You are on page 1of 31

‫الطبعة األوىل‬

‫الرسي‬
‫ّ‬ ‫‪ 30 /9/ 2021‬احلرب‬
‫تأليف‪:‬خوسيه غريغوريو غونزاليس ماركيز‪.‬‬
‫‪Joseَ Gregorio Gonzaَlez Maَrquez‬‬
‫ترمجة‪ :‬د‪.‬سوسانا حبيب‬
‫رسومات‪ :‬خافيريا كاسانوفا‬
‫‪Javiera Casanova‬‬
‫حترير‪ :‬لينه عامر‬
‫اإلخراج الفني‪ :‬دار ظمأ‬
‫إخراج الغالف‪ :‬دار ظمأ‬
‫تدقيق لغوي‪ :‬وحيدة مسعود‬
‫عدد الصفحات ‪ 30:‬صفحة‬
‫عدد النسخ ‪500 :‬نسخة‬
‫سفارة الجمهورية الفنزويلية البوليفارية يف الجمهورية العربية السورية‬
‫السفري‪ :‬خوسيه غريغوريو بيومورجي موساتيس‬
‫املستشار الثقايف للسفارة الفنزويلية البوليفارية يف الجمهورية العربية السورية‪ :‬خافيري ألكساندر روا‬
‫‪Embajada de la Repuَblica Bolivariana de Venezuela en La Repuَblica Aَrabe Siria‬‬
‫‪Embajador: Joseَ Gregorio Biomogi Muzattiz.‬‬
‫‪Consejero (Responsable de la seccioَn cultural) Javier Alexander Roa‬‬
‫سوريا السويداء الشارع املحوري‬
‫هاتف‪00963 16 252302 :‬‬
‫تلفاكس‪ 16 222098 :‬ـ‪00963‬‬
‫‪fatenbookshop@yahoo.com‬‬
‫احملتوى‬

‫ﺍﳊﺒﺮ ﺍﻟﺴﺤﺮﻱ‪ :‬ﻣﻘﺪﻣﺔ ‪5 ........................................‬‬


‫ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﺍﻟﺒﺤﺮﻱ ﺃﻫﺪﻱ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﳝﻴﻠﻲ ‪6 ......... ...‬‬
‫ﺍﺳﻤﻬﺎ ﺩﺍﻏﻨﻲ ‪9 ...................................................‬‬
‫ﺳﺎﺣﺔ ﺍﳌﻌﺮﻛﺔ ‪14..................................................‬‬
‫ﻣﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﺴﻮﻝ‪18...................................................‬‬
‫ﻋﻴﺪﺍﻥ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ‪ :‬ﺩﺭﻭﺱ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﺠﻤﻟﺎﻥ‪21............. ...‬‬
‫ﺭﺳﺎﺋﻞ ﺍﶈﺒﺔ‪ :‬ﺩﺭﻭﺱ ﺍﳊﻴﺎﺓ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﺠﻤﻟﺎﻥ‪23..................‬‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺮﻙ‪ :‬ﻏﺎﻟﺒﴼ ﻣﺎ ﺗ‪‬ﺨﺘﺰ‪‬ﻝ ﺍﳊﻴﺎﺓﹸ ﰲ ﺿﺤﻚ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ‪26.... ...‬‬
‫ﺍﳊﺒﺮ ﺍﻟﺴ‪‬ﺤﺮﻱ‪ :‬ﺑﲔ ﺍﻟﻘﻠﻢ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﹼ‬
‫ﲦﺔ ﺳﺤﺮ ﺧﻔﻲ ‪28...... ...‬‬
‫احلبر السحري‬
‫وقصص أخرى للكاتب خوسي غونساليس ماركيس‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫بر السـحري وقصـص أخـرى‪ ،‬جمموعـة مـن احلكايـات تصف املحبـة التـي تزدهر بين األطفال‬ ‫احل ُ‬
‫يف مرحلـة املدرسـة االبتدائيـة‪ ،‬ومنهـا حكاية لويس دومـاس‪ -‬بطل أغلـب القصص‪-‬هو طفـل طبيعي‬
‫كأي طفـل آخـر‪ ،‬لكـن لديـه مشـكلة بسـيطة وهي عـدم القـدرة على الرتكيز وعلى البقـاء هادئـ ًا لفرتة‬
‫طويلة‪...،‬‬
‫حيب املطالعة (هوايته املفضلة)‪.‬‬
‫مع أنه ّ‬
‫و يف يـوم مـا‪ ،‬وبينما كان يطالع موسـوعة العلـوم الطبيعية‪ ،‬اكتشـف طريقة لصنع احلبر اخلفي‪ ،‬منذ‬
‫ذلـك احلين يكتـب كل واجباته املدرسـية بـه‪ ،‬دون أن خيرب أحد على طريقة إظهـار األحرف‪...‬‬
‫لذلك اعتقد املعلمون ورفاقه أنه جمنون‪ ،‬لك ّن‪ ،‬كانت غايته ّأل يرى أحد ما يكتبه‪.‬‬
‫لا أيضـ ًا‪ ،‬فهو هيـوى كتابة رسـائل احلـب‪ ،‬يطلب منـه رفاقه‬ ‫يف قصـة أخـرى يكـون لويـس فيهـا بط ً‬
‫كتابـة الرسـائل لصديقاهتـم‪ ،‬طلب منـه صديقه ذات مـرة‪ ،‬كتابة رسـالة غرامية لفتـاة كان لويس معجب‬
‫هبـا شـخصي ًا‪ ،‬مـا أثـار غضبه كثير ًا‪ ،‬فكتب لـه رسـالة ضمنها عبـارات مزعجة جـد ًا‪ ،‬ما جعـل صديقته‬
‫تصفعـه أمـام مجيـع الطالب حني قـرأت رسـالت ُه‪ .‬و هنـاك قصة ظريفـة‪ ،‬بعنـوان علم الفلـك البحري‪،‬‬
‫وهـي حكايـة تدمج بين املعرفـة‪ ،‬املحبة وبـراءة األطفال‪.‬‬
‫هناك قصص عديدة أيض ًا‪ ،‬ستستمتعون بقرائتها كثري َا‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫علم الفلك البحري‬
‫أهدي هذه القصة إلى إمييلي ‪...‬‬

