Professional Documents
Culture Documents
تلخيص التاريخ الإسلامي
تلخيص التاريخ الإسلامي
Uploaded by
tono tonoCopyright
Available Formats
Share this document
Did you find this document useful?
Is this content inappropriate?
Report this DocumentCopyright:
Available Formats
تلخيص التاريخ الإسلامي
تلخيص التاريخ الإسلامي
Uploaded by
tono tonoCopyright:
Available Formats
/دﻛﺘﻮر
م٢٠٠٨ / ١١ / ١٥ : ﻓﻲ
١
ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﲪﻦ اﻟﺮﺣﯿﻢ
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ } :ﻗﻞ ﺳﯿﺮوا ﻓﻲ اﻷرض ﺛﻢ اﻧﻈﺮوا ﻛﯿﻒ ﻛﺎن ﻋﺎﻗﺒﺔ اﻟﻤﻜﺬﺑﯿﻦ {
)اﻷﻧﻌﺎم .(١١:
ﻲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ) أوﺻﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ ) ت ﺳﻨﺔ ١٩٣ھـ( ﻋﻠ ّ
اﻷﺣﻤﺮ ) ﻣﻌﻠﱢﻢ وﻟﺪه ) اﻷﻣﯿﻦ ( وﻟﻲ ﻋﮭﺪه واﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه .ﻓﻘﺎل " :ﯾﺎ أﺣﻤﺮ
..إن أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻗﺪ دﻓﻊ إﻟﯿﻚ ﻣﮭﺠﺔ ﻧﻔﺴﮫ وﺛﻤﺮة ﻗﻠﺒﮫ ،ﻓﺼﯿّﺮ ﯾﺪك ﻋﻠﯿﮫ
ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ ،وﻃﺎﻋﺘﮫ ﻟﻚ واﺟﺒﺔ ،ﻓﻜﻦ ﻟﮫ ﺣﯿﺚ وﺿﻌﻚ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،أﻗﺮﺋﮫ
اﻟﻘﺮآن ،وﻋﺮّﻓﮫ اﻷﺧﺒﺎر ،وروّه اﻷﺷﻌﺎر ،وﻋﻠّﻤﮫ اﻟ ﺴّﻨﻦ وﺑﺼّﺮه ﺑﻤﻮاﻗﻊ اﻟﻜﻼم
وﺑﺪﺋﮫ ،واﻣﻨﻌﮫ ﻣﻦ اﻟﻀﺤﻚ إﻻ ﻓﻲ أوﻗﺎﺗﮫ ،وﺧﺬه ﺑﺘﻌﻈﯿﻢ ﺷﯿﻮخ ﺑﻨﻲ ھﺎﺷﻢ إذا
ﻻ
ن ﺑﻚ ﺳﺎﻋﺔ إ ﱠ دﺧﻠﻮا ﻋﻠﯿﮫ ،ورﻓﻊ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻘﻮاد إذا ﺣﻀﺮوا ﻣﺠﻠﺴﮫ ،وﻻ ﺗﻤﺮ ّ
وأﻧﺖ ﻣﻐﺘﻨﻢ ﻓﺎﺋﺪة ﺗﻔﯿﺪه إﯾّﺎھﺎ ،ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أن ﺗﺤﺰﻧﮫ ﻓﺘﻤﯿﺖ ذھﻨﮫ ،وﻻ ﺗﻤﻌﻦﱠ ﻓﻲ
ﻣﺴﺎﻣﺤﺘﮫ ﻓﯿﺴﺘﺤﻠﻲ اﻟﻔﺮاغ وﯾﺄﻟﻔﮫ ،وﻗﻮّﻣﮫ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﺑﺎﻟﻘﺮب واﻟﻤﻼﯾﻨﺔ ،ﻓﺈن
أﺑﺎھُﻤﺎ ﻓﻌﻠﯿﻚ ﺑﺎﻟﺸّﺪة واﻟﻐﻠﻈﺔ .
ﯾﻘﻮل ﺷﻮﻗﻲ: "
ﺿﻞ ﻗﻮمٌ ﻟﯿﺲ ﯾﺪرون اﻟﺨﺒﺮ اﻗﺮءوا اﻟﺘﺎرﯾﺦ إذ ﻓﯿﮫ اﻟﻌﺒﺮ
٢
ﺑﺪأ ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼم ﯾﻮم ﺧﻠﻖ اﷲ -ﻋﺰ وﺟﻞ -اﻟﻜﻮن ﺑﺴﻤﺎواﺗﮫ وأراﺿﯿﮫ ،وﺟﺒﺎﻟﮫ وﺳﮭﻮﻟﮫ ،وﻧﺠﻮﻣﮫ وﻛﻮاﻛﺒﮫ ،وﻟﯿﻠﮫ وﻧﮭﺎره .وﺳَﺨﱠﺮَ ﻛﻞ
ھﺬا ﻟﻺﻧﺴﺎن.
وﺑﺪأت ﺣﯿﺎة ھﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻰ اﻟﻜﻮن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻠﻖ اﷲ -ﻋﺰ وﺟﻞ -آدم ﻣﻦ ﺗﺮاب ،وﻧﻔﺦ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ روﺣﮫ.
ﺛﻢ ﺧﻠﻖ اﷲ ﺣﻮاء؛ ﻟﺘﻜﻮن زوﺟﺔ ﻵدم ،وﻟﺘﻜﻮن ﻣﻨﮭﻤﺎ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ.
وﺳﻤﺢ اﷲ -ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ -ﻵدم وﺣﻮاء أن ﯾﻌﯿﺸﺎ ﻓﻰ اﻟﺠﻨﺔ ،وﯾﺴﺘﻤﺘﻌﺎ ﺑﻜﻞ ﺷﻰء ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺸﺮط أن ﻻ ﯾﺄﻛﻼ ﻣﻦ ﺷﺠﺮة واﺣﺪة ﻣﻨﮭﺎ ،وﻧﺒﱠﮫ
ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ آدم إﻟﻰ ﻋﺪاوة اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻟﮫ ،وﺣﺬره ﻣﻨﮫ.
وﻋﺎش آدم وﺣﻮاء ﻓﻰ اﻟﺠﻨﺔ ،ﺳﺎﻟﻤﯿﻦ ﻋﺎﺑﺪﯾﻦ ﯾﺴﺘﻤﺘﻌﺎن ﺑﺨﯿﺮاﺗﮭﺎ ،ﺗﺤﯿﻂ ﺑﮭﻤﺎ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﻤﺜﻤﺮة ،واﻷﻧﮭﺎر اﻟﻌﺬﺑﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﯿﺎة ﺟﻤﯿﻠﺔ
ھﺎدﺋﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺟﺎءھﻢ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،وأﻏﻮاھﻤﺎ أن ﯾﺄﻛﻼ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﺘﻰ ﻧﮭﺎھﻤﺎ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ ،وأﻛﻞ ھﻮ وزوﺟﮫ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻤﺤﺮﻣﺔ،
ﻓﺄﺧﺮﺟﮭﻤﺎ اﷲ-ﻋﺰ وﺟﻞ -ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺮاﺣﺔ ،وأﻧﺰﻟﮭﻤﺎ إﻟﻰ اﻷرض ﺣﯿﺚ اﻟﺘﻌﺐ واﻟﺸﻘﺎء.
وﻋﻠﻢ آدم أﻧﮫ ﻋﺼﻰ رﺑﮫ ،ﻓﺄﺳﺮع وﺗﺎب إﻟﯿﮫ؛ ودﻋﺎ رﺑﮫ ،ﻓﻌﻔﺎ ﻋﻨﮫ ،وﺗﺎب ﻋﻠﯿﮫ ،وأﻣﺮ آدم أن ﯾﮭﺒﻂ إﻟﻰ اﻷرض ھﻮ وزوﺟﺘﮫ ،وأُﻧﺰل
ﺤﺰَﻧُﻮنَ(]اﻟﺒﻘﺮة:ﻣﻌﮫ اﻟﺸﯿﻄﺎن ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) :ﻗُ ْﻠﻨَﺎ ا ْھﺒِﻄُﻮ ْا ﻣِ ْﻨﮭَﺎ ﺟَﻤِﯿﻌﺎً ﻓَﺈِﻣﱠﺎ ﯾَ ْﺄﺗِﯿَﻨﱠﻜُﻢ ﻣﱢﻨﱢﻲ ھُﺪًى ﻓَﻤَﻦ ﺗَﺒِﻊَ ھُﺪَايَ ﻓَﻼَ ﺧَ ْﻮفٌ ﻋَﻠَ ْﯿﮭِ ْﻢ وَﻻَ ھُ ْﻢ ﯾَ ْ
. [٣٨
وﺑﺪأت ﺣﯿﺎة اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺑﺂدم -ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم -وزوﺟﮫ وﺟﺎءت ﻣﻨﮭﻤﺎ ذرﯾﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ ﺑﺎﷲ ،وﻋﻠﻤﮭﻢ اﷲ اﻟﺰراﻋﺔ ،وﻛﯿﻔﯿﺔ
اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﻣﯿﺎه اﻟﻤﻄﺮ ،وﻣﻦ اﻷﻧﻌﺎم ،ﺑﻠﺤﻮﻣﮭﺎ وأﻟﺒﺎﻧﮭﺎ وأﺻﻮاﻓﮭﺎ ،وﻋﻠﻤﮭﻢ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻔﻦ ورﻛﻮب اﻟﺒﺤﺮ ،وﻛﯿﻒ ﯾﮭﺘﺪون ﺑﺎﻟﻨﺠﻮم
ﻓﻰ ﺳﯿﺮھﻢ ﻓﻰ ﻇﻠﻤﺎت اﻟﻄﺮق ،وﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﯾﯿﺴﺮ ﻟﮭﻢ اﻟﻌﯿﺶ ﻋﻠﻰ اﻷرض.
وﻋﻠﱠﻢ اﷲ -ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ -آدم -ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم -ﻛﯿﻒ ﯾﺒﺎﺷﺮ اﻟﻤﮭﻤﺔ اﻟﺘﻰ ﺧﻠﻘﮫ ﻟﮭﺎ ،ووﺿﱠﺢ آدم ﻟﺬرﯾﺘﮫ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺨﯿﺮ ،وﺣﺬرھﻢ ﻣﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺸﺮ،
وأﺧﺒﺮھﻢ أﻧﮭﻢ ﺳﯿﻤﻮﺗﻮن وﯾﺒﻌﺜﻮن وﯾﺤﺎﺳﺒﻮن ،وأن اﻟﻔﺎﺋﺰ ﻣﻦ ﯾﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ،واﻟﺨﺎﺳﺮ ﻣﻦ اﻧﺘﮭﺖ ﺣﯿﺎﺗﮫ وأﻋﻤﺎﻟﮫ إﻟﻰ اﻟﻨﺎر.
وﻧﺒﮫ آدم ذرﯾﺘﮫ إﻟﻰ أن اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻋﺪوھﻢ اﻷول ،وإﻟﻰ ﺧﻄﻮرة دوره ﻓﻰ ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ ،وأﺧﺒﺮھﻢ أﻧﮭﻢ ﻓﻰ ﻣﺄﻣﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻄﺎن ﻣﺎداﻣﻮا ﻋﺒﺎدًا
ﻣﺨﻠﺼﯿﻦ ﷲ -ﻋﺰ وﺟﻞ ،-ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻠﺸﯿﻄﺎن ) :إِنﱠ ﻋِﺒَﺎدِي ﻟَ ْﯿ ﺲَ ﻟَﻚَ ﻋَﻠَ ْﯿﮭِ ْﻢ ﺳُ ْﻠﻄَﺎنٌ إِﻻﱠ ﻣَﻦِ اﺗﱠﺒَﻌَﻚَ ﻣِﻦَ ا ْﻟﻐَﺎوِﯾﻦَ( ] اﻟﺤﺠﺮ.[٤٢ :
وﻓﮭﻤﺖ اﻷﺟﯿﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﮭﺪ آدم اﻟﺪرس ﻛﺎﻣﻼ ،ﻓﻌﺎﺷﺖ ﻓﻰ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ ﻣﺌﺎت اﻟﺴﻨﯿﻦ ،ﺣﺘﻰ ﺑﺪأ اﻟﻌﺼﯿﺎن ﯾﻈﮭﺮ ﺑﯿﻨﮭﺎ،
وﺑﺪأ اﻻﻧﺤﺮاف ﯾﺰداد ﯾﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﯾﻮم ،وﯾﻨﺘﮭﻰ إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة ﻏﯿﺮ اﷲ واﻟﻜﻔﺮ ﺑﺎﻟﯿﻮم اﻵﺧﺮ ،وﻛﺎن اﷲ -ﻋﺰ وﺟﻞ -ﯾﺮﺳﻞ إﻟﻰ ھﺬه اﻷﺟﯿﺎل
اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ اﻷﻧﺒﯿﺎء واﻟﺮﺳﻞ ،وﻣﻨﮭﻢ ﻧﻮح وإﺑﺮاھﯿﻢ وإﺳﻤﺎﻋﯿﻞ وإﺳﺤﺎق وﯾﻌﻘﻮب وﻣﻮﺳﻰ وﻋﯿﺴﻰ وﻣﺤﻤﺪ -ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﺴﻼم ،-وﻛﺎﻧﺖ
ﻦ إِﻟَـﮫٍ ﻏَ ْﯿﺮُهُ( ]اﻷﻋﺮاف.[٥٩ : ﻋﺒُﺪُو ْا اﻟﻠﱠﮫَ ﻣَﺎ ﻟَﻜُﻢ ﻣﱢ ْدﻋﻮﺗﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ):ﯾَﺎ ﻗَ ْﻮمِ ا ْ
ﻋﺒُﺪُون (]اﻷﻧﺒﯿﺎء.[٩٢ : وھﺬه ھﻰ دﻋﻮة اﻹﺳﻼم) :إِنﱠ ھَﺬِهِ أُﻣﱠﺘُﻜُ ْﻢ أُﻣﱠﺔً وَاﺣِﺪَةً وَأَﻧَﺎ رَﺑﱡﻜُ ْﻢ ﻓَﺎ ْ
إن ﻣﺴﯿﺮة اﻷﻧﺒﯿﺎء اﻟﻜﺮام ﻋﺒﺮ اﻟﺴﻨﯿﻦ اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ وﺣﺘﻰ ﻣﺒﻌﺚ أﻛﺮم اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻣﺤﻤﺪ ) ھﻰ ﺟﺰء أﺻﯿﻞ ﻣﻦ ﺗﺎرﯾﺨﻨﺎ اﻹﺳﻼﻣﻰ ،ﻟﺬا ﻛﺎﻧﺖ
ﺳﺒَﺎطِ وَﻣَﺎ أُوﺗِﻲَ ﻣُﻮﺳَﻰ وَﻋِﯿﺴَﻰ ﺳﺤَﻖَ وَﯾَ ْﻌﻘُﻮبَ وَاﻷ ْ ﺳﻤَﺎﻋِﯿﻞَ وَإِ ْ دﻋﻮة ﻣﺤﻤﺪ ) ) :ﻗُﻮﻟُﻮ ْا آﻣَﻨﱠﺎ ﺑِﺎﻟﻠّﮫِ وَﻣَﺂ أُﻧﺰِلَ إِﻟَ ْﯿﻨَﺎ وَﻣَﺎ أُﻧﺰِلَ إِﻟَﻰ إِ ْﺑﺮَاھِﯿﻢَ وَ إِ ْ
ﺴ ﻠِﻤُﻮن (]اﻟﺒﻘﺮة.[١٣٦ : ﺤﻦُ ﻟَﮫُ ﻣُ ْ وَﻣَﺎ أُوﺗِﻲَ اﻟﻨﱠ ﺒِﯿﱡﻮنَ ﻣِﻦ رﱠﺑﱢﮭِ ْﻢ ﻻَ ﻧُﻔَﺮﱢقُ ﺑَ ْﯿﻦَ أَﺣَﺪٍ ﻣﱢ ْﻨﮭُ ْﻢ وَﻧَ ْ
ﺳﻼَمِ دِﯾﻨًﺎ ﻓَﻠَﻦ ﯾُ ْﻘﺒَﻞَ ﻣِ ْﻨﮫُ وَھُﻮَ ﻓِﻲ اﻵﺧِﺮَةِ
ﺳﻼَمُ ]آل ﻋﻤﺮان ) .[١٩ :وَﻣَﻦ ﯾَ ْﺒﺘَﻎِ ﻏَ ْﯿﺮَ اﻹِ ْ إﻧﮫ ﻻ دﯾﻦ ﻏﯿﺮ اﻹﺳﻼم ) :إِنﱠ اﻟﺪﱢﯾﻦَ ﻋِﻨﺪَ اﻟﻠّﮫِ اﻹِ ْ
ﻣِﻦَ ا ْﻟﺨَﺎﺳِﺮِﯾﻦ ]آل ﻋﻤﺮان.[٨٥ :
ﻛﺎن اﻷﻧﺒﯿﺎء ﯾﺒﺸﺮون ﺑﺂﺧﺮ اﻟﺮﺳﻞ ،وﯾﺨﺒﺮون أﻧﮫ ﺳﯿﺠﻰء ﻓﻰ آﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن ﻧﺒﻰ ﻻ ﻧﺒﻰ ﺑﻌﺪه ،وﺗﺤﻘﻘﺖ اﻟﺒﺸﺮى اﻟﻜﺮﯾﻤﺔ ،وﺟﺎء ﻣﺤﻤﺪ
ﻟﯿﻘﻮل " :ﻣﺜﻠﻰ وﻣﺜﻞ اﻷﻧﺒﯿﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻰ ﻛﻤﺜﻞ رﺟﻞ ﺑﻨﻰ ﺑﯿﺘًﺎ ﻓﺄﺣﺴﻨﮫ وأﺟﻤﻠﮫ إﻻ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﺒﻨﺔ ﻓﻰ زاوﯾﺔ ﻣﻦ زواﯾﺎه ،ﻓﺠﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﯾﻄﻮﻓﻮن
ﺑﮫ وﯾﻌﺠﺒﻮن ﻟﮫ ،وﯾﻘﻮﻟﻮن :ھﻼ وﺿﻌﺖ ھﺬه اﻟﻠﺒﻨﺔ؟ ﻓﺄﻧﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺒﻨﺔ ،وأﻧﺎ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﻨﺒﯿﯿﻦ " ] ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ[.
ﻓﺎﻹﺳﻼم ﺻﺮح ﻋﻈﯿﻢ ﺳﺎھﻢ ﻓﻰ ﺑﻨﺎﺋﮫ ﻛﻞ ﻧﺒﻰ ﻣﻦ أﻧﺒﯿﺎء اﷲ.
وﻛﺎن ﻓﻀﻞ اﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﯿﮫ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،ﻓﻘﺪ آﺗﺎه ﻣﻦ أﻧﻌﻤﮫ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺤﺼﻰ ،وﻷﺟﻞ ذﻟﻚ أﺳﺮﻋﺖ إﻟﯿﮫ اﻷﻓﺌﺪة اﻟﺴﻮﯾﺔ ﻣﻦ ﺳﺎدات اﻷﻗﻮام
وﺿﻌﻔﺎﺋﮭﻢ ،وﺟﺎء إﻟﯿﮫ اﻟﺮﺟﺎل اﻷﻃﮭﺎر ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎر أھﻞ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﯾﻄﻠﺒﻮﻧﮫ؛ ﻟﯿﺨﺮج إﻟﯿﮭﻢ ،وﯾﺒﺎﯾﻌﻮﻧﮫ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺨﻮﺿﻮا ﻣﻌﮫ اﻟﺼﻌﺎب
ﻟﺘﺮﺗﻔﻊ راﯾﺔ اﻹﺳﻼم.
ووﻗﻒ رﺳﻮل اﷲ وھﻮ ﯾﺤﻤﻞ أﺷﺮف رﺳﺎﻻت اﻟﺴﻤﺎء إﻟﻰ اﻷرض ،وﯾﺼﻌﺪ ﺑﺄﺻﺤﺎﺑﮫ إﻟﻰ ﻣﺮاﻗﻰ اﻟﻜﻤﺎل ،ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺪﻧﯿﺎ
وﻗﺎدﺗﮭﺎ ورﺟﺎﻟﮭﺎ ،وﻟﻢ ﯾﮭﺪأ رﺳﻮل اﷲ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻨﺬ ﺣﻤﻞ اﻷﻣﺎﻧﺔ ،وﺣﺘﻰ اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه اﻟﻤﺒﺎرك ،ﻟﻤﺎ ﺛﻘﻞ ﺑﮫ اﻟﻮﺟﻊ ﺟﻌﻞ
ﯾﺤﺎول اﻟﺨﺮوج ﻟﻠﺼﻼة ﻣﻊ أﺻﺤﺎﺑﮫ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﻻﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ،ﻓﯿﻄﻠﺐ ﻣﻤﻦ ﺣﻮﻟﮫ أن ﯾﺼﺒﻮا ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺎء ﻓﯿﻔﻌﻠﻮن ،ﻓﯿﻔﯿﻖ ،ﻓﯿﻜﻮن أول ﺳﺆاﻟﮫ:
"أﺻﻠﻰ اﻟﻨﺎس؟ " ﻓﯿﻘﺎل ﻟﮫ :ﻻ ،ھـﻢ ﯾﻨﺘﻈﺮوﻧﻚ ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ .ﻓﯿﻄﻠﺐ أن ﯾﺼﺒﻮا ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻤﺎء ،ﻟﯿﻔﯿﻖ ﻣﻦ ﻣﺮﺿﮫ ،وﯾﺤﺎول ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة ﻓﻼ
ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ واﻟﻨﺎس ﻣﻨﺘﻈﺮون ﻓﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮن ﻣﻔﺎرﻗﺘﮫ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺮوا ﺣﺒﯿﺒﮭﻢ وزﻋﯿﻤﮭﻢ وﻗﺎﺋﺪھﻢ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻻ ﯾﺨﺮج ،ﻓﻘﺪ
اﺷﺘﺪ ﺑﮫ اﻟﻮﺟﻊ ،وأﻣﺮ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ أن ﯾﺼﻠﻰ ﺑﺎﻟﻨﺎس.
وﻓﻰ اﻷﯾﺎم اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ،وﺟﺪ ﻓﻰ ﻧﻔﺴﮫ ﺧ ﻔﱠﺔ ،ﻓﺨﺮج ﻷﺻﺤﺎﺑﮫ ﻓﻰ ﺻﻼة اﻟﻈﮭﺮ ﻣﺘﻮﻛﺌًﺎ ﻋﻠﻰ اﺑﻨﻰْ ﻋﻤﮫ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس وﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ
ﻃﺎﻟﺐ ،وﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ أول درﺟﺔ ﻣﻦ درﺟﺎت اﻟﻤﻨﺒﺮ ،وﻗﺎل " :إن اﷲ ﺧﯿﺮ ﻋﺒﺪًا ﺑﯿﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﺑﯿﻦ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ،ﻓﺎﺧﺘﺎر ذﻟﻚ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ "
]أﺣﻤﺪ[ .ﻓﺒﻜﻰ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ ووﻗﻒ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﯾﺘﻌﺠﺒﻮن ﻟﺒﻜﺎﺋﮫ.
ﻟﻜﻦ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻛﺎن ﻗﺪ ﻓﮭﻢ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻔﮭﻤﮫ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ؛ ﻟﻘﺪ ﻓﮭﻢ أن اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻤﺨﯿﺮ ھﻮ رﺳﻮل اﷲ وأن اﺧﺘﯿﺎر رﺳﻮل اﷲ ﻟﻤﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ ﯾﻌﻨﻰ ﻗﺮب
اﻟﻔﺮاق .وﺻﻌﺪت روح رﺳﻮل اﷲ إﻟﻰ اﻟﺮﻓﯿﻖ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻰ ھﺬا اﻟﯿﻮم ،ﻓﺘﺰﻟﺰﻟﺖ ﻧﻔﻮس اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺣﺘﻰ وﻗﻒ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﯾﮭﺪد ﻣﻦ
٣
ﯾﺬﯾﻊ اﻟﺨﺒﺮ ﻗﺎﺋﻼ :زﻋﻤﻮا أن ﻣﺤﻤﺪًا ﻣﺎت ،وإﻧﮫ واﷲ ﻣﺎ ﻣﺎت ،ﻟﻜﻨﮫ ذھﺐ إﻟﻰ رﺑﮫ ﻛﻤﺎ ذھﺐ ﻣﻮﺳﻰ ،واﷲ ﻟﯿﺮﺟﻌﻦ رﺳﻮل اﷲ ﺣﻘّﺎ.
وﺟﺎء أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻰ رﺳﻮل اﷲ ،وﺗﺤﻘﻖ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺮ ،ﻓ َﻘﺒﱠﻞ ﺟﺒﯿﻦ رﺳﻮل اﷲ ﻗﺎﺋﻼ :ﺑﺄﺑﻰ أﻧﺖ وأﻣﻰ ﯾﺎ رﺳﻮل اﷲ ،ﻃﺒﺖ ﺣﯿًﺎ
وﻣﯿﺘًﺎ واﻧﻘﻄﻊ ﻟﻤﻮﺗﻚ ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻨﻘﻄﻊ ﻟﻤﻮت أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ.
ﺛﻢ ﺧﺮج إﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﯾﻌﯿﺪ ﺻﻮاﺑﮭﻢ ﻗﺎﺋﻼ :أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻛﺎن ﯾﻌﺒﺪ ﻣﺤﻤﺪًا ﻓﺈن ﻣﺤﻤﺪًا ﻗﺪ ﻣﺎت ،وﻣﻦ ﻛﺎن ﯾﻌﺒﺪ اﷲ ﻓﺈن اﷲ ﺣﻰ ﻻ ﯾﻤﻮت.
ﺐ ﻋَﻠَﻰَ ﻋَﻘِ ﺒَ ْﯿ ﮫِ ﻓَﻠَﻦ
ﻋﻘَﺎﺑِﻜُ ْﻢ وَ ﻣَﻦ ﯾَﻨ ﻘَﻠِ ْ
ﺖ ﻣِﻦ ﻗَ ْﺒ ﻠِﮫِ اﻟﺮﱡﺳُﻞُ أَﻓَﺈِن ﻣﱠﺎتَ أَ ْو ﻗُﺘِﻞَ اﻧ ﻘَ ﻠَ ْﺒﺘُ ْﻢ ﻋَﻠَﻰ أَ ْ
ﺛﻢ ﺗﻼ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻗﻮل اﷲ ) :وَﻣَﺎ ﻣُﺤَﻤﱠﺪٌ إِﻻﱠ رَﺳُﻮلٌ ﻗَ ْﺪ ﺧَﻠَ ْ
ﺠﺰِي اﻟﻠّﮫُ اﻟ ﺸﱠﺎﻛِﺮِﯾﻦ (]آل ﻋﻤﺮان] [١٤٤ :واﻟﺤﺪﯾﺚ رواه أﺣﻤﺪ[. ﯾَﻀُﺮﱠ اﻟﻠّﮫَ ﺷَ ْﯿﺌًﺎ وَﺳَﯿَ ْ
وھﻨﺎ رﺟﻊ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ إﻟﻰ رﺷﺪھﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻓﮭﻤﻮا أن اﷲ ﻗﺪ اﺧﺘﺎر ﺣﺒﯿﺒﮫ إﻟﻰ ﺟﻮاره ،وأن اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻻ زاﻟﺖ ﻓﻰ أﻋﻨﺎﻗﮭﻢ ،وأﻧﮭﻢ ﻛﻰ ﯾﻠﺘﻘﻮا ﺑﮫ
ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻻﺑﺪ أن ﯾﻜﻮﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻘﮫ ﺣﺘﻰ ﯾﻜﻮن اﻟﻤﻠﺘﻘﻰ ﻓﻰ اﻟﺠﻨﺔ إن ﺷﺎء اﷲ.
ﺗُﺮى ﻛﯿﻒ ﺳﯿﻜﻮن ﺗﺎرﯾﺨﮭﻢ وﺗﺎرﯾﺦ ﻣﻦ ﺑﻌﺪھﻢ؟ ھﺬا ھﻮ ﺣﺪﯾﺚ اﻟﻜﺘﺎب.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن أﺛﻨﺎء ﺣﯿﺎة اﻟﻨﺒﻰ ﻓﻰ أﻣﻦ وﺳﻜﯿﻨﺔ ،ﻓﺎﻟﺮﺳﻮل ﯾﺪﺑﺮ أﻣﻮرھﻢ ،وﯾﻘﻮد ﺟﻤﻮﻋﮭﻢ ،وﯾﺮﺷﺪھﻢ ،وﯾﮭﺪﯾﮭﻢ ،وﯾﻔﺘﯿﮭﻢ ﻓﯿﻤﺎ
ﯾﻌﻨﯿﮭﻢ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت اﻟﻨﺒﻰ ﺷﻌﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن أﻧﮫ ﻻﺑﺪ ﻟﮭﻢ ﻣﻦ راعٍ ﯾﺨﻠﻒ اﻟﺮﺳﻮل ﻓﻰ ﺗﺪﺑﯿﺮ أﻣﻮرھﻢ ،وﯾﻘﻮد ﻣﺴﯿﺮﺗﮭﻢ ،وﯾﺤﻤﻞ راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ﻋﺎﻟﯿﺔ
ﺧﻔﺎﻗﺔ ،ﻓﻤﻦ ﯾﺘﻮﻟﻰ أﻣﺮھﻢ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺒﻰ ؟ ! إن اﻟﺮﺳﻮل ﻟﻢ ﯾﻌﯿّﻦ أﺣﺪًا ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ؛ ﺑﻞ ﺗﺮك اﻷﻣﺮ ﺷﻮرى ﺑﯿﻨﮭﻢ ،ﯾﺨﺘﺎرون ﺧﻠﯿﻔﺘﮭﻢ ﺑﺄﻧﻔﺴ ﮭﻢ
ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ؟
ﺳﻘﯿﻔﺔ ﺑﻨﻰ ﺳﺎﻋﺪة :
ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﺟﺘﻤﺎع ﻟﻠﺘﺸﺎور ،واﻻﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ رأى ،ﻓﻠﯿﻠﺘﻖ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻰ ﺳﻘﯿﻔﺔ ﺑﻨﻰ ﺳﺎﻋﺪة ،وﻟﯿﺘﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﯾﺨﺘﺎروﻧﮫ ،ﻟﻜﻦ اﻷﻧﺼﺎر ﻗﺪ
ﺳﺒﻘﻮا إﻟﻰ اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ ،واﺧﺘﺎروا واﺣﺪًا ﻣﻨﮭﻢ ھﻮ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎدة.
ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب وأﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼ ﺪﯾﻖ وأﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﺑﻦ اﻟﺠﺮاح ،أﺳﺮﻋﻮا إﻟﻰ اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ ،ووﻗﻒ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻓﯿﮭﻢ ﺧﻄﯿﺒًﺎ ،ﻓﺘﺤﺪث ﻋﻦ
ﻓﻀﻞ اﻟﻤﮭﺎﺟﺮﯾﻦ وﻓﻀﻞ اﻷﻧﺼﺎر ﺛﻢ ذﻛﺮ أن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺮﺷﯿّﺎ ،إذ إن اﻟﻨﺎس ﻻ ﯾﻄﯿﻌﻮن إﻻ ھﺬا اﻟﺤﻰّ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،ﺛﻢ اﺧﺘﺎر
ﻟﻠﻨﺎس أن ﯾﺒﺎﯾﻌﻮا إﻣﺎ ﻋﻤﺮ وإﻣﺎ أﺑﺎ ﻋﺒﯿﺪة ،ﻓﺮﻓﺾ ﻋﻤﺮ وأﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ذﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻟﻌﻠﻤﮭﻤﺎ ﺑﻔﻀﻞ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ وﺳﺎﺑﻘﺘﮫ ،وھﻨﺎ وﻗﻒ ﺑﺸﯿﺮ ﺑﻦ
ﺳﻌﺪ وھﻮ أﺣﺪ زﻋﻤﺎء اﻷﻧﺼﺎر ،وﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﮫ أﻻ ﯾﻨﺎزﻋﻮا اﻟﻤﮭﺎﺟﺮﯾﻦ ﻓﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ !
وھﺬا ﻣﻮﻗﻒ ﻧﺒﯿﻞ؛ إﻧﮫ ﺣﺮﯾﺺ ﻋﻠﻰ وﺣﺪة اﻟﺼﻒ ،وﻋﻠﻰ اﻷﺧﻮة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻻ ﯾﻔﻜﺮ إﻻ ﻓﻰ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وھﻨﺎ أﻋﻠﻦ ﻋﻤﺮ اﺑﻦ
اﻟﺨﻄﺎب وﻣﻌﮫ أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﺑﻦ اﻟﺠﺮاح ﻣﺒﺎﯾﻌﺘﮭﻤﺎ ﻷﺑﻰ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ.
وﺑﺎﯾﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻛﺎن ﻓﻰ اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ،ﺛﻢ ﺷﮭﺪ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺳﻮل ) ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﯿﻌﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎق أوﺳﻊ ﺿﻤﺖ ﻛﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﺷﮭﺪوا ﺑﯿﻌﺔ
اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ واﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺸﮭﺪوھﺎ ،وأﺻﺒﺢ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺧﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١١ھـ٦٣٣ /م .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺟﺪﯾﺮًا ﺑﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن
اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ رﺿﯿـﮫ رﺳﻮل اﷲ ) ﻟﺪﯾﻨﮭﻢ إﻣﺎﻣًﺎ ﻓﺼﻠﻰ ﺧﻠﻔﮫ ،وأﻣﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺼﻼة ﺧﻠﻔﮫ ،وھﻮ ﻣﺮﯾﺾ ،ﻓﻜﯿﻒ
ﻻ ﯾﺮﺿﻮﻧﮫ ﻟﺪﻧﯿﺎھﻢ؟ !
ﺗﻤﺖ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻷﺑﻰ ﺑﻜﺮ ،وﻧﺠﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن :اﻷﻧﺼﺎر واﻟﻤﮭﺎﺟﺮون ﻓﻰ أول اﻣﺘﺤﺎن ﻟﮭﻢ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﺮﺳﻮل ،ﻟﻘﺪ اﺣﺘﺮﻣﻮا ﻣﺒﺪأ اﻟﺸﻮرى،
وﺗﻤﺴﻜﻮا ﺑﺎﻟﻤﺒﺎدئ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻓﻘﺎدوا ﺳﻔﯿﻨﺘﮭﻢ إﻟﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻷﻣﺎن.
ﺖ
وھﺎ ھﻮ ذا ﺧﻠﯿﻔﺘﮭﻢ ﯾﻘﻒ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻟﯿﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻣﻨﮭﺠﮫ ،ﻓﺒﻌﺪ أن ﺣﻤﺪ اﷲ وأﺛﻨﻰ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻗﺎل" :أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺎس ،إﻧﻰ ﻗﺪ وﻟﯿﺖ ﻋﻠﯿﻜﻢ وﻟﺴ ُ
ﺑﺨﯿﺮﻛﻢ ،ﻓﺈن أﺣﺴﻨﺖ ﻓﺄﻋﯿﻨﻮﻧﻰ ،وإن أﺳﺄت ﻓﻘﻮﻣﻮﻧﻰ )ردوﻧﻰ ﻋﻦ اﻹﺳﺎءة( ،اﻟﺼﺪق أﻣﺎﻧﺔ ،واﻟﻜﺬب ﺧﯿﺎﻧﺔ ،واﻟﻀﻌﯿﻒ ﻓﯿﻜﻢ ﻗﻮى ﻋﻨﺪى
ﺣﺘﻰ آﺧﺬ ﻟﮫ ﺣﻘﮫ ،واﻟﻘﻮى ﺿﻌﯿﻒ ﻋﻨﺪى ﺣﺘﻰ آﺧﺬ ﻣﻨﮫ اﻟﺤﻖ إن ﺷﺎء اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻻ ﯾﺪع أﺣﺪ ﻣﻨﻜﻢ اﻟﺠﮭﺎد ،ﻓﺈﻧﮫ ﻻ ﯾﺪﻋﮫ ﻗﻮم إﻻ ﺿﺮﺑﮭﻢ
اﷲ ﺑﺎﻟﺬل ،وﻻ ﺗﺸﯿﻊ اﻟﻔﺎﺣﺸﺔ ﻓﻰ ﻗﻮم ﻗﻂ إﻻ ﻋﻤﮭﻢ اﷲ ﺑﺎﻟﺒﻼء ،أﻃﯿﻌﻮﻧﻰ ﻣﺎ أﻃﻌﺖ اﷲ ورﺳﻮﻟﮫ ،ﻓﺈذا ﻋﺼﯿﺖ اﷲ ورﺳﻮﻟﮫ ﻓﻼ ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻰ
ﻋﻠﯿﻜﻢ ،ﻗﻮﻣﻮا إﻟﻰ ﺻﻼﺗﻜﻢ ﯾﺮﺣﻤﻜﻢ اﷲ " ] اﺑﻦ ھﺸﺎم[.
ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻨﺒﻰ ﻗﺪ ﺑﺪأ ﯾﻨﺘﺸﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻟﻠﮭﺠﺮة ،وﺑﻌﺪ ھﺰﯾﻤﺔ ھﻮازن وﺛﻘﯿﻒ ﺑﺪأت اﻟﻮﻓﻮد ﺗَﺮِد إﻟﻰ اﻟﺮﺳﻮل ﻣﻌﻠﻨﺔ
إﺳﻼﻣﮭﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﺳﻊ !
ﻟﻘﺪ دﺧﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻰ دﯾﻦ اﷲ أﻓﻮاﺟًﺎ ،وﻗ ﱠﻞ ﻋﺪد اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﺒﺪون اﻷﺻﻨﺎم ،وﻃﮭﺮت اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﯾﻦ
دﺧﻠﻮا ﻓﻰ اﻹﺳﻼم ﻛﺎن ﻣﻨﮭﻢ ﺿﻌﺎف اﻹﯾﻤﺎن ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻹﯾﻤﺎن ﻗﺪ اﺳﺘﻘﺮ ﻓﻰ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ ،وﻗﺪ دﺧﻠﮫ ﺑﻌﻀﮭﻢ ﻃﻤﻌًﺎ ﻓﻰ اﻷراﺿﻰ واﻷﻣﻮال.
وﻛﺎﻧﺖ وﻓﺎة اﻟﺮﺳﻮل ﻓﺮﺻﺔ ﻟﮭﺆﻻء وأوﻟﺌﻚ ﻟﻜﻰ ﯾﻈﮭﺮوا ﻣﺎ أﺧﻔﻮه ﺧﻼل اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ،وﻟﻜﻰ ﯾﻌﻠﻨﻮا ردﺗﮭﻢ ﻋﻦ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺤﻨﯿﻒ ،ﻓﻤﺎذا
ﯾﻔﻌﻞ اﻟﺼﺪﯾﻖ ،واﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻰ أول ﻋﮭﺪھﺎ ؟ !
إن ھﻨﺎك ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻨﻌﺖ اﻟﺰﻛﺎة ،وأﺧﺮى ارﺗﺪت ،ﺑﻞ ادﻋﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻨﺒﻮة !
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -أن ﯾﻮاﺟﮫ ھﺆﻻء ﺟﻤﯿﻌًﺎ .وﻟﯿﺲ ھﺬا ﻓﻘﻂ ﺑﻞ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺆﻣﱢﻦ ﺣﺪود اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺿﺪ
اﻷﻋﺪاء اﻟﺨﺎرﺟﯿﯿﻦ ،وﻛﺎن اﻟﺮﺳﻮل ) ﻗﺪ أﻋﺪﱠ ﻟﺬﻟﻚ ﺟﯿﺸًﺎ ﺑﻘﯿﺎدة أﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ زﯾﺪ ،وﻟﻜﻨﮫ ) ﻣﺎت ﻗﺒﻞ أن ﯾﺒﺮح اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻇﻞ أﺳﺎﻣﺔ
٤
ﺑﺠﯿﺸﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﺪود اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻷواﻣﺮ !
وراح اﻟﺠﻤﯿﻊ ﯾﻔﻜﺮون ﻓﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ أﻋﺪاء اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻮﻟﯿﺪة !
وﻛﺎن رأى ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أن ﺗﻮﺟﮫ ﻛﻞ اﻟﺠﮭﻮد إﻟﻰ ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ،وأن ﯾﺆﺟﻞ إﻧﻔﺎذ ﺟﯿﺶ أﺳﺎﻣﺔ ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ اﻟﺮوم إﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ
اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ،وأن ﯾﺘﻔﺮغ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻟﺬﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ وﻗﻒ ﺷﺎﻣﺨًﺎ راﺳﺨًﺎ ،ﯾﺆﻛﺪ اﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ ﻗﺘﺎﻟﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﻓﻰ ﻛﻞ اﻟﺠﺒﮭﺎت،
ﻋﻘَﺎل ﺑﻌﯿﺮ ) ﻣﺎ ﯾﺮﺑﻂ ﺑﮫ اﻟﺒﻌﯿﺮ( ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺆدوﻧﮫ إﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ) ﻟﻘﺎﺗﻠﺘﮭﻢ ﻋﻠﯿﮫ " ]ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ[
ﻗﺎﺋﻼ ﻋﻦ ﻣﺎﻧﻌﻰ اﻟﺰﻛﺎة" :واﷲ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﻮﻧﻰ ِ
وﻟﻘﺪ أﺻﺮ أن ﯾﺘﻢ ﺑﻌﺚ أﺳﺎﻣﺔ ﻗﺎﺋﻼ" :واﷲ ﻟﻮ ﻇﻨﻨﺖ أن اﻟﺴﺒﺎع ﺗﺨﻄﻔﻨﻰ ﻷﻧﻔﺬت ﺑﻌﺚ أﺳﺎﻣﺔ ﻛﻤﺎ أﻣﺮ اﻟﺮﺳﻮل )" ] اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ[.
وأﻋﺪ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -إﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﺣﻤﻠﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ،ﻛﺎن ﻣﻦ أﺷﮭﺮھﺎ :ﺣﻤﻠﺔ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ،وﺣﻤﻠﺔ اﻟﻌﻼء ﺑﻦ اﻟﺤﻀﺮﻣﻰ.
ﻛﺎن ﻣﻠﻚ اﻟﺒﺤﺮﯾﻦ ،ﻗﺪ أﺳﻠﻢ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟ ﺮﺳﻮل ،وأﻗﺎم ﻓﻰ رﻋﯿﺘﮫ اﻹﺳﻼم واﻟﻌﺪل ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺎت رﺳﻮل اﷲ وﻣﺎت ﻣﻠﻚ اﻟﺒﺤﺮﯾﻦ ،ارﺗﺪ أھﻞ
اﻟﺒﺤﺮﯾﻦ ،وﻗﺎل ﻗﺎﺋﻠﮭﻢ :ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺒﯿّﺎ ﻣﺎ ﻣﺎت.
وﺑﻘﯿﺖ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮﯾﻦ ﻗﺮﯾﺔ ﯾﻘﺎل ﻟﮭﺎ ﺟُﻮَاﺛﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻋﻠﻰ دﯾﻨﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎم ﻓﯿﮭﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ أﺷﺮاﻓﮭﻢ وھﻮ اﻟﺠﺎرود ﺑﻦ اﻟﻤﻌﻠﻰ ،وﻛﺎن ﻣﻤﻦ ھﺎﺟﺮوا
ﻞ .ﻗﺎل :أﺗﻌﻠﻤﻮن أﻧﮫ ﻛﺎن ﷲ أﻧﺒﯿﺎء إﻟﻰ رﺳﻮل اﷲ ،ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﯿﺲ إﻧﻰ ﺳﺎﺋﻠﻜﻢ ﻋﻦ أﻣﺮ ﻓﺄﺧﺒﺮوﻧﻰ إن ﻋﻠﻤﺘﻤﻮه .ﻗﺎﻟﻮا :ﺳَ ْ
ﻗﺒﻞ ﻣﺤﻤﺪ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﻧﻌﻢ .ﻗﺎل :ﺗﻌﻠﻤﻮﻧﮫ أم ﺗﺮوﻧﮫ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﻧﻌﻠﻤﮫ .ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ ﻓﻌﻠﻮا؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﻣﺎﺗﻮا .ﻗﺎل :ﻓﺈن ﻣﺤﻤﺪًا ﻣﺎت ﻛﻤﺎ ﻣﺎﺗﻮا ،وإﻧﻰ أﺷﮭﺪ
أن ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ وأن ﻣﺤﻤﺪًا رﺳﻮل اﷲ .ﻓﻘﺎﻟﻮا :وﻧﺤﻦ أﯾﻀًﺎ ﻧﺸﮭﺪ أن ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ وأن ﻣﺤﻤﺪًا رﺳﻮل اﷲ .وﺛﺒﺘﻮا ﻋﻠﻰ إﺳﻼﻣﮭﻢ ]اﺑﻦ
ﻛﺜﯿﺮ[.
وأرﺳﻞ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﻌﻼء ﺑﻦ اﻟﺤﻀﺮﻣﻰ أﺣﺪ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ إﻟﻰ ﺣﺮب اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺒﺤﺮﯾﻦ ،وﻛﺎن اﻟﻌﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺄﺣﻮال ھﺬه
اﻟﺒﻼد ﻷن اﻟﺮﺳﻮل ﻛﺎن ﻗﺪ أرﺳﻠﮫ ﻟﯿﺠﻤﻊ اﻟﺰﻛﺎة ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ.
وﺣﺪث ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻐﺰوة أن ﻧﺰل اﻟﻌﻼء ﻣﻨﺰﻻ ﻓﻠﻢ ﯾﺴﺘﻘﺮ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺮت اﻹﺑﻞ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻣﻦ زاد اﻟﺠﯿﺶ وﺧﯿﺎﻣﮭﻢ
وﺷﺮاﺑﮭﻢ ،وﺑﻘﻮا ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻟﯿﺲ ﻣﻌﮭﻢ ﺷﻰء ﺳﻮى ﺛﯿﺎﺑﮭﻢ ،وذﻟﻚ ﻟﯿﻼ ،وﻟﻢ ﯾﻘﺪروا ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﯿﺮ واﺣﺪ ،ﻓﺄﺻﺎب اﻟﻨﺎس ھﻢﱞ ﻋﻈﯿﻢ
وﺟﻌﻞ ﯾﻮﺻﻰ ﺑﻌﻀﮭﻢ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ ،ﻓﻨﺎدى ﻣﻨﺎدى اﻟﻌﻼء ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس إﻟﯿﮫ ،ﻓﻘﺎل :أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺎس ،أﻟﺴﺘﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ؟ أﻟﺴﺘﻢ ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ؟
ﻦ ﻛﺎن ﻓﻰ ﻣﺜﻞ ﺣﺎﻟﻜﻢ .وﻧﻮدى ﻟﺼﻼة اﻟﺼﺒﺢ ﺣﯿﻦ ﻃﻠﻊ اﻟﻔﺠﺮ ،ﻓﺼﻠﻰ أﻟﺴﺘﻢ أﻧﺼﺎر اﷲ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﺑﻠﻰ .ﻗﺎل :ﻓﺄﺑﺸﺮوا واﷲ ﻻ ﯾﺨﺬل اﷲ ﻣَ ْ
ﺑﺎﻟﻨﺎس ،ﺛﻢ ﺟﺜﺎ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﮫ ،وﺟﺜﺎ اﻟﻨﺎس ،واﺳﺘﻤﺮ ﻓﻰ اﻟﺪﻋﺎء ﺣﺘﻰ ﻃﻠﻌﺖ اﻟﺸﻤﺲ ،وﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﯾﻨﻈﺮون إﻟﻰ ﺳﺮاب اﻟﺸﻤﺲ ﯾﻠﻤﻊ
ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة وھﻮ ﯾﺠﺘﮭﺪ ﻓﻰ اﻟﺪﻋﺎء ،ﻓﻮﺟﺪوا إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮭﻢ ﻏﺪﯾﺮا ﻋﻈﯿﻤًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء.
ﻓﻤﺸﻰ وﻣﺸﻰ اﻟﻨﺎس إﻟﯿﮫ ﻓﺸﺮﺑﻮا واﻏﺘﺴﻠﻮا ،ﻓﻤﺎ اﻧﺘﮭﻰ اﻟﻨﮭﺎر ﺣﺘﻰ أﻗﺒﻠﺖ اﻹﺑﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ﺑﻤﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻟﻢ ﯾﻔﻘﺪوا ﺷﯿﺌًﺎ ﻣﻦ أﻣﺘﻌﺘﮭﻢ.
واﻟﺘﻘﻰ ﺟﯿﺶ اﻟﻌﻼء ﺑﺎﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ﻓﮭﺰﻣﻮھﻢ ،وﻓﺮوا ﻣﻨﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ "دارﯾﻦ" ،ﻓﺘﺒﻌﮭﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ،ﻟﻜﻨﮭﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ ﺳﺎﺣﻞ
اﻟﺒﺤﺮ ﻟﯿﺮﻛﺒﻮا ،وﺟﺪوا أن اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻌﯿﺪة،وﻟﻮ اﻧﺘﻈﺮوا ﺣﺘﻰ ﯾﺠﮭﺰوا اﻟﻤﺮاﻛﺐ اﻟﺘﻰ ﺳﻮف ﯾﻌﺒﺮون ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻟﺘﻤﻜﻦ اﻷﻋﺪاء ﻣﻦ اﻟﮭﺮوب،
ﻓﺎﻗﺘﺤﻢ اﻟﻌﻼء اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻔﺮﺳﮫ وھﻮ ﯾﻘﻮل :ﯾﺎ أرﺣﻢ اﻟﺮاﺣﻤﯿﻦ ،ﯾﺎ ﺣﻜﯿﻢ ﯾﺎ ﻛﺮﯾﻢ ،وﯾﺎ أﺣﺪ ﯾﺎ ﺻﻤﺪ ،ﯾﺎ ﺣﻰ ﯾﺎ ﻣﺤﯿﻰ ،ﯾﺎ ﻗﯿﻮم ﯾﺎ ذا اﻟﺠﻼل
واﻹﻛﺮام ،ﻻ إﻟﮫ إﻻ أﻧﺖ ﯾﺎ رﺑﻨﺎ .وأﻣﺮ اﻟﺠﯿﺶ أن ﯾﻘﻮﻟﻮا ذﻟﻚ ،ﻓﻔﻌﻠﻮا وﻋﺒﺮ ﺑﮭﻢ اﻟﺨﻠﯿﺞ ﺑﺈذن اﷲ ،ﻓﻘﻄﻌﮫ إﻟﻰ ا ﻟﺴﺎﺣﻞ اﻵﺧﺮ ،ﻓﻘﺎﺗﻞ
ﻋﺪوه وھﺰﻣﮭﻢ ،وأﺧﺬوا ﻏﻨﺎﺋﻤﮭﻢ وأﻣﻮاﻟﮭﻢ .وﻟﻢ ﯾﻔﻘﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﺷﯿﺌًﺎ ﺳﻮى ﻋﻠﯿﻘﺔ ﻓﺮس.
وﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﺠﯿﺶ راھﺐ ﻣﻦ أھﻞ ھﺠﺮ ،ﻓﺄﺳﻠﻢ وﻗﺎل :ﺧﺸﯿﺖ إن ﻟﻢ أﻓﻌﻞ أن ﯾﻤﺤﻘﻨﻰ اﷲ ﻟﻤﺎ ﺷﺎھﺪت ﻣﻦ اﻵﯾﺎت ،وﻟﻘﺪ ﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﻘﻮم ﻟﻢ
ﯾﻌﺎﻧﻮا ﺑﺎﻟﻤﻼﺋﻜﺔ إﻻ وھﻢ ﻋﻠﻰ أﻣﺮ اﷲ ،ﻓﺤﺴﻦ إﺳﻼﻣﮫ ]اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ :اﻟﺒﺪاﯾﺔ واﻟﻨﮭﺎﯾﺔ[.
ﻟﻘﺪ ﺧﺮج اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻧﻮاﯾﺎھﻢ ،ﻏﺎﯾﺘﮭﻢ اﻟﻌﺰة ﻟﺪﯾﻦ اﷲ اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ أﻣﺪھﻢ اﷲ ﺑﻜﺮاﻣﺎﺗﮫ ،وأﯾﺪھﻢ ﺑﻨﺼﺮه.
ﻟﻘﺪ ھﺰت ھﺬه اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ھﺰّا ﻋﻨﯿﻔًﺎ ،وأﻋﺎدت اﻟﻤﺎرﻗﯿﻦ واﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ إﻟﻰ ﺣﻈﯿﺮة اﻹﯾﻤﺎن ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ؛ ﻟﯿﻌﺮﻓﻮا أن اﷲ ھﻮ
اﻟﺤﻖ اﻟﻤﺒﯿﻦ ،وأن رﺳﻮﻟﮫ ) ھﻮ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﻨﺒﯿﯿﻦ ،وإذا ﻛﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﻗﺪ ﻣﺎت ،ﻓﺈن دﯾﻦ اﻹﺳﻼم اﻟﺬى ﺟﺎء ﺑﮫ ﺑﺎق إﻟﻰ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ﺑﺈذن اﷲ.
وﻛﺎن ﺟﯿﺶ أﺳﺎﻣﺔ اﻟﺬى أرﺳﻠﮫ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ اﻟﺮوم ﻗﺪ ﺣﻘﻖ اﻟﮭﺪف اﻟﺬى ﺑﻌﺚ ﻣﻦ أﺟﻠﮫ ،ﻓَﺄَﻣﱠﻦَ اﻟﺤﺪود ،وأﻋﺎد اﻟﺜﻘﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﻔﻮس !
وﻋﺮف اﻟﺮوم أن اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﺎزاﻟﺖ ﻗﻮﯾﺔ ،ﻟﻢ ﺗﻀﻌﻒ ،وﻓﻰ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﮭﺎ أن ﺗﺼﺪ ﻛﯿﺪ اﻷﻋﺪاء.
وﻓﻰ وﻗﺖ ﺑﻌﺚ أﺳﺎﻣﺔ ،ﻛﺎن ﺑﻌﺾ ﻣﺎﻧﻌﻰ اﻟﺰﻛﺎة ﻗﺪ ﺟﺎءوا إﻟﻰ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ رأوا ﺗﺼﻤﯿﻤﮫ ﻋﻠﻰ أﺧﺬ اﻟﺰﻛﺎة ،رﺟﻌﻮا إﻟﻰ ﻗﺒﺎﺋﻠﮭﻢ
وأﻏﺮوھﻢ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ،واﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻛﺎن أﺑﻮﺑﻜﺮ ﻗﺪ وﺿﻊ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎب اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ؛ ﻷﻧﮫ ﺗﻮﻗﱠﻊ
إﻏﺎرﺗﮭﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺗﺠﮭﻮا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻋﺮف أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أوﺻﻰ اﻟﻮاﻗﻔﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻘﺎب ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ،ﺛﻢ اﺗﺠﮫ ھﻮ وﺑﻌﺾ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ،
إﻟﯿﮭﻢ وﻟﻘﻨﻮا ھﺆﻻء اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ درﺳًﺎ ﻻ ﯾُﻨﺴﻰ ،ﺣﺘﻰ ﯾﻌﻠﻤﻮھﻢ وﻏﯿﺮھﻢ أن اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻀﻌﻒ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﻨﺒﻰ).
ﻛﻤﺎ ﻋﻤﻞ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﺴﻮل ﻟﮫ ﻧﻔﺴﮫ أن ﯾﻄﻌﻦ ﻓﻰ دﯾﻦ اﷲ ،ﻛﺄوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ ادﻋﻮا اﻟﻨﺒﻮة أﻣﺜﺎل
اﻷﺳﻮد اﻟﻌﻨﺴﻰ وﺳﺠﺎح اﻟﺘﻰ أﺳﻠﻤﺖ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،وﻣﺴﯿﻠﻤﺔ اﻟﻜﺬاب اﻟﺬى أرﺳﻞ إﻟﯿﮫ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺟﯿﺸًﺎ ھﺰﻣﮫ ﺷﺮ ھﺰﯾﻤﺔ ﻓﻰ وﻗﻌﺔ اﻟﯿﻤﺎﻣﺔ،
ﺣﯿﺚ ﻗﺘﻞ اﷲ اﻟﻜﺬاب ﺑﻌﺪ ﻣﺎ اﺳﺘﺸﮭﺪ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺾ ﺣﻤﻠﺔ اﻟﻘﺮآن ﻣﻨﮭﻢ.
اﻧﺘﮭﺖ ﺣﺮوب اﻟﺮدة ،وﺗﻢ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ادﻋﻰ اﻟﻨﺒﻮة ﻛﺎﻷﺳﻮد اﻟﻌﻨﺴﻰ ،وﻣﺴﯿﻠﻤﺔ اﻟﻜﺬاب ،وﺳﺠﺎح .ورﺟﻊ اﻟﮭﺪوء واﻻﺳﺘﻘﺮار
إﻟﻰ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ.
وﺑﺪأت أﻧﻈﺎر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺗﺘﺠﮫ ﻧﺎﺣﯿﺔ ﺣﺪود دوﻟﺘﮭﻢ ،ﻓﺎﻟﻔﺮس ﯾﻘﻔﻮن ﻓﻰ وﺟﮫ اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﯾﺴﺎﻧﺪون أﻋﺪاءھﺎ .واﻟﺮوم ﯾﺤﺎرﺑﻮن
اﻟﺪﻋﻮة وﯾﻨﺼﺮون ﺧﺼﻮﻣﮭﺎ.
ﺑﺪأت ﻋﺪاوة اﻟﻔﺮس ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺮﺳﻮل ) ،ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻣﺮ ﻣﻠﻚ اﻟﻔﺮس ﻋﺎﻣﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﯿﻤﻦ أن ﯾﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﻋﻨﺪه رﺟﻼ ﻟﯿﻘﺘﻞ رﺳﻮل اﷲ
أو ﯾﺄﺳﺮه ﺑﻌﺪﻣﺎ أرﺳﻞ ﻟﮫ اﻟﻨﺒﻰ ﻣﻦ ﯾﺪﻋﻮه إﻟﻰ اﻹﺳﻼم وﻟﻜﻦ اﷲ أھﻠﻚ ﻣﻠﻚ اﻟﻔﺮس ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺛﺎر ﻋﻠﯿﮫ ﻗﻮﻣﮫ وﺣﻔﻆ رﺳﻮﻟﮫ ) ﺣﺘﻰ ﻣﺎت.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ارﺗﺪت اﻟﻌﺮب ﻇﻦ اﻟﻔﺮس أن اﻟﻌﺮب اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ﺳﯿﻘﻀﻮن ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ﻓﻰ ﻣﮭﺪه ،وﻟﻜﻦ اﷲ ﺧَﯿﱠﺐَ ﻇﻨﮭﻢ ،ﻓﻌﺎدوا ﯾﻜﯿﺪون ﻟﻺﺳﻼم،
ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -إﻻ أن ﺑﻌﺚ إﻟﯿﮭﻢ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ،وﺗﺤﺮك اﻟﺠﯿﺶ ﺑﻘﯿﺎدﺗﮫ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺮاق ،وﻧﺰل اﻟﺤﯿﺮة
٥
ﻓﺪﻋﺎ أھﻠﮭﺎ إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ،أو اﻟﺠﺰﯾﺔ ،أو اﻟﺤﺮب .وﻟﮭﻢ أن ﯾﺨﺘﺎروا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺬى ﯾﻨﺎﺳﺒﮭﻢ ،ﻓﻼ إﻛﺮاه ﻓﻰ اﻟﺪﯾﻦ ،وﻻ ﻋﺪوان إﻻ ﻋﻠﻰ
اﻟﻈﺎﻟﻤﯿﻦ ! واﻹﺳﻼم أﺣﺐ إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﯾﺔ أو اﻟﺤﺮب.
وﻗﺒﻞ أھﻞ اﻟﺤﯿﺮة أن ﯾﺪﻓﻌﻮا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﺠﺰﯾﺔ وﯾﻌﯿﺸﻮا ﻓﻰ أﻣﺎن وﺳﻼم ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه أول ﺟﺰﯾﺔ ﺗﺆﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻔﺮس ﻓﻰ اﻹﺳﻼم.
وﺳﺎر ﺧﺎﻟﺪ ﺑﺠﯿﺸﮫ إﻟﻰ اﻷﻧﺒﺎر ،ﻓﮭﺰم أھﻠﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺷﺮوﻃﮫ ،وﻗﺒﻠﻮا دﻓﻊ اﻟﺠﺰﯾﺔ أﯾﻀًﺎ .ﺛﻢ اﺗﺠﮫ إﻟﻰ " ﻋﯿﻦ اﻟﺘﻤﺮ" ،وﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ
"دوﻣﺔ اﻟﺠﻨﺪل" ،وﻓﺘﺤﮭﻤﺎ ﻋﻨﻮة وﻗﮭﺮًا ﺑﻌﺪ أن رﻓﺾ أھﻠﮭﺎ اﻹﺳﻼم واﻟﺠﺰﯾﺔ وأﻋﻠﻨﻮا اﻟﺤﺮب! ﻓﻌﺎد اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻣﻨﺘﺼﺮًا ﺑﻌﺪ أن أَﻣﱠﻦَ
ﺣﺪود اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﻔﺮس.
ﻟﻜﻦ ﺧﻄﺮ اﻟﺮوم ﻣﺎ زال ﯾﮭﺪد اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ !! ﻓﮭﺬا ھﺮﻗﻞ إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوم ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻗﻮاﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﺪود ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ؛ وﺣﺮض اﻟﻌﺮب
اﻟﻤﺠﺎورﯾﻦ ﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎداة اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﯿﻮﻗﻒ اﻟﻤﺪ اﻹﺳﻼﻣﻰ واﻟﺰﺣﻒ اﻟﻤﺒﺎرك ،وﻟﻜﻦ ﻛﻠﻤﺔ اﷲ ﻻﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ھﻰ اﻟﻌﻠﯿﺎ ،وﻛﻠﻤﺔ اﻟﺬﯾﻦ
ﻛﻔﺮوا ھﻰ اﻟﺴﻔﻠﻰ ! ﻻﺑﺪ أن ﯾﺰﯾﻞ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻛﻞ اﻟﻌﻮاﺋﻖ اﻟﺘﻰ ﺗﻘﻒ ﻓﻰ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼ ﻣﯿﺔ ،وﺗﺘﺮﺑﺺ ﺑﮭﺎ ،ﺗﺮﯾﺪ
اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮭﺎ !
ودﻋﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ ﻟﺤﺮب اﻟﺮوم ﻓﻰ اﻟﺸﺎم ،وأﻋﻠﻦ اﻟﺘﻌﺒﺌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﯿﻠﻘﻦ ﻛﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻔﻜﺮون ﻓﻰ اﻟﻌﺪوان ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ
درﺳًﺎ ﻻ ﯾﻨﺴﻰ ،وﺗﺤﺮﻛﺖ اﻟﺠﯿﻮش ﻣﻦ " اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة " وﺑﺘﺸﻜﯿﻞ أرﺑﻊ ﻓﺮق ﯾﻘﻮدھﺎ ﻗﻮاد ﻋﺒﺎﻗﺮة ﻋﻈﺎم.
ﺟﮭَﺘُﮫ " ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ".
ﻛﺎن ﻋﻠﻰ رأس اﻷوﻟﻰ" :ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص" ووِ ْ
وﻛﺎن ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ "ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن " ووﺟﮭﺘﮫ دﻣﺸﻖ.
وﻛﺎن ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ " اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ " ووﺟﮭﺘﮫ "وادى اﻷردن ".
أﻣﺎ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻓﻜﺎن ﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ " أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ اﻟﺠﺮاح" ووﺟﮭﺘﮫ "ﺣﻤﺺ".
ﻟﻤﺎ اﻧﺘﮭﻰ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺔ اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ،ﻗﺮر ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻘﻮﺗﯿﻦ اﻟﻌﻈﻤﯿﯿﻦ آﻧﺬاك ،وﻓﻜﺮ ﻓﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ إﺣﺪاھﻤﺎ ،وﺑﻌﺚ
ﻋﺪدًا ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ﻟﻤﻨﺎورة اﻟﻘﻮى اﻷﺧﺮى ،ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻜﻮن ھﻨﺎك ﻓﺮﺻﺔ ﻟﮭﻤﺎ أن ﯾﺠﺘﻤﻌﺎ ﺿﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﻛﺎن اﻟﻔﺮس ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ﺑﻌﺪاﺋﮭﻢ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻟﻺﺳﻼم ،وﻗﺪ ﻇﮭﺮ ھﺬا ﻣﻦ ﺧﻼل ﺑﻌﺾ اﻷﻋﻤﺎل ،ﻛﻤﺴﺎﻧﺪﺗﮭﻢ ﻟﻠﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ،وإﻣﺪاد ﻛﻞ ﻣﻦ ادﻋﻰ
اﻟﻨﺒﻮة ﻓﻰ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﺑﻞ ﺣﺎوﻟﻮا اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ،وﻟﺬا ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺠﺎب أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻟﻄﻠﺐ اﻟﻤﺜﻨﻰ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ﻟﻠﺘﺤﺮش ﺑﺎﻟﻔﺮس ،ﺑﻞ
أﻣﺮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ أن ﯾﺴﺎﻋﺪ اﻟﻤﺜﻨﻰ ،وذﻟﻚ ﺑﺎﻹرﺳﺎل إﻟﯿﮫ ﺑﻌﺪ اﻧﺘ ﮭﺎء ﺧﺎﻟﺪ ﻣﻦ ﺣﺮب أھﻞ اﻟﻌﺮاق ،وﺷﻌﺮ اﻟﻔﺮس ﺑﻘﻮة
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺬى ﺻﻨﻌﮫ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﺒﻌﺾ اﻷراﺿﻰ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﺘﻠﻮﻧﮭﺎ.
أﻣﺎ اﻟﻘﻮى اﻟﺮوﻣﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺑﻌﺚ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﯾﺮاﺑﻂ ﺑﻘﻮاﺗﮫ ﻗﺮب ﻣﻨﺎﻃﻖ ﯾﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺮوم واﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﺘﻰ
ﺗﻌﺘﻨﻖ اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺔ وﺗﺤﺎﻟﻒ اﻟﺮوم ،ﺛﻢ أرﺳﻞ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺠﯿﻮش ﺑﻘﻮادھﺎ اﻷرﺑﻌﺔ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،وﻗﺪ أدرك اﻟﺮوم ﻣﺎ ﯾﺮﻣﻰ إﻟﯿﮫ ﺧﻠﯿﻔﺔ
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺪوا ﻟﺤﺮب آﺗﯿﺔ ﻻﺑﺪ ﻣﻨﮭﺎ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺑﻞ ﻧﻘﻞ ھﺮﻗﻞ ﻣﻘﺮ اﻟﻘﯿﺎدة إﻟﻰ ﺣﻤﺺ ﻟﯿﻜﻮن أﻗﺮب ﻣﻦ ﻣﯿﺪان اﻟﻘﺘﺎل ،وﻟﻤﺎ رأى
اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ذﻟﻚ ،ﻃﻠﺒﻮا ﻣﻦ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ أن ﯾﺮﺳﻞ إﻟﯿﮭﻢ ﺑﺎﻟﻤﺪد ،ﻓﺄرﺳﻞ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ إﻟﻰ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ أن ﯾﺘﺤﺮك ﺑﻤﻦ ﻣﻌﮫ ﻓﻰ ﻧﺠﺪ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم،
وﻻﺳﯿﻤﺎ أن اﻟﻔﺮس ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ ،ورﺣﻞ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻤﻦ ﻣﻌﮫ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ،ﺣﯿﺚ ﺟﺮت ﻣﻌﺮﻛﺔ اﻟﯿﺮﻣﻮك ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺮوم،
واﺣﺘﺸﺪت اﻟﻘﻮات ﻟﻠﻤﻮاﺟﮭﺔ ،وﻗﺒﻞ اﻟﺒﺪء ﻓﻰ اﻟﻘﺘﺎل ﻛﺎن أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻗﺪ ﺗﻮﻓﻰ ورﺣﻞ إﻟﻰ اﻟﺮﻓﯿﻖ اﻷﻋﻠﻰ وﺗﻮﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﮫ ﻋﻤﺮ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺠﯿﺶ
اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ ،وﺗﺠﮭﺰ ﺟﯿﺶ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﻠﻘﺎء اﻟﺮوم.
اﺳﺘﻌﺪ ﺟﯿﺶ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﻠﻘﺎء ،ﻓﻜﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﯿﻤﻨﺔ اﻟﺠﯿﺶ إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،وﻋﻠﻰ اﻟﻤﯿﺴﺮة ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮب ﻗﺮب ﻧﮭﺮ اﻟﯿﺮﻣﻮك
ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﺑﻦ ﺣﺮب ،وﻛﺎن أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﺑﻦ اﻟﺠﺮاح ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ.
وﺧﺮج اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻋﻠﻰ راﯾﺎﺗﮭﻢ ،ﻓﻜﺎن ﻋﻠﻰ راﯾﺔ اﻟﻤﯿﻤﻨﺔ ﻣﻌﺎذ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ ،-وﻋﻠﻰ راﯾﺔ اﻟﻤﯿﺴﺮة ﻧﻔﺎﺛﺔ ﺑﻦ أﺳﺎﻣﺔ اﻟﻜﻨﺎﻧﻰ،
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﺟّﺎﻟﺔ ھﺎﺷﻢ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ اﻟﻌﺎص ،وﻋﻠﻰ اﻟﺨﯿّﺎﻟﺔ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ،وھﻮ اﻟﻤﺸﯿﺮ ﻓﻰ اﻟﺤﺮب اﻟﺬى ﯾﺼﺪر اﻟﻨﺎس ﻛﻠﮭﻢ ﻋﻦ
رأﯾﮫ ،وﻟﻤﺎ أﻗﺒﻠﺖ اﻟﺮوم ﺑﺄﻋﺪادھﺎ وﻋﺘﺎدھﺎ وﻗﺪ ﺳﺪت اﻷﻓﻖ ،ورھﺒﺎﻧﮭﻢ ﯾﺘﻠﻮن اﻷﻧﺎﺟﯿﻞ ﯾﺒﺎرﻛﻮن ﺻﻔﮭﻢ .وأﺛﻨﺎء ذﻟﻚ ،ﺗﺤﺮك ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ
اﻟﻮﻟﯿﺪ إﻟﻰ أﺑﻰ ﻋﺒﯿﺪة ،وﻗﺎل ﻟﮫ :إﻧﻰ ﻣﺸﯿﺮ ﺑﺄﻣﺮ .ﻓﻘﺎل أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة :ﻗﻞ ﻣﺎ أﻣﺮك اﷲ أﺳﻤﻊ ﻟﻚ وأﻃﯿﻊ .ﻓﻘﺎل ﺧﺎﻟﺪ :إن ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻻﺑﺪ ﻟﮭﻢ
ﻣﻦ ﺣﻤﻠﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻻ ﻣﺤﯿﺪ ﻟﮭﻢ ﻋﻨﮭﺎ ،وإﻧﻰ أﺧﺸﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﯿﻤﻨﺔ واﻟﻤﯿﺴﺮة ،وﻗﺪ رأﯾﺖ أن أﻓﺮق اﻟﺨﯿﻞ ﻓﺮﻗﺘﯿﻦ ،وأﺟﻌﻠﮭﺎ وراء اﻟﻤﯿﻤﻨﺔ
واﻟﻤﯿﺴﺮة ﺣﺘﻰ إذا ﺻﺪوھﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻟﮭﻢ ردءًا ،ﻓﻨﺄﺗﯿﮭﻢ ﻣﻦ وراﺋﮭﻢ ،وﺟﻌﻞ ﻗﯿﺲ ﺑﻦ ھﺒﯿﺮة ﻓﻰ اﻟﺨﯿﻞ اﻷﺧﺮى ،وأﻣﺮ أﺑﺎ ﻋﺒﯿﺪة أن ﯾﺘﺄﺧﺮ
ﻋﻦ اﻟﻘﻠﺐ إﻟﻰ وراء اﻟﺠﯿﺶ ﻛﻠﮫ ،ﺣﺘﻰ إذا ﻓﺮ أﺣﺪ رآه ،ﻓﯿﺴﺘﺤﻰ ﻣﻨﮫ ،ورﺟﻊ ﯾﻘﺎﺗﻞ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﺠﻌﻞ أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﻣﻜﺎﻧﮫ ﻓﻰ اﻟﻘﻠﺐ ﺳﻌﯿﺪ
اﺑﻦ زﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو أﺣﺪ اﻟﻌﺸﺮة اﻟﻤﺒﺸﺮﯾﻦ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ،واﺑﻦ ﻋﻢ ﻋﻤﺮ ،وزوج أﺧﺘﮫ ،وﺳﺎق ﺧﺎﻟﺪ اﻟﻨﺴﺎء وراء اﻟﺠﯿﺶ ،وﻣﻌﮭﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ
اﻟﺴﯿﻮف ،وﻗﺎل ﻟﮭﻦ :ﻣﻦ رأﯾﺘﻨﮫ ھﺎرﺑًﺎ ،ﻓﺎﻗﺘﻠﻨﮫ .ﺛﻢ رﺟﻊ إﻟﻰ ﻣﻮﻗﻔﮫ ﻣﻦ اﻟﺠﯿﺶ.
وﻟﻤﺎ ﺑﺮز اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ،ﻗﺎم ﻋﺪد ﻣﻦ أﻋﻼم اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﻌﻈﻮن اﻟﺠﯿﺶ وﯾﺬﻛﺮون اﻟﻨﺎس ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺠﮭﺎد ،واﻟﺜﻮاب ﻋﻨﺪ اﷲ ﯾﻮم اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ ،ﻓﻘﺎم أﺑﻮ
ﻋﺒﯿﺪة ووﻋﻆ اﻟﻨﺎس ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎم ﻣﻌﺎذ ﺑﻦ ﺟﺒﻞ وﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،وأﺑﻮ ﺳﻔﯿﺎن ﺑﻦ ﺣﺮب وأﺑﻮ ھﺮﯾﺮة -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮭﻢ.-
وﻟﻤﺎ ﺗﻘﺎرب اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ،ﺗﻘﺪم أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة وﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن وﻣﻌﮭﻤﺎ ﺿﺮار ﺑﻦ اﻷزور واﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ھﺸﺎم وأﺑﻮ ﺟﻨﺪل ﺑﻦ ﺳﮭﯿﻞ اﺑﻦ
ﻋﻤﺮو ،وﻧﺎدوا :إﻧﻤﺎ ﻧﺮﯾﺪ أﻣﯿﺮﻛﻢ ﻟﻨﺠﺘﻤﻊ ﻟﮫ .ﻓﻠﻤﺎ ذھﺒﻮا إﻟﻰ )ﺗﺬارق( أراد أن ﯾﺠﻠﺴﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺮش ﻣﻦ ﺣﺮﯾﺮ ﻓﺮﻓﻀﻮا ،وﺟﻠﺲ ھﻮ ﻣﻌﮭﻢ
ﺣﯿﺚ ﺷﺎء وا ،ﻓﻌﺮﺿﻮا ﻋﻠﯿﮫ إﻣﺎ اﻹﺳﻼم وإﻣﺎ اﻟﺠﺰﯾﺔ وإﻣﺎ اﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮوم آﺛﺮوا اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﺠﺰﯾﺔ.
ﺛﻢ ﻃﻠﺐ ﻣﺎھﺎن ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﻟﯿﺒﺮز ﻟﮫ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺼﻔﯿﻦ ،ﻓﻘﺎل ﻣﺎھﺎن :إﻧﺎ ﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ أن ﻣﺎ أﺧﺮﺟﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﻼدﻛﻢ إﻻ اﻟﺠﮭﺪ واﻟﺠﻮع،
ﻓﮭﻠﻤﻮا إﻟﻰ أن أﻋﻄﻰ ﻛﻞ رﺟﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﻋﺸﺮة دﻧﺎﻧﯿﺮ وﻛﺴﻮة وﻃﻌﺎﻣًﺎ وﺗﺮﺟﻌﻮن إﻟﻰ ﺑﻼدﻛﻢ ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺎم اﻟﻤﻘﺒﻞ ﺑﻌﺜﻨﺎ ﻟﻜﻢ ﺑﻤﺜﻠﮭﺎ .ﻓﺮد
ﻋﻠﯿﮫ ﺧﺎﻟﺪ ﻗﺎﺋﻼ :إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺨﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻼدﻧﺎ ﻣﺎ ذﻛﺮت ،ﻏﯿﺮ أﻧﱠﺎ ﻗﻮم ﻧﺸﺮب اﻟﺪﻣﺎء ،وأﻧﮫ ﺑﻠﻐﻨﺎ أﻧﮫ ﻻ دم أﻃﯿﺐ ﻣﻦ دم اﻟﺮوم ،ﻓﺠﺌﻨﺎ ﻟﺬﻟﻚ.
٦
ﻓﻘﺎل أﺻﺤﺎب ﻣﺎھﺎن :ھﺬا واﷲ ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺤﺪث ﺑﮫ ﻋﻦ اﻟﻌﺮب.
وﺗﻘﺪم ﺧﺎﻟﺪ إﻟﻰ ﻋﻜﺮﻣﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺟﮭﻞ واﻟﻘﻌﻘﺎع ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ،وھﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻰ اﻟﻘﻠﺐ ،وأﻣﺮھﻤﺎ ﺑﺒﺪء اﻟﻘﺘﺎل ،وھﻜﺬا ﺑﺪأت اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،وﻛﺎن
ذﻟﻚ ﻓﻰ أواﺋﻞ رﺟﺐ ﻋﺎم ) ١٣ھـ( ،وﺣﻤﻠﺖ ﻣﯿﺴﺮة اﻟﺮوم ﻋﻠﻰ ﻣﯿﻤﻨﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﻤﺎﻟﻮا إﻟﻰ ﺟﮭﺔ اﻟﻘﻠﺐ ،ﺛﻢ ﺗﻨﺎدى اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﺘﺮاﺟﻌﻮا،
وﺣﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺮوم وردت اﻟﻨﺴﺎء ﻣﻦ ﻓﺮ ،ﺛﻢ ﻧﺎدى ﻋﻜﺮﻣﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺟﮭﻞ ﻗﺎﺋﻼ :ﻗﺎﺗﻠﺖ رﺳﻮل اﷲ ) ﻓﻰ ﻣﻮاﻃﻦ ،وأﻓﺮ ﻣﻨﻜﻢ اﻟﯿﻮم ! وﺑﺎﯾﻌﮫ
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮت ،وﺻﻞ ﻋﺪدھﻢ إﻟﻰ ٤٠٠رﺟﻞ ،وﻗﺎﺗﻠﻮا أﻣﺎم ﻓﺴﻄﺎط ﺧﺎﻟﺪ ،ﻓﺠﺮﺣﻮا ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،وﻣﺎت ﺑﻌﻀﮭﻢ ،ﺛﻢ ﺣﻤﻞ
ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮ ﻟﯿﺪ ﺑﺎﻟﺨﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﯿﺴﺮة اﻟﺮوم اﻟﺘﻰ ﺣﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﯿﻤﻨﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺄزاﻟﻮھﻢ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﺐ ،وﻗﺘﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻰ ﺣﻤﻠﺘﮭﻢ ھﺬه
٦٠٠٠ﻣﻦ اﻟﺮوم ،ﺛﻢ ﺣﻤﻞ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻤﺎﺋﺔ ﻓﺎرس ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﺮب ﻣﻦ ١٠٠٠٠٠ﻣﻦ اﻟﺮوم ،ﻓﺎﻧﮭﺰم اﻟﺮوم أﻣﺎﻣﮭﻢ ﺑﺈذن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻟﻤﺎ ﻋﺎد
اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﺣﻤﻠﺘﮭﻢ ﺟﺎء ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺮﯾﺪ إﻟﻰ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻮﻓﺎة أﺑﻰ ﺑﻜﺮ وﺗﻮﻟﯿﺔ ﻋﻤﺮ ،وﻛﺘﺐ إﻟﯿﮫ ﺑﻌﺰﻟﮫ ﻋﻦ ﻗﯿﺎدة اﻟﺠﯿﺶ وﺗﻮﻟﯿﺔ أﺑﻰ ﻋﺒﯿﺪة،
وﻛﺎن ﯾﻜﻠﻤﮫ ﺳﺮّا ،ﻓﻘﺎل ﻟﮫ ﺧﺎﻟﺪ :أﺣﺴﻨﺖ .وأﺧﻔﻰ اﻟﺨﺒﺮ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺤﺪث زﻋﺰﻋﺔ ﻓﻰ ﺻﻔﻮف اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻘﺘﺎل ﻋﻠﻰ أﺷﺪه ﺑﯿﻦ ﺟﯿﺶ اﻹﺳﻼم وﺟﯿﺶ اﻟﺮوم ،ﺧﺮج "ﺟﺮﺟﺔ" -أﺣﺪ أﻣﺮاء اﻟﺮوم اﻟﻜﺒﺎر -ﻣﻦ اﻟﺼﻒ ،واﺳﺘﺪﻋﻰ ﺧﺎﻟﺪ
ﺤ ّﺮ ﻻ ﯾﻜﺬب ،وﻻﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ،ﻓﺠﺎء إﻟﯿﮫ ﺣﺘﻰ اﺧﺘﻠﻔﺖ أﻋﻨﺎق ﻓﺮﺳﯿﮭﻤﺎ ،ﻓﻘﺎل ﺟﺮﺟﺔ :ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ ،أﺧﺒﺮﻧﻰ ﻓﺎﺻﺪﻗﻨﻰ وﻻ ﺗﻜﺬﺑﻨﻰ ،ﻓﺈن اﻟ ُ
ﺗﺨﺎدﻋﻨﻰ ،ﻓﺈن اﻟﻜﺮﯾﻢ ﻻ ﯾﺨﺎدع ،ھﻞ أﻧﺰل اﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﯿﻜﻢ ﺳﯿﻔًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﺄﻋﻄﺎه ﻟﻚ ،ﻓﻼ ﺗﺴﻠﱠﮫ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ إﻻ ھﺰﻣﺘﮫ؟
ﻗﺎل :ﻻ ! ﻗﺎل :ﻓﺒﻢ ﺳﻤﯿﺖ ﺳﯿﻒ اﷲ؟ ﻗﺎل :إن اﷲ ﺑﻌﺚ ﻓﯿﻨﺎ ﻧﺒﯿّﺎ ،ﻓﺪﻋﺎﻧﺎ ،ﻓﻨﻔﺮﻧﺎ ﻣﻨﮫ ،وﻧﺄﯾﻨﺎ ﻋﻨﮫ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،ﺛﻢ إن ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺻﺪﻗﮫ وﺗﺎﺑﻌﮫ،
وﺑﻌﻀﻨﺎ ﻛﺬﺑﮫ وﺑﺎﻋﺪه ،ﺛﻢ إن اﷲ أﺧﺬ ﺑﻘﻠﻮﺑﻨﺎ وﻧﻮاﺻﯿﻨﺎ ﻓﮭﺪاﻧﺎ ﺑﮫ وﺑﺎﯾﻌﻨﺎه ،ﻓﻘﺎل ﻟﻰ" :أﻧﺖ ﺳﯿﻒ ﻣﻦ ﺳﯿﻮف اﷲ ﺳﻠﮫ اﷲ ﻋﻠﻰ
اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ" ،ودﻋﺎ ﻟﻰ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ،ﻓﺴﻤﯿﺖ ﺳﯿﻒ اﷲ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﻣﻦ أﺷﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ.
ﻓﻘﺎل ﺟﺮﺟﺔ :ﯾﺎ ﺧﺎﻟﺪ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺪﻋﻮن؟
ﻗﺎل :ﺷﮭﺎدة أن ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ ،وأن ﻣﺤﻤﺪًا ﻋﺒﺪه ورﺳﻮﻟﮫ ،واﻹﻗﺮار ﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﮫ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ -ﻋﺰ وﺟﻞ.-
ﻗﺎل :ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﺠﺒﻜﻢ؟
ﻗﺎل :ﻓﺎﻟﺠﺰﯾﺔ وﻧﻤﻨﻌﮭﻢ )ﻧﺤﻤﯿﮭﻢ(.
ﻗﺎل :ﻓﺈن ﻟﻢ ﯾﻌﻄﮭﺎ؟
ﻗﺎل :ﻧﺆذﻧﮫ ﺑﺎﻟﺤﺮب ﺛﻢ ﻧﻘﺎﺗﻠﮫ.
ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻣﻦ ﯾﺠﯿﺒﻜﻢ وﯾﺪﺧﻞ ﻓﻰ ھﺬا اﻷﻣﺮ اﻟﯿﻮم؟
ﻗﺎل :ﻣﻨﺰﻟﺘﮫ واﺣﺪة ،ﻓﯿﻤﺎ اﻓﺘﺮض اﷲ ﻋﻠﯿﻨﺎ ،ﺷﺮﯾﻔﻨﺎ ووﺿﯿﻌﻨﺎ وأوﻟﻨﺎ وآﺧﺮﻧﺎ.
ﻗﺎل ﺟﺮﺟﺔ :ﻓﻠﻤﻦ دﺧﻞ ﻓﯿﻜﻢ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ اﻷﺟﺮ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻟﻜﻢ؟
ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ وأﻓﻀﻞ.
ﻗﺎل :وﻛﯿﻒ ﯾﺴﺎوﯾﻜﻢ وﻗﺪ ﺳﺒ ﻘﺘﻤﻮه؟
ﻓﻘﺎل ﺧﺎﻟﺪ :ﻟﻘﺪ ﻗﺒﻠﻨﺎ ھﺬا اﻷﻣﺮ ،وﺑﺎﯾﻌﻨﺎ ﻧﺒﯿﻨﺎ وھﻮ ﺣﻰ ﺑﯿﻦ أﻇﮭﺮﻧﺎ ،ﺗﺄﺗﯿﮫ أﺧﺒﺎر اﻟﺴﻤﺎء وﯾﺨﺒﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ،وﯾﺮﯾﻨﺎ اﻵﯾﺎت ،وﺣﻖ ﻟﻤﻦ رأى
ﻣﺎ رأﯾﻨﺎ وﺳﻤﻊ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ أن ﯾﺴﻠﻢ وﯾﺒﺎﯾﻊ ،وإﻧﻜﻢ أﻧﺘﻢ ﻟﻢ ﺗﺮوا ﻣﺎ رأﯾﻨﺎ ،وﻟﻢ ﺗﺴﻤﻌﻮا ﻣﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ واﻟﺤﺠﺞ ،ﻓﻤﻦ دﺧﻞ ﻓﻰ ھﺬا
اﻷﻣﺮ ﺑﺤﻘﯿﻘﺔ دﯾﻨﮫ ﻛﺎن أﻓﻀﻞ ﻣﻨﺎ.
ﻓﻘﺎل ﺟﺮﺟﺔ :ﺑﺎﷲ ﻟﻘﺪ ﺻﺪﻗﺘﻨﻰ وﻟﻢ ﺗﺨﺎدﻋﻨﻰ؟
ن اﷲ وﻟﻰّ ﻣﺎ ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻨﮫ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم. ﻗﺎل :ﺗﺎﷲ ﻟﻘﺪ ﺻﺪﻗﺘﻚ ،وإ ﱠ
ودﺧﻞ ﺟﺮﺟﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﺄﺧﺬه ﺧﺎﻟﺪ إﻟﻰ ﺧﯿﻤﺘﮫ ،وﺻﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻗﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء ،ﺛﻢ ﺻﻠﻰ ﺑﮫ رﻛﻌﺘﯿﻦ ورﺟﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﯾﻀﺮﺑﺎن ﺑﺴﯿﻔﯿﮭﻤﺎ
ﻣﻦ ﺑﺪ ء ارﺗﻔﺎع اﻟﻨﮭﺎر ﺣﺘﻰ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ ،وأﺻﯿﺐ ﺟﺮﺟﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ ،ﻓﻤﺎت ﺷﮭﯿﺪًا ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺻﻠﻰ ﷲ -ﻋﺰ وﺟﻞ -ﻏﯿﺮ ھﺎﺗﯿﻦ
اﻟﺮﻛﻌﺘﯿﻦ ﻣﻊ ﺧﺎﻟﺪ .ﺑﻌﺪ أن ﻓﺮ اﻟﺮوم ﻟﯿﻼ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻮﺻﺔ.
وﺗﻢ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻤﺒﺎرك ،واﻧﮭﺰﻣﺖ اﻟﺮوم ھﺰﯾﻤﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ،ﻋﻠﻢ ﺑﮭﺎ ھﺮﻗﻞ ،وارﺗﺤﻞ ﻣﻦ ﺣﻤﺺ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن رﺟﺎﻻ ﻻ ﯾﺜﺒﺖ ﻟﮭﻢ اﻟﻌﺪو رﻏﻢ ﻗﻠﺘﮭﻢ ،وﻟﻘﺪ اﻧﮭﺎر ھﺮﻗﻞ وھﻮ ﯾﺮى ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﺮوم رﻏﻢ ﻛﺜﺮﺗﮭﻢ ،ﻓﻘﺎل ﻟﻘﻮاده :وﯾﻠﻜﻢ
أﺧﺒﺮوﻧﻰ ﻋﻦ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﺎﺗﻠﻮﻧﻚ أﻟﯿﺴﻮا ﺑﺸﺮًا ﻣﺜﻠﻜﻢ؟
ﻗﺎﻟﻮا :ﺑﻠﻰ.
ﻗﺎل :ﻓﺄﻧﺘﻢ أﻛﺜﺮ أم ھﻢ؟
ﻗﺎﻟﻮا :ﺑﻞ ﻧﺤﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﮭﻢ أﺿﻌﺎﻓًﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻮﻃﻦ.
ﻗﺎل :ﻓﻤﺎ ﺑﺎﻟﻜﻢ ﺗﻨﮭﺰﻣﻮن؟
ﻓﻘﺎل ﺷﯿﺦ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺎﺋﮭﻢ :ﻣﻦ أﺟﻞ أﻧﮭﻢ ﯾﻘﻮﻣﻮن اﻟﻠﯿﻞ ،وﯾﺼﻮﻣﻮن اﻟﻨﮭﺎر ،وﯾﻮﻓﻮن ﺑﺎﻟﻌﮭﺪ ،وﯾﺄﻣﺮون ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف ،وﯾﻨﮭﻮن ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ،
وﯾﺘﻨﺎﺻﻔﻮن ﺑﯿﻨﮭﻢ.
وﻣﻦ أﺟﻞ أﻧﺎ ﻧﺸﺮب اﻟﺨﻤﺮ وﻧﺰﻧﻰ ،وﻧﺮﻛﺐ اﻟﺤﺮام وﻧﻨﻘﺾ اﻟﻌﮭﺪ ،وﻧﻐﻀﺐ وﻧﻈﻠﻢ وﻧﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺴﺨﻂ ،وﻧﻨﮭﻰ ﻋﻤﺎ ﯾﺮﺿﻰ اﷲ ،وﻧﻔﺴﺪ ﻓﻰ
اﻷرض.
ﻓﻘﺎل ھﺮﻗﻞ :أﻧﺖ ﺻﺪﻗﺘﻨﻰ.
وﻛﺎن ﺗﻌﺪاد اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺘﻰ ﺳﯿﺮت إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﺳﺒﻌﺔ وﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻔًﺎ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ زﯾﺪت ﺑﻮﺻﻮل ﺟﯿﺶ ﺧﺎﻟﺪ إﻟﻰ ﺳﺘﺔ وﺛﻼﺛﯿﻦ.
وﻛﺎن ﺟﯿﺶ اﻟﺮوم ﯾﻘﺎرب اﻟﻤﺎﺋﺘﯿﻦ وأرﺑﻌﯿﻦ أﻟﻔًﺎ ،وﻟﻜﻦ اﷲ ﻧﺼﺮ ﻋﺒﺎده رﻏﻢ ﻗﻠﺔ ﻋﺪدھﻢ ،ﺑﺴﺒﺐ إﯾﻤﺎﻧﮭﻢ وﻗﻮة ﻋﻘﯿﺪﺗﮭﻢ.
ﻛﺎن ﻋﮭﺪ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ اﻣﺘﺪادًا ﻟﻌﺼﺮ اﻟﻨﺒﻰ ) ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ إﻻ ﻣﺘﺒﻌًﺎ وﻣﻨﻔﺬًا ﻟﻜﻞ ﻣﺎ أﺷﺎر ﺑﮫ اﻟﺮﺳﻮل ) أو أﻣﺮ ﺑﮫ ،ﻟﻢ ﯾﺒﺘﺪع أﺑﻮ ﺑﻜﺮ -رﺿﻰ اﷲ
ﻋﻨﮫ -ﺷﯿﺌًﺎ ﯾﺨﺎﻟﻒ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ رﺳﻮل اﷲ ) ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻰء ﯾﺴﯿﺮ وﻓﻘًﺎ ﻟﺸﺮﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼم ،واﻧﺸﻐﻞ اﻟﻨﺎس ﻓﻰ ﻓﺘﺮة ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺑﻘﺘﺎل
اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ واﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
وﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻓﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ إﻻ ﻣﻦ اﺳﺘﺒﻘﺎھﻢ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﻟﺤﻤﺎﯾﺘﮭﺎ ،وﻻﺳﺘﺸﺎرﺗﮭﻢ وﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺮأى ﻣﻌﮭﻢ ،وﻋﻠﻰ رأس ھﺆﻻء :ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب،
وﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ،وﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ،واﻟﺰﺑﯿﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮام ،وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻋﻮف ،وﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ وﻗﺎص.
٧
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ وﻣﺮﻛﺰ اﻟﺤﻜﻢ وﻣﻘﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
ﻗﺴﻢ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ إﻟﻰ وﻻﯾﺎت ﺟﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻨﮭﺎ أﻣﯿﺮًا ،ﯾﺆم اﻟﻨﺎس ﻓﻰ اﻟﺼﻼة ،وﯾﻔﺼﻞ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ ،وﯾﻘﯿﻢ اﻟﺤﺪود؛
ﻓﻜﺎن ﻋﻠﻰ "ﻣﻜﺔ" ﻋﺘﺎب ﺑﻦ أﺳﯿﺪ ،وﻋﻠﻰ ﺻﻨﻌﺎء اﻟﻤﮭﺎﺟﺮ ﺑﻦ أﻣﯿﺔ ،وﻋﻠﻰ ﻋﻤﺎن واﻟﺒﺤﺮﯾﻦ اﻟﻌﻼء ﺑﻦ اﻟﺤﻀﺮﻣﻰ.
وﻗﺪ اﺗﺨﺬ اﻟﺼﺪﯾﻖ ﻋﻤﺮ ﻗﺎﺿﯿًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﺟﻌﻞ أﺑﺎ ﻋﺒﯿﺪة أﻣﯿﻨًﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺖ ﻣﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺘﺮة ﺣﻜﻤﮫ ﻗﺼﯿﺮة ،ﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﻓﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻘﺪ واﺟﮫ أﺣﺮج اﻟﻤﻮاﻗﻒ ،ورﺑﻤﺎ وﻗﻒ وﺣﺪه ﻋﻨﺪ إﺻﺮاره ﻋﻠﻰ
ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﻤﺮﺗﺪﯾﻦ ﻓﻰ وﻗﺖ اﺗﺠﮫ ﻓﯿﮫ ﺑﺎﻗﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﻟﻤﺔ ،ﻗﺎﺋﻠﯿﻦ :ﻛﯿﻒ ﻧﺤﺎرب اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻛﻠﮭﺎ؟ ! ﻟﻜﻨﮫ ﺑﺈﯾﻤﺎﻧﮫ وﯾﻘﯿﻨﮫ
وﺻﺪﻗﮫ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺿﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻟﻰ رأﯾﮫ ،ﺛﻢ ﺳﺎر ﺑﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﯾﺪكّ ﺻﺮوح اﻟﺸﺮك ،وﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻜﻮك واﻷوھﺎم !
وﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ھﺬا ،ﺑﻞ راح ﯾﺤﻄﻢ ﻗﺼﻮر ﻛﺴﺮى وﻗﯿﺼﺮ.
رﺣﻢ اﷲ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻟﻘﺪ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﯿﮫ ﻛﻞ اﻟﻤﻌﺎﻧﻰ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﺮاﺋﻌﺔ.
اﺳﺘﺸﮭﺪ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺣﻔﻈﺔ اﻟﻘﺮآن وﻗﺮاﺋﮫ ﻓﻰ ﺣﺮوب اﻟﺮدة ،وھﻨﺎ أﺷﺎر ﻋﻤﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻋﻠﻰ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ ﺑﻀﺮورة ﺟﻤﻊ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ
؛ ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﻣﻜﺘﻮﺑًﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻌﻒ اﻟﻨﺨﯿﻞ ،وﻗﻄﻊ اﻟﺠﻠﺪ ،وأﻟﻮاح ﻋﻈﺎم اﻹﺑﻞ ،ﻓﺄﻣﺮ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ زﯾﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ وﻣﻌﮫ ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﺑﺘﻮﻟﻰ ھﺬه
اﻟﻤﮭﻤﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ.
وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺪوﯾﻦ اﻟﻘﺮآن ﻛﻠﮫ ﻓﻰ دﻗﺔ ﻣﺘﻨﺎھﯿﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮﺗﯿﺐ اﻟﺬى أﻣﺮ ﺑﮫ رﺳﻮل اﷲ ) ،ودون أى ﺗﻐﯿﯿﺮ ،وﺳﻤﻮه ﻣﺼﺤﻔًﺎ.
إن اﻟﻘﺮآن ھﻮ دﺳﺘﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻗﺪ ﺗﻌﮭﺪ اﷲ ﺑﺤﻔﻈﮫ ،وﻛﺎن أﺑﻮ ﺑﻜﺮ أول ﻣﻦ أﺳﮭﻢ ﻓﻰ ھﺬا اﻟﺤﻔﻆ رﺣﻤﮫ اﷲ.
وﻓﻰ ھﺬا اﻟﻌﺎم ) ١٣ھـ٦٣٥/م( ،ﻣﺮض أﺑﻮ ﺑﻜﺮ ،وﻇﻞ اﻟﻤﺮض ﻣﻼزﻣًﺎ إﯾﺎه ﻃﯿﻠﺔ ﺷﮭﺮ ،ﺛﻢ ﻋﮭﺪ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﻌﺪ أن
وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻟﻘﻰ رﺑﮫ راﺿﯿًﺎ ﻣﺮﺿﯿﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ وﻻﯾﺘﮫ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﺳﻨﺘﯿﻦ وﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ وﻋﺸﺮة أﯾﺎم ،وﺻﻌﺪت روﺣﮫ إﻟﻰ اﻟﺮﻓﯿﻖ
اﻷﻋﻠﻰ وﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﺛﻼﺛﺔ وﺳﺘﻮن ﻋﺎﻣًﺎ.
ﺴﻠِﻤًﺎ وَأَ ْﻟﺤِ ْﻘﻨِﻲ ﺑِﺎﻟﺼﱠﺎﻟِﺤِﯿﻦ ]ﯾﻮﺳﻒ .[١٠١ :وﻟﻢ ﯾﺘﺮك ﺛﺮوة ﻃﺎﺋﻠﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺮك ذﻛﺮى ﻃﯿﺒﺔ .وﺣﺴﺒﮫ أﻧﮫ
وﻛﺎن آﺧﺮ ﻣﺎ ﺗﻜﻠﻢ ﺑﮫ ):ﺗَﻮَﻓﱠﻨِﻲ ﻣُ ْ
ﺟﻤﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ووﺣّﺪ ﻛﻠﻤﺘﮭﻢ ،وأﻣﱠﻦ ﺣﺪود اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻟﻘﱠﻦ اﻷﻋﺪاء درﺳًﺎ ﻻ ﯾُﻨﺴﻰ.
رﺣﻢ اﷲ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ،ﻟﻘﺪ ﻗﺎل ﻓﯿﮫ ﻋﻤﺮ ﯾﻮم أن ﺑﻮﯾﻊ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ :رﺣﻢ اﷲ أﺑﺎ ﺑﻜﺮ ،ﻟﻘﺪ أﺗﻌﺐ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه.
وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻤﺮ ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﻣﻦ أﺑﻰ ﺑﻜﺮ ،ﯾﻌﺎوﻧﮫ وﯾﺆازره ،وﯾﻤﺪه ﺑﺎﻟﺮأى واﻟﻤﺸﻮرة ،ﻓﮭﻮ اﻟﺼﺎﺣﺐ وھﻮ اﻟﻤﺸﯿﺮ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺮض أﺑﻮ ﺑﻜﺮ راح ﯾﻔﻜﺮ ﻓﯿﻤﻦ ﯾﻌﮭﺪ إﻟﯿﮫ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ھﻨﺎك اﻟﻌﺸﺮة اﻟﻤﺒﺸﺮون ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ،اﻟﺬﯾﻦ ﻣﺎت اﻟﺮﺳﻮل ) وھﻮ ﻋﻨﮭﻢ
راضٍ.
وھﻨﺎك أھﻞ ﺑﺪر ،وﻛﻠﮭﻢ أﺧﯿﺎر أﺑﺮار ،ﻓﻤﻦ ذﻟﻚ اﻟﺬى ﯾﺨﺘﺎره ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ؟ إن اﻟﻈﺮوف اﻟﺘﻰ ﺗﻤﺮ ﺑﮭﺎ اﻟﺒﻼد ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﻔﺮﻗﺔ
واﻟﺸﻘﺎق؛ ﻓﮭﻨﺎك ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود ﺗﺪور ﻣﻌﺎرك رھﯿﺒﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﻔﺮس ،وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺮوم .واﻟﺠﯿﻮش ﻓﻰ ﻣﯿﺪان اﻟﻘﺘﺎل ﺗﺤﺘﺎج
إﻟﻰ ﻣﺪد وﻋﻮن ﻣﺘﺼﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻻ ﯾﻜﻮن ذﻟﻚ إﻻ ﻓﻰ ﺟﻮ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮار!
إن اﻟﺠﯿﻮش ﻓﻰ أﻣﺲﱢ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺄﯾﯿﺪ ﺑﺎﻟﺮأى ،واﻹﻣﺪاد ﺑﺎﻟﺴﻼح ،واﻟﻌﻮن ﺑﺎﻟﻤﺎل واﻟﺮﺟﺎل ،واﻟﻤﻮت ﯾﻘﺘﺮب ،وﻻ وﻗﺖ ﻟﻼﻧﺘﻈﺎر ،وﻋﻤﺮ
ھﻮ ﻣﻦ ھﻮ ﻋﺪﻻ ورﺣﻤﺔ وﺣﺰﻣًﺎ وزھﺪًا وورﻋًﺎ.
إﻧﮫ ﻋﺒﻘﺮى ﻣﻮھﻮب ،وھﻮ ﻓﻮق ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺗﻤﻨﺎه رﺳﻮل اﷲ ﯾﻮم ﻗﺎل :اﻟﻠﮭﻢ أﻋﺰ اﻹﺳﻼم ﺑﺄﺣﺐ اﻟﺮﺟﻠﯿﻦ إﻟﯿﻚ ،ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب وأﺑﻰ
ﺟﮭﻞ ﺑﻦ ھﺸﺎم " ] اﻟﻄﺒﺮاﻧﻰ[ ،ﻓﻜﺎن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب .ﻓﻠِﻢَ ﻻ ﯾﺨﺘﺎره أﺑﻮ ﺑﻜﺮ واﻷﻣﺔ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﺜﻞ ﻋﻤﺮ؟ ! وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻷﻣﺔ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﻋﺪل
ﻋﻤﺮ ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﺘﮫ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﺳﺎرع اﻟﺼﺪﯾﻖ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﺑﺎﺳﺘﺸﺎرة أوﻟﻰ اﻟﺮأى ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻰ ﻋﻤﺮ ،ﻓﻤﺎ وﺟﺪ ﻓﯿﮭﻢ
ﻣﻦ ﯾﺮﻓﺾ ﻣﺒﺎﯾﻌﺘﮫ ،وﻛﺘﺐ ﻋﺜﻤﺎن -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻛﺘﺎب اﻟﻌﮭﺪ ،ﻓﻘﺮئ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺄﻗﺮوا ﺑﮫ وﺳﻤﻌﻮا ﻟﮫ وأﻃﺎﻋﻮا.
إﻧﮫ رﺟﻞ اﻟﻤﻠﻤﺎت واﻷزﻣﺎت ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن إﺳﻼﻣﮫ ﻓﺘﺤًﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺠﺮﺗﮫ ﻧﺼﺮًا ،ﻓﻠﺘﻜﻦ إﻣﺎرﺗﮫ رﺣﻤﺔ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ؛ ﻗﺎم اﻟﻔﺎروق ﻋﻤﺮ ﺑﺎﻷﻣﺮ
ﺧﯿﺮ ﻗﯿﺎم وأﺗﻤﮫ ،وﻛﺎن أول ﻣﻦ ﺳﻤﻰ ﺑﺄﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ.
وﺑﺪأت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﺗﺘﺴﻊ رﻗﻌﺘﮭﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﻘﺼﻮرة ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وﻣﺎ ﺣﻮﻟﮭﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺮى ،ﻟﻜﻨﮭﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻀ ﱡﻢ ﺷﺒﮫ
اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﺗﻤﺘﺪ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺪن ﻓﻰ اﻟﻌﺮاق واﻟﺸﺎم.
وھﺎ ھﻰ ذى اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﻮاﺻﻞ زﺣﻔﮭﺎ اﻟﻤﺒﺎرك ﻹﻋﻼء ﻛﻠﻤﺔ اﷲ ،وﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻧﺼﺮ إﻟﻰ ﻧﺼﺮ ،ھﻨﺎك ﺷﻌﻮب ﻣﻘﮭﻮرة ﻣﻈﻠﻮﻣﺔ
ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ اﻟﻔﺮس واﻟﺮوﻣﺎن ﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻣﻦ ﯾﺄﺧﺬ ﺑﺄﯾﺪﯾﮭﺎ ،وﯾﺨﻠﺼﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﮭﺮ واﻟﻈﻠﻢ.
وھﻨﺎك ﻓﻰ اﻟﻌﺮاق ،واﻟﺸﺎم ،وﻣﺼﺮ ،وﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،ﺷﻌﻮب ﺗﻌﺎﻧﻰ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﻄﻐﯿﺎن ،واﻵن راﺣﺖ ﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻏﺪ ﯾﺴﻮد ﻓﯿﮫ اﻟﻌﺪل
واﻷﻣﺎن .وﻋﻤﺮ اﻟﻌﺎدل ﺧﯿﺮ ﻣﻦ ﯾﺤﻤﻞ اﻟﺮاﯾﺔ ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻈﺮوف ،وﻛﺄﻧﻤﺎ أﻋﺪه اﻟﻨﺒﻰ ) ﻟﮭﺬا اﻟﯿﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد ﻓﮭﻮ ﻣﺜﺎل اﻟﻌﺪل واﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻰ
اﻹﺳﻼم !
ﻟﻘﺪ اﻗﺘﺮن اﺳﻢ ﻋﻤﺮ ﺑﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺮس ودوﻟﺔ اﻟﺮوم ،وﺳﻤﻰ ﻋﺼﺮه ﻋﺼﺮ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
ﻓﻰ اﻟﺒﺪء وﺟﮫ ﻋﻤﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -اھﺘﻤﺎﻣﮫ إﻟﻰ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ؛ ﻷﻧﮫ ﯾﺮﯾﺪ ﻟﮭﺎ أن ﺗﻨﺘﺼﺮ ،وﯾﺮﯾﺪ ﻟﻜﻠﻤﺔ اﷲ أن ﺗﻌﻠﻮ وﺗﻨﺘﺸﺮ،
وﯾﻮد أن ﯾﻜﻮن ﻣﻊ اﻟﺠﻨﻮد ﻓﻰ ﺻﻔﻮف اﻟﻘﺘﺎل ﻟﻮﻻ أن أھﻞ اﻟﺸﻮرى ﻧﺼﺤﻮا ﻟﮫ أن ﯾﺨﺘﺎر ﻣﻦ ﯾﻨﻮب ﻋﻨﮫ؛ ﻟﯿﻈﻞ ﺑﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺣﯿﺚ
ﺗﻘﺘﻀﻰ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺟﻮده.
٨
أﺻﺪر ﻋﻤﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -أواﻣﺮه ﺑﺘﻌﯿﯿﻦ أﺑﻰ ﻋﺒﯿﺪة ﺑﻦ اﻟﺠﺮاح ﻗﺎﺋﺪًا ﻋﺎﻣّﺎ ﻟﻠﻘﻮات اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﺸﺎم ،ﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬى أﻣﺮ
ﻓﯿﮫ ﺑﻌﺰل ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﻣﻦ إﻣﺎرة اﻟﺠﯿﺶ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻔﺘﺘﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﮫ.
وﻟﻘﺪ ﻗﺎﺑﻞ ﺧﺎﻟﺪ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ﻓﮭﻮ ﺟﻨﺪى ﻓﻰ ﺻﻔﻮف ﺟﯿﺶ اﻹﺳﻼم ،واﻟﺠﻨﺪﯾﺔ ﻃﺎﻋﺔ ،ﻓﻠﯿﻀﻌﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺣﯿﺚ ﯾﺸﺎء ،وﻣﺎ ﻋﻠﯿﮫ إﻻ أن
ﯾﻄﯿﻊ ،إن ﺧﺎﻟﺪًا ﻻ ﯾﮭﻤﮫ أن ﯾﻜﻮن ﻓﻰ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻘﯿﺎدة ،ﯾﻜﻔﯿﮫ أن ﯾﻜﻮن ﺟﻨﺪﯾﱠﺎ ﻓﻰ ﺻﻔﻮف اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﯾﺠﺎھﺪ ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ ،راﻓﻌًﺎ راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ،ﻓﺮاح
ﯾﺤﺎرب ﻓﻰ ﺟﻠﺪ وإﺧﻼص ﺗﺤﺖ إﻣﺮة اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺠﺪﯾﺪ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺮوم ﺣﻮل دﻣﺸﻖ ،ﻟﻘﺪ أﺣﺎط اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﺗﺤﺼﻦ اﻟﺮوم ﺑﮭﺎ ،وأﻏﻠﻘﻮا أﺑﻮاﺑﮭﺎ ،ﺧﺎﻟﺪ
ﺑﺠﻨﻮده ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب اﻟﺸﺮﻗﻰ ،وأﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﺠﺎﺑﯿﺔ )اﻟﺠﻮﻻن( ،وﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﻋﻠﻰ ﺑﺎب ﺗﻮﻣﺎ ،وﺷﺮﺣﺒﯿﻞ ﺑﻦ ﺣﺴﻨﺔ ﻋﻠﻰ
ﺑﺎب اﻟﻔﺮادﯾﺲ ،وﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب اﻟﺼﻐﯿﺮ ،ﻛﺎﻧﺖ دﻣﺸﻖ ﻣﻤﺘﻨﻌﺔ ﻏﺎﯾﺔ اﻻﻣﺘﻨﺎع ،وﻃﺎل ﺑﮭﺎ اﻟﺤﺼﺎر ،واﺷﺘﺪت اﻟﺤﺎل ﻋﻠﻰ
اﻟﺠﻤﯿﻊ ،وﻛﺎن أھﻞ دﻣﺸﻖ ﯾﺮﺳﻠﻮن إﻟﻰ ﻣﻠﻜﮭﻢ ھﺮﻗﻞ ﯾﻄﻠﺒﻮن ﻣﺪدًا ﻓﻼ ﯾﺼﻞ إﻟﯿﮭﻢ ﻟﻘﻮة ﺣﺼﺎر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﮭﺎ ،وھﻨﺎ ﻓﺸﻞ أھﻞ دﻣﺸﻖ
وﺿﻌُﻔﻮا وﻗَ ِﻮىَ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ،وﻗﺪّر اﷲ أن ُوﻟِﺪ ﻟﺒﻄﺮﯾﻖ دﻣﺸﻖ ﻣﻮﻟﻮد ﻓﻰ إﺣﺪى اﻟﻠﯿﺎﻟﻰ ،ﻓﺼﻨﻊ ﻟﻠﻨﺎس ﻃﻌﺎﻣًﺎ ،وﺳﻘﺎھﻢ ﺷﺮاﺑًﺎ ،وﺑﺎﺗﻮا
ﻋﻨﺪه ﻓﻰ وﻟﯿﻤﺘﮫ ﻗﺪ أﻛﻠﻮا وﺷﺮﺑﻮا وﺗﻌﺒﻮا ،ﻓﻨﺎﻣﻮا ﻋﻦ ﻣﻮاﻗﻌﮭﻢ واﺷﺘﻐﻠﻮا ﻋﻨﮭﺎ ،وﻓﻄﻦ ﻟﺬﻟﻚ ﺧﺎﻟﺪ وھﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب اﻟﺸﺮﻗﻰ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن
ﻗﺎﺋﺪًا ﯾﻘﻈًﺎ ﻻ ﺗﻔﻮﺗﮫ ﻓﺎﺋﺘﺔ ،ﻓﺄﻋﺪ ﺳﻼﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﺒﺎل ،وﺟﺎء ھﻮ وأﺻﺤﺎﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎدﯾﺪ اﻷﺑﻄﺎل ﻣﺜﻞ :اﻟﻘﻌﻘﺎع ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ،وﻣﺬﻋﻮر ﺑﻦ ﻋﺪى
وﻏﯿﺮھﻤﺎ ،وﻗﺪ أﺣﻀﺮ ﺟﯿﺸﮫ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎب ،وﻗﺎل ﻟﮭﻢ :إذا ﺳﻤﻌﺘﻢ ﺗﻜﺒﯿﺮﻧﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﺴﻮر ﻓﺎﺻﻌﺪوا إﻟﯿﻨﺎ .وﻗﺎم ھﻮ وأﺻﺤﺎﺑﮫ ﻓﻘﻄﻌﻮا اﻟﺨﻨﺪق
ﺳﺒﺎﺣﺔ ،وﻓﻰ أﻋﻨﺎﻗﮭﻢ ﺟﻌﺒﺔ اﻟﻨﺒﺎل ،ﻓﻨﺼﺒﻮا اﻟﺴﻼﻟﻢ وﺻﻌﺪوا ﻓﯿﮭﺎ وﻟﻤﺎ اﺳﺘﻨﺪوا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻮر رﻓﻌﻮا أﺻﻮاﺗﮭﻢ ﺑﺎﻟﺘﻜﺒﯿﺮ ،وﺟﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن،
ﻓﺼﻌﺪوا ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻼﻟﻢ ،واﻧﺤﺪر ﺧﺎﻟﺪ وأﺻﺤﺎﺑﮫ اﻟﺸﺠﻌﺎن إﻟﻰ اﻟﺒﻮاﺑﯿﻦ ،ﻓﻘﺘﻠﻮھﻢ وﻓﺘﺤﻮا اﻷﺑﻮاب ،ﻓﺪﺧﻠﺖ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،واﻟﺘﻜﺒﯿﺮ
ﯾﺠﻠﺠﻞ اﻟﻤﻜﺎن وﯾﻀﻰء ﺟﻨﺒﺎﺗﮫ ﺑﻨﻮر ﺟﺪﯾﺪ ،ھﻮ ﻧﻮر اﻹﺳﻼم.
وھﻜﺬا دﺧﻠﮭﺎ ﺧﺎﻟﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺎب اﻟﺸﺮﻗﻰ ﻗﺴﺮًا وﻗﮭﺮًا ،ودﺧﻠﮭﺎ أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺠﺎﺑﯿﺔ ﻣﺴﺎﻟﻤًﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١٣ھـ ٦٣٥ /م.
إن دﻣﺸﻖ ﺣﺼﻦ اﻟﺸﺎم ،وﺑﯿﺖ ﻣﻤﻠﻜﺘﮭﻢ ،وھﺎ ھﻰ ذى ﻗﺪ ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻰ أﯾﺪى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﺗﻘﺪم اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻧﺤﻮ " ﻓﺤﻞ" ،ﻓﻘﺎﺗﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﺮوم أﺷﺪ ﻗﺘﺎل ،ﻓﺎﻧﮭﺰم اﻟﺮوم وھﻢ ﺣﯿﺎرى ﻻ ﯾﺠﺪون ﻣﻠﺠﺄ وﻻ ﻣﮭﺮﺑًﺎ،
ﻓﺄﺻﯿﺒﻮا ﺟﻤﯿﻌًﺎ وﻛﺎﻧﻮا ﺛﻤﺎﻧﯿﻦ أﻟﻔًﺎ ﻟﻢ ﯾﻨﺞ ﻣﻨﮭﻢ إﻻ اﻟﻘﻠﯿﻞ.
ﺛﻢ واﺻﻞ أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﺗﻘﺪﻣﮫ ﻧﺤﻮ ﺣﻤﺺ ،وﺗﺮك ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻟﯿﺘﺠﮫ ﻧﺤﻮ ﺑﻼد ﺳﺎﺣﻞ دﻣﺸﻖ ،وﻇﻞ اﻟﻘﺎدة اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﯾﻔﺘﺤﻮن اﻟﻤﺪن
واﺣﺪة ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،وﻟﻢ ﯾﺒﻖ أﻣﺎم اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻻ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،وﻟﮫ ﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ واﺣﺘﺮاﻣﮫ ،وﻗﺪاﺳﺘﮫ ،ﻓﺈﻟﯿﮫ ﻛﺎن إﺳﺮاء
اﻟﺮﺳﻮل ) ،وﻣﻨﮫ ﻛﺎن ﻣﻌﺮاﺟﮫ .وإﻟﯿﮫ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻠﺘﮭﻢ اﻷوﻟﻰ.
وﻗﺪ داﻓﻊ ﻋﻨﮫ اﻟﺮوم دﻓﺎﻋًﺎ ﻣﺴﺘﻤﯿﺘًﺎ أﻟﺤﻖ ﺑﺠﻨﻮد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ ﻟﻜﻨﮭﻢ ﺻﺒﺮوا وﺗﺤﻤﻠﻮا ،ﻟﯿﺨﻠﱢﺼﻮا ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس وأھﻠﮫ ﻣﻦ
ﺣﻜﻢ اﻟﺮوﻣﺎن وﻇﻠﻤﮭﻢ.
وﻛﺘﺐ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب إﻟﻰ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ﺑﺎﻟﻤﺴﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﻘﺪس ،ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻞ إﻟﻰ " اﻟﺮﻣﻠﺔ" وﺟﺪ ﻋﻨﺪھﺎ ﺟﻤﻌًﺎ ﻣﻦ اﻟﺮوم ﻋﻠﯿﮫ ﻗﺎﺋﺪ
داھﯿﺔ اﺳﻤﮫ )اﻷرﻃﺒﻮن( ﻛﺎن أدھﻰ اﻟﺮوم ،وﻛﺎن ﻗﺪ وﺿﻊ "ﺑﺎﻟﺮﻣﻠﺔ " ﺟﻨﺪًا ﻋﻈﯿﻤًﺎ و "ﺑﺈﯾﻠﯿﺎء " ﺟﻨﺪًا ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻋﻤﺮو إﻟﻰ ﻋﻤﺮ
ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءه ﻛﺘﺎب ﻋﻤﺮو ﻗﺎل :رﻣﯿﻨﺎ أرﻃﺒﻮن اﻟﺮوم ﺑﺄرﻃﺒﻮن اﻟﻌﺮب -ﯾﻌﻨﻰ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص.
ﻇﻞ ﻋﻤﺮو ﯾﺘﺮﺑﺺ ﺑﺎﻷرﻃﺒﻮن زﻣﻨًﺎ ﻓﻼ ﯾﺠﺪ ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،وﻛﺎن ﯾﺮﺳﻞ إﻟﯿﮫ اﻟﺮﺳﻞ ﻟﯿﻌﺮف أﻣﺮه ﻓﻼ ﺗﺸﻔﯿﮫ اﻟﺮﺳﻞ ،ﻓﻘﺮر أن ﯾﻠﻘﺎه ﺑﻨﻔﺴﮫ
ﻣﺪﱠﻋﯿًﺎ أﻧﮫ رﺳﻮل ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص إﻟﯿﮫ.
دﺧﻞ ﻋﻠﯿﮫ وأﺑﻠﻐﮫ ﻣﺎ ﯾﺮﯾﺪ ،وﺳﻤﻊ ﻛﻼﻣﮫ وﺗﺄﻣﻞ ﺣﻀﺮﺗﮫ ،وﻗﺎل اﻷرﻃﺒﻮن ﻓﻰ ﻧﻔﺴﮫ :واﷲ إن ھﺬا ﻟﻌﻤﺮو أو أﻧﮫ اﻟﺬى ﯾﺄﺧﺬ ﻋﻤﺮو ﺑﺮأﯾﮫ.
ﻓﻘﺮر ﻗﺘﻠﮫ ،وأﺣﺲ ﻋﻤﺮو ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻘﺎل ﻟﻸرﻃﺒﻮن :أﯾﮭﺎ اﻷﻣﯿﺮ إﻧﻰ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻚ وﺳﻤﻌﺖ ﻛﻼﻣﻰ ،وإﻧﻰ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﺸﺮة ﺑﻌﺜﻨﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ
اﻟﺨﻄﺎب ﻟﻨﻜﻮن ﻣﻊ ھﺬا اﻟﻮاﻟﻰ ﻟﻨﺸﮭﺪ أﻣﻮره ،وﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ أن آﺗﯿﻚ ﺑﮭﻢ ﻟﯿﺴﻤﻌﻮا ﻛﻼﻣﻚ ،وﯾﺮوا ﻣﺎ رأﯾﺖ.
ﻓﻄﻤﻊ اﻷرﻃﺒﻮن أن ﯾﻘﺘﻠﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،ﻓﻘﺎل ﻟﮫ :ﻧﻌﻢ ﻓﺎذھﺐ ﻓﺄﺗﻨﻰ ﺑﮭﻢ ،ﻓﻘﺎم ﻋﻤﺮو ﻓﺬھﺐ إﻟﻰ ﺟﯿﺸﮫ ،وﻋﻠﻢ اﻷرﻃﺒﻮن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن اﻟﺮﺳﻮل
ﻛﺎن ﻋﻤﺮًا ،ﻓﻘﺎل :ﺧﺪﻋﻨﻰ اﻟﺮﺟﻞ ،ھﺬا واﷲ أدھﻰ اﻟﻌﺮب.
وﻛﺎن أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﻟﻤﺎ ﻓﺮغ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ﻗﺪ ﻛﺘﺐ إﻟﻰ أھﻞ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﯾﺪﻋﻮھﻢ إﻟﻰ اﷲ وإﻟﻰ اﻹﺳﻼم أو ﯾﺪﻓﻌﻮن اﻟﺠﺰﯾﺔ ،وإﻻ ﻛﺎن اﻟﺤﺮب
ﺑﯿﻨﮭﻢ ،ﻓﺄﺑﻮا أن ﯾﺠﯿﺒﻮا إﻟﻰ ﻣﺎ دﻋﺎھﻢ إﻟﯿﮫ ،ﻓﺮﻛﺐ إﻟﯿﮭﻢ ﻓﻰ ﺟﻨﻮده ،وﺣﺎﺻﺮ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،وﺿﯿﻖ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺣﺘﻰ أﺟﺎﺑﻮا إﻟﻰ اﻟﺼﻠﺢ.
وأﺣﺲ أرﻃﺒﻮن ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺮوم ﺑﮭﺬه اﻟﻤﻨﺎورات ﺗﺪور ﺣﻮﻟﮫ ﻓﮭﺮب إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ،وﻃﻠﺐ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﻮن اﻟﺼﻠﺢ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺤﻀﺮ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﻨﻔﺴﮫ
ﻟﺘﺴﻠﻢ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﯾﺘﻌﮭﺪ ﻟﺴﻜﺎﻧﮭﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮﯾﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ،ﻓﻜﺘﺐ ﻋﻤﺮو إﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﯾﺤﯿﻄﮫ ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﺤﻀﺮ ﻋﻤﺮ ،وﻛﺘﺐ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻛﺘﺎب اﻷﻣﺎن
اﻟﻤﺴﻤﻰ "اﻟﻌﮭﺪة اﻟﻌﻤﺮﯾﺔ ".
وﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻷرض اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ أﻗﺎم ﻋﻤﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻣﺴﺠﺪًا ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ ﻓﻰ ﺧﺮاﺋﺐ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺨﺮة اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺑﻌﺪ أن ﻃﮭﺮه ﻣﻦ
اﻟﻘﻤﺎﻣﺔ اﻟﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﺮوم ﯾﻠﻘﻮﻧﮭﺎ ﻋﻠﯿﮫ ،ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ١٦ھـ ٦٧٧ /م ..ﻟﻘﺪ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﺮوم ﻓﻰ ھﺬه اﻟﺒﻼد،
وراﺣﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﻮاﺻﻞ زﺣﻔﮭﺎ ﻟﺘﻄﮭﯿﺮ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ﻓﻠﻮل اﻟﺮوم.
وھﺎ ھﻰ ذى ﺟﯿﻮﺷﮭﻢ ﺗﻔﺮ أﻣﺎم اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ وﺗﮭﺮب إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ،ﻟﻘﺪ ﻗﺪم اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن آﻻف اﻟﺸﮭﺪاء ﻓﻰ ﺣﺮوﺑﮭﻢ ﺿﺪ اﻟﺮوم ﻓﻰ
ﺳﻮرﯾﺎ وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،ﻓﺼﺎرت ھﺬه اﻟﺪﯾﺎر ﻏﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﻟﻦ ﯾﺤﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻰ ﺳﻮرﯾﺔ وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،وھﻨﺎك ﺟﯿﺶ ﻛﺒﯿﺮ ﻟﻠﺮوم
ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻨﮭﻢ ،ﻟﻘﺪ اﺗﺨﺬوا ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﻣﺮﻛﺰًا ﻟﺘﺠﻤﻌﮭﻢ ،وأﺻﺒﺢ وﺟﻮدھﻢ ﺧﻄﺮًا ﯾﮭﺪد ﺟﯿﺶ اﻟﺸﺎم .ﻣﻦ أﺟﻞ ھﺬا اﺳﺘﺄذن ﻋﻤﺮو ﺑﻦ
اﻟﻌﺎص اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻰ ﻓﺘﺢ ﻣﺼﺮ.
وﺳﺎرع ﻋﻤﺮو إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻓﺘﻢ ﻟﮫ ﻓﺘﺤﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٢٠ھـ٦٤١ /م ،ووﻻه ﻋﻤﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﯾﺮﺗﺐ أﻣﻮرھﺎ ،وﯾﻨﻈﻢ أﺣﻮاﻟﮭﺎ ،وﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﺗﺤﺮك ﺟﯿﺶ
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻏﺮﺑًﺎ إﻟﻰ ﺑﺮﻗﺔ ﻓﻰ ﻟﯿﺒﯿﺎ ،وﺟﻨﻮﺑًﺎ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻨﻮﺑﺔ ﻟﻔﺘﺤﮭﻤﺎ.
وﺑﻨﻰ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص اﻟﻔﺴﻄﺎط ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﺼﺮ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وأﻗﺎم ﺑﮭﺎ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻟﺬى ﻋﺮف ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﺠﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮو ،وارﺗﻔﻌﺖ ﻛﻠﻤﺔ
٩
اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ﻓﻰ ﺳﻤﺎء ﻣﺼﺮ ،ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻨﺎرة ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻷﺟﯿﺎل.
إن ﻣﺼﺮ ھﻰ ﻛﻨﺎﻧﺔ اﷲ ﻓﻰ أرﺿﮫ ،وﺟﻨﺪھﺎ ﺧﯿﺮ أﺟﻨﺎد اﻷرض ،وﺑﻔﺘﺢ ﻣﺼﺮ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم آﻣﻨﺔ ،وزال اﻟﺨﻄﺮ اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﮭﺪد
اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﺴﻠﻢ اﻟﺮوم ،وﻓﺮوا ھﺎرﺑﯿﻦ إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ.
ﻋﻮدة إﻟﻰ ﺟﺒﮭﺔ اﻟﻔﺮس :
ﻛﺎن اھﺘﻤﺎم اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﻐﺰو اﻟﺮوم ﯾﻔﻮق اھﺘﻤﺎﻣﮭﻢ ﺑﻐﺰو ﻓﺎرس؛ ﻓﺎﻟﺮوم ﺑﺪءوا ﺑﺎﻟﺸﻐﺐ واﻟﻌﺪوان ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود ،واﻟﺸﺎم وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ وﻣﺼﺮ
أراض اﺣﺘﻠﺘﮭﺎ اﻟﺮوم ،ﻟﻜﻨﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮﻗﺐ إﻟﻰ اﻟﺨﻼص ﻣﻦ ﺑﯿﻦ أﻧﯿﺎب ھﺬا اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ اﻟﻈﺎﻟﻢ ،وﻛﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﯾﻌﻠﻘﻮن اﻵﻣﺎل ﻋﻠﻰ أن
ﯾﺠﺪوا ﻣﻦ أھﻞ ھﺬه اﻟﺒﻼد ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻟﻄﺮد ھﺆﻻء اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﯾﻦ اﻟﻘﺴﺎة ،وﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﮭﻢ ﻣﺎ أرادوا.
وﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﻤﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻗﺪ رﺟﺤﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺮوم ﺑﻌﺪ اﻧﺘﺼﺎرھﻢ ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ "أﺟﻨﺎدﯾﻦ" ،ﻓﺎﺗﺠﮫ ﻋﻤﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -إﻟﻰ
ﻣﻌﺎودة اﻟﺰﺣﻒ ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻟﻔﺮس.
ﻓﺒﻌﺚ أﺑﺎ ﻋﺒﯿﺪة ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮد اﻟﺜﻘﻔﻲ ،وأﻣﺮ ﻋﻤﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -اﻟﻤﺜﻨﻰ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ أن ﯾﻜﻮن ﻓﻰ ﻃﺎﻋﺔ أﺑﻰ ﻋﺒﯿﺪة.
وﺳ ﺎر أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪة ﺣﺘﻰ ﻋﺒﺮ اﻟﻔﺮات ﺑﻤﻦ ﻣﻌﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وھﻨﺎك دارت ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ھﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ "اﻟﺠﺴﺮ" اﺳﺘﺸﮭﺪ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻘﺎﺋﺪ أﺑﻮ
ﻋﺒﯿﺪة اﻟﺜﻘﻔﻰ وﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﺼﺮوا ﻋﻠﻰ أھﻞ ﻓﺎرس أوﻻ ﻓﻰ ﻋﺪة ﻣﻮاﻗﻊ ﺳﺎﺑﻘﺔ.
أرﺳﻞ ﻋﻤﺮ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -إﻟﻰ ﻓﺎرس ﺟﯿﺸًﺎ ﯾﻘﻮده اﻟﻤﺜﻨﻰ ﺑﻦ ﺣﺎرﺛﺔ ،وﻗﺪ ﺣﻘﻖ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻤﻮﻗﻌﺔ اﻧﺘﺼﺎرًا راﺋﻌًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻗُﺘﻞ
" ﻣﮭﺮان" ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺶ اﻟﻔﺮس ﻓﻰ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ھﻮ وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﮫ ،وﺗﻠﻚ ﻛﺎﻧﺖ وﻗﻌﺔ "اﻟﺒﻮﯾﺐ" وﻗﺪ ﺳﻤﺎھﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن "اﻷﻋﺸﺎر" ﻷن
ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻗﺘﻞ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﺮس.
وﻓﻰ " اﻟﻘﺎدﺳﯿﺔ " اﻟﺘﻘﻰ اﻟﻔﺮس واﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ،ﻗﺎد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺳﻌﺪ اﺑﻦ أﺑﻰ وﻗﺎص ،وﻗﺎد اﻟﻔﺮس رﺳﺘﻢ ،وﻓﺮ رﺳﺘﻢ وﻋﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ
ﺟﻨﻮده ،وﻏﻨﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻏﻨﺎﺋﻢ ﻛﺜﯿﺮة ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻤﺮت اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻋﺪة أﯾﺎم.
وﺗﺴﺎﻗﻄﺖ ﻣﺪن ﻓﺎرس ﻓﻰ أﯾﺪى اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺗﺴﺎﻗﻂ اﻟﺜﻤﺮات واﺣﺪة ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ،وﻛﺎن اﻧﺘﺼﺎر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﻘﺎدﺳﯿﺔ داﻓﻌًﺎ ﻟﮭﻢ إﻟﻰ
ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺰﺣﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ "ﻃﯿﺴﻔﻮن " اﻟﺘﻰ ﺳﻤﺎھﺎ اﻟﻌﺮب "اﻟﻤﺪاﺋﻦ " ،وﯾﺸﺘﺪ اﻟﻘﺘﺎل ﺿﺮاوة ،وﯾﮭﺪم اﻟﻔﺮس اﻟﺠﺴﻮر ﺣﺘﻰ ﻻ
ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﻌﺮب ﻋﺒﻮر ﻧﮭﺮ دﺟﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻋﺒﺮوا اﻟﻨﮭﺮ ﺑﺨﯿﻮﻟﮭﻢ ،وھﻨﺎ اﺿﻄﺮب اﻟﻔﺮس وأﺣﺎﻃﺖ ﺑﮭﻢ اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ،
وھﺮب "ﯾﺰدﺟﺮد ﺑﻦ ﺷﮭﺮﯾﺎر" إﻟﻰ ﺣﻠﻮان ﺑﺄرض ﻓﺎرس.
وﺳﻘﻄﺖ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻔﺎرﺳﯿﺔ اﻟﻌﺮﯾﻘﺔ ﻓﻰ أﯾﺪى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻛﺎن ﺳﻘﻮط اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻓﻰ اﻟﻌﺎم اﻟﺴﺎدس ﻋﺸﺮ ﻣﻦ اﻟﮭﺠﺮة٦٣٧) ،م( .إﻧﮭﻢ ﻟﻢ
ﯾﻘﺒﻠﻮا ﻣﻊ اﻟﻌﺮب ﺻﻠﺤًﺎ ،ورﻓﻀﻮا أن ﯾﺪﻓﻌﻮا اﻟﺠﺰﯾﺔ ،وﻓﻀﻠﻮا ﻋﺒﺎدة اﻟﻜﻮاﻛﺐ واﻟﻨﺎر واﻟﻤﺠﻮﺳﯿﺔ ﻋﻠﻰ دﯾﻦ اﷲ ،وأﻋﻠﻨﻮا ﻋﺪاءھﻢ
واﺳﺘﻌﺪادھﻢ ﻟﻘﺘﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،إذن ﻟﻢ ﯾﺒﻖ إﻻ اﻟﺤﺮب.
ﻟﻘﺪ ھﺮب "ﯾﺰدﺟﺮد" ﻟﯿﻌﺪ ﻋﺪﺗﮫ ﻟﻠﻘﺎء آﺧﺮ ،وراح ﯾﻌﺴﻜﺮ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ "ﺟﻠﻮﻻء" ،واﻹﻣﺪادات ﺗﻨﮭﺎل ﻋﻠﯿﮫ ،واﻟﺠﻨﻮد ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﺤﻔﺮ اﻟﺨﻨﺎدق
ﺣﻮل ﻣﻌﺴﻜﺮه ،وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﻘﺘﺤﻤﻮن ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺧﻨﺎدﻗﮭﻢ ،وﺗﺪور ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻣﻦ أﻋﻨﻒ اﻟﻤﻌﺎرك ،وﺛﺒﺖ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺣﺘﻰ ﻛُﺘِﺐَ ﻟﮭﻢ اﻟﻨﺼﺮ،
وﻛﺎن ﻗﺎﺋﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺟﻠﻮﻻء " ھﺎﺷﻢ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ " وﯾﮭﺮب "ﯾﺰدﺟﺮد" ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ؛ ﺣﯿﺚ ﺗﺮك ﺣﻠﻮان وﻓﺮ إﻟﻰ اﻟﺮي ،وﻟﻢ ﯾﺒﻖ إﻻ
ﻓﺘﺢ اﻟﻔﺘﻮح "ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻧﮭﺎوﻧﺪ " إﻧﮭﺎ آﺧﺮ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺎ "ﯾﺰدﺟﺮد ".
ﻟﻘﺪ ﺟﻤﻊ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻤﺎﺗﺖ ﻓﻰ اﻟﺪﻓﺎع واﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ھﺰﻣﻮھﻢ ﺑﺈذن اﷲ ،ﻟﻘﺪ ﻋﺰل ﻋﻤﺮ ﺳﻌﺪ اﺑﻦ أﺑﻰ
وﻗﺎص ،ووﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﮫ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺑﻦ ﻣﻘﺮن وﻗﺪ ﺳﻘﻂ اﻟﻨﻌﻤﺎن ﺷﮭﯿﺪًا ﺑﻌﺪﻣﺎ رأى ﺑﺸﺎﺋﺮ اﻟﻔﺘﺢ ﻻﺣﺖ ﻓﻰ اﻷﻓﻖ ،ﻓﺄﺧﺬ اﻟﺮاﯾﺔ أﺧﻮه ﻧﻌﯿﻢ،
وﻧﺎوﻟﮭﺎ " ﺣﺬﯾﻔﺔ ﺑﻦ اﻟﯿﻤﺎن" وأﺷﺎر ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﻤﻐﯿﺮة ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ ﺑﻜﺘﻤﺎن ﺧﺒﺮ اﺳ ﺘﺸﮭﺎد اﻷﻣﯿﺮ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺮﺗﺎب اﻟﻨﺎس ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻢ اﻟﻨﺼﺮ ﻋﻠﻰ
اﻟﻤﺸﺮﻛﯿﻦ ،ﺟﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﯾﺴﺄﻟﻮن ﻋﻦ أﻣﯿﺮھﻢ ،ﻓﻘﺎل أﺧﻮه " :ھﺬا أﻣﯿﺮﻛﻢ ،ﻟﻘﺪ أﻗﺮ اﷲ ﻋﯿﻨﮫ ﺑﺎﻟﻔﺘﺢ وﺧﺘﻢ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﺸﮭﺎدة " .ﻓﺎﺗﺒﻊ اﻟﻨﺎس
ﺣﺬﯾﻔﺔ ودﺧﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻧﮭﺎوﻧﺪ ﺑﻌﺪ ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﻔﺮس ،وﻛﺎن اﻟﻌﺮب ﯾﺴﻤﻮن ﻓﺘﺢ ﻧﮭﺎوﻧﺪ " ﺑﻔﺘﺢ اﻟﻔﺘﻮح ".
وﺑﻌﺪ ﻧﮭﺎوﻧﺪ ﺗﻘﺪﻣﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻟﺘﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪن اﻟﻤﺠﺎورة ،وﺧﻀﻌﺖ ﻟﮭﻢ ﻣﻨﻄﻘﺔ "أذرﺑﯿﺠﺎن" ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻻﻧﺘﺼﺎرات
اﻟﺒﺎھﺮة ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻰ إﺿﻌﺎف اﻟﺮوح اﻟﻤﻌﻨﻮﯾﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻔﺮس.
ﻟﻘﺪ اﺳﺘﺴﻠﻢ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ وﻣﺎﻟﻮا إﻟﻰ اﻟﺼﻠﺢ ،واﺳﺘﺴﻠﻢ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻨﻮة وﻗﮭﺮًا ،وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ "ﯾﺰدﺟﺮد" ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ
ﻗﻮة ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻓﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ،وﻇﻞ أﻣﺮه ﻓﻰ ﻧﻘﺼﺎن ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ ﺑﺨﺮاﺳﺎن ﺳﻨﺔ ٣١ھـ٦٥٢ /م ،ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﺜﻤﺎن -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -وﺑﻤﻮﺗﮫ
اﻧﺘﮭﺖ دوﻟﺔ )آل ﺳﺎﺳﺎن(.
ﻟﻘﺪ داﻧﺖ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻟﻺﺳﻼم ،وداﻧﺖ ﺑﻼد اﻟﻔﺮس ﻟﻺﺳﻼم ،ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻋﺼﺮ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﺑﺤﻖ ھﻮ ﻋﺼﺮ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
ﻓﻠﻢ ﯾﻜﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﯾﺴﺘﻘﺮون ھﻨﺎ وھﻨﺎك ﺣﺘﻰ أرﺳﻞ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ وﻗﺎص أﺣﺪ ﻗﺎدﺗﮫ وھﻮ ﻋﯿﺎض ﺑﻦ ﻏﻨﻢ إﻟﻰ أرض اﻟﺠﺰﯾﺮة ؛ ﺣﯿﺚ
ﺗﺠﻤﻊ ﺟﻨﺪ اﻟﺮوم ﻓﻰ أﻋﻼھﺎ ﻓﺎﻓﺘﺘﺢ ھﺬه اﻟﺒﻼد .وﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،ﺑﻞ اﺳﺘﻤﺮت اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﻤﺮ ﺗﻮاﺻﻞ
ﻓﺘﻮﺣﮭﺎ ،واﻟﺠﻨﺪ ﯾﻨﺸﺮون اﻟﺪﻋﻮة ،واﻟﺠﮭﺎد ﻻ ﺗﻨﻄﻔﺊ ﺷﻌﻠﺘﮫ.
