You are on page 1of 23

٤

‫‪alanqri‬‬ ‫‪drangari‬‬
‫الطﺊاﺲﻐﺋ واﻗﺠﺎﺛراﺾات واﻗﺻﺎراﺖات؛‬‫لﻖﺲﻘم باﻓخطاء ِّ‬
‫ﻏرجى المراﺠﻂﺋ ﺲﻂى الﺊرﻏﺛ الﺎالﻎ‪1:‬‬
‫‪tafreeghalangri@gmail.com‬‬
٤
‫‪4‬‬

‫﷽‬

‫حمد وعلى آله وصحبه‬ ‫رب العالمين وص ّلى ال ّله وس ّلم وبارك على عبده ُ‬
‫ورسوله نبينا ُم ّ‬ ‫الحمد ل ّله ّ‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫َّأما َب ْعدُ ‪:‬‬

‫تمرض كما تمرض األجساد‪ ،‬وتصح‪ ،‬ويتفاوت حا ُلها ووضعها‬


‫ُ‬ ‫أن هذه ال ُقلوب‬
‫شك فيه ّ‬
‫مما ال ّ‬
‫فإن ّ‬
‫يموت‬ ‫بحسب حال إيمان العبد؛ حتّى إهنا تصل إلى ما ُأطلق عليه يف النُّصوص بالموت؛ فكما ّ‬
‫أن الجسد ُ‬
‫ويمرض ويصح؛ فكذلك ال ُقلوب؛ ولكن أكثر التّركيز عند النّاس على ّ‬
‫صحة األجساد وعلى أمراضها‬
‫والمشهور عندهم هو وفاهتا‪.‬‬

‫صريح يف النُّصوص‪ ،‬وقد تك ّلم‬


‫ٌ‬ ‫أن هذه ال ُقلوب لها من هذه األحوال التي ذكرنا ما هو‬
‫ولكن ال شك ّ‬
‫كثيرا عن هذه األحوال التي تعرتي ال ُقلوب‪ ،‬ومن أكثر من تك ّلم يف مثل هذه المقامات اإلمام‬
‫أهل العلم ً‬
‫السالكين»‪.‬‬
‫ابن الق ّيم ‪ ‬وال س ّيما يف كتابه «مدارج ّ‬
‫يضره حتّى‬
‫عما ُيمكن أن ّ‬
‫صحة جسده وإبعاد جسده ّ‬
‫وحري بالمؤمن العاقل كما أنّه يحرص على ّ‬
‫حرصا على صالح‬
‫ً‬ ‫ُربما ترك بعض المآكل وبعض المشارب خو ًفا على جسده فإنّه ينبغي أن يكون أشدّ‬
‫قلبه وعلى عافيته وسالمته؛ ولهذا جاء هذا الموضوع المتع ّلق بمفسدات ال ُقلوب؛ فإن القلوب لها‬
‫انتشارا‬
‫ً‬ ‫ُمفسدات وهي كثيرة جدًّ ا لكن لع ّلنا إن شاء ال ّله تعالى نعرض الثنين منها فقط وهي من أكثرها‬
‫وش ُيو ًعا‪.‬‬

‫المراد بفساد القلب وبأنواع هذا الفساد‪ ،‬وال يرتاب ّ‬


‫أن مثل‬ ‫وقبل ذلك سنضع ُمقدم ًة يف الكالم على ُ‬
‫تطرق إليه أحدٌ من ذوي ال ُقلوب الح ّية ّ‬
‫السليمة أنّه هو الحري به؛ ولكن إذا تركنا‬ ‫هذا الموضوع إذا ّ‬
‫الكالم يف هذا الحديث بسبب ما يف ُقلوبنا المتحدّ ثين نحن من األمراض ّ‬
‫والضعف والوهن‪ ،‬فإن معنى‬
‫‪٦‬‬
‫‪5‬‬

‫ذلك أنا نرتُك الكالم يف هذه األُمور بالك ّل ّية وذلك ّ‬


‫مما يجعلها غير جل ّية وهذا ال ّ‬
‫شك أ ّنه فيه مفسدة أكرب‬
‫المتصور أن يتحدّ ث يف‬
‫ّ‬ ‫من مفسدة أن يتحدّ ث يف مثل هذا الموضوع من ال يستحق الحديث فيه‪ ،‬فإن‬
‫ُمفسدات ال ُقلوب من سلمت ُقلوهبم من اإلفساد‪ ،‬أ ّما أن يتحدّ ث فيه من ال ُيزكّي نفسه عن فساد يف قلبه‬
‫حال من ُقوص؛ ولكن أشدّ منه وأسوأ أن يرتُك الكالم يف هذه األُمور‬
‫أن هذا ٌ‬
‫ووهن فيه وضعف‪ ،‬فال شك ّ‬
‫وتفحص ما‬
‫ُّ‬ ‫فال يتذاكر‪ ،‬ولعل الكالم يف هذه األُمور أن يكون محيا لنا يف حديثنا عنها ورجوعنا إلى ُقلوبنا‬
‫مما قد يكون سببًا يف العود على إصالح هذه ال ُقلوب وإال ففساد ال ُقلوب ّإال عند‬
‫فيها من أدواء فإن ذلك ّ‬
‫من سلمه ال ّله حاصل وال س ّيما مع الغفلة؛ فإن الغفلة إذا خيمت كثرت أمراض ال ُقلوب‪.‬‬

‫أمر ُمطبق ّإال على من سلمه ال ّله منها وقليل‬


‫ينشر أمراض ال ُقلوب ومفسداهتا الغفلة‪ ،‬وهي ٌ‬
‫أعظم ما ُ‬
‫ما هم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫نذكر يف هذه المحاضرة إن شاء ال ّله ‪ّ ‬أول فقرة وهي ُ‬
‫المراد بفساد القلب وأنواعه‪.‬‬

‫‪‬ما املُرادُ بفساد القلب؟!‬


‫الحس ّي‪ ،‬فقد يكون اإلنسان من أفسد النّاس قل ًبا؛‬
‫ّ‬ ‫المعنوي ال‬
‫ُّ‬ ‫المراد بفساد القلب ُهنا هو الفساد‬
‫ُ‬
‫ولكن فيما يتع ّلق بنبض قلبه وصحته العضو ّية ال خلل فيها أبدً ا‪ ،‬والعكس بالعكس يكون جهاز القلب‬
‫مريضا ويعاين صاحبه نوبات تعرتيه جسد ّية؛ ولكن قلبه من النّاحية المعنو ّية على أكمل ما‬
‫ً‬ ‫عند اإلنسان‬
‫الصالح والتّع ُّلق بال ّله ‪.‬‬
‫يكون من ّ‬

‫فالمراد ُهنا بمفسدات ال ُقلوب المفسدات المعنو ّية ال المفسدات العضو ّية التي تنتاب القلب من‬
‫جهة نبضاته وحركته العضو ّية المعروفة‪.‬‬

‫‪ ‬أمّا أنواع الفساد القليب فال يخ ُلو ال يخ ُلو هذا الفساد من أن يكون عيا ًذا بال ّله فسا ًدا عا ًما ُمطبقًا‪،‬‬
‫وذلك يكون ألهل ال ُكفر والنّفاق األكرب فهم أفسد النّاس ُقلو ًبا بما انطوت عليه ُقلوهبم من الفساد العام‬
‫المطبق عيا ًذا بال ّله‪ ،‬وإ ّما أن يكون الفساد فسا ًدا ُدون ذلك يقع من المسلم وبحسب شدّ ة غفلته كما قلنا‬
‫ُ‬
‫ويتحسن حاله‪ ،‬وتار ًة يغرق‬ ‫وبالذكر وبسماع ُخ ٍ‬
‫طبة أو آية‬ ‫ّ‬ ‫يكون فساد قلبه‪ ،‬فتار ًة يرجع القلب بالموعظة‬
‫ّ‬
‫ومرض وفساد والمعصوم من عصمة ال ّله هذا ً‬
‫أوال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غفلة‬ ‫يف غفلته وي ُعود إلى ما هو فيه من‬

‫ثان ًيا ُمفسدات ال ُقلوب ُقلنا إنّها كثيرة جدًّ ا وهي ً‬


‫أيضا على أنواع هذه المفسدات التي تتس ّبب يف‬
‫‪6‬‬

‫األمراض هي على أنواع منها‪:‬‬

‫كالسمع والبصر‪ ،‬وهي المعرب عنها يف اللغة‬


‫‪ ‬النّوع األوّل‪ :‬ما يكون بسبب الحواس المعروفة هذه ّ‬
‫بالمشاعر‪ ،‬وإن كانت كلمة المشاعر يف ُعرف كثير من النّاس اآلن ال ُيراد هبا ّإال الجوانب القلب ّية‪،‬‬
‫فيقولون عندنا مشاعر طيبة حيال كذا يقصدون مشاعر قلبية؛ لكن من حيث المعنى يف اللغة المشاعر ُيراد‬
‫هبا هذه الحواس‪.‬‬

‫المفسدات التي ت ُكون من هذا النّوع التي تلج إلى القلب من خالل البصر أو من خالل ّ‬
‫السمع‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫شك أهنا كثيرة‪ ،‬فالبصر على سبيل المثال شديد التّأثير يف القلب جدًّ ا سوا ٌء بالخير أو ّ‬
‫بالش ّر‪ ،‬فمن أرسل‬
‫أمر‬ ‫بصره فيما حرمه ال ّله تعالى من النّظر ً‬
‫مثال إلى ُصور النّساء‪ ،‬فال ريب أنّه سيجد أثر ذلك يف قلبه‪ ،‬هذا ٌ‬ ‫ُ‬
‫مرض‬ ‫مفروغ منه‪ ،‬من أين أتى الفساد إلى القلب؟ من البصر‪ ،‬وذلك يعني ّ‬
‫أن البصر ُيمكن أن ينفذ إليه ٌ‬ ‫ُ‬
‫أن اإلنسان إذا أكل طعا ًما بفمه ودخل إلى جوفه وكان هذا ال ّطعام فاسدً ا ّ‬
‫أضر بجوفه‬ ‫ُيصيب القلب‪ ،‬كما ّ‬
‫أمر مشاهد ال يستطيع أحدٌ أن ُينكره‪،‬‬ ‫فكذلك البصر إذا أرسل فيما حرم ال ّله ‪ّ ‬‬
‫أضر بالقلب وهذا ٌ‬
‫ي ُقول ال ّله ‪ { :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ } [النور‪ ،]30:‬تأ ُمل‬
‫بغض البصر‪ ،‬وبدئه ُسبحانه بالنّداء باسم اإليمان‪ ،‬ولم ي ُقل يف هذا‬
‫هذه اآلية‪ ،‬ذكر ‪ ‬فيها األمر ّ‬
‫الموضع «يا أيها النّاس»‪ ،‬قال‪ { :‬ﭾ ﭿ} ولم ي ُقل‪ّ :‬‬
‫(قل للنّاس)‪ ،‬قال‪ { :‬ﭾ ﭿ}‪،‬‬
‫يغضوا من أبصارهم ويحفظوا ُفروجهم ما العاقبة؟ { ﮆ ﮇ ﮈﮉ}‬
‫وجه للمؤمنين تحديدً ا‪ُّ ،‬‬
‫فالخطاب ُم ّ‬
‫الزكاة فيه ما يجدُ ونه يف زكاة ُقلوهبم‪.‬‬
‫الزكاة عليهم ومن أكثر ما يجدُ ون ّ‬
‫ت ُعود ّ‬

‫‪‬ما املُراد بقوله تعاىل‪ { :‬ﮀ ﮁ ﮂ}‪ ،‬األبصار تغُض عن ماذا؟ ذكر ابن سعدي ‪ ‬أنها تغُض‬
‫عن ثالثة أشياء‪:‬‬
‫األول‪ :‬ت ُغض عن العورات‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬وت ُغض عن النّظر إلى النّساء األجنب ّيات‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬وت ُغض عن النّظر إلى المردان الحسان‪.‬‬

‫ي ُقول قو ُله تعالى‪ { :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ} [النور‪ ]30:‬يشمل هذا ُك ُّله‪ ،‬فال يجوز أن تن ُظر‬
‫ببصرك عيا ًذا بال ّله إلى عورة من العورات‪ ،‬سوا ٌء أكانت عورة امرأة أو عورة ُ‬
‫رجل‪ ،‬وسوا ٌء أكانت العورة‬
‫‪٦‬‬
‫‪7‬‬