‫قــد تعتقــدون كــا اعتقــدت معلمتــي ورفاقــي أين جمنــون‪ ،‬أو أين أهلــوس‪ ،‬وكل ذلــك‪ ،‬بســبب‬
‫قــراءايت املســتمرة وبســبب حــب حيــايت الــذي ال ُينســى‪.‬‬
‫اسمحوا يل أن أعرتف‪ ،‬أنني جمنون بحب القراءة وبحب إيمييل أيض ًا‪.‬‬
‫كانــت إيميــي تــدرس معــي يف الصــف نفســه‪ ،‬مــن الصــف األول‪ ،‬وهــي طفلــة مجيلــة‪ ،‬شــعرها‬
‫املــس ينســاب عــى كتفيهــا مثــل النهــر الــذي يبحــث عــن حريتــه باجتــاه البحــر‪ ،‬تغــوص عينيهــا‬
‫يف وجههــا حــن تبتســم كهاللــن تنعكــس صورهتــا يف بئــر يف ليلــة ماطــرة‪ ،‬ووجههــا البيضــوي‬
‫كالكوكــب الــذي يرافقنــي طــوال حيــايت يف ليــايل الصيــف‪ ،‬ابتســامتها اللطيفــة ‪-‬ابتكرهــا اخلالــق‬
‫العظيــم‪ -‬حتــر قلبــي وجتعلــه خيفــق برسعــة كلــا اقرتبــت مــن مقعــدي‪.‬‬
‫نعــم‪ ،‬أعــرف أهنــا تعجبنــي كثــرا‪ ،‬وأحــاول دائــا لفــت انتباههــا‪ ،‬لذلــك يعتقــد أصدقائــي بــأين‬
‫جمنــون‪ ،‬فينتهــزون أي فرصــة‪ ،‬كــي هيــزؤوا ممــا أفعــل!‪.‬‬
‫يف أحد األيام‪ ،‬سألتنا املعلمة‪ :‬ماذا نحب أن نصبح يف املستقبل؟‪.‬‬
‫بــدأ كل منــا‪ ،‬يقــول مــاذا يريــد أن يكــون ‪ ...‬اســاعيل يريــد أن يصبــح رجــل إطفــاء‪ ،‬آنــا‪ :‬تريــد‬
‫أن تصبــح طبيبــة‪ ،‬كارلــوس ‪ :‬يريــد أن يكــون طبيبــ ًا بيطريــ ًا ‪ ....‬وحــن جــاء دوري‪ ،‬أجبــت‪ :‬عــامل‬
‫فلــك بحــري…‬
‫هل تتصورون ما حدث !؟‬
‫انفجر الصف ضاحك َا‪ ،‬حتى إيمييل مل تستطع أن تكتم ضحكتها‪.‬‬
‫حاولــت اآلنســة إســتيليتا ‪ -‬اســم معلمتــي‪ -‬ضبــط الصــف ثانيــة‪ ،‬ونجحــت أخــر ًا يف جعلهــم‬
‫يصمتــون بعــد مخــس دقائــق مــن الضحــك املســتمر‪ ،‬متنيــت االختفــاء عــن وجــه األرض حينهــا‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫عندها سألتني املعلمة‪ :‬ماذا تعني بعلم الفلك البحري؟‬
‫ـ تغلبت عىل اخلوف الذي يعرتيني‪ ،‬وأجبتها‪:‬‬
‫تقــص علينــا أمــي قصصــ ًا يف الليــل‪ ،‬عندمــا تكــون الســاء صافيــ ًة‪ ،‬وتطلــق األســاء عــى النجــوم‪،‬‬
‫متامــ ًا كــا يفعــل الفالحــون‪ ...‬و منهــا اســم املريميــات الثــاث‪ ،‬النعجــات الســبع‪ ،‬شــهب بيــت‬
‫حلــم‪ ،‬النجمــة الوحيــدة ومســميات كثــرة ال أذكرهــا ‪.‬‬
‫‪ -‬يعجبني هذا الكالم‪ ،‬لكن ما هي العالقة بني قلته وعلم الفلك البحري؟!‬
‫‪ -‬آنستي‪ ،‬نحن عندما نراقب النجوم‪ ،‬نشاهد الشهب التي تعرب السامء برسعة‪...‬‬
‫تقول أمي‪:‬‬
‫إن هذه الشهب تسقط بالبحر!! طبع ًا‪ ،‬يستحيل أن تكذب أمي ّ‬
‫عيل‪!...‬‬
‫استنتجت من كل ذلك‪ ،‬أن هناك يف أعامق البحار‪ ،‬مقربة نجوم‪!...‬‬
‫لذلــك أريــد أن أصبــح عــامل فلــك بحــري‪ ،‬كــي أبحــث وأدرس عــن كل تلــك النجــوم التــي‬
‫ســقطت يف البحــار‪ ،‬مــا هــي؟ ممــا تتكــون ؟ ومــن يعلــم‪ ،‬قــد نكتشــف مــن خــال أبحاثــي هــذه أن‬
‫هنــاك حيــاة عــى كواكــب أخــرى ‪.‬‬
‫ُدهشت املعلمة من رشحي‪ ،‬ظلت للحظات ال تستطيع اخلروج من حالة الذهول‪!..‬‬
‫بعدها قالت‪:‬‬
‫‪ -‬إنــك عــى حــق‪ ،‬مــا نســميه بالشــهب مــا هــي إال نجــوم ختــرق الغــاف اجلــوي لكوكبنــا‪،‬‬
‫وقــد تســقط عــى اليابســة‪ ،‬أو يف أعــاق البحــار‪ ،‬واآلن يمكننــا القــول‪:‬‬
‫‪ -‬إنــك عــى حــق‪ ،‬مــا نســميه بالشــهب مــا هــي إال نجــوم ختــرق الغــاف اجلــوي لكوكبنــا‪ ،‬وقــد‬
‫تســقط عــى اليابســة‪ ،‬أو يف أعــاق البحــار‪ ،‬واآلن يمكننــا القــول أن الفالحــن يســتمتعون بمشــاهدة‬
‫هــذه الظواهــر‪ُ ،‬معتقديــن أن النجــوم تســقط يف البحار‪...‬أعتقدهــم حمقــن‪ ،‬إهنــم حياولــون تفســر مــا‬
‫يشــاهدونه مــن مظاهــر حتــدث أمامهــم بروايــة مــا يربرهــا‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫قــد تتمكــن مــن دراســة علــوم البحــار‪ ،‬وهكــذا ستكتشــف‪ ،‬وتــدرس‪ ،‬أرسار امليــاه التــي حتيــط‬
‫بنــا‪!..‬‬
‫أهنئك من كل قلبي‪...‬‬
‫ح ّياين اجلميع‪ ،‬وصاح صديقي كارلوس أغوستو قائالً‪:‬‬
‫كان املجنون عىل حق‪ ،‬هذه املرة!‪.‬‬
‫التفــت‪ ،‬كاد وجــه إيميــي يالمــس وجهــي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عندمــا خرجــت مــن الصــف‪ ،‬شــعرت بيــد أوقفتنــي‪،‬‬
‫مه َست ‪:‬‬
‫و َ‬
‫تلفت انتباهي قصصك املجنونة‪ ،‬لكن هذه املرة حكايتك مجيلة جد ًا‪.‬‬ ‫أتعرف شيئ ًا‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫بعدها قبلتني عىل وجنتي وابتعدت وهي تركض‪...‬‬
‫أشعر برائحة أنفاسها اللطيفة عىل وجهي‪......‬‬ ‫ُ‬ ‫لغاية هذه اللحظة‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫اسمها داغني‬

‫أن األســتاذ لوفــو ‪-‬كان هــذا لقبــه‪ ،‬أي اســم عائلتــه‪ -‬ســيكون ُمعلمنــا يف الصــف‬ ‫عندمــا َع ِلمنــا َّ‬
‫الســادس‪ ،‬أصابنــا اهللــع فهــو معــروف عنــه إنــه صــارم جــد َا‪ ،‬ال حيــب ابــد َا الشــغب‪ ،‬وال يســمح‬
‫باللهــو داخــل الصــف‪ ،‬باإلضافــة إىل مزاجــه الــيء‪ .‬وهكــذا كنــا يف حالــة قلــق عــارم ننتظــر األســوأ‬
‫منــذ اليــوم األول للعــام الــدرايس اجلديــد‪ ،‬أخــر َا وصــل الغــول املخيــف الــذي ال يرحــم‪ ،‬حتــى‬
‫كارلــوس اوغوســتو‪ ،‬وهــو األكثــر شــغب ًا بيننــا‪-‬ال حيلــو لــه ســوى القفــز فــوق املقاعــد‪ -‬كان عــى غري‬
‫عادتــه بقمــة اهلــدوء والتهذيــب‪.‬‬
‫ال يمكــن أن تتصــوروا! كــم كنــت خائــف‪ ،‬لدرجــة أنــه انعكــس رعــب فاضــح عــى مالمــح‬
‫وجهــي‪ ،‬وألين قصــر القامــة بــن رفاقــي‪ ،‬كنــت أجلــس دائــ َا يف املقعــد األول ‪.‬فجــأة ُســمع صــوت‬
‫املعلــم ‪:‬‬
‫‪-‬صباح اخلري يا أطفال!‪.‬‬
‫أجبنا مجيعنا كالكورس‪ :‬‬
‫‪ -‬صباح اخلري!‪...‬‬
‫تابع املعلم‪:‬‬
‫‪ -‬اليــوم هــو أول يــوم يف الســنة الدراســية اجلديــدة‪ ،‬وعلينــا العمــل بجــد ونشــاط‪ ،‬كــي نســتغل‬
‫الوقــت وننجــز كل الــدروس ونســتفيد‪ .‬اآلن‪ ،‬أخرجــوا دفاتركــم‪ ،‬اكتبــوا موضوعــ ًا حــر َا عــن أي يشء‬
‫ســأق ّيم اإلمــاء والنحــو واخلــط‪ .‬لذلــك حاولــوا أن تعملــوا بــكل‬ ‫تتميــزون فيــه‪ .‬وأثنــاء التصحيــح ُ‬
‫جــدٍّ وحرفيــة‪.‬‬
‫جلســنا مجيعــ َا وبحثنــا عــن أفــكار لنقــوم بالواجــب املطلــوب‪ ،‬لقــد اعتدنــا عــى كتابــة مغامــرات‬
‫جتعلنــا نُحلــق بخيالنــا الواســع حــول العــامل ‪ .‬كُنــا نتخيــل أحيانــا أننــا طيــارون‪ ،‬نســافر إىل بلــدان بعيدة‬
‫‪9‬‬
‫ونتأرجــح باهلــواء كالطيــور املهاجــرة قبــل الشــتاء؛ البعــض منــا كان يطفــوا فــوق البحــار حياربــون‬
‫الثعابــن البحريــة واحليتــان‪ .‬كل هــذه القصــص كانــت نتيجــة القــراءة املكثفــة للكتــب والروايــات‬
‫التــي كنــا نســتعريها مــن املكتبــة‪.‬‬
‫الصــف‪ ،‬وكأن اجلــدران حراســ َا يراقبوننــا كــي يمنعوننــا عــن إحــداث‬ ‫ُ‬ ‫ُييــم الصمــت التــام عــى‬
‫نســتمتع بــا طلبــه منــا املعلــم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أي شــغب أو فــوىض‪ ،‬كنــا خائفــن‪ ،‬لكننــا يف الوقــت نفســه‪،‬‬
‫مــى الوقــت‪ ،‬وأعطــاين اندريــس ورقــة صغرية مكتــوب عليهــا‪« :‬انظــر إىل املقعــد الرابــع»‪ .‬خفت‬
‫ــا وأعطيتــه ملــن كان بجانبــه‪ ،‬لكــن مل نفهــم مــا الــيء الــذي كان اندريــس يريــدين أن أراه‪ ،‬ال‬ ‫قلي ً‬
‫أعــرف ماهــو‪ ..‬بالتأكيــد ال ُيمكننــي املخاطــرة والقيــام بــأي حركة‪.‬لرؤيــة مــا يريــدين أن أراه‪ ،‬لذلــك‬
‫عــدت إىل الكتابــة‪ ،‬لكــن بقــي أندريــاس مــر كــي أنظــر إىل اخللــف‪ ،‬لكنــي أرصيــت عــى جتاهــي‬
‫لــه‪ ،‬ألين غــر مســتعد ألخجــل وأتعــرض للعقــاب بــأول يــوم درايس فــكان األســتاذ ينظــر إ ّيل ‪.‬‬
‫بعد حلظات قال املعلم‪:‬‬
‫‪ -‬انتبهــوا إيل يــا أطفــال! ســأقرأ قائمــة األســاء ألتعــرف عليكــم و هبــذه الطريقــة نتقــرب مــن‬
‫بعضنــا البعــض وعندهــا تــزداد املــودة والثقــة بيننــا‪ ،‬أنــا لســت الوحــش الــذي تتخيلونــه!‪ ..‬لكــن‪،‬‬
‫أحــب أن يكــون طــايب جمتهديــن ومميزيــن‪ ..‬ســأعرتف لكــم بأمــر‪ :‬أحــب قضــاء أوقــات ممتعــة مــع‬
‫طــايب‪!...‬‬
‫مل نصــدق ماكنــا نســمعه‪ ،‬اعتقدنــا أنــه كان ينصــب لنــا فخــ ًا‪ ،‬ومــع الوقــت سينكشــف رسه‪ ..‬وبــدأ‬
‫بقول األســاء‪:‬‬
‫‪ -‬الباران نوريس‬
‫‪-‬حارض‪.‬‬
‫‪-‬الربان زويل‬
‫‪-‬حارض‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪-‬رودريغيس اوغوستو‪..‬‬
‫‪-‬أنا هنا‪..‬‬
‫قال املعلم‪ :‬عندما ألفظ أسامءكم تقولون ‪ :‬حارض‪..‬‬
‫بــدأ وكأن التفقــد لــن ينتهــي البتــة‪ ،‬وعنــد لفظــه للحــروف يمتــد الصــدى وكأننــا يف كهــف‬
‫للقراصنــة‪ .‬بينــا كنــت أعــر بخيــايل شــوارع البلــدة وأختيــل الســاء الزرقــاء الصافيــة التــي تُشــعرين‬
‫باحلــزن وال أدري ملــاذا؟!‪ ..‬قــد يكــون ألين أرغــب يف الســفر بعيــد ًا عــن هــذه اجلبــال التــي حتيــط‬
‫بنــا‪ ...‬بينــا كنــت أرسح بخيــايل‪ ،‬قــرأ االســتاذ اســمي‪:‬‬
‫‪-‬دوماس لويس!‬
‫‪...‬ثم رصخ دوماس‪!!.‬‬
‫أجبته‪:‬‬
‫‪ -‬نعم ‪ ..‬تفضل!‬
‫انفجر الصف ضاحك َا كان يقول اسمي بينام كنت أسافر يف أحالم اليقظة‪...‬تابع املعلم‪:‬‬
‫‪ -‬رودريغيس‪ ،‬داغني‪.‬‬
‫‪ -‬حارض‪ ..‬‬
‫كان كارلــوس موراليــس جالســا يف آخــر صــف‪ ،‬عندمــا ســمع االســم‪ ،‬قــام بالتصفــر ال إراديــ ًا‬
‫التفــت إىل اخللــف وأنــا أكاد أفقــد تــوازين‪ ،‬رأيتهــا جالســة يف املقعــد الرابــع وهــي ترتــدي‬
‫ُ‬ ‫‪ ..‬حينهــا‬
‫بدلتهــا النظيفــة املرتبــة‪ .‬ســألت نفــي وأنــا أنظــر إليهــا‪ ،‬مــن أيــن أتــى هــذا املــاك األســمر‪ ،‬ذات‬
‫الشــعر األســود الالمــع وابتســامتها احللــوة كرحيــق األزهــار ؟‪.‬‬
‫فهمــت أخــر َا مــا أرادين أندريــاس أن أراه‪ ،‬ومــن تلــك اللحظــة تغــرت حيــايت‪ ،‬وبــدأ قلبــي خيفــق‬
‫بقــوة‪ ،‬احتلــت الفراشــات معــديت‪ ،‬مل أكــن أفهــم البتــة مــا حصــل يل؟‪ ..‬أمضيــت ذلــك الصبــاح‬
‫يرافقنــي هــذا الشــعور اجلميــل الغريــب‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫خرجنــا مــن الصــف واجلميــع يتحــدث عــن الطالبــة اجلديــدة‪ ،‬ليــس لدينــا أدنــى فكــرة عــن‬
‫مــكان إقامتهــا‪ ،‬مــع أنــه يف قريتنــا ال يمكــن إخفــاء األرسار واجلميــع يعرفــون بعضهــم البعــض‪.‬‬
‫كان إيمــرو ينظــر إلينــا واحــد َا واحــد ًا‪ ،‬دون أن ينطــق بــأي حــرف‪ ،‬يبتســم كلــا حاولنــا تفســر‬
‫أي يشء عــن البنــت اجلديــدة‪ .‬أمضينــا وقــت ال ُيســتهان بــه ونحــن نحــاول تفســر األمــور‪ ،‬كنــت‬
‫متشــوق ًا ألعــرف انطبــاع أصدقائــي عنهــا‪ .‬بعــد نصــف ســاعة تقريبــ ًا‪ ،‬أخربنــا إيمــرو أخــر ًا‪ ،‬أهنــا‬
‫تســكن يف جــوار بيتــه‪.‬‬
‫حينها‪ ،‬رغبنا مجيعا باالنقضاض عليه ورضبه ألنه أخفى عنا ما يعرفه من معلومات ‪.‬‬
‫أخربنــا إيمــرو أهنــا أتــت مــن مدينــة مراكايبــوا ‪-‬عاصمــة حمافظة ســوليا يف شــال غــرب فنزويال‪-‬‬
‫وهــي مدينــة مجيلــة وكبــرة جــد ًا وفيهــا بحــرة عجيبــة يســتخرجون منهــا البــرول‪ .‬أخربنــا أيضــ ًا أن‬
‫والدهــا مديــر مؤقــت للمدرســة الثانويــة يف القريــة‪.‬‬
‫يف تلــك الليلــة‪ ،‬مل أســتطع النــوم‪ ،‬أمضيــت الليــل كلــه وأنــا أفكــر فيهــا‪ ،‬جعلنــي ذلــك فاقــد َا‬
‫للشــهية وشــارد َا طيلــة الوقــت‪ ،‬وأمهــل القيــام بواجبــايت املدرســية طبعــ ًا‪.‬‬
‫يف تلــك الفــرة‪ ،‬أدمنــت زيــارة صديقــي إيمــرو متذرعــ ًا بــأي ســبب‪ ..‬مــرة ليســاعدين يف واجبــايت‬
‫املدرســية ومــرة أخــرى كــي أســاعده بــا يطلبــه أبــوه منــه‪ ،‬فأنــا يف احلقيقــة أرغــب برؤيــة داغنــي‪،‬‬
‫التــي ســلبتني عقــي ووقتــي‪.‬‬
‫مضــت أشــهر وأنــا أنتهــز أيــة فرصــة كــي أنظــر يف وجــه حمبوبتــي اجلميلــة‪ ،‬لكــن خجــي منعنــي‬
‫مــن نطــق أيــة كلمــة تعــر هلــا عــن شــعوري نحوهــا‪ .‬ومل أمتكــن مــن اقتنــاص ولــو حتــى إبتســامة‬
‫واحــدة منهــا‪ ...‬اكتفيــت برؤيتهــا كل صبــاح‪.‬‬
‫جــاء شــهر ديســمرب (كانــون األول) وبــدأت االحتفــاالت بعيــد امليــاد والســنة اجلديدة‪-‬أجــواء‬
‫العيــد جتتــاح أرجــاء القريــة‪ ،‬االحتفــاالت الدينيــة يف كنيســة القريــة‪ ،‬األناشــيد وأغنيــات خاصــة‬
‫أو األغنالــدو‪ -‬غنــاء خــاص بأعيــاد امليــاد‪...-‬كل ذلــك ليبعــث الــدفء والفــرح ويبــدد األجــواء‬
‫‪12‬‬
‫البــاردة القادمــة مــن اجلبــال املحيطــة بنــا‪ ،‬أمــا الزينــة امللونــة يف بيــوت القريــة‪ ،‬فكانــت كأهنــا الشــهب‬
‫يف الســاء‪.‬‬
‫ذهبت داغني لقضاء عطلة العيد يف ماراكايبو‪.‬‬
‫‪ -‬هــذا مــا أخــرين بــه إيميلــو ‪-‬لتحتفــل مــع عائلتهــا التــي تنتظرهــا‪ ...‬عندمــا علمــت باألمــر‪،‬‬
‫مرضــت يف اليــوم التــايل نتيجــة ذلــك‪ ،‬ومل يعــرف األطبــاء‬
‫ُ‬ ‫انتابنــي حــدس بأننــي لــن أراهــا بعــد اآلن‪،‬‬
‫ورصت نحيــاً‪ ،‬كل مــا رغبــت فيــه هــو انقضــاء‬ ‫ُ‬ ‫ســبب ًا لعلتــي ‪....‬قلــق أهــي ألننــي فقــدت شــهيتي‬
‫الوقــت رسيعــ ًا كــي نعــود للمدرســة بأقــرب وقــت‪.‬‬
‫عدنــا إىل املدرســة يــوم ‪ 7‬ينايــر ( كانــون الثــاين)‪ ،‬كان اجلميــع فرحــن‪ ،‬يتحدثــون عــن االحتفاالت‬
‫فنظــرت فــور ًا إىل مقعدهــا‪ ،‬لكنــه كان فارغــ ًا‪ ،‬حينهــا علمــت أن داغنــي لــن‬
‫ُ‬ ‫واألجــواء‪ ....‬أمــا أنــا‬
‫تعــود‪ ،‬لألســف انتهــى عقــد عمــل والدهــا كمديــر للثانويــة يف بلدتنــا‪ ،‬فعــادوا إىل ماراكايبــو‪.‬‬
‫ال أزال أشتاق إليها حتى هده اللحظة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ساحة املعركة‬

