You are on page 1of 3

‫قراءات‬

‫عظة رواية الحوت‬


‫أربع قصص عىل هامش رواية موبي ديك‬
‫التحيــة املقتضبــة‪ ،‬ســأ َل ْتني يومـ ًا‪ :‬مــا هــذا الكتــاب الضخــم؟ قلـ ُ‬
‫ـت‪ :‬روايــة‬ ‫ّ‬ ‫بعــد أشــهر طويلــة مــن تبــادل عبــارات‬
‫ـت‪ :‬عــن رصاع الحــوت «مــويب ديــك» مــع القبطــان «آهــاب»‪.‬‬ ‫أي يشء تتحـ َّـدث؟ قلـ ُ‬ ‫«مــويب ديــك»‪ .‬قالــت‪ :‬عــن ّ‬
‫وصيــاد؟‬
‫ّ‬ ‫ُضيــع أســبوع ًا مــن حياتــك يف قــراءة روايــة تتحـ َّـدث عــن حــوت‬ ‫تعجبـ ًا‪ ،‬وســألتني‪ :‬هــل ت ِّ‬
‫ارتفــع حاجباهــا ُّ‬
‫ـت‪ :‬أســتمتع‪ ،‬منــذ أســبوعن‪ ،‬بقراءتهــا‪ ،‬ومل أصــل‪ ،‬بعـ ُـد‪ ،‬إىل ثلث َْيهــا‪ .‬نقَّلــت نظرتهــا بــن وجهــي والكتــاب‪ ،‬ثــم‬ ‫قلـ ُ‬
‫ـت‪.‬‬
‫ارتســمت عــى وجههــا نــرة أىس قصــرية‪ ،‬وانرفـ ْ‬

‫معتمــة مــن صــراع اإلنســان مــع البحــر والحيتــان‪ .‬وبقــدر‬ ‫القصة األوىل‪ :‬الحوت يجعل الصيّاد روائ ّياً‬
‫ّ‬
‫مــا تكشــف روايــات «ميلفيــل» عــن إجالــه للحــوت‪ ،‬سـ ِّـيد‬ ‫«بطــيء الفهــم والكام»؛ هكذا وصــف «آالن ميلفيل» ابنه‬
‫ـوة الهائلــة‬
‫البحــار‪ ،‬هــي تكشــف‪ ،‬كذلــك‪ ،‬عــن افتتانــه بالقـ ّ‬ ‫«هيرمــان» ذا الســنوات الســبع‪ ،‬عــام (‪ .)1826‬بعــد عشــرين‬
‫ـمى باإلنســان‪،‬‬‫التــي ينطوي عليها هذا الكائن الضعيف المسـ َّ‬ ‫عامـاً‪ ،‬بالتمــام‪ ،‬سينشــر« هيرمان ميلفيــل» رواياتــه‪( :‬تايبيه‪،‬‬
‫ـوأ الطفــل (بطــيء‬ ‫ـوة مــن أن يتبـ َّ‬
‫وليــس أدلّ علــى تلــك القـ ّ‬ ‫‪ ،)1846‬و(أومو‪ ،)1847 ،‬و(ماردي‪ ،)1894 ،‬و(ريدبيرن‪،)1849 ،‬‬
‫الفهــم والــكام) مكانــة ســامقة فــي تاريــخ البشــرية‪ ،‬بفضــل‬ ‫و(وايــت جاكــت‪ .)1950 ،‬بفضــل هــذه الروايــات الخمــس‪،‬‬
‫شــغفه بعالــم الحيتــان‪.‬‬ ‫روائي عالــم البحار‪.‬‬ ‫ـي «ميلفيــل» بشــهرة كبيــرة‪ ،‬بوصفه‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َحظـ َ‬
‫ـول الطفــل (بطــيء الفهــم والــكام) إلــى روائــي‬ ‫لــم يكــن تحـ ُّ‬
‫القصة الثانية‪ :‬الحوت يهرب من السقوط يف ُفوَّهة النسيان‬
‫ّ‬ ‫مرمــوق‪ ،‬ممكنـ ًا لــوال خمــس ســنوات قضاهــا في البحــر فيما‬
‫في (‪ )28‬ســبتمبر‪/‬أيلول (‪ ،)1891‬نشــرت جريدة «نيويورك‬ ‫وصياد ًا في‬
‫ّ‬ ‫بيــن (‪ )1839‬و(‪ ،)1844‬عامـ ً‬
‫ا فــي ســفن تجاريــة‪،‬‬
‫تايمــز» نعيـ ًا قصيــر ًا لـ«هيرمــان ميلفيــل»‪ .‬لــم تكــن كتابــات‬ ‫ـول «ميلفيل»‬ ‫ســفن صيــد الحيتان‪ .‬خال هذه الســنوات‪ ،‬تجـ ّ‬
