Professional Documents
Culture Documents
مجع وترتيب
1
العلم يؤتى ولا يأتي
ذ َ َ َ
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم القائل في كتابه العزيز ﵟقل هل ي َ ۡستَ ِوي ٱَّل
ُۡ َۡ
ِين َي ۡعل ُمون
بﵟ [الزمر ]9 :وصلواته وسلامه على سيد السادات َٰ ونَۗ إ ذن َما َيتَ َذ ذك ُر أُ ْولُوا ْ ۡٱۡلَلۡ َ
ب
َ ذ َ َ ََُۡ َ
ِ وٱَّلِين َل يعلم ِ
سيدنا محمد القائل انما بعثت معلما .1وعلى آله وصحبه أجمعين وعلينا معهم وفيهم آمين.
فقد ثبت عن مالك رضي الله عنه فيما ذكره الدارقطنى فى كتاب الرواة 2عن محمد بن المحبر
بن على الرعينى ،لما قدم هارون الرشيد المدينة ،حضر مالك بن أنس ،فسأله أن يسمع منه
محمد الأمين والمأمون ،فبعثوا إلى مالك فلم يحضر ،فبعث إليه أمير المؤمنين ،فقال :العلم
يؤتى أهله و يوقر ،فقال :صدق أبو عبد الله سيروا إليه ،فساروا إليه هم ومؤدبهم ،فسألوه
أن يقرأ هو عليهم فأبى ،وقال :إن علماء هذا البلد ،قالوا :إنما يقرأ على العالم و يفتيهم مثل ما
وذكر أحمد بن اسحق الحلبي قال :سمعت عمر بن سيار المنبجي يقول :سمعت مالك بن أنس
-رحمه الله :-يقول :وجه إلي هارون الرشيد يسألني أن أحدثه ،فقلت :يا أمير المؤمنين ،إن
سنن ابن ماجه من حديث سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنه 1
2واسم الكتاب الكامل هو أحاديث الموطأ وذكر اتفاق الرواة عن مالك واختلافهم وز يادتهم ونفصانهم
2
العلم يؤتى ولا يأتي
العلم يؤتى ولا يأتي قال :فصار إلى منزلي فاستند معي إلى الجدار فقلت :يا أمير المؤمنين إن
من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم ،قال :فجلس بين يدي ،قال :فقال لي بعد مدة:
يا أبا عبد الله ،تواضعنا لعلمك فانتفعنا به ،وتواضع لنا علم سفيان بن عيينة ،فلم ننتفع به.
وفي ترتيب المدارك للقاضي عياض لما قدم هارون المدينة وجه إلى مالك البرمكي وقال
له قل له احمل لي الكتاب الذي صنفته حتى أسمعه منك فوجد من ذلك مالك واغتم وقال
للبرمكي إقرئه السلام وقل له العلم يزار ولا يزور ،وإن العلم يؤتى ولا يأتي فرجع البرمكي إلى
هارون فأخبره بذلك ،فغضب وأشار عامة أصحاب مالك أن يأتي هارون وقال البرمكي
أعزم عليه حتى يأتيك فإذا بمالك قد دخل فسلم وليس معه كتاب ،فقال له هارون في ذلك
فقال مالك يا أمير المؤمنين إن الله تعالى بعث إلينا محمدا ً صلى الله عليه وسلم وأمر بطاعته
واتباع سنته وأن نرعاه حيا ً وميتا ً وقد جعلك في هذا الموضع لعلمك فلا تكن أول من ضيع
والله لقد رأيت من ليس هو في حسبك ولا نسبك من الموالي وغيرهم يعز هذا العلم و يجله
و يوقر حملته فأنت أحرى أن تجل علم ابن عمك ،ولم يزل يعدد عليه حتى بكى.
3
العلم يؤتى ولا يأتي
ثم قال له حدثني الزهري وذكر حديث ذيل بن ثابت ،كنت أكتب بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله وابن أم
مكتوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد أنزل الله تعالى في فضل الجهاد
ما أنزل وأنا رجل ضرير فهل لي من رخصة ،فقال رسول الله صلى الله عليه سلم ما أدري.
قال زيد وقلمي رطب لم يجف حتى غشي النبي صلى الله عليه وسلم الوحي ووقع فخذه على
فخذي فكادت تندق من ثقل الوحي ثم خلا عنه فقال اكتب يا زيد غير أولى الضرر فقال
يا أمير المؤمنين هذا حرف واحد بعث فيه جبر يل والملائكة مسيرة خمسين ألف عام حتى
أنزل على نبيه أفلا ينبغي لي أن أجله وأعزه؟ قال ،فقال هارون قم بنا إلى منزلك.
فأتى هارون منزل مالك فدخل مالك واغتسل ولبس ثيابا ً جددا ً وتطيب ووضع مجامير فيها
عود وجلس فقال هات ،فقال هارون تقرأ علي .ما قرأت على أحد منذ زمان .قال فأخرج
عني الناس حتى أقرأه عليك .فقال مالك إن العلم إذا منع من العامة لأجل الخاصة لم تنتفع
به الخاصة .قال فأمر بعض أصحابه يقرأه فأمر المغيرة على مالك وفي رواية إن الذي قرأه
له معن.
قال فكان هارون قد استند إلى جنب مالك فلما بدأ يقرأ له قال يا أمير المؤمنين من تواضع
4
العلم يؤتى ولا يأتي
فقام فقعد بين يديه فحدثه ،فلما فرغ عاد إلى مكانه .قال مالك :لما كان بعد مدة قال لي
الرشيد :تواضعنا لعلمك فانتفعنا به ،وتواضع لنا علم سفيان بن عيينة فلم تنتفع به .وكان يأتيهم
فيحدثهم
وفي رواية جاء هارون ومعه الأمين والمأمون وأراد لهما أن يسمعا الموطأ من مالك ،فطلبه
بكتابه إلى دار الإمارة ،فامتنع من الذهاب إليه ،وقال :إن العلم يؤتى إليه ولا يأتي ،فجاء
هارون الرشيد بنفسه ليسمع الموطأ من مالك ،فلما وصل إلى باب بيته وأخبرته الخادمة أن
هارون الرشيد على بابه ،أبطأ حتى جاء إلى هارون وأذن له بالدخول ،فقال له هارون
الرشيد :ما هذا يا مالك! طلبناك فامتنعت علينا ،وجئناك فأوقفتنا على بابك؟! قال :يا أمير
المؤمنين! إن وقوف العلماء على أبواب الأمراء يزري بهم ،ووقوف الخلفاء على باب العلماء
يعلي شأنهم ،ثم إني علمت أنك جئت إلى بيتي ،لا تريد دنيا ولا مالا ً إنما تريد العلم ،فذهبت
فاغتسلت ،ولبست ثيابي وتهيأت كي ألقي عليك من سنة رسول الله وأنا على أحسن حال.