‫نحتفــل يف فنزويــا يــوم ‪24‬حزيــران مــن كل عــام بعيــد اســتقاللنا ‪ 24-‬حزيــران عــام ‪1810‬متــت‬
‫معركــة كارابوبــو التــي انتــروا فيهــا االبــرار وتــم اســتقالل البــاد‪..-‬و يف هــذا العيــد الوطنــي‪..‬‬
‫تقــوم املدرســة بعمــل حفــل اســتعرايض نمثــل فيــه املعركــة التــي حتقــق مــن بعدهــا االســتقالل‪.‬‬
‫مل تبــق ســوى ســاعات قليلــة لبــدء احلفــل‪ ،‬بينــا ت ُِعــدُّ أمــي برتكيــز البدلــة التــي ســأرتدهيا‪ ،‬ســنقدم‬
‫عــرض مرسحــي عــن معركــة االســتقالل يف ســاحة املدرســة‪ ،‬أنــا متوتــر جــد َا رغــم أننــي تدربــت‬
‫عــي قولــه‪.‬‬
‫ملــدة أســبوعني قبــل العــرض‪ ،‬لكنــي أخــاف أن ختوننــي ذاكــريت يف حلظــة‪ ،‬فأنســى مــا َّ‬
‫مل أســتطع النــوم البتــة ‪...‬كنــت أفكــر بكارولينــا ‪-‬الطفلــة التــي متــأ أيامــي بالســعادة‪ -‬مــاذا‬
‫حــر ُم مــن ابتســامتها‪ ،‬وتســخر منــي‪ ،‬هي‬ ‫ســتقول عنــي‪ ،‬لــو أين نســيت النــص؟‪ ..‬قــد ُأخ ّيــب أملهــا و ُأ َ‬
‫وأصدقائــي‪ ..‬نادتنــي أمــي لتنــاول الفطــور‪ ،‬وألين مل أرغــب يف تنــاول الطعــام‪ ،‬رشبت احلليــب وأكلت‬
‫قطعــة خبــز‪ .‬كنــت متحمســ ًا ألن املرسحيــة ستســمح يل بالتباهــي أمــام رفاقــي‪ ..‬ودعتنــي أمــي قائلــة‪:‬‬
‫‪-‬انتبــه أن تكــر الســيف اخلشــبي‪ ،‬تذكــر أنــك ستســتخدمه يف العــرض املرسحــي‪ ،‬ممنــوع اللعــب‬
‫بــه‪ ،‬أعلــم أنــك ســتقوم بــدورك بشــكل صحيــح‪.‬‬
‫ركضــت إىل املدرســة‪ ،‬وكانــت معلمتــي يف انتظــاري عــى أحــر مــن اجلمــر‪ ،‬فهــي حريصــة عــى أن‬ ‫ُ‬
‫تتــم األمــور كــا هــو خمطــط هلــا‪ ،‬أخربهتــا أين تأخــرت قلي َ‬
‫ــا ألين التقيــت وأنــا بطريقــي إىل املدرســة‪،‬‬
‫ّ‬
‫بحــل فروضنــا املدرســية‬ ‫صديقــي بابلــو‪ ،‬إنــه صديقــي املقــرب‪ ،‬كنــا معــ ًا لعــدة صفــوف ونقــوم دائــ َا‬
‫ســوي ًة‪ ...‬ومــا أن التقينــا خاطبنــي قائــاً‪:‬‬
‫‪ -‬سأحتداك‪...‬‬
‫مل أفهــم مــاذا كان قصــده يف بدايــة األمــر‪ ،‬طلبــت منــه تفســر َا واســتعجلته يف ذلــك‪ ،‬ألننــا تأخرنــا‬
‫عــن موعدنــا‪ ...‬لكنــه أعــاد الــكالم نفســه‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫‪-‬إين احتداك‪!...‬‬
‫الحظــت‪ ،‬منــذ أيــام غرابــة ترصفاتــه لقــد تغــر حينــا أخربتــه بأننــي معجــب بكارولينــا ‪ ..‬ربــا‬ ‫ُ‬
‫يكــون هــو معجــب هبــا أيضــا؟!‬
‫وصلنا أخري ًا ‪ ..‬بدت املعلمة متوترة وقامت بتوبيخنا قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬أنتــا عديــا املســؤولية‪ ...‬لقــد طلبــت منكــم مجيعــ ًا عــى رضورة احلضــور باكــر َا كــي تتدربــوا‬
‫قبــل العــرض ‪.‬‬
‫حــر اجلميــع‪ ،‬كانــوا بكامــل أناقتهــم‪ ،‬وقفــت املديــرة بالتــزام وســط الســاحة بترسحيــة شــعرها‪،‬‬
‫التــي توحــي باالنضبــاط واجلديــة‪ .‬كنــت أراقــب كل ذلــك وأنــا ُمتبــيء خلــف ســتارة املــرح‪،‬‬
‫أنتظــر رؤيــة كارولينــا‪.‬‬
‫جاءت اللحظة احلاسمة‪ ،‬أعلن مقدم احلفل بداية العرض املرسحي بصوت قوي وواضح‪:‬‬
‫‪ -‬أحبتــي زمالئــي‪ ،‬أطفــايل األعــزاء‪ ،‬ســيدايت وســاديت‪ ...‬أهــا وســهال بكــم يف عــرض مرسحيــة‬
‫معركــة كارابوبــو ضمــن فعليــات احتفالنــا بيــوم االســتقالل‪ .‬ســيقدم الصــف اخلامــس الشــعبة‬
‫الثانيــة‪ ،‬عــرض يذكرنــا بتاريــخ أمتنــا‪...‬‬
‫ركبتــي ترجتفــان‪ ،‬للحظــة شــعرت أين ســأفقد الوعــي وبالتأكيــد أصبــح وجهــي بلــون‬ ‫ّ‬ ‫بــدأت‬
‫أوراق الشــجر املصفــرة‪ ..‬وبلــل العــرق ثيــايب‪ ...‬بقيــت عــى هــذه احلــال‪ ،‬لدقائــق معــدودة وبعدهــا‬
‫متالكــت نفــي وخرجــت إىل املــرح‪ ،‬ألقــوم بــدوري مــع باقــي الرفــاق‪ .‬وبــدأت‪:‬‬
‫‪-‬نحــن الوطنيــون نُحــارب مــن أجــل حريــة وطننــا‪ ،‬نطــرد اإلمرباطوريــة التــي احتلت بالدنــا وقد‬
‫اســتغلتنا أبشــع اســتغالل ‪..‬نضحــي بدمائنــا مــن أجــل مســتقبل أوالدنــا ‪ ..‬هيــا !! تقدمــوا إىل األمــام‪.‬‬
‫بدأت املعركة‪ ..‬تذكرنا وصية املعلمة‪ ،‬باالنتباه إىل وجوهنا حني نستخدم السيوف اخلشبية‪.‬‬
‫ســار العــرض رويــدا رويــدا‪ ..‬حيانــا اجلمهــور مصفقــ ًا بحــاس‪ ،‬ثــم جــاءت املعلمــة كــي تبــارك‬
‫لنــا نجاحنــا قائلــة‪:‬‬
‫‪15‬‬
‫‪-‬أهنئكــم مــن كل قلبــي‪ ...‬كنتــم رائعــن‪ ،‬ســتنالون العالمــة التامــة بالنشــاط‪ ...‬واآلن ادخلــوا إىل‬
‫صفوفكــم‪ ،‬بينــا أذهــب أنــا للقــاء املديــرة ألهنــا تُريــدين‪.‬‬
‫وفعــاً‪ ...‬دخلنــا الصــف وقــد حتــول إىل بحــر مــن الشــغب‪ ،‬اســتغل بابلــو غيــاب املعلمــة ورفــع‬
‫ــا أننــي خنتــه ألين معجــب بكارولينا‪...‬وخاطبنــي‪:‬‬ ‫ســيفه اخلشــبي أمامــه وهــوى بــه نحــوي‪ ،‬قائ َ‬
‫‪ -‬تريد أخذ كارولينا مني‪ ...‬لن أسمح لك‪...‬‬
‫‪-‬بابلــو‪ ..‬أنــت أعــز صديــق لــدي‪ ،‬وال أعتقــد أن حــل هــذه املشــكلة يكــون بالشــجار وخاصــة‬
‫باســتخدام الســيوف اخلشــبية املخصصــة للعــرض‪ ،‬قــد نــؤذي أنفســنا هبــذه الطريقــة ‪.‬‬
‫فجأة سمعت أحدهم يقول‪:‬‬
‫‪-‬هيا‪..‬استعد للمواجهة‪...‬‬
‫ابتســمت عندهــا‪ ،‬تذكــرت األفــام احلربيــة التــي كنــا نشــاهدها عــى شاشــة التلفاز‪...‬لكــن‪ ،‬مل‬
‫يلبــث أن غضــب بابلــو مــن ردة فعــي وهجــم عــي‪ ،‬عندهــا كان ال بــدّ مــن الدفــاع عــن نفــي وإال‬
‫ســتعتقد كارولينــا وبقيــة زمالئــي أين جبــان‪ .‬بــدأ العــراك بالســيوف اخلشــبية‪ ،‬كان رصاخ األطفــال‬
‫هيــز املدرســة وأصــوات رنــن رضبــات الســيوف تُســمع بقــوة‪ ..‬دامــت املعركــة نصــف ســاعة‬
‫تقريبــ ًا‪ ،‬كنــا متعبــن منهكــن‪ ،‬عندهــا‪ ،‬قــررت كارولينــا الوقــوف بيننــا كــي تُنهــي الشــجار‪ ،‬لكــن‬
‫لســوء احلــظ أصاهبــا ســيفي برأســها وســال خيــط مــن الــدم عــى وجنتهــا اجلميلــة الالمعــة‪ ،‬حلظــات‬
‫وحتــول اخليــط إىل شــال مــن الدمــاء ‪ .‬ركضــت كــي أخــر املعلمــة ألين خفــت عليهــا كثــر َا‪...‬‬
‫وبالفعــل أخذوهــا إىل املســتوصف ليخيطــوا اجلــرح‪ ،‬بينــا بقينــا نحــن حزينــن عــا حصــل‪،‬‬
‫وطبعــ َا مرعوبــن ألهنــم سيســتدعون أوليــاء أمورنــا نتيجــة فعلتنــا هــذه‪.‬‬
‫يف اليوم التايل‪ ،‬استدعونا وهددوا بطردنا من املدرسة يف املرة القادمة‪.‬‬
‫عدنــا أنــا وبابلــو أصدقــاء واعتذرنــا مــن كارولينــا التــي كلــا نظــرت إىل املــرآة ســتتذكر أن العالمــة‬
‫التــي عــى وجههــا كانــت بســبب معركــة احلب‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫مفتاح السول‬

