You are on page 1of 71

‫أرض األحالم‬

‫خالد نجوى‬

‫أرض األحالم‬

‫الماهر للطباعة والنشر والتوزيع‬


‫الطبعة األولى ‪2020‬‬

‫‪2‬‬
‫اإلهداء‬
‫إلى روح أبي وأخي رحمهم""ا هللا وأس""كنهما فس""يح جنان""ه‪ ،‬إلى‬
‫أمي أط""ال هللا في عمره""ا وأدامه""ا تاج""ا ف""وق رؤوس""نا‪ ،‬إلى‬
‫إخوتي وسندي في الحياة حفظهم هللا وسدد خط""اهم‪ ،‬إلى زوجي‬
‫وأوالدي حفظهم هللا لي وب"""""""ارك لي فيهم‪ ،‬إلى ص"""""""ديقاتي‬
‫وزمالئي في العمل‪ ،‬إلى أهلي وأحبابي‪ ،‬إلى كل من قرأ حرفي‬
‫أتمنى لكم قراءة ممتعة لكتابي مع تحيات الكاتبة نجوى خالد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أرض األحـالم‬
‫يحكى أنه كان هناك شاب كسالن ال يعمل وال يجيد غير النوم‪،‬‬
‫وك""ان فق""ير الح""ال مت""ذمرًا لفق""ره‪ ،‬يحب ال""ثراء والم""ال‪ ،‬ويحلم‬
‫دائمًا بالعثور على كنز ليصبح من أثري""اء البالد‪ ،‬لكن""ه ال يب""ذل‬
‫أي مجهود حتى ألكله‪ ،‬وفي يوم من األي""ام ن""ام ح""تى الظه""ر ثم‬
‫استيقظ فلم يجد شيئًا يأكله‪ ،‬فخرج إلى أحد الحقول البعي""دة لعل""ه‬
‫يجد بعض التمر أو الفواكه‪ ،‬وبينما ه""و يبحث ابتع""د قليًال ح""تى‬
‫وجد شيخًا جالسًا فأقترب منه وقال‪ :‬ماذا تفعل هنا يا عماه؟‬
‫ﻓﺮﺩّ ﺍﻟﺸﻴﺦ‪ :‬ﻣﺎذا تفعل أﻧﺖ ﻫﻨﺎ؟‬
‫ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﺏ‪ :‬أبحث ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ألﻛﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺭﺩ ﺍﻟﺸﻴﺦ‪ :‬ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺳﺮﻗﺘﻲ؟‬
‫ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﺏ‪ :‬ﻻ ‪ ....‬ال بل أحاول جمع بعض الفواكه المتناثرة‬
‫هنا وهناك‪.‬‬
‫ًا‬
‫فرد الشيخ مبتسم ‪ :‬هي سرقة بطريق""ة ظريف""ة‪ ،‬لم""اذا ال تعم""ل‬
‫وتقبض أجرًا وتشتري أكًال حالًال طيبًا فهذا حرام يا بني‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬وجلس ق"رب الش"يخ وق"ال‪ :‬آووه ي"ا عم"اه ال يوج"د‬
‫عمل في هذا الوقت‪ ،‬ف""الكثير من الش""باب ع""اطلون عن العم""ل‪.‬‬
‫وأنا يتيم ووحيد ولم يترك لي أبي شيئًا‪ ،‬ولكني أحلم يا عم""اه أن‬
‫أجد في يوم من األيام كنزًا وأصبح ثريًا جدًا دون تعب أو جهد‪،‬‬
‫فأنا ال أحب أن أتعب‪ ،‬أحب الن""وم كث""يرًا‪ .‬ابتس""م الش""يخ وق""ال‪:‬‬