‫«ميلفيــل» هــي المح ِّفــزة على كتابــة النعي‪ ،‬بل أشــياء أخرى‬ ‫بيــن موانــئ العالــم الجديــد‪ ،‬والعالــم القديــم‪ ،‬مــن مدينــة‬
‫ُعــرف بهــا الرجل مثل كونه (أشــهر محامي قضايــا جنائية في‬ ‫نيويــورك األميركية إلى ليفربول اإلنجليزية‪ ،‬ومن نيوبيدفورد‬
‫واليــة كنيكتيكــت‪ ،‬وأقــدم قاطنــي منطقــة أورانــج‪ ،‬ومهنــدس‬ ‫إلــى البحــار الجنوبيــة‪ ،‬ومــن جزر ماركــوس إلى جــزر هاواي‪.‬‬
‫مدنــي‪ .)...‬وبعــد صفــات أخــرى كثيــرة‪ ،‬ذكــرت الصحيفــة‪،‬‬ ‫ـرد بحــري‪ ،‬واع ُتقــل فــي ِســجن‪ ،‬فــي تاهيتــي‪،‬‬ ‫اشــترك فــي تمـ ُّ‬
‫باقتضــاب‪ ،‬أنــه كاتــب أيضـاً‪ ،‬وأخطــأت‪ ،‬بعــد ذلك‪ ،‬فــي كتابة‬ ‫أمدتــه بكنز مــن الخبرات‬ ‫وعركتــه أهــوال ومخاطــر وتجــارب‪َّ ،‬‬
‫اســم روايتــه «موبــي ديك»‪.‬‬ ‫لكتابتــه الروائية‪.‬‬
‫ـدة خمــس ســنوات‪ ،‬فــي مطلــع‬ ‫بعــد شــهرة قصيــرة‪ ،‬لمـ ّ‬ ‫كان للســنوات التــي قضاهــا «ميلفيــل» فــي ســفن صيــد‬
‫حياتــه األدبيــة‪ ،‬لــم َي ُعــد «هيرمــان ميلفيــل» كاتبـ ًا معروفـاً‪.‬‬ ‫الحيتــان‪ ،‬أثــر هائــل فــي حياتــه وأعمالــه األدبيــة؛ ففــي هــذه‬
‫لــم يجــنِ شــهرة أو مــا ً‬
‫ال أو مكانــة مــن أعمالــه األدبيــة األكثــر‬ ‫الفتــرة‪ ،‬اف ُتتــن بالحــوت‪ ،‬المخلــوق األكثــر ضخامــةً ومهابــةً‬
‫أهم ّيــةً ‪ ،‬وأصالــةً ‪ ،‬بــدء ًا مــن روايــة (موبــي ديــك‪ ،‬أو الحــوت)‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫فــي كوكبنــا األزرق‪ .‬جمــع معــارف هائلــة عــن حيــاة الحيتان‪،‬‬
‫المنشــورة عــام (‪ ،)1851‬حتــى وفاتــه بعــد أربعيــن عامــاً‪،‬‬ ‫وعاداتهــا‪ ،‬وأنواعهــا‪ ،‬وســفن صيدهــا‪ ،‬وآالتهــا‪ ،‬وزيوتهــا‪،‬‬
‫بالتمــام والكمــال‪ ،‬لــم يحصــل بفضــل أروع مــا كتــب علــى‬ ‫وأكبادهــا‪ ..‬إلــى غيــر ذلــك‪ .‬ومثلمــا طــارد «ميلفيــل» حيتانـ ًا‬
‫جائــزة أو تكريــم أو اســتحقاق‪ .‬وســرعان مــا توقَّــف عــن‬ ‫حقيقيــة فــي عــرض البحــر‪ ،‬ابتغــاء صيدهــا‪ ،‬طــارد حكايــات‬
‫ـت ســنوات من نشــر «موبــي ديك»‪،‬‬ ‫الكتابــة‪ ،‬بعــد أقلّ من سـ ّ‬ ‫ـاء جمعهــا‪ .‬كان «ميلفيــل» ابــن‬ ‫الحيتــان مــع اإلنســان ابتغـ َ‬
‫ألن أحــد ًا مــن الناشــرين لــم يقبــل أن يطبــع أعمالــه‪ .‬وكان‬ ‫زمنــه‪ ،‬تمامـاً‪ ،‬وبقــدر مــا كان صيــد الحــوت ضروريـ ًا إلبقــاء‬
‫ـدر ًا ألعمالــه أن يخنقهــا العفــن والعطــن فــي المكتبــات‬ ‫مقـ َّ‬ ‫بعدة‬ ‫مصابيــح العالــم الجديــد مضاءة‪ ،‬قبل اكتشــاف النفط ّ‬