‫تتلقى أختي نييل دروس املوسيقا بعد املدرسة‪ ،‬وتقول عنها املعلمة أهنا موهوبة‪.‬‬
‫طبعــا‪ ،‬أنــا أكثــر األشــخاص تأكــد ًا مــن هــذه املوهبــة اخلالقــة عنــد نيــي‪ ...‬ألهنــا تقســم رأيس اىل‬
‫نصفــن مــن كثــرة التدريــب‪ ،‬بالتأكيــد احلديــث الوحيــد الــذي يــدور بيننــا طــوال الوقــت هــو عشــقها‬
‫للمو سيقا ‪.‬‬
‫تقول دائام‪:‬‬
‫‪ -‬هــل تعلــم أن املوســيقا يشء مجيــل؟ ألننــا عندمــا نتعلــم األغــاين‪ ،‬نســتمتع بالنغــات ونتعلــم‬
‫العــر بطريقــة مفرحــة‪ ،‬وكذلــك‬ ‫قيمــة األصــوات‪ ،‬فاألغنيــات تشــبه القصــص‪ ،‬فنحــن نتعلــم منهــا ِ‬
‫ُطــرب عــى إيقاعهــا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫النغــات ن‬
‫‪ -‬إنك حمقة‪( ...‬كي ال أغضبها بجهيل‪ ،‬رغم أين ال أفهم ما تقصده بكالمها)‪..‬‬
‫بينام تتابع هي‪:‬‬
‫كل أرجاء العامل ‪.‬‬‫‪ -‬املوسيقا لغة عاملية‪ ،‬تنبعث من الروح‪ ،‬وهذا ما جيعلها مفهومة يف ّ‬
‫تُدندن كل النهار‪ ،‬ومتيض عىل هذا احلال طوال اليوم وهي تراجع الس ّلم املوسيقي‪:‬‬
‫دو‪ ،‬ري‪ ،‬مي‪ ،‬فا‪ ،‬صول‪ ،‬ال‪ ،‬يس‪ ،‬دو‪.‬‬
‫طوال الوقت‪ ،‬تتحدث أمي عن نيليل وتؤكد‪:‬‬
‫تدرب صوهتا‪ ،‬ستصبح مغنية رائعة‪.‬‬ ‫‪-‬لو بقيت نيليل عىل هذا املنهج‪ ،‬وهي ّ‬
‫جــل اهتاممــي ترتيــب حقــل خمصــص لنمــو احللزونــات‪ ،‬فأنــا‬ ‫أمــا أنــا يف وقــت فراغــي‪ ،‬كان ُّّ‬
‫كل الكائنــات احل ّيــة وال أحــب أن أؤذهيــا‪ .‬يلفــت انتباهــي أشــكال احللــزون املميــزة وقوقعتهــا‬ ‫أحــب ّ‬
‫مــر ًة‬
‫اللولبيــة اجلميلــة وكأهنــا حتمــل بيتهــا عــى ظهرهــا‪ ،‬أبحــث عنهــا يف الكتــب واملجــات‪ .‬قــرأت َّ‬
‫عــي‬
‫طريقــة حتضــر حــوض منــزيل للحلــزون‪ ،‬أعجبتنــي الفكــرة وقــررت القيــام بذلــك‪ ،‬لكــن‪ ،‬كان َّ‬
‫‪17‬‬
‫أوالً اســتئذان أمــي‪ ،‬كــي أقــوم بتجهيــز حــوض هلــذه الكائنــات اللطيفــة‪ .‬وافقــت‪ ،‬لكــن بــرط‪ ،‬أن‬
‫أعتنــي هبــا وال أمهلهــا‪.‬‬
‫بعــد إمتــام اإلجــراء الــازم‪ ،‬اشــرى يل أيب حوضــ ًا زجاجيــ ًا‪ ،‬تــراب أســود اللــون‪ ،‬بعــض مــن‬
‫بحثــت عــن بعــض القطــع اخلشــبية كــي أضعهــا باحلــوض لتكــون‬ ‫ُ‬ ‫الرمــل البحــري وبعــض الســاد ؛‬
‫خلطــت الــراب مــع القليــل‬‫ُ‬ ‫ملجــأ للحلزونــات‪ ،‬ثــم بــدأت بوضــع أول طبقــة مــن الرمــل الســميك‪،‬‬
‫مــن األســمدة ووضعتهــا فــوق طبقــة الرمــل ورتبتهــا عــى شــكل طبقــات متتاليــة ثــم وضعــت‬
‫اخلشــب يف زاويــة احلــوض عــى شــكل كهــف صغــر‪ ،‬وهكــذا أصبــح احلــوض جاهــز ًا ال ينقصــه‬
‫ســوى احللزونــات‪.‬‬
‫يف يــوم الســبت‪ ،‬ذهبــت مــع أيب إىل متجــر احليوانــات وعــى الفــور‪ ،‬ومــن النظــرة األوىل وقعــت‬
‫بحــب حلزونــن ذوي قوقعتــن مجيلتــن ترابيــة اللــون‪.‬‬
‫بالطبـع تتخيلون مدى سـعاديت عندما محلتها معي إىل البيـت ووضعتها يف املكان الذي جهزته هلا ‪!....‬‬
‫وعىل الفور أعطتني أمي بعض أوراق اخلس وقالت‪:‬‬
‫‪-‬هذه كي ال تشعر احللزونات باجلوع‪.‬‬
‫محلــت احلــوض الــذي جهزتــه باحلديقــة‪ ،‬ووضعتــه عــى الطاولــة املوجــودة يف صالــة املعيشــة‪،‬‬
‫ملعــت عينــا مــاري ملــا رأتنــي ســعيد ًا باحليوانــات األليفــة اجلديــدة‪ ،‬وأمضينــا أيامــ ًا ممتعــة وأنــا‬
‫بمراقبتــي للحلزونــات‪.‬‬
‫عــدت مــن املدرســة‪ ،‬حزنــت‬ ‫ُ‬ ‫نســيت أن ُأغطــي حــوض احللزونــات‪ ،‬وعندمــا‬ ‫ُ‬ ‫ويف أحــد األيــام‪،‬‬
‫كثــر ًا ألين مل أجــد إال واحــد ًا منهــا!‬
‫أخــرت أختــي وبدأنــا البحــث يف كل مــكان بكثــر مــن الدقــة‪ ،‬وبــكل انتبــاه كــي ال نــدوس‬ ‫ُ‬
‫عليهــا‪ !...‬لكــن بــاءت جهودنــا بالفشــل‪ ،‬لألســف‪ ،‬مل نجــد شــيئ ًا‪.‬‬
‫وبشتنــي قائلــة‪ :‬إن احللــزون هنــاك يف احلــوض‬ ‫مــع بدايــة عــر ذلــك اليــوم‪ ،‬نادتنــي أختــي َّ‬
‫‪18‬‬
‫يــأكل هــو ورفيقــه اآلخــر‪ !...‬كيــف خرجــا؟ وكيــف عــادا إىل مكاهنــا‪...‬؟!‬
‫بعــد عــدة أيــام‪ ،‬هــرب احللــزون مــرة أخــرى‪ ،‬لكــن وجدتــه نيلــي عــى إحــدى األوراق املرســوم‬
‫عليهــا مفتــاح الصــول‪!.‬‬
‫شــغاف قلبه‪-‬هــذا مــا‬
‫َ‬ ‫ــت النغــات‬ ‫مــن املمكــن أن احللــزون قــد ُأغــرم بمفتــاح الصــول‪ ،‬لقــد َ‬
‫ملس ْ‬
‫قالتــه‪ ،‬لكنــي مل أفهــم مــا قصدتــه بكالمهــا‪ -‬وتابعــت‪:‬‬
‫ِ‬
‫هــذا العــامل مــيء باملفاجــآت‪ ،‬فــكل الكائنــات تفهــم لغــة املوســيقى الواضحــة‪ ،‬وقــد ُســح َر هــذا‬
‫احللــزون بمفتــاح الصــول‪.‬‬
‫إن متعنــت بتفاصيــل احللــزون تالحــظ ّأنــا تشــبه بعضهــا‪ ،‬وكأن اخلطــوط اللولبيــة عــى قوقعــة كل‬
‫منهــا تشــكل مفتــاح الصــول‪.‬‬
‫ُعزف لكل الكائنات احل َّية‪ ،‬لتحكي عن املح ّبة‪...‬‬ ‫رشح ْت يل نيليل ّ‬
‫أن النغامت املوسيقية ت َ‬ ‫َ‬
‫كنــت مندهشــ ًا ومل أفهــم شــيئ ًا ممــا تقولــه أختــي‪ ،‬حتــى جــاءت أمــي ورشحــت يل مــاذا قصــدت‬
‫أحــب مفتــاح الصــول ُحبــ ًا أفالطونيــ ًا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن احللــزون‬‫نيلــي بكالمهــا‪ ،‬عندهــا اقتنعــت ّ‬
‫متر يف حياتنا وال نستطيع تفسريها‪!...‬‬ ‫أدركت أخري ًا أن ظروف ًا غري مفهومة ُّ‬
‫ُ‬
‫وحتى هذا اليوم ال زال حلزوين هيرب‪ ،‬ربام بحث ًا عن أحد ما‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫عيدان األشجار‬
‫دروس احلياة ليست باجملان‪...‬‬