‫آممم أيها الشاب ال شيء ي""أتي ب""دون تعب وجه""د‪ ،‬ولكن عن""دي‬
‫لك حل‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬ما هو يا عماه؟‬
‫فقال الشيخ‪ :‬أنا أستطيع تحقيق حلمك‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬وكي""ف ذل""ك؟ فق""ال الش""يخ‪ :‬أرس""لك في رحل""ة إلى‬
‫أرض األحالم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬وما أرض األحالم؟‬
‫فرﺩ الشيخ‪ :‬ﻫﻲ أرﺽ ﺗﺤﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﺐ أﻭ ﺟﻬﺪ‬
‫ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺐ أنت ﻟﻜﻦ ﺷﺮﻁ أن ﻻ ﺗﺴﺄﻡ ﻭﻻ ﺗﻤﻞ ألﻧﻚ ﻟﻮ سئمت‬
‫أﻭ ﻣﻠﻠﺖ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﺧﻠﺖ ﻣﻨﻪ‪.‬‬

‫ﻗﺎل اﻟﺸﺎﺏ‪ :‬أﺭﺽ أﺣﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺭﻳﺪ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﺐ أﻭ جهد ﻻ‬


‫ﻟﻦ أﻣﻞ أﺑﺪﺍ ﻫﻴﺎ أﺭﺳﻠﻨﻲ ﻓﻮﺭﺍ‪.‬‬

‫قال الشيخ‪ :‬انظر إلى تلك العين الجاري""ة‪ ،‬اش""رب منه""ا وبع""د‬
‫لحظات ستجد أمامك باب ُأدخله لكن حذاِر من الس""أم ثم ح""ذاِر ‪،‬‬
‫ذهب الش""اب فرح "ًا مس""رورًا‪ .‬وش""رب وش""رب ح""تى ارت""وى‬
‫وشعر ببعض الدوار‪ ،‬وفجأة وجد أمامه ب""اب ينبعث من""ه ن""ور‪،‬‬
‫فتح الباب ودخل ليج""د نفس""ه في أرض س""بحان الخ""الق ك""ل م""ا‬
‫فيها يتمناه المرء‪ ،‬وهناك الكث"ير من الن"اس ب"اٍد عليهم عالم"ات‬
‫الثراء والهناء‪ .‬كان منبهرًا جدا بهذه األرض التي تش""به الجَّن ة‪،‬‬
‫وبينما هو يتج""ول ليكتش""ف المك""ان ح""تى ش""عر ب""الجوع ووج""د‬
‫أمامه مطعم يبيع المأكوالت اللذيذة ورائحتها شهية‪.‬‬
‫فقال‪ :‬كيف أحصل على الطعام هنا؟ ثم أكمل قائال‪ :‬إن الشيخ لم‬
‫يخ"برني ش"يئًا س"وف أطلب الطع"ام وآك"ل وأه"رب‪ ،‬المهم أس"د‬
‫جوعي‪ ،‬دخل الشاب المطعم وطلب كل األك""ل ال""ذي يش""تهيه ثم‬
‫تسلل ليهرب‪ ،‬فأمسكه ص""احب المطعم وق""ال بغض""ب‪ :‬لم""اذا ال‬
‫تدفع يا هذا؟‬
‫فرد بخوف‪ :‬أنا ال أملك نقودًا‪.‬‬
‫فقال صاحب المطعم‪ :‬وما هي هذه النقود؟‬
‫فرد الشاب متعجبًا! إذن وماذا سأدفع؟‬
‫فقال له صاحب المطعم‪ :‬أن تحمد هللا عشر مرات‪.‬‬
‫فرد الشاب فرحًا‪ :‬عشر مرات فقط !! أحمد هللا ألف مرة‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫فرد صاحب المطعم ‪ :‬ألف مرة تشتري لك منزًال فخمًا وأش"ياء‬