وعن حمدان ابن الأصفهاني قال :كنت عند شر يك ،فأتاه بعض ولد المهدي ،فاستند إلى
الحائط ،فسأله عن حديث ،فلم يلتفت إليه ،وأقبل علينا ثم عاد فعلا بمثل ذلك ،فقالوا:
5
العلم يؤتى ولا يأتي
قال :لا ،ول كن العلم أجل عند أهله من أن يضيعوه ،قال :فجثا على ركبتيه ثم سأله ،فقال
***
ومثل ذلك أن الرشيد جمع الفقهاء فاجتمعوا في ذلك ،ثم خرج عليهم فقاموا له إلا محمد بن
الحسن ،فلما دخل استدعاه ،فشمت به بعض أعدائه ،فلما رآه الرشيد قال :لم لم تقم لي كما
قام أصحابك فقال :إنك يا أمير المؤمنين أنزلتني منزلة العالم ،وما كنت لأنزل نفسي منزلة
الخادم فقال له :أحسنت ،وسأله عن مسألة في السيرة ،فأجاب عنها ،فأمر له بحمل عشرة
آلاف درهم ،وقال :فرقها في أصحابك قال :فخرج مسرورا والمال بين يديه فانحر من كان
شمت به وحسده
***
ونقل أن ملك بخارى أمر الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الجامع أن يعلم أبناءه
في بيته فأجاب :من شاء فليأتنا ولا حاجة لنا إلى الذهاب إلى بيت أحد .فغضب عليه
الملك وأجلاه فخرج البخاري إلى خرتنك -موضع في سمرقند وألقى بها عصاه ودعا ربه أنه
6
العلم يؤتى ولا يأتي
وأرسل إليه 4أمير البلد خالد بن محمد الذهلي نائب الخلافة العباسية يتلطف معه ،ويسأله أن
يأتيه بالصحيح ،و يحدثهم به في قصره ; فامتنع ،وقال لرسوله :قل له :إني لا أذل العلم ،ولا
أحمله إلى أبواب السلاطين ،فمن احتاج إلى شيء منه فليحضر في مسجدي ،أو داري ،فإن
لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة ،فإني
لا أكتم العلم .وروي أنه قال :العلم يؤتى ،ولا يأتي ،فراسله أن يعقد مجلسا لأولاده ،ولا
يحضر غيرهم ,فامتنع عن ذلك أيضا ،وقال :لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم،
وروي أنه قال :العلم لا يحل منعه ،فحصلت بينهما وحشة ; فاستعان الأمير بعلماء بخارى
عليه حتى تكلموا في مذهبه فأمره بالخروج من البلد فدعا عليهم بقوله :اللهم أرهم ما قصدوني
به في أنفسهم ،وأولادهم ،وأهاليهم .فكان مجاب الدعوة فلم يأت شهر حتى ورد أمر الخلافة
بأن ينادى على الأمير فأركب حمارا فنودي عليه فيها ،وحبس إلى أن مات ،ولم يبق أحد
5
ممن ساعده إلا وابتلي ببلية شديدة.
***
انظر مقدمة مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للإمام على القاري 5
7
العلم يؤتى ولا يأتي
وفي سنن ابن ماجه حدثنا علي بن محمد ،والحسين بن عبد الرحمن ،قالا :حدثنا عبد الله بن
نمير ،عن معاو ية النصري ،عن نهشل ،عن الضحاك ،عن الأسود بن يزيد ،عن عبد الله
بن مسعود ،قال :لو أن أهل العلم صانوا العلم ،ووضعوه عند أهله ،لسادوا به أهل زمانهم،
وقال الإمام على الملا القاري في شرحه للحديث (:وعن عبد الله بن مسعود قال :لو أن
أهل العلم) :أي :الشرعي (صانوا العلم) :أي :حفظوه عن المهانة بحفظ أنفسهم عن
المذلة وملازمة الظلمة ومصاحبة أهل الدنيا طمعا لما لهم من جاههم ومالهم ،وعن الحسد
فيما بينهم ،ووضع المظهر موضع المضمر تفخيما لشأنه (ووضعوه عند أهله) :أي :أهل
العلم يعني :الذين يعرفون قدر العلم من أهل الآخرة و يلازمون العلماء ،فإن العلم يؤتى ولا
يأتي (لسادوا به) :أي :فاقوا بالسيادة وفضيلة السعادة بسبب الصيانة والوضع عن أهل
ال كرامة دون أهل الإهانة (أهل زمانهم) :أي كمالا وشرفا لأن من شأن أهل العلم أن
يكون الملوك فمن دونهم تحت أقدامهم وأقلامهم ،وطوع آرائهم وأحكامهم .قال تعالى{ :يرفع
الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة ]11 :قال الطيبي :وذلك لأن
8
العلم يؤتى ولا يأتي
قال الإمام عبد الوهاب الشعراني : 6أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن نكرم العلماء ونجلَّهم ونوقرهم ولا نرى لنا قدرة على مكافأتهم ولو أعطيناهم جميع
ما نملك أو خدمناهم العمر كله وهذا العهد قد أخل به غالب طلبة العلم والمريدين في طر يق
الصوفية الآن حتى لا تكاد ترى أحدا منهم يقوم بواجب حق معلمه .وهذا داء عظيم في
الدين مؤذن باستهانة العلم وبأمر من أمرنا بإجلال العلماء صلى الله عليه وسلم .فصار أحدهم
يفجر على شيخه حتى يصير شيخه يداهنه ويملقه حتى يسكت عليه فلا حول ولا قوة إلا
وقد بلغنا عن الإمام النووي :أنه دعاه يوما شيخه ال كمال الإر بلي 7ليأكل معه ,فقال يا
سيدي اعفني من ذلك فإن لي عذرا شرعيا ,فتركه ,فسأل بعض إخوانه :ما ذلك العذر؟
فقال :أخاف أن تسبق عين شيخي إلى لقمة فآكلها وأنا لا أشعر.
6في كتابه لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية ج 1ص 112-109
7الإمام المجمع على جلالته سلَّار بن الحسن الإربلي ال كردي .توفي سنة 670ه
9
العلم يؤتى ولا يأتي
وكان رضي الله عنه إذا خرج للدرس ليقرأ على شيخه يتصدق عنه في الطر يق بما تيسر
و يقول :اللهم استر عني عيب معلمي ,حتى لا تقع عيني له على نقيصة ,ولا يبلغني ذلك
ثم من أقل آفات سوء أدبك يا أخي مع الشيخ أنك تحرم فوائده ,فإما بكتمها عنك بغضا
فيك وإما أن لسانه ينعقد عن إ يضاح المعاني لك ,فلا تتحصل من كلامه على شيء تعتمد
عليه عقوبة ً لك ,فإذا جاءه شخص من المتأدبين معه ,انطلق لسانه له لموضع صدقه وأدبه
معه.
فعلم أنه ينبغي للطالب أن يخاطب شيخه بالإجلال والإطراق وغض البصر كما يخاطب
الملوك ,ولا يجادله قط بعلم ٍ استفاده منه في وقت آخر إلا على سبيل التعرف .فيقول :يا
سيدي سمعناكم تقررون أمس خلاف هذا ,فماذا تعتمدون عليه من التقريرين الآن ,حتى
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه مرفوعا :ليس منا من لم يوقر ال كبير
ويرحم الصغير.
وفي رواية للإمام أحمد والطبراني والحاكم مرفوعا :ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم
10
العلم يؤتى ولا يأتي
وروى الطبراني مرفوعا :تواضعوا لمن تعلموا منه .وروى أيضا مرفوعا :ثلاثة لا يستخف
بهم إلا منافق :ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم والإمام المقسط ...الحديث
وروى أيضا مرفوعا :لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خصال -فذكر منها : -وأن يروا ذا علم
قال الإمام المارودي في آداب الدنيا والدين : 8اعلم أن للمتعلم تملقا وتذللا فإن استعملهما
غنم ،وإن تركهما حرم؛ لأن التملق للعالم يظهر مكنون عمله ،والتذلل له سبب لإدامة صبره.
وبإظهار مكنونه تكون الفائدة وباستدامة صبره يكون الإكثار .وقد روى معاذ عن النبي -
9
صلى الله عليه وسلم -أنه قال« :ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم» .