‫مغامرات محاسية‪....‬‬
‫ٌ‬ ‫لطاملا مألت حياتَنا املدرسية‬
‫قــد تعتقــدون مــن عنــوان هــذه القصــة أهنــا خمصصــة لألطفــال فقــط‪ ،‬لكــن حتــى الكبــار قــد‬
‫يســتمتعون هبــا‪.‬‬
‫كنــا يف الصــف الرابــع‪ ،‬وكان معلمنــا هيــوى معاقبتنــا ‪-‬طبعــ ًا أحتفــظ باســمه لنفــي‪ -‬طبعــ ًا مل‬
‫نكــن مالئكــة‪ ،‬وكنــا مثــل مجيــع األطفــال نحــب املشــاغبة‪ ....‬فبعــد اللعــب طويــاً‪ ،‬نأخــذ اســراحة‬
‫هنــاك خلــف املدرســة‪ ،‬حيــث األشــجار وارفــة الظــال‪ ،‬كان هنــاك شــجرة‪ ،‬تتســاقط منهــا بعــض‬
‫العيــدان الطويلــة‪ ،‬القويــة واللينــة – ُيطلــق عليهــا املعلــم اســم‪ :‬كان حــن يــأيت عــى ِذكرهــا‪ ،‬يرعبنــا‬
‫نحــن التالميــذ‪ ،‬ألنــه اعتــاد عــى إرســال أحدنــا جللــب (تشــاباريتو) حــن خيالــف أحــد التالميــذ‬
‫القوانني‪.‬لكــم أن تتخيلــوا مــا حيــدث بعدهــا؟! طبعــ ًا يقــوم برضبنــا عــى راحــة يدنــا‪.‬‬
‫ويف أحد األيام‪ ،‬وبينام كان املعلم يرشح لنا درس ًا يف الرياضيات‪:‬‬
‫‪ -‬يا أطفال‪ ،‬تعني الكسور جزء من كل‪...‬‬
‫مهس أندريس – مستهزئ ًا ‪ -‬بصوت منخفض‪:‬‬
‫‪ -‬يعني جزء من الثور‪ ،‬ههههههه !!‬
‫طبع ًا ضحك كل من كان من حوله‪.‬‬
‫التفت املعلم ووجد كل من يف الصف هادئني متام ًا‪ ،‬فتابع الرشح‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أخذنا قالب حلوى وقطعناه إىل قطع متساوية‪ ،‬سنحصل عىل أجزاء من كل‪.‬‬
‫وعاد أندريس يسأل باستخفاف‪:‬‬
‫ممن ؟!‬
‫‪20‬‬
‫ضحكنا مجيع ًا‪ ،‬لكن هبدوء‪ ،‬كان أندريس خيفف من رتابة أيامنا بروحه املرحة‪.‬‬
‫رغم املزاح‪ ،‬تابع املعلم الرشح‪:‬‬
‫‪ -‬يكــون الكــر أصغــر مــن الواحــد‪ ،‬إذا الحظتــم الدائــرة املرســومة عــى اللــوح‪ ،‬ســرون أجــزاء‬
‫ملونــة‪ ،‬وهــذه األجــزاء هــي مــا يطلــق عليــه اســم‪ :‬كســور‪.‬‬
‫عاد أندريس للمزاح قائالً‪:‬‬
‫باركك اهلل‪ !...‬هههههههه‬
‫سمعه املعلم هذه املرة‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ــا مضحــك‪ ،‬واآلن‪ ،‬مــاذا؟ هــل تســخرون مــن الــدرس؟ هيــا يــا لويــس أخــرين مــا الداعــي‬ ‫‪ -‬فع ً‬
‫للضحك ؟ !‬
‫لزمــت الصمــت للحظــة‪ ،‬ثــم طلــب منــي املعلــم الذهــاب جللــب عــود تشــاباريتو مــن حتــت‬ ‫ُ‬
‫وبحثــت عــن أقســى عــود‪ ،‬وأنــا أفكــر كيــف ســتكون‬ ‫ُ‬ ‫ذهبــت‬
‫ُ‬ ‫الشــجرة التــي يف باحــة املدرســة‪،‬‬
‫مالمــح أندريــس حــن يرضبــه املعلــم‪ ،‬وكنــت ُمســتغرق ًا بنيتــي هــذه طــوال الطريــق‪.‬‬
‫وصلت إىل الصف‪ ،‬ويا للمفاجأة‪ !!..‬طلب مني املعلم‪:‬‬
‫هيا يا لويس‪ ،‬افتح يدك! سأعلمك كيف تسخر من دريس مرة ثانية!‬
‫فنلــت يف النهايــة العقــاب عوضــ ًا عــن أندريــس‪ ،‬لكننــي تعلمــت أال أضمــر ن ّيــة ســيئة جتــاه أحــد‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأن أحــرم رفاقــي‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫رسائل احملبة‪...‬‬
‫دروس احلياة ليست باجملان‪...‬‬

‫مرحبا‪...‬اســمي لويــس‪ ،‬أنــا طفــل عــادي‪ ،‬مثــل زمالئــي‪ ،‬عالمــايت املدرســية غــر متميــزة‪ ،‬لكنهــا‬
‫أيضــ ًا أكثــر مــن متوســطة‪...‬‬
‫طبعــ ًا‪ ،‬يطلبــون منــا يف مدرســتي –مثــل بقيــة املــدارس – االلتــزام بالســلوك املثــايل‪ ،‬ممنــوع األلعاب‬
‫العنيفــة‪ ،‬الركــض‪ ،‬الشــجار والســخرية مــن اآلخرين‪...‬‬
‫أن كل هذا يساهم يف إنشاء جيل يتمتع بقيم ومباديء قويمة‪.‬‬ ‫يقولون ّ‬
‫عاشــق وهلــان ‪...‬فبينــا كان اجلميــع يعملــون عــى حــل الواجبــات‬ ‫ٌ‬ ‫علمــت أين‬
‫ُ‬ ‫ذات يــوم‪،‬‬
‫ال بكتابــة رســائل حــب‪ ،‬والتــي مل تصــل يومــ ًا إىل وجهتهــا‪!...‬‬ ‫والفــروض املدرســية‪ ،‬كنــت منشــغ ً‬
‫كنــت أراقبهــا مــن بعيــد‪ ،‬رغــم التقــاء‬
‫ُ‬ ‫خربــط مجــال كالريتــا كيــاين‪ ،‬وجعلنــي خجــوالً جــد ًا‪،‬‬
‫َــي حتــى أصــر كحبــة‬ ‫حتمــر وجنت ْ‬
‫ُّ‬ ‫نظراتنــا أحيانــ ًا‪ ،‬حــن حيصــل ذلــك أشــعر بدغدغــة يف بطنــي‪،‬‬
‫الطامطــم احلمراء‪...‬بكلــات أخــرى‪ ،‬كنــت أحبهــا بصمــت‪!...‬‬
‫نســيت أن أخربكــم بأهنــا كانــت يف الصــف الســادس‪ ،‬أي أهنــا تكــرين بســنة‪ ..‬كنــت أراهــا بعيــدة‬
‫املنــال‪..‬‬
‫طلــب منــا املعلــم ذات يــوم‪ ،‬كتابــة موضــوع تعبــر حتــى ي ّقيــم إمكانياتنــا اإلبداعيــة واإلمالئيــة‪،‬‬
‫وأخربنــا أنــه ســيخصم عالمــة كاملــة عــى كل خطــأ إمالئــي‪ ..‬للوهلــة أوىل‪ ،‬ختيلــت أين ســأدين لــه‬
‫بالعالمــات بعــد كتابــة املوضــوع‪ ،‬لكننــي تشــجعت وقــررت كتابــة رســالة حــب ألين أعتقــد بــأين‬
‫بــارع يف هــذا املجال‪.‬فــكان أن كتبــت‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫محبوبتي‪:‬‬
‫أكتــب لــك هــذه األســطر متمنيــا أنــك تفكــري بــي‪ ،‬أعجبــت بــك فــي اللحظــة نفســها‬
‫ـك‪ .‬منــذ ذلــك الحيــن ويجــول طيفــك فــي ذهنــي‪ ،‬حتــى أنــي فقــدت‬ ‫التــي تعرفــت فيهــا بـ ِ‬
‫القــدرة علــى النــوم‪ .‬مــع أنــك أكبــر منــي ســناً إال أنــي دائــم التفكيــر بــك‪ .‬أتمنــى يومــا‪ ،‬لــو‬
‫أن نمشــي ســوية‪ ،‬أرافقــك لمشــاهدة فلــم ســينمائي‪ .‬وأمضــى معــك أجمــل اللحظــات ‪.‬‬
‫معجب لألبد ‪..‬‬
‫مجهول‪...‬‬
‫أخــد املعلــم منــا األوراق وســمح لنــا باخلــروج إىل الباحــة‪ .‬رفضــت يف البدايــة تســليم ورقتــي‪،‬‬
‫لكــن يف هنايــة األمــر ســلمتها‪ ،‬خشــية أن يلومنــي لعــدم تنفيــذ الواجــب‪.‬‬
‫انتهــت الفرصــة وعدنــا إىل الصــف‪ ،‬أخربنــا املعلــم أنــه صحــح األوراق‪ ،‬وبــدأ بقــراءة املواضيــع‬
‫التــي اســتوقفته واعتربهــا مميــزة وأضــاف‪:‬‬
‫‪-‬سأخربكم بأمر ‪ ..‬لقد وجدت يف صفنا شاعر‪.‬‬
‫عندهــا ‪..‬نظرنــا إىل بعضنــا البعــض مندهشــن فــا أحــد منــا يعلــم يشء يف الشــعر ســوى بعــض‬
‫الكتيبــات التــي قرأناهــا يف املكتبــة املدرســية ‪...‬تابــع املعلــم‪:‬‬
‫‪-‬لويس ‪..‬من فضلك ‪..‬قف ‪..‬‬
‫برصاحة‪ ،‬رجفت من الرعب حينام سمعت اسمي ‪..‬نظر إ َّيل وقال‪:‬‬
‫‪ -‬رغم كثرة األخطاء اإلمالئية يف املوضوع إال إنه أعجبني كثري ًا‪..‬‬
‫بــدأ يقــرأ ويف الوقــت نفســه‪ ،‬كان رفاقــي يصفقــون بحــاس مناديــن‪ ،‬وقــد وصفــوين بالشــاعر‬
‫املغــروم‪.‬‬
‫بــت بعدهــا‪ ،‬أشــهر طالــب يف املدرســة‪ ،‬وبــدأ يقصــدين اجلميــع لكتابــة رســائلهم الغرامية‪،‬‬ ‫بالفعــل ُّ‬
‫كنــت أتلقــى بعــض املــال مقابــل تلــك الكتابات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حتــى أين‬
‫‪23‬‬
‫كنــت بالفخــر بذلــك‪...‬إال أن ســعاديت مل تــدم طويالً‪....‬فقــد طلــب منــي ماركــوس كتابــة رســالة‬
‫إىل كالريــت‪ ..‬أخربهــا فيهــا بحبــه هلــا!‬
‫لقد ُأح ّبط قلبي وشعرت بالقهر واحلزن‪ ،‬فصديقي ماركوس معجب بحبيبتي‪...‬‬
‫أمام هذا املوقف الغريب قررت أال أقول شيئ ًا‪ ،‬وأن أنصب له فخ ًا‪...‬فكتبت‪:‬‬
‫حبيبتــي كالريتــا‪ ،‬أكتــب لــك هــذه األســطر وغايتــي توضيــح مشــاعري تجاهــك‪ ،‬أخبرونــي‬
‫أصدقائــي أنــك معجبــة بــي ‪....‬ورغــم أنــك فتــاة جميلــة‪ ،‬إال أننــي أرى أنــك متعاليــة ومتعجرفــة‪ ،‬حتــى‬
‫أســلوبك بالمشــي يــدل علــى ذلــك‪ ،‬أعــرف أن لــدي عــدد كبيــر مــن المعجبــات‪ ،‬وأنــت واحــدة منهــن‪،‬‬
‫لكنــك لســت مــن النمــط المفضــل لــدي‪ ،‬ألن روحــي متعلقــة ب ـ إلبــا إلينــا الفتــاة ذات العيــون الخضــراء‪،‬‬
‫ً‬
‫فهــي تعجبنــي كثيــرا‪ ،‬أمــا أنــت‪ ،‬فأعتبــرك صديقتــي لذلــك أتمنــى أن تغيــري أســلوبك‪...‬‬
‫التوقيع‬
‫ماركوس‬
‫وضعت الرسالة يف ظرف وأغلقته بطريقة ال يستطيع ماركوس أن ي ّطلع عليها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أعرتف أنه كان قاسي ًا جد ًا بالنسبة يل كتابة هذه التعابري عن حمبوبتي كالريتا‪!...‬‬
‫مل تتأخــر كالريتــا كثــر ًا حتــى أجابــت‪ ،‬فعندمــا قــرأت الرســالة‪ ،‬ردت بــأن صفعــت ماركــوس‬
‫عــى وجهــه أمــام مجيــع الطــاب‪.‬‬
‫بقيــت فــرة طويلــة ال أذهــب إىل املدرســة‪ ،‬ألن ماركــوس كان يتوعــدين بســبب فعلتــي‪ ،‬وقــال أنــه‬
‫ســيحولني إىل كيــس مــن العظــام‪.‬‬
‫حــن رجعــت إىل املدرســة أخــر ًا‪ ،‬كنــت أختبــئ بــن املعلمــن كــي ال يمســك يب‪ !..‬أعــرف أننــي‬
‫أخطــأت ‪...‬‬
‫زلــت أفكّــر بـــ‬
‫ُ‬ ‫انتهــت الســنة الدراســية ومل أســتطع رؤيتهــا ألعتــذر منهام‪....‬وحتــى هــذا اليــوم ال‬
‫كالريتــا ‪...‬‬
‫‪24‬‬
‫السيرك ‪...‬‬
‫غالبًا ما تُختزَل احلياةُ يف ضحك األطفال‪...‬‬