‫كثيرة‪ ،‬ففرح الشاب كثيرًا وقال‪ :‬آ ه هذا إذن س""ر ه""ذه األرض‪،‬‬
‫حسنًا سوف أدفع وحمد هللا‪ ،‬وخرج سعيدًا فرح""ا‪ ،‬وع""رف س""ر‬
‫هذه األرض وبات يشتري كل ما يريد بحمده هلل فقط دون جه""د‬
‫وعناء‪ ،‬فاشترى ﺑﻴﺘﺎ ﻭأثث""ه ﻭﻗﺮﺭ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻓﺨﻄﺐ أﺟﻤﻞ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ‬
‫وﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﻢ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ‪ ،‬وكان سعيدًا وك""ل م""ا أراد أن يش""تري ش""يئًا‬
‫يحمد هللا تعالى فقط‪ ،‬ومرت األيام والشهور‪ ،‬واألعوام‪ ،‬وأنجب‬
‫ابن واثنين وثالثة‪ ،‬وأصبح مسؤوال عن عائل""ة‪ ،‬وك""ان ك""ل م""ا‬
‫أراد الخروج صباحًا جاءت""ه زوجت""ه قائل""ة‪ :‬أري""د خ""بزًا وحليب"ًا‬
‫وس""كرًا و ‪ ....‬و ‪ ......‬الخ‪ .‬وفي ي""وم من األي""ام ك""ثرت علي""ه‬
‫الطلبات‬
‫فق""ال‪ :‬آووه إني أص""بحت أحم""د هللا في الي""وم أك""ثر من خمس""ة‬
‫آالف مرة‪ ،‬لقد تعبت لقد سئمت‪ ،‬ما هذااا يا امرأة؟ سوف أخرج‬
‫هذه المرة وأشتري متطلبات شهر كامل حتى أرتاح بقي""ة األي""ام‬
‫من حمد هللا كل يوم‪ ،‬وفجأة وج""د نفس""ه يخ""رج من الب""اب ال""ذي‬
‫دخل منه أول مرة‪ ،‬ووجد الشيخ جالسا كما كان في مكانه فنظر‬
‫إلي""ه الش""يخ مبتس""مًا وق""ال‪ :‬ه""ل ع""دت؟ ألم أح""ذرك من الس""أم‬
‫والمل""ل‪ ،‬فأخ""ذ الش""اب يبكي ويص""يح أين الب""اب؟ ي""ا حس""رتاه‬
‫أرجوك أعدني زوج""تي وأوالدي‪ ،‬م""الي وج""اهي أين ذهب ك""ل‬
‫هذا؟‬
‫ف""رد الش""يخ‪ :‬ألم أق""ل ل""ك أنه""ا رحل""ة إلى أرض األحالم‪ ،‬لق""د‬
‫شربت ماًء من عين س""حرية وه""ذا الم""اء يجعل""ك تغ""ط في ن""وم‬
‫عميق وتحلم هذا الحلم‪ ،‬وق""د خض""ت ه""ذه التجرب""ة قبل""ك‪ ،‬ومن‬
‫يومها وأنا أُك ُّد وأعمل حتى أصبحت أملك ه"ذا البس"تان وأش"ياء‬
‫كثيرة أخرى‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬هذا مستحيل!‬

‫‪6‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬ال بل هذه الحقيق""ة انظ""ر إلى الي""وم لم ينقض""ي بع""د‬
‫وأن""ا م""ازلت جالس"ًا في مك""اني كم""ا تركت""ني‪ ،‬أوص""يك ي""ا ب""ني‬
