪﻗﮭﺎ.
اﻟﺘﺮﯾﯿﺾ :أي اﻟﺼﯿﺎﻏﺔ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ ﻟﻜﻞ اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت و اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،ﺣﯿﺚ ﺗُﻌﺘﺒﺮ
اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺎت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ ،ذﻟﻚ أن " اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻛﺘﺎب ﻣﻔﺘﻮح ﻛُﺘﺐ ﺑﻠﻐﺔ اﻷرﻗﺎم
واﻟﺪواﺋﺮ و اﻷﺷﻜﺎل اﻟﮭﻨﺪﺳﯿﺔ اﻷﺧﺮى ﻻ ﯾﻘﺮأه إﻻ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﻮن " ) ﺟﺎﻟﯿﻠﯿﻮ (
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ :ﯾﻌﺘﺒﺮ ھﺬا اﻟﻤﻘﯿﺎس ﻗﯿﻤﺔ أﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﯾﺚ ،ﺣﯿﺚ ﯾﻤﺜﻞ ﻧﺴﺒﺔ ﺣﯿﺎد
اﻟﺬات ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺣﯿﺎدا ﻣﻄﻠﻘﺎ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺘﻢ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ
اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻤﺴﺒﻘﺔ و ﻋﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺬاﺗﯿﺔ و دون اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ .
اﻟﻤﻄﺎﺑﻘﺔ :ﻛﻞ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭﺎ و ﺻﺪﻗﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﺪى ﻣﻄﺎﺑﻘﺘﮭﺎ ﻟﻠﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﻄﻰ
واﻟﺤﺴﻲ ،ﻓﻌﻠﻰ ﻛﻞ ﻓﻜﺮة ﻟﺘﻜﻮن ﺻﺎدﻗﺔ أن ﺗﻘﻮل ﻣﺎ ھﻮ ﻣﻮﺟﻮد .
اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ :ﻛﻞ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﺗﺤﺪد ﻗﯿﻤﺔ ﻋﻠﻤﯿﺘﮭﺎ اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﺗﺤﺪﯾﺪھﺎ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت ﻗﺼﺪ
اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﮭﺎ ،ﺛﻢ ﯾﺘﻢ اﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮن ﻋﺎم واﺣﺪ و دﻗﯿﻖ ﯾﻔﺴﺮھﺎ .
اﻟﺤﺘﻤﯿﺔ :ھﻲ ﻗﺪرة اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺪﻗﯿﻘﺔ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺮاھﻦ ﻟﻠﻈﺎھﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل
ﻣﻌﺮﻓﺘﮫ ﺑﺎﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ و ﻗﺪرﺗﮫ ﻣﻦ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﺒﺆ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﺑﺤﺎﻟﺘﮭﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﯿﺔ "
ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺼﺒﺢ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺎﺛﻼ أﻣﺎﻣﮫ ﻛﻤﺎ اﻟﻤﺎﺿﻲ " ) ﻻﺑﻼص ( .
ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻤﯿﺰ ﺑﮭﺎ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﯾﺚ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ
اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻘﺪﺳﺎ ﻣﻌﺮﻓﯿﺎ ،ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻋﻠﻢ دون ﺣﻘﯿﻘﺔ .
إن اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺴﺆال اﻟﻤﻄﺮوح :ﻛﯿﻒ ﻧﻔﻜﺮ ﺑﻌﺪ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ؟ ﯾﺠﺪ ﻣﻮﻗﻌﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺴﺘﻮى ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر
أن اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ھﻲ ﺗﻨﺴﯿﺐ ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ وﻓﻖ ﻣﺎ ﺳﻤﺎه " ﻛﺎرل ﺑﻮﺑﺮ " ب " ﻗﺎﺑﻠﯿﺔ اﻟﺘﻜﺬﯾﺐ " ،أي ﻗﺎﺑﻠﯿﺔ ﻛﻞ
ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻷن ﺗُﻨ ﱠ
ﺴﺐ ﺑﺎﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻧﻘﺎﺋﺼﮭﺎ و أﺧﻄﺎﺋﮭﺎ .ھﺬه اﻟﺨﺎﺻﯿﺔ ﺑﯿﻨﺖ أن اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺪأ ﯾﻐﯿﺮ ﻣﻦ
ﻣﻌﯿﺎر ﺻﺪﻗﮫ ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أو ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﯾﯿﺮ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ھﻲ اﻟﻤﻘﯿﺎس ﻟﻠﻌﻠﻤﯿﺔ و إﻧﻤﺎ
أﺻﺒﺢ ﻣﺎ ﯾُﻌﯿّﺮ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ و ﯾﻤﻨﺤﮭﺎ ﻗﯿﻤﺔ ھﻮ ﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮭﺎ ﻷن ﺗُﺪﺣﺾ و ﺗُﻐﯿﺮ و ﺗُﺠﺪد .إﻧﻨﺎ إذن إزاء
ﺻﻮرة أﺧﺮى ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺑﺪأت أﺳﺎﺳﺎ ﻣﻦ دﻻﻟﺘﮫ ﻛﺘﻤﺜﻞ ،ﻟﯿﺲ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻻﺳﺘﺤﻀﺎر ﻟﻤﺎ ھﻮ ﻛﺎﺋﻦ أو
3
ﻣﻮﺟﻮد و ﻟﻜﻨﮫ ﻏﺎﺋﺐ أو ﻏﯿﺮ ﺣﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﺮﻣﺰ ،و إﻧﻤﺎ اﻟﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻠﻤﻲ ﯾﻌﻨﻲ
اﻓﺘﺮاض واﻗﻊ ﻏﯿﺮ راھﻦ ،أي ﻟﻢ ﯾﻮﺟﺪ ﺑﻌﺪ ،و ﻟﻜﻨﮫ ﻗﺎﺑﻞ ﻷن ﯾﻮﺟﺪ ) و إﻻ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ وھﻢ ( .
وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ھﻲ آﻟﯿﺎت اﻟﺘﻤﺜﻞ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮭﺎ ﯾُﺒﻨﻰ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻌﻠﻤﻲ ؟ أول ﻣﺎ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻘﻮم ﻋﻠﯿﮫ
اﻟﺘﻤﺜﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ھﻮ اﻟﺨﯿﺎل و ﻻ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﮫ اﻟﺘﻮھﻢ و إﻧﻤﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﮫ اﻻﻓﺘﺮاض ﻟﻮاﻗﻊ ﻏﯿﺮ راھﻦ اﺳﺘﻨﺎدا
إﻟﻰ ﻓﻜﺮة ﻣﺎ .ﻓﺎﻟﺨﯿﺎل ﻣﯿﺰة ھﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﯿﺰات اﻟﻌﻠﻢ ﻛﻲ ﯾﺒﺪع ﻧﻤﻮذﺟﮫ .و ﻟﻜﻦ ﻟﯿﻜﻮن اﻟﺨﯿﺎل ﻋﻠﻤﯿﺎ
ﺑﺎﻣﺘﯿﺎز ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺘﻘﯿﺪ ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﻤﺎ ھﻮ ﺑﺤﺚ ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ دراﺳ ٍﺔ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﺳﻤﺎھﺎ
"ﺟﻮن ﻻدارﯾﺎر " " اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻌﻠﻤﻲ " و ھﻮ ﻣﺠﺎل ﺗﺤﻘﻖ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ أي ﻣﺮﺣﻠﺔ إﻧﺸﺎء
اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ و اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻤﺠﺮدة ﻟﻠﻨﻤﻮذج ،و ﻻ ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ ﻣﻤﻜﻨﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ
اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻧﺴﻖ ،أي ﻛ ٌﻞ ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺘﺮاﺑﻄﺔ ﺗﺸﻜﻞ وﺣﺪة ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ،و ﻷن
ھﺬه اﻟﻮﺣﺪة ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﺸﺒﻜﺔ ﻋﻼﺋﻘﯿﺔ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ دراﺳﺘﮭﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﻌﻼﺋﻘﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ﺗﺤﻮﻻت ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ ) ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬرة ﻣﺜﻼ ﻧﺴﻘﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ :ﺣﺮﻛﺔ ،ﺳﺮﻋﺔ ،ﺛﻘﻞ ،
طﺎﻗﺔ ،ﻣﻜﺎن ، ...ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ دراﺳﺘﮭﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮف ﻋﻠﻰ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﯿﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ (
ﻏﯿﺮ أن دراﺳﺔ ھﺬه اﻟﺒﻨﯿﺔ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺨﻀﻊ ﺑﺪوره إﻟﻰ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺻﻮرﻧﺔ و ھﻲ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﺼﻮرة
اﻟﻤﺠﺮدة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ أي واﻗﻊ ﺣﺴﻲ ،و اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﺮﺟﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎدﻻت رﯾﺎﺿﯿﺔ أو
ﻣﻨﻄﻘﯿﺔ ذات طﺎﺑﻊ أﻛﺴﯿﻮﻣﻲ ،ﻧﻈﺮا ﻟﻤﺎ ﺗﺘﻤﯿﺰ ﺑﮫ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻦ ﺗﻐﯿﺮ و ﺗﺤﻮل .و اﻷﻛﺴﯿﻮﻣﯿﺔ
ھﻲ ﻋﺒﺎرة ﻣﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ " أﻛﺴﯿﻮم " أي اﻷوﻟﯿﺔ ،و ھﻲ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻢ
اﻟﺘﺴﻠﯿﻢ ﺑﮭﺎ دون اﻟﺒﺮھﻨﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ و ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺒﺪأ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﮫ اﻟﻔﻜﺮ ﻟﺒﻨﺎء ﻧﺴﻖ ﻣﺎ .و اﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ ھﺬا
اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻷﻛﺴﯿﻮﻣﻲ أﺻﺒﺢ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻔﺮﺿﻲ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎﺟﻲ ) اﻻﺳﺘﻨﺒﺎطﻲ ( رﻛﯿﺰة ﻛﻞ اﻟﻌﻠﻮم ﻣﻤﺎ ﻏﯿﺮ
ﻓﻲ ﻣﻌﯿﺎر ﺻﺪق ﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ) ﺗﻄﺎﺑﻖ اﻟﻔﻜﺮة ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺤﺴﻲ ( ھﻲ اﻟﻤﻌﯿﺎر وإﻧﻤﺎ
اﻟﺼﻼﺣﯿﺔ أي اﻟﺘﻨﺎﺳﻖ و اﻟﺘﻼؤم ﺣﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ و اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت .و ھﺬا اﻟﺘﻼؤم ﯾﺘﻤﯿﺰ ﺿﺮورة
ﺑﺎﻟﻤﺮوﻧﺔ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮫ دوﻣﺎ ﻟﻠﺘﻐﯿﺮ و اﻟﺘﻨﺴﯿﺐ ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻐﯿﺮت اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت و اﻷوﻟﯿﺎت .و أن
ﯾﻜﻮن اﻟﻌﻠﻢ اﺳﺘﻨﺒﺎطﯿﺎ ) اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺎم إﻟﻰ اﻟﺨﺎص أي ﻣﻦ ﻓﻜﺮة ﻋﺎﻣﺔ ﻧﺴﺘﻨﺒﻂ واﻗﻌﺎ ﺧﺎﺻﺎ
ﯾﻼﺋﻤﮭﺎ ( ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺴﺘﻘﺮئ أﻓﻜﺎره ،أي ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺴﺘﻨﺘﺞ أﻓﻜﺎرا ﻋﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺗﺠﺎرب أو
واﻗﻊ ﺧﺎص ) .ﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﻌﻠﻢ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ و إﻧﻤﺎ أﺻﺒﺢ ﯾﺬھﺐ إﻟﯿﮫ ( .
ﻏﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﻨﺸﺎط اﻟﻌﻠﻤﻲ ـ رﻏﻢ ﻗﯿﻤﺘﮫ اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ إﻧﺘﺎج اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﻮرﻧﺘﮭﺎ
وأﻛﺴﻤﺘﮭﺎ و اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ و ﺑﻨﯿﺘﮭﺎ ـ ﻻ ﯾﻜﺘﺴﺐ دﻻﻟﺔ و ﻣﻌﻨﻰ ﻋﻠﻤﯿﺎ إﻻ إذا ﺗﺤﻮل إﻟﻰ
4
"ﻧﺸﺎط ﺗﻘﻨﻲ " وﻓﻖ ﺗﺴﻤﯿﺔ " ﺟﻮن ﻻدارﯾﺎر " و ھﻮ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺬي ﺗﻜﺘﺴﺐ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﺑﻌﺪا
ﺗﺠﺮﯾﺒﯿﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل إﺳﻘﺎطﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺪ ﺣﺴﻲ ـ ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ،ﻓﺎﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﻘﻨﻲ إذن ھﻮ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﻲ
اﻟﺬي ﺗﻨﺘﻈﻢ وﻓﻘﮫ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ﻓﻲ واﻗﻊ ﺗﺠﺮﯾﺒﻲ ذو ﺻﺒﻐﺔ اﻓﺘﺮاﺿﯿﺔ ،ﺣﯿﺚ أن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ذاﺗﮭﺎ
أﺻﺒﺤﺖ اﻓﺘﺮاﺿﯿﺔ ﻋﻘﻠﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ إﺑﺪاع ﻟﻮﺿﻌﯿﺎت ﺗﺠﺮﯾﺒﯿﺔ ﺗﺘﻼءم ﻣﻊ اﻷﻓﻜﺎر و اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت
اﻟﻤﺠﺮدة ،و ﺗﻘﻮم اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻻﻓﺘﺮاﺿﯿﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ رﻗﻤﯿﺔ ﺗﺒﻨﻲ اﻟﻨﻤﺎذج اﻓﺘﺮاﺿﯿﺎ ،ﻗﺼﺪ
ﺗﺒﺴﯿﻂ ﺻﻼﺣﯿﺘﮭﺎ و ﺗﯿﺴﯿﺮ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻧﺠﺎزھﺎ اﻟﻔﻌﻠﻲ ،و ھﻮ ﻣﺎ ﻣﻜﻨﺘﻨﺎ ﻣﻨﮫ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺤﺎﺳﻮب .
ﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎذا ﻧﻨﻤﺬج ؟ و ﻟﻢ ﯾﺒﻨﻲ اﻟﻌﻠﻢ ﻧﻤﺎذﺟﮫ ؟ أي ﻣﺎ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺘﺤﻮل ﻣﻦ ﺑﺤﺜﮫ ﻋﻦ
ﻛﻨﻮز اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ إﻟﻰ ﺑﻨﺎﺋﮫ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ ؟ ﺗﺒﺪو اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ و اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻌﻠﻤﻲ ھﻲ اﻟﻔﮭﻢ
ﻓﮭﻢ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﺒﻨﻲ ،و اﻟﻔﮭﻢ ھﻮ اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻷﺳﺒﺎب و اﻷھﺪاف و اﻟﻐﺎﯾﺎت
اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻢ ذﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻊ ) اﻟﻤﺮﻛﺐ ( .ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﯾﺤﯿﻂ ﺑﺎﻟﺠﺰء و ﯾﺨﺘﺰﻟﮫ ﻓﺈن اﻟﻔﮭﻢ ھﻮ اﻋﺘﺒﺎر
ﻟﻠﻜﻞ دون ﺗﺠﺰﺋﺔ ﺣﺘﻰ و إن طﺒﻖ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎ اﻹھﻤﺎل ،ﻟﺬﻟﻚ ﯾﺆﻛﺪ " ﺟﻮن ﻟﻮﯾﺲ ﻟﻮﻣﻮاﻧﯿﮫ " أن
" اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻻ ﻣﺤﺪودة " ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ و اﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻧﺤﻮ ﻣﻐﺎﻣﺮة ﺗﺄوﯾﻠﯿﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺻﺪ
واﻟﻤﻌﺎﻧﻲ و اﻟﺪﻻﻻت .إذن ﺳﺆال ﻟﻢ ﻧﻨﻤﺬج ؟ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﺗﻠﯿﻮﻟﻮﺟﻲ /ﻏﺎﺋﻲ /ﺗﺪاوﻟﻲ ﯾﻜﺸﻒ ﻋﻦ
أھﺪاف اﻟﻤﻨﻤﺬج و ﻏﺎﯾﺎﺗﮫ و رھﺎﻧﺎﺗﮫ اﻟﺘﻲ ﯾﻄﻤﺢ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﯿﻘﮭﺎ .ﻓﻼ ﻧﻤﻮذج دون ﻏﺎﯾﺔ ،و ﻣﻨﻄﻖ
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ و اﻟﺤﯿﺎد اﻟﺤﺪﯾﺜﯿﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﺘﻼءم ﻣﻊ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﯿﻮم ،
وذات اﻟﻌﺎﻟﻢ /اﻟﻤﻨﻤﺬج أﺻﺒﺤﺖ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﻦ ﺑﺪاﯾﺎﺗﮫ إﻟﻰ ﻧﮭﺎﯾﺎﺗﮫ .ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أن
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺤﯿﺎد و إﻧﻤﺎ ھﻲ وﻋﻲ رﺟﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻘﺪراﺗﮫ و ﻛﻔﺎءاﺗﮫ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ
ووﻋﯿﮫ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﮫ اﻟﻤﺪروس ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ،و ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﻮﻋﻲ أﻛﺒﺮ ﻛﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮﺑﻨﺎ
أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ .
ﺗﻘﻮدﻧﺎ اﻟﺬاﺗﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ إذن إﻟﻰ اﻟﺘﺴﺎؤل :ﻣﻦ ﯾﺤﺪد ﻏﺎﯾﺎت اﻟﻨﻤﻮذج ؟ ھﻞ ھﻮ
اﻟﻤﻨﻤﺬج أم اﻟﻤﺴﺘﺨﺪم ﻟﻠﻨﻤﻮذج ؟ و ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻣﻦ ﺗﺘﻢ ھﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ ؟ إن ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺗﻘﻮدﻧﺎ إﻟﻰ
ﻣﺴﺎءﻟﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﯿﻌﺎﺑﮫ ﻟﻤﻔﮭﻮم اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ :أي ﺻﻮرة ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ ؟ ھﻞ ھﻲ ﺗﻘﺪم ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ
إﻟﻰ اﻷﻣﺎم ؟ أﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ذاﺗﮭﺎ ﻧﻤﻮذﺟﺎ ﻣﻨﻘﻮﺻﺎ ؟
5
4ـ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ :
ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ إﻟﻰ أن ﻧﻐﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻌﻨﺎ ،ﺑﻌﺪ أن ﻛﻨﺎ ﻓﻲ داﺧﻞ ﺑﻨﯿﺘﮭﺎ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ
آﻟﯿﺎﺗﮭﺎ و ﻣﺒﺮراﺗﮭﺎ و ﺧﺼﺎﺋﺼﮭﺎ ،ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻧﻨﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج أي ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻧﻘﺪي
إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﺮى ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺴﻤﺢ ﺑﮫ اﻟﺪاﺧﻞ ،ﻣﻦ ذﻟﻚ :
اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،إﻗﺮار ذو ﻗﯿﻤﺔ ﻣﻌﺮﻓﯿﺔ ﻛﺒﺮى ،ﻷﻧﮫ ﯾﻌﻨﻲ ﻣﻌﺮﻓﯿﺎ ،
أﻧﮫ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﯿﻞ ﯾﻮﺟﺪ دوﻣﺎ ﺷﻲء ﻟﻢ ﯾُﻘﻞ ﺑﻌﺪ ،و ھﻮ ﻣﺎ ﯾﻌﺘﺒﺮ داﻓﻌﺎ أﺳﺎﺳﯿﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ
و ﻟﻤﺰﯾﺪ اﻻﺑﺘﻜﺎر و اﻟﺨﻠﻖ و اﻟﺘﺨﯿﻞ ﻋﻠﻤﯿﺎ ،و أن ﻣﺴﺎر اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﻣﺴﺎر ﻻ
ﯾﻜﺘﻤﻞ اﻟﺒﺘﺔ .ﻓﻌﻦ طﺮﯾﻖ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ﺗﺄﺳﺲ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ و اﻟﻮاﻗﻊ ﺣﻮار ﻻ ﻣﺘﻨﺎھﻲ ﺟﻌﻞ
" ھﯿﺰﻧﺒﺮغ " ﯾﺆﻛﺪ أن " اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﺑﮭﺬه اﻟﻜﯿﻔﯿﺔ ﻗﺪ ﻓﺘﺤﺖ اﻟﺒﺎب ﻟﻮﺟﮭﺔ
ﻧﻈﺮ ـ أﻛﺜﺮ اﺗﺴﺎﻋﺎ ﻣﻦ ﺳﻮاھﺎ ـ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ
واﻟﻮاﻗﻊ" و ﻓﻲ ذﻟﻚ وﺿﻊ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎر اﻟﺘﻄﻮر ﻧﺤﻮ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻻ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﻟﮫ ،ﻓﻜﺮ
ﻣﻔﺘﻮح ﯾﻘﺒﻞ داﺧﻠﮫ ﺟﻞ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻄﺮودة ﻣﻦ داﺋﺮة اﻻﺳﺘﺤﻘﺎق اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻮﺿﻌﯿﺔ .
اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ أﯾﻀﺎ أن إدراﻛﻨﺎ ﻟﻠﻮاﻗﻊ ﻟﯿﺲ ﺗﺎﻣﺎ ﻷﻧﮫ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺒﻨﯿﺔ اﻟﺬھﻨﯿﺔ و اﻟﺤﺴﯿﺔ
ﻟﻠﻤﻨﻤﺬج و أﯾﻀﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮة اﻟﺘﻲ ﻣﻨﮭﺎ ﯾﻨﻈﺮ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﯿﻮم
أﺻﺒﺢ " ﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻘﺒﻮل " ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻗﻮل " ﺑﻮل ﻓﺎﯾﺮاﺑﺎﻧﺪ " و ھﻮ اﻟﻤﺒﺪأ اﻟﻮﺣﯿﺪ
اﻟﺬي ﯾﺠﺐ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﮫ ﺑﺪل اﻟﻮﺿﻮح و اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ و اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،ﻧﻈﺮا ﻷﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ
ﯾﻮﺟﺪ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﺗﺘﻮاﻓﻖ ﻛﻠﯿﺎ ﻣﻊ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﻮاﻗﻊ ﯾﺘﻼءم ﻛﻠﯿﺎ ﻣﻊ اﻟﻔﺮﺿﯿﺎت
واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ .
و ﺑﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻔﺼﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھﻮ إﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻷﻧﮫ ھﻮ ذاﺗﮫ إﻧﺘﺎج إﻧﺴﺎﻧﻲ،
ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻗﺪ ﻧﺘﻔﻖ ﻣﻊ " ﻟﻮي دو ﺑﺮوي " ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺜﮫ ﻋﻦ اﻟﻮﺟﮫ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻟﻠﻌﻠﻢ ،
واﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﻤﻨﺤﮫ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ إﺷﺒﺎع ﻟﻐﺮﯾﺰة ﻏﺰو اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدي ﻋﻦ طﺮﯾﻖ
اﻟﺬﻛﺎء ،ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﯿﮫ وﻓﻖ ﻣﺨﻄﻄﺎت ﺳﯿﺒﺎرﻧﯿﻄﯿﻘﯿﺔ ﺗﻮظﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و ﺗﻠﻚ
اﻟﻤﺸﺎرﯾﻊ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻹﻧﺴﺎن ،و ھﺬا ﻛﻠﮫ ﯾﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺼﺮاع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ
اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﺘﺨﻔﯿﻒ ﻣﻦ آﻻﻣﮭﺎ ﻋﺒﺮ ﺗﺤﺴﯿﻦ ظﺮوف اﻟﻌﯿﺶ ﻓﯿﮭﺎ .وﻟﯿﺲ
6
طﻤﻮح اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ زﯾﺎدة اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﺄﻛﺜﺮ إﻻ رﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة
و"اﻟﻔﺮح اﻟﻤﻘﺪس ھﻮ ﻓﺮح اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﻔﮭﻢ " ) ﻟﻮي دو ﺑﺮوي ( .
ﻏﯿﺮ أن ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻹﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ،و روح اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻨﻘﺪي ،ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ إﻟﻰ أن ﻧﻐﯿﺮ اﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻦ
ﺟﺪﯾﺪ و إﻟﻰ أن ﻧﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﻮة ﻣﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻨﺘﺴﺎءل :ھﻞ أن ﻣﺎ ﺣﻘﻘﮫ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻧﺠﺎﺣﺎت ﻓﻲ ﺿﻮء
إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ /اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﺔ ﯾﻌﺪ ﺣﺠﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ و ﺑﯿﺎن ﻟﻘﯿﻤﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺗﻄﻮر
أم أن ذﻟﻚ ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺨﻔﻲ ﻋﻨﺎ ﻣﺎ ﯾﺘﻮارى ﺧﻠﻒ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺠﺎﺣﺎت ﻣﻦ أزﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﺟﻞ اﻟﻤﺴﺘﻮﯾﺎت
)ﻣﻌﺮﻓﯿﺔ ،أﺧﻼﻗﯿﺔ ،ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ،دﯾﻨﯿﺔ ( ...؟ ﻓﯿﻢ ﺗﺘﻤﺜﻞ ھﺬه اﻷزﻣﺎت ؟ و ھﻞ ﻣﻦ ﻣﺠﺎل ﻟﺘﺠﺎوزھﺎ
أو ﺗﺬﻟﯿﻠﮭﺎ ؟
إن ﻓﻲ اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء إﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﻤﺬﺟﺔ ،إﻗﺮار ﻻ ﯾﺨﻠﻮ ﻣﻦ
ﻣﺨﺎطﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ ذاﺗﮫ و ﻋﻠﻰ ﻗﯿﻤﺔ ﻣﺎ ﯾﻨﺘﺠﮫ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرف ،ذﻟﻚ أن اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﺪم ﺛﺒﺎت
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﺒﻨﯿﺔ ،و ﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮭﺎ دوﻣﺎ ﻟﻠﺘﻜﺬﯾﺐ ،ﻏﯿﺮ أن ذﻟﻚ اﻹﻗﺮار ﻗﺪ ﯾﻔﻘﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺛﻘﺘﮭﺎ ﻓﻲ
اﻟﻌﻠﻢ و ﯾﺼﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻣﺸﻜﻮك ﻓﯿﮫ ،ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﯾﺴﻘﻂ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺿﺮب ﺟﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﯾﺒﯿﺔ
اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ،و اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻨﻲ ﻣﻊ اﻟﺮﯾﺒﯿﯿﻦ ،ﻋﺪم ﻗﺪرة اﻟﻌﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﻮغ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ
ﻧﻈﺮا ﻟﻌﺠﺰه ﻋﻦ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﺨﻄﺄ و ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺎت ،و ﯾﺒﺪو اﻷﻣﺮ
ھﻮ ذاﺗﮫ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﺿﻮء ھﺬه اﻹﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﺔ ﺣﯿﺚ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ
اﻟﺼﺎﻟﺢ و اﻟﻐﯿﺮ ﺻﺎﻟﺢ أو ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ و اﻟﺨﺎطﺊ .
ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﺠﺎوز اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ،و ﻋﺪم اﻋﺘﺮاﻓﮫ ﺑﻘﺎﻧﻮن اﻟﺤﯿﺎد ،و إﻗﺮاره ﻓﻲ
اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺗﻀﻤﯿﻦ ﻏﺎﯾﺎت اﻟﻤﻨﻤﺬج ﻓﻲ ﺑﻨﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮذج ،إﻗﺮار ﻗﺪ ﯾﻌﯿﺪ اﻟﻌﻠﻢ إﻟﻰ داﺋﺮة
اﻻﺗﮭﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺎول طﻮﯾﻼ اﻟﺘﻤﻠﺺ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﺪﻋﻮة اﻟﺤﯿﺎد و اﻟﻼﻣﺴﺆوﻟﯿﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ
اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻼﻋﻠﻤﯿﺔ ﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺗﮫ .و ھﻲ ﺗ ُ َﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﺗﻔﺎدﯾﮭﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻌﺪ
اﻟﺘﺪاوﻟﻲ ﻟﻠﻌﻠﻢ ،و ھﺬا ﻣﺎ أﺷﺎر إﻟﯿﮫ " إدﻏﺎر ﻣﻮران " ﺣﯿﻦ ﺑﯿﻦ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﯿﺶ " ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻠﻢ
اﻟﻀﺨﻢ ،و اﻟﺘﻘﻨﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﻮﻧﺖ ﺳﻠﻄﺔ ﺟﺒﺎرة " و ﻟﻜﻦ رﻏﻢ أن ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت
و اﻟﺘﻘﻨﯿﺎت ﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ داﺧﻞ ﻣﺨﺎﺑﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﺈن اﻟﻐﺮﯾﺐ ﻓﻌﻼ أن " اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﺠﺮدون ﺗﻤﺎﻣﺎ
ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﻠﻄﺎت " ﻧﻈﺮا ﻷن ھﺬه اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻗﺪ ﺗﻤﺮﻛﺰت ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺑﯿﻦ أﯾﺎدي اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت
و اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت .ﻣﻤﺎ ﯾﻌﻨﻲ أن ﺣﺎﺟﺰ اﻟﺤﯿﺎد ﻗﺪ اﻧﮭﺎر و أن ﻋﻘﺪ اﻟﺰواج اﻟﺸﺮﻋﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ
7
و اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻗﺪ أُﺑﺮم ،و اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺪﻋﻲ اﻟﺤﯿﺎد أﺻﺒﺢ ﻣﻮرطﺎ إﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎ و " اﻟﻌﻠﻤﺎء
ھﻢ ﻓﺎﻋﻠﻮن ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ و اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ " ) إدﻏﺎر ﻣﻮران ( .
ﻟﻌﻠﮫ ھﺬا ھﻮ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺘﺮاﺟﯿﺪي اﻟﺬي ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻨﮫ " أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ " ﺣﯿﺚ اﻧﺤﺮف اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ
ﻣﺴﺎره اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ و اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ و " ﺻﻨﻊ ﺑﺠﮭﺪ ﯾﻜﺎد ﯾﻔﻮق اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ أﺳﻠﺤﺔ اﺳﺘﺒﻌﺪﺗﮫ
اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺎ و ﻣﺤﻘﺖ ﺷﺨﺼﯿﺘﮫ " ﻟﺬﻟﻚ ﯾﻤﺎﺛﻞ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ و اﻟﺠﻨﺪي اﻟﺬي ﯾﻀﺤﻲ
ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ و ﯾﺤﻄﻢ ﺣﯿﺎة اﻵﺧﺮﯾﻦ ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ،ﻷن " اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﻟﯿﻨﺼﺎع ﺗﺤﺖ اﻷواﻣﺮ ،ﺣﺘﻰ
إﻟﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ " .ھﺬه إذن ﺻﻮرة اﻟﻌﻠﻢ اﻟﯿﻮم ﻓﻲ
ﺿﻮء ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻠﺔ " ،ﺻﻮرة ذات اﻟﻮﺟﮭﺘﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﮭﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﺴﻠﻄﺔ ﺑﻤﺎ ھﻤﺎ
وﺟﮭﺎن ﻟﻤﺴﺄﻟﺔ واﺣﺪة .ﻓﻤﻦ ذا اﻟﺬي ﯾﻘﺮر ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻧﮫ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ؟ و ﻣﻦ ذا اﻟﺬي ﯾﻘﺮر ﻣﺎ ھﻮ
اﻷﻧﺴﺐ ﻟﻠﻘﺮار ؟ إن ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻹﻋﻼﻣﯿﺔ ھﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي
وﻗﺖ " ) ﻟﯿﻮﺗﺎر ( .
ﺻﻔﻮة اﻟﻘﻮل إذن ﻣﻊ " ﺟﻮن روﺳﺘﻮن " " ﻟﻘﺪ ﺟﻌﻞ ﻣﻨﺎ اﻟﻌﻠﻢ آﻟﮭﺔ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻜﻮن ﺟﺪﯾﺮﯾﻦ
ﺑﺈﻧﺴﺎﻧﯿﺘﻨﺎ " ﻗﻮل ﯾﺘﻀﻤﻦ دﻋﻮة ﺻﺮﯾﺤﺔ ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻘﯿﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ،واﻋﺘﺒﺎرھﺎ اﻟﻤﻌﯿﺎر
اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻜﻞ إﻧﺘﺎج ﻣﻌﺮﻓﻲ ،ﻷن " اﻟﻌﻠﻢ دون دﯾﻦ أﻋﺮج و اﻟﺪﯾﻦ دون ﻋﻠﻢ أﻋﻤﻰ "
)أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ( و ﻷن ﻛﺬﻟﻚ " أي ﻋﻠﻢ ﯾﺘﺼﻮر ﻧﻔﺴﮫ ﻣﺘﺤﺮرا ﻣﻦ اﻟﻘﯿﻢ ھﻮ ﻋﻠﻢ ﺑﺎل و ﻗﺪﯾﻢ".
) ﺳﻔﺮﯾﻨﺲ ( .ﺑﻘﻲ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻘﻂ أن ﻧﺤﺪد ﻣﺠﺎل ھﺬه اﻟﻘﯿﻢ و ﻧﻀﻊ أﺳﺴﮭﺎ ﻟﺘﻜﻮن أﻓﻀﻞ
ﻣﻌﯿﺎر دون أن ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ذﻟﻚ دﻋﻮة ﻟﻠﻌﻮدة إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻠﻢ و ﺗﺤﻄﯿﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻧﺠﺰه اﻟﻌﻘﻞ
اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ .
8
اﻟﻌﻠــﻢ ﺑﯿـﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘــﺔ و اﻟﻨﻤﺬﺟــﺔ
ﻷن اﻻﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺬي ﯾﺘﻨﺎول ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﻣﻨﺎھﺠﮫ و ﺣﻘﺎﺋﻘﮫ و ﻧﺘﺎﺋﺠﮫ و ﻋﻼﻗﺎﺗﮫ ،ﻓﺈن ھﺬا اﻟﻌﻨﻮان ﻋﺒّﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻒ
اﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ﯾﺘﻨﺎول ﺑﺎﻟﻨﻘﺪ ﻣﺎ ﺷﮭﺪه اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺘﻮﯾﺎﺗﮫ ﻣﻦ ﺗﻄﻮر و ﺗﺤﻮل ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﻛﺎن ھﺎﺟﺴﮫ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ و ﻛﺄﻧﮭﺎ ﻛﻨﺰ ﺧﻔﻲ ،إﻟﻰ ﻋﻠﻢ أﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮫ
ﺑﻨﺎء ﻧﻤﺎذﺟﮫ وﻓﻖ ﻣﺎ أﻗﺮه ﺑﻮل ﻓﺎﻟﯿﺮي " ﻟﯿﺴﺖ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻛﻨﻮزا ﻧﻜﺘﺸﻔﮭﺎ ،ﺑﻞ ﺑﻨﺎءات " ﻟﺬﻟﻚ ﯾﺘﺴﺎءل اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻻﯾﺒﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ :ﻣﺎ ھﻲ أﺳﺒﺎب ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ و ذﻟﻚ
اﻟﺘﺤﻮل ؟ ھﻞ ھﻲ أﺳﺒﺎب ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻌﻠﻢ ﻗﺪ أﺟﺒﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ أم ھﻲ ﻧﺘﺎج طﺒﯿﻌﻲ ﻟﻜﻞ ﻓﻜﺮ إﻧﺴﺎﻧﻲ ؟ ﻣﺎ ﻣﻈﺎھﺮ ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ و ﻣﺴﺘﻮﯾﺎﺗﮭﺎ ؟ و ﻣﺎ ھﻲ ﺗﺒﻌﺎﺗﮭﺎ ﺳﻮاء
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ أو اﻹﻧﺴﺎن ؟
ﺗﻌﻮد ھﺬه اﻟﻨﻘﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻢ إﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺮرات ﻣﻦ أھﻤﮭﺎ :ظﮭﻮر ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻣﻊ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ اﻟﺘﻲ ﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ أن اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ أﺻﺒﺤﺖ
ﺗﻐﯿﺮ ﻣﻮاﻗﻌﮭﺎ و دﻻﻻﺗﮭﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ،ﻓﻜﯿﻒ ﺳﻨﻔﻜﺮ ﺑﻌﺪ أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ،و ﻓﯿﻢ ؟ /ﺗﺤﻮل ﻓﻲ طﺒﯿﻌﺔ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻣﻦ واﻗﻊ ﻣﻌﻘﺪ ) ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮ
وﺧﺼﺎﺋﺺ ﯾﻤﻜﻦ اﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ واﺣﺪة :ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺘﺰل ﺧﺼﺎﺋﺺ ظﺎھﺮة ﺳﻘﻮط اﻷﺟﺴﺎم ﻣﻦ ﺛﻘﻞ و ﺳﺮﻋﺔ و زﻣﻦ ...ﻓﻲ ﺧﺎﺻﯿﺔ واﺣﺪة ﺗﻔﺴﺮھﺎ وھﻲ
اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ ( إﻟﻰ واﻗﻊ ﻣﺮﻛّﺐ ﯾﺤﺪده إدﻏﺎر ﻣﻮران ﺑﺄﻧﮫ ذﻟﻚ اﻟﺘﺪاﺧﻞ ﺑﯿﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﺘﻨﺎﻓﺮة ﻟﻈﺎھﺮة ﻣﺎ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻣﺠﺎل ﻻﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ و إﻧﻤﺎ ﻧﻜﻮن أﻣﺎم ﺧﯿﺎرﯾﻦ :إﻣﺎ أن
ﻧﺪرﺳﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻠﯿﺘﮭﺎ أو أن ﻧﻄﺒﻖ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎ اﻹھﻤﺎل ﻋﻠﯿﮭﺎ :اﻟﺬرة ﻣﺜﻼ واﻗﻊ ﻣﺮﻛﺐ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﻧﺪرس اﻟﺴﺮﻋﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎن و ﻻ اﻟﻄﺎﻗﺔ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ
ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ و ﻻ اﻟﺜﻘﻞ إﻻ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺴﺮﻋﺔ أﯾﻀﺎ ( /وﻻدة دراﺳﺎت ﺟﺪﯾﺪة ﻣﻊ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘﺮن 19ﻋﺸﺮ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﺗﺨﺬت ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ
ﻟﮭﺎ و ﺗﻄﻤﺢ ﻷن ﺗﻨﺎل ﺷﺮف اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻓﯿﻮﻟﺪ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ و ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ و ﻋﻠﻰ اﻻﺟﺘﻤﺎع و ﻋﻠﻢ اﻟﻠﻐﺔ / ...اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺘﻘﻨﻲ و اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﺬي اﺟﺘﺎح
اﻟﻌﺎﻟﻢ و ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺤﺎﺳﻮب اﻟﺬي ﻣﺜﻞ ﺛﻮرة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر أﻧﮫ أﺻﺒﺢ آﻟﯿﺔ ﻣﻦ آﻟﯿﺎت اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺣﯿﺚ أﺻﺒﺢ ﻣﺎ ﯾﺴﺘﺤﯿﻞ ﺗﺠﺮﺑﺘﮫ ﻓﻲ
اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻤﻜﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺷﺔ اﻟﺤﺎﺳﻮب ﺑﺄﻗﻞ ﻣﺠﮭﻮد ﻣﻤﻜﻦ و ﺑﺄﻗﻞ ﺗﻜﻠﻔﺔ .
1
ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﻨﻘﻠﺔ
إﻟـــــﻰ ﻣـِـــــﻦ
.1ﻣﻨﮭﺞ اﺳﺘﻨﺒﺎطﻲ :ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر و اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻌﺎﻣﺔ .1ﻣﻨﮭﺞ اﺳﺘﻘﺮاﺋﻲ :ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ وﻗﺎﺋﻊ ﺗﺠﺮﯾﺒﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﯿﺴﺘﻨﺘﺞ
ﻟﯿﺴﺘﻨﺘﺞ ﻟﮭﺎ وﻗﺎﺋﻊ ﺗﻼﺋﻤﮭﺎ . أﻓﻜﺎرا ﻋﺎﻣﺔ ﺗﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻌﮭﺎ .
.2اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺼﻼﺣﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﺗﻼؤم اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻊ اﻟﻔﻜﺮة واﻟﻨﺘﺎﺋﺞ .2اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﺗﻄﺎﺑﻖ اﻟﻔﻜﺮة ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﻌﻄﻰ
ﻣﻊ اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺎت ) .اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ اﻟﻼإﻗﻠﯿﺪﯾﺔ ( و اﻟﺤﺴﻲ ) .اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ اﻹﻗﻠﯿﺪﯾﺔ (
.3واﻗﻊ اﻓﺘﺮاﺿﻲ ﻧﺘﺎج ﺗﻤﺜﻼت اﻟﺬات اﻟﺒﺎﺣﺜﺔ و ﺧﯿﺎﻻﺗﮭﺎ . .3واﻗﻊ ﻣﻌﻄﻰ و راھﻦ ﯾﻔﺮض وﺟﻮده ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﺣﺚ .
.4ذاﺗﯿﺔ ﺣﺮة ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﺎﻟﺘﺼﻮر و اﻟﺨﯿﺎل ﻓﻲ ﺣﺪود .4ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎد اﻟﺬات ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ إزاء
وﻋﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺬات ﺑﻘﺪراﺗﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ ﻣﻮﺿﻮﻋﮭﺎ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺑﺎﺳﺘﺒﻌﺎد اﻷﺣﻜﺎم اﻟﻤﺴﺒﻘﺔ و اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ
ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى . واﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻟﺬاﺗﯿﺔ .
.5وﻗﺎﺋﻊ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﺗﺘﺪاﺧﻞ ﻓﻲ إطﺎرھﺎ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺘﻨﺎﻓﺮة ﺗﺸﻜﻞ ﻧﺴﯿﺠﺎ .5وﻗﺎﺋﻊ ﻣﻌﻘﺪة ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﻤﻜﻦ اﺧﺘﺰاﻟﮭﺎ
و ﻧﺴﻘﺎ و ﺑﻨﯿﺔ ﻣﺘﺤﻮﻟﺔ و ﻏﯿﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺧﺘﺰال ) .ﻣﺜﺎل اﻟﺬرة ( ﻓﻲ ﺣﻘﯿﻘﺔ واﺣﺪة و ﻧﮭﺎﺋﯿﺔ ) ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺠﺎذﺑﯿﺔ ﻟﻨﯿﻮﺗﻦ (
.6وﻗﺎﺋﻊ ﯾﻤﻜﻦ ﻓﮭﻤﮭﺎ و ﺗﺄوﯾﻠﮭﺎ ﺑﺈرﺟﺎﻋﮭﺎ إﻟﻰ أﺳﺒﺎﺑﮭﺎ اﻟﻤﺘﻐﯿﺮة . .6وﻗﺎﺋﻊ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﯿﺮھﺎ ﺑﺈرﺟﺎﻋﮭﺎ إﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮن ﻋﺎم دﻗﯿﻖ و ﻧﮭﺎﺋﻲ .
.7ﺣﻘﯿﻘﺔ اﺣﺘﻤﺎﻟﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﻧﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ .7ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺣﺘﻤﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ إطﻼﻗﯿﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺴﺒﺒﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺗﻤﻜﻦ
ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﻮﻗﻌﺎت و اﻓﺘﺮاﺿﺎت ﻣﻤﻜﻨﺔ . ﻣﻦ اﻟﺘﻨﺒﺆ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻈﺎھﺮة اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ .
.8ﻟﻐﺔ ﺗﺘﺮاوح ﺑﯿﻦ ﺧﻄﺎب ﻛﻤﻲ و ﺧﻄﺎب ﻛﯿﻔﻲ ) أدﺑﻲ ( . .8ﻟﻐﺔ رﯾﺎﺿﯿﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻟﻜﻞ ﺧﻄﺎب ﻋﻠﻤﻲ .
2
ﻣﺜﻠﺖ ھﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ أﺳﺲ اﻟﺒﺎرادﯾﻐﻢ اﻟﺒﻨﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﯾﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻠﺖ ھﺬه اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ أﺳﺲ اﻟﺒﺎرادﯾﻐﻢ اﻟﻮﺿﻌﻲ اﻟﺬي ﻗﺪم
ﻗﺎﺑﻠﯿﺔ ﻛﻞ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ إﻟﻰ أن ﺗُﺒﻨﻰ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻧﻈﺮا لﻗﺎﺑﻠﯿﺘﮭﺎ ﻟﻠﺘﻜﺬﯾﺐ ﻧﻔﺴﮫ ﻟﺴﺎن دﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﻌﻠﻢ و ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﻘﺪّس ﻛﻞ
ﺣﺴﺐ ﻛﺎرل ﺑﻮﺑﺮ ،و ﻗﯿﻤﺔ ﻛﻞ ﺣﻘﯿﻘﺔ أو ﻧﻤﻮذج ﯾﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺗﻄﻮره و ﺗﺠﺪده ﺑﺤﺚ ﻋﻠﻤﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﺗﻌﺒﯿﺮ أوﻗﯿﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ " إﻧﺠﯿﻼ
ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار . ﺟﺪﯾﺪا " ﺣﻘﺎﺋﻘﮫ ﻻ ﺷﻚ ﻓﯿﮭﺎ و ﻣﺼﺎدره ﻣﻨﺰھﺔ ﻋﻦ أي ﺧﻄﺄ أو ﺷﺎﺋﺒﺔ .
اﻟﺴﻠﺒﯿﺔ اﻹﯾﺠﺎﺑﯿﺔ
ﺧﻄﻮرة اﻟﻘﻮل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠﻢ ،ﻣﻦ ﺧﻼل زﻋﺰﻋﺔ ﺛﻘﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻹﻗﺮار ﺑﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و ﺑﺄن ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻗﯿﻞ ﯾﻮﺟﺪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾُﻘﻞ
اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﮭﺎ و ﯾﮭﺪد اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻀﺮب ﻣﻦ رﯾﺒﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﺗﻌﻠﻦ ﺑﻌﺪ داﻓﻊ ﻟﻺﺑﺪاع اﻟﻌﻠﻤﻲ و اﻟﺨﻠﻖ و اﻻﺑﺘﻜﺎر و اﻟﺨﯿﺎل ﻓﻲ ﻣﺴﺎر ﻻ
ﺻﺮاﺣﺔ ﻋﺠﺰ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻋﻦ ﺑﻠﻮغ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ /ﺗﺠﺎوز ﻣﻨﻄﻖ ﯾﻜﺘﻤﻞ ﻟﺤﻮار ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ و اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﻓﺘﺮاﺿﻲ /اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﺗﺆﻛﺪ أن " ﻛﻞ
اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ و اﻻﺳﺘﮭﺘﺎر ﺑﻤﺒﺪأ اﻟﺤﯿﺎد ﯾﻀﻌﺎن اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﻓﻲ داﺋﺮة ﺷﻲء ﻣﻘﺒﻮل " ) ﺑﻮل ﻓﺎﯾﺮاﺑﺎﻧﺪ ( و ﻛﻞ ﻧﻤﻮذج ھﻮ ﻧﻈﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل
اﻻﺗﮭﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮم ﺣﻮل اﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻻت اﻟﻼ إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ و ﺗﺤﺎﻟﻒ ﻛﻮة ﻻ ﻧﺮى ﻣﻨﮭﺎ إﻻ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﮫ و ﻛﻠﻤﺎ ﺗﻐﯿﺮت وﺟﮭﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﺗﻠﻚ ّ
اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ و ﺻﺎﺣﺐ و اﻟﺴﻠﻄﺔ و اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ و اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﺗﻐﯿﺮت اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ /ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻨﮭﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﺑﺎﻟﺠﻨﺪي ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺬي ﺿﺤﻰ ﺑﺤﯿﺎﺗﮫ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و ﻗﺘﻞ وﻣﺰﯾﺪ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻗﺼﺪ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ و " ﯾﻜﻮن ﺳﯿﺪا ﻋﻠﻰ
اﻵﺧﺮﯾﻦ " اﻟﻌﺎ ِﻟﻢ ﻟﯿﻨﺼﺎع ﺗﺤﺖ اﻷواﻣﺮ ،ﺣﺘﻰ إﻟﻰ ﻗﺒﻮل اﻟﺘﻄﻮر اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ و ﻣﺎﻟﻜﺎ ﻟﮭﺎ " ) دﯾﻜﺎرت ( و ﻓﻖ ﻣﺨﻄﻄﺎت ﺳﯿﺒﺎرﻧﯿﻄﯿﻘﯿﺔ
اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻣﺎر اﻟﺸﺎﻣﻞ " ) أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ ( /اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ھﺎﺟﺴﮭﺎ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺤﻜﻢ و اﻟﻘﯿﺎدة /ﺗﺬﻟﯿﻞ ذﻟﻚ اﻟﺼﺮاع
اﻟﻨﺠﺎﻋﺔ و اﻟﻤﺮدودﯾﺔ و اﺳﺘﺒﻌﺎد اﻟﻘﯿﻢ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ) اﻟﺤﺮﯾﺔ و اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻟﻘﺪﯾﻢ ﺑﯿﻦ اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺧﻠﻖ ﺣﯿﺎة اﻟﺮﻓﺎه ﻋﺒﺮ ﺗﺤﺴﯿﻦ
واﻟﻤﺴﺎواة و اﻟﻜﺮاﻣﺔ ( ... ظﺮوف اﻟﻌﯿﺶ و ﺧﻠﻖ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﺴﻌﺎدة ﺣﯿﺚ أن " اﻟﻔﺮح اﻟﻤﻘﺪّس
ھﻮ ﻓﺮح اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﻔﮭﻢ " ) ﻟﻮي دو ﺑﺮوﻟﻲ (
ﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﺤﻞ ھﻮ إﻋﺎدة رﺑﻂ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻠﻢ و ﻋﺎﻟﻢ
اﻟﻘﯿﻢ " اﻟﻌﻠﻢ دون دﯾﻦ أﻋﺮج و اﻟﺪﯾﻦ دون ﻋﻠﻢ أﻋﻤﻰ " ) أﯾﻨﺸﺘﺎﯾﻦ(
3
اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ :إن ﻃﺮح ﻣﺸﻜﻞ دﻻﻟﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻤﺸﻜﻞ اﻟﻘﻴﻢ ﻗﺪ ﻳﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻔﻀﺎء
ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻗﻴﻤﻲ ﻣﻦ ﻋﻼﻗـﺎت و ﺛﻨﺎﺋﻴﺎت ﺗﺸﻜﻞ داﺧﻠﻪ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻹﺷﻜﺎﻟﻴﺎت و اﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﻋﺪل و ﻇﻠﻢ ودﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ
و اﺳﺘﺒﺪاد و ﺳﻴﺎدة و ﻣﻮاﻃﻨﺔ . ...و ﻫﺬﻩ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﺗﺜﻴﺮ إﺷﻜﺎﻻ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﺎﻫﻴﺔ اﻟﺪوﻟﺔ و ﻃﺒﻴﻌﺔ
ﻋﻤﻠﻬﺎ و اﻟﻐﺎﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪف إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ .ﻓـﺈذا وﻗﻔﻨﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﻴﺎدة ﻟﻐﺔ ﻣﻦ ﺳﻮد ﻳﺴﻮد ﻗﻮﻣﻪ أي
ﺗﻘﺪم ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟﺎﻫﺎ و ﻣﻜﺎﻧﺔ و ﻣﻨﺰﻟﺔ أو ﻏﻠﺒﺔ و ﻗﻮة و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ و اﻛﺘﺴﺎب
اﻟﺴﻴﺎدة .ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﺗﺤﻴﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻻﺻﻄﻼﺣﻴﺔ ﻟﻠﻔﻆ اﻟﺴﻴﺎدة ﺑﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ
ﺗﻌﺮف ﺳﻠﻄﺔ ﻋﻠﻴﺎ أﺧﺮى ﺗﺸﺎرﻛﻬﺎ ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗـﺎت .و ﻟﺬﻟﻚ ارﺗﺒﻂ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﻴﺎدة ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ دﻻﻟﺘﻬﺎ
اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ أﻧﻬﺎ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻟﻪ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ و اﻟﻴﺪ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻋﻠﻰ إﻗـﻠﻴﻤﻬﺎ و ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺪ
ﻓﻮﻗﻪ أو ﻓﻴﻪ ،ﻓﻬﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ و اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮدت وﺣﺪﻫﺎ ﺑﺈﻧﺸﺎء اﻟﺨﻄﺎب اﻟﻤﻠﺰم اﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ
اﻷﺷﻴﺎء و اﻷﻓﻌﺎل و ﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ .ﻟﺬﻟﻚ ﻓـﺈن ﺳﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ﻫﻲ اﻟﺼﻼﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪد ﺣﻘﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺪوﻟﺔ و اﻟﺘﻲ
ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻄﺎق اﻹﻗـﻠﻴﻤﻲ ﻟﻬﺎ ﻛﺤﻤﺎﻳﺔ ﺣﺪودﻫﺎ و اﻟﺤﻔـﺎظ ﻋﻠﻰ أﻣﻨﻬﺎ و ﻣﻤﺎرﺳﺔ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ دون ﺗﺪﺧﻞ
ﺧﺎرﺟﻲ أو ﺿﻐﻮط .