‫المهجــورة‪ ،‬أو أن تكــون وقــود ًا للتدفئــة فــي شــتاءات أميــركا‬ ‫ضروريـ ًا إلضــاءة منطقــة‬
‫ّ‬ ‫عقــود‪ ،‬كان صيــد حكايــات الحــوت‬
‫يناير ‪182 2023‬‬ ‫‪86‬‬
‫التحيــة المقتضبة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعــد أشــهر طويلة مــن تبادل عبــارات‬
‫ـت‪ :‬رواية «موبي‬ ‫ســألتني‪ ،‬يومـاً‪ :‬ما هذا الكتــاب الضخم؟ قلـ ُ‬
‫ـت‪ :‬عــن صــراع‬ ‫ـدث؟ قلـ ُ‬ ‫أي شــيء تتحـ ّ‬ ‫ديــك»‪ .‬قالــت‪ :‬عــن ّ‬
‫الحــوت موبــي ديــك مــع القبطــان آهــاب‪ .‬ارتفــع حاجباهــا‬
‫ضيع أســبوع ًا من حياتــك في قراءة‬ ‫تعجبـاً‪ ،‬وســألتني‪ :‬هــل ُت ِّ‬ ‫ُّ‬
‫قلــت‪ :‬أســتمتع‪ ،‬منــذ‬ ‫ُ‬ ‫وصيــاد؟‬
‫ّ‬ ‫حــوت‬ ‫عــن‬ ‫ث‬ ‫تتحــد‬
‫ّ‬ ‫روايــة‬
‫ـد‪ ،‬إلــى ثلثيهــا‪ .‬نقَّلــت‬ ‫أســبوعين‪ ،‬بقراءتهــا‪ ،‬ولــم أصــل‪ ،‬بعـ ُ‬
‫نظرتهــا بيــن وجهــي والكتــاب‪ ،‬ثــم ارتســمت علــى وجههــا‬
‫ـت‪.‬‬
‫نبــرة أســى قصيــرة‪ ،‬وانصرفـ ْ‬
‫أواخــر العــام الثانــي مــن دروســنا المشــتركة‪ ،‬كان حفلٌ ‪،‬‬
‫ـرة‪ ،‬أراهــا بزينــة كاملــة‪ ،‬وفســتان‬ ‫ألول مـ ّ‬‫المدعويــن‪َّ .‬‬
‫ّ‬ ‫وك َّنــا‬
‫ـي‬
‫ـرت فــي عينـ َّ‬ ‫ـت فــي مواجهتــي مباشــرةً‪ .‬نظـ ْ‬ ‫بديــع‪ .‬جلسـ ْ‬
‫جــادةً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫ــةً‬‫ذكي‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫جميلــةً‬ ‫‪،‬‬ ‫بــدت‬
‫ْ‬ ‫‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مثاليــة‬ ‫ٍ‬
‫كعــروس‬ ‫طويــاً‪.‬‬
‫جلي ـاً‪ ،‬فــي‬
‫ـرأت ّ‬ ‫واثقــةً ‪ ،‬مشــرقةً ‪ ،‬وأشــياء أخــرى كثيــرة‪ .‬قـ ُ‬
‫كنــت أكــذِّ ب‬
‫ُ‬ ‫ابتســامتها المتو ِّتــرة‪ ،‬وعيونهــا الحالمــة‪ ،‬مــا‬
‫حاولت لملمة‬‫ُ‬ ‫نفســي بشــأنه طوال الشــهور الثاثة األخيرة‪.‬‬
‫ـرددي بيــن البقاء‬ ‫الكلمــات مــن أطــراف لســاني‪ ،‬ولــم يطُ ــلْ تـ ّ‬ ‫هيرمان ميلفيل ▲‬
‫ـت‪.‬‬‫ـي مــن عينيهــا‪ ،‬وانصرفـ ُ‬ ‫ـت عينـ َّ‬‫والرحيــل‪ ..‬انتزعـ ُ‬
‫ناقديْــن اســتطاعا إنقــاذ أعمالــه مــن الســقوط‬ ‫البــاردة‪ ،‬لــوال َ‬
‫الحوت يُعطي درساً يف التواضع‬
‫ُ‬ ‫القصة الرابعة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ـوة النســيان‪ ،‬بعــد ثاثيــن عامـ ًا مــن وفاته‪ .‬لقــد أعادت‬ ‫فــي هـ ّ‬
‫فــي صالــة بيتــه الصغيرة‪ ،‬تحلَّقنا‪ :‬شــباب في عشــرينيات‬ ‫كتابــات «رايمونــد ويفــر» و«فــان دوريــن» الحيــا َة ألعمــال‬