‫الصور المخزية الفاسدة المفسدة يف األفالم الدنسة‬ ‫المغ ّلظة عيا ًذا بال ّله كما يقع ّ‬
‫ممن يقع منه النّظر إلى ُّ‬
‫ونحوها؛ فإنّهم ين ُظرون إلى العورات المغ ّلظة عيا ًذا بال ّله‪ ،‬فال ُ‬
‫يجوز النّظر إلى العورة سوا ٌء أكانت ُمغلظة‬
‫مثال‬ ‫أيضا إلى العورة غير المغ ّلظة؛ كالنّظر إلى فخذ ّ‬
‫الرجل ً‬ ‫يجوز النّظر ً‬
‫السوأتان القبل والدُّ بر وال ُ‬
‫وهما ّ‬
‫يجوز‬ ‫أو النّظر إلى وجه المرأة هو عورة وإن لم ي ُكن عورة ُمغلظة؛ لكن ال شك ّ‬
‫أن المرأة األجنب ّية ال ُ‬
‫مما ي ُغض عنه البصر‪.‬‬
‫األول ّ‬
‫النّظر إليها هذا النّوع ّ‬

‫النّوع ال ّثاين النّظر إلى المردان الحسان‪ ،‬األمرد الحسن ال يحد النّظر إليه؛ ألن الفتنة التي تنشأ عن‬
‫النّظر إليه ُمماثل ٌة للفتنة التي تنشأ من النّظر إلى المرأة؛ فلهذا ذكر أهل العلم ّ‬
‫أن النّظر إلى األمرد الحسن‬
‫إذا كان ُيؤ ّثر على قلب النّاظر فإنّه ليس له أن يحد النّظر إليه‪.‬‬

‫انتشارا‪ ،‬النظر إلى ُصور النّساء‪ ،‬هذا‬


‫ً‬ ‫وهو الكثير واألشدُّ‬
‫بعد ذلك يأيت الكالم على النّظر إلى النّساء ُ‬
‫النّظر مع تو ُّفر الوسائل الحديثة صار من أكثر ما ُيعصى ال ّله به يف األرض‪ ،‬لما كانت النّساء يف ُخدوره ّن‬
‫وسرته ّن كان النّظر إلى النّساء من أصعب ما يكون كما كان عليه حال اآلباء واألجداد؛ فالنّساء‬
‫لتجشم عنا ًء حتّى ين ُظر؛ لكن اآلن النّظر إلى‬
‫ّ‬ ‫فاسق أن ين ُظر إليه ّن‬
‫ٌ‬ ‫ُمسترتات‪ ،‬قليالت ُ‬
‫الخروج‪ ،‬فلو أراد‬
‫انتشارا كثيرا‪ ،‬وع ُظمت المصيبة والفتنة بنظر ّ‬
‫السرائر هذا حين ُيغلق اإلنسان أبواب بيته أو‬ ‫ً‬ ‫النّساء ُمنتشر‬
‫ُيغلق على نفسه الغرفة داخل بيته ويرسل لنظره ويق ّلبه يف نساء الغرب ّ‬
‫والشرق من خالل القنوات أو من‬
‫فيتفرج ويكون‬ ‫الصور نسأل ال ّله العافية ّ‬
‫والسالمة‪ّ ،‬‬ ‫أنواعا عيا ًذا بال ّله من ُّ‬
‫ً‬ ‫خالل مواقع يف ّ‬
‫الشبكة ويطلب‬
‫ستستمر ُمتعبة له‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫أن هذا ُمؤ ّثر يف قلبه‪ ،‬وال شك ّ‬
‫أن هذه المناظر‬ ‫المرسل‪ ،‬ال شك ّ‬
‫هذا من النّظر ُ‬
‫وهو ُيص ّلي سيظل هذا المنظر معه؛ ولهذا قال ّ‬
‫الشاعر‪:‬‬ ‫وستالحقه حتّى لو يف صالته ُ‬

‫بك َي ْو ًما َأ ْت َع َبت َ‬


‫ْك ا ْل َمنَاظر‬ ‫ل َق ْل َ‬ ‫ُنت َمتَى َأ ْر َس َ‬
‫لت َطر َف َك َرائدً ا‬ ‫َوك َ‬

‫نظره رائدً ا‬ ‫كثيرا ّ‬


‫ألن قلبه قد أرسل ُ‬ ‫مرت به امرأة ّ‬
‫أطل إليها ونظر هذا سيتعب تعبأ ً‬ ‫هذا الذي ك ُّل ما ّ‬
‫ين ُظر يقلب‪.‬‬

‫بك َي ْو ًما َأ ْت َع َب ْتــ َ‬


‫ك ا ْل َمنَاظــر‬ ‫ل َق ْل َ‬ ‫ُنت َمتَى َأ ْر َس َ‬
‫لت َطر َف َك َرائدً ا‬ ‫َوك َ‬

‫َع َليه َو ََل َعن َب ْعضه َأ َ‬


‫نت َصابر‬ ‫ت َقــادر‬ ‫َر َأ ْي َ‬
‫ت الذي ََل كُلـــ ُه أنــ َ‬

‫شك أنّه من أعظم ما ُيفسد ال ُقلوب‪ ،‬وقد تساهل كثيرون جدًّ ا فيه اآلن‪،‬‬
‫فهذا اإلرسال للنّظر ال ّ‬
‫‪8‬‬

‫ويسهل على بعض المسلمين لألسف أن يجهر به وأن ي ُقول يف غير ما استخفاء أنا رأيت المقابلة التي‬
‫ّ‬
‫أجرهتا ُفالنة مع ُفالن وما قالت وما قيل ُسبحان ال ّله العظيم هبذه ُّ‬
‫السهولة‪ ،‬سهل األمر إلى هذا الحد هذه‬
‫إن لك أن تن ُظر إليها ُ‬
‫الجواالت امتألت بالمناظر تار ًة‬ ‫المتربّجة المتفرنجة التي تن ُظر إليها‪ ،‬من قال لك ّ‬
‫باسم أهنا مناظر ُمضحكة وأنّه ليس قصده النّظر إلى المرأة والمناظر التي فيها‪ ،‬وتار ًة باعتبار ّ‬
‫أن هذا‬
‫ويتفرج بدعوى أنّه ُيرد النّظر إلى األخبار أو‬
‫ّ‬ ‫بصره‬
‫حدث من األحداث وخ ّبر من األخبار المهمة فيرسل ُ‬
‫علما تا ًّما ّ‬
‫أن النّاس‬ ‫غيرها‪ ،‬وكان اال ّطالع على األخبار غير ُممكن ّإال إذا عصي ال ّله بالنّظر‪ُ ،‬‬
‫وهو يعلم ً‬
‫يعرفون األخبار إذا أرادوا ويعرفون تفاصيلها ُدون أن ين ُظروا إلى ما حرم ال ّله؛ فهذا ٌ‬
‫أمر فشا وانتشر‪،‬‬

‫وتأمل ما يف اآلية‪ { :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ } [النور‪]30:‬؛‬


‫عظيم جدًّ ا‪ ،‬وقد قال النبي‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تفريط‬ ‫أمر فرط فيه‬
‫وهو ٌ‬
‫بغض البصر ُ‬
‫فالزكاة القلب ّية وصالح الحال ُمرتبط ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ‬لعلي ‪ُ - ‬‬
‫وهو من ُهو‪« :-‬يا علي َل تتبع النّظرة النّظرة؛ فإن لك األُولى وليست لك‬
‫المرة األُولى فأنت غير آثم؛ لكن‬
‫ال ّثانية»‪ ،‬األُولى هي الخاطئة التي تن ُظر فتجد امرأة إذا نظرت ورأيتها يف ّ‬
‫بصرك‪ ،‬فإن لك األُولى وليست لك ال ّثانية ألن األُولى هي المفاجئة‪ ،‬ال ّثانية هي أن‬
‫تصرف ُ‬
‫عليك أن ّ‬
‫تستمر ُترسل البصر ُ‬
‫تواصل؛ ولهذا لما ُسئل النبي ‪ ‬عن نظر الفجأة قال‪« :‬اصرف بصرك»‪،‬‬
‫رجل يف بر ّية أو نحوه هذا خطأ وال تأثم عليه؛ لكن إذا واصلت‬
‫لو أنّك التفت فرأيت امرأ ًة أو رأيت عورة ُ‬
‫الصور بأهلها‬ ‫أن هذا تأثم به‪ ،‬هذا األمر ُمؤ ّثر يف القلب بال ٍّ‬
‫شك‪ ،‬وقد بلغت ُّ‬ ‫تواصل إرسال النّظر فال شك ّ‬
‫ُ‬
‫مبل ًغا عظيما‪ ،‬وتحدّ ث ابن الق ّيم ‪ ‬يف «إغاثة ال ّلهفان» عن آثار ُّ‬
‫الصور‪ ،‬وما خلفت وما أ ّدت من‬
‫فساد ُق ُلوب أناس وصل هبم الحال إلى حدٍّ من المرض الذي أهزل حتّى أجسامهم يف ارتباط ُقلوهبم‬
‫ٍ‬
‫بصور استحسنتها ولم ت ُغض ال ّطرف عنها فأ ّثر ذلك يف القلب وعاد ُ‬
‫أثره على الجسد { ﯡ‬ ‫عيا ًذا بال ّله‬
‫ﯢ} [النبأ‪ { ، ]2٦:‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ} [النحل‪. ]33:‬‬

‫أن ُتغض األبصار طاع ًة ل ّله‪ّ ،‬‬


‫وإال فإن هذا منفذ سينفذ فساده إلى القلب والبدّ ‪ ،‬هذا نوع‬ ‫فالواجب ّ‬
‫من أنواع المفسدات التي ت ُكون من خالل الحواس‪.‬‬

‫السماع باألذن فإن االستماع باألذن إلى ما حرم ال ّله ُيؤ ّثر ً‬
‫أيضا يف‬ ‫‪ ‬من ذلك ما يكون من خالل ّ‬
‫القلب‪ ،‬ومن أكثر ما ُيم ّثل به استماع األغاين؛ فإن األغاين بال ريب ُمؤثرة يف القلب؛ ولهذا قال من قال من‬
‫السلف‪« :‬الغناء ين ُبت النّفاق يف القلب‪ ،‬كما ين ُبت الماء البقل»‪ ،‬الغناء يسمع باألذن‪ ،‬كيف أ ّدى إلى ُو ُقوع‬
‫ّ‬
‫‪٦‬‬
‫‪9‬‬

‫يضر القلب أو ينفعه‪ ،‬فاستماع األغاين‬


‫السمع منفذ ينفذ من خالله ما ُ‬
‫أن ّ‬‫النّفاق يف القلب؟ لما قلنا لك من ّ‬
‫وكثيرا ما يستثقل صاحب األغاين ذكر ال ّله ‪ ‬وكتاب ال ّله تعالى‪ ،‬كما قال‬
‫ً‬ ‫يضر بالقلب‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫شك أنّه ُ‬
‫ابن الق ّيم ‪« :‬حب الكتاب وحب ألحان الغنا‪...‬يف قلب عبد ليس يجتمعان»‪ ،‬تجد أن صاحب‬
‫ال ُقرآن يب ُغض الغناء‪ ،‬وصاحب الغناء يستثقل ّ‬
‫الذكر‪ ،‬وهذه من مصائب القلب ال ّ‬
‫شك أهنا من مصائب‬
‫وأمراض وأدواء القلب‪.‬‬