‫وصل السريك ‪...‬وصل السريك‬


‫ُسمع يف كل أنحاء القرية‪....‬‬ ‫هذه هي العبارة التي كانت ت َ‬
‫بــدأ الشــباب بتــداول القصــص واألحاديــث عــن احليوانــات‪ ،‬كالفيلــة واألســود والنمور‪...‬وحتدثــوا‬
‫أيضــ ًا‪ ،‬عــن البهلوانــن‪ ،‬املهرجــن‪ ،‬الرجــل الذئــب والســاحر‪...‬‬
‫كان الســرك هــو احلــدث اجلديــد الــذي يشــغل اجلميــع‪ ،‬مل نكــن نعــرف بوجــوده إال مــن التلفــاز أو‬
‫ممــا نســمعه مــن القصــص التــي كان يروهيــا لنــا الكبــار‪ ،‬لكنــه اآلن أصبــح حقيقــة‪ ،‬فهــا هــي عربــات‬
‫الســرك متــر ببــطء بيننــا‪ ،‬بينــا نركــض نحــن خلفهــا‪ ،‬يــكاد يقتلنــا الفضــول ونحــن نحــاول رؤيــة‬
‫احليوانــات يف األقفــاص‪.‬‬
‫اجلذابة التي سنتمكن من رؤيتها يف السريك‪.‬‬ ‫تعلن الالفتات الكبرية عن املناظر ّ‬
‫نصبــوا اخليمــة عــى قطعــة أرض خاليــة عــى أطــراف البلــدة‪ ،‬بقينــا طــوال النهــار وجــزء مــن الليــل‬
‫ونحــن نراقــب مــن بعيــد كيــف تكــر اخليمــة حتــى شــاهبت القبــة‪ ،‬وهــي مثبتــة عــى األرض بأوتــاد‬
‫كبــرة‪ ،‬أو هــذا مــا اعتقدنــا أنــه يث ّبتهــا‪!...‬‬
‫كان االقــراب ممنوعــ ًا‪ ،‬لذلــك كنــا نجهــل مــا بداخــل الســرك فعالً‪...‬أخربنــا أحــد موظفيــه أن‬
‫يتعــرف‬
‫ّ‬ ‫احلفــات ســتبدأ مــن صبــاح اليــوم التــايل‪ ،‬وأهنــم ســيقدمون اســتعراض ًا هــذه الليلــة حتــى‬
‫النــاس عــى مكونــات الســرك‪.‬‬
‫ال بدأ استعراض السريك الساعة الرابعة عرص ًا يف الساحة العامة‪....‬‬ ‫فع ً‬
‫كان يف املقدمــة رجــان عمالقــان‪ُ ،‬دهشــنا مــن حجمهــا غــر الطبيعــي الوحيــد الــذي كان طوي ً‬
‫ــا بيننا‬
‫هــو خــوان ابــن صاحــب البقاليــة‪ ،‬فكنــا نســميه‪ :‬العصــا ونامزحــه دائــ ًا بالســؤال عــن األجــواء عنده‬
‫‪25‬‬
‫يف األعــى‪ ،‬دون أن يبــدي انزعاجــه منــا‪ ،‬لذلــك كانــت مفاجــأة كبــرة لنــا رؤيــة هذيــن العمالقني‪،‬‬
‫وال نعلــم كيــف كــرا ليصبحــا هبــذا احلجم؟!‬
‫خلفهــا كان املهرجــون‪ ،‬ومــن ثــم البهلوانيــون يرمــون الكــرات باهلــواء‪ ،‬ومــن بعدهــم نســاء‬
‫مجيــات متبوعــات بالســحرة يقلبــون أوراق اللعــب وخيرجــون النقــود مــن خلــف آذان األطفــال‬
‫الذيــن وقفــوا عــى جانبــي الطريــق ( هت ّيــأ لنــا أهنــم لصوص ألهنــم مل يعيــدوا لنــا النقــود التــي أخذوها‬
‫)‪ ،‬ويف هنايــة العــرض تســر احليوانــات‪ :‬الفيــل ُمزيــن بالريــش‪ ،‬النمــور واألســود يف األقفــاص‪.‬‬
‫كل السريك أمامنا‪!...‬‬ ‫رافقنا املوكب ونحن يف غاية السعادة‪ -‬مل نصدق رأيناه‪ُّ -‬‬
‫حرضنــا العــرض واســتمتعنا كثــر ًا‪ ....‬وقبــل هنايتــه‪ ،‬خــرج رجــل ســكران‪ ،‬دخــل بــن العاملقــة‬
‫ــا وبــدأ يــرب أرجــل العاملقــة‬ ‫وحتدامهــا‪ ،‬لكنهــا مل يعــراه أي انتبــاه‪ ،‬عندهــا أخــرج الرجــل منج ً‬
‫‪...‬بينــا كنــا نركــض خائفــن واختبأنــا خلــف اجلدار‪...‬ســقط أحــد العمالقــن عــى األرض بعنــف‪،‬‬
‫ــا خشــبي ًة‪.‬‬
‫ودهشــنا أن لديــه أرج ً‬
‫ختيلوا ما الذي حصل بعد ذلك؟‬
‫لقــد حــرت الرشطــة وألقــت القبــض عــى الســكران‪ ،‬وعــى صاحــب الســرك‪ ،‬رغــم‬
‫احتجاجــات اجلمهــور‪...‬‬
‫حينا األمر كثري ًا‪....‬‬
‫تم تعليق العرض حتى إشعار آخر‪ّ ،‬‬
‫يف النهاية مل يقدم العرض مرة أخرى‪.‬‬
‫بعد يومني‪ ،‬شاهدنا ‪-‬بأمل كبري‪ -‬كيف تم تفكيك اخليمة‪!..‬‬
‫قرر املالك االبتعاد عن البلدة بأرسع وقت ممكن‪ ،‬مت ّلكتنا خيبة األمل‪....‬‬
‫مرة أخرى‪.‬‬ ‫غادرت عربات السريك يف الصباح الباكر‪ ،‬ومل نعد نراها ّ‬
‫بعــد مــدة‪ ،‬اجتمعنــا مــع بعــض األصدقــاء كــي نصنــع ســرك ًا خاصــ ًا بنا‪....‬ســأروي قصتــه‬
‫الحقــ ًا‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫احلبر السّحري‪...‬‬
‫بني القلم والكتابة ّ‬
‫مثة سحر خفي ‪...‬‬