وقد روت عائشة -رضي الله عنها -عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه قال« :من وقر
وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه :-لا يعرف فضل أهل 10
عالما فقد وقر ربه».
9الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة الحسن بن دينار ج 2ص 712
10رواه الذهبي في ميزان الإعتدال عن السيدة عائشة رضي الله عنها مرفوعا
11
العلم يؤتى ولا يأتي
قال حرملة بن يحيى ،قال :سمعت الشافعي رحمه الله يقول " :لا يطلب هذا العلم أحد بالتملل،
11
وعز النفس فيفلح ،ول كن من طلبه بذلة النفس ،وضيق العيش ،وخدمة العلماء أفلح "
وفي الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما :ذللت طالبا فعززت مطلوبا .12وقد كان رضي
الله عنه يذهب إلى بيت أبي بن كعب فيجد بابه تارة مفتوحا فيأذن له بالدخول سر يعا ,
وتارة مغلوقا فيستحي أن يطرق عليه الباب ,فيمكث حتى ربما مضى عليه أكثر النهار وهو
جالس على باب الدار والريح تسف عليه التراب ,إلى أن يصير لا يعرف من كثرة الغبار
الذي علق ببدنه وثيابه فيخرج أبي رضي الله عنه فيراه في تلك الحالة فيعظم عليه فيقول :
ووقع له معه أن أبيا ً رضي الله عنه أراد الركوب يوما فأخذ ابن عباس بركابه حتى ركب
ثم سار معه فقال :ما هذا يا ابن عباس؟ فقال :هكذا أمرنا بتعظيم علمائنا ,وأبي راكبا وابن
12جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر ج 1ص 474
12
العلم يؤتى ولا يأتي
عباس ماشيا بإزاء مركوب أبي ,فلما نزل أبي قبل يد ابن عباس فقال له :ما هذا؟ فقال
13
:هكذا أمرنا بتعظيم أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم.
قلت -أي الحبيب زين بن إبراهيم بن سميط :لأن المستحي يمنعه الحياء عن التفقه في الدين
والسؤال عما لا يعلم ,والمتكبر يمنعه كبره عن الإستفادة والتعلم ممن هو دونه في الرتبة ,
ولا يكمل المرء في علمه حتى يأخذ العلم ممن هو فوقه وممن هو مثله وممن هو دونه.
***
وحكي عن الشمس الجوجري :أنه لما شرع في الاشتغال بالعلم طاف على أكابر لعماء بلده
,فلم يعجبه منهم أحد لحدة فهمه .حتى إذا جاء إلى شيخ الإسلام يحيي المناوي ,فجلس
بين يديه -وفي ظنه أنه يلحقه بمن تقدم -فانتهره وقال له بحال :أنت قليل الأدب! لا يجيء
منك في الطلب ,غط إصبعك ,واستعمل الأدب! فحم لوقته وزال عنه ما كان يجده من
14
الاستخفاف بالناس ,ولزم دروسه حتى صار رأسا عظيما في العلم.
13
العلم يؤتى ولا يأتي
وقال العلامة المناوي رحمه الله :ذكر البرهان البقاعي أنه سأله بعض العجم أن يقرأ عليه
فأذن فجلس متربعا فامتنع من إقرائه وقال :أنت أحوج إلى الأدب منك إلى العلم الذي
جئت تطلبه.
وحكى عن الشمس الجوهري أنه لما شرع في الاشتغال بالعلم طاف على أكابر علماء بلده
فلم يعجبه منهم أحد لحدة فهمه حتى إذا جاء شيخ الإسلام يحيى المناوي فجلس بين يديه
وفي ظنه أنه يلحقه بمن تقدم فشرع في القراءة فتأمل الشيخ فوجد أصبعا من أصابع رجله
مكشوفا فانتهره وقال له بحال أنت قليل الأدب لا يجئ منك في الطلب غط أصبعك
واستعمل الأدب فحم لوقته وزال عنه ما كان يجده من الاستخفاف بالناس ولزم دروسه
من كلام الإمام قطب الإرشاد الحبيب عبد الله بن علوي الحداد :
▪ إذا رأت المريد ممتلئا بتعظيم شيخه وإجلاله مجتمعا بظاهره وباطنه على اعتقاده
بعده15 وامتثاله والتأدب بآدابه فلا بد أن يرث سره أو شيئا منه إن بقي
14
العلم يؤتى ولا يأتي
▪ لا ينبغي للطالب أن يقول لشيخه :مرني بكذا أو أعطني كذا ! فإنه بذلك يطلب
لنفسه ,بل ينبغي أن يكون كالميت بين يدي الغاسل ,فإن أقامه في شيء فليثبت
عليه فإنه لا يدري ما يصلح له وهو أعرف بما يصلح له ,والناس مختلفون :منهم من
لا يصلح إلا لخدمة الشيخ ,ومنهم لخدمة الفقراء ,ومنهم لغير ذلك على حسب
16
اختلاف غرائزهم وفطرهم.
▪ قال :قال بعضهم :حق المعلم والمرشد آكد من حق الوالد ,لأن الوالد يحفظ الولد
من الآفات التي يخشى عليه منها في جسمه ودنياه ,ويتسبب له في تحصيل ما يلتذ
به وتستريح إليه نفسه من أحوال معاشه ,والمعلم والمرشد يحفظه بتعليمه وأرشاده
مما يضره في آخرته ومعاده و يكون سببا له وسبيلا له في الوصول إلى دخول الجنة
17 ونعيمها الدائم والفوز بلقاء الله الذي هو غاية السعادة وأجلها.
▪ على المريد أن ينطرح للشيخ في كل شيء ,ولا يعترض عليه في شيء ويمتثل ما
18
يأمره به وإن لم يعرف وجه ذلك
15
العلم يؤتى ولا يأتي
▪ أضر شيء على المريد تغير قلب الشيخ عليه ,ولو اجتمع على إصلاحه بعد ذلك
19
مشايخ المشرق والمغرب لم يستطيعوه إلا أن يرضى عنه شيخه
من كلام الإمام الحبر القطب الحبيب عبد القادر بن أحمد بلفقيه
▪ الفتوح لازم من حسن الظن والفناء في محبة الشيخ وبهذا سوف يحصل الفتوح
من كلام الامام الحافظ القطب الحبيب عبد الله بن عبد القادر بلفقيه
▪ التلميذ الذي ما ينفذ أوامر الشيخ يعوقه عليه من الفتح سبعمائة عائق
▪ المريد اذا ما ثبت على الأوراد التي أمره بها شيخهما بيفتح الله عليه لأن الفتح من
الشيخ
▪ اجعل وجهتك في الشيخ لا تنظر أحدا في الدنيا الا الله والنبي صلى الله عليه وسلم
والشيخ
▪ المريد اذا خطر له خاطر أن يعرضه على شيخه ليز يل عنه ذلك
16
العلم يؤتى ولا يأتي
▪ اذا وجد التلميذ قلبه غير نظيف لأستاذه حرم عليه العلم
▪ قال رضي الله عنه نقلا عن الإمام الشعراني :هلاك المريد بسوء الظن لأستاذه
▪ كان بعضهم يحترم شيخه أكثر من احترامه أباه فقال في ذلك :الشيخ أبو الروح
▪ أبو الروح أفضل من أبي الجسد ,ل كن إذا صار أبو الجسد أبا الروح فهو أفضل.
▪ قال بعضهم :سبعون في مائة أن العلم ينال بسبب قوة الرابطة بين المريد وشيخه.