ﻟﻘﺪ أرﺳﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻘﺎﺋﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ رﺑﯿﻌﺔ اﻟﺒﺎھﻠﻰ ﻟﻔﺘﺢ "أرﻣﯿﻨﯿﺔ " ﺳﻨﺔ ١٨ھـ٦٣٩ /م ،وأرﺳﻞ إﻟﯿﮫ اﻟﻤﺪد ﺑﻘﯿﺎدة ﺳﻠﻤﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻰ
ﻣﻦ ﺟﮭﺔ ،وﺣﺒﯿﺐ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ اﻟﻔﮭﺮى ﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ،وﺗﻤﻜﻨﺖ اﻟﻘﻮات اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﻦ ﻓﺘﺢ أرﻣﯿﻨﯿﺔ ،وراﺣﺖ ﺗﻮاﺻﻞ ﺗﻘﺪﻣﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺷﻤﺎل
ﺟﺒﺎل اﻟﻘﻮﻗﺎز .ﻣﺎ ھﺬا اﻟﺬى ﯾﺠﺮى ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ؟ إﻧﮫ ﻧﺼﺮ ﻣﻦ اﷲ.
ﻗﺪ أدى اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻔﺎﺗﺤﻮن واﺟﺒﮭﻢ ،ﻓﻼﺑﺪ أن ﺗﻘﺎم ﻟﮭﻢ ﻣﺪن ﺟﺪﯾﺪة ﺗﻜﻮن ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ اﻷراﺿﻰ اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﺣﺪﯾﺜًﺎ وﻣﻮاﻃﻦ اﻟﻐﺰو واﻟﺠﮭﺎد ﻓﻰ
اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ،وﯾﻘﻊ اﻻﺧﺘﯿﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ واﻟﺒﺼﺮة ﻓﻰ اﻟﻌﺮاق ،وﺗﺮﺗﻔﻊ ﻣﺂذﻧﮭﻤﺎ ﻟﺘﻨﻀﻢ إﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻟﻤﺪن اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﮭﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﺣﺎﻓﻼ ﺑﺎﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻣﻠﯿﺌًﺎ ﺑﺎﻟﻐﺰوات واﻟﺠﮭﺎد ﻓﻰ ﺳﯿﯿﻞ اﷲ ،ﻓﻘﺪ ﻓﺘﺢ ﻓﯿﮫ ﻣﺪن
ﻛﺜﯿﺮة ،ﻛﺤﻤﺺ وﻗﻨﺴﺮﯾﻦ ،ﺗﺴﺘﺮ ،واﻟﺴﻮس ،واﻟﺮى ،وﻗﻮس ،وﺟﺮﺟﺎن ،وﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﻜﺜﯿﺮة.
إدارة ﻋﻤﺮ وﺳﯿﺎﺳﺘﮫ :
١٠
إن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﯾﻌﺪ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻋﻦ ﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﻜﺮﯾﻤﺔ اﻟﺸﺮﯾﻔﺔ ﻟﻠﺠﻤﯿﻊ ،وﯾﺮى أﻧﮫ ﻟﻮ ﻋﺜﺮت ﺑﻐﻠﺔ ﻓﻰ اﻟﻌﺮاق ﻟﻜﺎن ﻣﺴﺌﻮﻻ
ﻋﻨﮭﺎ .وﻣﻦ أﺟﻞ ھﺬا ﻧﺮاه ﯾﻮﺟﮫ اھﺘﻤﺎﻣﮫ إﻟﻰ ﺗﻘﻮﯾﺔ اﻟﺜﻐﻮر واﻟﺸﻮاﻃﺊ واﻟﻤﻮاﻧﺊ .وﻻ ﯾﻔﻮﺗﮫ أن ﯾﺤﺼﻰ أﺳﻤﺎء اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻔﺎﺗﺤﯿﻦ ﻟﯿﺠﻌﻞ
ﻟﮭﻢ رواﺗﺐ ﺗﻔﻰ ﺑﻤﻄﺎﻟﺒﮭﻢ ،وﺗﻜﻔﻞ ﻟﮭﻢ ﺣﯿﺎة ﻛﺮﯾﻤﺔ ،وﻧﺮاه ﯾﻘﻮم ﺑﻌﻤﻞ إﺣﺼﺎء ﻋﺎم ،وﯾﺪوﱢن اﻟﺪواوﯾﻦ ،وﯾﻘﺴﻢ اﻟﺪوﻟﺔ إﻟﻰ ﺛﻤﺎﻧﻰ وﻻﯾﺎت
ھﻰ :ﻣﻜﺔ ،واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،واﻟﺸﺎم ،واﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻔﺮاﺗﯿﺔ ،واﻟﺒﺼﺮة ،واﻟﻜﻮﻓﺔ ،وﻣﺼﺮ ،وﯾﻌﯿﻦ واﻟﯿًﺎ ﻟﻜﻞ وﻻﯾﺔ ﯾﻨﻮب ﻋﻨﮫ ﻓﻰ اﻟﺼﻼة
وﻗﯿﺎدة اﻟﺠﻨﺪ ،وإدارة ﺷﺌﻮن اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻰ اﻟﻮﻻﯾﺔ .وﻻ ﯾﻜﺘﻔﻰ ﺑﮭﺬا ،ﺑﻞ ﯾﺮﺗﺐ اﻟﺒﺮﯾﺪ ،وﯾﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﮭﺠﺮة ﺑﺪاﯾﺔ ﻟﻠﺘﻘﻮﯾﻢ اﻟﮭﺠﺮى.
ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ،وﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ وأرﺑﻌﺔ أﯾﺎم ،ﻣﺎت ﺑﻌﺪھﺎ ﺷﮭﯿﺪًا ﺑﯿﺪ اﻟﻐﺪر ،ﻓﻘﺪ ﻗﺘﻠﮫ أﺑﻮ ﻟﺆﻟﺆة اﻟﻤﺠﻮﺳﻰ ،اﻟﻔﺎرﺳﻰ اﻷﺻﻞ -وﻛﺎن
ﻏﻼﻣًﺎ ﻟﻠﻤﻐﯿﺮة ﺑﻦ ﺷﻌﺒﺔ-؛ ﺣﻘﺪًا ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
أﻣﻨﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺤﻘﻖ :
ﻛﺎن ﻋﻤﺮ ﻣﻊ ﻋﺪﻟﮫ ورﺣﻤﺘﮫ ﯾﺨﺸﻰ أن ﯾﻤﻮت وھﻮ ﻣﻘﺼﺮ ﻓﻰ ﺣﻖ رﻋﯿﺘﮫ ،وﻛﻢ ﻛﺎن ﯾﺘﻤﻨﻰ أن ﯾﺬھﺐ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﻰ اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ
ﻟﯿﺪرس ﻣﺸﻜﻼﺗﮭﻢ ،وﯾﺤﻘﻖ رﻏﺒﺎﺗﮭﻢ ،وﻗﺪ ورد ﻋﻨﮫ أﻧﮫ ﻗﺎل ﻓﻰ آﺧﺮ ﺣﯿﺎﺗﮫ :ﻟﺌﻦ ﻋﺸﺖ إن ﺷﺎء اﷲ ﻷﺳﯿﺮن ﻓﻰ اﻟﺮﻋﯿﺔ ﺣﻮﻻ )ﻋﺎﻣًﺎ(
ﻓﺈﻧﻰ أﻋﻠﻢ أن ﻟﻠﻨﺎس ﺣﻮاﺋﺞ ﺗﻘﻄﻊ دوﻧﻰ )ﻻ أﻃﻠﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ( ،أﻣﺎ ﻋﻤﺎﻟﮭﻢ )وﻻﺗﮭﻢ( ﻓﻼ ﯾﺮﻓﻌﻮﻧﮭﺎ إﻟﻰ ،وأﻣﺎ ھﻢ ﻓﻼ ﯾﺼﻠﻮن إﻟﻰ ،ﻓﺄﺳﯿﺮ إﻟﻰ
اﻟﺸﺎم ﻓﺄﻗﯿﻢ ﺑﮭﺎ ﺷﮭﺮﯾﻦ ،واﻟﺠﺰﯾﺮة ﺷﮭﺮﯾﻦ ،وﺑﻤﺼﺮ ﺷﮭﺮﯾﻦ ،وﺑﺎﻟﺒﺤﺮﯾﻦ ﺷﮭﺮﯾﻦ ،وﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﺷﮭﺮﯾﻦ وﺑﺎﻟﺒﺼﺮة ﺷﮭﺮﯾﻦ .واﷲ ﻟﻨﻌﻢ
اﻟﺤﻮل ھﺬا ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪر ﻟﻢ ﯾﻤﮭﻠﮫ ﻓﺎﺳﺘﺸﮭﺪ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﺤﻘﻖ ھﺬه اﻷﻣﻨﯿﺔ.
ﻟﻘﺪ ﻃﺒﻖ ﻋﻤﺮ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ أوﻻ ﻗﺒﻞ أن ﯾﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﻏﯿﺮه ﺗﻨﻔﯿﺬھﺎ.
وﻛﺎن ﯾﺸﺘﺮط ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﯾُﻮﻟﱢﯿﮫ أﻣﺮَ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أﻻ ﯾﺘﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﻻ ﯾﺴﺘﺄﺛﺮ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﺑﺸﻰء دوﻧﮭﻢ ،وﻻ ﯾﻐﻠﻖ ﻓﻰ وﺟﻮھﮭﻢ ﺑﺎﺑﮫ.
وﻛﺎن ﯾﺘﺒﺎﻃﺄ ﻓﻰ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﯿﻦ ﻓﻰ ﺣﺰم وﻗﻮة ،إن ھﻢ أﺳﺎءوا إﻟﻰ اﻟﺮﻋﯿﺔ ،ﻓﺎﻟﻨﺎس ﻗﺪ وﻟﺪﺗﮭﻢ أﻣﮭﺎﺗﮭﻢ أﺣﺮارًا ،وﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺣﻖ أﺣﺪ
أن ﯾﺴﺘﻌﺒﺪھﻢ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎن واﻟﯿًﺎ ،ﻟﻘﺪ ﻗﺎﺳﻢ ﺑﻌﺾ وﻻﺗﮫ أﻣﻮاﻟﮭﻢ ﻟﻤﺎ أﺣﺲ أن ﺛﺮواﺗﮭﻢ زادت ﻋﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻗﺒﻞ ﺗﻮﻟﻰ ﻣﻨﺎﺻﺒﮭﻢ،
وأﻧﺼﻒ اﻟﻘﺒﻄﻰ اﻟﻤﺼﺮى اﻟﺬى اﻋﺘﺪى ﻋﻠﯿﮫ اﺑﻦ واﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،وﻗﺎل ﻟﮫ :اﺿﺮب اﺑﻦ اﻷﻛﺮﻣﯿﻦ .ووﺟﮫ ﻛﻼﻣﮫ إﻟﻰ ﻋﻤﺮو
ﻗﺎﺋﻼ :ﻣﺘﻰ اﺳﺘﻌﺒﺪﺗﻢ اﻟﻨﺎس وﻗﺪ وﻟﺪﺗﮭﻢ أﻣﮭﺎﺗﮭﻢ أﺣﺮارًا.
اﻟﻘﻮى اﻷﻣﯿﻦ :
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺨﻠﺖ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻤﺎﺋﮭﺎ ،وﺗﻮﻗﻔﺖ اﻷرض ﻋﻦ أن ﺗﺠﻮد ﺑﺰرﻋﮭﺎ ﻓﻰ ﻋﺎم اﻟﺮﻣﺎدة ،واﺟﮫ ﻋﻤﺮ اﻷزﻣﺔ اﻟﻄﺎﺣﻨﺔ ،وأﺷﺮف ﻋﻠﻰ إﻋﺪاد
اﻟﻄﻌﺎم ﺑﻨﻔﺴﮫ ﺣﺘﻰ ﻣﺮت اﻷزﻣﺔ ﺑﺴﻼم ،ﻓﻜﺎن ﻋﻤﺮ ﺑﺤﻖ ﻛﻤﺎ وﺻﻔﮫ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ،إذ ﻗﺎل ﻟﻌﺜﻤﺎن ﯾﻮﻣًﺎ ﻓﻰ ﻛﺘﺎب اﷲ) :ﯾﺎ أﺑﺖ
اﺳﺘﺄﺟﺮه إن ﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﺳﺘﺄﺟﺮت اﻟﻘﻮي اﻷﻣﯿﻦ( ]اﻟﻘﺼﺺ.[٢٦ :
وھﻮ اﻟﺬى ﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﻠﺔ ﻛﺜﺮة ،وﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ ﻗﻮة ،وﻣﻦ اﻟﺬل ﻋﺰّا ،وﻣﻦ اﻟﻤﻮت ﺣﯿﺎة ،وأﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺮاء رﺟﺎﻻ ﻛﺎﻧﻮا أﻣﺜﻠﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ
ﻓﻰ اﻟﻌﺪل واﻹﺣﺴﺎن ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ وراء ھﺆﻻء إﻻ اﻹﯾﻤﺎن اﻟﻤﺘﯿﻦ ،واﻟﺨﻠﻖ اﻟﺼﺎﻟﺢ ،واﻷﺧﺬ ﺑﺄﺳﺒﺎب اﻟﻨﺼﺮ واﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﺎد اﻟﻤﺨﻠﺺ ﷲ. .
ﺟﻌﻞ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻗﺒﻞ وﻓﺎﺗﮫ ﺷﻮرى ﻓﻲ ﺳﺘﺔ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ،ھﻢ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ،وﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ
ﻃﺎﻟﺐ ،وﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ،واﻟﺰﺑﯿﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮام ،وﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ اﺑﻦ ﻋﻮف ،وﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ وﻗﺎص -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮭﻢ ،-وﺟﻌﻞ اﺑﻨﮫ ﻋﺒﺪاﷲ
ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻣﻌﮭﻢ ﻣﺸﯿﺮًا وﻻ ﯾﺤﻖ ﻟﮭﻢ اﺧﺘﯿﺎره ،وﻗﺪ وﻗﻊ اﻻﺧﺘﯿﺎر ﻋﻠﻰ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ﺳﻨﺔ ٢٤ھـ ﻟﺘﻮﻟﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﻗﺪ ﺑﺪأ ﻋﺜﻤﺎن ﻋﮭﺪه ﺑﺄن ﻛﺘﺐ إﻟﻰ اﻟﻮﻻة وﻋﻤﺎل اﻟﺨﺮاج ﯾﻨﺼﺤﮭﻢ ﺑﺎﻟﺴﯿﺮ ﻓﻰ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻌﺪل واﻹﻧﺼﺎف واﻟﻤﺴﺎواة ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ،وزاد ﻓﻰ
أﻋﻄﯿﺎت ﺟﯿﺸﮫ.
ﻋﻤﻞ ﻋﺜﻤﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻃﯿﺪ ﻧﻔﻮذ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻰ ﺗﻢ ﻓﺘﺤﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺢ وﻻﺗﮫ ﻓﻰ ﺿﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺟﺪﯾﺪة إﻟﻰ ﺣﻮزة
اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻓﻔﻰ ﺳﻨﺔ ٢٤ھـ ،ﺟﺮى ﻏﺰو "أذرﺑﯿﺠﺎن" و "أرﻣﯿﻨﯿﺔ " ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻌﺪ أن اﻣﺘﻨﻊ أھﻠﮭﺎ ﻋﻦ
دﻓﻊ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﺻﺎﻟﺤﻮا اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺎم وﺻﻞ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﻟﺼﺪ اﻟﺮوم اﻟﺘﻰ ﺗﺤﺮﻛﺖ ﻟﻐﺰو اﻟﺸﺎم
واﺳﺘﻌﺎدﺗﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺄرﺳﻞ ﺟﯿﺸًﺎ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺑﻘﯿﺎدة ﺳﻠﻤﺎن ﺑﻦ رﺑﯿﻌﺔ اﻟﺒﺎھﻠﻰ ﻓﻰ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ آﻻف رﺟﻞ ،وﺗﻮﻟﻰ ﻗﯿﺎدة ﺟﯿﺶ
اﻟﺸﺎم ﺣﺒﯿﺐ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻤﺔ اﻟﻔﮭﺮى ،ﻓﺸﻨﻮا اﻟﻐﺎرات ﻋﻠﻰ اﻟﺮوم ،وأوﻗﻌﻮا ﺑﮭﻢ ،وﺗﻮاﻟﺖ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻓﻌﺎود ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن
ﻏﺰو اﻟﺮوم ،وﺗﻮﻏﻞ ﻓﻰ أرﺿﮭﻢ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ "ﻋﻤﻮرﯾﺔ " ،وﻛﺎن ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﯾﮭﺪف ﻣﻦ وراء ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺷﻐﻞ اﻟﺮوم ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ
اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻓﯿﺴﮭﻞ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﺘﺢ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﻗﻼع وﺣﺼﻮن ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺸﺎم ،وﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻓﻰ ذﻟﻚ ﻓﻔﺘﺢ ﻗﻨﺴﺮﯾﻦ وﻏﯿﺮھﺎ.
وﻓﻰ اﻟﺸﺮق ﺑﻠﻎ "ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﷲ " أرض ﻛﺎﺑﻞ )أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ(.
وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٧ھـ ﺟﮭﺰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺟﯿ ﺸًﺎ ﻟﻔﺘﺢ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ )ﺗﻮﻧﺲ ﺣﺎﻟﯿّﺎ( وﻓﻰ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﻟﻰ أﻣﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺟﯿﺶ اﻟﻔﺘﺢ ﺑﻘﻮات ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻰ ﻣﻘﺪﻣﺘﮭﺎ
ﻋﺪد ﻣﻦ أﻋﻼم اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻛﻌﺒﺪاﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،وﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ،وﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،واﻟﺬﯾﻦ ﻗﺪ ﻋﺮﻓ ﻮا ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدﻟﺔ.
واﻧﺘﺼﺮ ﺟﯿﺶ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻰ وﺳﻤﯿﺖ ھﺬه اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﻐﺰوة " اﻟﻌﺒﺎدﻟﺔ " ،وﻓﯿﮭﺎ ﻗﺘﻞ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻰ ﺟُﺮْﺟﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ
ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻋﻠﻰ أرض ﺗﻮﻧﺲ ﺳﻨﺔ ٢٧ھـ.
وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٨ھـ ﻋﻤﻞ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻋﻠﻰ وﺿﻊ اﻟﻨﻮاة اﻷوﻟﻰ ﻟﻸﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻰ ،ﻓﺎ ﺳﺘﺄذن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻰ ذﻟﻚ ،ﻓﺄذن ﻟﮫ ﻓﺒﺪأ ﯾﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻧﺸﺎء
ھﺬا اﻷﺳﻄﻮل ،ﻛﺬﻟﻚ ﺳﻠﻚ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺴﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﺮح واﻟﻰ ﻣﺼﺮ ،وﻟﻤﺎ أﺗﻢ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺗﺠﮭﯿﺰ أول أﺳﻄﻮل إﺳﻼﻣﻰ اﺗﺠﮫ
ﺑﮫ إﻟﻰ ﻏﺰو ﻗﺒﺮص ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺪ ﻣﺤﻄﺔ ﺗﻤﻮﯾﻦ ﻟﻸﺳﻄﻮل اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻰ ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ وھﻮ اﻟﺬى اﻋﺘﺎد ﻣﮭﺎﺟﻤﺔ اﻟﺸﻮاﻃﺊ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﺗﻢ ﻟﻤﻌﺎوﯾﺔ ﻓﺘﺤﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٢٨ھـ.
ﻻ ﻛﺒﯿﺮًا ﻣﺆﻟﻔﺎ ﻣﻦ ٦٠٠ﻣﺮﻛﺐ ،واﺗﺠﮫ ﺑﮫ ﻣﻦ
وﻟﻤﺎ ﺑﻠﻎ ھﺮﻗﻞ إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوم ﺧﺒﺮ اﺳﺘﯿﻼء اﻟﻌﺮب ﻋﻠﻰ ﺑﻼده ﻓﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺟﮭﺰ أﺳﻄﻮ ً
١١
اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ ﻧﺎﺣﯿﺔ ﺗﻮﻧﺲ ھﺎدﻓًﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ،ﻓﺨﺮج إﻟﻰ اﻷﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺑﺸﻘﯿﮫ
اﻟﺸﺎﻣﻰ واﻟﻤﺼﺮى ﺑﻘﯿﺎدة ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﺮح ،واﻟﺘﻘﻮا ﺑﻤﺮاﻛﺐ اﻟﺮوم ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺷﻮاﻃﺊ "ﻛﯿﻠﯿﻜﯿﺎ" ﻓﺎﻧﮭﺰم اﻷﺳﻄﻮل
اﻟﺮوﻣﻰ ،وﻓﺮ ﻗﺎﺋﺪه ﺑﻤﺎ ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﻣﺮاﻛﺒﮫ ﻓﻰ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ذات اﻟﺼﻮارى" ﺳﻨﺔ ٣١ھـ.
وھﻜﺬا ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ أﯾﺎم ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ﻛﺒﯿﺮة وواﺳﻌﺔ إذ أﺿﺎﻓﺖ ﺑﻼدًا ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ وﻗﺒﺮص وأرﻣﯿﻨﯿﺎ،
وأﺟﺒﺮت ﻣﻦ ﻧﻘﺾ اﻟﻌﮭﺪ إﻟﻰ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻓﻰ ﻓﺎرس وﺧﺮاﺳﺎن وﺑﺎب اﻷﺑﻮاب.
وﺿﻤﺖ ﻓﺘﻮﺣﺎت ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻰ ﺑﻼد اﻟﺴﻨﺪ وﻛﺎﺑﻞ وﻓﺮﻏﺎﻧﺔ ،ورﻏﻢ ھﺬا ﻓﻘﺪ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﺘﻨﺔ ﻓﻰ أواﺧﺮ ﻋﮭﺪ ﻋﺜﻤﺎن ،ﻓﻘﺪ اﺗﮭﻤﮫ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺄﻧﮫ
ﯾﻘﺮب إﻟﯿﮫ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ وﯾﺴﺘﺸﯿﺮھﻢ ﻓﻰ أﻣﻮره ،وﯾﺴﻨﺪ إﻟﯿﮭﻢ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﮭﺎﻣﺔ ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻇﮭﺮت ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﺘﻰ ﺻﺎرت ﺗﺒﺚ
روح اﻟﺴﺨﻂ واﻟﺘﻤﺮد ﻓﻰ ﻧﻔﻮس أھﻞ اﻟﺒﻼد ،وﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﮫ ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ )اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺎﺑﻦ اﻟﺴﻮداء( وﻛﺎن ﯾﮭﻮدﯾّﺎ ﯾُﻈﮭﺮ اﻹﺳﻼم،
ﺾ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ وﻗﺖ ﻃﻮﯾﻞ ﺣﺘﻰ أﻗﺒﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﻰ ﺷﻮال ﺣﯿﺚ ﺗﻨﱠﻘﻞ ﺑﯿﻦ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﺤﺎوﻻ إﺛﺎرة اﻟﻨﺎس ﺿﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وﻟﻢ ﯾﻤ ِ
ﺳﻨﺔ ٣٥ھـ وﻓﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب اﻟﻤﻘﯿﻤﯿﻦ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﻜﻮﻓﺔ واﻟﺒﺼﺮة وﻣﻌﮭﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﻣﻨﮭﺎ ﻋﺰل اﻟﻮﻻة اﻟﺬﯾﻦ أﺳﺎءوا ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ،
وﻣﺎزاﻟﻮا ﺑﺎﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ ﺑﻌﺾ ﻣﻄﺎﻟﺒﮭ ﻢ ،وﺳﺎﻓﺮوا ﻣﻦ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﺛﻢ ﻣﺎﻟﺒﺜﻮا أن ﻋﺎدوا إﻟﯿﮭﺎ وﻓﻰ ﯾﺪھﻢ ﻛﺘﺎب ﺑﺨﺘﻢ ﻋﺜﻤﺎن ،ﻗﺎﻟﻮا إﻧﮭﻢ
وﺟﺪوه ﻣﻊ رﺳﻮل ﻋﺜﻤﺎن إﻟﻰ وﻻﺗﮫ ﯾﺄﻣﺮ ﻓﯿﮫ ﺑﺤﺒﺴﮭﻢ وﺗﻌﺬﯾﺒﮭﻢ ،ﻓﺤﻠﻒ ﻋﺜﻤﺎن أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﺘﺐ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ زﻋﻢ اﻟﺜﺎﺋﺮون أن اﻟﻜﺘﺎب ﺑﺨﻂ
ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻄﻠﺒﻮا إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أن ﯾﺨﺮﺟﮫ ﻟﮭﻢ ﻓﻠﻢ ﯾﻘﺒﻞ ﻟﻜﺬب ھﺬا اﻟﺰﻋﻢ وﻟﺨﺸﯿﺔ أن ﯾﻘﺘﻠﻮه ﻇﻠﻤًﺎ ،ﻓﺎﺷﺘﺪت اﻟﻔﺘﻨﺔ وﺣﺮﱠض
اﻟﻤﺤﺮﺿﻮن ﺑﻘﯿﺎدة اﺑﻦ اﻟﺴﻮداء ،وﺿﺮب اﻟﺜﺎﺋﺮون ﺣﺼﺎرًا ﺣﻮل دار ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن ،وﻟﻤﺎ ﻋﻠﻤﻮا أن وﻻة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻰ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ أﻋﺪوا اﻟﺠﻨﺪ ﻹرﺳﺎﻟﮭﻢ إﻟﯿﮫ ﺷﺪدوا اﻟﺤﺼﺎر ﻋﻠﻰ ﻋﺜﻤﺎن ،وأﺳﺎءوا ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﮫ ،وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻤﺮوا ﻓﻰ ﻣﺤﺎﺻﺮﺗﮫ أرﺑﻌﯿﻦ ﯾﻮﻣًﺎ،
ھﺠﻢ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻌﻀﮭﻢ وﻗﺘﻠﻮه ،ﻓﻘﺘﻞ ﻣﻈﻠﻮﻣًﺎ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻓﻰ اﻟﯿﻮم اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ ذى اﻟﺤﺠﺔ ﺳﻨﺔ ٣٥ھـ اﻟﻤﻮاﻓﻖ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ
ﺢ ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺎب ﻋﻈﯿﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ واﻻﺑﺘﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
ﻣﻦ ﯾﻮﻧﯿﮫ ﺳﻨﺔ ٦٥٦م ،وﻓُ ِﺘ َ
أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻓﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎن ﺗﻘﺘﻀﻰ وﺟﻮد ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻗﻮى ﯾﻌﯿﺪ اﻷﻣﻮر إﻟﻰ وﺿﻌﮭﺎ اﻟﻄﺒﯿﻌﻰ داﺧﻞ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻟﺬا أﺳﺮع أھﻞ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ إﻟﻰ ﻣﺒﺎﯾﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﺳﻨﺔ ٣٥ھـ وأﯾﺪھﻢ اﻟﺜﻮار ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،واﺿﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ إﻟﻰ
ﻗﺒﻮل اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻨﻌًﺎ ﻟﻠﺸﻘﺎق وﺧﺸﯿﺔ ﺣﺪوث اﻟﺨﻼف ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ:
ﺑﺪأ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻤﻠﮫ ﺑﻌﺰل وﻻة ﻋﺜﻤﺎن اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻰ اﻋﺘﺮاض اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﺜﻤﺎن ،وﻋﯿﻦ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﮭﻢ وﻻة آﺧﺮﯾﻦ ،ﻟﻜﻦ
اﻟﻮاﻟﻰ اﻟﺬى أرﺳﻠﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﺳﺘﻼم ﻋﻤﻠﮫ؛ ﺣﯿﺚ ﺗﺼﺪى ﻟﮫ أﻧﺼﺎر ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن -واﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﻣﻦ أﯾﺎم
ﻋﺜﻤﺎن رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -وأﺧﺮﺟﻮه ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،ورﻓﺾ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻣﺒﺎﯾﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ،واﺳﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﺪة ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ
أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﯾﻌﺪ ﺟﯿﺸًﺎ ﻗﻮﯾّﺎ ﻟﻐﺰو اﻟﺸﺎم ،وﻋﺰل ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻋﻨﮭﺎ؛ ﺣﯿﺚ رأى أن ھﯿﺒﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻻ ﺗﻜﻮن إذا ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أن
ﯾﻌﺰل واﻟﯿًﺎ وأن ﯾﻌﯿﻦ ﻏﯿﺮه ،ھﺬا ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ ،وﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ أﺧﺮى ،ﻓﺈن ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﺳﻮف ﯾﺸﺠﻊ اﻟﻌﺼﺎة واﻟﻤﻨﺤﺮﻓﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺚ ﺑﻤﻘﺪرات
اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻤﺎ ﯾﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﺮار اﻟﻨﻈﺎم ،وﺑﯿﻨﻤﺎ ھﻮ ﯾﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻠﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎم ،إذ ﻇﮭﺮ ﺗﻤﺮد آﺧﺮ ﻧﺸﺄ ﻋﻦ ﻃﻠﺤﺔ اﺑﻦ ﻋﺒﯿﺪ اﷲ
واﻟﺰﺑﯿﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮام وﻋﺎﺋﺸﺔ أم اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﺒﺼﺮة واﺳﺘﯿﻼﺋﮭﻢ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٣٦ھـ ﻓﻌﺪل " ﻋﻠﻰ" ﻋﻦ ﻏﺰو اﻟﺸﺎم وأﻋﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻠﺬھﺎب إﻟﻰ
اﻟﺒﺼﺮة ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺮد وذھﺐ ﻣﻌﮫ ﻋﺪد ﻏﯿﺮ ﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺣﯿﺚ دارت ﻣﻮﻗﻌﺔ اﻟﺠﻤﻞ ﻓﻰ ﺟﻤﺎدى اﻵﺧﺮة ﺳﻨﺔ ٣٦ھـ واﻟﺘﻰ
اﻧﺘﮭﺖ ﺑﺎﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ .وﻗُﺘﻞ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ،وﻗُﺘﻞ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﺑﻦ اﻟﻌﻮام ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺮك اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،وﻗﺪ ﻧﻮى ﻋﺪم اﻻﺷﺘﺮاك ﻓﯿﮭﺎ.
وأﻋﯿﺪت اﻟﺴﯿﺪة ﻋﺎﺋﺸﺔ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮭﺎ -ﻣﻜﺮﻣﺔ ﻣﻌﺰزة ،وﺳﺎر ﻣﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﯾﺤﻤﯿﮭﺎ ﺛﻢ وﻛﻞ ﺑﮭﺎ ﺑﻌﺾ ﺑﻨﯿﮫ ﺣﺘﻰ
وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ،ﻓﺄﻗﺎﻣﺖ ﺣﺘﻰ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ.
واﺳﺘﻘﺮت اﻷﻣﻮر ﻓﻰ " اﻟﺒﺼﺮة" ﻋﻘﺐ ذﻟﻚ ،وأﺧﺬ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ ﺛﻢ وﺟﮫ أﻧﻈﺎره ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﺸﺎم ﺣﯿﺚ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن
اﻟﺬى رﻓﺾ اﻟﻄﺎﻋﺔ وأﺑﻰ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻟﮫ إﻻ ﺑﻌﺪ اﻷﺧﺬ ﺑﺜﺄر ﻋﺜﻤﺎن ،ﻓﺒﻌﺚ إﻟﯿﮫ ﯾﺪﻋﻮه ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺒﮫ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ ﻣﻦ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎن،
وﻟﻤﺎ ﺗﺤﻘﻖ ﻋﻠﻰّ ﻣﻦ ﻋﺪم اﺳﺘﺠﺎﺑﺘﮫ ﻟﺪﻋﻮﺗﮫ وﺗﺄھﺒﮫ ﻟﻠﻘﺘﺎل ،ﺳﺎر ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻟﺮدﻋﮫ واﻟﺘﻘﻰ ﺑﺠﻨﺪ اﻟﺸﺎم وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ
ﺳﻔﯿﺎن ﺣﯿﺚ دارت ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ﻣﻨﺎوﺷﺎت ﯾﺴﯿﺮة ﻓﻰ ﺳﮭﻞ "ﺻﻔﯿﻦ " ﻓﻰ ذى اﻟﺤﺠﺔ ﺳﻨﺔ ٣٦ھـ ،ﺛﻢ اﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﻰ إﯾﻘﺎف اﻟﺤﺮب إﻟﻰ آﺧﺮ
اﻟﻤﺤﺮم ﻃﻤﻌًﺎ ﻓﻰ اﻟﺼﻠﺢ ،وﺗﺮددت اﻟﺮﺳﻞ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻟﻜﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻛﺎن ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻧﻔﺴﮫ وﻟﻰ دم ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن وﻃﺎﻟﺐ ﺑﺜﺄره
ن ھﺬا اﻷﻣﺮ ﻟﻦ ﯾﺘﻢ إﻻ
ﻓﺄﺻﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻔﮫ وھﻮ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﺎﻟﺘﺤﻘﯿﻖ ﻣﻊ ﻗﺘﻠﺔ ﻋﺜﻤﺎن واﻻﻗﺘﺼﺎص ﻣﻨﮭﻢ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ رأى ﻋﻠﻰ أ ﱠ
ﺑﻌﺪ أن ﺗﮭﺪأ اﻟﻔﺘﻨﺔ وﺗﺴﺘﻘﺮ اﻷﺣﻮال ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﺼﻞ اﻟﻄﺮﻓﺎن إﻟﻰ ﺣﻞ ﯾﺮﺿﻰ ﻛﻼ ﻣﻨﮭﻤﺎ ﻋﺎدوا إﻟﻰ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻰ ﺷﮭﺮ ﺻﻔﺮ ﺳﻨﺔ
٣٧ھـ.
ﻰ اﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﺑﺠﻨﺪه ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺪ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن اﻟﺬﯾﻦ رﻓﻌﻮا
واﺷﺘﻌﻠﺖ ﻧﺎر اﻟﺤﺮب ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ أﯾﺎﻣًﺎ ﻣﺘﻮاﻟﯿﺔ وزﺣﻒ ﻋﻠ ّ
اﻟﻤﺼﺎﺣﻒ ﻋﻠﻰ أﺳﻨﺔ اﻟﺮﻣﺎح وﻗﺎﻟﻮا " :ھﺬا ﻛﺘﺎب اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻜﻢ" ﻓﻠﻤﺎ رأى أھﻞ اﻟﻌﺮاق اﻟﻤﺼﺎﺣﻒ ﻣﺮﻓﻮﻋﺔ ﻗﺎﻟﻮا" :ﻧﺠﯿﺐ
إﻟﻰ ﻛﺘﺎب اﷲ " وﻟﻘﯿﺖ ھﺬه اﻟﺪﻋﻮة ﻗﺒﻮﻻ ﻟﺪى ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ﺟﻨﺪ "ﻋﻠﻰ" اﻟﺬﯾﻦ ﯾُﻌﺮﻓﻮن ﺑﺎﻟﻘﺮاء؛ ﻷﻧﮭﻢ ﯾﺠﯿﺪون ﺣﻔﻆ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ،
ﻓﺮﻓﻀﻮا اﻟﻤﻀﻰ ﻓﻰ اﻟﻘﺘﺎل وواﻓﻘﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ ،وﺑﺬﻟﻚ اﻧﺘﮭﺖ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ﺻﻔﯿﻦ " ،وﺣﻞ ﻣﺤﻠﮭﺎ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ ،واﺗﻔﻖ اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ﻋﻠﻰ أن ﯾﺨﺘﺎر
ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻤﺎ رﺟﻼ ﻣﻦ ﻗِﺒَﻠﮫ ،ﻓﺎﺧﺘﺎر ﻣﻌﺎوﯾﺔ "ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص" ،واﺧﺘﺎر أﺗﺒﺎع ﻋﻠﻰ " أﺑﺎ ﻣﻮﺳﻰ اﻷﺷﻌﺮى" ،ﻟﻜﻦ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ أﻧﺼﺎره ﻋﺎدوا
ورﻓﻀﻮا اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ ﻓﻰ ﻗﻀﯿﺔ ﺗﺒﯿﻦ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻞ ،وﺧﺮﺟﺖ ھﺬه اﻟﻔﺌﺔ ﻋﻠﻰ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ورﻓﻀﻮا اﻟﺴﯿﺮ ﻣﻌﮫ
إﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ وﻋﺮﻓﺖ ھﺬه اﻟﻔﺌﺔ " ﺑﺎﻟﺨﻮراج".
١٢
اﺳﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﻓﻰ ﻗﺒﻮل ﻣﺒﺪأ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ وأرﺳﻞ أﺑﺎ ﻣﻮﺳﻰ اﻷﺷﻌﺮى ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ ﺑﻌﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص ،واﺗﻔﻖ اﻟﺤﻜﻤﺎن ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻊ
ﻋﻠﻰ وﻣﻌﺎوﯾﺔ ،وﺗﺮك اﻷﻣﺮ ﺷﻮرى ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﺨﺘﺎرون ﻓﯿﮫ ﻣﻦ ﯾﺮﯾﺪون ،ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﻋﻠﯿّﺎ ﺧﺒﺮ اﻟﺤﻜﻤﯿﻦ أﻧﻜﺮ ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ ﻣﺎ اﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻗﺎل:
إن ھﺬﯾﻦ اﻟﺤﻜﻤﯿﻦ ﻧﺒﺬا ﺣﻜﻢ اﻟﻘﺮآن واﺗﺒﻊ ﻛﻞ واﺣﺪ ھﻮاه ،واﺧﺘﻠﻔﺎ ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﺎﺳﺘﻌﺪوا ﻟﻠﺴﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ،وأﺧﺬ ﯾﺤﺮض اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺣﺮب
ﻣﻌﺎوﯾﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺨﻮارج اﺷﺘﺪوا ﻋﻠﻰ أﺻﺤﺎب " ﻋﻠﻰ" وﻗﺘﻠﻮا ﺑﻌﻀًﺎ ﻣﻨﮭﻢ ،ﻓﺠﮭﱠﺰ " ﻋﻠﻰ" ﺟﯿ ﺸًﺎ ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ اﻟﺨﻮارج واﻟﺘﻘﻰ ﺑﮭﻢ ﻋﻨﺪ
اﻟﻨﮭﺮوان ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﯿﻠﯿﻦ ﻣﻦ " اﻟﻜﻮﻓﺔ " وھﺰﻣﮭﻢ ﺷﺮ ھﺰﯾﻤﺔ ﺛﻢ أﺧﺬ ﯾﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﺑﺎﻟﺸﺎم ﺳﻨﺔ ٣٨ھـ ،ﻟﻜﻦ
أﺣﺪ اﻟﺨﻮارج وﯾُﺪﻋﻰ ﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ُﻣ ْﻠﺠَﻢ اﺳﺘﻄﺎع ﻗﺘﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ؛ ﺣﯿﺚ ﺿﺮﺑﮫ ﺑﺴﯿﻒ ﻣﺴﻤﻮم ﻓﺘﻮﻓﻰ ﻓﻰ ١٧رﻣﻀﺎن
ﺳﻨﺔ ٤٠ھـ .
و ﺑﻮﻓﺎﺗﮫ اﻧﺘﮭﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ
ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﻠﻰ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﺳﻨﺔ ٤٠ھـ ﺗﮭﯿﺄت اﻟﻈﺮوف ﻟﻸﻣﻮﯾﯿﻦ ﻟﻜﻰ ﯾﺒﺴﻄﻮا ﺳﻠﻄﺎﻧﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
ﺣﻘّﺎ إﻧﮭﻢ ذَوُو ﺣﺴﺐ وﻧﺴﺐ ،ﻓﮭﻢ ﺳﻼﻟﺔ "أﻣﯿﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺷﻤﺲ" أﺣﺪ ﺳﺎدات ﻗﺮﯾﺶ وزﻋﻤﺎﺋﮭﺎ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم.
وﻗﺪ ﻛﺎن ﺳ ﻔﯿﺎن ﺑﻦ ﺣﺮب واﻟﺪ ﻣﻌﺎوﯾﺔ أﺣﺪ أﺑﻨﺎء ھﺬا اﻟﺒﯿﺖ اﻷﻣﻮى وﻣﻦ أﻛﺒﺮ ﺳﺎدات ﻗﺮﯾﺶ ،وإﻟﯿﮫ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﯿﺎدة ﻗﻮاﻓﻞ اﻟﺘﺠﺎرة ،وإدارة
ﺷﺌﻮن اﻟﺤﺮب ،وﻟﻢ ﯾﺴﻠﻢ إﻻ ﻋﻨﺪ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ ،وروى ﻋﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ أﻧﮫ أﺳﻠﻢ ﯾﻮم ﻋﻤﺮة اﻟﻘﻀﺎء وﻛﺘﻢ إﺳﻼﻣﮫ ﺣﺘﻰ َﻓﺘْﺢ ﻣﻜﺔ ،وﻗﺪ ﻟﻘﻰ أﺑﻮﺳﻔﯿﺎن
ﻣﻦ اﻟﺮﺳﻮل ) ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﻛﺮﯾﻤﺔ ﺣﯿﺚ أﻋﻠﻦ ﻋﻨﺪ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ أن "ﻣﻦ دﺧﻞ دار أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻓﮭﻮ آﻣﻦ" .واﺳﺘﺨﺪم اﻟﺮﺳﻮل ) ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻛﺎﺗﺒًﺎ ﻟﮫ،
واﺳﺘﻌﺎن اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪون ﺑﺄﺑﻨﺎء اﻟﺒﯿﺖ اﻷﻣﻮى ،ﻓﻜﺎن ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن أﺣﺪ ﻗﺎدة اﻟﺠﯿﻮش اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﺘﻰ ﺑﻌﺚ ﺑﮭﺎ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ -رﺿﻰ اﷲ
ﻋﻨﮫ -ﻟﻔﺘﺢ اﻟﺸﺎم ﺳﻨﺔ ١١ھـ٦٣٣/م.
وﻗﺪ ﺣﺎرب ﯾﺰﯾﺪ وﺗﺤﺖ إﻣﺮﺗﮫ أﺧﻮه ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﻤﺮ ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻓﻰ ﯾﺰﯾﺪ ﺳﻨﺔ ١٨ھـ٦٣٩ /م ،اﺳﺘﻌﻤﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ "ﻋﻤﺮ" ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ
أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻋﻠﻰ دﻣﺸﻖ وﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺟﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺟﻤﻊ ﻟﮫ اﻟﺸﺎم ﻛﻠﮭﺎ.
وﻟﻘﺪ ﻣﮭﺪت اﻷﻗﺪار ﻟﻤﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻓﻰ أن ﯾﺨﻄﻮ ﺧﻄﻮات ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻟﻜﻰ ﯾﺘﻮﻟﻰ ﻣﻨﺼﺐ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﺑﺎﯾﻌﮫ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ -رﺿﻰ اﷲ
ﻋﻨﮫ -اﻟﺬى ﻛﺎن ﻗﺪ ﺧﻠﻒ أﺑﺎه وﺻﺎر ﻣﻌﮫ ﻣﺎ ﯾﻘﺮب ﻣﻦ اﺛﻨﯿﻦ وأرﺑﻌﯿﻦ أﻟﻔًﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﻄﻤﺌﻦ إﻟﻰ وﻻء اﻟﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻣﻌﮫ.
ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻋﺎم ٤١ھـ٦٦٢/م ،وھﻮ ﻋﺎم اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻷول ،ﻷن ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻧﺎل ﻓﯿﮫ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻣﺼﺎر اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﯾﻌﺘﺒﺮ ھﺬا
اﻟﻌﺎم اﻟﻤﯿﻼد اﻟﺮﺳﻤﻰ ﻟﻘﯿﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ.
ﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎوﯾ َﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﺑﻜﺘﺎﺋﺐ أﻣﺜﺎل اﻟﺠﺒﺎل ،ﻓﻘﺎل ﻋﻤﺮو ﺑﻦ وﻟﻘﺪ روى ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﺼﺮى أﻧﮫ ﻗﺎل :اﺳﺘﻘﺒﻞ -واﷲ -اﻟﺤﺴ ُ
اﻟﻌﺎص :إﻧﻰ ﻷرى ﻛﺘﺎﺋﺐ ﻻ ﺗﺘﻮﻟﻰ ﺣﺘﻰ ﯾﻘﺘﻞ أﻗﺮاﻧﮭﺎ .ﻓﻘﺎل ﻣﻌﺎوﯾﺔ وﻛﺎن واﷲ ﺧﯿﺮ اﻟﺮﺟﻠﯿﻦ إن ﻗﺘﻞ ھﺆﻻء ھﺆﻻء ،وھﺆﻻء ھﺆﻻء ،ﻣﻦ
ﻟﻰ ﺑﺄﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻣﻦ ﻟﻰ ﺑﻀﻌﯿﻔﮭﻢ؟ ﻣﻦ ﻟﻰ ﺑﻨﺴﺎﺋﮭﻢ؟
وﺑﻌﺚ ﻣﻌﺎوﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ وﺣﻘﻦ دﻣﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻛﺎن اﻟﺤﺴﻦ ﻣﮭﯿﺄ ﻟﮭﺬا اﻷﻣﺮ اﻟﻨﺒﯿﻞ ،ﻓﻤﺎ أﻋﺰ دﻣﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻨﺪه.
وﺗﻨﺎزل اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﻤﻌﺎوﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻌﻮد اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪه ﺷﻮرى ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﻟﻤﺎ ﻗﺪم اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻗﺎﺑﻠﮫ ﺳﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻨﯿﻒ واﻟﻠﻮم ﻟﺘﻨﺎزﻟﮫ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﺑﺎرًا راﺷﺪّا ﻻ ﯾﺠﺪ ﻓﻰ ﺻﺪره ﻣﻦ ھﺬا اﻷﻣﺮ ﺣﺮﺟًﺎ أو
ﻧﺪﻣًﺎ ،ﻗﺎل ﻟﮫ رﺟﻞ اﺳﻤﮫ ﻋﺎﻣﺮ :اﻟﺴﻼم ﻋﻠﯿﻚ ﯾﺎ ﻣﺬل اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ .ﻗﺎل :ﻻ ﺗﻘﻞ ھﺬا ﯾﺎ ﻋﺎﻣﺮ ،ﻟﺴﺖ ﺑﻤﺬل اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،وﻟﻜﻨﻰ ﻛﺮھﺖ أن أﻗﺘﻠﮭﻢ
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠْﻚ.
وﺗﺤﻘﻘﺖ ﻧﺒﻮءة اﻟﻨﺒﻰ ) ﻓﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﯾﻮم ﻗﺎل" :إن اﺑﻨﻰ ھﺬا ﺳﯿﺪ ،وﺳﯿﺼﻠﺢ اﷲ ﺑﮫ ﺑﯿﻦ ﻓﺌﺘﯿﻦ ﻋﻈﯿﻤﺘﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ"] .أﺣﻤﺪ واﻟﺒﺨﺎرى وأﺑﻮ
داود ،واﻟﺘﺮﻣﺬى واﻟﻨﺴﺎﺋﻰ[.
ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﺒﺢ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺷﺒﮫ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،واﻟﺸﺎم ،واﻟﻌﺮاق ،وﻣﺼﺮ ،وﺑﻼد اﻟﺠﺰﯾﺮة،
وﺧﺮاﺳﺎن.
أﻣﺎ اﻟﺠﮭﺎت اﻟﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﯿﻤﺎ وراء ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺘﻘﺮ إﻟﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮار.
وﻛﺎن ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻰ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﺜﻤﺎن ،و ﻣﺎ أﻋﻘﺒﮭﺎ ﻣﻦ ﺻﺮاع ﺑﯿﻦ ﻋﻠﻰ وﻣﻌﺎوﯾﺔ أﺛﺮھﻤﺎ ﻓﻰ ﺗﻮﻗﻒ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﻜﺒﺮى ،وﻣﺘﺎﺑﻌﺔ
اﻟﺠﮭﺎد ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻹﺳﻼم ،وأداء رﺳﺎﻟﺘﮫ ،واﺳﺘﻜﻤﺎل ﺑﻨﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
ﻓﻼﺑﺪ أن ﺗﻌﻮد اﻟﻤﯿﺎه إﻟﻰ ﻣﺠﺎرﯾﮭﺎ ،وﻻﺑﺪ أن ﺗﻌﻮد اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ،ﺑﻞ وأﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ.
ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ "دﻣﺸﻖ" ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻣﻨﮭﺎ ﺗﻨﻄﻠﻖ اﻟﺠﯿﻮش ﺑﺎﺳﻢ اﷲ.
وﻋﻤﻞ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻣﻨﺬ ﺗﻮﻟﯿﮫ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﮭﯿﺰ اﻟﺠﯿﻮش ﺑﺸﻦ ﺣﺮب ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺿﺪ "اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ" ،وھﻰ "إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺮوم" .ﻟﻘﺪ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻘﻮة اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻃﺎﻟﻤﺎ ﺣﺎوﻟﺖ ﻓﻰ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﺨﻼف واﻟﻔﺘﻨﺔ أن ﺗﺴﺘﺮد اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ،أﻏﻠﻰ أﻗﺎﻟﯿﻢ
"اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ" ﻗﺒﻞ ﻓﺘﺢ اﻟﻌﺮب ﻟﮭﻤﺎ.
إن أراﺿﻰ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ ﺗﺘﺎﺧﻢ اﻟﺠﮭﺎت اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم واﻟﻌﺮاق ،وﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺮوﻣﯿﺔ
ﻟﺘﺨﺮﯾﺐ ھﺬﯾﻦ اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﻦ اﻟﻌﺮﺑﯿﯿﻦ ! ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﯾﺤﺎول ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﺪو اﻟﻠﺪود؟ ﻟﻤﺎذا ﻻ ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ
ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺗﻠﻚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ ؟
أﻋﺪ ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ،وزودھﺎ ﺑﺎﻟﻌَﺪد واﻟﻌُﺪد ،وﺟﻌﻞ ﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ اﺑﻨﮫ ووﻟﻰ ﻋﮭﺪه ﯾﺰﯾﺪ ،وﻟﻢ ﯾﺘﺨﻠﻒ ﺻﺤﺎﺑﺔ رﺳﻮل اﷲ ) ﻋﻦ اﻟﺠﮭﺎد
١٣
ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ ،ﻓﺎﻧﻀﻤﻮا إﻟﻰ ھﺬه اﻟﺤﻤﻠﺔ ﻣﺘﻤﺜﻠﯿﻦ أﻣﺎم أﻋﯿﻨﮭﻢ ،ﻗﻮل اﻟﺮﺳﻮل ) "ﻟﺘﻔﺘﺤﻦ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻓﻠﻨﻌﻢ اﻷﻣﯿﺮ أﻣﯿﺮھﺎ ،وﻟﻨﻌﻢ اﻟﺠﯿﺶ ذﻟﻚ
اﻟﺠﯿﺶ" ]أﺣﻤﺪ واﻟﺤﺎﻛﻢ[ ،آﻣﻠﯿﻦ أن ﯾﺘﺤﻘﻖ ﻓﯿﮭﻢ ﻗﻮل اﻟﺮﺳﻮل ) .ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ )" :أول ﺟﯿﺶ ﯾﻐﺰون ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻗﯿﺼﺮ ﻣﻐﻔﻮر ﻟﮭﻢ"
]اﻟﺒﺨﺎرى[.
وﻟﻘﺪ اﺷﺘﺮك ﻓﻰ ھﺬه اﻟﺤﻤﻠﺔ أﺑﻮ أﯾﻮب اﻷﻧﺼﺎرى اﻟﺬى ﻧﺰل اﻟﻨﺒﻰ ) ﻓﻰ ﺑﯿﺘﮫ ﻋﻨﺪ اﻟﮭﺠﺮة .وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ھﺬه اﻟﻤﺮة،
وﻟﻜﻦ ﺣﺴﺒﮭﻢ أﻧﮭﻢ أول ﺟﯿﺶ ﯾﻐﺰو اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ.
وﻟﻘﺪ ﺳﻌﺪ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﺎﺷﺘﺮاك اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻐﺰوة ،ﻓﮭﻢ ﺧﯿﺮ وﺑﺮﻛﺔ ،ﻓﺒﮭﻢ ﺗﻌﻠﻮ راﯾﺔ اﻟﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ .واﺗﺠﮭﺖ ھﺬه اﻟﺠﯿﻮش إﻟﻰ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ
ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺤﻮا ﺑﻼدًا ﻋﺪﯾﺪة ﻓﻰ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى وﺿَﺮﺑﻮا اﻟﺤﺼﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺤﺼﯿﻨﺔ .وﻋﺰز ﻣﻌﺎوﯾﺔ ھﺬه اﻟﻐﺰوة ﺑﺄﺳﻄﻮل ﺳﺎر ﺗﺤﺖ
ﻗﯿﺎدة ﻓﻀﺎﻟﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﯿﺪ اﻷﻧﺼﺎرى ،وﺳﺎر ھﺬا اﻷﺳﻄﻮل إﻟﻰ ﻣﯿﺎه اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ.
وأﺛﻨﺎء اﻟﺤﺼﺎر ،ﻣﺮض "أﺑﻮ أﯾﻮب اﻷﻧﺼﺎرى" وﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ أن ﺗﻮﻓﻰ ،ودﻓﻦ ﺟﺜﻤﺎﻧﮫ ﻗﺮب أﺳﻮار اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،وأﻇﮭﺮ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن
ﺿﺮوﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ أذھﻠﺖ اﻟﺮوم ،ﺛﻢ اﻧﺴﺤﺒﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﺄھﺒًﺎ ﻟﻜﺮّة أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺠﮭﺎد. .
ﺑﻌﺚ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺣﻤﻠﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﺿﺪ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ؛ إﻧﮫ ﯾﺪرك ﺧﻄﺮ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،وﯾﻌﻤﻞ ﺟﺎھﺪًا ﻋﻠﻰ ﺗﺪﻣﯿﺮ ﻗﻮﺗﮭﻢ.
ﻟﻘﺪ دام اﻟﺤﺼﺎر ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ) ٦٠ - ٥٤ھـ ٦٨٠ - ٦٧٤ /م( ،وﻛﺎن اﻟﺘﻌﺎون ﻗﺎﺋﻤًﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻮات اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ واﻷﺳﻄﻮل
اﻹﺳﻼﻣﻰ ،ﻓﻘﺪ اﺗﺨﺬ اﻷﺳﻄﻮل ﻣﻘﺮّا ﻟﮫ ﻓﻰ ﺟﺰﯾﺮة "أرواد" ﻗﺮب ﻣﯿﺎه اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،وﺑﻤﻄﻠﻊ اﻟﺮﺑﯿﻊ ،ﺗﻢ إﺣﻜﺎم اﻟﺤﺼﺎر ،ﻓﺎﻧﺘﻘﻠﺖ اﻟﻘﻮات
اﻟﺒﺮﯾﺔ ﻹﻟﻘﺎء اﻟﺤﺼﺎر ﻋﻠﻰ أﺳﻮار اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ،ﻋﻠﻰ ﺣﯿﻦ ﺗﻮﻟﺖ ﺳﻔﻦ اﻷﺳﻄﻮل ﺣﺼﺎر اﻷﺳﻮار اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ.
وﺑﺎﻗﺘﺮاب ﻓﺼﻞ اﻟﺸﺘﺎء ﻧﻘﻞ اﻷﺳﻄﻮل ﻗﻮات اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻟﻰ ﺟﺰﯾﺮة "أرواد" ﺣﻤﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﺑﺮد ﺗﻠﻚ اﻟﺠﮭﺎت اﻟﻘﺎرص ،ﺛﻢ ﻋﺎد ﻓﻨﻘﻠﮭﺎ ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ
اﻟﺤﺼﺎر ﺑﻤﻄﻠﻊ اﻟﺮﺑﯿﻊ.
وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ھﺬه " اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ" اﻗﺘﺤﺎم اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻨﺎﻋﺔ أﺳﻮارھﺎ ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻄﻠﻘﮫ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﻮن ﻋﻠﻰ ﺳﻔﻦ اﻷﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻰ
ﻣﻦ ﻧﯿﺮان ،ﻓﺎﻧﺘﮭﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﻘﺪ ﺻﻠﺢ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﻣﺪﺗﮫ ﺛﻼﺛﻮن ﻋﺎﻣًﺎ ،ﻋﺎم ٥٦ھـ ٦٧٦ /م.
وﺑﺮﻏﻢ ﻋﺠﺰ ھﺎﺗﯿﻦ اﻟﺤﻤﻠﺘﯿﻦ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻓﺈﻧﮭﻤﺎ ﺣﻘﻘﺘﺎ أھﺪاﻓًﺎ واﺳﻌﺔ ،ﻓﻠﻘﺪ ﺗﺨﻠﻰ أﺑﺎﻃﺮة اﻟﺮوم ﻋﻦ ﻣﺸﺎرﯾﻌﮭﻢ
وأﺣﻼﻣﮭﻢ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻓﻰ اﺳﺘﻌﺎدة ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،وﻏﯿﺮھﻤﺎ ﻣﻦ اﻷراﺿﻰ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻋﻠﻤﻮا أن ﺟﯿﻮش اﻹﺳﻼم ﺑﺎﺗﺖ ﻗﻮﯾﺔ،
وراﺣﺖ ﺗﺪق أﺑﻮاب ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﻢ ﺑﻌﻨﻒ.
ﻟﻘﺪ زﻟﺰﻟﺖ اﻟﻘﻮات اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺘﮭﻢ ﻧﻔﺴﮭﺎ ،وﺷﻠﺖ ﻧﺸﺎط اﻟﻘﻮات اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ،وﻗﻠﻤﺖ أﻇﻔﺎرھﺎ ،ﻣﻤﺎ أﺗﺎح ﻟﻸﻣﻮﯾﯿﻦ ﺑﺴﻂ رﻗﻌﺔ اﻟﺪوﻟﺔ
ﺷﺮﻗًﺎ وﻏﺮﺑًﺎ.
ﻓﺈذا اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺎم إﻟﻰ اﻟﻤﯿﺪان اﻟﺸﺮﻗﻰ ﻧﺠﺪ أن اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻟﺘﻰ ﺗﻮﻗﻔﺖ أواﺧﺮ ﺧﻼﻓﺔ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻗﺪ
اﺳﺘﺄﻧﻔﮭﺎ اﻷﻣﻮﯾﻮن ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﻟﻰ ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻌﺚ اﻟﺠﯿﻮش ﻟﻨﺸﺮ اﻹﺳﻼم ﻓﻰ ﻣﻮاﻃﻦ ﺟﺪﯾﺪة ﺳﻜﻨﮭﺎ اﻷﺗﺮاك ﻓﻰ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،وإﻟﻰ
ﺑﻼد اﻟﮭﻨﺪ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻃﻦ ﺣﻀﺎرة ﻣﻦ أﻗﺪم اﻟﺤﻀﺎرات ﻓﻰ ﺟﻨﻮب ﺷﺮق آﺳﯿﺎ.
وﻓﻰ ﺑﻼد اﻟﺸﺮق ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎن زﯾﺎد ﺑﻦ أﺑﯿﮫ واﻟﯿًﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ ِﻗﺒَﻞ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ،ﻏﺰا اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن ﻓﺴﻘﻄﺖ "ﻛﺎﺑﻮل"
ﻓﻰ أﯾﺪﯾﮭﻢ ﺳﻨﺔ ٦٦٤م ،وﻋﺒﺮوا ﻧﮭﺮ ﺟﯿﺤﻮن ،واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﺨﺎرى ﺳﻨﺔ ٦٧٤م ،ﺛﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ﺳﻨﺔ ٦٧٦م ،ﺛﻢ واﺻﻠﻮا زﺣﻔﮭﻢ ﺣﺘﻰ
ﻧﮭﺮ ﺳﯿﺤﻮن ،وذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻗﺎدة ﻣﻦ ﺷﺒﺎب اﻹﺳﻼم ﻣﺜﻞ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ اﻟﺜﻘﻔﻰ وﻗﺘﯿﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺒﺎھﻠﻰ وﻏﯿﺮھﻤﺎ.
واﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻣﻨﺬ وﻟﻰ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻧﺤﻮ اﻟﻤﯿﺪان اﻟﻐﺮﺑﻰ ﻓﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻰ ﺗﻼﺻﻖ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ اﻟﻐﺮب ،وﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ
"ﺑﺮﻗﺔ" إﻟﻰ اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻷﻃﻠﺴﻰ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻌﺮب ﺑﺎﺳﻢ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب ،وﻛﺎن ﯾﺴﻜﻨﮭﺎ أﻧﺎس ﻋﺮﻓﻮا ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،وھﻢ ﯾﻨﺘﻤﻮن ﻓﻰ
أﺻﻠﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﻠﯿﺒﻰ اﻟﻘﺪﯾﻢ اﻟﺬى ﯾﺮﺗﺒﻂ ﻣﻊ اﻷﺻﻮل اﻟﺘﻰ ﯾﻨﺘﻤﻰ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﻤﺼﺮﯾﻮن اﻟﻘﺪﻣﺎء.
وﻛﺎن ھﺆﻻء اﻟﺒﺮﺑﺮ ﯾﻨﻘﺴﻤﻮن ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺴﻜﻨﮭﻢ إﻟﻰ ﻗﺴﻤﯿﻦ :ﺣﻀﺮ ﯾﺰرﻋﻮن اﻷرض وﯾﻌﯿﺸﻮن ﻣﺴﺘﻘﺮﯾﻦ ﻗﺮب اﻟﺴﺎﺣﻞ ،وﻋﻠﻰ ﺳﻔﻮح
اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺨﺼﺒﺔ ،واﺷﺘﮭﺮوا ﺑﺎﺳﻢ "اﻟﺒﺮاﻧﺲ" .وﺑﺪو ﯾﺮﻋﻮن ﻗﻄﻌﺎﻧﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺷﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﺼﺤﺎري ،وﻋﺮﻓﻮا ﺑﺎﺳﻢ "اﻟﺒﺘﺮ".
وأﺳﻨﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻓﺘﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد وإﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺳﻨﺔ ٥٠ھـ إﻟﻰ "ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ اﻟﻔﮭﺮى" ،اﻟﺬى ﻛﺎن ﻣﻘﯿﻤًﺎ ﺑﺒﺮﻗﺔ ﻣﻨﺬ أن ﻓﺘﺤﮭﺎ
ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص أﺛﻨﺎء وﻻﯾﺘﮫ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ،ﻓﻜﺎن ﻋﻘﺒﺔ ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺧﺒﺮة ودراﯾﺔ ﺑﺄﺣﻮال ھﺬه اﻟﺒﻼد ،وﻋﮭﺪ إﻟﯿﮫ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻘﯿﺎدة
ﺑﻌﺾ اﻟﺴﺮاﯾﺎ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﻮﻏﻠﺖ ﻓﻰ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،ورأى ﻋﻘﺒﺔ أن أﻓﻀﻞ اﻟﻄﺮق ﻟﻔﺘﺢ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب ﯾﻘﺘﻀﻰ إﻧﺸﺎء ﻗﺎﻋﺪة ﻟﻠﺠﯿﻮش
اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻰ ﻋﺮﻓﮭﺎ اﻟﻌﺮب ﺑﺎﺳﻢ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،وھﻰ ﺟﻤﮭﻮرﯾﺔ ﺗﻮﻧﺲ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ.
واﺳﺘﻄﺎع ﻋﻘﺒﺔ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﻣﺸﺮوﻋﮫ ﺣﯿﻦ اﻧﻄﻠﻖ ﺑﺠﯿﻮﺷﮫ إﻟﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺎر ﻣﻮﻗﻌًﺎ ﯾﻠﺘﻘﻰ ﻋﻨﺪه "اﻟﺒﺮاﻧﺲ" و "اﻟﺒﺘﺮ" وأﻗﺎم
ﻋﻠﯿﮫ ﻗﺎﻋﺪﺗﮫ اﻟﺘﻰ ﺳﻤﺎھﺎ "اﻟﻘﯿﺮوان" ،وﺷﺮح ﻋﻘﺒﺔ أھﺪاﻓﮫ ﻣﻦ ﺗﺄﺳﯿﺲ اﻟﻘﯿﺮوان ﻗﺎﺋﻼ ﻟﺠﻨﻮده :وأرى ﻟﻜﻢ ﯾﺎ ﻣﻌﺸﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أن ﺗﺘﺨﺬوا ﺑﮭﺎ
)أى ﺑﺄﻓﺮﯾﻘﯿﺔ( ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻧﺠﻌﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﺴﻜﺮًا ،وﺗﻜﻮن ﻋﺰ اﻹﺳﻼم إﻟﻰ أﺑﺪ اﻟﺪھﺮ.
وﻛﺎن ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﺻﺎدق اﻹﯾﻤﺎن ،ﻓﯿﺮوى أﻧﮫ ﻟﻤﺎ ﺑﺪأ ﻓﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﻘﯿﺮوان ،وﻛﺎن ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ ﻣﻜﺎن ﻣﻠﺘﻒ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮ ﺗﺄوى إﻟﯿﮭﺎ اﻟﺴﺒﺎع واﻟﻮﺣﻮش
واﻟﺤﯿﺎت اﻟﻌﻈﺎم ،ﻓﺪﻋﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻠﻢ ﯾﺒﻖ ﻓﯿﮭﺎ ﺷﻰء ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺴﺒﺎع ﺻﺎرت ﺗﺨﺮج ﻣﻨﮭﺎ ﺗﺤﻤﻞ أوﻻدھﺎ ،واﻟﺤﯿﺎت ﯾﺨﺮﺟﻦ ھﺎرﺑﺔ
ﻣﻦ أﺣﺠﺎرھﻦ ،وﻟﻤﺎ رأى اﻟﺒﺮﺑﺮ ذﻟﻚ أﺳﻠﻢ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ.
-١دﻣﺸﻖ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة:
ﻛﺎن ﻋﻠﻰ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﻣﻦ "اﻟﻜﻮﻓﺔ" ﻣﺮﻛﺰًا ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ،ﻓﺎﺗﺨﺬ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻣﺪﯾﻨﺔ "دﻣﺸﻖ" ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻘ ّﺮّا ﻟﺨﻼﻓﺘﮫ وﻵل
ﺑﯿﺘﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه.
وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺨﻄﻮة ﺗﻌﻨﻰ أن ﻣﻘﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ أﺻﺒﺢ ﻣﺤﺼﻨًﺎ ﺑﻘﻮة ﻣﺎدﯾﺔ وﺑﺸﺮﯾﺔ ﻛﺒﯿﺮة ،وﺷﺠﻌﮫ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ أن أھﻞ اﻟﺸﺎم ﺑﺮھﻨﻮا ﻟﮫ ﻋﻦ
وﻻﺋﮭﻢ ﻟﻠﺒﯿﺖ اﻷﻣﻮى ،ووﻗﻔﻮا إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻰ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻔﺘﻨﺔ.
١٤
وﻛﺎن ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻗﺪ راح ﯾﺪﻋﻢ ﻋﻼﻗﺘﮫ ﺑﺎﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻜﺒﯿﺮة ﻣﻨﺬ وﻻﯾﺘﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎم ،ﻓﺼﺎھﺮ أﻗﻮاھﺎ وأﻋﺰھﺎ ،وأﻛﺜﺮھﺎ ﻧﻔﺮًا ،وھﻰ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻛﻠﺐ
اﻟﯿﻤﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ زوﺟﺘﮫ ﻣﯿﺴﻮن ﻣﻦ ﺑﻨﻰ ﺑﺤﺪل ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻠﺔ ﻛﻠﺐ ،وأﻧﺠﺐ ﻣﻨﮭﺎ اﺑﻨﮫ ﯾﺰﯾﺪ اﻟﺬى ﺻﺎر وﻟﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ.
أﻣﺎ ﻋﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﺪﯾﻨﺔ دﻣﺸﻖ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻮﻗﻌًﺎ ﻓﺮﯾﺪًا ،ﻓﮭﻰ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ ﺑﺎدﯾﺔ اﻟﺒﻠﻘﺎء ،ﻓﻰ واﺣﺔ اﻟﻐﻮﻃﺔ اﻟﺨﺼﯿﺒﺔ،
وﯾﻐﺬﯾﮭﺎ ﻧﮭﺮ ﺑﺮدى ،وﺗﺤﯿﻂ ﺑﮭﺎ ﺟﺒﺎل ﺷﺎھﻘﺔ ﻣﻦ ﺟﻤﯿﻊ ﻧﻮاﺣﯿﮭﺎ وھﻰ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ھﺬا ﻛﻠﮫ ﻣﺘﺠﺮًا ﻟﻠﻘﻮاﻓﻞ اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ "رﺣﻼت
اﻟﺼﯿﻒ".
وھﺎ ھﻰ ذى ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻣﻌﺴﻜﺮًا ﻟﻠﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻗﺎﻋﺪة ﺗﺒﺎﺷﺮ ﻣﻨﮭﺎ ﻣﮭﺎﻣﮭﺎ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ،وﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻟﻌﺪو
اﻷول ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وھﻮ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺮوم.
-٢اﻟﻮراﺛﺔ ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ:
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻤﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻰ ﻣﯿﺰت اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ :ﺗﻄﺒﯿﻖ ﻣﺒﺪأ اﻟﻮراﺛﺔ ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ ،ﻟﻘﺪ ﺗﺨﻠﻰ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻰ ﺟﺮى ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻧﺘﺨﺎب
اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﮫ ،ﻣﻌﺘﻘﺪًا أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺑﻌﺪ ھﺬه اﻟﺴﻨﯿﻦ ﻗﺪ ﺗﻄﻮر ،وأن ﻗﻮى ﺟﺪﯾﺪة ﻓﯿﮫ ﻗﺪ ﻇﮭﺮت ﺗﺮﯾﺪ أن ﺗﺒﺤﺚ ﻟﮭﺎ ﻋﻦ
دور ،وأن اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻰ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎﻟﺪور اﻟﺒﺎرز ﻓﻰ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻔﺘﻮح وﻗﯿﺎدة اﻟﺠﯿﻮش ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻘﺒﻞ ﺑﺴﮭﻮﻟﺔ أن ﺗﻨﻘﺎد ﻟﻤﻦ ﻻ ﺗﺮى ﻣﺼﺎﻟﺤﮭﺎ
ﻋﻨﺪه ،وﺗﻀﻤﻦ ﻧﻔﻮذھﺎ ﻟﺪﯾﮫ ،وأن اﻷﻣﺼﺎر واﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺣﺮﯾﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻌﻞ ﺟﮭﺎز اﻟﺤﻜﻢ ﻓﯿﮭﺎ ،أو ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﻣﻨﮭﺎ ،ﻣﻤﺎ ﯾﮭﺪد
اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎزع واﻟﺤﺮوب اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ﻓﺮأى أن ﯾﺴﺘﺨﻠﻒ وﻟﺪه ﯾﺰﯾﺪ إذ ﺗﺆﯾﺪه ﻗﻮة أھﻞ اﻟﺸﺎم وﺗﺤﻤﯿﮫ ﻗﻮة ﻗﺒﯿﻠﺔ ﻛﻠﺐ اﻟﺘﻰ ﻣﻨﮭﺎ أﻣﮫ
وأﺧﻮاﻟﮫ. .
وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺒﺎت اﻟﺘﻰ اﻋﺘﺮﺿﺖ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻓﺈﻧﮫ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻻﺑﻨﮫ ﯾﺰﯾﺪ ﺳﻨﺔ ٥٦ھـ ٦٧٦ /م ،وﺑﮭﺬا ﺗﻢ ﺗﺤﻮﯾﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ
إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﺒﺪأ اﻟﺘﻮرﯾﺚ .وﺻﺎر ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﺆﺳﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ،وأول ﻣﻦ ﻃﺒﻖ اﻟﻮراﺛﺔ ﻓﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
أﻣﺎ ﻋﻦ ﻋﮭﺪ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﺣﺎﻓﻼ ﺑﺎﻹﻧﺠﺎزات ،ﻓﻘﺪ أﻋﺎد ﺣﺒﺎت اﻟﻌﻘﺪ اﻟﺘﻰ اﻧﻔﺮﻃﺖ ﻓﻨﻈﻤﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،وﺑﻌﺚ اﻟﺠﯿﻮش ﺷﺮﻗًﺎ وﻏﺮﺑًﺎ،
وﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وأﺗﺎح ﻟﻠﺮاﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ أن ﺗﻮاﺻﻞ ﺗﻘﺪﻣﮭﺎ ﻓﻰ ﻛﻞ اﺗﺠﺎه ،وﻟﻘﻦ أﻋﺪاء اﻷﻣﺔ دروﺳًﺎ ﻻ ﺗﻨﺴﻰ!
ث اﺑﻨﮫ ﯾﺰﯾﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،ﺛﻢ أﺟﺎب داﻋﻰ اﷲ ﺑﻌﺪ ﺣﯿﺎة ﺣﺎﻓﻠﺔ ،وﻗﺪ ﻗﺎل ﻓﯿﮫ رﺳﻮل اﷲ
وﻟﻘﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﮫ ﻣﺎ أراد ،ﻓﺄﻗﺎم دوﻟﺔ ﻟﺒﻨﻰ أﻣﯿﺔ وَ َورﱠ َ
)" :اﻟﻠﮭﻢ اﺟﻌﻠﮫ ھﺎدﯾًﺎ ﻣﮭﺪﯾّﺎ واھﺪِ ﺑﮫ" ]أﺣﻤﺪ واﻟﺘﺮﻣﺬى[.
وﻗﺪ ﻟﻘﻰ ﻣﻌﺎوﯾﺔ رﺑﮫ ،ﻓﻰ رﺟﺐ ﺳﻨﺔ ٦٠ھـ ٦٨٠ /م.
ﺑﻮﯾﻊ ﻟﮫ ﻓﻰ ﺣﯿﺎة أﺑﯿﮫ ﻟﯿﻜﻮن وﻟﯿّﺎ ﻟﻠﻌﮭﺪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،ﺛﻢ أﻛﺪ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت واﻟﺪه ﻓﻰ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻣﻦ رﺟﺐ ﺳﻨﺔ ﺳﺘﯿﻦ ،واﺳﺘﻤﺮ
ﻓﻰ ﻣﻨﺼﺒﮫ إﻟﻰ أن ﺗﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ أرﺑﻊ وﺳﺘﯿﻦ !
وﻗﺪ واﺟﮭﺘﮫ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ واﻟﻌﻘﺒﺎت ﻋﻘﺐ ﺗﺴﻠﻤﮫ اﻟﺤﻜﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺿﺪه ﺛﻼث ﺛﻮرات ،ﺗﺮﺟﻊ دواﻓﻌﮭﺎ إﻟﻰ ﺗﻘﺮﯾﺮ "ﻣﺒﺪأ اﻟﻮراﺛﺔ" ﻓﻰ ﺑﻨﻰ
أﻣﯿﺔ.
ﻣﺎ ﻛﺎد ﯾﺰﯾﺪ ﯾﺘﺴﻠﻢ زﻣﺎم اﻟﺤﻜﻢ ﺣﺘﻰ واﺟﮫ ﻧﻔﺮًا ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﻤﺘﻨﻌﻮن ﻋﻦ ﻣﺒﺎﯾﻌﺘﮫ ،ﺛﻢ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ ﻣﻌﺎرﺿﺘﮭﻢ ﻟﺒﯿﻌﺘﮫ أن ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺛﻮرة
ﻣﺴﻠﺤﺔ.
وﻛﺎن ﯾﺰﯾﺪ ﻗﺪ ﻃﻠﺐ ﻣﻦ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ،وﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ
ﻋﻤﺮ ،وﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺴﻦ واﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ رﻓﻀﺎ ،وﺧﺮﺟﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ،وﺗﻮﻗﻒ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻓﻘﺎل :إن ﺑﺎﯾﻊ اﻟﻨﺎس
ﺑﺎﯾﻌﺖ .ﻓﻠﻤﺎ ﺑﺎﯾﻊ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﯾﻌﮫ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ ،وﺗﻌﻘﱠﺪ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻓﻰ اﻟﺤﺠﺎز.
وﻋﻠﻢ أھﻞ اﻟﻌﺮاق ﺑﺮﻓﺾ اﻟﺤﺴﯿﻦ ﻣﺒﺎﯾﻌﺔ ﯾﺰﯾﺪ وﺗﻮﺟﮭﮫ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ،ﻓﻮﺟﺪوا اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺳﺎﻧﺤﺔ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ وإﻋﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻤﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﻠﻰ؛ ﻟﯿﺘﻮﻟﻰ أﻣﺮھﻢ اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ،ﻓﮭﻮ أﺣﺐ إﻟﯿﮭﻢ ﻣﻦ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ! وﺑﻘﺎء اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻰ اﻟﻌﺮاق أﺣﺐ إﻟﯿﮭﻢ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﺋﮫ
ﻓﻰ اﻟﺸﺎم.
ﻦ ﻋ ِﱢﻤﮫ " ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ
ﻓﺄرﺳﻠﻮا رﺳﻠﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﺤﺴﯿﻦ ،ﻟﯿﺤﺮﺿﻮه ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﯾﻄﻠﺒﻮا ﻣﻨﮫ اﻟﻤﺴﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،ﻓﺒﻌﺚ اﻟﺤﺴﯿﻦُ اﺑ َ
ﻋﻘﯿﻞ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ" إﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻟﯿﺘﺒﯿﻦ اﻟﻤﻮﻗﻒ؛ وﻟﯿﻤﮭﺪ ﻟﮫ اﻷﻣﺮ ،ﺣﺘﻰ إذا رأى إﺟﻤﺎع اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻌﺘﮫ أﺳﺮع ﺑﺈﺣﺎﻃﺘﮫ ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﺬﻟﻚ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻗﺒﻞ " ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ ﻋﻘﯿﻞ" ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ رأى ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ إﻗﺒﺎﻻ ورﻏﺒﺔ ﻓﻰ ﻣﺒﺎﯾﻌﺔ اﻟﺤﺴﯿﻦ ،ﻓﺒﻌﺚ إﻟﯿﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﯾﺴﺘﻌﺠﻞ ﻗﺪوﻣﮫ.
ﻟﻜﻦ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ أﺣﯿﻄﻮا ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﻤﺎ ﯾﺪور ﻓﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﺄرﺳﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ﺑﻦ زﯾﺎد واﻟﯿًﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻟﯿﺤﻔﻆ اﻷﻣﻦ واﻟﻨﻈﺎم،
وﻟﯿﻀﺒﻂ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﮭﺞ اﻟﺬى اﺗﺒﻌﮫ واﻟﺪه زﯾﺎد ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﯾﺎم اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن.
اﺳﺘﻄﺎع ﻋﺒﯿﺪ اﷲ أن ﯾُﺤﻜﻢ ﺳﯿﻄﺮﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد ،وﯾﻘﺘﻞ ﻗﺎدة اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺤﺴﯿﻦ ،وﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﻢ " ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ ﻋﻘﯿﻞ" وﯾﺨﺮس اﻷﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻰ
ﺗﻨﺎدى ﺑﺎﻟﺤﺴﯿﻦ ﺧﻠﯿﻔﺔ.
وﺗﺤﺮك رﻛﺐ اﻟﺤﺴﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻰ ھﺬا اﻟﺠﻮ اﻟﻤﺘﺄزم اﻟﻤﻠﺒﺪ ﺑﺎﻟﻐﯿﻮم ،ﻓﻨﺼﺤﮫ ﻛﺒﺎر اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻛﺒﺎر ﺷﯿﻌﺘﮫ ﻣﺜﻞ أﺧﻮه :ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ
اﻟﺤﻨﻔﯿﺔ ،وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺎرث اﻟﻤﺨﺰوﻣﻰ ،وﻋﺒﺪ اﷲ ﺑ ﻦ ﻋﺒﺎس ،ﻟﯿﺼﺮف اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﺬھﺎب إﻟﻰ اﻟﻌﺮاق ،وﻋﺪم اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻟﻤﺎ ﻧﻘﻞ
إﻟﯿﮫ ﻣﻦ ﻣﻮاﻓﻘﺔ أھﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺎﯾﻌﺘﮫ ،ﻏﯿﺮ أن اﻟﺤﺴﯿﻦ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻤﻊ ﻟﻨﺼﺢ اﻟﻨﺎﺻﺤﯿﻦ.
ﺧﺮج -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻓﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺷﯿﻌﺘﮫ ﻻ ﯾﺰﯾﺪون ﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﯿﻦ رﺟﻼ ،وﻣﻌﮫ ﻧﺴﺎؤه وأﻃﻔﺎﻟﮫ ﻗﺎﺻﺪًا اﻟﻜﻮﻓﺔ دون أن ﯾﻌﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث !
ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﮫ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻢ ﯾﺘﺮاﺟﻊ ،ﺑﻞ واﺻﻞ اﻟﻤﺴﯿﺮ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮات اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻓﻰ اﻧﺘﻈﺎره ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻠﻘﺎء ﻣﺘﻜﺎﻓﺌًﺎ .وﻓﻰ "ﻛﺮﺑﻼء" اﻟﺘﺤﻢ
اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ،ﻓﺴﺎﻟﺖ اﻟﺪﻣﺎء وﺳﻘﻂ اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺷﮭﯿﺪًا ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﯾﻮم ﻋﺎﺷﻮراء ﻓﻰ اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮم ﺳﻨﺔ ٦١ھـ ٦٨١ /م ،وﺗﺨﻠﺺ
١٥
ﯾﺰﯾﺪ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻣﻨﺎﻓﺴﯿﮫ اﻷﻗﻮﯾﺎء ،وﺑﻘﻰ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ.
ذھﺐ ﻋﺒﺪاﷲ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻣﺤﺘﻤﯿًﺎ ﺑﮭﺎ ،وﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﻌﺎﺋﺬ ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ .ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﮫ اﺳﺘﺸﮭﺎد اﻟﺤﺴﯿﻦ أﺧﺪ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻣﻦ أﺻﺤﺎﺑﮫ ﻓﻰ وﺟﻮد
واﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻷﻣﻮي "ﻋﻤﺮو ﺑﻦ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص اﻷﺷﺪق" اﻟﺬى ﻛﺎن ﻓﻰ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﮫ أن ﯾﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻛﺎن ﯾﺮﻓﻖ ﺑﮫ.
ﻓﻤﺎذا ﯾﻔﻌﻞ ﯾﺰﯾﺪ ،وﻗﺪ ﻟﺠﺄ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﺤﻤﻰ ؟ !
وﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺎز اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن اﻟﺬى اﺷﺘﺪ ﻋﻠﻰ " اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ" ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﺑﺪّا ﻣﻦ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ ﺣﯿﻠﺔ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ؛
ﻟﻜﻰ ﯾﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ .وھﺪا ه ﺗﻔﻜﯿﺮه إﻟﻰ أن ﯾﻄﻠﺐ إﻟﻰ ﯾﺰﯾﺪ ﺗﻐﯿﯿﺮ ھﺬا اﻟﻮاﻟﻰ ﺣﺘﻰ ﯾﺘﺴﻨﻰ ﻟﮫ أن ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻰ ﻣﺼﺎﻟﺤﺘﮫ.
وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﺳﺘﺠﺎب ﯾﺰﯾﺪ ،ﻓﻌﺰل اﻟﻮﻟﯿﺪ وﻋﯿﻦ ﻣﻜﺎﻧﮫ " ﻋﺜﻤﺎن اﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ".
وﻗﺪ ﻧﺠﺤﺖ ﺣﯿﻠﺔ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،ﻓﻌﺜﻤﺎن ﻛﺎن ﺷﺎﺑّﺎ ﺻﻐﯿﺮًا ﻟﻢ ﺗﺼﻘﻠﮫ اﻟﺘﺠﺎرب ،وﻻ ﺧﺒﺮة ﻟﮫ ﺑﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﻨﺎس وﻗﯿﺎدﺗﮭﻢ ،ﻓﺄﺳﺎء ﻣﻦ ﺣﯿﺚ أراد
اﻹﺻﻼح.
ﻟﻘﺪ أرﺳﻞ وﻓﺪًا ﻣﻦ أﺷﺮاف أھﻞ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ؛ ﻟﻜﻰ ﯾﺮى اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻣﺪى ﻃﺎﻋﺘﮭﻢ ووﻻﺋﮭﻢ ،وأﺣﺴﻦ ﯾﺰﯾﺪ وﻓﺎدﺗﮭﻢ ،وأﻏﺪق
ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﻣﻨﺤﮭﻢ اﻟﻌﻄﺎﯾﺎ ﻟﯿﺴﺘﻤﯿﻞ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ ،وﻟﯿﻜﻮﻧﻮا ﺧﯿﺮ دﻋﺎة ﻟﮫ إذا رﺟﻌﻮا إﻟﻰ أھﻠﯿﮭﻢ وذوﯾﮭﻢ ،ﻓﻤﻦ رأى ﻟﯿﺲ ﻛﻤﻦ ﺳﻤﻊ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ ﺑﻌﺪ
أن رأوا ﻓﻰ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﺒﺬخ واﻹﺳﺮاف ،وﺳﻤﻌﻮا ﻣﺎﻻ ﯾﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﺗﻘﺎﻟﯿﺪ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ ﻣﻦ ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﺘﺮف،
ﻋﺎدوا وھﻢ ﯾﻌﻠﻨﻮن ﺑﯿﻦ أھﻠﯿﮭﻢ وذوﯾﮭﻢ أﻧﮭﻢ ﻗﺪ ﺧﻠﻌﻮا ﻃﺎﻋﺔ ﯾﺰﯾﺪ ،ﺛﻢ ﺑﺎﯾﻌﻮا ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﺣﻨﻈﻠﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻋﺎﻣﺮ "اﺑﻦ ﻏﺴﯿﻞ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ "
وﺗﻮﺟﮭﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ واﻟﻰ ﯾﺰﯾﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﺄﺧﺮﺟﻮه ﻣﻨﮭﺎ ،وﺣﺎﺻﺮوا دار ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺗﻌﺒﯿﺮًا ﻋﻦ ﺳﺨﻄﮭﻢ ورﻓﻀﮭﻢ
ﻟﺒﻨﻰ أﻣﯿﺔ.
واﺳﺘﻐﺎث ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺑﯿﺰﯾﺪ ،وﺗﺄزم اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،ﻓﻘﺪ أﻋﺪ ﯾﺰﯾﺪ ﺟﯿﺸًﺎ ﺿﺨﻤًﺎ ﻣﻦ ﺟﻨﺪ اﻟﺸﺎم ،وأﺳﻨﺪ ﻗﯿﺎدﺗﮫ إﻟﻰ ﻣﺴﻠﻢ اﺑﻦ
ﻋﻘﺒﺔ ،ﻟﯿﺤﻤﻰ ﺑﻨﻰ أﻣﯿ ﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻟﯿﺨﻀﻊ اﻟﺜﺎﺋﺮﯾﻦ ﻋﻠﯿﮫ.
وﻋﻠﻢ أھﻞ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﻤﻘﺪم اﻟﺠﯿﺶ ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪوا ﺑﺪّا ﻣﻦ إﺧﺮاج ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﺑﻌﺪ أن ﯾﺄﺧﺬوا ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﻌﮭﻮد واﻟﻤﻮاﺛﯿﻖ أﻻ ﯾﺴﺎﻋﺪوا
ﻋﻠﯿﮭﻢ أﺣﺪًا.
وﺧﺮج ﺑﻨﻮ أﻣﯿﺔ ﻣﻄﺮودﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﻟﻜﻨﮭﻢ ﺗﻘﺎﺑﻠﻮا ﻣﻊ ﺟﯿﺶ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﮭﻢ أن ﯾﺸﯿﺮوا ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻤﺎ ﯾﻨﺒﻐﻰ أن ﯾﻔﻌﻠﮫ،
ﻓﺄرﺷﺪه ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان إﻟﻰ ﻛﯿﻔﯿﺔ اﻟﺰﺣﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،واﻟﺪﺧﻮل إﻟﯿﮭﺎ ،وزﺣﻒ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﻤﺎ أﺷﺎر ﻋﻠﯿﮫ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ،وﻧﻔﺬ اﻟﺨﻄﺔ
ﻓﻮﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﺤﺮة ﺷﻤﺎﻟﻰ ﺷﺮق اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وھﻰ أرض ﺻﺨﺮﯾﺔ ﺑﺮﻛﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﺨﺮج إﻟﯿﮫ أھﻞ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﻘﯿﺎدة ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﺣﻨﻈﻠﺔ ،واﻟﺘﺤﻤﻮا ﻣﻊ
ﺟﻨﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺷﺪﯾﺪة اﻧﺘﮭﺖ ﺑﮭﺰﯾﻤﺔ أھﻞ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻗﺘﻞ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ﺑﻨﻰ ھﺎﺷﻢ وﻗﺮﯾﺶ واﻷﻧﺼﺎر .وﻓﻰ ﺟﻮ اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ ھﺬا دﻋﺎ
ﻣﺴﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺒﯿﻌﺔ؛ ﻣﺤﺬرًا ﻣﻦ ﻋﺎﻗﺒﺔ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﺑﻌﺪ أن رأوا ﺑﺄﻋﯿﻨﮭﻢ ﻣﺎ ﺣﻞ ﺑﻐﯿﺮھﻢ.
ﻓﺒﻌﺪ أن اﻧﺘﮭﻰ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ إﺟﺒﺎر اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﻌﺔ ،ﺳﺎر ﺑﻤﻦ ﻣﻌﮫ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺤﺮام ﺑﻤﻜﺔ؛ ﺣﯿﺚ ﯾﻌﺘﺼﻢ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺪر
ﻟﻢ ﯾﻤﮭﻠﮫ ،ﻓﺘﻮﻓﺎه اﷲ ﻗﺒﻞ أن ﯾﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ.
وﯾﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻮر ﻗﯿﺎدة اﻟﺠﯿﺶ اﻷﻣﻮى اﻟﺰاﺣﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺔ ﻟﻠﻘﺎء ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ " :اﻟﺤﺼﯿﻦ ﺑﻦ ﻧﻤﯿﺮ اﻟﺴﻜﻮﻧﻲ" ،وﯾﻮاﺻﻞ ﻣﺴﯿﺮﺗﮫ
إﻟﻰ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ،وﯾﺸﺘﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺎﺋﺮﯾﻦ ،وﻻ ﯾﻤﻨﻌﮫ ﺷﻰء ﻣﻤﺎ ﯾﺤﺘﻤﻮن ﺑﮫ ،وﯾﺴﺘﻤﺮ اﻟﺤﺼﺎر ﺷﮭﺮﯾﻦ ،واﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﻣﺘﺤﺼﻦ ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ
اﻟﺤﺮام ،وﺗﺄﺗﻰ اﻷﻧﺒﺎء ﺑﻮﻓﺎة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﯾﺰﯾﺪ ،ﻓﯿﺘﻮﻗﻒ اﻟﻘﺘﺎل ،وﯾﺮﻓﻊ اﻟﺤﺼﺎر ،وﯾﻌﻮد اﻟﺠﯿﺶ اﻷﻣﻮى إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ،وﯾﺨﺮج اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﻋﻠﻰ
اﻟﻨﺎس ﻓﺘﺬﻋﻦ ﺟﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮب ﻛﻠﮭﺎ ﻟﮫ ،وﯾﺒﺎﯾﻌﮫ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ أﻧﺼﺎر اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ وﺳﻂ اﻟﻌﻮاﺻﻒ ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﺸﺪﯾﺪة اﻟﺘﻰ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﯾﺰﯾﺪ ،ﻓﺈن اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ،واﺳﺘﻤﺮت ﻓﻰ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﮭﺎت،
ﺣﺠَﻨْﺪة ،أﻣﺎ
ﻓﮭﻨﺎك ﻓﻰ اﻟﺸﺮق واﺻﻠﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮭﺎ ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن وﺳﺠﺴﺘﺎن ﺗﺤﺖ ﻗﯿﺎدة ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻦ زﯾﺎد ،ﻓﻐﺰا ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ و ُ
ھﻨﺎك ﻓﻰ اﻟﻐﺮب ﻓﻘﺪ أﻋﺎد ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ،ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ واﻟﯿًﺎ ﻋﻠﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻗﺪ ﻋﺰﻟﮫ ﻋﻨﮭﺎ ،ﻓﻮاﺻﻞ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ
ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ﺑﺤﻤﺎس ﻣﻨﻘﻄﻊ اﻟﻨﻈﯿﺮ وﻗﺎل :إﻧﻰ ﻗﺪ ﺑﻌﺖ ﻧﻔﺴﻰ ﷲ-ﻋﺰ وﺟﻞ ،-ﻓﻼ أزال أﺟﺎھﺪ ﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﺑ ﺎﷲ .ﻓﻔﺘﺢ ﻣﺪﯾﻨﺔ " ﺑﺎﻏﺎﯾﺔ " ﻓﻰ أﻗﺼﻰ
إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،وھﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب ،وھﺰم اﻟﺮوم واﻟﺒﺮﺑﺮ ﻣﺮات ﻋﺪﯾﺪة ،ﺛﻢ واﺻﻞ اﻟﻤﺴﯿﺮ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺰاب ،ﻓﺎﻓﺘﺘﺢ ﻣﺪﯾﻨﺔ "أَرَﺑَﺔ" واﻓﺘﺘﺢ
" ﺗَﺎھَﺮْت" و"ﻃَﻨْﺠﺔ" و " اﻟﺴﱡﻮس اﻷدﻧﻰ" ،ﺛﻢ ﺻﺎر إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺴﻮس اﻷﻗﺼﻰ ،واﺳﺘﻤﺮ ﻓﻰ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ " ﻣﻠﯿﺎن " ،ﺣﺘﻰ رأى اﻟﺒﺤﺮ
اﻟﻤﺤﯿﻂ )اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻰ( ﻓﻮﻗﻒ ﻋﻠﯿﮫ وﻗﺎل ﻣﻘﺎﻟﺘﮫ اﻟﺘﻰ ﺣﻔﻈﮭﺎ ﻟﮫ اﻟﺘﺎرﯾﺦ :ﯾﺎ رب ﻟﻮﻻ ھﺬا اﻟﺒﺤﺮ ﻟﻤﻀﯿﺖ ﻓﻰ اﻟﺒﻼد ﻣﺠﺎھﺪًا ﻓﻰ
ﺳﺒﯿﻠﻚ .ﺛﻢ ﻋﺎد راﺟﻌًﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﯿﺮوان.
ﻧﺤﻦ اﻵن ﻓﻰ ﻋﺎم ٦٤ھـ ٦٨٤ /م ،وﻣﺎ زال اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻃﻮﯾﻼ أﻣﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ اﻟﺘﻰ دﺑﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺮوح ﺛﺎﻧﯿﺔ؛ ﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﻤﺴﯿﺮة ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ
١٣٢ھـ ٧٥٠/م ،ﻓﻜﯿﻒ واﺟﮭﺖ اﻷﻋﺎﺻﯿﺮ واﻷﻧﻮاء؟ ! وﻛﯿﻒ أﻋﺎدت ﺑﺴﻂ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ اﻟﺘﻰ أﻋﻠﻨﺖ
اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻻﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ.
واﻟﻌﺠﯿﺐ أن ﻋﺮب اﻟﺸﺎم اﻧﻘﺴﻤﻮا إﻟﻰ ﻓﺮﯾﻘﯿﻦ ﺑﻌﺪ أن اﺟﺘﻤﻌﺖ ﺑﻨﻮ أﻣﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ !
ﻓﺎﻟﻌﺮب اﻟﯿﻤﺎﻧﯿﺔ راﺣﻮا وﺣﺪھﻢ ﯾﺆﯾﺪون ﻣﺮوان ،أﻣﺎ اﻟﻌﺮب اﻟﻘﯿﺴﯿﺔ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ اﻟﻀﺤﺎك ﺑﻦ ﻗﯿﺲ ،ﻓﻘﺪ راﺣﻮا ﯾﺆﯾﺪون ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ
اﻟﺰﺑﯿﺮ.
وھﻨﺎ ﯾﺘﺠﻠﻰ دور ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ؛ ﻟﻘﺪ ﺟﻤﻊ أﻧﺼﺎره ،وﺳﺎر أوﻻ إﻟﻰ اﻟﻀﺤﺎك ،واﻗﺘﺘﻞ اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن ﺑـ "ﻣﺮج راھﻂ" ﺑﻐﻮﻃﺔ دﻣﺸﻖ وﻛﺎن
ذﻟﻚ ﻓﻰ اﻟﻤﺤﺮم ﺳﻨﺔ ٦٥ھـ ،واﻧﺘﺼﺮ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ،ودﺧﻞ دﻣﺸﻖ ﺑﻌﺪ أن ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وﻧﺰل ﺑﺪار ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن،
وﺑﺎﯾﻌﮫ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ.
١٦
وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻘﺮت اﻷﻣﻮر ﻓﻰ دﻣﺸﻖ ﺗﻮﺟﮫ ﻣﺮوان إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻋﻠﻰ رأس ﺟﯿﺶ ﻗﻮى ،ودﺧﻠﮭﺎ ﺳ ﻨﺔ ٦٥ھـ٦٨٥/م وﻛﺎن ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻋﺒﺪ
اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺟﺤﺪم اﻟﻘﺮﺷﻰ ﻋﺎﻣﻼ ﻻﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،ووﻟﻰ اﺑﻨﮫ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﯾﺰ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ،وأﻣﺪه ﺑﻤﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ؛ ﻟﯿﻜﻮن وزﯾﺮًا ﻟﮫ
وﻣﺸﯿﺮًا .وﻋﺎدت ﻣﺼﺮ ﻟﻸﻣﻮﯾﯿﻦ ﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﻌﺪ اﻧﻔﺼﺎل دام ﺗﺴﻌﺔ أﺷﮭﺮ ﺗﺤﺖ ﻗﯿﺎدة أﻧﺼﺎر اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ .وﺑﻘﻰ اﻟﺤﺠﺎز واﻟﻌﺮاق ﻓﻰ ﯾﺪ
اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﺑﻌﺪ أن داﻧﺖ اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ﻟﻸﻣﻮﯾﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﺤﺠﺎز ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،ﺗﻤﺪه ﺑﻤﺎ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻐﻼل ،ﻓﻠﻤﺎ ﺧﻀﻌﺖ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻟﻸﻣﻮﯾﯿﻦ ﺣﺮم
اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﺗﻤﺪه ﺑﮫ ،وﺗﺄﺛﺮ ﻣﻮﻗﻒ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﻓﻰ اﻟﺤﺠﺎز ﺑﮭﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻻﻗﺘﺼﺎدى ،وﻓﻰ ھﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ
ﯾﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﺧﻄﻮات ﻣﺤﺴﻮﺑﺔ ﺑﺪﻗﺔ وإﺣﻜﺎم ،ﻟﻘﺪ أﻋﺪ ﺟﯿﺸﯿﻦ :أﺣﺪھﻤﺎ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺎز ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،أﻣﺎ اﻟﺠﯿﺶ
اﻵﺧﺮ ﻓﻘﺪ ﺳﯿﺮه إﻟﻰ اﻟﻌﺮاق ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﺷﻘﯿﻖ ﻋﺒﺪ اﷲ وواﻟﯿﮫ ھﻨﺎك .وﯾﺸﺎء اﷲ أن ﺗﺤﻞ اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ ﺑﺠﯿﺶ اﻟﺤﺠﺎز،
وأﻻ ﯾﻘﻮم ﺟﯿﺶ اﻟﻌﺮاق ﺑﺸﻰء ﯾﺬﻛﺮ ﻓﻰ ﺣﯿﺎة ﻣﺮوان اﻟﺬى ﻋﺎﺟﻠﺘﮫ اﻟﻤﻨﯿﺔ ﺳﻨﺔ ٦٥ھـ ﺑﻌﺪ أن ﻋﮭﺪ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻻﺑﻨﯿْﮫ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ،ﺛﻢ ﻋﺒﺪ
اﻟﻌﺰﯾﺰ.
ﻛﺎن اﻷﻣﻮﯾﻮن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻘﺪوا "ﻣﺆﺗﻤﺮ اﻟﺠﺎﺑﯿﺔ " ﻟﻤﺒﺎﯾﻌﺔ ﻣﺮْوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﻗﺪ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ أن ﯾﺨﻠﻔﮫ" :ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ " ﺛﻢ
" ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﺎص" ﻣﻦ ﺑﻌﺪه" .
ﻏﯿﺮ أن "ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ" ﻧﻘﺾ ذﻟﻚ اﻟﻌﮭﺪ وﻋﮭﺪ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻻﺑﻨﮫ "ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ" وﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﺑﻨﮫ " ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ" وراح ﯾﺼﺮف اﻷﻧﻈﺎر
ﻋﻦ "ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ" اﻟﺬى ﻛﺎن ﺷﺎﺑّﺎ ﻣﺤﺪود اﻟﺨﺒﺮات ﻓﻰ اﻹدارة ..ﺑﻤﺎ أوﺗﻰ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ ،ورﻏﻢ ﻣﺎ ﻓﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ إﯾﺜﺎر ﻻﺑﻨﮫ وﻧﻘﺾ ﻟﻌﮭﺪه
ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن ﺧﯿﺮًا ﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﺪوﻟﺔ وﻛﺎن ﺧﯿﺮًا ﻟﻺﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﺑﺎﺗﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪة ﺗﺘﻘﺎﺳﻤﮭﺎ ﺧﻼﻓﺘﺎن:
اﻷوﻟﻰ :ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ وﺗﻀﻢ اﻟﺤﺠﺎز واﻟﻌﺮاق.
أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ :ﻓﯿﺘﻮﻻھﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان اﻟﺬى ﺗﻮﻟﻰ ﻋﻘﺐ وﻓﺎة أﺑﯿﮫ ،وﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻀﻢ إﻻ اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ.
وﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻓﻰ ﺿﺒﻂ اﻷﻣﻮر ،واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻦ ،ﻓﺎﻧﺘﺸﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻮﺿﻰ اﻟﺘﻰ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﮭﺎ ،وأﻋﺎد اﻷﻣﻦ
واﻻﺳﺘﻘﺮار إﻟﻰ رﺑﻮﻋﮭﺎ.
ﻟﻘﺪ ﻇﮭﺮ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ اﻟﻤﺨﺘﺎر ﺑﻦ ﻋﺒﯿﺪ اﷲ اﻟﺜﻘﻔﻲ ،وﺟﻤﻊ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ ﺷﯿﻌﺔ ﻋﻠﻰ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ ،-وراح ﯾﺘﺘﺒﻊ ﻗﺘﻠﺔ اﻟﺤﺴﯿﻦ ھﻨﺎ وھﻨﺎك
وﻗﺘﻞ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻜﺜﯿﺮ وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ أﻣﯿﺮ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺬى ﺣﺎرب اﻟﺤﺴﯿﻦ " ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ أﺑﻰ وﻗﺎص" ،وﻗﺘﻞ "ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ﺑﻦ زﯾﺎد" أﻣﯿﺮ
اﻟﻌﺮاق اﻷﻣﻮى ،وﺷﺘﺖ ﺟﯿﺸًﺎ ﻗﻮاﻣﮫ ) (٤٠أﻟﻔًﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺘﻞ " اﻟﺤﺼﯿﻦ اﺑﻦ ﻧﻤﯿﺮ" واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﺻﻞ ،وراح ﯾﺪﻋﻮ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﻨﻔﯿﺔ
اﺑﻦ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻰ ﻛﺮم اﷲ وﺟﮭﮫ ،وﯾﻨﺎدﯾﮫ ﺑﺎﻹﻣﺎم اﻟﻤﮭﺪى ﯾﺮﯾﺪ اﻟﻤﮭﺪى اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ.
ﻟﻘﺪ اﻧﺘﺸﺮ ﻧﻔﻮذ اﻟﺸﯿﻌﺔ ﻓﻰ ﺷﺮق اﻟﺪوﻟﺔ وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ ھﻮ اﻟﻤﻌﻮل اﻟﺬى ﻣﮭﺪ ﻟﺰوال اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﺰﻣﻦ !
وﻗﺪ ﻋﻤﺪ اﻟﺸﯿﻌﺔ ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ اﻟﻤﺨﺘﺎر إﻟﻰ اﻻﻧﺘﺴﺎب ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﻨﻔﯿﺔ ،ﻟﯿﺴﺘﻔﯿﺪوا ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ ﻓﻰ اﻛﺘﺴﺎب ﻣﺰﯾﺪ
ﻣﻦ اﻟﻤﺆﯾﺪﯾﻦ اﻟﻨﺎﻗﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ واﻟﺜﺎﺋﺮﯾﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺪم اﻟﺤﺴﯿﻦ وآﻟﮫ.
واﻟﻤﻌﺮوف أن ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﻨﻔﯿﺔ ﻛﺎن ﻋﺎﻟﻤًﺎ زاھﺪًا ،ﻗﺪ رﻓﺾ أن ﯾﺒﺎﯾﻊ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺘﯿﻦ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ أو اﺑﻦ ﻣﺮوان ،وﻗﺎل ﻻ؛ ﺣﺘﻰ
ﯾﺒﺎﯾﻊ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﻮن ﻓﺈن ﺑﺎﯾﻌﻮا ﺑﺎﯾﻌﺖ .وھﻜﺬا ﻓﻌﻞ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮫ ﻣﻄﻤﻊ ﻓﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،أو ھﺪم اﻟﺒﯿﺖ اﻷﻣﻮى أواﻟﻘﻀﺎء
ﻋﻠﻰ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ.
وﻟﻘﺪ أﻏﻀﺐ اﻟﺪﻋﻮة ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﻨﻔﯿﺔ " ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ " ﻓﺄرﺳﻞ أﺧﺎه "ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ" ؛ ﻟﯿﻜﻮن أﻣﯿﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق ،وأﻣﺮه
ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ "اﻟﻤﺨﺘﺎر اﻟﺜﻘﻔﻰ ".
وﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻣﺼﻌﺐ ﻓﻰ ﺣﺼﺎر اﻟﻤﺨﺘﺎر ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ وﻗﺘﻠﮫ ،وأﺻﺒﺢ اﻟﺤﺠﺎز واﻟﻌﺮاق ﻻﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ وﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان.
وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٧٠ھـ ٦٩٠ /م ﺧﺮج ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان إﻟﻰ اﻟﻌﺮاق ﻷﺧﺬھﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮﯾﯿﻦ ،وﺗﺪور ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ ﻣﺼﻌﺐ ﻋﺪة ﻣﻌﺎرك ،وأﺧﯿﺮًا
ﯾﺘﻤﻜﻦ " ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان" ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ "ﻣﺼﻌﺐ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ" ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ " دﯾﺮ اﻟﺠﺎﺛﻠﯿﻖ " وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ٧١ھـ٦٩١/م وﻗﯿﻞ:
ﺳﻨﺔ ٧٢ھـ٦٩٢/م .اﻟﻤﮭﻢ أن ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ "ﻣﺼﻌﺐ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ" دﺧﻞ " اﻟﻜﻮﻓﺔ " ﻣﻌﻘﻞ اﻟﺰﺑﯿﺮﯾﯿﻦ ،وأﺧﺬ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ ﻟﻨﻔﺴﮫ،
ووﻟﱠﻰ وﻻة ﻣﻦ ﻗِﺒﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق.
وﻟﻢ ﯾﺒﻖ إﻻ اﻟﺤﺠﺎز ﯾﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺔ ،وﻗﺪ ﺣﺎﻧﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ،ﺳﺎﻋﺔ اﻟﺤﺰم واﻟﺤﺴﻢ ،ﻓﺄﻣﺮ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻠﻚ اﺑﻦ
ﻣﺮوان " اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﺜﻘﻔﻰ" -اﻟﺬى ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﻒ ﻣﺴﻘﻂ رأﺳﮫ ﻗﺎﻋﺪة ﻟﻌﻤﻠﯿﺎﺗﮫ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ -أن ﯾﺘﺼﺪى ﻟﻌﺒﺪ اﷲ اﺑﻦ
اﻟﺰﺑﯿﺮ اﻟﻤﺘﺤﺼﻦ ﺑﻤﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ.
وﺗﺤﺮك ﺟﯿﺶ اﻟﺤﺠﺎج ﻣﻦ اﻟﻄﺎﺋﻒ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻓﺤﺎﺻﺮھﺎ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﺤﺼﯿﻦ ﺑﻦ ﻧﻤﯿﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻗﺬف اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﺑﺎﻟﻤﻨﺠﻨﯿﻖ ،وﻇﻞ ﯾﻀﯿﻖ
ﻋﻠﻰ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ وأﻧﺼﺎره اﻟﺨﻨﺎق ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺮق ﻋﻨﮫ ﻣﻌﻈﻢ أﻧﺼﺎره ،ﻟﻜﻦ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ﻇﻞ ﯾﻘﺎوم راﻓﻀًﺎ أن ﯾﺴﺘﺴﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻞ ﺳﻨﺔ ٧٣ھـ/
٦٩٣م ،وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺗﺴﻊ ﺳﻨﯿﻦ.
وﺑﻤﻘﺘﻞ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ دﺧﻠﺖ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ،وﻛﻮﻓﺊ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﺄن ﻇﻞ واﻟﯿًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﺎز ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ اﺑﻦ
ﻣﺮوان ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٧٥ھـ٦٩٥ /م.
١٧
وﻻ ﯾﻜﺎد ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﯾﻠﺘﻘﻂ أﻧﻔﺎﺳﮫ ﻟﯿﺘﻔﺮغ ﻟﻠﺒﻨﺎء واﻟﺘﻌﻤﯿﺮ ،وﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﻔﺘﻮح ﺣﺘﻰ ﯾﺮى أن ﺟﻤﺎﻋﺎت اﻟﺸﯿﻌﺔ ﻓﻰ ﻣﺪن اﻟﻌﺮاق
ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﺧﻄﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ؛ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺮﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﺑﻼد ﻓﺎرس ،اﻟﺘﻰ رأى أھﻠﮭﺎ ﻓﻰ اﻟﺸﯿﻌﺔ ﺧﯿﺮ ﺳﺒﯿﻞ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ أﻃﻤﺎﻋﮭﻢ اﻟﻘﻮﻣﯿﺔ ﻓﻰ
ﺿﺮب اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرھﻢ ﻣﻤﺜﻠﯿﻦ ﻟﻠﻌﻨﺼﺮ اﻟﻌﺮﺑﻰ وﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ورﻛﺰ اﻟﻔﺮس ﻧﺸﺎﻃﮭﻢ ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ وﺻﻮل أﺑﻨﺎء
اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ إﻟﻰ ﻣﻨﺼﺐ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻣﺪﻋﯿﻦ ﺑﺄﻧﮭﻢ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﺤﺴﯿﻦ؛ وذﻟﻚ ﻷﻧﮫ ﺗﺰوج ﻣﻦ ﺷﮭﺮ ﺑﺎﻧﻮه ﺑﻨﺖ ﯾﺰدﺟﺮد
اﻟﺜﺎﻟﺚ آﺧﺮ أﻛﺎﺳﺮة اﻟﻔﺮس ،وزﻋﻤﻮا أن ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻼﻟﺔ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺗﺠﻤﻊ ﺑﯿﻦ دم ﻋﺮﺑﻰ ،وأﺷﺮف دم ﻓﺎرﺳﻰ.
وﺗﺼﺪى اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ ﻟﮭﺬه اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﯾﺤﻘﻖ اﻷﻣﻦ واﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻰ رﺑﻮع اﻟﺒﻼد.
وﯾﺼﺪر اﻷﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻷﻣﻮى ﺑﺄن ﯾﺘﻮﻟﻰ اﻟﺤﺠﺎج أﻣﺮ اﻟﻌﺮاق واﻟﻤﺸﺮق اﻹﺳﻼﻣﻰ ،وﯾﺴﯿﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﻓﻰ ﺟﯿﺶ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺸﺎم.
وﻛﺎن اﻟﺤﺠﺎج ﺷﺪﯾﺪًا ﻋﻨﯿﻔًﺎ ،ﻓﺮاح ﯾﻮاﺟﮫ ﻋﺪة ﺛﻮرات ﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪاھﺎ ﺑﻘﯿﺎدة " ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ اﻷﺷﻌﺚ".
وﺗﺪور ﻣﻌﺎرك ﺷﺮﺳﺔ ﻣﺜﻞ " دﯾﺮ اﻟﺠﻤﺎﺟﻢ" ﺑﯿﻦ اﻟﺠﯿﺶ اﻷﻣﻮى وﺑﯿﻦ ﺟﯿﺶ اﺑﻦ اﻷﺷﻌﺚ ،ﯾﺘﺒﺎدل ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن اﻟﻨﺼﺮ واﻟﮭﺰﯾﻤﺔ،
وﺗﺴﺘﻤﺮ ﺳﺠﺎﻻ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻓﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﯿﻦ ﻣﻮﻗﻌﺔ ،ﺗﺪور اﻟﺪاﺋﺮة ﺑﻌﺪھﺎ ﻋﻠﻰ اﺑﻦ اﻷﺷﻌﺚ ،ﻓﯿﮭﺮب إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﮭﻨﺪ .وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺠﺎج ﯾﺮﺳﻞ
ﻣﻦ ﯾﻼﺣﻘﮫ وﯾﺘﺎﺑﻌﮫ ﺣﺘﻰ ﯾﺄﺗﻰ إﻟﯿﮫ ﺑﺮأﺳﮫ ﻓﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ.
وھﻜﺬا اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺤﺠﺎج إﺧﻀﺎع ﺑﻼد اﻟﻌﺮاق وﻣﺎ واﻻھﺎ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻤﺸﺮق ﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ،وﺑﮭﺬا ﺗﻮﻃﺪت دﻋﺎﺋﻢ اﻟﺪوﻟﺔ
ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ،واﻧﺘﺸﺮ اﻷﻣﻦ ﻓﻰ اﻟﺒﻼد ،وﯾﺘﻔﺮغ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ اﻹﺻﻼح اﻟﺪاﺧﻠﻰ ،ﻓﯿﺼﺪر أﻣﺮه ﺑﺼﻚ اﻟﺪﻧﺎﻧﯿﺮ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻋﻠﯿﮭﺎ
ﺷﮭﺎدة اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ ﻻ إﻟﮫ إﻻ اﷲ ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﷲ ﺑﺴﻢ اﷲ ،ﻓﻜﺎن أول ﻣﻦ ﺿﺮب اﻟﺪﻧﺎﻧﯿﺮ واﻟﺪراھﻢ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻟﺘﺤﻤﻞ ﻣﺤﻞ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ
ﻓﯿﺘﺤﻘﻖ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﺳﺘﻘﻼﻟﮭﺎ اﻟﻤﺎﻟﻰ واﻻﻗﺘﺼﺎدى.
وأﺻﺪر أﻣﺮه ﺑﺠﻌﻞ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ھﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﻜﺘﺐ ﺑﮭﺎ اﻟﺪواوﯾﻦ ﻓﻰ أرﺟﺎء اﻟﺪوﻟﺔ ،وﯾﻨﻔﺬ اﺑﻨﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ
ﻣﺮوان واﻟﻰ ﻣﺼﺮ ھﺬه اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﺎت؛ ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻣﺎ ﺗﺰال ﺗﻜﺘﺐ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻘﺒﻄﯿﺔ ،ﺑﻤﺎ أدى إﻟﻰ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻟﻐﺔ اﻟﻘﺮآن
واﻟﺤﺪﯾﺚ ،ﻓﮭﻰ ﺑﻼ ﺷﻚ إﺣﺪى اﻟﻤﻘﻮﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
وﺳﻮف ﺗﻈﻞ ھﺬا اﻟﺨﻄﻮة اﻟﺮاﺋﺪة ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻀﯿﺌﺔ ﯾﺴﺠﻠﮭﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻟﺰﻣﺎن.
اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﺒﺪاﻟﻤﻠﻚ:
وﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻘﺮت اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﺗﻢ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻦ واﻟﺜﻮرات ،راح ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﯾﻮاﺻﻞ ﻣﺎ ﺑﺪأه اﻟﺴﺎﺑﻘﻮن ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ،وﯾﻌﻤﻞ
ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻣﯿﻦ اﻟﺤﺪود اﻟﺘﻰ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻺﻏﺎرة واﻟﻤﮭﺎﺟﻤﺔ واﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺮوم ،ﻣﻨﺬ أن أﺻﺪر ﻣﻌﺎوﯾﺔ أﻣﺮه إﻟﻰ اﻟﺠﯿﺶ
اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﺤﺎﺻﺮ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﺒﻼد ،وﺗﻤﻜﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ اﺳﺘﺮداد اﻟﺜﻐﻮر اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وإﺧﻀﺎع أرﻣﯿﻨﯿﺔ ،وﺳﻮاﺣﻞ
ﺳﻮرﯾﺔ ،وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺜﻐﻮر اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻓَ ﺘْﺢ ﻋﺪد ﻣﻦ ﺣﺼﻮن اﻟﺮوم ﻣﻨﮭﺎ" :ﻣﺮﻋﺶ " و " ﻋﻤﻮرﯾﺔ " و " أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ" ،وأﻇﮭﺮ ﻟﻠﺮوم أن
اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﺎﻗﯿﺔ ،وأﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻀﻌﻒ وﻟﻢ ﺗﮭﻦ !
وﻣﺎ ﻛﺎد ﻋﺎم ٦٢ھـ٦٨٢/م ﯾﺄﺗﻰ ﺣﺘﻰ ﺻﺪر اﻷﻣﺮ ﺑﺄن ﯾﺘﻮﻟﻰ " ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ " إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ؛ ﻟﯿﻮاﺻﻞ ﺣﺮوﺑﮫ وﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ،وﯾﺘﻤﻜﻦ
ﻣﻦ ﻓﺘﺢ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ،وﯾﺘﻮﻏﻞ ﻧﺤﻮ ﺑﻼد "اﻟﺴﻮس " ﻓﻰ اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ.
وﻛﺎن ﻋﻘﺒﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻗﺪ اﻧﻄﻠﻖ ﺑﺠﯿﻮﺷﮫ إﻟﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ واﺧﺘﺎر " اﻟﻘﯿﺮوان" ﻗﺎﻋﺪة ﻟﮫ ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ اﻻﻧﺘﮭﺎء ﻣﻦ ﺑﻨﺎء
اﻟﻘﯿﺮوان ﺻﺪر ﻗﺮار ﺑﺘﻌﺪﯾﻞ اﻟﻘﯿﺎدة اﻟﻌﻠﯿﺎ ﺑﺎﻟﻤﯿﺪان اﻹﻓﺮﯾﻘﻰ ﺳﻨﺔ ٥٥ھـ٦٧٥ /م.
ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻌﻤﻞ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن ﻣ ﺴﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﻣﺨﻠﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ وإﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﻤﻞ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﻣﻮﻟﻰ ﻟﮫ ﯾﻘﺎل ﻟﮫ "أﺑﻮ
اﻟﻤﮭﺎﺟﺮ" ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﮭﺎ ﻋﺰل ﻋﻘﺒﺔ.
وﻛﺎن ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﯾﮭﺪف ﻣﻦ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺴﯿﺎدة إذ ذاك ﻋﻠﻰ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،وﻣﺤﺎوﻻﺗﮭﺎ إﯾﻘﺎف
اﻟﺰﺣﻒ اﻹﺳﻼﻣﻰ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﯿﺮوان.
واﺳﺘﻄﺎع "أﺑﻮ اﻟﻤﮭﺎﺟﺮ دﯾﻨﺎر" أن ﯾﻔﺴﺪ ﺧﻄﻂ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﺑﺎﻛﺘﺴﺎب اﻟﺒﺮﺑﺮ إﻟﯿﮫ ،وﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم ﺑﯿﻨﮭﻢ.
وﺗﺠﻠّﻰ ﻧﺠﺎح ھﺬا اﻟﻘﺎﺋﺪ ﺣﯿﻦ اﻛﺘﺴﺐ إﻟﻰ ﺻﻔﻮﻓﮫ زﻋﯿﻢ ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﺒﺮﺑﺮ وھﻮ "ﻛﺴﯿﻠﺔ " ﻓﺪﻋﺎه إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ،ﻓﺄﺳﻠﻢ وﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻧﺘﺸﺎر
اﻹﺳﻼم ﺑﯿﻦ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،ﻓﺮاﺣﻮا ﯾﺘﻔﮭﻤﻮن ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻹﺳﻼم ،وﯾﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﯿﮫ ،وراح اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻓﻰ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﯾﻤﺘﺪ وﯾﻨﺘﺸﺮ.
وﻟﻜﻦ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﺘﻌﺮض ﻷول ﻧﻜﺴﺔ ﺧﻄﯿﺮة ﻟﮭﺎ ﻟﻌﺪم ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﺘﯿﺠﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﺮﻛﺰﯾﺔ ﻓﻰ "دﻣﺸﻖ " ﺑﺎﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺘﻰ ﻃﺮأت
ﻋﻠﻰ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أﻋﺎدت اﻟﺴﻠﻄﺎت " ﻋﻘ ﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ" ﺳﻨﺔ ٦٢ھـ ٦٨٢/م إﻟﻰ اﻟﻘﯿﺎدة اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻟﻠﻤﯿﺪان اﻹﻓﺮﯾﻘﻰ،
ووﺻﻞ إﻟﻰ "اﻟﻘﯿﺮوان" ﻗﺎﻋﺪﺗﮫ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ اﻟﺘﻰ أﻧﺸﺄھﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،اﻧﻄﻠﻖ ﻣﻨﮭﺎ ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻤﮭﻤﺔ اﻟﺘﻰ ﻋﯿﻦ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ أﺟﻠﮭﺎ ،ﺑﻞ إن ﻋﻘﺒﺔ ﻟﻤﺎ
ﻋﺎد إﻟﻰ وﻻﯾﺔ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺟﺎزى اﻟﻤﮭﺎﺟﺮ ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻠﮫ ﺑﮫ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺰﻟﮫ ﺳﻨﺔ ٥٥ھـ ،ﻓﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫ وأوﺛﻘﮫ ﻓﻰ اﻟﺤﺪﯾﺪ ،وﺧﺮج ﺑﮫ ﻣﻜﺒﻼ ﻓﻰ زﺣﻒ
ﺧﺎﻃﻒ ،وﺻﻞ ﺑﮫ إﻟﻰ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻷﻃﻠﺴﻰ ،وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ اﻟﻨﮭﺮ اﻟﺬى ﺗﻘﻮم ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻣﺮاﻛﺶ اﻟﯿﻮم أدﺧﻞ ﻋﻘﺒﺔ اﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﻓﺮﺳﮫ ﻓﻰ
اﻟﻤﺤﯿﻂ وراح ﯾﺮﻓﻊ رأﺳﮫ ﻓﻰ ﻋﺰة اﻟﻤﺆﻣﻦ ،وﺗﻮاﺿﻊ اﻟﻤﻌﺘﺮف ﺑﻔﻀﻞ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ﻗﺎﺋﻼ " :اﻟﻠﮭﻢ ﻓﺎﺷﮭﺪ أﻧﻰ ﻟﻮ ﻛﻨﺖُ أﻋﻠﻢ وراء ھﺬا اﻟﺒﺤﺮ
أرﺿًﺎ ﻟﺨﻀﺘﮫ ﻏﺎزﯾًﺎ ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻠﻚ".
ﻟﻜﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﻓﺎﺗﮫ أن ﯾﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ أﺑﻰ اﻟﻤﮭﺎﺟﺮ وﻧﺼﺎﺋﺤﮫ ﺣﻮل اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ وﺳﯿﺎﺳﺘﮭﻢ ،وﻟﺠﻮﺋﮭﻢ إﻟﻰ أﺳﻠﻮب اﻟﻐﺪر واﻟﺨﺪﯾﻌﺔ واﻟﻤﻜﺮ
واﻟﺨﯿﺎﻧﺔ ،ﻓﻘﺪ اﻧﺘﻈﺮوا ﺣﺘﻰ ﻋﺎد ﻗﺎﺻﺪًا اﻟﻘﯿﺮوان ،وﻛﺎن ﯾﺴﯿﺮ ﻓﻰ ﻣﺆﺧﺮة ﺟﯿﺸﮫ ،وأﻋﺪوا ﻟﮫ ﻛﻤﯿﻨًﺎ وھﻮ ﻓﻰ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻌﻮدة ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ
ﻛﺴﯿﻠﺔ -اﻟﺰﻋﯿﻢ اﻟﺒﺮﺑﺮى -اﻟﺬى ﺗﺤﺎﻟﻒ ﻣﻊ اﻟﺮوم ،وادﻋﻰ أن ﻋﻘﺒﺔ ﻗﺪ ﻋﺰم ﻋﻠﻰ ﺗﺄدﯾﺐ اﻟﺒﺮﺑﺮ؛ ﻷﻧﮫ أﺳﺎء اﻟﻈﻦ ﻓﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ إﺳﻼﻣﮭﻢ.
واﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ " ﺗﮭﻮذة " ﻋﺎم ٦٣ھـ٦٨٣ /م ،وأﺣﺎﻃﺖ ﻗﻮات اﻟﺒﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﺑﻌﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ وراح "أﺑﻮ اﻟﻤﮭﺎﺟﺮ" ﯾﺪاﻓﻊ ﻋﻨﮫ دﻓﺎع
اﻷﺑﻄﺎل وﻟﻜﻨﮭﻢ ﺗﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ﻗﺘﻠﮫ ،واﺳﺘﺸﮭﺪ ﻋﻘﺒﺔ وﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺮﻓﯿﻖ اﻷﻋﻠﻰ.
وﺑﻌﺜﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﺑﺠﯿﻮش ﺟﺮارة ﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ ﻗﺎﺋﺪ ﻣﻦ ﺧﯿﺮة ﻗﺎدﺗﮭﺎ ھﻮ " ﺣﺴﺎن ﺑﻦ اﻟﻨﻌﻤﺎن" اﻟﺬى ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﯾﺮ ﺷﻤﺎل
إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺗﻤﺎﻣًﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ أﺳﺎﻟﯿﺒﮭﻢ اﻟﻐﺎدرة.
دﺧﻞ ﺣﺴﺎن اﻟﻘﯿﺮوان ﺳﻨﺔ ٧٤ھـ ٦٩٤ /م ،وﺑﺎدر ﺑﺎﻟﺰﺣﻒ ﻋﻠﻰ "ﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ " ،وھﻰ أﻛﺒﺮ ﻗﺎﻋﺪة ﻟﻠﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﻓﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ " ﺗﻮﻧﺲ
اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ " ودﻣﺮھﺎ ﺗﻤﺎﻣًﺎ ،ﺛﻢ ﻃﺎرد ﻓﻠﻮل اﻟﺮوم واﻟﺒﺮﺑﺮ ،وھﺰﻣﮭﻢ ﻓﻰ "ﺻﻄﻔﻮرة" و " ﺑﻨﺰرت" وﻟﻢ ﯾﺘﺮك ﺣﺴﺎن ﻣﻮﺿﻌًﺎ ﻣﻦ ﺑﻼدھﻢ إﻻ
دﺧﻠﮫ ﺑﺠﻨﻮده ،ﺛﻢ ﻋﺎد "ﺣﺴﺎن " إﻟﻰ اﻟﻘﯿﺮوان ،ﻓﺄﻗﺎم ﺑﮭﺎ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺮاح اﻟﺠﯿﺶ وﺿﻤﺪت ﺟﺮاح اﻟﻤﺼﺎﺑﯿﻦ.
واﺿﻄﺮ ﺣﺴﺎن إﻟﻰ اﺗﺨﺎذ ﻣﺮاﻛﺰه ﻓﻰ "ﺑﺮﻗﺔ" ﺣﺘﻰ ﺟﺎءﺗﮫ اﻹﻣﺪادات ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ ٨١ھـ٧٠٠ /م ،ﻓﺨﺮج ﺑﺎﻟﺠﯿﻮش ﻟﻤﻼﻗﺎة ﺟﯿﻮش
اﻟﺒﺮﺑﺮ ﺑﻘﯿﺎدة اﻣﺮأة ﻣﻨﮭﻢ ﺗﺪﻋﻰ اﻟﻜﺎھﻨﺔ ،واﺳﺘﻄﺎع اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،وأﻋﺎد اﻟﻘﯿﺮوان إﻟﻰ ﺣﻀﻦ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻹﺳﻼ ﻣﯿﺔ.
١٨
وأﺧﺬ ﺣﺴﺎن ﯾﻌﻤﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﻋﯿﻢ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﺸﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،ﻓﺄﺳﺲ ﻗﺎﻋﺪة ﺑﺤﺮﯾﺔ إﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﺎﺳﻢ " ﺗﻮﻧﺲ ".
واﺳﺘﻌﺎن ﺑﻌﻤﺎل ﻣﺼﺮ وﺧﺒﺮﺗﮭﻢ ﻓﻰ ﺑﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎﻋﺪة ،ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﺣﺴﺎن ﻋﻠﻰ إﻓﺴﺎد ﺧﻄﻂ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،وراح ﯾﻌﻤﻞ ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺮھﻢ
وأﻻﻋﯿﺒﮭﻢ .ﻓﺤﺒﺐ اﻹﺳﻼم وزﯾﻨﮫ ﻓﻰ ﻗﻠﻮب أﺑﻨﺎء اﻟﻜﺎھﻨﺔ ،ﺛﻢ ﻗﺮﺑﮭﻢ إﻟﯿﮫ ،وﺟﻌﻠﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﺮﺋﺎﺳﺔ اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻋﻠﻰ أﺑﻨﺎء ﻗﺒﯿﻠﺘﮭﻢ ،ﻣﺒﯿﻨًﺎ ﻟﮭﻢ أن
اﻟﻌﺰة ﷲ وﻟﺮﺳﻮﻟﮫ وﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وأن اﻹﺳﻼم ﯾﺴﺘﮭﺪف ﻋﺰة أﺑﻨﺎء إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ وإﺧﺮاﺟﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻤﺎت إﻟﻰ اﻟﻨﻮر ،وھﻜﺬا ﻋﺎدت إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ إﻟﻰ
اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ ،ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ،ﺗﺎﺑﻊ " اﻟﻤﮭﻠﺐ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺻُﻔﺮة " أﻣﺮ اﻟﻔﺘﻮح ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ﺑﻌﺪ أن أﺳﻨﺪ إﻟﯿﮫ اﻟﺤﺠﺎج وﻻﯾﺘﮭﺎ ! ﻟﻘﺪ ﻓﺘﺢ
ﺠﻨْﺪة وﻏﺰا " ﻛَ ﺶّ " ﺳﻨﺔ ٨٠ھـ ٦٩٩ /م ،واﺗﺨﺬھﺎ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻘﯿﺎدة ،وأرﺳﻞ ﻣﻨﮭﺎ أوﻻده ﻟﻐﺰو ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد ،ﻟﻜﻨﮫ ﻣﺎت ﻓﻰ ﺷﮭﺮ ذى ﺧَُ
اﻟﺤﺠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ "ﻣﺮو" وﺗﻮﻟﻰ اﺑﻨﮫ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻌﺪ أﺑﯿﮫ ،ﻓﺎﺳﺘﮭﻞ ﻋﮭﺪه ﺑﻐﺰو "ﺧﻮارزم".
وﯾﺄﺗﻰ ﻋﺎم ٨٥ھـ ﻓﯿﺘﻮﻟﻰ "اﻟﻤﻔﻀﻞ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺻﻔﺮة" أﻣﺮ ﺧﺮاﺳﺎن وﯾﻔﺘﺢ " ﺑﺎذﻏﯿﺶ " و "أﺧﺮون" " وﺷﻮﻣﺎن " ،ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺠﺎج ﺳﻌﻰ ﺑﺂل
اﻟﻤﮭﻠﺐ ﻟﺪى ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻮﻟﻰ ﻣﻨﮭﻢ أﺣﺪًا ،واﺗﮭﻤﮭﻢ ﺑﺄﻧﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﺗﺒﺎع ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ ،وأﺷﺎر ﻋﻠﻰ "ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ" ﺑﺄن ﯾﻮﻟﻰ
ﻗﺘﯿﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺒﺎھﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ،وھﻮ ﻣﻦ ﺑﺎھﻠﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﻨﺘﻤﻰ إﻟﻰ ﻗﯿﺲ ،وﺑﺬﻟﻚ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺠﺬب إﻟﯿﮫ اﻟﻘﯿﺴﯿﯿﻦ ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن.
ووﺻﻞ ﻗﺘﯿﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ إﻟﻰ "ﻣﺮو" ﻓﻰ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﺳﻨﺔ ٨٥ھـ٧٠٤/م.
وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ﺣﺘﻰ وﺻﻠﺖ اﻷﻧﺒﺎء ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٨٦ھـ٧٠٥ /م ﺑﻮﻓﺎة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان رﺣﻤﮫ اﷲ رﺣﻤﺔ
واﺳﻌﺔ.
ﺗﻮﻓﻰ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﺳﻨﺔ ٨٦ھـ٧٠٥ /م وﺧﻠﻔﮫ اﺑﻨﮫ اﻟﻮﻟﯿﺪ ،وﻛﺎن أﺑﻮه ﻗﺪ ﻋﮭﺪ إﻟﯿﮫ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﺑﻮﯾﻊ ﻟﮫ ﺑﮭﺎ ﯾﻮم
وﻓﺎة أﺑﯿﮫ.
وﻛﺎن ﻋﮭﺪه ،ﻋﮭﺪ ﻓﺘﺢ وﯾﺴﺮ وﺧﯿﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻟﻘﺪ اﺗﺴﻌﺖ ﻓﻰ أﯾﺎﻣﮫ رﻗﻌﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﺷﺮﻗًﺎ وﻏﺮﺑًﺎ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﻮﻟﯿﺪ اﻟﺤﻜﻢ
اﺳﺘﻌﻤﻞ ﻋﻤﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﻋﻠﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،ﻓﻌﺰل ﺣﺴﺎﻧًﺎ واﺳﺘﻌﻤﻞ ﺑﺪﻻ ﻣﻨﮫ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﻋﺎم ٨٩ھـ ،ﻓﻜﺎن ﺷﺪﯾﺪًا وﺻﺎرﻣًﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﺒﺮﺑﺮ اﻟﺬﯾﻦ ﻃﻤﻌﻮا ﻓﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﺴﯿﺮ ﺣﺴﺎن ﻋﻨﮭﺎ ﻓﻮﺟﮫ إﻟﯿﮭﻢ اﺑﻨﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ ،ﻓ ﻘَﺘﻞ وﺳﺒﻰ ﻣﻨﮭﻢ ﺧﻠﻘًﺎ ﻛﺜﯿﺮًا ،وﺗﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﺟﺰﯾﺮة
" ﻣﺎﯾﻮرﻛﺎ" ،ﻓﺎﻗﺘﺤﻤﮭﺎ وﺳﺒﻰ أھﻠﮭﺎ ،وﺗﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﻃﺎﺋﻔﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻓﯿﮭﻢ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺴﺒﻰ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ اﻟﺨﻤﺲ " ﺳﺘﯿﻦ أﻟﻔًﺎ ﻣﻦ
اﻟﺴﺒﻰ" ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﺳﺒﻰ أﻋﻈﻢ ﻣﻨﮫ ،ﺛﻢ ﺧﺮج ﻏﺎزﯾًﺎ ﻃﻨﺠﺔ ﯾﺮﯾﺪ ﻣﻦ ﺑﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،ﻓﺎﻧﮭﺰﻣﻮا ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻨﮫ ،ﻓﺘﺒﻌﮭﻢ وﻗﺘﻠﮭﻢ ،واﺳﺘﺄﻣﻦ ﻣﻦ
ﺑﻘﻰ ﻣﻨﮭﻢ ،ودﺧﻠﻮا ﻓﻰ ﻃﺎﻋﺘﮫ ،وﺗﺮك ﻋﻠﯿﮭﻢ وﻋﻠﻰ ﻃﻨﺠﺔ ﻣﻮﻻه "ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد" وأﺑﻘﻰ ﻣﻌﮫ ﺟﯿﺸًﺎ أﻛﺜﺮه ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،وﺗﺮك ﻣﻌﮭﻢ ﻣﻦ
ﯾﻌﻠﻤﮭﻢ اﻟﻘﺮآن واﻟﻔﺮاﺋﺾ ،ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻟﻢ ﯾﺒﻖ ﻟﮫ ﻓﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﻣﻦ ﯾﻨﺎزﻋﮫ.
ورأى اﻟﻮﻟﯿﺪ أن أھﻢ ﻣﺎ ﯾﺠﺐ ﻋﻤﻠﮫ ﺗﻘﻮﯾﺔ اﻷﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻰ وﺿﺮب ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﻓﻰ ﺻﻘﻠﯿﺔ وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ ﺟﺰر اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ
اﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻹﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ،ﻟﻜﻰ ﯾﺪﻋﻢ ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﺸﻤﺎل اﻹﻓﺮﯾﻘﻰ اﻟﺬى أﺻﺒﺢ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
ﻟﻘﺪ دﺧﻠﺖ اﻟﻔﺘﻮح اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻓﻰ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﻣﺮﺣﻠﺘﮭﺎ اﻟﺨﺘﺎﻣﯿﺔ ﺳﻨﺔ ٨٩ھـ٧٠٨ /م ﺑﺘﻮﻟﻰ إﻣﺎرة اﻟﻘﯿﺮوان ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﺧﻠﻔًﺎ
ﻟﺤﺴﺎن ﺑﻦ اﻟﻨﻌﻤﺎن.
ﻓﻠﻘﺪ أﺟﺎد اﻟﺘﻨﺴﯿﻖ ﺑﯿﻦ اﻷﺳﺎﻃﯿﻞ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ ﻏﺮب اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ،وﺑﯿﻦ ﻗﻮاﺗﮫ اﻟﺒﺮﯾﺔ ،وﻓﺘﺢ اﻷﺟﺰاء اﻟﻨﺎﺋﯿﺔ ،ﻛﻤﺎ رأﯾﻨﺎ ،وھﻰ اﻟﺘﻰ
ﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ ،وﻃﺮد اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﻮاﻋﺪھﻢ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ ﺳﻮاﺣﻞ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ "ﺗﻮﻧﺲ " ،وﻋﻨﺪﺋﺬ أﺻﺒﺢ ﺷﻤﺎل
إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ اﻟﺠﻨﺎح اﻷﯾﺴﺮ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ،وأﺻﺒﺢ أھﻠﮭﺎ دﻋﺎة ﻟﻺﺳﻼم ﯾﺴﮭﻤﻮن ﻓﻰ ﻧﺸﺮه ﻓﯿﻤﺎ ﺟﺎورھﻢ ﻣﻦ ﺑﻼد.
وﻗﺪ ﻋﮭﺪ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ إﻟﻰ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ﺑﺎﻟﻘﯿﺎدة اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻟﻠﻘﻮات اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وھﻮ ﻣﻦ أﺑﻨﺎء اﻟﺒﺮﺑﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ " ﻃﻨﺠﺔ ".
وﺟﺎءت ھﺬه اﻟﺨﻄﻮة ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ،دﻟﯿﻼ ﻋﻠﻰ ﺳﻤﻮ وﻋﻠﻮ ﻣﺒﺪأ اﻟﻤﺴﺎواة ﻓﻰ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻘﺪ رأى اﻟﺒﺮﺑﺮ أن أﺣﺪ أﺑﻨﺎء إﺣﺪى
اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺒﺮﺑﺮﯾﺔ ﺻﺎر اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻌﺎم ﻟﺠﺒﮭﺔ اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ.
وﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﯿﺠﺔ ھﺬا اﻟﻌﻤﻞ أن أﺗﺎح ﻟﻠﺪﯾﻦ اﻹﺳﻼﻣﻰ اﻟﺤﻨﯿﻒ دﻣﺎء ﺟﺪﯾﺪة ھﯿﺄت ﻟﮫ اﻻﻧﻄﻼق إﻟﻰ ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﻧﺸﺮ ﻧﻮره ﻋﻠﻰ أرﺟﺎء
ھﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻏﺮب أورﺑﺎ.
ﻧﺤﻦ اﻵن ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٩١ھـ ٧١٠ /م؛ ﺣﯿﺚ اﺳﺘﺸﺎر ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ،ﻓﻰ ﻓﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ " أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ " ،وﻋﻠﻰ
أﺛﺮ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺔ أرﺳﻞ ﻣﻮﺳﻰ ﺳﺮﯾﺔ اﺳﺘﻄﻼﻋﯿﺔ ﺑﻘﯿﺎدة ﻃﺮﯾﻒ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،ﻓﺸﻦ ﻏﺎرة ﻋﻠﻰ ﺟﻨﻮب أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ ،وﻣﻌﮫ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ
ﻣﻘﺎﺗﻞ وﻣﺎﺋﺔ ﻓﺮس.
واﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﺘﻮﻏﻞ ﺑﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﺨﻀﺮاء ،وﯾﻌﻮد إﻟﻰ ﺳﺎﺣﻞ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺣﺎﻣﻼ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ رﻣﻀﺎن ﺳﻨﺔ
٩١ھـ ٧١٠/م ،وﻗﺪ ﺗﺄﻛﺪ ﻟﮫ ﻗﺼﻮر وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻓﺎع ﻓﻰ أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ ﺑﻞ اﻧﻌﺪاﻣﮭﺎ.
وﻟﻘﺪ ﺷﺠﻊ ﻧﺠﺎح ﻃﺮﯾﻒ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﺰوة اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻷﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻰ اﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺪم ﻟﻔﺘﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ )أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ( ،ووﻗﻊ اﺧﺘﯿﺎره ﻋﻠﻰ واﻟﻰ
ﻃﻨﺠﺔ وﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺸﮫ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ﻟﯿﺘﻮﻟﻰ ﻣﮭﻤﺔ ھﺬا اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻌﻈﯿﻢ.
وﻓﻰ ﺷﮭﺮ رﺟﺐ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٩٢ھـ٧١١/م ﻗﺎم ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد وﻣﻌﮫ ﺟﯿﺶ ﻣﻜﻮن ﻣﻦ ﺳﺒﻌﺔ آﻻف ﻣﻘﺎﺗﻞ ﺑﻌﺒﻮر اﻟﻤﻀﯿﻖ اﻟﺬى ﻋﺮف
ﺑﺎﺳﻤﮫ ،وﻧﺠﺤﺖ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﻌﺒﻮر ،واﺣﺘﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻟﺠﺒﻞ ﺑﻜﺎﻣﻠﮫ.
ﻟﻘﺪ ﺟﻤﻊ ﻃﺎرق ﻗﻮاﺗﮫ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺒﻮر ﻋﻨﺪ ھﺬه اﻟﺼﺨﺮة ﻣﻦ ﺟﻨﻮب اﻟﺒﻼد وھﻰ اﻟﺘﻰ ﻧﺴﺒﺖ إﻟﯿﮫ وﻋﺮﻓﺖ ﺑﺎﺳﻢ " ﺟﺒﻞ ﻃﺎرق" ،وھﺎ ھﻮ ذا
ﯾﻨﺪﻓﻊ ﺑﻘﻮاﺗﮫ ﻛﺎﻟﺴﮭﻢ ،ﻻ ﯾﻘﻒ ﻓﻰ ﻃﺮﯾﻘﮫ ﺷﻰء ،وﻟﻘﺪ ﺣﺎول ﻣﻠﻚ أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ "ﻟﺬرﯾﻖ" أن ﯾﻮﻗﻒ ھﺬا اﻟﺰﺣﻒ ﺑﺠﯿﺶ ﺟﺮار ﻗﻮاﻣﮫ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ،
وﻟﻜﻦ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ﻛﺎن ﻗﺪ ﻃﻠﺐ اﻟﻤﺪد ﻣﻦ ﻗﺎﺋﺪه ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﻓﺄﻣﺪه ﺑﺨﻤﺴﺔ آﻻف ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻋﺪد ﺟﻨﺪه اﺛﻨﻰ ﻋﺸﺮ أﻟﻔًﺎ.
واﻧﺪﻓﻊ ﻃﺎرق ﺑﻜﻞ إﯾﻤﺎن زاﺣﻔًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮط -ﺣﻜﺎم ﺷﺒﮫ ﺟﺰﯾﺮة أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ ،-وأﻧﺰل ﺑﮭﻢ ھﺰﯾﻤﺔ ﻓﺎدﺣﺔ ﻓﻰ ﻣﻮﻗﻌﺔ رﻣﻀﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ ﻟﻜﺔ
ﺳﺘِﺠَﺔ " ،
" وادى ﻟﻜﺔ" ﺑﻤﻘﺎﻃﻌﺔ " ﺷَﺬُوﻧﺔ " ،وراح ﯾﻮاﺻﻞ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺘﻞ "ﻟﺬرﯾﻖ" ،ﻓﺄوﻗﻊ ﺑﺎﻟﻘﻮط اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺪﯾﻨﺔ " إِ ْ
١٩
ﻓﺄﻟﻘﻰ اﷲ اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻰ ﻗﻠﻮب أﻋﺪاﺋﮫ ،ﻓﻔﺰﻋﻮا ﻣﻨﮫ ﻓﺰﻋًﺎ ﺷﺪﯾﺪًا ،وﻇﻨﻮا أﻧﮫ ﺳﯿﻔﻌﻞ ﺑﮭﻢ ﻓﻌﻞ ﺳﻠﻔﮫ "ﻃﺮﯾﻒ ﺑﻦ ﻣﺎﻟ ﻚ" ،وﻛﺎن ﻃﺮﯾﻒ ﻗﺪ
أوھﻤﮭﻢ أﻧﮫ ﺳﯿﺄﻛﻠﮭﻢ ،ھﻮ وﻣﻦ ﻣﻌﮫ ،ﻓﮭﺮﺑﻮا ﻣﻨﮫ إﻟﻰ ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ.
ﯾﺎ إﻟﮭﻰ إن اﻟﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪك ،ھﺬه اﻟﺮاﯾﺔ اﻟﻈﺎﻓﺮة ﺗﺘﻘﺪم ،وﺗﺘﻮﻏﻞ ،وﻣﺪن أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ ﺗﺘﮭﺎوى واﺣﺪة ﺑﻌﺪ اﻷﺧﺮى ﻓﻰ ﯾﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وھﺎ ھﻢ أوﻻء ﺟﻨﻮد اﻹﺳﻼم ﯾﻨﺘﺸﺮون؛ ﺣﯿﺚ ﻗﺮر ﻃﺎرق وھﻮ ﻓﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ إﺳﺘﺠﺔ أن ﯾﻔﺮق ﺟﯿﺸﮫ وﯾﻮﺟﮭﮫ إﻟﻰ ﺟﮭﺎت ﺷﺘﻰ ،ﻓﮭﺬه ﺷﻌﺒﺔ
ﺗﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ "ﻗﺮﻃﺒﺔ" ،ﻓﺘﺪﺧﻠﮭﺎ وﺗﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﺗﻠﻚ ﺷﻌﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﯿﺶ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ "ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ" ،ﻓﺪﺧﻠﺘﮭﺎ وﻣﻠﻜﺘﮭﺎ ،وﺷﻌﺒﺔ ﻣﻦ
اﻟﺠﯿﺶ ﺗﻘﺘﺤﻢ ﻣﺪﯾﻨﺔ "ﺗُ ْﺪ ﻣِﯿﺮ" ﻓﯿﻀﻄﺮ أھﻠﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺼﺎﻟﺤﺘﮭﺎ ،وﺳﺎر ﻃﺎرق وﻣﻌﮫ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺠﯿﺶ إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ "ﺟﯿﺎن " ﯾﺮﯾﺪ "ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ"
ﻓﮭﺮب أھﻠﮭﺎ وﺗﺮﻛﻮا ﻟﮫ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺧﺎﻟﯿﺔ.
وﯾﻮاﺻﻞ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮون ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﻔﻠﻮل اﻟﻤﻨﮭﺰﻣﺔ ،وﻣﻼﺣﻘﺘﮭﻢ ﺣﺘﻰ "ﺟِﻠﱢﯿﻘﯿﺔ" ﻓﻰ أﻗﺼﻰ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻐﺮﺑﻰ ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺛﻢ ﻋﺎد ﻣﻦ ھﻨﺎك،
وﻋﺎدت ﺟﯿﻮﺷﮫ إﻟﻰ "ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ" ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٩٣ھـ٧١٢/م ،وھﻨﺎ ﺧﺸﻰ " ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ" أن ﺗﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺧﻄﻮط
اﻟﻤﻮاﺻﻼت ،وﯾﺤﺎل ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ ﻗﻮاﻋﺪه اﻟﺘﻰ اﻧﻄﻠﻖ ﻣﻨﮭﺎ ،وﯾﻘﻮم اﻟﻌﺪو ﺑﺎﻻﻧﻘﻀﺎض ﻋﻠﯿﮫ وﻣﺤﺎﺻﺮﺗﮫ ،واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﯿﺴﺮع ﺑﺈﺻﺪار
أواﻣﺮه إﻟﻰ ﻃﺎرق أن ﯾﻨﺘﻈﺮه ﻓﻰ "ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ" ﺣﺘﻰ ﯾﺴﻌﻰ إﻟﯿﮫ ﺑﻨﻔﺴﮫ ھﻮ ،وﯾﺆﻣﻦ ﺧﻄﻮﻃﮫ اﻟﺨﻠﻔﯿﺔ وﯾﻠﺤﻖ ﺑﮫ.
وﻋَﺒﺮَ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻘﻮاﺗﮫ إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻣﺴﺘﮭﺪﻓًﺎ ﺗﻄﮭﯿﺮ اﻟﺠﯿﻮب اﻟﺘﻰ ﺧﻠﻔﮭﺎ ﻃﺎرق وراءه ،ﻣﻦ ھﻨﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺳﻰ أن ﯾﻘﻮم ﺑﺘﺄﻣﯿﻦ ﻣﺆﺧﺮة
اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻔﺎﺗﺢ ،ﻓﺎﻓﺘﺘﺢ ﻣﺪﻧًﺎ وﺣﺼﻮﻧًﺎ ﻛﺎن ﺑﻘﺎؤھﺎ ﺑﯿﻦ اﻷﺳﺒﺎن ﺧﻄﺮًا ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻮد اﻹﺳﻼﻣﻰ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﺑﺸﺒﮫ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ
"ﻃﻠﯿﻄﺔ" ،وھﻨﺎك اﻟﺘﻘﻰ ﺑﺠﯿﺶ ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ،وﻗﺪ اﺳﺘﻐﺮق ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﺟﮭﺪًا ووﻗﺘًﺎ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﯿﮫ ،وھﻨﺎك ﻓﻰ "ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ " اﻟﺘﻘﻰ
اﻟﻘﺎﺋﺪان ﻃﺎرق وﻣﻮﺳﻰ ،وراﺣﺎ ﯾﻨﺴﻘﺎن اﻟﻔﺘﻮح اﻟﺒﺎﻗﯿﺔ ﺑﺒﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ.
وﺳﺎرا ﻣﻌًﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺎ " ﺳﺮﻗﺴﻄﺔ" ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ "اﻹﺑﺮو" ،وﻣﻦ ھﻨﺎك ﺳﺎر ﻃﺎرق إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ ﺟﺒﺎل "أﻟﺒﺮت" أى اﻷﺑﻮاب ،وھﻰ
اﻟﺘﻰ ﺗﺴﻤﻰ اﻟﯿﻮم ﺟﺒﺎل اﻟﺒﺮاﻧﺲ ووﻗﻒ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﺘﺤًﺎ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،أن ﺗﺮﻓﺮف راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ،وﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب ﻓﺮﻧﺴﺎ
ﻓﻰ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻣﻦ ھﺠﺮة اﻟﺮﺳﻮل )!
وﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ﯾﻘﻒ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب "ﻓﺮﻧﺴﺎ" ،ﻛﺎن ﻣﻮﺳﻰ ﯾﺘﺠﮫ ﻏﺮﺑًﺎ ﺣﺘﻰ دﺧﻞ ذﻟﻚ اﻹﻗﻠﯿﻢ اﻟﺬى ﯾﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﯿﺞ " ﺑﺴﻜﺎﯾﺔ "
وﯾ ﺴﻤﻰ " أﺷﺘﻮرﯾﺲ " واﻧﺘﮭﻰ ﺑﻔﺘﻮﺣﺎﺗﮫ أﺧﯿﺮًا ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ " ﺑﺴﻜﺎﯾﺔ " واﺳﺘﺪﻋﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﻛﻼ ﻣﻦ ﻣﻮﺳﻰ وﻃﺎرق إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ﺳﻨﺔ
٩٥ھـ٧١٤/م ،وﻻ ﯾﻔﻮﺗﻨﺎ ھﻨﺎ أن ﻧﺬﻛﺮ أن ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ﻗﺪ أرﺳﻞ اﻷﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻟﻔﺘﺢ ﺟﺰﯾﺮة " ﺳﺮدﯾﻨﯿﺎ " ﻓﺎﻓﺘﺘﺤﻮھﺎ ﻋﻨﻮة،
وﻋﺎدوا ﺑﺎﻟﺴﺒﺎﯾﺎ واﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﺳﻨﺔ ٩٢ھـ.
وﺗﺎﺑﻊ وﻻة اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﻔﺘﻮح ،ﻓﻘﺎم اﺑﻨﮫ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ ﺑﺎﺳﺘﻜﻤﺎل ﻓﺘﺢ ﺷﺮق اﻷﻧﺪﻟﺲ وﻏﺮﺑﮫ ،وﺟﻌﻞ ﻋﺎﺻﻤﺘﮫ ﻓﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ
" إﺷﺒﯿﻠﯿﺔ ".
وﻧﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺟﺒﮭﺔ إﻟﻰ ﺟﺒﮭﺔ ﻟﻨﺘﺎﺑﻊ ﺗﻘﺪم اﻟﺮاﯾﺔ اﻟﻈﺎﻓﺮة ﻓﻰ أرﺟﺎء اﻷرض ،وإذا ﻛﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﺮﻛﻨﺎھﺎ ،وھﻰ ﺗﺮﻓﺮف ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب "ﻓﺮﻧﺴﺎ " ﻓﮭﺎ
ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻮد ﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺘﮭﺎ وھﻰ ﺗﺮﻓﺮف ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب " اﻟﺼﯿﻦ" ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺬى ﻛﺎن ﻋﮭﺪه ﺧﯿﺮًا وﺑﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ
اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﻟﻰ " ﻗﺘﯿﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ " ﺧﺮاﺳﺎن ﺳﻨﺔ ٨٦ھـ٧٠٥ /م ،اﺗﺨﺬ ﻣﻦ "ﻣﺮو" ﻗﺎﻋﺪة ﻟﮫ ،ﺗﻢ ﻓﺘﺢ ﺑﻼد اﻟﻨﮭﺮ -اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﻨﮭﺮ ﺟﯿﺤﻮن-
ودﺧﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﻼدًا ﻋﺪﯾﺪة ،ﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎدﺧﻠﺖ ﻓﻰ دﯾﻦ اﻹﺳﻼم وداﻓﻌﺖ ﻋﻨﮫ ﻣﺜﻞ " اﻟﺼﱠﻔَﺪ" و"ﻃﺨﺎرﺳﺘﺎن" و " اﻟﺸﺎش " و "ﻓَ ْﺮﻏَﺎﻧﺔ "
ﻓﻰ ﻧﺤﻮ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﯿﻦ.
وأﺧﯿﺮًا ،أﻧﮭﻰ أﻋﻤﺎﻟﮫ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ﺑﻔﺘﺢ "ﻛﺎﺷﻐﺮ" ﻓﻰ " اﻟﺘﺮﻛﺴﺘﺎن" اﻟﺼﯿﻨﯿﺔ ﺳﻨﺔ ٩٦ھـ٧١٥ /م ،وﺻﺎرت اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺠﺎور
ﺣﺪود اﻟﺼﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﻼد "ﻓﺎرس " و "ﺧﺮاﺳﺎن " و " ﺳﺠﺴﺘﺎن " ،وﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﯾﺘﮭﻢ ﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم ،وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﺤﺪود اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ؛ وﻟﻢ ﯾﺒﻖ إﻻ اﻟﮭﻨﺪ.
وﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻛﻠﻒ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﺜﻘﻔﻰ اﻟﺸﺎب اﻟﻤﺴﻠﻢ" :ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ " ﻣﮭﻤﺔ ﻏﺰو ﺑﻼد اﻟﮭﻨﺪ ،وﺳﺎر ﻣﺤﻤﺪ
ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ إﻟﻰ اﻟﮭﻨﺪ ﺳﻨﺔ ٨٩ھـ٧٠٨ /م وﻓﺘﺢ ﺛﻐﺮ اﻟﺪﯾﺒﻞ )إﺣﺪى ﻣﺪن اﻟﺴﺎﺣﻞ اﻟﻐﺮﺑﻰ ﻟﻠﮭﻨﺪ( ،ﺛﻢ ﺳﺎر ﻋﻨﮫ وﺟﻌﻞ ﻻ ﯾﻤﺮ ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ إﻻ
ﻓﺘﺤﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﺒﺮ اﻟﻨﮭﺮ ،ﻓﺼﺎﻟﺤﮫ أھﻞ " ﺳﺮﺑﯿﺪس " وﻓﺘﺢ " ﺳﮭﺒﺎن " ،ﺛﻢ ﺳﺎر إﻟﻰ ﻟﻘﺎء "داھﺮ" ﻣﻠﻚ اﻟﺴﻨﺪ واﻟﮭﻨﺪ ،وﻛﺎن ﻟﻘﺎء ﻓﺮﯾﺪًا .إن
" دَاھِﺮ" وﺟﻨﻮده ﯾﻘﺎﺗﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﻇﮭﻮر اﻟﻔﯿﻠﺔ ،واﻟﻔﯿﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﺜﺎر ﺗﻜﺘﺴﺢ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻣﺎﻣﮭﺎ وﺗﺪوﺳﮫ.
ودارت ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﺎﻣﯿﺔ ﻛﺘﺐ اﷲ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻨﺼﺮ ﻟﺮاﯾﺔ اﻹﺳﻼم ،وھﺰم "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ " اﻟﻤﻠﻚ "داھﺮ" وﻗﺘﻠﮫ ،وراح ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ
ﯾﺘﻘﺪم ،وﯾﻤﺪ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ﻓﻰ ﻛﺎﻓﺔ أرﺟﺎء ﺑﻼد اﻟﺴﻨﺪ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ " اﻟﻤﻠﺘﺎن " ودﺧﻠﮭﺎ وﻏﻨﻢ ﻣﻨﮭﺎ ﻣﻐﺎﻧﻢ ﻛﺜﯿﺮة.
وﻟﻘﻰ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ٩٦ھـ ٧١٥ /م ﺑﻌﺪ أن رﻓﻌﺖ راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﻋﻠﻰ ﺣﺪود ﻓﺮﻧﺴﺎ واﻟﺼﯿﻦ وﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن
وﺳﺠﺴﺘﺎن واﻟﺴﻨﺪ ،وﺑﻼد اﻟﮭﻨﺪ.
ﻟﻢ ﺗﻄﻞ ﺧﻼﻓﺔ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻛﺜﯿﺮًا ،ﻓﺄوﺻﻰ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه "ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ" ،اﺑﻦ ﻋﻤﮫ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﺑﻨﮫ أﯾﻮب ﻟﻤﺎ ﻋﺮف
ﻓﯿﮫ ﻣﻦ ورع وﻋﺪل.
٢٠
ورأى اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﺳﺤﺐ " اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ " ﻣﻦ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻤﺮت اﺛﻨﻰ ﻋﺸﺮ ﺷﮭﺮًًا ﺗﺤﻘﻖ ﻓﯿﮭﺎ إذﻻل
إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺮوم" اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺪر ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﺷﻞ ﻧﺸﺎﻃﮭﺎ اﻟﺤﺮﺑﻰ اﻟﻤﻌﺎدى ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻋﺎدت اﻟﺤﻤﻠﺔ
اﻷﻣﻮﯾﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻷﺧﯿﺮة ﻓﻰ ﻧﮭﺎﯾﺔ ﺳﻨﺔ ٩٩ھـ٧١٨ /م.
وﺗﻔﺮغ ﻋﻤﺮ ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﻖ واﻟﻌﺪل وإﺷﺎﻋﺔ اﻟﺨﯿﺮ واﻟﺴﻼم ﻓﻰ رﺑﻮع اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،راح ﯾﺮﻓﻊ اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس ،وﯾﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻧﺼﺎف
ﻛﻞ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﻓﻰ ﻋﮭﻮد ﺳﺎﺑﻘﯿﮫ ﻣﻦ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ،وﺗﻌﻮﯾﺾ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﺮم ،وﯾﻌﯿﺪ ﻋﮭﺪ ﺟﺪه "ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب" اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺎدل اﻟﺬى ﻣﻸ اﻟﺪﻧﯿﺎ
ﻋﺪﻻ ،وراح ﯾﺘﺸﺒﮫ ﺑﮫ ﻓﻰ زھﺪه ،وﺗﻘﺸﻔﮫ ،وإﯾﻤﺎﻧﮫ ﺑﺎﷲ ،وﺗﻤﺴﻜﮫ ﺑﻜﺘﺎﺑﮫ ،وﺳﻨﺔ رﺳﻮﻟﮫ ).
ﻟﻘﺪ راح ﯾﺤﺾ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ،وﯾﻔﺮض اﻟﻌﻘﺎب اﻟﺼﺎرم ﻋﻠﻰ أى ﻋﺪوان ﻣﮭﻤﺎ ﺻﻐﺮ وﺣﻘﺮ؛ ﻟﯿﻘﻄﻊ داﺑﺮ اﻟﻔﺴﺎد ،وﯾﻌﯿﺪ
اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن إﻟﻰ رﺑﻮع اﻟﺒﻼد.
واﻣﺘﺪ ﻋﺪﻟﮫ إﻟﻰ اﻷﻃﺮاف اﻟﺒﻌﯿﺪة ،وﺷﻤﻞ أھﻞ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،اﻟﺬﯾﻦ ﻟﮭﻢ ﻋﻘﺪ ذﻣﺔ ،وﻋﮭﺪ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ ؛ ﻓﻠﮭﻢ ﻣﺎ
ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﻋﻠﯿﮭﻢ ﻣﺎ ﻋﻠﯿﮭﻢ .ﻟﻘﺪ رﻓﻊ اﻟﺠﺰﯾﺔ ﻋﻤﻦ أﺳﻠﻢ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ ،وﺧﻔﻒ اﻟﻀﺮاﺋﺐ ﻋﻦ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وأﺻﺪر أﻣﺮه ﺑﺄن ﯾﻮﻗﻒ
ﺗﺤﺼﯿﻞ ﺧﺮاج اﻷرض ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺮﯾﯿﻦ ﻟﻤﺪة ﻋﺎم ﺗﻌﻮﯾﻀًﺎ ﻟﮭﻢ ﻋﻤﺎ زﯾﺪ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻓﻰ أﻋﻮام ﺳﺒﻘﺖ.
ورأى أن اﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ ﻗﺪ اﺳﺘﻐﻨﻰ اﻹﺳﻼم ﻋﻨﮭﻢ ،وراح ﯾﺮﻓﻊ اﻷ ﻋﺒﺎء ﻋﻦ أھﻞ اﻟﻌﺮاق وﺧﺮاﺳﺎن واﻟﺴﻨﺪ اﻟﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﺤﺠﺎج وأﺗﺒﺎﻋﮫ
ﻗﺪ ﻓﺮﺿﻮھﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ اﻋﺘﻨﻘﻮا اﻹﺳﻼم.
وراح ﯾﺸﺠﻊ أھﻞ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮل اﻹﺳﻼم واﻻﻧﻀﻮاء ﺗﺤﺖ ﻟﻮاﺋﮫ ،وﺗﺤﺒﯿﺒﮫ إﻟﯿﮭﻢ ﺑﻜﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ،ﻟﻘﺪ ھﺪأت أﻋﺼﺎب اﻟﻨﺎس،
وراﺣﻮا ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﯾﻔﻜﺮون ﻓﻰ اﻟﺨﯿﺮ ﺣﺘﻰ اﻟﺨﻮارج ﻓﻰ اﻟﻌﺮاق واﻟﻤﺸﺮق وإﻓﺮﯾﻘﯿﺔ أﻗﻠﻌﻮا ﻋﻦ ﺣﺮﻛﺎﺗﮭﻢ اﻟﺜﻮرﯾﺔ ،وأرﺳﻠﻮا ﻟـ "ﻋﻤﺮ" ﻣﻦ
ﯾﻨﺎﻇﺮه ﻓﺄﻓﺴﺤﻮا اﻟﻤﺠﺎل ﻟﻠﺤﺠﺔ واﻟﺪﻟﯿﻞ ﺑﺪل اﻟﺴﯿﻒ واﻟﺤﺮب.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺘﺮة ﺧﻼﻓﺘﮫ ھﻰ ﻓﺘﺮة اﻟﺘﻘﺎط اﻷﻧﻔﺎس ،وﻟﻢ اﻟﺸﻤﻞ ،وﺟﻤﻊ اﻟﻜﻠﻤﺔ ،واﻟﺪﻓﻊ ﺑﺎﻟﺘﻰ ھﻰ أﺣﺴﻦ ،إﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻮد ﺗﻮﺳﯿﻊ رﻗﻌﺔ
اﻟﺪوﻟﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﮫ ،وﺣﺴﺒﮫ أن ﯾﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﻋﯿﻤﮭﺎ وﺗﻮﻃﯿﺪھﺎ ،وﻗﺪ ﻓﻌﻞ وﺗﺤﻘﻖ ﻟﮫ ﻣﺎ أراد.
وﺗﻮﻓﻰ -رﺣﻤﮫ اﷲ -ﻓﻰ رﺟﺐ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ١٠١ھـ ٧٢٠ /م ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻘﺼﯿﺮة ﻣﻦ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻀﯿﺌﺔ ﻓﻰ دوﻟﺔ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ،
وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺳﻨﺘﯿﻦ وﺧﻤﺴﺔ أﺷﮭﺮ.
ﺗﻮﻟﻰ "ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان" اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻘﺐ وﻓﺎة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺎدل ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ ،وﻇﻞ ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﺳﻨﺔ
١٠١ھـ٧٢٠ /م إﻟﻰ ﺳﻨﺔ ١٠٥ھـ٧٢٤ /م.
وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺿﺮورﯾﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻗﺪ اﻧﺘﺎﺑﮭﺎ اﻟﻀﻌﻒ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻮﻟﻰ أﻣﺮھﺎ ﺧﻠﻔﺎء ﺿﻌﺎف ،ھﺎن ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺪاء
أﻣﺮھﻢ.
ﻟﻘﺪ اﻧﺘﺸﺮت اﻟﻔﺘﻦ واﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻓﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ،أﻣﺎ ﻓﻰ اﻟﺨﺎرج ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﺮﻛﻤﺎن ﺗﻀﻐﻂ ﻓﻰ اﻟﺸﻤﺎل ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن دﻋﺎة ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس
ﯾﺴﻌﻮن ﺑﻨﺸﺎط ﻓﻰ ﺗﺪﺑﯿﺮھﻢ اﻟﺴﺮى ﻟﺘﻘﻮﯾﺾ دﻋﺎﺋﻢ اﻟﺤﻜﻢ اﻷﻣﻮى ﻓﻰ اﻟﺸﺮق.
ﻟﻘﺪ أﻋﻠﻦ " ﺷﻮذب اﻟﺨﺎرﺟﻰ" اﻟﺜﻮرة ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ،وھﺰﻣﮭﻢ ﻓﻰ ﻋﺪة ﻣﻌﺎرك ،ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻄﺎع " ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ" واﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ
اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮫ وﻋﻠﻰ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻌﮫ ،وﺗﺸﺘﯿﺖ ﺷﻤﻠﮭﻢ.
وﯾﺨﺮج "ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﮭﻠﺐ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺻﻔﺮة" ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻊ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻋﻠﯿﮫ ،وﯾﺴﯿﺮ إﻟﻰ "اﻟﺒﺼﺮة" ،ﺛﻢ ﯾﻮاﺻﻞ اﻟﺴﯿﺮ إﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ،
وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ "ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان" ﯾﺮﺳﻞ إﻟﯿﮫ أﺧﺎه " ﻣﺴﻠﻤﺔ " ﺑﺠﯿﺶ ﻗﻮى ﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻨﺔ ،وﯾﻈﻔﺮ ﺑﮫ.
وﻻ ﯾﻄﻮل اﻷﺟﻞ ﺑﺎﻟﺨﻠﯿﻔﺔ "ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان" ﻓﯿﻠﻘﻰ رﺑﮫ وﯾﺨﻠﻔﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ھﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ) ١٢٥ - ١٠٥ھـ( )٧٢٤
٧٤٣ -م(.
ﺟﺎء ھﺸﺎم ﻟﯿﻮاﺟﮫ "ﺛﻮارًا" و "ﺧﻮارج" ﺧﻼل ﺣﻜﻤﮫ اﻟﺬى اﺳﺘﻤﺮ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ .ﺛﺎر " اﻟﺤﺎرث ﺑﻦ ﺳﺮﯾﺞ" ﺑﺨﺮاﺳﺎن ﺑﺘﺸﺠﯿﻊ
وﺗﺄﯾﯿﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺮﻛﻤﺎن ) اﻷﺗﺮاك ( ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ھﺸﺎم ﺑﺴﺒﺐ " اﻟﻀﺮاﺋﺐ" اﻟﺘﻰ ﻓﺮﺿﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻔﺮس ،وﺑﻌﺾ اﻟﻮﻻة .وﺳﺮﻋﺎن
ﻣﺎ اﻧﻀﻢ إﻟﯿﮫ ﻓﻰ ﺛﻮرﺗﮫ ھﺬه ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب وﻏﯿﺮھﻢ.
وراح ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪن اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎف " ﻧﮭﺮ ﺳﯿﺤﻮن " .وﯾﺼﺪر اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ " أﺳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﻘﺴﺮى" ﺑﺘﻮﻟﻰ أﻣﺮ ھﺬه
اﻟﺒﻼد ،وﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ.
وأﺧﺬ اﻟﺤﺎرث ﯾﺘﺮاﺟﻊ أﻣﺎم " أﺳﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ " اﻟﺬى أُﻣِﺮَ أن ﯾﻄﺎرده ،وﯾﺴﺘﺮد ﻣﻨﮫ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻓﺎﻧﺴﺤﺐ اﻟﺤﺎرث إﻟﻰ
"ﻃﺨﺎرﺳﺘﺎن " وﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻼد "ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ"؛ ﺣﯿﺚ اﻧﻀﻢ إﻟﻰ اﻷﺗﺮاك ﺿﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ أﯾﻀﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ " ھﺸﺎم " ﺑﻤﻮاﺟﮭﺔ "زﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ اﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ " وأﻧﺼﺎره ،وﯾﻘﺘﻞ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﺜﻘﻔﻰ واﻟﻰ اﻟﻌﺮاق اﻟﺴﺎﺑﻖ اﻟﺜﺎﺋﺮ.
وﻛﺎن ﻋﮭﺪ ھﺸﺎم ﯾﻌﺘﺒﺮ ﺣﺪّا ﻓﺎﺻﻼ ﺑﯿﻦ ﻋﮭﺪ ازدھﺎر اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ وﻋﻠﻮ ﺷﺄﻧﮭﺎ وﺑﯿﻦ ﻋﮭﺪ اﺿﻤﺤﻼﻟﮭﺎ ،واﻧﺘﺸﺎر اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻔﺘﺎﻛﺔ ﻓﻰ
ﺟﺴﻤﮭﺎ ،إن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " ھﺸﺎﻣًﺎ " ﯾﻤﺜﻞ راﺑﻊ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ اﻷﻗﻮﯾﺎء اﻟﻜﺒﺎر ﺑﻌﺪ "ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻰ ﺳﻔﯿﺎن " و " ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان "
و " اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒ ﺪاﻟﻤﻠﻚ" ،ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺠﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﺷﺌﻮن اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺤﺰم وﻋﺰم وﻗﻮة ،وأن ﯾﻜﺒﺖ ﺟﻤﯿﻊ ﻋﻮاﻣﻞ
اﻟﻔﺘﻦ اﻟﺘﻰ ﺳﺒﻖ أن أﻇﮭﺮت ﻋﺪاءھﺎ ،وأﻃﻠﺖ ﺑﺮأﺳﮭﺎ.
ﺗُﺮى ﻣﻦ ﯾﺨﻠﻔﮫ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺎد اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ ﻓﻰ ﻣﺠﺮى اﻷﯾﺎم واﻷﻋﻮام ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻰ ﻋﺎم ١٢٥ھـ.٧٤٣/
٢١
ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻒ " ھﺸﺎم" أرﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻋﺠﺰوا ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،وأﻓﻠﺖ ﻣﻨﮭﻢ زﻣﺎم اﻟﺤﺰم ،وأﺗﺎﺣﻮا اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﮭﺪم
واﻻﺿﻤﺤﻼل ،ﻓﺮاﺣﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﺗﺘﮭﺎوى وﺗﺴﻘﻂ ﺳﻨﺔ ١٣٢ھـ٧٥٠/م.
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻇﮭﻮر اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮح اﻷﺣﺪاث ﯾﻤﺜﻞ ﺿﺮﺑﺔ ﻗﺎﺻﻤﺔ أﻃﺎﺣﺖ ﺑﺎﻟﺒﯿﺖ اﻷﻣﻮى ﻋﻦ ﻋﺮش اﻟﺨﻼﻓﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ .ﻓﺒﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " ھﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ" ﺑﻮﯾﻊ " اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ" ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻰ ٦ﻣﻦ رﺑﯿﻊ اﻵﺧﺮ ﺳﻨﺔ ١٢٥ھـ٧٢٣ /م ،وھﻮ
اﻟﯿﻮم اﻟﺬى ﺗﻮﻓﻰ ﻓﯿﮫ ھﺸﺎم .وﻗﺪ ﻛﺎن "اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ" اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺬى ﯾﻤﺜﻞ ﻣﺴﺎوئ ﻧﻈﺎم وراﺛﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻟﻢ ﯾﻜﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ
ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ اﺑﻨًﺎ ﻟﮭﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻞ اﺑﻦ أﺧﯿﮫ .إن ﻧﻈﺎم اﻟﺸﻮرى ﯾﺘﯿﺢ ﻟﻠﺠﻤﯿﻊ وﺿﻊ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻓﻰ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﺣﺘﻰ
ﯾﺴﺘﺮﯾﺢ وﯾﺮﯾﺢ .وﻟﻜﻦ "ﻧﻈﺎم اﻟﻮراﺛﺔ" ﯾﺄﺗﻰ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼم " ﺑﺎﻟﻮﻟﯿﺪ" اﻟﺬى أﺷﺎع ﻋﻨﮫ ﺧﺼﻮﻣﮫ أﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﻨﮭﻤﻜًﺎ ﻓﻰ اﻟﻤﻠﺬات ،ﻣﺴﺘﺨ ﻔّﺎ
ﺑﺄﻣﺮ اﻷﻣﺔ ،ﻣﺸﻐﻮﻻ ﺑﺎﻟﻠﮭﻮ ،ﻣﺠﺎھﺮًا ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﺻﻰ ،وﻛﺎن اﻹﻣﺎم اﻟﺰھﺮى ﯾﺒﻐﻀﮫ وﯾﺤﺚ ھﺸﺎﻣًﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻌﮫ .ﻟﻘﺪ اﺟﺘﻤﻊ ﺑﻌﺾ أھﻞ "دﻣﺸﻖ "
ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻌﮫ وﻗﺘﻠﮫ ﻟﻤﺠﺎھﺮﺗﮫ ﺑﺎﻹﺛﻢ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ ﺟﻤﺎدى اﻵﺧﺮة ﺳﻨﺔ ١٢٦ھـ٧٤٤ /م ،ﺑﻌﺪ أن ﻗﻀﻰ ﻓﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﻨﺔ واﺣﺪة،
وﺷﮭﺮﯾﻦ ،وأﯾﺎﻣًﺎ ،وﻛﺎن اﻟﺬى ﯾﻘﻮد اﻟﺜﻮرة ﻋﻠﯿﮫ اﺑﻦ ﻋﻤﮫ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ اﻟﺬى وﺻﻔﮫ أﻧﺼﺎره ﺑﺄﻧﮫ ﻛﺎن ورﻋًﺎ ﺗﻘﯿّﺎ ﻣﺤﺎﻓﻈًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﯾﻦ
ﻖ ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ إﻻ ﺧﻤﺴﺔ أﺷﮭﺮ وﻋﺪة أﯾﺎم ﺣﯿﺚ ﻣﺎت ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﻮن .وﺑﺎﯾﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﻌﺪه أﺧﺎه راﻋﯿًﺎ ﻟﻺﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ َﯾ ْﺒ َ
"إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ" ﺧﻠﻔًﺎ ﻟﮫ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾﺘﻮﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﺳﺎر إﻟﯿﮫ ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ ﺛﺎﺋﺮًا ﻟﻠﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ .ﻟﻘﺪ
ﺧﻠﻊ "ﻣﺮوان" " إﺑﺮاھﯿﻢ" وھﺮب إﺑﺮاھﯿﻢ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ،وﻇﻞ أﺗﺒﺎع ﻣﺮوان ﯾﻼﺣﻘﻮﻧﮫ ﺣﺘﻰ ﻋﺜﺮوا ﻋﻠﯿﮫ وﻗﺘﻠﻮه ،وﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ ﻓﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻏﯿﺮ
ﺳﺒﻌﯿﻦ ﯾﻮﻣًﺎ وﻗﯿﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﮭﺮ .وﺗﻮﻟﻰ "ﻣﺮوان" اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻰ ﺻﻔﺮ ﺳﻨﺔ ١٢٧ھـ٧٤٥ /م ،ﻟﯿﺸﮭﺪ ﻋﮭﺪًا ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻦ واﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت .وﻓﻰ
ﻋﮭﺪه اﺿﻄﺮﺑﺖ اﻷﻣﻮر ﻓﻰ اﻟﺒﻼد ،وﺧﺮج اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ ،واﻧﺘﮭﺰ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﻮن ھﺬا اﻟﺘﻔﻜﻚ ،واﻟﺘﺼﺪع ﻓﺮاﺣﻮا ﯾﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ إﺳﻘﺎط
دوﻟﺔ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ﻟﺘﻘﻮم ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ دوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ .ﻟﻘﺪ ﺣﻤﻞ ﻟﻮاء اﻟﺪﻋﻮة ﻟﻠﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ ،واﺳﺘﻄﺎع اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ
"ﺧﺮاﺳﺎن " ووﻃﺪ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ﻓﯿﮭﺎ .وﻓﻰ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ ﺷﮭﺮ رﺑﯿﻊ اﻷول ﺳﻨﺔ ١٣٢ھـ٧٥٠ /م ،اﺳﺘﻮﻟﻰ أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﻋﻠﻰ " ﻧﯿﺴﺎﺑﻮر" وراح
ﯾﻌﻠﻦ اﻟﺪﻋﻮة ﻷﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح أول ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ،ﻓﻤﺎذا ﻓﻌﻞ ﻣﺮوان؟ وﻛﯿﻒ واﺟﮫ ھﺬا اﻟﺘﯿﺎر اﻟﺰاﺣﻒ ؟ ﻟﻘﺪ أﻋﺪ ﺟﯿﺸًﺎ ﻟﻠﻘﻀﺎء
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،وﻛﺎن اﻟﻠﻘﺎء ﻋﻠﻰ " ﻧﮭﺮ اﻟﺰاب" وﻟﻜﻦ دارت اﻟﺪاﺋﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﺮوان وﺟﯿﺸﮫ ،ﻓﻔﺮ ھﺎرﺑًﺎ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ.
وﻟﻢ ﯾﻨﺘﮫ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،ﺑﻞ دارت ﻣﻌﺮﻛﺔ أﺧﯿﺮة ﺣﺎﺳﻤﺔ ،ﻟﻘﺪ ﻻﺣﻘﮫ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﻮن وﻃﺎردوه ،ودارت ﻣﻌﺮﻛﺔ أﺧﯿﺮة ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻨﮭﻢ ﻋﻠﻰ
ﺿﻔﺔ اﻟﻨﯿﻞ اﻟﻐﺮﺑﻰ ﻋﻨﺪ ﺑﻠﺪة " ﺑﻮﺻﯿﺮ" ،و ُﻗ ِﺘﻞَ ﻣﺮوان ،وﺑﻤﻘﺘﻠﮫ اﻧﺘﮭﺖ دوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻤﺮت ﻗﺮاﺑﺔ إﺣﺪى وﺗﺴﻌﯿﻦ ﺳﻨﺔ ﻟﯿﺸﮭﺪ
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻮﻟﺪ دوﻟﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﺗﺤﻤﻞ راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ھﻰ دوﻟﺔ ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس.
ﺳﻤﯿﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺑﮭﺬا اﻻﺳﻢ ،ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﻋﻢ اﻟﺮﺳﻮل ) ،ﻓﻤﺆﺳﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ وﺧﻠﯿﻔﺘﮭﺎ اﻷول ھﻮ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻋﺒﺪ اﷲ
ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﻋﻢ رﺳﻮل اﷲ ) ،وﻗﺪ اﺷﺘﮭﺮ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﺄﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺿﻌﻔﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ،ﺗﻄﻠﻊ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ رﺟﻞ ﯾﻌﻮد ﺑﺎﻷﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﺠﺎدة واﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺼﺤﯿﺢ ،ﯾﺮﻓﻊ ﻋﻨﮭﻢ اﻟﻈﻠﻢ ،وﯾﻘﯿﻢ ﻓﯿﮭﻢ اﻟﻌﺪل،
وﯾﺮھﺐ ﺑﮭﻢ اﻷﻋﺪاء ،ﻓﺤﺴﺒﻮا أن أﺻﻠﺢ اﻟﻨﺎس ﻟﮭﺬا اﻷﻣﺮ ،رﺟﻞ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ ﺑﻨﻰ ھﺎﺷﻢ ،ﻓﻜﺘﺒﻮا ﻓﻰ ھﺬا اﻟﺸﺄن إﻟﻰ " أﺑﻰ ھﺎﺷﻢ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﻨﻔﯿﺔ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ" أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺜﻘﺎت ،وﻛﺎن ﻣﻘﯿﻤًﺎ ﺑﺎﻟﺸﺎم ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ..وﻣﺎ ﻟﺒﺚ أﻣﺮ ﺗﻠﻚ
اﻟﻤﻜﺎﺗﺒﺔ أن وﺻﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻷﻣﻮى " ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ" ،ﻓﺨﺸﻰ أﺑﻮ ھﺎﺷﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ -وﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺑﮫ اﻟﺴﱢﻦّ -ﺑﻄﺶ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ،
ﺴﺠﱠﺎد ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس " ،وھﻨﺎك ﺣﻀﺮﺗﮫ ﻣﻨﯿﺘﮫ ،ﻓﺄوﺻﻰ إﻟﻰ ﻓﺎﻧﺘﻘﻞ إﻟﻰ "اﻟﺤﻤﯿﻤﺔ " ﻣﻦ أرض اﻟﺸﺎم؛ ﺣﯿﺚ ﯾﻘﯿﻢ ﻋﻤﮫ "ﻋﻠﻲّ اﻟ ﱠ
" ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس " ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﻨﺎس ﻣﻌﮫ ،ودﻓﻊ إﻟﯿﮫ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻰ ﻛﺘﺒﻮھﺎ إﻟﯿﮫ ،وﻗﺎل ﻟﮫ :أﻧﺖ ﺻﺎﺣﺐ ھﺬا
اﻷﻣﺮ ،وھﻮ ﻓﻰ وﻟﺪك .ﺛﻢ ﻣﺎت ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻨﺔ ٩٩ھـ٧١٨ /م.
وأﺧﺬ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﻓﻰ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﻣﺎ أوﺻﺎه ﺑﮫ أﺑﻮھﺎﺷﻢ ،ﻓﺎﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﻨﺎس ،واﺧﺘﺎر ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﻢ دﻋﺎة ﯾﺨﺮﺟﻮن وﯾﻨﺘﺸﺮون ﻓﻰ رﺑﻮع اﻟﺪوﻟﺔ
اﻷﻣﻮﯾﺔ ،ﯾﺸﮭﺮون ﺑﮭﺎ وﯾﻨﺘﻘﺪون ﻋﯿﻮﺑﮭﺎ ،وﯾﺪﻋﻮن إﻟﻰ ﺿﺮورة أن ﯾﺘﻮﻟﻰ أﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ رﺟﻞ ﻣﻦ آل اﻟﺒﯿﺖ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ أن ﯾﻤﻸ اﻷرض
ﻋﺪﻻ ،ووﺟﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻋﻮة ﺻﺪى ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺎس ورواﺟًﺎ.
وﯾﻤﻮت ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﺳﻨﺔ ١٢٤ھـ ٧٤٢/م ،ﺑﻌﺪﻣﺎ أوﺻﻰ اﺑﻨﮫ إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﺎﻹﻣﺎم ﺑﻤﻮاﺻﻠﺔ اﻟﻤﺴﯿﺮة.
وﺗﺄﺧﺬ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻋﻨﺪ إﺑﺮاھﯿﻢ اﻹﻣﺎم ﺻﻮرة أﺧﺮى ﻏﯿﺮ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﮭﻰ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻨﻈﻤﺔ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ ﺻﺎر ﻟﮭﺎ
ﻧﻈﺎم ،وﻗﺎدة ﻣﻌﻠﻮﻣﻮن ،ﻣﻦ أﻣﺜﺎل أﺑﻰ ﺳﻠﻤﺔ اﻟﺨﻼل ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،وأﺑﻰ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺳﺎن.
وﻣﺎ ﺗﻜﺎد ﺳﻨﺔ ١٢٩ھـ ٧٤٧ /م ،ﺗﻘﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﯾﺼﺪر أﻣﺮ اﻹﻣﺎم اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ "إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ" أن ﯾﻜﻮن "أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ" رﺋﯿﺴًﺎ
ﻟﻠﺪﻋﺎة ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن وﻣﺎ ﺣﻮﻟﮭﺎ ،وﻛﻠﱠﻔﮫ أن ﯾﺠﮭﺮ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة ﻟﻠﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻋﻠﻨًﺎ ،وأن ﯾﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻌﻞ ﺧﺮاﺳﺎن ﻗﺎﻋﺪة ﻟﻼﻧﻄﻼق ﺑﻘﻮاﺗﮫ
ﺿﺪ اﻟﺒﯿﺖ اﻷﻣﻮى.
ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﻌﺮض ﯾﺼﺒﺢ ﻓﻰ ﻣﻘﺪورﻧﺎ أن ﻧﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ﺻﺪر اﻷﻣﺮ إﻟﻰ أﺑﻰ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﺎﻟﺠﮭﺮ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة ﻟﻠﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ آﺧﺮ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ "ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ" ،وﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ أن
دﺧﻞ "ﻣﺮو " ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺧﺮاﺳﺎن ،وﻛﺎد أن ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ إﻻ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ ھﺬه اﻟﻤﺮة ،وھﻨﺎ أﺳﺮع اﻟﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ﻣﻦ ﻗﺒﻞ
ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ،وھﻮ "ﻧﺼﺮ ﺑﻦ ﺳﯿﺎر" ﯾﺴﺘﻐﯿﺚ ﺑﻤﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ وﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﮫ ﻣﺪدًا ،وﯾﻨﺒﮫ رﺟﺎل اﻟﺪوﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﻄﺮ اﻟﻤﺤﺪق ﻓﯿﻘﻮل:
أَرى ﺧَﻠَﻞَ اﻟﺮﱠﻣﺎدِ وَﻣﯿِﺾَ ﻧــــﺎرٍ وﯾُﻮﺷﻚُ أن ﯾَﻜُﻮنَ ﻟَﮭَﺎ ﺿِـﺮَامُ
ﻓﺈن اﻟﻨﺎرَ ﺑﺎﻟﻌﻮدﯾﻦ ُﺗﺬْﻛــــــﻰ وإن اﻟﺤﺮبَ ﻣﺒﺪؤھﺎ ﻛـــــﻼمُ
ﻓﻘﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺠﺐ ﻟﯿﺖَ ﺷِﻌﺮى أأﯾﻘﺎظ أﻣﯿﺔ أم ﻧﯿـــــــــﺎم؟
٢٢
وﻟﻢ ﯾﮭﺘﻢ ﺑﻨﻮ أﻣﯿﺔ ﺑﮭﺬا اﻷﻣﺮ ﺑﺴﺒﺐ اﻧﺸﻐﺎﻟﮭﻢ ﺑﺼﺮاﻋﺎت أﻧﺼﺎرھﻢ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﺑﺎﻟﺸﺎم ،واﻧﺸﻘﺎق زﻋﻤﺎء اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ ،وﻟﻢ ﯾﻤﺪﱡوا
واﻟﯿﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ﺑﺸﻰء ،ﻓﺄدرك أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ أن اﻟﻮاﻟﻰ اﻷﻣﻮى ﻟﻦ ﯾﺼﺒﺮ ﻃﻮﯾﻼ ،وأن "ﻣﺮو" ﺳﺘﻔﺘﺢ ﯾﻮﻣًﺎ ﻣﺎ ﻗﺮﯾﺒًﺎ ،ﻓﺄﺧﺬ
ﺾ ﺑﮭﻢ ﻋﻠﻰ "ﻣﺮو" ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻟﮫ ،وھﺮب واﻟﯿﮭﺎ "ﻧﺼﺮ ﺑﻦ ﺳﯿﺎر" وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ١٣٠ھـ٧٤٨ /م ﯾﺠﻤﻊ اﻟﻌﺮب ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ ،ﺛﻢ اﻧﻘ ﱠ
وواﺻﻞ أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ،ﻓﺪاﻧﺖ ﻟﮫ " ﺑﻠﺦ " و " ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ" و"ﻃﺨﺎرﺳﺘﺎن" و " اﻟﻄﺒﺴﯿﻦ " وﻏﯿﺮھﺎ ،وﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺑﺴﻂ ﺳﯿﻄﺮﺗﮫ وﻧﻔﻮذه
ﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،وراح ﯾﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻏﯿﺮھﺎ ،وﻛﺎن ﻛﻠﻤﺎ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺎﻧًﺎ أﺧﺬ اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻣﻦ أھﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺎب اﷲ-ﻋﺰ وﺟﻞ-وﺳﻨﺔ ﻧﺒﯿﮫ )
" وﻟﻠﺮﺿﺎ ﻣﻦ آل ﻣﺤﻤﺪ" ،أى ﯾﺒﺎﯾﻌﻮن إﻣﺎﻣّﺎ ﻣﺮﺿﯿًﺎ ﻋﻨﮫ ﻣﻦ آل اﻟﺒﯿﺖ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ أن ﯾ ﱢﻌﯿَﻨﮫُ ﻟﮭﻢ.
واﻟﻮاﻗﻊ أن ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻧﯿﺎﻣًﺎ ﻓﻰ آﺧﺮ ﻋﮭﺪھﻢ ،ﻻ ﯾﻌﻠﻤﻮن ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﻘﯿﺎدة اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ ﻟﮭﺬه اﻟﺪﻋﻮة اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺷﯿﺌًﺎ ،وﻟﻤﺎ وﻗﻊ ﻓﻰ ﯾﺪ
اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ )ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ( ﻛﺘﺎب ﻣﻦ "اﻹﻣﺎم إﺑﺮاھﯿﻢ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ" ﯾﺤﻤﻞ ﺗﻌﻠﯿﻤﺎﺗﮫ إﻟﻰ اﻟﺪﻋﺎة ،وﯾﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺧﻄﺘﮭﻢ وﺗﻨﻈﯿﻤﮭﻢ ،ﻛﺎن ﻣﻨﺸﻐﻼ
ﺑﺘﻮﻃﯿﺪ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ اﻟﻤﺘﺰﻋﺰع وﻗﻤﻊ اﻟﺜﺎﺋﺮﯾﻦ ﺿﺪه ،واﻛﺘﻔﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ "ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ" ﺑﺄن أرﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻓﻰ دﻣﺸﻖ ﻟﻠﻘﺒﺾ
ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺎم " إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ" "ﺑﺎﻟﺤﻤﯿﻤﺔ " وإﯾﺪاﻋﮫ ﻓﻰ اﻟﺴﺠﻦ ،وﺗﻢ اﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫ وأودع اﻟﺴﺠﻦ ،ﻓﻈﻞ ﺑﮫ ﺣﺒﯿ ﺴًﺎ إﻟﻰ أن ﻣﺎت ﻓﻰ
ﺧﻼﻓﺔ ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻨﺔ ١٣٢ھـ٧٥٠/م .وﻟﻤﺎ ﻋﻠﻢ "إﺑﺮاھﯿﻢ " ﺑﺎﻟﻤﺼﯿﺮ اﻟﺬى ﯾﻨﺘﻈﺮه ،وﻋﻠﻢ أن أﻧﺼﺎره وﻣﺆﯾﺪﯾﮫ ﻗﺪ واﺻﻠﻮا
اﻧﺘﺼﺎراﺗﮭﻢ ،وأن اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻗﺪ داﻧﺖ ﻟﮭﻢ وﺻﺎرت ﻓﻰ ﻗﺒﻀﺘﮭﻢ أوﺻﻰ ﻷﺧﯿﮫ "أﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس " ﺑﺎﻹﻣﺎﻣﺔ ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﻣﻨﮫ أن ﯾﺮﺣﻞ إﻟﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ وﻣﻌﮫ
أھﻞ ﺑﯿﺘﮫ؛ ﻟﯿﻨﺰل ﻋﻠﻰ داﻋﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﺑﮭﺎ وھﻮ "أ ﺑﻮ ﺳﻠﻤﺔ اﻟﺨﻼل" ﻓﮭﻨﺎك ﯾﻜﻮن ﻓﻰ ﻣﺄﻣﻦ ﻣﻦ رﻗﺎﺑﺔ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ وﺳﻠﻄﺎﻧﮭﻢ .
وھﻨﺎك ﻓﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ -ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ ﻣﻦ وﺻﻮل آل اﻟﻌﺒﺎس إﻟﯿﮭﺎ -ﺗﻤﺖ ﻣﺒﺎﯾﻌﺔ أﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﺗﻮﺟﮫ " أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس " إﻟﻰ ﻣﺴﺠﺪ
اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻋﻘﺐ ﻣﺒﺎﯾﻌﺘﮫ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻰ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ رﺑﯿﻊ اﻷول ﺳﻨﺔ ١٣٢ھـ ٧٥٠ /م ،وأﻟﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻸ ﺧﻄﺒﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻹﻋﻼن
اﻟﺮﺳﻤﻰ ﻋﻦ ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﻣﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻄﺒﺔ:
" اﻟﺤﻤﺪ ﷲ اﻟﺬى اﺻﻄﻔﻰ اﻹﺳﻼم ﻟﻨﻔﺴﮫ ،وﻛﺮﻣﮫ وﺷﺮﻓﮫ وﻋﻈﱠﻤﮫ ،واﺧﺘﺎره ﻟﻨﺎ ،زﻋﻢ اﻟﺸﺎﻣﯿﺔ أن ﻏﯿﺮﻧﺎ أﺣﻖ ﺑﺎﻟﺮﯾﺎﺳﺔ واﻟﺴﯿﺎﺳﺔ
واﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻨﺎ ،ﺷﺎھﺖ وﺟﻮھﮭﻢ ،ﺑِﻢَ وﻟﻢ أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺎس؟ وﺑﻨﺎ ھﺪى اﷲ اﻟﻨﺎس ﺑﻌﺪ ﺿﻼﻟﺘﮭﻢ ،وﺑﺼﺮھﻢ ﺑﻌﺪ ﺟﮭﺎﻟﺘﮭﻢ ،وأﻧﻘﺬھﻢ ﺑﻌﺪ ھﻠﻜﺘﮭﻢ،
وأﻇﮭﺮ ﺑﻨﺎ اﻟﺤﻖ ،ودﺣﺾ اﻟﺒﺎﻃﻞ ،وأﺻﻠﺢ ﺑﻨﺎ ﻣﻨﮭﻢ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﺎﺳﺪًا ،ورﻓﻊ ﺑﻨﺎ اﻟﺨﺴﯿﺴﺔ ،وﺗﻤﻢ اﻟﻨﻘﯿﺼﺔ ،وﺟﻤﻊ اﻟﻔﺮﻗﺔ ،ﺣﺘﻰ ﻋﺎد اﻟﻨﺎس
ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺪاوة أھﻞ اﻟﺘﻌﺎﻃﻒ واﻟﺒﺮ واﻟﻤﻮاﺳﺎة ﻓﻰ دﻧﯿﺎھﻢ ،وإﺧﻮاﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﺮر ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﯿﻦ ﻓﻰ آﺧﺮﺗﮭﻢ ،ﻓﺘﺢ اﷲ ذﻟﻚ -ﻣِﻨﱠﺔً وﺑﮭﺠﺔ -ﻟﻤﺤﻤﺪ )،
ﺣﻮَوْا ﻣﻮارﯾﺚ اﻷﻣﻢ ،ﻓﻌﺪﻟﻮا ﻓﯿﮭﺎ ووﺿﻌﻮھﺎ ﻣﻮاﺿﻌﮭﺎ ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺒﻀﮫ اﷲ إﻟﯿﮫ ،وﻗﺎم ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه أﺻﺤﺎﺑﮫ ،وأﻣﺮھﻢ ﺷﻮرى ﺑﯿﻨﮭﻢَ ،
وأﻋﻄﻮھﺎ أھﻠﮭﺎ ،وﺧﺮﺟﻮا ﺧﻤﺎﺻًﺎ ﻣﻨﮭﺎ ،ﺛﻢ وﺛﺐ ﺑﻨﻮ ﺣﺮب وﺑﻨﻮ ﻣﺮوان ﻓﺎﺑﺘﺰﱡوھﺎ وﺗﺪاوﻟﻮھﺎ ،ﻓﺠﺎروا ﻓﯿﮭﺎ واﺳﺘﺄﺛﺮوا ﺑﮭﺎ ،وﻇﻠﻤﻮا
ﻦ ﺑﻨﺎأھﻠﮭﺎ ،وﻗﺪ أﻣﻠﻰ اﷲ ﻟﮭﻢ ﺣﯿﻨًﺎ ﺣﺘﻰ آﺳﻔﻮه ،ﻓﻠﻤﺎ آﺳﻔﻮه اﻧﺘﻘﻢ ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺄﯾﺪﯾﻨﺎ ،وﺗﺪارك ﺑﻨﺎ أﻣﺘﻨﺎ ،وَوَﻟِﻰَ ﻧﺼﺮﻧﺎ واﻟﻘﯿﺎم ﺑﺄﻣﺮﻧﺎ ،ﻟَﯿﻤُ ﱠ
ﻋﻠﻰ اﻟﺬﯾﻦ اﺳﺘﻀﻌﻔﻮا ﻓﻰ اﻷرض ،ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻨﺎ ﻛﻤﺎ اﻓﺘﺘﺢ ﺑﻨﺎ ،وإﻧﻰ ﻷرﺟﻮ أﻻ ﯾﺄﺗﯿﻜﻢ اﻟﺠﻮر ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﺟﺎءﻛﻢ اﻟﺨﯿﺮ ،وﻻ اﻟﻔﺴﺎد ﻣﻦ ﺣﯿﺚ
ﺟﺎءﻛﻢ اﻟﺼﻼح ،وﻣﺎﺗﻮﻓﯿﻘﻨﺎ أھﻞ اﻟﺒﯿﺖ إﻻ ﺑﺎﷲ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺪوا أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺄﻧﺎ اﻟ ﺴﱠ ﻔﱠﺎح اﻟﻤﺒﯿﺢ واﻟﺜﺎﺋﺮ اﻟﻤﻨﯿﺢ ) ﯾﻘﺼﺪ أﻧﮫ ﻛﺮﯾﻢ ﺟﻮاد( ".
وﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﻘﻮﻟﺔ اﻟﺘﺼﻘﺖ ﺑﮫ ﺻﻔﺔ اﻟﺴﻔﺎح ،ﻓﻘﯿﻞ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح ،ﻣﻊ أﻧﮫ ﻣﺎ ﻗﺼﺪ ذﻟﻚ اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺬى ﺷﺎع ﻋﻠﻰ اﻷﻟﺴﻨﺔ.
ﻟﻘﺪ أﻋﻠﻨﮭﺎ ﺻﺮﯾﺤﺔ ﻣﺪوﯾﺔ ﻓﻰ اﻵﻓﺎق ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن "ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ " آﺧﺮ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ﯾﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻓﻜﯿﻒ ﺗﻤﺖ
اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﺑﯿﻦ ھﺆﻻء وأوﻟﺌﻚ؟ وﻛﯿﻒ ﺗﺤﻘﻘﺖ اﻟﻐﻠﺒﺔ ﻟﻠﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ؟
ﯾﺎﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺎت ﺣﺎﺳﻤﺔ ﻓﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ،إن ﺷﻤﺲ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ اﻟﻐﺎرﺑﺔ ﺗﺆذن ﺑﺎﻟﺰوال ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺷﻤﺲ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻓﻰ ﺻﻌﻮد،
وھﺬه ھﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ،ﻓﯿﻮم ﻟﻨﺎ وﯾﻮم ﻋﻠﯿﻨﺎ ،واﻷﯾﺎم ُدوَل.
وﻛﺎن اﻟﻠﻘﺎء اﻟﺤﺎﺳﻢ ﺑﯿﻦ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ واﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ ﻓﺮوع دﺟﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺻﻞ وھﻮ " ﻧﮭﺮ اﻟﺰﱠاب اﻷﻋﻠﻰ".
ﻓﺠﯿﺶ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﯾﻘﻮده ﻋﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وھﻮ " ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ" ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﻘﻮد ﺟﯿﺶ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻧﻔﺴﮫ " ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ".
ﻛﺎن ذﻟﻚ ﯾﻮم اﻟﺴﺒﺖ ﻹﺣﺪى ﻋﺸﺮة ﻟﯿﻠﺔ ﺧﻠﺖ ﻣﻦ ﺟﻤﺎدى اﻵﺧﺮة ﺳﻨﺔ ١٣٢ھـ٧٥٠ /م ،وﻟﻢ ﯾﺠﺪ "ﻣﺮوان" أﻣﺎم ﺟﺤﺎﻓﻞ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ إﻻ
أن ﯾﻔﺮ إﻟﻰ "دﻣﺸﻖ " ﻣﮭﺰوﻣًﺎ أﻣﺎم ﻣﻄﺎردة "ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ".
ﻟﻘﺪ راح ﯾُﻄﺎرده ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ "دﻣﺸﻖ " ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺪن اﻟﺸﺎم واﺣﺪة ﺑﻌﺪ اﻷﺧﺮى ،وﻛﺎن اﺳﺘﺴﻼم دﻣﺸﻖ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻣﻌﻨﺎه ﺳﻘﻮط
دوﻟﺔ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ،واﻧﺘﮭﺎء ﻋﮭﺪھﺎ ﻛﻌﺎﺻﻤﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺮوان ﻗﺪ ﻓﺮّ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﺗﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﺻﻌﯿﺪھﺎ ،وﻗﺮب اﻟﻔﯿﻮم ،ﻋﻨﺪ ﻗﺮﯾﺔ
" أﺑﻮﺻﯿﺮ" أُﻟ ِﻘﻰَ اﻟﻘﺒﺾُ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻗُﺘِﻞَ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻇﻞ ھﺎرﺑًﺎ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﺷﮭﺮ ،ﯾﻔﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن إﻟﻰ ﻣﻜﺎن.
وﻣﻀﻰ ﻋﮭﺪ ،وأﻗﺒﻞ ﻋﮭﺪ ﺟﺪﯾﺪ ،وﺳﯿﻈﻞ ﻋﺎم ١٣٢ھـ٧٥٠ /م ﻓﺎﺻﻼ ﺑﯿﻦ ﻋﮭﺪﯾﻦ ،وﺗﺎرﯾﺨًﺎ ﻻ ﯾُﻨﺴﻰ.
ﺑﺪأت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﺳﻨﺔ ١٣٢ھـ٧٥٠ /م ،وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻋﺪد ﺧﻠﻔﺎﺋﮭﺎ ﻧﺤﻮ ﺳﺒﻌﺔ وﺛﻼﺛﯿﻦ ﺧﻠﯿﻔﺔ ،ﺗﻌﺎﻗﺒﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﻰ ﺣﻜﻢ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻰ
ﻃﺎل ﻋﻤﺮھﺎ ،واﺧﺘﻠﻔﺖ ﻋﺼﻮرھﺎ ،واﻣﺘﺪت ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٦٥٦ھـ ١١٠٠ /م ؛ ﺣﯿﺚ ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻠﻰ أﯾﺪى اﻟﺘﺘﺎر ،ﺑﻌﺪ أن ﻋﺎﺷﺖ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮون
ورﺑﻊ ﻗﺮن ؛ اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻌﺼﻮر ﻗﻮة وﺿﻌﻔًﺎ !
ﻓﻜﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺪاﯾﺔ؟
وﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ؟
اﺷﺘﻤﻞ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻷول ﻋﻠﻰ ﻋﮭﻮد ﺗﺴﻌﺔ ﺧﻠﻔﺎء ،ﺑﺪأ ﺣﻜﻤﮭﻢ ﺑﺄﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح ،واﻧﺘﮭﻰ ﺑﺘﺎﺳﻊ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ وھﻮ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
اﻟﻮاﺛﻖ اﻟﺬى ﺗﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٣٢ھـ٨٤٧ /م.
٢٣
واﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻷول ھﻮ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬھﺒﻰ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع أوﻟﺌﻚ اﻟﺨ ﻠﻔﺎء اﻟﺘﺴﻌﺔ واﺣﺪًا ﺑﻌﺪ اﻵﺧﺮ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻨﺠﺰات
ﻛﺒﺮى ،ھﻰ:
* ﺗﺄﻛﯿﺪ ﻗﻮة اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻟﺘﻰ ﻛﺎن ھﺪﻓﮭﺎ اﻟﻨﯿﻞ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻼﻓﺔ وﺳﻠﻄﺎﻧﮭﺎ.
* إﻗﺎﻣﺔ ﺣﻜﻢ إﺳﻼﻣﻰ ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻓﯿﮫ اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﯿﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺸﻌﻮب اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
* رﻋﺎﯾﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﻓﮭﻢ اﻟﺬﯾﻦ أﺗﺎﺣﻮا ﻟﮭﺎ اﻻزدھﺎر واﻻﻧﺘﺸﺎر.
ھﻮ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎس ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﺑﻦ ھﺎﺷﻢ.
وﻟﻢ ﺗﻄﻞ ﻣﺪة ﺧﻼﻓﺘﮫ ،إﻧﻤﺎ ھﻰ ﺳﻨﻮات ﺗﻌﺪ ﻋﻠﻰ أﺻﺎﺑﻊ اﻟﯿﺪ اﻟﻮاﺣﺪة.
ﻓﻘﺪ ﺳﻜﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺮﻛﮭﺎ وأﻗﺎم ﺑﺎﻟﺤﯿﺮة ،ﺛﻢ اﺧﺘﺎر ﻣﺪﯾﻨﺔ "اﻷﻧﺒﺎر" ﻓﺒﻨﻰ ﺑﮭﺎ ﻗﺼﻮرًا وأﺣﺐ اﻹﻗﺎﻣﺔ ﺑﮭﺎ ،وﻇﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻰ .وﻛﺎن
ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺄﻣﯿﻦ اﻟﺤﺪود ،ورﻓﻊ راﯾﺔ اﻹﺳﻼم وﻧﺸﺮه ﻓﻰ رﺑﻮع اﻷرض ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻛﻠﻤﺔ اﷲ ھﻰ اﻟﻌﻠﯿﺎ ،ﻓﺒﺪأت ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻤﻼت ﻟﺘﺄدﯾﺐ
اﻟﺮوم أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
ﻋﻘﺪ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻟﻌﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ أﻣﺮ ھﺬه اﻟﻤﮭﻤﺔ ﺳﻨﺔ ١٣٦ھـ٧٥٤ /م ،ﻓﻘﺎد ﻋﺒﺪ اﷲ ﺟﯿﺸًﺎ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺸﺎم وﺧﺮاﺳﺎن.
وﻟﻢ ﯾﻘﻒ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ ،ﺑﻞ ﺳﯿﻄﺮ اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻓﻰ ﻋﺼﺮه ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،وھﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻰ
ﺣﻮض ﻧﮭﺮى ﺟﯿﺤﻮن وﺳﯿﺤﻮن ﻣﻤﺎ ﯾﻌﺮف اﻵن ﺑﺎﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ آﺳﯿﺎ اﻟﻮﺳﻄﻰ اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻘﻠﺖ ﻋﻦ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺘﻰ ﻣﺆﺧﺮًا.
وﻟﻢ ﯾﺨﻞ ﻋﮭﺪه ﻣﻦ ﺛﻮرات ﻗﺎم ﺑﮭﺎ ﺑﻌﺾ ﻗﻮاد اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻓﻰ أول ﻋﮭﺪه ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ وﻓﻰ آﺧﺮه ،ﻓﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺛﻮرة " أﺑﻰ اﻟﻮرد" اﻟﺬى اﻧﻀﻢ
إﻟﯿﮫ أھﻞ " ﻗﻨﺴﺮﯾﻦ" ،و "ﺣﻤﺺ" ،و"دﻣﺸﻖ " ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻋﺎم ﺗﻮﻟّﯿﮫ اﻟﺤﻜﻢ.
وﻓﻰ آﺧﺮ ﻋﮭﺪه ،أﻋﻠﻦ أھﻞ دﻣﺸﻖ ﺗﻤﺮدھﻢ ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﺳﻨﺔ ١٣٦ھـ ،وﺑﺎﯾﻌﻮا أﺣﺪ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﻮا أن ھﺮﺑﻮا أﻣﺎم
اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻟﺬى داھﻤﮭﻢ وﻃﺎردھﻢ.
وﯾﻤﻮت أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻓﻰ ھﺬا اﻟﻌﺎم ﺑﻌﺪ أن أوﺻﻰ ﻷﺧﯿﮫ "أﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر" ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه.
ﯾﻌﺘﺒﺮ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﺤﻘﯿﻘﻰ ﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس وإن ﺗﻮﻟﱠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﯿﮫ أﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس ) ﺳﻨﺔ ١٣٦ھـ٧٥٤ /م(.
ﺗﺮى ﻟﻤﺎذا ُﯾ َﻌ ﱡﺪ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻷول ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻟﺜﺎﻧﻰ؟
إن "أﺑﺎ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر" ﺑﺬل ﺟﮭﻮدًا ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻟﺘﺪﻋﯿﻢ اﻷﺳﺮة اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ ،وإﻋﻼء ﺷﺄن اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وإﺿﻔﺎء روح اﻟﻤﮭﺎﺑﺔ واﻹﺟﻼل
ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻰ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج.
ﻟﻘﺪ ﺑُﻮﯾﻊ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﮫ ﻣﻦ اﻟﺤﺞ ووﻓﺎة أﺧﯿﮫ أﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس ،ﺑﺎﯾﻌﮫ أھﻞ اﻟﻌﺮاق وﺧﺮاﺳﺎن وﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﻼد ﺳﻮى اﻟﺸﺎم اﻟﺘﻰ ﻛﺎن ﻋﻤﮫ
"ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ" أﻣﯿﺮًا ،ﻓﻘﺪ رﻓﺾ ﻣﺒﺎﯾﻌﺘﮫ اﻋﺘﻘﺎدًا ﻣﻨﮫ ﺑﺄﻧﮫ أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ إﻻ أن أرﺳﻞ إﻟﯿﮫ اﻟﻘﺎﺋﺪ "أﺑﺎ ﻣﺴﻠﻢ
اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ" وﻣﻌﮫ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻣﺮاء ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﻓﮭﺰﻣﻮھﻢ ھﺰﯾﻤﺔ ﻣﻨﻜﺮة ،وﺧﻀﻌﺖ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﻷﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ.
وﺑﺪأ اﻟﺠﻮ ﯾﺼﻔﻮ ﻷﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﻤﮫ "ﻋﺒﺪ اﷲ " إﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻹزﻋﺎج اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﺴﺒﺒﮫ ﻟﮫ أﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ؛ وﺑﺴﺒﺐ ﻣﻜﺎﻧﺘﮫ
اﻟﻘﻮﯾﺔ ﻓﻰ ﻧﻔﻮس أﺗﺒﺎﻋﮫ ،واﺳﺘﺨﻔﺎﻓﮫ ﺑﺎﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮر ،ورﻓﻀﮫ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﺨﻀﻮع ﻟﮫ؛ ﻓﺄﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﯾﺸﺘﺪ ﯾﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﯾﻮم ،وﺳﺎﻋﺪه
ﯾﻘﻮى ،وﻛﻠﻤﺘﮫ ﺗﻌﻠﻮ ،أﻣﺎ وﻗﺪ ﺷﻢ ﻣﻨﮫ راﺋﺤﺔ ﺧﯿﺎﻧﺔ ﻓﻠﯿﻜﻦ ھﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﻮﻗﻔﮫ ﻋﻨﺪ ﺣﺪه ،وھﻨﺎ ﻓﻜﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺟﺪﯾّﺎ ﻓﻰ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﮫ.
وﻗﺪ ﻛﺎن ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻰ أﺑﻰ ﻣﺴﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﯾﺨﺒﺮه أن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ وﻻه ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،وﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﯾﺨﺘﺎره ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻨﮫ،
وﯾﻜﻮن ھﻮ ﺑﺎﻟﺸﺎم ؛ ﻟﯿﻜﻮن ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ وأﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﮫ وﺑﻌﯿﺪًا ﻋﻦ ﺧﺮاﺳﺎن ؛ ﺣﯿﺚ ﺷﯿﻌﺘﮫ وﻣﻮﻃﻦ رأﺳﮫ ،إﻻ أن أﺑﺎ ﻣﺴﻠﻢ أﻇﮭﺮ
ﺳﻮء ﻧﯿﺘﮫ ،وﺧﺮج ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ إﻣﺎﻣﮫ ،وﻧﻘﺾ اﻟﺒﯿﻌﺔ ،وﻟﻢ ﯾﺴﺘﺠﺐ ﻟﻨﺼﯿﺤﺔ أﺣﺪ ،ﻓﺄﻏﺮاه اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺣﺘﻰ ﻗﺪم إﻟﯿﮫ ﻓﻰ اﻟﻌﺮاق ،وﻗﺘﻠﮫ ﻓﻰ
ﺳﻨﺔ ١٣٧ھـ ٧٥٦ /م ،وﻷن ﻣﻘﺘﻞ رﺟﻞ ﻛﺄﺑﻰ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ ﻗﺪ ﯾﺜﯿﺮ ﺟﺪﻻ ﻛﺒﯿﺮًا ،ﻓﻘﺪ ﺧﻄﺐ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻣﺒﯿﻨًﺎ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﻮﻗﻒ ،ﻗﺎل:
" أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺎس ،ﻻ ﺗﺨﺮﺟﻮا ﻣﻦ أﻧﺲ اﻟﻄﺎﻋﺔ إﻟﻰ وﺣﺸﺔ اﻟﻤﻌﺼﯿﺔ ،وﻻ ﺗﻤﺸﻮا ﻓﻰ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﺑﻌﺪ ﺳﻌﯿﻜﻢ ﻓﻰ ﺿﯿﺎء اﻟﺤﻖ ،إن أﺑﺎ ﻣﺴﻠﻢ
أﺣﺴﻦ ﻣﺒﺘﺪﺋًﺎ وأﺳﺎء ﻣﻌﻘﺒًﺎ ،ﻓﺄﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺑﻨﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ أﻋﻄﺎﻧﺎ ،ورﺟﺢ ﻗﺒﯿﺢ ﺑﺎﻃﻨﮫ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﻇﺎھﺮه ،وﻋﻠﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﺒﯿﺚ ﺳﺮﯾﺮﺗﮫ
وﻓﺴﺎد ﻧﯿﺘﮫ ﻣﺎ ﻟﻮ ﻋﻠﻤﮫ اﻟﻼﺋﻢ ﻟﻨﺎ ﻓﯿﮫ ﻟﻌﺬرﻧﺎ ﻓﻰ ﻗﺘﻠﮫ ،وﻋﻨﻔﻨﺎ ﻓﻰ إﻣﮭﺎﻟﻨﺎ ،ﻓﻤﺎ زال ﯾﻨﻘﺾ ﺑﯿﻌﺘﮫ ،وﯾﺨﻔﺮ ذﻣﺘﮫ ﺣﯿﺚ أﺣﻞ ﻟﻨﺎ ﻋﻘﻮﺑﺘﮫ،
وأﺑﺎﺣﻨﺎ دﻣﮫ ،ﻓﺤﻜﻤﻨﺎ ﻓﯿﮫ ﺣﻜﻤﮫ ﻟﻨﺎ ﻓﻰ ﻏﯿﺮه ،ﻣﻤﻦ ﺷﻖ اﻟﻌﺼﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻤﻨﻌﻨﺎ اﻟﺤﻖ ﻟﮫ ﻣﻦ إﻣﻀﺎء اﻟﺤﻖ ﻓﯿﮫ " .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻠﻢ ﺗﮭﺪأ اﻷﻣﻮر،
ﻒ اﻟﺠﻮ ﻷﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﻮﻗﻊ. وﻟﻢ ﯾﺼ ُ
ﻛﺎن ﻣﻤﻦ ﻏﻀﺐ ﻟﻤﻘﺘﻞ أﺑﻰ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ ،رﺟﻞ ﻣﺠﻮﺳﻰ اﺳﻤﮫ " ﺳُﻨﺒﺎد" ،ﻓﺜﺎر واﻟﺘﻒ ﺣﻮﻟﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮون ﻣﻦ أھﻞ "ﺧﺮاﺳﺎن " ،ﻓﮭﺠﻤﻮا
ﻋﻠﻰ دﯾﺎر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ "ﻧﯿﺴﺎﺑﻮر" و " ﻗﻮﻣﺲ " و " اﻟﺮى" ،ﻓﻨﮭﺒﻮا اﻷﻣﻮال وﻗﺘﻠﻮا اﻟﺮﺟﺎل وﺳﺒﻮا اﻟﻨﺴﺎء ،ﺛﻢ ﺗﺒﺠﺤﻮا ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :إﻧﮭﻢ
ﻋﺎﻣﺪون ﻟﮭﺪم اﻟﻜﻌﺒﺔ ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﯿﮭﻢ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺟﯿﺸًﺎ ﺑﻘﯿﺎدة ﺟﻤﮭﻮر اﺑﻦ ﻣﺮار اﻟﻌﺠﻠﻰ ،ﻓﮭﺰﻣﮭﻢ واﺳﺘﺮدﱠ اﻷﻣﻮال واﻟﺴﺒﺎﯾﺎ ،وﻻ ﯾﻜﺎد أﺑﻮ
ﺟﻌﻔﺮ ﯾﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ " ﺳﻨﺒﺎد " ﺳﻨﺔ ١٣٧ھـ٧٥٦ /م ،ﺣﺘﻰ واﺟﮫ ﺛﺎﺋﺮًا ﯾﻨﺎدى ﺑﺨﻠﻊ اﻟﻤﻨﺼﻮر ..ﺗﻌﻠﻤﻮن ﻣﻦ ھﻮ؟ !
إﻧﮫ "ﺟﻤﮭﻮر ﺑﻦ ﻣﺮار اﻟﻌﺠﻠﻲ" ﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﺘﻰ ھﺰﻣﺖ " ﺳﻨﺒﺎد " ..ﻓﻜﯿﻒ ﻛﺎن ھﺬا؟
٢٤
ﻟﻤﺎ ھﺰم "ﺟﻤﮭﻮر" ﺳﻨﺒﺎد ،واﺳﺘﺮد اﻷﻣﻮال ،ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺰاﺋﻦ أﺑﻰ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻰ ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﺎ ،ﻓﻄﻤﻊ "ﺟﻤﮭﻮر" ،ﻓﻠﻢ ﯾﺮﺳﻞ اﻟﻤﺎل إﻟﻰ
اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮر ،ﺑﻞ وﻧﻘﺾ اﻟﺒﯿﻌﺔ وﻧﺎدى ﺑﺨﻠﻊ اﻟﻤﻨﺼﻮر ،ﻓﻤﺎذا ﻛﺎن؟
أرﺳﻞ اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺸﺠﺎع " ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻷﺷﻌﺚ" ﻋﻠﻰ رأس ﺟﯿﺶ ﻋﻈﯿﻢ ،ﻓﮭﺰم "ﺟﻤﮭﻮرًا" وﻓﺮ ھﺎرﺑًﺎ إﻟﻰ "أذرﺑﯿﺠﺎن" ،وﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻤﻮﻗﻌﺔ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ١٣٧ھـ٧٥٦ /م.
ﺗﺮى ھﻞ ﺻﻔﺎ اﻟﺠﻮ ﻟﻠﻤﻨﺼﻮر ﺑﻌﺪ ھﺬا ؟ ﻻ ..ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﺛﻮرات وﺛﻮرات ﺗﮭﺪد اﻟﺤﯿﺎة وﺗﺤﻮل دون اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻷﻣﻦ .ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ
ھﻨﺎك ﺛﻮارت ﻟﻠﺨﻮارج اﻟﺬﯾﻦ أﺻﺒﺤﻮا ﻣﺼﺪر إزﻋﺎج ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ.
ﻟﻘﺪ ﺧﺮج آﻧﺬاك " ﻣُ ﻠَﺒّﺪ ﺑﻦ ﺣﺮﻣﻠﺔ اﻟﺸﯿﺒﺎﻧﻰ" ﻓﻰ أﻟﻒ ﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﮫ ﺑﺎﻟﺠﺰﯾﺮة ﻣﻦ اﻟﻌﺮاق ،واﻧﻀﻢ إﻟﯿﮫ اﻟﻜﺜﯿﺮون ،ﻓﻐﻠﺐ ﺑﻼدًا ﻛﺜﯿﺮة ،إﻟﻰ أن
ﺗﻤﻜﻨﺖ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﻘﯿﺎدة ﺧﺎزم ﺑﻦ ﺧﺰﯾﻤﺔ ﻣﻦ ھﺰﯾﻤﺘﮫ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ١٣٨ھـ٧٥٧ /م.
وﺗﺤﺮك اﻟﺨﻮارج ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺳﻨﺔ ١٤٨ھـ ﺑﺎﻟﻤﻮﺻﻞ ﺗﺤﺖ ﻗﯿﺎدة " ﺣﺴﺎ ﺑﻦ ﻣﺠﺎﻟﺪ اﻟﮭﻤﺪاﻧﻰ" ،إﻻ أن ﺧﺮوﺟﮫ ھﻮ
اﻵﺧﺮ ﻗﺪ ﺑﺎء ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ.
وواﺟﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﺛﻮرات ﻣﻨﺤﺮﻓﺔ ﻟﻄﻮاﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﻓﺮﯾﻦ ،ﻓﻔﻰ ﺳﻨﺔ ١٤١ھـ٧٥٩ /م ..واﺟﮫ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺛﻮرة أﺧﺮى
ﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻮارج ﯾﻘﺎل ﻟﮭﺎ " اﻟﺮاوﻧﺪﯾﺔ " ﯾﻨﺘﺴﺒﻮن إﻟﻰ ﻗﺮﯾﺔ "راوﻧﺪ" اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ أﺻﻔﮭﺎن.
إﻧﮭﻢ ﯾﺆﻣﻨﻮن ﺑﺘﻨﺎﺳﺦ اﻷرواح ،وﯾﺰﻋﻤﻮن أن روح آدم اﻧﺘﻘﻠﺖ إﻟﻰ واﺣﺪ ﯾﺴﻤﻰ " ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻧﮭﯿﻚ" وأن ﺟﺒﺮﯾﻞ ھﻮ اﻟﮭﯿﺜﻢ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ -
رﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﻢ ،-ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﺧﺮﺟﻮا ﻋﻦ اﻹﺳﻼم زاﻋﻤﯿﻦ أن رﺑﮭﻢ اﻟﺬى ﯾﻄﻌﻤ ﮭﻢ وﯾﺴﻘﯿﮭﻢ ھﻮ " أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر" ،ﻓﺮاﺣﻮا ﯾﻄﻮﻓﻮن
ﺑﻘﺼﺮه ﻗﺎﺋﻠﯿﻦ :ھﺬا ﻗﺼﺮ رﺑﻨﺎ .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻨﻔﻊ ھﺆﻻء إﻻ اﻟﻘﺘﺎل ،ﻓﻘﺎﺗﻠﮭﻢ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺣﺘﻰ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ.
ﻣﻦ أﺧﻄﺮ اﻟﺜﻮرات اﻟﺘﻰ واﺟﮭﺖ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺧﺮوج ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﺷﺮاف ﺑﻨﻰ ھﺎﺷﻢ ﻋﻠﻤًﺎ
وﻣﻜﺎﻧﺔ ،وﻛﺎن ﯾﻠﻘﺐ ﺑـ " اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﯿﺔ" ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻌﻠﻮﯾﻮن واﻟﻌﺒﺎﺳﯿﻮن ﻣﻌًﺎ وﺑﺎﯾﻌﻮه أواﺧﺮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎﯾﻌﯿﻦ
" اﻟﻤﻨﺼﻮر" ﻧﻔﺴﮫ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻟﮫ ھﻢ إﻻ ﻃﻠﺐ ﻣﺤﻤﺪ ھﺬا ﺧﺸﯿﺔ ﻣﻄﺎﻟﺒﺘﮫ ﺑﻄﺎﻋﺔ ھﺆﻻء اﻟﺬﯾﻦ ﺑﺎﯾﻌﻮه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وھﻨﺎ ﺧﺮج
" ﻣﺤﻤﺪ" اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﯿﺔ ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺳﻨﺔ ١٤٥ھـ٧٦٣ /م ،وﺑﻮﯾﻊ ﻟﮫ ﻓﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﺼﺎر .وﺧﺮج أﺧﻮه " إﺑﺮاھﯿﻢ" ﺑﺎﻟﺒﺼﺮة ،واﺟﺘﻤﻊ ﻣﻌﮫ
ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﮭﺎء ،وﻏﻠﺐ أﺗﺒﺎﻋﮫ ﻋﻠﻰ " ﻓﺎرس " و " واﺳﻂ" و " اﻟﻜﻮﻓﺔ " ،وﺷﺎرك ﻓﻰ ھﺬه اﻟﺜﻮرة ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺗﺒﺎع ﻣﻦ ﻛﻞ اﻟﻄﻮاﺋﻒ.
وﺑﻌﺚ اﻟﻤﻨﺼﻮر إﻟﻰ "ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﯿﺔ " ﯾﻌﺮض ﻋﻠﯿﮫ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن ﻟﮫ وﻷوﻻده وإﺧﻮﺗﮫ ﻣﻊ ﺗﻮﻓﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﻠﺰم ﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل ،وﯾﺮد
" ﻣﺤﻤﺪ" ﺑﺄن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻧﻔﺴﮫ أن ﯾﺪﺧﻞ ﻓﻰ ﻃﺎﻋﺘﮫ ھﻮ؛ ﻟﯿﻤﻨﺤﮫ اﻷﻣﺎن.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ھﻰ اﻟﺤﻞ ﺑﻌﺪ ﻓﺸﻞ اﻟﻤﻜﺎﺗﺒﺎت ،واﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺟﯿﻮش أﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ أن ﺗﮭﺰم " اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺰﻛﯿﺔ " ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ وﺗﻘﺘﻠﮫ،
وﺗﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ أﺗﺒﺎع إﺑﺮاھﯿﻢ ﻓﻰ ﻗﺮﯾﺔ ﻗﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻓﺔ وﺗﻘﺘﻠﮫ.
ﺛﻮرة ﻛﺎﻓﺮ ﺧﺮاﺳﺎن:
وﯾﻈﻞ ﻣﺴﻠﺴﻞ اﻟﺜﻮرات ﯾﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺮ اﻷﯾﺎم ،ﻓﻔﻰ ﺳﻨﺔ ١٥٠ھـ ﯾﺨﺮج أﺣﺪ اﻟﻜﻔﺮة ﺑﺒﻼد ﺧﺮاﺳﺎن وﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ أﻛﺜﺮھﺎ ،وﯾﻨﻀﻢ ﻟﮫ
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ ،ﻓﯿﻘﺘﻠﻮن ﺧﻠﻘًﺎ ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﯾﮭﺰﻣﻮن اﻟﺠﯿﻮش ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،وﯾﻨﺸﺮون اﻟﻔﺴﺎد ھﻨﺎ وھﻨﺎك ،وﯾﺒﻌﺚ
أﺑﻮﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﺠﯿﺶ ﻗﻮاﻣﮫ أرﺑﻌﻮن أﻟﻔﺎ ﺑﻘﯿﺎدة "ﺧﺎزم ﺑﻦ ﺧﺰﯾﻤﺔ" ،ﻓﯿﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ھﺆﻻء اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ،وﯾﻨﺸﺮ اﻷﻣﻦ واﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻰ
رﺑﻮع ﺧﺮاﺳﺎن.
وراح اﻟﻤﻨﺼﻮر ﯾﻮاﺻﻞ ﻣﺎ ﺑﺪأ ﺑﮫ ..راح ﯾﺒﻨﻰ وﯾﻌﻤﺮ ﺑﻌﺪ أن ﺧَﻼ اﻟﺠﻮ ،وداﻧﺖ ﻟﮫ اﻟﺒﻼد واﻟﻌﺒﺎد ،ﻟﻘﺪ ﻓﻜﺮ -ﻣﻨﺬ ﺗﻮﻟﯿﮫ -ﻓﻰ ﺑﻨﺎء ﻋﺎﺻﻤﺔ
ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﯾﻀﻤﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮭﺎ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ دوﻟﺘﮫ ،وإرﺳﺎء ﻗﻮاﻋﺪَ راﺳﺨﺔ ﻟﮭﺎ.
ﻓﺸﺮع ﻓﻰ ﺑﻨﺎء ﺑﻐﺪاد ﺳﻨﺔ ١٤٥ھـ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻟﻨﮭﺮ دﺟﻠﺔ ﻋﻨﺪ أﻗﺮب ﻧﻘﻄﺔ ﺑﯿﻦ دﺟﻠﺔ واﻟﻔﺮات ،ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻣﻠﺘﻘﻰ اﻟﻄﺮق اﻟﻘﺎدﻣﺔ
ﻣﻦ اﻟﺸﺎم ﺷﻤﺎﻻ ،وﻣﻦ اﻟﺼﯿﻦ ﺷﺮﻗًﺎ ،وﻣﻦ ﻃﻮاﺋﻒ ﻣﺼﺮ ،وﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎز ﺟﻨﻮﺑًﺎ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻮﻗﻌﮭﺎ اﻟﻌﺴﻜﺮى اﻟﺨﻄﯿﺮ ،ﻓﮭﻰ ﺑﯿﻦ ﻧﮭﺮى
اﻟﻔﺮات ودﺟﻠﺔ ،ﻓﻼ وﺻﻮل إﻟﯿﮭﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺮ أو ﻗﻨﻄﺮة ،ﻓﺈذا ﻗﻄﻊ اﻟﺠﺴﺮ وﺧﺮﺑﺖ اﻟﻘﻨﻄﺮة ﻟﻢ ﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﻌﺘﺪٍ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﯿﮭﺎ ،وﻟﺒﻐﺪاد
ﻣﺰاﯾﺎ أﺧﺮى ﻋﺪﯾﺪة ،أﻏﺮت اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﺎﻹﺳﺮاع ﻓﻰ ﺑﻨﺎﺋﮭﺎ ،ﻓﺮاح أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﯾﺄﻣﺮ ﺑﺈﺣﻀﺎر اﻟﻔﻌﻠﺔ واﻟﺼﻨﺎع ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻟﯿﺤﻘﻘﻮا
ﻦ اﺳﺘﻌﺎن ﺑﮭﻢ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻓﻰ ﺿﺒﻂ اﻟﻌﻤﻞ ﻧﮭﻀﺔ ،وﻟﯿﻘﯿﻤﻮا ﺣﻀﺎرة ،وﻟﯿﺼﻨﻌﻮا اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ .وﻛﺎن ﻣِﻦْ ﺑﯿﻦ ﻣَ ْ
ﺑﺒﻐﺪاد :اﻹﻣﺎم اﻟﺠﻠﯿﻞ أﺑﻮ ﺣﻨﯿﻔﺔ اﻟﻨﻌﻤﺎن.
ووﺿﻊ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﻨﻔﺴﮫ أول ﻟﺒﻨﺔ وھﻮ ﯾﻘﻮل :ﺑﺎﺳﻢ اﷲ ،واﻟﺤﻤﺪ ﷲ ،وإن اﻷرض ﷲ ﯾﻮرﺛﮭﺎ ﻣﻦ ﯾﺸﺎء ﻣﻦ ﻋﺒﺎده واﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻠﻤﺘﻘﯿﻦ .ﺛﻢ
ﻗﺎل :اﺑﻨﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺔ اﷲ.
وﻛﺎن اﻹﻣﺎم اﻷﻋﻈﻢ أﺑﻮ ﺣﻨﯿﻔﺔ اﻟﻨﻌﻤﺎن ھﻮ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ واﻟﻤﺘﻮﻟﻰ ﻟﻀﺮب اﻟﻠﺒﻦ .وأﺻﺒﺤﺖ ﺑﻐﺪاد ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﮭﺎ ﺷﺄﻧﮭﺎ
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﻐﺪاد ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﻄﺮق اﻟﻮاﺳﻌﺔ اﻟﻨﻈﯿﻔﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﻤﯿﺎه ﻣﻦ ﻓﺮوع ﻧﮭﺮ دﺟﻠﺔ ﻓﻰ ﻗﻨﻮات ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ﺗﻤﺘﺪ ﺑﺎﻟﺸﻮارع ﺻﯿﻔًﺎ
وﺷﺘﺎءً ،وﻛﺎﻧﺖ ﺷﻮارﻋﮭﺎ ﺗﻜﻨﺲ ﻛﻞ ﯾﻮم ،وﯾﺤﻤﻞ ﺗﺮاﺑﮭﺎ ﺧﺎرﺟﮭﺎ ،وﻋﯿﱠﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻋﻠﻰ أﺑﻮاﺑﮭﺎ ﺟﻨﺪًا ﯾﺤﻔﻈﻮن اﻷﻣﻦ ﺑﮭﺎ ،ﻓﺼﺎﻧﮭﺎ
وﺣﻔﻆ ﻟﮭﺎ ﻧﻈﺎﻣﮭﺎ وﻧﻈﺎﻓﺘﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻗﺪ ﻓﺮغ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء ﺑﻐﺪاد وﺳﻮرھﺎ وأﺳﻮاﻗﮭﺎ وﺧﻨﺪﻗﮭﺎ ﺑﻌﺪ ٤ﺳﻨﻮات أى ﺳﻨﺔ ١٤٩ھـ٧٦٦ /م.
وأﻣﺎم ﻛﺜﺮة اﻟﻨﺎزﺣﯿﻦ إﻟﻰ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ أﺟﻤﻞ ﻣﺪن اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻧﺬاك ،ﻛﺎن ﻻﺑﺪ أن ﯾﮭﺘ ﱠﻢ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﺒﻨﺎء ﺳﻮق ﯾﻀﻢ أﺻﺤﺎب اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت
واﻟﺘﺠﺎر واﻟﺒﺎﻋﺔ .وﻓﻌﻼ ﺑﻨﯿﺖ "اﻟﻜﺮخ" ﺳﻨﺔ ١٥٧ھـ ٧٧٤ /م ﻟﺘﻈﻞ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﺠﻤﺎﻟﮭﺎ وﺳﺤﺮھﺎ وﺗﺄﻟﻘﮭﺎ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻜﺮخ ﺳﻮﻗًﺎ ﻧﻤﻮذﺟﯿﺔ ،ﻓﻠﻜﻞ ﺗﺠﺎرة ﺳﻮق ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﺎ ،وﻟﻢ ﯾﺒﻖَ إﻻ أن ﯾﺒﻨﻰ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻣﺴﺠﺪًا ﺟﺎﻣﻌًﺎ ﯾﺠﺘﻤﻌﻮن ﻓﯿﮫ ﺣﺘﻰ ﻻﯾﺪﺧﻠﻮا
ﺑﻐﺪاد ،ﻓﺒﻨﻰ ﻟﻠﻌﺎﻣﺔ ﺟﺎﻣﻌًﺎ ،وھﻮ ﻏﯿﺮ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﻠﻰ اﻟﻘﺼﺮ ،وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ١٥١ھـ٧٦٨ /م ﯾﺒﻨﻰ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻣﺪﯾﻨﺔ أﺧﺮى
ﻻﺑﻨﮫ اﻟﻤﮭﺪى ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ﻟﻨﮭﺮ دﺟﻠﺔ وھﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ " اﻟﺮﺻﺎﻓﺔ " ﺛﻢ ﺑﻨﻰ " اﻟﺮاﻓﻘﺔ " وﻛﺎﻧﺖ ھﺎﺗﺎن اﻟﻤﺪﯾﻨﺘﺎن ﺻﻮرة ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد.
٢٥
اﻟﻌﺪل أﺳﺎس اﻟﻤﻠﻚ:
وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ھﺬه اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻟﻌﻤﺮاﻧﯿﺔ راح اﻟﻤﻨﺼﻮر ﯾﺴﮭﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻛﻠﮭﺎ
وإذا ﻛﺎن اﻟﻌﺪل أﺳﺎس اﻟﻤﻠﻚ ،ﻓﺈن اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﻮﻣﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪل ﯾﻨﺒﻐﻰ أن ﯾﺘﻢ اﺧﺘﯿﺎرھﻢ ﺑﻌﯿﺪًا ﻋﻦ اﻟﮭﻮى واﻟﻤﺼﺎﻟﺢ .روى أن " اﻟﺮﺑﯿﻊ اﺑﻦ
ﯾﻮﻧﺲ " وزﯾﺮ " أﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ" ﻗﺎل ﻟﮫ ذات ﯾﻮم :إن ﻟﻔﻼن ﺣﻘّﺎ ﻋﻠﯿﻨﺎ؛ ﻓﺈن رأﯾﺖ أن ﺗﻘﻀﻰ ﺣﻘﮫ وﺗﻮﻟﯿﮫ ﻧﺎﺣﯿﺔ .ﻓﻘﺎل اﻟﻤﻨﺼﻮر:
ﯾﺎ رﺑﯿﻊ ،إن ﻻﺗﺼﺎﻟﮫ ﺑﻨﺎ ﺣﻘّﺎ ﻓﻰ أﻣﻮاﻟﻨﺎ ﻻ ﻓﻰ أﻋﺮاض اﻟﻨﺎس وأﻣﻮاﻟﮭﻢ .ﺛﻢ ﺑﯿﻦ ﻟﻠﺮﺑﯿﻊ أن ﻻ ﯾﻮﻟﻰ إﻻ اﻷﻛﻔﺎء ،وﻻ ﯾﺆﺛﺮ ﻋﻠﯿﮭﻢ أﺻﺤﺎب
اﻟﻨﺴﺐ واﻟﻘﺮاﺑﺔ .وﻛﺎن ﯾﻘﻮل :ﻣﺎ أﺣﻮﺟﻨﻰ أن ﯾﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻰ أرﺑﻌﺔ ﻧﻔﺮ ،ﻻ ﯾﻜﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻰ أﻋﻒ ﻣﻨﮭﻢ ،ھﻢ أرﻛﺎن اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻻ ﯾﺼﻠﺢ
اﻟﻤﻠﻚ إﻻ ﺑﮭﻢ:
أﻣﺎ أﺣﺪھﻢ :ﻓﻘﺎض ﻻ ﺗﺄﺧﺬه ﻓﻰ اﷲ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ.
واﻵﺧﺮ :ﺻﺎﺣﺐ ﺷﺮﻃﺔ ﯾﻨﺼﻒ اﻟﻀﻌﯿﻒ ﻣﻦ اﻟﻘﻮى.
واﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺻﺎﺣﺐ ﺧﺮاج ،ﯾﺴﺘﻘﻀﻰ وﻻ ﯾﻈﻠﻢ اﻟﺮﻋﯿﺔ ،ﻓﺈﻧﻰ ﻋﻦ ﻇﻠﻤﮭﺎ ﻏﻨﻰ.
ﺛﻢ ﻋﺾ ﻋﻠﻰ إﺻﺒﻌﮫ اﻟﺴﺒﺎﺑﺔ ﺛﻼث ﻣﺮات ،ﯾﻘﻮل ﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﺮة :آه .آه .ﻗﯿﻞ :ﻣﺎ ھﻮ ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ؟ ﻗﺎل :ﺻﺎﺣﺐ ﺑﺮﯾﺪ ﯾﻜﺘﺐ ﺧﺒﺮ ھﺆﻻء
ﺼﺤﱠﺔ )رﺟﻞ ﯾﺨﺒﺮﻧﻰ ﺑﻤﺎ ﯾﻔﻌﻞ ھﺆﻻء ﻻ ﯾﺰﯾﺪ وﻻ ﯾﻨﻘﺺ(. ﻋﻠﻰ اﻟ ّ
ھﻜﺬا ﻛﺎن اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺣﺮﯾﺼًﺎ ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻌﺪل ،ووﺿﻊ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻓﻰ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ،وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ھﺬا ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﺮاﻗﺐ ﻋﻤﺎﻟﮫ
ووﻻﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ ،وﯾﺘﺘﺒﻊ أﺧﺒﺎرھﻢ أوﻻ ﺑﺄول ،وﯾﺘﻠﻘﱠﻰ ﯾﻮﻣﯿّﺎ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻰ ﺗﺘﻀﻤﻦ اﻷﺣﺪاث واﻟﻮﻗﺎﺋﻊ واﻷﺳﻌﺎر وﯾﺒﺪى رأﯾﮫ ﻓﯿﮭﺎ،
وﯾﺒﻌﺚ ﻓﻰ اﺳﺘﻘﺪام ﻣﻦ ﻇُﻠﻢ وﯾﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻧﺼﺎﻓﮫ ﻣﺘﺄﺳﯿًﺎ ﻓﻰ ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻔﻌﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ! -
وأﻋﻄﻰ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻛﻞ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ ،ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام ،ﻓﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺳﻌﺘﮫ ﺳﻨﺔ ١٤٠ھـ ،وﺳﺎر إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﺑﻌﺪ أن أﺛﺮ
ﻓﯿﮫ ذﻟﻚ اﻟﺰﻟﺰال اﻟﺬى ﺣﺪث ﺑﺎﻟﺸﺎم ،ﻓﺄﻣﺮ ﺑﺈﻋﺎدة ﺑﻨﺎﺋﮫ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وﺑﻨﻰ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻣﺴﺠﺪًا ﺑﻤﻨﻰ وﺟﻌﻠﮫ واﺳﻌًﺎ ،ﯾﺴﻊ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻘﻔﻮن ﻓﻰ
ﻣﻨﻰ ﻣﻦ ﺣﺠﺎج ﺑﯿﺖ اﷲ ،وﺷﮭﺪت ﻣﺪن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻧﮭﻀﺔ إﻧﺸ ﺎﺋﯿﺔ وﻋﻤﺮاﻧﯿﺔ ،روﻋﻰ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﻨﺎء اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻰ اﻟﺒﺼﺮة
واﻟﻜﻮﻓﺔ وﺑﻐﺪاد وﺑﻼد اﻟﺸﺎم وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ أﻗﺎﻟﯿﻢ اﻟﺪوﻟﺔ.
ﯾﺬﻛﺮ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻟﻠﻤﻨﺼﻮر -إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ھﺬه اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻹﺻﻼﺣﯿﺔ اﻟﻌﻤﺮاﻧﯿﺔ -اھﺘﻤﺎﻣﮫ ﺑﺎﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﺗﺸﺠﯿﻌﮫ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﮭﻦ
واﻟﺼﻨﺎﻋﺎت ،وﺗﺄﻣﯿﻨ ﮫ ﺧﻄﻮط اﻟﺘﺠﺎرة واﻟﻤﻼﺣﺔ ﻓﻰ اﻟﺨﻠﯿﺞ اﻟﻌﺮﺑﻰ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﯿﻦ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ اﻟﻘﺮاﺻﻨﺔ اﻟﮭﻨﻮد اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻘﻄﻌﻮن ﻃﺮق
اﻟﺘﺠﺎرة ،وﯾﻘﺘﻠﻮن اﻟﺘﺠﺎر ،وﯾﺴﺘﻮﻟﻮن ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻮال ،وراح ﻗُﻮاده ﯾﺆدﺑﻮن ھﺆﻻء اﻟﻠﺼﻮص .وﻛﺜﯿﺮًا ﻣﺎ ﯾﻌﻮد ﻗﻮاد اﻟﺒﺤﺮ ﺑﺎﻟﻐﻨﺎﺋﻢ
واﻷﺳﺮى ﺣﺘﻰ اﻧﻘﻄﻌﺖ اﻟﻘﺮﺻﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ١٥٣ھـ ٧٧٠ /م ،وﻟﻘﺪ ﺗﻢ ﻓﻰ ﻋﮭﺪه إﻋﺎدة ﻓﺘﺢ " ﻃﺒﺮﺳﺘﺎن " ﺳﻨﺔ ١٤١ھـ٧٥٩ /م ،ﻓﯿﻤﺎ وراء
اﻟﻨﮭﺮ.
أﻋﻄﻰ اﻟﻤﻨﺼﻮر اھﺘﻤﺎﻣًﺎ ﺑﺎﻟﻐًﺎ ﺑﺠﮭﺔ اﻟﺸﻤﺎل؛ ﻓﺮاح ﯾﺄﻣﺮ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺘﺤﺼﯿﻨﺎت واﻟﺮﺑﺎﻃﺎت ﻋﻠﻰ ﺣﺪود ﺑﻼد اﻟﺮوم اﻷﻋﺪاء اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾﯿﻦ ﻟﻠﺪوﻟﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﺰوات اﻟﻤﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻰ أن ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم راح ﯾﻄﻠﺐ اﻟﺼﻠﺢ ،وﯾﻘﺪم اﻟﺠﺰﯾﺔ ﺻﺎﻏﺮًا ﺳﻨﺔ ١٥٥ھـ .وﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﻟﻠﻤﻨﺼﻮر ﺣﻤﻠﺘﮫ
اﻟﺘﺄدﯾﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮص ﻟﻘﯿﺎم أھﻠﮭﺎ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﺮوم ،وﻧﻘﻀﮭﻢ اﻟﻌﮭﺪ اﻟﺬى أﺧﺬوه ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ ﯾﻮم أن ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻗﺒﺮص.
ھﺬا ھﻮ "اﻟﻤﻨﺼﻮر" ،وھﺬه ھﻰ إﺻﻼﺣﺎﺗﮫ ﻓﻰ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج رﺣﻤﮫ اﷲ رﺣﻤﺔ واﺳﻌﺔ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﯾﻌﺮف ﻟﻨﻔﺴﮫ ﺣﻘﮭﺎ ،وﻟﻠﻨﺎس ﺣﻘﮭﻢ،
وﻟﺮﺑﮫ ﺣﻘﮫ.
ﻟﻘﺪ ذھﺐ ﻟﯿﺤﺞ ﺳﻨﺔ ١٥٨ھـ٧٧٥ /م ،ﻓﻤﺮض ﻓﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وﻛﺎن اﺑﻨﮫ ﻣﺤﻤﺪ " اﻟﻤﮭﺪى" ﻗﺪ ﺧﺮج ﻟﯿﺸﯿﻌﮫ ﻓﻰ ﺣﺠﮫ ،ﻓﺄوﺻﺎه ﺑﺈﻋﻄﺎء
اﻟﺠﻨﺪ واﻟﻨﺎس ﺣﻘﮭﻢ وأرزاﻗﮭﻢ وﻣﺮﺗﺒﺎﺗﮭﻢ ،وأن ﯾﺤﺴﻦ إﻟﻰ اﻟﻨﺎس ،وﯾﺤﻔﻆ اﻟﺜﻐﻮر ،وﯾﺴﺪد دﯾﻨًﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻘﺪاره ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ درھﻢ،
ﻛﻤﺎ أوﺻﺎه ﺑﺮﻋﺎﯾﺔ إﺧﻮﺗﮫ اﻟﺼﻐﺎر ،وﻗﺒﻞ أن ﯾﺪﺧﻞ ﻣﻜﺔ ﻟﻘﻰ رﺑﮫ ﻟﯿﻘﻮل ﻟﮫ :إﻧﻨﻰ ﺗﺮﻛﺖ ﺧﺰاﻧﺔ ﺑﯿﺖ ﻣﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﺎﻣﺮة ،ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻜﻔﻰ
ﻋﻄﺎء اﻟﺠﻨﺪ وﻧﻔﻘﺎت اﻟﻨﺎس ﻟﻤﺪة ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات.
رﺣﻤﮫ اﷲ ،ﻛﺎن ﯾﻠﺒﺲ اﻟﺨﺸﻦ ،وﯾﺮﻗﻊ اﻟﻘﻤﯿﺺ ورﻋًﺎ وزھﺪًا وﺗﻘﻮى ،وﻟﻢ ﯾُﺮَ ﻓﻰ ﺑﯿﺘﮫ أﺑﺪًا ﻟﮭﻮ وﻟﻌﺐ أو ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻠﮭﻮ واﻟﻠﻌﺐ ،وﯾﺬھﺐ
اﻟﻤﻨﺼﻮر إﻟﻰ رﺣﻤﺔ اﷲ.
وﺗﻌﺎﻟﻮا ﺑﻨﺎ ﻧﻘﺮأ وﺻﯿﺔ أﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻟﻮﻟﺪه ووﻟﻰ ﻋﮭﺪه اﻟﻤﮭﺪى ،ﻗﺎل اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻟﻮﻟﺪه اﻟﻤﮭﺪى:
" وﻟﺪت ﻓﻰ ذى اﻟﺤﺠﺔ ،ووﻟﯿﺖ ﻓﻰ ذى اﻟﺤﺠﺔ ،وﻗﺪ ھﺠﺲ ﻓﻰ ﻧﻔﺴﻰ أﻧﻰ أﻣﻮت ﻓﻰ ذى اﻟﺤﺠﺔ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﻨﺔ ،وإﻧﻤﺎ ﺣﺪاﻧﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺞ
ذﻟﻚ ،ﻓﺎﺗﻖ اﷲ ﻓﯿﻤﺎ أﻋﮭﺪ إﻟﯿﻚ ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﻌﺪى ،ﯾﺠﻌﻞ ﻟﻚ ﻓﻰ ﻛﺮﺑﻚ وﺣﺰﻧﻚ ﻓﺮﺟًﺎ وﻣﺨﺮﺟًﺎ ،وﯾﺮزﻗﻚ اﻟﺴﻼﻣﺔ وﺣﺴﻦ اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ
ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﻻ ﺗﺤﺘﺴﺐ.
ب )إﺛﻢ( ﻋﻨﺪ اﷲ ﻋﻈﯿﻢ ،وﻋﺎر ﻓﻰ ﯾﺎ ﺑﻨﻰ :اﺣﻔﻆ ﻣﺤﻤﺪًا ) ﻓﻰ أﻣﺘﮫ ،ﯾﺤﻔﻈﻚ اﷲ ،وﯾﺤﻔﻆ ﻋﻠﯿﻚ أﻣﻮرك ،وإﯾﺎك واﻟﺪم اﻟﺤﺮام ،ﻓﺈﻧﮫ ﺣﻮ ٌ
اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻻزم ﻣﻘﯿﻢ ،واﻟﺰم اﻟﺤﺪود ،ﻓﺈن ﻓﯿﮭﺎ ﺧﻼﺻﻚ ﻓﻰ اﻵﺟﻞ ،وﺻﻼﺣﻚ ﻓﻰ اﻟﻌﺎﺟﻞ ،وﻻ ﺗﻌﺘﺪ ﻓﯿﮭﺎ ﻓﺘﺒﻮر ،ﻓﺈن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻮ ﻋﻠﻢ ﺷﯿﺌًﺎ
أﺻﻠﺢ ﻣﻨﮭﺎ ﻟﺪﯾﻨﮫ وأزﺟﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺻﯿﮫ ﻷﻣ ٍﺮ ﺑﮫ ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﮫ.
واﻋﻠﻢ أن ﻣﻦ ﺷﺪة ﻏﻀﺐ اﷲ ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﮫ ،أﻧﮫ أﻣﺮ ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﮫ ﺑﺘﻀﻌﯿﻒ اﻟﻌﺬاب واﻟﻌﻘﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺳﻌﻰ ﻓﻰ اﻷرض ﻓﺴﺎدًا ،ﻣﻊ ﻣﺎ ادّﺧﺮ ﻟﮫ
ﺴﻌَ ْﻮنَ ﻓِﻲ اﻷَ ْرضِ ﻓَﺴَﺎدًا أَن ﯾُ ﻘَﺘﱠﻠُﻮ ْا أَ ْو ﯾُﺼَﻠﱠﺒُﻮ ْا أَ ْو ﺗُﻘَﻄﱠﻊَ
ﻋﻨﺪه ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب اﻟﻌﻈﯿﻢ ،ﻓﻘﺎل ) :إِﻧﱠﻤَﺎ ﺟَﺰَاء اﻟﱠﺬِﯾﻦَ ﯾُﺤَﺎرِﺑُﻮنَ اﻟﻠّﮫَ وَرَﺳُﻮﻟَﮫُ وَ ﯾَ ْ
ﻦ ﺧِﻼفٍ أَ ْو ﯾُﻨﻔَ ْﻮ ْا ﻣِﻦَ اﻷَ ْرضِ ذَﻟِﻚَ ﻟَﮭُ ْﻢ ﺧِ ْﺰيٌ ﻓِﻲ اﻟﺪﱡ ْﻧﯿَﺎ وَﻟَﮭُ ْﻢ ﻓِﻲ اﻵﺧِﺮَةِ ﻋَﺬَابٌ ﻋَﻈِﯿﻢٌ ( ]اﻟﻤﺎﺋﺪة.[٣٣ : أَ ْﯾﺪِ ﯾﮭِ ْﻢ وَأَ ْرﺟُﻠُﮭُﻢ ﻣﱢ ْ
ب ﻋﻨﮫ ،وأوﻗﻊ ﺑﺎﻟﻤﻠﺤﺪﯾﻦ ﻓﯿﮫ ،وأﻗﻤﻊ اﻟﻤﺎرﻗﯿﻦ ﻓﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﯾﺎ ﺑﻨﻰ ﺣﺒﻞ اﷲ اﻟﻤﺘﯿﻦ ،وﻋﺮوﺗﮫ اﻟﻮﺛﻘﻰ ،ودﯾﻨﮫ اﻟﻘﯿﻢ ،ﻓﺎﺣﻔﻈﮫ وﺣﺼﻨﮫ ،وذُ ﱠ
ﻣﻨﮫ ،واﻗﺘﻞ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻋﻨﮫ ﺑﺎﻟﻌﻘﺎب ،وﻻ ﺗﺠﺎوز ﻣﺎ أﻣﺮ اﷲ ﺑﮫ ﻓﻰ ﻣﺤﻜﻢ اﻟﻘﺮآن ،واﺣﻜﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪل وﻻ ﺗﺸﻄﻂ؛ ﻓﺈن ذﻟﻚ أﻗﻄﻊ ﻟﻠﺸﻐﺐ،
ﻒ ﻋﻦ اﻟﻔﻰء ،ﻓﻠﯿﺲ ﺑﻚ إﻟﯿﮫ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﮫ اﷲ ﻟﻚ ،واﻓﺘﺘﺢ ﻋﻤﻠﻚ ﺑﺼﻠﺔ اﻟﺮﺣﻢ وﺑﺮ اﻟﻘﺮاﺑﺔ، وأﺣﺴﻢ ﻟﻠﻌﺪو ،وأﻧﺠﻊ ﻓﻰ اﻟﺪواء ،وﻋ ّ
وإﯾﺎك واﻷﺛﺮة واﻟﺘﺒﺬﯾﺮ ﻷﻣﻮال اﻟﺮﻋﯿﺔ ،واﺷﺤﻦ اﻟﺜﻐﻮر ،واﺿﺒﻂ اﻷﻃﺮاف ،وأﻣّﻦ اﻟﺴﺒﻞ ،وﺳﻜﻦ اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وأدﺧﻞ اﻟﻤﺮاﻓﻖ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وادﻓﻊ
٢٦
اﻟﻤﻄﺎردة ﻋﻨﮭﻢ ،وأﻋﺪ اﻷﻣﻮال واﺧﺰﻧﮭﺎ ،وإﯾﺎك واﻟﺘﺒﺬﯾﺮ ،ﻓﺈن اﻟﻨﻮاﺋﺐ ﻏﯿﺮ ﻣﺄﻣﻮﻧﺔ ،وھﻰ ﻣﻦ ﺷﯿﻢ اﻟﺰﻣﺎن ،وأﻋﺪ اﻟﻜﺮاع واﻟﺮﺟﺎل
واﻟﺠﻨﺪ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﻌﺖ ،وإﯾﺎك وﺗﺄﺧﯿﺮ ﻋﻤﻞ اﻟﯿﻮم إﻟﻰ اﻟﻐﺪ ،ﻓﺘﺘﺪارك ﻋﻠﯿﻚ اﻷﻣﻮر وﺗﻀﯿﻊ ،ﺟﺪ ﻓﻰ إﺣﻜﺎم اﻷﻣﻮر اﻟﻨﺎزﻻت ﻷوﻗﺎﺗﮭﺎ أوﻻ
ﻓﺄوﻻ ،واﺟﺘﮭﺪ وﺷﻤﺮ ﻓﯿﮭﺎ ،وأﻋﺪ رﺟﺎﻻ ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﺑﺎﻟﻨﮭﺎر ،ورﺟﺎﻻ ﺑﺎﻟﻨﮭﺎر ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ ،وﺑﺎﺷﺮ اﻷﻣﻮر ﺑﻨﻔﺴﻚ،
وﻻ ﺗﻀﺠﺮ وﻻ ﺗﻜﺴﻞ ،واﺳﺘﻌﻤﻞ ﺣ ﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺮﺑﻚ ،وأﺳﺊ اﻟﻈﻦ ﺑﻌﻤﺎﻟﻚ وﻛﺘﱠﺎﺑﻚ ،وﺧﺬ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺎﻟﺘﯿﻘﻆ ،وﺗﻔﻘﺪ ﻣﻦ ﺗﺜﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻚ ،وﺳﮭﱢﻞ
إذﻧﻚ ﻟﻠﻨﺎس ،واﻧﻈﺮ ﻓﻰ أﻣﺮ اﻟﻨﺰاع إﻟﯿﻚ ،ووﻛﻞ ﺑﮭﻢ ﻋﯿﻨًﺎ ﻏﯿﺮ ﻧﺎﺋﻤﺔ ،وﻧﻔ ﺴًﺎ ﻏﯿﺮ ﻻھﯿﺔ ،وﻻ ﺗﻨﻢ ،وإﯾﺎك ،ﻓﺈن أﺑﺎك ﻟﻢ ﯾﻨﻢ ﻣﻨﺬ وﻟﻰ
اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻻ دﺧﻞ ﻋﯿﻨﮫ اﻟﻨﻮم إﻻ وﻗﻠﺒﮫ ﻣﺴﺘﯿﻘﻆ.
ﯾﺎ ﺑﻨﻰ :ﻻ ﯾﺼﻠﺢ اﻟﺴﻠﻄﺎن إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻘﻮى ،وﻻ ﺗﺼﻠﺢ اﻟﺮﻋﯿﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ ،وﻻ ﺗﻌﻤﺮ اﻟﺒﻼد ﺑﻤﺜﻞ اﻟﻌﺪل ،ھﺬه وﺻﯿﺘﻰ إﻟﯿﻚ ،واﷲ ﺧﻠﯿﻔﺘﻰ
ﻋﻠﯿﻚ".
وﯾﺄﺗﻰ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﮭﺪى ﺑﻌﺪ أﺑﯿﮫ ﺑﻌﺪ أن ﺑﺎﯾﻌﮫ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﮭﺪى وﻟﯿّﺎ ﻟﻠﻌﮭﺪ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ واﻟﺪه اﻟﻤﻨﺼﻮر ،وﻛﺜﯿﺮًا ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﻠﻘﻰ
ﺗﻮﺟﯿﮭﺎﺗﮫ وﻧﺼﺎﺋﺤﮫ وإرﺷﺎداﺗﮫ ،وﻣﺎ زاﻟﺖ ﻛﻠﻤﺎت أﺑﯿﮫ ﺗﺮن ﻓﻰ أذﻧﮫ:
" إن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻻ ﯾﺼﻠﺤﮫ إﻻ اﻟﺘﻘﻮى ،واﻟﺴﻠﻄﺎن ﻻ ﯾﺼﻠﺤﮫ إﻻ اﻟﻄﺎﻋﺔ ،واﻟﺮﻋﯿﺔ ﻻ ﯾﺼﻠﺤﮭﺎ إﻻ اﻟﻌﺪل ،وأوﻟﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ أﻗﺪرھﻢ ﻋﻠﻰ
اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ،وأﻧﻘﺺ اﻟﻨﺎس ﻋﻘﻼ ﻣﻦ ﻇﻠﻢ ﻣﻦ ھﻮ دوﻧﮫ .ﯾﺎﺑﻨﻰ ،اﺳﺘﺪم اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ،واﻟﻘﺪرة ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ،واﻟﻄﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﻟﯿﻒ ،واﻟﻨﺼﺮ
ﺑﺎﻟﺘﻮاﺿﻊ واﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻠﻨﺎس ،وﻻ ﺗﻨﺲ ﻧﺼﯿﺒﻚ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وﻧﺼﯿﺒﻚ ﻣﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ".
وﺳﺎر اﻟﻤﮭﺪى ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺞ أﺑﯿﮫ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻓﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﺎﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﺗﺄﻣﯿﻦ اﻟﺤﺪود ،وﻋﻤﺎرة اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ اﻟﻤﺴﺠﺪ
اﻟﺤﺮام.
وﻟﻢ ﯾﻔﺘﮫ أن ﯾﺄﻣﺮ ﺑﺤﻔﺮ ﻧﮭﺮ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮة ﯾﺤﯿﻰ ﺑﮫ اﻷرض اﻟﻤﻮات ،وﯾﺴﮭﻢ ﻓﻰ ﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﻘﻮت ،وﻟﻘﺪ أﺣﺴﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ وإﻟﻰ ﻏﯿﺮھﻢ ﻣﻤﻦ
ﻟﮭﻢ أھﺪاف ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ،ﻓﺄﻃﻠﻖ ﺳﺮاح ﻣﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﺴﺠﻮن ﺳﻨﺔ ١٥٩ھـ٧٧٦ /م ،وﻛﺎن ﻟﮭﺬا أﺛﺮه ﻓﻰ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﮭﺪوء ﻓﻠﻢ ﯾﺨﺮج
ﻋﻠﯿﮫ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ !
وﻟﻘﺪ أﺗﯿﺢ ﻟﮫ أن ﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺛﻼث ﺛﻮرات ،ﻗﺎم ﺑﮭﺎ أﻓﺮاد اﻧﻀﻢ إﻟﯿﮭﻢ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻮارج ،اﺛﻨﺘﯿﻦ ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن واﻟﺜﺎﻟﺜﺔ " ﺑﻘﻨﺴﺮﯾﻦ" ﻣﻦ
أرض اﻟﺸﺎم.
وراح ﯾﻮاﺻﻞ ﺗﺄﻣﯿﻦ ﻃﺮق اﻟﺘﺠﺎرة إﻟﻰ اﻟﮭﻨﺪ ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺘﮫ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻓﻰ اﺗﺠﺎه اﻟﺮوم؛ ﻓﻔﻰ ﺳﻨﺔ ١٦٥ھـ/
٧٨٢م ﺑﻠﻐﺖ ﺟﯿﻮﺷﮫ ﺑﻘﯿﺎدة اﺑﻨﮫ " ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ " ﺧﻠﯿﺞ " اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ " ،وﺟﺮت اﻟﺮﺳﻞ واﻟﺴﻔﺮاء ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرة اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ
" إﯾﺮﯾﻦ" ﻓﻰ ﻃﻠﺐ اﻟﺼﻠﺢ ﻓﻰ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻓﺪﯾﺔ ﺗﻘﺪم ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺳﻨﻮﯾّﺎ ﻣﻘﺪارھﺎ ﺳﺒﻌﻮن أﻟﻒ دﯾﻨﺎر ،واﺷﺘﺮط اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻜﺔ اﻟﺮوم
ﺗﻌﯿﯿﻦ أدﻻء ﻟﮫ ،وإﻗﺎﻣﺔ اﻷﺳﻮاق ﻓﻰ ﻃﺮﯾﻖ ﻋﻮدﺗﮫ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪة اﻟﮭﺪﻧﺔ ﺛﻼث ﺳﻨﯿﻦ.
ﻛﻤﺎ أرﺳﻞ ﻋﺎم ١٦٧ھـ وﻟﻰ ﻋﮭﺪه اﻟﮭﺎدى إﻟﻰ "ﺟﺮﺟﺎن" ﻓﻰ ﺟﯿﺶ ﻛﺜﯿﻒ ﻟﻢ ﯾُﺮَ ﻣﺜﻠﮫ .إن اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﮭﺪى ﻛﺎن ﻟﮫ
وﺟﻮده ﻋﻠﻰ ﺣﺪود اﻟﺮوم ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ ﻗﺎم أﻣﯿﺮ اﻟﺒﺮ اﻟﺸﺎﻣﻰ ﺑﻐﺰوﺗﯿﻦ ﺑﺤﺮﯾﺘﯿﻦ ﻓﻰ اﺗﺠﺎه اﻟﺮوم ﺳﻨﺔ ١٦٠ھـ٧٧٧ /م ،و١٦١ھـ٧٧٨ /م،
وﻟﻘﺪ ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﻟﺤﺎد واﻟﺰﻧﺪﻗﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ،..ﻟﻢ ﺗﺄﺧﺬه ﻓﻰ ذﻟﻚ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢ ،وﻣﻦ ﺷﺎﺑﮫ أﺑﺎه ﻓﻤﺎ ﻇﻠﻢ.
وﺣﺪث ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺘﮫ أن أﺻﺎب اﻟﻨﺎس رﯾﺢ ﺷﺪﯾﺪة ﻇﻨﻮا ﻣﻌﮭﺎ ﻗﯿﺎم اﻟﺴﺎﻋﺔ ،وأﺧﺬ اﻟﻘﻮاد ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﮭﺪى ﻓﻮﺟﺪوه واﺿﻌًﺎ ﺧﺪه ﻋﻠﻰ
ت ھﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺬﻧﺒﻰ ﻓﮭﺬه
ﺖ أﺧﺬ َ
اﻷرض وھﻮ ﯾﻘﻮل " :اﻟﻠﮭﻢ اﺣﻔﻆ ﻣﺤﻤﺪًا ﻓﻰ أﻣﺘﮫ !اﻟﻠﮭﻢ ﻻ ﺗﺸﻤﺖ ﺑﻨﺎ أﻋﺪاءﻧﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ ! اﻟﻠﮭﻢ إن ﻛﻨ َ
ﻧﺎﺻﯿﺘﻰ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﻚ ! ".
واﺳﺘﻤﺮ اﻟﻤﮭﺪى ﻓﻰ دﻋﺎﺋﮫ وﺗﻀﺮﻋﮫ ﺣﺘﻰ اﻧﻜﺸﻔﺖ اﻟﺮﯾﺢ ،وﻋﺎد اﻷﻣﺮ إﻟﻰ وﺿﻌﮫ اﻟﺼﺤﯿﺢ.
وﺗﺘﺒﻊ اﻟﻤﮭ ﺪى اﻟﺰﻧﺎدﻗﺔ واﻟﻤﻠﺤﺪﯾﻦ أﻋﺪاء اﻟﺪﯾﻦ ،وأﻣﺮ ﺑﺘﺼﻨﯿﻒ ﻛﺘﺐ اﻟﺠﺪل ﻟﻠﺮد ﻋﻠﯿﮭﻢ.
وأﺷﺎع ﻋﮭﺪًا ﻣﻦ اﻟﺴﻼم ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ ،وﻟﻘﺪ ﺳﺎر ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﺔ اﻟﺘﻰ وﺿﻌﮭﺎ ﻟﮫ أﺑﻮه ،ﯾﻨﻈﺮ ﻓﻰ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر،
وﯾُﻈْﮭِﺮ أﺑﱠﮭﺔ اﻟﻮزراء .وﻛﺎن اﻟﻤﮭﺪى أول ﻣﻦ ﺟﻠﺲ ﻟﻠﻤﻈﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ،ﯾﻘﯿﻢ اﻟﻌﺪل ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺘﻈﺎﻟﻤﯿﻦ ،وﻣﺸﻰ ﻋﻠﻰ أﺛﺮه ﻣﻦ ﺑﻌﺪه
اﻟﮭﺎدى واﻟﺮﺷﯿﺪ واﻟﻤﺄﻣﻮن ،وﻛﺎن " اﻟﻤﮭﺘﺪى" آﺧﺮ ﻣﻦ ﺟﻠﺲ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻓﯿﮭﺎ ،وﺑﺴﻂ "اﻟﻤﮭﺪى" ﯾﺪه ﻓﻰ اﻟﻌﻄﺎء ،ﻓﺄذھﺐ ﺟﻤﯿﻊ ﻣﺎ ﺧﻠﻔﮫ
اﻟﻤﻨﺼﻮر ،وأﺟﺮى اﻟﻤﮭﺪى اﻷرزاق ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺬوﻣﯿﻦ وأھﻞ اﻟﺴﺠﻮن ﻓﻰ ﺟﻤﯿﻊ اﻵﻓﺎق ،وأﻣﺮ ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ اﻟﺒﺮﯾﺪ ﺑﯿﻦ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ واﻟﯿﻤﻦ
وﺑﻐﺪاد ﺑﺒﻐﺎل وإﺑﻞ ،وﻗﺪ وﺟﺪ اﻟﺒﺮﯾﺪ ﻣﻦ ﻋﮭﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ،واﻟﺬى ﻓﻌﻠﮫ اﻟﻤﮭﺪى ﻣﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻈﯿﻢ ﻟﮫ ،ﻗﺎل رﺟﻞ ﻟﻠﻤﮭﺪى :ﻋﻨﺪى ﻟﻚ
ﻧﺼﯿﺤﺔ ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ .ﻓﻘﺎل :ﻟﻤﻦ ﻧﺼﯿﺤﺘﻚ ھﺬه ؟ ﻟﻨﺎ أم ﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أم ﻟﻨﻔﺴﻚ؟
ﻗﺎل :ﻟﻚ ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ .ﻗﺎل :ﻟﯿﺲ اﻟﺴﺎﻋﻰ ﺑﺄﻋﻈﻢ ﻋﻮرة ،وﻻ أﻗﺒﺢ ﺣﺎﻻ ﻣﻤﻦ ﻗَﺒِﻞ ﺳﻌﺎﯾﺘﮫ ،وﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ أن ﺗﻜﻮن ﺣﺎﺳﺪ ﻧﻌﻤﺔ ،ﻓﻼ
ﻧﺸﻔﻰ ﻏﯿﻈﻚ ،أو ﻋﺪوّا ﻓﻼ ﻧﻌﺎﻗﺐ ﻟﻚ ﻋﺪوك .ﺛﻢ أﻗﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻓﻘﺎل :ﻻ ﯾﻨﺼﺢ ﻟﻨﺎ ﻧﺎﺻﺢ إﻻ ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮫ رﺿﺎ ﷲ ،وﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺻﻼح .وﻣﺎ
ﺗﻜﺎد ﺳﻨﺔ ١٦٩ھـ٧٨٦ /م ﺗﻘﺒﻞ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻰ اﻟﻤﮭﺪى -رﺣﻤﮫ اﷲ -رﺣﻤﺔ واﺳﻌﺔ .وﺗﻮﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﮭﺎدى.
٢٧
أوﺻﻰ اﻟﻤﮭﺪى اﺑﻨﮫ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﮭﺎدى ﻗﺒﻞ أن ﯾﻤﻮت ﺑﻘﺘﻞ اﻟﺰﻧﺎدﻗﺔ ،وﻛﺎن اﻟﮭﺎدى ﻗﻮى اﻟﺒﺄس ﺷﮭﻤًﺎ ﺧﺒﯿﺮًا ﺑﺎﻟﻤﻠﻚ ﻛﺮﯾﻤًﺎ .ﻓﺠﺪﱠ ﻓﻰ أﻣﺮھﻢ،
وﻗﺘﻞ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻜﺜﯿﺮ.
ﻋﻠﻰ أن اﻷﻣﻮر ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺮام ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ أﺑﯿﮫ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺎدت إﻟﻰ اﻟﺘﻮﺗﺮ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮة اﻟﺴﻼم اﻟﺘﻰ اﻣﺘﺪت
ﻃﻮال ﻓﺘﺮة ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﮭﺪي.
وﯾﺮﺟﻊ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻰ ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﻤﮭﺪى ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻠﻢ ﺑﻌﺾ آل ﻋﻠﻰ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ
ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﯾﺜﻮر وﯾﺠﺘﻤﻊ ﺣﻮﻟﮫ ﻛﺜﯿﺮون وﯾﻘﺼﺪون دار اﻹﻣﺎرة ،وﯾﺨﺮﺟﻮن ﻣﻦ ﻓﻰ اﻟﺴﺠﻮن ،ﺛﻢ
ﯾﺨﺮج اﻟﺤﺴﯿﻦ إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ﻓﯿﺮﺳﻞ ﻟﮫ اﻟﮭﺎدى " :ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﯿﻤﺎن " وﺗﺘﻼﻗﻰ ﺟﻤﻮﻋﮭﻢ ﻓﻰ ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺣﺎﺳﻤﺔ ﻗﺘﻞ ﻓﯿﮭﺎ " اﻟﺤﺴﯿﻦ " وﺣﻤﻞ رأﺳﮫ
إﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﮭﺎدى.
وﻧﺠﺎ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻌﺔ " اﻟ ﻔﺦ " اﺛﻨﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ ،أﺣﺪھﻤﺎ :ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ،أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻓﮭﻮ أﺧﻮه إدرﯾﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ.
وﻗﺪ ﺛﺎر اﻷول ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻓﻘﺘﻞ أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻰ وھﻮ إدرﯾﺲ ﺑﻦ إدرﯾﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﺛﺎرة أھﻞ اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ
) اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﯿﺔ ﺣﺎﻟﯿّﺎ ( ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،ﺣﯿﺚ أﺳﺲ ھﻨﺎك دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ.
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺧﻼﻓﺔ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﮭﺎدى ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺼﯿﺮة ﻓﺈن اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ﻣﺴﯿﺮﺗﮭﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻏﺰا "ﻣﻌﯿﻮف ﺑﻦ ﯾﺤﯿﻰ "
ﺣﻤْﺺ "اﻟﺤَﺪَث" ،وﻟﻘﺪ دﺧﻞ ﻣﻌﯿﻮف ﺑﻼد اﻟﺮوم ،وأﺻﺎب ﺳﺒﺎﯾﺎ وأﺳﺎرى وﻏﻨﺎﺋﻢ. اﻟﺮوم ردّا ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺎم اﻟﺮوم ﺑﻐﺰو ِ
وﻟﻘﻰ اﻟﮭﺎدى رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ﺳﺒﻌﯿﻦ وﻣﺎﺋﺔ ھﺠﺮﯾﺔ ،وﻛﺎن رﺣﻤﮫ اﷲ ﻣﻮﺻﻮﻓًﺎ ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ،ﻣﺤﺒّﺎ ﻟﻸدب ذا ھﯿﺒﺔ ووﻗﺎر ،ﻗﯿﻞ ﻋﻦ اﻟﻠﯿﻠﺔ اﻟﺘﻰ
ﻣﺎت ﻓﯿﮭﺎ :ھﻰ ﻟﯿﻠﺔ ﻣﺎت ﻓﯿﮭﺎ ﺧﻠﯿﻔﺔ وﺟﻠﺲ ﻓﯿﮭﺎ ﺧﻠﯿﻔﺔ ،ووﻟﺪ ﺧﻠﯿﻔﺔ .ﻓﺎﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺬى ﻣﺎت ﻓﯿﮭﺎ ھﻮ اﻟﮭﺎدى ،واﻟﺬى ﺟﻠﺲ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ
ﺳﺮﯾﺮه ھﻮ اﻟﺮﺷﯿﺪ ،واﻟﺬى وﻟﺪ ﻓﯿﮭﺎ ھﻮ اﻟﻤﺄﻣﻮن.
ﻟﻘﺪ ﺳﺎر اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻓﻲ إدارﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺞ ﻗﻮﯾﻢ ،وأﻋﺎد إﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﺠﺪھﺎ اﻟﺬى ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﮭﺪ ﺟﺪه اﻟﻤﻨﺼﻮر ،وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺴﺮﻓًﺎ وﻻ
ﺑﺨﯿﻼ ،وﺳﻤﻰ اﻟﻨﺎس أﯾﺎﻣﮫ " أﯾﺎم اﻟﻌﺮوس" ﻟﻨﻀﺎرﺗﮭﺎ وﻛﺜﺮة ﺧﯿﺮھﺎ وﺧﺼﺒﮭﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ دوﻟﺘﮫ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ اﻟﺪول وأﻛﺜﺮھﺎ وﻗﺎرًا وروﻧ ﻘًﺎ
وأوﺳﻌﮭﺎ ﻣﻤﻠﻜﺔ ،واﺗﺴﻌﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺮﺷﯿﺪ ،وﺟﺎءه اﻟﺨﯿﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﻋﯿﻦ اﻟﺮﺷﯿﺪ ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﺒﺮﻣﻜﻰ،
وﺟﻌﻠﮫ ﻛﺒﯿﺮ وزراﺋﮫ ،وﻗﺎل ﻟﮫ :ﻗﺪ ﻗﻠﺪﺗﻚ أﻣﺮ اﻟﺪوﻟﺔ ،وأﺧﺮﺟﺘﮫ ﻣﻦ ﻋﻨﻘﻰ إﻟﯿﻚ ،ﻓﺎﺣﻜﻢ ﻓﻰ ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺗﺮى ﻣﻦ اﻟﺼﻮاب ،واﺳﺘﻌﻤﻞ ﻣﻦ
رأﯾﺖ ،واﻋﺰل ﻣﻦ رأﯾﺖ ،وأﻣﺾ اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺮى .وﺳﻠﱠﻢ إﻟﯿﮫ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
أﻣﺎ اﻟﻮﻻﯾﺎت ﻓﻘﺪ ﻓﻮﺿﮭﺎ إﻟﻰ أﻣﺮاء ﺟﻌﻞ ﻟﮭﻢ اﻟﻮﻻﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﯿﻊ أھﻠﮭﺎ ،ﯾﻨﻈﺮون ﻓﻰ ﺗﺪﺑﯿﺮ اﻟﺠﯿﻮش واﻷﺣﻜﺎم ،ﯾﻌﯿﻨﻮن اﻟﻘﻀﺎة واﻟﺤﻜﺎم،
ﺠﺒُﻮن اﻟﺨﺮاج ،وﯾﻘﺒﻀﻮن اﻟﺼﺪﻗﺎت ،وﯾﻘﻠﺪون اﻟﻌﻤﺎل ﻓﯿﮭﺎ ،وﯾﺤﻤﻮن اﻟﺪﯾﻦ ،وﯾﻘﯿﻤﻮن ﺣﺪوده ،وﯾﺆﻣﱡﻮن اﻟﻨﺎس ﻓﻰ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ، وﯾ ْ
اﻟﺼﻠﻮات اﻷﺧﺮى أو ﯾﺴﺘﺨﻠﻔﻮن ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ أﻗﺎﻟﯿﻤﮭﻢ ﺛﻐﺮًا ﻣﺘﺎﺧﻤًﺎ ﻟﻠﻌﺪو ﺗﻮﻟﻮا ﺟﮭﺎده.
وﻣﺎ ﻗﺴﻤﺖ أﻋﻤﺎل اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻨﺬ اﻧﺘﻘﺎﻟﮭﺎ إﻟﻰ ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﺗﻘﺴﯿﻤﮭﺎ ﻓﻰ زﻣﻦ اﻟﺮﺷﯿﺪ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ وﻗﺖ ﻟﯿﺤﺞ ،ووﻗﺖ ﻟﯿﻐﺰو ،ووﻗﺖ
ﻟﯿﺼﻄﺎف ﻓﻰ اﻟﺮﻗﺔ ،وﯾﺘﺮك ﻗﺼﺮ اﻟﺨﻠﺪ ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻋﻠﻰ أﺷﺪ ﻣﺎ ﯾﻜﻮن ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺒﺎه ﻟﻜﻞ ﻣﺎ ﺻﻐﺮ وﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺷﺌﻮن اﻟﻤﻠﻚ ،وﻣﻦ أﺷﺪ اﻟﻤﻠﻮك ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ أﺳﺮار رﻋﯿﺘﮫ ،وأﻛﺜﺮھﻢ
ﺑﮭﺎ ﻋﻨﺎﯾﺔ ،وأﺣﺰﻣﮭﻢ ﻓﯿﮭﺎ أﻣﺮًا؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﻤﺎ اﺷﺘﻌﻠﺖ ﻓﺘﻨﺔ ﻓﻰ أرﺟﺎء دوﻟﺘﮫ إﻻ أﻃﻔﺄھﺎ.