‫الشبهات هذه ُّ‬


‫الشبهات‪ ،‬كم دمرت من‬ ‫السمع ما يقع من استماع ُّ‬
‫مما ينفذ إلى القلب من خالل ّ‬
‫‪ّ ‬‬
‫أضرت باعتقاد ُأناس كان عندهم اعتقا ٌد سليم فزلزلتهم والعياذ بال ّله عن اعتقادهم بسبب‬
‫ال ُقلوب‪ ،‬وكم ّ‬
‫يجوز أن ُتستمع؛ ولهذا أضحت ُق ُلوب كثيرين مريضة بسبب ما‬ ‫أهنُم أرعو آذاهنم لهذه ُّ‬
‫الشبهات التي ال ُ‬
‫الشبهات وما ألقى عليهم والعياذ بال ّله من الدّ واهي والباليا المتع ّلقة بعقيدهتم يف ال ّله‬
‫استمعوا من هذه ُّ‬
‫أي ٍ‬
‫أمر من ُأ ُمور اعتقادهم؛ ولهذا جاءت‬ ‫تعالى أو يف نبيهم ‪ ‬أو يف اليوم اآلخر أو يف ّ‬
‫للشبهات؛ فإن ُّ‬
‫الشبهات التي قد ُيلقيها أهل اإللحاد أو النّصارى أو‬ ‫النُّصوص ناهي ًة عن اإلصغاء ُّ‬
‫يجوز استماعها‪ ،‬واستماع عوام المسلمين لها ُيس ّبب عندهم زعزع ًة‬
‫الروافض أو أهل البدع ُعمو ًما ال ُ‬
‫ّ‬
‫أن ال يأ ُتون‬
‫شديد ًة يف االعتقاد؛ ولهذا جاء عنه ♥ أنّه أوصى المسلمين إذا خرج الدّ ّجال ّ‬
‫من ‪-‬‬ ‫الر ُج َل َل َي ْأتيه َو ُه َو َي ْح ُ‬
‫سب َأ َّن ُه ُم ْؤ ٌ‬ ‫مع بالدَّ َّجال َف ْل َين َْأ َعنْ ُه‪َ ،‬ف َواهَّلل َّ‬
‫إن َّ‬ ‫إليه‪ ،‬فقال ♥‪َ « :‬م ْن َس َ‬
‫من الش ُب َهات»‪.‬‬ ‫مما ُي ْب َع ُ‬
‫ث به َ‬ ‫يعني هو واث ًقا يف نفسه أنّه إذا أتى َل َل يتأ ّثر‪َ -‬ف َيتَّب ُع ُه‪َّ ،‬‬

‫الرب عيا ًذا بال ّله ومع أنّه أعور ع ّين ال ُيمنى ومع أنّه ُ‬
‫رجل من‬ ‫والدّ ّجال يدعي دعاوى شديدة يدعي أنّه ّ‬
‫الشبهة التي ُيلقيها على هؤالء تجعلهم‬ ‫أن ُّ‬ ‫البشر يأكُل ويشرب ويقضي حاجته وينام ويستيقظ ّإال ّ‬
‫الر ُج َل َل َي ْأتيه َو ُه َو َي ْح ُ‬
‫سب َأ َّن ُه‬ ‫مع بالدَّ َّجال َف ْل َين َْأ َعنْ ُه‪َ ،‬ف َواهَّلل َّ‬
‫إن َّ‬ ‫يعتقدون أنّه هو رهبُم والعياذ بال ّله‪َ « ،‬م ْن َس َ‬
‫من الدَّ َّجال يف‬
‫َّاس َ‬ ‫من الش ُب َهات»؛ ولهذا قال ‪َ « :‬ل َي َّ‬
‫فر َّن الن ُ‬ ‫مما ُي ْب َع ُ‬
‫ث به َ‬ ‫من َف َيتَّب ُع ُه‪َّ ،‬‬
‫ُم ْؤ ٌ‬
‫الجبال»‪.‬‬

‫وأَل تبحث عنها هذا هو األصل؛ ولهذا‬


‫وأَل تقرأها ّ‬
‫أن األصل يف الشبهات ّأَل تستمعها ّ‬
‫‪ ‬فالحاصل ّ‬
‫السلف كث ًيرا عن ُمجالسة أهل األهواء من أهل البدع ومن أسوأ منهم من أهل ال ُكفر واإللحاد‬
‫هنى ّ‬
‫مما قا ُلوا‪َ« :‬ل تُجالسوا أهل األهواء؛ فإن َل آمن أن‬
‫وبرروا ذلك بخوفهم على ال ُقلوب فكان ّ‬
‫وغيرهم‪ّ ،‬‬
‫السلف أن يقرأ عليه آية قال اقرأ عليك آية‪،‬‬
‫ولما طلب بعض المعتزلة من أحد ّ‬
‫يغمسوكم يف ضاللتهم»‪ّ ،‬‬
‫‪10‬‬

‫قال وو ّلى وأشار بيده قال وال نصف آية ما أسمع منك هنائيا‪ ،‬فلما سئل عن سبب امتناعه من سماع ٍ‬
‫آية‬ ‫ّ ُ‬ ‫ًّ‬
‫ولما ُذكر البن ُعمر ‪ ‬بعض ما كان يقوله‬
‫فيحرفها فيقع ذلك يف قلبي»‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫منه قال‪« :‬ال آمن أن يقرأها‬
‫ولما تك ّلم بعض أهل البدع عند ُ‬
‫طاووس ‪ ‬وضع‬ ‫الخوارج جعل يعرض حتّى ال يسمع كالمه‪ّ ،‬‬
‫يسد ُأذنيه‪ ،‬ي ُقول حتّى ال يسمع كالمه‪.‬‬
‫ُأص ُبعيه يف ُأذنيه‪ ،‬وأمر ابنه أن ُ‬

‫‪ ‬ملاذا كُلُّ هذا؟!‬

‫الشبهة عن طريق األُذن‪ ،‬ومن ُهنا فال تعجب إذا رأيت ً‬


‫كثيرا من ا ّلذين‬ ‫خو ًفا على القلب أن تنفذ إليه ُّ‬
‫أصغوا إلى ُّ‬
‫الشبهات يف هذا الوقت وقد تغيرت أحوالهم وانتكست مفاهيمهم‪ ،‬بل تبدلت عقائد بعضهم‬
‫وأيضا فال تعجب إذا رأيت‬ ‫فإنّهم ُهم ا ّلذين ُ‬
‫فتحوا على أنفسهم باب الفساد القلبي هذا‪ ،‬من خالل آذاهنم‪ً ،‬‬
‫خف ور ُعه وق ّلت تقواه ذلك قد أصاب قل ُبه بمرض فتحه‬
‫المحرمات وقد ّ‬
‫ّ‬ ‫من أرسل عينه يف النّظر إلى‬
‫على نفسه من خالل سمعه أو من خالل بصره‪.‬‬

‫ومما ُيؤ ّثر فيه‬


‫ومما ُيفسد القلب أكل الحرام فإن تغذية البدن بالحرام ُيؤ ّثر يف أجزاء البدن ُع ُمو ًما‪ّ ،‬‬
‫‪ّ ‬‬
‫المحرم‪.‬‬
‫القلب‪ ،‬فإن القلب يفسد بفساد غذاء الجسد ُ‬
‫انتشارا‬
‫ً‬ ‫وهو أكثر ما يكون‬
‫كالربا ُ‬
‫والمحرمات كما ترى يف وقتنا هذا أنواع‪ :‬منها ما هو حرام صريح‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫والسرقة واالختالس وأنواع‬
‫الرشوة ّ‬
‫وهو واضح عند كثير من النّاس ومع ذلك يتعاملون به‪ ،‬وضروب ّ‬
‫ُ‬
‫حرمة‪.‬‬
‫المآكل الم ّ‬
‫أيضا األُمور المشتبهة‪ ،‬كمعامالت كثيرة اآلن ُ‬
‫يدخلها‬ ‫ومن األُمور التي اجترأ عليها كثير من النّاس ً‬
‫النّاس وهم غير ُمطمئنّين لها ما عندهم يقين بأنّها من المعامالت المباحة‪ ،‬ويأكلون المال المرت ّتب عليها‬
‫وهم يف حال من التّر ُّدد‪ ،‬وهذه األُمور المشتبهة قد ب ّين النبي ‪ُ ‬‬
‫الحكم فيها فقال‪« :‬الحالل‬ ‫ُ‬
‫يعرفهن كثير من النّاس»‪ ،‬الحالل ب ّين واضح؛ كالمأكل ال ّط ّيبة‬
‫ّ‬ ‫بين والحرام ب ّين وبينهما ُأ ُمور ُمشتبهات َل‬
‫للسلعة المباحة «الحالل ب ّين»‪« ،‬والحرام ب ّين» من خالل األمر الواضح يف‬
‫الواضحة والبيع النظيف الب ّين ّ‬
‫وشرب الخمر ب ّين‪« ،‬وبينهما» بين الحالل والحرام ُأ ُمور ُمشتبهات‪ ،‬ال يعرفه ّن‬
‫والزنا ُ‬
‫كالسرقة ّ‬
‫حرمته؛ ّ‬
‫كثير من النّاس‪ ،‬ما الحل مع هذه األُمور المشتبهة هو اجتناهبا‪ ،‬ولهذا قال ‪« :‬فمن اتّقى‬
‫الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع يف الشبهات وقع يف الحرام»‪ ،‬فالمجرتئ على األمر غير‬
‫‪٦‬‬
‫‪11‬‬

‫الواضح سي ُقوده هذا إلى االجرتاء على الحرام الب ّين هذا ما يتع ّلق بالمفسدات للقلب‪ ،‬من النّوع ّ‬
‫األول‬
‫وهي المفسدات التي ت ُكون من خالل الحواس كاألسماع واألبصار‪.‬‬

‫تنجم عن خلل يعرتي القلب‪،‬‬


‫معروفة ُ‬
‫أمراض ُ‬
‫ٌ‬ ‫‪ ‬النّوع الثّاني‪ :‬من ُمفسدات القلب وهي المشهورة‬
‫والصالح‪ ،‬وهذه‬
‫ّ‬ ‫بعمل قلب نفسه ّ‬
‫ألن القلب يعمل ُيضاد ما ينبغي أن يكون عليه القلب من التّزكية‬
‫األمراض كثيرة؛ لكن كما ُقلت لع ّلنا نُركّز على بعض منها‪:‬‬

‫عمال من أعمال العبادة‬


‫الرؤية بأن ُيريى العبد غيره ً‬
‫والرياء أصله من ُّ‬
‫‪ ‬من أشهُر أمراض القلب‪ :‬الرّياء؛ ّ‬
‫ل ُيمدح لهذا الذي أظهره‪ ،‬فالعمل ُيرى على جسد العبد كأن يتصدّ ق أو كان ُيص ّلي ُ‬
‫فهو يري غيره ومنه‬
‫الرياء‪ ،‬لكن اإلشكال الكامل يف القلب هو أنّه عمل هذا العمل غير ُمخلص عيا ًذا بال ّله وإنما ليراه‬
‫ُس ّمي ّ‬
‫مثال منهم أو يط ُلب ما يط ُلب‪ ،‬المهم أنّه لم ُيرد هبذا العمل وجه ال ّله‪.‬‬ ‫النّاس‪ ،‬يط ُلب ً‬
‫مدحا ً‬