▪ كان الأمين والمأمون ابنا هارون الرشيد يتبادران نعلي شيخهما ال كسائي أيهما يلبسه
▪ قال سيدنا الإمام علي بن حسن العطاس رضي الله عنه :إن المحصول من العلم
والفتح والنور أي ال كشف للحجب على قدر الأدب مع الشيخ ,وعلى قدر ما يكون
كبر مقداره عندك يكون لك ذلك المقدار عند الله من غير شك.
17
العلم يؤتى ولا يأتي
▪ قال الإمام السهروردي في عوارف المعارف :أدب المريد في مجلس الشيخ ينبغي
أن يلزم السكوت ,ولا يقول شيئا بحضرته من كلام حسن ,إلا إذا استأمر الشيخ
▪ قال الإمام الشعراني وبلغنا عن الشيخ بهاء الدين السبكي قال :بينما أنا راكب مع
والدي – شيخ الإسلام تقي الدين السبكي – في بعض طرق الشام ,إذ سمع شخصا
من فلاحي الشام يقول :سألت الفقيه محيي الدين النووي عن مسألةكذا وكذا ,فنزل
والدي عن الفرس وقال :والله لا أركب وعين رأت محيي الدين تمشي ,ثم عزم عليه
بركوب الفرس وأقسم عليه بالله ,وصار الشيخ ماشيا حتى دخل الشام .ثم قال
الشعراني :فهكذا يا أخي كان العلماء يفعلون بأشياخهم مع أنه لم يدركه وإنما جاء
▪ روى أبو محمد الحارثي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال :ما مددت رجلي
نحو دار أستاذي حماد بن أبي سليمان إجلال له ,وكان بين داره وداري سبع
سكك.
18
العلم يؤتى ولا يأتي
▪ وروى البيهقي في مناقب الشافعي أنه قال :قدمت المدينة فرأيت من مالك بن أنس
ما رأيت من هيبته وإجلاله للعلم ،فازددت لذلك حتى ربما كنت أكون في مجلسه
فأريد أن أَ صفح الورقة فأصفحها صفحا ً رقيقاً ،هيبة ً له؛ لئلا يسمع وقعها.
▪ وفي معناه قال الربيع بن سليمان :والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر
▪ قال الشيخ محمد عوامة حفظه الله :ومن الآجب المتوارثة :أن الطالب إذا كان
يمشي مع أستاذه في وقت الشمس ,في مكان فيه ظل وشمس ,ترك الظل للشيخ
يمشي فيه ومشي هو في الشمس .ومنها أيضا :أن يلاحظ الطالب وهو في هذه الحال
20
:أن لا يمشي على ظل شيخه ,بل يمشي في الجانب الآخر منه.
▪ قال الإمام المفسر الأصولي فخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى ﵟقَ َال َ َُلۥ ُم َ َٰ
وَس
ٗ ذ ُ ۡ َ ُۡ َ ُ َۡ َذ ُ َ ََ َ
لَع أن تعل ِم ِن مِما عل ِمت رشدا ٦٦ﵟ [الكهف ]٦٦ :اعلم أن هذهَ هل أتبِعك ٰٓ
الآيات تدل على أن موسى عليه السلام راعى أنواعا كثيرة من الأدب واللطف عند
ما أراد أن يتعلم من الخضر .فأحدها :أنه جعل نفسه تبعا له لأنه قال :هل أتبعك.
وثانيها :أن استأذن في إثبات هذا التبعية فإنه قال هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعا
19
العلم يؤتى ولا يأتي
لك وهذا مبالغة عظيمة في التواضع .وثالثها :أنه قال على أن تعلمن وهذا إقرار له على
نفسه بالجهل وعلى أستاذه بالعلم .ورابعها :أنه قال :مما علمت وصيغة من للتبعيض
فطلب منه تعليم بعض ما علمه الله ،وهذا أيضا مشعر بالتواضع كأنه يقول له لا
أطلب منك أن تجعلني مساو يا في العلم لك ،بل أطلب منك أن تعطيني جزأ من
أجزاء علمك ،كما يطلب الفقير من الغني أن يدفع إليه جزأ من أجزاء ماله .وخامسها:
أن قوله :مما علمت اعتراف بأن الله علمه ذلك العلم .وسادسها :أن قوله :رشدا طلب
منه للإرشاد والهداية والإرشاد هو الأمر الذي لو لم يحصل لحصلت الغواية والضلال.
وسابعها :أن قوله :تعلمن مما علمت معناه أنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله الله
به وفيه إشعار بأنه يكون إنعامك علي عند هذا التعليم شبيها بإنعام الله تعالى عليك في
هذا التعليم ولهذا المعنى قيل أنا عبد من تعلمت منه حرفا .وثامنها :أن المتابعة عبارة
عن الإتيان بمثل فعل الغير لأجل كونه فعلا لذلك الغير ،فإنا إذا قلنا :لا إله إلا الله
فاليهود الذين كانوا قبلنا كانوا يذكرون هذه الكلمة فلا يجب كوننا متبعين لهم في ذكر
هذه الكلمة ،لأنا لا نقول هذه الكلمة لأجل أنهم قالوها بل إنما نقولها لقيام الدليل
على أنه يجب ذكرها ،أما إذا أتينا بهذه الصلوات الخمس على موافقة فعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإنما أتينا بها لأجل أنه عليه السلام أتى بها لا جرم كنا متابعين
20
العلم يؤتى ولا يأتي
في فعل هذه الصلوات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،إذا ثبت هذا فنقول قوله:
هل أتبعك يدل على أنه يأتي بمثل أفعال ذلك الأستاذ لمجرد كون ذلك الأستاذ آتيا
بها .وهذا يدل على أن المتعلم يجب عليه في أول الأمر التسليم وترك المنازعة
والاعتراض .وتاسعها :أن قوله :أتبعك يدل على طلب متابعته مطلقا في جميع الأمور
غير مقيد بشيء دون شيء .وعاشرها :أنه ثبت بالأخبار أن الخضر عرف أولا أنه
نبي بني إسرائيل وأنه هو موسى صاحب التوراة وهو الرجل الذي كلمه الله عز وجل
من غير واسطة وخصه بالمعجزات القاهرة الباهرة ،ثم إنه عليه السلام مع هذه
المناصب الرفيعة والدرجات العالية الشر يفة أتى بهذه الأنواع ال كثيرة من التواضع
وذلك يدل على كونه عليه السلام آتيا في طلب العلم بأعظم أنواع المبالغة وهذا هو
اللائق به لأن كل من كانت إحاطته بالعلوم أكثر كان علمه بما فيها من البهجة
والسعادة أكثر فكان طلبه لها أشد وكان تعظيمه لأرباب العلم أكمل وأشد .والحادي
عشر :أنه قال :هل أتبعك على أن تعلمن فأثبت كونه تبعا له أولا ثم طلب ثانيا أن
يعلمه وهذا منه ابتداء بالخدمة ثم في المرتبة الثانية طلب منه التعليم .والثاني عشر:
أنه قال :هل أتبعك على أن تعلمن فلم يطلب على تلك المتابعة على التعليم شيئا كان
قال لا أطلب منك على هذه المتابعة المال والجاه ولا غرض لي إلا طلب العلم.