وأﻟﻐﻰ اﻟﺮﺷﯿﺪ اﻟ ُﻌﺸْﺮ اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﺆﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺣﯿﻦ واﻟﻤﺰارﻋﯿﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺼﻒ ،وﻛﺎن رﺣﻤﮫ اﷲ ﯾﺴﺪﱡ ﻛﻞ ﺧﻠﻞٍ ﻓﻰ ﻣﻤﻠﻜﺘﮫ ،وﯾﮭﺘﻢﱡ ﻛﻞ
اﻻھﺘﻤﺎم ﺑﻤﺎ ﯾﺨﻔﻒ ﻋﻦ اﻟﻔﻼﺣﯿﻦ.
وﻗﺪ وﻟّﻰ اﻟﺮﺷﯿﺪ رﺟﻼ ﺑﻌﺾ أﻋﻤﺎل اﻟﺨﺮاج ،ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﯿﮫ ﯾﻮدﻋﮫ ،وﻋﻨﺪه ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ اﻟﺒﺮﻣﻜﻰ ،واﺑﻨﮫ ﺟﻌﻔﺮ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻟﯿﺤﯿﻰ
ﺣﺴِﻦ.
ﻋﻤﱢﺮ .وﻗﺎل ﻟﮫ ﺟﻌﻔﺮ :أﻧﺼﻒ واﻧﺘﺼﻒ .ﻓﻘﺎل ﻟﮫ اﻟﺮﺷﯿﺪ :اﻋﺪل وأَ ْ وﺟﻌﻔﺮ :أوﺻﯿﺎه .ﻓﻘﺎل ﻟﮫ ﯾﺤﯿﻰ :وﻓﱢﺮ و َ
ﺟﺮِ أﻣﻮرك ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻜﺴﺐ اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻨﺎ ﻻ ﻋﻠﯿﻨﺎ ،واﻋﻠﻢ أﻧﮭﺎ ﻣﺪة ﺗﻨﺘﮭﻲ ،وأﯾﺎم ﺗﻨﻘﻀﻰ ،ﻓﺈﻣﺎ ذﻛﺮ ﺟﻤﯿﻞ، وﻛﺘﺐ اﻟﺮﺷﯿﺪ إﻟﻰ أﺣﺪ ﻋﻤﺎﻟﮫ :أ ْ
وإﻣﺎ ﺧﺰى ﻃﻮﯾﻞ .وﻣﻤﺎ ﯾﻌﺪ ﺟﺪﯾﺪًا ﻓﻰ ﺗﻌﻈﯿﻢ اﻟﺤﻜﻢ أن ﻗﺎﺿﻰ اﻟﺮﺷﯿﺪ " أﺑﺎ ﯾﻮﺳﻒ" ﺻﺎﺣﺐ أﺑﻰ ﺣﻨﯿﻔﺔ وﺗﻠﻤﯿﺬه ﻛﺎن أول ﻣﻦ دُﻋﻰ ﻓﻰ
اﻹﺳﻼم ﻗﺎﺿﻰ اﻟﻘﻀﺎة )وزﯾﺮ اﻟﻌﺪل اﻵن ( ،وﻛﺎن اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻻ ﯾﺒﺨﻞ ﺑﺎﻟﻤﺎل ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻗﺪ ﺧﻠﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل -ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺮة ﺑﺬﻟﮫ -ﻣﺎﻟﻢ
ﯾﺨﻠﻒ أﺣﺪ ﻣﺜﻠﮫ ﻣﻨﺬ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
ﻗﺎل اﺑﻦ اﻷﺛﯿﺮ :ﻛﺎن اﻟﺮﺷﯿﺪ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺂﺛﺎر اﻟﻤﻨﺼﻮر إﻻ ﻓﻰ ﺑﺬل اﻟﻤﺎل ،ﻓﺈﻧﮫ ﻟﻢ ﯾُﺮ ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻗﺒﻠﮫ ﻛﺎن أﻋﻄﻰ ﻣﻨﮫ ﻟﻠﻤﺎل ،وﻛﺎن ﻻ ﯾﻀﯿﻊ
ﻋﻨﺪه إﺣﺴﺎن ﻣﺤﺴﻦ ،وﻻ ﯾﺆﺧﺮ ﻋﻨﺪه.
وﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎن اﻟﺮﺷﯿﺪ ﺣﻜﯿﻤًﺎ ﻓﻰ ﺳﯿﺎﺳﺘﮫ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﺣﻜﯿﻤًﺎ ﻓﻰ إدارﺗﮫ ،ﻟﻘﺪ ﺑﻮﯾﻊ ﻟﻠﺮﺷﯿﺪ ﻋﻨﺪ ﻣﻮت أﺧﯿ ﮫ اﻟﮭﺎدى ،وﻛﺎن أﺑﻮھﻤﺎ ﻗﺪ ﻋﻘﺪ ﻟﮭﻤﺎ
ﺑﻮﻻﯾﺔ اﻟﻌﮭﺪ ﻣﻌًﺎ ،وﯾﺮوى أن اﻟﮭﺎدى ﻗﺪ ﺣﺪﺛﺘﮫ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺨﻠﻊ اﻟﺮﺷﯿﺪ ،وﺟﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﯿﺪ اﺑﻨﮫ اﻟﻌﮭﺪ ﺑﻌﺪه ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻮه ،وأﺣﻀﺮ "ھﺮﺛﻤﺔ
ﺑﻦ أﻋﯿﻦ " ،ﻓﻘﯿﻞ ﻟﮫ :ﺗﺒﺎﯾﻊ ﯾﺎ ھﺮﺛﻤﺔ؟ ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،ﯾﻤﯿﻨﻰ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﺒﯿﻌﺘﻚ ،وﯾﺴﺎرى ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﺒﯿﻌﺔ أﺧﯿﻚ ،ﻓﺒﺄى ﯾﺪ أﺑﺎﯾﻊ؟
ﻓﻘﺎل اﻟﮭﺎدى ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮﯾﻦ :ﺷﺎھﺖ وﺟﻮھﻜﻢ ،واﷲ ﻟﻘﺪ ﺻﺪﻗﻨﻰ ﻣﻮﻻى ،وﻛﺬﺑﺘﻤﻮﻧﻰ ،وﻧﺼﺤﻨﻰ ﻓﻐﺸﺸﺘﻤﻮﻧﻰ ،وﺳﻠﻢ إﻟﻰ اﻟﺮﺷﯿﺪ
ﺑﺤﻘﮫ ﻓﻰ اﻟﻮﻻﯾﺔ ﺑﻌﺪه.
وﻛﺎﻧﺖ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺮﺷﯿﺪ ﺳﯿﺎﺳﺔ رﺷﯿﺪة ﻓﻰ اﻟﺪاﺧﻞ واﻟﺨﺎرج ،ﻏﺰا اﻟﺮوم ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ " إﺳﻜﺪار" ﻣﻦ ﺿﻮاﺣﻰ " اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ " أﯾﺎم
وﻻﯾﺘﮫ اﻟﻌﮭﺪ ،وﺗﻐﻠﻐﻞ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻓﻰ ﺑﻼدھﻢ وﻏﺰاھﻢ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺑﻀﻊ ﻏﺰوات ،وأﺧﺬ ﻣﻨﮭﻢ "ھﺮﻗﻠﯿﺔ " ،وﺑﻌﺚ إﻟﯿﮫ ﻣﻠﻜﮭﻢ ﺑﺎﻟﺠﺰﯾﺔ ﻋﻦ
ﺷﻌﺒﮫ ،واﺷﺘﺮط ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺮﺷﯿﺪ أﻻ ﯾﻌﻤﺮ ھﺮﻗﻠﯿﺔ ،وأن ﯾﺤﻤﻞ إﻟﯿﮫ ﻓﻰ اﻟﺴﻨﺔ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر.
وﻛﺎن " ﻧﻘﻔﻮر" ﻗﺪ ﻧﻘﺾ اﻟﻌﮭﺪ اﻟﺬى أﻋﻄﺘﮫ اﻟﻤﻠﻜﺔ "إرﯾﻨﻰ" ،اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻜﻢ اﻟﺮوم ﻗﺒﻠﮫ ،وأرﺳﻞ إﻟﻰ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ رﺳﺎﻟﺔ ﯾﮭﺪده
ﻓﯿﮭﺎ " :ﻣﻦ ﻧﻘﻔﻮر ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم إﻟﻰ ھﺎرون ﻣﻠﻚ اﻟﻌﺮب :أﻣﺎ ﺑﻌﺪ؛ ﻓﺈن اﻟﻤﻠﻜﺔ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻠﻰ أﻗﺎﻣﺘﻚ ﻣﻘﺎم اﻟﺮﱠخ )ﻃﺎﺋﺮ ﺧﺮاﻓﻰ ﯾﻌﺮف
٢٨
ﺑﺎﻟﻘﻮة( ،وأﻗﺎﻣﺖ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻘﺎم اﻟﺒَﯿْﺪق )ﯾﻌﻨﻰ ﻣﻘﺎم اﻟﻀﻌﯿﻒ( ،ﻓﺤﻤﻠﺖ إﻟﯿﻚ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﮭﺎ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺣﻘﯿ ﻘًﺎ ﺑﺤﻤﻞ أﺿﻌﺎﻓﮫ إﻟﯿﮭﺎ ،ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ
ت ﻛﺘﺎﺑﻰ ھﺬا ،ﻓﺎردد ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﻟﻚ ﻣﻦ أﻣﻮاﻟﮭﺎ ،واﻓﺘﺪِ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﻊ ﺑﮫ اﻟﻤﺼﺎدرة ﻟﻚ ،وإﻻ ﻓﺎﻟﺴﯿﻒ ﻟﻀﻌﻒ اﻟﻨﺴﺎء وﺣﻤﻘﮭﻦ ،ﻓﺈذا ﻗﺮأ َ
ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻨﻚ".
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ اﻟﺮﺷﯿﺪ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻏﻀﺐ ﻏﻀﺒًﺎ ﺷﺪﯾﺪًا ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﻘﺪر أﺣﺪ أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫ ،ﻓﺪﻋﺎ ﺑﺪواة وﻛﺘﺐ إﻟﻰ ﻧﻘﻔﻮر ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ردّا ﻋﻠﻰ رﺳﺎﻟﺘﮫ
ﯾﻘﻮل:
" ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﯿﻢ :ﻣﻦ ھﺎرون أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ إﻟﻰ ﻧﻘﻔﻮر ﻛﻠﺐ اﻟﺮوم ،ﻗﺪ ﻗﺮأت ﻛﺘﺎﺑﻚ ﯾﺎﺑﻦ اﻟﻜﺎﻓﺮة ،واﻟﺠﻮاب ﻣﺎ ﺗﺮاه دون أن
ﺗﺴﻤﻌﮫ ،واﻟﺴﻼم".
وﻗﺎد ﺑﻨﻔﺴﮫ ﺟﯿﻮﺷًﺎ ﺟﺮارة ،وﻟﻘّﻨﮫ درﺳًﺎ ﻻ ﯾُﻨﺴﻰ ،ﻓﻌﺎد إﻟﻰ أداء اﻟﺠﺰﯾﺔ ﺻﺎﻏﺮًا ،ﺑﻌﺪ أن ﺧﻀﻊ أﻣﺎم ﻗﻮة اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﻋﺰة ﻧﻔﻮﺳﮭﻢ.
وﺟﺎء ﻓﻰ ﻓﺘﻮح اﻟﺒﻠﺪان ﻟﻠﺒﻼذرى" :وﻗﺪ رأﯾﻨﺎ ﻣﻦ اﺟﺘﮭﺎد أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ھﺎرون ﻓﻰ اﻟﻐﺰو ،وﻧﻔﺎذ ﺑﺼﯿﺮﺗﮫ ﻓﻰ اﻟﺠﮭﺎد أﻣﺮًا ﻋﻈﯿﻤًﺎ،
وأﻗﺎم ﻣﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ )اﻷﺳﻄﻮل( ﻣﺎﻟﻢ ﯾﻘﻢ ﻗﺒﻠﮫ ،وﻗﺴﻢ اﻷﻣﻮال ﻓﻰ اﻟﺜﻐﻮر واﻟﺴﻮاﺣﻞ ،وھﺰم اﻟﺮوم وﻗﻤﻌﮭﻢ".
وﺳﻤﻰ اﻟﺮﺷﯿﺪ " ﺟﺒﺎر ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس "؛ ﻷﻧﮫ أﺧﺮج اﺑﻨﮫ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﻟﻠﻐﺰو ﺳﻨﺔ ١٨١ھـ ،ﻓﮭﺰم اﻟﺮوم ھﺰﯾﻤﺔ ﻣﻨﻜﺮة ،أدﺧﻠﺖ اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻰ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ،
ﻓﺼﺎﻟﺤﮫ اﻟﺮوم ﻋﻠﻰ أن ﯾﺮﺣﻞ ﻋﻨﮭﻢ ﻓﻰ ﻣﻘﺎﺑﻞ أن ﯾﻌﯿﺪوا إﻟﯿﮫ ﻛﻞ ﻣﻦ أﺳﺮوھﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،وﻛﺎن ھﺬا أول ﻓﺪاء ﻓﻰ اﻹﺳﻼم
ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺮوم.
وأرﺳﻞ "ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ﻋﯿﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺎھﺎن" ﻟﻐﺰو ﺑﻼد اﻟﺘﺮك ،ﻓﻔﻌﻞ ﺑﮭﻢ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﯿﺪ ﺑﺎﻟﺮوم ،وﺳﺒﻰ ﻋﺸﺮة آﻻف ،وأﺳﺮ ﻣﻠﻜﯿْﻦ
ﻣﻨﮭﻢ .ﺛﻢ ﻏﺰا اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﺮوم واﻓﺘﺘﺢ ھﺮﻗﻠﯿﺔ ،وأﺧﺬ اﻟﺠﺰﯾﺔ ﻣﻦ ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم.
وﺗﻮﻃﺪت اﻟﺼﱢﻼت ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ " ﺷﺎرﻟﻤﺎن" ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﺟﺮﻣﺎﻧﯿﺎ وإﯾﻄﺎﻟﯿﺎ وﺗﺒﺎدﻻ اﻟﺴﻔﺮاء ،واﻟﮭﺪاﯾﺎ.
وﻓﻰ أﯾﺎﻣﮫ ،ﺧﺮج " اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻃﺮﯾﻒ اﻟﺤﺮورى" ﻣﻦ رءوس اﻟﺨﻮارج ﺳﻨﺔ ١٧٨ھـ٧٩٥ /م ،ﻓَ ُﻘﺘِﻞ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻔﺤﻞ أﻣﺮه.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﺼﺮ اﻟﺮﺷﯿﺪ واﺑﻨﮫ اﻟﻤﺄﻣﻮن أرﻗﻰ ﻋﺼﻮر ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﻗﻮة وﻋﻈﻤﺔ وﺛﻘﺎﻓﺔ ،وھﻮ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬھﺒﻰ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ.
وﻗﺪ ﺗﺤﺪﺛﺖ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻋﻦ ﻧﻜﺒﺔ " اﻟﺒﺮاﻣﻜﺔ" اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎن ﻣﻨﮭﻢ وزﯾﺮ اﻟﺮﺷﯿﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﮭﻢ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻓﻰ اﻟﺒﻼد ﻋﻠﻰ ﯾﺪﯾﮫ ﺳﻨﺔ ١٨٧ھـ/
٨٠٣م ،ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻇﮭﺮوا ﻇﮭﻮرًا ﻏﻄﻰ أو ﻗﺎرب أن ﯾﻐﻄﻰ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺮﺷﯿﺪ وﻣﻜﺎﻧﺘﮫ ،وھﻮ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ.
ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﻮا ﻣﺮﻛﺰًا ﻣﻦ ﻣﺮاﻛﺰ اﻟﻘﻮى ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،اﻷﻣﺮ أﻣﺮھﻢ ،واﻟﻜﻠﻤﺔ ﻛﻠﻤﺘﮭﻢ ،واﻷﻣﻮال ﻓﻰ أﯾﺪﯾﮭﻢ ،ﻓﻤﺎ ﻣﻨﻌﮭﻢ ذﻟﻚ ﻷن ﯾﻔﺴﺪ
ﺣﺎﻟﮭﻢ ،وﯾﺴﻮء ﺳﻠﻮك أﻛﺜﺮھﻢ ،ﺣﺘﻰ إن اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻤﺮ ﺑﺒﻠﺪ أو إﻗﻠﯿﻢ أو ﻣﺰرﻋﺔ أو ﺑﺴﺘﺎن إﻻ ﻗﯿﻞ :ھﺬا ﻟﺠﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ
اﻟﺒﺮﻣﻜﻰ .ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺪوه ﻓﻰ إﻧﻔﺎق اﻷﻣﻮال واﻟﻌﻄﺎﯾﺎ واﻟﻤﻨﺢ .وﺿﺎق اﻟﺮﺷﯿﺪ ﺑﺎﻟﺒﺮاﻣﻜﺔ ،وﻋﺰم ﻋﻠﻰ أن ﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﺗﻜﻮن ﻧﻜﺒﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ
ﯾﺪﯾﮫ ،وﻧﻮدى ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد :ﻻ أﻣﺎن ﻟﻠﺒﺮاﻣﻜﺔ إﻻ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺑﺮﻣﻚ ووﻟﺪه؛ ﻹﺧﻼﺻﮭﻤﺎ ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ.
وﻛﺎن ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻮزراء واﻟﻘﺎدة وأﺻﺤﺎب اﻟﺮأى ،وﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﺻﻞ ﻓﺎرﺳﻰ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﺪث ﻣﻨﮭﻢ ﻣﺎ ﺣﺪث ،اﻣﺘﻨﻊ اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻋﻦ اﻟﻮﺛﻮق ﺑﮭﻢ،
واﺧﺘﺎر وزراءه وﻣﺴﺘﺸﺎرﯾﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،وﺟﻌﻞ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﺬى ﻛﺎن أﺑﻮه ﺣﺎﺟﺒًﺎ ﻟﻠﻤﻨﺼﻮر واﻟﻤﮭﺪى واﻟﮭﺎدى وزﯾﺮًا ﻟﮫ.
وﻛﺎن اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ اﻟﺮﺑﯿﻊ ﺷﮭﻤًﺎ ﺧﺒﯿﺮًا ﺑﺄﺣﻮال اﻟﻤﻠﻮك وآداﺑﮭﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ وﻟﻰ اﻟﻮزارة ﺟﻤﻊ إﻟﯿﮫ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ واﻷدب .وﻣﺎ زال اﻟﻔﻀﻞ اﺑﻦ اﻟﺮﺑﯿﻊ
ﻋﻠﻰ وزارﺗﮫ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت اﻟﺮﺷﯿﺪ ﺳﻨﺔ ١٩٣ھـ٨٠٩ /م.
وﻗﺒﻞ أن ﻧﻨﺘﻘﻞ ﺑﺤﺪﯾﺜﻨﺎ ﻋﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ إﻟﻰ ﻏﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،ﺗﺒﻘﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﮭﺎ :ﻓﻘﺪ ارﺗﺒﻂ اﺳﻢ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ
ﻓﻰ أذھﺎن اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺤﻜﺎﯾﺎت أﻟﻒ ﻟﯿﻠﺔ وﻟﯿﻠﺔ ،ﺑﺎﻟﻠﮭﻮ واﻟﻤﺠﻮن ،وﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﻗﺮﯾﺐ أو ﺑﻌﯿﺪ ،وإﻧﻤﺎ ﻋﻤﺪ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﻮن
واﻟﻤﺴﺘﮭﺘﺮون إﻟﻰ ﺗﺸﻮﯾﮫ ﺻﻮرة اﻟﺮﺟﻞ ،ﻟﻜﻰ ﺗﺒﺪو ﺻﻮرة اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﺸﻮھﺔ ،وأن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻗﻮم ﻻ َھ ﱠﻢ ﻟﮭﻢ إﻻ إﺷﺒﺎع
ﻏﺮاﺋﺰھﻢ ،ﻻ ﯾﺼﻠﺤﻮن ﻟﻘﯿﺎدة اﻷﻣﻢ وﻋﻤﺎرة اﻷرض.
أﻣﺎ ﺣﻘﯿﻘﺔ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ ،اﻟﺬى أﻋﺰ اﷲ ﺑ ﮫ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وأذل ﺑﮫ أﻋﺪاء اﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﮭﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﺣﻖ ،وﻋﺎﺑﺪ ،وﻣﺠﺎھﺪ ﺑﻨﻔﺴﮫ وﻣﺎﻟﮫ
ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ ﻋﺰة ھﺬا اﻟﺪﯾﻦ وإﻋﻼء ﻛﻠﻤﺔ اﷲ ﻓﻰ أرﺿﮫ.
ﻛﺎن اﻟﺮﺷﯿﺪ ﯾﻜﺜﺮ ﻣﻦ ﺻﻼة اﻟﻨﺎﻓﻠﺔ إﻟﻰ أن ﻓﺎرق اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وﻛﺎن ﯾﺘﺼﺪق وﯾﻨﻔﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﻣﻦ ﺻﻠﺐ ﻣﺎﻟﮫ ،وﻛﺎن ﯾﺤﺐ اﻟﺸﻌﺮ
واﻟﺸﻌﺮاء ،وﯾﻤﯿﻞ إﻟﻰ أھﻞ اﻷدب واﻟﻔﻘﮫ ،وﯾﻜﺮه اﻟﻤﺮاء ﻓﻰ اﻟﺪﯾﻦ ،وﯾﺴﺮع اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ رﺣﺎب اﻟﺤﻖ إذا ذﻛﺮ .ﺣﺪث أﻧﮫ ﺣﺒﺲ أﺑﺎ
اﻟﻌﺘﺎھﯿﺔ اﻟﺸﺎﻋﺮ ،ووﻛﱠﻞ ﺑﮫ رﺟﻼ ﯾﻜﻮن ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﻣﻨﮫ ﻟﯿﻨﻈﺮ ﻣﺎ ﯾﻘﻮل وﯾﺼﻨﻊ ،ﻓﻜﺘﺐ أﺑﻮ اﻟﻌﺘﺎھﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ:
أﻣﺎ واﷲ إن اﻟﻈﻠﻢ ﻟــــﺆم وﻣﺎ زال اﻟﻤﺴﻰء ھﻮ اﻟﻈﻠـﻮم
إﻟﻰ دﯾﺎن ﯾﻮم اﻟﺪﯾﻦ ﻧﻤﻀـﻰ وﻋﻨﺪ اﷲ ﺗﺠﺘﻤﻊ اﻟﺨﺼــﻮم
ﻓﺠﺎء اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺄﺧﺒﺮ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ ،ﻓﺒﻜﻰ اﻟﺮﺷﯿﺪ ،وأﻃﻠﻖ أﺑﺎ اﻟﻌﺘﺎھﯿﺔ واﻋﺘﺬر إﻟﯿﮫ واﺳﺘﺮﺿﺎه.
وﺣﺞ ذات ﻣﺮة ،ﻓﺮآه اﻟﻨﺎس وﻗﺪ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﺄﺳﺘﺎر اﻟﻜﻌﺒﺔ ﯾﻘﻮل" :ﯾﺎ ﻣﻦ ﯾﻤﻠﻚ ﺣﻮاﺋﺞ اﻟﺴﺎﺋﻠﯿﻦ ،وﯾﻌﻠﻢ ﺿﻤﯿﺮ اﻟﺼﺎﻣﺘﯿﻦ ،ﺻ ّﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ
وﻋﻠﻰ آل ﻣﺤﻤﺪ ،واﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ذﻧﻮﺑﻨﺎ وﻛﻔﺮ ﻋﻨﺎ ﺳﯿﺌﺎﺗﻨﺎ؛ ﯾﺎ ﻣﻦ ﻻ ﺗﻀﺮه اﻟﺬﻧﻮب ،وﻻ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻌﯿﻮب ،وﻻ ﺗﻨﻘﺼﮫ ﻣﻐﻔﺮة اﻟﺨﻄﺎﯾﺎ ،ﺻﻞّ
ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ آل ﻣﺤﻤﺪ ،وﺧِﺮه ﻟﻰ ﻓﻰ ﺟﻤﯿﻊ أﻣﻮرى .ﯾﺎﻣﻦ ﺧﺸﻌﺖ ﻟﮫ اﻷﺻﻮات ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻠﻐﺎت ،ﯾﺴﺄﻟﻮﻧﮫ اﻟﺤﺎﺟﺎت ،إن ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺘﻰ
إﻟﯿﻚ أن ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻰ ذﻧﻮﺑﻰ إذا ﺗﻮﻓﯿﺘﻨﻰ ،وﺻُﯿﱢﺮت ﻓﻰ ﻟﺤﺪى ،وﺗﻔﺮق ﻋﻨﻰ أھﻠﻰ ووﻟﻮا؛ اﻟﻠﮭﻢ ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﺣﻤﺪًا ﯾﻔﻀﻞ ﻛﻞ ﺣﻤﺪ ،ﻛﻔﻀﻠﻚ ﻋﻠﻰ
ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺨﻠﻖ؛ اﻟﻠﮭﻢ ﺻﻞّ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻰ آل ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻼة ﺗﻜﻮن ﻟﮫ رﺿﺎ ،وﺻﻞّ ﻋﻠﯿﮫ ﺻﻼة ﺗﻜﻮن ﻟﮫ ذﺧﺮًا ،واﺟﺰه ﻋﻨﺎ اﻟﺠﺰاء اﻷوﻓﻰ.
اﻟﻠﮭﻢ أﺣﯿﻨﺎ ﺳﻌﺪاء ،وﺗﻮﻓﻨﺎ ﺷﮭﺪاء ،واﺟﻌﻠﻨﺎ ﺳﻌﺪاء ﻣﺮزوﻗﯿﻦ ،وﻻ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ أﺷﻘﯿﺎء ﻣﺮﺟﻮﻣﯿﻦ".
ھﺬا ھﻮ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ ،اﻟﺼﻮرة اﻟﻤﻀﯿﺌﺔ ﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ .واﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻤﺤﺘﺬى ﺑﮫ ﻓﻰ اﻷﻣﻮر ،وﯾﻜﻔﯿﮫ ﺷﺮﻓًﺎ أﻧﮫ ﻣﺎ ﻣﺎت ﺣﯿﺚ ﻣﺎت إﻻ
وھﻮ ﺧﺎرج إﻟﻰ اﻟﺮى ﻓﻰ ﻣﻮﻛﺐ اﻟﺠﮭﺎد ﻟﻨﺸﺮ اﻟﺪﯾﻦ وﺣﻤﺎﯾﺔ أرض اﻹﺳﻼم ،ﻓﺮﺣﻤﺔ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ.
وﯾﺄﺗﻰ ﺑﻌﺪ ﻋﺼﺮ اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻋﺼﺮَا وﻟﺪﯾْﮫ اﻷﻣﯿﻦ واﻟﻤﺄﻣﻮن.
٢٩
اﻷﻣﯿﻦ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ وﻟﺪ ﺳﻨﺔ ١٧٠ھـ٧٨٧ /م ﺑﺒﻐﺪاد ،أﻣﮫ "زﺑﯿﺪة " ﺑﻨﺖ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ اﻟﻤﻨﺼﻮر ،ﻓﻠﯿﺲ ﻓﻰ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﻣَﻦْ
أﻣﮫ وأﺑﻮه ھﺎﺷﻤﯿﺎن ﻏﯿﺮ اﻷﻣﯿﻦ.
ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﻮه " اﻟﻤﺄﻣﻮن" واﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﻜﺒﺮه ﺑﺴﺘﺔ ﺷﮭﻮر ﻓﻜﺎﻧﺖ أﻣﮫ ﻓﺎرﺳﯿﺔ ﻣﺎﺗﺖ ﺑﻌﺪ وﻻدﺗﮫ.
وﻛﺎن اﻟﺮﺷﯿﺪ ﻗﺪ ﻋﮭﺪ ﺑﻮﻻﯾﺔ اﻟﻌﮭﺪ ﻟﻸﻣﯿﻦ وﻟﻠﻤﺄﻣﻮن ﻣﻦ ﺑﻌﺪه .وﻟﯿﺲ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻷﻣﯿﻦ واﻟﺘﻰ داﻣﺖ ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات -١٩٣
١٩٨ھـ ٨١٤ - ٨٠٩/م ﺷﻰء ﯾﺬﻛﺮ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ أﻋﻄﻰ اﻟﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ ﻣﺎﻻ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ووﺟﮫ ﺟﯿﺸًﺎ ﺗﺎﺑﻌﺎ ﻟﮫ ﻟﻐﺰو اﻟﺮوم ،وأﻋﻄﻰ ﻣﺪن اﻟﺜﻐﻮر
اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﻟﻠﺮوم ﺷﯿﺌًﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﯾﺘﮫ ،ﻓﺄﻣﺮ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ١٩٣ھـ ٨٠٩ /م ﺑﺒﻨﺎء ﻣﺪﯾﻨﺔ "أذﻧﺔ " وأﺣﻜﻢ ﺑﻨﺎءھﺎ وﺗﺤﺼﯿﻨﮭﺎ ،وﻧﺪب إﻟﯿﮭﺎ اﻟﺮﺟﺎل
ﻟﺴﻜﻨﺎھﺎ ،أﻣﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻣﺮت ﺧﻼﻓﺘﮫ ﻓﻰ ﺻﺮاع ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ أﺧﯿﮫ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،اﻧﺘﮭﻰ ﺑﻘﺘﻞ اﻷﻣﯿﻦ واﻧﻔﺮاد اﻟﻤﺄﻣﻮن
ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ،وﻛﺎن اﻷﻣﯿﻦ ﻗﺪ ﺗﻠﻘﻰ ﻋﻠﻮم اﻟﻔﻘﮫ واﻟﻠﻐﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺴﺎﺋﻰ ،وﻗﺮأ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻘﺮآن.
ﻣﻘﺘﻞ اﻷﻣﯿﻦ :
وﻧﺸﺒﺖ ﺣﺮوب ﺑﯿﻦ اﻷﻣﯿﻦ واﻟﻤﺄﻣﻮن ﺑﺴﺒﺐ رﻏﺒﺔ اﻷﻣﯿﻦ ﻓﻰ ﺧﻠﻊ أﺧﯿﮫ ﻣﻦ وﻻﯾﺔ ﻋﮭﺪه وﺗﻮﻟﯿﺔ وﻟﺪه ﻣﻜﺎﻧﮫ ،ورﻓﺾ اﻟﻤﺄﻣﻮن ذﻟﻚ،
ﻓﺸﺠﻌﮫ ﻗﺎدﺗﮫ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻌﺮت اﻟﺤﺮب ﺑﯿﻦ اﻷﺧﻮﯾﻦ ،واﻧﺘﮭﺖ ﺑﺎﻧﺘﺼﺎر اﻟﻤﺄﻣﻮن وﻗﺘﻞ اﻷﻣﯿﻦ ﺳﻨﺔ١٩٨ھـ.
أﺻﺒﺢ اﻷﻣﺮ ﻓﻰ اﻟﻤﺸﺮق واﻟﻤﻐﺮب ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻤﺄﻣﻮن وھﻮ ﺳﺎﺑﻊ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ واﻟﯿًﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ
واﻟﺪه ﻋﻠﻰ "ﺧﺮاﺳﺎن " وﻛﺎن ﯾﻘﯿﻢ ﻓﻰ ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ "ﻣﺮو" ،وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﻰ أن ﯾﻔﻀﱢﻠﮭﺎ ﺑﻌﺪ أن اﻧﻔﺮد ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ.
إﻧﮭﺎ ﺗﻀﻢ أﻧﺼﺎره وﻣﺆﯾﺪﯾﮫ ،ﻓﮭﻮ ھﻨﺎك ﻓﻰ أﻣﺎن واﻃﻤﺌﻨﺎن ،وﻛﺎن اﻟﻔﺮس ﯾﻮدون أن ﯾﺒﻘﻰ " ﺑﻤﺮو" ﻟﺘﻜﻮن ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻟﻜﻨﮭﺎ
ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺪوﻟﺔ ،وھﻰ أﻛﺜﺮ اﺗﺠﺎھًﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﺸﺮق ،ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ ﺳﯿﻄﺮﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮب ﺿﻌﯿﻔﺔ ،ﺑﻞ إن أھﻞ ﺑﻐﺪاد أﻧﻔﺴﮭﻢ دﺧﻠﻮا ﻓﻰ
ﻋﺪة ﺛﻮرات ﺿﺪ اﻟﻤﺄﻣﻮن؛ ﺣﺘﻰ إﻧﮭﻢ ﺧﻠﻌﻮه أﺧﯿﺮًا ،وﺑﺎﯾﻌﻮا ﺑﺪﻻ ﻣﻨﮫ ﻋﻤﮫ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻟﻤﮭﺪى.
واﺿﻄﺮ اﻟﻤﺄﻣﻮن أﺧﯿﺮًا أن ﯾﺬھﺐ إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد وأن ﯾﺘﺮك "ﻣﺮو" ﻟﻠﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺘﺤﺮﻛﺎت ﻓﻰ ﻣﮭﺪھﺎ.
ﻛﺎن ﻣﻌﻈﻢ أﻋﻮان اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻣﻦ اﻟﻔﺮس ،وﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻌﺔ ،وﻟﮭﺬا اﺿﻄﺮ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻟﻤﻤﺎﻷه اﻟﺸﯿﻌﺔ وﻛﺴﺒﮭﻢ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫ ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻰ
زﻋﻤﺎء اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ أن ﯾﻮاﻓﻮه ﻓﻰ ﻋﺎﺻﻤﺘﮫ )وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮو ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ( ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎءوه أﺣﺴﻦ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﮭﻢ ،وأﻛﺮم وﻓﺎدﺗﮭﻢ ،وﻣﺎ ﻟﺒﺚ ﺑﻌﺪ
ﻗﻠﯿﻞ أن ﻋﮭﺪ ﺑﻮﻻﯾﺔ اﻟﻌﮭﺪ إﻟﻰ " ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺿﺎ" وھﻰ ﻃﺒﻌًﺎ ﺧﻄﻮة ﺟﺮﯾﺌﺔ؛ ﻷن ﻓﯿﮭﺎ ﻧﻘﻼ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ إﻟﻰ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻌﻠﻮى.
وﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒِ ﺑﮭﺬا ،ﺑﻞ ﻏﯿﺮ اﻟﺸﻌﺎر ﻣﻦ اﻟﺴﻮاد وھﻮ ﺷﻌﺎر اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﺨﻀﺮة وھﻰ ﺷﻌﺎر اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ.
ورﻏﻢ اﻋﺘﺮاض أﻗﺎرﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،ﻓﺈن اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻛﺎن ﻣﺼﺮّا ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻷﻣﺮ ،إذ ﻛﺎن ﯾﻌﺘﻘﺪ أن ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺑﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ -رﺿﻰ
اﷲ ﻋﻨﮫ.-
وﺟﺎءت ﻋﻤ ﺔ أﺑﯿﮫ زﯾﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﻌﻈﯿﻢ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ وإﺟﻼﻟﮭﻢ ،وھﻰ ﻣﻦ ﺟﯿﻞ اﻟﻤﻨﺼﻮر ،وﺳﺄﻟﺘﮫ :ﻣﺎ اﻟﺬى
دﻋﺎك إﻟﻰ ﻧﻘﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﯿﺘﻚ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ ﻋﻠﻰ؟ ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ ﻋﻤﺔ ،إﻧﻰ رأﯾﺖ ﻋﻠﯿّﺎ ﺣﯿﻦ وﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ أﺣﺴﻦ إﻟﻰ ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ،وﻣﺎ رأﯾﺖ أﺣﺪًا
ﻣﻦ أھﻞ ﺑﯿﺘﻰ ﺣﯿﻦ أﻓﻀﻰ اﻷﻣﺮ إﻟ ﯿﮭﻢ )وﺻﻞ إﻟﯿﮭﻢ( ﻛﺎﻓﺄه ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﮫ ،ﻓﺄﺣﺒﺒﺖ أن أﻛﺎﻓﺌﮫ ﻋﻠﻰ إﺣﺴﺎﻧﮫ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ :ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ إﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﺑِ ﱢﺮ ﺑﻨﻰ ﻋﻠﻰّ واﻷﻣﺮ ﻓﯿﻚ ،أﻗﺪر ﻣﻨﻚ ﻋﻠﻰ ﺑﺮھﻢ ،واﻷﻣﺮ ﻓﯿﮭﻢ.
وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ "ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺿﺎ" أن ﻣﺎت وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٠٣ھـ٨١٩ /م ،وﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎل ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻤﺄﻣﻮن ﺑﺒﯿﻌﺔ " ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺿﺎ " أن
ﯾﻘﻮى ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ؛ ﻷﻧﮫ ﺑﮭﺬه اﻟﺒﯿﻌﺔ أﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ .وﻟﻜﻦ ﻗﺎﻣﺖ ﺿﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﺛﻮرات ﻋﺪﯾﺪة اﺧﺘﻠﻔﺖ ﻓﻰ ﻣﺪى ﻋﻨﻔﮭﺎ
وﺷﺪﺗﮭﺎ ،واﺳﺘﻄﺎع اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌًﺎ.
وﻛﺎن أﺧﻄﺮ ھﺬه اﻟﺜﻮرات ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﺛﻮرة ﻣﺼﺮ؛ ذﻟﻚ أن ﺟﻨﺪ ﻣﺼﺮ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ اﺷﺘﺮﻛﻮا ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺎت اﻷ ﻣﯿﻦ واﻟﻤﺄﻣﻮن ﻛﻞ ﻓﺮﯾﻖ ﻓﻰ ﺟﺎﻧﺐ،
وﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﮭﻰ اﻟﺨﻼف ﺑﻔﻮز اﻟﻤﺄﻣﻮن ،ﻇﻞ اﻟﺨﻼف ﻗﺎﺋﻤًﺎ ﺑﯿﻦ ﺟﻨﺪ ﻣﺼﺮ ،وأﺻﺒﺢ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺨﻼف اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮات ﻣﺼﺮ ،ﻓﻜﺎن
اﻟﺠﻨﺪ ﯾﺠﻤﻌﻮن اﻟﺨﺮاج ﻻ ﻟﯿﺮﺳﻞ ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ ،ﺑﻞ ﻟﯿﺤﺘﻔﻈﻮا ﺑﮫ ﻷﻧﻔﺴﮭﻢ.
وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻛﺜﯿﺮًا ﺑﻤﺤﺎرﺑﺘﮭﻢ ﻣﻊ أھﻞ ﻣﺼﺮ اﻟﺬىﻦ ﺷﺎرﻛﻮا ﻓﻰ ھﺬه اﻟﺜﻮرات ،وﻟﻜﻦ ھﺬه اﻟﺜﻮرات ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أن أﺷﻌﻠﺖ ﻣﻦ
ﺟﺪﯾﺪ ﺣﺘﻰ أرﺳﻞ إﻟﯿﮭﻢ ﺟﯿﺸًﺎ ﺿﺨﻤًﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻄﺎع اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻮرة ﻧﮭﺎﺋﯿًﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﻤﻜﻦ ﻗﺎﺋﺪه "ﻃﺎھﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ " ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ
ﺛﻮرات اﻟﻌﺮب أﻧﺼﺎر اﻷﻣﯿﻦ ،وھﻜﺬا ﺳﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ﺳﻜﻮن وھﺪوء.
اﻧﺘﺸﺎر اﻹﺳﻼم:
وﻛﺎن اﻟﻤﺄﻣﻮن ﯾﻜﺘﺐ إﻟﻰ ﻋﻤّﺎﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ﻓﻰ ﻏﺰو ﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ واﻹﺳﻼم ﻣﻦ أھﻞ ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،وﻟﻢ ﯾﻐﻔﻞ اﻟﻤﺄﻣﻮن
ﻋﻦ ﻗﺘﺎل اﻟﺮوم ،ﺑﻞ ﻏﺰاھﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ،وﺧﺮج ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ رأس اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻟﻐﺰو اﻟﺮوم ﺳﻨﺔ ٢١٥ھـ٨٣٠/م ،ﻓﺎﻓﺘﺘﺢ ﺣﺼﻦ
"ﻗﺮة " وﻓﺘﺢ ﺣﺼﻮﻧًﺎ أﺧﺮى ﻣﻦ ﺑﻼ دھﻢ ،ﺛﻢ رﺣﻞ ﻋﻨﮭﺎ ،وﻋﺎود ﻏﺰو اﻟﺮوم ﻓﻰ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺳﻨﺔ ٢١٦ھـ ،ﻓﻔﺘﺢ "ھﺮﻗﻠﺔ " ﺛﻢ وﺟّﮫ
ﻗﻮاده ﻓﺎﻓﺘﺘﺤﻮا ﻣﺪﻧًﺎ ﻛﺒﯿﺮة وﺣﺼﻮﻧًﺎ ،وأدﺧﻠﻮا اﻟﺮﻋﺐ ﻓﻰ ﻗﻠﻮب اﻟﺮوﻣﺎن ،ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ دﻣﺸﻖ ،وﻟﻤﺎ ﻏﺪر اﻟﺮوم ﺑﺒﻌﺾ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ
ﻏﺰاھﻢ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ وﻟﻠﻌﺎم اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﻰ ﺳﻨﺔ ٢١٧ھـ ،ﻓﺎﺿﻄﺮ اﻟﺮوم ﺗﺤﺖ وﻃﺄة اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ إﻟﻰ ﻃﻠﺐ اﻟﺼﻠﺢ.
ﯾﺮﺣﻢ اﷲ اﻟﻤﺄﻣﻮن ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﺼﺮه ﻣﻦ أزھﻰ ﻋﺼﻮر اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ.
ﻛﺎن ﯾﻘﻮل :أﻧﺎ واﷲ أﺳﺘﻠﺬ اﻟﻌﻔﻮ ﺣﺘﻰ أﺧﺎف أﻻ أؤﺟﺮ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻟﻮ ﻋﺮف اﻟﻨﺎس ﻣﻘﺪار ﻣﺤﺒﺘﻰ ﻟﻠﻌﻔﻮ؛ ﻟﺘﻘﺮﺑﻮا إﻟﻰ ﺑﺎﻟﺬﻧﻮب!
٣٠
وﻗﺎل :إذا أﺻﻠﺢ اﻟﻤﻠﻚ ﻣﺠﻠﺴﮫ ،واﺧﺘﺎر ﻣﻦ ﯾﺠﺎﻟﺴﮫ؛ ﺻﻠﺢ ﻣﻠﻜﮫ ﻛﻠﮫ.
ورﻓﻊ إﻟﯿﮫ أھﻞ اﻟﻜﻮﻓﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﯾﺸﻜﻮن ﻓﯿﮭﺎ ﻋﺎﻣﻼ؛ ﻓﻮﻗﱠﻊ :ﻋﯿﻨﻰ ﺗﺮاﻛﻢ ،وﻗﻠﺒﻰ ﯾﺮﻋﺎﻛﻢ ،وأﻧﺎ ﻣﻮلّ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺛﻘﺘﻰ ورﺿﺎﻛﻢ .وﺷﻐﺐ اﻟﺠﻨﺪ
ﻓﺮﻓﻊ ذﻟﻚ إﻟﯿﮫ ،ﻓﻮﻗﱠﻊ :ﻻ ﯾﻌﻄﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻐﺐ ،وﻻ ﯾﺤﻮﺟﻮن إﻟﻰ اﻟﻄﻠﺐ.
ﺖ اﻟﺒﻼد ،وأھﻠﻜﺖ اﻟﻌﺒﺎد
ووﻗﻒ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺮوة ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،وﻗﺪ ﺻﺮﻓﮫ ﻋﻠﻰ اﻷھﻮاز ،ﻓﻘﺎل ﻟﮫ اﻟﻤﺄﻣﻮن :أﺧﺮﺑ َ
ﻓﻘﺎل :ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،ﻣﺎ ﺗﺤﺐ أن ﯾﻔﻌﻞ اﷲ ﺑﻚ إذا وﻗﻔﺖَ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ ،وﻗﺪ ﻗﺮﻋﻚ ﺑﺬﻧﻮﺑﻚ؟
ﻓﻘﺎل :اﻟﻌﻔﻮ واﻟﺼﻔﺢ.
ﻗﺎل :ﻓﺎﻓﻌﻞ ﺑﻐﯿﺮك ﻣﺎ ﺗﺨﺘﺎر أن ﯾﻔﻌﻞ ﺑﻚ.
ﻗﺎل :ﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ ..ارﺟﻊ إﻟﻰ ﻋﻤﻠﻚ ﻓﻮالٍ ﻣ ﺴﺘﻌﻄِﻒ ﺧﯿﺮ ﻣﻦ وال ﻣﺴﺘﺄﻧﻒ.
وﻛﺘﺐ إﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ھﺸﺎم أﺣﺪ ﻋﻤﺎﻟﮫ ،وﻗﺪ ﺷﻜﺎه ﻏﺮﯾﻢ ﻟﮫ :ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﻤﺮوءة أن ﺗﻜﻮن آﻧﯿﺘﻚ ﻣﻦ ذھﺐ وﻓﻀﺔ وﯾﻜﻮن ﻏﺮﯾﻤﻚ ﻋﺎرﯾًﺎ،
وﺟﺎرك ﻃﺎوﯾًﺎ.
وھﻜﺬا ﻛﺎن اﻟﻤﺄﻣﻮن ..ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ وﺻﻔﮫ اﻟﻮاﺻﻔﻮن ﺑﺄﻧﮫ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ رﺟﺎل ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﺣﺰﻣًﺎ وﻋﺰﻣًﺎ وﺣﻠﻤًﺎ وﻋﻠﻤًﺎ ورأﯾًﺎ ودھﺎءً ،وﻗﺪ ﺳﻤﻊ
اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺪّﺛﯿﻦ ،وﺑﺮع ﻓﻰ اﻟﻔﻘﮫ واﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ واﻟﺘﺎرﯾﺦ ،وﻛﺎن ﺣﺎﻓﻈًﺎ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ.
ﺟﺎء ﻓﻰ ﻛﺘﺎب ﻗﺼﺔ اﻟﺤﻀﺎرة :أﻧﮫ أرﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺪن اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ ﯾﻄﻠﺐ أن ﯾﻤﺪوه ﺑﺎﻟﻜﺘﺐ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ ،ﺧﺎﺻﺔ ﻛﺘﺐ
اﻟﻄﺐ و اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﺖ ھﺬه اﻟﻜﺘﺐ إﻟﻰ أﯾﺪى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﺮﺟﻤﺘﮭﺎ وﻓﺤﺼﮭﺎ ودراﺳﺘﮭﺎ ،وأﻧﺸﺄ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد
" ﺑﯿﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ" ﺳﻨﺔ ٢١٤ھـ٨٢٩/م ،وھﻮ ﻣﺠﻤﻊ ﻋﻠﻤﻰ ،وﻣﻜﺘﺒﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،وﻣﺮﺻﺪ ﻓﻠﻜﻰ ،وأﻗﺎم ﻓﯿﮫ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺮﺟﻤﯿﻦ ،وأﺟﺮى ﻋﻠﯿﮭﻢ
اﻷرزاق ﻣﻦ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﺎل ،ﻓﺎﺳﺘﻔﺎد اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،ﺛﻢ أﻟﻔﻮا واﺑﺘﻜﺮوا ﻓﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻌﻠﻮم ،اﻟﺘﻰ أﺳﮭﻤﺖ ﻓﻰ ﻧﮭﻀﺔ أوروﺑﺎ
ﯾﻮم أن اﺣﺘﻜﺖ ﺑﺎﻟﻌﺮب ﻓﻰ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ وﻏﯿﺮھﺎ.
وﻛﺎن ﻟﻠﻤﺪارس اﻟﺘﻰ ﻓﺘﺤﮭﺎ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻓﻰ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻨﻮاﺣﻰ واﻷﻗﺎﻟﯿﻢ أﺛﺮھﺎ ﻓﻰ ﻧﮭﻀﺔ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﻣﺒﺎرﻛﺔ.
إﻻ أن اﻻﻃﻼع ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻓﻠﺴﻔﺎت اﻷ ﻣﻢ اﻷﺧﺮى ﻗﺪ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﻘﻞ ﯾﺠﺘﮭﺪ ﻓﻰ أﻣﻮر ﺧﺎرج ﺣﺪوده وﺗﻔﻜﯿﺮه ،وﻣﻦ ھﻨﺎ ﻧﺸﺄ اﻟﻔﻜﺮ اﻻﻋﺘﺰاﻟﻰ
اﻟﺬى ﯾُﻌْﻠﻰ ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻌﻘﻞ ،وﯾﺠﻌﻠﮫ ﺣﻜﻤًﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺺ دون ﺣﺪود أو ﻗﯿﻮد.
اﻹﺳﻼم ﻗﺪ رﻓﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻞ ،ﻟﻜﻨﮫ ﺣﺪد ﻟﮫ ﺣﺪودًا ﯾﻌﻤﻞ ﻓﯿﮭﺎ.
ﻟﻘﺪ ﺳﻤﺢ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻷوﻟﺌﻚ اﻟﺬﯾﻦ اﻋﺘﻤﺪوا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﻤﻨﻄﻖ ﻓﻰ ﻛﻞ ﺷﻰء ﺑﺎﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ آراﺋﮭﻢ ،وﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﮭﻢ ،وﻧﺸﺮ ﻣﺒﺎدﺋﮭﻢ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ
أن ﯾﺘﻘﯿﺪوا ﺑﻘﯿﺪ أو ﯾﻘﻔﻮا ﻋﻨﺪ ﺣﺪ ،ﻓﻜﺎن ھﺬا ﻣﻦ ﺳﻮءاﺗﮫ اﻟﺘﻰ أﺣﺪﺛﺖ ﺑﯿﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﺘﻨﺔ داﻣﺖ ﺗﺴﻊ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ ،إﻟﻰ أن ﺷﺎء
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻔﺘﻨﺔ أن ﺗﺨﻤﺪ ،وﻟﻘﺪ وﺻﻒ اﻹﻣﺎم اﻟﺴﯿﻮﻃﻰ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﺑﻘﻮﻟﮫ " :إﻧﮫ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻓﻀﻞ رﺟﺎل ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﻟﻮﻻ ﻣﺎ أﺗﺎه ﻣﻦ
ﻣﺤﻨﺔ اﻟﻨﺎس " .واﻧﺘﻘﻞ اﻟﻤﺄﻣﻮن إﻟﻰ ﻣﻮﻻه -ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ -ﺑﻌﺪ ﺣﯿﺎة ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺎﻹﻧﺠﺎزات ﻓﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻧﻮاﺣﻰ اﻟﺪوﻟﺔ.
ﺗﻮﻟﻰ " اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ " اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ أﺧﯿﮫ اﻟﻤﺄﻣﻮن ،ﻟﻘﺪ ﺑﻮﯾﻊ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ﯾﻮم ﻣﺎت أﺧﻮه اﻟﻤﺄﻣﻮن
ﺑـ"ﻃﺮﺳﻮس ".
ﻦ رَأَى" أو " ﺳَﺎﻣِﺮﱠاء " ؛ وذﻟﻚ أن ﺑﻐﺪاد ﺿﺎﻗﺖ ﺑﻜﺜﺮة اﻟﻐﻠﻤﺎن اﻟﺘﺮك اﻟﺬﯾﻦ ﺟﻠﺒﮭﻢ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ،
ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٢١ھـ ﺑﻨﻰ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻣﺪﯾﻨﺔ "ﺳُﺮﱠ ﻣَ ْ
ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ إﻟﯿﮫ رﺟﺎل ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد ،وﻗﺎﻟﻮا :إن ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻋﻨﺎ ﺑﮭﺬا اﻟﺠﻨﺪ ﺣﺎرﺑﻨﺎك .ﻗﺎل :وﻛﯿﻒ ﺗﺤﺎرﺑﻮﻧﻨﻰ؟ ﻗﺎﻟﻮا :ﺑﺴﮭﺎم اﻷﺳﺤﺎر .ﻗﺎل :ﻻ
ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻰ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻜﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺐ ﺑﻨﺎﺋﮫ " ﺳﺮ ﻣﻦ رأى" وإﻗﺎﻣﺘﮫ ﺑﮭﺎ.
وﻻ ﯾﻨﺴﻰ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻟﻠﻤﻌﺘﺼﻢ " ﻓﺘﺢ ﻋﻤﻮرﯾﺔ" ﺳﻨﺔ ٢٢٣ھـ ٨٣٨ /م ،ﯾﻮم ﻧﺎدت ﺑﺎﺳﻤﮫ اﻣﺮأة ﻋﺮﺑﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺪود ﺑﻼد اﻟﺮوم اﻋﺘُﺪِىَ ﻋﻠﯿﮭﺎ،
ﻓﺼﺮﺧﺖ ﻗﺎﺋﻠﺔ :واﻣﻌﺘﺼﻤﺎه ! ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﮫ اﻟﻨﺪاء ﻛﺘﺐ إﻟﻰ ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم :ﻣﻦ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺑﺎﷲ ،إﻟﻰ ﻛﻠﺐ اﻟﺮوم ،أﻃﻠﻖ ﺳﺮاح
اﻟﻤﺮأة ،وإن ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻞ ،ﺑﻌﺜﺖ ﻟﻚ ﺟﯿﺸًﺎ ،أوﻟﮫ ﻋﻨﺪك وآﺧﺮه ﻋﻨﺪى .ﺛﻢ أﺳﺮع إﻟﯿﮭﺎ ﺑﺠﯿﺶ ﺟﺮار ﻗﺎﺋﻼ :ﻟﺒﯿﻚ ﯾﺎ أﺧﺘﺎه !
وﻓﻰ ھﺬه اﻟﺴﻨﺔ ) ٢٢٣ھـ( ﻏﺰا اﻟﺮوم وﻓﺘﺢ " ﻋﻤﻮرﯾﺔ " ،وﺳﺠﻞ أﺑﻮ ﺗﻤﺎم ھﺬا اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻌﻈﯿﻢ ﻓﻰ ﻗﺼﯿﺪة راﺋﻌﺔ.
ھﺬا ھﻮ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ رﺟﻞ اﻟﻨﺠﺪة واﻟﺸﮭﺎﻣﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﻛﺘﺐ إﻟﯿﮫ ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﯾﺘﮭﺪده ﻓﯿﮫ ،ﻓﺄﻣﺮ أن ﯾﻜﺘﺐ ﺟﻮاﺑﮫ ،ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮئ ﻋﻠﯿﮫ ﻟﻢ
ﯾﺮﺿﮫ ،وﻗﺎل ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ :اﻛﺘﺐ.
ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﯿﻢ ..أﻣﺎ ﺑﻌﺪ ،ﻓﻘﺪ ﻗﺮأت ﻛﺘﺎﺑﻚ ،واﻟﺠ ﻮاب ﻣﺎ ﺗﺮى ﻻ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻊ ) :وﺳﯿﻌﻠﻢ اﻟﻜﻔﺎر ﻟﻤﻦ ﻋﻘﺒﻰ اﻟﺪار( ]اﻟﺮﻋﺪ.[ ٤٢ :
ﻗﺎل إﺳﺤﻖ اﻟﻤﻮﺻﻠﻰ :ﺳﻤﻌﺘُﮫ ﯾﻘﻮل :ﻣﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻖ ﺑﻤﺎ ھُﻮ ﻟﮫ وﻋﻠﯿﮫ؛ أدرﻛﮫ.
ﻟﻘﺪ ﺗﺤﺮﻛﺖ ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﺛﻮرات :ﺛﻮرة اﻟﺰط ،وھﻢ ﻗﻮم ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺪ )ﺑﺎﻛﺴﺘﺎن وﺑﻨﺠﻼدﯾﺶ اﻵن( ،واﻧﻀﻢ إﻟﯿﮭﻢ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﯿﺪ ﻓﺸﺠﻌﻮھﻢ ﻋﻠﻰ
ﻗﻄﻊ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وﻋﺼﯿﺎن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ٢٢٠ھـ٨٣٥/م؛ ﺣﯿﺚ ﻋﺎﺛﻮا ﺑﺎﻟﺒﺼﺮة ﻓﺴﺎدًا ،وﻗﻄﻌﻮا اﻟﻄﺮﯾﻖ وﻧﮭﺒﻮا اﻟﻐﻼت ،ﻓﻨﺪب
" اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ" أﺣﺪ ﻗﻮاده ﺑﻘﺘﺎﻟﮭﻢ واﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﯿﮭﻢ.
وﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﻃﺎﺋﻔﺔ أﺧﺮى ﺗﺴﻤﻰ "اﻟﺨُﺮﱠﻣﯿﺔ " ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ أﺣﺪ اﻟﺰﻧﺎدﻗﺔ ،وﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﺑﻚ اﻟْﺨُﺮﱠﻣﻰ ،واﻧﻀﻢ ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ أھﻞ ﻓﺎرس ﺣﻮل
ھﺬا اﻟﺸﯿﻄﺎن اﻟﻠﻌﯿﻦ ،وﻛﺎن أول ﻇﮭﻮر ﻟﮭﻢ ﺳﻨﺔ ٠٢١ھـ ،واﺳﺘﻔﺤﻞ أﻣﺮھﻢ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺻﺎر اﻷﻣﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺳﻨﺔ ٢٢٠ھـ٨٣٥ /م ،أﺧﺬ
ﻓﻰ إﺻﻼح ﻣﺎ أﻓﺴﺪه اﻟﺨﺮﻣﯿﺔ ﺑﻘﯿﺎدة اﻷﻓﺸﯿﻦ ﺣﯿﺪر ﺑﻦ ﻛﺎوس ،ﻓﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﺟﻰء ﺑﺰﻋﯿﻤﮭﻢ ﺑﺎﺑﻚ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻓﺄﻣﺮ
ﺑﻘﻄﻊ ﯾﺪى ﺑﺎﺑﻚ ورﺟﻠﯿﮫ ،ﺛﻢ ﺟﺰ رأﺳﮫ وﺷﻖ ﺑﻄﻨﮫ ﻟﻌﻨﮫ اﷲ .ﻟﻘﺪ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ ﻣﺪة ﻇﮭﻮره ﻣﺎﺋﺘﻰ أﻟﻒ وﺧﻤﺴﺔ وﺧﻤﺴﯿﻦ أﻟﻒ
وﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ إﻧﺴﺎن ،وأﺳﺮ ﺧﻠﻘًﺎ ﻻ ﯾﺤﺼﻮن ،وأﺑﺎح اﻟﺤﺮﻣﺎت ،وﻧﻜﺎح اﻟﻤﺤﺮﻣﺎت.
٣١
وﺛﺎر أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ ﺑـ " اﻟﻄﺎﻟﻘﺎن " ﻣﻦ "ﺧﺮاﺳﺎن " وھﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ،ﻓﻘﺎﺗﻠﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ اﺑﻦ
ﻃﺎھﺮ ﻣﺮة ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ﺣﺘﻰ ﻗﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﯿﻖ إﻟﻰ اﻟﺴﺠﻦ.
وھﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم ﺛﻮرات وﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻤﻨﻊ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻣﻦ اﻻھﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻌﻤﺮان واﻟﺒﻨﺎء ﻓﺒﻨﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺳﺎﻣﺮّا أو )ﺳﺮ ﻣﻦ
رأى( ﺑﺸﺮﻗﻰ ﻧﮭﺮ دﺟﻠﺔ ،وﻣﺪ إﻟﯿﮭﺎ ﻧﮭﺮًا ﺳﻤﺎه ﻧﮭﺮ اﻹﺳﺤﺎﻗﻰ.
وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺣﺘﺮﻗﺖ " ﺳﻮق اﻟﻜﺮخ" ﻋﻮض اﻟﺘﺠﺎر ﻋﻦ ﺧﺴﺎﺋﺮھﻢ ،واھﺘﻢ ﺑﺎﻟﺒﺮﯾﺪ ﻓﻰ أﯾﺎﻣﮫ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺗﺼﻞ ﺑﺴﺮﻋﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.
وإذا ﻛﺎن ﺳﺎﺑﻘﻮه ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻗﺪ اﺳﺘﻌﺎﻧﻮا ﺑﺎﻟﻔﺮس ،ﻓﺈن اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻛﺎن ﻣﺤﺒّﺎ ﻟﻠﻌﻨﺼﺮ اﻟﺘﺮﻛﻰ ،ﺣﺘﻰ اﺟﺘﻤﻊ ﻟ ﮫ ﻣﻨﮭﻢ أرﺑﻌﺔ آﻻف ﺟﻨﺪى،
وأﻗﻄﻌﮭﻢ اﻹﻗﻄﺎﻋﺎت اﻟﻜﺒﯿﺮة ﻓﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺳﺎﻣﺮّا ﺣﺘﻰ ﻻﯾﻀﺎﯾﻖ أھﻞ ﺑﻐﺪاد ،وﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻟﻠﻔﺮس دورھﻢ ﻓﻰ ﺣﯿﺎة اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﮭﺎ
ﻓﺈن اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺘﺮﻛﻰ أﺻﺒﺢ ﻟﮫ دوره.
رﺣﻤﮫ اﷲ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺛﻤﺎﻧﻰ ﺳﻨﯿﻦ وﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﺷﮭﺮ وﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﯾﺎم ،وھﻮ ﺛﺎﻣﻦ اﻟﺨﻠ ﻔﺎء ﻣﻦ ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ،وﻣﺎت ﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ ﺑﻨﯿﻦ
وﺛﻤﺎﻧﻰ ﺑﻨﺎت ،وﺗﻮﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﻨﺔ ﺛﻤﺎن ﻋﺸﺮة وﻣﺌﺘﯿﻦ ،وﻓﺘﺢ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ ﻓﺘﻮح ﻓﻜﺎن ﯾﻠﻘﺐ ﺑﺎﻟﻤﺜﻤﻦ ،وﻛﺎن ﻃﯿﺐ اﻟﻨﻔﺲ ،وﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﺨﻠﻔﺎء وأھﯿﺒﮭﻢ .
وﻟﻘﻰ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ رﺑﮫ ،وﺟﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﺑﻨﮫ اﻟﻮاﺛﻖ ﺑﺎﷲ ھﺎرون ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺳﻨﺔ ٢٢٧ھـ٨٤٢ /م.
وﻛﺎﻧﻮا ﯾﺴﻤﻮﻧﮫ اﻟﻤﺄﻣﻮن اﻟﺼﻐﯿﺮ ﻷدﺑﮫ وﻓﻀﻠﮫ ،وﻛﺎن اﻟﻤﺄﻣﻮن ﯾﺠﻠﺴﮫ وأﺑﻮه اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ واﻗﻒ ،وﻛﺎن ﯾﻘﻮل :ﯾﺎ أﺑﺎ إﺳﺤﺎق ﻻ ﺗﺆدب
ھﺎرون ،ﻓﺈﻧﻰ أرﺿﻰ أدﺑﮫ ،وﻻ ﺗﻌﺘﺮض ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻰ ﺷﻰء ﯾﻔﻌﻠﮫ.
ﻗﺎل ﺣﻤﺪون ﻧﺪﯾﻢ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ :ﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﻰ اﻟﺨﻠﻔﺎء أﺣﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻮاﺛﻖ وﻻ أﺻﺒﺮ ﻋﻠﻰ أذى وﺧﻼف.
دﺧﻞ ﻣﺆدب اﻟﻮاﺛﻖ ھﺎرون ﺑﻦ زﯾﺎد ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺄﻛﺮﻣﮫ اﻟﻮاﺛﻖ ،وأﻇﮭﺮ ﻣﻦ ﺑﺮه ﻣﺎ ﺷﮭّﺮه ﺑﮫ ،ﻓﻘﯿﻞ ﻟﮫ :ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ؛ ﻣَﻦْ ھﺬا اﻟﺬى ﻓﻌﻠﺖَ
ﺑﮫ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺖ ؟ ﻗﺎل :ھﺬا أول ﻣﻦ َﻓﺘَﻖ ﻟﺴﺎﻧﻰ ﺑﺬﻛﺮ اﷲ ،وأدﻧﺎﻧﻰ ﻣﻦ رﺣﻤﺘﮫ .وﻗﺎل ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ أﻛﺜﻢ :ﻟﻢ ﯾﺤﺴﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس
إﻟﻰ آل أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ إﺣﺴﺎن اﻟﻮاﺛﻖ ،ﻣﺎ ﻣﺎت وﻓﯿﮭﻢ ﻓﻘﯿﺮ.
ﻗﺎل اﻟﻮاﺛﻖ ﻻﺑﻦ أﺑﻰ دُؤاد وزﯾﺮه ،وﻗﺪ رﺟﻊ ﻣﻦ ﺻﻼة اﻟﻌﯿﺪ :ھﻞ ﺣﻔﻈﺖ ﻣﻦ ﺧﻄﺒﺘﻰ ﺷﯿﺌًﺎ؟ ﻗﺎل :ﻧﻌﻢ ﻗﻮﻟﻚ ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ " :وﻣﻦ اﺗﺒﻊ
ھﻮاه ﺷﺮد ﻋﻦ اﻟﺤﻖ ﻣﻨﮭﺎﺟﮫ ،واﻟﻨﺎﺻﺢ ﻣﻦ ﻧﺼﺢ ﻧﻔﺴﮫ ،وذﻛﺮ ﻣﺎ ﺳﻠﻒ ﻣﻦ ﺗﻔﺮﯾﻄﮫ ،ﻓﻄﮭﺮ ﻣﻦ ﻧﯿﺘﮫ ،وﺛﺎب ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺘﮫ ،ﻓﻮرد أﺟﻠﮫ،
وﻗﺪ ﻓﺮغ ﻣﻦ زاده ﻟﻤﻌﺎده ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ اﻟﻔﺎﺋﺰﯾﻦ".
ھﺬا ھﻮ اﻟﻮاﺛﻖ ﺑﺎﷲ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ،ﻗﻀﻰ ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻮرات اﻟﺘﻰ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ،وﻟﻘﱠﻦ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﯾﻦ واﻵداب
اﻟﻌﺎﻣﺔ درﺳًﺎ ﻻ ﯾﻨﺴﻰ ،وﻋﺰل ﻣﻦ اﻧﺤﺮف ﻣﻦ اﻟﻮﻻة ،وﺻﺎدر أﻣﻮاﻟﮭﻢ اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻇﻠﻤًﺎ وﻋﺪواﻧًﺎ ،وأﻏﺪق ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﻜﺔ
ﻖ ﺳﺎﺋﻞ واﺣﺪ ﻓﯿﮭﻤﺎ. واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﺒ َ
وﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﻓﺘﺤﺖ ﺟﺰﯾﺮة "ﺻﻘﻠﯿﺔ " ،ﻓﺘﺤﮭﺎ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﮭﻤﺪاﻧﻰ ﺳﻨﺔ ٢٢٨ھـ٨٤٣ /م.
وﻗﺪ رأﯾﻨﺎ أن اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻷول ﻗﺪ اﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﮭﻮد ﺗﺴﻌﺔ ﺧﻠﻔﺎء ﯾﺒﺪأ ﺣﻜﻤﮭﻢ ﺑﺄﺑﻰ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح ﺳﻨﺔ ١٣٢ھـ٧٥٠ /م ،وﯾﻨﺘﮭﻰ
ﺑﺘﺎﺳﻊ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ وھﻮ اﻟﻮاﺛﻖ اﻟﺬى ﺗﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٣٢ھـ٨٤٧ /م.
وﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﯾﻨﺘﮭﻰ ﺣﺘﻰ ﺳﺎد اﻟﻀﻌﻒ واﻻﻧﺤﻼل وأﺧﺬا ﯾﺰﯾﺪان ﯾﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﯾﻮم ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ھﻮﻻﻛﻮ
اﻟﺘﺘﺮى ﺳﻨﺔ ٦٥٧ھـ١٢٥٨ /م ،وﻛﺄن ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻰ ﻋﺎﺷﺖ ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮون ﻟﻢ ﺗﻜﻦ زاھﺮة إﻻ ﻓﻰ ﻗﺮﻧﮭﺎ اﻷول ﺛﻢ ﻋﺎﺷﺖ ﻗﺮوﻧﮭﺎ اﻷرﺑﻌﺔ
اﻟﺒﺎﻗﯿﺔ ﻓﻰ ﺿﻌﻒ ﻣﺘﺰاﯾﺪ.
ﯾﺒﺪأ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﺑﺨﻼﻓﺔ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﺳﻨﺔ ٢٣٢ھـ٨٤٧ /م ،وﯾﻨﺘﮭﻰ ﻓﻰ ٣٣٤ھـ٩٤٦ /م ،ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻰ ﺑﺎﷲ ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ
اﻟﻤﻜﺘﻔﻰ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ.
وﯾﻌﺮف اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﺑﻌﺼﺮ " ﻧﻔﻮذ اﻷﺗﺮاك" ﺣﯿﺚ ﺑﺮز اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺘﺮﻛﻰ ،واﺳﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺳﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ
اﻹدارة واﻟﺠﯿﺶ.
وﻗﺪ ﺗﻤﺖ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﮭﺬا اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺘﺮﻛﻰ اﻟﻤﺠﻠﻮب ﻣﻦ إﻗﻠﯿﻢ "ﺗﺮﻛﺴﺘﺎن " و "ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ" ،اﺳﺘﻌﺎن ﺑﮭﻢ اﻟﻤﺄﻣﻮن واﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻓﻰ
اﻟﻌﺼﺮ " اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻷول".
وﻇﮭﺮت ﺑﻮادر ھﺬا اﻟﻀﻌﻒ ﻓﻰ ﻣﺴﺘﮭﻞ ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬى ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻼﻣﺤﮫ ﻋﻦ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻷول.
٣٢
ھﻮ ﻋﺎﺷﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺑﻦ اﻟﺮﺷﯿﺪ.
ﻟﻘﺪ ﺑﻮﯾﻊ ﻟﮫ ﺑﻌﺪ اﻟﻮاﺛﻖ ،وﺑﺪأ ﻋﮭﺪه ﺑﺪاﯾﺔ ﻣﻮﻓﻘﺔ ،ﻓﻘﺪ أﻣﺮ ﺑﺈﻇﮭﺎر اﻟﺴﻨﺔ ،واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻰ ﻧﺸﺄت ﻋﻦ اﻟﻘﻮل ﺑﺨﻠﻖ
اﻟﻘﺮآن.
وﻛﺘﺐ إﻟﻰ ﻛﻞ أﻗﺎﻟﯿﻢ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﮭﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ،وﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ ﺑﮭﺬا ،ﺑﻞ اﺳﺘﻘﺪم اﻟﻤﺤﺪﱢﺛﯿﻦ واﻟﻌﻠﻤﺎء إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ " ﺳﺎﻣﺮﱠا" وﻃﻠﺐ ﻣﻨﮭﻢ أن ﯾﺤﺪﺛﻮا
ﺑﺤﺪﯾﺚ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻟﻤﺤﻮ ﻛﻞ أﺛﺮ ﻟﻠﻘﻮل ﺑﺨَﻠْﻖ اﻟﻘﺮآن ،وراح اﻟﻌﻠﻤﺎء ﯾﺘﺼﺪون ﻹﺣﻘﺎق اﻟﺤﻖ ،وإﺑﻄﺎل اﻟﺒﺎﻃﻞ ،وأﻇﮭﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ إﻛﺮام اﻹﻣﺎم
" أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ" اﻟﺬى ﻗﺎوم اﻟﺒﺪع ،وﺗﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺴﻨﻦ ،وﺿﺮب وأوذى وﺳﺠﻦ.
ﺧ ْﻠ َﻌ ًﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﻦ
ﻟﻘﺪ اﺳﺘﺪﻋﺎه اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ إﻟﯿﮫ ﻣﻦ "ﺑﻐﺪاد" إﻟﻰ " ﺳﺎﻣﺮا" وأﻣﺮ ﻟﮫ ﺑﺠﺎﺋﺰة ﺳﻨﯿﺔ ،ﻟﻜﻨﮫ اﻋﺘﺬر ﻋﻦ ﻋﺪم ﻗﺒﻮﻟﮭﺎ ،ﻓﺨﻠﻊ ﻋﻠﯿﮫ ِ
ﻣﻼﺑﺴﮫ ،ﻓﺎﺳﺘﺤﯿﺎ ﻣﻨﮫ اﻹﻣﺎم أﺣﻤﺪ ﻛﺜﯿﺮًا ﻓﻠﺒﺴﮭﺎ إرﺿﺎء ﻟﮫ ،ﺛﻢ ﻧﺰﻋﮭﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ.
وﯾﺬﻛﺮ ﻟﻠﻤﺘﻮﻛﻞ ﺗﻌﯿﯿﻨﮫ ﻟﯿﺤﯿﻰ ﺑﻦ أﻛﺜﻢ ﻟﻤﻨﺼﺐ ﻗﺎﺿﻰ اﻟﻘﻀﺎة ،وﻛﺎن ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ أﻛﺜﻢ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وأﺋﻤﺔ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻤﻌﻈﻤﯿﻦ ﻟ ﻠﻔﻘﮫ
واﻟﺤﺪﯾﺚ.
ھﺬا وﻟﻢ ﯾَﺨْ ُﻞ ﻋﮭﺪه ﻣﻦ ﻓﺘﻦ وﺛﻮرات ﻗﻀﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ وأﻋﺎد اﻷﻣﻦ واﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﻟﻠﺒﻼد.
ﻏﺎرات اﻟﺮوم:
وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٣٨ھـ ﻗﺎم اﻟﺮوم ﺑﻐﺰو ﺑﺤﺮى ﻣﻔﺎﺟﺊ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ دﻣﯿﺎط ،وھﻢ اﻟﺬﯾﻦ أدﺑﮭﻢ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ وأﺧﺮﺳﮭﻢ ﻓﻰ واﻗﻌﺔ ﻋﻤﻮرﯾﺔ ،ﻟﻜﻨﮭﻢ ﺑﻌﺜﻮا
ﺑﺜﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻣﺮﻛﺐ وﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﺟﻨﺪى إﻟﻰ د ﻣﯿﺎط ،وﻗﺘﻠﻮا ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ ﺧﻠﻘًﺎ ﻛﺜﯿﺮًا ،وﺣﺮﻗﻮا اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ واﻟﻤﻨﺒﺮ ،وأﺳﺮوا ﻧﺤﻮ ﺳﺘﻤﺎﺋﺔ
اﻣﺮأة ﻣﺴﻠﻤﺔ ،وأﺧﺬوا ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﻤﺎل واﻟﺴﻼح واﻟﻌﺘﺎد ،وﻓﺮ اﻟﻨﺎس أﻣﺎﻣﮭﻢ ،وﺗﻤﻜﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺮوﻣﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ ﻣﻨﺘﺼﺮﯾﻦ.
وﻟﻢ ﺗﻤﺾِ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻐﺰو ﺣﺘﻰ ﻋﺎود اﻟﺮوم ﻋﺪواﻧﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد؛ ﻓﺄﻏﺎروا ﻋﻠﻰ ﺛﻐﺮ ﻣﻦ اﻟﺜﻐﻮر ﯾﺴﻤﻰ " ﻋﯿﻦ زرﺑﺔ" )ﺑﻠﺪ
ﺑﺎﻟﺜﻐﻮر ﻗﺮب اﻟﻤﺼﯿﺼﺔ ﺑﺘﺮﻛﯿﺎ ﺣﺼﱠﻨﮭﺎ اﻟﺮﺷﯿﺪ( ،وأﺳﺮوا ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل ،واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺘﺎع.
واﺳﺘﻤﺮت اﻟﻤﻨﺎوﺷﺎت وﻣﻌﺎرك اﻟﺤﺪود ﺑﯿﻦ اﻟﺮوم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ٢٣٨ھـ ٨٥٣-م وﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٢٤٦ھـ٨٦٠-م ﺑﻘﯿﺎدة ﻋﻠﻰ ﺑﻦ
ﯾﺤﯿﻰ اﻷرﻣﻨﻰ.
وﻛﺎن اﻟﺮوم ﻗﺪ أﺟﮭﺰوا ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ أﺳﺮى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ رﻓﻀﻮا اﻟﺘﺤﻮل إﻟﻰ اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺔ؛ ﻷن أم ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮض اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺔ
ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺎرى ﻓﺈن رﻓﻀﻮا ﺗﻘﺘﻠﮭﻢ ،وﺗﻢ ﺗﺒﺎدل اﻷﺳﺮى ﺑﻤﻦ ﺑﻘﻰ ﺣﯿّﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﺴﻨﺘﯿﻦ اﻷﺧﯿﺮﺗﯿﻦ.
وﻋﻠﻰ ﺣﺪود ﻣﺼﺮ وﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻨﻮﺑﺔ ،ﻛﺎن اﻟﻤﺼﺮﯾﻮن ﯾﻌﻜﻔﻮن ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺨﺮاج اﻟﺬھﺐ واﻟﺠﻮاھﺮ اﻟﻜﺮﯾﻤﺔ ،وإذا ﺑﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ
اﻷﺣﺒﺎش ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ "ﻋﯿﺬاب" ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺣﻤﺮ ﯾﻌﺮﻓﻮن ﺑﺎﺳﻢ " اﻟﺒﺠﺔ " ﯾﮭﺠﻤﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ،وﯾﻘﺘﻠﻮن ﻋﺪدًا ﻛﺒﯿﺮًا ﻣﻦ
ﻋﻤﺎﻟﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﯾﺄﺳﺮون ﺑﻌﺾ ﻧﺴﺎ ﺋﮭﻢ وأﻃﻔﺎﻟﮭﻢ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ أﻣﺎم ھﺬه اﻟﮭﺠﻤﺎت.
وﯾﺤﺎط اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﻤﺎ ﺣﺪث ،وﯾﺴﺘﺸﯿﺮ ﻣﻌﺎوﻧﯿﮫ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻌﺎوﻧﯿﮫ أﺧﺒﺮوه ﺑﻤﺎ ﯾﻌﺘﺮض إرﺳﺎل اﻟﺠﯿﺶ ﻣﻦ ﻋﻘﺒﺎت ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻰ أن أھﻞ
" اﻟﺒﺠﺔ " ﯾﺴﻜﻨﻮن اﻟﺼﺤﺎرى ،وﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ وﺻﻮل ﺟﯿﺶ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ إﻟﯿﮭﻢ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺮﺳﻞ إﻟﯿﮭﻢ ﻓﻰ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ،وﺗﻤﺎدى اﻟﺒﺠﺔ ﻓﻰ ﻋﺪواﻧﮭﻢ
وﺗﺠﺮءوا ،ﻓﺄﺧﺬوا ﯾُﻐﯿﺮون ﻋﻠﻰ أﻃﺮاف اﻟﺼﻌﯿﺪ ،ﺣﺘﻰ ﺧﺎف أھﻠﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ وذرﯾﺎﺗﮭﻢ ،واﺳﺘﻐﺎث أھﻞ اﻟﺼﻌﯿﺪ ﺑﺎﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ،ﻓﺠﮭﺰ ﺟﯿ ﺸًﺎ
ﺑﻘﯿﺎدة ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﻘﻤﻰ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻒ رﺟﻞ ،ﻋﻠﻰ أن ﯾﻌﯿﻨﮫ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻤﺎ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﯿﮫ اﻟﺠﯿﺶ ﻣﻦ ﻃﻌﺎم
وﺷﺮاب وﻣﺆن.
واﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﯿﺶ ﻣﻊ ھﺆﻻء اﻟﻤﺘﻤﺮدﯾﻦ اﻟﻤﻌﺘﺪﯾﻦ ،ﺣﺘﻰ ﻓﺮﻗﮭﻢ وﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻮﻋﮭﻢ ﺳﻨﺔ ٢٤١ھـ٨٥٦ /م ،ﻗﺎﺗﻠﮭﻢ اﷲ ! ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻋُﺒﱠﺎدِ
اﻷﺻﻨﺎم.
ﻋ ﱠﻤﺖ اﻟﺸﻜﻮى ،وﺗﻔﺸﻰ اﻟﻔﺴﺎد ،ﻣﺜﻠﻤﺎوﺣﺎول اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ إﺻﻼح ﻣﺎ ﻓﺴﺪ ،ﻓﺮاح ﯾﻌﺰل اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺎل اﻟﻮﻻﯾﺎت ،وﯾﺼﺎدر أﻣﻼﻛﮭﻢ ﺑﻌﺪ أن َ
ﻋﺰل ﯾﺤﯿﻰ ﺑﻦ أﻛﺜﻢ ﻋﻦ اﻟﻘﻀﺎء ،ووﻟﻰ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻜﺎﻧﮫ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻋﺰل ﻋﺎﻣﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ أﺑﺎ اﻟﻤﻐﯿﺚ اﻟﺮاﻓﻌﻰ وﻋﯿﻦ ﻣﻜﺎﻧﮫ
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪوﯾﮫ.
وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﺪ ﯾُﺤﻜﻢ ﺳﯿﻄﺮﺗﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﺎل واﻟﻮﻻة ﺣﺘﻰ ھﺒﺖ رﯾﺢ ﺳَﻤُﻮم ،أﻛﻠﺖ اﻷﺧﻀﺮ واﻟﯿﺎﺑﺲ ،وأھﻠﻜﺖ اﻟﺰرع واﻟﻀﺮع ﻓﻰ اﻟﻜﻮﻓﺔ
واﻟﺒﺼﺮة وﺑﻐﺪاد ،واﺳﺘﻤﺮت ﺧﻤﺴﯿﻦ ﯾﻮﻣًﺎ أوﻗﻔﺖ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺤﯿﺎة ،وﻗﺘﻠﺖ ﺧﻠﻘًﺎ ﻛﺜﯿﺮًا.
وﯾﺸﺎء اﷲ أن ﯾﺄﺗﻰ زﻟﺰال ﻓﯿﺆدى إﻟﻰ ﻗﺘﻞ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻟﻘﺪ ﺑﺪأت اﻟﺰﻻزل ﻓﻰ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﻮﻟﻰ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ أﻣﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ
ﺣﯿﺚ ﺗﻌﺮﺿﺖ دﻣﺸﻖ ﻟﺰﻟﺰﻟﺔ ھﺎﺋﻠﺔ ﺗﮭﺪﻣﺖ ﺑﺴﺒﺒﮭﺎ اﻟﺪور واﻟﻤﻨﺎزل ،وھﻠﻚ ﺗﺤﺘﮭﺎ ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮ.
واﻣﺘﺪت اﻟﺰﻟﺰﻟﺔ إﻟﻰ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ﻓﮭﺪﻣﺘﮭﺎ ،وإﻟﻰ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮاﻗﯿﺔ ﻓﻘﻀﺖ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وإﻟﻰ اﻟﻤﻮﺻﻞ ﻓﺄدت إﻟﻰ وﻓﺎة ﺧﻤﺴﯿﻦ أﻟﻔًﺎ .وﻓﻰ ﺳﻨﺔ
٢٤٢ھـ ٨٥٧ /م ،زُْﻟﺰِﻟَﺖ اﻷرض زَﻟْﺰﻟَﺔً ﻋﻈﯿﻤﺔ " ﺑﺘﻮﻧﺲ " وﺿﻮاﺣﯿﮭﺎ ،و " اﻟﺮﱠى" و "ﺧﺮاﺳﺎن " ،و " ﻧﯿﺴﺎﺑﻮر" ،و"ﻃﺒﺮﺳﺘﺎن "،
و "أﺻﺒﮭﺎن " ،وﺗﻘﻄﻌﺖ اﻟﺠﺒﺎل ،وﺗﺸﻘﻘﺖ اﻷرض ،وﻣﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮون.
أﻣﺎ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٤٥ھـ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺜﺮت اﻟﺰﻻزل ،وﺷﻤﻠﺖ أﻣﺎﻛﻦ ﻋﺪﯾﺪة ﺣﺘﻰ ﻗﯿﻞ :إﻧﮭﺎ ﻋﻤﺖ اﻟﺪﻧﯿﺎ .وﻛﺎن ﻻﺑﺪ أن ﺗﺼﺎب اﻟﺤﯿﺎة ﺑﺎﻟﺸﻠﻞ ،وﯾﻌﻢ
اﻟﺨﺮاب واﻟﺪﻣﺎر واﻟﺒﺆس.
ھﺬا ھﻮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ،وھﺬا ھﻮ ﻋﺼﺮه ،ﯾﻘﻮل أﺣﺪ اﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ إﻟﯿﮫ :ﻗﺎل اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ :إذا ﺧﺮج ﺗﻮﻗﯿﻌﻰ إﻟﯿﻚ ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻠﻨﺎس ،ورﻓﻖ
ﺑﺎﻟﺮﻋﯿﺔ ،ﻓﺄﻧﻔ ﺬْه وﻻ ﺗﺮاﺟﻌﻨﻰ ﻓﯿﮫ ،وإذا ﺧﺮج ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮫ ﺣَﯿْﻒ )ﻇﻠﻢ( ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻋﯿﺔ ﻓﺮاﺟﻌﻨﻰ؛ ﻓﺈن ﻗﻠﺒﻰ ﺑﯿﺪ اﷲ-ﻋﺰ وﺟﻞ.-
ﯾﻘﻮل اﻟﻤﺆرﺧﻮن :إن اﻟﺨ ﻼﻓﺔ ﻃﺒﻌﺖ ﻓﻰ ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﺑﻄﺎﺑﻊ اﻟﻮھﻦ واﻟﻀﻌﻒ ﻻزدﯾﺎد ﻧﻔﻮذ اﻷﺗﺮاك ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﺧﻠﻔﺎء
ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻣﺴﻠﻮﺑﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ ،ﺿﻌﯿﻔﻰ اﻹرادة ،ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺪﺧﻞ اﻷﺗﺮاك ﻓﻰ ﺷﺌﻮن اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺗﻨﺼﯿﺐ ﻣﻦ ﯾﺸﺎءون ،وﻋﺰل ﻣﻦ
٣٣
ﯾﺸﺎءون ،أو ﻗﺘﻠﮫ ،ﻛﻤﺎ ﻃﺒﻊ ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﺑﻄﺎﺑﻊ ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻰ ﺷﺌﻮن اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻛﺜﺮة ﺗﻮﻟﯿﺔ اﻟﻮزراء وﻋﺰﻟﮭﻢ ،وﺗﻮﻟﯿﺔ اﻟﻌﮭﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ
واﺣﺪ ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﻗﯿﺎم اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺑﯿﻦ أﻣﺮاء اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻮاﺣﺪ.
ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ) ٢٤٧ھـ ٨٦١/م( وﻟﱠﻰ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ أوﻻده اﻟﺜﻼﺛﺔ :اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ،واﻟﻤﻌﺘﺰ ،واﻟﻤﺆﯾّﺪ اﻟﻌﮭﺪ ،وﻗﺪم اﺑﻨﮫ اﻟﻤﻌﺘﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ،ﻓﺄدى ذﻟﻚ
إﻟﻰ اﻏﺘﯿﺎل اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﺑﯿﺪ اﺑﻨﮫ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ،وﺗﺤﺮﯾﺾ اﻷﺗﺮاك.
وﻻ ﻋﺠﺐ ،ﻓﻘﺪ ﺣﺎول ﺑﻌﺾ ھﺆﻻء اﻷﺗﺮاك اﻏﺘﯿﺎل ھﺬا اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﺪﻣﺸﻖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻔﻠﺤﻮا ،ﻓﺎﻧﺘﮭﺰوا ﻓﺮﺻﺔ ﻏﻀﺐ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ
ﻋﻠﻰ أﺑﯿﮫ واﻧﻀﻤﻮا إﻟﯿﮫ ،وﻗﺘﻠﻮه ،وﯾﺠﻠﺲ اﻻﺑﻦ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ﻣﻜﺎن أﺑﯿﮫ ،وﯾﻨﻀﻢ إﻟﯿﮫ اﻷﺗﺮاك ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ أﺧﻮﯾﮫ ﻟﻜﯿﻼ
ﯾﻨ ﺘﻘﻤﺎ ﻣﻨﮫ ﻷﺑﯿﮭﻤﺎ وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻤﻌﺘﺰ.
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻗﺼﺮ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ) ٢٤٨ -٢٤٧ھـ( ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ وأﯾﺎﻣًﺎ ،ﻓﺈن اﻷﺗﺮاك ﻋﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻮﯾﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ
أﺑﻨﺎء اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ إﻟﻰ أﺑﻨﺎء اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ،ﻓﻮﻟﻮا أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ وﻟﻘﺒﻮه ﺑـﺎﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ.
وﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﺗﻔﺎﻗﻢ ﻧﻔﻮذ اﻷﺗﺮاك وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ" :ﺑُ ﻐَﺎ اﻟﻜﺒﯿﺮ" ،و "ﺑﻐﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ" ،و "أﺗﺎﻣﺶ " ،و " ﺑﺎﻏﺮ" ،وﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ ﺑﻌﺾ ھﺆﻻء اﻷﺗﺮاك
اﻟﺬﯾﻦ أﺟﻠﺴﻮا ھﺬا اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش أن اﻧﻘﻠﺒﻮا ﻋﻠﯿﮫ ﺑﻌﺪﻣﺎ أﺷﯿﻊ ﻋﻦ ﻋﺰﻣﮫ اﻟﻔﺘﻚ ﺑﮭﻢ ،وﻣﻦ ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﺘﻦ وﺣﺮوب ،واﻧﺘﮭﻰ اﻷﻣﺮ
ﺑﻌﺰل اﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ وﺗﻮﻟﯿﺔ اﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ.
وﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ اﻷﺗﺮاك ﺑﻌﺰل اﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ وﻧﻔﯿﮫ إﻟﻰ "واﺳﻂ" ،ﺑﻞ ﻗﺘﻠﻮه .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ -رﺣﻤﮫ اﷲ -ﻣﺴﺘﻀﻌﻔًﺎ ﻓﻰ رأىﮫ وﺗﺪﺑﯿﺮه ،وﻟﻢ
ﯾﻜﻦ ﻟﮫ ﺣﯿﻠﺔ ﻣﻊ اﻷﻣﺮاء اﻷﺗﺮاك.
ذھﺐ اﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ وﺟﺎء اﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ،وﻛﺎن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪ أﻟﻌﻮﺑﺔ ﻓﻰ أﯾﺪى اﻷﺗﺮاك ،ﻣﺴﻠﻮب اﻟﺴﻠﻄﺔ ،ﻣﻜﺴﻮر اﻟﺠﻨﺎح !
وﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﺈن وﺟﻮده ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺮﺿﺎ أوﻟﺌﻚ اﻷﺗﺮاك ﻋﻨﮫ ،وﯾﺎوﯾﻠﮫ إن ﻏﻀﺒﻮا ﻋﻠﯿﮫ !
ﻟﻘﺪ ﺗﻐﻠﻐﻞ ﻧﻔﻮذھﻢ ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﺗﺴﻠﻄﻮا ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎة اﻟﺨﻠﻔﺎء .وﻛﺎن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻌﺘﺰ ﯾﺨﺎف ﻣﻨﮭﻢ ،وﻻ ﯾﮭﻨﺄ ﺑﺎﻟﻨﻮم ،وﻻ ﯾﺨﻠﻊ ﺳﻼﺣﮫ ﻓﻰ ﻟﯿﻞ
وﻻ ﻧﮭﺎر ،ﺧﻮﻓًﺎ ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻷﺗﺮاك وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ "ﺑﻐﺎ اﻟﺼﻐﯿﺮ".
اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ واﻟﻔﺮاﻏﻨﺔ:
ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﻣﺎﻣﮫ إﻻ أن ﯾﺴﺘﻌﯿﻦ ﺑﺎﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ واﻟﻔﺮاﻏﻨﺔ ﻟﻠﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك اﻟﺬﯾﻦ ﻋﻤﻠﻮا ﺑﺪورھﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﮫ ،وﻃﺎﻟﺒﻮه ﺑﺮواﺗﺒﮭﻢ،
وﺛﺎروا ﻓﻰ وﺟﮭﮫ ،وﻗﺒﻀﻮا ﻋﻠﯿﮫ ،وﻗﺘﻠﻮه ﺑﻌﺪ أن ﻣﺜﻠﻮا ﺑﮫ.
ﺳﯿﻄﺮة اﻷﺗﺮاك:
ﻟﻘﺪ ودﻋﻨﺎ اﻟﻤﻌﺘﺰ ﻟﻨﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻤﮭﺘﺪى .وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻓﺮﯾﺪًا ﺑﯿﻦ ﺧﻠﻔﺎء ﻋﺼﺮه ،وﻻ ﻣﺘﻤﯿﺰًا ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻛﻐﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ اﻷواﺧﺮ،
أﻟﻌﻮﺑﺔ ﻓﻰ أﯾﺪى أوﻟﺌﻚ اﻷﺗﺮاك وﺧﺎﺻﺔ "ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺑﻐﺎ" ،وﻟﯿﺲ أدل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ أن ﻛﺘﺎب ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺒﺮﯾﺪ " ﺑﮭﻤﺬان " ﻟﻤﺎ ورد ﻋﻠﻰ
اﻟﻤﮭﺘﺪى ﺑﻔﺼﻞ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺑﻐﺎ ﻋﻨﮭﺎ )وھﻰ ﺛﻐﺮ ﻣﻦ ﺛﻐﻮر ﺑﻼد اﻹﺳﻼم( رﻓﻊ اﻟﻤﮭﺘﺪى ﯾﺪﯾﮫ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﺑﻌﺪ أن ﺣﻤﺪ اﷲ وأﺛﻨﻰ
ﻋﻠﯿﮫ " :اﻟﻠﮭﻢ إﻧﻰ أﺑﺮأ إﻟﯿﻚ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺑﻐﺎ وإﺧﻼﻟﮫ ﺑﺎﻟﺜﻐﺮ وإﺑﺎﺣﺘﮫ اﻟﻌﺪو ،ﻓﺈﻧﻰ ﻗﺪ أﻋﺬرت إﻟﯿﮫ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﻰ وﺑﯿﻨﮫ ،اﻟﻠﮭﻢ ﺗﻮلﱠ ﻛﯿﺪ
ﻣﻦ ﻛﺎﯾﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،اﻟﻠﮭﻢ اﻧﺼﺮ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺣﯿﺚ ﻛﺎﻧﻮا ،اﻟﻠﮭﻢ إﻧﻰ ﺷﺎﺧﺺ ﺑﻨﯿﺘﻰ واﺧﺘﯿﺎرى إﻟﯿﻚ ﺣﯿﺚ ﻧﻜﺐ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﯿﮫ،
ﻧﺎﺻﺮًا ﻟﮭﻢ وداﻓﻌًﺎ ﻋﻨﮭﻢ ،اﻟﻠﮭﻢ ﻓﺄْﺟﺮﻧﻰ ﺑﻨﯿﺘﻰ إذ ﻋﺪﻣﺖ ﺻﺎﻟﺢ اﻷﻋﻮان .ﺛﻢ اﻧﺤﺪرت دﻣﻮﻋﮫ واﺳﺘﻐﺮق ﻓﻰ اﻟﺒﻜﺎء.
وإن ﻛﺎن ﯾﻤﺘﺎز ﺑﺸﻰء ﻓﺈﻧﮫ ﻛﺎن أﺣﺴﻨﮭﻢ ﺳﯿﺮة وأﻇﮭﺮھﻢ ورﻋًﺎ ،وأﻛﺜﺮھﻢ ﻋﺒﺎدة ﺣﺘﻰ إﻧﮫ ﺗﺸﺒﮫ ﺑﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻌﺰﯾﺰ ،وﺟﻠﺲ ﻟﻠﻤﻈﺎﻟﻢ،
وﺣﺎول أن ﯾﺴﺘﻌﯿﻦ ﺑﺒﻌﻀﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ،ﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺤﻘﻖ ﻣﺎ ﯾﺮﯾﺪ وزﻣﺎم اﻟﺠﯿﺶ ﻓﻰ ﯾﺪ اﻷﺗﺮاك ،وﻻﻧﺘﻘﺎض
" ﺑﺎﯾﻜﺒﺎك" ﻋﻠﯿﮫ وﻛﺎن ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻧﺼﯿﺮه ،واﻧﻀﻤﺎﻣﮫ إﻟﻰ "ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺑﻐﺎ".
ﻋﻠَﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺑﻐﺎ وﺑﺎﯾﻜﺒﺎك ﺑﺎﻟﻔﺮاﻏﻨﺔ واﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ،ودارت ﺑﯿﻦ اﻟﻤﮭﺘﺪى وأﻋﻮاﻧﮫ وﺑﯿﻦ ﺑﺎﯾﻜﺒﺎك واﻗﻌﺔ اﻧﺘﮭﺖ
وﻗﺪ اﺳﺘﻌﺎن اﻟﻤﮭﺘﺪى َ
ﺑﮭﺰﯾﻤﺔ اﻟﻤﮭﺘﺪى وأﻋﻮاﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاﻏﻨﺔ واﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ وﻓﺮارھﻢ ،وﻓﺮ اﻟﻤﮭﺘﺪى ھﺎرﺑًﺎ إﻟﻰ دار أﺑﻰ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﯾﺰداد ﻓﺪﺧﻠﮭﺎ وﻧﺰع ﺛﯿﺎﺑﮫ
وﺳﻼﺣﮫ ،ﻓﺬھﺐ إﻟﯿﮫ ﻧﺤﻮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﯿﻦ رﺟﻼ ﻓﺄﺧﺬوه ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ وھﻮ ﺟﺮﯾﺢ وﻋﺬﺑﻮه ﺣﺘﻰ ﻣﺎت ﺑﻌﺪھﺎ ﺑﯿﻮﻣﯿﻦ ﺳﻨﺔ ٢٥٦ھـ٨٧٠ /م.
٣٤
أﻣﺎ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪ وھﻮ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ،ﻓﻘﺪ اﻋﺘﻠﻰ اﻟﻌﺮش ﻋﻠﻰ أﯾﺪى اﻷﺗﺮاك اﻟﺬﯾﻦ أﺧﺮﺟﻮه ﻣﻦ
" اﻟﺠﻮﺳﻖ " اﻟﺬى ﺣﺒﺴﮫ ﻓﯿﮫ اﻟﻤﮭﺘﺪى ،وﻛﺎن ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل اﻟﺴﯿﻮﻃﻰ" :أول ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻗﮭﺮ وﺣﺠﺮ ﻋﻠﯿﮫ ووُﻛﱢﻞ ﺑﮫ ".
وﻻ ﻋﺠﺐ ﻓﻘﺪ ﺷﻞ أﺧﻮه " أﺑﻮ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻮﻓﻖ ﻃﻠﺤﺔ" ﯾﺪه ﻋﻦ ﻣﺒﺎﺷﺮة أﻣﻮر اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ ﻣﺴﻠﻮب اﻹرادة ،وﻛﺎﻧﺖ دوﻟﺘﮫ ﻋﺠﯿﺒﺔ
اﻟﻮﺿﻊ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﻮ وأﺧﻮه اﻟﻤﻮﻓﻖ ﻛﺎﻟﺸﺮﯾﻜﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻟﻠﻤﻌﺘﻤﺪ اﻟﺨﻄﺒﺔ واﻟﺴﻜﺔ واﻟﺘﺴﻤﻰ ﺑﺈﻣﺮة اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ وﻷﺧﯿﮫ ﻃﻠﺤﺔ اﻷﻣﺮ
واﻟﻨﮭﻰ ،وﻗﯿﺎدة اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ،وﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻷﻋﺪاء ،وﻣﺮاﺑﻄﺔ اﻟﺜﻐﻮر ،وﺗﺮﺗﯿﺐ اﻟﻮزراء واﻷﻣﺮاء ،وﻛﺎن اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻣﺸﻐﻮﻻ ﻋﻨﮫ ﺑﻠﺬاﺗﮫ ،وﻛﺎن
أﺧﻮه اﻟﻤﻮﻓﻖ أﻣﯿﺮ ﺟﯿﻮﺷﮫ وﺻﺎﺣﺐ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻰ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﺛﻮرة اﻟﺰﻧﻮج ،وأﻣﺎم ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻐﺮﯾﺐ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﻣﺎم اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ إﻻ أن
ﯾﺘﺮﺿﻰ اﻷﺗﺮاك ،وﯾﺼﺎﻧﻌﮭﻢ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻗﺎﺋﺪھﻢ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺑﻐﺎ ،وﻗﺴﻢ دوﻟﺘﮫ ﺑﯿﻦ اﺑﻨﮫ ﺟﻌﻔﺮ وﺳﻤﺎه اﻟﻤﻔﻮض وﺧﺼﮫ ﺑﺎﻟﺒﻼد اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،وﺿﻢ
إﻟﯿﮫ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﺑﻐﺎ ﻓﺤﻜﻤﮭﺎ ﺑﺎﺳﻤﮫ ،ووﻟﻰ أﺧﺎه أﺑﺎ أﺣﻤﺪ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻌﺪ اﺑﻨﮫ اﻟﻤﻔﻮض ،وﺳﻤﺎه اﻟﻤﻮﻓﻖ ،وﺧﺼﮫ ﺑﺎﻟﺒﻼد اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ،وﺑﺬﻟﻚ
ﺿﻌﻔﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ اﻟﺬى أﺻﺒﺢ ﻣﺴﻠﻮب اﻟﺴﻠﻄﺔ أﻣﺎم أﺧﯿﮫ اﻟﻤﻮﻓﻖ واﻷﺗﺮاك .وﻟﻘﺪ ﺷﮭﺪ ﻋﺼﺮه ﺛﻮرة اﻟﺰﻧﺞ اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻤﺮت
أرﺑﻊ ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ وأرﺑﻌﺔ أﺷﮭﺮ ،وراح ﺿﺤﯿﺘﮭﺎ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،وأﻣﻜﻦ ﻓﻰ ﻋﮭﺪه اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٢٧٠ھـ٨٨٤ /م.
ﻛﻤﺎ ﺷﮭﺪت آﺧﺮ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺛﻮرة " اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ" ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ وﻗﺪ ﺗﺤﺮﻛﻮا ﺳﻨﺔ ٢٧٨ھـ٨٩١ /م ،وھﻢ ﯾﻨﺴﺒﻮن إﻟﻰ ﻗﺮﻣﻂ ﺑﻦ اﻷﺷﻌﺚ،
وﻗﺪ اﺳﺘﺠﺎب ﻟﮫ ﺟﻤﻊ ﻛﺜﯿﺮ ،وﺗﻌﺪ ﻓﺮﻗﺔ اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻧﺎدﻗﺔ ﻻﻧﺤﺮاف ﺗﻔﻜﯿﺮھﻢ ،وﺣﺮﺻﮭﻢ ﻋﻠﻰ ھﺪم اﻟﺪﯾﻦ اﻹﺳﻼﻣﻰ واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮫ.
وﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺠﯿﺐ أن ﻧﺮى اﻟﻘﻮى اﻟﮭﺪاﻣﺔ ﺗﺘﻌﺎون ﻋﻠﻰ ھﺪم اﻹﺳﻼم ،ﻓﻘﺪ ﺳﺎر ﻗﺮﻣﻂ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺰﻧﺞ ﻗﺒﻞ ھﻼﻛﮫ ﻟﯿﺘﻔﻖ ﻣﻌﮫ ﻋﻠﻰ ھﺪم
اﻹﺳﻼم وﺗﺨﺮﯾﺐ دﯾﺎره ،وﻗﺪ ﺗﺤﺮﻛﺖ ﺟﻤﻮﻋﮭﻢ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺤﺠﺎز ودﺧﻠﻮا اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام ،وﺳﻔﻜﻮا دم اﻟﺤﺠﯿﺞ ،واﻗﺘﻠﻌﻮا اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد،
وذھﺒﻮا ﺑﮫ إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ ﺳﻨﺔ ٣١٧ھـ٩٢٩ /م.
أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺮوم ﻓﻘﺪ أﻗﺪﻣﺖ اﻟﺮوم ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٥٩ھـ٨٧٣/م ﻋﻠﻰ ﻣﮭﺎﺟﻤﺔ " ﺳﻤﯿﺴﺎط" ،ﺛﻢ "ﻣﻠﻄﯿﺔ" ﻣﻦ ﻣﺪن اﻟﺜﻐﻮر ،وﻟﻜﻦ أھﻠﮭﻤﺎ
ﻗﺎﺗﻠﻮا ﻋﻨﮭﻤﺎ ﻗﺘﺎﻻ ﺷﺪﯾﺪًا ،وھﺰﻣﻮا اﻟﺮوم ،ﺑﻞ وﻗﺘﻠﻮا ﺑﻄﺮﯾﻘًﺎ ﻣﻦ ﺑﻄﺎرﻗﺔ اﻟﺮوم ﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻐﺎزى ﯾﺒﺎرك ﺧﻄﻮاﺗﮫ !
وﻇﻠﺖ اﻟﺤﺮب ﺳﺠﺎﻻ ﺑﯿﻦ اﻟﺮوم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻨﺔ ٢٧٠ھـ٨٨٤ /م ؛ ﺣﯿﺚ اﻧﺘﺼﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن اﻧﺘﺼﺎرًا ﺳﺎﺣﻘًﺎ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ
٢٧٠ھـ ٨٨٤/م ﻋﻠﻰ اﻟﺮوم ﺣﯿﻦ أﻗﺒﻠﻮا ﻓﻰ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ ،وﻧﺰﻟﻮا ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﻣﻦ "ﻃﺮﺳﻮس " ،ﻓﺨﺮج إﻟﯿﮭﻢ ﯾﺎزﻣﺎن اﻟﺨﺎدم ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﻮا ﻣﻨﮭﻢ
ﺳﺒﻌﯿﻦ أﻟﻔًﺎ ،وﻗﺘﻞ ﻗﺎﺋﺪھﻢ اﻟﺬرﯾﺎس وھﻮ ﺑﻄﺮﯾﻖ اﻟﺒﻄﺎرﻗﺔ ،وﺟﺮح أﻛﺜﺮ اﻟﺒﺎﻗﯿﻦ ،وﻏﻨﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻏﻨﺎﺋﻢ ﻋﻈﯿﻤﺔ ،ﻣﻨﮭﺎ ﺻﻠﺒﺎﻧﮭﻢ اﻟﺬھﺒﯿﺔ
اﻟﻤﻜﻠﻠﺔ ﺑﺎﻟﺠﻮاھﺮ.
وھﻜﺬا ﻃﺎﻟﺖ أﯾﺎم ﻣﻠﻚ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ .واﻟﺤﻖ ﯾﻘﺎل :إن أﺧﺎه " اﻟﻤﻮﻓﻖ " ﻋﺎوﻧﮫ ﻣﻌﺎوﻧﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﻗﮭﺮ أﻋﺪاﺋﮫ.
ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻋﻤﮫ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ .ﯾﻘﻮل اﻟﻤﺆرﺧﻮن :ﻟﻤﺎ وﻟﻰ " اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ" ﺣﺴﻨﺖ آﺛﺎره ،وﻋﻤﺮ اﻟﺪﻧﯿﺎ ،وﺿﺒﻂ اﻷﻃﺮاف ،وأﺣﺴﻦ
اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ .وﻗﯿﻞ :إﻧﮫ أﻓﻀﺖ إﻟﯿﮫ اﻟﺨﻼﻓﺔ وﻟﯿﺲ ﻓﻰ اﻟﺨﺰاﻧﺔ إﻻ ﺳﺒ ﻌﺔ ﻋﺸﺮ درھﻤًﺎ ،وﻣﺎت وﺧﻠّﻒ ﻣﺎ ﯾﺰﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻒ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر.
رﺣﻤﮫ اﷲ ،ﻓﻔﻰ ﻋﮭﺪه اﻧﺘﻌﺸﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،ودﺑﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﯿﺎة ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﻮﯾﺔ ﻣﮭﯿﺒﺔ ﺗﺨﺸﺎھﺎ اﻟﺪول.
وﯾﻘﻮل اﻹﻣﺎم اﻟﺴﯿﻮﻃﻲ " :ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﯾﺎﻣﮫ ﻃﯿﺒﺔ ،ﻛﺜﯿﺮة اﻷﻣﻦ واﻟﺮﺧﺎء ،وﻛﺎن ﻗﺪ أﺳﻘﻂ اﻟﻤﻜﻮ س -ﻣﺎ ﯾﺸﺒﮫ اﻟﻀﺮاﺋﺐ ﻓﻰ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ-
،وﻧﺸﺮ اﻟﻌﺪل ،ورﻓﻊ اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﺮﻋﯿﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺴﻤﻰ اﻟﺴﻔﺎح اﻟﺜﺎﻧﻰ ﻷﻧﮫ ﺟﺪد ﻣﻠﻚ ﺑﻨﻰ ﻋﺒﺎس ،وﻛﺎن ﻣﻦ ذوى اﻟﺮأى واﻟﺼﻼح.
ﻟﻘﺪ ﻣﺎت " اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ" و " اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ" ﻣﻦ ﻗﺒﻠﮫ ،ﻣﯿﺘﺔ ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ ﺑﻌﻜﺲ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺬ ﯾﻦ ﻓﺘﻚ ﺑﮭﻢ اﻷﺗﺮاك ،وﻗﺪ آﻟﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ إﻟﻰ
اﺑﻨﮫ أﺑﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺬى ﺗﻠﻘﺐ ﺑـ "اﻟﻤﻜﺘﻔﻰ ﺑﺎﷲ " ﺳﻨﺔ ٢٨٩ھـ ٩٠٢ /م ،واﺳﺘﻤﺮت ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٢٩٥ھـ٩٠٨ /م.
وﻟﻘﺪ ﺑﺪأ ﻋﮭﺪه ﺑﺪاﯾﺔ ﻃﯿﺒﺔ؛ ﻓﺄﻣﺮ ﺑﮭﺪم اﻟﻤﻄﺎﻣﯿﺮ " اﻟﺴﺠﻮن " اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺪة ﻟﻠﻤﺴﺠﻮﻧﯿﻦ ،وأﻣﺮ ﺑﺒﻨﺎء ﺟﺎﻣﻊ ﻣﻜﺎﻧﮭﺎ ،وأﻣﺮ ﺑﺮد اﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ
واﻟﺤﻮاﻧﯿﺖ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﺧﺬت ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس؛ ﻓﺄﺣﺒﮫ اﻟﻨﺎس ﻟﺴﯿﺮﺗﮫ اﻟﺤﺴﻨﺔ ،وأﻋﻤﺎﻟﮫ اﻟﻤﺠﯿﺪة.
وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﯾﺨﻞُ ﻋﮭﺪه -ﻛﺴﺎﺑﻘﯿﮫ -ﻣﻦ ﺛﻮرات ،واﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﺜﻮرات ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻣﺘﺠﺪد ،وﻋﺪوان اﻟﺮوم ﻣﺘﻮاﺻﻞ ،وﻻ ﯾﻜﺎد ﺧﻠﯿﻔﺔ
ﯾﺘﻔﺮغ ﻟﻺﺻﻼح واﻟﺘﻌﻤﯿﺮ ﺣﺘﻰ ﯾﻔﺎﺟﺄ ﺑﻤﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻮرات ،وذﻟﻚ اﻟﻌﺪوان ،إﻧﮭﺎ اﻟﻤﺆاﻣﺮات ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،اﻟﺘﻰ ﺗﺴﺘﮭﺪف إﻋﺎﻗﺔ
اﻟﻤﺴﯿﺮة ،وھﺪم اﻟﺪوﻟﺔ ،وإﻓﺴﺎد اﻟﻌﻘﯿﺪة.
ﻟﻘﺪ ﺣﺎﺻﺮ " اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ" دﻣﺸﻖ ،وﺿﯿﻘﻮا ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ أﺷﺮف أھﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﻼك ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٩٠ھـ٣٠٣ /م ،وﺗﻮاﺻﻞ ﻋﺪواﻧﮭﻢ
ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﺠﺎورة ،وﺧﺮﺟﺖ ﺟﯿﻮش ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ دﻣﺸﻖ ،وﺗﺤﺮﻛﺖ ﻧﺠﺪة ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد ،وﻛﺎن اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﻗﺪ ﻋﺎﺛﻮا ﻓﻰ اﻷرض
ﻓﺴﺎدًا وﻗﺘﻠﻮا اﻟﺤﺠﺎج ،واﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻰ أﻋﺮاض اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت ،وﻗﻮﯾﺖ ﺷﻮﻛﺘﮭﻢ ،وﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ اﻟﻨﺠﺪات ﺳﺤﻘﮭﻢ وﻗﻄﻊ داﺑﺮھﻢ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ
٢٩١ھـ ٣٠٤ /م؛ ﺣﯿﺚ اﺳﺘﻄﺎع ﺟﯿﺶ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أن ﯾﺮد ﻛﯿﺪھﻢ ﻓﻰ ﻧﺤﺮھﻢ ،وﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻤﮭﻢ ﺑﻌﺪ أن ﺑﻠﻐﮫ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮه ﺑﺎﻟﺤﺠﺎج.
٣٥
وأﻏﺎر اﻟﺮوم ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد ،وﻛﺎن اﻟﺮد ﺣﺎﺳﻤًﺎ وﻋﻨﯿﻔًﺎ ،وﺧﺘﻤﺖ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺮوم ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻜﺘﻔﻰ ،ﺑﺘﺒﺎدل اﻷﺳﺮى
وﻓﺪاﺋﮭﻢ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻨﻘﺬ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻧﺴﻤﺔ ﻣﻦ أﯾﺪى اﻟﺮوم ﻣﺎ ﺑﯿﻦ رﺟﺎل وﻧﺴﺎء وأﻃﻔﺎل.
زﻟﺰال ورﯾﺢ وﻓﯿﻀﺎن:
رﺣﻢ اﷲ اﻟﻤﻜﺘﻔﻰ ﻟﻢ ﯾﺴﻠﻢ ﻋﮭﺪه ﻣﻦ زﻟﺰﻟﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ھﺰت ﺑﻐﺪاد ﻛﻠﮭﺎ ،وداﻣﺖ أﯾﺎﻣًﺎ ،وذھﺐ ﺿﺤﯿﺘﮭﺎ ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮ ،وھﺒﺖ رﯾﺢ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮة ﻟﻢ
ُﯾﺮَ ﻣﺜﻠﮭﺎ ،وزادت ﻣﯿﺎه دﺟﻠﺔ زﯾﺎدة ﻛﺒﯿﺮة ﻓﻔﺎض اﻟﻤﺎء وأﻏﺮق اﻷرض ،وﺧﺮب اﻟﺪﯾﺎر واﻟﺰروع ،ﻟ ﻘﺪ داﻣﺖ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻜﺘﻔﻰ ﺳﺖ ﺳﻨﻮات
وﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ،وﻟﻘﻰ رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ٢٩٥ھـ٩٠٨ /م ،وروى أﻧﮫ ﻗﺎل ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺗﮫ :واﷲ ﻣﺎ آﺳﻰ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر ﺻﺮﻓﺘﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﺎل
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ أﺑﻨﯿﺔ ﻣﺎ اﺣﺘﺠﺖ إﻟﯿﮭﺎ ،وﻛﻨﺖ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﺴﺘﻐﻨﯿًﺎ ،أﺧﺎف أن أﺳﺄل ﻋﻨﮭﺎ ،وإﻧﻰ أﺳﺘﻐﻔﺮ اﷲ ﻣﻨﮭﺎ.
وﻟﻤﺎ ﺣﻀﺮت اﻟﻤﻜﺘﻔﻰ اﻟﻮﻓﺎة ،أﺣﻀﺮ أﺧﺎه " اﻟﻤﻘﺘﺪر" وﻓﻮض إﻟﯿﮫ أﻣﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،وأﺷﮭﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻘﻀﺎة.
ﺗﺮى ﻛﻢ ﻛﺎن ﻋﻤﺮ ھﺬا " اﻟﻤﻘﺘﺪر" ﺣﯿﻦ ﻋﮭﺪ إﻟﯿﮫ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﺧﻼﻓﺔ أﻛﺒﺮ دوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض آﻧﺬاك ؟
ﻛﺎن ﻋﻤﺮه ﺛﻼث ﻋﺸﺮة ﺳﻨﺔ وﺷﮭﺮًا واﺣﺪًا وواﺣﺪًا وﻋﺸﺮﯾﻦ ﯾﻮﻣًﺎ .وﻟﻢ ﯾﻞِ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻗﺒﻠﮫ ﻣﻦ ھﻮ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﮫ.
وﯾﺮﺟﻊ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻰ اﺧﺘﯿﺎره إﻟﻰ ﺻﻐﺮ ﺳﻨﮫ ﻟﯿﻜﻮن أﺳﻠﺲ ﻗﯿﺎدًا ،وﻟﻜﻦ " اﻟﻤﻘﺘﺪر" ﻟﻢ ﯾﻠﺒﺚ أن ﺧﻠﻊ ،وﺑﻮﯾﻊ "ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰ" وﻟﻘﺐ
" اﻟﻐﺎﻟﺐ ﺑﺎﷲ " ،إﻻ أن أﺗﺒﺎع اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺨﻠﻮع أﻋﺎدوه إﻟﻰ اﻟﻌﺮش ،وﻟﻢ ﯾﻤﻜﺚ " ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰ" اﻟﺬى ﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮًا رﻗﯿﻘًﺎ ﻓﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ
إﻻ ﻟﯿﻠﺔ واﺣﺪة.
ﻧﺤﻦ اﻵن إذن ﻣﻊ " اﻟﻤﻘﺘﺪر" وﻋﮭﺪه ،ﯾﻘﻮل اﻟﻤﺆرﺧﻮن :إن ﻋﮭﺪه ﻛﺎن ﻋﮭﺪ ﻓﺘﻦ وﻗﻼﻗﻞ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺮك اﻟﻨﺴﺎء ﯾﺘﺪﺧﻠﻦ ﻓﻰ أﻣﻮر اﻟﺪوﻟﺔ،
وﯾﺼﺮﱢﻓﻦ ﺷﺌﻮﻧﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ ذﻛﺮ اﺑﻦ اﻷﺛﯿﺮ أن ھﺬا اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﺷﺘﮭﺮ ﺑﻌﺰل وزراﺋﮫ ،واﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،واﻟﺮﺟﻮع إﻟﻰ ﻗﻮل اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺨﺪم،
واﻟﺘﺼﺮف ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻀﻰ آراﺋﮭﻦ .وﻻﻋﺠﺐ ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ اﻷﻣﺮ واﻟﻨﮭﻰ ﺑﯿﺪ أﻣﮫ اﻟﺘﻰ ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﻤﺆرﺧﻮن اﺳﻢ " اﻟﺴﯿﺪة ".
ﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﻮزراء ،إن أﻗﻞ ﻣﺼﯿﺮ ﯾﻨﺘﻈﺮه ھﻮ اﻟﻌﺰل ،وﻻ ﺗﺴﻞ ﻋﻦ اﻷﺣﻮال ،ﻓﺎﻟﺨﻄﺎب ﯾﻘﺮأ ﻣﻦ ﻋﻨﻮاﻧﮫ؛ ﻟﻘﺪ وﯾﺎ وﯾﻞ ﻣﻦ ﻏَﻀِ َ
اﺿﻄﺮﺑﺖ أﺣﻮال اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ " اﻟﻤﻘﺘﺪر" ﻓﺨﺮج ﻋﻠﯿﮫ " ﻣﺆﻧﺲ اﻟﺨﺎدم" أﺣﺪ اﻟﻘﻮاد ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣١٧ھـ٩٢٩ /م ،وأرﻏﻢ ھﺬا
اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﺮب ،وﺑﺎﯾﻊ ھﻮ وﻏﯿﺮه ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ" وﻟﻘﺒﻮه " :اﻟﻘﺎھﺮ ﺑﺎﷲ " ،وﻃﻠﺐ اﻟﺠﻨﺪ أرزاﻗﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﻮﻗﺖ
اﻟﺬى ﻗﺎﻣﺖ ﻓﯿﮫ اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت ﺑﺘﻘﻠﯿﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ،وﺣﻤﻠﻮا اﻟﻤﻘﺘﺪر ﻋﻠﻰ أﻋﻨﺎﻗﮭﻢ ،وردوه إﻟﻰ دار اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻋﺰﻟﻮا اﻟﻘﺎھﺮ ،ﻓﺄﺧﺬ
ﯾﺒﻜﻰ وﯾﻘﻮل :اﷲ اﷲ ﻓﻰ ﻧﻔﺴﻰ !
وھﻨﺎ اﺳﺘﺪﻧﺎه " اﻟﻤﻘﺘﺪر" وﻗﺒﻠﮫ ،وﻗﺎل ﻟﮫ :ﯾﺎ أﺧﻰ ،أﻧﺖ واﷲ ﻻذﻧﺐ ﻟﻚ ،واﷲ ﻻ ﺟﺮى ﻋﻠﯿﻚ ﻣﻨﻰ ﺳﻮء أﺑﺪًا ﻓﻄﺐ ﻧﻔﺴًﺎ.
وﻛﺎن ﻻﺑﺪ أن ﯾﺘﺤﺮك اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻘﺘﺪر ﻓﻨﺰﻟﻮا اﻟﺒﺼﺮة ﺳﻨﺔ ٢٩٩ھـ ٩١٢ /م ،واﻟﻨﺎس ﻓﻰ اﻟﺼﻼة ،وﺧﺮج أھﻠﮭﺎ ﻟﻠﻘﺎﺋﮭﻢ
وأﻏﻠﻘﺖ أﺑﻮاب اﻟﺒﺼﺮة ﻓﻰ وﺟﻮھﮭﻢ.
وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻋﺎدوا ﺳﻨﺔ ٣١١ھـ٩٢٤ /م ،واﻗﺘﺤﻤﻮا أﺳﻮارھﺎ ،وﺳﻌﻮا ﻓﯿﮭﺎ ﻓﺴﺎدًا ﻣﺪة ﺳﺒﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﯾﻮﻣًﺎ ﯾﻘﺘﻠﻮن وﯾﺄﺳﺮون وﯾﺴﺘﻮﻟﻮن ﻋﻠﻰ
اﻷﻣﻮال ،ﺛﻢ ﻗﻔﻠﻮا راﺟﻌﯿﻦ إﻟﻰ " ھﺠﺮ" ﺑﺎﻟﺒﺤﺮﯾﻦ.
وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣١٣ھـ٩٢٦ /م ،ﻗﺎم اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﺑﺎﻋﺘﺮاض اﻟﺤﺠﯿﺞ ﺑﻌﺪ أن أدوا اﻟﻔﺮﯾﻀﺔ ﻓﻘﻄﻌﻮا ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وأﺳﺮوا ﻧﺴﺎءھﻢ وأﺑﻨﺎءھﻢ.
وﺛﺎر اﻟﻨﺎس ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﻛﺴﺮوا ﻣﻨﺎﺑﺮ اﻟﺠﻮاﻣﻊ ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ،وﻧﺎﺣﺖ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻰ اﻟﻄﺮﻗﺎت ،وﻃﺎﻟﺒﻦ ﺑﺎﻟﻘﺼﺎص ﻣﻦ اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ وأﻋﻮاﻧﮭﻢ.
وﻇﻞ ﻣﺴﻠﺴﻞ ﻋﺪوان اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪن واﻟﺤﺠﺎج ﯾﺘﻜﺮر ﻓﻰ ﻛﻞ ﻋﺎم ،وﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺆدﺑﮭﻢ أو ﯾﻮﻗﻔﮭﻢ ﻋﻨﺪ ﺣﺪھﻢ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺴﻠﻢ ﻣﻨﮭﻢ
ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻣﻜﺔ -اﻟﺒﻠﺪ اﻟﺤﺮام -اﻋﺘﺪوا ﻋﻠﯿﮭﺎ وﻋﻠﻰ ﻣﻘﺪﺳﺎﺗﮭﺎ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣١٧ھـ٩٢٩ /م ،وﺟﻠﺲ أﻣﯿﺮھﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﺎب اﻟﻜﻌﺒﺔ وھﻮ ﯾﻘﻮل -
ﻟﻌﻨﮫ اﷲ " :-أﻧﺎ اﷲ وﺑﺎﷲ أﻧﺎ اﻟﺬى ﯾﺨﻠﻖ اﻟﺨﻠﻖ وأﻓﻨﯿﮭﻢ أﻧﺎ " .وﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﯾﻔﺮون ﻣﻨﮭﻢ ،وﯾﺘﻌﻠﻘﻮن ﺑﺄﺳﺘﺎر اﻟﻜﻌﺒﺔ ،وﻗﻠﻌﻮا اﻟﺤﺠﺮ
اﻷﺳﻮد ،وﺻﺎح أﺣﺪھﻢ ﻣﺘﺤﺪﯾًﺎ :أﯾﻦ اﻟﻄﯿﺮ اﻷﺑﺎﺑﯿﻞ؟ أﯾﻦ اﻟﺤﺠﺎرة ﻣﻦ ﺳﺠﯿﻞ؟ وﻣﻜﺚ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﻋﻨﺪھﻢ اﺛﻨﺘﯿﻦ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ ﺣﺘﻰ
ردوه ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣٣٩ھـ٩٥١ /م.
وﻟﻌﻠﮫ ﯾﺠﻰء ﺳﺆال :ﻟﻤﺎذا ﻧﺰل ﻋﺬاب اﷲ ﺑﺄﺻﺤﺎب اﻟﻔﯿﻞ ،وﻟﻢ ﯾﻨﺰل ﺑﺎﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ؟
واﻹﺟﺎﺑﺔ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﺑﻦ ﻛﺜﯿﺮ :ﻟﻘﺪ أراد اﷲ أن ﯾﺸﺮف ﻣﻜﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻘﺒﻞ ﺧﺎﺗﻢ اﻷﻧﺒﯿﺎء وأﻓﻀﻞ اﻟﺮﺳﻞ اﻟﻌﻈﺎم ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ أھﻠﮭﺎ ﯾﻮﻣﺌﺬ
ﻣﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﺄﻣﻮرﯾﻦ ﺑﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﺒﯿﺖ ،وﺻﺪ اﻟﻤﻌﺘﺪﯾﻦ ﻋﻨﮫ ،ﻓﺘﺪﺧﻠﺖ اﻟﻌﻨﺎﯾﺔ اﻹﻟﮭﯿﺔ ﺑﺎﻟﺤﻔﻆ واﻟﺮﻋﺎﯾﺔ ،أﻟﻢ ﯾﻘﻞ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ :ﻟﻠﺒﯿﺖ رب ﯾﺤﻤﯿﮫ
؟!
وﻟﮭﺬا ﻟﻤﺎ ﺳﺌﻞ أﺣﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻛﺎن ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺤﺮام وﻗﺖ أن دﺧﻠﮫ اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ :أﻟﻢ ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻓﻰ ﺑﯿﺘﻜﻢ ھﺬا وﻣﻦ دﺧﻠﮫ ﻛﺎن آﻣﻨﺎ ..ﻓﺄﯾﻦ اﻷﻣﻦ
؟
ﻓﺮد ﻗﺎﺋﻼ :إن اﷲ ﯾﺮﯾﺪ أن ﯾﺆﻣﻨﮫ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن.
إن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﻣﺴﺌﻮﻟﻮن ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻠﮫ اﻟﻤﺠﺮﻣﻮن ﻓﻰ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺤﺮام ،وﻋﻤﺎ اﻗﺘﺮﻓﻮه ﻣﻦ آﺛﺎم.
ورﺑﻨﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻗﺪ ﯾﺆﺧﺮ ﻋﻘﻮﺑﺘﮫ ﻟﯿﻮم ﺗﺸﺨﺺ ﻓﯿﮫ اﻷﺑﺼﺎر ،ﻓﻘﺎل ):ﻻ ﯾَﻐُﺮﱠﻧﱠﻚَ ﺗَ ﻘَﻠﱡﺐُ اﻟﱠﺬِﯾﻦَ ﻛَﻔَﺮُو ْا ﻓِﻲ ا ْﻟﺒِﻼَدِ .ﻣَﺘَﺎعٌ ﻗَﻠِﯿﻞٌ ﺛُﻢﱠ ﻣَ ْﺄوَاھُ ْﻢ ﺟَﮭَﻨﱠﻢُ
وَﺑِ ْﺌﺲَ ا ْﻟ ﻤِﮭَﺎدُ (]آل ﻋﻤﺮان.[١٩٧- ١٩٦ :
وﻣﺎذا ﻋﻤﱠﺎ ﺗﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺮوم ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻘﺘﺪر ؟
ﻟﻘﺪ أﺗﺎﺣﺖ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻘﺘﺪر اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ ﻓﺮﺻًﺎ ﻋﺪﯾﺪة ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ اﻟﺮوم وﻓﺘﺢ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺪن واﻟﺤﺼﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻧﺸﻐﺎل اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻤﻮاﺟﮭﺔ
اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ وﻏﯿﺮھﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺴﻘﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ،وﻟﻘﺪ ﺑﺪأ اﻟﻠﻘﺎء ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻘﺘﺪر واﻟﺮوم ﺳﻨﺔ ٢٩٧ھـ٩١٠/م ،وﻇﻠﺖ اﻟﺤﺮب ﺳﺠﺎﻻ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ
٣٦
اﻟﺮوم ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﺖ اﻟﻠﻘﺎءات اﻟﻘﻮﯾﺔ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻘﺘﺪر ،وﻛﺎن اﻟﻨﺼﺮ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ " اﻟﺨﻼﻓﺔ " -ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻌﺘﺮﯾﮭﺎ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ أﺣﯿﺎﻧًﺎ أوﺗﺠﺎوزًا وﻣﺨﺎﻟﻔﺔ -ﺧﯿﺮ ﻣﻌﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻷﺧﻄﺎر اﻟﻤﺤﺪﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ
ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ،وﻣﺠﺎﺑﮭﺔ اﻟﺼﻌﺎب اﻟﺘﻰ ﺗﻌﺘﺮض ﻃﺮﯾﻘﮭﻢ ،وﺗﮭﺪد ﺣﺎﺿﺮھﻢ وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﮭﻢ.
إﻧﮭﺎ ﺗﺠﻤﻊ ﻛﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻧﺤﻮ ﻏﺎﯾﺔ واﺣﺪة ،وھﺪف واﺣﺪ ،ﻓﺘﺘﻀﺎﻓﺮ اﻟﺠﮭﻮد ،وﺗﺘﻮﺣﺪ اﻟﻘﻠﻮب ،وﺗﻨﻄﻠﻖ اﻟﺠﻤﻮع ﻣﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻷرﺟﺎء ﺗﻐﯿﺚ
اﻟﻤﻠﮭﻮف ،وﺗﺆﻣﻦ اﻟﺨﺎﺋﻒ ،وﺗﮭﺪئ ﻣﻦ روﻋﺔ اﻟﻤﺬﻋﻮر ،وﺗﻨﺼﺮ أى ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻰ أﯾﺔ ﺑﻘﻌﺔ ﻣﻦ ﺑﻘﺎع اﻷرض وﻓﺠﺎﺟﮭﺎ ،وﻛﺎن ھﺬا ﻣﻠﻤﻮ ﺳًﺎ
ﻓﻰ ﻛﻞ اﻟﻤﻌﺎرك ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﺮوم؛ ﺣﯿﺚ ﻛﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن -ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،-ﻛﺎﻟﺠﺴﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻋﺎداھﻢ ،واﻟﺪول
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻵن ﯾُﻌﺘﺪى ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﺗُﮭﺎن وﻗﺪ ﻏﺎب ﻋﻨﮭﺎ ﻣﻨﺼﺐ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،واﻟﺬﺋﺐ إﻧﻤﺎ ﯾﺄﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺸﺎردة.
وﻓﻰ ھﺬه اﻟﺴﻨﻮات ﺷﮭﺪت اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ زوال ﺳﯿﻄﺮة اﻷﺗﺮاك وﺑﺪاﯾﺔ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ،وﺷﮭﺪت ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺪوان ﻟﻠﺮوم
ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﯾﺘﺼﺪى ﻟﮭﺬه اﻟﺤﻤﻼت ،وﯾﻮاﺻﻞ اﻟﺠﮭﺎد ﺿﺪھﺎ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
وﻇﮭﺮ اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ أﯾﻀًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮح اﻷﺣﺪاث ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣٢٣ھـ ،وزاد ﺧﻄﺮھﻢ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣٢٣ھـ٩٣٩ /م ،ﺣﯿﻦ دﺧﻠﻮا ﺑﻐﺪاد ﻣﮭﺪدﯾﻦ
اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻧﻔﺴﮫ ،وﯾﺸﺎء اﷲ أن ﯾﺠﻌﻞ ﺑﺄﺳﮭﻢ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﺷﺪﯾﺪًا ،ﻓﺎﻗﺘﺘﻠﻮا وﺗﻔﺮﻗﺖ ﻛﻠﻤﺘﮭﻢ ،وﻛﻔﻰ اﷲ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ اﻟﻘﺘﺎل ،وﯾﺮﯾﺢ اﷲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ
اﻟﻤﻠﻌﻮن اﻟﻜﺒﯿﺮ رﺋﯿﺲ اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﺳﻠﯿﻤﺎن اﻟﺠﻨﺎﺑﻰ اﻟﺬى ﻗﺘﻞ اﻟﺤﺠﯿﺞ ﺣﻮل اﻟﻜﻌﺒﺔ ،واﻗﺘﻠﻊ اﻟﺤﺠﺮ اﻷﺳﻮد ﻣﻦ ﻣﻮﺿﻌﮫ؛ ﺣﯿﺚ ھﻠﻚ ﺳﻨﺔ
٣٣٢ھـ٩٤٤ /م.
ﻟﻘﺪ ازداد ﺿﻌﻒ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﻣﻨﺬ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﮭﺠﺮى ﻻزدﯾﺎد ﺷﻮﻛﺔ ا ﻟﻘﻮاد اﻷﺗﺮاك ،وﺗﻔﺎﻗﻢ ﺧﻄﺮ اﻟﺪول اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ
ازدادت ﺷﻮﻛﺔ " ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ " ﻓﻲ ﻓﺎرس ،وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﺮى وأﺻﺒﮭﺎن وﺑﻼد اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻲ ﯾﺪ أﺧﯿﮫ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻘﻞ ﺑﻨﻮ ﺣﻤﺪان
ﺑﺎﻟﻤﻮﺻﻞ ،ودﯾﺎر ﺑﻜﺮ ،ودﯾﺎر رﺑﯿﻌﺔ وﻣﻀﺮ ،أﻣﺎ ﻣﺼﺮ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻘﻞ ﺑﮭﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻐﺞ اﻹﺧﺸﯿﺪ ،واﺳﺘﻘﻞ ﺑﺨﺮاﺳﺎن ﻧﺼﺮ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ
اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻲ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﻐﺮب أﺣﺴﻦ ﻣﻨﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺮق ،ﻓﻘﺪ أﻋﻠﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻷﻣﻮى ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ﻧﻔﺴﮫ ﺧﻠﯿﻔﺔ ،وﺗﻠﻘﺐ
ﺑﻠﻘﺐ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ ،وأﺻﺒﺢ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺛﻼث ﺧﻼﻓﺎت.
وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﺣﻆ اﻟﻘﺎھﺮ أﻗﻞ ﺳﻮءًا ﻣﻤﻦ ﺳﺒﻘﮫ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،ﻓﻘﺪ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻲ ﻋﮭﺪه اﻟﻔﺘﻦ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﺗﻤﺮد ﻋﻠﯿﮫ ﺟﻨﺪه ،واﺗﻔﻖ
رﺟﺎل دوﻟﺘﮫ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ ﻗﺎﺋﺪه ﻣﺆﻧﺲ ووزﯾﺮه "اﺑﻦ ﻣﻘﻠﺔ " ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻌﮫ ،ﻓﺴﺎﻟﺖ ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻠﻰ ﺧﺪه ،ﺛﻢ ﺣﺒﺲ ،وﻗﺪ ﺳﺎءت ﺣﺎﻟﺘﮫ ﺣﺘﻰ إﻧﮫ
ﺧﺮج ﯾﻮﻣًﺎ ﯾﻄﻠﺐ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﺑﺠﺎﻣﻊ اﻟﻤﻨﺼﻮر ،ﻓﺄﻋﻄﺎه ﺑﻌﺾ اﻟﮭﺎﺷﻤﯿﯿﻦ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ درھﻢ ،وأﻣﺮ ﺑﮫ ﻓﺤﺒﺲ وﻇﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺒﺲ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت ﻓﻲ
ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻄﺎﺋﻊ ﺳﻨﺔ ٣٣٩ھـ٩٥١ /م.
ﻧﻔﺴﮫ -إزاء ﺿﻌﻒ اﻟﻮزراء وازدﯾﺎد ﻧﻔﻮذ ﻛﺒﺎر اﻟﻘﻮاد ،وﺗﺪﺧﻠﮭﻢ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﺪوﻟﺔ -ﻣﻀﻄﺮّا إﻟﻰ اﺳﺘﻤﺎﻟﺔ أﺣﺪ ھﺆﻻء اﻷﻣﺮاء ،وﺗﺴﻠﯿﻢ
ﻣﻘﺎﻟﯿﺪ اﻟﺤﻜﻢ إﻟﯿﮫ ،وﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﻠﻮزراء ﻋﻤﻞ ﯾﻘﻮﻣﻮن ﺑﮫ ،وأﺻﺒﺢ ھﺬا اﻷﻣﯿﺮ وﻛﺎﺗﺒﮫ ھﻤﺎ اﻟﻠﺬان ﯾﻨﻈﺮان ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﻛﻠﮫ ،وھﺬا اﻷﻣﯿﺮ ھﻮ
أﻣﯿﺮ اﻷﻣﺮاء ،وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺮاﺿﻰ ﻣﻦ اﻟﻀﻌﻒ ﺑﺤﯿﺚ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻗﺎدرًا ﻋﻠﻰ دﻓﻊ أرزاق اﻟﺠﻨﺪ ،أوﯾﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
ﯾﻜﻔﯿﮫ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت ﺳﻨﺔ ٣٢٩ھـ٤٩١ /م.
وﯾﺄﺗﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺘﻘﻰ؛ ﻟﯿﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﺎﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﻠﺒﺜﻮا أن دﺧﻠﻮا ﺑﻐﺪاد ،وﺗﻘﻠﺪوا إﻣﺮة اﻷﻣﺮاء ﺳﻨﺔ ) ٣٣١-٣٣٠ھـ٩٤٣ -٩٤٢ /م(
وﻟﻜﻦ "ﺗﻮزون" اﻟﺘﺮﻛﻰ ﯾﻄﺮدھﻢ ﺳﻨﺔ ) ٣٣١ھـ٩٤٣ /م( وﯾﺘﻘﻠﺪ ھﻮ أﻋﺒﺎء ھﺬا اﻟﻤﻨﺼﺐ اﻟﺨﻄﯿﺮ ،وﯾﺎ ﻟﯿﺘﮫ أﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،ﻟﻜﻨﮫ ﻟﻢ
ﯾﻠﺒﺚ أن ﻗﺒﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " اﻟﻤﺘﻘﻰ" وﻓ ﻘﺄ ﻋﯿﻨﯿﮫ ووﻟﻰ "اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻰ ﺑﺎﷲ ".
وﯾﻀﯿﻖ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻰ ذرﻋًﺎ ﺑﺘﻮزون ،وﯾﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﺒﻨﻰ ﺑﻮﯾﮫ ﻟﻮﺿﻊ ﺣﺪ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻟﺘﻰ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﮫِ ﺑﯿﻦ ھﺆﻻء اﻷﻣﺮاء ﻟﻼ ﺳﺘﺌﺜﺎر ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ،
وﺗﻮﻟﻰ إﻣﺮة اﻷﻣﺮاء ،واﻧﺘﺰاع اﻟﻨﻔﻮذ واﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺬى ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻟﮫ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺷﻰء ﺳﻮى اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ؛ ﺣﯿﺚ ﯾﺬﻛﺮ اﺳﻤﮫ ﻓﻰ
٣٧
اﻟﺨﻄﺒﺔ ،وﻧﻘﺸﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻘﻮد ،واﻟﺘﺴﻤﻰ ﺑﺄﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻟﯿﺤﺘﻔﻆ ھﺆﻻء اﻷﻣﺮاء ﺑﻤﺮاﻛﺰھﻢ أﻣﺎم اﻟﺠﻤﮭﻮر.
واﻧﻄﻮت ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﻣﺮ ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﺑﻄﯿﺌًﺎ ﻣﺘﺜﺎﻗﻼ.
ﻟﻘﺪ ذھﺐ زﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻷﻗﻮﯾﺎء ﻛﺄﺑﻰ ﺟﻌﻔﺮ واﻟﮭﺎدى واﻟﺮﺷﯿﺪ واﻟﻤﺄﻣﻮن واﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺴﯿﻄﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻣﺴﯿﺮﯾﻦ
ﻟﺸﺌﻮﻧﮭﺎ.
ورﺣﻢ اﷲ أﯾﺎﻣﮭﻢ وﻋﮭﺪھﻢ ،ﻟﻘﺪ ذھﺒﻮا وﺗﺮﻛﻮا ﻧﻤﺎذج ھﺰﯾﻠﺔ ﺿﻌﯿﻔﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﺷﺌﻮن اﻟﺪوﻟﺔ ،ﺑﻞ إن ﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ
ﻧﻔﻮذه ﯾﺘﻌﺪى ﺣﺪود اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﺣﻖ اﻟﺘﺼﺮف ﺣﺘﻰ ﻓﻰ ﻗﺼﺮه.