‫بشيء إن األحالم ال تفيدك الحياة َّك ٌد وعم""ل وتعب‪ ،‬وأي ش""يء‬
‫يتحص"ل علي"ه اإلنس"ان ب"دون تعب ال حالوة في"ه‪ ،‬واإلنس"ان ال‬
‫يرضيه ش""يء في ال""دنيا فق""د تعبت من حم""د هللا فق""ط دون جه""د‬
‫منك يا بني لذلك عش الواق""ع ودع األحالم‪ ،‬وأعم""ل كي تعيش‪،‬‬
‫وال تم""د ي""دك ألح""د‪ ،‬وات""رك األحالم فال وج""ود له""ا س""وى في‬
‫أرض ال وجود لها‪ ،‬وهي أرض األحالم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫األخـوان مازن وقاسـم‬
‫كان ي""ا مك""ان في ق""ديم الزم""ان وس""الف العص""ر واألوان‪ ،‬ك""ان‬
‫هن""اك ت""اجر غ""ني يعيش أرمًال م""ع ابن""ه الب""الغ من العم""ر ‪04‬‬
‫سنوات وقد تعب في تربيته لوحده‪ ،‬وقرر الزواج ب""امرأة ت""ربي‬
‫ابنه وترعاه‪ ،‬وخالل أيام تزوج بامرأة كانت تعامل ابنه معامل""ة‬
‫حس"نة إلى أن حملت وأنجبْت قاس"م‪ ،‬وأص""بح قاس"م ك"ل حياته"ا‬
‫وكبر األخوين‪ ،‬وأصبحا يلعبان مع بعضهما‪ ،‬وفي جل األوقات‬
‫كان األخ األكبر مازن يضرب أخ""اه قاس""م‪ ،‬وهن""ا ب""دأت زوج""ة‬
‫وال""ده تكره""ه‪ ،‬إلى أن أص""بحا ش""ابين وك""بر ك""ره زوج""ة األب‬
‫لمازن معها‪ ،‬وبما أن الوالد تاجر ثري وقد كبر ولداه ق""رر أوال‬
‫أن يقسم ثروته بينهما‪ ،‬وكل منهما يعمل لنفسه حتى يستطيع كل‬
‫واحد منهما الزواج وفتح بيت‪ ،‬وقد أعجبت مازن إحدى الفتيات‬
‫الجميالت وقرر خطبتها‪ .‬فأخبر والده‪ ،‬وهو بدوره أخبر زوجته‬
‫التي ثارت ثائرته"ا‪ ،‬وجن جنونه"ا‪ ،‬وق""الت لزوجه"ا اب"ني قاس"م‬
‫أيضا أعجبته الفتاة وق""د أخ"برني عنه"ا‪ ،‬واحت"ار الوال"د في ه"ذا‬
‫األمر ألن مازن كان مص""مما على خطبته""ا‪ ،‬وبع""د أي""ام فك""رت‬
‫زوج""ة األب أن تض""ع األخ""وين تحت اختب""ار ومن نجح في""ه‬
‫يتزوج الفتاة رغم أن قاسم كان ال يفكر في هذه الفتاة إطالق""ا إال‬
‫أن أمه أرغمته على هذا الشيء‪ ،‬وكان هذا االختبار في التجارة‬
‫فمن ب"""اع وربح أك"""ثر ي"""تزوج الفت"""اة‪ ،‬والتج"""ارة ك"""انت في‬
‫القم""اش‪.‬أحض""ر الوال""د عرب""تين‪ ،‬ومأل في أكي""اس ك""ل أن""واع‬
‫القماش‪ ،‬وفي الغد قام األخوين باكرًا مس""تعدان للرحي""ل‪ ،‬وك""ان‬
‫للقرية طريقان للخ"روج منه"ا‪ ،‬طري"ق س"هل وق"ريب‪ ،‬وطري"ق‬
‫صعب ومليء بقطاع الط"رق‪ ،‬واللص""وص والمخ"اطر وعن"دما‬