21
العلم يؤتى ولا يأتي
يتأمر 22على معلم بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل ويذعن 23لنصيحته
وينبغي أن يتواضع لمعلمه و يطلب الثواب والشرف بخدمته .قال الشعبي صلى زيد
بن ثابت على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد
خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس هكذا أمرنا أن
نفعل بالعلماء وال كبراء فقبل زيد بن ثابت يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت
نبينا صلى الله عليه وسلم 24وقال صلى الله عليه وسلم ليس من أخلاق المؤمن التملق
فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم .ومن تكبره على 25
إلا في طلب العلم
فإن العلم سبب النجاة والسعادة ومن يطلب مهربا ً من سبع ضار يفترسه لم يفرق بين
23أي ينقاد
24حديث أخذ ابن عباس بركاب زيد بن ثابت وقوله هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي في المدخل إلا أنهم قالوا
25حديث ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم أخرجه ابن عدي من حديث معاذ وأبي أمامة بإسنادين ضعيفين
22
العلم يؤتى ولا يأتي
أن يرشده إلى الهرب مشهور أو خامل وضراوة 27سباع النار بالجهال بالله تعالى أشد
من ضراوة كل سبع فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ويتقلد المنة لمن
فلا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع قال الله تعالى {إن في ذلك لذكرى لمن
كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} ومعنى كونه ذا قلب أن يكون قابلا ً للعلم
فهما ً ثم لا تعينه القدرة على الفهم حتى يلقي السمع وهو شهيد حاضر القلب ليستقيل
كل ما ألقى إليه بحسن الإصغاء والضراعة والشكر والفرح وقبول المنة .فليكن
المتعلم لمعلمه كأرض دمثة نالت مطرا ً غزيرا ً فتشربت جميع أجزائها وأذعنت بالكلية
لقبوله .ومهما أشار عليه المعلم بطر يق في التعلم فليقلده وليدع رأيه فإن خطأ مرشده
أنفع له من صوابه في نفسه إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها مع أنه يعظم
نفعها فكم من مريض محرور يعالجة الطبيب في بعض أوقاته بالحرارة ليزيد في قوته
إلى حد يحتمل صدمة العلاج فيعجب منه من لا خبرة له به وقد نبه الله تعالى بقصة
الخضر وموسى عليهما السلام حيث قال الخضر {إنك لن تستطيع معي صبرا ً وكيف
27ولعهم
23
العلم يؤتى ولا يأتي
تصبر على ما لم تحط به خبرا ً} ثم شرط عليه السكوت والتسليم فقال {فإن َّاتبعتني
فلا تسأَ لني عن شيءٍ حتَّى أحدث لك منه ذكرا ً} ثم لم يصبر ولم يزل في مراودته إلى
وبالجملة كل متعلم استبقى لنفسه رأيا ً واختيارا ً دون اختيار المعلم فاحكم عليه
بالإخفاق والخسران.
قال الإمام العلامة الحبيب زين بن إبراهيم بن سميط حفظه الله :إعلم أنهكلما شرف المطلب
زاد التعب في بلوغه والنصب .والعليا لا تدرك بالهوينى ,ولا تنال المعالي إلا بشق الأنفس.
29
وفي صحيح مسلم عن يحي بن أبي كثير 28رحمه الله قال :لا يستطاع العلم براحة الجسم
قال الإمام تقي الدين السبكي :العلم صعب لا ينال بالهوينا وليست كل الطباع تقبله بل
من الن اس من يشتغل عمره ولا ينال منه شيئا ،ومن الناس من يفتح عليه في مدة يسيرة،
الإمام الحافظ أبو نصر يحي بن أبي كثير الطائي مولاهم .ت 129ه 28
29قال في ال كوكب الوهاج ( :لا يستطاع العلم) أي لا ينال العلم ولا يحصل لمن أراده (براحة الجسم) أي مع راحة الجسم وشهوات
النفس ،بل لا ينال إلا بترك شهواته وركوب متاعبه وذوق شدائده
24
العلم يؤتى ولا يأتي
وقال الإمام النووي :وينبغي أن يأخذ نفسه بالإجتهاد في التحصيل في وقت الفراغ والنشاط
وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشاغلات قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة فقد قال
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تفقهوا قبل أن تسودوا معناه اجتهدوا في كمال
أهليتكم قبل وأنتم أتباع قبل أن تصيروا سادة فإنكم إذا صرتم سادة متبوعين امتنعتم من التعلم
لارتفاع منزلتكم وكثرة شغل كم وهذا معنى قول الإمام الشافعي رضي الله عنه تفقه قبل أن
30
ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه
قال العلماء :إن الرحلة في طلب العلم إما فرض عين إذا لم يجد في بلده من يعلمه أو مندوب
مرغب فيه إذا كان لطلب الز يادة .قال سيدنا القطب الحبيب عبد الله بن علوي الحداد
رضي الله عنه :ينبغي للإنسان أن لا يستقر مكانه بل يسير في الأرض لعله أن يرى أكمل
منه فيقتدى به إن قدر على ذلك وساعده الحال والوقت ,أو يرى معتبرا فيعتبر أو يفيد أ
يستفيد.
▪ قال الشعبي :رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية .فقيل له :إن الذي يفسرها
رحل إلى الشام ,فتجهز ورجل إلى الشام حتى علم تفسيرها .وقال عكرمة في قوله
ُذ ُۡ ۡ ُ َۡۡ ُ ََ َ َ ذ
عز وجل ﵟومن َيرج مِ ۢن بيتِهِۦ مها ِ
ََ َُۡ ۡ
ت فق ۡد َوق َع ج ًرا إَِل ٱَّللِ َو َر ُس ِ
وَلِۦ ثم يد ِركه ٱلمو َُ َۡ
25
العلم يؤتى ولا يأتي
ََ ذ َ
أ ۡج ُرهُۥ لَع ٱَّللَِۗﵟ [النساء ]100 :طلبت اسم هذا الرجل الذي خرج من بيته مهاجرا إلى
الله ورسوله أربع عشرة سنة حتى وجدته .وهو ضمرة بن حبيب 31.اه
▪ رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه من المدينة إلى مصر مع عشرة من الصحابة
فساورا شهرا في حديث بلغهم عن عبد الله بن أنيس الأنصاري يحدث عن رسول
32
الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعوه .اه
▪ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني قيل لأحمد بن حنبل رضي الله عنه :رجل يطلب
العلم يلزم رجلا عنده علم كثير أو يرحل؟ قال :يرحل يكتب عن علماء الأمصار
فيشام الناس ويتعلم منهم .اه .وقيل له أيرحل الرجل في طلب العلم؟ فقال بلى والله
شديدا ً لقد كان علقمة بن قيس النخعي والأسود بن يزيد النخعي -وهما أهل ال كوفة
31لعله حبيب أبو ضمرة لأنه الصحابي .أما ضمرة بن حبيب فعاش بين عام 20و عام 120ه
32ونص الحديث كما في المسند :حدثنا يزيد بن هارون ،قال :أخبرنا همام بن يحيى ،عن القاسم بن عبد الواحد المكي ،عن عبد الله بن محمد بن
عقيل ،أنه سمع جابر بن عبد الله ،يقول :بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ،ثم شددت عليه رحلي،
فسرت إليه شهرا ،حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس ،فقلت للبواب :قل له :جابر على الباب ،فقال ابن عبد الله؟ قلت :نعم ،فخرج
يطأ ثوبه فاعتنقني ،واعتنقته ،فقلت :حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص ،فخشيت أن تموت ،أو أموت
قبل أن أسمعه ،قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :يحشر الناس يوم القيامة -أو قال :العباد -عراة غرلا بهما " قال :قلنا :وما
بهما؟ قال " :ليس معهم شيء ،ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب :أنا الملك ،أنا الديان ،ولا ينبغي لأحد من أهل النار،
أن يدخل النار ،وله عند أحد من أهل الجنة حق ،حتى أقصه منه ،ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ،ولأحد من أهل النار عنده
حق ،حتى أقصه منه ،حتى اللطمة " قال :قلنا :كيف وإنا إنما نأتي الله عز وجل عراة غرلا بهما؟ قال " :بالحسنات والسيئات
26
العلم يؤتى ولا يأتي
بالعراق -يبلغهما الحديث عن عمر فلا يقنعهما حتى يخرجا إليه -إلى المدينة المنورة-
▪ قال أبو حاتم الرازي الإمام الحافظ :كتبت الحديث سنة تسع ومائتين قلت :رحل
وهو أمرد فسمع عبيد الله بن موسى ومحمد بن عبد الله الأنصاري والأصمعي وأبا نعيم
وهوذة بن خليفة وعفان وأبا مسهر وأمما سواهم .وبقي في الرحلة زمانا فقال :أول
العدد وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا ثم إلى الرملة ماشيا ثم إلى طرسوس ولي
34
عشرون سنة
▪ قال أبو عبد الرحمن النهاوندي سمعت يعقوب بن سفيان يقول كتبت عن ألف شيخ
وكسر كلهم ثقات وقال أبو إسحاق بن حمزة عن أبيه قال قال لي يعقوب بن سفيان
قمت في الرحلة ثلاثين سنة .وقال محمد بن يزيد العطار سمعت يعقوب بن سفيان يقول
كنت في رحلتي فقلت :نفقتي فكنت ادمن الكتابة ليلا وأقرأ نهارا فلما كان ذات
ليلة كنت جالسا انسخ في السراج وكان شتاء فنزل الماء في عيني فلم أبصر شيئا
فبكيت على نفسي لانقطاعي عن بلدي وعلى ما فاتني من العلم فغلبتني عيناي فنمت
33الفرسخ بمشي القدم :نحو ساعة ونصف ,وهو ثلاثة أميال ,نحو خمسة كيلومترات.