) ٤٤٧ - ٣٣٤ھـ١٠٥٦ - ٩٤٦ /م(
ھﺎ ھﻰ ذى اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﺰداد ﺿﻌﻔًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﺠﺮد اﺳﻢ ﻓﻘﻂ ،وﻻ ﯾﻤﻠﻚ ﻣﻦ أﻣﺮ ﻧﻔﺴﮫ ﺷﯿﺌًﺎ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن أن
ﯾﺘﺤﻜﻤﻮا ﻓﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وﯾﺴﯿﻄﺮون ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﯾﺪﯾﺮوﻧﮭﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﮭﻢ ،ﻓﻔﻰ أﯾﺎم "ﻣﻌﺰ اﻟﺪوﻟﺔ " ﺟﺮدوا اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻦ اﺧﺘﺼﺎﺻﺎﺗﮫ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺒﻖَ
ﻟﮫ وزﯾﺮ وإن ﻛﺎن ﻟﮫ ﻛﺎﺗﺐ ﯾﺪﯾﺮ أﻣﻼﻛﮫ ﻓﺤﺴﺐ !! وﺻﺎرت اﻟﻮزارة ﻟﻤﻌﺰ اﻟﺪوﻟﺔ ﯾﺴﺘﻮزر ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻣﻦ ﯾﺮﯾﺪ !!
وﻛﺎن ﻣﻦ أھﻢ أﺳﺒﺎب ﺿﻌﻒ اﻟﺨﻼﻓﺔ وﻏﺮوب ﺷﻤﺴﮭﺎ ،أن اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ )اﻟﺪﯾﻠﻢ( ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺎﻟﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﺘﺸﯿﻊ ،وھﻢ ﯾﻌﺘﻘﺪون أن
اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻗﺪ أﺧﺬوا اﻟﺨﻼﻓﺔ واﻏﺘﺼﺒﻮھﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺤﻘﯿﮭﺎ ،ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻤﺮدوا ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،واﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،وﻟﻢ ﯾﻄﯿﻌﻮھﺎ وﻟﻢ ﯾﻘﺪروھﺎ
ﻗﺪرھﺎ.
وﺗﻄﻠﻊ ﺑﻨﻮ ﺑﻮﯾﮫ إﻟﻰ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق ﻧﻔﺴﮭﺎ -ﻣﻘﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ -إن أﺻﻠﮭﻢ ﯾﺮﺟﻊ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﻘﺎل إﻟﻰ ﻣﻠﻮك ﺳﺎﺳﺎن اﻟﻔﺎرﺳﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺷُﺮﱢدوا،
ﻓﺎﺗﺨﺬوا ﻣﻦ إﻗﻠﯿﻢ اﻟﺪﯾﻠﻢ اﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻰ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺠﺒﻠﯿﺔ ﺟﻨﻮﺑﻰ ﺑﺤﺮ ﻗﺰوﯾﻦ ﻣﻠﺠﺄ ﻟﮭﻢ وﻣﻘﺮّا.
وﺗﺰﻋﱠﻢ أﺑﻮ ﺷﺠﺎع ﺑﻮﯾﮫ ﻗﺒﺎﺋ َﻞ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ-ﻓﻰ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺿﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﺳﻨﺔ )٣٢٩ - ٣٢٢ھـ( ،-واﻟﺬى ﯾﻨﺘﮭﻰ ﻧﺴﺒﮫ إﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻔﺎرﺳﻰ
"ﯾﺰد ﺟﺮد" وﻗﺪ أﻧﺠﺐ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻛﻮر ،ھﻢ :ﻋﻤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ أﺑﻮاﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻲ ،ورﻛﻦ اﻟﺪوﻟﺔ أﺑﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺴﻦ ،وﻣﻌﺰ اﻟﺪوﻟﺔ أﺑﻮاﻟﺤﺴﯿﻦ
أﺣﻤﺪ.
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﺔ ﺑﺎﺳﺘﯿﻼء ﻋﻤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ أﺑﻰ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻰﱢ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ﻋﻠﻰ أرﺟﺎن وﻏﯿﺮھﺎ ،وﻗﺪ دﺧﻞ ﻋﻤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ ﺷﯿﺮاز ﺳﻨﺔ
٣٢٢ھـ ،وﺟﻌﻠﮭﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﺪوﻟﺘﮫ اﻟﺠﺪﯾﺪة ،ﻛﻤﺎ دﺧﻞ ﻓﺎرس ،وأرﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺮاﺿﻰ أﻧﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ.
واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻣﻌﺰ اﻟﺪوﻟﺔ أﺑﻮ اﻟﺤﺴﯿﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ﺳﻨﺔ ٣٢٦ھـ ﻋﻠﻰ اﻷھﻮاز) ،وھﻰ اﻵن ﺧﻮزﺳﺘﺎن( وﻛﺎﺗﺒﮫ ﺑﻌﺾ ﻗﻮاد اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وزﯾﻨﻮا ﻟﮫ اﻟﺘﻮﺟﮫ ﻧﺤﻮ ﺑﻐﺪاد ،وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣٣٤ھـ٩٤٦ /م ،اﺗﺠﮫ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ﻧﺤﻮ ﺑﻐﺪاد ﺑﻘﻮة ﺣﺮﺑﯿﺔ ،ﻓﻠﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﺣﺎﻣﯿﺘﮭﺎ
اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ ﻣﻘﺎوﻣﺘﮫ ،وﻓﺮت إﻟﻰ اﻟﻤﻮﺻﻞ ،ودﺧﻞ ﺑﻐﺪاد ﻓﺎﻓﺘﺘﺤﮭﺎ ﻓﻰ ﺳﮭﻮﻟﺔ وﯾﺴﺮ.
وﻟﻘﺐ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻰ أﺑﺎ اﻟﺤﺴﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ﺑﻤﻌﺰ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻟﻘّﺐ أﺧﺎه ﻋﻠﯿّﺎ ﻋﻤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ ،و ﻟَﻘﺐ أﺧﺎه اﻟﺤﺴﻦ رﻛﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ،وأﻣﺮ أن
ﺗﻜﺘﺐ أﻟﻘﺎﺑﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪراھﻢ واﻟﺪﻧﺎﻧﯿﺮ ،وﻟﻜﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ ﺑﮭﺬا اﻟﻠﻘﺐ اﻟﺬى ﻻ ﯾﺰﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻮﻧﮫ "أﻣﯿﺮ اﻷﻣﺮاء" .وأﺻﺮ ﻋﻠﻰ
ﻚ اﺳﻤﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وﻟﻘﺪ ﺑﻠﻎ "ﻣﻌﺰ اﻟﺪوﻟﺔ " ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻋﺎﻟﯿﺔ ؛ ﻓﻜﺎن ﺴّذﻛﺮ اﺳﻤﮫ ﻣﻊ اﺳﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻰ ﺧﻄﺒﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ ،وأن ُﯾ َ
اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻔﻌﻠﻰ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﻣﻊ إﺑﻘﺎﺋﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﻣﺎﻟﺒﺚ أن ﻗﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫ ،وﻓﻘﺄ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﺳﻨﺔ ٣٣٤ھـ٩٤٦ /م" .
ﺴﻤّﻰ ،ﺟﺪﯾﺮًا ﺑﺎﺳﻤﮫ ،ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن أداة
وأﺻﺒﺢ اﻟﻤﻄﯿﻊ ھﻮ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻰ ،وﻛﺎن ﻣﻄﯿﻌًﺎ ﺑﺤﻖ ،وإن ﺷﺌﺖ ﻓﻘﻞ :ﻛﺎن اﺳﻤًﺎ ﻋﻠﻰ ُﻣ َ
ﻃﯿﻌﺔ ﻓﻲ أﯾﺪى اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ،ﯾﺄﻣﺮوﻧﮫ ﻓﯿﻄﯿﻊ ،وﯾﺤﻘﻖ ﻟﮭﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺮﯾﺪوﻧﮫ ﻣﻨﮫ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻟﻰ "ﻣﻌﺰ اﻟﺪوﻟﺔ " ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺼﺮة ٣٣٦ھـ٩٤٨ /م،
ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻮﻟﻰ رﻛﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺮى ٣٣٥ھـ وﻃﺒﺮﺳﺘﺎن وﺟﺮﺟﺎن ٣٣٦ھـ٩٤٨ /م.
وﻗﺪ ﺑﻠﻎ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن ﻗﻮﺗﮭﻢ أﯾﺎم ﻋﻀﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ اﻟﺬى ﺗﻮﻟﻰ ﺑﻌﮭﺪ ﻣﻦ أﺑﯿﮫ ﻋﻤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺬى ﺗﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣٣٦ھـ٩٤٨ /م ،واﺗﺨﺬ
ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻟﻘﺐ " ﺷﺎھﻨﺸﺎه " )أى ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻠﻮك( ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺑﻨﻮ ﺑﻮﯾﮫ ﯾﻜﺘﻔﻮن ﺑﺄﻟﻘﺎب اﻟﺘﺒﺠﯿﻞ واﻟﺘﻔﺨﯿﻢ ﻣﺜﻞ" :ﻋﻤﺎد اﻟﺪوﻟﺔ "" ،ورﻛﻦ اﻟﺪوﻟﺔ "،
أﻣﺎ "ﻋﻀﺪ اﻟﺪوﻟﺔ " ﻓﻘﺪ ﻓﺎق أﺳﻼﻓﮫ ﻗﻮة وﻋﻈﻤﺔ .ﻟﻘﺪ ﺗﺰوج ﻣﻦ اﺑﻨﺔ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻄﺎﺋﻊ ،وﻛﺎن ذا ﺟﺒﺮوت ﺷﺪﯾﺪ وﻧﻔﻮذ واﺳﻊ ،واﺳﺘﻄﺎع
"ﻋﻀﺪ اﻟﺪوﻟﺔ " أن ﯾﻀﻢ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺪوﯾﻼت اﻟﺼﻐﯿﺮة اﻟﻤﺠﺎورة اﻟﺘﻰ ﻇﮭﺮت ﻋﻠﻰ ﻋﮭﺪه ﻓﻰ ﻓﺎرس واﻟﻌﺮاق ،وﻓﻰ ﻋﺎم
٣٦٩ھـ ﻋﻤﱠﺮ ﻋﻀﺪ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻐﺪاد ﺑﻌﺪ ﺧﺮاﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﺗﻮاﻟﻰ اﻟﻔﺘﻦ ،وأﻋﺎد ﻋﻤﺎرﺗﮭﺎ وﺟﺪد أﺳﻮاﻗﮭﺎ ،وأﺟﺮى اﻷرزاق ﻋﻠﻰ اﻷﺋﻤﺔ واﻟﺨﻄﺒﺎء
واﻟﻤﺆذﻧﯿﻦ.
ورﻏﻢ ﺑﻘﺎء ﺑَﻼﻃﮫ ﻓﻰ ﺷﯿﺮاز ﻓﺈﻧﮫ اھﺘﻢ ﺑﺒﻐﺪاد ،وﻟﻜﻨﮫ اﺗﺨﺬ ھﻮ وﺧﻠﻔﺎؤه ﻗﺼﻮرًا ﻟﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ،وﻏﺪت ھﺬه اﻟﻘﺼﻮر
ﺗﺴﻤﻰ "دار اﻟﺨﻼﻓﺔ ".
وﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻄﺒﯿﻌﻰ أن ﯾﺘﻌﻤﺪ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن-وھﻢ ﻣﻦ ﻏﻼة اﻟﺸﯿﻌﺔ-إﻇﮭﺎر ﻣﺬھﺒﮭﻢ وﻧﺸﺮه ﺑﻤﺎ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻌﺎداة ﻷھﻞ اﻟﺴﻨﺔ،
وﺗﺠﺎوز ﻟﻠﺤﺪود واﻟﺤﻘﻮق.
وﻟﻘﺪ أﺛﺎر ذﻟﻚ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻧﺸﺄ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺣﺪوث ﻓﺘﻦ ﻛﺜﯿﺮة ،وﻛﺜﯿﺮًا ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﯿﻌﺔ ﯾﺜﯿﺮون أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﺑﻠﻌﻨﮭﻢ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ -رﺿﻮان اﷲ
ﻞ ﺑﮭﺎ
ﺣﱠ
ﻋﻠﯿﮭﻢ ،-وﻛﺘﺎﺑﺔ ھﺬا ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﺬا اﻟﺘﻄﺎول ﻣﻘﺼﻮ ًر ا ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد وﺣﺪھﺎ ،ﺑﻞ ﺗﺠﺎوزھﺎ إﻟﻰ ﻛﻞ ﺑﻠﺪ َ
٣٨
اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن ،وﻓﻰ ﻛﻞ ﺑﻠﺪ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﺸﯿﻌﺔ ،وﻗﺪ وﻗﻌﺖ ﻓﺘﻨﺔ ﺑﯿﻦ أھﻞ "أﺻﺒﮭﺎن " و " ﻗﻢ" ﺑﺴﺒﺐ ﺳَﺐﱢ أھﻞ " ﻗﻢ " اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ -رﺿﻮان اﷲ
ﻋﻠﯿﮭﻢ -ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ أھﻞ أﺻﺒﮭﺎن ﯾﺜﻮرون ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﯾﻘﺘﻠﻮن ﻣﻨﮭﻢ ﺧﻠ ﻘًﺎ ﻛﺜﯿﺮًا ،وﯾﻨﮭﺒﻮن أﻣﻮال اﻟﺘﺠﺎر؛ ﻣﻤﺎ أﺛِﺎر ﻏﻀﺐ رﻛﻦ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﺤﺴﻦ اﻟﺒﻮﯾﮭﻲ " ،ﻓﺮاح ﯾﺼﺎدر أﻣﻮال أھﻞ أﺻﺒﮭﺎن ،وﯾﻨﺘﻘﻢ ﻷھﻞ "ﻗﻢ " ﻣﻨﮭﻢ ،وراﺣﺖ ﻧﯿﺮان ھﺬه اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺗﺸﺘﻌﻞ ﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻓﻰ
اﻟﻜﺮخ ،وﻓﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﻓﻰ اﻟﺒﺼﺮة ،ﻓﻘُﺘﻞ ﻓﻰ ذﻟﻚ ﺧﻠﻖ ﻛﺜﯿﺮ.
ھﺆﻻء ھﻢ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن ،وھﺬا ھﻮ ﻣﺬھﺒﮭﻢ ،وﻣﻨﺬ دﺧﻠﻮا ﺑﻐﺪاد ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻟﮭﻢ ﻣﻮﻗ ﻔًﺎ ﻣﺸﺮﻓًﺎ ﺗﺠﺎه اﻟﺮوم ،ﻓﻔﻰ ﻋﮭﺪھﻢ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث أن ﺧﺮج ﺟﯿﺶ
ﻦ اﻟﺮوم ﻏﺎرات ﻛﺜﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻐﻮر واﻟﺸﻮاﻃﺊ وﻟﻜﻦ ﻻ ﻣﺪاﻓﻊ !! وﻟﻘﺪ أدت ھﺬه اﻟﻐﺎرات إﻟﻰ ﺷﱠﻦ ﻗﺒﻠﮭﻢ ،و َ
ﻏﺎز ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺤﺪث ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻣَ ْ
ﺗﺨﺮﯾﺐ اﻟﻤﺪن واﻟﻤﺴﺎﺟﺪ وﻗﺘﻞ اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل؛ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﺔ ﻓﻰ ﺳﺒﺎت ﻋﻤﯿﻖ.
وﺗﺤﺮك اﻟﻔﻘﮭﺎء ﺳﻨﺔ ٣٦٢ھـ٩٧٣ /م ،وراﺣﻮا ﯾُﺤﺮﱢﺿﻮن ﻋﺰ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺨﺘﯿﺎر ﺑﻦ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﻏﺰو اﻟﺮوم ،وﺗﺤﺮك اﻟﺠﯿﺶ إﻟﻰ
ﺑﻼد اﻟﺮوم ﻟﻤﻮاﺟﮭﺘﮭﻢ ،وﻗﺘﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﺪدًا ﻛﺜﯿﺮًا ،وﺑﻌﺚ ﺑﺮءوﺳﮭﻢ إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﻗﺪ ﻛﺎن "ﻋﺰ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺨﺘﯿﺎر" ﺷﺮﯾﺮًا ﻓﺎﺳﺪًا ،وﻛﺜﺮت ﻓﻰ
ﻋﮭﺪه اﻟﻔﺘﻦ واﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت ،وإراﻗﺔ اﻟﺪﻣﺎء.
وھﻨﺎ ﺳﻜﻨﺖ أﻧﻔﺲ اﻟﻨﺎس ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ذرّا ﻟﻠﺮﻣﺎد ﻓﻰ أﻋﯿﻦ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ﺳﻜﺘﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﻀﺾ ﺑﻌﺪﻣﺎ رأوا ﺑﺄﻋﯿﻨﮭﻢ ﻧﺸﺎط اﻟﺮوم ﺧﻼل ﺳﻨﻮات ﻧﻔﻮذ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ﺑﺒﻐﺪاد واﻟﻌﺮاق ﯾﻘﺎﺑﻞ ﺑﺼﻤﺖ رھﯿﺐ ،اﻟﺘﺰم ﺑﮫ
اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن ﻓﻰ ھﺬا اﻟﺼﺮاع وھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﯿﻄﺮون ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ وﯾﺘﺤﻜﻤﻮن ﻓﯿﮭﺎ ! ﻓﻰ وﻗﺖ ﻇﮭﺮ ﻓﯿﮫ اﻟﻠﺼﻮص وﻣﺎرﺳﻮا اﻟﺴﻠﺐ واﻟﻨﮭﺐ
ﺑﺼﻮرة ﻋﻠﻨﯿﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻧﺘﺸﺮت اﻷوﺑﺌﺔ ،واﺷﺘﺪ اﻟﻐﻼء ،ﻓﻰ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬى اھﺘﻢ ﻓﯿﮫ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﻮن ﺑﺎﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻌﯿﺪ اﻟﻐﺪﯾﺮ )ﻏﺪﯾﺮ ﺧﻢ(
اﻟﺬى ﯾﺰﻋﻤﻮن أن اﻟﺮﺳﻮل ) ﻋﮭﺪ ﻋﻨﺪه ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ ،وھﻮ ﺑﺪﻋﺔ ﻣﻨﻜﺮة ﺑﺎﻃﻠﺔ ،وﻛﺬﻟﻚ دﻓﻌﻮا اﻟﻌﻮام ﻟﻠﻄﻢ اﻟﺨﺪود
ﻰ وھﻮ ﻣﺎ ﻻ ﯾﺮﺿﺎه اﻟﺸﺮع ،وﻟﻢ ﺗﻠﺒﺚ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﺔ أن واﻟﻨﻮاح واﻟﻌﻮﯾﻞ ﻓﻰ اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺮم ﺣﺰﻧًﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺸﮭﺎد اﻟﺤﺴﯿﻦ ﺑﻦ ﻋﻠ ّ
أﺧﺬت ﻓﻰ اﻻﻧﮭﯿﺎر ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻨﺰاع ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﺑﯿﻦ اﻷﺧﻮﯾﻦ " ﺑﮭﺎء اﻟﺪوﻟﺔ " ،و " ﺷﺮف اﻟﺪوﻟﺔ " ،واﻣﺘﺪ ھﺬا اﻟﻨﺰاع إﻟﻰ ﺳﺎﺋﺮ أﻓﺮاد
اﻷﺳﺮة ،ﻣﻤﺎ ﻋﺠّﻞ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ،وﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﺬھﺒﮭﻢ اﻟﺸﯿﻌﻰ اﻟﺬى ﺑﻐﻀﮭﻢ إﻟﻰ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ أھﻞ ﺑﻐﺪاد.
ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻘﺘﺪر ) ٣٢٠-٢٩٥ھـ( أﺷﺮﻓﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺤﻼل واﻟﻤﻮت ﺑﻈﮭﻮر ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﯿﻦ ﻓﻰ أﻃﺮاف اﻟﺨﻼﻓﺔ
واﻟﺜﻐﻮر.
وﺣﺴﺐ اﻟﻘﺎرئ أن ﯾﻌﺪد ھﺬه اﻟﺪوﯾﻼت اﻟﺘﻰ أﻋﻠﻨﺖ ﺳﻠﻄﺎﻧﮭﺎ ﻓﻰ أﺟﺰاء اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ؛ ﻟﯿﻌﻠﻢ ﻣﺎ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﮫ اﻟﺤﺎل ﻣﻦ ﺧﻠﻞ وﺗﻔﺴﺦ
واﻧﺤﺪار ! ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻰ ﻓﺎرس دوﻟﺔ ﺑﻨﻰ ﺑﻮﯾﮫ ،وﺑﺴﻂ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﻮن ﺳﻠﻄﺎﻧﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ وﺳﻮرﯾﺔ ،وأﻋﻠﻦ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن ﺳﯿﺎدﺗﮭﻢ ﻓﻰ
إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ واﻟﻤﻐﺮب ،وﺳﺎد اﻷﻣﻮﯾﻮن ﻓﻰ إﺳﺒﺎﻧﯿﺎ ،واﺳﺘﻘ ّﻞ ﺑﻨﻮ ﺳﺎﻣﺎن ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن وﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،واﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺒﺤﺮﯾﻦ وﻣﺎ
ﺣﻮﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﺛﻐﻮر وﺑﻼد ،واﺳﺘﻘﺮ اﻟﺪﯾﻠﻢ ﻓﻰ ﺟُﺮﺟﺎن وﻃﺒﺮﺳﺘﺎن ،وأﻋﻠﻦ أﺣﺪ أﻣﺮاء اﻟﻌﺮاق واﺳﻤﮫ اﻟﺒﺮﯾﺪى ﺣﻜﻤﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺼﺮة وواﺳﻂ.
وﻗﺎﻣﺖ دوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﻤﻮﺻﻞ ودﯾﺎر ﺑﻨﻰ رﺑﯿﻌﺔ وﻗﺴﻢ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ أراﺿﻰ اﻟﻌﺮاق.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﻐﻠﻰ ﻏﻠﯿﺎﻧًﺎ ﻓﻰ ﺟﺤﯿﻢ اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت واﻟﺪﺳﺎﺋﺲ !ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﯾﺤﺎرب اﻵﺧﺮ ﺣﺮﺑًﺎ ﻻ ھﻮادة ﻓﯿﮭﺎ ،وﯾﺤﻔﺮ ﻣﻘﺒﺮة
اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﮭﺬا اﻟﺘﻔﻜﻚ اﻟﺬى أﻃﻤﻊ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ أن ﯾﻌﯿﺪوا اﻟ َﻜﺮﱠة ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم ،ﻓﺪﺧﻠﻮا ﻛﻠﯿﻜﯿﺎ وﺳﻮرﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻰ ﻧﻘﻔﻮر،
اﻟﺬى اﺷﺘﺒﻚ ﻓﻰ ﻣﻌﺎرك داﻣﯿﺔ ﻣﻊ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب ﺣﻠﺐ ﻣﻤﺎ ﺳﯿﺄﺗﻰ ﺗﻔﺼﯿﻠﮫ.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻼد ﺗﻮاﺟﮫ ﺧﻄﺮﯾﻦ :ﺧﻄﺮ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﺧﻄﺮ ھﺠﻤﺎت اﻟﺮوم اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ .وﺷﺎءت اﻷﻗﺪار أن ﺗﺘﻘﺪ ﻧﯿﺮان ھﺬه
اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت ،وﻗﺪ ﻋﻘﻤﺖ اﻷرض ﻋﻦ أن ﺗﻠﺪ ﻣﻨﻘﺬًا ﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻤﻄﺎﻣﻊ ،وﻇﻠﺖ اﻷﻣﻮر ﺑﯿﻦ أﯾﺪى ﺧﻠﻔﺎء ﺿﻌﺎف أﻗﺼﻰ أﻣﻨﯿﺎﺗﮭﻢ
ﻣﻦ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﻌﺾ ھﺬه اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻰ ﯾﺪرھﺎ اﻟﻌﻤﺎل ﻋﻠﯿﮭﻢ؛ﻟﯿﻨﻌﻤﻮا ﻣﺮﻓﮭﯿﻦ ﺑﺮﻏﺪ اﻟﺤﯿﺎة.
ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ؟ وﻛﯿﻒ اﻣﺘﺪ ﻧﻔﻮذھﻢ ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد ؟ إﻧﮭﻢ أﺗﺮاك ﯾﻨﺘﺴﺒﻮن إﻟﻰ ﺟﺪھﻢ ﺳﻠﺠﻮق ،وﯾﻨﺘﻤﻮن إﻟﻰ ﻗﺒﯿﻠﺔ ﺗﺮﻛﯿﺔ
ﻛﺒﯿﺮة ﺗﺴﻤﻰ "اﻟُﻐ ﺰّ".
وﻗﺪ ﻧﺰﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ " ﺳﯿﺤﻮن " ،واﺗﺼﻠﻮا ﺑﺨﺪﻣﺔ اﻟﺘﺮﻛﻤﺎن ﻓﻰ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،وراح ﺟﺪھﻢ " ﺳﻠﺠﻮق " ﯾ ﺘﻘﺪم ﻓﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﻠﻚ اﻟﺘﺮك
ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻗﯿﺎدة اﻟﺠﯿﺶ ،وﻛﺎن ﺑﺎرع اﻟﺤﺪﯾﺚ ،ﻛﺮﯾﻤًﺎ ،ﻓﺎﺳﺘﻤﺎل اﻟﻨﺎس إﻟﯿﮫ ،وﺟﻤﻌﮭﻢ ﻣِﻦ ﺣﻮﻟﮫ ،ﻓﺎﻧﻘﺎدوا ﻟﮫ وأﻃﺎﻋﻮه.
ﻦ ﺣﻮﻟﮫ ،وﺳﺎر ﺑﮭﻢ ﺣﺘﻰ وﺧﺎﻓﺖ زوﺟﺔ ﻣﻠﻚ اﻟﺘﺮك ﻋﻠﻰ زوﺟﮭﺎ ﻣﻨﮫ ،ﻓﺄﻏﺮﺗﮫ ﺑﻘﺘﻠﮫ ،وﻋﺮف " ﺳﻠﺠﻮق " ﻣﺎ ﯾﺪﺑﱢﺮ ﻟﮫ ﻓﻰ اﻟﺨﻔﺎء ،ﻓﺠﻤﻊ ﻣَ ْ
ﻣﺪﯾﻨﺔ " ﺟَﻨَﺪ " ،وأﻗﺎم ھﻨﺎك ﻓﻰ ﺟﻮار اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺒﻼد ﺗﺮﻛﺴﺘﺎن.
وﻟﻤﺎ ﺟﺎور ﺳﻠﺠﻮق اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﺗﻌﺮف ﻋﻠﻰ أﺧﻼق اﻹﺳﻼم أﻋﻠﻦ إﺳﻼﻣﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺬھﺐ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ،واﻋﺘﻨﻖ اﻟﻐُﺰﱡ اﻹﺳﻼم ﻣﻌﮫ.
وﻋﻨﺪﺋﺬ ﺑﺪأ ﻓﻰ ﻏﺰو " ﻛﻔﺎر اﻟﺘﺮك" ،وﻛﺎن ﻣﻠﻜﮭﻢ ﯾﺄﺧﺪ إﺗﺎوة ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﯾﺎر ،ﻓﻘﻄﻌﮭﺎ ﺳﻠﺠﻮق وﻃﺮد ﻧﻮاﺑﮫ.
ﻛﺎن ﻟﺴﻠﺠﻮق ﻣﻦ اﻷوﻻد أرﺑﻌﺔ ھﻢ :أرﺳﻼن ،وﻣﯿﻜﺎﺋﯿﻞ ،وﻣﻮﺳﻰ ،وﯾﻮﻧﺲ.
وﻟﻘﺪ أﻋﺪ ﺳﻠﺠﻮق أﺑﻨﺎءه وأﺣﻔﺎده ﻟﻠﻐﺰو واﻟﻔﺘﺢ ،ﻓﻠﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع أﺣﺪ أﺣﻔﺎده وھﻮ "ﻃﻐﺮل" أن ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ إﻗﻠﯿﻢ ﻣﺮُو "ﺧﺮاﺳﺎن " ﺳﻨﺔ
٤٢٩ھـ ﻓﻰ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﺸﺮﻗﻰ ﻣﻦ ﻓﺎرس ،ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﯿﺴﺎﺑﻮر ٤٣٢ھـ ،وﻋﻠﻰ ﺣَﺮﱠان وﻃﺒﺮﺳﺘﺎن ﻋﺎم ٤٣٣ھـ ،وﻋﻠﻰ ﺧﻮارزم ﻋﺎم
٤٣٤ھـ ،وأﺻﺒﮭﺎن ﻋﺎم ٤٣٨ھـ ١٠٤٧/م.
٣٩
واﺳﺘﻤﺮ "ﻃﻐﺮل" ﯾﺘﻘﺪم ﻓﻰ ﺑﻼد ﻓﺎرس واﻟﻌﺮاق ،وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٤٤٧ھـ ١٠٥٥ /م وﻗﻒ ﻃﻐﺮل ﻋﻠﻰ رأس ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﻨﺪه اﻷﺗﺮاك أﻣﺎم
أﺑﻮاب ﺑﻐﺪاد ،ﻛﻤﺎ وﻗﻒ " ﺑﻨﻮ ﺑﻮﯾﮫ " ﻗﺒﻠﮫ ،ﻓﺴﻠﻤﺖ ﻟﮫ اﻟﻤ ﺪﯾﻨﺔ دون ﻣﻘﺎوﻣﺔ ،واﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔ ُﺔ ﻃﻐﺮل زﻋﯿﻢَ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻘﺒﻞ أﺣﻤﺪ أﺑﺎ
ﺷﺠﺎع ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وراح اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ " اﻟﻘﺎﺋﻢ " ﯾﻌﺘﺮف ﺑﻄﻐﺮل ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ وﯾﻤﻨﺤﮫ ﻟﻘﺐ "ﻣﻠﻚ اﻟﻤﺸﺮق واﻟﻤﻐﺮب".
ﺗﺪﻓﻘﺖ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق ﺑﻌﺪ اﻧﺘﺼﺎر ﻃﻐﺮل ،وﻟﻘﺪ ﺳﺨﱠﺮ اﻟﺴﻼﺟ ﻘﺔ ﻣﺮﻛﺰھﻢ -إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ -ﻟﺨﺪﻣﺔ اﻹﺳﻼم،
ﻓﺮاﺣﻮا ﯾﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺳﯿﻊ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ھﺪﻓﮭﻢ ﺗﻘﻮﯾﺔ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،وإﻧﻤﺎ ﻋﻤﺪوا إﻟﻰ ﻧﺸﺮ اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺴﻨﻰ اﻟﺬى داﻧﺖ
ﺑﮫ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﱠﺔ ،وﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻟﺸﯿﻌﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ،أﻣﻼ ﻓﻰ إﻋﺎدة وﺣﺪة اﻷﻣﺔ وﻣﻮاﺻﻠﺔ ﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم ﻓﻰ أرﻣﯿﻨﯿﺎ وآﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى،
وﯾﺤﺴﺐ ﻟﮭﻢ أﻧﮭﻢ اﺣﺘﺮﻣﻮا ﻣﻨﺼﺐ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وأﺟﻠﱡﻮا اﻟﺨﻠﻔﺎء واﺣﺘﺮﻣﻮھﻢ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺴﯿﺌﻮا إﻟﯿﮭﻢ ،وﻟﻢ ﯾﻌﺘﺪوا ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﺗﺮاك ﻓﻰ
اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ.
وﺗﻮﻟﻰ " أﻟﺐ أرﺳﻼن" اﺑﻦ أﺧﻰ ﻃﻐﺮل اﻟﻘﯿﺎدة اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻟﻠﺠﯿﻮش اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﯿﺔ ﺳﻨﺔ٤٥٦ھـ ١٠٦٣ /م ،وﺟﻌﻞ ﺟﯿﺸﮫ ﺛﻼث ﺷﻌﺐ :ﺷﻌﺒﺔ ﻣﻨﮫ
ﺳﺎرت إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ،وﺷﻌﺒﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻌﺮب ،وﻛﻠﺘﺎھﻤﺎ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ .أﻣﺎ اﻟﺸﻌﺒﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ھﻮ رأﺳﮭﺎ واﺗﺠﮫ
ﺑﮭﺎ ﻧﺤﻮ "أرﻣﯿﻨﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى" و " آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى" ،وھﻰ "ﺑﻼد اﻟﺮوم " ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺴﻤﯿﮭﺎ اﻟﻤﺆرﺧﻮن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن.
واﺳﺘﻮﻟﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﯿﺔ ﻋﻠﻰ " ﺣﻠﺐ" ﺳﻨﺔ ٤٦٣ھـ١٠٧٠ /م ،واﺳﺘﻌﺎدت "ﻣﻜﺔ" و "اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ " ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻘﻠﯿﻞ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻧﺘﺼﺮ "أﻟﺐ
أرﺳﻼن" ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻰ "روﻣﺎﻧﻮس دﯾﻮﺟﯿﻨﯿﺲ " ﺳﻨﺔ ٤٦٤ھـ١٠٧١ /م ،ﻓﻰ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ﻣﻼذﻛﺮد" ﻓﻰ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﺸﺮﻗﻰ ﻣﻦ
ﺑﺤﯿﺮة " ﻓﺎن " ،وأﺑ ﺎد ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﻰ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﺗﺖ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى ﺗﺤﺖ ﺳﯿﻄﺮﺗﮫ ،ﻓﺎﻧﺘﺸﺮت ﺟﯿﻮﺷﮫ ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﻗﺮب " اﻟﺒﺴﻔﻮر"
و "اﻟﺪردﻧﯿﻞ" ،وﻣﻦ ھﺬه اﻟﻔﺘﻮح ﺗﺄﺳﺴﺖ دوﻟﺔ ﺳﻼﺟﻘﺔ اﻟﺮوم ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ.
وﯾﻤﻮت أﻟﺐ أرﺳﻼن ﻋﺎم ٤٦٥ھـ ١٠٧٢ /م ﻣﻘﺘﻮﻻ ،وﻗﺪ ﻗﺎل وھﻮ ﻋﻠﻰ ﻓﺮاش اﻟﻤﻮت " :ﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﻗﻂ ﻓﻰ وﺟﮫ ﻗﺼﺪﺗُﮫ وﻻ ﻋﺪّو أردﺗُﮫ إﻻ
ﺗﻮﻛﻠﺖُ ﻋﻠﻰ اﷲ ﻓﻰ أﻣﺮى ،وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﮫ ﻧﺼﺮى ،وأﻣﺎ ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻨﻮﺑﺔ ،ﻓﺈﻧﻰ أﺷﺮﻓﺖ ﻣﻦ ﺗﻞّ ﻋﺎلٍ ،ﻓﺮأﯾﺖ ﻋﺴﻜﺮى ﻓﻰ أﺟﻤﻞ ﺣﺎل ،ﻓﻘﻠﺖ
ﻰ ﻣﻨﯿﱠﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﻜﻤﯿﻦ".
ﺖ ﻋﻠ ﱠ
أﯾﻦ ﻣﻦ ﻟﮫ ﻗﺪرة ﻣﺼﺎرﻋﺘﻲ ،وﻗﺪرة ﻣﻌﺎرﺿﺘﻲ ،وإﻧﻰ أﺻﻞ ﺑﮭﺬا اﻟﻌﺴﻜﺮ إﻟﻰ آﺧﺮ اﻟﺼﯿﻦ ،ﻓﺨﺮﺟ ْ
وھﻜﺬا اﺗﺴﻌﺖ رﻗﻌﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﯿﺔ ﻋﺎﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﺎم ،وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻔﻌﻠﯿﺔ ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد ﻛﺎﻧﺖ ﻟﮭﻢ ،ﻓﺈﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻨﺘﻘﻠﻮا ﻣﻦ
"أﺻﻔﮭﺎن " إﻟﻰ "ﺑﻐﺪاد" وﯾﺘﺨﺬوھﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﮭﻢ إﻻ ﺳﻨﺔ ٤٨٤ھـ١٠٩١ /م ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻋﺼﺮ ﻣﻠﻜﺸﺎه اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻰ.
وﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻣﻠﻜﺸﺎه ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗ ﯿﺔ أﻗﺼﻰ ﻋﻈﻤﺘﮭﺎ ،ﻓﺒﻨﻰ ﻣﻠﻜﺸﺎه اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ،وأﻧﺸﺄ اﻟﺨﺎﻧﺎت )اﻟﻔﻨﺎدق( ﻋﻠﻰ ﻃﺮق اﻟﻘﻮاﻓﻞ ﻟﻨﺰول
اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﯾﻦ ،وﻣﮭﺪ ﻃﺮق اﻟﺤﺠﺎج إﻟﻰ ﻣﻜﺔ ،وزودھﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮاس.
وأﻣﺮ ﺑﺘﺠﻤﯿﻞ ﺑﻐﺪاد وﺗﻨﻈﯿﻤﮭﺎ ،وإﻗﺎﻣﺔ ﺷﺒﻜﺔ ﻟﺘﺼﺮﯾﻒ ﻣﯿﺎه اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت إﻟﻰ ﻏﯿﺮ ﻧﮭﺮ دﺟﻠﺔ.
ﺤﻜْﻢ" ﯾﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ " ﺳﯿﺎﺳﺔ ﻧﺎﻣﺔ " ،وراح ﯾﺸﺠﻊ وﻛﺎن ﯾﺴﺎﻋﺪه ﻓﻰ إدارة اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ وزﯾﺮه "ﻧﻈﺎم اﻟﻤﻠﻚ" ،اﻟﺬى أﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻓﻰ " ﻓﻦ اﻟ ُ
اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﻤﺸﮭﻮرة ﻓﻰ اﻟﻌﻠﻮم واﻵداب ،ﻓﺘﻤﺘﻊ "ﻋﻤﺮ اﻟﺨﯿﺎم" ﺑﻌﻄﻔﮫ ،وھﻮ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،واﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻔﺎرﺳﻰ اﻟﺸﮭﯿﺮ.
وأﻧﺸﺄ اﻟﻤﺠﺎﻣﻊ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد ،وأﺷﮭﺮھﺎ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﺔ اﻟﺘﻰ ﺗﻢ ﺑﻨﺎؤھﺎ ﺳﻨﺔ ٤٦٠ھـ١٠٦٧ /م.
وﺣﺴﺐ ھﺬه اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺘﻰ أﻧﺸﺄھﺎ ﻧﻈﺎم اﻟﻤﻠﻚ وزﯾﺮ ﻣﻠﻜﺸﺎه اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻰ أن ﻣﻦ ﺗﻼﻣﯿﺬھﺎ اﻟﺴﻌﺪى ﻣﺆﻟﻒ " ﺑﺴﺘﺎن اﻟﺴﻌﺪى" ،وﻋﻤﺎد
اﻟﺪﯾﻦ اﻷﺻﻔﮭﺎﻧﻰ ،وﺑﮭﺎء اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻦ ﺷﺪاد )اﻟﺬى ﻛﺘﺐ ﺳﯿﺮة ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ( ،وھﻤﺎ اﻟﻠﺬان ﺧﺪﻣﺎ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ واﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ،
وﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﺗُﻮﻣَﺮْت اﻟﺬى أﺳﺲ دوﻟﺔ اﻟﻤﻮﺣﱢﺪﯾﻦ ﻓﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ واﻟﻤﻐﺮب ،وﻣﻦ أﺳﺎﺗﺬﺗﮭﺎ أﺑﻮ إﺳﺤﺎق اﻟﺸﯿﺮازى ﻣﺆﻟﻒ ﻛﺘﺎﺑﻰ " اﻟﻤﮭﺬب"
و " اﻟﺘﻨﺒﯿﮫ " ﻓﻰ اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺸﺎﻓﻌﻰ ،واﻟﻐﺰاﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﺼﻮف ،وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﻨﺪت إﻟﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﮫ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل ،وإﻟﻰ
ﺷﺨﺼﯿﺔ ﺳﻼﻃﯿﻨﮭﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺪ أﺧﺬت ﻓﻰ اﻟﺘﻔﻜﻚ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻣﻠﻜﺸﺎه ﺳﻨﺔ ٤٨٥ھـ١٠٩٢ /م.
وﻟﻢ ﺗﻈﮭﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻰ ﺷﺨﺼﯿﺔ ﻗﻮﯾﺔ ﺗﻤﻸ ﻓﺮاغ ﻣﻠﻜﺸﺎه ،وراح أﺑﻨﺎء اﻟﺒﯿﺖ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻰ ﯾﻘﺘﺴﻤﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ
اﻷﻃﺮاف ،وﯾﺴﺘﻘﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﮭﻢ ﺑﻨﺼﯿﺒﮫ ﻣﻨﮭﺎ.
وﻓﻰ ﻇﻞ ھﺬا اﻟﺘﻔﻜﻚ ﺳﺎد اﻟﻀﻌﻒ ،واﺿﻄﺮﺑﺖ اﻷﺣﻮال ﻟﻜﺜﺮة اﻟﺤﺮوب اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ إﻟﻰ أن زال ﻧﻔﻮذھﺎ ﺳﻨﺔ ٥٩٠ھـ١١٩٤ /م ،وھﻜﺬا
اﻷﯾﺎم ،ﺗﺬھﺐ دوﻟﺔ ﻟﺘﺄﺗﻰ أﺧﺮى .ﻓﻘﺪ ﺣﻠﺖ ﻣﺤﻞَ دوﻟِﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ دوﻟﺔ "اﻷﺗﺎﺑﻜﺔ" ﺑﺎﻟﻌﺮاق وﻓﺎرس ،ﻛﻤﺎ ﺣﻠﺖ دوﻟﺔ اﻷﺗﺮاك اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ
ﻣﺤﻞ ﺳﻼﺟﻘﺔ اﻟﺮوم ﺑﺂﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى ﺳﻨﺔ ٧٠٠ھـ١٣٠٠/م.
ﻛﻠﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ "ﺳﻼﺟﻘﺔ اﻟﻌﺮاق وﻛﺮدﺳﺘﺎن " اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻜﻤﻮا ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ٥١١ھـ١١١٨ /م إﻟﻰ ﺳﻨﺔ ٥٩٠ھـ١١٩٤ /م ،ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﺴﻰ
اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ اﻟﻌﻈﺎم اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺤﻜﻤﻮن ﻓﺎرس واﻷھﻮاز واﻟﺮى وﺧﺮاﺳﺎن واﻟﺠﺒﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ )٥٥٢ - ٤٢٩ھـ١٠٦٠ - ١٠٣٨ /م(
ﻛﻤﺎ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻨﺴﻰ "ﺳﻼﺟﻘﺔ اﻟﺸﺎم " اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻜﻤﻮا ﺣﻠﺐ ودﻣﺸﻖ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ )٥١١ - ٤٨٧ھـ١١٠٨ - ١٠٩٤ /م( ،وﺧﻠﻔﮭﻢ اﻟﺒﻮرﯾﻮن
واﻷرﺗﻘﯿﻮن )ﻣﻦ اﻷﺗﺎﺑﻜﯿﯿﻦ(.
وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ھﺆﻻء" ،ﺳﻼﺟﻘﺔ ﻛﺮﻣﺎن" اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻜﻤﻮا ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ) ٥٨٣ - ٤٣٣ھـ١١٨٧ - ١٠٤٢ /م( وﺧﻠﻔﮭﻢ اﻟﺘﺮﻛﻤﺎن اﻟﻐﺰ.
وﯾﺒﻘﻰ ﺳﻼﺟﻘﺔ اﻟﺮوم اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻜﻤﻮا آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ) ٧٠٠ - ٤٧٠ھـ١٣٠٠ - ١٠٧٨ /م( وﺧﻠﻔﮭﻢ اﻟﻤﻐﻮل واﻷﺗﺮاك وﻏﯿﺮھﻢ.
ﻛﺎن اﻟﻔﺮق واﺿﺤًﺎ ﺑﯿﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ﻟﻠﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ وﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻟﮭﻢ !
ﻓﻌﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ﻟﻠﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ أﻇﮭﺮ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ اﻻﺣﺘﺮام اﻟﻜﺎﻣﻞ ،واﻷدب اﻟﺠﻢ ،واﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ اﻟﻄﯿﺒﺔ ﻟﻠﺨﻠﻔﺎء
اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،وﻛﺎﻧﻮا ﺻﻮرة ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻔﻄﺮى اﻟﺬى ھﺬﺑﮫ اﻹﺳﻼم ،وﻟﯿﺲ أدل ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﻮل "ﻃُ ْﻐﺮُ ْﻟﺒِﻚ" ﺣﯿﻦ دﺧﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
" اﻟﻘﺎﺋﻢ " ﺳﻨﺔ ٤٤٩ھـ ١٠٥٧ /م " :أﻧﺎ ﺧﺎدم أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،وﻣﺘﺼﺮف ﻋﻠﻰ أﻣﺮه وﻧﮭﯿﮫ ،وﻣﺘﺸﺮف ﺑﻤﺎ أھّﻠﻨﻰ ﻟﮫ ،واﺳﺘﺨﺪﻣﻨﻰ ﻓﯿﮫ،
وﻣﻦ اﷲ أﺳﺘﻤﺪ اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ واﻟﺘﻮﻓﯿﻖ " .وھﻨﺎ أﻟﺒﺴﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " اﻟﺨﻠﻊ " ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ "ﻃﻐﺮﻟﺒﻚ" إﻻ أن ﻗَﺒﱠﻞ ﯾﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة .وراح
٤٠
اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﯾﻮﺻﯿﮫ ﺑﺘﻘﻮى اﷲ واﻟﻌﺪل ﻓﻰ اﻟﺮﻋﯿﺔ ،وزادت أواﺻﺮ اﻟﻘﺮﺑﻰ ﺑﯿﻨﮭﻢ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺰوج اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ "ﺧﺪﯾﺠﺔ " اﺑﻨﺔ أﺧﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن
ﻃﻐﺮﻟﺒﻚ" ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﺰوج ﻃﻐﺮﻟﺒﻚ ﻣﻦ اﺑﻨﺔ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺳﻨﺔ ٤٥٤ھـ١٠٦٢ /م.
وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻔﻌﻠﯿﺔ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻰ ﯾﺪ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻓﺈن اﻻﺣﺘﺮام ﺻﺎﺣﺐَ ھﺬه اﻟﺴﻠﻄﺔ .وﻗﺪ ﺣﺎول اﻟﺨﻠﻔﺎء اﺳﺘﻌﺎدة ﺳﻠﻄﺘﮭﻢ اﻟﻔﻌﻠﯿﺔ
إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ زﻋﺎﻣﺘﮭﻢ اﻟﺮوﺣﯿﺔ ،ﻓﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ذﻟﻚ أﺣﯿﺎﻧًﺎ ،وﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﺧﺘﻼف اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻣﻠﻜﺸﺎه ﺳﻨﺔ ٤٨٥ھـ/
١٠٩٢م ،وﺗﻌﺪ أﻗﻮى ھﺬه اﻟﻤﺤﺎوﻻت ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ ،ﻛﻤﺎ أن ﺧﻼﻓﺘﮫ ﺗﻌﺪ أﻃﻮل ﻣﺪة ﻓﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ.
ﻣ ﻦ ﯾُﻘﻠﺐ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﯾﺠﺪ أن ھﻨﺎك ﻓﺮوﻗًﺎ ﻛﺜﯿﺮة ودﻋﻮات ﺑﺎﻃﻠﺔ ﻓﺎﺳﺪة ،وأﻓﻜﺎرًا ﻏﺮﯾﺒﺔ وﻋﻘﺎﺋﺪ ﺿﺎﻟﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ
وراء اﻟﻔﺘﻦ واﻻﺿﻄﺮاب واﻟﺤﺮوب ﻓﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ آﻧﺬاك.
وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ " اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ" ﻣﺼﺪر ﺧﻄﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻨﺬ أن وﺟﺪت ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺑﻌﻘﺎﺋﺪھﺎ اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ وﻓﺘﻨﮭﺎ اﻟﻤﺎﻛﺮة ﻟﻮﻧًﺎ ﺟﺪﯾﺪًا ﻣﻦ
اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻀﺎﻟﺔ ﻟﻠﻨﯿﻞ ﻣﻦ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﺴﺘﺮ وراء ﺣﺐ "آل اﻟﺒﯿﺖ" ،واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻓﺴﺎد ﻋﻘﯿﺪة اﻹﺳﻼم وأرﻛﺎﻧﮫ
وﺷﺮﯾﻌﺘﮫ.
وﻣﻦ ﯾﻘﺮأ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ ﯾﺘﺒﯿﻦ ﻟﮫ أﻧﮭﺎ ﺗﻀﺮب ﺑﺠﺬورھﺎ إﻟﻰ " ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﺳﺒﺄ " ،وأﻧﮭﺎ ﺗﺸﻤﻞ ﺧﻠﯿﻄًﺎ ﻣﻦ أﺻﻮل دﻋﻮات ﻓﺎﺳﺪة
ﺗﺤﺘﻮﯾﮭﺎ ،ﻣﻨﮭﺎ :اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ،واﻟﺪروز ،وإﺧﻮان اﻟﺼﻔﺎ ،واﻹﺳﻤﺎﻋﯿﻠﯿﺔ ،وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ ﻣﺬاھﺐ ﺑﺎﻃﻠﺔ ﻇﮭﺮت ﻓﻰ ﺗﺎرﯾﺨﻨﺎ اﻹﺳﻼﻣﻰ.
وﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻣﻠﻜﺸﺎه وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٤٨٣ھـ١٠٩٠ /م راح " اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺼﺒﺎح" ﯾﺪﻋﻮ اﻟﻨﺎس إﻟﻰ اﻟﺘﺸﯿّﻊ واﻟﺰﻧﺪﻗﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻌﺔ
ﻦ ﯾﺤﺎﺻﺮ ﻗﻠﻌﺘﮫ ،وﻟﻜﻨﮫ ﺑﻌﺚ ﻣﻦ ﻗﺎم ﺑﺎﻏﺘﯿﺎل ﻧﻈﺎم "اﻟﻤﻮت" ﻓﻰ ﻧﻮاﺣﻰ ﻗﺰوﯾﻦ ،وزاد ﺧﻄﺮه ،وﻛﺜﺮ أﺗﺒﺎﻋﮫ ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﯿﮫ ﻧﻈﺎم اﻟﻤﻠﻚ ﻣَ ْ
اﻟﻤﻠﻚ ،وﻓﻚ اﻟﺤﺼﺎر ﻋﻦ اﻟﻘﻠﻌﺔ.
وﺗﻤﺮ اﻟﺴﻨﻮن ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻣﻠﻜﺸﺎه ،وﺗﻘﻊ ﻣﻌﺎرك ﻣﻊ اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺎ أﺑﻨﺎؤه وأﺣﻔﺎده ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،ﯾﻨﺠﺤﻮن ﻓﯿﮭﺎ ﺑﻔﻀﻞ اﷲ ﻓﻰ ﺗﻘﻠﯿﻢ أﻇﺎﻓﺮھﻢ
اﻟﺸﺮﺳﺔ ،وﻟﻮ ﺗﺘﺒﻌﻨﺎ اﻟﻠﻘﺎءات اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ واﻟﺰﻧﺎدﻗﺔ وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﻄﺎل ذﻟﻚ واﻣﺘﺪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻤﻼﺣﻆ أن " اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ " ﻟﻢ ﯾﻜﺘﻔﻮا
ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻘﻮاد واﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻘﻀﺎة ﻓﻰ ﺑﻼد ﻓﺎرس وﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺎﻃﻨﯿﺔ ﺑﺒﻼد اﻟﺸﺎم ﻟﻌﺒﻮا اﻟﺪور ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻊ ﺣﻜﺎم اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ،
وﻗﺎدﺗﮭﻢ وﻓﻘﮭﺎﺋﮭﻢ وﻋﻠﻤﺎﺋﮭﻢ ،ﻓﻘﺘﻠﻮا ﻣﻨﮭﻢ ﻋﺪدًا ﻛﺒﯿﺮًا.
ﺧﻨْﺠﺮًا ﻣﺴﻤﻮﻣًﺎ ﻓﻰ ﻇﮭﺮ ﻗﺎدة اﻹﺳﻼم ،وزﻋﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻓﻘﮭﺎﺋﮭﻢ ،وﺣﺴﺒﮭﻢ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﻨﺤﺮﻓﺔ وﯾﺸﮭﺪ اﷲ ،ﻛﻢ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ ِ
ﻼ
اﻟﺘﻰ ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ :ﻧﻔﻰ ﺻﻔﺎت اﷲ ،وإﺑﻄﺎل اﻟﻨﺒﻮة واﻟﻌﺒﺎدات ،وإﻧﻜﺎر اﻟﺒﻌﺚ ،وإﺑﻄﺎل ﻧﺴﺒﺔ ا ﻟﻘﺮآن إﻟﻰ اﷲ ،وﺗﺄوﯾﻞ أﺻﻮل اﻟﺪﯾﻦ ﺗﺄوﯾ ً
ﻗﺎﻃﻌًﺎ ﯾﺨﺮج ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﻜﻔﺮ ،وﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻀﺎﻟﺔ اﻟﻤﻀﻠﺔ.
ﻣﻦ ھﻢ اﻟﻤﻐﻮل؟ ﻛﯿﻒ ﻛﺎن ﻇﮭﻮرھﻢ اﻟﮭﻤﺠﻰ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺦ؟ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻣَﻦْ ﻣِﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻛﺎﻧﻮا؟
ھﺬه ﺳﻨﺔ اﻟﺤﯿﺎة ﻓﻰ اﻟﻨﺎس واﻷﺷﯿﺎء ،ﻓﺒﻌﺪ أن ﻇﻠﺖ ﺑﻐﺪاد ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﺒﻨﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺧﻤﺴﺔ ﻗﺮون راﺣﺖ ﺗﺘﮭﺎوى ﺗﺤﺖ ﺿﺮﺑﺎت
اﻟﻤﻐﻮل واﻟﺘﺘﺎر ،وﺗﺴﻠﻢ اﻟﺮاﯾﺔ ﻟﮭﻢ ،ﻟﯿﻤﻠﺌﻮا اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻗﺘﻼ وﺗﺸﺮﯾﺪًا وﻧﮭﺒًﺎ وﺳﻠﺒًﺎ وﻓﺴﺎدًا !
إﻧﮭﻢ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺗﺮﻛﯿﺔ آﺳﯿﻮﯾﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻜﻦ ﻓﻰ اﻟﺠﺰء اﻟﺸﺮﻗﻰ ﻣﻦ "ﺑﻼد اﻟﺘﺮﻛﺴﺘﺎن" وﻣﺎ ﯾﻠﯿﮭﺎ ﺷﺮﻗًﺎ ﻣﻦ "ﻏﺮب ﺑﻼد اﻟﺼﯿﻦ" ،وھﻢ ﺑﺪو
رﻋﺎة ﯾﺪﯾﻨﻮن ﺑﺎﻟﻮﺛﻨﯿﺔ ،وﻻ ﯾﺆﻣﻨﻮن ﺑﺎﷲ وﻻ ﺑﺎﻟﯿﻮم اﻵﺧﺮ ،وﯾﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ اﻟﺮزق أﯾﻨﻤﺎ وﺟﺪ ،وﯾﻨﺘﻘﻠﻮن وراءه ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ،وﯾﻘﺘﺘﻠﻮن ﻣﻦ
أﺟﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﯿﮫ ،ﻧﺴﺎؤھﻢ ﻓﻰ ھﺬا ﻛﺮﺟﺎﻟﮭﻢ ﺳﻮاء ﺑﺴﻮاء.
وﻛﺎﻧﺖ ﺑﯿﻦ " ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﻐﻮل" و " ﻗﺒﺎﺋﻞ اﻟﺘﺘﺎر" أواﺻﺮ ﻧﺴﺐ وﺟﻮار ،وﻟﻜﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ھﺬا ،ﻓﺈن ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﺮزق ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺪﻓﻌﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﺘﻨﺎزع واﻟﺘﻨﺎﺣﺮ واﻟﺘﻘﺎﺗﻞ ،وﺗﺴﻔﺮ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﺑﯿﻨﮭﺎ ﻋﻦ اﻧﺘﺼﺎر " اﻟﺘﺘﺎر" وھﺰﯾﻤﺔ " اﻟﻤﻐﻮل" ،وﯾﻌﻮد اﻟﻤﻐﻮل ﻓﯿﻨﺘﺼﺮون
ﻋﻠﻰ " اﻟﺘﺘﺎر" وﻟﻜﻦ اﻟﺰﻋﯿﻢ اﻟﺘﺘﺮى "ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" ﺟﻤﻊ ﺷﻤﻞ ھﺬه اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﺼﺒﺢ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺴﻮداء ﻓﻰ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻰ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ أﻧﺰﻟﻮه
ﺑﮫ ﻣﻦ اﻟﻜﻮارث اﻟﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﺤﺪث ﻣﺜﻠﮭﺎ.
اﻧﺘﺼﺎرات ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن:
ﻓﻜﯿﻒ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺬى ﺣﺪث؟ وﻣﺎ ﻗﺼﺔ ﺧﺮوج اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ؟ وﻛﯿﻒ ﺗﮭﺎوت اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻠﻰ أﯾﺪﯾﮭﻢ ﺑﮭﺬه اﻟﺼﻮرة
اﻟﻤﮭﯿﻨﺔ؟ !
إن " اﺑﻦ اﻷﺛﯿﺮ" اﻟﻤﺆرخ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﺣﯿﻦ أراد أن ﯾﺴﺠﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث ﻓﻰ ﻛﺘﺎﺑﮫ " اﻟﻜﺎﻣﻞ" ﺗﻤﻨﻰ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻣﺎت ﻗﺒﻞ أن ﯾﺴﻤﻊ ﻋﻨﮭﺎ أو
ﯾﺮاھﺎ ،ﻓﯿﻘﻮل " :ﻟﻘﺪ ﺑﻘﯿﺖ ﻋﺪة ﺳﻨﯿﻦ ﻣُﻌْﺮِﺿًﺎ ﻋﻦ ذﻛﺮ ھﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﺳﺘﻌﻈﺎﻣًﺎ ﺑﮭﺎ ،ﻛﺎرھًﺎ ﻟﺬﻛﺮھﺎ ،ﻓﺄﻧﺎ أﻗﺪم رِﺟْﻼ وأؤﺧﺮ أﺧﺮى ،ﻓﻤﻦ
اﻟﺬى ﯾﺴﮭﻞ ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﻜﺘﺐ ﻧﻌﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻣﻦ اﻟﺬى ﯾﮭﻮن ﻋﻠﯿﮫ ذﻛﺮ ذﻟﻚ ،ﻓﯿﺎ ﻟﯿﺖ أﻣﻰ ﻟﻢ ﺗﻠﺪﻧﻰ ،وﯾﺎ ﻟﯿﺘﻨﻰ ﻣﺖ ﻗﺒﻞ ھﺬا
وﻛﻨﺖ ﻧﺴﯿًﺎ ﻣﻨﺴﯿّﺎ ،إﻻ أَﻧﻰ ﺣﺜﻨﻰ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻄﯿﺮھﺎ ،وأﻧﺎ ﻣﺘﻮﻗﻒ ،ﺛﻢ رأﯾﺖ أنﱠ ﺗﺮك ذﻟﻚ ﻻ ﯾﺠﺪى ﻧﻔﻌًﺎ ،ﻓﻨﻘﻮل :ھﺬا
اﻟﻔﻌﻞ ﯾﺘﻀﻤﻦ اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ واﻟﻤﺼﯿﺒﺔ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻰ ﻋﻘﻤﺖ اﻷﯾﺎم واﻟﻠﯿﺎﻟﻰ ﻋﻦ ﻣﺜﻠﮭﺎ ،ﻋﻤﺖ اﻟﺨﻼﺋﻖ ،وﺧﺼﺖ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﻠﻮ ﻗﺎل
ﻞ ﺑﻤﺜﻠﮭﺎ ﻛﺎن ﺻﺎدﻗًﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺘﻮارﯾﺦ ﻟﻢ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺎ ﯾﻘﺎرﺑﮭﺎ وﻻ ﻣﺎ
ﻗﺎﺋﻞ :إن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﺬ ﺧﻠﻖ اﷲ -ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ -آدم إﻟﻰ اﻵن ﻟﻢ ﯾُﺒﺘ َ
ﯾﺪاﻧﯿﮭﺎ".
وھﻜﺬا ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻜﻦ " ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" ﻣﻦ إﺧﻀﺎع اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻤﺠﺎورة ﻟﮫ ﻓﻰ دھﺎء واﻗﺘﺪار ﻣﺤﻄﱢﻤًﺎ ﺧﺼﻮﻣﮫ ﻣﺴﺘﻮﻟﯿًﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻤﻠﻜﻮن،
ﻋﻤًﺎ ﺟﯿﺸﮫ ﺑﺎﻟﻤﺤﺎرﺑﯿﻦ راح ﯾﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ "إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺼﯿﻦ" اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺮﻗﻰ ﺑﻼده. ﻣُ َﺪ ﱢ
واﺳﺘﻄﺎع أن ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ أﺟﺰاء "اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺼﯿﻨﯿﺔ " اﻟﻤﺘﺪاﻋﯿﺔ ﺳﻨﺔ ٦١٢ھـ١٢١٥ /م.
واﺟﺘﻤﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﻠﻞ اﻟﻜﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ واﻟﺒﻮذﯾﯿﻦ واﻟﺮاﻓﻀﺔ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺸﯿﻌﺔ.
ﻟﻘﺪ ﻇﻨﻮا ﻓﻰ ھﺆﻻء اﻷﺷﺮار ﻣﻦ اﻟﻤﻐﻮل واﻟﺘﺘﺎر اﻟﻤﻌﺎول اﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ ھﺪم اﻹﺳﻼم وﺣﻀﺎرﺗﮫ.
اﺟﺘﻤﺎع اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ واﻟﻤﻐﻮل:
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﯾﺤﺘﻠﻮن ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،وﻛﺎن اﻟﻤﺠﺎھﺪون اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻗﺪ أﻧﺰﻟﻮا ﺑﮭﻢ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﻤﺎد اﻟﺪﯾﻦ زﻧﻜﻰ ،وﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد،
وﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻷﯾﻮﺑﻰ ھﺰاﺋﻢ ﺳﺎﺣﻘﺔ ،وﻟﻮﻻ ﺿﻌﻒ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﺑﺎﻟﺸﺎم ﻗﺪ ﺗﺤﻘﻘﺖ ..وﻟﻜﻦ
٤١
اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻇﻠﻮا ﯾﻌﺎﻧﻮن اﻟﻀﻌﻒ اﻟﺒﺎﻟﻎ وﯾﺼﻤﺪون رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﻇﮭﺮت ﻗﻮة اﻟﻤﻐﻮل ،وﺗﺄﻛﱠﺪ ﻋﺪاؤھﻢ ﻟﻺﺳﻼم وﻣﺎ
أﻧﺰﻟﻮه ﺑﺄھﻠﮫ ﻣﻦ ھﺰاﺋﻢ وﻣﺼﺎﺋﺐ ﻓﻰ ﺑﻼد ﺧﺮاﺳﺎن وﻓﺎرس ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض دوﻟﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ھﻨﺎك ،ﻓﺎﺟﺘﻤﻌﺖ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ
واﻟﻤﻐﻮل ﻓﻰ ﻋﺪاء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﺣﺮﺑﮭﻢ ،وﺑﺪأت اﻻﺗﺼﺎﻻت ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻟﺘﻨﺴﯿﻖ اﻟﺠﮭﻮد ﻓﻰ ھﺬا اﻟﺼﺮاع.
وأﻋﻤﻞ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﺣﯿﻠﮭﻢ اﻟﺨﺒﯿﺜﺔ ،ﻓﻌﺮﺿﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺘﺎر اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺔ ،ﻓﺘﻨﺼﱠﺮ ﻣﻨﮭﻢ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ،وﺟﻌﻠﻮا ﯾﺰوﺟﻮﻧﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺎت
اﻟﺤﺎﻗﺪات ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم وأھﻠﮫ ،ﻓﺎﺷﺘﻌﻞ اﻟﺤﻘﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﻰ واﻟﺒﻮذى ﻓﻰ اﻟﮭﻤﺠﯿﺔ اﻟﺸﺮﺳﺔ ،واﻧﻄﻠﻘﺖ ﺟﺤﺎﻓﻞ اﻟﺘﺘﺎر ﺗﺪﻣﺮ اﻟﺨﯿﺮ ﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن.
وإذا ﻛﺎن ﺿﻌﻒ اﻟﺪول ﯾﻐﺮى ﺑﺎﻟﻌﺪوان ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﻓﺈن "ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" ﻗﺮر أن ﯾﺘﺠﮫ إﻟﻰ "ﺗﺮﻛﺴﺘﺎن" ،وراح ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪن واﻟﻌﻮاﺻﻢ
واﺣﺪة ﺑﻌﺪ أﺧﺮى ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﯿﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد ،ﻧﺬﻛﺮ ﻣﻨﮭﺎ "ﻛﺎﺷﻐﺮ" و "ﺑﻼ ﺳﻔﻮن ".
وراح ﯾﻔﻜﺮ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ :إن "إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺨﻄﺎ" ﻏﺮﺑﻰ ﺑﻼده ﺗﻘﻊ ﺣﺎﺋﻼ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ "اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﺨﻮارزﻣﯿﺔ" ﻓﻤﺎ اﻟﻌﻤﻞ؟ وﻛﯿﻒ اﻟﺴﺒﯿﻞ إﻟﻰ
ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺧﻮارزم ،وﻣﻦ ﺑﻌﺪھﺎ ﻛﻞ ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ؟
راح ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ أﺟﺰاء ﻣﻦ " ﻣﻠﻚ اﻟﺨﻄﺎ" وﯾﻘﺘﺮب ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ " اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﺨﻮارزﻣﯿﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ".
وﻛﺎن ﻻﺑﺪ ﻟﮫ ﻣﻦ ﻣﮭﺎﺟﻤﺘﮭﺎ ﺑﻤﺎ ﻟﺪﯾﮫ ﻣﻦ ﻗﻮة ﺳﺎﺣﻘﺔ ﻣﺎﺣﻘﺔ ﻟﯿﺼﻨﻊ ﻣﻠﻜًﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض اﻟﺤﻀﺎرات وأﺷﻼء اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ،وھﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺣﻼم
ﺗﺮاوده !
ﻣﻦ ھﻨﺎ ﺑﺪأت اﻟﻠﻘﺎءات اﻟﺪاﻣﯿﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﺘﺎر واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﻠﻘﺪ أرﺳﻞ " ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" ﺧﻄﺎﺑًﺎ إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن "ﻋﻼء اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻮارزم ﺷﺎه"
ﯾﺘﺒﺎھﻰ ﻓﯿﮫ ﺑﻘﻮﺗﮫ ،وﯾﺤﯿﻄﮫ ﻋﻠﻤًﺎ ﺑﺄﻧﮫ ﻓﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ إﻟﯿﮫ ﻟﻼﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﻤﻠﻜﺘﮫ .وﻛﺎن ﻻﺑﺪ ﻣﻦ أن ﯾﺒﺎدر "ﺧﻮارزم ﺷﺎه " ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻟﻤﻼﻗﺎة
اﻟﺘﺘﺎر ﻓﻰ ﻋﻘﺮ دارھﻢ .وﯾﺼﻞ "ﺧﻮارزم ﺷﺎه " إﻟﻰ ﺑﯿﻮﺗﮭﻢ ﻓﻼ ﯾﺠﺪ ﻓﯿﮭﺎ إﻻ اﻟﻨﺴﺎء واﻟﺼﺒﯿﺎن.
وﯾﺒﻌﺚ ﺑﻤﻦ ﯾﺄﺗﯿﮫ ﺑﺄﺧﺒﺎرھﻢ ﻓﯿﻌﻠﻢ أﻧﮭﻢ ﺧﺮﺟﻮا ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ " ﻣﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻟﺘﺮك" ،وھﺰﻣﻮه ،وﻏﻨﻤﻮا أﻣﻮاﻟﮫ ،وھﺎھﻢ أوﻻء ﻓﻰ ﻃﺮﯾﻖ
اﻟﻌﻮدة.
وﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺘﻘﻰ اﻟﺠﯿﺸﺎن :ﺟﯿﺶ " ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" ،وﺟﯿﺶ " ﺧﻮارزم ﺷﺎه" واﺳﺘﻤﺮ اﻟﻘﺘﺎل ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم دون أن ﯾﺤﻘﻖ أﺣﺪھﻤﺎ ﻧﺼﺮًا
ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ،وﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ ھﺬه اﻟﻮﻗﻌﺔ ﻋﺸﺮون أﻟﻔًﺎ ،ﻓﻌﺎد "ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" إﻟﻰ ﺑﻼده ،وﻋﺎد "ﺧﻮارزم ﺷﺎه" ھﻮ اﻵﺧﺮ إﻟﻰ
ﺑﻼده ،وﻛﻼھﻤﺎ ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻟﻠﻘﺎء اﻟﺤﺎﺳﻢ ،وأﺻﺪر "ﺧﻮارزم ﺷﺎه" أواﻣﺮه إﻟﻰ أھﻞ "ﺑﺨﺎرى" و " ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ" ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﺤﺮب ﻗﺎدﻣﺔ ،وﻋﻠﯿﮭﻢ
أن ﯾﺠﻤﻌﻮا اﻟﺬﺧﺎﺋﺮ ،وﯾﺴﺘﻌﺪوا ﻟﺤﺼﺎر ﻗﺪ ﯾﻄﻮل ،وﻋﺎد ھﻮ إﻟﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ،وﻣﺮت ﺧﻤﺴﺔ أﺷﮭﺮ ،وﻓﺠﺄة ﺧﺮج اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ أھﻞ ﺑﺨﺎرى
ﻣﻘﺎﺗﻠﯿﻦ ﻣﺤﺎﺻﺮﯾﻦ ،ودارت ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺷﺮﺳﺔ اﺳﺘﻤﺮت ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ،ﺳﻘﻄﺖ ﺑﻌﺪھﺎ "ﺑﺨﺎرى" ﻓﻰ أﯾﺪى اﻟﺘﺘﺎر أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم
واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وراح اﻟﺘﺘﺎر ﯾﺮﺗﻜﺒﻮن ﺟﺮاﺋﻢ ﯾﺸﯿﺐ ﻟﮭﺎ اﻟﻮﻟﺪان ،وراﺣﻮا ﯾﻘﺘﻠﻮن اﻟﻔﻘﮭﺎء واﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﯾﺴﺒﻮن اﻟﻨﺴﺎء ،وﯾﻨﺘﮭﻜﻮن أﻋﺮاﺿﮭﻦ أﻣﺎم أھﻠﯿﮭﻦ،
وﻗﺪ ﺛﺎر ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻛﺎﻧﻮا ﯾﻔﻀﻠﻮن اﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ رؤﯾﺔ ھﺬا اﻟﺠﺮم اﻟﻔﺎﺣﺶ واﻟﺴﻜﻮت ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﻜﺎن ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠ ﻤﯿﻦ
ﯾﻘﺎﺗﻠﻮن اﻟﺘﺘﺎر ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻮت ،وﻣﻦ ﻛﺎن ﯾﺴﻜﺖ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﺈﻧﮫ رﻏﻢ ﺳﻜﻮﺗﮫ ﯾﻤﺜﻞ ﺑﮫ وﯾﻌﺬب ﺑﺄﺷﺪ أﻧﻮاع اﻟﻌﺬاب ،وﯾﻠﻘﻰ ﻓﻰ اﻟﻨﺎر.
وﻣﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﺛﺎروا ﻟﺬﻟﻚ اﻹﻣﺎم اﻟﻔﻘﯿﮫ رﻛﻦ اﻟﺪﯾﻦ إﻣﺎم زاده ووﻟﺪه ،ﻓﺈﻧﮭﻤﺎ ﻟﻤﺎ رأﯾﺎ ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻞ ﺑﺎﻟﺤﺮم ﻗﺎﺗﻼ ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻼ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ اﻟﻘﺎﺿﻰ
ﺻﺪر اﻟﺪﯾﻦ ﺧﺎن.
وأﺧﺬوا ﯾﺸﺮدون اﻷﺑﺮﯾﺎء ،وﯾﮭﺪﻣﻮن اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻤﺪارس ،وﯾﺤﺮﻗﻮن ﻛﻞ اﻟﻤﺼﺎﺣﻒ اﻟﺘﻰ وﺟﺪوھﺎ ﻓﻰ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﺑﺨﺎرى.
وأﺧﺬ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻌﺾ اﻷﺳﺮى ﻣﻦ "ﺑﺨﺎرى" وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ واﻟﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺧﻮارزم ﺷﺎه ﻓﻰ أﻗﺒﺢ ﺻﻮرة إﻟﻰ ﺳﻤﺮ ﻗﻨﺪ ،وﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﻘﺪر ﻋﻠﻰ
اﻟﺴﯿﺮ ﻣﻌﮭﻢ ﻗﺘﻠﻮه.
وﻟﻤﺎ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ " ﺳﻤﺮ ﻗﻨﺪ" ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﻣﻔﺎﺟﺄة ،ﻟﻘﺪ وﺟﺪوا ﻋﺪدًا ﻛﺒﯿﺮًا ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ وﻣﻌﮭﻢ ﺧﻤﺴﻮن أﻟﻔﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮارزﻣﯿﺔ ﻗﺪ اﺳﺘﻌﺪوا
ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺘﺘﺎر.
وﻟﻜﻦ اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻤﺪوا إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺮ واﻟﺨﺪﯾﻌﺔ ،ﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ أھﻞ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ وﻣﻦ ﻣﻌﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻮارزﻣﯿﯿﻦ ،ﻟﻘﺪ أﻇﮭﺮوا اﻟﺨﻮف ﻣﻨﮭﻢ ،وراﺣﻮا
ﯾﺘﺮاﺟﻌﻮن أﻣﺎﻣﮭﻢ ،وراح اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﯾ ﺘﻘﺪﻣﻮن وراءھﻢ وﯾﺘﺎﺑﻌﻮﻧﮭﻢ ،وھﻨﺎ ﻗﺎم ﺟﯿﺶ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻤﺤﺎﺻﺮة اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮭﻢ
وإﺑﺎدﺗﮭﻢ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺴﻠﻢ ﻣﻨﮭﻢ أﺣﺪ ،واﺳﺘﺸﮭﺪوا ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،وﻛﺎﻧﻮا ﺳﺒﻌﯿﻦ أﻟﻔًﺎ.
وﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﮭﺬا ،ﺑﻞ ﺗﻘﺪﻣﻮا ودﺧﻠﻮا " ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ " ،ﯾﻘﺘﻠﻮن ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﻦ أھﻠﮭﺎ ،وﻓﻌﻠﻮا ﺑﺴﻤﺮﻗﻨﺪ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻮه ﺑﺒﺨﺎرى ﻣﻦ ﻧﮭﺐ وﺳﻠﺐ،
وﻗﺘﻞ وﺳﺒﻰ ،وﺣﺮق ﻟﻠﻤﺴﺎﺟﺪ ،وھﺘﻚ ﻷﻋﺮاض اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت ! وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻋﺎم ٦١٧ھـ.
وﯾﺼﺪر " ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺘﺘﺎر أواﻣﺮه إﻟﻰ رﺟﺎﻟﮫ أن ﯾﺄﺗﻮه ﺑﺮأس "ﺧﻮارزم ﺷﺎه " ﻓﻌﺒﺮوا اﻟﻨﮭﺮ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﺑﯿﻦ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ وﺧﺮاﺳﺎن،
وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻈﻔﺮوا ﺑﮫ ،وﻟﻢ ﯾﻤﻜﻨﮭﻢ اﷲ ﻣﻨﮫ ،ﻓﻘﺪ ﺻﻌﺪت روﺣﮫ إﻟﻰ ﺑﺎرﯾﮭﺎ وﻟﻘﻰ رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ٦١٧ھـ١٢٢٠/م ،ﺑﻌﺪ ﺣﯿﺎة ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺨﺪﻣﺔ
اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻛﺎن ﻣﻠﻜﮫ ﻣﻤﺘﺪّا ﻣﻦ ﺣﺪود اﻟﻌﺮاق إﻟﻰ ﺗﺮﻛﺴﺘﺎن إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ "ﻏﺰﻧﺔ" وﺑﻌﺾ ﺑﻼد اﻟﮭﻨﺪ ،وﺳﺠﺴﺘﺎن ،وﻛِﺮﻣﺎن،
وﻃﺒﺮﺳﺎن ،وﺟﺮﺟﺎن ،وﺑﻼد اﻟﺠﺒﻞ ،وﺧﺮاﺳﺎن ،وﺑﻌﺾ ﻓﺎرس ،واﻟﺨﻄﺎ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن "ﺧﻮارزم ﺷﺎه " ﻋﺎﻟﻤًﺎ ﻓﻘﯿ ﮭًﺎ ،ﻣﻌﻈﱢﻤﺎ ﻷھﻞ اﻟﺪﯾﻦ ،ﻣﻜﺮّﻣًﺎ ﻟﮭﻢ ،ﻣﻘﺒﻼ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﻌﻤﻞ ﻟﻶﺧﺮة ،ﻓﻠﻢ ﯾﺮﻛﻦ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ
وﯾﻐﻨﻤﮭﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻘﺒﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﮭﻮات أو ﯾﻨﮭﻤﻚ ﻓﻰ اﻟﻤﻠﺬﱠات .رﺣﻤﮫ اﷲ رﺣﻤﺔ واﺳﻌﺔ ،وﺟﺰاه ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ﺧﯿﺮ اﻟﺠﺰاء.
ﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ " اﻟﺘﺘﺎر" ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﺤﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺪوان ﻋﻠﻰ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺑﻞ واﺻﻠﻮا اﻟﺰﺣﻒ ﻧﺤﻮ "ﻣﺎزﻧﺪان" ﻓﻤﻠﻜﻮھﺎ ،وﺳﻘﻄﺖ ﻓﻰ
أﯾﺪﯾﮭﻢ " اﻟﺮﱠى" و " ھﻤﺬان" وﺳﺎروا إﻟﻰ "أذرﺑﯿﺠﺎن" ﺣﺘﻰ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ " ﺗﺒﺮﯾﺰ" ،ﻓﻠﻢ ﯾﺨﺮج إﻟﯿﮭﻢ ﺻﺎﺣﺐ "أذرﺑﯿﺠﺎن" ﻻﺷﺘﻐﺎﻟﮫ ﺑﻤﻠﺬاﺗﮫ
وﺷﮭﻮاﺗﮫ ،وإﻧﻤﺎ أرﺳﻞ إﻟﯿﮭﻢ اﻟﮭﺪاﯾﺎ وﺻﺎﻟﺤﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎل وﺛﯿﺎب ودواب ،ﻓﻔﺎرﻗﻮه إﻟﻰ ﺑﻼد "اﻟﻜﺮج" وأوﻗﻌﻮا ﺑﮭﻢ اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ.
وﻇﻞ اﻟﺘﺘﺎر ﯾﻨﺘﻘﻠﻮن ﻣﻦ ﺑﻠﺪ إﻟﻰ آﺧﺮ ﯾﻘﺘﻠﻮن وﯾﺸﺮدون ،وﻣﺎ اﺳﺘﻌﺼﻰ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺪن ﺗﺮﻛﻮه إﻟﻰ ﺣﯿﻦ.
وﻋﺎد اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ "ھﻤﺬان " ﻓﻘﺎوﻣﮭﻢ أھﻠﮭﺎ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﺑﺎﺳﻠﺔ ﺟﺒﺎرة ،ﺣﺘﻰ ﻓﻜﺮوا ﻓﻰ اﻟﻌﺪول ﻋﻨﮭﺎ ﻟﻜﺜﺮة ﺿﺤﺎﯾﺎھﻢ ،ﻟﻜﻨﮭﻢ ﺗﻤﺎﺳﻜﻮا ﺣﺘﻰ
ﻏﻠﺒﻮا "أھﻞ ھﻤﺬان" وﻟﻢ ﯾَ ْﻨﺞُ ﻣﻨﮭﻢ إﻻ ﻣﻦ اﺗﺨﺬ ﻟﮫ ﻧﻔﻘًﺎ ﻓﻰ اﻷرض ،وﻣﻦ "ھﻤﺬان " اﻧﺘﻘﻞ اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ "أذرﺑﯿﺠﺎن" ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ
٤٢
ﻣﺪﻧﮭﺎ ،وﺻﺎﻟﺤﻮا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻨﮭﺎ ﻣﺤﺼﻨًﺎ.
واﻧﺘﻘﻞ اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻟﻰ "درﺑﻨﺪ ﺷﺮوان" ،وﻓﯿﮭﺎ أﻣﻢ ﻛﺜﯿﺮة وﻃﻮاﺋﻒ ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮك ،ﻓ ﻘﺘﻠﻮا ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻜﺜﯿﺮ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻰ "ﺑﻼد
اﻟﻘﻔﺠﺎق "أو )اﻟﻘﻔﻘﺎس( اﻟﺘﻰ اﺗﺨﺬ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻤﻠﻚ " اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻧﺠﻢ اﻟﺪﯾﻦ أﯾﻮب" ﻣﻤﺎﻟﯿﻜﮫ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ وھﻢ ﻣﻠﻮك ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ ،وھﻢ
" اﻟﻤﻌﺰ أﯾﺒﻚ" ،و " اﻟﻤﻈﻔﺮ ﻗﻄﺰ" و " اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻗﻼوون" وﻏﯿﺮھﻢ.
واﻧﺘﻘﻞ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ "ﺑﻼد اﻟﻘﻔﺠﺎق " إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺮوس ﻣﻤﺎ ﯾﺠﺎورھﺎ ﻓﻈﻔﺮوا ﺑﮭﺎ ،ﺛﻢ ﻗﺼﺪوا "ﺑﻼد ﺑﻠﻐﺎر" ،ﻓﻠﻤﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﺑﻘﺪوم اﻟﺘﺘﺎر إﻟﯿﮭﻢ،
ﺧﺮﺟﻮا وﻛﻤﻨﻮا ﻟﮭﻢ ﻓﻰ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﺳﺘﺪرﺟﺘﮭﻢ ﺣﺘﻰ ﺟﺎوزوا ﻣﻮاﺿﻊ اﻟﻜﻤﯿﻦ ،ﻓﺨﺮج ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﻜﻤﻨﺎء ﻣﻦ
اﻟﺨﻠﻒ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﺤﺼﻮرﯾﻦ ،ﻓﻘﺘﻠﮭﻢ أھﻠﮭﺎ ،وﻓ ﱠﺮ اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ ﻣﻠﻜﮭﻢ ،ورﺟﻊ ﻣﻦ ﺳﻠﻢ ﻣﻨﮭﻢ إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ.
وﯾﻌﻮد اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻌﺪ ﻏﺰوھﻢ اﻟﻮﺣﺸﻰ إﻟﻰ اﻟﻘﻼع اﻟﺤﺼﯿﻨﺔ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﺳﺘﻌﺼﺖ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،ﻟﯿﻔﺘﺤﻮھﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ وأﺳﺮ وﺳﺒﻰ وﻧﮭﺐ وﺗﺪﻣﯿﺮ
وإﺣﺮاق ،وﯾﺘﺠﮭﻮن إﻟﻰ "ﺧﺮاﺳﺎن " ،ﻓﺄﺧﺬ أھﻠﮭﺎ ﯾﻘﺎﺗﻠﻮن ﺑﺒﺴﺎﻟﺔ وﺷﺠﺎﻋﺔ ﻟﯿﻼ وﻧﮭﺎرًا ،ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﻮا ﻣﻦ اﻟﺘﺘﺎر ﺧﻠﻘًﺎ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،ﻓ ﺎﺷﺘﻜﻰ
اﻟﺘﺘﺎر إﻟﻰ ﺟﻨﻜﯿﺰ ﻣﻨﻌﺘﮭﺎ ،ﻓﺴﺎر إﻟﯿﮭﺎ ﺑﻨﻔﺴﮫ وﻣﻦ ﻣﻌﮫ ،وﻟﻤﺎ ﻋﺠﺰ ﻋﻨﮭﺎ أﻣﺮ ﺑﺠﻤﻊ أﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﻄﺐ ،ﻓﻜﺎن ﯾﻀﻊ ﺻﻨﻔًﺎ ﻣﻦ
اﻟﺤﻄﺐ وﺻﻨﻔًﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب ،ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ھﺬا اﻟﺤﻄﺐ ﺑﺎرﺗﻔﺎع اﻟﻘﻠﻌﺔ ،ﻓﺪﺧﻠﮭﺎ اﻟﺘﺘﺎر وﻓﺮ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﻮن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻨﮭﺎ ،ﻓﺴﺒﻰ اﻟﺘﺘﺎر اﻟﻨﺴﺎء
وﻧﮭﺒﻮا اﻷﻣﻮال واﻧﺘﮭﻜﻮا اﻷﻋﺮاض ،واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ "ﻏﺰﻧﺔ " وﺑﻼد "اﻟﻐﻮر" ،وﯾﺸﺎء اﷲ أن ﯾﻮاﺟﮭﮭﻢ "ﺟﻼل اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻦ ﺧﻮارزم ﺷﺎه "
وﻣﻌﮫ ﻣﻦ ﺳﻠﻢ ﻣﻦ ﻋﺴﻜﺮ أﺑﯿﮫ ﻓﻰ " ﺑﻠﻖ " وأن ﯾﻨﮭﺰم اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﺎﻣﯿﺔ ،وﯾﻐﻨﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﺎ ﻣﻊ اﻟﺘﺘﺎر ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﻠﯿﻼ ﺑﻞ ﻛﺎن
ﻛﺜﯿﺮًا وﻋﻈﯿﻤًﺎ.
واﻟﺘﻘﻰ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻋﻨﺪ "ﻛﺎﺑُﻞ" وﻛﺎن اﻟﻨﺼﺮ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﻐﻨﻤﻮا ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ ﻣﺎ ﻏﻨﻤﻮا ،وﻓﻜﻮا أﺳﺮاھﻢ واﺳﺘﻨﻘﺬوھﻢ ﻣﻦ
أﯾﺪى أﻋﺪاﺋﮭﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﻻرﺣﻤﺔ ﻓﻰ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ وﻻ إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ.
وﻛﺎن ﻛﻞ ﺷﻰء ﯾﻮﺣﻰ ﺑﺄن اﻟﺘﺘﺎر ﻣﺼﯿﺮھﻢ إﻟﻰ اﻻﻧﮭﯿﺎر ،وأن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺳﻮف ﯾﻌﻠﻮ أﻣﺮھﻢ ،وﯾﻌﻮد ﻟﮭﻢ ﻣﺠﺪھﻢ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،ﻟﻜﻦ ﻓﺘﻨﺔ
اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ واﻷﻣﻮال ﻗﻀﺖ ﻋﻠﻰ وﺣﺪة اﻟﺼﻒ ،وﻓﺮﻗﺖ اﻟﺸﻤﻞ ،ﻓﻨﺠﺪ أﻣﯿﺮﯾﻦ ﻣﻦ أﻣﺮاء اﻟﺨﻮارزﻣﯿﺔ ﯾﺨﺘﻠﻔﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ وﯾﻘﺘﺘﻼن ،وﺗﻤﺘﺪ
اﻟﯿﺪ اﻵﺛﻤﺔ ،ﻓﺘﻘﺘﻞ أﺧﺎ اﻷﻣﯿﺮ " ﺳﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ" ،وھﻮ ﻣﻤﻦ أﺑﻠﻮا ﺑﻼء ﺣﺴﻨًﺎ ﻓﻰ ﺣﺮب اﻟﺘﺘﺎر ،وﯾﻐﻀﺐ " ﺳﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ " ﻟﻤﻘﺘﻞ أﺧﯿﮫ ﺑﻌﺪ أن
ھﺰم اﻟﺘﺘﺎر وﻛﺎد ﯾﻘﻀﻰ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﯾﻔﺎرق اﻟﺠﯿﺶ ،وﻣﻌﮫ ﺛﻼﺛﻮن أﻟﻔًﺎ ،ﺳﺎر ﺑﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﮭﻨﺪ ،وﯾﺤﺎول "ﺟﻼل اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻦ ﺧﻮارزم ﺷﺎه " إﻧﻘﺎذ
اﻟﻤﻮﻗﻒ؛ ﻓﺬھﺐ إﻟﻰ ﺳﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ ،وذﻛﺮه ﺑﺎﻟﺠﮭﺎد ،وﺧﻮﻓﮫ ﻣﻦ اﷲ ،وﺑﻜﻰ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ وﻗﺒﻠﮭﻤﺎ ،ﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﺆﺛﺮ ﻓﯿﮫ ،وﻟﻢ ﯾﺠﻌﻠﮫ ﯾﺘﺮاﺟﻊ.
وﻟﻤﺎ ﯾﺌﺲ "ﺟﻼل اﻟﺪﯾﻦ" وﻗﻞ اﻟﻌﺪد ﻣﻌﮫ ،أﺧﺬ ﻣﻦ ﻣﻌﮫ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺪ وﺳﺎرﻋﻮا ﻧﺤﻮ اﻟﮭﻨﺪ ،وﺣﺎوﻟﻮا ﻋﺒﻮر اﻟﻨﮭﺮ ،ﻓﻠﻢ ﯾﺠﺪوا ﺳﻔﻨًﺎ ،ﻓﺄدرﻛﮭﻢ
" ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن" ،وﻗﺘﻞ "ﺟﻼل اﻟﺪﯾﻦ" وﻣﻦ ﻣﻌﮫ ،ﺛﻢ ﺳﺎر إﻟﻰ ﺧﻮارزم ،ﻓﺨﺮﺑﮭﺎ ودﻣﺮھﺎ.
وھﻜﺬا ﯾﻜﻮن ﻟﺸﮭﻮات اﻟﻨﻔﺲ واﻟﺜﺄر ﻟﻐﯿﺮ اﷲ أﺛﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻰ ﺿﯿﺎع ﻣﻠﻚ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﺗﺨﺮﯾﺐ دﯾﺎرھﻢ.
ﻟﻘﺪ ﺗﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﺠﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ واﺳﻌﺔ ﻣﺘﺮاﻣﯿﺔ اﻷﻃﺮاف ﺗﺒﺘﺪئ ﺷﺮﻗًﺎ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺼﯿﻦ ،وﺗﻨﺘﮭﻰ ﻏﺮﺑًﺎ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﻌﺮاق وﺑﺤﺮ
اﻟﺨﺰر وﺑﻼد اﻟﺮوس ،وﺟﻨﻮﺑًﺎ ﺑﺒﻼد اﻟﮭﻨﺪ ،وﺷﻤﺎﻻ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ اﻟﺸﻤﺎﻟﻰ.
ﺗﻢ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻣﺪة ﻗﺼﯿﺮة ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻤﺆرخ "اﺑﻦ اﻷﺛﯿﺮ" وﻗﺪ ﻋﺎﺻﺮ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث ،ﯾﻘﻮل " :ﻟﻘﺪ ﺟﺮى ﻟﮭﺆﻻء اﻟﺘﺘﺎر ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﺴﻤﻊ ﺑﻤﺜﻠﮫ
ﻓﻰ ﻗﺪﯾﻢ اﻟﺰﻣﺎن وﺣﺪﯾﺜﮫ ،ﻃﺎﺋﻔﺔ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺣﺪود " اﻟﺼﯿﻦ" ،ﻻﺗﻨﻘﻀﻰ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﺳﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﯾﺼﻞ ﺑﻌﻀﮭﻢ إﻟﻰ ﺑﻼد "أرﻣﯿﻨﯿﺔ" ﻣﻦ ھﺬه
اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ وﯾﺠﺎوروا اﻟﻌﺮاق ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ "ھﻤﺬان " !
وﺗﺎﷲ ﻻ ﺷﻚ أن ﻣﻦ ﯾﺠﻰء ﺑﻌﺪﻧﺎ-إذا ﺑَﻌُﺪ اﻟﻌﮭﺪ ،-وﯾﺮى ھﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﻣﺴﻄﻮرة ﯾﻨﻜﺮھﺎ ،وﯾﺴﺘﺒﻌﺪھﺎ ،واﻟﺤﻖ ﺑﯿﺪه ،ﻓﻤﻦ اﺳﺘﺒﻌﺪ ذﻟﻚ
ﻓﻠﯿﻨﻈﺮ أﻧﻨﺎ ﺳﻄﺮﻧﺎ ﻧﺤﻦ وﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﻤﻊ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻓﻰ أزﻣﺎﻧﻨﺎ ھﺬه ،ﻓﻰ وﻗﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﯿﮫ ﯾﻌﻠﻢ ھﺬه اﻟﺤﺎدﺛﺔ ،اﺳﺘﻮى ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻓﺘﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ
واﻟﺠﺎھﻞ ﻟﺸﮭﺮﺗﮭﺎ".
ﻓﻠﻤﺎ أﺣﺲ ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن ﺑﻘﺮب ﻧﮭﺎﯾﺔ أﺟﻠﮫ راح ﯾﻘﺴﻢ ﻣﻤﻠﻜﺘﮫ ﺑﯿﻦ أﺑﻨﺎﺋﮫ اﻷرﺑﻌﺔ إﻟﻰ أرﺑﻌﺔ أﻗﺴﺎم ،ﻓﻘﺪ أراد أن ﯾﻤﻠﻚ أوﻻده اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﺄﺳﺮھﺎ،
وﻻ ﯾﺒﻘﻰ ﻓﯿﮭﺎ ﻟﻐﯿﺮھﻢ ﻛﻠﻤﺔ وﻻ ﺳﻠﻄﺎن.
وﻟﻮﻻ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﺑﻌﺪه ﻣﻦ اﻟﺨﻼف ﻟﺘﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻮﻗﻌﮫ ،وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٦٢٤ھـ١٢٢٧ /م أدرﻛﺘﮫ ﻣﻨﯿﺘﮫ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ
اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ ﺑﺎﷲ وھﻮ اﻟﻤﻨﺼﻮر ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻈﺎھﺮ ) ٦٢٣ھـ ٦٤٠-ھـ(.
وﻇﮭﺮ ﻣﻦ آل ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن أرﺑﻌﺔ ﺑﯿﻮت ،ورﺛﺖ اﻟﻤﻠﻚ ،وﺗﻤﻤﺖ اﻟﻐﺰو اﻟﻐﺎﺷﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﮭﯿﺄ ﻟﮭﺎ أن ﺗﻤﻠﻚ ﻣﻌﻈﻢ ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﺟﺰءًا ﻛﺒﯿﺮًا
ﻣﻦ أورﺑﺎ ،واﻣﺘﺪ ﺳﻠﻄﺎن " اﻟﺘﺘﺎر" ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺰﯾﺮة واﻟﺸﺎم وﺑﻼد اﻟﺮوم.
ﺳﻘﻮط اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ:
وﻗﻌﺖ ھﺬه اﻟﺤﻮادث وﺧﻠﯿﻔﺔ ﺑﻐﺪاد ﻻهٍ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻟﺘﺘﺎر ﯾﺴﯿﺮون ﻓﻰ ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻗﺘﻼ وأﺳﺮًا وﺗﺨﺮﯾﺒًﺎ ،ﺛﻢ ﺳﺎرت ﺟﯿﻮش ھﻮﻻﻛﻮ ﻗﺎﺻﺪة
ﺑﻐﺪاد ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ .ﻓﻔﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻤﺤﺮم ﺳﻨﺔ ٦٥٦ھـ١٢٥٨ /م ،ﻧﺰل ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد ،وأﻋﺪ ﻋﺪة اﻟﺤﺼﺎر ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻋﻨﺪ
اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﺎ ﯾﺪﻓﻊ ﺑﮫ ذﻟﻚ اﻟﺴﯿﻞ اﻟﺠﺎرف ،واﻛﺘﻔﻰ ﺑﺈﻗﻔﺎل اﻷﺑﻮاب ،ﻓﺠﺪﱠ اﻟﻤﻐﻮل ﻓﻰ اﻟﻘﺘﺎل ﺣﺘﻰ ﻣﻠﻜﻮا اﻷﺳﻮار ﺑﻌﺪ ﺣﺼﺎر ﻟﻢ ﯾﺰد ﻋﻠﻰ
ﻋﺸﺮة أىﺎم .وﺑﻤﻠﻚ اﻷﺳﻮار ﺗﻢ ﻟﮭﻢ ﻣﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪ.
وھﻨﺎ ﺑﺮزت ﺻﻔﺤﺔ دﻧﯿﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺎﻧﺔ اﻟﺘﻰ ﻣﺜﻠﮭﺎ اﻟﻮزﯾﺮ اﻟﺸﯿﻌﻰ اﻟﺮاﻓﻀﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﻌﻠﻘﻤﻲ ،ذﻟﻚ اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﺮاﺳﻞ اﻟﺘﺘﺎر ،وﯾﺮﻏﺒﮭﻢ ﻓﻰ
دﺧﻮل ﺑﻐﺪاد ،وﻛﺎن ﯾﻌﻤﻞ ﺟﮭﺪه ﻓﻰ ﺗﻘﻠﯿﻞ ﻗﻮة اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺘﺴﺮﯾﺢ ﺟﯿﺸﮭﻢ وإھﻤﺎل ﺷﺄﻧﮫ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﻗﺎدرًا أن ﯾﻘﻒ وﻟﻮ ﻇﺎھﺮﯾّﺎ أﻣﺎم
اﻟﺘﺘﺎر ،وﻛﺎن ھﺬا اﻟﻮزﯾﺮ أول ﻣﻦ ﺧﺮج ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ھﻮﻻﻛﻮ ﻟﻤﺎ أﺣﺎط ﺑﺎﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،ﺛﻢ ﻋﺎد ﯾﻨﺼﺢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ھﻮﻻﻛﻮ ،وأن
ﯾﺠﻌﻞ ﻟﻠﺘﺘﺎر ﻧﺼﻒ ﺧﺮاج اﻟﻌﺮاق.
ﻓﺨﺮج اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ وﻣﻌﮫ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء واﻟﻘﻀﺎة واﻟﻔﻘﮭﺎء واﻷﻣﺮاء ،وﺣﻤﻞ ﻟﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺬھﺐ واﻟﺤﻠﻰ واﻟﻤﺼﺎغ واﻟﺠﻮاھﺮ واﻷﺷﯿﺎء اﻟﻨﻔﯿﺴﺔ.
أﺷﺎر اﺑﻦ اﻟﻌﻠﻘﻤﻰ واﻟﺮاﻓﻀﺔ ﻋﻠﻰ ھﻮﻻﻛﻮ أﻻ ﯾﻘﺒﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻧﺼﻒ اﻟﺨﺮاج ،ﺑﻞ أﺷﺎر ﻋﻠﻰ ھﻮﻻﻛﻮ أن ﯾﻘﺘﻠﮫ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ھﻮﻻﻛﻮ رﻏﻢ
وﺛﻨﯿﺘﮫ وﻛﻔﺮه ﯾﺘﮭﯿﺐ ﻗﺘﻞ ﺧﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻟﻜﻦ ھﺬا اﻟﻮزﯾﺮ اﻟﺸﯿﻌﻰ اﻟﺮاﻓﻀﻰ ھﻮن ﻋﻠﯿﮫ أﻣﺮ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻘﺘﻠﮫ ،وﻗﺘﻞ ﻛﻞ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﮭﺎء،
ﻓﻌﻞ اﺑﻦ اﻟﻌﻠﻘﻤﻰ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﻃﺎﻣﻌًﺎ أن ﯾﺰﯾﻞ اﻟﺴﻨﺔ.
وﻟﻢ ﯾﺒﻖ آﻣﻨًﺎ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﺬﺑﺤﺔ اﻟﺮھﯿﺒﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﯿﮭﻮد واﻟﻨﺼﺎرى اﻟﺬﯾﻦ ﻋﻤﻠﻮا أدﻻء ﻟﺠﺤﺎﻓﻞ اﻟﺘﺘﺎر اﻟﻜﺎﻓﺮة ،ﯾﺪﻟﻮﻧﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﺧﺘﻔﻰ ﻣﻦ
ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻤ ﺴﻠﻤﯿﻦ أو ﺗﺠﺎرھﻢ ﻟﯿﺬھﺒﻮا إﻟﯿﮭﻢ ﻓﻰ ﻣﺨﺎﺑﺌﮭﻢ ﻓﯿﺬﺑﺤﻮھﻢ ،وﻛﺎن ھﺬا ھﻮ اﻟﺠﺰاء اﻟﺬى ﺗﻠﻘﺎه اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺎﻣﺤﮭﻢ اﻟﻌﻈﯿﻢ
ﻣﻊ أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﯿﮭﻮد ﺧﺎﺻﺔ.
وﺑﮭﺬا اﻟﻘﺘﻞ ﻛﺴﻔﺖ ﺷﻤﺲ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻣﻜﺜﺖ ﻣﺸﺮﻗﺔ ٥٢٤ﺳﻨﺔ.
٤٣
ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ اﺳﺘﻘﻠﱠﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺪول ﻋﻨﮭﺎ اﺳﺘﻘﻼﻻ ﺗﺎﻣﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ أﺧﺬ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﯾﺘﺠﮫ ﻧﺤﻮ اﺳﺘﻘﻼل ﺟﺰﺋﻰ ﺗﺼﺒﺢ اﻟﺒﻼد ﻓﯿﮫ ﺗﺎﺑﻌﺔ
ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ اﺳﻤًﺎ ) ﻓﻘﻂ( ﺑﺤﯿﺚ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﮭﺎ ﻣﻜﺎﻧﺘﮭﺎ اﻟﺮوﺣﯿﺔ وﻗﺪرھﺎ اﻟﻌﻈﯿﻢ ﻓﻰ ﻧﻔﻮس اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
وﯾﻘﻒ اﻟﻤﺆرﺧﻮن واﻟﻤﺤﻠﻠﻮن أﻣﺎم ﻗﯿﺎم ﺑﻌﺾ اﻟﺪول واﻧﮭﯿﺎر أﺧﺮى وﻗﻔﺎت ﺗﺄﻣﻠﯿﺔ ﯾﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ اﻷﺳﺒﺎب واﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻰ أدت إﻟﻰ ﻗﯿﺎم ھﺬه
واﻧﮭﯿﺎر ﺗﻠﻚ.
وﻋﻠﻰ ﻛﻞّ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﯾﻼت ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻀﻌﻒ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﺳﺒﺒًﺎ ﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻻﻧﺤﻼل ،وﺧﻄﻮة ﻋﻠﻰ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ،ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ أوﻟﻰ ھﺬه
اﻟﺪوﯾﻼت ﻓﻰ أﻗﺼﻰ اﻟﻐﺮب؛ ﻟﺒﻌﺪه ﻋﻦ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻣﺮﻛﺰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻓﯿﮭﺎ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ دوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﺑﻘﯿﺎﻣﮭﺎ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ
١٣٧ھـ٧٥٦/م ﺿﻌﻒ ﻧﻔﻮذ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮب ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﻧﺸﺄت اﻟﺪوﯾﻼت ﻓﻰ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ.
وﺣﯿﻦ ﺗﻄﺮق اﻟﻀﻌﻒ إﻟﻰ ﺟﺴﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،ﻧﺸﺄت اﻟﺪوﯾﻼت ﻓﻰ ﺑﻘﯿﺔ أﺟﺰاء اﻟﺪوﻟﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺴﺒﺒﺖ ھﺬه اﻟﺪول ﻓﻰ ﺿﻌﻒ
ن ﻋﻼﻗﺔ ھﺬه اﻟﺪوﯾﻼت ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ اﺧﺘﻼﻓًﺎ ﻛﺒﯿﺮًا ،ﻓﻘﺪ اﻧﻔﺼﻞ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ واﻧﺤﻼﻟﮭﺎ؛ ذﻟﻚ ﻷ ﱠ
اﻧﻔﺼﺎﻻ ﺗﺎﻣّﺎ ،وﻧﺎﻓﺴﮭﺎ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ.
ﻛﻤﺎ ﻇﻞ ﻗﺴﻢ آﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ اﺳﻤﯿﺔ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﯿﻜﻔﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أن ﯾﺬﻛﺮ اﺳﻤﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﺑﺮ ،وﯾﺼﻚ اﺳﻤﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ ،وﻓﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﻣﺮ
أﻧﮭﺎ دوﻟﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺗﻤﺎﻣًﺎ ﻻ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﮫ ﻓﻰ ﺷﻰء .وھﻨﺎك دوﯾﻼت ﻇﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺻﻠﺔ ﻣﺘﻐﯿﺮة ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ،ﺗﻘﻮى ﺣﯿﻨًﺎ ،وﺗﻀﻌﻒ ﺣﯿﻨًﺎ آﺧﺮ ﺗﺒﻌًﺎ
ﻟﺘﻐﯿﺮ اﻷﺣﻮال.
وﻓﯿﻤﺎ ﯾﻠﻰ ﻧﺬﻛﺮ ھﺬه اﻟﺪول واﻹﻣﺎرات ،اﻟﺘﻰ اﻧﻔﺼﻠﺖ ﻋﻦ دوﻟﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وھﻰ:
أوﻻ :اﻹﻣﺎرة اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ.
ﺛﺎﻧﯿًَﺎ :اﻟﺪول ﻓﻰ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب وھﻰ:
-١اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ.
-٢دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ.
-٣دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ.
ﺛﺎﻟﺜًﺎ :اﻟﺪول ﻓﻰ ﺑﻼد اﻟﺸﺮق ،وھﻰ:
-١اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﺎھﺮﯾﺔ.
-٢اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺼﻔﺎرﯾﺔ.
-٣اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﺔ.
-٤اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻐﺰﻧﻮﯾﺔ.
راﺑﻌًﺎ :اﻟﺪول ﻓﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،وھﻰ:
-١اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﺔ.
-٢اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﺔ.
-٣اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ.
-٤اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ.
-٥اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ.
-٦اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﯿﺔ.
ﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ:
ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻃﺎرد اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﻮن اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ،وﯾﺸﺎء اﷲ أن ﯾﻔﻠﺖ ﻣﻦ أﯾﺪﯾﮭﻢ واﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ :أﺗﺪرى ﻣﻦ ھﻮ؟ إﻧﮫ
ﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ ھﺸﺎم ﺣﻔﯿﺪ ھﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺎﺷﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ھﺮب إﻟﻰ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،وﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺛﻢ اﻟﻤﻐﺮب ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺘﺠﻮل واﻟﺘﺨﻔﻰ ﻋﻦ ﻋﯿﻮن اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ وﻣﻜﺚ ﻋﻨﺪ أﺧﻮاﻟﮫ
اﻟﺬﯾﻦ أﻛﺮﻣﻮه.
وﻣﻦ ھﻨﺎك راح ﯾﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ "ﺑﺮﻗﺔ " إﻟﻰ " اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ" ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ " ﺳﺒﺘﺔ " ﺳﻨﺔ ١٣٧ھـ ٧٥٥ /م ،وراح ﯾُﻌِﺪّ اﻟﻌﺪة وﯾﻠﺘﻘﻂ
أﻧﻔﺎﺳﮫ ،وﯾﺮﺳﻢ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﯾﻀﺔ ﻹﻗﺎﻣﺔ دوﻟﺔ ﯾﺤﯿﻰ ﺑﮭﺎ ﻣﺠﺪ آﺑﺎﺋﮫ وأﺟﺪاده اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ.
وأﺧﺬ ﯾﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ "اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ" ﻟﯿﻘﯿﻢ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ،ﻓﮭﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻰ ﻓﺘﺤﮭﺎ اﻟﺠﯿﺶ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺑﻘﯿﺎدة
ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد وﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﯿﺮ ،زﻣﻦ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﺔ ٩٢ھـ٧١١/م ،وإﻟﯿﮭﻢ ﯾﺮﺟﻊ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻰ ﻓﺘﺤﮭﺎ !
وﻟﻘﺪ اﺳﺘﻘﺮت ﺑﮭﺎ ﻃﻮاﺋﻒ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺸﺎم وﺟُﻨْ ﺪِه اﻟﻤﻮاﻟﯿﻦ ﻟﻠﺒﯿﺖ اﻷﻣﻮى.
ﺐ ﺑﮫ أﻧﺼﺎ ُر ﺣ َ
وھﻨﺎ أرﺳﻞ " ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ" أﺣ َﺪ أﺗﺒﺎﻋﮫ ،وھﻮ ﻣﻮﻻه "ﺑﺪر" ؛ ﻟﯿﺠﻤﻊ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺪﯾﻨﻮن ﻟﺒﻨﻰ أﻣﯿﺔ ﺑﺎﻟﻮﻻء واﻻﻧﺘﻤﺎء ،و َر ّ
ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ،ورأَوْا ﻓﯿﮫ ﺷﺨﺼًﺎ ﺟﺪﯾﺮًا ﺑﺄن ﯾﺘﻮﻟﻰ زﻋﺎﻣﺘﮭﻢ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻮاﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ،وﻋﺒﺮ اﻟﺒﺤﺮ إﻟﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وھﻨﺎك اﻧﻀ ّﻢ
إﻟﯿﮫ أﻧﺼﺎ ُر ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ اﻧﺘﮭﺰ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻓﺮﺻﺔ اﻟﺨﻼﻓﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺮب اﻟﻤُﻀَﺮﯾﱢﯿﻦ واﻟﻌﺮب اﻟﯿﻤﻨﯿﯿﻦ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻓﺎﻧﻀﻢ إﻟﻰ
اﻟﯿﻤﻨﯿﯿﻦ ﻷﻧﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻐﻠﻮﺑﯿﻦ ﻋﻠﻰ أﻣﺮھﻢ ،وھﺰم اﻟﻤﻀﺮﯾﯿﻦ ﺑﻘﯿﺎدة ﯾﻮﺳﻒ اﻟﻔﮭﺮى ﻓﻰ ﻣﻮﻗﻌﺔ " اﻟﻤﺼﺎرة" ﻓﻰ ١٣٨ھـ٧٥٦ /م،
ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺪن اﻟﺒﻼد اﻷﻧﺪﻟﺴﯿﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ دون ﻣﻘﺎوﻣﺔ ،ﺛﻢ راح ﯾﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ "ﻗﺮﻃﺒﺔ" ﻋﺎﺻﻤﺔ "وﻻﯾﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ " ﺳﻨﺔ ١٤١ھـ/
٧٥٩م ،ﺑﻌﺪ ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﻮاﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،وأﻋﻠﻦ ﻧﻔﺴﮫ أﻣﯿﺮًا ،وأﺻﺪر ﻋﻔﻮّا ﻋﺎﻣًﺎ ﻏﺪاة دﺧﻮﻟﮫ ﻗﺮﻃﺒﺔ ﻟﯿﻤﻜﻦ ﻟﻨﻔﺴﮫ ﻓﻰ اﻟﺒﻼد ،وﺗﻢ ﻟﮫ ﻣﺎ أراد
ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺗﻮﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻋﺮش اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﺑﮭﺬا اﻧﻔﺼﻠﺖ وﻻﯾﺔ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد اﻧﻔﺼﺎﻻ
رﺳﻤﯿّﺎ.
٤٤
وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻛﺎن ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﺬى زاﺣﻤﮭﻢ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﺑﻞ وأﻧﮭﻰ ﺣﻜﻤﮭﻢ ھﻨﺎك؟
ﻇﻞ " ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﻣﻮى" ﯾﻌﻤﻞ ﻃﻮال ﻣﺪة ﺣﻜﻤﮫ اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻤﺮت ﺛﻼﺛﺔ وﺛﻼﺛﯿﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻣﯿﻦ ﻣﺮﻛﺰه ﻓﻰ ﺟﻤﯿﻊ أﺟﺰاء دوﻟﺘﮫ
اﻟﺠﺪﯾﺪة ،ﻓﺄﺧﻤﺪ اﻟﻔﺘﻦ ،وأﺣﺒﻂ اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ،وﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻟﺘﻰ ﻗﺎم ﺑﮭﺎ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﻮن ﻹﺧﺮاﺟﮫ ﻣﻦ اﻷﻧﺪﻟﺲ.
ﻟﻘﺪ أرﺳﻞ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر إﻟﯿﮫ ﺟﯿﺸًﺎ ﺑﻘﯿﺎدة اﻟﻌﻼء ﺑﻦ ﻣﻐﯿﺚ ﻹﺧﻀﺎع ،اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﮭﺰﻣﮫ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ وﻗﺘﻞ اﻟﻌﻼء.
ﻓﻤﺎذا ﻓﻌﻞ اﻟﻤﻨﺼﻮر؟ وﻛﯿﻒ ﻛﺎن رد اﻟﻔﻌﻞ؟
ﻟﻢ ﯾﺤﺎول اﻟﻤﻨﺼﻮر اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ أن ﯾُﻌﯿﱢﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ أﺣﺪًا ﺑﻌﺪ ھﺬا اﻟﺬى ﻗُﺘﻞ.
وﻟﻢ ﯾﺤﺎول أن ﯾﺮﺳﻞ ﺟﯿﺸًﺎ ﻟﺤﺮﺑﮫ ،ﺑﻞ َﻓﻀﱠﻞ أن ﯾﻘﺮ ﺑﺎﻷﻣﺮ اﻟﻮاﻗﻊ وﯾﻌﺘﺮف ﻟﮫ ﺑﻠﻘﺐ" :ﺻﻘﺮ ﻗﺮﯾﺶ " ،ﻓﻘﺪ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﯿﮫ أﺑﻮﺟﻌﻔﺮ
اﻟﻤﻨﺼﻮر ھﺬا اﻟﻠﻘﺐ ﻻﻋﺘﺮاﻓﮫ ﺑﺸﺠﺎﻋﺘﮫ وﻗﻮﺗﮫ ،ﻓﯿﺮوى أن أﺑﺎ ﺟﻌﻔﺮ ﻗﺎل ﯾﻮﻣًﺎ ﻟﺒﻌﺾ ﺟﻠﺴﺎﺋﮫ" :أﺧﺒﺮوﻧﻰ ﻣﻦ ﺻﻘﺮ ﻗﺮﯾﺶ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻮك،؟
ﻗﺎﻟﻮا ذﻟﻚ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ اﻟﺬى راﺿﻰ اﻟﻤﻠﻮك ،وﺳﻜﻦ اﻟﺰﻻزل ،وأﺑﺎد اﻷﻋﺪاء ،وﺣﺴﻢ اﻷدواء ) ﯾﻘﺼﺪون أﺑﺎ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻨﺼﻮر( .ﻗﺎل :ﻣﺎ
ﻗﻠﺘﻢ ﺷﯿﺌًﺎ .ﻗﺎﻟﻮا :ﻓﻤﻌﺎوﯾﺔ ؟ﻗﺎل :ﻻ .ﻗﺎﻟﻮا :ﻓﻌﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان؟ ﻗﺎل ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻢ ﺷﯿﺌًﺎ .ﻗﺎﻟﻮا :ﻓﻤﻦ ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ؟ ﻗﺎل ﺻﻘﺮ ﻗﺮﯾﺶ
ﻋﺒﺪاﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﻟﺬى ﻋﺒﺮ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻗﻄﻊ اﻟﻘﻔﺮ ،ودﺧﻞ ﺑﻠﺪًا أﻋﺠﻤﯿّﺎ ﻣﻨﻔﺮدًا ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻓﻤﺼﱠﺮ اﻷﻣﺼﺎر ،وﺟﻨّﺪ اﻷﺟﻨﺎد ،و َدوﱠن
اﻟﺪواوﯾﻦ ،وﻧﺎل ﻣﻠﻜًﺎ ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻄﺎﻋﮫ ﺑﺤﺴﻦ ﺗﺪﺑﯿﺮه وﺷﺪة ﺷﻜﯿﻤﺘﮫ ،إن ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻧﮭﺾ ﺑﻤﺮﻛﺐ ﺣﻤﻠﮫ ﻋﻤﺮ وﻋﺜﻤﺎن ﻋﻠﯿﮫ وذﻟﱠﻼ ﻟﮫ ﺻﻌﺒﮫ،
وﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﺒﯿﻌﺔ أﺑﺮم ﻋﻘﺪھﺎ ،وأﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﺑﻄﻠﺐ ﻋﺘﺮﺗﮫ واﺟﺘﻤﺎع ﺷﯿﻌﺘﮫ ،وﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻨﻔﺮد ﺑﻨﻔﺴﮫ ،ﻣﺆﯾﺪ ﺑﺄﻣﺮه ﻣﺴﺘﺼﺤﺐ
ﻟﻌﺰﻣﮫ ،ﻓﻤﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ،واﻓﺘﺘﺢ اﻟﺜﻐﻮر وﻗﺘﻞ اﻟﻤﺎرﻗﯿﻦ وأذل اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة اﻟﺜﺎﺋﺮﯾﻦ".
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺟﻮادًا ﺑﺴﯿﻄًﺎ ﻣﺘﻮاﺿﻌًﺎ ،ﯾﺆﺛﺮ ﻟﺒﺲ اﻟﺒﯿﺎض ،وﯾﺼﻠﻰ ﺑﺎﻟﻨﺎس اﻟﺠﻤﻊ واﻷﻋﯿﺎد ،وﯾﺤﻀﺮ اﻟﺠﻨﺎﺋﺰ ،وﯾﻌﻮد اﻟﻤﺮﺿﻰ،
وﯾﺰور اﻟﻨﺎس وﯾﺨﺎﻃﺒﮭﻢ ،وﻛﺎن ﻧﻘﺶ ﺧﺎﺗﻤﮫ "ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻘﻀﺎء اﷲ راض " و " ﺑﺎﷲ ﯾﺜﻖ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﮫ ﯾﻌﺘﺼﻢ" ،وﻛﺎن ﺷﺎﻋﺮًا
ﺑﻠﯿﻐًﺎ ﻋﺎﻟﻤًﺎ ﺑﺄﺣﻜﺎم اﻟﺸﺮﯾﻌﺔ.
وﻟﻘﺪ اﻛﺘﻔﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺑﺒﻘﺎء ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﻣﻮى ﺑﻌﯿﺪًا ﻋﻨﮭﺎ ﻓﻰ إﻣﺎرﺗﮫ.
وراح ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﯾﺒﻨﻰ ،وﯾﻌﻤﺮ ،وﯾُﻌﯿﺪُ اﻟﺤﯿﺎة اﻵﻣﻨﺔ اﻟﮭﺎدﺋﺔ إﻟﻰ رﺑﻮع اﻷﻧﺪﻟﺲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ.
وﻟﻘﺪ ﻗﺎﺑﻠﺘﮫ ﺻﻌﻮﺑﺎت وﻋﻘﺒﺎت ،ﻣﻨﮭﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﻦ اﻟﺘﻰ ﻧﺸﺒﺖ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻀﺮﯾﺔ واﻟﯿﻤﻨﯿﺔ ،وھﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب ،وﻛﺎن ھﻨﺎك ﺧﻄﺮ ﺟﺎﺛﻢ ﯾﺘﻤﺜﻞ ﻓﻰ
" دوﻟﺔ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ" )ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻵن( ،وﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ اﻟﻨﺼﺮاﻧﯿﺔ اﻟﺘﻰ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻓﻰ اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻐﺮﺑﻰ ﻣﻦ ﺷﺒﮫ ﺟﺰﯾﺮة
أﯾﺒﯿﺮﯾﺎ )أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ(.
وﻟﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع أھﻞ ﻣﺪﯾﻨﺔ ﺳﺮﻗﺴﻄﺔ ﻣﻊ واﻟﯿﮭﻢ أن ﯾﺼﺪوا ھﺠﻮم ﺷﺎرﻟﻤﺎن ﺳﻨﺔ ١٦١ھـ٧٧٨ /م.
وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎع ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ أن ﯾﻨﺎﻓﺲ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻓﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﻓﺎﻗﺖ ﺣﻀﺎرة ﺑﻼده ﺣﻀﺎرات اﻟﺪوﻟﺔ اﻷورﺑﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻟﮭﺎ ،ﻓﻘﺪ أﻋﺎد ﻋﺒﺪ
اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،وأﻧﺸﺄ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺤﺪاﺋﻖ واﻟﺒﺴﺎﺗﯿﻦ واﻟﻘﺼﻮر ،واھﺘﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻠﻤﺎء.
وﻋﺎش ﻣﻦ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻦ ﻣﺴﯿﺤﯿﯿﻦ وﯾﮭﻮد ﻋﯿﺸﺔ ھﺎﻧﺌﺔ آﻣﻨﺔ ﺳﻌﯿﺪة ﻓﻰ ﻇﻞ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻹﺳﻼﻣﻰ ،ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺳﻨﺔ
١٧٢ھـ_٩٧/م ،وﻋﺎﺷﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻗﺮﻧﯿﻦ وﻧﺼﻒ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن !ﺗﺮى ﻣﻦ ﺳﯿﺨﻠﻒ "ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷﻣﻮي" وھﻞ ﺳﯿﺼﻔﻮ اﻟﺠﻮﱡ
َﻟﮫُ ﻛﻤﺎ ﺻﻔﺎ ﻟﻤﻦ ﺳﺒﻘﮫ؟
ﻟﻘﺪ ﺣﻜﻢ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة " ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ" اﺑﻨﮫ " ھﺸﺎم اﻷول" ،وﻛﺎن وَرِﻋًﺎ ﺗﻘﯿّﺎ ﯾﺘ ﺸّﺒﮫ ﺑﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ،-
وﻛﺎن ﺷﻐﻔﮫ ﺑﺎﻟﺠﮭﺎد ،وإﻋﻼء ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ أﺧﺺ ﻣﻈﺎھﺮ ﺗﻘﻮاه ،ﻓﻘﺪ أرﺳﻞ اﻟﺤﻤﻼت اﻟﻜﺜﯿﺮة اﻟﺘﻰ ھﺰﻣﺖ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ
ﻖ ﻓﻰ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﻌﺪو ﻣﻨﮭﻢ أﺣﺪ ،رﺗﺐ ﻓﻰ ﻣﺪﻧﮭﻢ ،وﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم ﻓﯿﮭﺎ ،وﻛﺎن ﯾﻨﻔﻖ اﻷﻣﻮال اﻟﻄﺎﺋﻠﺔ ﻓﻰ اﻓﺘﺪاء أﺳﺮى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﻟﻢ َﯾ ْﺒ َ
دﯾﻮاﻧﮫ أرزاﻗًﺎ ﻷﺳﺮ اﻟﺠﻨﺪ ﻣﻦ اﻟﺸﮭﺪاء ،وﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﺟُﻌﻠﺖ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻟﻐﺔ اﻟﺘﺪرﯾﺲ ﻓﻰ ﻣﻌﺎھﺪ اﻟﯿﮭﻮد واﻟﻨﺼﺎرى ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻰ
اﺳﺘﻘﺮار اﻟﺒﻼد وھﺪوء اﻟﺨﻼﻓﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺼﺎرى واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ووﻗﻮف اﻟﻨﺼﺎرى ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻹﺳﻼم ،ودﺧﻮل اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ ﻣﻨﮭﻢ ﻓﻰ اﻹﺳﻼم.
وﻛﺎن ﯾﺤﺐ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻔﻘﮫ واﻷدب ،وﻛﺎن ﻣﻌﺎﺻﺮًا ﻟﻺﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ ،وﻛﺎن اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ ﯾﺤﺒﮫ وﯾﻌﺠﺐ ﺑﺴﯿﺮﺗﮫ ،وﻟﺬﻟﻚ اﻧﺘﺸﺮ ﻣﺬھﺐ
اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟﻚ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ھﺸﺎم ،وﻟﺸﺪة ﻋﺪﻟﮫ وﺗﻘﻮاه ﻗﺼﺪه ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﮭﺎء.
وﻛﺎن ﯾﺮﺳﻞ اﻟﻮﻋﺎظ إﻟﻰ ﺟﻤﯿﻊ أﺟﺰاء ﻣﻤﻠﻜﺘﮫ ﻟﻸﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﮭﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ ،وﻛﺎن ﯾﻌﻮد اﻟﻤﺮﺿﻰ ،وﯾﺨﺮج ﻓﻰ اﻟﻠﯿﺎﻟﻰ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ
وھﻮ ﯾﺤﻤﻞ اﻟﻄﻌﺎم ﻷﺣﺪ اﻟﺰھﺎد ،ﺣﺘﻰ إذا ﺑﻠﻎ داره ﺟﻠﺲ ﺑﺠﺎﻧﺒﮫ ﯾﺆﻧﺴﮫ وﯾﺮﻋﺎه ،وﯾﺮﺳﻞ ﻣﻦ ﯾﺜﻖ ﻓﯿﮭﻢ ﻣﻦ رﺟﺎﻟﮫ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻷﻧﺪﻟﺲ
وﻣﺪﻧﮭﺎ ،ﯾﺴﺄﻟﻮن اﻟﻨﺎس ﻋﻦ أﺣﻮاﻟﮭﻢ وﺳﯿﺮة ﻋﻤﺎﻟﮫ ﻓﯿﮭﻢ ،ﻓﺈذا اﻧﺘﮭﻰ إﻟﯿﮫ أن أﺣﺪھﻢ أﺳﺮف ﻋﺰﻟﮫ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﮫ ،وﻛﺎن ﯾﮭﺘﻢ ﺑﺎﻟﺰﻛﺎة
ﻓﯿﺠﻤﻌﮭﺎ وﯾﻨﻔﻘﮭﺎ ﻓﻰ وﺟﻮھﮭﺎ .وﻟﻘﻰ ھﺸﺎم رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ١٨٠ھـ٧٩٦ /م.
وﺟﺎء ﺑﻌﺪ ھﺸﺎم اﺑﻨﮫ اﻟﺤﻜﻢ اﻷول ،وﻛﺎن ﺣﺎزﻣًﺎ ﺷﺠﺎﻋًﺎ ﻗﻮﯾًﺎ ﻋﻠﻰ أﻋﺪاﺋﮫ ،ﻛﺮﯾﻤًﺎ ﯾﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﻔﻮ ،ﻓﻄﻨًﺎ ،ﺣﺴﻦ اﻟﺘﺪﺑﯿﺮ ،واﺳﻊ اﻟﺤﯿﻠﺔ،
ﯾﺆﺛﺮ اﻟﻌﺪل ،وﯾﺤﺮص ﻋﻠﻰ إﻗﺎﻣﺘ ﮫ ،وﯾﺨﺘﺎر ﻟﻘﻀﺎﺋﮫ أﻓﻀﻞ اﻟﻨﺎس وأﻛﺜﺮھﻢ ﻧﺰاھﺔ وورﻋًﺎ ،وﻛﺎن ﯾﺴﻠﻂ ﻗﻀﺎﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ ووﻟﺪه
وﺧﺎﺻﺘﮫ ،وﻛﺎن ﻗﺎﺿﯿﮫ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺑﺸﯿﺮ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻘﻀﺎة ﻧﺰاھﺔ واﺳﺘﻘﻼﻻ ﻓﻰ اﻟﺮأى واﻟﺤﻜﻢ ،وﻛﺎن اﻟﺤﻜﻢ ﺧﻄﯿﺒًﺎ ﻣﻔﻮھًﺎ وﺷﺎﻋﺮًا ﻣﺠﯿﺪًا،
ﻧﻈﻢ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻰ ﻣﻨﺎﺳﺒﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.
واھﺘﻢ ﺑﺎﻟﻌﻤﺮان واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺰراﻋﺔ ،وﻛﺎن ﻣﺤﺒّﺎ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ،ﻧﺼﯿﺮًا ﻟﻠﻌﻠﻮم واﻵداب ،ﯾﺤﺸﺪ ﺣﻮﻟﮫ ﺟﻤﮭﺮة ﻣﻦ أﻛﺎﺑﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻷدﺑﺎء
واﻟﺸﻌﺮاء ،ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻔﻠﻜﻰ اﻟﺸﮭﯿﺮ ﻋﺒﺎس ﺑﻦ ﻓﺮﻧﺎس.
وﻗﺪ اﺷﺘﮭﺮ ﺑﺒﺮه ﺑﺄھﻞ ﺑﯿﺘﮫ ،وإﻏﺪاﻗﮫ اﻟﻨﻌﻢ ﻋﻠﻰ أﻗﺮﺑﺎﺋﮫ ،وﻛﺎن ﯾﻌﺸﻖ اﻟﻔﻠﻚ ،وﯾﮭﺘﻢ ﺑﺪراﺳﺘﮫ ،وﻛﺎن اﺑﻦ ﻓﺮﻧﺎس ،وﻋﺒﯿﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺸﻤﺮ
ﻣﻦ أﺳﺎﺗﺬﺗﮫ ﻓﻰ ھﺬا اﻟﻔﻦ ،وﻛﺎن ﯾﻘﺮﺑﮭﻤﺎ وﯾﺠﺮى ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ اﻷرزاق.
وﻓﻰ ﻋﮭﺪه ازداد ﺷﺄن اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﻼد اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ،وﺻﺎرت ﻟﮭﺎ ﻣﻜﺎﻧﺘﮭﺎ وﻣﻨﺰﻟﺘﮭﺎ ﺑﯿﻦ ﺣﻜﻮﻣﺎت ھﺬه اﻟﺒﻼد اﻟﻔﺮﻧﺠﯿﺔ،
وﺻﺎرت اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﻮﻓﺪ ﺳﻔﺎراﺗﮭﺎ إﻟﻰ ﻛﻞ ھﺬه اﻟﺪول ،وﺗﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٠٦ھـ٢٢٨/م.
٤٥
وﯾﺘﻮﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﻓﻰ "اﻷﻧﺪﻟﺲ " ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺜﺎﻧﻰ )اﻷوﺳﻂ( وﻟﻜﻦ اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻰ ﻋﮭﺪه ﻛﺎن ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻤﻦ ﻗﺒﻠﮫ.
ﻟﻘﺪ اﻣﺘﺎز ﻋﮭﺪه ﺑﺎﻟﮭﺪوء واﻟﺴﻼم اﻟﺪاﺧﻠﻰ ﺑﻌﺪ أن ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻮرات واﻟﻔﺘﻦ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻏﺎرات اﻟﻨﻮرﻣﺎن ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ،
ﻓﻨﮭﺾ ﻹﺻﻼح اﻟﺒﻼد؛ ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ ازدھﺎر اﻟﺤﯿﺎة ﺑﮭﺎ وﻧﻤﺎﺋﮭﺎ ﺣﺘﻰ راﺣﺖ ﺗﻨﺎﻓﺲ دوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻓﻰ اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ،وﻓﻰ اﻟﺘﻘﺪم
اﻻﻗﺘﺼﺎدى واﻟﺤﻀﺎرى .وﻗﺪ أﻧﺸﺄ دارًا ﻛﺒﯿﺮة ﻓﻰ أﺷﺒﯿﻠﯿﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻔﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻮاة ﻟﻸﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻰ اﻷﻧﺪﻟﺴﻰ اﻟﺬى ازدھﺮ ﻓﻰ أﯾﺎم
ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﺻﺮ.
وﻇﻠﺖ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺤﯿﺎة ﻣﺰدھﺮة ﺣﺘﻰ ﻟﻘﻰ اﻷﻣﯿﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻷوﺳﻂ رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ٢٣٨ھـ٨٥٣ /م.
وﺗﻤﺮ اﻟﺴﻨﻮات ﺳﺮاﻋًﺎ ﻓﯿﺘﻐﯿﺮ ﺣﺎل اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وﺗﻀﻄﺮب اﻷﻣﻮر ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻠﺜﻮرات اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﯾﺘﻮاﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء :
اﻷول :ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ )اﻷول( ،وﻛﺎن ﻓﺎﺿﻼ ﻣﮭﺘﻤّﺎ ﺑﺄﺣﻮال اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،واﻟﻌﻨﺎﯾﺔ ﺑﻤﺼﺎﻟﺤﮭﻢ وﺛﻐﻮرھﻢ ،ﺣﺎول اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﺎﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﻚ واﻟﻀﻌﻒ .وﻟﻜﻦ اﻷﺣﺪاث ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮى ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﯾﺸﺘﮭﻰ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ أرﺳﻞ اﻟﺤﻤﻼت اﻟﻜﺜﯿﺮة ﻟﺘﺄدﯾﺐ
اﻟﺜﺎﺋﺮﯾﻦ وﻗﻤﻊ اﻟﻤﻌﺘﺪﯾﻦ ،وﻛﺎن ﯾﺨﺮج ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ رأس ﺣﻤﻼت ﻟﻐﺰو اﻟﻨﺼﺎرى ورد ﻛﯿﺪھﻢ ،وﻗﻮّى اﻟﺠﯿﺶ وأﻋﺪ اﻟﺤﺼﻮن ،وﺧﻔﻒ
اﻟﻀﺮاﺋﺐ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس رﻏﻢ ﻛﺜﺮة اﻟﺤﺮوب ،واﻛﺘﻔﻰ ﺑﺪﻋﻮﺗﮭﻢ ﻟﻠﺘﻄﻮع ﻟﻠﺠﮭﺎد ﻓﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ ،وﻛﺎن ﯾُﻘﺮب اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﻔﻘﮭﺎء ،وﻧﺎل اﻟﻔﻘﮭﺎء
ﻓﻰ ﻋﺼﺮه ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺎﯾﺔ ،وﻣﻊ أن ﻣﺪﺗﮫ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮﺑًﺎ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﻗﺎم ﺑﺎﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻹﺻﻼﺣﺎت ،ﻣﺜﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺠﺪﯾﺪات واﻹﺿﺎﻓﺎت
اﻟﻜﺜﯿﺮة ﻓﻰ اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺑﻘﺮﻃﺒﺔ.
اﻟﺜﺎﻧﻰ :اﻟﻤﻨﺬر ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ وﻛﺎن ﻗﻮﯾّﺎ ﺷﺠﺎﻋًﺎ ﺣﺎزﻣًﺎ ﻣﻊ زﻋﻤﺎء اﻟﻔﺘﻨﺔ ﯾﺨﺎﻓﻮﻧﮫ وﯾﮭﺎﺑﻮﻧﮫ ،وﻟﻮﻻ وﻓﺎﺗﮫ اﻟﻤﻔﺎﺟﺌﺔ ﻟﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻔﺘﻦ،
وﻛﺎن ﻣﻦ أﺻﻠﺢ أﻣﺮاء ﺑﻨﻰ أﻣﯿﺔ وأﺣﺴﻨﮭﻢ ﺧﻠﻘًﺎ ،وﻛﺎن ﯾﺆﺛﺮ ﻣﺠﺎﻟﺲ اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺸﻌﺮاء وﯾﻌﻈﻤﮭﻢ ،وﻛﺎن ﯾﻠﺠﺄ إﻟﻰ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ
ﻻﺳﺘﺸﺎرﺗﮭﻢ.
اﻟﺜﺎﻟﺚ :ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺬى اﺳﺘﻤﺮ ﺣﻜﻤﮫ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٣٠٠ھـ٩١٣/م.
وﻛﺎن اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺴﯿﺎﺳﻰ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة ھﺆﻻء اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻨﺬرًا ﺑﺄﺳﻮأ ﺣﺎل ،ﻓﻠﻘﺪ ﺗﻤﺰﻗﺖ وﺣﺪة اﻟﺒﻼد ،واﻧﺤﺴﺮ اﻟﺤﻜﻢ اﻷﻣﻮى ﻋﻦ اﻟﺒﻼد ،وﻟﻢ
ﻖ ﻓﻰ ﯾﺪ اﻷﻣﺮاء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻻ ﻗﺮﻃﺒﺔ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻧﻘﺴﻤﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻧﺪﻟﺴﯿﺔ إﻟﻰ دوﯾﻼت ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻗﯿﺾ اﷲ ﻟﮭﺎ ﻓﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﯾﺒ َ
اﻟﮭﺠﺮى ،اﻟﻌﺎﺷﺮ اﻟﻤﯿﻼدى ﻣﻦ ﯾﺄﺧﺬ ﺑﯿﺪھﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺑﻠﻐﺖ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ اﻟﻘﻮة واﻻزدھﺎر وذﯾﻮع اﻟﺼﯿﺖ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﺒﻠﻐﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ ﻋﺒﺪ
اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﺻﺮ ) ٣٥٠ - ٣٠٠ھـ٩٦١ - ٩١٣ /م( ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧﺖ وﻻﯾﺔ ﺣﻜﻢ اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ) ٣٦٦-٣٥٠ھـ ،(٩٧٧-٩٦١ /واﻷﺳﺮة اﻟﻌﺎﻣﺮﯾﺔ
ﺧﯿﺮًا وﺑﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﮭﺠﺮى.
ﺷﺎء اﷲ أن ﺗﺪﺧﻞ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﮭﺠﺮى ،اﻟﺤﺎدى ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدى دورًا ﻃﻮﯾﻼ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﻚ اﻟﺪاﺧﻠﻰ ﺑﯿﻦ أﺟﺰاﺋﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﯾﺪى
ﻄﻠَﺔ ﻓﻰ أﯾﺪىﻃﻠَﯿْ ِ
ﻣﻠﻮك ﻣﺴﻠﻤﯿﻦ أَﻃﻠﻖ ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﺳﻢ " ﻣﻠﻮك اﻟﻄﻮاﺋﻒ" ،وﻣﺎ زال ھﺆﻻء اﻟﻤﻠﻮك ﯾﺘﻨﺎﺣﺮون ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ ُ
اﻷﺳﺒﺎن ،وھﻨﺎ ﻇﮭﺮ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻮن ،وھﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ اﻷﺷﺪاء ﻇﮭﺮوا ﻓﻰ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب ،واﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﺣﻜﻤﮭﺎ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻨﺠﺪ ﺑﮭﻢ
اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮط ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ ،ﻓﺄوﻗﻌﻮا ﺑﺎﻷﺳﺒﺎن اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ھﺰﯾﻤﺔ ﺳﺎﺣﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺰﻋﯿﻢ اﻟﻤﺮاﺑﻄﻰ اﻟﻌﻈﯿﻢ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ
ﺷ ﻔِﯿﻦ ،وﻣﻀﻰ ﺧﻠﻔﺎء ﯾﻮﺳﻒ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﮭﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﮭﺎد ﻟﻸﻋﺪاء واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺣﺘﻰ ﺿﻌﻔﺖ دوﻟﺘﮭﻢ ،وورﺛﮭﺎ اﻟﻤﻮﺣﺪون وھﻢ ﺗَﺎ َ
ﯾﺸﺒﮭﻮن اﻟﻤﺮاﺑﻄﯿﻦ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا أﯾﻀًﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺪو اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻜﻤﻮا اﻟﻤﻐﺮب ،ﺛﻢ ﻋﺒﺮوا إﻟﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻣﺠﺎھﺪﯾﻦ ﻟﯿﻤﺪوا ﻓﻰ ﻋﻤﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ھﻨﺎك
ﻋﺼﻮرًا أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﻐﺰو واﻟﺤﻀﺎرة ،ﻓﻠﻤﺎ ﺿﻌﻒ اﻟﻤﻮﺣﺪون اﻧﻘﺴﻤﺖ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺑﯿﻦ زﻋﻤﺎﺋﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻇﮭﺮ ﺑﻨﻮ اﻷﺣﻤﺮ ﻓﻰ "ﻋُﻤْﺮ ﻧﺎﻗﺔ "
ﻓﺄﻗﺎﻣﻮا ﺑﮭﺎ ﻣﻠﻜًﺎ ﻋﻈﯿﻤًﺎ.