‫تماما؛ فالمخلص هو الذي ص ّفى العمل ونقاه من ّ‬


‫أي شائبة من شوائب‬ ‫الرياء ُمضاد لإلخالص ً‬
‫الشرك وأراد بالعمل وجه ال ّله‪ ،‬أ ّما المرائي؛ فالمرائي بضدّ ذلك عمل العمل ال ل ّله ولكن عمل العمل‬
‫ّ‬
‫ليراه النّاس ولم ُيرد ال ّله تعالى بعمله هذا‪ ،‬جاء يف الحديث عنه ♥‪ّ « :‬‬
‫أن أخوف ما يخاف‬
‫بالشرك األصغر‪ ،‬وضرب له ً‬
‫مثاال بقوله ‪ُ « :‬هو‬ ‫على األُمة هو ّ‬
‫الرياء»‪ ،‬وسماه ‪ّ ‬‬
‫الصالة ليست من عادته‪ ،‬أي‪ :‬قد‬ ‫الرجل ُيص ّلي فيطيل صالته لما يرى من نظر ُ‬
‫رجل»‪ ،‬هذه اإلطالة يف ّ‬ ‫ّ‬
‫الحكام أو‬
‫رج ًال من النّاس من ُ‬
‫مثال يف ثالث دقائق‪ ،‬لكن دخل إلى المسجد ورأى ُ‬ ‫ُيص ّلي ّ‬
‫الركعتين ً‬
‫فبدال من أن ُيص ّلي ّ‬
‫الركعتين يف‬ ‫الت ُّّجار أو من ذوي الوجاهة فأراد أن ُيظهر أمامه أنّه من أهل العبادة‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫صالة طويلة‪،‬‬ ‫الشخص أنّه صاحب‬ ‫صالها يف عشر دقائق‪ ،‬هذه الدّ قائق التي زادها ُيري هذا ّ‬
‫ثالث دقائق ّ‬
‫أن هذا العمل يحبط بالك ّل ّية‬ ‫الخشوع عيا ًذا بال ّله‪ ،‬نسأل ال ّله العافية ّ‬
‫والسالمة‪ ،‬وال شك يف ّ‬ ‫وأنّه من أهل ُ‬
‫الرياء فإنّه يحبط ويفسد عيا ًذا باهلل‪ ،‬الرياء ال شك يف خطره ولهذا خافه ّ‬
‫الصحابة‬ ‫أي عمل ُيقارنه ّ‬
‫ويفسد‪ُّ ،‬‬
‫‪ ‬على أنفسهم كما يف قول ابن أبي ُمليكة ‪« :‬أدركت ثالثين من أصحاب النبي ‪‬‬
‫ُلهم يخاف النّفاق على نفسه» ما ُمراده بالنّفاق ُهنا؟! ما يتع ّلق ّ‬
‫بالرياء‪ ،‬فهم يخافون على أنفسهم من هذه‬ ‫ك ُ‬
‫المنكر أو‬
‫النّاحية أن يكون يف بعض أعمالهم أو يف بعض مواقفهم أو أمرهم بالمعروف أو هنيهم عن ُ‬
‫الصحابة ‪‬‬
‫الصحابة ‪ ،‬وإذا خاف هؤالء ّ‬
‫وهم ّ‬
‫الرياء ُ‬
‫دعوهتم يخشون أن تتضمن شي ًئا من ّ‬
‫‪12‬‬

‫فغيرهم من باب ُأولى‪« ،‬أدركت ثالثين من أصحاب النبي ‪ ‬ك ُ‬


‫ُلهم يخاف النّفاق على نفسه»؛‬
‫الرياء‪« :-‬وال ّله ما خافه ّإَل ُمؤمن وَل أمنُه ّإَل ُمنافق»‪ ،‬من طبع‬
‫ولهذا قال الحسن البصري ‪- ‬يف ّ‬
‫الرياء‪ ،‬يخشى أن ت ُكون بعض أعماله ُمرادا هبا غير وجه ال ّله‪ ،‬وهذا ال يؤمن يف‬
‫المؤمن أنّه يخاف من ّ‬
‫ُ‬
‫الحقيقة‪ ،‬ال ُيؤمن أبدً ا‪ ،‬والنُّفوس لها كما ي ُقول ابن الق ّيم ‪– ‬كمائن‪« -‬واحذر كمائن نفسك ّ‬
‫الالتي‬
‫كسرا ُمهانا»‪ ،‬النُّفوس لها مقاصد ولها خبايا ولها نوازع ُمعينة‪ ،‬قد يخفى على‬
‫متى خرجت عليك كسرت ً‬
‫نفسه ود ّقق يف حساباته لماذا ق ّلت كذا؟ لماذا‬
‫العبد يف بعض األحيان مقصده من عم ٍل ما إذا راجع ُ‬
‫ألن يف المجلس فألن هذا إذا حاسب نفسه‪ ،‬إ ًذا ذاك العمل وذاك الكالم‬
‫تصرفت بكذا؟ يجد أنّه قال كذا ّ‬
‫المؤمن قد‬
‫المؤمن؛ ألن ُ‬
‫الرياء يخاف منه ُ‬
‫كون ّ‬
‫وذاك الحماس كان الغرض منه أن يراين فألن هذا معنى ّ‬
‫يأ ُمر بمعروف قد ينهى عن ُمنكر قد ُيص ّلي قد يتصدّ ق قد يد ُعو إلى ال ّله‪ ،‬واألصل يف هذه األعمال أن‬
‫ت ُكون ل ّله مخلصة ممحضة‪ ،‬لكن النّفس قد تغر صاحبها وقد ينطوي القلب على ش ٍ‬
‫يء من المقاصد‬ ‫ُ‬
‫الدّ نيئة التي تن ُظر النّفس فيها إلى غير ال ّله تعالى وهذا وجه ُخ ُطورة ّ‬
‫الرياء أنّه يف بعض األحيان يكون غير‬
‫المؤمن على عمله من هذه النّاحية ولهذا قال البخاري ‪ ‬يف «صحيحه»‬
‫واضح فمن ُهنا يخاف ُ‬
‫المؤمن أن يحبط عم ُله ُ‬
‫وهو َل يش ُعر] ُث ّم ذكر فيه كالم ابن أبي ُمليكة أدركت ثالثين من‬ ‫[باب خوف ُ‬
‫الرياء ألنه قد ُيخالط العمل واإلنسان‬
‫وهو ّ‬
‫ُلهم يخاف النّفاق على نفسه‪ُ ،‬‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬ك ُ‬
‫ال يش ُعر عيا ًذا بال ّله‪.‬‬

‫الرياء‬
‫أن بعض النّاس إذا سمع هذا الكالم يف ّ‬ ‫لكن َل ُبدّ من التّنبيه على أمرٍ ُمه ٍم جدًّ ا يف أمر ّ‬
‫الرياء‪ّ ،‬‬
‫مثال ي ُقول أخاف أنّي ُمرائي‪ ،‬يرتُك بعض‬
‫كالصدقة ً‬
‫ّ‬ ‫صار عنده ر ّدة فع ٍل ُمعاكسة؛ بحيث يرتُك العمل‬
‫الرضوخ ّ‬
‫للشيطان‪ ،‬فإ‬ ‫وهو من ُّ‬ ‫الصالحة ي ُقول أخاف أنّي ال ُأريد ال ّله هبا‪ ،‬وهذا خطأ بال ٍّ‬
‫شك‪ُ ،‬‬ ‫األعمال ّ‬
‫الشيطان ُيعطي النّاس يف وساوسه بحسب ك ٍُّل منهم‪ ،‬فا ّلذي يرا ُه ُمح ّبا لل ُّظ ُهور واالشتهار والمدح‪،‬‬ ‫ّ‬

‫العمل حتّى ُيرائي به وا ّلذي قد يجدُ عند ُه نو ًعا من الت ُّ‬


‫ّورع والخوف‬ ‫ُ‬ ‫وتأ ّلف ُأ ُذن ُه مدائح النّاس‪ُ ،‬يز ّين عند ُه‬
‫ول ل ُه ال ُتص ّلي الوتر فإنّك إذا ص ّليت الوتر ورآك بعض من معك فإنك ُترائيهم وتقصدهم‬
‫الرياء قد ي ُق ُ‬
‫من ّ‬
‫الرياء أن‬
‫المقصو ُد بالتّحذير من ّ‬
‫ُ‬ ‫أن هذا خط ٌأ محض‪ ،‬وليس‬
‫فيحمله ذلك على ترك العمل‪ ،‬ال شك ّ‬
‫ُ‬
‫العمل خو ًفا من أن يكون ُهناك ريا ٌء‪.‬‬ ‫الضدّ ‪ ،‬فيرت ُُك‬
‫األمر إلى ّ‬
‫ُ‬ ‫ينقلب‬

‫ابط يف هذه المسألة وال ّله أعلم ما روا ُه اإلمام أحمد ‪ ‬يف‬
‫الض ُ‬
‫‪ ‬ما الضّابطُ يف هذه املسألة؟ ّ‬
‫‪٦‬‬
‫‪13‬‬

‫يجلس فقال ل ُه‬


‫ُ‬ ‫قائما وفجأ ًة يجلس ُث ّم ي ُقو ُم ُث ّم‬ ‫«الزهد» عن ُأويس القرينّ ‪ ‬أ ّن ُه رأى ُ‬
‫رجالً ُيص ّلي ً‬
‫أويس ما شأنُك ُتص ّلي هذه ّ‬
‫الصالة؟ قال أذكر صاليت فأ ُقوم ُث ّم أخاف من ّ‬
‫الرياء فاق ُعد‪ ،‬فقال ل ُه أويس‬
‫الصالة التي ُتص ّليها يف المسجد‪ ،‬ا ّتصلي مثلها يف البيت؟ قال نعم‪ ،‬قال فال عليك إ ًذا لست‬
‫‪ ‬هذه ّ‬
‫أن العمل تعم ُل ُه سوا ٌء رآك النّاس أو لم يروك‪ ،‬فإذا كُنت ستعمل هذا‬
‫الضابط ّ‬
‫الضابط‪ّ ،‬‬‫بمرائي‪ ،‬هذا هو ّ‬
‫الرياء‪ ،‬وكابد نفسك وجاهدها‬ ‫العمل على ك ُّل ٍ‬
‫موجودين فأنت بعيدٌ من ّ‬ ‫موجو ُدون أو غير ُ‬ ‫حال‪ ،‬النّاس ُ‬
‫على تمحيص النّ ّية ل ّله تعالى‪ ،‬فإذا كُنت من طبعك أنّك إذا رأيت الفقير أعطيتُه مبل ًغا من المال‪ ،‬سوا ًء‬
‫أكان يف المسجد أحد أو ليس فيه أحد‪ ،‬فأعطه ُمطل ًقا سواء رآك النّاس أو لم يروك؛ ألن من طبعك أنّك‬
‫شهر على سبيل المثال‪ ،‬وافق ذلك يف يو ٍم من األ ّيام ّ‬
‫أن‬ ‫تصوم ثالثة أ ّيام من ك ُّل ٍ‬
‫تتصدّ ق‪ ،‬وهكذا إذا كُنت ُ‬
‫ستصو ُم هذا اليوم سوا ٌء دعوك إلى‬ ‫وليمة أو نحو ُه ف ُقلت إنّي صائم‪ ،‬ال بأس ألنّك‬ ‫ٍ‬ ‫ُدعيت مثالً إلى‬
‫ُ‬
‫هم جدًّ ا يف أمر تحقيق‬ ‫ٌ‬ ‫ستصوم على ك ُّل ٍ‬
‫ضابط ُم ّ‬ ‫يض ُّرك هذا‪ ،‬هذا‬ ‫حال‪ ،‬فال ُ‬ ‫وليمتهم أو لم يدعوك‪ ،‬أنت ُ‬
‫الرياء‬ ‫العمل على ك ُّل ٍ‬
‫حال فإ ّن ُه يعم ُل ُه سوا ًء رآ ُه الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرياء‪ّ ،‬‬
‫ّاس أو لم يروه؛ ألن ّ‬ ‫سيعمل‬ ‫المؤ ّمن إذا كان‬
‫أن ُ‬ ‫ّ‬
‫ما معنا ُه؟! أن تعمل العمل ليراك النّاس‪ ،‬وذلك يعني ّ‬
‫أن النّاس إذا لم يروك لم تعمل؛ ألن قصدك النّاس‬
‫ّاس يرونك تصدّ قت على هذا المسكين‪ ،‬وإن وجدّ ته وحد ُه ما تصدّ قت ألنّك ال ُتريدُ ّ‬
‫الصدقة‬ ‫ّ‬
‫فإن كان الن ُ‬
‫ُنت ستتصدّ ق على هذا المسكين ت ُقول ال ّله ‪ ‬أغدق علي‬ ‫بقدر ما ُتريد النّاس هذا ّ‬
‫الرياء‪ ،‬أ ّما إذا ك ُ‬
‫يضيرين أن أخذ خمسة رياالت أو عشرة رياالت و ُأعطيه‪ ،‬هذا من طبع طبع فيك فال‬
‫ُ‬ ‫باألُ ُلوف ُ‬
‫المؤ ّلفة‪ ،‬ما‬
‫ٍ‬
‫ترتُ ُك ُه إذا كان النّاس يرونك‪ ،‬تصدّ ق على ك ُّل حال؛ ولهذا جاء عن بعض ّ‬
‫السلف أ ّن ُه قال‪« :‬إذا جاءك‬
‫المقصود هبذا‬
‫ُ‬ ‫المقصو ُد بهذا؟‬
‫ُ‬ ‫الصالة وقال إنّك ُترائي فاطلها»‪ ،‬أي‪ :‬عاند ّ‬
‫الشيطان‪ ،‬ما‬ ‫الش ُ‬
‫يطان وأنت يف ّ‬ ‫ّ‬
‫أن تنام ُتص ّلي بعد‬
‫ُنت ُتص ّلي صال ًة من طبعك مثالً أنّك ُتص ّلي قبل ّ‬
‫الشيطان في ُقول لك إذا ك ُ‬
‫ال يلعب بك ّ‬
‫راتبة العشاء ثالث ركعات ولك فيها ورد ُمعتاد الورد ُمعتاد من طبعك أنّك ُتص ّلي مثالً بعشرين بثالثين‬
‫الصالة في ُقول عندك ضيف اآلن وأنت ُتص ّلي أنت ُترائي هذا‬ ‫الشيطان وأنت ُتص ّلي ً‬
‫دائما هذه ّ‬ ‫آية‪ ،‬فيجيء ّ‬
‫الشيطان عنك ّ‬
‫ألن ّ‬
‫الشيطان كما‬ ‫الضيف‪ ،‬ي ُقول ال ُتصغ ل ُه بل عاند ُه واطلها إطالة حتّى يقطع هذا وسوسة ّ‬
‫ّ‬
‫الرياء حتّى ُيرتك العمل‪.‬‬
‫ف من ّ‬
‫خو ُ‬
‫الرياء ليحبط العمل فإ ّن ُه ُي ّ‬
‫ُيز ّين ّ‬
‫أيضا ألجل ّ‬
‫الشيطان يقع‬ ‫لذلك قال الفضيل ‪« :‬من عمل العمل ريا ًء وقع يف ّ‬
‫الشرك ومن تركه ً‬
‫الشرك»؛ ألنك استجبت ّ‬
‫للشيطان سوا ٌء يف أمرك بمرآة النّاس أو برتكك العمل المعتاد‬ ‫يف نو ٍع آخر من ّ‬
‫‪14‬‬