27
العلم يؤتى ولا يأتي
فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فناداني يا يعقوب لم أنت بكيت فقلت :يا
رسول الله ذهب بصري فتحسرت على ما فاتني فقال لي ادن مني فدنوت منه فأمر
يده على عيني كأنه يقرأ عليهما ثم استيقظت فأبصرت فأخذت نسخي وقعدت
35
اكتب
▪ قال الحافظ الذهبي :ولد الحافظ أبو عبد الله بن منده سنة 310وتوفي سنة 395
ه .وعدة شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ ،وله إجازة من الحافظ
عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره ،ولما رجع من الرحلة الطو يلةكانت كتبه عدة أحمال
حتى قيل :إنها كانت أربعين حملًا ،وما بلغنا أن أحدًا من هذه الأمة سمع ما سمع
ولا جمع ما جمع ،وكان ختام الرحالين وفرد المكثرين مع الحفظ والمعرفة والصدق
ذكر من ابتدأ التعلم على كبر السن واجتهد حتى يصير من العلماء
28
العلم يؤتى ولا يأتي
جاء في صحيح البخاري بعد قول سيدنا عمر رضي الله عنه :تفقهوا قبل أن تسودوا قوله أي
الامام البخاري أبي عبد الله :وبعد أن تسودوا ،وقد تعلم أصحاب النبي -صلى الله عليه
36
وسلم -في كبر سنهم.
والأمر كذلك ,فإن من أسلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا كلهم صغارا ً ،
بل ال كثرة الكاثرة كانوا كبارا ً في السن ،وما منعهم سنهم من الطلب والتعلم ،وهم أساتذة
الدنيا في العلم الشرعي ،وإليهم المرجع في فهم نصوص القرآن ،والسنَّة ،فأبو بكر الصديق
-وهو من أعلم هذه الأمة -قد بدأ في طلب العلم قريبا ً من الأربعين ،ثم الخليفة عمر الفاروق
،بدأ العلم قريبا ً من الثلاثين ،وهكذا غيرهم كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وخذ أمثلة من الأئمة المشهورين-بعد الصحابة رضي الله عنهم -الذين طلبوا العلم على كبر
السن :
الإمام الزاهد الجليل البحر أحد أئمة الدنيا يعرف بالقفال الصغير المروزي .شيخ الخراسانيين
وليس هو القفال ال كبير هذا أكثر ذكرا في ال كتب أي كتب الفقه ولا يذكر غالبا إلا مطلقا
36وإنما عقبه البخاري بقوله وبعد أن تسودوا ليبين أن لا مفهوم له خشية أن يفهم أحد من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه وإنما أراد عمر أنها
قد تكون سببا للمنع لأن الرئيس قد يمنعه ال كبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين .اه من الفتح
29
العلم يؤتى ولا يأتي
وذاك إذا أطلق قيد بالشاشي وربما أطلق في طر يقة العراقيين لقلة ذكرهم لهذا والشاشي
أكثر ذكرا فيما عدا الفقه من الأصول والتفسير وغيرهما .وكان القفال رحمه الله قد ابتدأ
التعلم على كبر السن بعدما أفنى شبيبته في صناعة الأقفال وكان ماهرا فيها
روي عن الشيخ أبي محمد الجويني أنه قال كان القفال صنع قفلا مع جميع آلاته من وزن
أربع حبات من حديد قال الشيخ أبو محمد أخرج القفال يده فإذا على ظهر كفه آثار المجل
قال السمعاني أبو بكر وسمعت جماعة من مشيختنا يذكرون أنه ابتدأ التعلم وهو ابن ثلاثين سنة
37
فبارك الله تعالى له حتى أربي على أهل عصره وصار أفقه أهل زمانه.
الإمام الأوحد ،البحر ،ذو الفنون والمعارف ،أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
قال أبو بكر محمد بن طرخان التركي :قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد – يعني والد أبي
بكر بن العربي -أخبرني أبو محمد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة ،فدخل
30
العلم يؤتى ولا يأتي
المسجد ،فجلس ،ولم يركع ،فقال له رجل :قم فصل تحية المسجد .وكان قد بلغ ستا
وعشرين سنة .قال :فقمت وركعت ،فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة ،دخلت المسجد،
فبادرت بالركوع ،فقيل لي :اجلس اجلس ،ليس ذا وقت صلاة -وكان بعد العصر -قال:
فانصرفت وقد حزنت ( ، )3وقلت للأستاذ الذي رباني :دلني على دار الفقيه أبي عبد الله
بن دحون .قال :فقصدته ،وأعلمته بما جرى ،فدلني على (موطأ مالك) ،فبدأت به عليه،
38
وتتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحوا من ثلاثة أعوام ،وبدأت بالمناظرة.