‫قرر األخوين االنطالق جاءت زوجة األب وق""الت لم""ازن‪ :‬بم""ا‬
‫أنك الكبير اسلك أنت الطريق الوعر‪ ،‬أما قاسم فسيسلك الطريق‬
‫السهل‪ ،‬فقال األب ولماذا ال يذهبان معا؟ ف""ردت قائل""ة‪ :‬ال ح""تى‬
‫‪8‬‬
‫ال يبيع أحد على بيع أخيه وكل منهم""ا يج""د حظ"ه‪ .‬واف""ق م""ازن‬
‫ق""ائال‪ :‬ال تخ""ف علَّي ي""ا وال""دي س""وف أك""ون بخ""ير‪ ،‬وتف""رق‬
‫األخوان كل في طريقه‪ ،‬وبعد أن قطع مازن عدة أميال بدأ الجو‬
‫يتغير والسحب تتراكم‪ ،‬وب""دأت الري""اح تهب‪ ،‬واألمط""ار تهط""ل‬
‫وتهطل بغزارة إلى أن ابتلت كل أكياس القماش‪ ،‬فقرر مازن أن‬
‫يتوقف ويتفق""د األكي""اس ولم""ا فتحه""ا وج""د أول األكي""اس قماش""ا‬
‫جدي""دا وك""ل م""ا ب""داخل األكي""اس قم""اش ب""اٍل مم""زق ال يص""لح‬
‫لشيء‪ ،‬وع"رف أن ه"ذه أفع"ال زوج"ة وال"ده ح"تى ي"ربح أخ"وه‬
‫التج""ارة‪ ،‬بقي حزين""ا‪ ،‬وق""ال في نفس""ه‪ :‬لق""د خس""رت التج""ارة‬
‫سأنتظر هدوء العاصفة وأع""ود أدراجي‪ ،‬ولم""ا انتهت العاص""فة‬
‫هم م""ازن بالرحي""ل‪ ،‬وفج""أة س""مع ص""وت أنين وص""راخ وبقي‬
‫يسمع الص""وت إلى أن وص""ل إلى حف""رة عميق""ة ب""داخلها رج""ل‬
‫يب""دو علي""ه ج""روح وكس""ور وه""و يص""رخ أنق""ذوني‪ ،‬أنق""ذوني‬
‫فاندهش مازن وفكر‪ ،‬كيف أنقذك ي"ا ه"ذا !؟ ثم ق"ال‪ :‬آه ت"ذكرت‬
‫القماش‪ ،‬انتظر قليال ‪ ....‬وأخذ القم""اش ال""ذي باألكي""اس وص""نع‬
‫منه حبال‪ ،‬ورماه للرجل‪ ،‬ورفعه ثم أخ""ذه في عربت""ه‪ ،‬وأوص""له‬
‫إلى بيته وقد أخبره الرجل أن""ه وق""ع في العاص""فة‪ ،‬وه""رب من""ه‬
‫جواده‪ ،‬وقد أنقذ م""ازن حيات""ه‪ ،‬وك""ان ه""ذا الرج""ل ثري""ا‪ ،‬وكاف""أ‬
‫مازن بكيسين من النقود‪ ،‬فرح م""ازن كث""يرا وع""اد س""عيدا ليج""د‬
‫أخاه قاسم وصل قبله‪ ،‬وباع كل القماش بكيس واحد من النق""ود‪،‬‬
‫وتفاجأت زوج""ة األب بم""ازن ال""ذي أحض""ر كيس""ين من النق""ود‬
‫وغضبت غضبا ش"ديدا‪ ،‬ثم ق"الت‪ :‬م"ازال االختب"ار الث"اني ف"رد‬
‫الوالد‪ :‬أال يكفي هذا !!‪ .‬قال مازن‪ :‬ال علي"ك ي"ا أبي أن"ا مواف""ق‪.‬‬
‫فأكملت قائلة إذا هذه المرة تغيرون التجارة‪ ،‬وتغيرون الطريق‪،‬‬
‫التجارة ستكون في القمح‪ ،‬ثم قالت في نفسها‪ :‬ال أعرف من أين‬
‫أحض""ر م""ازن ه""ذه النق""ود لكن حالف""ه الح""ظ في ه""ذه الطري""ق‬