‫الذي من عادتك أن تعمله‪ ،‬رآك النّاس أو لم يروك فال ُيطاع ّ‬


‫الشيطان‪.‬‬

‫أن بعض النّاس يب ُلغ به يعني المبالغة‬


‫الرياء على الوسوسة‪ ،‬حتّى ّ‬
‫الغرض ّأال يحمل الخوف من ّ‬
‫حرم أنّه يأكُل أو يوم عرفة حتّى يعلم النّاس أنّي غير صائم‪ ،‬ال‬ ‫ّ‬
‫الشديدة أنّه ُيظهر مثالً يف العاشر من ُم ّ‬
‫ويصومه‬ ‫حاجة إلى مثل هذا‪ ،‬صوم يوم عرفة ول ّله الحمد وصوم يوم العاشر ُ‬
‫المحرم كثير جدًّ ا يف النّاس‪ُ ،‬‬
‫ستتعمد الفطر حتى يعلم النّاس أنّك غير صائم هذا من‬
‫ّ‬ ‫األُلوف من المسلمين‪ ،‬فكونك ُتظهر أنّك يعني‬
‫الزاوية‬ ‫الصوم يف هذا اليوم؛ فال ينبغي أن ُيصغي ّ‬
‫للشيطان ال من هذه ّ‬ ‫الشيطان‪ّ ،‬‬
‫الشيطان ُيريدك أن ترتُك ّ‬ ‫ّ‬
‫الزاوية المعاكسة المقابلة لها‪.‬‬
‫وال من ّ‬

‫بمجرد الكالم‪ ،‬بأن ي ُقول‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬أمّا عالج الرّياء ‪-‬أعاذنا ال ّله وإ ّياكم منه‪ -‬عالج ّ‬
‫الرياء يا إخوة!! ال يكون‬
‫اإلنسان افعل كذا ونفعل كذا والواجب كذا‪ ،‬هذا سهل ك ُّل أحد يستطيع أن ي ُقوله حتّى المرائي‪ ،‬حتّى‬

‫الرياء ريا ًء نسأل ال ّله ّ‬


‫السالمة والعافية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ويحذر من ّ‬ ‫الرياء ريا ًء عيا ًذا بال ّله‬
‫المرائي يستطيع أن يتحدّ ث عن ّ‬
‫الرياء‬ ‫الشأن يف ُو ُصول هذا العالج إلى القلب ّ‬
‫ألن ّ‬ ‫يستطيع الكالم سهال يف هذه األُمور؛ لكن ّ‬
‫الشأن ك ُّل ّ‬
‫مرض قد أصاب القلب‪.‬‬
‫ٌ‬

‫الرياء من خالل ُأ ُمور أعظمها وأجلها على اإلطالق‪ :‬صدّ ق ال ُّلجوء إلى ال ّله ‪‬‬
‫فيكون عالج ّ‬
‫الرب ‪ ‬بأن ُينجي العبد من هذا‬
‫الرياء؛ ولهذا جاءت بعض النّصوص يف ُدعاء ّ‬
‫بالعافية من ّ‬
‫الدّ اء ال ُعضال‪ ،‬ففي الدُّ عاء المشهور‪« :‬ال ّلهم طهر قلبي من النّفاق‪ ،‬وأعمالي من ّ‬
‫الرياء ولساين من الكذب‬
‫أيضا‪« :-‬ال ّلهم إنّي أ ُعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم‪،‬‬
‫وعيني من الخيانة»‪ ،‬ومن ذلك الدُّ عاء المشهور – ً‬
‫الشرك يف هذه األُمة أخفى‬
‫الرياء يف هذه األُمة أن ّ‬
‫أن ّ‬‫وأستغفرك لما َل أعلم»‪ ،‬لما ذكر النبي ‪ّ ‬‬
‫السوداء على الصفات الملساء يف ال ّليلة ال ّظلماء أمر عظيم جدًّ ا‪ ،‬سأل أبو بكر ‪ ‬عن‬
‫من دبيب النّملة ّ‬
‫فوجهه ‪ ‬إلى هذا الدُّ عاء الذي ينبغي أن يحفظه المسلم وأن ُيردده‬
‫السالمة من هذا الدّ اء ّ‬
‫ّ‬
‫ألن بعض األُمور‬
‫ويكرره‪« :‬ال ّلهم إنّي أ ُعوذ بك أن أشرك بك شيء وأنا أعلم‪ ،‬وأستغفرك لما َل أعلم»؛ ّ‬
‫ّ‬
‫كما ُقلت النُّفوس فيها مقاصد فال تعلم وال تتضح‪« ،‬ال ّلهم إنّي ُ‬
‫أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم»‪ ،‬يعني‬
‫تصدقت عمدً ا ليراين النّاس‪ ،‬أ ُعوذ بك ّ‬
‫أن أشرك على هذا الحال وأنا أعلم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إين حين تصدقت إنّما‬
‫مما قد ال أتفطن له وال أستبينه‪.‬‬
‫«واستغفرك لما َل أعلم» ّ‬
‫‪٦‬‬
‫‪15‬‬

‫للرياء بعد توفيق ال ّله ‪ ،‬النّظر يف فضيلة اإلخالص وهي ُمعاكسة ّ‬


‫للرياء‪،‬‬ ‫أيضا العالج ّ‬
‫ومن ذلك ً‬
‫وما جاء فيها من النّصوص العظيمة الدالة على عظم قدر اإلخالص‪ ،‬يف حديث السبعة الذين ُيظ ُّلهم ال ّله‬
‫ظل ّإال ظ ُّله‪ ،‬ذكر النبي ‪ ‬منهم ً‬
‫رجال تصدّ ق بصدقة فمن شدّ ة إخفائه للعمل‬ ‫يف ظ ّله يوم ال ّ‬
‫فأخفاها حتّى ال تع ّلم شماله ما ُتنفق يمينه‪ ،‬أي أهنا صدقة خف ّية لم يعلم هبا أحدٌ أبدً ا‪ ،‬من شدّ ة حرصه‬
‫الصدقة‪ ،‬عاقبة هذا المخلص أن النّاس يف عرصات القيامة حين تدنى ّ‬
‫الشمس‪ ،‬وتقرتب من‬ ‫على إخفاء ّ‬
‫ظل ّإال ظ ُّله ومنهم هذا الرجل‬
‫الخالئق مقدار ميل فثمة سبعة أصناف ُيظ ُّلهم ال ّله يف ظ ّله يوم ال ّ‬
‫بصدقة فأخفاها حتّى ال تع ّلم شماله ما ُتنفق يمينه‪ ،‬ذكر ابن حجر ‪ ‬حدي ًثا يف‬‫ٍ‬ ‫المخلص‪ ،‬تصدّ ق‬
‫أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬لما خلق ال ّله األرض صارت تميد –‬
‫«فتح البارئ» وذكر أنّه بسند حسن ّ‬
‫تضطرب‪ -‬فارساها بالجبال فقالت المالئكة يا ر ّبي هل شي ٌء من خلقك أعظم من الجبال؟ ‪-‬ألن الجبال‬
‫عظيما جدًّ ا‪ ،-‬فقال ال ّله ‪ :‬نعم‪ ،‬الحديد‬
‫ً‬ ‫لما أرست األرض وك ّفت عن االضطراب كانت خل ًقا‬
‫تقطع الجبال ‪-‬يقطع الجبال‪ ،-‬فقالت يا ر ّبي هل شي ٌء من خلقك أعظم من الحديد؟ قال‪ :‬النّار ‪-‬ألن‬
‫النّار كما هو مع ُلوم ُتذيب الحديد‪ ،-‬فقالت يا ر ّبي وهل شي ٌء من خلقك أعظم من النّار؟ قال الماء‪،‬‬
‫ُيطفئ النّار‪ ،‬قالت يا ر ّبي وهل شي ٌء من خلقك أعظم من الماء؟ قال ابن آدم يتصدّ ق بيمينه فيخفيها عن‬
‫شماله»‪ ،‬هذا من أعظم ما يكون من المقامات‪.‬‬

‫ومن أكثر النّاس قدر ًة على إخالص العمل وتوجيهه ل ّله فشأنه ُأعجب من شأن الجبال ّ‬
‫الراسيات‪،‬‬
‫وهو من ال ّله بمقا ٍم ٍ‬
‫كبير جدًّ ا؛‬ ‫ومن شأن الحديد التي تقطعها ألنه قد انطوى قل ُبه على إخالص عظيم‪ُ ،‬‬
‫ولهذا استعظم عم ُله هذا أعظم من عمل الجبال والحديد والماء والنّار‪ّ ،‬‬
‫فمما ُيساعد على السالمة من‬
‫وهو اإلخالص‪ ،‬وما الذي يجتلبه لصاحبه من حميد المقام عند ال ّله ‪.‬‬
‫الرياء ُ‬
‫الرياء النّظر يف ضدّ ّ‬
‫ّ‬

‫الصالح ‪ ‬وأرضاهم‪ ،‬وما‬


‫للسلف ّ‬
‫السير الكريمة ّ‬ ‫مما ُيساعد بإذن ال ّله تعالى على عالج ّ‬
‫الرياء ّ‬ ‫ّ‬
‫ولهم يف‬
‫الصدق مع رهبم وحرصهم على إخفاء أعمالهم‪ ،‬وجعلها فيما بينهم وبين رهبم‪ُ ،‬‬
‫كانُوا عليه من ّ‬
‫يدرون بعمل والدهم‪ ،‬يعمل العمل بينه وبين ال ّله‪ ،‬ما‬ ‫هذا عجائب من إخفاء العمل حتّى ّ‬
‫إن أهل البيت ال ُ‬
‫السلف ‪ ،‬واقرتبت وفاته بكت‬
‫ُيقال ال يدري به جيرانه‪ ،‬بل ال يدري به أهل بيته‪ ،‬لما احتُضر أحد ّ‬
‫تتزوج فقال ال ُأريد منك ُدون هذا ال تتزوجي‬
‫الرجال حرا ٌم على بعدك قصدها أهنا لن ّ‬
‫امرأته وقالت له ّ‬
‫أخي محمدا فيشرب الخمر يف بيتي بعد أن كان يختم فيه القرآن ك ُّل ثالث أيام؛ فما كانُوا يعرفون كم‬
‫‪16‬‬