ﻏﻴﺮ أن ﻣﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﻫﻮ اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﺤﺎﺻﻞ داﺧﻞ اﻟﺴﻴﺎدة ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎدة
اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ و اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ،اﻷوﻟﻰ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎرس وﻓﻘـﺎ ﻟﻠﻘـﺎﻧﻮن اﻟﺸﺮﻋﻲ ،
ﻣﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻀﻤﻦ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻣﻦ و اﻟﺴﻼم واﻻﻧﺘﻤﺎء و اﻟﺤﺮﻳﺔ و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ
اﻟﺤﻘﻮق .أﻣﺎ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺘﻌﻨﻲ اﻟﻘﻮة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻘﻴﺪة ،أي اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﻓﺮض اﻟﻄﺎﻋﺔ اﺳﺘﻨﺎدا
إﻟﻰ ﻗﻮة اﻹرﻏﺎم و اﻟﻘﺴﺮ و اﻟﻌﻨﻒ ،ﻣﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻬﺪد ﺣﻖ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ .
ﻧﻤﺲ ﺑﻬﺬا اﻟﺴﺆال ﻣﺸﻜﻼ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺘﻌﻘﻴﺪ ﻧﻈﺮا ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻄﺮح ﻣﻔـﺎرﻗﺔ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ،ﺣﻴﺚ
أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺿﻤﺎن وﺟﻮدﻫﺎ و ﻛﻴﺎﻧﻬﺎ إﻻ ﺑﻤﺤﺎﻓﻈﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ،أي أن ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﺑﺄي ﺗﺪﺧﻞ
ﻓﻲ ﺷﺆوﻧﻬﺎ و أن ﺗﻜﻮن ﻟﻬﺎ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻓﻲ ﻗﺮاراﺗﻬﺎ ،و ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻋﻠﻰ أي دوﻟﺔ أن ﺗﻮﺟﺪ
ﻓﻲ ﻏﻴﺎب اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﺳﻮاء ﻛﺠﺰء ﻣﻦ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ أو ﻛﻤﺘﻘﺒﻞ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺴﻴﺎدة .
1
ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ أن ﺗﺘﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ؟ ﻣﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﻔﻆ ﺳﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ دون اﻟﻤﺴﺎس
ﺑﺤﻘﻮق اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ؟ ﻫﻞ ﻳﻜﻮن اﻟﻘـﺎﻧﻮن دوﻣﺎ ﺣﺎﻓﻈﺎ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻨﺔ و ﺣﺎﻣﻴﺎ ﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ؟
ﺗﺤﺪد اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺳﻠﻄﺔ ﻗـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﺗﻤﻠﻚ دون ﻣﻨﺎزع اﻟﺤﻖ اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ
اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺎﻻﻟﺘﺰام و اﻟﺨﻀﻮع ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻳﺤﺪدﻩ اﻟﻘـﺎﻧﻮن .و اﻟﻘـﺎﻧﻮن ﻫﻮ ﻣﺠﻤﻞ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﺮﻋﻬﺎ
اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ اﻟﻌﻘـﻞ اﻟﺴﻠﻴﻢ و ﻣﺎ ﻳﺘﻌﺎﻗﺪ ﻋﻠﻴﻪ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ و ﻳﻠﺘﺰم اﻷﻓﺮاد ﺑﺘﻄﺒﻴﻘﻪ .و ﻳُﻨﺘﻬﻚ
اﻟﻘـﺎﻧﻮن ﺣﻴﻦ ﻳﻌﻤﺪ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ إﻟﻰ إﻟﺤﺎق اﻟﻀﺮر ﺑﺄﺣﺪ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ راﻓﻀﺎ أواﻣﺮ اﻟﺤﺎﻛﻢ .
و ﻓﻲ ﺣﺎل ﺣﻈﺮ اﻟﻘـﺎﻧﻮن ﺗﺄﺳﺲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ،ﻛﻨﻈﺎم ﻏﺎﻳﺘﻪ ﺗﺨﻠﻴﺺ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺳﻴﻄﺮة اﻟﺸﻬﻮة
اﻟﻌﻤﻴﺎء و اﻹﺑﻘـﺎء ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﻌﻘـﻞ و ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻌﻴﺶ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻲ وﺋﺎم و ﺳﻠﻢ .ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن
اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ رﻏﺒﺔ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ أو ﺗﻌﺒﻴﺮا ﻋﻦ ﺷﻬﻮات ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن و إﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺻﻮت اﻟﻌﻘـﻞ
ﻓﻴﻪ و ﻗﻴﻤﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻟﻴﺴﺖ ﺧﺎﺻﻴﺔ ﻓﺮدﻳﺔ .و ﻓﻲ ﺻﻠﺐ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﺗﺘﺤﺪ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺎﻛﻢ ،
ﺑﻤﺎ ﻫﻮ رﻣﺰ اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻦ ،ﻣﻦ ﺧﻼل وﻇﻴﻔﺔ و دور ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ،ﻓﻌﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ رﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗُﻮﺿﻊ ﻣﻬﻤﺔ
اﻟﺴﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﺒﺎدئ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ و اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻓﻌﻞ ﺗﻤﺎرﺳﻪ اﻟﺪوﻟﺔ
و ﻳﻨﻄﻮي ﺗﺤﺖ ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ ،ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أن اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ وﺟﻮب ﺗﻨﻔﻴﺬﻩ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻋﻦ ذﻟﻚ
اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻻ ﻳﺴﻦ ﻗـﺎﻧﻮﻧﺎ إﻻ وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ اﻟﻌﻘـﻞ و ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ
اﻟﺠﻤﻴﻊ .ﻓـﺎﻧﺼﻴﺎع اﻟﻔﺮد ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ﻟﻴﺲ اﻧﺼﻴﺎﻋﺎ ﻟﺸﺨﺺ اﻟﺤﺎﻛﻢ وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﻘـﺎﻧﻮن و ﺧﻀﻮع ﻟﻤﺎ أﻗﺮﻩ اﻟﻌﻘـﻞ
اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ و اﻣﺘﺜﺎل ﻟﻤﺎ اﺗﻔﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ .
و ﻓﻲ اﻟﻤﻘـﺎﺑﻞ ﻓـﺈن ﻛﻞ ﻓﺮد ﻳﻨﺼﺎع ﻟﺸﻬﻮاﺗﻪ و رﻏﺒﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ و ﻻ ﻳﻠﺘﺰم ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺎﻛﻤﻪ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ
ﻋﻘـﻠﻴﺔ ،ﻳﻤﺜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪا ﻟﺴﻴﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ و ﺧﻄﺮا ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ .اﻧﻄﻼﻗـﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﻘـﺎرﻧﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺤﺪد
ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ اﺣﺘﻜﺎم اﻟﻔﺮد ﻟﻌﻘـﻠﻪ دون ﺷﻬﻮاﺗﻪ و اﻟﺘﺰاﻣﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻤﻠﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ رﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ
ﻋﻘـﻠﻴﺔ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ .و ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻻﻟﺘﺰام أن ﻳﺘﺤﻮل اﻟﻤﻮاﻃﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺪ ﻷن اﻟﻌﺒﺪ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻳﻨﻔﺬ أواﻣﺮ إﻧﺴﺎن
آﺧﺮ و إﻧﻤﺎ اﻟﻌﺒﺪ ﻫﻮ اﻣﺘﺜﻞ ﻟﺸﻬﻮاﺗﻪ و رﻏﺒﺎﺗﻪ و أﻫﻮاﺋﻪ و ﻣﺼﺎﻟﺤﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺤﺮ ﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ
ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء أﻳﻦ ﻣﺎ ﺷﺎء و ﻣﺘﻰ ﺷﺎء ذﻟﻚ ،ﺑﺼﻔﺔ ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ ﻏﺮﻳﺰﻳﺔ ،وإﻧﻤﺎ اﻟﺤﺮ ﻫﻮ اﻟﺬي اﺧﺘﺎر ﺑﻤﺤﺾ إرادﺗﻪ
أن ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻬﺪاﻳﺔ اﻟﻌﻘـﻞ .و ﻣﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﺪﻻﻻت ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ أن اﻻﻧﺼﻴﺎع ﻷواﻣﺮ اﻟﻌﻘـﻞ و اﻟﺤﺎﻛﻢ
2
اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻟﻴﺲ ﻗﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ و إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻗﻀﺎء ﻋﻠﻰ دﻻﻟﺔ ﻣﻦ دﻻﻻﺗﻬﺎ و ﻫﻲ " اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻹﺑﺎﺣﻴﺔ " اﻟﺘﻲ
ﺗﺒﻴﺢ ﻛﻞ إﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﻔﻌﻞ ،و ﻓﻲ اﻟﻤﻘـﺎﺑﻞ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺣﺮﻳﺔ ﻋﻘـﻠﻴﺔ ـ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﻮاﻃﻦ ﺑﺤﻖ اﻟﻔﻌﻞ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ
ﻳﺒﻴﺤﻪ اﻟﻘـﺎﻧﻮن اﻟﻌﻘـﻠﻲ " ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺣﺮﻳﺘﻲ ﺣﻴﺚ ﺗﺒﺪأ ﺣﺮﻳﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ " ) روﺳﻮ ( .ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺴﻴﺎدة اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ إذن
ﺗﺘﺤﻘﻖ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﺣﻴﺚ أﻧﻬﺎ ﺿﻤﻨﺖ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ﺣﺮﻳﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ إﻧﺴﺎﻧﺎ ،و ﻣﺴﺎواﺗﻪ ﻣﻊ أي إﻧﺴﺎن آﺧﺮ ﻋﻠﻰ
أﻧﻪ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ،واﺳﺘﻘـﻼﻟﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أﻧﻪ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ .إن اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻫﺬﻩ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻫﻮ ﻣﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻟﺤﺎﻛﻤﻪ ﺑﻄﺎﻋﺔ اﻻﺑﻦ ﻷﺑﻴﻪ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﻳﺸﺘﺮﻛﺎن ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻬﻤﺎ و اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ
اﻟﻌﺎﻣﺔ ،و ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﻤﻮاﻃﻦ ﻣﺨﺘﻠﻔـﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺬي ﻳﻄﻴﻊ ﺳﻴﺪﻩ ﻓﻘﻂ ﺗﺤﻘﻴﻘـﺎ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ
ذﻟﻚ اﻟﺴﻴﺪ .
إن اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻫﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ،ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ،ﻳﺆﻛﺪ أن اﻟﺪوﻟﺔ
ﺑﻘﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﻌﺎرض ﻣﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺣﻴﺚ " ﻟﻢ ﺗﻮد اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺘﺤﻜﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺨﻮف و إﻧﻤﺎ وﺟﺪت
ﻟﺘﺤﺮر اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻟﺨﻮف " ) ﺳﺒﻴﻨﻮزا ( ،ﻓـﺎﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﺗﻀﻤﻦ اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻣﺎم اﻟﻘـﺎﻧﻮن و ﻫﻮ ﻣﺎ
ﻳﺘﻤﺎﺛﻞ ﻣﻊ ﻣﺴﺎواة اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .و ﻫﺬﻩ ﻣﻴﺰة ﺗﺨﺘﺺ ﺑﻬﺎ ﻓـﻠﺴﻔﺔ اﻟﻌﻘﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﻴﻨﻮزا و
روﺳﻮ و ﺟﻮن ﻟﻮك ،اﻟﺬﻳﻦ أﻛﺪوا ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة أن ﺗﺤﺎﻓﻆ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،و
ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﺠﺎوز ﻟﺪوﻟﺔ " اﻟﺘﻨﻴﻦ " ﻣﻊ ﻫﻮﺑﺰ اﻟﺬي ﻳﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﺮﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻔﻆ اﻟﺴﻼم
ﺣﺘﻰ و إن ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق ،ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﺪوﻟﺔ ،و ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﻴﺎدة ﺣﺎﻛﻤﻬﺎ
ﺗﺼﺒﺢ ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻣﺒﺎﺣﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﻼم ﻣﻦ ﻋﻨﻒ و ﺗﺴﻠﻂ و اﺳﺘﺒﺪاد .إﻧﻪ " اﻟﻠﻴﻔﻴﺎﺗﻮن " اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻮ ﻣﺼﻠﺤﺔ
ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ ،و اﻟﺬي ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﺳﺎﻣﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺒﻬﻪ ﻫﻮﺑﺰ " ﺑﺎﻹﻟﻪ اﻟﻔـﺎﻧﻲ
" .ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ ﻳﺒﺪو أن اﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﻻ ﻳﺘﺄﺳﺲ إﻻ ﻓﻲ ﺣﻀﻮر ﻋﻘـﻠﻴﺔ اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ و
اﻟﺘﻨﺎزل و اﻻﺣﺘﺮام اﻟﻤﺘﺒﺎدل وﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻴﻪ إدﻏﺎر ﻣﻮران " اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ اﻟﻤﺮﻛﺒﺔ " اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ
اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺘﻮاﻓﻖ واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ و اﻟﺼﺮاع و اﻟﺘﻔـﺎﻋﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﻮاﺣﺪ و اﻟﻤﺘﻌﺪد و اﻟﻜﻞ و اﻟﺠﺰء .
ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻫﺬﻩ اﻟﺜﻘﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎء ﻓﻲ اﻟﻘـﺎﻧﻮن ،ﻷن اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻴﻮﻣﻲ ﺑﻴﻦ ﻋﺪﻳﺪ اﻟﻤﺮات ﻋﺪم
اﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻪ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ و ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻣﺸﻜﻞ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ
أﺛﺒﺖ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ذﻟﻚ اﻟﺒﻮن اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﺸﺮﻋﻪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻗﻮاﻧﻴﻦ و ﻣﺎ ﺗﻤﺎرﺳﻪ ﻓﻲ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻦ أﻓﻌﺎل ،
ﻣﻤﺎ ﻳﻄﺮح ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻘﻴﻤﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻈﺮي و اﻟﻌﻤﻠﻲ ،ﻣﺸﻜﻞ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ﻓﻮﻛﻮ إﻟﻰ أن ﻧﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻌﻤﻠﻨﺎ
3
اﻟﺸﻔـﺎف ﻣﻊ اﻟﺴﻠﻄﺔ و ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ و ﻟﻨﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻤﺠﻬﺮ دﻗﻴﻖ ﻷﻧﻬﺎ أﺻﺒﺤﺖ " ﻇﺎﻫﺮة ﻣﻴﻜﺮوﺳﻜﻮﺑﻴﺔ " دوﻣﺎ ﻣﺎ
ﺗﺘﺨﻔﻰ وراء اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ و اﻟﻘﻴﻢ ﻟﺘﻤﺎرس ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ اﻟﻐﻴﺮ ﻗـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ " ﺳﻴﺎدﺗﻬﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ " .
4
اﻟﺪوﻟﺔ :اﻟﺴﻴﺎدة و اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ
ﯾﺘﻌﻠﻖ اﻟﻤﺸﻜﻞ اﻟﻤﻄﺮوح ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ ﺑﯿﻦ ﻗﯿﻤﺘﯿﻦ و ھﻤﺎ اﻟﺴﯿﺎدة ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ،و اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ أوﺟﮫ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ
ﻟﻦ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﻄﻠﻖ و إﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﻣﺤﺪد و ھﻮ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﻛﯿﺎن ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻣﺤﻜﻢ اﻟﺘﻨﻈﯿﻢ ذو ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ أﺷﺨﺎص ﯾﻨﺘﺨﺒﮭﻢ اﻟﺸﻌﺐ ﻟﺴﯿﺎﺳﺔ
أﻣﻮره ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺤﻮ اﻷﻓﻀﻞ .
ﺗﺜﯿﺮ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎدة و اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻣﺸﻜﻼ ﻓﻠﺴﻔﯿﺎ ﻧﻈﺮا ﻻﺟﺘﻤﺎﻋﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺠﺎل و ھﻮ اﻟﺪوﻟﺔ رﻏﻢ ﻣﺎ ﯾﺒﺪو ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ دﻻﻟﺘﮭﻤﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ :اﻟﺴﯿﺎدة ﺗﻌﻨﻲ
اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻌﻠﯿﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺳﻠﻄﺔ أﺧﺮى إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮭﺎ أو ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﮭﺎ ﺗﺸﺎرﻛﮭﺎ ﺗﻨﻈﯿﻤﮭﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗﺎت ،ﻓﺼﺎﺣﺐ اﻟﺴﯿﺎدة ھﻮ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺸﺎرﻛﮫ ﻓﻲ ﺳﯿﺎدﺗﮫ أﺣﺪ ،و ھﺬه اﻟﺪﻻﻟﺔ
ﺗﺤﯿﻞ ﺿﺮورة إﻟﻰ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺪوﻟﺔ و رﺟﻞ اﻟﺪوﻟﺔ .أﻣﺎ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻓﮭﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺗﻤﺘﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺤﻖ اﻟﻌﯿﺶ ﺑﻜﺮاﻣﺔ و ﺣﺮﯾﺔ ﻣﺘﺴﺎوون ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻮق و اﻟﻮاﺟﺒﺎت ،ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ھﺬه
اﻟﺤﻘﻮق :اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻧﺘﺨﺎب اﻟﺤﻜﺎم و ﻣﻦ ﯾﻨﻮﺑﮫ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﯾﻒ ﺷﺆون اﻟﺪوﻟﺔ ،و ﺣﻖ اﻟﺘﺮﺷﺢ ﻟﻠﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ و ﺣﻖ ﻣﺮاﻗﺒﺔ آﻟﯿﺎت اﻟﺤﻜﻢ و ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺗﺪاﺑﯿﺮ ﺷﺆون
اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ .
اﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ ھﺎﺗﯿﻦ اﻟﺪﻻﻟﺘﯿﻦ ،ﻧﻼﺣﻆ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎ واﺿﺤﺎ و ﺗﻘﺎﺑﻼ ﺑﯿﻦ آﻟﯿﺎت اﻟﺴﯿﺎدة و ﺣﻘﻮق اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ،ﺗﻘﺎﺑﻼ ﺑﯿﻦ ﺳﯿﺎدة ﺗﺮﻓﺾ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ و ﻣﻮاطﻨﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮھﺎ ﺣﻘﺎ ،
ﻓﮭﻞ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺬي ﺳﻮف ﯾﻨﺘﻔﻲ ﻓﯿﮫ ھﺬا اﻟﺘﻘﺎﺑﻞ و ﯾﻀﻤﺤﻞ ﻓﯿﮫ اﻟﺼﺮاع أم أﻧﮭﺎ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺬي ﺳﻮف ﯾُﺬﻛﻰ ﻓﻲ إطﺎره ذﻟﻚ اﻟﺘﻌﺎرض و ﯾُﻜﺮس ؟ و ھﻞ أن
اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻻ ﺗﺘﺤﻘﻖ إﻻ ﻓﻲ اﻹطﺎر اﻟﻀﯿﻖ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ؟
ـ ﻣﺒﺮرات ھﺬا اﻟﮭﺘﻚ :ﻏﯿﺎب اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻣﻤﺎ ﯾﺸﺮع ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻘﻮة ،ﻓﺤﯿﺚ ﻏﺎﺑﺖ ـ ﺷﺮوط اﻟﻀﻤﺎن :أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﯿﺎدة ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ،أي اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن
ﻗﻮة اﻟﻘﺎﻧﻮن ﺣﻀﺮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻘﻮة /أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﯿﺎدة ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ ﻗﻮة ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻠﺘﺰم اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺎﻟﺨﻀﻮع ﻟﻤﺎ ﺗﻤﻠﯿﮫ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ و ﯾﺘﻌﺎﻗﺪون ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ /أن
ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﻘﯿﺪة ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺎ ﻏﺎﯾﺘﮭﺎ ﻓﺮض اﻟﻄﺎﻋﺔ وﻓﻖ ﻗﺎﻧﻮن " اﻟﻐﺎﯾﺔ ﺗﺒﺮر ﺗﻜﻮن ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﺸﺮع ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ /أن ﺗﺼﺎغ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ وﻓﻖ
1
اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ " ) ھﻮﺑﺰ ( /ﻏﯿﺎب اﻷﺧﻼق ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ " ﻓﮭﻲ ﺗﻜﺬب ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺘﻀﯿﮫ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺴﻠﯿﻢ /وﺟﻮد ﺣﺎﻛﻢ دﯾﻤﻘﺮاطﻲ دوره " ﺗﺨﻠﯿﺺ
رﺻﺎﻧﺔ ﺣﯿﻦ ﺗﻘﻮل :أﻧﺎ اﻟﺪوﻟﺔ أﻧﺎ اﻟﺸﻌﺐ " ) ﻧﯿﺘﺸﮫ ( /ﺗﻌﻤﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﺸﮭﻮة اﻟﻌﻤﯿﺎء و اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻗﺪر اﻹﻣﻜﺎن
اﻟﺨﺪاع و اﻟﺘﻤﻮﯾﮫ و ﻧﺼﺐ اﻷﺷﺮاك أﻣﺎم اﻟﺸﻌﺐ ﻗﺼﺪ اﺳﺘﻤﺎﻟﺘﮫ ﻋﺒﺮ ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﻌﻘﻞ و ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻌﯿﺶ ﻟﻠﻨﺎس ﻓﻲ وﺋﺎم وﺳﻠﻢ "
اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت و اﻟﺼﻮر و اﻟﺪﻋﺎﯾﺔ /اﻧﺘﮭﺎزﯾﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ " ﺗﻨﮭﺶ )ﺳﺒﯿﻨﻮزا( /وﺟﻮب أن ﯾﻨﻔﺬ اﻟﻤﻮاطﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺼﺪر ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎﻛﻢ
اﻟﺸﻌﻮب ﺑﺄﺳﻨﺎن ﻣﺴﺘﻌﺎرة " ) ﻧﯿﺘﺸﮫ ( ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﮭﺎ . اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ /أن ﺗﻜﻮن اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﻄﻠﻘﺔ ) ھﻲ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن
وزﻣﺎن ( و ﻛﻠﯿﺔ )ﺗﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﺴﺎواة ( /أن ﺗﻜﻮن
ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻟﮭﺘﻚ :ﻧﺸﺄة اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﺑﻤﺎ ھﻮ " اﻟﺘﺼﺮف ﻓﻲ اﻟﺸﺆون اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ و"اﻹرادة اﻟﻌﺎﻣﺔ " ) روﺳﻮ( ھﻲ ﻏﺎﯾﺔ ﻛﻞ ﻗﺎﻧﻮن
اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ اﻟﮭﻮى " ) اﻟﻜﻮاﻛﺒﻲ ( /ظﮭﻮر دوﻟﺔ اﻟﺮﺟﻞ
ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻟﻀﻤﺎن :ﺗﺄﺳﯿﺲ ﻧﻈﺎم دﯾﻤﻘﺮاطﻲ ﺗﺘﻌﺎﯾﺶ ﻓﯿﮫ اﻟﺴﯿﺎدة
ﺗﺒﺮر ﻛﻞ وﺳﺎﺋﻠﮫ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻔﻆ اﻟﻮاﺣﺪ " اﻟﻠﯿﻔﯿﺎﺗﻮن " ) ھﻮﺑﺰ ( اﻟﺘﻲ ﱠ
اﻟﺴﻼم /اﻹﻗﺮار ﺑﺸﺮﻋﯿﺔ اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻜﻞ ﻣﺴﺘﻮﯾﺎﺗﮫ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺳﯿﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ، ﻣﻊ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺎ /إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ /أﻧﺴﻨﺔ
ﻓﺎﻷﻣﯿﺮ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻜﻮن " ﻗﻮة اﻷﺳﺪ و ﺣﯿﻠﺔ اﻟﺜﻌﻠﺐ " ) ﻣﺎﻛﯿﺎﻓﺎﻟﻲ ( / اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ و اﻻﺑﺘﻌﺎد ﻋﻦ اﻟﻐﺮاﺋﺰ و اﻟﺸﮭﻮات ،ﻟﯿﺴﺖ
ﻏﯿﺎب اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﯾﺸﺮﻋﮫ اﻟﻘﺎﻧﻮن ف " ﻟﻮ ﻛﺎن اﻻﺳﺘﺒﺪاد رﺟﻼ ﻟﻘﺎل : اﻟﺤﺮﯾﺔ أن ﻧﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻧﺸﺎء وﻓﻖ ﻣﺎ ﻧﺸﺎء و أﯾﻨﻤﺎ ﺷﺌﻨﺎ و ﻣﺘﻰ ﺷﺌﻨﺎ ذﻟﻚ
أﻧﺎ اﻟﺸﺮ و أﺑﻲ اﻟﻈﻠﻢ ،أﻣﻲ اﻹﺳﺎءة و أﺧﻲ اﻟﻐﺪر ،و أﺧﺘﻲ اﻟﻤﺴﻜﻨﺔ " ﺣﺮﯾﺔ إﺑﺎﺣﯿﺔ " ) ﺟﻮن ﻟﻮك ( و إﻧﻤﺎ " ﺗﻨﺘﮭﻲ ﺣﺮﯾﺘﻲ ﺣﯿﺚ ﺗﺒﺪأ
و ﻋﻤﻲ اﻟﻀﺮر ،و ﺧﺎﻟﻲ اﻟﺬل ،و اﺑﻨﻲ اﻟﻔﻘﺮ و اﺑﻨﺘﻲ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ووطﻨﻲ ﺣﺮﯾﺔ اﻵﺧﺮﯾﻦ " ) روﺳﻮ ( /ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﺑﻤﺎ ھﻲ اﻟﺘﺰام
اﻟﺨﺮاب و ﻋﺸﯿﺮﺗﻲ اﻟﺠﮭﺎﻟﺔ " ) اﻟﻜﻮاﻛﺒﻲ ( /ﺗﺨﺒﻂ اﻟﺮﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن و اﺣﺘﻜﺎم ﻟﻠﻌﻘﻞ /ﺗﻤﯿﯿﺰ اﻟﻤﻮاطﻦ ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺪ ،ﻟﯿﺲ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ
ﺴﯿﺮ ﻧﺤﻮ اﻷﻣﺎم ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺠﮭﻞ و اﻟﻈﻠﻤﺎت و اﻟﻐﺒﺎء /ﻏﯿﺎب اﻟﺘﺮﻗﻲ و اﻟ ّ ﺧﻀﻊ ﻷواﻣﺮ ﺷﺨﺺ آﺧﺮ و إﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻋﺒﺪا ﻟﺸﮭﻮاﺗﮫ و ﻏﺮاﺋﺰه/
اﻟﺘﺴﻔّﻞ و اﻻﻧﺤﻄﺎط /ﺿﻌﻒ اﻟﺘﺮﺑﯿﺔ و اﻟﺘﻌﻠﻢ و ﻋﺪم ﻧﻤﺎء اﻟﻌﻘﻞ . ﺗـﺄﺳﯿﺲ دوﻟﺔ اﻟﻌﻘﻞ و ﺗﺠﺎوز ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ :اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻼﺋﻜﯿﺔ /ﺗﺠﺎوز اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ اﻟﺤﯿﻮاﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻜﻮن ﻓﯿﮭﺎ "اﻹﻧﺴﺎن
ـ اﻟﺤﻠﻮل اﻟﻤﻤﻜﻨﺔ :ﺿﺮورة اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻻﺳﺘﺒﺪاد و اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺂﻻﻣﮫ / ذﺋﺐ ﻷﺧﯿﮫ اﻹﻧﺴﺎن " ) ھﻮﺑﺰ ( /ﺗﺠﺎوز ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﻮف و اﻟﺼﺮاع
ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻻ ﺗﻜﻮن دوﻣﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮة و اﻟﻌﻨﻒ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻠﯿﻦ و اﻟﺤﻜﻤﺔ / و " ﺣﺮب اﻟﻜﻞ ﺿﺪ اﻟﻜﻞ " ) ھﻮﺑﺰ ( ﺣﯿﺚ " ﻟﻢ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﺪوﻟﺔ
وﺿﻊ ﻣﺸﺮوع ﺑﺪﯾﻞ ﻗﺒﻞ اﻹطﺎﺣﺔ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺒﺪ . ﻟﺘﺤﻜﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺨﻮف و إﻧﻤﺎ وﺟﺪت ﻟﺘﺤﺮر اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻟﺨﻮف "
)ﺳﺒﯿﻨﻮزا ( /ﻛﻞ ﻋﻨﻒ ﺗﻤﺎرﺳﮫ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﺷﺮﻋﻲ .
2
ـ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﺳﻠﺒﯿﺎت اﻟﻔﮭﻢ اﻟﺨﺎطﺊ ـ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ھﺬا اﻟﻤﻮاﻗﻒ :ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﺒﻮن اﻟﺸﺎﺳﻊ ﺑﯿﻦ
ﻟﻠﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ و ﻣﺎ ﯾﻨﺘﺞ ﻋﻨﮫ ﻣﻦ ﺗﺴﯿﺐ و ﻓﻘﺪان اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺴﯿﺎدﺗﮭﺎ وھﯿﺒﺘﮭﺎ ﻣﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﮫ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و آﻟﯿﺎت ﺗﻄﺒﯿﻘﮭﺎ ﻓﻲ أرض اﻟﻮاﻗﻊ /
"ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻌﻮد اﻟﻌﺴﻜﺮ إﻟﻰ أﻗﻞ اﻷﻋﺪاد ،ﺗﻀﻌﻒ اﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ﻟﺬﻟﻚ و ﺗﺴﻘﻂ ﻗﻮة اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ ﻣﺜﻠﺖ دوﻣﺎ ﻟﻌﺒﺔ ﺳﻠﻄﻮﯾﺔ ﺑﯿﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﺘﺸﺮع ﻣﻤﺎرﺳﺎﺗﮭﺎ اﻟﻼ ـ
اﻟﺪوﻟﺔ و ﯾﺘﺠﺎﺳﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﺗﺠﺎورھﺎ ﻣﻦ اﻟﺪول " ) اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ( /اﻟﻘﻮة ﻗﺪ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ /ﺑﺮوز اﻟﺼﻮرة " اﻟﻤﯿﻜﺮوﺳﻜﻮﺑﯿﺔ " ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻛﺪ ﻗﺪرة
ﺗﻜﻮن اﻟﺴﻼح اﻷﻓﻀﻞ أﻣﺎم طﺒﯿﻌﺔ ﻋﺪواﻧﯿﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ) ھﻮﺑﺰ و ﻓﺮوﯾﺪ ( . ﻣﻤﺎرﺳﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻔﻲ وراء ﻣﺎ ﯾﻀﻔﻲ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟﯿﺲ ﺷﺮﻋﯿﺎ .
اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﺣﻖ ﻋﺎﻟﻤﻲ
ـ ﻣﺒﺮرات ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :اﻟﺨﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﯿﺎدة ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ أو ﻏﯿﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ /اﺳﺘﺒﺪاد اﻟﺪول و اﻟﺤﻜﺎم ﻋﻠﻰ ﺷﻌﻮﺑﮭﻢ و ﺗﺮاﺟﻊ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻤﺪﻧﻲ ﺑﻤﺎ
ھﻮ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻵﺧﺮ و اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ ﻣﻌﮫ /ﻧﺸﺄة ﻓﻀﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ و ھﻮ ﺣﺼﯿﻠﺔ ﻓﻌﺎﻟﯿﺔ اﻟﮭﯿﺎﻛﻞ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ اﻟﻤﺪاﻓﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن أﯾﻨﻤﺎ ﻛﺎن /
ﺻﺪور اﻹﻋﻼن اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن و ﻣﺎ ﯾﺤﻤﻠﮫ ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز ﻟﻜﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﻼ ﻣﺪﻧﯿﺔ ) ﺗﻮﺣﺶ ـ ﺑﺪاﺋﯿﺔ ـ اﺳﺘﺒﺪاد ـ ظﻠﻢ ـ اﺳﺘﻐﻼل( .
ـ ﻣﻈﺎھﺮ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :ﻧﺸﺄة ﻣﺸﺮوع ﻓﻀﺎء ﻣﻮاطﻨﺔ ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ ) ھﺎﺑﺮﻣﺎس ( ﯾﺆﻛﺪ أن " ﻛﻞ ﻓﺮد ھﻮ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻮاطﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ) ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ (
وﻣﻮطﻦ دوﻟﺘﮫ " ) ﻛﺎرل ﺷﻤﯿﺚ ( /ﻧﻤﻮ ﻣﺸﺮوع اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺮﯾﺔ ) اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ( /ﺗﺄﺳﯿﺲ ھﯿﺌﺎت ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ و ﻣﻨﻈﻤﺎت دوﻟﯿﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ أي دوﻟﺔ ﻣﮭﻤﺘﮭﺎ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ
ﺣﻘﻮق ﻛﻞ ﻣﻮاطﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره إﻧﺴﺎﻧﺎ )ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن /ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ /ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻐﺬﯾﺔ /ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ /ﺟﻤﻌﯿﺔ أطﺒﺎء دون ﺣﺪود /
ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة . ( ...
ـ ﺗﺒﻌﺎت ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :ﻛﻮﻧﯿﺔ ﻓﻀﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺨﺼﻮﺻﯿﺔ اﻟﺪوﻟﺔ /اﻟﺘﻨﺴﯿﺐ ﻣﻦ ﺳﯿﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ أﻣﺎم اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ و اﻟﺘﺸﺮﯾﻌﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ /ﺧﻠﻖ اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ
ﻛﻔﻀﺎء ﯾﻀﻤﻦ اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ اﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﯿﺎدة و اﻟﻤﻮاطﻨﺔ .
ـ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﻣﺎ آل إﻟﯿﮫ ھﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻣﻦ ﻓﻀﺎء ﻟﻠﻤﺪﻧﯿﺔ إﻟﻰ ﻓﻀﺎء ﯾﻌﺘﺮف ﺑﺎﻟﺒﻌﺾ و ﯾﻘﺼﻲ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ ،و ﯾﻀﻤﻦ ﺣﻘﻮق
اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺒﻌﺾ ،و ﻓﻀﺎء ﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﻣﻌﺴﻜﺮ ﺿﺪ آﺧﺮ .ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﺿﻤﺎن اﻟﻤﻮاطﻨﺔ ﻓﻘﻂ ﻓﻲ إطﺎر دوﻟﺔ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺄﺧﻼق ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ) ﻛﺎﻧﻂ ( .
3
اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ :ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﻧﻄﺮح ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ أﺳﺌﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ :ﻣﺘﻰ ﻳﻜﻮن ﻓﻌﻠﻲ ﻓﻌﻼ أﺧﻼﻗﻴﺎ ؟ /ﻫﻞ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻨﻲ أﺧﻼﻗﻲ ؟ ﻟﻢ
ﻓﻌﻠﺖ ﻫﺬا و ﻟﻢ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ؟ و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻄﺮح إﻻ ﻟﻌﺪة أﺳﺒﺎب ﻣﻨﻬﺎ :
ﻏﻴﺎب ﻳﻘﻴﻦ أﺧﻼﻗﻲ واﺿﺢ و ﺑﺪﻳﻬﻲ و ﻣﺘﻤﻴﺰ ﻧﻔﺮق ﺑﻤﻘﺘﻀﺎﻩ ﺑﻴﻦ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ و ﻓﻌﻞ آﺧﺮ ﻏﻴﺮ أﺧﻼﻗﻲ .ﻣﻤﺎ
ﻳﺴﺒﺐ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺸﻚ و اﻟﺤﻴﺮة ﻓﻲ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﺑﻴﻦ اﻷﻓﻌﺎل ،ﻣﺆﻛﺪا ذﻟﻚ إﻳﺮﻳﻚ ﻓـﺎﻳﻞ ﺑﻘﻮﻟﻪ " ﻟﻘﺪ ﻓُﻘﺪ اﻟﻴﻘﻴﻦ
اﻻﺧﺘﻼﻓـﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﻴﻦ اﻷﻧﺴﺎق اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ،ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻮاﺣﺪة ﺑﻴﻦ ﺟﻴﻞ و آﺧﺮ أو ﺑﻴﻦ
اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ زﻣﺎﻧﺎ و ﻣﻜﺎﻧﺎ ،اﺧﺘﻼﻓـﺎت ﺳﺎﻫﻤﺖ ﺣﺘﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺮاﻋﺎت داﺧﻠﻴﺔ و ﺧﺎرﺟﻴﺔ ،ﻛﻞ ﻳﺤﺎول ﻓﺮض
ﻧﺴﻘﻪ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻷﻓﻀﻞ و اﻷﻧﺴﺐ ) ﻣﺜﻼ داﺧﻞ اﻷﺧﻼق اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﻴﻦ أﺧﻼق اﻟﺒﺮوﺗﻮﺳﺘﺎﻧﻴﺔ و اﻷﺧﻼق
اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أﻫﻤﻬﺎ ﺛﻨﺎﺋﻴﺎت :اﻟﻐﺮﻳﺰة /اﻟﻌﻘـﻞ ،اﻟﻬﻮى /اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ،اﻟﻨﻔﺲ /
اﻟﺠﺴﺪ ،و ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﺘﻨﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻔﺮد ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻪ .
و ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻴﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﺗﻌﻴﻴﺮ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ و اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻪ ﻋﻦ ﻣﻘﻴﺎس ﺛﺎﺑﺖ ﻳﺒﺮز ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻠﻰ
أﻧﻪ اﻟﻤﻌﻴﺎر اﻟﻤﻤﻜﻦ اﻻﺳﺘﻨﺎد ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ و آﺧﺮ ﻏﻴﺮ أﺧﻼﻗﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺴﻌﺎدة ﻫﻲ اﻟﺸﻌﻮر
ﺑﺎﻟﺮﺿﺎء و اﻟﻘﺒﻮل ﺗﺠﺎﻩ ﻓﻌﻞ أو ﻗﻮل ﻣﺎ ﺻﺎدر ﻋﻨﺎ أو ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻧﺎ .ﻓﻤﺘﻰ ﻧﺴﻌﺪ إذن ﺑﺈﺗﺒﺎع اﻟﻌﻘـﻞ أم اﻟﺸﻬﻮات ؟ ،
ﻓﻤﺜﻠﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﻌﺪﻧﺎ ﻓﻜﺮة ﻋﺮﻓﻨﺎﻫﺎ أو أﺳﺴﻨﺎﻫﺎ أو اﻧﺘﻬﻴﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻳﻤﻜﻦ أﻳﻀﺎ أن ﺗﺴﻌﺪﻧﺎ رﻏﺒﺔ أو ﺷﻬﻮة ﺣﻘﻘﻨﺎﻫﺎ
و ﺗﻢ إﺷﺒﺎﻋﻬﺎ .ﺛﻢ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺈﻃﻼق ؟ ﻳﻘـﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﺎم أن رﺿﺎء اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻏﺎﻳﺔ ﻻ ﺗُﺪرك ؟ ﻓـﺄي ﻓﻌﻞ ﺧﻴﺮ
1
/ Iاﻟﺨﻴﺮ أﺳﺎس ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺴﻌﺎدة :
اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ :اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻛﻞ اﻟﻐﺮاﺑﺔ أن ﻛﻞ اﻟﻨﺎس ﻳﺤﺒﻮن ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻴﺮ ،و ﻳﻔﻀﻠﻮن رؤﻳﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﻴّﺮ ﺣﻮﻟﻬﻢ وﻳﺸﻤﻠﻬﻢ ،و
ﻟﻜﻦ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻇﻞ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺨﻴﺮ ذاﺗﻪ ﻏﺎﻣﻀﺎ و ﻣﻠﺘﺒﺴﺎ و ﻋﺼﻴﺎ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ،ﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﺜﺎل ﻧﻤﻮذﺟﻲ ﻳﺤﺎﻛﻴﻪ
اﻟﺠﻤﻴﻊ ) أﻓـﻼﻃﻮن ( أم ﻫﻮ إﻧﺘﺎج إﻧﺴﺎﻧﻲ ) أرﺳﻄﻮ ( ؟ و إذا ﻛﺎن ﻣﻦ وﺿﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﺒﻢ وﺿﻌﻪ ﺑﻌﻘـﻠﻪ أم ﺑﻐﺮاﺋﺰﻩ ؟
ﻫﻞ ﻫﻮ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ أم واﺟﺐ ﻧﻠﺘﺰم ﺑﻪ ) ﻛﺎﻧﻂ ( ؟ ﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻲ ﻣﻨﻔﻌﺘﻲ أم ﻣﻨﻔﻌﺔ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻣﻌﻲ )
ﻳﺤﺪد أرﺳﻄﻮ اﻟﺨﻴﺮ اﻷﺳﻤﻰ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﻟﺬة ﻣﺤﺪدة ،ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺗﻤﻴﻴﺰ أرﺳﻄﻲ ﺑﻴﻦ ﻟﺬة ﺧﻴﺮة و ﻟﺬة
ﺳﻴﺌﺔ ،اﻟﻠﺬة اﻟﺨﻴﺮة ﻫﻲ اﻟﻠﺬة اﻟﻌﻘـﻠﻴﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﻠﺐ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻠﺬة اﻟﺴﻴﺌﺔ ﻫﻲ اﻟﻠﺬة اﻟﺤﺴﻴﺔ و اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ
اﻟﻤﺘﻐﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﻠﺐ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﻠﺬات أﺧﺮى .ﻣﺜﻼ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻟﺬة ﺧﻴﺮة إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻓـﻠﺴﻔﻴﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻤﺠﺪ أو
اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أو اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺧﻴﺮات ﺳﻴﺌﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻋﺎﺑﺮة و ﻳﺮاد ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﻠﺬات أﺧﺮى .اﻟﺨﻴﺮ اﻷﺳﻤﻰ إذن ﻫﻮ
ذاﺗﻪ اﻟﻠﺬة اﻟﻌﻘـﻠﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ و اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ و اﻟﺘﻌﻘـﻞ .ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺸﺘﺮط أرﺳﻄﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﺬة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ
أن ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﺳﻌﺎدة أن ﺗﻜﻮن ﻟﺬة دون ﻣﻮاﻧﻊ ،أي دون ﻋﻮاﺋﻖ ،وﻋﺎﺋﻖ اﻟﻠﺬة ﻫﻮ أن ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺣﺪﻫﺎ ،ﻷن
اﻟﺨﻴﺮ ﻳﻜﻮن أﺳﻤﻰ ﻛﺤﺪ أوﺳﻂ ﻻ إﻓﺮاط و ﻻ ﺗﻔﺮﻳﻂ ،ﻣﻤﺎ ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ اﻟﺪﻻﻟﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﻠﻔﻀﻴﻠﺔ ﺑﻤﺎ ﻫﻲ " اﻟﺤﺪ ﺑﻴﻦ
رذﻳﻠﺘﻴﻦ " ﻣﺜﻼ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻫﻲ اﻟﺤﺪ اﻷوﺳﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺒﻦ واﻟﺘﻬﻮر ،و اﻟﻜﺮم ﻫﻮ اﻟﺤﺪ اﻷوﺳﻂ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺨﻞ و اﻟﺘﺒﺬﻳﺮ .
ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻛﺪ أن ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﺒﺴﻴﻂ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻜﻔﻲ اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ
رذﻳﻠﺘﻴﻦ ،و إﻧﻤﺎ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﻮن ﺣﻜﻴﻤﺎ أي ﻗـﺎدرا ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺎﻫﺪة أﻫﻮاء اﻟﺠﺴﺪ و
ﺑﻬﺬا ﻟﻤﻮﻗﻒ ﻳﺘﻤﻴﺰ أرﺳﻄﻮ ﻋﻦ ﺳﺎﺑﻘﻴﻪ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻷﻓـﻼﻃﻮﻧﻲ ،ﺣﻴﺚ أن اﻷﺧﻼق ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺴﻜﻦ ﻋﺎﻟﻤﺎ
ﻣﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻴﺎ ) ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﻞ ( ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﻘﺘﺎد ﺑﻬﺎ و إﻧﻤﺎ ارﺗﺒﻂ ﻣﺒﺪأ اﻟﻔﻌﻞ ﻷﺧﻼﻗﻲ ﻟﺪى أرﺳﻄﻮ ﺑﻤﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻦ
اﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺠﺴﺪ ﻧﻈﺮة دوﻧﻴﺔ و اﺣﺘﻘـﺎر ﻣﻘـﺎرﻧﺔ ﺑﺮﻓﻌﺔ اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﻌﻘـﻞ ،و ﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻂ
ﺗﻌﺮف اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻩ إﻟﻰ ﺣﺪود اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻣﻊ ﺳﺒﻴﻨﻮزا اﻟﺬي اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻌﻪ
ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺠﺴﺪ و ﺗﺄﺧﺮ ّ
ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ " ﻣﺴﺘﻄﺎع اﻟﺠﺴﺪ " .
ﻳﺤﺪ ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻟﻘـﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﻪ اﻟﻌﻘـﻞ و ﺗﺄﺗﻤﺮ ﺑﻪ اﻹرادة ﻓﺘﺘﺠﻪ إﻟﻰ ﻓﻌﻠﻪ ،وﻣﻦ
ﻗﺒﻠﻴﺎ :أي ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻘﻮم ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺛﻢ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻲ أﺧﻼﻗﻴﺘﻪ أو ﻻ أﺧﻼﻗﻴﺘﻪ و إﻧﻤﺎ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ
ﻋﻘـﻠﻴﺎ :أي ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﻪ اﻟﻌﻘـﻞ و ﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ ﻧﺤﻮﻩ اﻟﻐﺮﻳﺰة أو اﻟﺮﻏﺒﺔ أو اﻟﺸﻬﻮة ،ﻷن ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻮم
ﺑﻪ اﻹﻧﺴﺎن اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻤﻴﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲ و ﻏﺮﻳﺰي ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺤﻴﻮاﻧﻲ اﻟﻔـﺎﻗﺪ ﻟﻜﻞ ﺑﻌﺪ إﻧﺴﺎﻧﻲ ،ﻓﻲ
إرادﻳﺎ :ﻗﺪ ﻳﻈﻦ اﻟﺒﻌﺾ أن اﻟﻔﻌﻞ إذا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺄﻣﻮر ﺑﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻘـﻞ ﻓـﺈﻧﻪ إذن ﻏﻴﺮ ﺣﺮ ن ,إﻧﻤﺎ ﻳﺠﺐ
اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻪ ﻗﺴﺮا ،ﻏﻴﺮ ان ﻫﺬا ﻻ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻌﻼ ﺣﺮا ،
ﻓـﺎﻟﻌﻘـﻞ ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ و ﻹرادة ﻗﺪ ﺗﺄﺗﻤﺮ ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﺮﻓﺾ اﻻﻧﺼﻴﺎع ،ﻛﻤﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﻛﺎﻧﻂ أن اﻹرادة اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﻌﻘـﻞ
ﻫﻲ إرادة ﺣﺮة ،ﻷن اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ اﻻﻧﺼﻴﺎع ﻷواﻣﺮ اﻟﻌﻘـﻞ و إﻧﻤﺎ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﻀﻮع
ﻗﻄﻌﻴﺎ :أي أن ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻔﻌﻞ ﺷﺮﻃﻴﺎ ،و اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺸﺮﻃﻲ ﻫﻮ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ
ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻘﻄﻌﻲ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﺠﺐ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻔﻌﻞ ذاﺗﻪ .و ﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر ﻳﻤﻴﺰ ﻛﺎﻧﻂ
ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﻄﺎﺑﻖ ﻟﻠﻮاﺟﺐ و اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ اﻟﻮاﺟﺐ ،ﻣﺜﻼ ﻗﺪ ﻳﺘﺼﺪق ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﺘﻈﺎﻫﺮ أﻣﺎم
3
اﻟﻨﺎس و اﻛﺘﺴﺎب ﻣﻮدﺗﻬﻢ ،و رﻏﻢ أن ﻓﻌﻠﻪ ﻣﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺬي ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﺼﺪﻗﺔ ،ﻓـﺄﻧﻪ ﻓﻌﻞ ﻏﻴﺮ
أﺧﻼﻗﻲ ﻷن اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﺼﺪﻗﺔ ذاﺗﻬﺎ و إﻧﻤﺎ ﻏﺎﻳﺔ أﺧﺮى .