شيخ الإسلام والمسلمين وأحد الأئمة الأعلام سلطان العلماء إمام عصره بلا مدافعة القائم
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه المطلع على حقائق الشر يعة وغوامضها العارف
بمقاصدها لم ير مثل نفسه ولا رأى من رآه مثله علما وورعا وقياما في الحق وشجاعة وقوة
جنان وسلاطة لسان .ولد سنة سبع أو سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
سمعت الشيخ الإمام يقول كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا ولم يشتغل إلا على
كبر وسبب ذلك أنهكان يبيت في الكلاسة من جامع دمشق فبات بها ليلة ذات برد شديد
31
العلم يؤتى ولا يأتي
فاحتلم فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد وعاد فنام فاحتلم
ثانيا فعاد إلى البركة لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج فطلع فأغمي عليه من
شدة البرد أنا أشك هل كان الشيخ الإمام يحكي أن هذا اتفق له ثلاث مرات تلك الليلة
أو مرتين فقط ثم سمع النداء في المرة الأخيرة يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل فقال
الشيخ عز الدين العلم لأنه يهدي إلى العمل فأصبح وأخذ التنبيه فحفظه في مدة يسيرة وأقبل
39
على العلم فكان أعلم أهل زمانه ومن أعبد خلق الله تعالى
قال أبو زكر ياء يحيى بن ز ياد الفراء :إنما تعلم ال كسائي النحو على ال كبر ،وكان سبب تعلمه
أنه جاء يوما ً وقد مشى حتى أعيا ،فجلس إلى قو ٍم فيهم فضل ،وكان يجالسهم كثيرا ً ،فقال:
قد عييت ،فقالوا له :تجالسنا وأنت تلحن! فقال :كيف لحنت؟ فقالوا :إن كنت أردت من
التعب ،فقل" :أعييت"[ ،وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل:
"عييت" مخففة] ،فأنف من هذه الكلمة وقام من فوره [ذلك] فسأل عمن يعلم النحو،
32
العلم يؤتى ولا يأتي
فأرشدوه إلى معاذ الهراء ،فلزمه حتى أنفذ ما عنده ،ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل بن
أحمد ،وجلس في حلقته ،فقال رجل من الأعراب :تركت أسدا ً وتميما ً وعندهما الفصاحة،
وجئت إلى البصرة! وقال للخليل بن أحمد :من أين علمك؟ فقال :من بوادي الحجاز ونجد
وتهامة ،فخرج ال كسائي ،وأنفذ خمس عشرة قنينة حبرا ً في الكتابة عن العرب سوى ما
حفظ .ولم يكن له هم غير البصرة والخليل ،فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس
40
بن حبيب البصري النحوي ،فجرت بينهما مسائل أقر له يونس فيها ،وصدره موضعه.
محدث بخارى ،الشيخ ،أبو أحمد عيسى بن موسى البخاري ،الأزرق ،غنجار.
له :رحلة ،ومعرفة .قال الحاكم :هو إمام عصره ،طلب الحديث على كبر السن ،ورحل،
وهو في نفسه صدوق ،تتبعت رواياته عن الثقات ،فوجدتها مستقيمة ،يروي عن أكثر من
41
مائة شيخ من المجهولين.
33
العلم يؤتى ولا يأتي
المحدث ،الإمام ،أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الوراق الأبزاري
قال الحاكم :كان ممن سلم المسلمون من لسانه ويده .طلب الحديث على كبر السن ،ورحل
42
فيه
الجامع بين العلم والتقوى والمتمسك من حبال الشر يعة بالسبب الأقوى والسالك للطر يقة
التى لا عوج فيها والحاوى للصفات التى ليس سوى المصطفين الأخيار تصطفيها .قال فيه
الحاكم الإمام المقتدى به فى الفقه والكلام والوعظ والورع والعقل والدين قال وطلب العلم
43
على كبر السن فإن ابتداءه كان التصوف والزهد والورع.
ذكر البلداء الذين اجتهدوا في طلب العلم حتى صاروا من أعلام النبلاء
َ ۡ َ ذ َ َ َٰ َ ُ ْ َ َ َ ۡ َ ذ ُ ۡ ُ ُ َ َ ذ ذ َ َ َ َ ۡ
قال الله تعالى ﵟوٱَّلِين جهدوا فِينا َلهدِينهم سبلنا ۚ ِإَون ٱَّلل لمع ٱلمح ِ
سن ِني ٦٩ﵟ ُ
34
العلم يؤتى ولا يأتي
قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أحمد بن أبي الحواري ،أخبرنا عباس الهمداني أبو أحمد
من أهل عكا في قول الله تعالى :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين
صاحب الشافعى وراو ية كتبه والثقة الثبت فيما يرو يه حتى لقد تعارض هو وأبو إبراهيم
المزنى فى رواية فقدم الأصحاب روايته .واتصل بخدمة الشافعى وحمل عنه ال كثير وحدث
عنه .روى عنه أبو داود والنسائى وابن ماجة وأبو زرعة الرازى وأبو حاتم وابنه عبد الرحمن
وزكر يا الساجى وأبو جعفر الطحاوى وأبو بكر عبد الله بن محمد.
وكان الشافعى يحبه وقال له يوما ما أحبك إلى وقال ما خدمنى أحد قط ما خدمنى الربيع
بن سليمان
قال القفال فى فتاو يه كان الربيع بطئ الفهم فكرر الشافعى عليه مسألة واحدة أربعين مرة
فلم يفهم وقام من المجلس حياء فدعاه الشافعى فى خلوة وكرر عليه حتى فهم .وكانت الرحلة
35
العلم يؤتى ولا يأتي
فى كتب الشافعى إليه من الآفاق نحو مائتى رجل وقد كاشفه الشافعى بذلك حيث يقول
(من خشى الله لم ينله أذى … ومن رجا الله كان حيث رجا)
عشاق ال كتب
قال المبرد :سمعت الجاحظ يقول :كل عشق يسمى حبا ،وليس كل حب يسمى عشقا،
لأن العشق اسم لما فضل عن المحبة ،كما أن السرف اسم لما جاوز الجود ،والبخل اسم لما
قصر عن الاقتصاد ،والجبن اسم لما فضل عن شدة الاحتراس ،والهوج اسم لما فضل عن
44
الشجاعة.
36
العلم يؤتى ولا يأتي
قال أبو هفان :لم أر قط ولا سمعت من أحب ال كتب والعلوم أكثر من الجاحظ ,فإنه لم
يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته ,كائنا ما كان ,حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين
عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني ،أبو البركات مجد الدين ،فقيه حنبلي محدث ومفسر.
قال ابن الجوزي :حدثني أخو شيخنا عبد الرحمن بن تيمية عن أبيه ،أنه قال :كان الجد إذا
دخل الخلاء يقول لي :اقرأْ في هذا الكتاب ،وارفع صوتك حتى أسمع.
وأعرف من أصابه مرض من صداع ،وحمَّى ،وكان الكتاب عند رأسه ،فإذا وجد إفاقةً؛
قرأ فيه ،فإذا غلب؛ وضعه ،فدخل عليه الطبيب يومًا وهو كذلك ،فقالَّ :
إن هذا لا يحل
يزيد المرض .فقلت له :لا أصبر عن ذلك ،وأنا أحاكمك إلى علمك :أليست النفس إذا
37
العلم يؤتى ولا يأتي
45
فتقوى به الطبيعة ،فأجد راحةً .فقال :هذا خارج عن علاجنا ،أو كما قال
كان من أذكياء زمانه واسع العلم ,كثير ال كتب ,مديما للسهر ,مكبا على الاشتغال ,ساكنا وقورا
أخبر الشيخ الفقيه سراج الدين الدنداري :أنه لما ظهر الشرح ال كبير للرافعي اشتراه بألف
درهم وصار يصلي الفرائض فقط واشتغل بالمطالعة إلى أن أنهاه مطالعة ,و يقال انه طالع
الشيخ ،الإمام ،العلامة ،المحدث ،إمام النحو ،من يضرب به المثل في العربية ،حتى قيل:
كان له كتب كثيرة إلى الغاية ما لا يدخل تحت الحصر ,ومن خطوط الفضلاء وأجزاء
38
العلم يؤتى ولا يأتي
ذكر ابن النجار :إنه لم يمت أحد من أهل العلم وأصحاب الحديث إلا وكان يشتري كتبه
كلها ,فحصلت أصول المشايخ عنده وكان لا يخلو كمه من كتب العلم.