‫ختماته حتّى قال هذه الكلمة‪ ،‬وكان يختم طوال هذه الفرتة ك ُّل ثالثة أيام وال يدرون؛ لكن لما قالت‬
‫الرجال علي حرام قال ال ُأريد هذا لكن أنا أخشى إن مت أن تتزوجي أخي؛ ألن هذا كان من شأن النّاس‬
‫ّ‬
‫الزوج زوجته يف كثير من األحيان حتّى يحتضن أوالد أخيه‪ ،‬قال أنا‬ ‫يتزوج ُ‬
‫أخو ّ‬ ‫إذا ُتوفيت ّ‬
‫الزوجة أن ّ‬
‫تتزوجي أخي ُمحمدا‪ ،‬وكان ُ‬
‫أخوه هذا من أصحاب الخمر‪ ،‬قال فيشرب الخمر يف بيتي بعد أن‬ ‫أخشى أن ّ‬
‫كان يختم ال ُقرآن يف بيته ك ُّل ثالث ليالي‪ ،‬ي ُقول ّ‬
‫الراوي فما كانُوا يعرفون ختماته حتّى نطق‪ ،‬زوجته وأهله‬
‫فلهم يف هذا عجائب من إخفاء العمل والخبيئات بينهم وبين ال ّله ‪ ،‬إذا قرأ‬
‫ما يدرون كم يختم‪ُ ،‬‬
‫الرياء‪.‬‬
‫السير الكريمة وتأمل يف عاقبة اإلخالص وتأمل يف عاقبة ّ‬
‫اإلنسان هذه ّ‬

‫‪ ‬الرّياء ما عاقبته؟!‬
‫ثم أن ُيبعدك ال ّله ‪ ‬وأن يم ُقتك وأن يغضب عليك وأن ُيعاقبك على هذا‬
‫أن يمدحك النّاس ّ‬
‫الرياء نار‬
‫الرياء؛ فالفرق بين عمل ُمخلص وعمل المرائي؛ كالفرق بين الماء والنّار‪ّ ،‬‬
‫العمل هذه عاقبة ّ‬
‫وهو مدح النّاس وثناء‬
‫الرياء ُ‬ ‫ُملتهبة عيا ًذا بال ّله واإلخالص كالماء البارد ُ‬
‫المطفأ للنّار‪ ،‬فانظر يف عاقبة ّ‬
‫النّاس وشكرهم لك وذكرهم لك ُث ّم ستأخذ عواقب هذا عيا ًذا بال ّله بالقيامة؛ ولهذا روى ُم ٌ‬
‫سلم يف‬
‫ممن لم ُيرد ال ّله تعالى‬
‫«صحيحه»‪« :‬أن ّأول من ُتس ّعر هبم النّار ثالثة أشخاص» ‪-‬عيا ًذا بال ّله‪ ،-‬كُل ُهم ّ‬
‫فرجل تع ّلم العلم فيأيت يأيت ال ّله ‪ ‬به يف القيامة فيعرفه بنعمه فيعرفها فيسأله ال ّله ‪‬‬
‫ٌ‬ ‫بعمله‪ ،‬أولهم‬
‫عن هذه النّعمة في ُقول تعلمت العلم فيك يعني ألجلك وقرأت ال ُقرآن فيك في ُقول ال ّله كذبت تعلمت‬
‫العلم ليقال عالم وقرأت ال ُقرآن ليقال قارئ فقد قيل ُث ّم ُيؤمر به فيسحب على وجهه إلى النّار‪ ،‬و ُيؤتى‬
‫سبيال من ُس ُبل الخير ّإال بذلت فيك‪ ،‬في ُقول ال ّله‬
‫ً‬ ‫أترك‬
‫لم ُ‬‫برج ٍل جواد فيعرفه ال ّله بنعمة فيعرفها‪ ،‬في ُقول ّ‬
‫كذبت وإنما أنفقت ليقال جواد يعني يف الدُّ نيا فقد قيل‪ُ ،‬ث ّم ُيؤمر به فيسحب على وجهه إلى النّار‪،‬‬
‫وال ّثالث ُمجاهد‪ ،‬ي ُقول جاهدت فيك‪ ،‬في ُقول ال ّله كذبت ولكنّك جاهدت ليقال جريء يعني ُشجاعا فقد‬
‫قيل يعني يف الدُّ نيا ُث ّم ُيؤمر به فيسحب على وجهه إلى النّار‪ ،‬قال ‪« :‬فهؤَلء ّأول ثالثة تُس ّعر‬
‫ُلهم ُيراؤون نسأل ال ّله العافية هذا ُيرائي بالعلم وهذا ُيرائي بالجهاد وهذا ُيرائي دعوى‬
‫بهم النّار»‪ ،‬ك ُ‬
‫الرياء ما هي؟ أن بدأ هبم عيا ًذا بال ّله وسحبوا وفضحوا أمام الخالئق إلى جهنّم‬
‫والصدقة‪ ،‬عاقبة ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلنفاق‬
‫مما‬
‫الرياء من عاقبة اإلخالص؟! يتد ّبر العاقل وينظر يف عاقبة هذا وهذا‪ ،‬وهذا ّ‬
‫وبئس المصير‪ ،‬أين عاقبة ّ‬
‫حججت كذا وفعلت كذا وأنا‬
‫ُ‬ ‫ُيع ّين اإلنسان أل ّن بعض النّاس من دأبه وطريقته أن يتحدّ ث عن نفسه‪،‬‬
‫‪٦‬‬
‫‪17‬‬

‫الرياء أبدً ا صادق‪ ،‬يعني‬ ‫أصلي كذا وأنا أختم كذا ال شك ّ‬


‫أن بعض النّاس قد يقولها وال يكون يف ذهنه ّ‬
‫يتحدّ ث عمن هو نعمة من نعم ال ّله عليه‪.‬‬

‫لكن األصل إخفاء هذه األُمور‪ ،‬واإلنسان ما يجلس ُيخرب بأعماله وأن من شأنه أنّه يفعل كذا وكذا‪،‬‬
‫مر ًة يف السنة وأنا أختمه ك ُّل شهر‬
‫يتأسى به في ُقول أنتُم ال تختمون ال ُقرآن ّإال ّ‬ ‫ال ّل ّ‬
‫هم ّإال لو أراد بذلك أن ّ‬
‫ليحرضهم لكن األصل ّ‬
‫أن العمل يكون خبيئة بين العبد وبين ر ّبه ّإال إذا أراد إذا أراد أن ّ‬
‫يتأسى به‬ ‫ي ُقول ّ‬
‫ولهذا قال ال ّله تعالى يف شأن ّ‬
‫الصدقة‪ { :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ} [البقرة‪ ، ]271:‬هو‬
‫محل ُقدوة‪ ،‬فيتصدّ ق على‬ ‫وهو األجود‪ ،‬وإن ُأظهرت لغرض أن ُي ّ‬
‫تأسى باإلنسان كأن يكون ّ‬ ‫األحسن ُ‬
‫إنسان يقتدي به غيره فال بأس؛ لكن األصل أن اإلنسان ال يتحدّ ث عن أعماله ويزكّي نفسه وأنّه يفعل كذا‬
‫الرياء‬
‫مما ُيعينه على العافية من ّ‬ ‫وكذا ألن النُّفوس ال ُتؤمن أن يكون ُمرادها ُمرا ًدا س ّي ًئا‪ ،‬فيالحظ ُ‬
‫المؤمن ّ‬
‫أن ُيالحظ هذا األمر‪ ،‬أن ين ُظر يف عاقبة ّ‬
‫الرياء ويف عاقبة اإلخالص‪.‬‬

‫اإلخالص نسأل ال ّله الكريم فض ُله هو الذي يبقى من األعمال فقط‪ ،‬هو الذي ينفع يف اآلخرة؛ ألن ال ّله‬
‫‪ ‬ي ُقول‪« :‬ا ّلذين ُيراؤون يف القيامة‪ ،‬اذهبوا إلى ا ّلذين كُنتُم تراؤوهنم يف الدُّ نيا فانظروا هل‬
‫فلسا ما عنده شيء‪ ،‬حتّى لو كان يتصدّ ق بألوف األُلوف من‬
‫تجدُ ون عندهم جزاء أعمالكم؟» يأيت ُم ً‬
‫الشرك‬ ‫الرياالت كُلها تضيع هبا ًء من ُثور‪ ،‬نسأل ال ّله العافية؛ ولهذا قال ال ّله تعالى‪« :‬أنا أغنى ُّ‬
‫الشركاء عن ّ‬ ‫ّ‬
‫الرياء‪ ،‬وترك‬
‫المؤمن على ترك ّ‬
‫مما ُيساعد ُ‬
‫عمال أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»؛ فهذا ّ‬
‫من عمل ً‬
‫محاولة جذب النُّفوس إليه‪ ،‬وتحبيبها إليه وأن النّاس يتحدّ ثون عنه‪ ،‬النُّفوس من طبعها مح ّبة هذا‪ ،‬تأ ّلف‬
‫هذا‪ ،‬واآلذان يرق لها هذا وال يستطيع أحد أن ُيزكّي نفسه وي ُقول إنّي ال ُأحب هذا؛ لكن على اإلنسان أن‬
‫بغيضا ممقو ًتا عند ال ّله‬
‫ُيكابد نفسه وأن ُيجاهدها وأال يرضى لها بالدُّ ون بأن يمدحها النّاس وي ُكون ً‬
‫والسالمة‪ ،‬يحرص على ُمراد ال ّله ‪ ‬ويقصد بعمله وجه ال ّله ول ُيبشر؛‬
‫‪ ‬نسأل ال ّله العافية ّ‬
‫ألنه إن أراد هذا قصدً ا فإن مح ّبة النّاس تأيت تب ًعا‪.‬‬

‫أحب ُفالنًا فأح ّبه‪،‬‬


‫ّ‬ ‫أحب ال ّله ‪ ‬عبدً ا نادى يف ّ‬
‫السماء يا جبريل نادي يا جبريل إنّي‬ ‫ّ‬ ‫ولهذا‪« :‬إذا‬

‫إن ال ّله ُيحب ُفالنا فأحبوه‪ ،‬فيحبه أهل ّ‬


‫السماء ُث ّم‬ ‫السماء ّ‬ ‫فيحبه جبريل ُث ّم ُينادي يف أهل ّ‬
‫السماء‪ ،‬يا أهل ّ‬
‫تُوضع له المح ّبة يف األرض ‪-‬أو قال‪ :‬القبول يف األرض‪ ،»-‬هذا يأيت به ال ّله ‪‬؛ لكن ال يكون هو‬
‫مما ينبغي أن ُيكابد اإلنسان نفسه عليه‪ ،‬حتّى ال تخذ ُله ويقع يف االغرتار‬
‫همتك‪ ،‬هذا ّ‬
‫قصدك وال يكون هو ّ‬
‫‪18‬‬

‫بعمله مما ُيفسد عليه عم ُله عيا ًذا بال ّله‪.‬‬

‫والشأن فيه عيا ًذا بال ّله يعني دا ٌء وخيم‪ ،‬وشديد‬ ‫الرياء ال ّ‬
‫شك أنّه طويل وواسع ومتشعب‪ّ ،‬‬ ‫والكالم يف ّ‬
‫وله ُصور ويعني مظاهر تار ًة يكون من أهل ال ّثراء والمال‪ ،‬وتار ًة يكون من ذوي العلم‪ ،‬وتار ًة يكون من‬
‫إن‬ ‫فهو دا ٌء يقع فيه من يكون عنده علم ومن يكون بال علم نسأل ال ّله العافية ّ‬
‫والسالمة؛ ولهذا ُقلنا ّ‬ ‫غيرهم ُ‬
‫الصحابة ‪ ‬خا ُفوه‪.‬‬
‫ّ‬