ﻟﻘﺪ ﻇﮭﺮ اﻟﺤﻘﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﻰ ﻓﻰ أﺑﺸﻊ ﺻﻮره ﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮط ﻃﻠﯿﻄﻠﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺣﻮﻟﻮا ﺟﺎﻣﻌﮭﺎ إﻟﻰ ﻛﻨﯿﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻔﻮﻧﺲ اﻟﺴﺎدس ،اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻷﺳﺒﺎﻧﻰ،
وﻟﻢ ﯾﺴﻠﻢ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﻦ أذاھﻢ ،وﺗﺠﻠﻰ ﺣﻘﺪھﻢ اﻷﻋﻤﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﺄﻋﻤﻠﻮا ﻓﯿﮭﻢ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺘﻌﺬﯾﺐ واﻹﺣﺮاق ،وﻣﺎ ﺗﺰال ﺻﺤﺎﺋﻒ
ﺣﻞّ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻰ أﻗﺎﻣﻮھﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﻌﺪ أن زال ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻧﮭﺎﺋىّﺎ ﻣﻦ أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎﻣﺤﺎﻛﻢ اﻟﺘﻔﺘﯿﺶ اﻟﺴﻮد ﺗﻨﻄﻖ ﺑﻤﺎ َ
اﺳﺘﺴﻠﻢ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﷲ ﻣﻠﻚ "ﻏﺮﻧﺎﻃﺔ" ﺳﻨﺔ ٨٩٨ھـ١٤٩٢ /م .وﺿﺎع ذﻟﻚ " اﻟﻔﺮدوس " ﻣﻦ أﯾﺪى اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﻮن
ﯾﻘﯿﻤﻮن اﻟﻤﺬاﺑﺢ ﻓﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﻘﺮﯾﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺪود اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﺸﺎم واﻟﺠﺰﯾﺮة ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻌﺮاق .ﻛﻤﺎ ارﺗﻜﺒﺖ اﻟﺠﺮاﺋﻢ ﻋﻠﻰ أﯾﺪى اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ
اﻟﺬﯾﻦ ﻏﺰوا ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم .وراح اﻟﺘﺘﺎر ﯾﺸﻨﻮن ﺣﺮب إﺑﺎدة وﺗﻌﺬﯾﺐ ﻓﻰ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ وﺧﺮاﺳﺎن واﻟﻌﺮاق واﻟﺸﺎم .ﻛﻠﮭﻢ ﺗﻜﺎﻟﺒﻮا
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻧﻜﻠﻮا ﺑﮭﻢ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻔﺘﺢ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻛﻠﮫ ﻋﺪل ورﺣﻤﺔ وﻣﺤﺒﺔ وﺗﺴﺎﻣﺢ وﺣﺮﯾﺔ ﻟﻸدﯾﺎن ،واﺣﺘﺮام ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن .ﻟﻘﺪ
ھﺪﻣﻮا اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ اﻟﺘﻰ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﮭﺎ ،ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺑﻘﯿﺖ اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻓﻰ ﻛﻞ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻰ ﻇﻠﺖ ﺗﺤﺖ ﺣﻜﻢ اﻹﺳﻼم
واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،أﻻ ﻓﻠﺘﺸﮭﺪ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺳﻤﺎﺣﺔ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ !
ﺗﺮى ھﻞ ﺗﻌﻮد اﻷﻧﺪﻟﺲ إﻟﻰ أﺣﻀﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺛﺎﻧﯿﺔ؟ ﻟﻦ ﺗﻌــﻮد إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ اﻟﺠﺎد واﻹﯾﻤﺎن اﻟﻌﻤﯿﻖ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻘﺪم ،ووﺣﺪة اﻟﺼﻒ
اﻹﺳﻼﻣﻲ.
ﻟﻘﺪ رﻓﻀﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﺴﻠﻤﯿﺔ اﻟﺘﻰ ﺑﻌﺚ ﺑﮭﺎ رﺳﻮل اﷲ ) إﻟﻰ ﻣﻠﻜﮭﺎ ﻟﯿﺪﺧﻞ ﻓﻰ دﯾﻦ اﷲ ،وﺗﺤﺮﻛﺖ ﺑﺪاﻓﻊ ﺻﻠﯿﺒﻰ ﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ
اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ،ﻓﻨﺸﺄ اﻟﺼﺮاع اﻟﺤﺮﺑﻰ اﻟﺬى اﻧﺘﮭﻰ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﺸﺎم ﺛﻢ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﻨﻮﺑﺔ وﺷﻤﺎل
إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ وإﺟﻼء اﻟﺮوﻣﺎن ﻋﻨﮭﺎ ،ﻓﺰادت اﻟﻀﻐﯿﻨﺔ ،وﺗﺮاﻛﻤﺖ اﻟﻤﺮارة ﻓﻰ ﻗﻠﻮب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،ﻓﻈﻠﻮا ﯾﺘﺮﺑﺼﻮن ﻟﮭﺬا اﻟﺪﯾﻦ ،ﯾﺘﻤﻨﻮن ﻓﺮﺻﺔ
ﻣﻮاﺗﯿﺔ ﯾﻜﺮﱡون ﻋﻠﯿﮫ ﻓﯿﮭﺎ ،و ُﯾﺠْﻠﻮﻧﮫ ﻋﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻰ ﻓﺘﺤﮭﺎ وﻓﺘﺢ ﻗﻠﻮب أھﻠﮭﺎ ﻟﻠﺤﻖ.
ﻟﻜﻨﮭﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻔﻜﺮون ﻓﻰ ذﻟﻚ واﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ ﻗﻮﺗﮭﺎ وﺳﻄﻮﺗﮭﺎ أﯾﺎم اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ،وأﯾﺎم ﻗﻮة اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ .
ﻓﻠﻤﺎ اﻧﺘﺸﺮ اﻟﺘﺮف؛ ﺗﺮاﺧﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻋﻦ رﺳﺎﻟﺘﮭﻢ وﺳﺎدت اﻟﻨﺰاﻋﺎت واﻟﺸﻘﺎﻗﺎت ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ.
وھﻨﺎ ﺟﺎءت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﻞ اﻟﺸﺎم ﻓﻰ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﺴﺎدس اﻟﮭﺠﺮﯾﯿﻦ ،ﺛﻢ ھﺐ اﻟﺸﺮق ﻣﻤﺜﻼ ﻓﻰ اﻷﺗﺮاك
اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ﻓﺄﺳﻘﻂ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﻘﺎن .وﻋﺎد اﻟﻐﺮب ﻓﻰ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻤﺜﻼ ﻓﻰ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر
اﻷورﺑﻰ ﻟﯿﺴﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺸﺮق.
٤٦
ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ ﻓﻰ اﻟﻤﻐﺮب اﻷوﺳﻂ )اﻟﺠﺰاﺋﺮ( ،وﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ ﻣﺆﺳﺴﮭﺎ " اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ رﺳﺘﻢ " زﻋﯿﻢ اﻟﺨﻮارج اﻹﺑﺎﺿﯿﺔ ،وﻣﻨﺬ
ﺧﺮج " اﻟﺨﻮارج" ﻋﻠﻰ " ﻋﻠﻰ ﺑﻦ أﺑﻰ ﻃﺎﻟﺐ" -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ -وﺗﺴﺒﺒﻮا ﻓﻰ ﻗﺘﻠﮫ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺨﺎرﺟﻰ "ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻠﺠﻢ" ،وھﻢ
ﯾﺘﺒﻨﻮن ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺨﺮوج واﻟﺜﻮرة ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﯾﻜﻔﱢﺮون ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻔﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﺗﺴﺘﺒﯿﺢ ﺑﻌﺾ ﻓﺮﻗﮭﻢ دﻣﺎءھﻢ !
وﻛﺎن اﻟﺨﻮارج ﻗﺪ ﻓﺮوا ﻓﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺒﻜﺮة ﻣﻦ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﺑﺪﻣﺸﻖ واﻟﺸﺎم إﻟﻰ اﻟﻤﻐﺮب.
وﺣﺎول اﻟﺨﻮارج ﻧﺸﺮ ﻣﺒﺎدﺋﮭﻢ ھﻨﺎك ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻛﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﺗﺤﺎول اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻮارج ﺑﺴﺒﺐ أﻓﻜﺎرھﻢ اﻟﻐﺮﯾﺒﺔ
وﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﮭﻢ ،واﺳﺘﻘﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ رﺳﺘﻢ ﻓﻰ إﻗﻠﯿﻢ " ﺗﺎھﺮت" ﺑﺎﻟﻤﻐﺮب اﻷوﺳﻂ ،وﻗﺎم ﺑﻨﺸﺮ ﻣﺬھﺒﮫ ھﻨﺎك ﺣﺘﻰ ﺑﻮﯾﻊ ﺑﺎﻹﻣﺎﻣﺔ ﺳﻨﺔ
١٦٠ھـ ٧٧٧/م ،ﻓﺄﻋﻠﻦ ﻗﯿﺎم دوﻟﺘﮫ اﻟﺘﻰ ﺻﺎرت ﻣﻠﺠﺄ ﻹﺑﺎﺿﯿﺔ اﻟﻌﺮاق وﻓﺎرس وﻏﯿﺮھﻤﺎ ،وھﻢ أﺣﺪ اﻟﻔﺮق اﻟﻤﻌﺘﺪﻟﺔ؛ ﺣﯿﺚ ﺗﺘﻌﺎﯾﺶ ﻣﻊ
ﺧﺼﻮﻣﮭﺎ وﺗﻌﺪل ﻋﻦ ﻗﺘﻠﮭﻢ.
ﻧﺠﺢ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ رﺳﺘﻢ ﻓﻰ ﺗﻮﻃﯿﺪ دﻋﺎﺋﻢ دوﻟﺘﮫ ﺧﻼل اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻰ ﻗﺪر ﻟﮫ أن ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ ) ١٦٨-١٤٤ھـ( وﻗﺪ ﺧﻠﻔﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﺑﻨﮫ ﻋﺒﺪ
اﻟﻮھﺎب اﻟﺬى ﺑﻘﻰ ﻓﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ ،ﺛﻢ " أﻓﻠﺢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮھﺎب" اﻟﺬى ﺣﻜﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﯿﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ) -١٨٨
٢٣٨ھـ( ،ﺛﻢ ﺗﺘﺎﺑﻊ ﻓﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﺮاء ،ھﻢ :أﺑﻮﺑﻜﺮ ﺑﻦ أﻓ ﻠﺢ ،وأﺑﻮ اﻟﯿﻘﻈﺎن ،ﻓﺄﺑﻮ ﺣﺎﺗﻢ ،ﻓﯿﻌﻘﻮب اﺑﻦ أﻓﻠﺢ،
ﻓﺎﻟﯿﻘﻈﺎن اﺑﻦ أﺑﻰ اﻟﯿﻘﻈﺎن آﺧﺮ أﻣﺮاﺋﮭﻢ.
وﻇﻞ أﺗﺒﺎع ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﯾﺘﺼﺎرﻋﻮن وﯾﺨﺘﻠﻔﻮن ﺣﺘﻰ اﻧﻘﺮﺿﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ ﺳﻨﺔ ٢٩٦ھـ٩٠٩ /م ،ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﯿﻘﻈﺎن ﺑﻦ أﺑﻰ اﻟﯿﻘﻈﺎن
ﻋﻠﻰ ﯾﺪ داﻋﻰ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ أﺑﻰ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﺸﯿﻌﻲ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ ﻣﺘﻮﺗﺮة ﻣﻊ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻤﺜﻠﻮن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﻃﯿﺒﺔ ﺑﺎﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻓﻰ
اﻷﻧﺪﻟﺲ ،وذﻟﻚ ﻷن اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺒﺎدﻟﻮن اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ اﻟﻜﺮاھﯿﺔ واﻟﻌﺪاء.
واﻧﺘﮭﺖ دوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﯿﻦ رﻏﻢ ﻣﺎ ﺗﻤﺘﻌﺖ ﺑﮫ ﻣﻦ ﺣﯿﺎة ﺳﮭﻠﺔ رﻏﯿﺪة ﻣﺪة ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن؛ ﻷن اﻟﺬى ﯾﺨﺮج ﻋﻦ ﺟﺴﻢ اﻷﻣﺔ ﻻﺑﺪ أن ﺗﺤﺎﺻﺮه
اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ.
وﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎ دوﯾﻠﺔ أﺧﺮى ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻰ ﺟﻨﻮب اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ واﻷدارﺳﺔ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﯿﻤﺔ ،إﻧﮭﺎ دوﻟﺔ ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ
)أو اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺪارﯾﺔ( ﻓﻰ ﺟﻨﻮب اﻟﻤﻐﺮب اﻷﻗﺼﻰ ) ٢٩٦-١٤٠ھـ٩٠٩-٧٥٨ /م( وﻗﺪ ﯾﺘﺴﺎءل اﻟﺒﻌﺾ ﻋَﻤْﻦ أﺳﺴﮭﺎ؟ وﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺔ
ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺠﯿﺮاﻧﮭﺎ؟
ﻟﻘﺪ أﺳﺴﮭﺎ " ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ اﻟﻤﻜﻨﺎﺳﻲ" وھﻰ دوﻟﺔ ﻛﺎﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ أﺳﺴﮭﺎ ﺧﻮارج ﻟﻜﻨﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺼﻔﺮي ،وﻟﮭﺬا ﺗﻮﻃﺪت اﻟﻌﻼﻗﺎت
ﺑﯿﻦ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ ﻓﻰ ﺷﺘﻰ اﻟﻤﺠﺎﻻت ،وﻣﺆﺳﺴﮭﺎ ﺳﻮداﻧﻰ ﺑﻨﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ " ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ " ،وﻗﺪ ﻗﻀﻰ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻛﻤﺎ
ﻗﻀﻮا ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮھﺎ.
ُذ ِﻛ َﺮ أﻧﮫ ﻓﻰ أﯾﺎم اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﮭﺎدى ﻗﺎﻣﺖ ﺛﻮرة " ﻋﻠﻮﯾﺔ " ﻓﻰ اﻟﺤﺠﺎز ،وھﻰ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺜﻮرات اﻟﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﻌﻠﻮﯾﻮن ﯾﺸﻌﻠﻮن ﻧﺎرھﺎ ﻃﻮال
ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ .وﻗﺎﻣﺖ ﻗﻮات "اﻟﮭﺎدي" ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺜﻮرة ﻓﻰ ﻣﻮﻗﻌﺔ " ﻓﺦ " .وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ رءوس ھﺬه اﻟﺜﻮرة وﻗﺎدﺗﮭﺎ ﻗﺪ
أﻓﻠﺘﻮا ﻣﻦ أﯾﺪى اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ وھﺮﺑﻮا إﻟﻰ أﻣﺎﻛﻦ ﻧﺎﺋﯿﺔ ﺑﻌﯿﺪًا ﻋﻦ أﯾﺪﯾﮭﻢ.
ﻋَﻠﻮِى ﯾﺴﻤﻰ "إدرﯾﺲ " ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﺑﻦ ﻋﻠﻰ -رﺿﻰ اﷲ ﻋﻨﮫ .-وراﺣﺖ ﻗﻮات اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﺗﻄﺎرده ،ﻋﯿﻮﻧﮭﻢ وﻛﺎن ﻣﻤﻦ ھﺮﺑﻮا َ
وﺟﻮاﺳﯿﺴﮭﻢ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﮫ ،ﻓﻈﻞ ﯾﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻗﻄﺮ إﻟﻰ ﻗﻄﺮ آﺧﺮ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ .وﻓﻰ ﻣﺼﺮ اﻟﺘﻘﻰ ﺑﺼﺎﺣﺐ اﻟﺒﺮﯾﺪ ،وﻛﺎن ﻗﻠﺒﮫ ﻣﻊ
اﻟﻌﻠﻮﯾﯿﻦ ،ﻓﺪﺑﺮ ﻹﺧﻔﺎﺋﮫ ،واﺣﺘﺎل ﺣﺘﻰ أرﺳﻠﮫ إﻟﻰ أﺑﻌﺪ أﺟﺰاء اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺘﻰ ﯾﻜﻮن ﻓﻰ ﻣﺄﻣﻦ ﻣﻦ ﺳﻄﻮة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ.
وﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﺎ أراد ﻓﻮﺻﻞ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ اﻟﻤﻐﺮب.
وھﻨﺎك أﻋﻠﻦ أﻧﮫ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﻨﺒﻰ ) ،ﻓﺄﺳﺮع اﻟﺒﺮﺑﺮ ﺑﺎﻻﻟﺘﻔﺎف ﺣﻮﻟﮫ ﻏﯿﺮ أن ﺟﯿﺶ أﻧﺼﺎر اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ھﺰﯾﻤﺘﮫ ،وﻟﻜﻦ اﺑﻨﮫ
إدرﯾﺲ ﺑﻦ إدرﯾﺲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺟﻤﻊ أھﻞ اﻟﻤﻐﺮب ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮫ ،وﻣﺎ أﺳﺮع ﻣﺎ ﺑﺎﯾﻌﻮه ،وﻟﻢ ﯾﺠﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻰ
ﻗﯿﺎدﺗﮭﻢ واﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ اﻹﻗﻠﯿﻢ ﺟﻤﯿﻌﮫ ،واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ أى أﺛﺮ ﻟﻠﻨﻔﻮذ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﻓﯿﮫ ،واﺗﺨﺬ ﻋﺎﺻﻤﺘﮫ ﻓﻰ ﻓﺎس ،وأﻗﺎم دوﻟﺔ ھﻨﺎك ﻧُﺴﺒﺖ
إﻟﯿﮫ ﻓﻌُﺮﻓﺖ ﺑﺪوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ ،وھﻰ ﻧﻤﻮذج ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وھﻰ أول دوﻟﺔ ﺷﯿﻌﯿﺔ ﺗﻈﮭﺮ ﻓﻰ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ،ﻋﻠﻰ أنﱠ ﺗَ ﺸَﯿﱡﻌَﮭﺎ
ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺘﺠﺎوز ﺣﺐ آل ﺑﯿﺖ رﺳﻮل اﷲ < واﻟﻮﻻء ﻟﮭﻢ ،وھﻰ ﺻﻔﺔ ﯾﺸﺘﺮك ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺴﻨﺔ واﻟﺸﯿﻌﺔ ﻣ ًﻌﺎ ،وإن ﺑﺎﻟﻎ ﻓﯿﮭﺎ أھﻞ اﻟﺘﺸﯿﻊ.
ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﺗﺸﯿﻊ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﯾﻨﺎل ﻣﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻹﺳﻼم اﻟﺼﺎﻓﯿﺔ ﺷﯿﺌًﺎ .وﻟﮭﺬا أﺣﺒﮭﺎ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ واﻧﺘﺼﺮت ﺑﮭﻢ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﺒﺮﺑﺮﯾﺔ اﻟﺴﻨﯿﺔ
ﻓﻰ اﻟﻤﻐﺮب ﺣﺎﻣﯿﺘﮭﻢ وﻋﻤﺎد دوﻟﺘﮭﻢ ،وﻟﮭﺬا أﯾﻀًﺎ ﻋﺎﺷﺖ دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ ﻧﺤﻮًا ﻣﻦ ﻗﺮﻧﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ "دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ " ﺿﻌﯿﻔﺔ ﻧﺴﺒﯿّﺎ وذﻟﻚ ﻟﺴﺒﺒﯿﻦ:
أوﻟﮭﻤﺎ :أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺼﻮرة ﺑﯿﻦ اﻟﺼﺤﺮاء واﻟﻤﺤﯿﻂ واﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺛﻢ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ ﻓﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ.
ﺛﺎﻧﯿﮭﻤﺎ :ھﻮ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺮﺑﺮ وھﻢ ﻣﺘﻘﻠﺒﻮن ﯾﺆﯾﺪوﻧﮭﺎ اﻟﯿﻮم ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺜﻮرون ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻏﺪًا.
وﻛﺎﻧﺖ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﺘﻘﻠﺒﺔ ﺗﻤﯿﻞ ﻣﻊ ﻣﺼﺎﻟﺤﮭﺎ ﻟﺘﻀﻤﻦ اﻟﺒﻘﺎء واﻻﺳﺘﻤﺮار ،ﻓﮭﻰ ﯾﻮﻣًﺎ ﺗﻤﯿﻞ ﻣﻊ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻦ ،ﻓﺘﺪﻋﻮ ﻟﮭﻢ ،وﺗﻌﺘﻤﺪ
ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﮭﺪدھﺎ اﻷﻣﻮﯾﻮن ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ﺗﻤﯿﻞ ﻣﻌﮭﻢ وﺗﺪﻋﻮ ﻟﮭﻢ ،وھﺬا ﯾﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﺑﻮﺿﻮح ﺳﺮ ﺿﻌﻒ دوﻟﺔ "اﻷدارﺳﺔ ".
وأراك ﺗﺴﺄﻟﻨﻰ ﻋﻦ ﻧﮭﺎﯾﺘﮭﺎ ،وأﻗﻮل :ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﮭﺎﯾﺘﮭﺎ ﻛﻨﮭﺎﯾﺔ دوﻟﺔ "اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ " ﻓﻰ ﺗﻮﻧﺲ -اﻟﺘﻰ ﺳﯿﺄﺗﻰ ذﻛﺮھﺎ -ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﺳﻨﺔ
٣٦٤ھـ ٩٧٥ /م ﺑﻌﺪ أن ﻋﺎﺷﺖ ﻣﺎ ﯾﻘﺮب ﻣﻦ ﻗﺮﻧﯿﻦ ،وأدت دورًا ﺣﻀﺎرﯾّﺎ راﺋﻌًﺎ ﻓﻰ اﻟﻤﻐﺮب اﻹﺳﻼﻣﻲ ،إذ اﻧﺘﺸﺮ ﺑﮭﻢ اﻹﺳﻼم ﻓﻰ اﻟﻤﻐﺮب
ﺑﯿﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،وأ ﺳّﺴﻮا ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻘﺮوﯾﯿﻦ اﻟﺬى ﻛﺎن ﻣﻨﺎرة ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻓﻰ اﻟﻤﻐﺮب ﻛﺎﻷزھﺮ ﻓﻰ اﻟﻤﺸﺮق.
٤٧
ھﻞ ﺗﻌﻠﻢ أن ﻧﯿﺔ اﻟﻌﺮب ﯾﻮم ﻓﺘﺤﻮا ﺷﻤﺎﻟﻰ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺠﮫ إﻟﻰ ﺗﻮﺣﯿﺪ إدارﺗﮭﺎ وإدارة اﻷﻧﺪﻟﺲ ﻓﻰ وﻻﯾﺔ واﺣﺪة أﺳﻤﻮھﺎ " إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ "
وﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ " اﻟﻘﯿﺮوان"؟ !
وﻟﻜﻦ ﻣﻮﻗﻒ " اﻟﺒﺮﺑﺮ" اﻟﻤﺘﻘﻠﺐ ،واﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻧﻔﻮذ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ ﻓﻰ اﻷﻧﺪﻟﺲ ،ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﯾﻼت ،ﻓﻘﺎﻣﺖ "دوﻟﺔ
اﻷدارﺳﺔ " ﻓﻰ اﻟﻤﻐﺮب ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﺖَ ،وﺣﺎول اﻟﺮﺷﯿﺪ أن ﯾﻮﻗﻒ ﻧﻔﻮذھﻢ وﺗﻘﺪﻣﮭﻢ ،ﻓﺎﺧﺘﺎر ﺻﺪﯾﻘًﺎ ﻟﮫ ﯾﺪﻋﻰ " اﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ" ووﻻه ﻋﻠﻰ
اﻟﻘﯿﺮوان )ﺗﻮﻧﺲ( .وأﻓﮭﻤﮫ أن ﻣﮭﻤﺘﮫ اﻷوﻟﻰ ھﻲ :إﯾﻘﺎف "اﻷدارﺳﺔ " ﻋﻨﺪ ﺣﺪھﻢ .واﺳﺘﻄﺎع إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ ﺑﻌﺪ أن وﺻﻞ إﻟﻰ
" اﻟﻘﯿﺮوان" أن ﯾﻮﻗﻒ زﺣﻒ اﻷدراﺳﺔ اﻟﻌﻠﻮﯾﺔ ،وأن ﯾﻘﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺷﺮ ﻏﺰوات اﻟﺒﺮﺑﺮ واﻹﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ،
وﺣﻘﻖ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ ﻟﻠﺮﺷﯿﺪ ﻣﺎ أراد.
وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺪوﯾﻠﺔ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺪوﯾﻼت ذات اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺳﻤﯿﺔ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎ ﺳﯿﺔ ﺑﺨﻼف دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ اﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ.
ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع " إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ" أن ﯾﻮﻗﻒ اﻷدارﺳﺔ .وﺑﻌﺪ ﻣﻨﺎوﺷﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ اﻗﺘﺮﺣﻮا ﻋﻠﯿﮫ أﻻ ﯾﻌﺘﺪى أﺣﺪ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ،
وأن ﯾﺒﻘﻰ ﻛﻞ ﻓﻰ إﻗﻠﯿﻤﮫ ،ﻓﻘﺒﻞ " اﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ".
واﺳﺘﻘﻞ "إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻷﻏﻠﺐ" ﺑﺎﻹﻗﻠﯿ ﻢ ،وﻟﻜﻨﮫ ﻇﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،ﻓﮭﻮ ﯾﺬﻛﺮ اﺳﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻰ ﺧﻄﺒﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ ،وﯾﻀﻊ
اﺳﻤﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻓﯿﻤﺎ ﻋﺪا ھﺬﯾﻦ اﻷﻣﺮﯾﻦ ﻓﻠﯿﺲ ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ أى ﻧﻔﻮذ ﻋﻠﻰ دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ ،ﻓﮭﻢ ﯾﺘﻮارﺛﻮﻧﮭﺎ أﺑًﺎ ﻋﻦ ﺟﺪ،
وﯾﺼﺮﱢﻓﻮن أﻣﻮرھﺎ ﻛﻤﺎ ﯾﺸﺎءون دون رﻗﯿﺐ.
وﻟﻤﺎ ﻗﻮﯾﺖ ﺷﻮﻛﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ ﺑﺪءوا اﻟﺘﻮﺳﻊ ،وﻟﻜﻦ اﻷدارﺳﺔ ﺣﺪوا ﻣﻦ ﺗﻮﺳﻌﮭﻢ ﻏﺮﺑًﺎ ،واﻟﺼﺤﺮاء ﺣﺪﺗﮭﻢ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ،واﻟﻌﺒﺎﺳﯿﻮن ﺷﺮﻗًﺎ ،ﻓﻠﻢ
ﯾﺒﻖَ ﻟﮭﻢ ﺳﻮى اﻻﺗﺠﺎه ﺷﻤﺎﻻ ﺣﯿﺚ اﻟﺒﺤﺮ!
ﻓﮭﻞ ﺗﻮﻗﻒ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ؟ ﻛﻼ ،ﻓﮭﺎ ھﻢ أوﻻء ﯾﻨﺸﺌﻮن أﺳﻄﻮﻻ ﺿﺨﻤًﺎ ،ﯾﺒﻨﻮﻧﮫ ﻓﻰ ﺳﻨﻮات ﻣﻌﺪودات ،وﯾﺒﺪءون ﺟﮭﺎدھﻢ اﻟﻤﺒﺎرك ﺿﺪ
اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﺑﻘﯿﺎدة " أﺳﺪ ﺑﻦ اﻟﻔﺮات" ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﯿﺾ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ،ﺗﺮى إﻟﻰ أﯾﻦ؟ ھﺎﺟﻤﻮا ﺟﺰﯾﺮة "ﺻﻘﻠﯿﺔ " ﻣﺮارًا ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺛﻤﺎﻧﯿﻦ ﻋﺎﻣًﺎ
ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺮوﻣﺎن ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺠﺰﯾﺮة وﺣﻜﺎﻣﮭﺎ ،وﺿﻤﻮھﺎ ﻷراﺿﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺟﺰﯾﺮﺗﻰ
" ﻣﺎﻟﻄﺔ" و " ﺳﺮدﯾﻨﯿﺎ " وﻧﺰﻟﻮا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﻮاﺣﻞ اﻷورﺑﯿﺔ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﺳﻮاﺣﻞ إﯾﻄﺎﻟﯿﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ واﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ،واﻟﺴﻮاﺣﻞ
اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ.
ﻟﻘﺪ ﻋﺎﺷﻮا أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﯾﺤﻜﻤﻮن ﺗﻮﻧﺲ وﻣﻠﺤﻘﺎﺗﮭﺎ ،وﯾﺤﻜﻤﻮن ﺻﻘﻠﯿﺔ ،وﯾﻔﺮﺿﻮن ھﯿﺒﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪول اﻷورﺑﯿﺔ.
وﻗﺪ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﻓﻰ ﺑﻌﺾ ھﺬه اﻟﺴﻮاﺣﻞ إﻗﺎﻣﺔ ﺣﺎﻣﯿﺎت وﺣﺼﻮن داﺋﻤﺔ ،وإن ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮا اﻟﺘﻮﻏﻞ ﻓﻰ ﺑﻌﺾ ھﺬه اﻟﺒﻼد واﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﯿﮭﺎ
ﻣﻦ أﯾﺪى أھﻠﮭﺎ.
وﻗﺪ ﯾﺘﺴﺎءل اﻟﺒﻌﺾ :ﻣﺎ ﻗﯿﻤﺔ ھﺬه اﻟﻔﺘﻮح وھﻰ ﻟﯿﺴﺖ إﻻ ﺑﻌﺾ ﺟﺰر ،وﺑﻌﺾ ﻧﻘﺎط اﻟﺴﻮاﺣﻞ؟
إﻧﮭﺎ ﻓﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻷھﻤﯿﺔ ،ذﻟﻚ أن ھﺬه اﻟﺠﺰر واﻟﺴﻮاﺣﻞ اﻟﻀﯿﻘﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﺴﺮًا ﻋﺒﺮت ﻋﻠﯿ ﮫ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ
إﻟﻰ أورﺑﺎ ﻓﻰ زﻣﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﯿﮫ أورﺑﺎ ﻓﻰ ﻇﻼم ﺣﺎﻟﻚ.
ﻛﻤﺎ أن اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺠﺰر ﻛﺎن ﯾﺆﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻰ ﻏﺮب اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻀﻮء اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻓﻰ
اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬى أﻧﺎر وﺟﮫ اﻷرض ﺣﯿﻨﺬاك.
وﻋﺎﺷﺖ دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ ﻗﺮﻧًﺎ وﺗﺴﻌﺔ أﻋﻮام ﻣﻦ ﺳﻨﺔ٨٠٠م إﻟﻰ ﺳﻨﺔ ٩٠٩م ،وازدھﺮت اﻟﺤﯿﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻟﻌﻤﺮاﻧﯿﺔ ﻓﻰ ﺗﻮﻧﺲ ﻋﻠﻰ
ﻋﮭﺪھﻢ ،وﻟﻌﺒﺖ ﻣﺴﺎﺟﺪھﻢ ﻓﻰ ﺗﻮﻧﺲ دورًا ﻛﺒﯿﺮًا ﻓﻰ دﻋﻢ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻛﺎن ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺰﯾﺘﻮﻧﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﺳﻼﻣﯿﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ.
وﻗﺪ اﻧﺘﮭﺖ ﺣﯿﺎﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﯾﻮم دﺧﻠﻮا اﻟﻘﯿﺮوان ﻓﺎﺗﺤﯿﻦ.
ﻗﺎﻣﺖ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ،وﻗﺪ أﺳﺴﮭﺎ ﻃﺎھﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ أﺣﺪ ﻛﺒﺎر ﻗﻮاد اﻟﺠﯿﺶ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮن.
وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﯾﺘﺴﻨﻰ ﻟﮫ أن ﯾﻘﯿﻢ دوﻟﺔ واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻰ أول ﻋﮭﺪھﺎ ،وﻓﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﻤﺄﻣﻮن اﻟﺬى ﯾﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬھﺒﻰ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ؟ !
إن ﻟﻘﯿﺎم ھﺬه ا ﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺼﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻹﻗﻠﯿﻢ ﺧﺮاﺳﺎن وﺿﻊ ﺧﺎص ﻓﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﮭﺎ ،إذ ﻛﺎن ھﺆﻻء اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﯿﻮن-ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻤﺖَ
ﻓﻰ ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ -ﯾﺸﻌﺮون ﺑﺄﻧﮭﻢ أﺻﺤﺎب ﻓﻀﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﺑﺄن ﺳﯿﺪھﻢ "أﺑﺎ ﻣﺴﻠﻢ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻲ " ھﻮ اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻷﻛﺒﺮ
ﻟﮭﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ،ورﻏﻢ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﺤﺴﻦ اﻟ ﻌﺒﺎﺳﯿﻮن ﺟﺰاءھﻢ ﺣﯿﻦ ﻗﺘﻞ اﻟﻤﻨﺼﻮر أﺑﺎ ﻣﺴﻠﻢ.
واﻟﻮاﻗﻊ أن اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺠﺎوز ﻛﺜﯿﺮًا ﻋﻦ اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﯿﯿﻦ ،وﺗﺤﺎول إرﺿﺎءھﻢ؛ اﻋﺘﺮاﻓًﺎ ﺑﻔﻀﻠﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ .وﻓﻰ ﻋﺼﺮ
اﻟﻤﺄﻣﻮن ،ﻛﺎن ﻃﺎھﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ واﺑﻨﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ ﻣﻦ ﻛﺒﺎر رﺟﺎل اﻟﺪوﻟﺔ وﺧﯿﺮة ﻗﺎدﺗﮭﺎ ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ؛ اﻟﺬى ﺑﺪأ ﻓﯿﮫ اﻟﺼﺮاع ﺑﯿﻦ اﻷﻣﯿﻦ
واﻟﻤﺄﻣﻮن.
وﻟﻘﺪ وﻗﻒ ﻃﺎھﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻓﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﺤﺮﺟﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ .وﻟﻢ ﯾﻤﺮﱠ إﻻ ﻋﺎﻣﺎن ﺣﺘﻰ أﻗﺪم
"ﻃﺎھﺮ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ " ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻮة ﺟﺮﯾﺌﺔ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٠٧ھـ ٨٢٣ /م .أﺗﺪرى ﻣﺎ ھﻲ؟ ﻟﻘﺪ ﻗﻄﻊ اﻟﺪﻋﺎء ﻓﻰ اﻟﺨﻄﺒﺔ ﻟﻠﻤﺄﻣﻮن ،وﻛﺎن ﻗﻄﻊ
اﻟﺪﻋﺎء ﯾﻌﻨﻰ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
وﻟﻜﻦ ﯾﺸﺎء اﷲ أن ﯾﻤﻮت ﻃﺎھﺮ ﻓﻰ اﻟﻌﺎم ﻧﻔﺴﮫ ،ﺗﺮى ھﻞ ﺗﻌﻮد اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﺎھﺮﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺑﻌﺪ ﻣﻮت ﻣﺆﺳﺴﮭﺎ؟
ﻟﻘﺪ ﺗﻮﻟﻰ اﺑﻨﮫ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻌﺪ أﺑﯿﮫ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮن ،وﻇﻞ اﻟﻄﺎھﺮﯾﻮن ﯾﺤﻜﻤﻮن ﺧﺮاﺳﺎن ،وﻟﻜﻨﮭﻢ ﯾﺘﺒﻌﻮن "اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ " ﺗﺒﻌﯿﺔ
اﺳﻤﯿﺔ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺗﻠﺠﺄ إﻟﻰ اﻟﻄﺎھﺮﯾﯿﻦ ،ﺗﻠﺘﻤﺲ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻤﺆازرة واﻟﻤﺴﺎﻧﺪة ﺿﺪ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺎﻧﮭﻢ.
ﻟﻘﺪ ﺣﺎرب ﻋﺒﺪُاﷲ ﺑﻦ ﻃﺎھﺮ ﻧﺼ َﺮ ﺑﻦ ﺷﺒﺚ ﺣﯿﻦ ﻗﺎم ﺑﺜﻮرة ﻓﻰ ﺷﻤﺎل ﺣﻠﺐ ﺳﻨﺔ ٢٠٩ھـ ،وأﺗﻰ ﺑﮫ أﺳﯿﺮًا إﻟﻰ اﻟﻤﺄﻣﻮن .وﻇﻞ اﻟﻄﺎھﺮﯾﻮن
ﻋﻠﻰ وﻻﺋﮭﻢ ﻟﻠﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﺣﯿﺚ اﺷﺘﺮك ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻃﺎھﺮ ﻓﻰ إﺧﻤﺎد ﻓﺘﻨﺔ وﻗﻌﺖ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺑﻄﺒﺮﺳﺘﺎن ،وھﻜﺬا اﺳﺘﻘﻞ اﻟﻄﺎھﺮﯾﻮن
٤٨
اﺳﺘﻘﻼﻻ داﺧﻠﯿﺎ ھﺎدﺋًﺎ ﻓﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ،وﻇﻠﻮا ﯾﺘﻮﻟﻮن أﻣﺮھﺎ ،وﯾﺘﻮارﺛﻮن اﻹﻣﺎرة ﻓﯿﮭﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻤﻨﻌﮭﻢ اﺳﺘﻘﻼﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻧﺪة اﻟﺨﻼﻓﺔ
اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﻣﺴﺎﻋﺪﺗﮭﺎ ﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ واﺟﮭﺘﮫ ﻣﻦ ﻓﺘﻦ وﺛﻮرات.
وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎءت ﺳﻨﺔ ٢٥٩ھـ٨٧٣ /م ،اﺳﺘﻄﺎع ﯾﻌﻘﻮب اﻟﺼﻔﺎر أن ﯾﻘﯿﻢ د وﻟﺘﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض دوﻟﺔ اﻟﻄﺎھﺮﯾﯿﻦ.
ﻗﻀﻰ ﯾﻌﻘﻮب ﺑﻦ اﻟﻠﯿﺚ اﻟﺼﻔﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﺎھﺮﯾﺔ ،وأﻗﺎم دوﻟﺘﮫ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎﺿﮭﺎ ،وﻗﺪ ﻟﻘﺐ ﺑﮭﺬا اﻟﻠﻘﺐ؛ ﻷﻧﮫ ﻛﺎن ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺔ أﻣﺮه ﯾﺤﺘﺮف
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺤﺎس اﻷﺻﻔﺮ ﺑﺴﺠﺴﺘﺎن ،ﺛﻢ اﺷﺘﮭﺮ ﺑﺎﻟﻔﺮوﺳﯿﺔ ،ﻓﺘﻄﻮع ﻟﻘﺘﺎل اﻟﺨﻮارج ﻣﻊ رﺟﻞ ﺻﺎﻟﺢ ﻛﺎن ﯾﻈﮭﺮ اﻟﺘﻄﻮع ﻟﻘﺘﺎل اﻟﺨﻮارج ﻓﻰ
ﺳﺠﺴﺘﺎن ﺑﺠﻨﻮب ﺧﺮاﺳﺎن ،ﻓﻘﺎﺗﻞ ﻣﻌﮫ ﯾﻌﻘﻮب ،ﺛﻢ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﮫ ﺣﯿﻦ ﻣﺎت ،ﻓﺼﺎر اﻷﻣﺮ إﻟﯿﮫ ،ﻓﺮاح ﯾﺤﺎرب اﻟﺨﻮارج ﻓﻰ " ﺳﺠﺴﺘﺎن "
ﻣﻌﻠﻨًﺎ وﻻءه ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻌﺘﺰ ،وﻣﻈﮭﺮًا ﺷﺠﺎﻋﺔ ﺧﺎرﻗﺔ ﻓﻰ ﻗﺘﺎل اﻟﺨﻮارج ﺣﺘﻰ ﺳﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﺠﺴﺘﺎن ،وأﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف وﻧﮭﻰ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ،
وﺻﺎر ﯾﻤﺪ ﻧﻔﻮذه ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ اﻟﻤﺠﺎورة ﺣﺘﻰ ﻣﻠﻚ "ھﺮاة " ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻄﺎھﺮﯾﺔ.
وﻗﺪ ﺗﻮﺟﮫ " اﻟﺼﱠﻔﱠﺎر" إﻟﻰ "ﻛِ ْﺮﻣَﺎن" ،وﺑﺴﻂ ﻧﻔﻮذه ﻋﻠﯿﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﻓﺎرس ﻓﺄﺧﺬھﺎ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﺎل ﻋﻨﯿﻒ ﻣﻊ ﻏﺮﯾﻤﮫ " ﻋﻠﻰ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﯿﻦ "
اﻟﺬى وﻗﻊ أﺳﯿﺮًا ﺟﺮﯾﺤًﺎ ﻓﻰ ﯾﺪه.
ﻒ ﺑﮭﺬا ،ﺑﻞ ﺗﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ،وﺣﺎﺻﺮ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ " ﻧﯿﺴﺎﺑﻮر" ودﺧﻠﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٢٥٩ھـ٨٧٣ /م -ﺧﻼﻓًﺎ ﻟﻤﺎ أﻣﺮه ﺑﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ -ﺑﺤﺠﺔ وﻟﻢ ﯾﻜﺘ ِ
أن أھﻞ ﺧﺮاﺳﺎن ﻃﻠﺒﻮه ﻟﻠﻀﻌﻒ اﻟﺬى ﯾﻌﺎﻧﯿﮫ اﻟﻄﺎھﺮﯾﻮن ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ " اﻟﻤﻌﺘﻤ ﺪ" ،وﻗﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻄﺎھﺮﯾﯿﻦ ﺑﮭﺎ،
واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻰ ﻛﺎن ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ اﻟﻄﺎھﺮﯾﻮن.
وﺗﻘﺪم " اﻟﺼّﻔﺎر" ﻓﻰ اﻟﺒﻼد ﺑﻌﺪ أن ھﺰم ﺧﺼﻮﻣﮫ ،وذھﺐ إﻟﻰ "ﻃَﺒَﺮِﺳْﺘﺎن" ﻓﺪﺧﻠﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٢٦٠ھـ٨٧٤/م ،وھﺰم ﺻﺎﺣﺒﮭﺎ "اﻟﺤﺴﻦ اﺑﻦ
زﯾﺪ اﻟﻌﻠﻮي" اﻟﺬى ﻋﺎد إﻟﯿﮭﺎ ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺎم ٢٦١ھـ٨٧٥/م.
ﻖ ﻓﻰ ﯾﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ إﻻ ھﻲ ،ﺑﻌﺪ اﺳﺘﯿﻼﺋﮫ ﻋﻠﻰ "اﻷھﻮاز" ،ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أن ﯾﺠﮭﺰ ﺟﯿﺸًﺎ و ﯾﺪرك اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺧﻄﺮه ،ﻓﻘﺪ اﺗﺠﮫ إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد ،وﻟﻢ ﯾﺒْ َ
ﺑﻘﯿﺎدة أﺧﯿﮫ اﻟﻤﻮﻓﻖ ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ "ﯾﻌﻘﻮب" ،وذﻟﻚ ﻓﻰ ﻋﺎم ٢٦٢ھـ ٨٧٦ /م
وﯾﺸﺎء اﷲ أن ﺗﺪور اﻟﺪاﺋﺮة ﻋﻠﻰ ﯾﻌﻘﻮب ﻓﯿﮭﺰم ،وﻟﻜﻦ " اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ" ﯾﺮى اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻮﻻﺋﮫ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ ،ﻓﻤﺜﻠﮫ ﯾﻤﻜﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ
اﻟﺜﻮرات واﻻﻧﺘﻔﺎﺿﺎت ،ﻓﺒﻌﺚ إﻟﯿﮫ ﯾﺴﺘﻤﯿﻠﮫ وﯾﺘَﺮﺿﱠﺎه ،وﯾﻘﻠﺪه أﻋﻤﺎل ﻓﺎرس وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻤﺎ ھﻮ ﺗﺤﺖ ﯾﺪﯾﮫ ،وﯾﺼﻞ رﺳﻮل اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ إﻟﯿﮫ،
وھﻮ ﻓﻰ ﻣﺮض اﻟﻤﻮت ،وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ أن ﻛَ ﱠﻮنَ دوﻟﺔ ،وﺑﺴﻂ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ﻋﻠﯿﮭﺎ.
وﯾﻈﮭﺮ أﺧﻮه )ﻋﻤﺮو( ﻣﻦ ﺑﻌﺪه وﻻ َءهُ ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ ،ﻓﯿﻮﻟﯿﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺧﺮاﺳﺎن ،وﻓﺎرس ،وأﺻﺒﮭﺎن ،وﺳﺠﺴﺘﺎن ،واﻟﺴﻨﺪ ،وﻛﺮﻣﺎن ،واﻟﺸﺮﻃﺔ
ﺑﺒﻐﺪاد ،وﻛﺎن "ﻋﻤﺮو" ﻛﺄﺧﯿﮫ ذا أﻃﻤﺎع واﺳﻌﺔ ،ﻓﺎﻧﺘﮭﺰ ﻓﺮﺻﺔ ﺗﺤﺴﻦ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ وراح ﯾﺘﻤﻢ رﺳﺎﻟﺔ أﺧﯿﮫ.
ﻟﻘﺪ اﺗﺠﮫ ﺑﻨﻈﺮه إﻟﻰ إﻗﻠﯿﻢ ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ اﻟﺬى ﻛﺎن ﯾﺤﻜﻤﮫ ا ﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﻮن ،وﻟﻜﻦ ﻗﻮﺗﮭﻢ ﻻ ﯾﺴﺘﮭﺎن ﺑﮭﺎ ،ﻓﻤﺎ اﻟﻌﻤﻞ؟
ﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻏﻰ ﺗﺪور اﻟﺪواﺋﺮ ،وﻣﺎ ﻃﺎر ﻃﺎﺋﺮ وارﺗﻔﻊ إﻻ ﻛﻤﺎ ﻃﺎر وﻗﻊ، ﻛﺘﺐ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ ﻟﯿﺴﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻠﻚ ھﺬا اﻹﻗﻠﯿﻢ ،وﻟﻜ ْ
ﻟﻘﺪ ھُﺰم ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻠﯿﺚ اﻟﺼﻔﺎر ھﺰﯾﻤﺔ ﺳﺎﺣﻘﺔ ﻣﺎﺣﻘﺔ ،ووﻗﻊ أﺳﯿﺮًا ﻓﻰ أﯾﺪى اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﯿﻦ ،وأُرﺳﻞ ﺑﮫ إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد ﻟﯿﻘﻀﻰ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﯿﻘﺘﻞ
ﺳﻨﺔ ٢٨٩ھـ٩٠٢ /م.
وﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﺗﻤﺮ ﺛﻤﺎﻧﻰ ﺳﻨﻮات ﺣﺘﻰ ﻛﺎن اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﻮن ﻗﺪ ﻗﻀﻮا ﻧﮭﺎﺋﯿﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻔﺎرﯾﯿﻦ واﺳﺘ ﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ أﻣﻼﻛﮭﻢ ،واﻷﯾﺎم دول.
ﺗﻨﺘﻤﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﺔ إﻟﻰ "ﻧﺼﺮ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻲ" اﻟﺬى وﻻه اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ" ﻋﻠﻰ ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ﺳﻨﺔ ٢٦١ھـ ،وﻛﺎن ﻟﻨﺼﺮ
ھﺬا أخ ﯾﺪﻋﻰ " إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻲ" ﻓﻮﻻه اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﺨﺎري.
وﻗﺪ ﻋﺮف أن اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﯿﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻰ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،وأﻧﮭﻢ ﻗﻀﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻔﺎرﯾﯿﻦ واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ أﻣﻼﻛﮭﻢ.
ﺣﺘﻰ إذا ﺟﺎء ﻋﺎم ٢٧٩ھـ٨٩٣/م ،ﻣﺎت ﻧﺼﺮ ﻓﻘﺎم أﺧﻮه إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﻣﻘﺎﻣﮫ ﻓﻰ ﺑﻼد ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ ،ﻓﻮﻃﱠﺪ أﻣﺮھﺎ ،وﺛﺒﺖ ﻗﻮاﻋﺪھﺎ ،وﻗﺎم
ﺑﺤﻤﻠﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﺿﺪ اﻟﻤﺠﺎورﯾﻦ ﻟﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ؛ ﻷﻧﮭﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﮭﺎﺟﻤﻮن اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﻦ إﻟﻰ آﺧﺮ ،وﻗﺪ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ھﺬه
اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻧﺘﺼﺎره ﻓﻰ ھﺬه اﻟﺤﺮوب ،ودﺧﻮل ﻛﺒﺎر ﻗﺎدة ھﺬه اﻟﺒﻼد ﻓﻰ اﻹﺳﻼم ،وﺗﺒﻌﺘﮭﻢ ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﺠﻤﺎھﯿﺮ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﮭﻢ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎن إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ
ﯾﺤﺐ اﻟﺨﯿﺮ واﻟﻌﻠﻢ ،ﻓﻘﺮب إﻟﯿﮫ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،وﻧﺸﺮ اﻟﺨﯿﺮ ﻓﯿﻤﻦ ﺣﻮﻟﮫ.
وﻓﻰ ﻋﮭﺪه ،ﺗﻢ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺼﻔﺎرﯾﺔ ،واﻣﺘﺪ ﻧﻔﻮذه إﻟﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﺮﺳﺘﺎن ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ واﻟﯿﮭﺎ اﻟﻌﻠﻮى
" ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ زﯾﺪ" ﻋﺎم ٢٨٧ھـ٩٠٠ /م ،وﺻﺮﻋﮫ ﻓﻰ أﺛﻨﺎء اﻟﻘﺘﺎل.
وﺗﻤﻜﻦ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺿﻢ اﻟﺮى وﻗﺰوﯾﻦ إﻟﻰ ﺣﻮزﺗﮫ وﺗﺤﺖ ﺳﯿﻄﺮﺗﮫ.
وﺗﻮارﺛﺖ اﻷﺟﯿﺎل اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﺔ اﻟﻮﻻﯾﺔ ﺑﻌﺪ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻰ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٣٨٩ھـ ٩٩٩ /م ؛ ﺣﯿﺚ ﺳﻘﻄﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻷﻃﻤﺎع
واﻟﺨﻼﻓﺎت؛ ﻣﻤﺎ أﻃﻤﻊ اﻟﻘﻮاد واﻟﻌﻤﺎل ﻓﻰ اﻟﺨﺮوج ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻛﻤﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﯿﻦ.
وﻻ ﯾﻨﺴﻰ اﻟﺘﺎرﯾﺦ أن ﯾﺬﻛﺮ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﺔ اھﺘﻤﺎﻣﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ واﻟﻌﻠﻤﺎء ورﻋﺎﯾﺘﮭﺎ ﻟﻶداب ،وﻗﯿﺎﻣﮭﺎ ﺑﻨﮭﻀﺔ ﻓﻨﯿﺔ راﺋﻌﺔ ﻓﻰ اﻟﻌﻤﺎرة،
وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺨﺰف واﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺎت اﻟﺤﺮﯾﺮﯾﺔ ،وﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻮرق اﻟﺘﻰ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻰ ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ ،وﻣﻨﮭﺎ اﻧﺘﺸﺮت ﻓﻰ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وﻛﺎن
ا ھﺘﻤﺎﻣﮭﻢ ﺑﺎﻗﺘﻨﺎء اﻟﻜﺘﺐ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،ﻓﺎﻟﻤﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﯾﺠﺪ ﻣﺎﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﻓﻰ ﺳﻮاھﺎ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ اﻟﻤﻌﺎرف واﻟﻌﻠﻮم.
٤٩
ھﻞ ﺳﻤﻌﺖ أو ﻗﺮأت أﺣﺪ ھﺬﯾﻦ اﻻﺳﻤﯿﻦ؟ " ﺳُﺒُ ْﻜﺘِﻜﯿﻦ" و " اﻟ ُﺒ ْﺘﻜِﯿﻦ "؟
إﻧﮭﻤﺎ اﺳﻤﺎن ﺗﺮﻛﯿﺎن ،أﻣﺎ أوﻟﮭﻤﺎ ﻓﺘﻨﺴﺐ إﻟﯿﮫ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻐﺰﻧﻮﯾﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎن أﺣﺪ ﻣﻮﻟﻰ اﻟﺜﺎﻧﻲ .وﻛﺎن اﻟﺜﺎﻧﻰ أﻣﯿﺮًا ﻋﻠﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ "ھﺮاة " اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ
ﻟﺨﺮاﺳﺎن ،وﯾﺼﺪر أﻣﺮ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﻰ ﺑﻌﺰﻟﮫ ،ﻓﺄﯾﻦ ﯾﺬھﺐ؟ ذھﺐ إﻟﻰ "ﻏﺰﻧﺔ" واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٣٥٢ھـ٩٦٣/م ،وﯾﺤﻞ ﻣﺤﻠﮫ
ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﮫ ﻋﻠﻰ إﻣﺎرة ﻏﺰﻧﺔ اﺑﻨﮫ إﺳﺤﺎق ،وﯾﻤﻮت إﺳﺤﺎق وﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺮﺛﮫ.
ﻟﻘﺪ ﺟﺎء اﻟﺪور ﻋﻠﻰ " ﺳﺒﻜﺘﻜﯿﻦ" أﺣﺪ ﻣﻮاﻟﻰ "اﻟﺒﺘﻜﯿﻦ " اﻟﺬى ﻛﺎن ﻣﻌﺮوﻓًﺎ ﺑﺎﻟﺘﺪﯾﻦ واﻟﻤﺮوءة ،ورﺟﺎﺣﺔ اﻟﻌﻘﻞ ،وﻛﺎن ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻮﺳﯿﻊ
رﻗﻌﺔ ﻣﻤﻠﻜﺘﮫ ﻟﺘﺸﻤﻞ " ﺑﺸﺎور" ﻓﻰ اﻟﮭﻨﺪ ،وﺧﺮاﺳﺎن اﻟﺘﻰ ﻛﺎن ﯾﻠﯿﮭﺎ أول اﻷﻣﺮ ﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﯿﻦ.
وﯾﺘﻮﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪ " ﺳﺒﻜﺘﻜﯿﻦ" اﺑﻨﮫ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ،ﺛﻢ ﺗﻮﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﺪه أﺧﻮه ﻣﺤﻤﻮد.
وﻟﻢ ﺗﺠﺊ ﺳﻨﺔ ٣٨٨ھـ٩٩٨ /م ﺣﺘﻰ ﻛﺎن ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻐﺰﻧﻮى ﻗﺪ ﺷﺮع ﻓﻰ ﻣﮭﺎﺟﻤﺔ " ﻧﯿﺴﺎﺑﻮر" ﺑﻌﺪ أن ﻣﻠﻚ ﻏﺰﻧﺔ.
وﯾﺘﻤﻜﻦ ﻣﺤﻤﻮد ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٣٨٩ھـ ٩٩٩ /م ﻣﻦ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ ﺧﺮاﺳﺎن ﻣﻌﻠﻨًﺎ وﻻءه ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻟﻘﺎدر ﺑﺎﷲ.
وﯾﻮﻟﻰ "ﻣﺤﻤﻮد ﺑﻦ ﺳﺒﻜﺘﻜﯿﻦ" أﺧﺎه "ﻧﺼﺮًا" ﻗ ﯿﺎدة ﺟﯿﻮش ﺧﺮاﺳﺎن ،وﯾﺴﯿﺮ إﻟﻰ " ﺑﻠﺦ " ﻓﯿﺠﻌﻠﮭﺎ دار ﻣﻠﻜﮫ .وﯾﺼﺒﺢ " ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻐﺰﻧﻮي"
ﻣﻦ اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﻓﻰ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺑﺴﺒﺐ ﺟﮭﺎده اﻟﻤﺘﻮاﺻﻞ ﻓﻰ اﺗﺠﺎه اﻟﮭﻨﺪ .ﻟﻘﺪ ﻗﺎد ﺳﺒﻊ ﻋﺸﺮة ﻏﺰوة ﻋﻠﻰ اﻟﮭﻨﺪ ﻣﻜﻨﺘﮫ ﻣﻦ
ﺿﻢ إﻗﻠﯿﻢ " اﻟﺒﻨﺠﺎب" ،وﺟﺰء ﻣﻦ "اﻟﺴﻨﺪ " إﻟﻰ ﺑﻼده.
إن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻰ اﻟ ﮭﻨﺪ وﺑﺎﻛﺴﺘﺎن ﯾﺬﻛﺮون "ﻣﺤﻤﻮدًا اﻟﻐﺰﻧﻮي" وﻻ ﯾﻨﺴﻮﻧﮫ ،وﻛﯿﻒ ﯾﻨﺴﻰ وھﻮ اﻟﺬى ﺣﻤﻞ اﻟﻨﻮر إﻟﯿﮭﻢ وﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم
ﺑﯿﻨﮭﻢ؟ !
ﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒِ ﻣﺤﻤﻮد ﺑﮭﺬا ،ﺑﻞ أﺧﻀﻊ " اﻟﻐﻮر" وھﻰ ﺗﺠﺎور "ﻏﺰﻧﺔ " وﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم ھﻨﺎك ،ﻓﯿﺎ ﻟﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﮭﻮد ﺗُﺬﻛﺮ ﻓ ﺘُﺸﻜﺮ ! وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ
ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ﻓﻰ ﻛﺸﻤﯿﺮ وﺑﻨﺠﺎب ﻧﺮاه ﻗﺪ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺑﺨﺎري ،وﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ آﺧﺬًا ﺑﻌﺾ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎت ﺑﻨﻰ ﺑﻮﯾﮫ ﻛﺎﻟﺮى وأﺻﻔﮭﺎن ،وﺣﺘﻰ
إﻗﻠﯿﻢ ﺳﺠﺴﺘﺎن أﺧﻀﻌﮫ ﻟﺴﻠﻄﺎﻧﮫ ،وھﻜﺬا ﻛﺎن ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻐﺰﻧﻮى رﺣﻤﮫ اﷲ ،ﻣﺤﺒّﺎ ﻟﻠﺠﮭﺎد واﻟﻐﺰو وﻧﺸﺮ دﯾﻦ اﷲ ﻓﻰ رﺑﻮع اﻷرض.
ﻟﻘﺪ ﻟﻘﻰ ﻣﺤﻤﻮد رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ٤٢١ھـ ١٠٣٠ /م ،وﻛﺎن ﺧَﯿﺮًا ،ﻋﺎﻗﻼ ،دَﯾﻨًﺎ ،ﻋﻨﺪه ﻋﻠﻢ وﻣﻌﺮﻓﺔ ،ﻗﺼﺪه اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﻦ أﻗﻄﺎر اﻟﺒﻼد ،وﻛﺎن
ﯾﻜﺮﻣﮭﻢ ،وﯾﻘﺒﻞ ﻋﻠﯿﮭﻢ ،وﯾﺤﺴﻦ إﻟﯿﮭﻢ ،وﻛﺎن ﻋﺎدﻻ ،ﻛﺜﯿﺮ اﻹﺣﺴﺎن إﻟﻰ رﻋﯿﺘﮫ ﻣﻼزﻣًﺎ ﻟﻠﺠﮭﺎد ،ﻛﺜﯿﺮ اﻟﻐﺰوات.
وﯾﺘﻮﻟﻰ ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد أﻣﺮ اﻟﺒﻼد ﺑﻌﺪ أﺑﯿﮫ ،وﯾﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺞ أﺑﯿﮫ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺪول ﺗﻀﻌﻒ ﻓﻰ أواﺧﺮ ﻋﮭﺪه ؛ وﯾﻨﺘﮭﻰ أﻣﺮ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻔﺘﯿﺔ ﻋﺎم ٥٨٢ھـ.
وﺑﻌﺪ ..ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﺪول اﻟﺘﻰ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻰ ﻓﺎرس ! إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻨﺴﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﺔ ) ٤٤٧-٣٢٣ھـ١٠٥٥-٩٣٥ /م( ،وﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ أﺑﻰ ﺷﺠﺎع
ﺑﻦ ﺑﻮﯾﮫ ،اﻟﺬى ﻛﺎن رﺋﯿﺴًﺎ ﻟﻘﺒﯿﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻠﻢ ﺗﺴﻜﻦ ﺟﻨﻮﺑﻰ ﺑﺤﺮ ﻗﺰوﯾﻦ وﺗﺤﺘﺮف اﻟﺠﻨﺪﯾﺔ.
ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ دوﻟﺘﮭﻢ ﻓﻰ ﻓﺎرس واﻟﺮى وھﻤﺬان وأﺻﺒﮭﺎن ،وﻛﺎن ﻣﺆﺳﺴﻮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮس ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺬﻛﺮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﺔ ﻧﺬﻛﺮ " اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﯿﺔ" اﻟﺘﻰ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻰ ﻓﺎرس وھﻤﺬان واﻟﻌﺮاق ،وﻣﺆﺳﺴﻮھﺎ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك.
وﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ أﻧﮭﻢ ﻗﻮم ﺑﺪو ﻧﺰﺣﻮا ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﺘﺮﻛﺴﺘﺎن إﻟﻰ ﺑﺨﺎري ،واﻋﺘﻨﻘﻮا اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺴﻨﻲ ،وﻇﻠﺖ دوﻟﺘﮭﻢ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ) -٤٢٩
٧٠٠ھـ١٣٠١-١٠٣٨ /م(.
وﺧﻠﻔﮭﻢ اﻟﻤﻐﻮل ﻓﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﺒﻼد ،وﯾﺄﺗﻰ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﺪول اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ إﻟﻰ ذﻛﺮ " اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ" اﻟﺘﻰ ﺣﺎرﺑﺖ
اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ أﯾﻀًﺎ وإن ﻇﻠﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻻء اﻟﻈﺎھﺮى ﻟﮭﺎ " ،واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﯿﺔ" اﻟﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ
ﻓﻰ ﻋﮭﺪھﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺑﺈﺣﯿﺎﺋﮭﺎ ﻓﻰ اﻟﻘﺎھﺮة ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﯿﺒﺮس اﻟﺒﻨﺪﻗﺪاري.
وﺗﺒﻘﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻰ أﺧﺬت اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ ،وﻇﻠﺖ ﺗﻘﻮم ﺑﻤﮭﺎم اﻟﺨﻼﻓﺔ إﻟﻰ أن ﻧﺠﺤﺖ اﻟﻤﺆاﻣﺮات ﻓﻰ
إﺳﻘﺎﻃﮭﺎ ،واﻧﻔﺮط ﻋﻘﺪ اﻟﻮﺣﺪة إﻟﻰ ﯾﻮﻣﻨﺎ ھﺬا.
ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻮاﺛﻖ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﯿﺐ "ﺑﺎﻛﺒﺎك" اﻟﺘﺮﻛﻰ ﺣﯿﺚ ازداد ﻧﻔﻮذ اﻷﺗﺮاك ،وأﺧﺬوا ﯾﺘﻮﻟﻮن اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﻜﺒﺮي،
وﯾﺘﻘﺎﺳﻤﻮﻧﮭﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ.
وﻟﻜﻦ "ﺑﺎﻛﺒﺎك" ﻓَﻀﱠﻞَ أن ﯾﺒﻘﻰ ﻓﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ "ﺑﻐﺪاد" وﯾﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﯾﻨﻮب ﻋﻨﮫ ﻓﻰ وﻻﯾﺔ ﻣﺼﺮ.
ووﻗﻊ اﻻﺧﺘﯿﺎر ﻋﻠﻰ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ،ذﻟﻚ اﻟﺸﺎب اﻟﺬى ﻧﺸﺄ ﻓﻰ ﺻﯿﺎﻧﺔ وﻋﻔﺎف ورﯾﺎﺳﺔ ودراﺳﺔ ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻌﻈﯿﻢ ﻣﻊ ﺣﺴﻦ ﺻﻮت ﺑﮫ،
وﻛﺎن واﻟﺪه ﻣﻤﻠﻮﻛًﺎ ﺗﺮﻛﯿﺎ ﺑﻌﺚ ﺑﮫ وإﻟﻰ ﺑﻼد " ﻣﺎ وراء اﻟﻨﮭﺮ" إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " اﻟﻤﺄﻣﻮن اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ" وﻟﻤﺎ ﻣﺎت واﻟﺪه ﺗﺰوج ﺑﺎﻛﺒﺎك أﻣﮫ.
وﺟﺎء أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻟﯿﺤﻜﻢ ﻣﺼﺮ ﻧﯿﺎﺑﺔ ﻋﻦ "ﺑﺎﻛﺒﺎك" اﻟﺘﺮﻛﻲ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﻣﺼﺮ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻲ ،وﺑُﻌﺪ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ
" اﻟﻔﺴﻄﺎط" واﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ "ﺑﻐﺪاد" ﺷﺠﻊ وإﻟﻰ ﻣﺼﺮ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻘﻼل ﺑﮭﺎ.
ﻓﻠﻢ ﯾﻜﺪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ ٢٥٤ھـ ﺣﺘﻰ أﺧﺬ ﯾﺠﻤﻊ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﻓﻰ ﯾﺪه.
ﻟﻘﺪ ﻋﺰل اﻟﻤﻮﻇﻒ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ اﻟﻤﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﺸﺌﻮن اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ واﺳﻤﮫ "ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺨﺮاج" وﺻﺎر ھﻮ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻹدارى واﻟﻤﺎﻟﻰ واﻟﻌﺴﻜﺮي.
ﻋﻢﱠ اﻟﺒﻼد اﻟﺮﺧﺎء.
وﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﺎ أراد ،ﻓﺄﻗﺮ اﻷﻣﻮر ﻓﻰ اﻟﺒﻼد ،وﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻦ ،وﻧﺸﺮ اﻟﻄﻤﺄﻧﯿﻨﺔ ﻓﻰ رﺑﻮع اﻟﻮادي ،و َ
وﻟﻘﺪ أﺗﺎﺣﺖ ﻟﮫ اﻟﻈﺮوف أن ﯾﻌﻠﻦ اﺳﺘﻘﻼﻟﮫ ﺑﺎﻟﺒﻼد ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻌﺚ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺑﺈﻋﺎﻧﺔ ﻣﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ
ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻣﻨﮫ ﻓﻰ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ "ﺛﻮرة اﻟﺰﻧﺞ" .وﻟﻜﻦ "ﻃﻠﺤﺔ" أﺧﺎ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﻌﺚ ﯾﺘﮭﻢ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺑﺎﻟﺘﻘﺼﯿﺮ ﻓﻰ إرﺳﺎل اﻟﻤﺎل اﻟﻜﺎﻓﻲ،
وﯾﺘﮭﺪده وﯾﺘﻮﻋﺪه ،وھﻨﺎ ﻛﺎن رد اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻗﺎﺳﯿﺎ وﻋﻨﯿ ﻔًﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ ﺑﮭﺬا ﺑﻞ أﻋﻠﻦ اﺳﺘﻘﻼﻟﮫ ﺑﺎﻟﺒﻼد.
وﺗﺄﺳﺴﺖ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ " اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﺔ " ﻧﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺸﺌﮭﺎ أﺣﻤﺪ اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ،وراح أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﯾﻌﺪّ ﺟﯿﺸًﺎ ﻗﻮﯾﺎ ﻟﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﺒﻼد
داﺧﻠﯿﺎ وﺧﺎرﺟﯿﺎ؛ وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺟﯿﺶ ﻣﺼﺮ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺟﻨﺪي.
اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﺼﺮ:
وراح ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻰ اﺗﺨﺎذ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﮫ ﻏﯿﺮ " اﻟﻔﺴﻄﺎط" ﺗﻀﺎرﻋﮭﺎ وﺗﻨﺎﻓﺴﮭﺎ ،ﻓﺎﺗﺨﺬ اﻷرض اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺴﯿﺪة زﯾﻨﺐ واﻟﻘﻠﻌﺔ وﺳﻤﺎھﺎ
٥٠
اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ" ،وﻋﻠﯿﮭﺎ أﻗﺎم ﺟﺎﻣﻌﮫ اﻟﻜﺒﯿﺮ اﻟﺬى ﻣﺎ زال ﻣﻮﺟﻮدًا ﺣﺘﻰ اﻵن ،وﺟﻌﻠﮫ ﻣﻌﮭﺪًا ﻟﺘﺪرﯾﺲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ،وﻛﺎن اﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن رﺟﻞ
ﺻﻼح وﺑﺮﱟ ،ﯾﺘﺼﺪق ﻣﻦ ﺧﺎﻟﺺ ﻣﺎﻟﮫ ﻓﻰ ﻛﻞ ﺷﮭﺮ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر.
وﻗﺪ راﺑﻄﺖ ﻓﻰ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻃﻮاﺋﻒ اﻟﺠﻨﺪ ﺣﯿﺚ أﻗﻄﻌﮭﻢ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن أرﺿًﺎ ﯾﻘﯿﻤﻮن ﻋﻠﯿﮭﺎ.
وأﻣﺎم ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﯿﮫ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻣﻦ ﻗﻮة ،ﻛﺎن ﻻﺑﺪ أن ﺗﺘﻘﺮب إﻟﯿﮫ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻟﯿﻘﻒ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮭﺎ ﻓﻰ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺮوم
اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﯾﻜﻔﱡﻮن ﻋﻦ اﻹﻏﺎرة ﻣﻦ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮي.
إن ﺷﻤﺎل اﻟﺸﺎم ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﺴﺎﺳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﻼﺻﻘﺔ ﻟﻠﺮوم ﻓﯿﮫ ﺗﻌﺮف ﺑﺎﺳﻢ " إﻗﻠﯿﻢ اﻟﻌﻮاﺻﻢ واﻟﺜﻐﻮر" ﻓﮭﻰ ﺗﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﻓﺬ
واﻟﺤﺼﻮن اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻰ ﺟﺒﺎل ﻃﻮروس.
ﻓﻠﯿﺲ ﻋﺠﯿﺒًﺎ إذن أﻣﺎم ﺿﻌﻒ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ وﻗﻮة أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن أن ﯾﻌﮭﺪ إﻟﯿﮫ ﺑﻮﻻﯾﺔ اﻟﺜﻐﻮر اﻟ ﺸﺎﻣﯿﺔ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻨﮭﺎ ورد ﻛﯿﺪ اﻟﻤﻌﺘﺪﯾﻦ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﻣﮭﯿ ًﺄ ﻟﮭﺬه اﻟﻤﮭﻤﺔ وﺟﺪﯾﺮًا ﺑﮭﺎ ،ﻓﺒﻌﺚ ﺑﺠﺰء ﻣﻦ ﺟﯿﺸﮫ وأﺳﻄﻮﻟﮫ ﻟﯿﺮاﺑﻂ ھﻨﺎك ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود ،ﯾﺤﻤﻰ اﻟﺜﻐﻮر،
وﯾﺆﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻓﺬ واﻟﺤﺼﻮن.
ﺛﻢ ﯾﺘﻮﻓﻰ واﻟﻰ اﻟﺸﺎم اﻟﺘﺮﻛﻰ ﺳﻨﺔ ٢٦٤ھـ ،ﻓﯿﻀﻢ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن اﻟﺒﻼد إﻟﯿﮫ ﻟﻜﻰ ﯾﺴﺘﻜﻤﻞ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻠﻰ إﻗﻠﯿﻢ اﻟﺜﻐﻮر.
وﺻﺎرت ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﻓﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﺔ وﺣﺪة ﻟﮭﺎ ﻗﻮﺗﮭﺎ ﻓﻰ اﻟﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ ،ﺗﺤﻤﻞ راﯾﺔ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ أرض اﻹﺳﻼم ﺿﺪ اﻟﺮوم،
ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻋﺠﺰت اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻦ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻗﻮى اﻟﺸﺮ واﻟﻌﺪوان ،وأﻣﺎم ﻗﻮة أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن وﻗﯿﺎﻣﮫ ﺑﺘﻮﺣﯿﺪ اﻟﺸﺎم
وﻣﺼﺮ ﺗﺤﺖ إﻣﺮﺗﮫ ﺧﺸﻰ أﺑﺎﻃﺮة اﻟﺮوم ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ،وﺧﺎﻓﻮا ﺳﻄﻮﺗﮫ ،ﻓﺒﻌﺜﻮا إﻟﯿﮫ ﯾﻮدون أن ﯾﻌﻘﺪوا ھﺪﻧﺔ ﻣﻌﮫ ،ﺑﻞ ﻟﻘﺪ ﺣﺪث أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ،
ﻟﻘﺪ ﻋﺰم اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ "اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ" ﻋﻠﻰ ﻣﻐﺎدرة اﻟﺒﻼد ﺳﺮّا ﻓﺮارًا ﻣﻦ ﺳﯿﻄﺮة أﺧﯿﮫ اﻟﻤﻮﻓﻖ "ﻃﻠﺤﺔ" ،ﻓﺄﯾﻦ ﯾﺬھﺐ ﯾﺎ ﺗﺮي؟ !
ﻟﻘﺪ ﻗﺮر اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻘﻮة اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻓﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،وﻟﻜﻦ أﺧﺎه اﻟﻤﻮﻓﻖ أﻋﺎده إﻟﻰ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﺎﻟﻌﺮاق.
وﻇﻠﺖ اﻟﻮﺣﺪة ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻓﻰ ﻋﮭﺪ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن ،وراﺣﺖ ﻗﻮاﺗﮫ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ واﻟﺒﺮﯾﺔ ﺗﺤﻤﻰ ھﺬه اﻟﻮﺣﺪة وﺗﻌﻠﻰ ﻗﺪرھﺎ ﻓﻰ
ﺷﺮق اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﯿﺾ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ.
وﯾﺘﻮﻟﻰ اﺑﻨﮫ "ﺧُﻤﺎروﯾﮫ" ﺑﻌﺪه ﺣﺎﻣﻼً راﯾﺔ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﻛﻤﺎ ﻛﺎن أﺑﻮه .وﻟﻜﻦ "ﻃﻠﺤﺔ" أﺧﺎ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ" ﯾﻌﻮد إﻟﻰ
ﻣﺤﺎوﻻﺗﮫ ودﺳﺎﺋﺴﮫ ﻹﻋﺎدة ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم إﻟﻰ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ.
وﯾﻌﺪ ﺧﻤﺎروﯾﮫ ﺟﯿﺸًﺎ ﯾﺘﻮﻟﻰ ﻗﯿﺎدﺗﮫ ﺑﻨﻔﺴﮫ ،وﯾﮭﺰم ﻗﻮات أﺧﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﻨﺪ دﻣﺸﻖ ﻓﻰ ﻣﻌﺮﻛﺔ " اﻟﻄﻮاﺣﯿﻦ" ﺳﻨﺔ ٢٧٣ھـ٨٨٧ /م ،ﻓﻼ
ﯾﻤﻠﻚ إﻻ أن ﯾﻌﻘﺪ ﻣﻊ "ﺧﻤﺎروﯾﮫ " ﺻﻠﺤًﺎ اﻋﺘﺮﻓﺖ ﻓﯿﮫ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺑﻮﻻﯾﺔ ﺧﻤﺎروﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،وﻷﺑﻨﺎﺋﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻟﻤﺪة
ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ .وﻛﺎن ﻧﺼﺮًا راﺋﻌًﺎ أﺗﺎح ﻟﮫ أن ﯾﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﻮاﺻﻢ واﻟﺜﻐﻮر ،وأﺻﺒﺢ "ﺧﻤﺎروﯾﮫ" ﻗﻮة ﯾﺮھﺒﮭﺎ اﻟﺮوم.
وھﻜﺬا اﻟﻘﻮة ﺗﻜﺴﺐ أﺻﺤﺎﺑﮭﺎ اﻻﺣﺘﺮام واﻟﺴﯿﻄﺮة واﻟﻨﻔﻮذ ،وﺗﺰداد اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﺧﻤﺎروﯾﮫ واﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻗﻮة ،ﺣﯿﺚ ﯾﺘﺰوج اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ " اﻟﻌﺒﺎﺳﺔ " ﺑﻨﺖ ﺧﻤﺎروﯾﮫ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﺳﻢ "ﻗﻄﺮ اﻟﻨﺪي" ،وھﻰ اﻟﺘﻰ ﺟﮭﺰھﺎ أﺑﻮھﺎ ﺑﺠﮭﺎز ﻟﻢ ﯾﺴﻤ ﻊ ﺑﻤﺜﻠﮫ.
وراح ﺧﻤﺎروﯾﮫ ﯾﮭﺘﻢ ﺑﻤﺮاﻓﻖ اﻟﺪوﻟﺔ ،وﯾﺨﺼﺺ اﻷﻣﻮال ﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻔﻘﺮاء واﻟﻤﺤﺘﺎﺟﯿﻦ ،وﯾﺸﯿﺪ اﻟﻘﺼﻮر اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻓﻰ ﻋﺎﺻﻤﺔ أﺑﯿﮫ
" اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ" .وﻇﻞ ﺧﻠﻔﺎء ﺧﻤﺎروﯾﮫ ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﺎ ﯾﻘﺮب ﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﮫ ﻣﻘﺘﻮﻻ ﻋﺎم ٢٨٢ھـ٨٩٥ /م.
ﻟﻘﺪ وﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ ﺧﻤﺎروﯾﮫ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ آل ﻃﻮﻟﻮن ﻟﻢ ﯾﺴﯿﺮوا ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺠﮫ ،ﺑﻞ اﻧﻐﻤﺴﻮا ﻓﻰ اﻟﻠﮭﻮ واﻟﻤﻠﺬات ،ﻓﻜﺜﺮ اﻟﻄﺎﻣﻌﻮن ﻓﻰ اﻟﺤﻜﻢ،
واﻧﺘﺸﺮت اﻟﻔﻮﺿﻲ ،واﻧﺘﮭﻰ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﻮدة ﺟﯿﻮش اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻻﺳﺘﺮداد ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﯾﺪ راﺑﻊ اﻟﻮﻻة اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﯿﻦ ﻋﻠﯿﮭﺎ.
وﻓﻰ ﺳﻨﺔ ٢٩٢ھـ٩٠٥ /م دﺧﻠﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ ﺗﺤﺖ ﻗﯿﺎدة ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻠﯿﻤﺎن وﻗﺪ ﻗﺒﺾ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﯿﻦ وﺣﺒﺴﮭﻢ وأﺧﺬ
أﻣﻮاﻟﮭﻢ وأرﺳﻠﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وأزال ﺑﻘﺎﯾﺎ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﺔ اﻟﺘﻰ ﺣﻜﻤﺖ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ﻣﺪة ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ وﺛﻼﺛﯿﻦ ﻋﺎﻣًﺎ.
ﻋﺎدت ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮط اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻇﻠﺖ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ﺗﻌﺎﻧﻰ ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب واﻟﻔﻮﺿﻰ
واﻟﻔﺘﻦ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ .وﻇﻞ اﻟﻨﻔﻮذ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ زوال اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﺔ .وﯾﺘﻄﻠﻊ أﺣﺪ اﻟﻘﺎدة اﻷﺗﺮاك ﻓﻰ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ
ﻓﻰ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ اﻻﻧﻔﺮاد ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ وﺣﺪه دون اﻟﻘﺎدة اﻟﻤﺘﻨﺎزﻋﯿﻦ ،واﻟﻮﻻة اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ.
ﻓﯿﺎ ﺗﺮى ﻣﻦ ھﻮ؟ إﻧﮫ "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃُﻐﺞ اﻹﺧﺸﯿﺪ " ،ﻟﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪه ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﮫ ﻣﻦ ﺧﺪﻣﺎت ﻓﻰ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻟﺒﻼد ﺿﺪ ھﺠﻤﺎت اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ اﻟﺘﻰ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻰ ﺗﻮﻧﺲ ،وراﺣﺖ ﺗﮭﺪد ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ اﻟﺸﻤﺎل اﻹﻓﺮﯾﻘﻲ ،وذﻟﻚ ﻓﻰ ﻋﺎم ) ٣٢٤-٣٢١ھـ .(٩٣٦ -٩٣٣ /وﻓﻰ
ﺳﻨﺔ ٣٢٣ھـ٩٣٥ /م ﺗﻮﻟﻰ اﻹﺧﺸﯿﺪ وﻻﯾﺔ ﻣﺼﺮ وﺻﺎر اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻓﻰ اﻟﺒﻼد.
وﻟﻜﻦ ﻣﻦ أﯾﻦ "ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻐﺞ" ھﺬا اﻟﻠﻘﺐ "اﻹﺧﺸﯿﺪ" وھﻮ ﻟﻘﺐ إﯾﺮاﻧﻲ؟
ﻟﻘﺪ رﻏﺐ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ " اﻟﺮاﺿﻲ" اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﻓﻰ اﻛﺘﺴﺎب ﻣﻮدة ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻐﺞ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﮫ ،ﻓﻤﻨﺤﮫ ﻟﻘﺐ "اﻹﺧﺸﯿﺪ " وھﻮ ﻟﻘﺐ إﯾﺮاﻧﻰ ﺗﻠﻘﺐ ﺑﮫ
اﻷﻣﺮاء.
وﯾﺪل ھﺬا ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻹﺧﺸﯿﺪ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ وﻣﺎ ﺑﻠﻐﮫ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎن واﺳﻊ وﻧﻔﻮذ ﻛﺒﯿﺮ.
ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺢ " ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻐﺞ" ﻣﺆﺳﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﺔ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ وإﻟﯿﮫ ﺗﻨﺘﺴﺐ أﺳﺮﺗﮫ .وﻇﻠﺖ اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺮام ﺑﯿﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻐﺞ
٥١
اﻹﺧﺸﯿﺪ واﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء اﻟﯿﻮم اﻟﺬى أرﺳﻞ ﻓﯿﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺮاﺿﻰ ﺟﯿﺸًﺎ ﺑﻘﯿﺎدة "ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ راﺋﻖ" إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ﻻﻧﺘﺰاع ﻣﺼﺮ
ﻣﻦ اﻹﺧﺸﯿﺪ ﺳﻨﺔ ٣٢٨ھـ٩٤٠ /م.
وﻋﻨﺪﺋﺬ أﻟﻐﻰ اﻹﺧﺸﯿﺪ اﺳﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻰ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺒﺔ وأﻋﻠﻦ اﺳﺘﻘﻼﻟﮫ ﺑﻤﺼﺮ ،واﺳﺘﻄﺎع ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﺑﻦ راﺋﻖ واﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻤﻠﻜﮫ
ﺳﻠﯿ ﻤًﺎ.
وﻛﺎن اﺑﻦ راﺋﻖ ﻗﺪ ھﺰم ﻣﺤﻤﺪ اﻹﺧﺸﯿﺪى ﻓﻰ ﺑﺪاﯾﺔ اﻷﻣﺮ ،واﻧﺸﻐﻞ ﺟﻨﻮد اﺑﻦ راﺋﻖ ﺑﺠﻤﻊ اﻷﺳﻼب ،ﻓﺨﺮج ﻛﻤﯿﻦ ﻻﺑﻦ اﻹﺧﺸﯿﺪ ﻋﻠﯿﮭﻢ،
وھﺰﻣﮭﻢ ،وﻓﺮﻗﮭﻢ ،وﺗﻔﺮغ اﻹﺧﺸﯿﺪ ﺑﻌﺪ ھﺰﯾﻤﺔ ﻗﺎﺋﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ،ﻓﻨﺠﺢ ﻓﻰ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻦ واﻟﻘﻼﻗﻞ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وراح ﯾﻌﻤﻞ
ﻋﻠﻰ دراﺳﺔ أﺣﻮال اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻰ اﻟﻤﺠﺎور ﻟﻤﺼﺮ.
وأﺧﺬ ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻰ وﺣﺪة ﺗﻘﻒ ﻓﻰ وﺟﮫ اﻟﻌﺪوان اﻟﺨﺎرﺟﻰ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺮوم.
وﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﺔ ﺿﻢ اﻹﺧﺸﯿﺪ إﻟﯿﮫ اﻟﺸﺎم ﺑﻌﺪ ﻣﻮت اﺑﻦ راﺋﻖ ﺳﻨﺔ ١٣٠ھـ ؛ ﻟﯿﻌﯿﺪ اﻟﻘﻮة إﻟﻰ اﻟﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ،
وﻟﯿﺘﺴﻨﻰ ﻟﮫ اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻰ وﺟﮫ اﻟﺮوم اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،وھﻨﺎ ﺧﺎف أﺑﺎﻃﺮة اﻟﺮوم ،وأﺳﺮﻋﻮا ﯾﺨﻄﺒﻮن وده ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﻮا ﻣﻊ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻮﻟﻮن.
وﻓﻰ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﻟﻰ ﻟﮭﺬه اﻟﻮﺣﺪة ،ﻣﺪ اﻹﺧﺸﯿﺪ ﻧﻔﻮذه إﻟﻰ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وراح ﯾﺘﻮﻟﻰ أﻣﺮ اﻟﺤﺠﺎز وﯾﺸﺮف ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻣﯿﻦ اﻟﺸﺮﯾﻔﯿﻦ.
وﻟﻘﻰ اﻹﺧﺸﯿﺪ رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ٣٣٤ھـ٤٦٩ /م.
وﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﮫ ﺗﻮﻟﻰ وزﯾﺮه أﺑﻮ اﻟﻤﺴﻚ ﻛﺎﻓﻮر اﻟﻮﺻﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ وﻟﺪﯾﮫ اﻟﺼﻐﯿﺮﯾﻦ ،وأﺛﺒﺖ ھﺬا اﻟﻮﺻﻰ ﻣﻘﺪرة ﻓﻰ إدارة ﺷﺌﻮن اﻟﺒﻼد واﻟﺪﻓﺎع
ﻋﻨﮭﺎ ﺿﺪ اﻷﺧﻄﺎر اﻟﺘﻰ ﺗﮭﺪدھﺎ ﻣﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ " اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ" ،وأﻓﻠﺢ ﻓﻰ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮭﺎ.
ﻓﻠﻘﺪ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ وﺣﺪة ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم وﺑﻼد اﻟﻌﺮب ،واﻣﺘﺪ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﺔ إﻟﻰ "ﺟﺒﺎل ﻃﻮروس " ،ﻓﻰ أﻗﺼﻰ ﺷﻤﺎل اﻟﺸﺎم
وﺻﺎرت ﻗﻮﯾﺔ اﻟﺠﺎﻧﺐ ﯾﺮھﺒﮭﺎ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﻮن.
وأﺑﻮ اﻟﻤﺴﻚ ﻛﺎﻓﻮر ھﺬا ھﻮ اﻟﺬى ﺧﻠﻊ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻤﺘﻨﺒﻰ أﺟﻤﻞ ﻗﺼﺎﺋﺪ اﻟﻤﺪح ،ﺛﻢ ﻋﺎد وھﺠﺎه؟
ﻧﻌﻢ ،إﻧﮫ ھﻮ ﺑﻌﯿﻨﮫ ،ﻓﻠﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻤﺘﻨﺒﻰ ﯾﻄﻤﻊ ﻓﻰ أن ﯾﻮﻟﯿﮫ ﻛﺎﻓﻮر "وﻻﯾﺔ " ﺗﻨﺎﻓﺲ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻦ ﺣﻤﺪان ،ﻓﻤﺪﺣﮫ ﻟﯿﻨﺎل رﺿﺎه،
ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﯾﻮﻟﱢﮫ ھﺠﺎه.
ﻟﻘﺪ ﺑﻠﻐﺖ إﻣﺎرة ﻛﺎﻓﻮر ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﺛﻼﺛًﺎ وﻋﺸﺮﯾﻦ ﺳﻨﺔ ﺣﻜﻢ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺎﺳﻢ أﺑﻨﺎء اﻹﺧﺸﯿﺪ ﻋﺪا ﺳﻨﺘﯿﻦ اﻧﻔﺮد ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺎﻷﻣﺮ وﻇﻞ اﺳﻤﮫ ﻃﻮال ھﺬه
اﻟﻤﺪة ﻣﻮﺿﻊ اﻟﮭﯿﺒﺔ واﻹﺟﻼل ،وﯾﺪﻋﻲ ﻟﮫ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺑﺮ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻣﻦ ﻃﺮﺳﻮس ﺑﺄﻃﺮاف اﻟﺸﺎم وﻣﺼﺮ واﻟﺤﺠﺎز ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻛﺎﻓﻮر ﺷﮭﻤًﺎ ﺟﯿﺪ
اﻟﺴﯿﺮة.
ﺗﺮى ﻣﻦ ﯾﺨﻠﻔﮫ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﮫ؟ وھﻞ ﺗﻈﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﺔ ﺑﻌﺪه راﻓﻌﺔ أﻋﻼﻣﮭﺎ؟ !
ﻟﻘﺪ ﻟﻘﻲ ﻛﺎﻓﻮر رﺑﮫ ﻓﺨﻠﻔﮫ " أﺑﻮ اﻟﻔﻮارس أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ أﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ " ﺣﻔﯿﺪ اﻹﺧﺸﯿﺪ ،وﻛﺎن ﻃﻔﻼ ﻟﻢ ﯾﺒﻠﻎ اﻟﺤﺎدﯾﺔ ﻋﺸﺮة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه،
وﻛﺎن ﻻﺑﺪ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻈﺮوف أن ﺗﻌﻮد اﻟﻔﻮﺿﻰ إﻟﻰ اﻟﺒﻼد ،وأن ﯾﻜﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﮭﺎ اﻟﻄﺎﻣﻌﻮن.
واﺷﺘﺪت ھﺠﻤﺎت اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﻤﻐﺮب ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﺣﯿﺚ ﺣﺎول اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻌﺰ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﻋﺠﺰت اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻋﻦ اﻟﻮﻗﻮف إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﯿﻦ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﺑﺪ ﻣﻦ اﺳﺘﯿﻼء اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٣٥٨ھـ٩٦٩ /م ،ﻟﯿﺤﻠﻮا ﻣﺤﻞ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﺔ.
ﯾﻨﺘﺴﺐ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﻮن إﻟﻰ ﻗﺒﯿﻠﺔ ﺗﻐﻠﺐ ،وﻛﺎن ﺑﻨﻮ ﺗﻐﻠﺐ ﺑﻦ واﺋﻞ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﺑﻄﻮن رﺑﯿﻌﺔ ﺑﻦ ﻧﺰار ،وﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﻧﺼﺎرى اﻟﻌﺮب اﻟﺠﺎھﻠﯿﺔ
اﻟﺬﯾﻦ ﻟﮭﻢ ﻣﺤﻞ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﺮة واﻟﻌﺪد.
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮاﻃﻨﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺰﯾﺮة ودﯾﺎر رﺑﯿﻌﺔ ،ﺛﻢ ارﺗﺤﻠﻮا ﻣﻊ ھﺮﻗﻞ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺮوم ،ﺛﻢ رﺟﻌﻮا إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ ،وﻓﺮض ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب
اﻟﺠﺰﯾﺔ ،ﻓﻘﺎﻟﻮا :ﯾﺎ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،ﻻ ﺗﺬﻟﻨﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺮب ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺠﺰﯾﺔ ،واﺟﻌﻠﮭﺎ ﺻﺪﻗﺔ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﻓﻔﻌﻞ.
وﻋﻠﻰ ھﺬا ﻓﺎﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﻮن ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺗﻐﻠﺐ ﯾﻨﺤﺪرون ﻣﻦ أﺻﻞ ﻋﺮﺑﻲ أﺻﯿﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺪﻧﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ وﻟﺪت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﻨﻔﮭﺎ.
وﻣﺎ زاﻟﻮا ﯾﺘﻨﻘﻠﻮن ﺑ ﻤﺎﺷﯿﺘﮭﻢ وأﻣﻮاﻟﮭﻢ وﺧﯿﺎﻣﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻞ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ ﺗﮭﺎﻣﺔ إﻟﻰ ﻧﺠﺪ إﻟﻰ اﻟﺤﺠﺎز إﻟﻰ أرض رﺑﯿﻌﺔ إﻟﻰ
ﺿﻔﺎف اﻟﻔﺮات ﺣﯿﺚ ﻧﺰﻟﻮا ﺳﺎﺣﻞ " اﻟﺮﻗﱠﺔ " اﻟﻔﺴﯿﺢ ،وﻣﻨﮭﺎ اﻧﺘﻘﻞ ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﺣﻤﺪون إﻟﻰ "اﻟﻤﻮﺻﻞ".
وﻛﺎن ﺣﻤﺪان ﺟﺪ اﻷﻣﺮاء اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ رﺋﯿﺲ ﻗﺒﯿﻠﺔ أﻧﺠﺒﺖ ﻋﺪة أوﻻد اﻋﺘﻤﺪوا ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﮭﻢ ،وأﻟﻘﻮا ﺑﺄﻧﻔﺴﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﯿﺎدﯾﻦ اﻟﻤﻐﺎﻣﺮة
واﻟﺤﺮب ،ﻓﺎﻧﺘﺼﺮوا وﺧﺬﻟﻮا ،وﻛﺎﻧﺖ ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ ﺗﺘﺼﻒ ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ واﻟﻘﻮة ،وﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﮭﺪوء واﻟﺴﻠﻢ إﻻ ﻗﻠﯿﻼ.
وﻗﺪ راﻓﻘﺖ ﻧﺸﺄة اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ ﺿﻌﻒ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﻏﺮوب ﺷﻤﺴﮭﺎ .
وﯾﺸﺎء اﷲ أن ﯾﺸﮭﺪ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﻮن اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ھﺰت اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ھِﺰﱠة اﻧﺘﮭﺖ إﻟﻰ ﻓﺮط ﻋﻘﺪھﺎ وﻇﮭﻮر دوﯾﻼت وإﻣﺎرات
ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻷﺗﺮاك ،واﻟﻔﺮس ،واﻟﻜﺮد ،وﺑﻌﺾ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﺷﮭﺪوا ﺗﻘﻠﺺ ﻧﻔﻮذ اﻟﻌﺮب وذوﺑﺎﻧﮫ ﺗﺤﺖ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﺪﺧﻼء ﺑﺸﻜﻞ
ﯾﺪﻋﻮ ﻟﻸﺳﻒ ،ﻓﺮأوا أن ﯾﻘﻮﻣﻮا ﺑﻨﺼﯿﺒﮭﻢ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ ھﺬا اﻟﻌﺐء ،وأن ﯾﺼﻮﻧﻮا اﻟﺘﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ ،وأن ﯾﺮدوا ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ھﺠﻤﺎت اﻟﺮوم
ﻋﻦ اﻟﺜﻐﻮر اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
ﯾﺮاﻓﻖ ﻇﮭﻮر اﻷﺳﺮة اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ ارﺗﻘﺎء " اﻟﻤﺘﻘﻲ "ﻋﺮش اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻗﺪ ﺗﺴﻠﻤﮭﺎ وھﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ھﻲ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜﻚ واﻻﻧﺤﻼل ،ﻋﻠﻰ ﯾﺪ
اﻷﺗﺮاك أﺻﺤﺎب وﻇﯿﻔﺔ "أﻣﯿﺮ اﻷﻣﺮاء" ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ؛ ﺣﯿﺚ اﺳﺘﺒﺪ أوﻟﺌﻚ اﻷﻣﺮاء ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ دون اﻟﺨﻠ ﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،وراﺣﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ
اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻜﻨﺖ ﺑﺎدﯾﺔ اﻟﺸﺎم ووادي اﻟﻔﺮات ﺗﺴﺘﻐﻞ ﺿﻌﻒ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وﺗﺴﺘﻘﻞ ﺑﺎﻟﻤﺪن واﻟﻘﻼع اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻓﻲ أرﺿﮭﺎ.
وﯾﻌﺘﺒﺮ ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﮫ ﻗﺒﯿﻠﺔ "ﺗﻐﻠﺐ" ﻣﺜﻼ ﻟﮭﺬا اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة ﺿﻌﻒ اﻟﺨﻼﻓﺔ وﺳﯿﺎدة اﻷﻣﺮاء.
اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺻﻞ:
ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ " ﻗﺒﯿﻠﺔ ﺗﻐﻠﺐ" ﺑﻔﻀﻞ أﺑﻨﺎء زﻋﯿﻤﮭﺎ "ﺣﻤﺪان ﺑﻦ ﺣﻤﺪون" أن ﺗﺆﺳﺲ دوﻟﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﺎل اﻟﻌﺮاق ،وأن ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻦ ﻣﺪﯾﻨﺔ
٥٢
اﻟﻤﻮﺻﻞ" ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﮭﺎ ) ٣٥٨-٣١٧ھـ٩٦٩-٩٢٩ /م(.
وﺗﻌﺼﺒﺖ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﻠﻌﺮوﺑﺔ ،وﺳﺎءھﺎ اﺳﺘﺒﺪاد اﻷﺗﺮاك ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،ﻓﺠﺎء زﻋﯿﻤﮭﺎ "اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﺤﻤﺪاﻧﻲ" إﻟﻰ ﺑﻐﺪاد،
وﻣﻌﮫ أﺧﻮه ﻟﻤﻨﺎﺻﺮة اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺘﻘﻲ ﺑﺎﷲ ﺳﻨﺔ ٣٣٠ھـ٩٤٢ /م.
وﻛﺎﻓﺄ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ھﺬا اﻟﺰﻋﯿﻢ اﻟﺤﻤﺪاﻧﻲ ﺑﺄن ﻋﯿﻨﮫ ﻓﻲ وﻇﯿﻔﺔ "أﻣﯿﺮ اﻷﻣﺮاء " ،وﻣﻨﺤﮫ ﻟﻘﺐ "ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺪوﻟﺔ" ،ﺛﻢ ﻣﻨﺢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺘﻘﻲ أﺧﺎه
ﻟﻘﺐ " ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﻲ".
وﻋﺎش اﻷﺧﻮان" :ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺪوﻟﺔ " و " ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ " ﺑﺒﻐﺪاد إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﺬي ﻋﺮف ﻟﮭﻤﺎ ﻗﺪرھﻤﺎ ،وﻟﻜﻦ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﯾﻌﺠﺐ اﻷﺗﺮاك،
ﻓﺎﺳﺘﻄﺎﻋﻮا ﺑﺰﻋﺎﻣﺔ ﻗﺎﺋﺪھﻢ "ﺗﻮزون" أن ﯾﻄﺮدوا اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ ،وأن ﯾﺤﻤﻠﻮھﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻤﻮﺻﻞ ﺳﻨﺔ ٣٢١ھـ٩٣٣ /م.
وﺗﻄﻠﻊ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻌﺪ ﺧﺮوج اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ ﻣﻦ ﺑﻐﺪاد إﻟﻰ اﻟﻘﯿﺎم ﺑﻤﻐﺎﻣﺮة ﺣﺮﺑﯿﺔ ﺗﻌﻠﻲ ﻣﻦ ﺷﺄن دوﻟﺘﮫ ﺑﺎﻟﻤﻮﺻﻞ ﻓﺴﺎر ﺳﻨﺔ ٣٢٣ھـ/
٩٣٥م إﻟﻰ ﺷﻤﺎل اﻟﺸﺎم واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ " ﺣﻠﺐ" وأﺧﺮج ﻣﻨﮭﺎ ﺣﺎﻛﻤﮭﺎ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻹﺧﺸﯿﺪﯾﺔ ،ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺴﯿﺎدة ﺣﯿﻦ ذاك ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ
واﻟﺸﺎم.
وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻨﺰاﻋﺎت ﺑﯿﻦ أﻗﺎﻟﯿﻢ اﻷﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ اﻟﻮاﺣﺪة وراء اﻟﺘﻌﺠﯿﻞ ﺑﻨﮭﺎﯾﺔ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ وﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ ﺣﻠﺐ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ﻓﻲ ﺷﻤﺎل اﻟﺸﺎم ﺣﺘﻲ ﺳﻨﺔ ٣٩٩ھـ١٠٠٩ /م.
وﻣﻦ ﯾﻘﻠﱢﺐ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﯾﺠﺪ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﻲ ﺗﻀﻢ أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﺸﮭﻮرﯾﻦ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ
اﻟﺸﺎﻋﺮ أﺑﻮ اﻟﻄﯿﺐ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ،واﻟﻤﺆرخ أﺑﻮ اﻟﻔﺮج اﻷﺻﺒﮭﺎﻧﻲ ﺻﺎﺣﺐ ﻛﺘﺎب اﻷﻏﺎﻧﻲ ،واﻟﺨﻄﯿﺐ اﻟﻔﺼﯿﺢ اﺑﻦ ﻧﺒﺎﺗﺔ ،واﻟﻔﺎراﺑﻲ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف
اﻟﻤﺸﮭﻮر ،واﻟﺸﺎﻋﺮ أﺑﻮ ﻓﺮاس اﻟﺤﻤﺪاﻧﻲ.
وﻛﺎن ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﻮل ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻷﻃﺮاف اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ ﻷراﺿﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﻮب آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى وﻓﻲ
ﺷﻤﺎل اﻟﻌﺮاق ﺣﺎﺟﺰًا ﺿﺪ ھﺠﻤﺎت اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﻓﻲ وﻗﺖ أﺿﺤﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻧﮭﺒًﺎ ﻟﻠﻔﻮﺿﻰ واﻟﻘﻼﻗﻞ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﻟﯿﺲ ﻟﺪﯾﮭﺎ ﻗﻮة
ﺣﺮﺑﯿﺔ ﻛﺎﻓﯿﺔ !
وﻟﻘﺪ ﺧﻠﺪ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﺳﻢ " ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ " ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﺮوﺑﮫ اﻟﻤﺘﻜﺮرة ﺿﺪ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،واﻟﺘﺼﺪي ﻷﻋﻤﺎﻟﮭﻢ اﻟﻌﺪاﺋﯿﺔ ﻋﻠﻰ أرض اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
ﻟﻘﺪ ﺑﺪأ إﻏﺎرﺗﮫ ﻋﻠﻰ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى ﺳﻨﺔ ٣٣٧ھـ٩٤٩ /م دون أن ﺗﻤﺮ ﺳﻨﺔ واﺣﺪة ﺑﻐﯿﺮ ﺗﺠﮭﯿﺰ ﺣﻤﻠﺔ ﺣﺮﺑﯿﺔ ﻟﮭﺬا اﻟﻐﺮض اﻟﻨﺒﯿﻞ ،وﻟﻘﺪ
ﺗﺴﻨﻰ ﻟﮫ أن ﯾﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺼﻮن اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻣﺜﻞ "ﻣﺮﻋﺶ " وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ ﻣﺪن اﻟﺤﺪود.
وﻣﻦ ﺑﻄﻮﻻت ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ :اﺳﺘﯿﻼؤه ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺤﺪث )وھﻲ ﻗﻠﻌﺔ ﻣﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﺤﺪود اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ( ﻛﺎن ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺪ ﺑﻨﺎھﺎ ،وھﺠﻢ
ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺮوﻣﺎن ﻓﺨﺮﺑﻮھﺎ ،وھﺪﻣﻮھﺎ ﻓﺄﻋﺪ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺟﯿﺸًﺎ ﻗﻮﯾﺎ ،وھﺰم اﻟﺮوم ھﺰﯾﻤﺔ ﺳﺎﺣﻘﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺤﺪث ،وﻗﺪ ﻗﺎل
اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻗﺼﯿﺪة ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺪح ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ وﺑﻄﻮﻟﺘﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ،ﻣﻨﮭﺎ:
ﯾﻜﻠﻒ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺠﯿﺶ ھﻤـــﮫ وﻗﺪ ﻋﺠﺰت ﻋﻨﮫ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺨﻀﺎرم
وﻟﻘﺪ ﻋﺎﺻﺮت ﺣﺮﻛﺎت ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﻗﯿﺎم أﻋﻈﻢ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﻦ ﻋﺴﻜﺮﯾﯿﻦ ﻋﺮﻓﺘﮭﻤﺎ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻵوﻧﺔ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﻄﺎع ﻧﻘﻔﻮر
ﻓﻮﻗﺎس أن ﯾﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ " ﺣﻠﺐ" ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺳﻨﺔ ٣٥١ھـ ٩٦٢ /م ودﺧﻞ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ﺑﺠﻨﻮده ،وﻗﺘﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺎ ﯾﻘﺮب ﻣﻦ
ﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻔًﺎ ،ﻏﯿﺮ أن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ اﻧﺴﺤﺒﺖ ﻣﻨﮭﺎ ﺑﻌﺪ ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ أﯾﺎم ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ .وﻗﺪ اﺗﺠﮫ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ "ﺣﻨﺎ
ﺷﻤﺸﯿﻖ " إﻟﻰ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ " ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس " ،وﺗﻮﻏﻞ ﻛﺜﯿﺮًا ﻓﻲ أراﺿﻲ اﻟﺸﺎم ،وﻟﻜﻨﮫ ﻋﺎد ﺳﺮﯾﻌًﺎ ﻣﻦ ﻏﺎرﺗﮫ اﻟﺨﺎﻃﻔﺔ ﺑﻔﻀﻞ ﻣﻘﺎوﻣﺔ
اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﺣﻠﺐ ،وﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺸﺎم.
وﻟﻘﺪ ﺗﻮﻟﻰ " ﺳﻌﺪ اﻟﺪوﻟﺔ " اﺑﻦ ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻌﺪ أﺑﯿﮫ ﺳﻨﺔ ) ٣٨١ -٣٥٧ھـ٩٩١ - ٩٦٧ /م( ،ﻟﻜﻦ اﻟﺪوﻟﺔ دﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﻀﻌﻒ
واﻟﻨﺰاع اﻟﺪاﺧﻠﻲ ،وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ أن اﻋﺘﺮف ﻣﻨﺼﻮر ﺑﻦ ﻟﺆﻟﺆة واﻟﻲ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﺐ ﺑﺴﻠﻄﺎن اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﻠﺐ ﻋﺎم ٣٨٣ھـ
وأﺻﺒﺤﺖ إﻣﺎرة ﻓﺎﻃﻤﯿﺔ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎرﺳﺔ ﻋﻠﻰ أﻃﺮاف اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻟﻢ ﯾﺪرك اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﻮن ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﻗﯿﻤﺔ اﻟﺪﻓﺎع
ﻋﻨﮭﺎ.
وﻟﺠﺄ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺘﻨﺎزﻋﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻘ ﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم وﻗﺖ ذاك ﻋﻠﻰ ﺣﯿﻦ ﻇﻠﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ
ﻏﺎرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﻔﻮﺿﻲ.
ورﻏﻢ ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺳﻘﻄﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻛﻞ ﻋﻈﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺷﺨﺺ " ﺳﯿﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ".
َﻣﻦْ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن؟ وإﻟﻰ ﻣَﻦْ ﯾﻨﺘﺴﺒﻮن؟ وﻛﯿﻒ ﻧﺸﺄت دوﻟﺘﮭﻢ؟ وﻣﺘﻲ ﻛﺎن ذﻟﻚ؟ وھﻞ ﺗﻨﺘﺴﺐ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ إﻟﻰ دول اﻹﺳﻼم؟
ﻟﻘﺪ ﻣﻠﻚ ﺣﺐ آل اﻟﺒﯿﺖ اﻟﻨﺒﻮي ﻗﻠﻮب اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،أﻣﺎ ھﺆﻻء اﻟﻤﻌﺮوﻓﻮن ﺑﺎﻟﺸﯿﻌﺔ واﻟﺬﯾﻦ ﺧﺮﺟﻮا ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ
ﯾﻐﯿﺮون ﻓﻲ اﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻟﺪﯾﻨﻨﺎ اﻟﺤﻨﯿﻒ ،وﯾﺴﺒﻮن أﺋﻤﺔ اﻟﮭﺪي ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ ﺑﺪﻋﻮي أﻧﮭﻢ ﺳﻠﺒﻮا اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻲ ﻛﺮم اﷲ
وﺟﮭﮫ ،ھﺆﻻء ھﻢ اﻟﻤﺘﺸﯿﻌﻮن اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺰﻋﻤﻮن ﺣﺐ ﻋﻠﻲ وھﻮ ﻣﻨﮭﻢ ﺑﺮاء.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﻲ -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻤﺎ زﻋﻤﻮا ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺴﺘﺸﺎرًا أﻣﯿﻨًﺎ ،ووزﯾﺮ ﺻﺪق ﻟﻠﺨﻠﻔﺎء ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،وﻟﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻟﻢ ﯾﺘﻘﺒﻠﮭﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﮭﺎﺷﻤﯿﯿﻦ؛ رﻓﻀًﺎ ﻟﻤﺒﺪأ ﺗﻮرﯾﺚ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
٥٣
وﻟﻤﺎ ﻗﺎﻣﺖ دوﻟﺔ ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس ﻟﻢ ﺗُﻤَﻜﱢﻦ ﻷﺑﻨﺎء ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻟﮭﻢ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ واﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻧﺸﻂ اﻟﻤﺘﺸﯿﻌﻮن ﯾﺸﻌﻠﻮن
اﻟﺜﻮرات ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻟﻜﻦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺘﮭﺎ ﻗﻮﯾﺔ ،ﻓﺘﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ،وﺳﺤﻘﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﻨﻒ وﺷﺪة
ﻓﮭﻞ اﻧﻘﻄﻌﺖ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺸﯿﻌﺔ أو ﺗﻮﻗﻔﺖ أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻄﺎردة؟ !
ﻻ ..ﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺣﺮﻛﺎت اﻟﻤﺘﺸﯿﻌﯿﻦ وﻟﻢ ﺗﺘﻮﻗﻒ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﺘﻌﺼﺒﯿﻦ ﻵراﺋﮭﻢ ،ﻣﺆﻣﻨﯿﻦ ﺑﻔﻜﺮﺗﮭﻢ ،ﯾﺰﻋﻤﻮن أن أﺣﻖ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ أﺑﻨﺎء
ﻋﻠﻲ ﻣﻦ ﻧﺴﻞ اﻟﺴﯿﺪة ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺰھﺮاء ،ﻓﺈن ﻧﺎﻟﮭﺎ ﻏﯿﺮھﻢ ﻓﻤﺎ ذاك إﻻ أﻣﺮ ﺑﺎﻃﻞ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻤﺤﻲ ،وﻣﺎ ھﻮ إﻻ ﺷﺮّﺣَﻞﱠ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﺠﺐ أن
ﯾﺰال .وﻧﺸﻂ دﻋﺎة اﻟﺸﯿﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ ﻣﺬھﺒﮭﻢ ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﮭﺎت اﻟﺒﻌﯿﺪة ﻋﻦ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻣﺜﻞ أﻃﺮاف ﻓﺎرس واﻟﯿﻤﻦ وﺑﻼد
اﻟﻤﻐﺮب.
وﻛﺎن ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﺪﻋﺎة " أﺑﻮ ﻋﺒﺪاﷲ اﻟﺸﯿﻌﻲ" وھﻮ رﺟﻞ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺎء اﺗﺠﮫ إﻟﻰ اﻟﻤﻐﺮب ﺑﻌﺪ أن رأى دوﯾﻼت "اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ" و "اﻷدارﺳﺔ "
وﻏﯿﺮھﻤﺎ ﺗﻨﺸﺄ وﺗﻘﺎم ﺑﻌﯿﺪًا ﻋﻦ ﯾﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ وﺳﻠﻄﺎﻧﮭﺎ ،ورﻛﺰ " أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﷲ " دﻋﺎﯾﺘﮫ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﻀﻤﻮا إﻟﯿﮫ ﻓﻲ
آﻻف ﻋﺪﯾﺪة ،ﻓﺄرﺳﻞ إﻟﻰ زﻋﯿﻤﮫ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ اﻟﻜﺒﯿﺮ " ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ".
ﻋﺒﯿﺪ ا ﷲ :
وﻗﺎل "ﻋﺒﯿﺪ " ھﺬا ﺑﺄﻧﮫ ﺷﺮﯾﻒ ﻋﻠﻮي ﻓﺎﻃﻤﻲ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﻓﻄﺎرد " ﻋﺒﯿﺪ اﷲ " ھﺬا ،وأﻣﺮ ﺑﺎﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺎﺿﻄﺮ
ﺣﯿﻦ وﺻﻞ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ أن ﯾﺘﻨﻜﺮ ﻓﻲ زي اﻟﺘﺠﺎر ،ﺛﻢ ﺣﺎول أن ﯾﻔﻠﺖ ﻣﻦ دوﯾﻼت ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ،وﻟﻜﻨﮫ ﺳﻘﻂ أﺧﯿﺮًا ﻓﻲ ﯾﺪ أﻣﯿﺮ
" ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ ".
ﻛﺎن " أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﷲ " اﻟﺮاﻋﯿﺔ اﻟﺸﯿﻌﻲ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﻗﻮاﺗﮫ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،وھﺎﺟﻢ ﺑﮭﺎ "دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ " اﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أن ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ
ﯾﺪه ﺳﻨﺔ ٢٩٧ھـ ٩٠٩ /م ،ودﺧﻞ ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ ،وأﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺒﯿﻌﺔ ﻟﻌﺒﯿﺪ اﷲ اﻷﻣﯿﺮ اﻷﺳﯿﺮ.
وﻣﺎ ﻟﺒﺚ " أﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﺸﯿﻌﻲ" أن ﺳﺎر ﻋﻠﻰ رأس ﺟﯿﻮش ﺿﺨﻤﺔ ﻧﺤﻮ " ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ " ﻟﯿﻨﻘﺬ ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ،وﻟﻤﺎ أدرك ﺻﺎﺣﺐ " ﺳﺠﻠﻤﺎﺳﺔ "
أن ﻻ ﻗِﺒﻞَ ﻟﮫ ﺑﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﻐﯿﺮ ھﺮب ﻣﻦ ﻋﺎﺻﻤﺘﮫ ﺑﻌﺪ أن أﻃﻠﻖ أﺳﯿﺮه " ﻋﺒﯿﺪ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ".
دﺧﻞ ﻋﺒﯿﺪ اﷲ اﻟﻘﯿﺮوان اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬھﺎ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ ،وھﻨﺎك ﺑﺎﯾﻌﮫ اﻟﻨﺎس وﻟﻘﺐ "اﻟﻤﮭﺪي أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ " ،وﺻﺎر ﺧﻠﯿﻔﺔ
ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺗﺄﻛﯿﺪًا ﻟﻔﻜﺮة اﻟﺸﯿﻌﺔ ﻋﻦ أﺣﻘﯿﺔ أﺑﻨﺎء ﻋﻠﻲ -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ -ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻟﻘﺪ اﻋﺘﺒﺮ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﻤﮭﺪي اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ اﻟﺬي ﺳﯿﻤﻸ اﻷرض
ﻋﺪﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻣُﻠﺌﺖ ﺟﻮرًا وﻇﻠﻤًﺎ.
وﺗﻮاﻟﻰ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻣﻦ ﻧﺴﻞ اﻟﻤﮭﺪي ﻋﺒﯿﺪ اﷲ ،وﻛﺎن ﻣﻨﮭﻢ " اﻟﻤﻌﺰ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ" اﻟﺬي أرﺳﻞ ﻗﺎﺋﺪه اﻟﺸﮭﯿﺮ "ﺟﻮھﺮ اﻟﺼﻘﻠﻲ" ﻓﻔﺘﺢ
" دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ " ،ووﺻﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻷﻃﻠﺴﻲ ،ﺛﻢ ﻣﺪ ﺣﺪوده إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﻓﺘﺤﮭﺎ ﻋﺎم ٣٥٩ھـ٩٦٩ /م.
ﻓﻜﯿﻒ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن؟ وﻣﺎذا ﻛﺎن ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻣﻨﮭﻢ؟
ﻟﻘﺪ أرﺳﻞ "اﻟﻤﻌﺰ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ" ﻗﺎﺋﺪه اﻟﻜﺒﯿﺮ "ﺟﻮھﺮ اﻟﺼﻘﻠﻲ" ﻟﯿﻔﺘﺢ ﻣﺼﺮ ،ﻓﺴﺎر ﻓﻲ ﺟﯿﺶ ﺿﺨﻢ ﺑﻌﺪ أن ﻣﮭﺪ اﻟﻄﺮق ﻟﻤﺴﯿﺮ
اﻟﺠﯿﺶ ،وﺣﻔﺮ اﻵﺑﺎر ﻋﻠﻰ ﻃﻮل اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وأﻗﺎم " اﺳﺘﺮاﺣﺎت" ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﯾﻖ ،وأﺣﺴﻦ ﺗﺪرﯾﺐ اﻟﺠﯿﺶ وﺗﻨﻈﯿﻤﮫ
وﺗﻤﻮﯾﻨﮫ ﺑﻌﺪ أن ﺟﻤﻊ اﻷﻣﻮال اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﮭﺬا ﻛﻠﮫ.
وﺳﺎر اﻟﺠﯿﺶ إﻟﻰ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ،وﻣﺎ ﻟﺒﺚ أن دﺧﻠﮭﺎ دون ﻗﺘﺎل ،وأﺣﺴﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﯿﻦ ،وﻛَﻒﱠ ﺟﻨﻮده ﻋﻨﮭﻢ ،ﺛﻢ ﺳﺎر إﻟﻰ " اﻟﻔﺴﻄﺎط"
ﻓﺴﻠﱠﻢ ﻟﮫ أھﻠﮭﺎ ﻋﻠﻰ أن ﯾﻜﻔﻞ ﻟﮭﻢ ﺣﺮﯾﺔ اﻟﻌﻘﯿﺪة ،وﯾﻨﺸﺮ اﻷﻣﻦ واﻟﻌﺪل واﻟﻤﺴﺎواة.
وﻃﺎر اﻟﺨﺒﺮ ﺑﺎﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ "اﻟﻤﻌﺰ" ﻓﺴﺮ ﺳﺮورًا ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،وأﻗﺎم اﻻﺣﺘﻔﺎﻻت واﻟﻮﻻﺋﻢ ،وﺣﻮﻟﮫ اﻟﺸﻌﺮاء ﯾﻨﺸﺪون.
ﻟﻘﺪ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻲ ﻧﺠﺎح ھﺬا اﻟﻐﺰو ﺿﻌﻒ واﺿﻄﺮاب اﻷﺣﻮال ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﻛﺜﺮة اﻟﺸﯿﻌﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﻋﺎوﻧﻮا اﻟﻐﺰاة ﻛﻞ اﻟﻤﻌﺎوﻧﺔ آﻧﺬاك.
وھﻜﺬا ﺳُﻠﺨﺖ ﻣﺼﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،وأﺻﺒﺤﺖ وﻻﯾﺔ ﻓﺎﻃﻤﯿﺔ ﻋﺎم ٩٦٩ /٣٥٩م.
وھﻨﺎ ﺑﺪأ "ﺟﻮھﺮ" ﯾﻌﺪ اﻟﻌﺪة ﻟﻨﻘﻞ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ؛ ﻓﺒﻨﻰ ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ ﻗﺼﺮًا ﻓﺨﻤًﺎ ﺷﻤﺎل اﻟﻔﺴﻄﺎط ،وﺑﻨﻰ ﻣﻌﮫ ﻣﻨﺎزل
اﻟﻮزراء واﻟﺠﻨﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه ﺑﺪاﯾﺔ ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﻘﺎھﺮة.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ " اﻟﻔﺴﻄﺎط" ھﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺑﻌﺪ دﺧﻮل ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص وﺑﻌﺪھﺎ " اﻟﻌﺴﻜﺮ" ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،ﺛﻢ " اﻟﻘﻄﺎﺋﻊ" ﻓﻲ ﻋﮭﺪ
اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﯿﻦ ،ﺛﻢ أﺻﺒﺤﺖ " ﻗﺎھﺮة اﻟﻤﻌﺰ" ھﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺣﺘﻰ اﻵن.
وﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ إﻧﺸﺎؤھﺎ دﻋﺎ "ﺟﻮھﺮ" "اﻟﻤﻌﺰ" أن ﯾﻨﺘﻘﻞ إﻟﯿﮭﺎ ،وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﻘﺎھﺮة ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ )٣٦٢ھـ٩٧٣ /م( ،أي ﺑﻌﺪ
أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﻓﺘﺤﮭﺎ ،وأﻣﺮ اﻟﻤﻌﺰ ﺑﻤﻨﻊ ﺻﻼة اﻟﺘﺮاوﯾﺢ ﻓﻲ رﻣﻀﺎن ،وأﻣﺮ ﺑﺼﯿﺎم ﯾﻮﻣﯿﻦ ﻣﺜﻠﮫ ،وﻗﻨﺖ ﻓﻲ ﺻﻼة اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺮﻛﻮع،
وأﺳﻘﻂ ﻣﻦ أذان ﺻﻼة اﻟﺼﺒﺢ " اﻟﺼﻼة ﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﻮم " وزاد " ﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮ اﻟﻌﻤﻞ ..ﻣﺤﻤﺪ وﻋﻠﻲ ﺧﯿﺮ اﻟﺒﺸﺮ".
وﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﻌﺰ أن ﺳﺎرت ﻧﺤﻮ اﻟﺤﺠﺎز ﻓﻔﺘﺤﺘﮫ ،وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﻤﺪﯾﻨﺘﺎن :ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻻاﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ،ﻛﻤﺎ
ﻓﺘﺤﺖ ﺟﯿﻮﺷﮭﻢ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ،وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،وﺟﺰﯾﺮة ﺻﻘﻠﯿﺔ .وھﻜﺬا أﺻﺒﺤﺖ دوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﺗﻀﻢ اﻟﺤﺠﺎز ،واﻟﺸﺎم ،وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،وﻣﺼﺮ،
وﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻷﻃﻠﺴﻲ.
وﻣﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ :إﻧﺸﺎؤھﺎ " اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷزھﺮ" اﻟﺬي ﻛﺎن أول أﻣﺮه ﻣﺴﺠﺪًا ﻋﺎدﯾﺎ ،ﺛﻢ أﻗﯿﻤﺖ ﻓﯿﮫ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺪراﺳﺔ ،وﻗﺪ اھﺘﻢ
ﺑﮭﺬه اﻟﺪراﺳﺎت ﺧﻠﻔﺎء اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻷﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺘﺼﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺸﯿﻌﻲ ،ﺛﻢ ﺗﻄﻮرت ﺑﻌﺪ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻟﻤﺎ ﺗﻮﻟﻰ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺣﻜﻢ ﻣﺼﺮ،
ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺗﺪرس اﻟﻔﻘﮫ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﻤﺬاھﺐ واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ دون ﺗﻤﯿﯿﺰ ،وﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ أراد اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎر اﻷزھﺮ أول ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﻲ
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻨﺸﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻣﺎ زال ﻣﻨﺎرة ﯾﮭﺘﺪي ﺑﮭﺎ أﺑﻨﺎء اﻟﻌﺮوﺑﺔ واﻹﺳﻼم ،وﺣﺼﻨًﺎ ﯾﺤﻤﻲ اﻟﺒﻼد ﻣﻦ اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﮭﺪاﻣﺔ
٥٤
واﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﻔﺎﺳﺪة.
ﻟﻜﻞ ﺷﻲء ﻧﮭﺎﯾﺔ ،ﻓﻔﻲ آﺧﺮ ﻋﮭﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ ﺣﻜﻤﮭﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺿﻌﺎف اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ وﺻﻐﺎر اﻟﺴﻦ ،ﻓﻜﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﯿﺠﺔ
ذﻟﻚ أن ﺳﯿﻄﺮ اﻟﻮزراء ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ وأداروھﺎ ﻟﻤﻜﺎﺳﺒﮭﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﮭﻤﻠﯿﻦ ﺷﺌﻮن اﻟﺪوﻟﺔ إھﻤﺎﻻ ﺗﺎﻣّﺎ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻇﺎھﺮة اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﯿﮭﻮد واﻟﻨﺼﺎرى واﺿﺤﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﻤﻦ ھﺆﻻء ﻛﺎن ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻮزراء وﺟﺒﺎة
اﻟﻀﺮاﺋﺐ واﻟﺰﻛﺎة واﻟﻤﺴﺘﺸﺎرﯾﻦ ﻓﻲ ﺷ ﺌﻮن اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎد واﻟﻌﻠﻢ واﻟﻄﺐ ،وﻟﻘﺪ ﺗﺮك اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺰﯾﺰ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﻟﻮزﯾﺮه اﻟﯿﮭﻮدي
"ﯾﻌﻘﻮب ﺑﻦ ﻛﻠﺲ " أﻣﺮ ﺗﻌﻠﯿﻢ اﻟﻨﺎس " ﻓﻘﮫ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻹﺳﻤﺎﻋﯿﻠﯿﺔ " اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺘﻤﻲ إﻟﯿﮭﺎ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن وھﻲ ﻣﻦ أﺷﺪ ﻓﺮق اﻟﺸﯿﻌﺔ ﺗﻄﺮﻓًﺎ وﺑﻌﺪًا
ﻋﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻹﺳﻼم.
وﻗﺪ أﻟﱠﻒ ﯾﻌﻘﻮب ﻧﻔﺴﮫ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﻓﻲ ﻓﻘﮫ ھﺬه اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ.
ﻓﻼ ﻋﺠﺐ إذن أن ﺷﮭﺪت اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﻤﺆاﻣﺮات واﻟﻔﺘﻦ واﻟﺪﺳﺎﺋﺲ واﻟﻘﻼﻗﻞ ،ﻓﻘﺎﻣﺖ ﺛﻮرات داﺧﻠﯿﺔ ،واﻧﺘﻔﺎﺿﺎت ،وراح اﻟﻨﺎس
ﯾﺴﺘﺠﯿﺮون ﻣﻦ ﺗﺴﻠﻂ اﻟﯿﮭﻮد واﻟﻨﺼﺎرى ﻓﻼ ﯾﺠﺎرون ،وزادت اﻟﺤﺎل ﺳﻮءًا ﺑﻈﮭﻮر أﻓﻜﺎر دﯾﻨﯿﺔ ﺷﺎذة ﻛﺎﻻﻋﺘﻘﺎد ﺑﺤﻠﻮل روح اﷲ ﻓﻲ
اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وأن اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ اﻹﻧﺴﺎن ،وأن اﻟﺨﻠﻔﺎء إﻟﻰ اﷲ أﻗﺮب ؛ ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ﻟﻠﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻟﮫ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﺪع
واﻟﺨﺮاﻓﺎت اﻟﺘﻲ أدﺧﻠﮭﺎ ﻓﻲ دﯾﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻲ ،وأ ﻟّﮭﮫ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس وراح اﻟﺒﻌﺾ ﯾﻨﺘﻈﺮ ﻋﻮدﺗﮫ ﺑﻌﺪ اﺧﺘﻔﺎﺋﮫ ،وﻋﺮف ھﺆﻻء ﺑﺎﻟﺪروز اﻟﺬﯾﻦ
ﯾﻮﺟﺪ أﺳﻼﻓﮭﻢ ﺑﺒﻼد اﻟﺸﺎم .وﻛﺜﺮت اﻷﻣﺮاض ،وھﻠﻚ ﻋﺪد ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﻛﺎن اﻷﻣﺮاء واﻟﺤﻜﺎم اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن ﯾﻨﻌﻤﻮن ﺑﺎﻟﺜﺮوات
وﯾﻌﯿﺸﻮن ﻓﻲ ﺗﺮف وﺑﺬخ.
وأﺳﮭﻤﺖ اﻟﻤﺠﺎﻋﺎت واﻷوﺑﺌﺔ ﻧﺘﯿﺠﺔ اﻧﺨﻔﺎض ﻣﺎء اﻟﻨﯿﻞ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻓﻲ اﺧﺘﻼل اﻷﻣﻦ ،وﻛﺜﺮة اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت ،وﺳﻮء اﻷﺣﻮال ﻓﻲ اﻟﺒﻼد،
وﻟﻢ ﺗﺮ اﻟﺒﻼد ﺻﻼﺣًﺎ وﻻ اﺳﺘ ﻘﺎم ﻟﮭﺎ أﻣﺮ ،وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ وزﯾﺮ ﺗﺤﻤﺪ ﻃﺮﯾﻘﺘﮫ.
أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج ﻓﻘﺪ ﺧﺮج ﺑﻌﺾ اﻟﻮﻻة ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﺧﺼﻮﺻًﺎ ﻓﻲ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ؛ ﻣﻤﺎ أدى إﻟﻰ اﺳﺘﻘﻼل ﺗﻮﻧﺲ واﻟﺠﺰاﺋﺮ،
ﺴ ﻨﱢﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻔﺎرس واﻟﻌﺮاق ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ،وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ھﺬا ﻛﻠﮫ ﻋﻤﻞ
واﺳﺘﻮﻟﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﯿﺔ اﻟ ﱡ
اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻓﻲ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﻣﻦ أﯾﺪي اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﺳﻨﺔ ٤٩٢ھـ١٠٩٩ /م ،ﺛﻢ أﺧﺬوا
ﯾﻐﯿﺮون ﻋﻠﻰ أﻃﺮاف اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ.
وھﻜﺬا أﺧﺬت اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﻌﻒ ﺣﺘﻰ ﺟﺎء ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻷﯾﻮﺑﻲ ،وﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ وذﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٥٦٧ھـ١١٧٢/م.
واﻧﻘﺾ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻓﮭﺎﺟﻤﻮا ﻋﺪة ﻣﺮات ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻤﺎ أﻋﺎﻧﺘﮭﻢ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ أﻣﺮھﻢ ﻋﻠﻰ ﺿﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ.
ﻋﯿﱢﻦ وزﯾﺮًا ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ وﻧﺎﺋﺒًﺎ ﻋﻦ
ﯾﻌﺘﺒﺮ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ أﯾﻮب ھﻮ اﻟﻤﺆﺳﺲ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ ،وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ أن ُ
اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد ،ﻓﻌﻤﻞ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻜﻮن ﻛﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎت ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺗﺤﺖ ﯾﺪه ،وأﺻﺒﺢ ھﻮ اﻟﻤﺘﺼﺮف ﻓﻲ اﻷﻣﻮر،
وأﻋﺎد ﻟﻤﺼﺮ اﻟﺘﺒﻌﯿﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،ﻓﻤﻨﻊ اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ودﻋﺎ ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ،وأﻏﻠﻖ ﻣﺮاﻛﺰ اﻟﺸﯿﻌﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ ،وﻧﺸﺮ
اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﺴﻨﻲ.
وﻣﻤﺎ ﯾﺬﻛﺮ أن ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد -اﻟﺬي ﺑﻌﺚ أﺳﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﺷﯿﺮﻛﻮه وﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ -ﻣﺎ زال ﺣﯿّﺎ ،وﻛﺎن ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺧﺎﺋﻔًﺎ أن
ﯾﺤﺎرﺑﮫ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﻔﻜﺮ ﻷﺟﻞ ذﻟﻚ أن ﯾﻨﻈﺮ ﻣﻜﺎﻧًﺎ آﺧﺮ ﯾﻘﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫ دوﻟﺔ ﻟﮫ ،ﻓﺒﺪأ ﺻﻼح اﻟﺪﯾ ﻦ ﻣﺒﻜﺮًا ﻓﻲ إرﺳﺎل ﺑﻌﺾ ﺧﺎﺻﺘﮫ ﯾﺴﺘﻄﻠﻌﻮن
اﻷﺣﻮال ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻨﻮﺑﺔ واﻟﯿﻤﻦ وﺑﺮﻗﺔ.
أﻣﺎ اﻟﻨﻮﺑﺔ ﻓﻜﺎن ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ ﻗﺒﯿﻠﺔ اﻟﻜﻨﻮز اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻓﺄرﺳﻞ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ أﺧﺎه ﺗﻮراﻧﺸﺎه ،وﻋﯿﻨﱠﮫ ﻋﻠﻰ "ﻗﻮص" و " أﺳﻮان "
و "ﻋﺬاب" و " اﻟﻨﻮﺑﺔ " ،وﻟﻤﺎ اﺳﺘﺪﻋﻰ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ أﺧﺎه إﻟﻰ اﻟﻘﺎھﺮة أﻧﺎب ﺗﻮراﻧ ﺸﺎه ﻋﻨﮫ رﺟﻼ ﻣﻦ ﻧﻮاﺑﮫ وزوده ﺑﻘﻮة ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ.
وﻓﺎة ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ :
أﻣﺎ ﺑﺮﻗﺔ ،ﻓﺈن اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻢ ﺗﺪع ﻷوﻟﺌﻚ -اﻟﺬﯾﻦ ﺑﻌﺜﮭﻢ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻷﻣﺮ -أن ﯾﺼﻨﻌﻮا ﺷﯿﺌًﺎ ذا ﺑﺎل؛ ﻷن ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد ﻗﺪ
ﺗﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﺷﻮال ﺳﻨﺔ ٥٦٩ھـ ،وﺑﺪأ اﻷﻣﺮ ﯾﺴﺘﻘﺮ ﻟﺼﻼح اﻟﺪﯾﻦ ،وﺑﺪأ ﯾﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﯿﺪ اﻟﺪ وﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ وﺣﻤﺎﯾﺔ أرﻛﺎﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ
واﻟﺸﺎم.
ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ،ﺑﺪأ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﺪﺧﻞ دﻣﺸﻖ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠىﺤﻤﺺ ،ﺛﻢ ﺣﻠﺐ ،وﺑﺬا أﺻﺒﺢ
ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم .ﺛﻢ ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﺑﺪأ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ،وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھﺮة واﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ،ﺛﻢ ﺳﺎﻓﺮ إﻟﻰ
اﻟﺸﺎم؛ ﻟﯿﺒﺪأ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﺪأه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،وھﻮ ﺟﮭﺎده اﻟﻤﺸﺮق ﺿﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ.
وﻛﺎﻧﺖ دوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ ﻗﺪ اﻣﺘﺪت إﻟﻰ ﺑﻼد اﻟﺤﺠﺎز؛ ﺣﯿﺚ ﻗﺎم ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺑﺘﺤﺼﯿﻦ ﺟﻨﻮب ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،واﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻷي أﻣﺮ ﯾﻘﻮم ﺑﮫ أرﻧﺎط
ﺻﺎﺣﺐ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﻜﺮك ،واﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺪﺑﺮ ﻟﻠﮭﺠﻮم ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ واﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وﻛﺎن ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻗﺪ اﻋﺘﻨﻲ ﺑﻤﯿﻨﺎء اﻟﻘﻠﺰم
وﻣﯿﻨﺎء ﺟﺪة ،ﻷن أرﻧﺎط ﻛﺎن ﻗﺪ ﻋﻤﱠﺮ أﺳﻄﻮﻻ ﻓﻲ ﻣﯿﻨﺎء َأﯾْﻠَﺔ أو اﻟﻌﻘﺒﺔ ،وأرﺳﻞ ﺳﻔﻨًﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﻋِﯿﺬاب ،ﻓﺎﺳﺘﻮﻟﻰ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ أﯾﻠﺔ،
وأﺧﺬ ﻣﻨﮭﺎ أﺳﺮى ﻣﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،وﻛﺬﻟﻚ ﻗﺒﺾ رﺟﺎﻟﮫ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ ﻋﯿﺬاب ،وأرﺳﻠﻮا ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﻣﺼﻔﱠﺪﯾﻦ
ﺑﺎﻷﻏﻼل ،ﺣﯿﺚ ذُﺑﺤﻮا ﻣﻊ اﻟﮭﺪي اﻟﺬي أھﺪاه اﻟﺤﺠﺎج ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ﻓﻲ ذي اﻟﺤﺠﺔ ﺳﻨﺔ ٥٧٨ھـ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺖ
اﻟﻤﻘﺪس ،وﻗﺪ وﻗﻊ ﻓﻲ اﻷﺳﺮ ﻣﻠﻚ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،وﻧﻔﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺳﺎن اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ وﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﻢ أرﻧﺎط اﻟﺬي ﻟﻢ ﺗﻜﺪ ﻋﯿﻦ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺗﻘﻊ
ﻋﻠﯿﮫ ﺣﺘﻰ أﻣﺮ ﺑﻘﺘﻠﮫ.
وﻋﻘﺐ اﺳﺘﯿﻼء ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ ﯾﺪه ﻛﻞ ﻣﻮاﻧﺊ اﻟﺸﺎم ،ﻓﯿﻤﺎ ﻋﺪا ﻣﻮانء إﻣﺎرة ﻃﺮاﺑﻠﺲ ،وأﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ،واﻧﺘﮭﺖ
اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ﺑﺼﻠﺢ اﻟﺮﻣﻠﺔ ﺑﯿﻦ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ واﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ.
٥٥
وﻇﻞ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ راﻓﻌًﺎ راﯾﺔ اﻟﺠﮭﺎد ﺣﺘﻰ ﺻﻌﺪت روﺣﮫ إﻟﻰ ﺑﺎرﺋﮭﺎ ﻋﺎم ٥٨٩ھـ ﺑﻌﺪ أن ﻗﺴﻢ دوﻟﺘﮫ ﺑﯿﻦ أوﻻده وأﺧﯿﮫ اﻟﻌﺎدل ،وﻟﻜﻨﮭﻢ
ﺗﻨﺎﺣﺮوا ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ ،وﻇﻞ ﺑﻌﻀﮭﻢ ﯾﻘﺎﺗﻞ ﺑﻌﻀًﺎ ﻓﻲ ﻇﺮوف ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺤﺘﺎج ﻓﯿﮭﺎ إﻟﻰ ﺗﺠﻤﯿﻊ اﻟﻘﻮى ﺿﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻣﻤﻦ ﯾﻜﯿﺪون
ﻟﻺﺳﻼم ،وﻟﻢ ﯾﻤﻨﻊ ذﻟﻚ أن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﮭﻢ وﻗﻔﺎت ﺿﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،ﻓﻔﻲ اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﮭﺎ دﻣﯿﺎط ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﻘﻮدھﺎ ﻟﻮﯾﺲ
اﻟﺘﺎﺳﻊ ،اﻟﺬي وﻗﻊ أﺳﯿﺮًا ،وﺣﺒﺲ ﻓﻲ دار اﺑﻦ ﻟﻘﻤﺎن ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺗﻮران ﺷﺎه اﺑﻦ ﻧﺠﻢ اﻟﺪﯾﻦ أﯾﻮب ،وﺑﻮﻓﺎة ﺗﻮران ﺷﺎه اﻧﺘﮭﺖ دوﻟﺔ
اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ.
ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ؟ وﻣﺎ ﻣﻮﻃﻨﮭﻢ اﻷﺻﻠﻲ؟ وﻛﯿﻒ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ اﻟﺤﻜﻢ؟ وﻣﺎ دورھﻢ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ؟
إﻧﮭﺎ أﺳﺌﻠﺔ ﺗﺨﻄﺮ ﺑﺎﻟﺒﺎل ﺣﯿﻦ ﯾﺬﻛﺮ أوﻟﺌﻚ اﻟﺮﺟﺎل اﻟﺬﯾﻦ ﺣﻜﻤﻮا ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم ،وﻛﺎن ﻟﮭﻢ ﺷﺄﻧﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت" ،وﻣﺎزال
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﮫ ﯾﺬﻛﺮ ﻓﻀﻠﮭﻢ ﻓﻲ أول ھﺰﯾﻤﺔ أﺻﺎﺑﺖ اﻟﻤﻐﻮل.
إن اﻟﻤﺆرﺧﯿﻦ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﯾﻌﺘﺒﺮون اﻧﺘﺼﺎر اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻧﺘﺼﺎرًا ﻋﺎﻟﻤﯿّﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﺠﺰت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺨُﻮارزﻣﯿﺔ ،واﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻋﻦ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻤﻐﻮل
أو ﻣﺪاﻓﻌﺘﮭﻢ ،وﺑﻌﺪ أن اﻧﮭﺎرت اﻟﻘﻮى اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ أﻣﺎم اﻟﺰﺣﻒ اﻟﻤﻐﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ أﺟﺰاء ﻣﻦ "روﺳﯿﺎ " و "ﺑﻮﻟﻨﺪا" و "اﻟﻤﺠﺮ" اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ! ﻟﻘﺪ
ﻛﺎﻧﺖ "ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت" أول ﺻﺪﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق ﻟﺠﯿﻮش اﻟﻤﻐﻮل ورؤﺳﺎﺋﮭﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﺧُﯿّﻞ ﻟﻤﻌﺎﺻﺮﯾﮭﻢ أﻧﮭﻢ ﻗﻮم ﻻ ﯾُﻐﻠَﺒﻮن ،ﻓﺠﺎءت
ھﺬه اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﻟﺘﻘﻮل ﻟﻠﺪﻧﯿﺎ ﻻ ﻏﺎﻟﺐ إﻻ اﷲ ،وأن ﻓﻮق ﻛﻞ ﻗﻮي ﻣﻦ ھﻮ أﻗﻮى ﻣﻨﮫ ،وأن اﻟﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ ﯾﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﯾﺸﺎء.
وﻣﻦ ھﻨﺎ ﻛﺴﺒﺖ ﺳﻠﻄﻨﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺼﺪارة ﺑﯿﻦ ﺳﻼﻃﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻘﺎﻣﺖ ﻟﻤﺼﺮ زﻋﺎﻣﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ .وﻟﻜﻦ،
ﻣﺎ أﺻﻞ أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ؟
إﻧﮭﻢ ﺧﻠﯿﻂ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك واﻟﺮوم واﻷورﺑﯿﯿﻦ واﻟﺸﺮاﻛﺴﺔ ،ﺟﻠﺒﮭﻢ اﻟﺤﻜﺎم ﻟﯿﺴﺘﻌﯿﻨﻮا ﺑﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﮭﺠﺮي وﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن
اﻟﺴﺎﺑﻊ.
ﻛﺎن ﻛﻞ ﺣﺎﻛﻢ ﯾﺘﺨﺬ ﻣﻨﮭﻢ ﻗﻮة ﺗﺴﺎﻧﺪه ،وﺗﺪﻋﻢ اﻷﻣﻦ واﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ إﻣﺎرﺗﮫ أو ﻣﻤﻠﻜﺘﮫ ،وﻣﻤﻦ ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺒﮭﻢ واﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﮭﻢ
اﻷﯾﻮﺑﯿﻮن ،وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﺼﻮرھﻢ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة ﻟﻤﺎ أﺻﺎﺑﮭﻢ اﻟﻀﻌﻒ واﺣﺘﺎﺟﻮا إﻟﻰ اﻟﺮﺟﺎل .ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﯾُﺒﺎﻋﻮن ﻟﻠﻤﻠﻮك واﻷﻣﺮاء ،ﺛﻢ ﯾُﺪَرﱠﺑﻮن
ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ واﻹﺧﻼص واﻟﻮﻻء.