قال السمعاني :هو شاب كامل فاضل ،له معرفة تامة بالأدب واللغة والنحو والحديث ،يقرأ
الحديث قراءة حسنة صحيحة سر يعة مفهومة ،سمع ال كثير ،وحصل الأصول من أي وجه،
كان يضن بها ،سمعت بقراءته كثيرا ،وكان يديم القراءة طول النهار من غير فتور
كان ابن الخشاب إذا نودي على كتاب ،أخذه وطالعه ،وغل ورقه ،ثم يقول :هو مقطوع،
فيشتر يه برخص.
قلت :لعله تاب ،فقد قال عبد الله بن أبي الفرج الجبائي :رأيت ابن الخشاب وعليه ثياب
بيض ،وعلى وجهه نور ،فقلت :ما فعل الله بك؟ قال :غفر لي ،ودخلت الجنة ،إلا أن الله
قال أبو القاسم بن عساكر :سمعت محمد بن إسماعيل الحافظ يقول :أحفظ من رأيت بن
طاهر ،وقال أبو زكر يا بن منده :كان بن طاهر أحد الحفاظ حسن الاعتقاد جميل الطر يقة
صدوقًا عالمًا بالصحيح والسقيم كثير التصانيف لازمًا للأثر ،قال السلفي :سمعت بن طاهر
39
العلم يؤتى ولا يأتي
يقول :كتبت الصحيحين وسنن أبي داود سبع مرات بالأجرة ،وسنن بن ماجه عشر مرات
بالري
قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي :سمعت بن طاهر يقول :بلت الدم في طلب الحديث
مرتين مرة ببغداد ومرة بمكة ،كنت أمشي حافيًا في الحر فلحقني ذلك ،وما ركبت دابة
قط في طلب الحديث ،وكنت أحمل كتبي على ظهري ،وما سألت في حال الطلب أحدًا،
كنت أعيش على ما يأتي ،وقيل :كان يمشي دائمًا في اليوم والليلة عشرين فرسخًا وكان قادرًا
46
على ذلك
• أحمد بن حنبل
الإمام المبجل والهمام المفضل أبو عبد الله أحمد بن حنبل .لزم الاقتداء ،وظفر بالاهتداء،
علم الزهاد ،وقلم النقاد ،امتحن فكان في المحنة صبورا ،واجتبي فكان للنعمة شكورا ،كان
قال عبد الله بن أحمد بن حفصة :نزلنا بمكة دارا ،وكان فيها شيخ يكنى بأبي بكر بن سماعة،
وكان من أهل مكة ،قال :نزل علينا أبو عبد الله في هذه الدار ،وأنا غلام ،فقال :فقالت لي
أمي :الزم هذا الرجل فاخدمه ،فإنه رجل صالح .فكنت أخدمه ،وكان يخرج يطلب
40
العلم يؤتى ولا يأتي
الحديث ،فسرق متاعه وقماشه ،فجاء ،فقالت له أمي :دخل عليك السراق ،فسرقوا قماشك،
47
فقال :ما فعلت بالألواح؟ فقالت له أمي :في الطاق .وما سأل عن شيء غيرها
روى الخطيب البغدادي في كتابه (تقييد العلم) :عن أبي العباس المبرد ،قال :ما رأيت
أحرص على العلم من ثلاثة :الجاحظ -عمرو ابن بحر إمام أهل الأدب ،ولد سنة ،163
ومات سنة ، - 255والفتح بن خاقان -الأديب الشاعر أحد الأذكياء ،من أبناء الملوك،
اتخذه الخليفة المتوكل العباسي وزيرا له وأخا ،واجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم
الخزائن ،توفي سنة ، - 247وإسماعيل بن إسحاق القاضي -الإمام الفقيه المال كي البغدادي،
فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره ،أي كتاب كان ،حتى إنه
وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه أو في خفه ،فإذا قام من بين يدي
المتوكل للبول أو الصلاة ،أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ،حتى يبلغ الموضع الذي
47حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني ج 9ص 172
41
العلم يؤتى ولا يأتي
يريده ،ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ،إلى أن يأخذ مجلسه .فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة،
أخرج الكتاب من كمه أو خفه ،وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده.
وأما إسماعيل بن إسحاق القاضي ،فإني ما دخلت عليه قط إلا رأيته وفي يدهكتاب ينظر فيه،
48
أو يقلب ال كتب لطلب كتاب ينظر فيه ،أو ينفض ال كتب.
الإجازات
• نقل عن الشيخ يسري رشدي جبر السيد الحسني ,مرشد الطر يقة اليسر ية الصديقية
الدرقاو ية الشاذلية انه قال :من أراد أن يرزقه الله لذة في العلم والعبادة فعليه بملازمة
49
حزب البر (الحزب ال كبير) للإمام أبي حسن الشاذلي.
• الصلاة لتقو ية الحفظ :عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال :بينما نحن عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي بن أبي طالب فقال :بأبي أنت وأمي،
تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه ،فقال رسول الله صلى الله عليه
49وقال الإمام ابن عباد في المفاخر العلية أن حزب ال كبير ورد بعد الصبح .قال :ولا يتكلم حال تلاوته ,وله سر عظيم في كل شيء لا يعلمه
42
العلم يؤتى ولا يأتي
وسلم« :يا أبا الحسن ،أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ،وينفع بهن من علمته،
ويثبت ما تعلمت في صدرك؟» قال :أجل يا رسول الله فعلمني .قال " :إذا كان ليلة
الجمعة ،فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة ،والدعاء
فيها مستجاب ،وقد قال أخي يعقوب لبنيه {سوف أستغفر ل كم ربي} [يوسف]98 :
يقول :حتى تأتي ليلة الجمعة ،فإن لم تستطع فقم في وسطها ،فإن لم تستطع فقم في
أولها ،فصل أربع ركعات ،تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي
الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان ،وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب والم
تنز يل السجدة ،وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل ،فإذا فرغت من
ال تشهد فاحمد الله ،وأحسن الثناء على الله ،وصل علي وأحسن ،وعلى سائر النبيين،
واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان ،ثم قل في آخر ذلك:
وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني ،اللهم بديع السموات والأرض ذا الجلال
والإكرام والعزة التي لا ترام ،أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم
قلبي حفظ كتابك كما علمتني ،وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني ،اللهم
بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام ،أسألك يا ألله يا
43
العلم يؤتى ولا يأتي
رحمن بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري ،وأن تطلق به لساني ،وأن تفرج
به عن قلبي ،وأن تشرح به صدري ،وأن تغسل به بدني ،فإنه لا يعينني على الحق
غيرك ولا يؤتيه إلا أنت ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،يا أبا الحسن فافعل
ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا تجب بإذن الله ،والذي بعثني بالحق ما أخطأ
50
مؤمنا قط
الله
س عدد ما وسعه علم َّ
النور المذهب للنسيان لنوره في كل لمحة ٍ ونف ٍ
• الصلاة لدفع للنسيان :وهي اللَّه َّم صل على سيدنا مح َّمدٍ وآله كما لا نهاية ل كمالك وعدد
• الإجازات من الإمام الحافظ القطب الحبيب عبد الله بن عبد القادر بلفقيه :
44