‫لقــد تعبــت مــن كثــرة املالحظــات التــي أتلقاهــا‪ ،‬ال يفهمــون أين طفــل طبيعــي‪ ،‬لــدي أنــف‪ ،‬فــم‬
‫ورأس مثــل اآلخريــن‪...‬‬
‫أحــب املطالعــة ويف بعــض األحيــان أذهــب إىل املكتبــة وأطالــع كتــب الكيميــاء‪ ،‬العلــوم‪ ،‬الفنــون‬
‫واألدب‪ ،‬يف كثــر مــن األحيــان مل أكــن أفهــم الكثــر مــن املعــاين املكتوبــة فيهــا‪ ،‬لكنــي أســتمتع وأنــا‬
‫أقــرأ املعــادالت واالســتنتاجات الفيزيائيــة والروايــات‪...‬‬
‫املفضلة‪....‬‬
‫املهم أن قراءة الكتب هي هوايتي ّ‬
‫أصدقائــي يقولــون أين جمنــون‪ ،‬لكنــي ال أوافقهــم يف ذلــك‪ ،‬حتــى ولــو كانــت ترصفايت غــر منطقية‬
‫أفضــل قــراءة‬
‫ــا أنــا أكــره أن أجتمــع مــع أصدقائــي للحديــث أو مشــاهدة التلفــاز‪ ..‬ألين ّ‬ ‫برأهيــم‪ ،‬فمث ً‬
‫الكتــب عوضــ ًا عــن ذلــك‪ ...‬أمتنــى لــو أصبــح كاتبــ ًا‪ ،‬هــذا هو هــديف‪...‬‬
‫ُيراقــب املعلــم ترصفــايت‪ ،‬ال يعجبــه يشء ممــا أفعلــه‪ ،‬ذات يــوم ســمعت أحــد املعلمــن يقــول‪ :‬أين‬
‫ــا قــام بـــحجز موعــد لــدى املرشــد‬ ‫ُأعــاين مــن ختلــف عقــي‪ ،‬وأين بحاجــة إىل مرشــد نفــي‪ ...‬وفع ً‬
‫النفيس‪.....‬ظــل املســكني طــوال ســاعات‪ ،‬يبحــث عــن ثغــرة يف حيــايت العائليــة‪ ،‬وأحــاول أنــا طيلــة‬
‫تغيبــت‬
‫ُ‬ ‫طفــل طبيعــي‪ ،‬الــي الوحيــد الــذي اســتفدته مــن تلــك املقابلــة‪ ،‬أين‬ ‫الوقــت أن أثبــت لــه ّأن ٌ‬
‫عــن درس الرياضيــات الــذي أكرهــه ‪.‬‬
‫كل يشء يف املدرسة‪ ،‬دائ ًام األمر نفسه‪:‬‬ ‫أمل من ّ‬ ‫بت ُّ‬
‫ُّ‬
‫(كنت مركز اهتامم اجلميع)‪ ،‬وهذا ما أثار قلق والدي‪.‬‬
‫كتــاب علــوم طبيعيــة‪ ،‬وجــدت فقــرة تتحــدث عــن كيفيــة حتضــر‬ ‫َ‬ ‫ويف أحــد األيــام‪ ،‬وأنــا أقــرأ‬
‫حــر ســحري خفي‪....‬فقلــت لنفــي‪:‬‬
‫‪27‬‬
‫«حسن ًا‪...‬بإمكاين اآلن‪ ،‬كتابة قصص ال يستطيع أحدٌ قراءهتا‪»!...‬‬
‫ألنــه عندمــا يكــون أحدهــم جمنونــ ًا قليــاً‪ ،‬يقــوم اجلميــع بمراقبتــه‪ ،‬ويقومــون بقــراءة كل مــا‬
‫يكتــب‪...‬‬
‫قــرأت الفقــرة بتم ّعــن والحظــت أن املعــادالت كانــت بســيطة‪ ،‬ومــن املفــروض أن النتائــج‬
‫ســتكون مثاليــة‪!...‬‬
‫كانت املقادير‪:‬‬
‫‪ -‬عصري ليمون‬
‫‪ -‬وبر القطط‬
‫‪ -‬ماء من أعمق بئر عىل القمر‬
‫‪ -‬قرش احللزون‬
‫‪ -‬طحالب بحرية مع مع ّطر‬
‫وأكثر من ذلك‪ ،‬لكن ال داعي لذكرها‪!...‬‬
‫ّقررت جتهيز خمتربي‪ ،‬وبدأت جتاريب‪...‬‬
‫(كان مــن الصعــب احلصــول عليهــا عــى بعــض املكونــات ‪ ) !...‬إذ كان مــن الصعــب الســفر‬
‫رت اســتخدام مــا تو ّفــر لــدي يف املنــزل‪ ،‬مثــل عصــر الليمــون ووبــر القطــط‪...‬‬ ‫قــر ُ‬
‫إىل القمــر‪ ،‬لــذا ّ‬
‫وتركــت املحلــول يركــد حتــى اليــوم التــايل‪....‬‬
‫ُ‬ ‫لــدي مــن مكونــات‬
‫ّ‬ ‫خلطــت مــا توفــر‬
‫عندمــا اســتيقظت يف الصبــاح‪ ،‬ركضــت كــي أرى مــا حصــل لتجربتــي ‪...‬تشــكّل ســائل ذو لــون‬
‫بــدأت بالكتابــة كانــت األحــرف ذات لــون‬
‫ُ‬ ‫غريــب‪ ،‬وضعتــه يف املحــرة‪ ،‬كانــت املفاجــأة أنــه عندمــا‬
‫ــط‪ ،‬وبعــد حلظــات اختفــت األحــرف‪.‬‬ ‫خمت َل ْ‬
‫واآلن ما العمل كي تظهر األحرف من جديد؟!‬
‫عــي – حســب مــا‬
‫راجعــت الكتــاب ثانيــة‪ ،‬توجــب َّ‬
‫ُ‬ ‫مل أتصــور أين ســأواجه هــذه املشــكلة‪ ،‬لــذا‬
‫‪28‬‬
‫كُتــب فيــه ‪ -‬أن ُأغ ّطــس الورقــة يف مــاء وخــل‪ ،‬وهكــذا فعلــت‪...‬‬
‫بدأت أفعايل اجلنونية من تلك اللحظة‪....‬‬
‫كل وظائفــي عــى ورق أبيــض فــارغ‪ ،‬ظــ ّن أحيانــ ًا ّأن أهــزأ منــه‪ ،‬ويف‬ ‫مل يفهــم املعلــم ملــاذا أقــدّ م َّ‬
‫أحيــان أخــرى كان يقــول يل أننــي ُجننــت فعــاً‪ ،‬حتــى حمبوبتــي فرينانــدا كانــت تســتلم رســائيل‬
‫الســحري أيضــ ًا)‪.‬‬ ‫ُتبــت باحلــر ّ‬‫الفارغــة (لقــد ك ْ‬
‫رسي هــذا ســوى صديقــي اســاعيل‪ ،‬كان يعــرف نصــف احلقيقــة فقــط‪ ،‬ألين مل‬ ‫مل يكــن يعــرف ّ‬
‫أخــره أبــد ًا مــا عليــه فعلــه حتــى تظهــر األحــرف‪...‬‬
‫رسي‪.‬‬ ‫وهذا ليس بسبب أنانيتي‪ ،‬لكني مل أرغب باملخاطرة يف كشف ّ‬
‫والــدي اصطحــايب إىل املستشــفى‪ ،‬بــدأ األطبــاء االهتــام بحالتــي وطلبــوا منــي إجــراء حتاليل‬ ‫َّ‬ ‫قــررا‬
‫ّ‬
‫عــي كثــر ًا‪ ،‬كــا أهنــم عنــد فحصــوا دماغــي ووجــدوا‬ ‫ٍ‬
‫دم‪ ،‬غــر مبالــن يب‪ ،‬فهــذا الســائل الثمــن غــال ّ‬
‫كل يشء نظامــي وطبيعي‪....‬قامــوا بإجــراء الكثــر مــن االختبــارات دون أي جــدوى‪ ،‬وملــا عــدت إىل‬
‫البيــت‪ ،‬كنتأختــي بنفــي وأكتــب باحلــر الســحري‪.‬‬
‫تعبت كثري ًا من هذا الوضع‪ ،‬وقررت العودة إىل حيايت الطبيعية‪...‬‬ ‫ُ‬
‫حســنا إذ ًا‪ ،‬لقــد حدثــت املعجــزة‪ ،‬فعندمــا عــدت لكتابــة واجبــايت املدرســية‪ ،‬وجدوهــا طبيعيــة‪،‬‬
‫لذلــك قــرروا إيقــاف كل اإلجــراءات الطبيــة‪ ،‬وعــادت الســعادة إىل منــزيل ‪.‬‬
‫خت ّيلــوا أنّــه وبعــد أن طلــب منــا املعلــم كتابــة قصــة خياليــة‪ ،‬مل أســتطع مقاومــة إغــراء الكتابــة‬
‫بقلمــي ذو احلــر الســحري‪ ،‬فكتبــت القصــة بعــد طــول تأ ّمــل ‪....‬‬
‫انزعج معلمي من هذه اللعبة طبع ًا‪!!...‬‬
‫ومــاذا عنكــم يــا ُق ّرائــي الصغــار‪ ،‬أال تســتطيعون أيضــ ًا قــراءة القصــة ألهنــا كُتبــت باحلــر‬
‫الســحري؟‪.‬‬

‫‪29‬‬
30
31

You might also like