وﻋﺮﻓﺖ ﻣﺼﺮ ﻧﻮﻋﯿﻦ ﻣﻦ ھﺆﻻء اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ:
-١اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ وھﻢ اﻟﺬﯾﻦ أﺳﻜﻨﮭﻢ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻷﯾﻮﺑﻲ ﻗﻠﻌﺔ ﻓﻲ ﺟﺰﯾﺮة اﻟﺮوﺿﺔ ،وﻧﺴﺒﻮا إﻟﻰ ﺑﺤﺮ اﻟﻨﯿﻞ ،أو ﺳﻤّﻮا ﺑﺬﻟﻚ ﻷﻧﮭﻢ
ﻗﺪﻣﻮا ﻣﻦ وراء اﻟﺒﺤﺎر ،وھﺆﻻء ﺣﻜﻤﻮا ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ) ٧٨٤-٦٤٨ھـ١٣٨٢-١٢٥٠ /م( وﺗﺪاول ﻋﺮش ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﮭﺪھﻢ أرﺑﻌﺔ
وﻋﺸﺮون ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ .
-٢أﻣﺎ اﻟﻨﻮع اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﮭﻢ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮُﺟﯿﺔ أو اﻟﺠﺮاﻛﺴﺔ ،وﺳُﻤّﻮا ﺑﺬﻟﻚ ﻷن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻗﻼوون أﺳﻜﻨﮭﻢ أﺑﺮاح ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺠﺒﻞ ،وﻷن اﻟﺠﺮاﻛﺴﺔ
ﻛﺎﻧﻮا أﻛﺜﺮ ﻋﺪدًا ،وھﺆﻻء ﺣﻜﻤﻮا ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ) ٩٢٣-٧٨٤ھـ١٥١٧-١٣٨٢ /م( وھﻢ ﺛﻼﺛﺔ وﻋﺸﺮون ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ.
ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓﺖ اﻟﺒﺪاﯾﺔ ﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ،وﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟ ﻨﮭﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ﻋﻨﺪ ﻣﺮج داﺑﻖ واﻟﺮﯾﺪاﻧﯿﺔ )ﺣﻲ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ( ﺳﻨﺔ ٩٢٣ھـ،
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻐﻠﺒﺔ ﻟﻠﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ آﻟﺖ إﻟﯿﮭﻢ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎت اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻟﯿﺒﺪءوا ﻋﮭﺪًا ﺟﺪﯾﺪًا.
وﻟﻢ ﯾﺄﺧﺬ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺑﻤﺒﺪأ وراﺛﺔ اﻟﻌﺮش ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻣﻔﺘﻮﺣًﺎ أﻣﺎم ﻣﻦ أﺑﺪي ﺷﺠﺎﻋﺔ وإﻗﺪاﻣًﺎ وﻣﻘﺪرة .ھﺬه ھﻲ اﻟﻤﺆھﻼت ﻓﻲ دوﻟﺔ
اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ أﻧﻘﺎض دوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ ،وﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ ﺗﻮران ﺷﺎه آﺧﺮ ﺳﻼﻃﯿﻦ اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ ﺑﻤﺼﺮ.
إن اﻟﻤﻐﻮل ﯾﺰﺣﻔﻮن..وإن اﻟﺨﻄﺮ ﻗﺎدم ﻓﻠﺘﺘﻮﻗﻒ اﻟﺨﻼﻓﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻟﺘﺘﻮﺣﺪ اﻟﻘﻮى ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ھﺬا اﻟﻌﺪو !
ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﻤﻐﻮل ﻋﻠىﺎﻷراﺿﻲ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﺨﻮارزم ﺷﺎه ،ﺛﻢ واﺻﻠﻮا ﺳﯿﺮھﻢ -ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ -ﻣﮭﺪدﯾﻦ اﻟﻌﺮاق ﺣﺘﻰ
أﺳﻘﻄﻮا اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ذاك اﻟﻮﻗﺖ ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﯾﺒﻚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮة ،واﻟﺬي ﺗﻮﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة أﺑﯿﮫ اﻟﻤﻌﺰ أﯾﺒﻚ ،وﻛﺎن
ﺿﻌﯿﻔًﺎ ﻻ ﺣﻮل ﻟﮫ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻈﺮوف اﻟﺼﻌﺒﺔ .وراﺣﺖ ﻣﺼﺮ ﺗﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻣﻤﻠﻮك ﻗﻮي ﯾﺤﻤﻲ ﺣﻤﺎھﺎ ،وﯾﺼﻮن أرﺿﮭﺎ .ﻟﻘﺪ ﺳﻘﻄﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ
اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﺘﺘﺎر ﻋﻠﻰ ﺑﻐﺪاد وﺑﻘﯿﺔ ﻣﺪن اﻟﻌﺮاق ،ﺛﻢ اﺗﺠﮭﻮا ﻧﺤﻮ ﺑﻼد اﻟﺸﺎم اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘ ﺴﱠﻤﺔ إﻟﻰ إﻣﺎرات ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ أﻣﺮاء
أﯾﻮﺑﯿﻮن ،وﺗﻤﻜﻦ اﻟﺘﺘﺎر ﻣﻦ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ ﺣﻠﺐ ﺳﻨﺔ ٦٥٧ھـ١٢٧٧/م.
وﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ ﻇﮭﺮ " ﺳﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ ﻗﻄﺰ" وﻗﺪ ﺗﻮﻟﻰ ﺣﻜﻢ ﻣﺼﺮ ،وﻗﺎل ﻗﻮﻟﺘﮫ اﻟﻤﺸﮭﻮرة :ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎن ﻗﺎھﺮ ﯾﻘﺎﺗﻞ ﻋﻦ
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﺪوھﻢ.
ووﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺻﺮﺧﺎت أھﻞ اﻟﺸﺎم ،واﺳﺘﻐﺎﺛﺎت أﻣﺮاﺋﮭﻢ ﻣﻦ اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ :أن ﺗﺤﺮﻛﻮا واﻋﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ إﻧﻘﺎذﻧﺎ ،ﻟﻘﺪ ﻗﺘﻠﻮا اﻟﻌﺒﺎد ،وﺧﺮﺑﻮا
اﻟﺒﻼد ،وأﺳﺮوا اﻟﻨﺴﺎء واﻷﻃﻔﺎل ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻣﺼﺮ ھﻲ اﻷﻣﻞ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺿﺎع اﻷﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،وﻓﻲ أﻣﺮاء اﻟﺸﺎم .ﺧﺮج " ﺳﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ ﻗﻄﺰ"
ﻓﻲ ﻋﺴﺎﻛﺮه ،ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﻲ إﻟﻰ اﻟﺸﺎم.
وﻛﺎن اﻟﻠﻘﺎء ﻋﻈﯿﻤًﺎ ﻋﻨﺪ " ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت" ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻣﻦ رﻣﻀﺎن اﻟﺬي واﻓﻖ ﯾﻮم ﺟﻤﻌﺔ .وﻷول ﻣﺮة ﯾﻠﻘﻰ اﻟﻤﻐﻮل ﻣﻦ
ﯾﺼﺪھﻢ وﯾﮭﺰﻣﮭﻢ ھﺰﯾﻤﺔ ﺳﺎﺣﻘﺔ ،وﻛﺎن اﻟﻨﺼﺮ ﻟﺮاﯾﺔ اﻹﺳﻼم .وﻛﺎﻧﺖ ﺻﯿﺤﺔ واﺣﺪة ﺻﺪق ﺑﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن رﺑﮭﻢ " وا إﺳﻼﻣﺎه " ،وﻓﻲ ﯾﻮم
واﺣﺪ ،اﻧﻘﻠﺒﺖ اﻷوﺿﺎع ،وأذن اﷲ ﺑﻨﺼﺮه ﺑﻌﺪ ﻋﺼﺮ ﻃﻮﯾﻞ ﻣﻦ اﻟﺬل واﻟﻤﮭﺎﻧﺔ ،وﺑﻌﺪ ﺟﺒﺎل اﻷﺷﻼء وأﻧﮭﺎر اﻟﺪﻣﺎء اﻟﺘﻲ ﻏﺮق ﻓﯿﮭﺎ
٥٦
اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن .
وﻟﻜﻲ ﺗﺪرك ﻣﺪى اﻟﻀﻌﻒ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻗﺒﻞ أن ﯾﻌﻮدوا إﻟﻰ رﺑﮭﻢ ،ﻓﺎﻋﻠﻢ أن اﻟﺘﺘﺮي ﻛﺎن ﯾﻠﻘﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد وﻟﯿﺲ ﻣﻌﮫ
ﺳﯿﻒ ،ﻓﯿﻘﻮل ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ :ﻗﻒ ﻣﻜﺎﻧﻚ ﺣﺘﻰ أﺣﻀﺮ اﻟﺴﯿﻒ ﻷﻗﺘﻠﻚ .ﻓﯿﺒﻘﻰ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺟﺎﻣﺪًا ذﻟﯿﻼ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﮫ ﺣﺘﻰ ﯾﺄﺗﯿﮫ اﻟﺘﺘﺮي ﺑﺎﻟﺴﯿﻒ ﻓﯿﻘﺘﻠﮫ ﺑﮫ !
ﻟﻘﺪ ﻗﺎﺗﻞ ﺳﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ ﻗﻄﺰ ﻗﺘﺎﻻ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،وﻗﺎﺗﻞ ﻣﻌﮫ اﻷﻣﺮاء اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺼﺮ .
ووﻗﻒ ﻗﻄﺰ ﯾﻮم "ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت" ﻋﻠﻰ رﺟﻠﯿﮫ ﺗﺎرﻛًﺎ ﺟﻮاده ،وھﻮ ﯾﻘﻮل ﻟﻤﻦ راح ﯾﻠﻮﻣﮫ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺧﺎﺋﻔًﺎ ﻋﻠﯿﮫ :إﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ أﻓﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ،
وأﻣﺎ اﻹﺳﻼم ﻓﻠﮫ رب ﻻ ﯾﻀﯿﻌﮫ ! ﻟﻘﺪ ﻗﺎم ﻗﻄﺰ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﮫ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ..ﻋﺮف اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ،وأﻋﻠﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس :
ﻟﻘﺪ اﻧﮭﺰﻣﺘﻢ أﻣﺎم اﻟﺘﺘﺎر ﻟﺘﮭﺎوﻧﻜﻢ ﻓﻲ أﻣﺮ دﯾﻨﻜﻢ ،ﻓﺎﺳﺘﻤﺴﻜﻮا ﺑﮭﺬا اﻟﺪﯾﻦ ،واﷲ ﻣﻨﻔﺬ وﻋﺪه اﻟﺬي وﻋﺪ ):وَﻋَﺪَ اﻟﻠﱠﮫُ اﻟﱠﺬِﯾﻦَ آﻣَﻨُﻮا ﻣِﻨﻜُ ْﻢ
ﺨﻠَ ﻒَ اﻟﱠﺬِﯾﻦَ ﻣِﻦ ﻗَ ْﺒ ﻠِ ﮭِ ْﻢ وَﻟَﯿُﻤَﻜﱢﻨَﻦﱠ ﻟَﮭُ ْﻢ دِﯾ ﻨَﮭُﻢُ اﻟﱠﺬِي ا ْرﺗَﻀَﻰ ﻟَﮭُ ْﻢ وَﻟَﯿُﺒَﺪﱢ ﻟَﻨﱠﮭُﻢ ﻣﱢﻦ ﺑَ ْﻌﺪِ
ﺳﺘَ ْ
ﺨ ﻠِ ﻔَﻨﱠ ﮭُﻢ ﻓِﻲ ا ْﻟﺄَ ْرضِ ﻛَﻤَﺎ ا ْ
ﺴﺘَ ْ
وَﻋَﻤِﻠُﻮا اﻟﺼﱠﺎﻟِﺤَﺎتِ ﻟَ ﯿَ ْ
ﺸﺮِﻛُﻮنَ ﺑِﻲ ﺷَ ْﯿﺌًﺎ وَﻣَﻦ ﻛَﻔَﺮَ ﺑَ ْﻌﺪَ ذَﻟِﻚَ ﻓَﺄُ ْوﻟَﺌِﻚَ ھُﻢُ ا ْﻟﻔَﺎ ﺳِﻘُﻮن( ]اﻟﻨﻮر.[٥٥ : ﺧَ ْﻮﻓِﮭِ ْﻢ أَ ْﻣﻨًﺎ ﯾَ ْﻌﺒُﺪُوﻧَﻨِﻲ ﻟَﺎ ﯾُ ْ
وﻟﻜﻨﮫ ﻟﻘﻲ ﻣﺼﺮﻋﮫ وھﻮ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻌﻮدة ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺼﺮ ! وﯾﺘﻮﻟﻰ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه " اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﯿﺒﺮس اﻟﺒﻨﺪﻗﺪاري" ،ﯾﺘﻮﻟﻰ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻣﺼﺮ،
واﻟﺸﺎم ،وﯾﺒﻌﺚ ﺑﺈﺣﻀﺎر أﺣﺪ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ وﯾﻌﯿﻨﮫ ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وھﻮ اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ ﺑﺎﷲ ،وﻗﺪ ﺗﻮﻟﻰ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻠﮫ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ
اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺑﻤﺼﺮ ،وأُﻃﻠﻖ ﻋﻠﯿﮫ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ،وﻛﺎن ﯾﺪﻋﻲ ﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﺑﺮ ،أﻣﺎ اﻷﻣﺮ واﻟﻨﮭﻲ ﻓﮭﻮ ﻟﻠﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ،
واﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ.
وإذا ﻛﺎن اﻟﺘﺎرﯾﺦ ﻗﺪ ﺳﺠﻞ ﻟﻠﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻓﻲ ﺣﺮب اﻟﻤﻐﻮل ﺑﻄﻮﻟﺔ راﺋﻌﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺳﺠﻞ ﻟﮭﻢ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺔ ٦٤٨ھـ ١٢٥٠ /م ﺑﺴﺎﻟﺘﮭﻢ وإﻗﺪاﻣﮭﻢ ﻓﻲ
ﻗﺘﺎل اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻋﻨﺪ " اﻟﻤﻨﺼﻮرة" وﻋﻨﺪ "ﻓﺎرﺳﻜﻮر" ﺑﻘﯿﺎدة اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﯿﺒﺮس.
إن اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﯿﺒﺮس ﻟﻢ ﯾﺘﺮك ﺳﻨﺔ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة وﻻﯾﺘﮫ دون أن ﯾﻐﺰو اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ وﯾﺤﻘﻖ اﻧﺘﺼﺎرات ﻋﻠﯿﮭﻢ .ﻟﻘﺪ اﺳﺘﺮد "اﻟﻜﺮك" ﺳﻨﺔ ٦٦١ھـ/
١٢٦٣م ،و " ﻗَ ْﯿﺴَﺎرِﯾﱠﺔ " ﺳﻨﺔ ٦٦٣ھـ١٢٦٥ /م ،وﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻣﺜﻞ "ﺻﻔﺪ " ،و "ﯾﺎﻓﺎ " ،و "أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ "
ﺳﻨﺔ ٦٦٦ھـ١٢٦٨ /م .ﻟﻘﺪ وﻗﻒ ﺑﯿﺒﺮس ﻟﻠﺘﺘﺎر وﻟﻠﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻣﻌًﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺤﺎﻟﻔﺖ ﻗﻮى اﻟﺘﺘﺎر واﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﺿﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ .وﻛﺎن ﻟﮭﻤﺎ
ﺑﺎﻟﻤﺮﺻﺎد ،وأﺳﺲ دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺗﺄﺳﯿﺴًﺎ ﻗﻮﯾّﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻘﻲ رﺑﮫ ﺳﻨﺔ ٦٧٦ھـ١٢٧٨ /م ،اﺳﺘﻤﺮ اﻟ ﻤﻠْﻚ ﻓﻲ ذرﯾﺘﮫ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٦٧٨ھـ/
١٢٧٩م .
وﻣﺮت ﺳﻨﻮات ﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻮﻟﻰ اﻟﻤﻠﻚ "اﻷﺷﺮف ﺧﻠﯿﻞ" أﻣﺮ اﻟﺒﻼد ﺑﻌﺪ وﻓﺎة واﻟﺪه ﻗﻼوون ﺳﻨﺔ ٦٩٠ھـ١٢٨١ /م ،وﻓﯿﮭﺎ أﺳﺪل اﻟﺴﺘﺎر
ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺮاع اﻟﺼﻠﯿﺒﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ .
ﻟﻘﺪ ﻓﺘﺤﺖ "ﻋﻜﺎ" وﺑﻘﯿﺔ ﻣﺪن اﻟﺴﺎﺣﻞ ﻓﻲ ھﺬ ه اﻟﺴﻨﺔ ،وھﺮب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن إﻟﻰ " ﻗﺒﺮص" اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻠﺠﺄ ﻟﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق ،وھﻜﺬا ﻗﻄﻊ
اﷲ داﺑﺮ اﻟﻘﻮم اﻟﺬﯾﻦ ﻇﻠﻤﻮا واﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ .
ﻟﻘﺪ ﺣُﻠّﺖ اﻟﻌﻘﺪة اﻟﺘﻲ ﺳﺎدت اﻟﻨﺎس ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﻛﻤﺎ ﺳﺎدﺗﮭﻢ ﻗﺪﯾﻤًﺎ ﻋﻦ ﻋﺪم إﻣﻜﺎن ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﻤﻐﻮﻟﯿﺔ ﻣﮭﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﻋﺪادھﺎ ،وﻛﺴﺒﺖ
ﺳﻠﻄﻨﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺼﺪارة ﺑﯿﻦ ﺳﻼﻃﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻘﺎﻣﺖ ﻟﻤﺼﺮ زﻋﺎﻣﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ .
وﯾﺴﺘﻤﺮ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٧٨٤ھـ١٣٨٢/م ،وﻛﺎن ﻋﮭﺪ اﺳﺘﻘﺮار ورﺧﺎء ،وﻟﻜﻦ ﺑﻮﻓﺎة اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻗﻼوون ﺳﻨﺔ
٧٤١ھـ١٣٤١ /م ،اﺿﻄﺮﺑﺖ اﻟﺒﻼد اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﯿﺔ ﻣﻤﺎ ﺷﺠﻊ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻏﺰو ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ ٧٦٧ھـ١٣٦٦ /م ،ﻣﻦ ﺟﺰﯾﺮة " ﻗﺒﺮص "
ﺣﺘﻰ ﺳﻘﻄﺖ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﻓﻲ أﯾﺪﯾﮭﻢ ﺑﻌﺪ أن ﺳﺎءت أﺣﻮال اﻟﺒﻼد ﻟﻌﺪم وﺟﻮد رﺟﻞ ﻗﻮي ﻋﻠﻰ رأس اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺑﻌﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻗﻼوون ،وﺳﻘﻂ
ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﮭﺪاء ﻋﻠﻰ أﯾﺪي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ اﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻨﺎت واﻟﻨﺴﺎء.
وﻟﻜﻦ ﯾﺸﺎء اﷲ أن ﯾﺒﺪأ ﻋﮭﺪ ﺟﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ " اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮﺟﯿﺔ" ﯾﻌﯿﺪ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﺠﺪھﻢ ،وﯾﺮﻓﻊ راﯾﺔ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻋﻠﻰ رﺑﻮع اﻟﻮادي .
ﻟﻘﺪ ﺑﺪأ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮﺟﯿﺔ ﺑﺎﻟﻈﺎھﺮ ﺑﺮﻗﻮق ﺳﻨﺔ ٧٨٤ھـ١٣٨٢ /م ،واﻧﺘﮭﻰ ﺑﺎﻷﺷﺮف ﻗﻨﺼﻮه اﻟﻐﻮري اﻟﺬي ﻗﺘﻞ ﻓﻲ ﻣﺮج داﺑﻖ ﻋﻠﻰ
ﯾﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ﺳﻨﺔ ٩٢٢ھـ١٥١٦ /م.
وﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﻟﻠﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ دﻓﺎﻋﮭﻢ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم وأھﻠﮫ ودﯾﺎره ﺿﺪ اﻟﺘﺘﺎر ،ﻓﻠﻘﺪ أﺑﻠﻮا ﺑﻼء ﺣﺴﻨًﺎ ،وﻛﺎﻧﻮا ﺧﯿﺮ ﻋَﻮنْ ﻟﻺﺳﻼم
واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﺘﺮة ﻣﻦ ﻓﺘﺮات ﺗﺎرﯾﺨﮭﻢ .
وﻟﻘﺪ اھﺘﻢ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﺑﺎﻷوﺿﺎع اﻟﺤﻀﺎرﯾﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﺎء ﻟﻠﻤﺪارس واﻟ ﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﻌﻤﺎﺋﺮ ،ﺣﺘﻰ ﯾﻌﺪ ﻋﺼﺮھﻢ ﻣﻦ أزھﻰ اﻟﻌﺼﻮر ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة ،ﻓﻘﺪ
ﻛﺎن ﻟﻠﻤﻤﺎﻟﯿﻚ إﺳﮭﺎم راﺋﻊ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻤﺎرة ،ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻓﻦ اﻟﻌﻤﺎرة ﻋﻠﻰ أﯾﺪﯾﮭﻢ إﺳﻼﻣﯿًﺎ ﯾﺴﺘﻘﻲ ﻗﻮاﻋﺪه ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ اﻹﺳﻼم وأﺻﻮﻟﮫ،
ﻓﻔﻦ ﺑﻨﺎء اﻟﺒﯿﻮت ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ ﻋﮭﺪھﻢ اﻧﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻣﺒﺪأ ﻣﻨﻊ اﻻﺧﺘﻼط واﻟﻐﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﺎء ،ﻓﺘﺒﻨﻲ اﻟﺒﯿﻮت اﻟﻄﺎﺑﻖ اﻷول ﻟﻠﺮﺟﺎل
وﯾﺴﻤﻰ" اﻟﺴﻼﻣﻠﻚ" واﻟﺴﻔﻠﻲ ﻟﻠﻨﺴﺎء وﯾﺴﻤﻰ "اﻟﺤﺮﻣﻠﻚ" وﻣﺪﺧﻞ اﻟﺒﯿﺖ ﯾﻨﺤﺮف ﻏﺮﺑًﺎ ﻧﺤﻮ دھﻠﯿﺰ وﻣﻨﮫ إﻟﻰ ﺣﺠﺮة اﻟﻀﯿﻮف ،ﺣﺘﻰ ﻻ
ﯾﺮى اﻟﺪﱠاﺧِﻞ َﻣﻦْ ﻓﻲ وﺳﻂ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﻣﺪاﺧﻞ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء ﻓﻘﻂ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺷﺒﺎﺑﯿﻚ اﻟﺒﯿﻮت ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﯾﺮى اﻟﺴﺎﺋﺮ ﻓﻲ
اﻟﻄﺮﯾﻖ وﻟﻮ ﻛﺎن راﻛﺒًﺎ ﻣﻦ ﺑﺪاﺧﻞ اﻟﺒﯿﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﺸﺒﺎﺑﯿﻚ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﺧﺸﺐ ﻣﺜﻘﻮب ﯾﺴﻤﺢ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻀﻮء واﻟﮭﻮاء ،وﯾﺴﻤﺢ ﻟﻤﻦ
ﺑﺪاﺧﻞ اﻟﺒﯿﺖ ﺑﺮؤﯾﺔ ﻣﻦ ﺑﺎﻟﺨﺎرج ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﯾﺮي ﻣﻦ ﺑﺎﻟﺨﺎرج ﻣﻦ ﺑﺪاﺧﻞ اﻟﺤﺠﺮات .
ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺠﻌﻠﻮن أﻣﺎﻛﻦ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﺪور اﻟﺴﻔﻠﻲ ﻟﻠﺪواب واﻟﻤﻮاﺷﻲ ،وﺣﺠﺮات ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠﻤﻄﺎﺑﺦ ،وھﻢ اﻟﺬﯾﻦ اﺑﺘﻜﺮوا ﻧﻈﺎم دوﻻب اﻟﺤﺎﺋﻂ
اﻟﺬي ﯾﻮﺿﻊ ﻓﯿﮫ اﻷﻃﺒﺎق اﻟﺨﺰﻓﯿﺔ ،وﻋﻨﮭﻢ أﺧﺬ ھﺬا اﻟﻨﻈﺎم.
وﻛﺎن ﻟﮭﻢ اھﺘﻤﺎﻣﮭﻢ ﺑﺎﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﺄﻟﯿﻒ اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺎت اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ واﻷدﺑﯿﺔ ،وﻣﻦ ھﺬه اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺎت اﻟﺘﻲ ازدھﺮت ﻓﻲ
ﻋﮭﺪھﻢ "ﺻﺒﺢ اﻷﻋﺸﻰ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻹﻧﺸﺎ " ﻟﻠﻘﻠ ﻘﺸﻨﺪي ،و " ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷرب ﻓﻲ ﻓﻨﻮن اﻷدب" ﻟﻠﻨﻮﯾﺮي .
٥٧
ﻛﻤﺎ ازدھﺮت ﻓﻲ ﻋﮭﺪھﻢ اﻟﺘﺂﻟﯿﻒ اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻮاﻋﻆ واﻻﻋﺘﺒﺎر ﺑﺬﻛﺮ اﻟﺨﻄﻂ واﻵﺛﺎر ﻟﻠﻤﻘﺮﯾﺰي ،وﻛﺎﻓﺔ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﮫ ،وﻣﺆﻟﻔﺎت اﺑﻦ
ﺗﻐﺮي ﺑﺮدي وﻏﯿﺮھﻤﺎ .
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﮭﺠﺮي) ،اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي( ﻓﺘﺮة ﺳﻮداء ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﺄﺳﺮه ،ﻓﻔﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﻘﺪﻣﺖ ﻓﯿﮫ
ﺟﺤﺎﻓﻞ اﻟﻤﻐﻮل اﻟﻮﺛﻨﯿﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ،وﻗﻀﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻘﺎﯾﺎ اﻟﺠﯿﻮش اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ﻻ ﺗﺰال ﺗﺤﺘﻞ أﺟﺰاء ﻣﻦ
ﺷﻮاﻃﺊ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ! وﻣﻤﺎ زاد اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺳﻮءًا أن اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻟﺖ ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ھﺠﻤﺎت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ أﺧﺬت ﺗﻀﻌﻒ
ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻣﻨﺸﺌﮭﺎ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ .وﻗﺪ ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ھﺬا أن أﺧﺬت ﻣﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺗﺘﻘﻠﺺ ﺑﯿﻦ ﺿﺮﺑﺎت اﻟﻮﺛﻨﯿﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق ،وﺣﻤﻼت
اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻐﺮب .وراح ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﯾﻌﺘﻘﺪ أن اﻹﺳﻼم ﻟﻦ ﺗﻘﻮم ﻟﮫ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﺮة أﺧﺮي ،إﻻ أن اﻟﻜﺎرﺛﺔ ﻟﻢ ﺗﻘﻊ .ﺗُﺮى ﻣﺎ ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ؟
ﯾﻘﻮل اﻟﻤﺆرﺧﻮن :ھﻨﺎك ﺳﺒﺒﺎن :
أوﻟﮭﻤﺎ :أﻧﮫ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎر اﻟﻤﻐﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﺤﺮب ﻓﺈن اﻹﺳﻼم اﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﻌﻘﯿﺪة ،ﻓﻔﻲ أﻗﻞ ﻣﻦ
ﻧﺼﻒ ﻗﺮن دﺧﻞ اﻟﻤﻐﻮل اﻹﺳﻼم ،ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﯾﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻨﮫ ،وﯾﻨﺸﺮوﻧﮫ ﺑﯿﻦ أھﻠﯿﮭﻢ ﻓﻲ أواﺳﻂ آﺳﯿﺎ.
أﻣﺎ ﺛﺎﻧﯿﮭﻤﺎ ﻓﮭﻮ أن دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﺖ اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٦٤٨ھـ١٢٥٠/م ،ﻛﺎﻧﺖ دوﻟﺔ ﻋﺴﻜﺮﯾﺔ ﻗﻮﯾﺔ ﯾﺮأﺳﮭﺎ ﻗﻮاد
اﻟﺠﯿﺶ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ.
وﻛﺎن ھﺆﻻء اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ،وھﻢ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك واﻷرﻣﻦ وﻏﯿﺮھﻤﺎ ،ﻗﺪ وﺻﻠﻮا إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ اﻟﻌﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﯿﺶ أﺛﻨﺎء ﺣﻜﻢ اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ.
وأﺧﯿﺮًا ،ﺗﻮﻟﻮا اﻟﺤﻜﻢ ،وﻋﯿﻨﻮا ﻣﻦ ﺑﯿﻨﮭﻢ اﻟﺴﻼﻃﯿﻦ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﮭﺆﻻء اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ إﯾﻘﺎف زﺣﻒ اﻟﻤﻐﻮل ﻋﻨﺪ " ﻋﯿﻦ
ﺟﺎﻟﻮت" ﺳﻨﺔ ١٢٦٠/٦٥٨م ،ﻛﻤﺎ اﻧﺘﺰﻋﻮا ﻣﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ "ﻋﻜﺎ " وﻛﺎﻧﺖ آﺧﺮ ﻣﻌﻘﻞ ﻟﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺸﺮق ﺳﻨﺔ ٦٩٢ھـ١٢٩٢/م.
ﯾﻘﻮل اﻟﻤﺆرﺧﻮن :إن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺒﺮ وأﺑﻘﻰ دوﻟﺔ أﻧﺸﺄھﺎ ﻗﻮم ﯾﺘﻜﻠﻤﻮن اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﺮﻛﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﮭﻮد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ .وھﻲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ
ذﻟﻚ أﻛﺒﺮ دوﻟﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﻓﻲ ﻗﺮون اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮة .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﺮﻛﺰھﺎ اﻷﺻﻠﻲ " آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮي" ﻓﻲ أﻗﺼﻲ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ
اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ،ﺛﻢ اﻣﺘﺪﱠت ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮭﺎ إﻟﻰ ﺛﻼث ﻗﺎرات ھﻲ :آﺳﯿﺎ وأورﺑﺎ وإﻓﺮﯾﻘﯿﺔ .وﺗﺮﻛﺖ ﺑﺼﻤﺎت ﻗﻮﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﺎﻟﻢ
ﻦ ھﻢ؟ وﻣﻦ أﯾﻦ ﺟﺎءوا؟
ﻋﺎﻣﺔ واﻹﺳﻼم ﺧﺎﺻﺔ ،ﻓﻜﯿﻒ ﺗﻢ ﻟﻸﺗﺮاك اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ذﻟﻚ؟ وﻣَ ْ
أﺳﺌﻠﺔ ﻛﺜﯿﺮة ﺗﺨﻄﺮ ﺑﺎﻟﺒﺎل ﺣﯿﻦ ﯾﺬﻛﺮ أوﻟﺌﻚ اﻷﺗﺮاك اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﻮن ،وﯾﺘﺴﺎءل اﻟﻜﺜﯿﺮون ﻋﻦ أﺻﻠﮭﻢ ،وﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻃﺮح ھﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻗﺒﻞ
اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﮭﻢ وﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮭﻢ.
ﯾﻌﺘﻘﺪ اﻟﻜﺜﯿﺮون أن أﺻﻠﮭﻢ ﻣﻦ أواﺳﻂ آﺳﯿﺎ ،وﻗﺪ ھﺎﺟﺮوا ﻓﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻧﺤﻮ اﻟﻐﺮب ،ﺣﺘﻲ اﺳﺘﻘﺮوا أﺧﯿﺮًا ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎدس اﻟﻤﯿﻼدي
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﺤﺮ ﻗﺰوﯾﻦ واﻟﺠﮭﺎت اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺷﻤﺎل وﺷﺮق ﺑﻼد ﻓﺎرس .
وﻓﻲ أﯾﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ،ﺗﻤﻜﻨﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺳﻜﻨﺎھﻢ ،إﻻ أﻧﮭﻢ ﻟﻢ ﯾﻌﺘﻨﻘﻮا اﻹﺳﻼم ﺟﺪﯾّﺎ إﻻ ﻓﻲ أواﺋﻞ
اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ .وﻗﺪ ﻗﺮﺑﮭﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ -ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﺖ -ﺣﯿﻦ أراد أن ﯾﻘﻀﻲ ﻋﻠﻲ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﻔﺮس اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﻨﻔﻮذ ﻛﺒﯿﺮ
ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ وﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﺄﻣﻮن.
وﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ اﻟﮭﺠﺮي ،اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي ﺟﺎءت ﻣﻮﺟﺔ أﺧﺮي ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك )اﻟﻤﻌﺮوﻓﯿﻦ ﺑﺎﻟﺴﻼﺟﻘﺔ( وﻋﻠﻲ رأﺳﮭﻢ
"ﻃﻐﺮل ﺑﻚ" ،وﻗﻀﻮا ﻋﻠﻲ ﻧﻔﻮذ اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ،وﺧﻠﺼﻮا اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﻣﻦ اﺳﺘﺒﺪادھﻢ ،وﺗﻘﺪﻣﻮا ﺣﺘﻰ ھﺪدوا اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ،
ﻓﺘﻜﺘﻞ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﻮن ﻓﻲ أورﺑﺎ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ھﺰﯾﻤﺘﮭﻢ أﻣﺎم اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﻼذﻛﺮد ،وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻣﺪﱠت ﻓﻲ ﻋﻤﺮ
اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون.
ﻓﻲ ﺣﻮاﻟﻲ ﺳﻨﺔ ٦٢٢ھـ١٢٢٤/م ﻛﺎﻧﺖ ﺟﯿﻮش اﻟﺘﺘﺎر ﺑﻘﯿﺎدة ﺟﻨﻜﯿﺰ ﺧﺎن ﺗﺘﻘﺪم إﻟﻲ اﻟﻐﺮب ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ.
وﻣﻦ ﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻓﺮوا أﻣﺎم اﻟﺰﺣﻒ اﻟﺘﺘﺮي ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮك ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻜﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ "ﺧُﻮارزم" ،ﻓﺘﺤﺮﻛﻮا ﻏﺮﺑًﺎ ﺣﺘﻲ وﺻﻠﻮا إﻟﻲ آﺳﯿﺎ
اﻟﺼﻐﺮي ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ دوﻟﺔ " ﺳﻼﺟﻘﺔ اﻟﺮوم" ﺳﻨﺔ ١٢٥٠م ﺗﻘﺮﯾﺒًﺎ .وھﻨﺎك اﺗﺼﻞ ﻗﺎﺋﺪھﻢ "أرﻃﻐﺮل" ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻼء اﻟﺪﯾﻦ زﻋﯿﻢ دوﻟﺔ
ﺳﻼﺟﻘﺔ اﻟﺮوم ) وھﻢ ﻓﺮع آﺧﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺘﺮﻛﻲ( ،ﻓﻮاﻓﻖ ﻋﻼء اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻲ وﺟﻮدھﻢ ،وﻣﻨﺤﮭﻢ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﻮل أﻧﻘﺮة ﻟﯿﺴﺘﻘﺮوا ﻓﯿﮭﺎ
ﻋﻠﻲ اﻟﺤﺪود ﺑﯿﻦ دوﻟﺘﮫ ودوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ .ﻓﻠﻤﺎ وﺻﻠﺖ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﻐﻮل إﻟﻰ "دوﻟﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ " وﻗﻒ "أرﻃﻐﺮل" إﻟﻲ ﺟﺎﻧﺐ "ﻋﻼء
اﻟﺪﯾﻦ " ،ﺣﯿﺚ ﺗﻤﻜﻨﺎ ﻣﻦ ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﻤﻐﻮل وإﻧﻘﺎذ دوﻟﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ.
ﺑﻌﺪ وﻓﺎة "أرﻃﻐﺮل" ﺳﻨﺔ ٦٨٨ھـ ١٢٨٨/م ،ﻋُﯿّﻦ اﺑﻨﮫ " ﻋﺜﻤﺎن " ﺧﻠﻔًﺎ ﻟﮫ ،ﻓﻜﺎن ﻗﻮﯾّﺎ ﻣﺤﺒﻮﺑًﺎ ﺑﯿﻦ أھﻠﮫ ،ذا ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﺑﻼط اﻟﺴﻠﻄﺎن
ﻋﻼء اﻟﺪﯾﻦ؛ ﻣﻤﺎ أﺛﺎر ﺣﺴﺪ وزراﺋﮫ.
ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎت ﻋﻼء اﻟﺪﯾﻦ ﻛﺜﺮت اﻟﻤﺆاﻣﺮات ،وﺿﻌﻔﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﺎﻏﺘﻨﻢ ﻋﺜﻤﺎن اﻟﻔﺮﺻﺔ ،واﺳﺘﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ،وأﺧﺬ ﯾﻀﯿﻒ ﺑﻌﺾ أﺟﺰاء
دوﻟﺘﮭﻢ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ،وھﻜﺬا ﺗﺄﺳﺴﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٧٠٠ھـ١٣٠٠/م.
وﺑﺬا ﻓﻘﺪ ﻧﺴﺒﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺗﺮاك إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻌﻈﯿﻢ "ﻋﺜﻤﺎن " ﻓﺴﻤﻮا اﻷﺗﺮاك اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ؟ وﻛﺎن اﻹﺳﻼم ھﺪف اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ
وﺷﻌﺎرھﻢ ،ﻟﮫ ﯾﻌﻤﻠﻮن ،وﻓﻲ ﺳﺒﯿﻠﮫ ﯾﺠﺎھﺪون وﯾﺤﺎرﺑﻮن.
ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮭﻢ اﻟﻤﺒﺎرﻛﺔ :
ﻛﺎن اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻣﻔﺘﻮﺣًﺎ أﻣﺎم ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ؛ ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﻣﺎ ﯾﻘﻒ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ﺗﻮﺳﻌﮭﺎ؛ ﺣﯿﺚ إن اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻌﺪ
اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ وھﻲ أﺳﻮأ ﺣﺎﻻ ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.
وﯾﺬﻛﺮ اﻟﻤﺆرﺧﻮن أَنﱠ ﺣﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻼت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ﻗﺪ اﺣﺘﻠﺖ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﺳﻨﺔ ٦٠٢ھـ١٢٠٤/م ،وﻟﻢ ﺗﺘﺨﻠﺺ ﻋﺎﺻﻤﺔ
اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ﻣﻨﮭﻢ إﻻ ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺘﯿﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺷﺮع ﻋﺜﻤﺎن ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮ اﻷﻗﺎﻟﯿﻢ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ وﺟﺪ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻣﻔﺘﻮﺣًﺎ
أﻣﺎﻣﮫ.
وﻗﺪ واﺻﻞ اﺑﻨﮫ "أورﺧﺎن" ھﺬه اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻎ " ﻧﯿﻘﯿﺔ" وﺧﻀﻌﺖ ﻟﮫ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى )ﺗﺮﻛﯿﺎ( ،ﻛﻤﺎ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻋﺒﻮر "اﻟﺪردﻧﯿﻞ "،
واﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ " ﻣﻘﺪوﻧﯿ ﺎ " ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﻟﻢ ﯾﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮ أورﺑﺎ.
٥٨
وﻛﺎن ﻻﺑﺪ أن ﯾﺘﻔﺮغ ﺑﻌﺪ ھﺬا ﻟﺘﻨﻈﯿﻢ دوﻟﺘﮫ ،ﻓﺄﻧﺸﺄ ﺟﯿﺸًﺎ ﻧﻈﺎﻣﯿّﺎ ﻋُﺮف ﺑﺎﻻﻧﻜﺸﺎرﯾﺔ )أى اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺠﺪد( .وﻛﺎن ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ ﻣﻜﻮﻧًﺎ ﻣﻦ
أﺑﻨﺎء اﻟﺒﻼد اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ.
ﻓﺘﻢ ﺗﺪرﯾﺒﮭﻢ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ،وأﻋﺪت ﻟﮭﻢ ﻣﻌﺴﻜﺮات وﺛﻜﻨﺎت ﯾﻌﯿﺸﻮن ﻓﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺨﺘﻠﻄﻮن ﺑﻐﯿﺮھﻢ ،ﻣﮭﻤﺘﮭﻢ اﻟﺘﻲ
أﻋﺪوا ﻟﮭﺎ ھﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ﻣﻊ اﻟﻔﺮﺳﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ،ﻓﯿﺸﺒﻮن أﻗﻮﯾﺎء اﻟﺠﺴﻢ ،ﻣﻄﯿﻌﯿﻦ ﻟﻘﻮادھﻢ اﻟﺬﯾﻦ ﻻﯾﻌﺮﻓﻮن ﻏﯿﺮ اﻟﻄﺎﻋﺔ
ﻦ أول ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪم ھﺬا اﻟﺠﯿﺶ اﺳﺘﺨﺪاﻣًﺎ ﻓﻌﺎﻻ؟ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ..أﺗﺪري ﻣَ ْ
إﻧﮫ اﻟﺴﻠﻄﺎن "ﻣﺮاد اﻷول" اﺑﻦ "أورﺧﺎن" وﻛﺎن ﻣﺮاد ﻧﻔﺴﮫ ﺟﻨﺪﯾّﺎ ﺷﺠﺎﻋًﺎ ﻗﺮر أن ﯾﺸﻦ ﺣﺮﺑًﺎ ﻋﻠﻰ أورﺑﺎ ﺑﺄﺳﺮھﺎ.
ﻟﻘﺪ أراد أن ﯾﻨﺘﻘﻢ ﻣﻦ اﻷورﺑﯿﯿﻦ ﻻﻋﺘﺪاﺋﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم واﻟﺸﺮق أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ.ھﺬا ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺣﻤﺎﺳﮫ ﻟﻺﺳﻼم ،وﺣﺒﮫ ﻟﮫ
وﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻨﮫ ﺿﺪ أﻋﺪاﺋﮫ ،ورﻏﺒﺘﮫ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻜﻔﺮ ،وﺗﺒﻠﯿﻎ دﻋﻮة اﷲ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻌﺮوف أن اﻷﺗﺮاك ﻣﻦ أﻗﻮى
اﻟﺸﻌﻮب ﺣﻤﺎﺳﺔ ،وﻣﻦ أﻗﻮاھﻢ ﻋﺎﻃﻔﺔ ﺗﺠﺎه اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻛﺎن ﺳﻤﺘﮭﻢ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﮭﻢ ﻣﻊ اﻷﺳﺮى ﺳﻤﺘًﺎ إﺳﻼﻣﯿّﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ﻓﮭﻤﮭﻢ
ﻟﻺﺳﻼم وﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﺤﺮب واﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،وھﺬا ﻣﺎ ﺷﮭﺪ ﺑﮫ أﻋﺪاؤھﻢ.
ﻟﻘﺪ ﻋﺒﺮت ﺟﯿﻮﺷﮫ اﻟﺪردﻧﯿﻞ )ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ واﻟﺪه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ( ،واﺣﺘﻞ ﻣﺪﯾﻨﺔ "أدرﻧﺔ" ،وﺟﻌﻠﮭﺎ ﻋﺎﺻﻤﺘﮫ ﺳﻨﺔ ٧٦٥ھـ١٣٦٢/م ﺑﺪﻻ ﻣﻦ
اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ "ﺑﺮو ﺳّﺔ " ،وﺑﺬﻟﻚ ﯾﻜﻮن ﻗﺪ ﻧﻘﻞ ﻣﻘﺮ ﻗﯿﺎدﺗﮫ إﻟﻰ أورﺑﺎ اﺳﺘﻌﺪادًا ﻟﺘﺄدﯾﺐ وإﺧﻀﺎع ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺎرة اﻟﻤﻌﺘﺪﯾﺔ !
ﺷﻤﻠﺖ ﻓﺘﻮﺣﺎت "ﻣﺮاد " :ﻣﻘﺪوﻧﯿﺎ ،وﺑﻠﻐﺎرﯾﺎ ،وﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﯿﻮﻧﺎن واﻟﺼﺮب ،ﻛﻤﺎ ھﺪد اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،وأﺟﺒﺮ إﻣﺒﺮاﻃﻮرھﺎ ﻋﻠﻰ دﻓﻊ
اﻟﺠﺰﯾﺔ.
ﻟﻜﻦ واأﺳﻔﺎه ،ﻗﺘﻞ ﻣﺮاد ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﻘﺘﺎل ﺳﻨﺔ ٧٩٣ھـ١٣٨٩/م ،ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻓﯿﮫ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﻈﺎﻓﺮة ﺗﺤﺘﻞ ﺻﻮﻓﯿﺎ
ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺑﻠﻐﺎرﯾﺎ.
ﻓﻤﻦ ﯾﺎ ﺗُﺮى ﯾﺨﻠﻔﮫ؟ ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻔﮫ اﺑﻨﮫ " ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ" وﻣﻦ ﺷﺎﺑﮫ أﺑﺎه ﻓﻤﺎ ﻇﻠﻢ.ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻠﻘﺒﻮﻧﮫ )ﺑﺎﻟﺼﺎﻋﻘﺔ( ،وذﻟﻚ ﻟﺴﺮﻋﺔ ﺗﺤﺮﻛﺎﺗﮫ ﻓﻲ ﻣﯿﺎدﯾﻦ
اﻟﻘﺘﺎل واﻧﺘﺼﺎراﺗﮫ اﻟﺨﺎﻃﻔﺔ.أﺗﺪري ﻣﺎذا ﺣﻘﻖ ﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎرات ﺑﻌﺪ أﺑﯿﮫ؟ ﻟﻘﺪ أﺗﻢ ﻓﺘﺢ اﻟﯿﻮﻧﺎن .أﻣﺎ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻓﻘﺪ ﺟﺮدھﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﮭﺎ ﻣﺎﻋﺪا اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ وﺣﺪھﺎ.
ﻟﻘﺪ ﺑﻠﻎ "ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ" ﻣﻦ اﻟﻘﻮة ﻣﺎ ﺟﻌﻠﮫ ﯾﻤﻨﻊ إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻣﻦ إﺻﻼح أﺣﺪ ﺣﺼﻮن اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻓﯿﺬﻋﻦ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻷﻣﺮه ،وﯾﻨﺰل
ﻋﻨﺪ رأﯾﮫ .وﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﯿﺠﺔ ھﺬا اﻟﺠﮭﺎد اﻟﻤﻘﺪس اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺬﻋﺮ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ أﻧﺤﺎء أورﺑﺎ ،ﻓﻘﺎم اﻟﺒﺎﺑﻮات ﻓﻲ روﻣﺎ ﯾﻨﺎدون ﺑﺎﻟﺠﮭﺎد ﺿﺪ
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﻮا ﺳﻨﺔ ٤٨٩ھـ١٠٩٥ /م ،وﺗﺠﻤﻌﺖ ﻓﺮق اﻟﻤﺘﻄﻮﻋﯿﻦ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ وأﻟﻤﺎﻧﯿﺎ وﺑﻮﻟﻨﺪا وﻏﯿﺮھﺎ وﻗﺎدھﻢ ﺳِﺠِﺴْ ﻤُﻨْﺪ اﻟﻤﺠﺮي.
وﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٧٩٩ھـ١٣٩٦/م اﺷﺘﺒﻚ ﻣﻌﮭﻢ "ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ" ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ " ﻧﯿﻘﻮﺑﻮﻟﺲ " وھﺰﻣﮭﻢ ھﺰﯾﻤﺔ ﻧﻜﺮاء ،ﻓﺪﻗﱠﺖ أﺟﺮاس اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ
أورﺑﺎ ﺣﺪادًا ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎرﺛﺔ ،واﻧﺘﺎﺑﮭﺎ اﻟﺬﻋﺮ واﻟﻘﻠﻖ .وراﺣﺖ أورﺑﺎ ﺗﺨﺸﻰ ﻣﺼﯿﺮھﺎ اﻷﺳﻮد اﻟﻘﺎﺗﻢ إذا ﺗﻘﺪم ذﻟﻚ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﻈﻔﺮ ﻧﺤﻮ
اﻟﻐﺮب.
أﻣﺎ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻓﻘﺪ أوﺷﻜﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻘﻮط أﻣﺎم ﺟﯿﻮش ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ !
ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ ﯾﺘﻌﺮض ﺟﻨﻮب اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ إﻟﻰ ھﺠﻤﺎت اﻟﺘﺘﺎر ،وﻛﺎﻧﺖ ھﺬه ھﻲ اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ )ﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﮭﺎ
ھﻮﻻﻛﻮ( ﺟﺎء ﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ ﺗﯿﻤﻮرﻟﻨﻚ ،ﻓﻐﺰا ﺑﻼد ﻓﺎرس واﻟﻌﺮاق وأﺟﺰاء ﻣﻦ ﺳﻮرﯾﺎ ،ﺛﻢ اﺗﺠﮫ ﺷﻤﺎﻻ ﻧﺤﻮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ.
وﻟﻤﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺨﻄﺮ أوﻗﻒ ﺗﻘﺪﻣﮫ ﻓﻲ أورﺑﺎ ﻛﻤﺎ رﻓﻊ اﻟﺤﺼﺎر ﻋﻦ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،واﺗﺠﮫ ﺟﻨﻮﺑًﺎ ﻟﻤﻼﻗﺎة اﻟﻌﺪو.
وﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٨٠٥ھـ ١٤٠٢/م ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ ﻣﻊ ﺗﯿﻤﻮرﻟﻨﻚ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ أﻧﻘﺮة ،ودارت اﻟﺤﺮب ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ زﻣﻨًﺎ ﻃﻮﯾﻼ ﻛﺎن اﻟﻨﺼﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﺣﻠﯿ ﻔًﺎ
ﻟﻘﻮات اﻟﺘﺘﺮ ! ووﻗﻊ "ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ" ﻓﻲ أﺳﺮ ﻋﺪوه ﺗﯿﻤﻮرﻟﻨﻚ اﻟﺬي ﻋﺬﺑﮫ ﻋﺬاﺑًﺎ ﺷﺪﯾﺪًا .وﯾﻘﺎل :إﻧﮫ ﺳﺠﻨﮫ ﻓﻲ ﻗﻔﺺ ،وﻃﺎف ﺑﮫ أﺟﺰاء ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ
ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ ﺣﺘﻰ ﻣﺎت ﻣﻦ ﺷﺪة اﻟﺘﻌﺬﯾﺐ.
ﺗﺮى ھﻞ ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ ﻧﮭﺎﯾﺔً ﻟﻸﺗﺮاك اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ؟ ﻻ؛ ﻓﻘﺪ اﻧﺘﻌﺸﻮا ﻣﺮة ﺛﺎﻧﯿﺔ ،وﻗﺎﻣﻮا ﺑﺄﻋﻤﺎل ﺗﻔﻮق ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﮭﺎ "ﻋﺜﻤﺎن"
و "ﻣﺮاد" و "ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ".
ﻣﺮت ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﻓﺘﺮﺗﺎن ﺑﯿﻦ إﻧﺸﺎﺋﮭﺎ واﺳﺘﯿﻼﺋﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﺮة اﻷوﻟﻰ واﻗﻌﺔ ﺑﯿﻦ اﺳﺘﻘﻼل ﻋﺜﻤﺎن ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ
ﺳﻨﺔ ٧٠٠ھـ١٣٠٠/م وﺑﯿﻦ ھﺰﯾﻤﺔ "ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ" ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻌﺔ أﻧﻘﺮة ﺳﻨﺔ ٨٠٥ھـ١٤٠٢ /م.
أﻣﺎ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﺘﺒﺪأ ﻣﻦ إﻋﺎدة إﻧﺸﺎء اﻟﺪوﻟﺔ ﺳﻨﺔ ٨١٦ھـ١٤١٢/م ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺢ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﺳﻨﺔ ٨٥٨ھـ١٤٥٣/م.
وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺪة اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﯿﻦ ھﺎﺗﯿﻦ اﻟﻔﺘﺮﺗﯿﻦ -وھﻲ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات -ﻣﺪة ﻗﻼﻗﻞ واﺿﻄﺮاﺑﺎت.
وﻟﻜﻦ ﻣﺎذا ﻓﻌﻞ ﺗﯿﻤﻮرﻟﻨﻚ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻌﺔ أﻧﻘﺮة وأﺳﺮ ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ؟
ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻌﺔ أﻧﻘﺮة ﺗﺮاﺟﻊ ﺗﯿﻤﻮرﻟﻨﻚ ،ﻓﻠﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﺼﺪه اﺣﺘﻼل آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮي ،ﺑﻞ ﻛﺎن ﻛﻞ ھﻤﮫ وأﻣﻠﮫ أﺳﺮ ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ ،أﻣَﺎ وﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻟﮫ ﻣﺎ أراد،
ﻓﻠﯿﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﺑﻼده ،ﻟﻘﺪ ﺗﺮك اﻟﺒﻼد ﻣﮭﺰوﻣﺔ ﻣﻔﻜﻜﺔ ،وﺗﺮك أوﻻد ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ ﯾﺘﺤﺎرﺑﻮن ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﻠﻚ.
واﺳﺘﻤﺮت ﻓﺘﺮة ﺣﻜﻤﮫ ﺣﻮاﻟﻲ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﺳﻨﻮات ،أﺧﺬ ﯾﻌﻤﻞ ﻓﯿﮭﺎ ﺑﺤﻜﻤﺔ وﺗﻌﻘﻞ؛ﻟﻜﻲ ﯾﺪﻋﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ داﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ،ﻓﺎﺗﺒﻊ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﻤﮭﺎدﻧﺔ
واﻟﺼﺪاﻗﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ اﻷﻋﺪاء.
ﻟﻘﺪ ﻋﻘﺪ ھﺪﻧﺔ ﻣﻊ إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،وﻗﺪ رﺣﺐ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﺑﺘﻠﻚ اﻟﮭﺪﻧﺔ؛ ﻷﻧﮫ ھﻮ اﻵﺧﺮ ﻛﺎن ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺿﻌﻒ ﺷﺪﯾﺪ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺿﺮﺑﺎت
ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ اﻟﻤﺘﻮاﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ دوﻟﺘﮫ.
أﻣﺎ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺮك ﻟﮭﻢ " اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ" ﻛﻞ اﻷراﺿﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ أﯾﺪﯾﮭﻢ ،وﺗﻔﺎدي أي اﺷﺘﺒﺎﻛﺎت ﻣﻌﮭﻢ ،ورﻛﺰ ﻛﻞ ھﻤﮫ ﻓﻲ ﺗﻮﻃﯿﺪ
ﺳﻠﻄﺎﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ ،وﻛﺎن ﻟﮫ ﻣﺎ أراد.
ﻓﻠﻤﺎ ﺗﻮﻓﻲ "ﻣﺤﻤﺪ" وﺧﻠﻔﮫ اﺑﻨﮫ "ﻣﺮاد اﻟﺜﺎﻧﻲ" ﺳﻨﺔ ٨٢٥ھـ ١٤٢١/م ،ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﺗﻤﻜﻨﮭﺎ ﻣﻦ اﺗﺨﺎذ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻄﻮات
٥٩
اﻟﮭﺠﻮﻣﯿﺔ وﻗﺪ ﻛﺎن.
ﻓﻠﻘﺪ اﺳﺘﺮدّ "ﻣﺮاد اﻟﺜﺎﻧﻲ" ﻣﺎ أﺧﺬه اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻣﻦ أراﺿﻲ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ،واﺳﺘﻌﺎد اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﻮن ﺛﻘﺘﮭﻢ وﻗﻮﺗﮭﻢ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ ﻣﺮاد اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﻓﺎﺗﺠﮭﻮا
إﻟﻰ أورﺑﺎ.
وﻟﻜﻦ أورﺑﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺲَ ھﺰﯾﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ " ﻧﯿﻘﻮﺑﻮﻟﺲ " وﻣﺎ ﻟﺤﻖ ﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﻋﺎر ،ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﻜﻮن ﺟﯿﺸًﺎ ﻛﺒﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺮﯾﯿﻦ واﻟﺒﻮﻟﻨﺪﯾﯿﻦ واﻟﺼﺮب
واﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،وھﺎﺟﻤﺖ ﻣﻤﺘﻠﻜﺎت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ "اﻟﺒﻠﻘﺎن ".
وﻓﻲ اﻟﺒﺪء ﺗﻤﻜﻦ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﻮن ﻣﻦ إﺣﺮاز ﻋﺪة اﻧﺘﺼﺎرات ﻋﻠﻰ ﺟﯿﻮش ﻣﺮاد ،إﻻ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن "ﻣﺮادًا" ﺟﻤﻊ ﻗﻮاﺗﮫ ،وأﻋﺎد إﻋﺪادھﺎ
و ﺗﺸﻜﯿﻠﮭﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺘﻘﻰ ﻣﻊ أﻋﺪاﺋﮫ ﺳﻨﺔ ٨٤٩ھـ ١٤٤٤/م ،ﻓﺄوﻗﻊ ﺑﮭﻢ اﻟﮭﺰﯾﻤﺔ ،وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﻢ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﺠﺮ "ﻓﻼدﺳﻼق" وﺻﺪھﻢ ﺣﺘﻰ ﻧﮭﺮ
اﻟﺪاﻧﻮب.
رﻋﺎك اﷲ ﯾﺎ ﻣﺮاد ،ﻟﻘﺪ أﻋﺪت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ أﯾﺎم ﺟﺪك ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ.
وھﻜﺬا ﻟﻤﺎ ﺗﻮﻓﻲ "ﻣﺮاد اﻟﺜﺎﻧﻲ" ﻓﻲ "أدرﻧﺔ" ﺳﻨﺔ ٨٥٦ھـ١٤٥١ /ﺗﺮك ﻻﺑﻨﮫ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻤﻌﺮوف "ﺑﺎﻟﻔﺎﺗﺢ " دوﻟﺔ ﻗﻮﯾﺔ اﻷرﻛﺎن،
ﻋﺎﻟﯿﺔ اﻟﺒﻨﯿﺎن ،راﻓﻌﺔ أﻋﻼﻣﮭﺎ ،ﻣﺘﺤﺪة ﻇﺎﻓﺮة ﻣﻨﺘﺼﺮة.
ﻛﺎن أول ھﺪف ﻟﻤﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﻤﺪت أﻣﺎم ﻛﻞ اﻟﮭﺠﻤﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻣﻦ ﻋﮭﺪ ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﺑﻦ أﺑﻲ
ﺳﻔﯿﺎن ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻤﯿﻼدي ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﯿﮭﺎ أﻣﻼ ﯾﺮاود اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻗﺎدة اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ وﺧﻠﻔﺎﺋﮭﺎ ،وﻓﺨﺮًا ﺣﺎول اﻟﻜﺜﯿﺮون أن ﯾﻨﺎﻟﻮه وﯾﺤﻈﻮا ﺑﮫ،
وﻟﻢ ﻻ وﻗﺪ ﻗﺎل -ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم " :-ﻟﺘﻔﺘﺤﻦ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،ﻓﻠﻨﻌﻢ اﻷﻣﯿﺮ أﻣﯿﺮھﺎ وﻟﻨﻌﻢ اﻟﺠﯿﺶ ذﻟﻚ اﻟﺠﯿﺶ "] .أﺣﻤﺪ واﻟﺤﺎﻛﻢ[.
ﺟﺎء ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ )ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ( وﻛﺎن ﻣﻊ اﻟﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ ،ﻓﻌﻘﺪ اﻟﻌﺰم ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺤﮭﺎ ،وإﺿﺎﻓﺘﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻜﺒﯿﺮ ،وﻟﻢ ﯾﻜﻦ
ھﺬا ھﻮ ھﺪﻓﮫ اﻟﻮﺣﯿﺪ ،ﺑﻞ ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﻋﻮاﻣﻞ ﻛﺜﯿﺮة ﺗﺤﺮﻛﮫ وﺗﺪﻓﻌﮫ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ ھﺬا اﻟﻨﺼﺮ وذﻟﻚ اﻟﻔﺘﺢ اﻟﻌﻈﯿﻢ ،أﯾﻘﺎل :إﻧﮫ ﻓﺘﺢ اﻟﻔﺘﻮح؟ !
أم أﯾﻘﺎل :إﻧﮫ ﻓﺘﺢ ﺑﺎرﻛﺘﮫ ﻣﻼﺋﻜﺔ اﻟﺴﻤﺎء؟ !
وﻛﯿﻒ ﻻ ،واﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺪو اﻷول ﻟﻺﺳﻼم ﺑﻌﺪ أن ﺳﻘﻄﺖ دوﻟﺔ اﻟﻔﺮس ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ اﻟﻤﯿﻼدي ،وﻇﻠﺖ ﺗﺼﻄﺪم
ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ ،وﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ واﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ وﻣﺎ ﺑﻌﺪھﺎ !
وﻛﺜﯿﺮًا ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﯿﻦ ﻓﺮص ﺿﻌﻒ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﺘﻐﯿﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﺗﻨﺘﺰع ﺑﻌﺾ أراﺿﯿﮭﺎ.
وﻻ ﯾﺨﻔﻰ أن ﺑﻌﺪ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ﻣﻼذﻛﺮد" ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﺤﻮرًا ﺗﺘﻤﺮﻛﺰ ﻓﯿﮫ ﻛﻞ ﻗﻮى اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ
اﻟﻤﺘﺠﻤﻌﺔ ﻣﻦ أﻃﺮاف اﻟﻘﺎرة اﻷورﺑﯿﺔ؛ ﻟﺘﺸﻦ اﻟﻐﺎرة ﺗﻠﻮ اﻟﻐﺎرة ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،وﻣﻨﺎﻃﻖ ﻧﻔﻮذ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻷﺧﺮي.
وﻻ ﯾﻨﺴﻰ أﺣﺪ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ أﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٧٦٨ھـ ١٣٦٦/م ،ﺗﺤﺎﻟﻔﺖ ﻣﻊ روﻣﺎ ودول أورﺑﺎ اﻷﺧﺮى إﻻ أن ﺑﺎﯾﺰﯾﺪ ھﺰﻣﮭﻢ ﻓﻲ
" ﻧﯿﻘﻮﺑﻮﻟﺲ ".
ﺲ ﺧﻠﻔﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ أﻧﱠﮭﺎ ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٨٤٦ھـ ١٤٤١ /م ﺗﺂﻣﺮت ﻣﺮة أﺧﺮى ﻣﻊ ﻣﻠﻮك اﻟﺒﻠﻘﺎن ﺿﺪ ﻣﺮاد اﻟﺜﺎﻧﻲ ،إﻻ وﻟﻢ ﯾَ ْﻨ َ
أن اﷲ ﻧﺼﺮ ﻣﺮادًا ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻓﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺎﻟﻔﮭﻢ ،وﺷﺘﺖ ﺷﻤﻠﮭﻢ ،وَﻓﺮﱠق ﺟﻤﻮﻋﮭﻢ.
ﺾ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻠﻌﺔ اﻟﺤﺼﯿﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﺎ ﺿﺮﺑﺘﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻒ ،إن ھﻮ أراد أن ﯾﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ اﻷورﺑﯿﺔ. ﻓﻠْﯿﻘ ِ
وراح ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﯾﻀﻊ اﻟﺨﻄﺔ ﺑﺈﺣﻜﺎم ،ﻋﻘﺪ ھﺪﻧﺔ ﻣﻊ ﻣﻠﻮك اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﻘﺎن ﻟﻤﺪة ﺛﻼث ﺳﻨﻮات .واﺳﺘﻐﻞ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة اﻵﻣﻨﺔ
اﻟﮭﺎدﺋﺔ ﻓﻲ ﺗﺤﺼﯿﻦ ﺣﺪوده اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ وﺗﺄﻣﯿﻨﮭﺎ .ﺛﻢ ﻣﺎذا؟ ﺛﻢ ﺟﮭﺰ ﺟﯿ ﺸًﺎ ﻗﻮاﻣﮫ ٦٠أﻟﻒ ﺟﻨﺪي ﻧﻈﺎﻣﻲ ،واﺗﺠﮫ ﺑﮭﻢ ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ
وﺣﺎﺻﺮھﺎ ،وﻣﻊ أن ﺣﺎﻣﯿﺔ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺰﯾﺪ ﻋﻠﻰ ٨٠٠٠ﺟﻨﺪي إﻻ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺼﻨﺔ ﺟﺪّا ،ﻓﺎﻟﺒﺤﺮ ﯾﺤﯿﻂ ﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﺛﻼث ﺟﮭﺎت،
أﻣﺎ اﻟﺠﮭﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻓﻘﺪ أﺣﯿﻄﺖ ﺑﺄﺳﻮار ﻣﻨﯿﻌﺔ ،وھﺬا ھﻮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺮﺋﯿﺴﻲ ﻓﻲ ﺻﻤﻮدھﺎ ﻃﻮال ھﺬه اﻟﻘﺮون واﺳﺘﻌﺼﺎﺋﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻲ أﻣﯿﺔ
وﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس.
وﻗﺪ ﻛﺎن ﺗﺄﺧﺮ ﺳﻘﻮط اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ھﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ ﺗﺄﺧﺮ اﻧﮭﯿﺎر اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ،ﻓﺴﻘﻮط اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﯾﺘﺴﺒﺐ ﻋﻨﮫ
ﺳﻘﻮط اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ ،وﻟﻌﻞ ذﻟﻚ ﯾﺮﺟﻊ إﻟﻰ أن ﻗﺪرًا ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ؛ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺴﺘﻄﯿﻌﻮن ﺗﺤﺼﯿﻦ ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﻢ
واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﮭﺎ ،وﻗﺪ ﺗﺄﺧﺮ ﺳﻘﻮط اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻟﻤﺪة ﺛﻤﺎﻧﯿﺔ ﻗﺮون ﻛﺎﻣﻠﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎرﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻘﻄﺖ وزاﻟﺖ ﻣﺒﻜﺮًا
ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺳﻘﻮط " اﻟﻤﺪاﺋﻦ " ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ ﻓﻲ وﻗﺖ ﻗﺼﯿﺮ.
إﻻ أن اﻷﺣﻮال ﻗﺪ ﺗﻐﯿﺮت ﻛﺜﯿﺮًا ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ٨٥٨ھـ١٤٥٣/م ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺎﺻﺮھﺎ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ.
وﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺪ ﺗﻮﺻﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ إﻟﻰ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﺎرود-اﻟﺬي ﯾﺮﺟﻊ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ اﻛﺘﺸﺎﻓﮫ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ-ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﻷﺳﻮار
ﻛﻮﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻗﻠﯿﻠﺔ اﻟﻔﺎﺋﺪة.
وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ھﺬا وذاك ،ﻓﺈن اﻷﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻲ أﺻﺒﺢ أﻗﻮى ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ أﺳﻄﻮل اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﯿﻦ ،ﻓﺤﺎﺻﺮ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ اﻟﺒﺤﺮ ،وأﻏﻠﻖ
ﻣﻀﯿﻖ اﻟﺒﺴﻔﻮر ﻓﻲ وﺟﮫ أﯾﺔ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﺑﺤﺮﯾﺔ.
واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺤﺼﺎر ﺳﺘﺔ أﺳﺎﺑﯿﻊ ،ھﺠﻤﺖ ﺑﻌﺪھﺎ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﻓﺘﺢ ﺛﻐﺮة ﻓﻲ أﺣﺪ اﻷﺳﻮار ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺎﻣﯿﺔ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ-
ﺑﺮﻏﻢ ﻗﻠﺘﮭﺎ -داﻓﻌﺖ دﻓﺎﻋًﺎ ﻣﺮﯾﺮًا ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ دﺧﻞ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،وﻏﯿﺮ اﺳﻢ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ إﻟﻰ " إﺳﻼم ﺑﻮل" )أي
ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻹﺳﻼم( ،وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺣﺮﻓﺖ إﻟﻰ إﺳﺘﺎﻣﺒﻮل ،ﻛﻤﺎ ﺟﻌﻞ أﻛﺒﺮ ﻛﻨﺎﺋﺲ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ )أﯾﺎ ﺻﻮﻓﯿﺎ( ﻣﺴﺠﺪًًا ﺑﻌﺪ أن ﺻﻠﻰ ﻓﯿﮫ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﺑﻌﺪ
اﻟﻨﺼﺮ ،أﻣﺎ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﻮن ﻓﻠﻢ ﯾﻌﺎﻣﻠﮭﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﺎﻣﻠﻮن ﺑﮫ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻟﻘﺪ ﺗﺮك ﻟﮭﻢ ﺣﺮﯾﺔ اﻟﻌﺒﺎدة ،وﺗﺮك ﻟﮭﻢ ﺑﻄﺮﯾ ﻘَﮭُﻢ ﯾﺸﺮف ﻋﻠﻰ
أﻣﻮرھﻢ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ.
وﻗﺪ وﺻﻒ ﻓﻮﻟﺘﯿﺮ اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺸﮭﯿﺮ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﮭﺰوم اﻟﻤ ﺴﯿﺤﻲ ﺑﻘﻮﻟﮫ :إن اﻷﺗﺮاك ﻟﻢ ﯾﺴﯿﺌﻮا ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ
اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﻛﻤﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﻧﺤﻦ ،واﻟﺬي ﯾﺠﺐ ﻣﻼﺣﻈﺘﮫ أن أﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ أن ﯾﻜﻮن ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﺴﺠﺪ ﻓﻲ ﺑﻼدھﺎ ﺑﺨﻼف
اﻷﺗﺮاك ،ﻓﺈﻧﮭﻢ ﺳﻤﺤﻮا ﻟﻠﯿﻮﻧﺎن اﻟﻤﻘﮭﻮرﯾﻦ ﺑﺄن ﺗﻜﻮن ﻟﮭﻢ ﻛﻨﺎﺋﺴﮭﻢ ،وﻣﻤﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻛﺎن ﻋﺎﻗﻼ ﺣﻜﯿﻤًﺎ ﺗﺮﻛﮫ
ﻟﻠﻨﺼﺎرى اﻟﻤﻘﮭﻮرﯾﻦ اﻟﺤﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻧﺘﺨﺎب اﻟﺒﻄﺮﯾﻖ ،وﻟﻤﺎ اﻧﺘﺨﺒﻮه ﺛﺒﺘﮫ اﻟﺴﻠﻄﺎن وﺳﻠﻤﮫ ﻋﺼﺎ اﻟﺒﻄﺎرﻗﺔ ،وأﻟﺒﺴﮫ اﻟﺨﺎﺗﻢ ﺣﺘﻰ ﺻﺮح
٦٠
اﻟﺒﻄﺮﯾﻖ ﻋﻨﺪ ذﻟﻚ ﺑﻘﻮﻟﮫ :إﻧﻲ أﺧﺠﻞ ﻣﻤﺎ ﻟﻘﯿﺘﮫ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﺠﯿﻞ واﻟﺤﻔﺎوة ،اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﻌﻤﻠﮫ ﻣﻠﻮك اﻟﻨﺼﺎرى ﻣﻊ أﺳﻼﻓﻲ.
ھﺬه ھﻲ ﺣﻀﺎرة اﻹﺳﻼم وﻣﺒﺎدﺋﮫ ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﺤﺮب واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻊ أھﻞ اﻷدﯾﺎن اﻷﺧﺮي ،ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﻨﺼﺎرى ﻓﻲ ﺣﺮوﺑﮭﻢ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ
ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ أو ﻓﻲ اﻷﻧﺪﻟﺲ أو ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،ﻓﺈﻧﮭﻢ ﯾﻘﺘﻠﻮن اﻷﺑﺮﯾﺎء ،وﯾﺤﺮﻗﻮن اﻷﺧﻀﺮ واﻟﯿﺎﺑﺲ،
وﯾﺨﺮﺑﻮن ﺑﯿﻮت اﷲ ،وﻻ ﯾﺮﻗﺒﻮن ﻓﻲ ﻣﺆﻣﻦ إﻻ وﻻ ذﻣﺔ.
وﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ " ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ" ﺑﮭﺬا اﻟﻨﺼﺮ ،ﺑﻞ ﺳﺎر إﻟﻰ أﻋﺪاﺋﮫ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب ،وأﺧﻀﻊ ﻣﻌﻈﻢ دول اﻟﺒﻠﻘﺎن ،إﻟﻰ أن وﺻﻞ إﻟﻰ ﺑﺤﺮ اﻷدرﯾﺎﺗﯿﻚ،
وﻓﻲ آﺳﯿﺎ اﻣﺘﺪت ﺳﻠﻄﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﻧﮭﺮ اﻟﻔﺮات ﻓﮭﺰﻣﻮا اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ،واﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ ﺟﻤﯿﻊ أراﺿﯿﮭﻢ.
وﺟﺎء " اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﯿﻢ " ﺑﻌﺪ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻔﺎﺗﺢ ،ﻓﺪﺧﻠﺖ اﻟﺠﯿﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﺑﺄﺳﺮھﺎ ،وﻋَﺮﱠﺟﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﻓﻘﻀﻮا ﻋﻠىﺤﻜﻢ
اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻓﯿﮭﺎ ،وﺿﻤﻮھﺎ ﻟﻤﻤﺘﻠﻜﺎﺗﮭﻢ.
وﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،وﺟﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎنُ ﺳﻠﯿﻢ آﺧﺮَ ﺳﻼﻟﺔ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ واﺳﻤﮫ " اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ اﻟﺜﺎﻟﺚ" ،وﻃﻠﺐ ﻣﻨﮫ أن ﯾﺘﻨﺎزل ﻟﮫ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ
ﻓﻘﺒﻞ ،وﻗﺪ ﯾﺘﺴﺎءل :ﻛﯿﻒ ﯾﻜﻮن ھﻨﺎك ﺧﻠﯿﻔﺔ ﻋﺒﺎﺳﻲ ﻣﻊ أن اﻟﺘﺘﺎر ﻗﻀﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﺳﻨﺔ ٦٥٦ھـ.
اﻟﻮاﻗﻊ أﻧﮫ ﺑﻌﺪ ﻣﻘﺘﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﺗﻤﻜﻦ ﺑﻌﺾ أﻓﺮاد أﺳﺮﺗﮫ ﻣﻦ اﻟﮭﺮوب إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ،ﻓﺂواھﻢ ﺳﻼﻃﯿﻦ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ،وﻟﻘﺒﻮا
أﺣﺪھﻢ ﺧﻠﯿﻔﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﻓﺔ رﻣﺰﯾﺔ ،اﻟﻐﺮض ﻣﻨﮭﺎ إﻛﺴﺎب دوﻟﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﻤﻌﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﺑﻮﺟﻮد اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﯿﮭﺎ.
واﺳﺘﻤﺮت ﺳﻼﻟﺔ ھﺆﻻء اﻟﺨﻠﻔﺎء ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٩٢٤ھـ١٥١٨/م ،ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﯿﻢ ﻣﺼﺮ وھﺰم اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ،وﻟﻤﺎ أراد اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ
اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ إﺳﻼم ﺑﻮل أﺧﺬ ﻣﻌﮫ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻟﺬي ﺗﺨﻠﻰ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﯿﻢ ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،و ﺳﻠﻤﮫ اﻟﺮاﯾﺔ واﻟﺴﯿﻒ واﻟﺒﺮدة
ﺳﻨﺔ ٩٢٥ھـ١٥١٨/م.
وھﻜﺬا اﻧﺘﻘﻠﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ،واﺳﺘﻤﺮت ﻓﯿﮭﺎ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ١٣٤٢ھـ١٩٢٣ /م ،ﺣﺘﻰ أﻟﻐﺎھﺎ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﻤﺎل أﺗﺎﺗﻮرك وﻧﻘﻞ
اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ إﻟﻰ أﻧﻘﺮة ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺗﺮﻛﯿﺎ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ،وأﻟﻐﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ ١٣٤٢ھـ ٣/ﻣﺎرس ١٩٢٤م.
وﻛﺎن اﻟﯿﮭﻮد ﻗﺪ ﺣﺎوﻟﻮا ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﯿﮫ ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ،وإﻏﺮاﺋﮫ ﺑﺎﻟﻤﺎل ،ﻟﯿﺴﻤﺢ ﺑﺘﺄﺳﯿﺲ وﻃﻦ ﻗﻮﻣﻲ
ﻟﻠﯿﮭﻮد ،ﻓﺄﺑﻲ ،وﻗﺎل :ﺗﻘﻄﻊ ﯾﺪي وﻻ أوﻗﻊ ﻗﺮارًا ﺑﮭﺬا ،ﻟﻘﺪ ﺧﺪﻣﺖ اﻟﻤﻠﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ واﻷﻣﺔ اﻟﻤﺤﻤﺪﯾﺔ ﻣﺎ ﯾﺰﯾﺪ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﯿﻦ ﺳﻨﺔ ،ﻓﻠﻦ أﺳﻮد
ﺻﺤﺎﺋﻒ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ آﺑﺎﺋﻲ وأﺟﺪادي اﻟﺴﻼﻃﯿﻦ واﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ .وﺗﺠﻤﻌﺖ ﻛﻞ اﻟﻘﻮى اﻟﻤﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻺﺳﻼم ﻟﺘﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ ،ﻓﻜﺎن
ﻟﮭﻢ ﻣﺎ أرادوا ،وﺗﻔﺮق ﺷﻤﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،واﺳﺘﺒﯿﺤﺖ دﯾﺎرھﻢ ،ﻓﺈﻧﻤﺎ ﯾﺄﻛﻞ اﻟﺬﺋﺐ ﻣﻦ اﻟﻐﻨﻢ اﻟﺸﺎردة ،وھﺎ ﻧﺤﻦ أوﻻء ﻧﺸﮭﺪ ﺣﺮﺑًﺎ ﺗﺪور ﻓﻲ
اﻟﺨﻔﺎء واﻟﻌﻠﻦ ﺿﺪ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎن ،وﻻ ﺧﻼﻓﺔ ﻟﮭﻢ ﺗﺠﻤﻊ ﻛﻠﻤﺘﮭﻢ وﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻨﮭﻢ.
-١ﻓﺘﺢ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،وﺗﺤﻘﯿﻖ ﺣﻠﻢ وأﻣﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ.
-٢وﻗﻮف اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ ﻓﻲ وﺟﮫ اﻟﯿﮭﻮد ﺑﻘﻮة ،وﻣﻨﻌﮭﻢ ﻣﻦ إﻗﺎﻣﺔ وﻃﻦ ﻗﻮﻣﻲ ﻟﮭﻢ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ .ﻓﯿﺮوى أﻧﮫ ﺑﻌﺪ ﻋﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺑﺎل
ﺑﺴ ﻮﯾﺴﺮا ١٣٣٦ھـ ١٨٩٧/م واﻟﺬي ﻗﺮر اﺗﺨﺎذ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ وﻃﻨًﺎ ﻗﻮﻣﯿّﺎ ﻟﻠﯿﮭﻮد ،ذھﺐ )ﻗﺮه ﺻﻮ( إﻟﻰ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ ،وذﻛﺮ ﻟﮫ أن
اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺼﮭﯿﻮﻧﯿﺔ ﻣﺴﺘﻌﺪة أن ﺗﻘﺪم ﻗﺮﺿًﺎ ﻟﻠﺪوﻟﺔ ،ﻗﺪره ﺧﻤﺴﻮن ﻣﻠﯿﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﯿﮭﺎت ،وأن ﺗﻘﺪم ھﺪﯾﺔ ﻟﺨﺰاﻧﺔ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻗﺪرھﺎ
ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﯾﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﯿﮭﺎت ،ﻧﻈﯿﺮ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻠﯿﮭﻮد ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ وﻃﻦ ﻗﻮﻣﻲ ﻟﻠﯿﮭﻮد ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،ﻓﺼﺮخ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﺷﯿﺘﮫ ﻗﺎﺋﻼ :ﻣﻦ أدﺧﻞ
ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺨﻨﺰﯾﺮ .وﻃﺮده ﻣﻦ ﺑﻼده ،وأﺻﺪر أﻣﺮًا ﺑﻤﻨﻊ ھﺠﺮة اﻟﯿﮭﻮد إﻟﻰ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ.
-٣ﻣﻦ أﺑﺮز ﺧﺪﻣﺎﺗﮭﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ أﻧﮭﺎ أﺧﺮت وﻗﻮع اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﺤﺖ اﻻﺣﺘﻼل اﻷورﺑﻲ ،ﻓﻤﺎ إن زاﻟﺖ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺣﺘﻰ أﺗﻰ
اﻟﻐﺮب ﻋﻠﻰ دول اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﯾﺒﺘﻠﻌﮭﺎ دوﻟﺔ ﺑﻌﺪ اﻷﺧﺮى ،وﻗﺪ وﻗﻒ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﯿﻢ اﻷول وﻣﻦ ﺑﻌﺪه اﺑﻨﮫ ﺑﻘﻮة إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ دوﻟﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ
ودول ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ وﺳﺎﻋﺪھﻢ ﻓﻲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺣﺘﻼل اﻷورﺑﻲ ﻓﻲ ﺑﺪاﯾﺔ اﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻐﺎث ﺧﯿﺮ اﻟﺪﯾﻦ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﯿﻢ ﻓﺄﻣﺪه ﺑﺎﻟﻌﺪة
واﻟﻌﺘﺎد.
-٤دﻓﺎﻋﮭﻢ ﻋﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺣﺎوﻟﺖ ﻗﻮات اﻷﺳﻄﻮل اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﻲ )ﻣﺮﺗﯿﻦ( أن ﺗﺤﺘﻞ ﺟﺪة وﺗﻨﻔﺬ ﻣﻨﮭﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻓﻲ
اﻟﺠﺰﯾﺮة ،وﻗﻔﺖ ﻓﻲ وﺟﮭﮭﺎ اﻷﺳﺎﻃﯿﻞ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ،ﻓﺎرﺗﺪت ﻋﻠﻰ أﻋﻘﺎﺑﮭﺎ ﺧﺎﺳﺮة ،ﺑﻞ إن اﻟﻘﻮات اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ أﻏﻠﻘﺖ ﻣﻀﯿﻖ ﻋﺪن ﻓﻲ وﺟﮫ
اﻷﺳﺎﻃﯿﻞ اﻟﺒﺮﺗﻐﺎﻟﯿﺔ ،ﻓﻜﺎن ﻋﻠﯿﮭﺎ أن ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺸﺤﻨﺎت اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ وﺗﻔﺮﻏﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﻀﯿﻖ ﻋﺪن ،وﯾﻘﻮم اﻷﺳﻄﻮل اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﺑﺘﻮﺻﯿﻠﮭﺎ
إﻟﻰ ﻋﺪن واﻟﻤﻮاﻧﺊ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.
-٥وﯾﻜﻔﻲ أن اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﻛﺎﻧﺖ رﻣﺰًا ﻟﻮﺣﺪة اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وﻗﻮة ﺗﺪاﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﻗﻀﺎﯾﺎھﻢ وأراﺿﯿﮭﻢ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﺣﺮﺻﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم وﺣﺒﮭﻢ ﻟﮫ ،ﻛﯿﻒ ﻻ ،وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ دوﻟﺘﮭﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﺐ اﻹﺳﻼم ﺑﻐﺮض اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﮫ.
ھﺬا وﻗﺪ ﻇﻠﻢ اﻟﺘﺎرﯾﺦ ھﺬه اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ؛ ﻷن ﺗﺎرﯾﺨﮭﺎ ﻛﺘﺐ ﺑﺄﯾﺪي أﻋﺪاﺋﮭﺎ ﺳﻮاء ﻣﻦ اﻷورﺑﯿﯿﻦ أو ﻣﻦ اﻟﻌﺮب
اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺮﺑﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎھﺞ اﻟﻐﺮب ،وﻇﻨﻮا أﻧﮭﺎ اﺣﺘﻼل ﻟﻠﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺘﺎرﯾﺦ ھﺬه اﻟﺨﻼﻓﺔ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ إﻋﺎدة ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ.
ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب -رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ،-ﺗﻢ ﻓﺘﺢ اﻟﺸﺎم وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ،وﺟﺎء اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﺑﻨﻔﺴﮫ ﻟﺘﺴﻠﻢ اﻟﻘﺪس ﺳﻨﺔ ١٦ھـ/
٦٣٧م.واﻟﻘﺪس ﻣﺪﯾﻨﺔ ھﺎﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﮭﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﻟﺪى اﻷدﯾﺎن اﻟﺜﻼﺛﺔ .ﻟﻘﺪ ﻓﺘﺤﺖ ھﺬه اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ،وأﺻﺒﺢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺳﺎدﺗﮭﺎ ،وﻷﻧﮭﻢ ﻗﺪ
ﺗﻌﻠﻤﻮا ﻣﻦ دﯾﻨﮭﻢ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻓﻘﺪ ﻓﺘﺤﻮا أﺑﻮاب اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻟﻠﺤﺠﺎج اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﯾﺄﺗﻮن وﯾﻌﻮدون ﻓﻲ ﺳﻼم وأﻣﺎن.
وﺑﻘﯿﺖ ھﺬه اﻟ ﺴّﻨﺔ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ ﺗﻘﻠﯿﺪًا ﺗﺒﻌﮫ اﻟﺨﻠﻔﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،ﻓﻘﺪ اﻣﺘﺎز ﻋﮭﺪ اﻟﺮ ﺷﯿﺪ ﺑﻤﺴﺘﻮى رﻓﯿﻊ ﻣﻦ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ اﻟﺪﯾﻨﻲ ،ﻓﻘﺪ أھﺪى
" ﺷﺎرﻟﻤﺎن" وھﻮ إﻣﺒﺮاﻃﻮر اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻔﺎﺗﯿﺢ " ﻛﻨﯿﺴﺔ اﻟﻘﯿﺎﻣﺔ " ،ﻛﻤﺎ ﺳﻤﺢ ﻟﮫ ﺑﺒﻨﺎء ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻓﯿﮭﺎ ،وﻣﻜﺘﺒﺔ ﺟﻤﻌﺖ
ﻛﺜﯿﺮًا ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ،وﻗﺪ ﻛﺎن ھﺬا اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺳﻤﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺼﻮر اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ.
ﻛﺎن اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﻮن ﯾﻘﻔﻮن ﻣﻮﻗﻔًﺎ ﺳﻠﺒﯿّﺎ ﻣﻦ أﻋﺪاء اﻹﺳﻼم ﺑﻌﺪ اﺳﺘﯿﻼﺋﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﺑﺒﻐﺪاد؛ ﻣﻤﺎ ﺷﺠﻊ ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ﺳﻨﺔ ٤٦٢ھـ/
٦١
١٠٧٠م ﻋﻠﻰ ﻏﺰو اﻟﺸﺎم ،ﻓﻘﺪ ﺧﺮج ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ﻓﻲ ﺛﻼث ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ ،وﻧﺰل ﻋﻠﻰ " ﻣَﻨْﺒﺢ " وأﺣﺮق اﻟﻘﺮى ﺑﯿﻨﮭﺎ وﺑﯿﻦ أرض اﻟﺮوم،
وﻗﺘﻞ رﺟﺎﻟﮭﻢ ،و ﺳَﺒَﻰ ﻧﺴﺎءھﻢ وأوﻻدھﻢ.
وﻓﺰع اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﻲ ﺣﻠﺐ ﻓﺰﻋًﺎ ﻋﻈﯿﻤًﺎ ،وﻟﻢ ﯾﻜﺪ اﻟﻌﺎم ﯾﻨﺘﮭﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﺎود ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ھﺠﻤﺎﺗﮫ ﺑﺠﯿﺶ ﻛﺜﯿﺮ اﻟﻌﺪد واﻟﻌﺪة ﯾﺮﯾﺪ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ
اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ "ﻣﻼذﻛﺮد" ﻣﻦ أرﻣﯿﻨﯿﺎ ،وﻟﻜﻦ " أﻟﺐ أرﺳﻼن اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻲ" ﺳﺎر إﻟﯿﮫ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﺸﺮ أﻟﻔًﺎ ،وﻛﻠﮫ
إﯾﻤﺎن ﺑﺎﷲ ،وﯾﻘﯿﻦ ﺑﺄن اﷲ ﻧﺎﺻﺮ دﯾﻨﮫ ،ﻗﺎﺋﻼ " :إﻧﻨﻲ أﻗﺎﺗﻞ ﻣﺤﺘﺴﺒًﺎ ﺻﺎﺑﺮًا ،ﻓﺈن ﺳﻠﻤﺖ ﻓﺒﻨﻌﻤﺔ ﻣﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻲ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﮭﺎدة
)اﻟﻤﻮت ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ( ﻓﺈن اﺑﻨﻲ " ﻣﻠﻜﺸﺎه " وﻟﻲ ﻋﮭﺪي !
وأﺷﺎر اﻟﻔﻘﯿﮫ " أﺑﻮ ﻧﺼﺮ اﻟﺒﺨﺎري" أن ﯾﻜﻮن ﯾﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻼة ھﻮ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﻠﻘﺎء ﻣﻊ اﻷﻋﺪاء ،ﺑﻌﺪ أن ﯾﺪﻋﻮ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺨﻄﺒﺎء
ﻟﻠﻤﺠﺎھﺪﯾﻦ ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﺑﺮ ،وﺻﻠﻰ ﺑﮭﻢ اﻟﻔﻘﯿﮫ اﻟﺒﺨﺎري ،وﺑﻜﻰ اﻟﺴﻠﻄﺎن ،ﻓﺒﻜﻰ اﻟﻨﺎس ﻟﺒﻜﺎﺋﮫ ،ودﻋﺎ ودﻋﻮا ﻣﻌﮫ ،ﺛﻢ ﻗﺎل ﻟﮭﻢ
:ﻣﻦ أراد اﻻﻧﺼﺮاف ﻓﻠﯿﻨﺼﺮف ،ﻓﻤﺎ ھﮭﻨﺎ ﺳﻠﻄﺎن ﯾﺄﻣﺮ وﯾﻨﮭﻲ .ﺛﻢ أﺧﺮج اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻛﻔﻨﮫ ﻟﯿﺮاه ﺟﻨﻮده -ﻟﯿﺤﻔﺰھﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﺳ ﺘﺸﮭﺎد -ﻓﻔﻌﻠﻮا
ﻣﺜﻠﮫ.
وﺑﺪأ اﻟﺰﺣﻒ إﻟﻰ اﻟﺮوم ،ﻓﻠﻤﺎ اﻗﺘﺮب اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﻨﮭﻢ ﻧﺰل ﻋﻦ ﻓﺮﺳﮫ ،وﺳﺠﺪ ﷲ-ﻋﺰ وﺟﻞ-وﻣَﺮﱠغَ وﺟﮭَﮫ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاب ،ودﻋﺎ اﷲ ،وﻃﻠﺐ ﻣﻨﮫ
اﻟﻨﺼﺮ ﻋﻠﻰ أﻋﺪاﺋﮫ ،وأﺧﺬ ﻓﻲ اﻟﺘﻀﺮع واﻟﺒﻜﺎء ،ﺛﻢ رﻛﺐ ﻓﺮﺳﮫ ،وھﺠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪو ﻓﺤﻤﻠﺖ اﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﻣﻌﮫ ،وﻛﺎن ﻧﺼﺮ اﷲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ
ﻗﻠﺔ ﻋﺪد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﻛﺜﺮة أﻋﺪاﺋﮭﻢ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ ﯾﻨﺼﺮ ﻣﻦ ﯾﺸﺎء ،وھﻮ اﻟﻘﻮي اﻟﻌﺰﯾﺰ.
ﻻ رﺣﯿﻤًﺎ ﻣﻘﺮّا ﺑﺄﻧﻌﻢ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ ،ﯾﺘﺼﺪق ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﺮاء ،وﻻ ﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ رﻣﻀﺎن.ﻛﺎن أرﺳﻼن ،رﺣﻤﮫ اﷲ ،ﻋﺎد ً
وﺷﺎء اﷲ أن ﯾﻘﺘﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻣﻦ اﻟﺮوم ﻋﺪدًا ﻛﺒﯿﺮًا ﺣﺘﻰ اﻣﺘﻸت اﻟﺴﺎﺣﺔ ﺑﺠﺜﺚ اﻟﻘﺘﻠﻰ ﻣﻨﮭﻢ ،وأُﺳﺮ ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم ،واﻓﺘﺪى ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺄﻟﻒ أﻟﻒ
وﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ أﻟﻒ دﯾﻨﺎر ،ﻛﻤﺎ اﻓﺘﺪى ﻗﻮاده ،وﻛﺎن ﻣﻮﻗﻒ أرﺳﻼن ﻗﻮﯾّﺎ ،ﯾﺴﺘﻤﺪ ﻗﻮﺗﮫ ﻣﻦ ﻋﺰة اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺬى ﯾﺴﺘﻤﺪ ﻋﺰﺗﮫ ﻣﻦ ﻋﺰة اﷲ
ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ ،ﻓﻘﺪ ﻓﺮض أرﺳﻼن ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ اﻟﺮوم أن ﯾﺮد ﻛﻞ أﺳﯿﺮ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﺮوم ،وﺷﺮط ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺮﺳﻞ إﻟﯿﮫ ﻋﺴﺎﻛﺮ اﻟﺮوم ﻋﻨﺪ
ﻃﻠﺒﮭﺎ ﻓﻲ أي وﻗﺖ.
وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﻗﻌﺔ "ﻣﻼذﻛﺮد" ھﺬه ﺑﯿﻦ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ واﻟﺮوم ﺳﻨﺔ ٤٦٣ھـ ١٠٧١ /م ،ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎرك اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ ھﺰﯾﻤﺔ ﺳﺎﺣﻘﺔ
ﻣﺮوﻋﺔ ﻟﻠﺮوم ،وذﻟﻚ رﻏﻢ اﻟﺘﻔﺎوت اﻟﻜﺒﯿﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻮﺗﯿﻦ ،إذ ﻟﻢ ﺗﺰد ﻗﻮات أرﺳﻼن ﻋﻠﻰ ﻋﺸﺮ ﻣﻦ ﻗﻮات اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ.
وﻗﺪ أدى ذﻟﻚ إﻟﻰ أن ﯾﺴﺘﻨﺠﺪ أﺣﺪ أﺑﺎﻃﺮﺗﮭﻢ ) ﻣﻠﻜﻮھﻢ( ﺑﺄورﺑﺎ وﯾﺴﺘﻐﯿﺚ ﺑﮭﺎ ،ﻓﺮاح اﻟﺒﺎﺑﺎ ﯾﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﺟﺘﻤﺎع ﻋﺎم ﻓﻲ "ﻛﻠﯿﺮ ﻣﻮﻧﺖ"
ﺑﻔﺮﻧﺴﺎ وﯾﺪﻋﻮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﯿﻦ إﻟﻰ ﻏﺰو اﻟﺸﺮق اﻹﺳﻼﻣﻲ ،وﺗﺨﻠﯿﺺ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮك ،وﺗﺨﻠﯿﺺ أراﺿﻲ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ
اﻟﺒﯿﺰﻧﻄﯿﺔ ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء اﻟﻐﺎﺻﺒﯿﻦ ،وراح ﯾﺤﺚ اﻷﻣﺮاء ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺳﯿﻊ أﻣﻼﻛﮭﻢ وﻏﺰو اﻟﺸﺮق اﻟﻐﻨﻲ ،ﻓﻤﺎذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ؟ وﻛﯿﻒ ﻛﺎﻧﺖ
ھﺰﯾﻤﺔ "ﻣﻼذ ﻛﺮد" ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻲ ﻗﯿﺎم اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ؟ وﻓﻲ أﺛﻨﺎء ھﺬه اﻟﺤﺮوب ﻇﮭﺮ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻐﻮل ،ﻓﻜﯿﻒ واﺟﮭﺖ اﻟﺒﻼد إﻋﺼﺎر اﻟﻤﻐﻮل،
واﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ؟
وﻓﻲ ﻋﺎم ٤٩١ھـ١٠٩٧ /م؛ ﺗﺠﻤﻌﺖ ﻗﻮات اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ،وﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ إﻋﺪادھﺎ ﻋﺒﺮت اﻟﺒﺴﻔﻮر إﻟﻰ اﻟﺸﺎم ،ودارت ﺑﯿﻨﮭﻢ
وﺑﯿﻦ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻋﺎم ١٠٩٧م ،ﻋﻨﺪ "ﺿﻮرﻟﯿﻮم" ،وﻟﻜﻦ ھﺰم ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ،ﺛﻢ اﺳﺘﻮﻟﻰ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﺎﻟﻲ
اﻟﺸﺎم ،وأﺳﺴﻮا ﺑﮭﺎ أول إﻣﺎرة ﻟﮭﻢ ،ﺛ ﻢ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺮھﺎ ﻓﻲ إﻗﻠﯿﻢ اﻟﺠﺰﯾﺮة اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ،وأﺳﺴﻮا إﻣﺎرﺗﮭﻢ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ واﺗﺠﮭﻮا إﻟﻰ ﻣﺪﯾﻨﺔ
اﻟﻘﺪس وﺑﮭﺎ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس .
وأﻣﺎم أرﺑﻌﯿﻦ أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ ،ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ ﺟﯿﺶ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﻓﻚ ﺣﺼﺎرھﻢ ﻟﻠﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﺬي اﺳﺘﻤﺮ ﺷﮭﺮًا ﻛﺎﻣﻼ ،ودﺧﻠﻮھﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻓﻲ ١٥
ﯾﻮﻟﯿﻮ ﺳﻨﺔ ١٠٩٩م ،وأﻗﺎﻣﻮا ﻓﯿﮭﺎ ﻣﺬﺑﺤﺔ ﻗﻀﻮا ﻋﻠﻰ ﺳﻜﺎﻧﮭﺎ ﺟﻤﯿﻌًﺎ رﺟﺎﻻ وﻧﺴﺎءً وأﻃﻔﺎﻻ وﻛﮭﻮﻻ ،واﺳﺘﺒﺎﺣﻮا ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﻘﺪس أﺳﺒﻮﻋًﺎ
ﯾﻘﺘﻠﻮن وﯾﺪﻣﺮون ﺣﺘﻰ ﻗﺘﻠﻮا ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻷﻗﺼﻰ ﻓﻘﻂ ﺳﺒﻌﯿﻦ أﻟﻔًﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ .
وﯾﺬﻛﺮ أن رﯾﻤﻮﻧﺪ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﻲ اﺣﺘﻞ "ﻣَﻌَﺮﱠة اﻟﻨﻌﻤﺎن" ،وﻗﺘﻞ ﺑﮭﺎ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ٍ ،وأﺷﻌﻞ اﻟﻨﺎر ﻓﯿﮭﺎ ،ﺛﻢ أﻗﺎ ﻣﻮا دوﻟﺘﮭﻢ اﻟﻜﺒﺮى اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ
ﺑﺎﺳﻢ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻘﺪس .وﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﻤﻠﺔ ،ﻇﻠﺖ ﺑﻌﺾ ﻣﺪن اﻟﺸﺎم اﻟﮭﺎﻣﺔ ﻣﺜﻞ ﺣﻠﺐ ودﻣﺸﻖ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ .
ﻟﻘﺪ ﺗﻢ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪس ،وﺷﻌﺮ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن أﻧﮭﻢ ﺣﻘﻘﻮا واﺟﺒﮭﻢ اﻟﺪﯾﻨﻲ ﺑﺎﺳﺘﻌﺎدة اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ .
وﻗﺪ ﻗﺴﻢ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ھﺬا اﻹﻗﻠﯿﻢ إﻟﻰ أرﺑﻊ إﻣﺎرات:
إﻣﺎرة اﻟﺮﱡھﺎ ٤٩٢ھـ ١٠٩٨ /م ،وﺗﺸﻤﻞ أﻋﺎﻟﻲ ﻧﮭﺮي دﺟﻠﺔ واﻟﻔﺮات ،وﺗﻘﺮب ﺣﺪودھﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ ﺣﻠﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ
اﻟﺮھﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺮاﺋﻂ ﺑﺎﺳﻢ إدرﯾﺴّﺎ .
أﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻓﮭﻲ إﻣﺎرة أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ ،وﺗﻘﻊ ﻓﻲ اﻹﻗﻠﯿﻢ اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ﺟﻨﻮب ﻏﺮب إﻣﺎرة اﻟﺮھﺎ .
ﺛﻢ ﺗﻠﯿﮭﺎ ﺟﻨﻮﺑًﺎ إ ﻣﺎرة ﻃﺮاﺑﻠﺲ وھﻲ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﺷﺮﯾﻂ ﺿﯿﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﻞ وھﻲ أﺻﻐﺮ ھﺬه اﻹﻣﺎرات .
أﻣﺎ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻓﮭﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﻟﻘﺪس ،وﺗﻤﺘﺪ ﺣﺪودھﺎ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ﻣﻦ ﻗﺮب ﺑﯿﺮوت اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ،ﺛﻢ ﺗﺘﺒﻊ ﻧﮭﺮ اﻷردن ﺣﯿﺚ ﺗﺘﺴﻊ ﻗﻠﯿﻼ ،وﺗﺘﺠﮫ ﺟﻨﻮﺑًﺎ
إﻟﻰ ﺧﻠﯿﺞ اﻟﻌﻘﺒﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ اﻟﻘﺪس ﻧﻔﺴﮭﺎ .
وﻛﺎن ﻟﻜﻞ إﻣﺎرة ﻣﻦ ھﺬه اﻹﻣﺎرات أﻣﯿﺮ أو ﺣﺎﻛﻢ ﯾﺤﻜﻤﮭﺎ ،ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪس ،وھﺎ ھﻮ ذا ﻧﺼﺮھﻢ ﻗﺪ ﺗﻢ ،وھﺎ ھﻲ ذي أورﺑﺎ ﻛﻠﮭﺎ
ﻓﻲ ﻓﺮح ﻣﺘﺰاﯾﺪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺨﻼﻓﺎت ﺑﯿﻨﮭﻢ ﻗﺪ ﻋﺎدت ﻛﺄﺷﺪ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ ﻟﮭﻢ اﻟﻨﺼﺮ .
وﺑﺮﻏﻢ اﻵﻻم اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺗﺤﺖ ﻣﻄﺎرق اﻟﺼﻠﯿﺐ ،وﺑﺤﺎر اﻟﺪﻣﺎء واﻟﺤﻘﺪ ،ﻋﺎد اﻹﺳﻼم-وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻗﺪ ﻣﺎت ﯾﻮﻣًﺎ -ﯾﺸﻌﻞ
ﺻﺪور اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ﻓﮭﺒﻮا ﺟﻨﻮدًا ﷲ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ،وﻗﯿﺾ اﷲ ﻟﮭﺬه اﻷﻣﺔ رﺟﻼ ﺗﺮﻛﯿّﺎ ھﻮ "ﻋﻤﺎد اﻟﺪﯾﻦ زﻧﻜﻲ" اﻟﺬي ﻋﺮف أن ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻨﺼﺮ
ﯾﺒﺪأ داﺋﻤًﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﷲ .ﻛﯿﻒ ﻛﺎن ذﻟﻚ؟
ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻘﺴﻤﺖ دوﻟﺔ اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ﺑﻌﺪ " ﻣﻠﻜﺸﺎه " اﺳﺘﻄﺎع أﺣﺪ ﻣﻤﺎﻟﯿﻜﮫ اﻷﺗﺮاك وھﻮ ﻋﻤﺎد اﻟﺪﯾﻦ زﻧﻜﻲ أن ﯾﺴﺘﻘﻞ ﺑﺈﻗﻠﯿﻢ اﻟﻤﻮﺻﻞ .
وﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ ﻗﻮة ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ أن ﺗﻀﺎﻋﻔﺖ ﻓﻘﺎم ﺑﮭﺠﻮم ﻋﻠﻰ "اﻟﺮھﺎ" ،وﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺻﻤﺘﮭﺎ رﻏﻢ ﻣﻨﺎﻋﺔ أﺳﻮارھﺎ ﺳﻨﺔ
٥٣٩ھـ١١٤٤/م .وﻛﺎن ﻟﺴﻘﻮط " اﻟﺮھﺎ" ﻓﻲ أورﺑﺎ ھِﺰة ﻋﻨﯿﻔﺔ أدت إﻟﻰ اﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ ﺣﻤﻠﺔ ﺻﻠﯿﺒﯿﺔ أﺧﺮي.
وﯾﺤﻤﻞ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد ﺑﻦ ﻋﻤﺎد اﻟﺪﯾﻦ زﻧﻜﻲ ﻋﺐء اﻟﺠﮭﺎد واﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ أرض اﻹﺳﻼم ﺑﻌﺪ اﺳﺘﺸﮭﺎد أﺑﯿﮫ ﻋﻤﺎد اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺎم ١١٤٦م،
٦٢
ﻋﻠﻰ ﯾﺪ أﺣﺪ أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺬھﺐ اﻹﺳﻤﺎﻋﯿﻠﻲ )اﻟﻤﻌﺮوﻓﻮن ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﺸﺎﺷﯿﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ( ،وﯾﻌﯿﺪ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻓﺘﺢ اﻟﺮھﺎ اﻟﺘﻲ ﺳﺎرع اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن إﻟﻰ
اﺣﺘﻼﻟﮭﺎ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﺸﮭﺎد أﺑﯿﮫ ،وﯾﻌﻮد ﻣﻈﻔﺮًا إﻟﻰ ﺣﻠﺐ ،وﻣﻦ ھﻨﺎك ﯾﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﻘﺎء اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،وﯾﮭﺰﻣﮭﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ،ﺑﻞ وﯾﮭﺎﺟﻢ ﺑﻌﺪ
ذﻟﻚ إﻣﺎرة إﻧﻄﺎﻛﯿﺔ وﯾﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ أﺟﺰاء ﻣﻨﮭﺎ ،وﯾﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ أﻣﯿﺮھﺎ ﺑﻮھﯿﻤﻮﻧﺪ وﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ أﻛﺎﺑﺮ أﻣﺮاء اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،واﺳﺘﻄﺎع أن
ﯾﺨﻀﻊ ﺑﺎﻗﻲ ﻣﺪن اﻟﺮھﺎ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ ﺧﻀﻌﺖ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.ﺛﻢ ﺗﻮج ﺟﮭﻮده ﻟﻤﺎ دﻋﺎه أھﻞ دﻣﺸﻖ ﻟﺤﻜﻤﮭﻢ ﺑﻌﺪﻣﺎ رأوا ﻋﺪﻟﮫ وﺷﺠﺎﻋﺘﮫ،
ﻓﺘﻜﻮﻧﺖ ﺟﺒﮭﺔ إﺳﻼﻣﯿﺔ واﺣﺪة ﺗﻤﺘﺪ ﻣﻦ ﺣﻠﺐ إﻟﻰ دﻣﺸﻖ وﯾﺪﻋﻤﮭﺎ ﻣﻠﻚ أﺧﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺻﻞ.ﻛﻢ أﻧﺖ ﻋﻈﯿﻢ ﯾﺎ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ،ﻟﻘﺪ أﺿﺄت
ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻃﺮﯾﻘﮭﻢ؛ ﻓﻌﺮﻓﻮا ﻛﯿﻒ ﯾﻜﻮن اﻟﺠﮭﺎد واﻟﺘﻀﺤﯿﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺎن اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا وﻗﺘﺬاك ﻓﻲ أﻗﺼﻰ ﺣﺎﻻت اﻟﻀﻌﻒ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻔﻌﻠﯿﺔ ﻓﻲ أﯾﺪي
اﻟﻮزراء اﻟﺬﯾﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﺧﺘﯿﺎر اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻦ ﺿﻌﻔﺎء اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﯾﻀﻤﻨﻮا ﺳﯿﻄﺮﺗﮭﻢ اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ! وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ
ﺷﺪﯾﺪة اﻷھﻤﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ وﻟﺪوﻟﺔ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ .إن وﻗﻮﻋﮭﺎ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﯾﻘﻮﯾﮭﻢ ،وﯾﻤﺪھﻢ ﺑﻤﻮارد ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﮭﺎ .ووﻗﻮﻋﮭﺎ ﻓﻲ ﯾﺪ
ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻀﻊ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﺣﺮج ﺣﯿﺚ ﺗﮭﺎﺟﻤﮭﻢ ﻗﻮات اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ ﺛﻼث ﺟﮭﺎت :اﻟﺸﺮق ،واﻟﺠﻨﻮب ،واﻟﺠﻨﻮب اﻟﻐﺮﺑﻲ،
ﻛﻤﺎ أن ﻣﻮارد ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ وﺟﯿﻮﺷﮫ ﺳﻮف ﺗﻌﻈﻢ وﺗﺘﻀﺨﻢ إن ھﻮ اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ،ﻓﻜﯿﻒ اﻟﺴﺒﯿﻞ إﻟﯿﮭﺎ؟ﻟﻘﺪ ھﯿﺄت اﻷﻗﺪار ﻟﻨﻮر اﻟﺪﯾﻦ
أﺟﻤﻞ اﻟﻔﺮص .ﻓﻘﺪ ﻋﺮف أن ﻗﯿﺎدة ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﻮزراء ،وﻛﺎن أﻛﺒﺮ اﻟﻤﺘﻨﺎﻓﺴﯿﻦ اﻟﻮزﯾﺮان " :ﺷﺎور"
و"ﺿﺮﻏﺎم" ،وﻗﺪ اﺿﻄﺮ "ﺷﺎور" إﻟﻰ اﻟﮭﺮوب إﻟﻰ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ واﻻﺳﺘﻨﺠﺎد ﺑﮫ ﺣﯿﻦ ھﺰﻣﮫ "ﺿﺮﻏﺎ م" وأوﺷﻚ أن ﯾﻔﺘﻚ ﺑﮫ .وﺑﻠﻎ " ﻧﻮر
اﻟﺪﯾﻦ " أن ﺟﯿﺸًﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻛﺎن ﯾﺘﺠﮫ ﻧﺤﻮ ﻣﺼﺮ ﻟﯿﺴﺒﻘﮫ إﻟﯿﮭﺎ .ﻓﺘﺤﺮك ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ ،وﺟﮭﺰ ﺟﯿﺸًﺎ ﺑﻘﯿﺎدة " أﺳﺪ اﻟﺪﯾﻦ
ﺷﯿﺮﻛﻮه " ﯾﺼﺤﺒﮫ اﺑﻦ أﺧﯿﮫ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ،ودﺧﻞ ﺟﯿﺶ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺼﺮ ﻋﺎم ٥٦٠ھـ١١٦٤/م ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻮات
"ﺿﺮﻏﺎم" وأﻋﺎد " ﺷﺎور" إﻟﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ ،ﺗﺮى ھﻞ ﯾﻘﺪﱢر " ﺷﺎور" ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﮫ ﺗﺠﺎھﮫ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ وﻗﺎﺋﺪ ﺟﯿﺸﮫ أﺳﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﺷﯿﺮﻛﻮه ؟ ﻻ ،ﺑﻞ
أراد أن ﯾﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ أﺳﺪ اﻟﺪﯾﻦ وﺟﯿﺸﮫ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺣﺲ أﻧﮭﻤﺎ ﯾﻘﺎﺳﻤﺎﻧﮫ اﻟﻨﻔﻮذ.
ھﻨﺎك ﺗﻜﻮن ﻛﺎرﺛﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻲ ! ﻟﻘﺪ اﺳﺘﻌﺎن ﺷﺎور ﺑﺠﯿﺶ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ اﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺮاﺑﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪود ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ اﺳﺘﺠﺎب
ﺟﯿﺶ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻟﺸﺎور ﻓﺪﺧﻞ ﻣﺼﺮ ،واﺷﺘﺒﻚ ﻣﻊ ﺟﯿﻮش ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ !
واﺷﺘﺪ اﻟﻘﺘﺎل ،وﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﺮﺟﺢ ﻛﻔﺔ أﺣﺪ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ اﺗﻔﻘﺎ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺮﺣﻼ ﻣﻌًﺎ ﻋﻦ ﻣﺼﺮ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺟﻼ ﺟﯿﺶ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ وﺟﯿﺶ
اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ .وﻟﻜﻦ ﺟﯿﺶ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ٥٦٣ھـ١١٦٧ /م .
وﻋﻨﺪ ذﻟﻚ أرﺳﻞ " ﺷﺎور" ﯾﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﻤﻠﻚ اﻟﻘﺪس اﻟﻤﺴﯿﺤﻲ اﻟﺬي أرﺳﻞ ﺟﯿﻮﺷﮫ ﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ أﺳﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﺷﯿﺮﻛﻮه ،وﻟﻜﻦ ﺷﯿﺮﻛﻮه ھﺰم
اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺼﱠﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﺑﻦ أﺧﯿﮫ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺬي أﻇﮭﺮ ﻣﻮاھﺒﮫ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ.
وﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻧﺘﺼﺎرات ﺷﯿﺮﻛﻮه اﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﻓﺈﻧﮫ ﺷﻌﺮ أﻻ ﺳﺒﯿﻞ أﻣﺎﻣﮫ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻤﺼﺮ ،ﻓﺎﺗﻔﻖ ﻣﻊ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻼء
اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ ﻋﻨﮭﺎ .وﻟﻜﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻧﻘﻀﻮا اﻟﻌﮭﺪ ﺣﯿﻦ أﻋﺪوا ﺣﻤﻠﺔ دﺧﻠﺖ ﻣﺼﺮ ﺑﻐﺮض اﻻﺳﺘﯿﻼء ﻋﻠﯿﮭﺎ ،وﻗﺪ اﺳﺘﻮﻟﻮا ﻋﻠﻰ " ﺑﻠﺒﯿﺲ "
وأﻋﻤﻠﻮا ﻓﻲ ﺳﻜﺎﻧﮭﺎ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﻨﮭﺐ.
وھﻨﺎ أرﺳﻞ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﻣﺴﺘﻨﺠﺪًا ﺑﻨﻮر اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺬي أرﺳﻞ ﺟﯿﺸﮫ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺳﻨﺔ ٥٦٤ھـ ١١٦٩/م ،ﯾﻘﻮده ﺷﯿﺮﻛﻮه ،وﺻﻼح
اﻟﺪﯾﻦ ،وﺳﺮﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻢ اﻟﻨﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻤﻠﺔ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ،واﻧﺴﺤﺒﺖ ﺗﺎرﻛﺔ اﻟﻨﻔﻮذ واﻟﺴﯿﻄﺮة ﻟﺠﯿﺶ ﺷﯿﺮﻛﻮه .
وﻗﺪ ﺣﺎول ﺷﺎور اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﺳﯿﺎﺳﺘﮫ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ،واﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺷﯿﺮﻛﻮه؛ وﻟﻜﻨﮫ ﻓﺸﻞ وﻗُﺒﺾ ﻋﻠﯿﮫ وأُﻋﺪم.
وﻋُﯿّﻦ " ﺷﯿﺮﻛﻮه " وزﯾﺮًا ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺷﺎور .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺎت ﺷﯿﺮﻛﻮه ﺧﻠﻔﮫ ﻓﻲ اﻟﻮزارة وﻗﯿﺎدة اﻟﺠﯿﻮش اﺑﻦ أﺧﯿﮫ ﺻﻼح
اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ أﯾﻮب ﺳﻨﺔ ٥٦٤ھـ ١١٦٩/م ،وﻗﺪ ﺗﺮﻛﺰت ﻓﻲ ﯾﺪ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎت ،وﺗﻤﺮ اﻷﯾﺎم وﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﯾﺘﺄﻟﻖ ﻧﺠﻤﮫ،
وﺗﻈﮭﺮ ﻣﻊ اﻷﯾﺎم ﻋﺒﻘﺮﯾﺘﮫ ،وﯾﻤﻮت اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ اﻟﻌﺎﺿﺪ ﺳﻨﺔ ٥٦٧ھـ ١١٧١/م ﺑﻌﺪ أن أﻟﻐﻲ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ ،وﺗﺼﺒﺢ
اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻔﻌﻠﯿﺔ واﻟﻨﻔﻮذ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻓﻲ ﯾﺪه ،ﯾﻘﺒﺾ ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ ﺑﯿﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺪ.
وراح اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﯾﻔﻜﺮون ،ﻟﻘﺪ ﺧﻠﺼﺖ ﻣﺼﺮ ﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وأﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ ﯾﺪ ھﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺤﺪﯾﺪي اﻟﺬي ﺳﯿﻮﺣﺪ ﻗﻮي اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ
وﯾﺤﻄﻢ ﻗﻮي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،وإن ﻏﺪًا ﻟﻨﺎﻇﺮه ﻗﺮﯾﺐ.ﻇﻞ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺣﺎﻛﻤًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ زﻣﻨًﺎ ﻃﻮﯾﻼ ﯾﺪﻋﻮ ﻟﻠﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ وﻟﻨﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ
ﺑﻌﺪه .وﺗﺄﺳﺴﺖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ ﺑﻤﺼﺮ ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد ٥٦٩ھـ١١٧٤/م ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻷﯾﻮﺑﻲ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﻮن
ﻣﻦ اﻟﺸﯿﻌﺔ ،أﻣﺎ اﻷﯾﻮﺑﯿﻮن ﻓﮭﻢ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ،وﻣﻦ أﺟﻞ ھﺬا راح ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻠﻐﻲ ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ ورﺳﻮﻣﮭﺎ ،وﯾُﻌﻄﻞ
ﻣﻌﺎھﺪ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﺸﯿﻌﯿﺔ وﻃﻘﻮﺳﮭﺎ .وﻋﺎدت اﻟﺴﻨﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ..اﻟ ﺴﱡ ﻨﱢﯿﺔ اﻟﺘﻲ رﻓﻀﺖ ﻛﻞ ُﻣﻌْﺘَﻘَﺪ دﺧﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎءھﺎ ﺑﮫ ﻧﺒﯿﮭﺎ ) ،وﺗﻤﺮ
اﻷﯾﺎم ﻓﯿﺮث ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ دوﻟﺔ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ،وﯾﺨﻀﻊ ﻟﮫ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﻮﺻﻞ ﺳﻨﺔ ٥٨٣ھـ١١٦٨/م.ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ دوﻟﺔ ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﺗﻀﻢ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ
اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺸﺎم واﻟﺤﺠﺎز واﻟﯿﻤﻦ ،ﻛﻤﺎ ﺿﻤﺖ أﺟﺰاء ﻣﻦ ﺷﻤﺎل إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ .ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ دوﻟﺔ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺗﻀﻢ ﺷﻤﺎﻟﻲ اﻟﻌﺮاق ،وﺷﺮﻗﻲ
اﻟﺸﺎم ،ﺛﻢ اﻟﺤﺠﺎز واﻟﯿﻤﻦ وﻣﺼﺮ وﺑﻌﺾ ﺷﻤﺎﻟﻲ إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ھﺬا أﻛﺒﺮ اﺗﺤﺎد ﻟﻠﻘﻮي اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻓﯿﮫ اﻟﺪوﻟﺔ
اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻣﻔﻜﻜﺔ ﺿﻌﯿﻔﺔ ﻻ ﺳﻠﻄﺎن ﻟﮭﺎ .وإن ﺑﯿﻨﮭﺎ وﺑﯿﻦ اﻟﺪوﯾﻼت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ﻏﺪًا ﻗﺮﯾﺒًﺎ ﺗﺴﺘﺮد ﻓﯿﮫ اﻷرض وﺗﺤﻤﻲ اﻟﻌﺮض.وﻓﻲ ﺑﻌﺾ
اﻟﻔﺘﺮات ﻛﺎن ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻌﻘﺪ ﻣﻌﺎھﺪات ﻣﻊ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻟﯿﺘﻔﺮغ ﻟﺘﻮﺣﯿﺪ اﻟﺠﮭﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،وﻟﻜﻨﮭﻢ ﻧﻘﻀﻮا اﻟﻌﮭﺪ ،ذﻟﻚ أن رﺟﻨﻠﺪ )أﻧﺎرط(
أﻣﯿﺮ اﻟﻜﺮك اﻟﺼﻠﯿﺒﻲ ﻧﻘﺾ ھﺬه اﻟﻤﻌﺎھﺪة ،وﻗﺎم اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﺑﺒﻌﺾ اﻻﺳﺘﻔﺰازات ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻨﮭﺎ أن رﺟﻨﻠﺪ ھﺬا أﻋﺪ أﺳﻄﻮﻻ ﯾﻌﺒﺚ
ﺑ ﺸﻮاﻃﺊ اﻟﺤﺠﺎز وﯾﮭﺎﺟﻢ اﻟﺤﺠﺎج اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،ودأب ﻋﻠﻰ ﻣﮭﺎﺟﻤﺔ اﻟﻘﻮاﻓﻞ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ.ﻻ ﻣﻔﺮ إذن ﻣﻦ وﻗﻮع اﻟﺤﺮب ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ،
وﺗﻘﺪﻣﺖ ﻗﻮات ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻦ دﻣﺸﻖ ،ووﺟﮭﺘﮭﺎ اﻟﻘﺪس .
ﻛﺎن ﻧﺼﺮ اﷲ اﻟﻤﺒﯿﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﺘﻘﺖ ﺟﯿﻮش اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺠﯿﻮش اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻓﻲ "ﺣﻄﯿﻦ" وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎم ٥٨٣ھـ١١٨٧/م.
ﻟﻘﺪ ﺟﻤﻊ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻋﺸﺮﯾﻦ أﻟﻒ ﻣﻘﺎﺗﻞ ﺟﻤﻌﻮھﻢ ﻣﻦ ﻛﻞ دوﯾﻼت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ .
واﺷﺘﺒﻚ اﻟﺠﯿﺸﺎن ،واﻧﺠﻠﺖ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﻋﻦ ﻧﺼﺮ ﺳﺎﺣﻖ ﻟﺼﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻣﻊ ﺗﺪﻣﯿﺮ ﺗﺎم ﻟﺠﯿﺶ أﻋﺪاﺋﮫ .ﻟﻢ ﯾﻜﻦ أﻣﺎم ﺟﯿﺶ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻌﺪ
ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﻄﯿﻦ إﻻ أن ﯾﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮ اﻟﻘﺪس ،وﻗﺒﻞ أن ﯾﺘﻘﺪم ﻧﺤﻮھﺎ اﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﮫ ﺣﺼﻦ "ﻃﺒﺮﯾﺔ" ،وﻓﺘﺢ "ﻋﻜﺎ" واﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ " اﻟﻨﺎﺻﺮﯾﺔ "
٦٣
و "ﻗﯿﺴﺎرﯾﺔ " و " ﺣﯿﻔﺎ " و"ﺻﯿﺪا" و " ﺑﯿﺮوت" ،وﺑﻌﺪھﺎ اﺗﺠﮫ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ إﻟﻰ اﻟﻘﺪس .
وﻟﻜﻦ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﺗﺤﺼﻨﻮا ﺑﺪاﺧﻠﮭﺎ ،ﻓﺎﺗﺨﺬ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺟﺒﻞ اﻟﺰﯾﺘﻮن ﻣﺮﻛﺰًا ﻟﺠﯿﻮﺷﮫ ،ورﻣﻰ أﺳﻮار اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎرة ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ
اﻟﻤﺠﺎﻧﯿﻖ اﻟ ﺘﻲ أﻣﺎﻣﮭﺎ ،ﻓﻔﺮ اﻟﻤﺪاﻓﻌﻮن ،وﺗﻘﺪم اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﯾﻨﻘﺒﻮن اﻷﺳﻮار ،ﻓﺎﺳﺘﺴﻠﻢ اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ،وﻃﻠﺒﻮا اﻟﺼﻠﺢ ،ﻓﻘﺒﻞ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ،واﺗﻔﻖ
اﻟﻄﺮﻓﺎن ﻋﻠﻰ أن ﯾﺨﺮج اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ﺳﺎﻟﻤﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺪﻓﻊ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﺸﺮة دﻧﺎﻧﯿﺮ ،واﻟﻤﺮأة ﺧﻤﺴﺔ ،واﻟﺼﺒﻲ دﯾﻨﺎرﯾﻦ ،ووﻓﻰ
اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻟﮭﻢ ﺑﮭﺬا اﻟﻮﻋﺪ ،وﻛﺎن ﺿﻤﻦ ﻣﻦ ﺧﺮﺟﻮا اﻟﺒﻄﺮﯾﺮك اﻷﻛﺒﺮ ﯾﺤﻤﻞ أﻣﻮال اﻟﺒِﯿَﻊ)اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ( وذﺧﺎﺋﺮ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن
ﻗﺪ ﻏﻨﻤﻮھﺎ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮭﻢ.
وﻓﻲ ھﺬه اﻷﺛﻨﺎء ،ﻗﺎل ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﺼﻼح اﻟﺪﯾﻦ :إن ھﺬا اﻟﺒﻄﺮﯾﺮك ﯾﻘﻮى ﺑﮭﺬا اﻟﻤﺎل ﻋﻠﻰ ﺣﺮب اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ! ﻓﺄﺟﺎب ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ:
اﻹﺳﻼم ﻻ ﯾﻌﺮف اﻟﻐﺪر ،وﻗﺪ أﻣّﻨﺎ وﻋﻠﯿﻨﺎ اﻟﻮﻓﺎء .وﺧﺮج اﻟﺮﺟﻞ ﺑﮭﺬه اﻷﻣﻮال.
وﯾﺮوى أن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﯿﻼت واﻷﻣﯿﺮات ﻗﻠﻦ ﻟﺼﻼح اﻟﺪﯾﻦ وھﻦ ﯾﻐﺎدرن ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس " :أﯾﮭﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ! ﻟﻘﺪ ﻣﻨﻨﺖ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة،
وﻟﻜﻦ ﻛﯿﻒ ﻧﻌﯿﺶ وأزواﺟﻨﺎ وأوﻻدﻧﺎ ﻓﻲ أﺳﺮك؟ ! وإذا ﻛﻨﺎ ﻧﺪع ھﺬه اﻟﺒﻼد إﻟﻰ اﻷﺑﺪ ﻓﻤﻦ ﺳﯿﻜﻮن ﻣﻌﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻟﻠﺤﻤﺎﯾﺔ واﻟﺴﻌﻲ
ﺐ ﻟﻨﺎ أزواﺟﻨﺎ وأوﻻدﻧﺎ ،ﻓﺈﻧﻚ إن ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻞ أﺳﻠﻤﺘﻨﺎ ﻟﻠﻌﺎر واﻟﺠﻮع".ﻓﺘﺄﺛﺮ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺑﺬﻟﻚ ،ﻓﻮھﺐ ﻟﮭﻦ واﻟﻤﻌﺎش؟ ! أﯾﮭﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎن ! َھ ْ
رﺟﺎﻟﮭﻦ ،رﺣﻤﻚ اﷲ ﯾﺎ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻠﺮﺣﻤﺔ واﻟﻌﻔﻮ وﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ ،وﻛﻨﺖ ﻣﺜﺎﻻ ﺣﺴﻨًﺎ ﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ
وﻋﻈﻤﺔ اﻹﺳﻼم.
ﻓﻠﯿﺘﻘﺪم اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻔﺎﺗﺢ ﻟﯿﻄﮭﺮ اﻟﺒﻼد واﻟﻌﺒﺎد ﻣﻦ ﺷﺮاذم اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ دﻧﺴﻮا اﻷرض ،واﻋﺘﺪوا ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮض.
وﺗﻘﺪم ﺟﯿﺶ اﻟﺒﻄﻞ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺑﻞ ﺟﯿﺶ اﻹﺳﻼم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ؛ ﻟﯿﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﺴﺘﻌﻤﺮات اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ وﻣﻨﺎﻃﻘﮭﻢ اﻟﮭﺎﻣﺔ .
وﻗﺪ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﺠﺎح ھﺬه اﻟﺤﻤﻼت أن ﻣﻌﻈﻢ ﺣﺎﻣﯿﺎت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻟﻘﯿﺖ ﺣﺘﻔﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﻄﯿﻦ .
ﻖ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ أرض ﺳﻮرﯾﺎ وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ﺳﻮى ﺻﻮر وأﻧﻄﺎﻛﯿﺔ وﻃﺮاﺑﻠﺲ وﺑﻌﺾ وﯾﺠﻲء ﻋﺎم ٥٨٦ھـ١١٨٩/م ،وﻟﻢ ﯾَﺒْ َ
ﻣﺪن وﻗﻼع ﺻﻐﯿﺮة ﻣﺒﻌﺜﺮة ھﻨﺎ وھﻨﺎك.
واﻟﺤﻖ أن ھﺬه اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺴﺎﺣﻠﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﮭﺎن اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺑﮭﺎ وﺗﺮﻛﻮھﺎ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺎﻋﺐ ﻟﻠﺪوﻟﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺠﻤﻊ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن اﻟﻔﺎرون ﻣﻦ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻷﺧﺮى ،وﻗﺎﻣﻮا ﺑﻤﮭﺎﺟﻤﺔ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻤﺠﺎورة ،واﺳﺘﻮﻟﻮا
ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﮭﺎ وﺳﺎﻋﺪوا اﻟﺤﻤﻼت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﻣﻦ اﻟﻐﺮب وﻛﺒﺪت اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻓﺎدﺣﺔ.
ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﮭﺬه اﻻﻧﺘﺼﺎرات وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ ﺳﻘﻮط اﻟﻘﺪس ﺻﺪى ﻣﺆﻟﻢ ﻓﻲ أورﺑﺎ أدى إﻟﻰ إﺛﺎرة اﻟﺤﻤﺎس ﻣﺮة أﺧﺮي ،وﺗﺼﺎﻋﺪت ﺻﯿﺤﺎت
إﻧﻘﺎذ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺗﺘﺮدد ﻓﻲ أرﺟﺎء أورﺑﺎ .واﺗﺠﮭﺖ اﻟﻜﻨﯿﺴﺔ إﻟﻰ ﺟﻤﻊ اﻟﻀﺮاﺋﺐ ﻟﻠﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ،وﺷﺠﻌﺖ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮوج
ﻟﻘﺘﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وأﻋﻠﻦ اﻟﺒﺎﺑﺎ أن ﻣﻦ ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻊ أن ﯾﺨﺮج ﺑﻨﻔﺴﮫ وﺗﺒﺮع ﺑﺎﻟﻤﺎل ﻏُﻔﺮت ﻟﮫ ذﻧﻮﺑﮫ ،ﺛﻢ ﺗﻄﻮر ھﺬا اﻷﻣﺮ إﻟﻰ إﺻﺪار ﺻﻜﻮك
اﻟﻐﻔﺮان ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﯾﺘﺒﺮع ﻟﮭﺬه اﻟﺤﺮب ،أو ﯾﺨﺮج ﻓﯿﮭﺎ .وﺗﻢ ﺗﻌﺒﺌﺔ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻼت ﯾﻘﻮدھﺎ ﻣﻠﻚ إﻧﺠﻠﺘﺮا "رﯾﺘﺸﺎرد" اﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑﻘﻠﺐ اﻷﺳﺪ،
و " ﻓﯿﻠﯿﺐ أوﻏﺴﻄﺲ " ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،و "ﻓﺮﯾﺪرﯾﻚ ﺑﺮﺑﻮﺳﺎ " ﻣﻠﻚ اﻷﻟﻤﺎن.
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﺘﻰ ﻗﺎدھﺎ ﻓﺮدرﯾﻚ ﻓﺎﺷﻠﺔ ،وذﻟﻚ ﻷن ﻗﺎﺋﺪھﺎ ﻧﻔﺴﮫ ﻗﺪ ﻏﺮق ﻓﻲ ﻧﮭﺮ ﺑﺄرﻣﯿﻨﯿﺔ ،ﻓﻌﺎد ﻣﻌﻈﻢ ﺟﯿﺸﮫ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ أﺗﻲ ،وﻟﻢ
ﯾﺼﻞ ﻣﻨﮫ إﻟﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺳﻮى ﻋﺪد ﻗﻠﯿﻞ .وھﻜﺬا وﻗﻊ ﻋﺐء اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ رﯾﺘﺸﺎرد وﻓﯿﻠﯿﺐ.
وﻗﺒﻞ وﺻﻮل ھﺬﯾﻦ اﻷﺧﯿﺮﯾﻦ ،أﺧﺬ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﯾﺠﻤﻌﻮن ﻗﻮاﺗﮭﻢ ،وﯾﺤﺎوﻟﻮن اﻟﻘﯿﺎم ﺑﻌﻤﻞ ﻣﻀﺎد ﻟﺤﺮﻛﺎت ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ..ﻓﻮﺟﮭﻮا ﻗﻮاﺗﮭﻢ
ﻟﺘﺤﺎﺻﺮ ﻋﻜﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺮ ،وأﺳﺎﻃﯿﻠﮭﻢ ﻟﺘﺤﺎﺻﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ،وﻛﺎن ﻓﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋﺔ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ أن ﯾﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﺼﻠﯿﺒﻲ ﻟﻮﻻ وﺻﻮل
رﯾﺘﺸﺎرد وﺟﯿﻮﺷﮫ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ.وﻗﺪ ﻃﺎل اﻟﺤﺼﺎر اﻟﺒﺤﺮي اﻟﺒﺮي ﻣﺪة ﻋﺎﻣﯿﻦ ﻛﺎﻣﻠﯿﻦ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ) ٥٨٨-٥٨٦ھـ ١١٩١-١١٨٩ /م(
ﺿﺮب ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻔﺮﯾﻘﺎن أﺳﻤﻰ أﻣﺜﻠﺔ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ،وأﺧﯿﺮًا ﺳﻘﻄﺖ ﻋﻜﺎ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ.
وﺗﻮﺻﻞ اﻟﺠﺎﻧﺒﺎن إﻟﻰ اﺗﻔﺎق ﯾﻄﻠﻖ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﺳﺮاح ﺣﺎﻣﯿﺔ ﻋﻜﺎ ،ﺷﺮﯾﻄﺔ أن ﯾﺪﻓﻊ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ٢٠٠أﻟﻒ ﻗﻄﻌﺔ ذھﺒﯿﺔ.
وﻗﺪ ﺣﺪث أن ﺗﺄﺧﺮ دﻓﻊ اﻟﻤﺒﻠﻎ اﻟﻤﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﮫ ،ﻓﺄﻣﺮ رﯾﺘﺸﺎرد ﺑﺈﻋﺪام ﻛﻞ أﺳﺮاه ،وﻋﺪدھﻢ ٢٧٠٠أﺳﯿﺮ ،وھﺬه ﻧﻘﻄﺔ ﺳﻮداء ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺨﮫ،
ﯾﻘﺎﺑﻠﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻧﺒﻞ ﻋﻈﯿﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ أﺳﺮاه؛ ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﯾﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﮭﻢ ﺑﺎﻟﺮﺣﻤﺔ واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ.
اﺳﺘﻤﺮت اﻟﻤﻨﺎوﺷﺎت اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ ،وﻟﻜﻦ رﯾﺘﺸﺎرد ﻣَﻞﱠ اﻟﺤﺮب ،وﺧﺎف ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻜﮫ ﻓﻲ أورﺑﺎ ،ﻓﺠﺮت ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ
ﻣﺸﺎورات وﻣﺮاﺳﻼت ،وﻣﻦ أھﻢ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻤﺮاﺳﻼت ﻣﺎﻛﺘﺒﮫ رﯾﺘﺸﺎرد إﻟﻰ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﯾﻘﻮل :إن اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ واﻟﻔﺮﻧﺞ ﻗﺪ ھﻠﻜﻮا
وﺧﺮﺑﺖ دﯾﺎرھﻢ ،وﺗﻠﻔﺖ اﻷﻣﻮال واﻷرو اح ،وﻟﯿﺲ ھﻨﺎك ﺣﺪﯾﺚ ﺳﻮى اﻟﻘﺪس واﻟﺼﻠﯿﺐ ،واﻟﻘﺪس ُﻣ َﺘﻌَ ﱠﺒﺪُﻧﺎ ﻣﺎ ﻧﻨﺰل ﻋﻨﮫ ،واﻟﺼﻠﯿﺐ ﺧﺸﺒﺔ
ﻦ ﺑﮫ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﯿﻨﺎ وﻧﺴﺘﺮﯾﺢ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻌﻨﺎء.
ﻋﻨﺪﻛﻢ ﻻ ﻣﻘﺪار ﻟﮫ ،وھﻮ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻋﻈﯿﻢ؛ ﻓﯿَ ُﻤ ّ
ﻓﺄﺟﺎب ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ :اﻟﻘﺪس ﻟﻨﺎ ﻛﻤﺎ ھﻮ ﻟﻜﻢ ،وھﻮ ﻋﻨﺪﻧﺎ أﻋﻈﻢ ﻣﻤﺎ ھﻮ ﻋﻨﺪﻛﻢ ،ﻓﺈﻧﮫ ﻣﺴﺮى ﻧﺒﯿﻨﺎ وﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ،ﻓﻼ ﺗﺘﺼﻮر أن ﻧﻨﺰل
ﻋﻨﮫ ،وأﻣﺎ اﻟﺒﻼد ﻓﮭﻲ ﻟﻨﺎ واﺳﺘﯿﻼؤﻛﻢ ﻛﺎن ﻃﺎرﺋًﺎ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻟﻀﻌﻒ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ،وأﻣﺎ اﻟﺼﻠﯿﺐ ﻓﮭﻼﻛﮫ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻗُﺮﺑﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻓﻼ ﯾﺠﻮز أن ﻧﻔﺮط
ﻓﯿﮫ إﻻ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ أوﻓﻲ ﻣﻨﮫ .وﻗﺪ أدت ھﺬه اﻟﻤﻔﺎوﺿﺎت إﻟﻰ ﻋﻘﺪ اﺗﻔﺎق ﺑﯿﻦ اﻟﺠﺎﻧﺒﯿﻦ وھﻮ ﺻﻠﺢ اﻟﺮﻣﻠﺔ ﺳﻨﺔ ٥٨٩ھـ١١٩٢/م ،وﺷﺮوﻃﮫ:
ﺗﺮك أراﺿﻲ اﻟﺴﺎﺣﻞ ﻟﻠﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ،وﻣﻨﮭﺎ ﺻﻮر وﻋﻜﺎ وﯾﺎﻓﺎ وﻋﺴﻘﻼن ،ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أﺻﺒﺢ داﺧﻞ اﻟﺒﻼد ﻟﺼﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ أن ﯾﺴﻤﺢ
ﻟﻠﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ ﺑﺎﻟﺤﺞ إﻟﻰ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ،وأن ﯾﺘﻌﮭﺪ ﺑﺤﻤﺎﯾﺘﮭﻢ.
وﻟﻤﺎ ﻣﺎت ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ ﺳﻨﺔ ٥٨٩ھـ١١٩٢/م ،ﺣﻜﻤﺖ أﺳﺮﺗﮫ ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ،ﻓﺤﻜﻢ أﺧﻮه اﻟﻌﺎدل ﻣﺼﺮ وﻣﻌﻈﻢ أﺟﺰاء اﻟﺸﺎم ،وﺧﻠﻔﮫ اﺑﻨﮫ
اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﺬي ﺳﻘﻄﺖ دﻣﯿﺎط ﻓﻲ ﻋﮭﺪه ﻓﻲ ﯾﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻟﻤﺎ ھﺎﺟﻤﻮا ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ ٦١٥ھـ ،ﺛﻢ اﻧﺴﺤﺒﻮا ﻣﻨﮭﺎ ﻣﺪﺣﻮرﯾﻦ ..ﺑﻌﺪ ھﺰﯾﻤﺔ ﻓﺎدﺣﺔ
أدت ﺑﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﺠﻼء ﻋﻦ ﻣﺼﺮ ﺳﻨﺔ ٦١٨ھـ ،ﺑﻌﺪ اﻟﺼﻠﺢ ﻣﻊ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻓﻘﺪ ﻗﻄﻊ اﻟﻤﺼﺮﯾﻮن ﺟﺴﺮ اﻟﻨﯿﻞ ﻓﻐﺮﻗﺖ اﻷرض ﺑﺎﻟﻤﯿﺎه
وأوﺷﻚ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻋﻠﻲ اﻟﮭﻼك ،ﻓﻄﻠﺒﻮا اﻟﺼﻠﺢ.