‫من أعظم ما ُيع ّين عليه بعدما ذكرنا‪ :‬الحرص على خبيئة العمل‪ ،‬يحرص اإلنسان على أن يكون بينه‬
‫وبين ال ّله تعالى أعمال ال يطلع عليها ّإال ر ُّبه ‪ ،‬ومن ذلك على سبيل المثال‪ :‬الصدقات‪،‬‬
‫السهل أن ُيوصل اإلنسان صدقته من خالل التّحويالت المالية هباتف الجوال ولم‬
‫فالصدقات اآلن من ّ‬
‫يطلع أحد على هذه الصدقة هنائ ًّيا‪ ،‬كأن يكون هناك حساب خيري فيرسل إليه هذه الصدقة‪ ،‬ما يدري أحد‬
‫هو تو ّلي العمل ّية بنفسه وانتقل المال الذي حوله إلى الحساب لتلك الجهة ُدون أن يدري أحدٌ أبدً ا ما‬
‫يعلم هبذا ّإال ال ّله‪ ،‬ومن ذلك إيصال الصدقات العين ّية ونحوها خف ّية من ّ‬
‫السهل ومن الممكن أن ُيوصل‬
‫صدقات عينية خف ّية يضع بعض الصدقات عند بيت من ال ُبيوت أو نحوها ويطرق عليهم الباب وإذا شعر‬
‫فتحوا الباب مضى مشى‪ ،‬النّاس هؤالء الفقراء إذا وجدُ وا هذه األشياء قد جلبت إلى باهبم وجعلت‬
‫أهنُم ُ‬
‫عند باهبم يفهمون أهنا قد أوصلت إليهم فيمضي ويأخذها أه ُلها‪ ،‬حتّى المتصدّ ق عليه ما يدري من‬
‫الصدقة‪.‬‬
‫صاحب ّ‬
‫الحاصل ّ‬
‫أن خبيئات األعمال هذه‪ ،‬خبيئات األعمال كثيرة يستطيع اإلنسان أن يكون له خبيئات من‬

‫األعمال ال ي ّطلع عليها ّإال ال ّله ‪ ‬تكون فيما بينه وبين ر ّبه ُسبحانه‪ ،‬هذا ّ‬
‫مما ينبغي الحرص‬
‫والمضرة للقلب أعاذنا ال ّله وإ ّياكم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهو دا ٌء من األدواء المفسدة‬ ‫عليه‪ ،‬هذا فيما يتع ّلق بأمر ّ‬
‫الرياء ُ‬

‫ّ‬
‫ويشمخر بأنفه‪ ،‬ويرى‬ ‫ضررا بالغًا‪ :‬داء الكرب‪ ،‬بأن يرفع العبد نفسه‬
‫ً‬ ‫المضرة بالقلب‬
‫ّ‬ ‫أيضا‬
‫من األمراض ً‬
‫نفسه شي ًئا ال نظير له وال ُيوصل إليه؛ ولهذا تجدُ ه يزدري النّاس‪ ،‬هذه من عالمة المتك ّبر‪ ،‬ما عنده أحد‬
‫المتأخرين ال من أهل العلم‪ ،‬ال من غيرهم‪ ،‬تجد ّ‬
‫أن عنده غطرسة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُيساوي شي ًئا‪ ،‬ال من المتقدّ مين وال من‬

‫هذا الدّ اء يف القلب عيا ًذا بال ّله‪ ،‬يعني هذه الت ُّ‬
‫ّصرفات أهنا نابعة من داء عظيم يف القلب‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪٦‬‬
‫‪19‬‬

‫‪‬من أسباب الكرب‪:‬‬

‫‪-‬سبب الكرب المال قال ال ّله تعالى‪{ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ } [العلق‪ ،]7-6:‬كثير من‬
‫النّاس يطغى بالمال‪.‬‬

‫‪‬من أسباب الكرب‪:‬‬


‫يتبوأها اإلنسان‪.‬‬
‫‪-‬الجاه والمنصب والمكانة التي ّ‬

‫‪‬من أسباب الكرب‪:‬‬


‫‪-‬التّك ُّبر والتّر ُّفع بسبب األنساب‪ ،‬فيرى أنّه من ذوي األنساب العالية ويزدري من سواه من ذوي‬
‫األنساب األُخرى‪.‬‬

‫‪‬من أسباب الكرب‪:‬‬


‫ٍ‬
‫معلومات كثيرة؛ لكن ال زكاة لقلبه‬ ‫وهو من أعجبها وأغرهبا العلم‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن بعض النّاس يجمع‬ ‫‪ُ -‬‬
‫هبا نسأل ال ّله العافية‪ ،‬في ُكون واسع اال ّطالع لكن الدّ اء يف القلب‪ ،‬فيصاب بالكرب بسبب كثرة ما عنده من‬
‫معلومات وأسباب الكرب كثيرة‪.‬‬

‫أن الكرب عيا ًذا بال ّله له أسباب‪ ،‬وذكرنا أسبا ًبا ُمعينة منها وهي كثيرة غير هذه‬
‫تقدُّ م الكالم عن ّ‬
‫األسباب ُتوجد األسباب؛ لكن هذه بعض منها‪.‬‬

‫‪ ‬ماذا عن خطر الكرب؟‬


‫أن الكربياء صفة من صفات ال ّله ‪ ،‬وأن من أسمائه ‪ ‬المتك ّبر‪ ،‬فمن تكرب‬
‫نحن نعلم ّ‬
‫من العباد فقد نازع ال ّله صف ًة من صفاته‪ ،‬وقد توعده ر ُّبه تعالى بأنه سيقسمه إن فعل ذلك‪ ،‬نسأل ال ّله‬
‫العافية؛ فالعظمة والكربياء هذه ل ّله ‪ ‬فمن نازع ال ّله تعالى فيهما قسمه‪.‬‬

‫‪ ‬كيف يُحشر املتكبّر يف القيامة؟‬


‫الذر‪ ،‬يطأهم النّاس بأقدامهم‪ ،‬نسأل ال ّله‬
‫يحشرون يف القيامة أمثال ّ‬ ‫جاء يف الحديث ّ‬
‫أن المتك ّبرين ُ‬
‫الرفعة التي ليست يف مح ّلها يف‬
‫والسالمة‪ ،‬جزا ًء وفاقا على خبيث فعلهم‪ ،‬لما رف ُعوا أن ُفسهم هذه ّ‬
‫العافية ّ‬
‫الذر الصغير النّمل الصغير‪ّ ،‬‬
‫والذ ّر من شأن النّاس‬ ‫الزحام الهائل يف القيامة أمثال ّ‬ ‫الدُّ نيا ُ‬
‫يحشرون يف ذاك ّ‬
‫تطؤه ال ال تتف ّطن له‪ ،‬فيطؤهم النّاس عيا ًذا بال ّله بأقدامهم نظير هذا الفعل القبيح‪ ،‬الكرب أعاذنا ال ّله‬
‫أهنا ُ‬
‫‪20‬‬

‫يدخ ُل الجنّة من‬


‫وإ ّياكم منه‪ ،‬ممنُوع حتّى اليسير منه‪ ،‬وهذا من أخطر ما يف الكرب‪ ،‬جاء يف الحديث‪« :‬أ ّن ُه َل ُ‬
‫والسالمة؛ ولهذا لما حدث عبد ال ّله بن عمرو بن‬ ‫ذر ٍة من كبرٍ»‪ُ ،‬‬
‫نسأل ال ّل ُه العافية ّ‬ ‫كان يف قلبه مثقال ّ‬
‫العاص ‪ ‬حدث هبذا الحديث عبد ال ّله بن ُعمر ‪ ‬بكى عبد ال ّله بن ُعمر فسأل عن الذي أبكا ُه فقال‬
‫يدخ ُل الجنّة من كان يف قلبه مثقال ح ّبة‬
‫ّبي ‪ ‬قال‪َ« :‬ل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫أال تسمع إلى ما يقول هذا؟ يقول إن الن ّ‬
‫أن أمر الكرب خطير للغاية وعلي ّ‬
‫أن‬ ‫ذر ٍة من كبر» وهذا ُّ‬
‫يدل عيا ًذا بال ّله على ّ‬ ‫ُ‬
‫مثقال ّ‬
‫ٍ‬
‫خردل من كبر أو قال‬
‫اليسير من ُه فيه هذا الوعيد‪.‬‬

‫ومر ًة ُأخرى ال عالج لهذه األدواء ُع ُمو ًما ّإال بال ُّل ُجوء‬
‫يحتاج إلى الكالم على عالج الكرب ّ‬
‫ُ‬ ‫ومن ُهنا‬
‫شك أنّك ال‬ ‫أمرا يب ُل ُغ به الفظاع ُة حدً ا أن ت ُكون مثقال ُّ‬
‫الذرة منه حاجب ًة عن الجنّة‪ ،‬ال ّ‬ ‫فإن ً‬‫إلى ال ّله ‪ّ ،‬‬
‫ّبي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫تسلم من ُه إال بم ُعونة من الله تعالى بأن تسأل الله تعالى أن ُيعيذك من هذا الكرب‪ ،‬ويف الدُّ عاء أن الن ّ‬
‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫أيضا‪ ،‬فهذا ٌ‬ ‫شر نفسه ً‬ ‫يتعو ُذ بال ّله من ّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ّ‬ ‫نفسي»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬قال‪« :‬أ ُعو ُذ بك من ّ‬
‫شر‬
‫ومخوف وال شك‪.‬‬
‫ٌ‬

‫المع ّين ُة بعد رحمة ال ّل ُه تعالى على الخالص من الكبر‪ ،‬أن ين ُظر يف سيرة الن ّ‬
‫ّبي ‪‬‬ ‫ور ُ‬‫األُ ُم ُ‬
‫معهم‬
‫دهم ♥‪ ،‬كيف كانت حالة؟ كان ‪ُ ‬يخالط ويأكل ُ‬
‫أرفع ُبني آدم وس ّي ُ‬
‫وهو ُ‬‫ُ‬
‫ّبي ♥ قال صلوات ال ّله وسالمه‬ ‫رجل فصار الرجل يرتعد لما رأى الن ّ‬
‫ُيصغي إليهم لما رآ ُه ُ ٌ‬
‫ٍ‬
‫امرأة من ُقريش تأكل القديد»‪ ،‬أي‪ :‬ال تخف هذه‬ ‫هون عليك‪ ،‬فإنّما أنا ابن‬
‫المتواضعين « ّ‬ ‫عليه وهو س ّيد ُ‬
‫رسول ال ّله ّ‬
‫إن لي إليك حاجة أي‪ :‬أنا‬ ‫المخافة ّ‬
‫الشديدة منّي‪ ،‬لما قالت ل ُه امرأة جارية من الجواري يا ُ‬
‫أي موضع يا ُأ ّم ُفالن‬
‫ألي سكك المدينة ُتريديها أقضي فيها حاجتك‪ ،‬ان ُظري ّ‬ ‫ُأريدُ ك يف ٍ‬
‫أمر قال ان ُظر ّ‬
‫ُتريدين أن ت ُقولي الكالم ا ّلذي ُتريدين أن ُت ّ‬
‫وصليه إلى‪ ،‬ال ُتريد أن ت ُقولي حاجتُها أمام النّاس‪ُ ،‬ان ُظري ّ‬
‫أي‬
‫موض ٍع أنا آت إليك واقضي حاجتك حيث أرضى‪.‬‬

‫توجيه ُه ♥ العا ّم لأل ُ ّمة‪« :‬إن ال ّله أوحى إلى أن تواض ُعوا حتّى َل يفخر أحدٌ‬
‫ُ‬ ‫ومن ذلك‬
‫على ٍ‬
‫أحد وَل يبغي أحدٌ على أحد»‪ ،‬النّاس مع النّعمة مع المساكن الواسعة مع الفارهة مع المآكل مع‬
‫إن ال ّله أوحى‬
‫عندهم هذا ولهذا قال ‪ّ « :‬‬
‫ُ‬ ‫المشارب مع األمن تطغى وتبطر على من لم ي ُكن‬
‫يفخر أحدٌ على أحد»‪.‬‬ ‫إلى أن تواضعوا حتّى َل يبغي أحدٌ على ٍ‬
‫أحد وَل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪٦‬‬
‫‪21‬‬

‫حال أبو بكر ‪،‬‬


‫ول يف هذا‪ُ ،‬‬
‫وأرضاهم‪ ،‬والكال ُم قد ي ُط ُ‬
‫ُ‬ ‫أيضا يف سير ال ّسلف ‪‬‬
‫وهكذا النّظر ً‬
‫عجائز يف المدينة‪ ،‬كان يأيت إليه ّن يف بيتهن ويكنُس ويصلح من‬
‫ُ‬ ‫حتّى إ ّن ُه لما تو ّلى الخالفة كانت ُهناك‬
‫حال البيت‪ ،‬يص ُلح من حال المنزل ويطبخ له ّن ‪‬؛ فلما تو ّلى الخالفة لم تشغل ُه الخالف ُة عن هذا‬