‫العمــر‪ ،‬وأســتاذ علــى مشــارف الخمســين‪ .‬لم يكن المشــرف‬ ‫«ميلفيــل»‪ ،‬وأصبــح حو َتــه‪ ،‬وقبطانــه (آهــاب) حديــث اآلفاق‪.‬‬
‫علــى رســائلنا جميعــاً‪ ،‬لكنــه كان األقــرب إلــى القلــوب‬ ‫ـر ســنوات قليلــة حتــى أصبحــت روايــة الحــوت‬ ‫ولــم تكــد تمـ ّ‬
‫ـدث‬ ‫«موبــي ديــك» مــن أشــهر الروايــات األميركيــة‪ ،‬وواحــدة مــن‬
‫ـدة ســاعات‪ ،‬كلّ أســبوع‪ ،‬نتحـ َّ‬ ‫والعقــول‪ .‬يحوينــا بيتــه عـ ّ‬
‫فــي العلــم‪ ،‬والجامعــة‪ ،‬وقســمنا األثيــر‪ .‬فــي تلــك الليلــة‪،‬‬ ‫ـم األعمــال األدبيــة قاطبــةً ‪ ،‬فــي تاريــخ اإلنســانية‪ .‬وبنهاية‬ ‫أهـ ّ‬
‫ترســخت مكانــة «ميلفيــل» بوصفــه واحد ًا‬ ‫القــرن العشــرين‪َّ ،‬‬
‫ـص الروائي‬ ‫أخذَ نــا الحديــث إلى الروايــات التي تمزج بين القـ ّ‬
‫أنهيت قراءة‬ ‫ـت قد‬ ‫ـم ك َّتــاب العالــم‪ ،‬طــوال التاريــخ‪ .‬أفكّ ــر اآلن‪ :‬كــم مــن‬
‫مــن أهـ ّ‬
‫ُ‬ ‫والخبــر الصحافــي أو المقال العلمي‪ .‬كنـ ُ‬
‫«موبــي ديــك»‪ ،‬قبــل أســابيع قليلــة‪ ،‬وهــي الروايــة العالميــة‬ ‫آالف األعمــال العظيمــة التــي ابتلعهــا النســيان؛ ألن ناقــد ًا‬
‫متلهفــ ًا علــى‬ ‫األهــم فــي اســتعمال هــذه التقنيــة‪ .‬بــدوت‬ ‫بارع ـ ًا مرموق ـ ًا لــم ُي ـز ِْح عنهــا التــراب!‪ .‬كــم مبــدع حقيقــي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كنت‬ ‫دهســته أقــدام عربة الشــهرة الطائشــة التي ال يركبهــا ّإال قلّة‬
‫وأصحح لثالث‪ُ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ـدث‪ ،‬أقاطــع زمياً‪ ،‬وأخالف آخــر‪،‬‬ ‫التحـ َّ‬
‫منتشــي ًا بتحليلــي لروايــة الحــوت‪ .‬أتكلّم بنبرة تم ِّزق الشــعرة‬ ‫مــن المبدعيــن الحقيقييــن‪ ،‬وكثــرة مــن األفّاقيــن البارعيــن‬
‫ال بقــراءات وتحليات‪،‬‬ ‫الرقيقــة بيــن الثقــة والعجرفــة‪ ،‬مختا ً‬ ‫األهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ـم آخــر لم ُيذكَ ــر ضمــن‬
‫فــي صنــع الضوضــاء! كــم اسـ ٍ‬
‫تحرك أســتاذي خارج‬ ‫ال معهــم‪ ،‬مثلمــا كان مــع‬ ‫واألروع؛ ألن الزمــن لــم يكــن عــاد ً‬
‫أنهيت حديثي‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ـارى‪ .‬حين‬ ‫ظنن ُتهــا ال تبـ َ‬
‫ـت أن‬ ‫ـ‬ ‫َّع‬‫ق‬ ‫تو‬ ‫ـي‪.‬‬‫ـ‬ ‫ونادان‬ ‫ـاء‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الزم‬ ‫ـامع‬ ‫ـ‬ ‫مس‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ً‬
‫ا‬ ‫ـد‬ ‫الصالــة‪ ،‬بعيـ‬ ‫«ميلفيــل»؛ قبــل قــرن مــن الزمــان!‪.‬‬
‫ُ‬