٦٤
ﻛﻤﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻣﺼﺮ أﯾﻀﺎ ﻟﺤﻤﻠﺔ ﺻﻠﯿﺒﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻗﺎدھﺎ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﻮﯾﺲ اﻟﺘﺎﺳﻊ اﻟﺬي اﺳﺘﻮﻟﻰ ﻋﻠﻰ دﻣﯿﺎط ﺳﻨﺔ ٦٤٧ھـ ،وﻟﻜﻨﮫ وﻗﻊ
أﺳﯿﺮًا ﻓﺤﻤﻞ ﻣﻜﺒﻼ ﺑﺎﻟﺴﻼﺳﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺼﻮرة ﺣﯿﺚ ﺳﺠﻦ ﻓﻲ دار ﻗﺎﺿﯿﮭﺎ اﺑﻦ ﻟﻘﻤﺎن ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﺑﻔﻀﻞ ﺣﻜﻤﺔ وﻗﯿﺎدة رﻛﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﺑﯿﺒﺮس
ﻟﻠﻘﻮات اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ،واﻓﺘﺪى ﻧﻔﺴﮫ ﺑﺘﺴﻠﯿﻢ دﻣﯿﺎط ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ودﻓﻊ ﻓﺪﯾﺔ ﻣﺎﻟﯿﺔ ،وﻋﺎدت دﻣﯿﺎط إﻟﻰ اﻷﯾﻮﺑﯿﯿﻦ ﺳﻨﺔ ٦٤٨ھـ .وأﻣﺎم اﻟﺘﮭﺪﯾﺪ
اﻟﺪاﺋﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ ﻟﻺﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ ﻣﺪن اﻟﺸﺎم ،ﻟﻢ ﯾﻘﻒ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮﺟﯿﺔ ﻣﻜﺘﻮﻓﻲ اﻷﯾﺪي؛ ﺑﻞ راﺣﻮا ﯾﻔﻜﺮون ﻓﻲ ﻗﻄﻊ
داﺑﺮ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ " ﺑﻘﺒﺮص" وﻛﺎن ﻟﮭﻢ ﻣﺎ أرادوا ،ﺣﺘﻰ ﺗﻤﻜﻨﻮا ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻷﺷﺮف َﺑﺮْﺳِﺒﺎي ﺳﻨﺔ ٨٢٩ھـ١٤٢٦ /م ،ﻣﻦ ھﺬا اﻷﻣﻞ،
وأﺳﺮوا ﻣﻠﻚ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ اﻟﺬي ﻇﻞ أﺳﯿﺮًا ﺑﻤﺼﺮ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٨٣٠ھـ١٤٢٧/م ،وﻟﻢ ﯾﻔﻚ أﺳﺮه إﻻ ﺑﻌﺪ دﻓﻊ ﺟﺰﯾﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﻋﻠﻰ أن ﯾﻌﺘﺮف
ﺑ ﺴﯿﺎدة اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻋﻠﻲ ﻗﺒﺮص!
وﺗﻈﻞ ﻟﻤﺼﺮ اﻟﺴﯿﺎدة ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮص ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮﺟﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﺳﻨﺔ ٩٢٣ھـ١٥١٧ /م ،وھﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ آل ﻓﯿﮭﺎ ﺣﻜﻢ اﻟﺒﻼد إﻟﻰ
اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ،وﺳﻘﻄﺖ دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮﺟﯿﺔ.
وﺑﮭﺬا ﻓﺸﻠﺖ اﻟﺤﺮوب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺑﺮﻏﻢ اﻟﻔﺸﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ واﻟﺤﺮﺑﻲ ﻟﻠﺤﻤﻼت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ ﻓﺈن ھﺬه اﻟﺤﺮوب ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻷﺛﺮ؛
ﻣﻨﮭﺎ اﺗﺴﺎع ﺗﺠﺎرة أورﺑﺎ وﺑﺨﺎﺻﺔ " ﺟﻨﻮا " و " اﻟﺒﻨﺪﻗﯿﺔ " و " ﺑﯿﺰا" ﻣﻊ ﻣﻮاﻧﺊ اﻟﺸﺎم .وﻟﻢ ﯾﻘﺘﺼﺮ ھﺬا اﻻﺗﺴﺎع ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﯿﻄﺮ
ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻮن ﻋﻠﻰ اﻷراﺿﻲ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ،ﺑﻞ اﺳﺘﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ أن أﺟﻠﻮا ﻋﻦ اﻹﻗﻠﯿﻢ ﻛﻠﮫ .ﻛﻤﺎ ﺳﺎﻋﺪت ﻋﻠىﺎﻧﺘﻘﺎل اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ
إﻟىﺄورﺑﺎ.
ھﻲ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺘﯿﻖ .و ﻛﺎن أول ﺣﻜﺎم ھﺬة اﻟﻔﺘﺮة اﻟﻤﻠﻚ زوﺳﺮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﮭﺮم اﻟﻤﺪرج ﻓﻲ ﺳﻘﺎرة
وﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﻲ ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ ﻋﺼﺮ ﺑﻨﺎة اﻷھﺮام ﻧﻈﺮا ﻟﺒﺪاﯾﺔ وﺟﻮد اﻷھﺮاﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺎرة اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ وﺑﻜﺜﺮة ﻓﻜﺎن ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻔﺎت
ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة اﻷھﺮاﻣﺎت اﻟﺜﻼﺛﺔ ﺑﺎﻟﺠﯿﺰة.
اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﻋﺪد ارﺑﻌﺔ اﺳﺮات )ﻣﻦ اﻻﺳﺮة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔﺣﺘﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻻﺳﺮة اﻟﺴﺎدﺳﺔ وﺣﻜﻤﺖ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ٢٧٨٠ق.م اﻟﻲ
٢٢٦٣ق.م )ھﻨﺎك ﻋﺪة اراء ﺑﺨﺼﻮص ﺗﻮارﯾﺦ ﺣﻜﻢ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ(.
ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ ﻻ ﯾﺰال ﻏﯿﺮ ﻣﻌﺮوف ﻋﻠﻲ وﺟﮫ اﻟﺪﻗﺔ .ﻓﺤﻮﻟﯿﺎت ﺣﺠﺮ ﺑﺎﻟﯿﺮﻣﻮ ﻣﺨﺘﺼﺮة وﻏﺎﻣﻀﺔ وﻣﺸﻮھﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ
اﺟﺰاﺋﮭﺎ .وﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﮫ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺗﺎرﯾﺦ ھﺬة اﻟﺪوﻟﺔ-وﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﺟﺰءﯾﺔ -ھﻮ ﻣﺎ ذﻛﺮه ﻣﺎﻧﯿﺘﻮن وﻧﻘﻮش ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﺑﺮ ﻛﺒﺎر اﻻﻓﺮاد.
٦٥
ﯾﺴﺒﻖ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ) ١٦٤٠ - ٢٠٤٠ق.م (.اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ اﻷول و اﻟﺬي ﺣﻜﻤﺖ ﻓﯿﮫ اﻷﺳﺮات ﺑﺪأ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ و ﺣﺘﻰ اﻟﻌﺎﺷﺮة و
اﻟﺬي اﻧﺘﮭﻰ ﺑﺘﻘﺴﯿﻢ اﻟﺒﻼد ،ﻟﯿﺄﺗﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺪأ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﻋﻮن ﻣﻨﺘﻮﺣﺘﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ٢٠٦٥و اﻟﺬي ﻛﺎن أﻣﯿﺮا ﻟﻄﯿﺒﺔ و أﻋﺎد
ﺗﻮﺣﯿﺪ اﻟﺒﻼد و ﻓﺮض اﻟﻨﻈﺎم ،و اھﺘﻢ ﻣﻠﻮك اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﺑﺎ ﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت اﻷﻛﺜﺮ ﻧﻔﻌﺎ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﻓﺎزدھﺮت اﻟﺰراﻋﺔ وﺗﻄﻮرت اﻟﻤﺼﻨﻮﻋﺎت
اﻟﯿﺪوﯾﺔ ،وأﻧﺘﺞ اﻟﻔﻨﺎﻧﻮن اﻟﻤﺼﺮﯾﻮن واﻟﻤﮭﻨﺪﺳﻮن ﺗﺮاﺛﺎ راﺋﻌﺎ اﻧﺘﺸﺮ ﻓﻲ اﻷﻗﺼﺮ واﻟﻔﯿﻮم وﻋﯿﻦ ﺷﻤﺲ· ﻛﺬﻟﻚ ازدھﺮ اﻟﻔﻦ واﻷدب ﻓﻲ
ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ ،و ﻣﻦ ﻣﻠﻮك ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ أﻣﻨﻤﺤﺎت اﻷول ،أﻣﻨﻤﺤﺎت اﻟﺜﺎﻟﺚ وﺗﻠﻰ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ اﻟﺜﺎﻧﻲ و اﻟﺬي ﺣﻜﻤﺖ ﻓﯿﮫ
اﻷﺳﺮات ﻣﻦ ١٣إﻟﻲ ١٧و اﻟﺬي ﺿﻌﻔﺖ ﻓﯿﮫ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ﻓﺄدي ذﻟﻚ ﻹﻏﺎرة ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺗﺴﻜﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﺮق اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻋﺮﻓﻮا ﺑﺎﺳﻢ
اﻟﮭﻜﺴ ﻮس ﻟﻤﺼﺮ وﻏﺰوھﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻓﻲ ﺷﻤﺎل و ووﺳﻂ اﻟﺒﻼد [ ٥ ].
١١٥٠ - ١٥٨٠ق·م( ﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ ﻟﻠﻤﻠﻚ أﺣﻤﺲ اﻷول اﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﮭﻜﺴﻮس وﻃﺮدھﻢ ﺧﺎرج ﺣﺪود ﻣﺼﺮ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ﻋﺎد اﻷﻣﻦ
واﻻﺳﺘﻘﺮار إﻟﻰ رﺑﻮع اﻟﺒﻼد· وﺑﺪأت ﻣﺼﺮ ﻋﮭﺪ ًا ﺟﺪﯾﺪًا ھﻮ ﻋﮭﺪ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ،وأدرﻛﺖ ﻣﺼﺮ أھﻤﯿﺔ اﻟﻘﻮة اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ ﻟﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﺒﻼد،
ﻓﺘﻢ إﻧﺸﺎء ﺟﯿﺶ ﻗﻮى ﻟﺘﻜﻮﯾﻦ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ اﻣﺘﺪت ﻣﻦ ﻧﮭﺮ اﻟﻔﺮات ﺷﺮﻗﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﻼل اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﺮ اﻟﻨﯿﻞ ﺟﻨﻮﺑﺎ· وأﺻﺒﺤﺖ
ﻣﺼﺮ ﻗﻮة ﻋﻈﻤﻰ ،وﺻﺎرت ﺑﺬﻟﻚ إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﺘﺮاﻣﯿﺔ اﻷﻃﺮاف وأﻗﺪم إﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﯾﺦ· ﻟﻘﺪ ﺣﺎز ﻣﻠﻮك وﻣﻠﻜﺎت اﻷﺳﺮة
اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﺸﺮة ﺷﮭﺮة ﻋﺎﻟﻤﯿ ﺔ ﻓﻲ ﻣﯿﺎدﯾﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ واﻟﺤﺮب واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﺤﻀﺎرة واﻟﺪﯾﻦ· أﺣﻤﺲ ﺑﻄﻞ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ،أﻣﻨﺤﻮﺗﺐ اﻷول اﻟﻌﺎدل
اﻟﺬى أﺻﺪر ﻗﺎﻧﻮﻧﺎ ﺑﻤﻨﻊ اﻟﺴﺨﺮة وﺑﻮﺿﻊ اﻟﻤﻌﺎﯾﯿﺮ اﻟﻌﺎدﻟﺔ ﻟﻸﺟﻮر واﻟﺤﻮاﻓﺰ ·· ﺗﺤﺘﻤﺲ اﻷول اﻟﻤﺤﺎرب اﻟﺬى وﺳﻊ اﻟﺤﺪود اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ
ﺷﻤﺎﻻ وﺟﻨﻮﺑﺎ وﻧﺸﺮ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ وﺗﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ اﻟﻤﻨﺎﺟـﻢ وﺻﻨﺎﻋـﺔ اﻟﺘﻌﺪﯾـﻦ ·· ﺗﺤﺘﻤﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻤﺘﺄﻧﻖ و ﺗﺤﺘﻤﺲ اﻟﺜﺎﻟﺚ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﺻﺎﺣﺐ
اﻟﻌﺒﻘﺮﯾﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻟﻔﺬة وأول ﻓﺎﺗﺢ ﻋﻈﯿﻢ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ·· و ﺗﺤﺘﻤﺲ اﻟﺮاﺑﻊ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ اﻟﺬى ﻛﺎن أول ﻣﻦ اھﺘﻢ ﺑﺘﺪوﯾﻦ وﺗﺴﺠﯿﻞ
اﻟﻤﻌﺎھﺪات اﻟﺪوﻟﯿﺔ·· و اﻣﻨﺤﻮﺗﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ أﻏﻨﻰ ﻣﻠﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﯾﻢ واﻟﺬي ﻓﺘﺢ اﻟﻤﺪارس " ﺑﯿﻮت اﻟﺤﯿﺎة " ﻟﻨﺸﺮ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ واﻟﻔﻨﻮن
اﻟﺘﺸﻜﯿﻠﯿﺔ واﻟﺘﻄﺒﯿﻘﯿﺔ ·· و إﺧﻨﺎﺗﻮن أول ﻣﻦ ﻧﺎدى ﺑﺘﻮﺣﯿﺪ اﻻﻟﮭﺔ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﯿﺔ ورﻣﺰ ﻟﮭﺎ ﺑﻘﺮص اﻟﺸﻤﺲ ·· و ﺗﻮت ﻋﻨﺦ آﻣﻮن اﻟﺬى ﺣﺎز
ﺷﮭﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ· وﻣﻦ أﺷـﮭـﺮ ﻣﻠـﻜﺎت ھﺬه اﻷﺳﺮة ﻋـﻠﻰ ﺳﺒـﯿـﻞ اﻟﻤـﺜـﺎل اﻟﻤـﻠـﻜـﺔ اﯾﺎح ﺣﺘﺐ زوﺟـــﺔ اﻟـــﻤــﻠﻚ " ﺳﻘﻨﻦ رع " ،
واﻟـــﻤــﻠــﻜــﺔ " أﺣﻤﺲ ﻧﻔﺮﺗﺎرى " زوﺟﺔ أﺣﻤﺲ اﻷول ،واﻟﻤﻠﻜﺔ ﺗﻰ ﺑﻨﺖ اﻟﺸﻌﺐ وزوﺟﺔ اﻣﻨﺤﻮﺗﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ وأم إﺧﻨﺎﺗﻮن ،واﻟﻤﻠﻜﺔ
ﻧﻔﺮﺗﯿﺘﻲ زوﺟﺔ إﺧﻨﺎﺗﻮن واﻟﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﺣﺘﺸﺒﺴﻮت اﻟﺘﻲ ﺣﻜﻤﺖ ﻣﺼﺮ ﻗﺮاﺑﺔ ﻋﺸﺮﯾﻦ ﻋﺎﻣﺎ· وﺑﻠﻐﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﮭﺪھﺎ أﻋﻠﻰ ﻗﻤﺔ ﻓﻲ
اﻟﺤﻀﺎرة واﻟﻌﻤﺎرة واﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﺣﯿﺚ أرﺳﻠﺖ اﻟﺒﻌﺜﺔ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ واﻟﻌﻠﻤﯿﺔ إﻟﻰ ﺑﻼد "ﺑﻮﻧﺖ" ﻛﺬﻟﻚ ﺷﯿﺪت واﺣﺪا ﻣﻦ أﻋﻈﻢ
اﻵﺛﺎر اﻟﻤﻌﻤﺎرﯾﺔ وأﻛﺜﺮھﺎ روﻋﺔ وﻓﺨﺎﻣﺔ وھﻮ ﻣﻌﺒﺪ " اﻟﺪﯾﺮ اﻟﺒﺤﺮي" ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻠﻨﯿﻞ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻷﻗﺼﺮ وھﻮ ﻣﻌﺒﺪ ﻓﺮﯾﺪ ﻓﻲ
ﺗﺼﻤﯿﻤﮫ وﻟﯿﺲ ﻟﮫ ﻣﺜﯿﻞ ﺑﯿﻦ ﻣﻌﺎﺑﺪ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﯾﻢ ﻛﻠﮭﺎ· وﺷﮭﺪ ھﺬا اﻟﻌﺼﺮ أﯾﻀﺎ "ﺛﻮرة إﺧﻨﺎﺗﻮن اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ " ﺣﯿﺚ دﻋﺎ إﻟﻰ ﻋﺒﺎدة إﻟﮫ واﺣﺪ
ورﻣﺰ ﻟﮫ ﺑﻘﺮص اﻟﺸﻤﺲ وأﻧﺸﺄ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻟﻠﺒﻼد وأﺳﻤﺎھﺎ " أﺧﯿﺘﺎﺗﻮن "· وﺗﻌﺮﺿﺖ ﻣﺼﺮ ﻣﻨﺬ ﺣﻜﻢ اﻷﺳﺮة ٢١ﺣﺘﻰ ٢٨ﻻﺣﺘﻼل ﻛﻞ
ﻣﻦ اﻵﺷﻮرﯾﯿﻦ ﻋﺎم ٦٧٠ق·م ﺛﻢ اﻟﻔﺮس ﺣﺘﻰ اﻧﺘﮭﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ﻣﻊ اﻷﺳﺮة ٣٠ودﺧﻮل اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻷﻛﺒﺮ ﻣﺼﺮ·
ﻧﺠﺢ اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻟﻤﻘﺪوﻧﻲ ﻓﻲ ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﻔﺮس ﻓﻲ آﺳﯿﺎ اﻟﺼﻐﺮى وواﺻﻞ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﮫ ﺣﺘﻰ اﻟﮭﻨﺪ ﺣﯿﺚ ﯾﻌﺘﻘﺪ أﻧﮫ اﺳﺘﻌﺎن ھﻨﺎك ﺑﻔﺮﯾﻖ ﺑﺤﺮي و
ﻃﻮاﻗﻢ إﺳﺘﻜﺸﺎﻓﯿﺔ ﻣﺼﺮﯾﺔ ] ، [٦وﻗﺒﻠﮭﺎ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻃﺮد اﻟﻔﺮس ﻣﻦ ﻣﺼﺮ اﻟﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﻘﺎوﻣﻮا ] [٧اﻟﻌﺎم ٣٣٣ق·م .وﻗﺪ ﺗﻮج اﻹﺳﻜﻨﺪر
ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻠﻜﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﮭﺞ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ ووﺿﻊ أﺳﺎس ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﺛﻢ ﺣﺞ إﻟﻰ ﻣﻌﺒﺪ آﻣﻮن ﻓﻲ واﺣﺔ ﺳﯿﻮة واﻟﺬي ﻛﺎن ﯾﺘﻤﺘﻊ ﺑﺸﮭﺮة
ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ واﺳﻌﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ·
ﺣﻜﻢ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ و ھﻢ اﻟﺴﻼﻟﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺤﺪرت ﻣﻦ ﺑﻄﻠﯿﻤﻮس أﺣﺪ ﻗﺎدة اﻹﺳﻜﻨﺪر اﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ ﻣﺼﺮ ﻣﻨﺬ ٣٣٣ﺣﺘﻰ ٣٠ق·م ،ﺣﯿﺚ ﺗﻮﻟﻰ ﺣﻜﻢ
ﻣﺼﺮ ١٥ﻣﻠﻜﺎ ﺑﻄﻠﻤﯿﺎ [٨ ] ،وﻗﺪ ﻇﻠﺖ دوﻟﺔ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ﻗﻮﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ ﻣﻠﻮﻛﮭﺎ اﻷواﺋﻞ ﺛﻢ ﺣﻞ ﺑﮭﺎ اﻟﻀﻌﻒ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻀﻌﻒ ﻣﻠﻮﻛﮭﺎ ·· واﺳﺘﻐﻞ
اﻟﺮوﻣﺎن اﻟﻤﻮﻗﻒ و ﺗﺄﺛﺮ اﺳﺘﻘﻼل ﻣﺼﺮ ﺣﯿﺚ ﺳﻌﺖ روﻣﺎ ﻟﺒﺴﻂ ﻧﻔﻮذھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ وﻗﻀﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ﺳﻨﮫ ٣٠ق·م أﯾﺎم ﺣﻜﻢ اﻟﻤﻠﻜﺔ
ﻛﻠﯿﻮﺑﺎﺗﺮا اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ آﺧﺮ ﻣﻠﻮك ﻣﺼﺮ اﻟﺒﻄﻠﻤﯿﺔ و اﻧﺘﮭﻰ اﺳﺘﻘﻼل ﻣﺼﺮ و اﻧﻀﻤﺖ إﻟﻰ اﻻﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ .
ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ
ﺑﻨﻰ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ اﻟﻘﺼﻮر واﻟﺤﺪاﺋﻖ وأﺻﺒﺤﺖ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﻣﺮﻛﺰا ﻟﻠﺤﻀﺎرة ﺣﯿﺚ ذاﻋﺖ ﺷﮭﺮﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﻦ واﻟﻌﻠﻢ
واﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺘﺠﺎرة ﻛﻤﺎ أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﯿﻨﺎء اﻷول ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺑﻔﻀﻞ ﻣﻨﺎرﺗﮭﺎ اﻟﺸﮭﯿﺮة اﻟﺘﻰ اﻋﺘﺒﺮھﺎ اﻹﻏﺮﯾﻖ إﺣﺪى ﻋﺠﺎﺋﺐ
اﻟﺪﻧﯿﺎ اﻟﺴﺒﻊ·
وﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﺣﻀﺎرة إﻏﺮﯾﻘﯿﺔ ﻣﺼﺮﯾﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ:
ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ )اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ( اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺄھﺎ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ وﯾﺮﺟﻊ اﻟﻔﻀﻞ إﻟﻰ ﻋﻠﻤﺎء ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻋﻠﻤﯿﺔ ﻋﻦ
دوران اﻷرض ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ وﺗﻘﺪﯾﺮ ﻣﺤﯿﻂ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﯿﺔ ،واﺷﺘﮭﺮت اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﺪراﺳﺔ اﻟﻄﺐ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺘﺸﺮﯾﺢ واﻟﺠﺮاﺣﺔ وﻣﻦ أﺷﮭﺮ
اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ إﻗﻠﯿﺪس ﻋﺎﻟﻢ اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ ،و "ﺑﻄﻠﯿﻤﻮس " اﻟﺠﻐﺮاﻓﻰ و ﻣﺎﻧﯿﺘﻮن اﻟﻤﺆرخ اﻟﻤﺼﺮى·
ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ وأﺛﺮھﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﻰ :أﻧﺸﺄ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺪ أﻋﻈﻢ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﺣﺘﻮت ﻋﻠﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ
ﻧﺼﻒ ﻣﻠﯿﻮن ﻟﻔﺎﻓﺔ ﺑﺮدى ،وﻗﺪ أﻣﺮ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ أن ﯾﮭﺪي ﻛﻞ زاﺋﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﮫ وﺑﺬﻟﻚ وﺻﻞ ﻋﺪد
اﻟﻜﺘﺐ ﺑﺎﻟﻤﻜﺘﺒﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٧٠٠أﻟﻒ ﻛﺘﺎب·
٦٦
ﻋﻤﻞ اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﺣﺘﺮام دﯾﺎﻧﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﯿﻦ وﻗﺪﻣﻮا اﻟﻘﺮاﺑﯿﻦ ﻟﻠﻤﻌﺒﻮدات اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ،وﺷﯿﺪوا ﻟﮭﺎ اﻟﻤﻌﺎﺑﺪ ﻣﺜﻞ ﻣﻌﺒﺪ إدﻓﻮ و ﻣﻌﺒﺪ دﻧﺪرة و
ﻣﻌﺎﺑﺪ ﻓﯿﻠﺔ ﺑ ﺄﺳﻮان ،وﻛﺎن اﻟﺒﻄﺎﻟﻤﺔ ﯾﻈﮭﺮون ﻓﻲ اﻟﺤﻔﻼت اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﺑﺰى اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ .
ﺿﻢ ﺑﻄﻠﯿﻤﻮس اﻷول إﻟﻰ ﻣﺼﺮ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺤﻘﺎت و ھﻲ ﺑﺮﻗﺔ ،ﺟﻨﻮب ﺳﻮرﯾﺎ ،ﻓﯿﻨﻘﯿﺎ ،ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ و ﻗﺒﺮص .
اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ
دﺧﻞ اﻟﺮوﻣﺎن ﻣﺼﺮ اﻟﻌﺎم ٣٠ق·م وأﺻﺒﺤﺖ إﺣﺪى وﻻﯾﺎﺗﮭﺎ ﺑﻞ ﺻﺎرت ﻣﺼﺮ ﻣﻦ أھﻢ وﻻﯾﺎت اﻻﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ ﻧﻈﺮا ﻷھﻤﯿﺘﮭﺎ
اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ،ﻓﻤﺼﺮ ﻋﺮﻓﺖ وﻗﺘﮭﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺳﻠﺔ ﻏﺬاء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ ،وﺻﺎرت اﻷﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ ﺛﺎﻧﻲ أھﻢ ﻣﺪن اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ ﺑﻌﺪ روﻣﺎ و
اﺳﺘﻤﺮت ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻷﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ )اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ( ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ [ ٩ ].
ﻛﻤﺎ اﺷﺘﮭﺮت ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺰﺟﺎج و اﻟﻮرق و اﻟﻜﺘﺎن ﻏﻀﺎﻓﺔ ﻟﻠﻌﻄﻮر و أدوات اﻟﺰﯾﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ .
دﺧﻠﺖ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻷول اﻟﻤﯿﻼدي و ذﻟﻚ ﺑﺪﺧﻮل اﻟﻘﺪﯾﺲ ﻣﺮﻗﺲ إﻟﻰ اﻷﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ و ﺗﺄﺳﯿﺲ أول ﻛﻨﯿﺴﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ
و أﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﺑﺄﺳﺮھﺎ .
وﻗﺪ ﻋﺎﻧﻲ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﻮن ﻣﻦ اﺿﻄﮭﺎد اﻟﺮوﻣﺎن ﻟﮭﻢ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻓﺘﺮة اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر دﻗﻠﺪﯾﺎﻧﻮس اﻟﺬي اﺗﺨﺬ اﻟﻘﺒﻂ ﻣﻦ ﻋﺎم ﺗﻮﻟﯿﮫ ﻋﺮش
اﻻﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺔ ﺑﺪاﯾﺔ ﻟﻠﺘﻘﻮﯾﻢ اﻟﺴﻨﻮي ﻟﺪي اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﯿﻦ اﻷﻗﺒﺎط .
وازدھﺮت ﻓﻲ ھﺬه اﻟﺤﻘﺒﺔ ﺑﻨﺎء اﻟﻜﻨﺎﺋﺲ و اﻷدﯾﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺴﻖ اﻟﻘﺒﻄﻲ أﯾﻀﺎ اﻧﺘﺸﺮ اﻟﺘﺼﻮﯾﺮ ﻟﻠﺸﺨﺼﯿﺎت ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺎﺋﺪا ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر
اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ [ ١٠ ] .
دﺧﻞ اﻹﺳﻼم ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب و ﺑﻘﯿﺎدة ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص اﻟﻌﺎم ٦٤١م .وﺷﮭﺪت ﻣﺼﺮ ﺧﻼل ﻓﺘﺮة اﻟﺤﻜﻢ
اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﻘﺪﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻌﻤﺮان و اﻟﻔﻨﻮن ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻤﺎرة و اﻟﺰﺧﺎرف و اﻟﻨﻘﻮش اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻄﺮاز ﻛﻤﺎ ﺗﻢ ﺑﻨﺎء اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ
اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ و اﻟﻘﻼع و اﻷﺳﻮار .
و ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ اﻋﺘﺒﺮ اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷزھﺮ أﺷﮭﺮ ﻓﻨﻮن اﻟﻌﻤﺎرة ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻌﺪة ﻣﻈﺎھﺮ أﺧﺮى ،ﻛﻤﺎ
ﺑﻨﯿﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻷﯾﻮﺑﻲ ﻗﻠﻌﺔ ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ أﺷﮭﺮ ﻗﻼع ﻣﺪﯾﻨﺔ اﻟﻘﺎھﺮة ،اﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺜﺮوة اﻟﻤﻌﻤﺎرﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﮭﺮت ﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ
اﻟﻤﻤﻠﻮﻛﻲ [ ١١ ].
ﻣﺴﺠﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ اﻟﺸﮭﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺎھﺮة
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﯾﺒﺎﺷﺮ أﻋﻤﺎل إدارة اﻟﺪوﻟﺔ
ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﻣﺆﺳﺲ ﻣﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﻟﻤﺎ ﻗﺎم ﺑﮫ ﻣﻦ إﺻﻼﺣﺎت ﺷﻤﻠﺖ ﺟﻤﯿﻊ ﻧﻮاﺣﻲ اﻟﺤﯿﺎة ﺑﻤﺎ ﯾﺘﻔﻖ ﻣﻊ روح اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ وﻗﺘﮭﺎ،
ﻓﺒﺪأ ﺑﺒﻨﺎء ﺟﯿﺶ ﻣﺼﺮ اﻟﻘﻮى وأﻧﺸﺄ اﻟﻤﺪرﺳﺔ اﻟﺤﺮﺑﯿﺔ ،وﻧﺸﺄت ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻔﻦ ﻓﻲ ﺑﻮﻻق واﻟﺘﺮﺳﺎﻧﺔ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ .وأﺻﻠﺢ
أﺣﻮال اﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺮى وأﻧﺸﺄ اﻟﻘﻨﺎﻃﺮ واﻟﺴﺪود واﻟﺘﺮع ،وأﻧﺸﺄ اﻟﻤﺼﺎﻧﻊ واﻟﻤﻌﺎﻣﻞ ﻟﺴﺪ ﺣﺎﺟﺔ اﻟﺠﯿﺶ وﺑﯿ ﻊ اﻟﻔﺎﺋﺾ ﻟﻸھﺎﻟﻰ ،وﻓﻰ ﻣﺠﺎل
اﻟﺘﺠﺎرة ﻋﻤﻞ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮ اﻷﻣﻦ ﻟﻄﺮق اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ وﻗﺎم ﺑﺈﻧﺸﺎء أﺳﻄﻮل ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﺣﯿﺚ ازدھﺮت ﺣﺮﻛﺔ
اﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ ﻣﺼﺮ.
وﻧﺸﺮ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ﻟﺴﺪ ﺣﺎﺟﺔ دواوﯾﻦ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﺄﻧﺸﺄ اﻟﻤﺪارس ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻣﺴﺘﻮﯾﺎﺗﮭﺎ وﺗﺨﺼﺼﺎﺗﮭﺎ وأرﺳﻞ اﻟﺒﻌﺜﺎت إﻟﻰ أوروﺑﺎ وﻧﻘﻞ
اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ[ ١٢ ] .
وﺣﺎول أﺑﻨﺎء ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ أن ﯾﺴﻠﻜﻮا ﻣﺴﻠﻜﮫ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻠﺤﺎق ﺑﺎﻟﺤﻀﺎرة اﻷوروﺑﯿﺔ ،ﻓﻘﺪ ﺷﮭﺪت اﻟﺒﻼد ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺨﺪﯾﻮى إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ
ﺑﺎﺷﺎ ﻧﮭﻀﺔ ﺗﻤﺜﻠﺖ ﻓﻲ اﻹﺻﻼح اﻹداري ﻛﻤﺎ ﺷﮭﺪت اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻟﺰراﻋﺔ ﻧﮭﻀﺔ وازدھﺎراً ﻛﺒﯿﺮاً ﻓﻲ ﻋﮭﺪه واھﺘﻢ ﺑﺎﻟﺒﻨﺎء واﻟﻌﻤﺎرة ،وأﻧﺸﺄ
دار اﻷوﺑﺮا اﻟﺨﺪﯾﻮﯾﺔ ،وﻣﺪ ﺧﻄﻮط اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﯾﺪﯾﺔ ،وﻓﻰ اﻟﻌﺎم ١٨٦٩اﻓﺘﺘﺤﺖ ﻗﻨﺎة اﻟﺴﻮﯾﺲ ﻟﻠﻤﻼﺣﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻓﻲ إﺣﺘﻔﺎل ﻛﺒﯿﺮ .
٦٧
وﻗﺪ ﺷﮭﺪت ﻣﺼﺮ ﻋﺪة ﺛﻮرات ﺿﺪ اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻷﺟﻨﺒﻲ ﺣﯿﺚ اﺷﺘﺪت اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺛﻮرة ﻋﺮاﺑﻰ ﻋﺎم ١٨٨٢اﻟﺘﻰ اﻧﺘﮭﺖ ﺑﺎﺣﺘﻼل
ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ ﻟﻤﺼﺮ ] [١٣واﻟﺘﻲ أﻋﻠﻨﺖ اﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﻋﺎم ١٩١٤واﻧﺘﮭﺖ ﺗﺒﻌﯿﺘﮭﺎ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ .
:ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ.
دﺧﻠﺖ ﻣﺼﺮ إﻟﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ وھﻰ ﻣﺜﻘﻠﺔ ﺑﺄﻋﺒﺎء اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﻰ ﺑﻀﻐﻮﻃﮫ ﻟﻨﮭﺐ ﺛﺮواﺗﮭﺎ ،وﺗﺼﺎﻋﺪت اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ
واﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﺿﺪ اﻻﺣﺘﻼل ﺑﻘﯿﺎدة ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ و ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺮﯾﺪ وﻇﮭﺮ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺑﻘﻮة ﻣﻊ ﺛﻮرة ١٩١٩ﻟﻠﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﻼل
وﻛﺎن ﻟﻠﺰﻋﯿﻢ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺳﻌﺪ زﻏﻠﻮل دور ﺑﺎرز ﻓﯿﮭﺎ ،ﺛﻢ ﺗﻢ إﻟﻐﺎء اﻟﺤﻤﺎﯾﺔ اﻟﺒﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﻓﻲ ﻋﺎم ١٩٢٢واﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﺳﺘﻘﻼﻟﮭﺎ
وﺻﺪر أول دﺳﺘﻮر ﻣﺼﺮي ﻋﺎم [ ١٤ ]. ١٩٢٣
ﻗﺎد ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﺛﻮرة ٢٣ﯾﻮﻟﯿﻮ .١٩٥٢واﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﮭﺎم ﻣﻦ أھﻤﮭﺎ إﺻﺪار ﻗﺎﻧﻮن اﻹﺻﻼح اﻟﺰراﻋﻲ ،ووﺿﻌﺖ
أول ﺧﻄﺔ ﺧﻤﺴﯿﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ ﻣﺼﺮ ﻋﺎم ١٩٦٠وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻄﻮﯾﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ واﻹﻧﺘﺎج وﺗﻢ إﻧﺸﺎء اﻟﺴﺪ
اﻟﻌﺎﻟﻰ ١٩٧٠-١٩٦٠وﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺒﻼد ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ واﻟﺼﺤﺔ واﻹﻧﺸﺎء واﻟﺘﻌﻤﯿﺮ واﻟﺰراﻋﺔ .وﻓﻰ ﻣﺠﺎل اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﻋﻤﻠﺖ
ﺛﻮرة ﯾﻮﻟﯿﻮ ﻋﻠﻰ ﺗﺸﺠﯿﻊ ﺣﺮﻛﺎت اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻛﻤﺎ اﺗﺨﺬت ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺤﯿﺎد اﻹﯾﺠﺎﺑﻲ ﻣﺒﺪًآ أﺳﺎﺳﯿﺎً ﻓﻲ ﺳﯿﺎﺳﺎﺗﮭﺎ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ.
ﻗﺎﻣﺖ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ ٥ﯾﻮﻧﯿﻮ ١٩٦٧م ﺑﺸﻦ ھﺠﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ وﺳﻮرﯾﺎ واﻷردن واﺣﺘﻠﺖ ﺳﯿﻨﺎء واﻟﺠﻮﻻن واﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻟﻸردن·
واﺳﺘﻄﺎع ﺟﯿﺶ ﻣﺼﺮ ﺑﺮﻏﻢ ﻓﺪاﺣﺔ اﻟﺨﺴﺎرة أن ﯾﻌﺒﺮ ھﺬه اﻟﻤﺤﻨﺔ ﻓﻲ ﺻﻤﻮده أﻣﺎم اﻟﻘﻮات اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ودﺧﻮﻟﮫ ﺣﺮب اﻻﺳﺘﻨﺰاف ،وﻓﻰ
ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺗﻮﻓﻰ "ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ" ﻓﻲ ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ .١٩٧٠
ﺗﻮﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ أﻧﻮر اﻟﺴﺎدات اﻟﺤﻜﻢ ﺑﻌﺪ ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ،ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻮﯾﺔ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ وإﻋ ﺪاد ﻣﺼﺮ ﻟﺨﻮض ﺣﺮب ﻟﺘﺤﺮﯾﺮ
ﺳﯿﻨﺎء .ﻓﻲ ٦أﻛﺘﻮﺑﺮ ١٩٧٣ﻓﻲ ﺗﻤﺎم اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻇﮭﺮاً ،ﻧﻔﺬت اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ واﻟﻘﻮات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﺴﻮرﯾﺔ ھﺠﻮﻣًﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﻘﻮات اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺷﺒﮫ ﺟﺰﯾﺮة ﺳﯿﻨﺎء واﻟﺠﻮﻻن .ﺑﺪأت اﻟﺤﺮب ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﮭﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ﺑﺎﻟﻀﺮﺑﺔ اﻟﺠﻮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻨﺘﮭﺎ اﻟﻘﻮات
اﻟﺠﻮﯾﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ﺿﺪ اﻟﻘﻮات اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﯿﺔ ،وﻋﺒﺮت اﻟﻘﻮات اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ ورﻓﻌﺖ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻤﺼﺮي.
اﻟﺮﺋﯿﺲ أﻧﻮر اﻟﺴﺎدات دﺧﻞ ﻓﻲ ﺗﺴﻮﯾﺔ اﻟﻨﺰاع اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ﻹﯾﺠﺎد ﻓﺮﺻﺔ ﺳﻼم داﺋﻢ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ ،ﻓﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ
ﻣﻌﺎھﺪة اﻟﺴﻼم اﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﮭﺎ إﺳﺮاﺋﯿﻞ )ﻛﺎﻣﺐ دﯾﻔﯿﺪ( ﻓﻲ ٢٦ﻣﺎرس ١٩٧٩ﺑﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺑﻌﺪ أن ﻣﮭﺪت زﯾﺎرة اﻟﺮﺋﯿﺲ
اﻟﺴﺎدات ﻹﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ ، ١٩٧٧واﻧﺴﺤﺒﺖ إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻣﻦ ﺷﺒﮫ ﺟﺰﯾﺮة ﺳﯿﻨﺎء ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻓﻲ ٢٥أﺑﺮﯾﻞ ١٩٨٢ﺑﺎﻧﺴﺤﺎﺑﮭﺎ ﻣﻊ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﺸﺮﯾﻂ
ﻃﺎﺑﺎ اﻟﺤﺪودي و إﺳﺘﺮﺟﻌﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ھﺬا اﻟﺸﺮﯾﻂ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ،ﺑﻨﺎءا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ اﻟﺬي ﺗﻢ ﻓﻲ ﻣﺤﻜﻤﺔ اﻟﻌﺪل اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ·
أﺛﺎر ﺗﻮﻗﯿﻊ ﻣﺼﺮ ﻻﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻟﺴﻼم وزﯾﺎرة اﻟﺴﺎدات ﻹﺳﺮاﺋﯿﻞ اﺳﺘﯿﺎءا داﺧﻞ ﻣﺼﺮ وﺧﺎرﺟﮭﺎ .ﻓﯿﺮى ﻣﺆﯾﺪو ھﺬه اﻻﺗﻔﺎﻗﯿﺔ أﻧﮭﺎ أﻋﺎدت
ﺳﯿﻨﺎء ﻟﻤﺼﺮ ،وﻣﮭﺪت ﻹﺣﻼل اﻟﺴﻼم ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ .ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺮى ﻣﻌﺎرﺿﻮھﺎ أن آﺛﺎر ھﺬه اﻻﺗﻔﺎﻗﯿﺔ أن ﻋﺰﻟﺖ دوﻟﺔ ﻋﺮﺑﯿﺔ ﻟﮭﺎ ﺛﻘﻞ
ﺳﯿﺎﺳﻲ وﻋﺴﻜﺮي ھﻲ ﻣﺼﺮ ﻋﻦ اﻟﺼﺮاع اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ ،وﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺠﯿﻢ ﻧﻄﺎق ﺗﺤﺮك اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﺼﺮي ﻓﻲ ﺳﯿﻨﺎء ،ﻛﻤﺎ أﻧﮭﺎ
أﺿﻌﻔﺖ ﻣﻦ دور ﻣﺼﺮ اﻟﺮﯾﺎدي ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ .ﻓﻲ ٢ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ١٩٧٨ﻋﻘﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ،ﺗﻘﺮر ﻓﯿﮫ ﻧﻘﻞ ﻣﻘﺮ ﺟﺎﻣﻌﺔ
اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ ،وﻋﻠﻘﺖ ﻋﻀﻮﯾﺔ ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﻋﺎم ١٩٧٩إﻟﻰ ، ١٩٨٩ﺷﺎرﻛﺖ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻘﻤﺔ ﻋﺸﺮة دول ﻋﺮﺑﯿﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ
ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ،وﻗﺪ ﻋﺎرﺿﺖ اﻹﻣﺎرات اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﺨﻄﻮات اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﺿﺪ ﻣﺼﺮ[ ١٥ ] .
٦٨
ﺁﺩﻡ )ﺃﺒﻭ ﺍﻟﺒﺸﺭﻴﺔ:ﻋﺎﺵ ١٠٠٠ﺴﻨﺔ .ﺩﻓﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻨﺩ .ﻭﻗﻴل ﻓﻲ ﻤﻜﺔ .ﻭﻗﻴل ﻓﻲ ﺒﻴﺕ ﺍﻟﻤﻘﺩﺱ . -١
٢-ﺇﺩﺭﻴﺱ )ﺃﺨﻨﻭﺝ:ﻋﺎﺵ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ٨٦٥ﺴﻨﺔ.
٣-ﻨﻭﺡ( ﺸﻴﺦ ﺍﻟﻤﺭﺴﻠﻴﻥ :ﻟﺒﺙ ﻓﻲ ﻗﻭﻤﻪ ٩٥٠ﺴﻨﺔ .ﻗﻴل ﺩﻓﻥ ﻓﻲ ﻤﺴﺠﺩ ﺍﻟﻜﻭﻓﺔ .ﻭﻗﻴل ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒل ﺍﻷﺤﻤﺭ .ﻭﻗﻴل ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺩ
ﺍﻟﺤﺭﺍﻡ٠
٤-ﻫﻭﺩ )ﻋﺎﺒﺭ(-:ﻋﺎﺵ ٤٦٤ﺴﻨﺔ .ﺩﻓﻥ ﺸﺭﻗﻲ ﺤﻀﺭﻤﻭﺕ )ﺍﻟﻴﻤﻥ.
٥-ﺼﺎﻟﺢ-:ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﺜﻤﺔ ﻤﻥ ﻴﺯﻋﻡ ﺃﻥ ﻗﺒﺭﻩ ﻓﻲ ﺤﻀﺭﻤﻭﺕ )ﺍﻟﻴﻤﻥ.
٦-ﻟﻭﻁ-:ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﻴﺫﻜﺭ ﺃﻥ ﻟﻪ ﻗﺒﺭﺍ ﻓﻲ ﻗﺭﻴﺔ ﺼﻭﻋﺭ )؟؟؟.
٧-ﺇﺒﺭﺍﻫﻴﻡ ﺍﻟﺨﻠﻴل )ﺃﺒﻭ ﺍﻻﻨﺒﻴﺎﺀ:-ﻋﺎﺵ ٢٠٠.ﻭﻟﺩ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﻁﻭﻓﺎﻥ ﺒـ ١٢٦٣ﺴﻨﺔ .ﺩﻓﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻴل )ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ( .ﻭﻓﻴﻬﺎ ﻗﺒﺭ
ﺯﻭﺠﺘﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺴﺎﺭﺓ ٨- ٠ﺇﺴﻤﺎﻋﻴل-:ﻋﺎﺵ ١٣٧ﺴﻨﺔ .ﺩﻓﻥ ﺒﺠﻭﺍﺭ ﻭﺍﻟﺩﺘﻪ )ﻫﺎﺠﺭ( ﻓﻲ ﻤﻜﺔ٠
٩-ﺇﺴﺤﺎﻕ-:ﻋﺎﺵ ١٨٠ﺴﻨﻪ ﻭﺩﻓﻥ ﻤﻊ ﺃﺒﻴﻪ ﺇﺒﺭﺍﻫﻴﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻴل )ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ(٠
١٠-ﻴﻌﻘﻭﺏ )ﺇﺴﺭﺍﺌﻴل(-:ﻋﺎﺵ ١٤٧ﺴﻨﻪ ﺘﻭﻓﻲ ﻓﻲ ﻤﺼﺭ .ﻭﺘﻨﻔﻴﺫﺍ ﻟﻭﺼﻴﺘﻪ ﻨﻘﻠﻪ ﺍﺒﻨﻪ ﻴﻭﺴﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻴل )ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ(٠
١١-ﻴﻭﺴﻑ )ﺍﻟﺼﺩﻴﻕ(-:ﻋﺎﺵ ١١٠ﺴﻨﻭﺍﺕ .ﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﻤﺼﺭ .ﻨﻘﻠﻪ ﺇﺨﻭﺘﻪ ﺘﻨﻔﻴﺫﺍ ﻟﻭﺼﻴﺘﻪ ﻭﺩﻓﻥ ﻓﻲ ﻨﺎﺒﻠﺱ )ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ(٠
١٢-ﺸﻌﻴﺏ )ﻨﺒﻲ ﺍﷲ:-.ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﻀﺭﻴﺤﻪ ﻓﻲ ﺤﻁﻴﻥ ﺍﻟﻘﺭﻴﺒﺔ ﻤﻥ ﻁﺒﺭﻴﺔ( ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ.
١٣-ﺃﻴﻭﺏ )ﺍﻟﺼﺎﺒﺭ(-:ﻋﺎﺵ ٩٣ﺴﻨﺔ .ﺩﻓﻥ ﺒﺠﻭﺍﺭ ﺯﻭﺠﺘﻪ ﺒﻘﺭﻴﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺴﻌﺩ ﺍﻟﻘﺭﻴﺒﺔ ﻤﻥ ﺩﻤﺸﻕ٠
١٤-ﺫﻭ ﺍﻟﻜﻔل )ﺒﺸﺭ(-:ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﻭﻟﺩ ﻓﻲ ﻤﺼﺭ .ﺘﻭﻓﻲ ﻓﻲ ﺴﻴﻨﺎﺀ ﺃﻴﺎﻡ ﺍﻟﺘﻴﻪ .ﻗﻴل ﺩﻓﻥ ﺒﺠﻭﺍﺭ ﻭﺍﻟﺩﻩ ﻓﻲ
ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺸﺎﻡ٠
١٥-ﻴﻭﻨﺱ-:ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﻟﻡ ﻴﺭﺩ ﺃﻱ ﺨﺒﺭ ﻋﻥ ﻗﺒﺭﻩ٠
١٦-ﻤﻭﺴﻰ( ﻜﻠﻴﻡ ﺍﷲ(-:ﻋﺎﺵ ١٢٠ﺴﻨﺔ .ﺘﻭﻓﻲ ﻓﻲ ﺴﻴﻨﺎﺀ ﻭﺩﻓﻥ ﻫﻨﺎﻙ.
١٧-ﻫﺎﺭﻭﻥ-:ﻋﺎﺵ ١٢٢ﺴﻨﺔ .ﺘﻭﻓﻲ ﻓﻲ ﺴﻴﻨﺎﺀ ﻭﺩﻓﻥ ﻫﻨﺎﻙ٠
١٨-ﺍﻟﻴﺎﺱ:-ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﺫﻜﺭ ﺃﻨﻪ ﻭﻟﺩ ﺒﻌﺩ ﺩﺨﻭل ﺒﻨﻲ ﺇﺴﺭﺍﺌﻴل ﻓﻠﺴﻁﻴﻥ .ﻗﻴل ﻗﺒﺭﻩ ﻓﻲ ﺒﻌﻠﺒﻙ( ﻟﺒﻨﺎﻥ
١٩-ﺇﻟﻴﺴﻊ )ﺇﻟﻴﺴﻊ:ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﻭﻻ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺫﻱ ﺍﺘﺠﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺒﻌﺩ ﻋﺼﻴﺎﻥ ﻗﻭﻤﻪ ﻓﻲ ﺒﺎﻨﻴﺎﺱ )ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺸﺎﻡ(٠
٢٠-ﺩﺍﻭﺩ-:ﻋﺎﺵ ١٠٠ﺴﻨﺔ .ﺫﻜﺭ ﺍﻥ ﻤﻠﻜﻪ ﺩﺍﻡ ٤٠ﺴﻨﺔ.
٢١-ﺴﻠﻴﻤﺎﻥ-:ﻋﺎﺵ ٥٢ﺴﻨﺔ .ﻭﺭﺙ ﻤﻠﻙ ﺃﺒﻴﻪ ﻭﻋﻤﺭﻩ ١٢ﺴﻨﺔ ﻭﺩﺍﻡ ﻤﻠﻜﻪ ٤٠ﺴﻨﺔ٠
٦٩
٢٢-ﺯﻜﺭﻴﺎ-:ﻋﺎﺵ ١٥٠ﺴﻨﺔ .ﻨﺸﺭ ﺒﺎﻟﻤﻨﺸﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻴﺩ ﻤﻥ ﺫﺒﺤﻭﺍ ﺍﺒﻨﻪ ﻴﺤﻴﻰ.
٢٣-ﻴﺤﻴﻰ-:ﻟﻡ ﺘﺫﻜﺭ ﺍﻟﻜﺘﺏ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺸﻬﺎ .ﻭﻟﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻟﺩ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ .ﺫﺒﺢ ﻭﻫﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺭﺍﺏ ﺘﻨﻔﻴﺫﺍ ﻟﺭﻏﺒﺔ ﺍﻤﺭﺍﺓ
ﻓﺎﺠﺭﺓ ﻤﻥ ﻗﺒل ﻤﻠﻙ ﻅﺎﻟﻡ .ﺫﻜﺭ ﺃﻥ ﺭﺃﺴﻪ ﻤﺩﻓﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻤﻊ ﺍﻻﻤﻭﻱ )ﺩﻤﺸﻕ(
٢٤-ﺍﻟﻤﺴﻴﺢ )ﻋﻴﺴﻰ ﺒﻥ ﻤﺭﻴﻡ(-:ﻋﺎﺵ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ٣٣ﺴﻨﺔ .ﺭﻓﻌﻪ ﺍﷲ ﺒﻌﺩ ﺒﻌﺜﺘﻪ ﺒﺜﻼﺙ ﺴﻨﻭﺍﺕ .ﺫﻜﺭ ﺃﻥ ﻭﺍﻟﺩﺘﻪ ﻤﺭﻴﻡ ﻋﺎﺸﺕ
ﺒﻌﺩﻩ ٦ﺴﻨﻭﺍﺕ .ﺘﻭﻓﻴﺕ ﻭﻟﻬﺎ ﻤﻥ ﺍﻟﻌﻤﺭ ٥٣ﺴﻨﺔ.
٢٥-ﻤﺤﻤﺩ( ﺭﺴﻭل ﺍﷲ):-ﻭﻟﺩ ﻓﻲ ﻤﻜﺔ ﺴﻨﻪ .٥٧٠ﺘﻭﻓﻲ ﻭﻫﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻭﺍﻟﺴﺘﻴﻥ ﻤﻥ ﻋﻤﺭﻩ.
٧٠
٧١
٧٢
٧٣
٧٤
٧٥
٧٦
٧٧
٧٨
٧٩
٨٠
٨١
٨٢
٨٣
٨٤
٨٥
٨٦
٨٧
٨٨
٨٩
٩٠
٩١
٩٢
٩٣
٩٤
٩٥
٩٦
٩٧
٩٨
٩٩
١٠٠
١٠١
١٠٢
١٠٣
١٠٤
١٠٥
١٠٦
١٠٧
١٠٨
١٠٩
١١٠
١١١
١١٢
} ١١-١ھـ{ ﻋﮭﺪ اﻟﻨﺒﻮة ) ﻣﺤﻤﺪ ( e
١١٣
اﻷﺣﺪاث اﻟﻌﺎم
اﻟﮭﺠﺮة إﻟﻰ اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ – ﺑﻨﺎء ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺒﺎء – اﻟﻤﺆاﺧﺎة ﺑﯿﻦ اﻟﻤﮭﺎﺟﺮﯾﻦ واﻷﻧﺼﺎر – ١
اﻟﻤﻌﺎھﺪة ﻣﻊ اﻟﯿﮭﻮد
ﻏﺰوة :ودان – ﺑﻮاط – اﻟﻌﺸﯿﺮة – ﺑﺪر – ﺑﻨﻲ ﻗﯿﻨﻘﺎع – اﻟﺴﻮﯾﻖ -ﺑﻨﻲ ﺳﻠﯿﻢ ٢
ﻏﺰوة :أﺣﺪ – ﺣﻤﺮاء اﻷﺳﺪ – ذي أﻣﺮ – ﺑﺤﺮان ٣
ﻏﺰوة :ﺑﻨﻲ اﻟﻨﻀﯿﺮ – ذات اﻟﺮﻗﺎع – ﺑﺪر اﻵﺧﺮة ٤
ﻏﺰوة :دوﻣﺔ اﻟﺠﻨﺪل – ﺑﻨﻲ اﻟﺼﻄﻠﻖ – اﻟﺨﻨﺪق – ﺑﻨﻲ ﻗﺮﯾﻈﺔ ٥
ﻏﺰوة :ﺑﻨﻲ ﻟﺤﯿﺎن – ذي ﻗﺮد – اﻟﺤﺪﯾﺒﯿﺔ ٦
ﻏﺰوة :ﺧﯿﺒﺮ -ﻋﻤﺮة اﻟﻘﻀﺎء ٧
ﻏﺰوة :ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ – ﺣﻨﯿﻦ – اﻟﻄﺎﺋﻒ ٨
ﻏﺰوة :ﺗﺒﻮك ٩
} ٤٠-١١ھـ{ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺷﺪة ) (t
اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ﻣﺪة اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
ﺣﺮب اﻟﯿﻤﺎﻣﺔ – ذات اﻟﺴﻼﺳﻞ – اﻟﻤﺬار – اﻟﻮﻟﺠﺔ – اﻟﺤﯿﺮة – ١٣-١١ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ t
اﻷﻧﺒﺎر – ﻋﯿﻦ اﻟﺘﻤﺮ – دوﻣﺔ اﻟﺠﻨﺪل – اﻟﺤﺼﯿﺪ – اﻟﻔﺮاض –
أﺟﻨﺎدﯾﻦ – ﻣﺮج اﻟﺼﻔﺮ -
ﻛﺴﻜﺮ – اﻟﺠﺴﺮ – اﻟﺒﻮﯾﺐ – اﻟﻘﺎدﺳﯿﺔ – اﻟﻨﻤﺎرق – أﺟﻨﺎدﯾﻦ – ٢٣-١٣ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب t
ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس – أرﻣﺎث – اﻟﻤﺪاﺋﻦ – ﺟﻠﻮﻻء – ﺣﻠﻮان –
راﻣﮭﺮاﻣﺰ – ﺗﺴﺘﺮ – ﺟﻨﺪﯾﺴﺎﺑﻮر – ﻧﮭﺎوﻧﺪ – أﺻﺒﮭﺎن – واج
اﻟﺮذ – اﻟﺒﺎب – ﺳﺠﺴﺘﺎن – ﻓﺤﻞ – اﻟﯿﺮﻣﻮك – ﻗﻨﺴﺮﯾﻦ – ﺣﻠﺐ
وأﻧﻄﺎﻛﯿﺔ – اﻟﻼذﻗﯿﺔ – ﻗﯿﺴﺎرﯾﺔ – ﻣﺼﺮ – اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ
أذرﺑﯿﺠﺎن – أرﻣﯿﻨﯿﺔ – إﻓﺮﯾﻘﯿﺔ – ﻗﺒﺮص – ﻃﺒﺮﺳﺘﺎن – ذات ٣٦-٢٣ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن t
اﻟﺼﻮاري – ﻗﺎرن
اﻟﺠﻤﻞ – ﺻﻔﯿﻦ ٤٠-٣٦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ
t
ﺣﻜﻢ ٦أﺷﮭﺮ ٤٠ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ t
}١٣٢-٤٠ھـ{ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ )ﻓﻲ دﻣﺸﻖ (
اﻟﻔﺘﻮﺣﺎت ﻣﺪة اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ – رودس – اﻟﺒﻠﻘﺎن – ﺗﻮﻧﺲ – ﺳﺠﺴﺘﺎن ٦٠-٤١ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﯿﺎن t
اﻟﺤﺮة – اﻟﻘﻮﻗﺎز – اﻟﺠﺰاﺋﺮ – ﺣﺮﯾﻖ اﻟﻜﻌﺒﺔ – ﻣﻘﺘﻞ ٦٤-٦٠ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ
ﺣﺴﯿﻦ
ﻣﺮج راھﻂ – ﺳﮭﻞ ﻣﺮج راھﻂ –اﻟﻤﮭﻠﺐ واﻟﺨﻮارج ٧٣-٦٤ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ
ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ
ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﺰﺑﯿﺮ
إﻋﺎدة ﺑﻨﺎء اﻟﻜﻌﺒﺔ – ﻓﺘﻨﺔ اﻟﺨﻮارج – أرﻗﯿﻠﯿﺔ – ٨٦ -٧٣ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان
ﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ – اﻟﺘﺮك – ﺑﻨﺎء ﺗﻮﻧﺲ – ﺑﻨﺎء واﺳﻂ – دھﻠﻚ
– أرﻣﯿﻨﯿﺔ – اﻟﺮوم )ﺗﻮﻟﯿﺔ اﻟﺤﺠﺎج ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﺜﻘﻔﻲ
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮاق (
ﺣﺼﻦ اﻟﻄﻮاﻧﺔ – ﺳﻮرﯾﺔ وﻋﻤﻮرﯾﺔ وھﺮﻗﻠﺔ وﻗﻤﻮدﯾﺔ ٩٦-٨٦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
– ﺑﻼد اﻟﺴﻨﺪ – اﻟﺒﻠﯿﺎر -اﻟﻤﻐﺮب – ﺑﺨﺎرى ﺳﻤﺮﻗﻨﺪ –
اﻷﻧﺪﻟﺲ – ﻟﻜﺔ – أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ – ﻛﺎﺑﻞ – ﺑﺎﻗﻲ أﺳﺒﺎﻧﯿﺎ
١١٤
ﺣﺼﺎر اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ٩٩-٩٦ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
ﺣﺼﺎر اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ – رودس – ﻣﺎوراء اﻟﻘﻮﻗﺎز ١٠١-٩٩ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ
١٠٥-١٠١ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
١٢٥-١٠٥ ھﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
١٢٦-١٢٥ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ
اﻟﻤﻠﻚ
١٢٦ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ
اﻟﻤﻠﻚ
١٢٧-١٢٦ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ
اﻟﻤﻠﻚ
١٣٢-١٢٧ ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ
}٦٥٦-١٣٢ھـ{ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ )ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد (
اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻷول ) ( ٢٤٧ -١٣٢
اﻷﺣﺪاث ﻣﺪة اﻟﺤﻜﻢ اﻟﻠﻘﺐ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
١٣٦-١٣٢ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺍﻟﺴﻔﹼﺎﺡ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ
ﺛﻮرة اﻟﺮواﻧﺪﯾﺔ – ﺛﻮرة اﻟﻤﻘﻨﻌﯿﺔ – ١٥٨-١٣٦ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ
ﺛﻮرة ﺑﺎﺑﻚ اﻟﺨﺮﻣﻲ اﻟﻤﻨﺼﻮر
١٦٩-١٥٨ اﻟﻤﮭﺪي ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﻤﻨﺼﻮر
١٧٠-١٦٩ اﻟﮭﺎدي ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﮭﺪي
ﺣﺮﻛﺔ اﻷﺑﺎﺿﯿﺔ ١٩٣-١٧٠ اﻟﺮﺷﯿﺪ ھﺎرون ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﮭﺪي
١٩٨-١٩٣ اﻷﻣﯿﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ
ﻣﺤﻨﺔ ﺧﻠﻖ اﻟﻘﺮان ٢١٨ ٢١٨-١٩٨ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ
٢٢٧-٢١٨ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ
٢٣٢-٢٢٧ اﻟﻮاﺛﻖ ھﺎرون ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ
٢٤٧-٢٣٢ اﻟﻤﺘﻮﻛّﻞ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ
اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ -ﺳﯿﻄﺮة اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﲔ
اﻷﺗﺮاك ) ( ٣٤٣ -٢٤٧
٢٤٨-٢٤٧ ﺍﳌﻨﺘﺼﺮ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ][١
٢٥٢-٢٤٨ اﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ ﺑﺎﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ
٢٥٥-٢٥٢ اﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ][٢
٢٥٦-٢٥٥ اﻟﻤﮭﺘﺪي ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ھﺎرون ا ﻟﻮاﺛﻖ
٢٧٩-٢٥٦ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ
٢٨٩-٢٧٩ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ ﺑﺎﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ
اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ
٢٩٥-٢٨٩ اﻟﻤﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﷲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ
اﻟﻌﺒﯿﺪﯾﻮن ﻣﻦ ٣٦١-٢٩٨ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ٣٢٠-٢٩٥ اﻟﻤﻘﺘﺪر ﺑﺎﷲ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ
ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﺸﯿﻌﻲ اﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب
إﻟﻰ ﻣﺼﺮ – اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﻮن ﻓﻲ ﺷﻤﺎل
اﻟﻌﺮاق واﻟﺸﺎم ٣١٧
٣٢٢-٣٢٠ اﻟﻘﺎھﺮ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ
٣٢٩-٣٢٢ اﻟﺮاﺿﻲ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻘﺘﺪر
٣٣٣-٣٢٩ اﻟﻤﺘﻘﻲ ﷲ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻘﺘﺪر
٣٣٤-٣٣٣ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻲ ﺑﺎﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻜﺘﻔﻲ
١١٥
اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻟﺜﺎﻟﺚ -ﺳﯿﻄﺮة اﻟﻔﺮس
اﻟﺒﻮﯾﻬﯿﲔ )(٤٤٧-٣٣٤
٣٦٣-٣٣٤ اﻟﻤﻄﯿﻊ ﷲ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻘﺘﺪر
ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻘﺮاﻣﻄﺔ ﺳﻨﺔ ٣٧٨ ٣٨١-٣٦٣ اﻟﻄﺎﺋﻊ ﷲ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻤﻄﯿﻊ
)ﺣﻤﺪان ﺑﻦ اﻷﺷﻌﺚ (ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮﯾﻦ
٤٢٢-٣٨١ اﻟﻘﺎدر ﺑﺎﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ إﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ
اﻟﻤﻘﺘﺪر
٤٦٧-٤٢٢ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻘﺎدر
)(٦٥٦-٤٤٧ ﻋﺼﺮ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ اﻷﺗﺮاك
٤٨٧-٤٦٧ اﻟﻤﻘﺘﺪي ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ
اﻟﻘﺎﺋﻢ
٥١٢-٤٨٧ اﻟﻤﺴﺘﻈﮭﺮ ﺑﺎﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﻤﻘﺘﺪي
٥٢٩-٥١٢ اﻟﻤﺴﺘﺮﺷﺪ ﺑﺎﷲ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺴﺘﻈﮭﺮ
٥٣٠-٥٢٩ اﻟﺮاﺷﺪ ﺑﺎﷲ ﻣﻨﺼﻮر ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻤﺴﺘﺮﺷﺪ
٥٥٥-٥٣٠ اﻟﻤﻘﺘﻔﻲ ﻷﻣﺮ اﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺴﺘﻈﮭﺮ
٥٦٦-٥٥٥ اﻟﻤﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﺎﷲ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻘﺘﻔﻲ
٥٧٥-٥٦٦ اﻟﻤﺴﺘﻀﻲء ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﻤﺴﺘﻨﺠﺪ
اﷲ
٦٢٢-٥٧٥ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻤﺴﺘﻀﻲء
٦٢٣-٦٢٢ اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﯾﻦ
اﷲ
٦٤٠-٦٢٣ اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻨﺼﻮر ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﺄﻣﺮ
اﷲ اﷲ
٦٥٦-٦٤٠ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﺑﺎﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﻨﺼﻮر اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ
ﺑﺎﷲ
)(٦٥٦-٤٧٤ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﯿﺔ
ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻣﻼذ ﻛﺮد )ﻣﻊ اﻟﺮوم ( ﺗﻐﺮل ﺑﻚ اﻟﺴﻠﺠﻮﻗﻲ
ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ داوود
ﻣﻠﻚ ﺷﺎه
أﻟﺐ ارﺳﻼن
)(٦٥٦-٣٥٥ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻐﺰﻧﺎوﯾﺔ
ﻏﺰوة اﻟﻤﻠﺘﺎن ) – (٣٩٦ﻛﻮاﻛﯿﺮ -ﺑﮭﯿﻢ ﻧﻐﺮ -ﺑﻼد اﻟﻐﻮر -ﻗﺸﻤﯿﺮ -اﻟﮭﻨﺪ - أﻟﯿﺒﺘﻜﯿﻦ
ﺳﻤﻨﺎت ﺳﺒﻜﺘﻜﯿﻦ
ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻐﺰﻧﻮي
ﻣﺴﻌﻮد ﺑﻦ ﻣﺤﻤﻮد اﻟﻐﺰﻧﻮي
٣٠٦ دوﻟﺔ اﳌﺮاﺑﻄﲔ
اﻟﺰﻻﻗﺔ ) – (٤٧٩أﻗﻠﯿﺶ -إﻓﺮاﻏﮫ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﯾﺲ
ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﺗﺎﺷﻔﯿﻦ
ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ
اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ ٣٦٣
ﺗﺄﺳﯿﺲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ اﻟﻌﺒﯿﺪﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﻟﻤﻌﺰ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ
اﻟﻌﺰﯾﺰ ﺑﺪﯾﻦ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ
اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ اﻟﻔﺎﻃﻤﻲ
دوﻟﺔ آل زﻧﻜﻲ٥٤٣
اﻟﺠﮭﺎد ﺿﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻦ ﻋﻤﺎد اﻟﺪﯾﻦ زﻧﻜﻲ
ﻧﻮر اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺤﻤﻮد
١١٦
٥٦٩ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ
اﻟﺠﮭﺎد ﺿﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﻦ )ﺣﻄﯿﻦ ( -ﻓﺘﺢ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﺻﻼح اﻟﺪﯾﻦ اﻷﯾﻮﺑﻲ
٦٢٤ اﻟﺪوﻟﺔ اﳌﻤﺎﻟﯿﻚ
اﻟﺤﺮوب ﺿﺪ اﻟﺘﺘﺎر )ھﻮﻻﻛﻮ( -ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت } – {٦٥٨اﻟﺒﯿﺮة }– {٦٧١ ﻧﺠﻢ اﻟﺪﯾﻦ أﯾﻮب
اﻟﻤﻨﺼﻮر ﻗﺎﻟﻮون } – {٦٨٠اﻟﺤﺮوب ﺿﺪ اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﯿﻦ – أﻧﻄﺎﻛﯿﺔ -ﺣﺼﺎر ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ أﯾﺒﻚ
ﻃﺮاﺑﻠﺲ وﻓﺘﺤﮭﺎ – ﻋﻜﺎ } – {٦٦١ﺻﯿﺪا – ﺑﯿﺮوت ﻗﺎﻟﻮون
ﺳﯿﻒ اﻟﺪﯾﻦ ﻗﻄﺰ
اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﯿﺒﺮس
ﻃﻮﻣﺎن ﺑﺎي
٨٥٧ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ
٧٢٦-٦٨٧ ﻋﺜﻤﺎن
٧٦١-٧٢٦ أورﺧﺎن
٧٩١-٧٦١ ﻣﺮاد اﻷول
٨٠٥-٧٩١ ﺑﯿﺎزﯾﺪ
-٨١٦ ﻣﺤﻤﺪ ﺟﻠﺒﻲ
٨٢٤
-٨٢٤ ﻣﺮاد اﻟﺜﺎﻧﻲ
٨٥٥
اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ٨٥٧ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻔﺎﺗﺢ - ٨٥٥
٨٨٦
٩١٨-٨٨٦ ﺑﯿﺎزﯾﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺑﻠﻐﺮاد – رودس – ﻛﺮﯾﺖ ﺳﻠﯿﻤﺎن اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ
أﺣﻤﺪ اﻷول
١٠٤٩ إﺑﺮاھﯿﻢ اﻷول
اﻹﻣﺎرة اﻷﻣﻮﯾﺔ ﰲ اﻷﻧﺪﻟﺲ
١٧٢-١٣٨ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ
١٨٠-١٧٢ ھﺸﺎم اﻷول
٢٠٦-١٨٠ اﻟﺤﻜﻢ اﻷول
٢٣٨-٢٠٦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻢ اﻷوﺳﻂ
٢٧٥-٢٣٨ ﻣﺤﻤﺪ اﻷول
٢٧٥-٢٧٣ اﻟﻤﻨﺬر
٣٠٠-٢٧٥ ﻋﺒﺪ اﷲ
٣٥٠-٣٠٠ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﻨﺎﺻﺮ
١١٧
ﺗﺎرﯾﺦ ﻣﺼﺮ اﳊﺪﯾﺚ ١١٨٢
اﻟﺤﻤﻠﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ) ١٢١٢ﻧﺎﺑﻠﯿﻮن ( ﻋﻠﻲ ﺑﻚ اﻟﻜﺒﯿﺮ ١٠٨٧
ﺣﻤﻠﺔ ﻓﺮﯾﺰر ١٢٢٢ ١٢٢٠ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺷﺎ
١٢٦٤ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﺎﺷﺎ
ﻋﺒﺎس ﻃﻮﺳﻮن ١٢٧٠
ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﯿﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻲ ١٢٧٩
إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﺑﻦ إﺑﺮاھﯿﻢ
ﺣﺮﻛﺔ أﺣﻤﺪ ﻋﺮاﺑﻲ ﺗﻮﻓﯿﻖ ﺑﻦ إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ
اﺣﺘﻼل اﻹﻧﺠﻠﯿﺰ ﻣﺼﺮ ١٢٩٩
ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ ١٢٢٥ ﻋﺒﺎس ﺣﻠﻤﻲ
دﻧﺸﻮاي ١٢٢٤
ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺮﯾﺪ ١٣٣٨ ﺣﺴﯿﻦ ﻛﺎﻣﻞ ١٣٣٦
اﻟﻤﻠﻚ ﻓﺆاد اﻷول ١٣٤١
اﻟﻤﻠﻚ ﻓﺎروق
اﻟﻀﺒﺎط اﻷﺣﺮار ١٩٥٢
إﻋﻼن اﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺔ ١٩٥٣ ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺠﯿﺐ
ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ١٩٥٤
ﻣﺤﻤﺪ أﻧﻮر اﻟﺴﺎدات ١٩٦٩
ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻨﻲ ﻣﺒﺎرك ١٩٨٢
ﺑﻨﺎﺀ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ – ﺍﳌﺆﺍﺧﺎﺓ ﺑﲔ ﺍﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭﺍﻷﻧﺼﺎﺭ – ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻷﺫﺍﻥ ١
ﻏﺰﻭﺓ ﺍﻷﺑﻮﺍﺀ – ﲢﻮﻳﻞ ﺍﻟﻘﺒﻠﺔ – ﻏﺰﻭﺓ ﺑﺪﺭ -ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ٢
ﻏﺰﻭﺓ ﺑﲏ ﻗﻴﻨﻘﺎﻉ – ﻏﺰﻭﺓ ﺃﺣﺪ ٣
ﻏﺰﻭﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺮﻗﺎﻉ – ﻏﺰﻭﺓ ﺑﲏ ﺍﻟﻨﻀﲑ – ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺮﺟﻴﻊ – ﺑﺌﺮ ﻣﻌﻮﻧﺔ ٤
ﻏﺰﻭﺓ ﺩﻭﻣﺔ ﺍﳉﻨﺪﻝ -ﻏﺰﻭﺓ ﺍﳋﻨﺪﻕ )ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ( -ﻏﺰﻭﺓ ﻳﻬﻮﺩ ﺑﲏ ﻗﺮﻳﻈﺔ ٥
١١٨
ﻏﺰﻭﺓ ﺍﳌﺮﻳﺴﻴﻊ )ﺑﲏ ﺍﳌﺼﻄﻠﻖ( -ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺍﻹﻓﻚ -ﻏﺰﻭﺓ ﺍﳊﺪﻳﺒﻴﺔ -ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺍﳊﺞ -ﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺮﺿﻮﺍﻥ ٦
ﻗﺪﻭﻡ ﻣﺴﻠﻤﻲ ﺍﳊﺒﺸﺔ ﺍﳌﻬﺎﺟﺮﻳﻦ -ﺇﺧﻀﺎﻉ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﰲ ﺍﳌﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﻣﺎ ﺣﻮﳍﺎ -ﻏﺰﻭﺓ ﺧﻴﱪ )ﰲ ﺃﻭﳍﺎ( -ﻋﻤﺮﺓ ٧
ﺍﳊﺪﻳﺒﻴﺔ ﻭﺗﺴﻤﻰ )ﻋﻤﺮﺓ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ (
ﻏﺰﻭﺓ ﻣﺆﺗﺔ -ﻏﺰﻭﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺴﻼﺳﻞ -ﻏﺰﻭﺓ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ -ﻏﺰﻭﺓ ﺣﻨﲔ )ﻫﻮﺍﺯﻥ( -ﻋﻤﺮﺓ ﺍﳉﻌﺮﺍﻧﺔ ٨
ﻏﺰﻭﺓ ﺗﺒﻮﻙ -ﻋﺎﻡ ﺍﻟﻮﻓﻮﺩ ٩
ﺣﺠﺔ ﺍﻟﻮﺩﺍﻉ ١٠
ﺑﻌﺚ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﺇﱃ ﺍﻟﺸﺎﻡ -ﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﺮﺩﺓ -ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ --ﻣﻌﺮﻛﺔ ١١
ﺍﻟﻴﻤﺎﻣﺔ
ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ
ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﻔﺘﺤﻮﻥ ﺍﳊﲑﺓ -ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻔﺮﺍﺽ -ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺴﻼﺳﻞ ﻭﻫﺰﳝﺔ ﺍﻟﻔﺮﺱ -ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﳌﺬﺍﺭ ﻭﻫﺰﳝﺔ ﺍﻟﻔﺮﺱ ١٢
ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺃﻟﱢﻴﺲ -ﻓﺘﺢ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ -ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺄﻣﺮ ﲜﻤﻊ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ -ﻓﺘﺢ ﺍﻷﻧﺒﺎﺭ ﰲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ
ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺍﳉﺴﺮ ﻭﻫﺰﳝﺔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ -ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﳚﻠﻲ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺏ ١٣
ﻭﻓﺎﺓ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﺍﻟﺸﺎﻡ )ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﻟﺒﻨﺎﻥ( -
ﻓﺘﺤﻬﺎ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﻭﰲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺃﰊ ﻭﻗﺎﺹ ﰲ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻢ -ﻭﻗﻌﺔ ﺍﻟﻨﻤﺎﺭﻕ
ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﺒﻮﻳﺐ ﻭﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ
ﻣﻌﺮﻛﺔ )ﺍﻟﻘﺎﺩﺳﻴﺔ( ﻭﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺱ ﻭ ﻓﺘﺢ ﺩﻣﺸﻖ ﻭ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﻡ ) -ﺍﻟﲑﻣﻮﻙ( ﻭﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻋﻠﻰ ١٤
ﺍﻟﺮﻭﻡ
ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺃﺟﻨﺎﺩﻳﻦ ﻭﻫﺰﳝﺔ ﺍﻟﺮﻭﻡ -ﻓﺘﺢ ﺑﻴﺖ ﺍﳌﻘﺪﺱ ١٥
ﻓﺘﺢ ﺍﳌﺪﺍﺋﻦ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺍﻟﻔﺮﺱ -ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺟﻠﻮﻻﺀ -ﺍﻷﻧﺎﺿﻮﻝ )ﺗﺮﻛﻴﺎ( ﺑﺪﺃ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻏﺎﺭﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻡ ١٦
ﺑﻨﺎﺀ ﺃﻭﻝ ﻣﺴﺠﺪ ﰲ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺇﻣﱪﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﻓﺎﺭﺱ -ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻭﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﳍﺠﺮﻱ
ﻓﺎﺭﺱ )ﺇﻳﺮﺍﻥ( ﻏﺰﺍﻫﺎ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﺃﰊ ﻭﻗﺎﺹ ﰲ ﻋﻬﺪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ
ﺑﻨﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ -ﺩﺧﻮﻝ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﺑﻴﺖ ﺍﳌﻘﺪﺱ ﻣﺎﺷﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻪ -ﺑﻨﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ١٧
ﺃﺧﺒﺎﺭ ﻃﺎﻋﻮﻥ ﻋﻤﻮﺍﺱ -ﻏﺰﻭ ﺑﻼﺩ ﻓﺎﺭﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﻦ
ﻃﺎﻋﻮﻥ ﻋﻤﻮﺍﺱ ﰲ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻭﻭﻓﺎﺓ ﺃﰊ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺑﻦ ﺍﳉﺮﺍﺡ ﻭﻏﲑﻩ ﻣﻦ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻣﺘﺄﺛﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﻮﻥ ١٨
ﺍﻟﻘﺤﻂ ﻭﻋﺎﻡ ﺍﻟﺮﻣﺎﺩﺓ ﰲ ﺍﳊﺠﺎﺯ -ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻳﻮﱄ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﺃﰊ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﺧﻠﻔﺎ ﻷﰊ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺭﺿﻲ
ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻢ -ﳏﺎﻭﻟﺔ ﻓﺘﺢ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﳌﺼﺮ
ﺇﲤﺎﻡ ﻓﺘﺢ ﻓﺎﺭﺱ ﻛﻠﻬﺎ -ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺰﻳﺪ ﰲ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ -ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﻮﻗﺎﺯ -ﺃﻏﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ١٩
ﻋﻴﺎﺽ ﺑﻦ ﻏﻨﻢ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻣﺼﺮ -ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻋﲔ ﴰﺲ ﻭ ﻫﺰﳝﺔ ﺍﻟﺮﻭﻡ
٢٠
ﻓﺘﺢ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﺼﺮ -ﺑﻨﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻔﺴﻄﺎﻁ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﻣﺼﺮ -ﻭﻗﻌﺔ ﺎﻭﻧﺪ ﻭﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻓﻴﻬﺎ ٢١
ﺑﻨﺎﺀ ﺟﺎﻣﻊ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ
ﻓﺘﺢ ﳘﺬﺍﻥ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰒ ﺍﻟﺮﻱ ﰒ ﺃﺫﺭﺑﻴﺠﺎﻥ -ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ )ﺑﺮﻗﺔ ﺑﻠﻴﺒﻴﺎ ﻭﻃﺮﺍﺑﻠﺲ ﺍﻟﻐﺮﺏ( ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ﺭﺿﻲ ٢٢
ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻭﻟﻜﻦ ﻇﻠﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ ﰲ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﱪﺑﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻋﺘﻨﻘﻮﺍ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﻌﺪﺋﺬ
ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ٢٣
ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﻓﺘﺢ ﺩﺍﻏﺴﺘﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﲝﺮ ﻗﺰﻭﻳﻦ -ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﻐﺰﻭﻥ ﺃﺫﺭﺑﻴﺠﺎﻥ ﻭ ﺃﺭﻣﻴﻨﻴﺎ ٢٤
ﺍﻟﺮﻭﻡ ﻳﻌﺎﻭﺩﻭﻥ ﺍﺣﺘﻼﻝ ﺍﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ -ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﱘ -ﻋﺰﻝ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ ٢٥
ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ ﻭﻻﻳﺔ ﻣﺼﺮ -ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﻜﻤﻠﻮﻥ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﺸﺎﻡ
١١٩
ﻋﺰﻝ ﺳﻌﺪ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ -ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﳊﺮﺍﻡ ٢٦
ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﺴﺘﻄﻠﻌﻮﻥ ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ -ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻓﺘﺢ )ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ( ﻭﺳﻘﻮﻁ )ﻃﺮﺍﺑﻠﺲ ﺍﻟﻐﺮﺏ( ﰲ ﺃﻳﺪﻱ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ -ﻏﺰﻭﺓ ﺍﻷﻧﺪﻟﺲ ٢٧
ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﱰﻟﻮﻥ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﻗﱪﺹ ٢٨
ﺗﻮﺳﻴﻊ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ -ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺮﻛﺐ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻭ ﻳﻔﺘﺢ )ﻗﱪﺹ( ﻭﻳﻄﺮﺩ ﺍﻟﺮﻭﻡ ﻣﻨﻬﺎ ٢٩
ﻧﻘﺾ ﺃﻫﻞ ﺟﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﻌﻬﺪ -ﺍﻓﺘﺘﺎﺡ ﻃﱪﺳﺘﺎﻥ ٣٠
ﻋﻘﺪ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﺑﲔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻭﻣﻠﻚ ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ -ﺧﺮﺍﺳﺎﻥ -ﻣﻮﺯﻋﺔ ﺍﻵﻥ ﺑﲔ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﻭﺃﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎﻥ ﻭﺭﻭﺳﻴﺎ -ﻭﻗﺪ ﻓﺘﺤﻬﺎ ٣١
ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﻭﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺍﺳﺘﻘﻠﺖ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻷﻣﻮﻳﲔ ﺃﻋﺎﺩﻭﺍ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ -ﻏﺰﻭﺓ ﺫﺍﺕ
ﺍﻟﺼﻮﺍﺭﻱ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﻘﺘﻠﻮﻥ )ﻳﺰﺩﺟﺮﺩ( ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺴﺎﺳﺎﻧﻴﲔ ﺑﺎﻟﻔﺮﺱ ﻭﻫﻮ ﲟﺨﺒﺌﻪ ﲟﺪﻳﻨﺔ )ﻣﺮﻭ(
ﻏﺰﻭ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺮﻭﻡ -ﺻﻘﻠﻴﺔ )ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ( ﺃﻏﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﺍﺭﺗﺪﻭﺍ ﻋﻨﻬﺎ -ﺃﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎﻥ -ﻓﺘﺤﻬﺎ ﺃﻭﺱ ٣٢
ﺑﻦ ﺛﻌﻠﺒﺔ ﻭﺗﺎﺑﻊ ﺍﻷﺣﻨﻒ ﺑﻦ ﻗﻴﺲ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺑﻠﺦ ﺑﺎﻟﺸﻤﺎﻝ ﻭ ﺃﻏﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﺑﻞ ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﲪﻦ ﺑﻦ ﳏﻤﺪ ﻭ ﰎ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻛﻠﻬﺎ .
ﲨﻊ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﱘ ﰲ ﻣﺼﺤﻒ ﻭﺍﺣﺪ )ﻣﺼﺤﻒ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ( -ﺍﻟﻘﺒﺎﺭﺻﺔ ﻳﻨﻘﻀﻮﻥ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﻣﻊ ٣٣
ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ
ﻧﺸﻮﺀ ﻓﺘﻨﺔ ﻣﻘﺘﻞ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ٣٤
ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﰊ ﻃﺎﻟﺐ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ٣٥
ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻭﻗﻌﺔ ﺻﻔﲔ -ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺍﳉﻤﻞ -ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﺰﺍﺑﻮﻗﺔ ٣٦
ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ ﺑﲔ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ -ﺧﺮﻭﺝ ﺍﳋﻮﺍﺭﺝ ﻭﻧﺸﺄﺓ ﻓﻜﺮﻫﻢ -ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺻﻔﲔ ﺑﲔ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ٣٧
ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻳﺴﺘﻮﱄ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ -ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﻨﻬﺮﺍﻭﺍﻥ ﺑﲔ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ﻭﺍﳋﻮﺍﺭﺝ ٣٨
ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﻔﺘﺤﻮﻥ ﻃﱪﺳﺘﺎﻥ ﺑﻔﺎﺭﺱ ٣٩
ﺧﻼﻓﺔ ﺍﳊﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻣﻠﺠﻢ ﻟﻠﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﺗﻮﺟﻴﻪ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﺴﺮ ﺑﻦ ﺃﺭﻃﺄﺓ ٤٠
ﺇﱃ ﺍﳊﺠﺎﺯ
ﺗﻨﺎﺯﻝ ﺍﳊﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﰊ ﻃﺎﻟﺐ ﻋﻦ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﳌﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﺃﰊ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ -ﺗﻐﻠﺐ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ٤١
ﻭﺑﺪﺍﻳﺔ ﺣﻜﻢ ﺍﻷﻣﻮﻳﲔ ﰲ ﺩﻣﺸﻖ
٤٢
ﻭﻗﻌﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﲔ ﺍﳋﻮﺍﺭﺝ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻮﻓﺔ ٤٣
ﺃﻭﻝ ﻓﺘﻮﺡ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻟﻠﻬﻨﺪ ٤٤
ﺗﺪﻣﲑ ﻗﻠﻌﺔ ﺟﻠﻮﻻﺀ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﺍﻟﻜﱪﻯ ﰲ ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ٤٥
٤٦
٤٧
٤٨
ﺍﳊﺼﺎﺭ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺍﻹﻣﱪﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ٠--ﻭﻓﺎﺓ ﺍﳊﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﰊ ﻃﺎﻟﺐ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ٤٩
-ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﻳﻔﺘﺢ ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ
ﺑﻨﺎﺀ ﳏﻄﺔ ﻟﻠﺠﻬﺎﺩ ﺍﲰﻬﺎ )ﺍﻟﻘﲑﻭﺍﻥ( ) -ﺗﻮﻧﺲ( ﻏﺰﺍﻫﺎ ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﰒ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﰒ ﺣﺴﺎﻥ ﺑﻦ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ٥٠
٥١
٥٢
)ﺭﻭﺩﺱ( ﺃﻏﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ -ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﻮﻥ ﻳﻬﺎﲨﻮﻥ ﻣﺼﺮ ٥٣
ﺍﳊﺼﺎﺭ ﺍﻟﺜﺎﱐ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ٥٤
)ﺍﻟﺒﻠﻘﺎﻥ( ﺃﻏﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻷﻣﻮﻳﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻭﻓﺘﺤﻮﻫﺎ ﺟﺰﺋﻴﺎ -ﺣﺼﺎﺭ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ -ﻛﺮﻳﺖ )ﻗﺮﻳﻄﺶ( ٥٥
١٢٠
ﺃﺣﺘﻠﻬﺎ ﺍﻷﻣﻮﻳﻮﻥ ﳌﺪﺓ ﻋﺎﻡ ﻭﺍﺣﺪ ﰒ ﺍﺳﺘﺮﺩﻫﺎ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ
ﻓﺘﺢ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻨﻬﺮ -ﺃﻏﺎﺭ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﲞﺎﺭﻯ ﻭﰎ ﻓﺘﺤﻬﺎ ٥٦
٥٧
ﻭﻓﺎﺓ ﺃﻡ ﺍﳌﺆﻣﻨﲔ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﺎ ٥٨
ﻭﻓﺎﺓ ﺃﰊ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ٥٩
ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﻭﺍﻟﺪﻩ -ﻭﻓﺎﺓ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﺃﰊ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ٦٠
ﻓﺘﺢ ﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ -ﻗﺘﻞ ﺍﳊﺴﲔ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ -ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﻮﻗﺎﺯ -ﺳﻘﻂ ﰲ ﺃﻳﺪﻱ ﻣﻠﻮﻙ ﺃﺭﻣﻴﻨﻴﺔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ٦١
٦٢
ﻓﺘﻨﺔ ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﲑ -ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﺿﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﺔ -ﺍﻷﻣﻮﻳﻮﻥ ﻳﻘﺘﺤﻤﻮﻥ ﺍﳌﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ )ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﳊﺮﺓ( ٦٣
-ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ )ﺍﳉﺰﺍﺋﺮ ﻭ ﻣﺮﺍﻛﺶ( ﺃﻏﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﰒ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﲑ
ﺍﻷﻣﻮﻳﻮﻥ ﻳﻬﺪﻣﻮﻥ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﺍﳌﺸﺮﻓﺔ ﻭﳛﺮﻗﻮﺎ -ﻣﺮﻭﺍﻥ ﺑﻦ ﺍﳊﻜﻢ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﺔ -ﺳﻘﻮﻁ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻘﲑﻭﺍﻥ ﰲ ﻳﺪ ٦٤
ﺍﻟﱪﺑﺮ ﻭﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﻭﲨﻴﻊ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎﺗﻠﻮﺍ ﻣﻌﻪ ﻹﲬﺎﺩ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﱪﺑﺮ -ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ -ﻭﻗﻌﺔ ﻣﺮﺝ ﺭﺍﻫﻂ
ﻭﻣﻘﺘﻞ ﺍﻟﻀﺤﺎﻙ -ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﰒ ﳝﻮﺕ ﻓﺠﺄﺓ -ﻭﻓﺎﺓ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ -ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﲑ )ﻳﻄﻠﺐ
ﺍﻟﺒﻴﻌﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﰲ ﻣﻜﺔ(
ﺇﺧﻀﺎﻉ ﺍﻟﱪﺑﺮ ﺑﺸﻤﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ٦٥
ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮﻭﺍﻥ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﺔ -ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺳﻬﻞ ﻣﺮﺝ ﺭﺍﻫﻂ
ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻄﺎﻋﻮﻥ ﰲ ﻣﺼﺮ -ﺣﺮﻛﺔ ﺍﳌﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﺜﻘﻔﻲ -ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﺑﻨﺎﺀ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﺼﺨﺮﺓ ٦٦
ﻣﻘﺘﻞ ﺍﳌﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﺜﻘﻔﻲ -ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻟﻄﺎﻋﻮﻥ ﻭ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭﻩ ﺑﺎﳊﺠﺎﺯ ٦٧
ﻗﺤﻂ ﺷﺪﻳﺪ ﺑﺒﻼﺩ ﺍﻟﺸﺎﻡ -ﻭﻓﺎﺓ ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ -ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﻨﺔ ﺍﳌﺨﺘﺎﺭ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ٦٨
٦٩
ﺍﻧﻘﻼﺏ ﺿﺪ ﺍﳋﻠﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮﻭﺍﻥ ٧٠
ﻣﻘﺘﻞ ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﲑ ٧١
ﻭﻗﻌﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺑﲔ ﺍﳌﻬﻠﺐ ﻭﺍﳋﻮﺍﺭﺝ -ﺑﻌﺚ ﺍﳊﺠﺎﺝ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﶈﺎﺻﺮﺓ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﲑ -ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮﻭﺍﻥ ﻳﺴﻴﻄﺮ ٧٢
ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ
ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪﺍﷲ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﲑ ﻭﺿﺮﺏ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﺎﳌﻨﺠﻨﻴﻖ -ﻭﻓﺎﺓ ﺃﲰﺎﺀ ﺑﻨﺖ ﺃﰊ ﺑﻜﺮ -ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﺀ ﻣﻦ ﺑﻨﺎﺀ ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺒﺔ ٧٣
ﺍﻟﺼﺨﺮﺓ
ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ -ﻭﻓﺎﺓ ﻋﺒﺪ ﺍﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ ٧٤
)ﺍﳊﺠﺎﺝ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ( ﳛﻜﻢ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ٧٥
ﲪﻠﺔ ﺣﺴﺎﻥ ﺑﻦ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﰲ ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ -ﺣﻜﻢ )ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ( -ﺿﺮﺏ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ -ﺍﻻﺳﺘﻴﻼﺀ ﻋﻠﻰ )ﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ( ٧٦
٧٧
ﻓﺘﺢ ﺃﺭﻗﻴﻠﻴﺔ -ﺗﻮﻟﻴﺔ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﲑ ﻏﺰﻭ ﺑﻼﺩ ﺍﳌﻐﺮﺏ -ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﻮﻥ ﻳﻌﻴﺪﻭﻥ ﺍﺣﺘﻼﻝ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻗﺮﻃﺎﺟﻨﺔ -ﺍﻷﻣﻮﻳﻮﻥ ٧٨
ﳜﻤﺪﻭﻥ ﻓﺘﻨﺔ ﺍﳋﻮﺍﺭﺝ ﺑﺎﻟﻌﺮﺍﻕ
ﻭﻗﻊ ﻃﺎﻋﻮﻥ ﻋﻈﻴﻢ ﺑﺎﻟﺸﺎﻡ -ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻏﺰﻭ ﺍﻟﺘﺮﻙ ٧٩
٨٠
ﺣﺴﺎﻥ ﺑﻦ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﻳﻨﻬﻲ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻲ ﰲ ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ -ﺑﻨﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻮﻧﺲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ ﴰﺎﻝ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ -ﺣﺮﻛﺔ ٨١
ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺑﻦ ﺍﻷﺷﻌﺚ
ﻗﺘﺎﻝ ﺍﳊﺠﺎﺝ ﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺑﻦ ﺍﻷﺷﻌﺚ ٨٢
١٢١
ﺑﻨﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻭﺍﺳﻂ -ﺍﻻﺳﺘﻴﻼﺀ ﻋﻠﻰ ﺟﺰﺭ ﺩﻫﻠﻚ ﺍﳌﻮﺍﺟﻬﺔ ﻟﻠﺤﺒﺸﺔ ٨٣
ﺍﲣﺎﺫ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻐﺔ ﺭﲰﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﺔ ﻭﻭﻻﻳﺎﺎ -ﺛﻮﺭﺓ ﺍﳋﻮﺍﺭﺝ ﺑﻔﺎﺭﺱ ﻭ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺿﺪ ﺍﻷﻣﻮﻳﲔ -ﻏﺰﻭ ﳏﻤﺪ ٨٤
ﺑﻦ ﻣﺮﻭﺍﻥ ﺃﺭﻣﻴﻨﻴﺔ
ﺑﻴﻌﺔ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ ﻟﻮﻟﺪﻳﻪ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﰒ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ٨٥
ﻃﺎﻋﻮﻥ ﺑﺎﻟﺸﺎﻡ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮﺓ -ﻏﺰﻭ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺘﺮﻙ -ﻏﺰﻭ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺮﻭﻡ ﻭﻫﻼﻙ ﻣﻠﻜﻬﺎ -ﻭﻓﺎﺓ ﺍﳋﻠﻴﻔﺔ ﻋﺒﺪ ٨٦
ﺍﳌﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮﻭﺍﻥ -ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ
ﻭﺿﻊ ﺃﺳﺲ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﳌﺴﺠﺪ ﺍﻷﻣﻮﻱ ﺍﳉﺎﻣﻊ ﺑﺪﻣﺸﻖ ٨٧
ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺣﺼﻦ ﺍﻟﻄﻮﺍﻧﺔ ﻭﻫﺰﳝﺔ ﺍﻟﺮﻭﻡ ﺑﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﻡ -ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺃﻣﲑ ﺍﳌﺪﻳﻨﺔ ﻳﻮﺳﻊ ﺍﳊﺮﻡ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ٨٨
ﻭﻳﺪﺧﻞ ﺣﺠﺮﺓ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻬﺎ ﰲ ﺍﳌﺴﺠﺪ
ﻓﺘﺢ ﺣﺼﻦ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻭﻋﻤﻮﺭﻳﺔ ﻭﻫﺮﻗﻠﺔ ﻭﻗﻤﻮﺩﻳﺔ -ﻏﺰﻭ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺴﻨﺪ -ﺟﺰﺍﺋﺮ ﺍﻟﺒﻠﻴﺎﺭ -ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻋﺒﺪ ﺍﷲ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﰒ ٨٩
ﺍﺳﺘﺮﺩﻫﺎ ﺍﻟﻔﺮﳒﺔ ﰒ ﻓﺘﺤﻬﺎ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﺛﺎﻧﻴﺔ
ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﻮﻥ ﻳﻬﺎﲨﻮﻥ ﻣﺼﺮ ٩٠
ﻏﺰﻭ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﲑ ﺑﻼﺩ ﺍﳌﻐﺮﺏ ) -ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ( ﻳﺘﻮﱃ ﺇﻣﺎﺭﺓ )ﺧﺮﺍﺳﺎﻥ( ﻭﻳﻔﺘﺢ )ﲞﺎﺭﻯ ﻭ ﲰﺮﻗﻨﺪ( ٩١
ﻃﺎﺭﻕ ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ ﻳﻌﱪ ﺍﻷﻧﺪﻟﺲ -ﻏﺰﻭ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺳﺠﺴﺘﺎﻥ -ﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺳﺒﺎﻥ ﰲ ﻣﻮﻗﻌﺔ ﻭﺍﺩﻱ ﻟﻜﺔ )ﻣﻮﻗﻌﺔ ﺍﻟﺒﺤﲑﺓ( ٩٢
ﻓﺘﺢ ﲰﺮﻗﻨﺪ -ﺍﻷﻧﺪﻟﺲ )ﺃﺳﺒﺎﻧﻴﺎ( ﻓﺘﺤﻬﺎ ﻃﺎﺭﻕ ﺑﻦ ﺯﻳﺎﺩ ﻭﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﲑ -ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﺼﺤﺎﰊ ﺍﳉﻠﻴﻞ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ٩٣
ﺭﺿﻲ ﺍﷲ ﻋﻨﻪ
ﻭﻓﺎﺓ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺍﳌﺴﻴﺐ -ﻣﻘﺘﻞ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺟﺒﲑ -ﻭﻓﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺑﻦ ﺍﳊﺴﲔ -ﻏﺰﻭ ﺍﻟﺮﻭﻡ ﻭﻓﺘﺢ ﺇﻧﻄﺎﻛﻴﺔ -ﻓﺘﺢ ﻛﺎﺑﻞ ٩٤
ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﻔﺘﺤﻮﻥ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﺴﻨﺪ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﳏﻤﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺍﻟﺜﻘﻔﻲ -ﻭﻓﺎﺓ ﺍﳊﺠﺎﺝ ﺑﻦ ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻟﺜﻘﻔﻲ -ﺳﻘﻮﻁ ﺍﳌﺪﻥ ٩٥
ﺍﻷﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﱪﻯ ﰲ ﻳﺪ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ
ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﺑﻼﺩ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻨﻬﺮ -ﺗﻜﺎﻣﻞ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﳉﺎﻣﻊ ﺍﻷﻣﻮﻱ -ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﺔ ٩٦
-ﻣﻘﺘﻞ ﻗﺘﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﻣﺴﻠﻢ
ﲡﻬﻴﺰ ﺍﳉﻴﻮﺵ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ ٩٧
-ﻭﻓﺎﺓ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻧﺼﲑ
ﺣﺼﺎﺭ )ﺍﻟﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ( ﻋﺎﻣﺎ ﻛﺎﻣﻼ ٩٨
ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻳﺘﻮﱃ ﺍﳋﻼﻓﺔ ﺍﻷﻣﻮﻳﺔ -ﺍﳊﺼﺎﺭ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻠﻘﺴﻄﻨﻄﻴﻨﻴﺔ -ﺭﻭﺩﺱ -ﺍﺣﺘﻠﻬﺎ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﻃﺮﺩﻭﺍ ﻣﻨﻬﺎ ٩٩
ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﲔ ﻭﺑﻌﺪ ﻋﺎﻡ ﺍﺳﺘﺮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﻮﻥ -ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻘﻮﻗﺎﺯ -ﻓﺘﺤﻬﺎ ﺍﻷﻣﻮﻳﻮﻥ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﻭﺗﺒﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻤﻬﺎ
ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻴﻮﻥ -ﻭﻓﺎﺓ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻠﻚ
اﻟﺪول اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﺎرﯾﺦ ﺟﺪاول
ﻋﮭﺪ اﻟﻨﺒﻮة
١٢٢
١١-١ھـ ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ
اﻟﺮاﺷﺪة ﻋﻠﻰ ﻣﻨﮭﺎج اﻟﻨﺒﻮة ) ٤٠-١١ھـ( اﻟﺨﻼﻓﺔ
ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻣﺪة اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
١٣-١١ أﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻗﺤﺎﻓﺔ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ
ﻗﺘﻞ ﺷﮭﯿﺪًا ٢٣-١٣ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ
ﻗﺘﻞ ﺷﮭﯿﺪاً ﻣﻈﻠﻮﻣﺎً ٣٦-٢٣ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ
ﻗﺘﻞ ﺷﮭﯿﺪًا ٤٠-٣٦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ
ﺣﻜﻢ ﺳﺘﺔ أﺷﮭﺮ ﺛﻢ ﺳﻠّﻢ ٤٠ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ
اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻟﻤﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ
ﺳﻔﯿﺎن
اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻌﻀﻮض ) ١٣٤٢-١٣٢ھـ(
ﺧﻠﻔﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ ﻓﻲ دﻣﺸﻖ ) ١٣٢-٤٠ھـ(
ﻧﺴﺐ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻷﻣﻮﯾﯿﻦ
ﺑﺪأ ﺑﻤﻌﺎوﻳﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﯿﺎن ﺑﻦ ﺣﺮب –رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫﻤﺎ -واﻧﺘﮫﻰ ﺑﺎﺑﻨﻪ ﻳﺰﻳﺪ. اﻟﻔﺮع اﻟﺴﻔﯿﺎﻧﻲ:
ﺑﺪأ ﺑﻌﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ واﻧﺘﮫﻰ ﺑﻤﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ آﺧﺮ ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻲ أﻣﯿﺔ. اﻟﻔﺮع اﻟﻤﺮواﻧﻲ:
ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻣﺪة اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺤﺎﻛﻢ
٦٠-٤١ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﯿﺎن
٦٤-٦٠ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﯿﺎن
اﻟﻔﺮع اﻟﺴﻔﯿﺎﻧﻲ ﻣﻦ
ﺑﻨﻲ أﻣﯿﺔ
٨٦-٧٣ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ
٩٦-٨٦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان
٩٩-٩٦ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان
١٠١-٩٩ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ ﺑﻦ ﻣﺮوان
١٠٥-١٠١ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
١٢٥-١٠٥ ھﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
١٢٦-١٢٥ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
١٢٦-١٢٦ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
١٢٧-١٢٦ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ
١٣٢-١٢٧ ﻣﺮوان ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ
اﻟﻔﺮع اﻟﻤﺮواﻧﻲ ﻣﻦ
ﺑﻨﻲ أﻣﯿﺔ
ﺧﻠﻔﺎء اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ) ٦٥٦-١٣٢ھـ(
١٢٣
ﯾﻨﺘﮭﻲ ﻧﺴﺐ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ إﻟﻰ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ،ﻋﻢّ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ .ﻓﺄول ﻣﻠﻮك
ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﻛﺎن اﻟﺴﻔﺎح ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ اﻟﻌﺒﺎس ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ،وآﺧﺮھﻢ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ
ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﻨﺼﻮر اﻟﺬي ﻗﺘﻠﮫ اﻟﺘﺘﺎر ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد ﻋﺎم ٦٥٦ھـ.
ﯾﻨﻘﺴﻢ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ إﻟﻰ ﻗﺴﻤﯿﻦ:
اﻷول :ﻋﺼﺮ اﻟﺨﻠﻔﺎء اﻷﻗﻮﻳﺎء ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﻮا اﻟﺤﻜﺎم اﻟﻔﻌﻠﯿﯿﻦ ﻟﻠﺪوﻟﺔ.
اﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻋﺼﺮ ﺳﯿﻄﺮة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد اﻷﺗﺮاك واﻟﻔﺮس ،وھﻮ ﻋﺼﺮ ﺿﻌﻒ ،ﺣﯿﺚ ﻛﺎن ﻳﺤﻜﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺑﺪل اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ،وﺣﯿﺚ
اﻧﻔﺼﻠﺖ دول وإﻣﺎرات ﻋﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ .وﺳﻨﺘﺴﻌﺮض أﺳﻤﺎء وﺣﻜﺎم ھﺬه اﻹﻣﺎرات ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ.
ﺧﻠﻔﺎء ﺑﻨﻲ اﻟﻌﺒﺎس )ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد(
ﻣﺪة اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻼﺣﻈﺎت اﻟﻠﻘﺐ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ
١٣٦-١٣٢ أﺑﻮ اﻟﻌﺒﺎس ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ
اﻟﺴﻔّﺎح
١٥٨-١٣٦ أﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ
اﻟﻤﻨﺼﻮر
١٦٩-١٥٨ اﻟﻤﮭﺪي ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﻤﻨﺼﻮر
١٧٠-١٦٩ اﻟﮭﺎدي ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﮭﺪي
١٩٣-١٧٠ اﻟﺮﺷﯿﺪ ھﺎرون ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﮭﺪي
١٩٨-١٩٣ اﻷﻣﯿﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ
٢١٨-١٩٨ اﻟﻤﺄﻣﻮن ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ
٢٢٧-٢١٨ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ
٢٣٢-٢٢٧ اﻟﻮاﺛﻖ ھﺎرون ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ
٢٤٧-٢٣٢ اﻟﻤﺘﻮﻛّﻞ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ
ﺣﻜﺎم اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ﻓﻲ دور ﺳﯿﻄﺮة اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﯿﻦ
٢٤٨-٢٧٤ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ][١
٢٥٢-٢٤٨ اﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ ﺑﺎﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ
٢٥٥-٢٥٢ اﻟﻤﻌﺘﺰ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ][٢
٢٥٦-٢٥٥ اﻟﻤﮭﺘﺪي ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ھﺎرون ا ﻟﻮاﺛﻖ
٢٧٩-٢٥٦ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ
٢٨٩-٢٧٩ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ ﺑﺎﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻃﻠﺤﺔ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ
٢٩٥-٢٨٩ اﻟﻤﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﷲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ
ﻋﺼﺮ ﺳﯿﻄﺮة
٣٢٠-٢٩٥ اﻟﻤﻘﺘﺪر ﺑﺎﷲ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ
اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﯿﻦ
٣٢٢-٣٢٠ اﻟﻘﺎھﺮ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ
اﻷﺗﺮاك
٣٢٩-٣٢٢ اﻟﺮاﺿﻲ ﺑﺎﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻘﺘﺪر
)-٢٤٧ ٣٣٣-٣٢٩ اﻟﻤﺘﻘﻲ ﷲ إﺑﺮاھﯿﻢ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻘﺘﺪر
(٣٣٤ ٣٣٤-٣٣٣ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻲ ﺑﺎﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻤﻜﺘﻔﻲ
ﻋﺼﺮ ﺳﯿﻄﺮة ٣٦٣-٣٣٤ اﻟﻤﻄﯿﻊ ﷲ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻘﺘﺪر
اﻟﻔﺮس ٣٨١-٣٦٣ اﻟﻄﺎﺋﻊ ﷲ ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻤﻄﯿﻊ
اﻟﺒﻮﯾﮭﯿﯿﻦ ٤٢٢-٣٨١ اﻟﻘﺎدر ﺑﺎﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ إﺳﺤﺎق ﺑﻦ ﺟﻌﻔﺮ اﻟﻤﻘﺘﺪر
اﻟﺸﯿﻌﺔ ٤٦٧-٤٢٢ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻘﺎدر
)-٣٣٤
(٤٤٧
٤٨٧-٤٦٧ اﻟﻤﻘﺘﺪي ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ اﻟﻘﺎﺋﻢ
١٢٤
٥٢٩-٥١٢ اﻟﻤﺴﺘﺮﺷﺪ ﺑﺎﷲ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺴﺘﻈﮭﺮ
٥٣٠-٥٢٩ اﻟﺮاﺷﺪ ﺑﺎﷲ ﻣﻨﺼﻮر ﺑﻦ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻤﺴﺘﺮﺷﺪ
٥٥٥-٥٣٠ اﻟﻤﻘﺘﻔﻲ ﻷﻣﺮ اﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻤﺴﺘﻈﮭﺮ
٥٦٦-٥٥٥ اﻟﻤﺴﺘﻨﺠﺪ ﺑﺎﷲ ﯾﻮﺳﻒ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﻘﺘﻔﻲ
٥٧٥-٥٦٦ اﻟﻤﺴﺘﻀﻲء ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﯾﻮﺳﻒ اﻟﻤﺴﺘﻨﺠﺪ
ﻋﺼﺮ ﺳﯿﻄﺮة اﷲ
اﻟﺴﻼﺟﻘﺔ ٦٢٢-٥٧٥ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ أﺣﻤﺪ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻤﺴﺘﻀﻲء
اﻷﺗﺮاك ٦٢٣-٦٢٢ اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ ﻟﺪﯾﻦ اﷲ
٦٤٠-٦٢٣ اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻨﺼﻮر ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻈﺎھﺮ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ
)-٤٤٧ اﷲ
(٦٥٦ ٦٥٦-٦٤٠ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ﺑﺎﷲ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺑﻦ ﻣﻨﺼﻮر اﻟﻤﺴﺘﻨﺼﺮ ﺑﺎﷲ
] [١وﻟﺪ ﻋﺎم ٢٢٢ھـ ﺑﺴﺎﻣﺮاء ،ﻣﻦ أم وﻟﺪ روﻣﯿﺔ ﺗﺪﻋﻰ «ﺣﺒﺸﯿﺔ».
] [٢اﻻﺑﻦ اﻵﺧﺮ ﻟﻠﻤﺘﻮﻛﻞ ﻣﻦ أم وﻟﺪ روﻣﯿﺔ ﺗﺪﻋﻰ «ﻗﺒﯿﺤﺔ» ،وﻟﺪ ﻋﺎم ٢٣٢ھـ ﺑﺴﺎﻣﺮاء.
١٢٥
اﻟﮭﺠﺮة ٦٢٢م
اﻟﺪوﻟﺔ
ﻓﺘﻮﺣﺎت ﻣﺴﺘﻤﺮة ﺿﻤﺖ أﺟﺰاء واﺳﻌﺔ ﻣﻦ اﻣﺒﺮاﻃﻮرﯾﺘﻲ ﺑﯿﺰﻧﻄﺔ وﻓﺎرس
اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ
ﻣﻘﺘﻞ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ٦٦١م وﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺷﺪة.
اﻟﻨﻤﻮذﺟﯿﺔ
ﻣﻌﺎوﯾﺔ اﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﯿﺎن )٦٦١م ٦٨٠ -م( وﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻤﻠﻚ. اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ
ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ اﻟﺮاﺷﺪة ) ٧١٧م – ٧٢٠م( اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ
ﻋﮭﻮد ﻗﻮة وﻓﺘﻮﺣﺎت ﺣﺘﻰ ﻋﮭﺪ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﯾﺰﯾﺪ وﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻀﻌﻒ ٧٤٣م )٦٦١م – ٧٥٠م(
ﺳﻘﻄﺖ ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﯿﻦ ٧٥٠م
اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬھﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﺴﻔﺎح ٧٥٠م
ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ٧٥٦م
اﻧﺘﮭﺎء اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬھﺒﻲ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻮاﺛﻖ ٨٤٧م وﺑﺪاﯾﺔ اﻟﺘﺪھﻮر ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ
)٧٥٠م – ١٢٥٨م(
ﺿﻌﻒ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ وﺗﻔﻜﻜﮭﺎ ١١٠٠م
ھﺰﯾﻤﺔ اﻟﮭﺠﻤﺎت اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ وﺗﺤﺮﯾﺮ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ١١٨٧م
ﻗﯿﺎم دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ ١٢٥٠م ﻓﻲ ﻣﺼﺮ واﻟﺸﺎم واﻟﺤﺠﺎز واﻟﯿﻤﻦ
دﺧﻮل اﻟﻤﻐﻮل ﺑﻐﺪاد وﺳﻘﻮط اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺒﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻤﺴﺘﻌﺼﻢ ١٢٥٨م
دوﻟﺔاﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ ﺗﺘﺼﺪى ﻟﻠﮭﺠﻤﺎت اﻟﻤﻐﻮﻟﯿﺔ ١٢٦٠م )ﻋﯿﻦ ﺟﺎﻟﻮت(
ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﺄﺳﯿﺲ )١٥١٣ – ١٢٨٨م(
ﺳﻘﻮط دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺤﺮﯾﺔ وﻗﯿﺎم دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮﺟﯿﺔ ١٣٨٢م
ﻣﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻣﺮاد اﻷول ﺣﺪود اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﺒﻮﺳﻨﺔ ١٣٨٩م
ﺳﻘﻮط اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﻣﻮﯾﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ١٤٥٢م اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ
ﻓﺎراﻧﺎ ١٤٤٤م )١٩٢٤ – ١٢٨٨م(
ﺳﺘﺔ ﻗﺮون
ﻓﺘﺢ اﻟﻘﺴﻄﻨﻄﯿﻨﯿﺔ ١٤٥٣م
ﺳﻘﻮط دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ اﻟﺒﺮﺟﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻌﺔ اﻟﺮﯾﺪاﻧﯿﺔ ١٥١٧م
أﻗﻮى ﻓﺘﺮاﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ ﺳﻠﯿﻤﺎن اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ١٥٦٦م
ﻓﺘﺮة ﺿﻌﻒ واﻧﺤﻼل )١٨٠٨ – ١٥٩٥م(
ﻋﮭﺪ اﻹﺻﻼح واﻟﺘﻐﯿﯿﺮ دﺳﺘﻮر ١٨٧٦م
ﺗﻨﻔﯿﺬ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﯿﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ وﺣﺘﻰ ١٩٠٩م
ﺳﻘﻮط اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ١٩٢٤م وﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺠﺒﺮي.
١٢٦
ﺃﻫﻢ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺴﻨﺔ
ﺣﺎﺩﺛﺔ ﺩﻧﺸﻮﺍﻯ ﰱ ﻣﺼﺮ ١٩٠٦
ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ ١٩٠٨ﻡ
ﺣﺮﺏ ﺍﻟﺒﻠﻘﺎﻥ ١٩١٢ﻡ
** ﺑﺪﺀ ﺍﳊﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﺍﻷﻭﱃ . ١٩١٤ﻡ
** ﺇﻋﻼﻥ ﺍﳊﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ .
** ﺗﻌﻴﲔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺣﺴﲔ ﻛﺎﻣﻞ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎﹰ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ .
ﺗﻌﻴﲔ ﻓﺆﺍﺩ ﺍﻷﻭﻝ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎﹰ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ
ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺮﻭﺳﻴﺔ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﻟﻴﻨﲔ ﰱ ﺭﻭﺳﻴﺎ ١٩١٧م
ﺍﳊﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﺍﻷﻭﱃ ﺗﻨﺘﻬﻰ . ١٩١٨ﻡ
** ﻣﺆﲤﺮ ﻟﺼﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﳌﺘﺤﺎﺭﺑﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﳊﺮﺏ ﻭﻣﻌﺎﻫﺪﺓ ﻓﺮﺳﺎﻯ ﻣﻊ ﺃﳌﺎﻧﻴﺎ . ١٩١٩ﻡ
** ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﰱ ﺑﻼﺩ ﻣﺼﺮ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺳﻌﺪ ﺯﻏﻠﻮﻝ .
** ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﺰﻋﻴﻢ ﳏﻤﺪ ﻓﺮﻳﺪ .
ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﺗﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﻋﺼﺒﺔ ﺍﻷﻣﻢ ١٩٢٠ﻡ
** ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﳏﻜﻤﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ . ١٩٢١ﻡ
** ﺍﻷﳒﻠﻴﺰ ﻳﻨﻔﻮﻥ ﺳﻌﺪ ﺯﻏﻠﻮﻝ ﺇﱃ ﺟﺰﻳﺮﺓ ﺳﻴﺸﻞ .
ﺇﺎﺀ ﺍﳊﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﺑﺘﺼﺮﻳﺢ ٢٨ﻓﱪﺍﻳﺮ ،ﺍﻹﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺈﺳﺘﻘﻼﻝ ﻣﺼﺮ . ١٩٢٢ﻡ
ﻓﺆﺍﺩ ﺍﻷﻭﻝ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻠﻚ ﻣﺼﺮ .
** ﺇﻋﻼﻥ ﺩﺳﺘﻮﺭ ٢٣ ١٩٢٣ﻡ
** ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻹﲢﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﱴ .
** ﺍﻹﻓﺮﺍﺝ ﻋﻦ ﺳﻌﺪ ﺯﻏﻠﻮﻝ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﺔ
ﻭﻓﺎﺓ ﺯﻋﻴﻢ ﻣﺼﺮ ﺳﻌﺪ ﺯﻏﻠﻮﻝ ١٩٢٧ﻡ
** ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺬﻯ ﻭﺿﻌﻪ ﺳﻌﺪ ﺯﻏﻠﻮﻝ ١٩٢٣ﻡ ﻭﺇﻋﻼﻥ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺟﺪﻳﺪ ﰱ ﺍﻟﺒﻼﺩ ١٩٣٠ﻡ
** ﻭﻓﺎﺓ ﻣﻠﻚ ﻣﺼﺮ ﻓﺆﺍﺩ ﺍﻷﻭﻝ ١٩٣٦ﻡ
١٢٧
** ﺗﻌﻴﲔ ﻓﺎﺭﻭﻕ ﻣﻠﻜﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﺃﺑﻴﻪ .
** ﻣﻌﺎﻫﺪﺓ ١٩٣٦ﻡ ﺍﻟﱴ ﲤﺖ ﺑﲔ ﺩﻭﻟﱴ ﻣﺼﺮ ﻭﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ .
** ﺑﺪﺀ ﺍﳊﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﲔ ﺍﳊﻠﻔﺎﺀ ﻭﺃﳌﺎﻧﻴﺎ ﻭﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻭﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ .
ﺍﻟﺪﺑﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﲢﺎﺻﺮ ﻗﺼﺮ ﻋﺎﺑﺪﻳﻦ ﰱ ﻳﻮﻡ ٤ﻓﱪﺍﻳﺮ ﻟﻔﺮﺽ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺍﻟﻨﺤﺎﺱ ﺭﺋﻴﺴﺎﹰ ﻟﻠﻮﺯﺭﺍﺀ ﲝﻜﻮﻣﺔ ١٩٤٢ﻡ
ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻮﻓﺪ
** ﺇﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﳊﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﺘﺪﻣﲑ ﺃﳌﺎﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ ١٩٤٥
** ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﳌﺘﺤﺪﺓ
** ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﺑﲔ ﻛﺘﻠﺘﲔ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻹﲢﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﱴ ﻭﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺑﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﳌﺘﺤﺪﺓ ١٩٤٧ﻡ
ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻭﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﳊﺮﺏ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ
ﻗﻴﺎﻡ ﺣﺮﺏ ﻓﻠﺴﻄﲔ. ١٩٤٨م
** ﻧﺸﻮﺏ ﺣﺮﻳﻖ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ . ١٩٥٢ﻡ
** ﻗﻴﺎﻡ ﺛﻮﺭﺓ ﻳﻮﻟﻴﻮ ﺳﻨﺔ ١٩٥٢ﻡ
ﺗﻮﱃ ﺍﻟﻠﻮﺍﺀ ﳏﻤﺪ ﳒﻴﺐ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﳉﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺇﻋﻼﺎ ﰱ ﻣﺼﺮ ١٩٥٣ﻡ
** ﺣﺪﻭﺙ ﺃﺯﻣﺔ ﺗﻌﺮﻑ ﺑﺄﺳﻢ ﺃﺯﻣﺔ ﻣﺎﺭﺱ ﻭﲢﻤﻞ ﳎﻠﺲ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﳊﻜﻢ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰱ ﻣﺼﺮ . ١٩٥٤ﻡ
** ﺍﻹﺧﻮﺍﻥ ﺍﳌﺴﻠﻤﻮﻥ ﳛﺎﻭﻟﻮﻥ ﺇﻏﺘﻴﺎﻝ ﺟﻜﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﲟﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﰱ ﺍﳌﻨﺸﻴﺔ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪﺭﻳﺔ .
** ﺇﻋﻔﺎﺀ ﺍﻟﻠﻮﺍﺀ ﳏﻤﺪ ﳒﻴﺐ ﻣﻦ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﳉﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﰱ ﻣﺼﺮ .
ﻣﺼﺮ ﺗﻨﻀﻢ ﺇﱃ ﺩﻭﻝ ﻋﺪﻡ ﺍﻹﳓﻴﺎﺯ ،ﻣﻘﺮﺭﺍﺕ ﻣﺆﲤﺮ ﺑﺎﻧﺪﻭﻧﺞ ١٩٥٥ﻡ
** ﺟﻼﺀ ﺁﺧﺮ ﺟﻨﺪﻯ ﺑﺮﻳﻄﺎﱏ ﻋﻦ ﺍﺭﺽ ﻣﺼﺮ . ١٩٥٦ﻡ
** ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺼﺒﺢ ﺭﺋﻴﺴﺎﹰ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ .
** ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺆﻣﻢ ﻗﻨﺎﺓ ﺍﻟﺴﻮﻳﺲ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺷﺮﻛﺔ ﻣﺴﺎﳘﺔ ﻣﺼﺮﻳﺔ .
** ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺜﻼﺛﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﺄﻣﻴﻢ .
** ﺇﻧﺴﺤﺎﺏ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺿﻐﻂ ﺃﻣﺮﻳﻜﻰ .
١٢٨
** ﺇﲢﺎﺩ ﻣﺼﺮ ﻭﺳﻮﺭﻳﹰﺎ ﻭﺇﻋﻼﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﳉﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﳌﺘﺤﺪﺓ . ١٩٥٨ﻡ
** ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺼﺒﺢ ﺭﺋﻴﺴﺎﹰ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﳌﺘﺤﺪﺓ
** ﻓﻴﺪﻝ ﻛﺎﺳﺘﺮﻭ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﻮﺑﻴﺔ . ١٩٥٩ﻡ
** ﻣﺼﺮ ﺗﺒﺪﺃ ﰱ ﺃﻧﺸﺎﺀ ﺍ ﻟﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﱃ .
** ﺟﻮﻥ ﻛﻨﻴﺪﻯ ﻳﺼﺒﺢ ﺭﺋﻴﺴﺎﹰ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﳌﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ
** ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ ﻣﺼﺮ ﺯ ١٩٦١ﻡ
** ﺃﳌﺎﻧﻴﺎ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺗﻨﺸﺊ ﺳﻮﺭ ﺑﺮﻟﲔ .
** ﺍﻹﲢﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﱴ ﻳﻄﻠﻖ ﺃﻭﻝ ﺭﺟﻞ ﺇﱃ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﳋﺎﺭﺟﻰ .
** ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺼﺪﺭ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻹﺷﺘﺮﺍﻛﻴﺔ . ١٩٦٢ﻡ
** ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺼﺪﺭ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺍﳌﻴﺜﺎﻕ ﺍﻟﻮﻃﲎ .
** ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺮﺳﻞ ﻗﻮﺍﺕ ﺇﱃ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﳌﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺿﺪ ﺍﳌﻠﻜﻴﺔ .
** ﺇﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﳉﺰﺍﺋﺮ ﻋﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ
ﺇﻏﺘﻴﺎﻝ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻰ ﺟﻮﻥ ﻛﻨﺪﻯ . ١٩٦٣م
** ﺍﻟﺮﻭﺱ ﻳﻌﺰﻟﻮﻥ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﱴ ﺟﻮﺭﺑﺎﺗﺸﻮﻑ ١٩٦٤ﻡ
** ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻳﻌﻘﺪﻭﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﺆﲤﺮ ﻗﻤﺔ ﳍﻢ ﰱ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ .
** ﺗﺄﺳﻴﺲ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻔﺮﻳﻘﻴﺔ ﻭﺇﻧﻌﻘﺎﺩ ﻣﺆﲤﺮ ﺍﻟﻘﻤﺔ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻰ ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮﺓ .
** ﺍﻹﻧﺘﻬﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﳌﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻮﱃ ﰱ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﱃ
ﺇﻧﺘﺨﺎﺏ ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﺭﺋﻴﺴﺎﹰ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ !!! ١٩٦٥م
** ﻫﺰﳝﺔ ﻣﺼﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﰱ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﺴﺘﺔ ﰱ ٥ﻳﻮﻧﻴﻮ . ١٩٦٧ﻡ
** ﺗﻨﺤﻰ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻋﻦ ﺍﳊﻜﻢ .
** ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﳌﺼﺮﻯ ﳜﺮﺝ ﰱ ﻣﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﰱ ﻳﻮﻧﻴﻮ ٩ﻭ ١٠ﺗﻄﺎﻟﺐ ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﱃ ﺍﳊﻜﻢ
** ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻌﺶ.
** ﺇﻧﺘﺤﺎﺭ ﺍﳌﺸﲑ ﻋﺒﺪ ﺍﳊﻜﻴﻢ ﻋﺎﻣﺮ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﰱ ﻣﺼﺮ .
** ﻣﺆﲤﺮ ﺍﻟﻘﻤﺔ ﺍﻟﻌﺮﰉ ﰱ ﺍﳋﺮﻃﻮﻡ ﺍﳌﺸﻬﻮﺭ ﺑﺄﺳﻢ ﻣﺆﲤﺮ ﺍﻻﺀﺍﺕ ﻷﻥ ﻗﺮﺍﺭﺍﺗﻪ ﺗﺒﺪﺃ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻻ
١٢٩
ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺼﺮﻳﺔ ﺗﻐﺮﻕ ﺍﳌﺪﻣﺮﺓ ﺇﻳﻼﺕ .
** ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻳﺼﺪﺭ ﺑﻴﺎﻧﺎﹰ ﻳﺴﻤﻴﻪ ﺑﻴﺎﻥ ٣٠ﻣﺎﺭﺱ . ١٩٦٨
** ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺣﺮﺏ ﺍﻹﺳﺘﻨﺬﺍﻑ ﰱ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻘﻨﺎﺓ ﻣﻊ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ .
** ﺭﻳﺘﺸﺎﺭﺩ ﻧﻴﻜﺴﻮﻥ ﻳﻔﻮﺯ ﰱ ﺇﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﳌﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .
** ﺇﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﻋﺒﺪ ﺍﳌﻨﻌﻢ ﺭﻳﺎﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﳉﺒﻬﺔ . ١٩٦٩ﻡ
.
** ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ ﺭﻭﺟﺮﺯ ﻟﻮﻗﻒ ﺇﻃﻼﻕ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﲔ ﻣﺼﺮ ﻭﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ . ١٩٧٠ﻡ
** ﺇﻧﻌﻘﺎﺩ ﻣﺆﲤﺮ ﺍﻟﻘﻤﺔ ﺍﻟﻌﺮﰉ ﲞﺼﻮﺹ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﲔ .
** ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﲨﺎﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ
** ﺍﻟﻨﺎﺋﺐ ﳏﻤﺪ ﺃﻧﻮﺭ ﺍﻟﺴﺎﺩﺍﺕ ﻳﺼﺒﺢ ﺭﺋﻴﺴﺎ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ
** ﺍﻟﺴﻔﲑ ﺟﻮﻧﺎﺭ ﻳﺎﺭﻧﺞ ﻳﺒﺪﺃ ﺭﺣﻼﺗﻪ ﺍﳌﻜﻮﻛﻴﺔ ﺑﲔ ﻣﺼﺮ ﻭﺃﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﳊﻞ ﺍﳌﺸﻜﻠﺔ . ١٩٧١ﻡ
** ﺇﻋﻼﻥ ﻗﻴﺎﻡ ﻭﺣﺪﺓ ﻫﺸﺔ ﺑﲔ ﻣﺼﺮ ﻭﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﻟﻴﺒﻴﺎ ﺑﺄﺳﻢ ﺇﲢﺎﺩ ﺍﳉﻤﻬﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
ﺣﺮﺏ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻣﻦ ﺍﻛﺘﻮﺑﺮ ١٩٧٣ﻡ
ﺗﻮﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻨﻲ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﺍﳊﻜﻢ ١٩٨٢ﻡ
١٣٠
اﻟﺼﻔﺤﺔ
N اﻟﻤﻮﺿﻮع م
٣ (١
٤ (٢
٥ (٣
٥ ﺧﻼﻓﺔ اﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﯾﻖ (٤
١١ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب (٥
١٦ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﻔﺎن (٦
١٨ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ (٧
١٩ (٨
٢٠ ﺧﻼﻓﺔ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﺑﻦ أﺑﻲ ﺳﻔﯿﺎن (٩
٢٢ ﺧﻼﻓﺔ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎوﯾﺔ (١٠
٢٥ ﺧﻼﻓﺔ ﻣﺮوان ﺑﻦ اﻟﺤﻜﻢ (١١
٢٥ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺮوان (١٢
٢٩ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻮﻟﯿﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ (١٣
٣١ ﺧﻼﻓﺔ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ (١٤
٣١ ﺧﻼﻓﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ (١٥
٣٢ ﺧﻼﻓﺔ ﯾﺰﯾﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ (١٦
٣٢ ﺧﻼﻓﺔ ھﺸﺎم ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻠﻚ (١٧
٣٤ (١٨
٣٦ (١٩
٣٦ ﺧﻼﻓﺔ أﺑﻲ اﻟﻌﺒﺎس اﻟﺴﻔﺎح (٢٠
٤١ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﮭﺪي (٢١
٤٢ ﺧﻼﻓﺔ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﮭﺎدي (٢٢
٤٣ ﺧﻼﻓﺔ ھﺎرون اﻟﺮﺷﯿﺪ (٢٣
٤٦ ﺧﻼﻓﺔ اﻷﻣﯿﻦ (٢٤
٤٦ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺄﻣﻮن (٢٥
٤٨ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻌﺘﺼﻢ (٢٦
٤٩ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻮاﺛﻖ ﺑﺎﷲ (٢٧
٥٠ (٢٨
٥٠ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ (٢٩
٥٢ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮ (٣٠
٥٢ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻌﯿﻦ (٣١
٥٢ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻌﺘﺰ (٣٢
٥٣ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﮭﺘﺪي (٣٣
٥٣ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﷲ (٣٤
٥٤ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻌﺘﻀﺪ (٣٥
٥٤ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻜﺘﻔﻰ ﺑﺎﷲ (٣٦
٥٥ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻘﺘﺪر (٣٧
٥٧ ﻋﺼﺮ اﻷﻣﺮاء (٣٨
٥٧ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻘﺎھﺮ (٣٩
٥٧ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺿﻲ (٤٠
٥٨ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺘﻘﻲ (٤١
٥٨ ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻲ (٤٢
١٣١
٥٨ (٤٣
٥٩ (٤٤ﺧﻼﻓﺔ اﻟﻤﻄﯿﻊ
٦٠ (٤٥
٦٨ (٤٦
٦٩ اﻻﻣﺎرة ﻓﻲ اﻻﻧﺪﻟﺲ (٤٧
٧٢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﺳﺘﻤﯿﺔ (٤٨
٧٣ دوﻟﺔ اﻷدارﺳﺔ (٤٩
٧٤ دوﻟﺔ اﻷﻏﺎﻟﺒﺔ (٥٠
٧٥ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﺎھﺮﯾﺔ (٥١
٧٦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺼﻔﺎرﯾﺔ (٥٢
٧٦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺴﺎﻣﺎﻧﯿﺔ (٥٣
٧٧ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻐﺰﻧﻮﯾﺔ (٥٤
٧٨ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻄﻮﻟﻮﻧﯿﺔ (٥٥
٨٠ اﻟﺪوﻟﺔ اﻻﺧﺸﯿﺪﯾﺔ (٥٦
٨١ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺤﻤﺪاﻧﯿﺔ (٥٧
٨٣ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﺎﻃﻤﯿﺔ (٥٨
٨٦ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷﯾﻮﺑﯿﺔ (٥٩
٨٧ دوﻟﺔ اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ (٦٠
٩٠ دوﻟﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ (٦١
٩٦ ﻣﻠﺤﻖ اﻟﺤﺮو ب اﻟﺼﻠﯿﺒﯿﺔ (٦٢
١٠٢ (٦٣
١٠٣ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﻲ (٦٤
١٠٤ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻘﺒﻄﻲ (٦٥
١٠٤ اﻟﻌﺼﺮ اﻻﺳﻼﻣﻲ (٦٦
١٠٤ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ (٦٧
١٠٥ ﻋﮭﺪ اﻟﺜﻮرة (٦٨
١٠٦ ﺣﺮب أﻛﺘﻮﺑﺮ (٦٩
١٠٧ (٧٠
١٦٨ (٧١
١٣٢
You might also like
- حل الرموز و مفاتيح الكنوزDocument65 pagesحل الرموز و مفاتيح الكنوزAbdelkarim Hasbini90% (61)
- 03 - خطابات الشّيخ أبو عمر البغداديّ رحمه الله قل إني على بينة من ربيDocument5 pages03 - خطابات الشّيخ أبو عمر البغداديّ رحمه الله قل إني على بينة من ربيzoloziNo ratings yet
- حل الرموز و مفاتيح الكنوزDocument65 pagesحل الرموز و مفاتيح الكنوزطائر الظلام100% (1)
- معاوية بن أبي سفيان يأمر بلعن الإمام علي بن أبي طالب على المنابرDocument70 pagesمعاوية بن أبي سفيان يأمر بلعن الإمام علي بن أبي طالب على المنابرAnonymous vvuSrvU4a0% (1)
- تفريغ شرح الأربعين النووية من PDFDocument40 pagesتفريغ شرح الأربعين النووية من PDFHassan M. Osman100% (1)
- الخطبة الورقية باسل سوك تاوون 2Document5 pagesالخطبة الورقية باسل سوك تاوون 2Basil SukthawornNo ratings yet
- دعاء القنوتDocument10 pagesدعاء القنوتabduletifhamiNo ratings yet
- Story of Prophet AdamDocument34 pagesStory of Prophet Adamyasmin Dhahran budsNo ratings yet
- 102312Document284 pages102312habib khanNo ratings yet
- القول الفصل في مشروعية هدم القبور المزعومة لأنبياء اللهDocument4 pagesالقول الفصل في مشروعية هدم القبور المزعومة لأنبياء اللهtarazanNo ratings yet
- Capture D'écran . 2021-11-25 À 22.24.55Document1 pageCapture D'écran . 2021-11-25 À 22.24.55bvrsk2h8ksNo ratings yet
- همسات رمضان شهر الاجتهاد والطاعات والجهاد والفتوحات 21Document2 pagesهمسات رمضان شهر الاجتهاد والطاعات والجهاد والفتوحات 21cds vgvvvvvvvgfeNo ratings yet
- ومضات للارتقاء في رمضان ?Document34 pagesومضات للارتقاء في رمضان ?Hussaien Ali AliNo ratings yet
- أحاديث و روايات في الجفر عن رسول الله و أهل بيته عليهم السلامDocument15 pagesأحاديث و روايات في الجفر عن رسول الله و أهل بيته عليهم السلامYousef Malallah50% (2)
- فتح المجيدDocument338 pagesفتح المجيدأبوا فاطمة بن عبدالقادرNo ratings yet
- اخبار الزمانDocument159 pagesاخبار الزمانFaisal AlDossaryNo ratings yet
- Twabeen KidsDocument11 pagesTwabeen Kidsyoussefshaimaa3No ratings yet
- 54 PDFDocument105 pages54 PDFRobert ScottNo ratings yet
- العبادة: مفهومها ومبطلاتهاDocument13 pagesالعبادة: مفهومها ومبطلاتهاIslamHouseNo ratings yet
- الولاء للإسلام لا للوطن 4Document2 pagesالولاء للإسلام لا للوطن 4cds vgvvvvvvvgfeNo ratings yet
- بوابة الفجر - وظائف الملائكة وأسمائهم وخاصيتهم (نسخة طباعة)Document12 pagesبوابة الفجر - وظائف الملائكة وأسمائهم وخاصيتهم (نسخة طباعة)Hsaam HsaamNo ratings yet
- أركان الإيمان بالله تعالىDocument15 pagesأركان الإيمان بالله تعالىنزار حماديNo ratings yet
- أركان الإيمان بالله تعالى PDFDocument15 pagesأركان الإيمان بالله تعالى PDFperdurabo2No ratings yet
- أركان الإيمان بالله تعالىDocument15 pagesأركان الإيمان بالله تعالىR1fk1 JuniorNo ratings yet
- hadeeth4825 تخريج ودراسة الأحاديث و الآثار الواردة في الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع رحمه PDFDocument1,274 pageshadeeth4825 تخريج ودراسة الأحاديث و الآثار الواردة في الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع رحمه PDFMahmoud SaidNo ratings yet
- الكشف في المختبر الروحاني لحصولك على العلاج الربانيDocument418 pagesالكشف في المختبر الروحاني لحصولك على العلاج الربانيwatswnaltbybNo ratings yet
- Ar Kamal IslamDocument72 pagesAr Kamal Islamdid94317No ratings yet
- تربية الأولادDocument250 pagesتربية الأولادbesan100% (1)
- Taamik Nadra AkhiraDocument92 pagesTaamik Nadra AkhiraFinger TladiNo ratings yet
- SalimDocument16 pagesSalimKhaireh MahrezNo ratings yet
- أدلة الكتاب والسنة وعمل الأمة في جواز الاحتفاء والاحتفال بالمناسبات النبوية فونط 18 PDFDocument245 pagesأدلة الكتاب والسنة وعمل الأمة في جواز الاحتفاء والاحتفال بالمناسبات النبوية فونط 18 PDFKholil BupatiNo ratings yet
- وجوب التناصر بين المسلمينDocument5 pagesوجوب التناصر بين المسلمينIslamHouseNo ratings yet
- اغتنام الحياةDocument9 pagesاغتنام الحياةJibril AbdulMumin KamfalaNo ratings yet
- ذكاء الانبياء PDFDocument10 pagesذكاء الانبياء PDFZizouk FeresNo ratings yet
- الإسلام والشعر والتجديدDocument7 pagesالإسلام والشعر والتجديدعبدالمجيد فلاتهNo ratings yet
- الأمراض القلبية وخطرها على الفرد والمجتمعDocument110 pagesالأمراض القلبية وخطرها على الفرد والمجتمعnuckcheddyNo ratings yet
- الأساس لعقائد الأكياسDocument201 pagesالأساس لعقائد الأكياسZaydi LibraryNo ratings yet
- أبو الدرداء (جمعة)Document12 pagesأبو الدرداء (جمعة)Mustapha TaniNo ratings yet
- أبو الدرداء جمعة 2Document12 pagesأبو الدرداء جمعة 2NayabNo ratings yet
- دلائل النبوة 2Document154 pagesدلائل النبوة 2Mourad AyadouNo ratings yet
- نصرة الدولة الإسلامية على أحزاب الكفر والردة و 16Document2 pagesنصرة الدولة الإسلامية على أحزاب الكفر والردة و 16cds vgvvvvvvvgfeNo ratings yet
- قََََََصَصُالأنْبِیَاءِDocument14 pagesقََََََصَصُالأنْبِیَاءِالأدب العربيNo ratings yet
- Kitab Zughl Aldaewat WaldueaDocument240 pagesKitab Zughl Aldaewat Waldueawelidabdulwehab2No ratings yet
- D 8 A 8 D 8 A 7 D 984 D 985 D 988 D 984 D 8 AfDocument29 pagesD 8 A 8 D 8 A 7 D 984 D 985 D 988 D 984 D 8 Aflotalla337No ratings yet
- آدم عليه السلامDocument6 pagesآدم عليه السلامzaynabbolb7No ratings yet
- وِرْدُ الحفظ لإبن عجيلDocument2 pagesوِرْدُ الحفظ لإبن عجيلsesife3567No ratings yet
- أحكام العيد وآدابهDocument12 pagesأحكام العيد وآدابهYacquub XaajiNo ratings yet
- الخوارج بين الماضي والحاضر- د.محمد ياسر المسديDocument100 pagesالخوارج بين الماضي والحاضر- د.محمد ياسر المسديQAIS ALHINDAWINo ratings yet
- الخوارج بين الماضي والحاضر- د.محمد ياسر المسديDocument100 pagesالخوارج بين الماضي والحاضر- د.محمد ياسر المسدييوميات أم ديدةNo ratings yet
- البلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهيDocument93 pagesالبلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهيZaydi LibraryNo ratings yet
- الجواب المنير PDFDocument92 pagesالجواب المنير PDFHsaam HsaamNo ratings yet
- رسالة إلى الحكام والمحكومينDocument6 pagesرسالة إلى الحكام والمحكومينIslamHouseNo ratings yet
- الأجوبة الغالية في عقيدة الفرقة الناجية - الحبيب زين العابدين العلويDocument87 pagesالأجوبة الغالية في عقيدة الفرقة الناجية - الحبيب زين العابدين العلويBashandi100% (1)
- معاوية بن أبي سفيان يأمر بلعن الإمام علي بن أبي طالب على المنابرDocument70 pagesمعاوية بن أبي سفيان يأمر بلعن الإمام علي بن أبي طالب على المنابرAnonymous 0v3mNeURFNo ratings yet
- السيدة آمنة بنت وهب رضي الله عنهاDocument107 pagesالسيدة آمنة بنت وهب رضي الله عنهاkhanbadshah1987No ratings yet
- آفات اللسانDocument7 pagesآفات اللسانJibril AbdulMumin KamfalaNo ratings yet
- Documents-Others Books 49Document12 pagesDocuments-Others Books 49الأدب العربيNo ratings yet
- فوائد تلاوة القرآن الكريم - موضوعDocument3 pagesفوائد تلاوة القرآن الكريم - موضوعPakar Kuda LautNo ratings yet
- الفصل المحذوف من كتاب محنة 1965 الزلزال والصحوةDocument52 pagesالفصل المحذوف من كتاب محنة 1965 الزلزال والصحوةعبدالمنعم محمود100% (1)