ﻛﻠﻴﺎ :اﻟﻮاﺟﺐ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺨﺎﻃﺐ ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻋﺎﻗـﻞ ،ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻩ ﺻﺎدر ﻋﻦ اﻟﻌﻘـﻞ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻠﺰم أﺷﺨﺎﺻﺎ
دون أﺷﺨﺎص ،ﻛﻲ ﻻ ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺼﻠﺤﻲ ،ﻳﺴﺘﻬﺪف ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻲ ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﺬﻟﻚ
ﻳﺼﻮغ ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻓﻲ ،ﻛﻲ ﻻ ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺼﻠﺤﻲ ،ﻳﺴﺘﻬﺪف ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﻠﺤﺘﻲ ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ
ﺣﺴﺎب اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺼﻮغ ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻓﻲ إﺣﺪى ﺻﻴﺎﻏﺎﺗﻪ " اﻓﻌﻞ وﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ
ﻣﻄﻠﻘـﺎ :اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﻠﻘﻲ ﻳﻘﺘﻀﻲ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻐﻴﺮت اﻷﻣﺎﻛﻦ أو اﻷزﻣﻨﺔ ،أي أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻧﺴﺒﻴﺎ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ
ﻳﺄﻣﺮﻧﺎ اﻟﻮاﺟﺐ ﻣﺜﻼ ﻳﺠﺐ أن ﻻ ﺗﻜﺬب ،ﻓﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻹرادة أن ﺗﻠﺘﺰم ﺑﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻜﺎﻧﻴﺔ
ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ ﻳﺼﺒﺢ ﺣﺴﺐ ﻛﺎﻧﻂ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺰم ﺑﻤﺎ ﻳﺄﻣﺮﻩ ﺑﻪ اﻟﻮاﺟﺐ ﺟﺪﻳﺮا ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا ،ﻗﺪ ﻻ
ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا ،و ﻗﺪ ﻻ ﻳﺴﻌﺪ ﻓﻌﻼ ،و ﻟﻜﻨﻪ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻨﻪ ﻣﻦ أﻓﻌﺎل أﺧﻼﻗﻴﺔ ﺗﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ اﻹرادة
اﻟﻄﻴﺒﺔ ،ﻓـﺈﻧﻪ ﺟﺪﻳﺮ ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا .ﻓـﺎﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﻴﺮ و اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻻ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻤﺎ اﻟﺴﻌﺎدة وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ
ﻏﻴﺮ أن ﻣﺎ ﻳﻌﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﻓﻲ اﻷﺧﻼق ،ﻫﻲ ﻣﺜﺎﻟﻴﺘﻪ اﻟﻤﻔﺮﻃﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻤﺸﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻊ و
ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ ،ﻣﻤﺎ ﺣﺪا ﺑﺸﻮﺑﻨﻬﺎور ﻓﻲ إﻃﺎر ﺳﺨﺮﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻘـﺎﻧﻮن اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﺑﺬﻟﻚ
اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﺬي ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻣﺪاواة أﺣﺪ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﺑﺪواء ﻣﺎ ،ﻓـﺄﺑﻰ إﻻ أن ﻳﻄﺒﻖ ذﻟﻚ اﻟﺪواء ﻓﻲ ﻛﻞ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺘﻲ
ﺗﻌﺮض أﻣﺎﻣﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﺧﺘﻼﻓـﺎﺗﻬﺎ و ﺧﺼﻮﺻﻴﺎﺗﻬﺎ ،و ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺆﻛﺪ ﻧﻴﺘﺸﻪ ﻣﺜﻼ أﻧﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة
ﺗﺼﺒﺢ ﻛﻞ اﻷﻓﻌﺎل ﻣﺒﺎﺣﺔ أﺧﻼﻗﻴﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻧﻜﺬب ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺤﻴﺎة ﻷﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ أن ﻧﻘﻮل اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻨﻤﻮت .
4
اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻫﻲ اﻟﻔـﺎﺋﺪة اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ،و ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻓـﺎﺋﺪة ﺧﺎﺻﺔ أو ﻋﺎﻣﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺤﺪد ﺟﻮن
ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻘﻘـﺎ ﻟﻤﻬﻤﺔ ﻣﺤﺪدة وﻓﻖ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ و ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،و
ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ ﺷﺨﺺ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻬﺪف ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ و ﻣﻨﻔﻌﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ و ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻐﻴﺮ ،ﻫﻮ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ .
ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻐﻴﺮ ﻫﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ .ﻓﻜﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﺘﺮض ﻋﻠﻰ أي ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ اﻟﻐﻴﺮ و ﻳﺴﻲء ﻟﻨﺎ
ﻓـﺈﻧﻨﺎ أﻳﻀﺎ ﻧﻌﺘﺮض ﻋﻠﻰ أي ﻓﻌﻞ ﻧﻘﻮم ﺑﻪ و ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻪ إﺳﺎءة ﻟﻠﻐﻴﺮ .ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻳﺆﻛﺪ ﺟﻮن ﺳﺘﻴﻮارت ﻣﻴﻞ أﺳﺲ
ﻣﺬﻫﺐ اﻟﻨﻔﻌﻴﺔ اﻟﺬي ﻳﻌﺮف اﻟﺨﻴﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻧﺎﻓﻊ ،و ﻏﺎﻳﺔ ذﻟﻚ اﻟﻔﻌﻞ ﻫﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ
اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻷﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻷﻓﺮاد .و ﻫﺬﻩ اﻟﺴﻌﺎدة ﺗﺘﺤﻘﻖ إﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺿﻤﺎن اﻟﻠﺬة و اﻟﺮﺑﺢ أو ﺗﺠﻨﺐ
اﻷﻟﻢ و اﻟﺨﺴﺎرة .ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻮزع اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﺣﺴﺐ اﻟﻨﻔﻌﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﻦ :
ﻣﺴﺘﻮى ﻓﺮدي :اﻟﺬي ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻠﻔﺮد ﻟﺬة و ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ .
ﻣﺴﺘﻮى ﺟﻤﺎﻋﻲ :ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ و ﺗﺴﻤﻰ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﻘﺼﻮى اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎل أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ
اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ .
و ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻤﻴﻴﺰ اﻟﻔﺮدي و اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ إﺧﻀﺎع اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺤﺴﺎب و اﻟﻘﻴﺲ وﻓﻖ ﻣﺎ أﻛﺪﻩ ﺑﻮدرﻳﺎر "
اﻟﺴﻌﺎدة ﻫﻲ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻴﺴﻪ " أي أﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺠﺎل اﻟﻠﺬة أﻛﺒﺮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻌﺎدة أﻋﻈﻢ ،و اﻟﻠﺬة ﺗﻘـﺎس ﺑﻤﺎ ﺗﺤﻘﻘﻪ
ﻣﻦ ﻓـﺎﺋﺪة و ﻣﺼﻠﺤﺔ و ﻣﻜﺎﻓـﺄة و ﺧﻴﺮ و ﺳﻌﺎدة ،ﻣﻤﺎ ﻳﺨﻀﻊ اﻟﻠﺬة إﻟﻰ ﻣﻘﻴﺎس اﻟﻤﻘـﺎدﻳﺮ و اﻷﺣﺠﺎم واﻟﺪوام و اﻟﻘﺮب و
اﻟﺴﻬﻮﻟﺔ .
اﻧﻄﻼﻗـﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻮﺟﻪ اﻟﻨﻔﻌﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﺘﻨﺘﺞ ﻧﺴﺒﻴﺔ اﻟﻤﻌﻴﺎر اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻧﻈﺮا ﻟﺘﻐﻴﺮ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻵﺧﺮ و ﻣﻦ
ﻣﻜﺎن ﻟﻤﻜﺎن و ﻣﻦ زﻣﻦ ﻵﺧﺮ ،ﻓﻤﺎ ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻲ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻗﺪ ﻳﻀﺮ ﺑﺎﻵﺧﺮ ،و ﺣﺘﻰ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﻨﻔﻌﺔ ﻻ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ
اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ اﻟﻜﻠﻴﺔ و اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ و إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪﻳﻦ و أﻛﺒﺮ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ اﻷرﺑﺎح و اﻟﻔﻮز ،
ﻓـﺎﻟﻜﺜﺮة ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﺿﺮورة اﻻﻃﻼﻗﻴﺔ ،و اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﻻ ﺗﻔﻴﺪ اﻟﻜﻠﻴﺔ .و ﻫﺬﻩ اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻛﺨﻴﺮ ﺳﻮف ﻟﻦ
ﺗﻨﺘﺞ إﻻ ﺳﻌﺎدة ﻧﺴﺒﻴﺔ ﺗﺘﺠﺪد ﻣﻊ ﻛﻞ ﻟﺬة و ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ و ﺗﻜﺒﺮ أو ﺗﺼﻐﺮ ﻣﻊ ﻛﻞ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺒﺔ .
5
/ IIوﻫﻢ اﻟﺴﻌﺎدة :
إن ﻃﺮح ﻣﺸﻜﻞ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻴﻮم ﻳﺆﻛﺪ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺳﻌﻴﺪا ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﺣﻜﻴﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻛﻠﺔ
اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ،و إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻜﻮن اﻧﺘﻬﺎزﻳﺎ ،ﻣﺘﻬﺎﻓﺘﺎ ،ﻣﺮاوﻏﺎ ،ﻛﺎذﺑﺎ و ﻧﺎﺟﻌﺎ ،ﻓـﻼ وﺟﻮد ﻟﻠﺴﻌﺎدة و إﻧﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ
ﺳﻌﺎدات ،و ﻟﻜﻞ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ،و ﻟﻜﻞ ﻣﻘـﺎﻳﻴﺲ و ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ،ﺛﻢ ﻣﻦ ﻗـﺎل أﻧﻬﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﻘـﺎ ﺳﻌﺎدة ؟ ﻓﻬﻲ ﻣﺸﺮوﻃﺔ
ﻋﺪم ﻛﻔـﺎﻳﺔ اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻟﺮاﻣﻴﺔ إﻟﻰ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻌﻼﻗـﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﺒﺸﺮ .
ﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﺠﺎوز ﻛﻞ ﻫﺬﻩ اﻵﻻم ؟ ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺤﻘﻖ ﺳﻌﺎدﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﺎرة ﻻ ﺗﻘﻮم إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﺖ "
ﻣﺰﻳﺪا ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺖ ﻣﺰﻳﺪا ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة " ) ﻓﺮوﻳﺪ ( .إن اﻟﺴﻌﺎدة ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ " ﻓﻲ ﺑﻠﺪة اﻷﺣﻼم ،ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ
ﻟﻬﻮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺴﻜﻦ " و ﺣﺘﻰ إن أﺧﺬﻧﺎ ﺑﻨﺼﻴﺤﺔ اﻟﻜﻨﺪي " ﻳﻨﺒﻐﻲ إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺮﻳﺪ ﻣﺎ
ﻳﻜﻮن " أي اﻟﺮﺿﺎء و اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ،ﻓـﺈن ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﺎﺋﻦ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻤﺠﺎل اﻷﻓﻀﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ،و ﻛﻞ ﻣﻦ ﻇﻦ
أن ﺣﻘﻖ ﺳﻌﺎدﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ إﻻ أن ﻫﺘﻚ ﺑﻬﺎ ،ﻷن اﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻌﻨﺎﻩ " أن ﻧﻌﻴﺶ دون ﻋﻨﺎء ،ﺗﻠﻚ ﺣﺎﻟﺔ
ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ،أن ﻧﻌﻴﺶ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻌﻨﺎﻩ أن ﻧﻤﻮت " )روﺳﻮ( .ﻓـﺎﻟﻮﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ ،ﻷن
ﻣﻦ ﺣﺼﻞ اﻟﺴﻌﺎدة اﻧﺘﻔﺖ رﻏﺒﺘﻪ و ﻋﺎش ﻣﺤﺮوﻣﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ ،ﻟﺬﻟﻚ ﻓـﺈﻧﻨﺎ " ﻟﺴﻨﺎ ﺳﻌﺪاء إﻻ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻜﻮن ﺳﻌﺪاء "
) روﺳﻮ ( .
ﺷﻜﺮا
6
اﻷﺧﻼق :اﻟﺨﯿﺮ و اﻟﺴﻌﺎدة
ﻣﺸﻜﻞ اﻷﺧﻼق :إن ﻣﺎ ﯾﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻷﺧﻼق ﻣﺸﻜﻼ ﻓﻠﺴﻔﯿﺎ ﺑﺎﻷﺳﺎس ھﻮ :ﻏﯿﺎب ﯾﻘﯿﻦ أﺧﻼﻗﻲ ) واﺿﺢ و ﺑﺪﯾﮭﻲ و ﻣﺘﻤﯿﺰ ( ﯾﻤﺜﻞ ﻣﻌﯿﺎرا ﻟﻜﻞ ﻓﻌﻞ أو ﺳﻠﻮك إﻧﺴﺎﻧﻲ و ﯾﺤﺪد
أﺧﻼﻗﯿﺘﮫ ﻣﻦ ﻻ أﺧﻼﻗﯿﺘﮫ ﺳﺒﺐ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻚ و اﻟﺤﯿﺮة " ﻟﻘﺪ ﻓُﻘﺪ اﻟﯿﻘﯿﻦ اﻷﺧﻼﻗﻲ " /اﻻﺧﺘﻼﻓﺎت اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﯿﻦ اﻷﻧﺴﺎق اﻷﺧﻼﻗﯿﺔ ﺳﻮاء داﺧﻠﯿﺎ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺤﻀﺎرة
اﻟﻮاﺣﺪة أو ﺧﺎرﺟﯿﺎ ﺑﯿﻦ ﺣﻀﺎرة و أﺧﺮى ﯾﺆدي إﻟﻰ ﺣﯿﺮة ﻓﻲ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ /اﻟﺜﻨﺎﺋﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻖ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ :اﻟﻐﺮﯾﺰة و اﻟﻌﻘﻞ أو اﻟﮭﻮى و اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ أو
اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺠﺴﺪ و اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺮة ﺣﻮل ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻛﻞ ﺳﻠﻮك أو ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ .
اﻟﺴﻌﺎدة :اﻟﺤﻞ أم اﻟﻤﺸﻜﻞ :ﻓﻲ إطﺎر ھﺬه اﻟﺤﯿﺮة ﯾﺒﺮز ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺴﻌﺎدة ﻛﺤﻞ ﻣﻤﻜﻦ أي ﻛﻤﻘﯿﺎس ﯾﻤﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ و اﻟﻔﻌﻞ ﻏﯿﺮ اﻷﺧﻼﻗﻲ ،ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﯾﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ
اﻟﺴﻌﺎدة ھﻮ ﻓﻌﻞ أﺧﻼﻗﻲ ،اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﻤﺎ ھﻲ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺮﺿﺎء و اﻟﻘﺒﻮل ﺗﺠﺎه ﻓﻌﻞ أو ﻗﻮل ﻣﺎ ﺻﺎدر ﻋﻨﺎ أو ﻋﻦ ﻏﯿﺮﻧﺎ .ﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﻧﺴﻌﺪ ؟ ﺑﺈﺗﺒﺎع اﻟﻌﻘﻞ أم اﻟﺸﮭﻮات ؟ ﺑﺈﺗﺒﺎع
اﻟﻨﻔﺲ أم اﻟﺠﺴﺪ ؟ أي ﻓﻌﻞ ﺧﯿﺮ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﻘﻖ ﻟﻨﺎ اﻟﺴﻌﺎدة ؟ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻌﺎدة رﺿﺎء ھﻞ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺈطﻼق ؟
اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻘﻖ ﻣﻨﻔﻌﺔ /اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ھﻲ اﻟﻔﺎﺋﺪة اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ أن ﻧﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﯾﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﮫ اﻟﻮاﺟﺐ /اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﺨﯿﺮ اﻷﺳﻤﻰ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﻘﻖ ﻟﺬة ﻣﺎ /ﯾﺠﺐ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ
واﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ) اﻟﺨﺎﺻﺔ أو اﻟﻌﺎﻣﺔ ( اﻟﺤﺎﺻﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﯿﺎم اﻟﺨﻠﻘﻲ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺄﻣﺮﻧﺎ ﺑﮫ اﻟﻌﻘﻞ و ﺗﺄﺗﻤﺮ ﺑﮫ اﻹرادة ﺑﯿﻦ اﻟﻠﺬة اﻟﺨﯿﺮة و اﻟﻠﺬة اﻟﺴﯿﺌﺔ /اﻟﻠﺬة اﻟﺨﯿﺮة ھﻲ اﻟﻠﺬة
ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ /اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺴﺘﮭﺪف ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻓﺘﺘﺠﮫ إﻟﻰ ﻓﻌﻠﮫ /اﻟﻮاﺟﺐ ﻗﺒﻠﻲ أي ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﺪاﺋﻤﺔ و اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﺬاﺗﮭﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
ﻣﻨﻔﻌﺔ ﺧﺎﺻﺔ و ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻋﺎﻣﺔ / وﻋﻦ اﻟﻔﻌﻞ /اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻘﻠﻲ ﻓﮭﻮ أﻣﺮ ﻋﻘﻠﻲ و ﻟﯿﺲ اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ /اﻟﻠﺬة اﻟﺴﯿﺌﺔ ھﻲ اﻟﻠﺬة اﻟﺤﺴﯿﺔ و اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ
1
ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻐﯿﺮ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ / داﻓﻌﺎ ﻏﺮﯾﺰﯾﺎ أو طﺒﯿﻌﯿﺎ و ھﺬا ﻣﺎ ﯾﻤﯿﺰ اﻟﻔﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﻐﯿﺮة و اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ ﻣﻠﺬات أﺧﺮى ﻣﺜﻞ
اﻻﻋﺘﺮاض ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ ﯾﻘﻮم ﺑﮫ اﻟﻐﯿﺮ ﯾﺴﻲء ﻟﻨﺎ ﯾﺪﻋﻮﻧﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺤﯿﻮاﻧﻲ /اﻟﻮاﺟﺐ إرادي أي ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ أو اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ أو اﻟﻤﺠﺪ /اﻟﺨﯿﺮ اﻷﺳﻤﻰ إذن ھﻮ
إﻟﻰ ﻋﺪم اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺄي ﻓﻌﻞ ﻓﯿﮫ ﻣﺼﻠﺤﺘﻨﺎ و ﻟﻜﻨﮫ ﯾﻀﺮ اﻟﺤﺮﯾﺔ ﻷن اﻹرادة ﻗﺪ ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﻤﺎ ﯾﺄﻣﺮھﺎ ﺑﮫ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻠﺬة اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﺗﺄﻣﻞ و ﺗﻌﻘﻞ و اﻟﺘﻲ ﺗُﻄﻠﺐ
ﺑﺎﻟﻐﯿﺮ /اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺤﻘﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ وﻗﺪ ﻻ ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ /اﻹرادة اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﻌﻘﻞ إرادة ﺣﺮة ﻟﺬاﺗﮭﺎ " اﻟﻠﺬات اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻠﺒﮭﺎ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﯾﻈﮭﺮ إذن أﻧﮭﺎ
ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ /اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺬي ﯾﺤﻘﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻷن اﻹﻟﺰام داﺧﻠﯿﺎ و ﻟﯿﺲ ﺧﺎرﺟﯿﺎ /اﻟﻌﺒﻮدﯾﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ ﻋﺠﯿﺒﺔ ﺑﻨﻘﺎﺋﮭﺎ و ﻣﺘﺎﻧﺘﮭﺎ " ) أرﺳﻄﻮ ( /اﻟﻠﺬة ﻻ ﺗﺤﻘﻖ
اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﯾﺤﻖ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة /اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺨﻀﻮع ﻷواﻣﺮ اﻟﻌﻘﻞ و إﻧﻤﺎ ﻓﻲ اﻻﻧﺼﯿﺎع ﻷواﻣﺮ اﻟﺴﻌﺎدة إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ دون ﻣﻮاﻧﻊ أي دون ﻋﻮاﺋﻖ /
ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺿﻤﺎن اﻟﻠﺬة و اﻟﺮﺑﺢ و ﺗﺠﻨﺐ اﻷﻟﻢ اﻟﺸﮭﻮات و اﻟﻐﺮاﺋﺰ /اﻟﻮاﺟﺐ ﻗﻄﻌﻲ أي اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﺎﺋﻖ اﻟﻠﺬة أن ﺗﺰﯾﺪ ﻋﻦ ﺣﺪھﺎ /اﻟﻠﺬة اﻟﺘﻲ ﺗﺰﯾﺪ ﻋﻦ
واﻟﺨﺴﺎرة /اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻣﺴﺘﻮﯾﯿﻦ :ﻣﺴﺘﻮى ﻓﺮدي ﯾﺤﻖ ﻟﺬة ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﻔﻌﻞ ذاﺗﮫ ﻣﺜﻼ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻷﺟﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﻘﯿﺎم ﺣﺪھﺎ ﺗﻜﻮن رذﯾﻠﺔ /اﻟﻔﻀﯿﻠﺔ ھﻲ اﻟﺤﺪ اﻷوﺳﻂ ﺑﯿﻦ
اﻟﻔﺮد و ﻣﻨﻔﻌﺘﮫ و ﻣﺴﺘﻮى ﺟﻤﺎﻋﻲ و ﺗﺴﻤﻰ اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻐﺎﯾﺔ أﺧﺮى ﻣﺜﻞ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺘﻈﺎھﺮ واﻟﺮﯾﺎء رذﯾﻠﺘﯿﻦ :اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ھﻲ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻌﺎدل ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺒﻦ
اﻟﻘﺼﻮى اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎل أﻛﺒﺮ ﻋﺪد ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ / ھﻮ ﻓﻌﻞ ﺷﺮطﻲ /اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺼﺎدر ﻋﻦ واﻟﺘﮭﻮر /ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﻔﻀﯿﻠﺔ إذن ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﺠﺎھﺪة
ﺧﻀﻮع اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻘﯿﺲ و اﻟﺤﺴﺎب " اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﻮاﺟﺐ و ﻟﯿﺲ اﻟﻤﻄﺎﺑﻖ ﻟﻠﻮاﺟﺐ /اﻟﻮاﺟﺐ ﻛﻠﻲ أي ھﻮ اﻷھﻮاء و اﻻﻧﻔﻌﺎﻻت و اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ و اﻟﺮﻏﺒﺎت
ھﻲ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻗﯿﺴﮫ " ) ﺑﻮدرﯾﺎر ( /ﺧﻀﻮع اﻟﻠﺬة إﻟﻰ واﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﻋﺎﻗﻞ و ﻻ ﯾُﻠﺰم أﺷﺨﺎﺻﺎ دون واﻟﺘﺸﺒﺚ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ و اﻟﺤﻜﻤﺔ /اﻟﺴﻌﯿﺪ ھﻮ
ﻣﻘﺎﯾﯿﺲ اﻟﻤﻘﺎدﯾﺮ و اﻟﺪوام و اﻟﻘﺮب و اﻟﺴﮭﻮﻟﺔ / أﺷﺨﺎص و إﻻ ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺼﻠﺤﻲ " اﻓﻌﻞ و ﻛﺄﻧﻚ اﻟﺤﻜﯿﻢ اﻟﺬي ﯾﺨﺘﺎر ﻣﻦ اﻷﻣﻮر أوﺳﻄﮭﺎ ﺣﯿﺚ ﻻ إﻓﺮاط
ﺗﻌﺎﻣﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻚ " ) ﻛﺎﻧﻂ ( /اﻟﻮاﺟﺐ و ﻻ ﺗﻔﺮﯾﻂ .
ﺗﻘﯿﯿﻢ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ :ﺗﻘﺮﯾﺐ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ
ﻣﻄﻠﻖ ﯾﻘﺘﻀﻲ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﮫ ﻣﮭﻤﺎ ﺗﻐﯿﺮت اﻷﻣﺎﻛﻦ أو
أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺮاھﻦ اﻟﯿﻮم اﻟﺬي ﯾﻘﻮم ﺗﻘﯿﯿﻢ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ :ﺗﺠﺎوز اﻟﻤﻮﻗﻒ
اﻷزﻣﻨﺔ .
ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪأ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ و اﻟﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻤﻮذج ﻋﺎم و ﻛﻠﻲ/ اﻷﻓﻼطﻮﻧﻲ اﻟﺬي ﯾﺴﻜﻦ اﻷﺧﻼق ﻋﺎﻟﻤﺎ ﻣﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺎ
ﺑﮭﺬه اﻟﺸﺮوط ﯾﺼﺒﺢ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ اﻟﺘﺰم ﺑﻤﺎ اﻟﯿﻮم ﻻ وﺟﻮد ﻟﻠﺴﻌﺎدة و إﻧﻤﺎ ﺗﻮﺟﺪ ﺳﻌﺎدات و ﻟﻜﻞ "ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﻞ " ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮد أن ﯾﻘﺘﺎد ﺑﮫ /رﺑﻂ ﻣﺒﺪأ اﻟﻔﻌﻞ
ﯾﺄﻣﺮه ﺑﮫ اﻟﻮاﺟﺐ ﺟﺪﯾﺮا ﺑﺄن ﯾﻜﻮن ﺳﻌﯿﺪا ،ﻗﺪ ﻻ ﯾﺴﻌﺪ ﺳﻌﺎدﺗﮫ /اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﯿﻮم ﺗﻌﻨﻲ أن ﺗﻜﻮن اﻧﺘﮭﺎزﯾﺎ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﺑﻤﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﺳﺘﻌﺪادات طﺒﯿﻌﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ
و ﻟﻜﻦ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺻﺪر ﻋﻨﮫ ﻣﻦ أﻓﻌﺎل ﺻﺎدرة ﻋﻦ وﻣﺮاوﻏﺎ و ﻛﺎذﺑﺎ و ﻧﺎﺟﻌﺎ و ﻣﻨﺎﻓﻘﺎ /اﻟﺤﺪود :اﻹﻗﺮار ﻋﻘﻠﮫ و إرادﺗﮫ /اﻟﺤﺪود :اﺳﺘﺒﻌﺎد اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻦ اﻟﻤﻠﺬات
اﻟﻮاﺟﺐ ﻓﺈﻧﮫ اﻷﺟﺪر ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة /اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺨﯿﺮ ﻻ ﯾﺤﻘﻖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺮ و اﻟﻠﺬة و اﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﯾﺆدي ﻣﺒﺎﺷﺮة إﻟﻰ اﻟﺠﺴﺪﯾﺔ و اﻟﺤﺴﯿﺔ ﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﻓﻜﺮ ﻣﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﻲ ﻣﺤﺘﻘﺮ
اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻌﺎدة و اﻻرﺗﯿﺎب ﻣﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ وﺟﻮدھﺎ / اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻌﻼ و ﻟﻜﻨﮫ ﯾﺠﻌﻠﻨﺎ ﺟﺪﯾﺮﯾﻦ ﺑﮭﺎ . ﻟﻠﺠﺴﺪ /اﻟﺤﻂ ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺠﺴﺪ ﺳﺎھﻢ ﻓﻲ ﺗﺄﺧﺮ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ
اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﻨﻔﻌﺔ ﻻ ﯾﻌﻨﻲ اﻟﻜﻞ ﻷن اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ﻻ ﺑﻤﺴﺘﻄﺎﻋﮫ ) ﻗﺪراﺗﮫ ( إﻟﻰ ﺣﺪود اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ
ﺗﻘﯿﯿﻢ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ :اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ :ﺑﮭﺬه اﻟﺸﺮوط ﺣﻮل
ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻜﻠﯿﺔ . ﻣﻊ ﺳﺒﯿﻨﻮزا
ﻛﺎﻧﻂ اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻘﺎﻧﻮن و ﺧﺮج ﺑﮫ
2
ﻣﻦ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﻌﻞ اﻻﻋﺘﺒﺎطﻲ و اﻟﺘﻠﻘﺎﺋﻲ و اﻟﺬاﺗﻲ إﻟﻰ ﻓﻌﻞ
ﻣﻮﺿﻮﻋﻲ ﻣﻘﻨﻦ .اﻟﺤﺪود :ھﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﻣﺜﺎﻟﻲ ) ﻏﯿﺮ
واﻗﻌﻲ ( ﻟﻢ ﯾﺄﺧﺬ ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﻈﺮوف اﻟﺰﻣﻨﯿﺔ
واﻟﻤﻜﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﻣﺜﻞ طﺒﯿﺐ ﯾﺪاوي ﻛﻞ اﻟﻤﺮﺿﻰ ﺑﻨﻔﺲ
اﻟﺪواء /اﻟﻔﻌﻞ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﺣﺴﺐ اﻟﻤﻮﻓﻖ
اﻟﺬي ﺗﻀﻌﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة و اﻟﺨﯿﺮ ھﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻏﺎﯾﺘﮫ
اﻟﺤﯿﺎة و إرادة اﻟﺤﯿﺎة و اﻟﻘﻮة ﺗﻠﻚ ھﻲ أﺧﻼق اﻷﻗﻮﯾﺎء
)ﻣﻦ اﻟﺠﺒﻦ أن ﻧﻘﻮل اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ و ﻧﻤﻮت ( ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺄﺧﻼق
اﻟﻀﻌﻔﺎء و اﻟﻌﺒﯿﺪ ) ﻧﯿﺘﺸﮫ ( .
وھﻢ اﻟﺴﻌﺎدة
اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﺴﺘﺤﯿﻠﺔ ﻷﻧﮭﺎ ﻣﺸﺮوطﺔ ب :اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺴﺎﺣﻘﺔ و ﻋﻠﻰ ﺷﯿﺨﻮﺧﺔ اﻟﺠﺴﺪ و ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﻛﻔﺎﯾﺔ اﻟﺘﺪاﺑﯿﺮ اﻟﺮاﻣﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﺒﺸﺮ /اﻟﺴﻌﺎدة
ﻣﺴﺘﺤﯿﻠﺔ ﻷن اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺒﺖ " ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺖ ﻣﺰﯾﺪا ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة " ) ﻓﺮوﯾﺪ ( /اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ و اﻟﺮﺿﺎء ﺑﺎﻟﻤﻮﺟﻮد ﻗﺪ ﻻ ﯾﻜﻔﯿﺎن ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة
ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻮﺟﻮد ھﻮ ﺳﺒﺐ ﻛﻞ اﻵﻻم و ﻧﺼﯿﺤﺔ اﻟﻜﻨﺪي ﻏﯿﺮ ﻛﺎﻓﯿﺔ ﻟﺘﺠﻌﻞ ﻣﻨﺎ ﺳﻌﺪاء " ﯾﺠﺐ إذا ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﺎ ﻧﺮﯾﺪ أن ﻧﺮﯾﺪ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن " /ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ھﺘﻚ
وإﻧﮭﺎء ﻟﮭﺎ ﻷن اﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻌﻨﺎه " أن ﻧﻌﯿﺶ دون ﻋﻨﺎء ،ﺗﻠﻚ ﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ن أن ﻧﻌﯿﺶ ﻛﺬﻟﻚ ﻣﻌﻨﺎه أن ﻧﻤﻮت " ) روﺳﻮ ( /اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ ھﻲ
ﻣﻌﺎﻧﺎة و ﺣﯿﺮة و ﻗﻠﻖ /ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ﯾﻌﻨﻲ اﻧﺘﮭﺎء اﻟﺮﻏﺒﺔ و اﻟﻮﯾﻞ ﻟﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﮫ ﻣﺎ ﯾﺮﻏﺐ ﻓﯿﮫ ﺣﯿﺚ أن " ﻣﻦ ﺣﺼﻞ اﻟﺴﻌﺎدة اﻧﺘﻔﺖ رﻏﺒﺘﮫ و ﻋﺎش ﻣﺤﺮوﻣﺎ ﻣﻦ
اﻟﺮﻏﺒﺔ " ) اﻟﻜﻨﺪي ( /طﺎﻟﻤﺎ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻨﺤﻦ ﺳﻌﺪاء و ﻟﺤﻈﺔ ﺗﺤﻘﯿﻘﮭﺎ ﺗﻤﻮت ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺤﻦ " ﻟﺴﻨﺎ ﺳﻌﺪاء إﻻ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻜﻮن ﺳﻌﺪاء " ) روﺳﻮ ( /اﻟﺴﻌﺎدة إذن
وھﻢ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫ و ﻻ وﺟﻮد ﻟﮫ إﻻ " ﻓﻲ ﺑﻠﺪة اﻷﺣﻼم ،ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﮭﻮ اﻟﻮﺣﯿﺪ اﻟﺠﺪﯾﺮ ﺑﺎﻟﺴﻜﻦ " ) ﻓﺮوﯾﺪ ( .
3