‫يربــت علــى كتفــي‪ ،‬ويمتــدح معرفتــي وعلمــي‪ ،‬لكنــه‪ ،‬بــد ً‬
‫ال‬ ‫ِّ‬
‫مــن ذلــك‪ ،‬قــال بنظــرة تمزج بين األســى والغضــب‪ :‬أرجوك‪.‬‬ ‫حب لم تولَد‬
‫قصة ّ‬
‫القصة الثالثة‪ :‬الحوت يُجهض ّ‬
‫ّ‬
‫تواضــع فــي حديثــك‪ ،‬وال تتعــالَ علــى زمائــك‪.‬‬ ‫كنــت ألتقيهــا ثاثــة ّأيــام‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فــي قاعــة درس جامعيــة‪،‬‬
‫ـاد‪ ،‬اخترقــت عبارتــه القصيــرة صميــم‬ ‫مثــل نصــل ســهم حـ ّ‬ ‫مــدرس‬ ‫ّ‬ ‫أســبوعياً‪ .‬هــي معيــد ٌة فــي كل ِّّيــة مرموقــة‪ ،‬وأنــا‬
‫ّ‬
‫ــدت إلــى المجلــس صامتــاً‪ ،‬مطأطــأ الــرأس‪ ،‬ال‬ ‫روحــي‪ُ .‬ع ُ‬ ‫مســاعد فــي كل ِّّيــة غيــر مرموقــة!‪.‬‬
‫ـر عقــدان‪ ،‬بالتمــام والكمــال‪ ،‬علــى‬ ‫أكاد أســمع مــا ُيقــال‪ .‬مـ َّ‬ ‫قاهري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـرة‪ ،‬ســألتني‪ :‬تبدو غيــر‬ ‫ـي‪ ،‬أول مـ ّ‬
‫ـت إلـ َّ‬
‫تحدثـ ْ‬
‫حيــن َّ‬
‫ـت‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫همم‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫َّم‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ـن‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫الحي‬ ‫ـك‬ ‫ـ‬ ‫ذل‬ ‫ـذ‬‫ـ‬ ‫ومن‬ ‫تلــك النصيحــة المؤلمــة‪.‬‬ ‫الفيوم‪ ،‬قالت‪ ،‬بنبرة قاســية‪ :‬نعم‪ ،‬أعرفها‪.‬‬ ‫ـت‪ّ :‬‬ ‫مــا بلدك؟ قلـ ُ‬
‫أي مجلس علــم‪ ،‬ر َّنت كلمات أســتاذي في أذني‪،‬‬ ‫بالــكام‪ ،‬فــي ّ‬ ‫قلــت‪ :‬ال أدري‪ ،‬حقيقــةً ‪،‬‬‫ُ‬ ‫أليســت أفقــر محافظــات مصــر؟‬
‫ـت أن أرســل الــكام‬ ‫ـتحضرت عظــة روايــة الحــوت‪ ،‬وحاولـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫واسـ‬ ‫لكنــي أعشــق خضرتهــا‪ ،‬وأهلهــا‪ ،‬وريفهــا‪ .‬ســأل ُتها‪ ،‬بــدوري‪:‬‬
‫هينـ ًا خفيضـاً‪ .‬وحين تغلبني الرعونــة أو الغضب أو الحماس‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ـدت في القاهــرة‪ ،‬وأعيش‬ ‫ـت؟ قالــت‪ :‬المنوفيــة‪ ،‬لكنــي ولـ ُ‬ ‫وأنـ ِ‬
‫أســتحضر كلمــات أســتاذي‪ ،‬وأؤ ّنــب نفســي‪ ،‬مــن جديــد‪ ،‬حتى‬ ‫ـت المنوفيــة أعلــى محافظــات مصــر طرد ًا‬ ‫ـت‪ :‬أليسـ ْ‬‫فيهــا‪ .‬قلـ ُ‬
‫ال يبتلعنــي حــوت االفتتــان بالــذات‪ .‬عمــاد عبــد اللطيــف‬ ‫وانصرفت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ورفعت رأســها عاليـاً‪،‬‬
‫ْ‬ ‫لســكّ انها؟ قالــت‪ :‬ال أدري‪،‬‬
‫يناير ‪182 2023‬‬ ‫‪87‬‬
▲ Moby Dick final chase

182 2023 ‫يناير‬ 88

You might also like