‫تواضعه ‪ ‬وأرضا ُه‪ ،‬واألمثل ُة على هذا كثيرة؛ ولهذا كان عد ٌد من ّ‬


‫السلف‬ ‫واستمر على هذا الحال من ُ‬
‫ّ‬
‫رجالً أكرب منّي ق ّلت هذا سبقني إلى ال ّطاعة‪ ،‬وإذا ُ‬
‫رأيت‬ ‫رأيت ُ‬ ‫السلف ي ُق ُ‬
‫ول‪« :‬إذا ُ‬ ‫رجل من ّ‬ ‫ي ُق ُ‬
‫ول أكثر من ُ‬
‫يفخر‬
‫ُ‬ ‫الصغير وحتّى ال‬
‫يفخر على ّ‬
‫ُ‬ ‫أصغر منّي‪ ،‬ق ّلت هذا قد سبقت ُه إلى المعاصي»‪ ،‬يعني حتّى ال‬
‫ُ‬ ‫من هو‬
‫والصغير ي ُق ُ‬
‫ول أنا سبقت ُه إلى‬ ‫قبلي صام قبلي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أيضا على الكبير‪ ،‬ي ُقول‬
‫الكبير قد سبقني إلى الطاعة صلى ّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ست عشرة سنة فأنا ُعمري يف الخمسين سبقت ُه‬
‫مر ُه ّ‬
‫وع ُ‬
‫الصغير عند ُه معاصي مثالً ُ‬
‫المعاصي إن كان هذا ّ‬
‫السلف‪.‬‬
‫ترتفع وال تتك ّبر‪ ،‬وهذا كثير عن ّ‬
‫ُ‬ ‫ّفس وال‬
‫إلى المعاصي‪ ،‬ما الغرض؟! حتّى تخضع الن ُ‬

‫يحتقرون من ذوي‬
‫ُ‬ ‫خاص ًة مع من قد‬
‫ّواضع ّ‬
‫قصرا على الت ُ‬
‫مما ُيع ّي ُن على الكرب تعويد النّفس وقصرها ً‬
‫ّ‬
‫يبش يف ُو ُجوههم‪ ،‬يتعودوا هذا معهم حتّى لو كانُوا‬ ‫الر ّثة واألحوال الفقيرة فيبدؤهم ب ّ‬
‫السالم ُّ‬ ‫الهيئات ّ‬
‫الشوارع و ُين ّظ ُفها ي ُعو ُد نفس ُه على هذا‪ ،‬يجعل من نفسه هذا ال ّطبع حتّى ال تفخر ّ‬
‫ألن النّفس إذا‬ ‫ممن يقم ّ‬
‫ّ‬
‫المستضعفين فحري ّأال تفخر على غيرهم؛ فهذا ّ‬
‫مما ُيع ّي ُن‬ ‫هؤالء ال ُفقراء ُ‬
‫المزدريين ُ‬ ‫تعودت هذا مع مثل ُ‬
‫ّ‬
‫الصنيع‪.‬‬
‫اإلنسان وي ُعود ُه على مثل هذا ّ‬
‫أن اإلنسان يسعى إلى ترك ولو على ّ‬
‫األقل يف بعض األحيان إلى ترك الرفيع من ال ّثياب‬ ‫أيضا ّ‬
‫لذلك ً‬
‫إن البذاذة من‬
‫والرفيع من المشارب؛ ولهذا جاء عن ُه ♥ أ ّن ُه قال‪ّ « :‬أَل ّ‬
‫والرفيع من المأكل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫يبحث عن‬ ‫ممن‬
‫اإليمان»‪ ،‬أي‪ :‬التّواضع يف اللبس‪ ،‬بأن يكون اإلنسان يف لبسته ال يسعى إلى أن يكون ّ‬
‫ّ‬
‫األقل يف بعض األحيان يعو ُد نفس ُه؛‬ ‫افخري المالبس وعن أفخر أنواع المآكل مثالً ونحوها ولو على‬
‫ولهذا جاء عن ُه ♥ أ ّن ُه ُر ّبما احتفى أحيانًا يعني ُر ّبما مشى حاف ًيا ♥‪ ،‬وكان‬
‫يخصف ♥ نعله يخيط ثو ُبه ويحلب شاته أي‪ :‬بنفسه‪ ،‬تقول عائشة ‪ ‬عنه ♥‪:‬‬
‫الصالة ♥ مع أنّه‬ ‫«كان يكون يف مهنة أهله» يف ُأ ُمور البيت‪ ،‬فإذا حضرت ّ‬
‫الصالة خرج إلى ّ‬
‫س ّيد ُولد آدم صلوات ال ّله وسالمه عليه‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫النّماذج التي ُيمكن أن ُتذكر ُهنا مما ُيع ّين اإلنسان على التّخفيف من غلواء نفسه وتر ُّفعها‪ ،‬ي ُقول أنس‬
‫‪ ‬كان أبو بكر ‪ ‬يخطب‪ ،‬حتّى يقذر الواحد منّا نفسه‪ ،‬فكان أبو بكر ‪ ‬ي ُقول‪-« :‬عن اإلنسان‪-‬‬
‫مر‬ ‫مرتين ‪-‬من أبيه ُث ّم ولدته ُأ ُّمه‪ »-‬هذا هو اإلنسان؛ لذلك قول بعض ّ‬
‫السلف لما ّ‬ ‫خرج من مخرج البول ّ‬
‫به أحد ال ُقواد وكان يمشي ُمتبخرتًا فقال له عرفتني؟ قال نعم عرفتك‪ ،‬كُنت نُطفة مذرة‪ ،‬وتحمل يف‬
‫وغرور‪ ،‬قال هذا أنت‪ ،‬ما الذي‬
‫جوفك العذرة أي‪ :‬يف بطنك‪ ،‬وآخرتك جيفة قذرة؛ ألنه كان يمشي بتبخرت ُ‬
‫يحملك على هذه المشية؟ أص ُلك نُطفة مني‪ّ ،‬‬
‫ثم الذي يف بطنك ّإال القذر‪ ،‬ويف هنايتك ت ُكون جيفة قذرة‪،‬‬
‫قال عرفتني وال ّله‪ ،‬هذا هو حقيقة اإلنسان؛ لذلك أن يتد ّبر اإلنسان يف مثل هذه النُّصوص واآليات‪ ،‬قال‬
‫ال ّله ‪ ‬يف اإلنسان‪ { :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ} [القيامة‪ ]37:‬هذا ّأول اإلنسان‪ ،‬وقال ال ّله ‪ ‬يف موض ٍع‬
‫آخر‪ { :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ} [النحل‪ ، ]78:‬فما يعرف اإلنسان شيء حتّى‬
‫عرفه ال ّله تعالى‪ { ،‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ} [النحل‪ ]78:‬فيما بعد؛ فلذلك صار اإلنسان‬
‫يعرف وإال يف البداية ال يعرف فهي من نعم ال ّله تعالى عليه‪ ،‬قال ال ّله تعالى‪{ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬

‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ} [الروم‪ ]54:‬هذا ّ‬


‫مما يجعل اإلنسان يتد ّبر يف ّأول‬

‫أمره ُث ّم يف هناية أمره ُث ّم يف الحال الذي هو فيه ّ‬


‫مما هو فيه من النّعم‪ ،‬وما يف قوله ‪ { :‬ﯺ ﯻ ﯼ‬

‫ﯽ ﯾ ﯿﰀ} [النحل‪ ]53:‬ف ُكل ما يجعل اإلنسان يطغى ويبطر نعمة؛ فإن كان ّ‬
‫السبب الحامل له على‬
‫فالصحة والعافية‬
‫الص ّحة والعافية؛ ّ‬
‫السبب الحامل له على التّك ُّبر ّ‬ ‫التّك ُّبر هو المال فالمال نعمة؛ ّ‬
‫إن كان ّ‬
‫نعمة ال ّله تعالى‪ ،‬ي ُقول‪ { :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ} [النحل‪ ]53:‬وما دامت نعم ًة من ال ّله ‪ ‬إن حقها‬
‫والشكر؛ ولهذا لما ذكر ال ّله ‪ ‬األسماع واألبصار يف ُمواطن كثيرة جدًّ ا يف ال ُقرآن ُتقرن ُّ‬
‫بالشكر‬ ‫الحمد ُّ‬
‫{ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ } [المؤمنون‪ ،]78:‬ما أكثر ما يغ ُفل عن ُشكر هذه‬
‫النّعم‪ ،‬فكثير كثير من النّاس يطغى ويبطر بسبب النّعم‪ ،‬النّعم هذه من ال ّله حقها أن تشكر؛ فإذا كانت‬
‫حامال للعبد على ّ‬
‫أن على أن يتك ّبر ويتبخرت؛ فهذا مريض القلب ال يفقه وال يعي يعني قلب النّعمة فجعل‬ ‫ً‬
‫ال من أن ت ُكون م ُعونة له على ُشكر ال ّله تعالى جعلها سب ًبا من أسباب ال ُّطغيان والتّك ُّبر كما قال‬
‫النّعمة بد ً‬

‫تعالى‪{ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ } [العلق‪.]7-6:‬‬


‫‪٦‬‬
‫‪23‬‬

‫مرضا ّ‬
‫دق به‬ ‫إن ال ّله تعالى إذا أراد به ً‬
‫خيرا سلط عليه ً‬ ‫ولهذا قال ابن الق ّيم ‪ :‬يف هذا وأمثاله ّ‬
‫رقبته وأرغم به أنفه‪ ،‬ولجأ إلى ر ّبه‪ ،‬يعني هذا اإلنسان الشاب الذي يف كامل نعمته وعافيته إذا أصابه‬
‫مرض أو وقع له حادث ورأى كيف أنّه يحتاج إلى غيره حتّى يف قضاء حاجته‪ ،‬من البول والغائط‬
‫نفسه يقول ابن القيم ‪ ‬بعض األحيان ت ُكون هذه نعمة من ال ّله‪.‬‬
‫انكسرت ُ‬
‫أن بعض النّاس بعد المرض يتواضع ل ّله و ُيزول عنه ذلك ال ُّطغيان وذلك ال ُغرور‬
‫ومن المالحظ ّ‬
‫الذي أصابه؛ فلهذا ت ُكون هذه األمراض يف بعض األحيان نعمة ومنحة للعبد‪.‬‬

‫على ك ُّل حال أمراض ال ُقلوب اسأل ال ّله ّ‬


‫أن ُيعافينا وإ ّياكم منها كثيرة جدًّ ا‪ ،‬وهي أدواء ينبغي للعبد‬
‫وتفحص أفعاله‪ ،‬ومدى ُوقوعه يف هذه األدواء من عدمه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أن يتف ّكر فيها وأن يحرص على ّ‬
‫تفحص نفسه‬
‫الرياء؟ نسأل ال ّله العافية‪ ،‬فيكابد نفسه على اإلخالص‪ ،‬هل هو من أهل ال ُغرور والتّك ُّبر‬
‫هل هو من أهل ّ‬
‫مما ُيعينه على إصالح العمل فيما بينه وبين ر ّبه نسأل ال ّله‬
‫فيسعى إلى حزم نفسه بالتّواضع ل ّله ونحو ذلك ّ‬
‫أن يص ُلح لنا ولكم ال ُقلوب ويحسن لنا العواقب وال ّله المستعان‪ ،‬نسأل ال ّله بأسمائه وصفاته أن يص ُلح‬
‫ُقلوبنا أجمعين وأن يهدينا ُسبل ّ‬
‫السالم‪.‬‬

‫اهلل َع َلى ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬وعلى آله َو َص ْحبِ ِه َو َس َّل َم‪.‬‬


‫اهلل َأ ْع َل ُم؛ َو َص َّلى ُ‬
‫َو ُ‬

‫ألقيت هذه المحاضرة في ليلة السابع‬


‫من شهر جمادى اآلخر سنة ثالثة وثالثين وأربع مئة وألف‬
‫في جامع الهداب‪ ،‬الرياض‬
‫حرسها اهلل دا ًرا لإلسالم والسنة‪.‬‬

‫‪h‬‬

You might also like