‫ولربما هذه المرة سيكون الحظ بصف ابني قاسم‪ .‬وفي الص""باح‬
‫‪9‬‬
‫انطلق األخوان مج""ددا وغ""يرا الط""رق‪ ،‬وس""لك م""ازن الطري""ق‬
‫السهل‪ ،‬ولما مش""ى قليال أراد أن يتفق""د أكي""اس القمح وي""رى م""ا‬
‫فعلت زوجة والده هذه المرة‪ .‬وما إن فتح األكياس حتى وج""دها‬
‫مليئة بالملح فقال في ح""زن ش""ديد‪ :‬القم""اش الب""الي ص""نعت من""ه‬
‫حبال‪ ،‬ولكن هذا الملح ماذا أصنع ب""ه؟ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻤﻠﻜﻮﻧﻪ ﻭﺣﺘﻰ‬
‫ﻟﻮ ﺑﻌﺘﻪ سيستغرق ﺫﻟﻚ ﺷﻬﺮﺍ ﻭﺍﺛﻨﻴﻦ‪ ....‬أﻭﻩ ﻳﺎ إلهي ﺟﺪ ﻟﻲ ﺣًﻼ‬
‫ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻙ ﻭﻣﺸﻰ ﻗﻠﻴًﻼ ﻭﺗﻔﺎﺟﺄ ﺑﺮﺅﻳﺔ ﻧﻮﺭ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ أﺣﺪ‬
‫ﺍﻟﻜﻬﻮﻑ‪ ،‬ﻓﺬﻫﺐ ليرى ﻭﺗﺒﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ إلى أﻥ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﻜﻬﻒ‪،‬‬
‫ﻭﺳﻤﻊ أﺻﻮﺍﺕ ﻧﺎٍﺱ ﻗﺎﺩﻣﺔ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﻓﺘﺒﻊ ﺍﻟﺼﻮﺕ‬
‫ﻟﻴﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﻳﺔ‪ ،‬وكانت هذه القرية غريبة وقديمة‬
‫كل شيء فيها قديم وبالي‪ ،‬البيوت قديمة‪ ،‬وكل شيء ق""ديم ﻭﻛﺄﻥ‬
‫ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺗﻐﻴﺮ ﻭﺫﻫﺐ إلى ﻋﺎﻡ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ‪ .‬بدأ يمشي ويمشي‬
‫إلى أن أحس بالجوع ف""دق أح""د األب""واب‪ ،‬وطلب طعام""ا وق""ال‪:‬‬
‫أرج""وكم أن""ا ع"ابر س""بيل ه""ل من طع""ام ل""ديكم؟ خ""رجت س""يدة‬
‫عجوز و قالت‪ :‬انتظر يا بني سوف أطعمك وأخرجت له طعاما‬
‫في أواني طينية‪ .‬شكرها مازن‪ ،‬وب""دأ يأك""ل فلم""ا ت""ذوق الطع""ام‬
‫وجده دون ملح‪ ،‬فاستغرب وذهب إلى العرب""ة‪ ،‬فأخ""ذ القلي""ل من‬
‫الملح ليضعه في الطعام‪ ،‬وكانت العجوز تراقبه ولما أكل وشبع‬
‫حمد هللا‪ ،‬وش""كر العج""وز‪ ،‬وذهب وت""رك القلي""ل من الطع""ام في‬
‫الصحن‪ .‬أخذته العجوز وتذوقته وقالت‪ :‬آه م""ا أجمل""ه انتظ""ر ي""ا‬
‫هذا‪ .‬فاستغرب مازن فقالت له‪ :‬ماذا فعلت في هذا الطعام يا بني‬
‫حتى أصبح جميال ولذيذا هكذا‪ .‬فرد مازن مستعجبا لقد وضعت‬
‫ملحا أال تعرفين الملح؟! ردت قائلة‪ :‬ما ه""و ه""ذا الملح؟‪ ...‬فق""ال‬
‫إنه سحر يجعل الطعام لذيذا‪ ،‬فقالت له‪ :‬هل لك أن تبيع""ني من""ه؟‬
‫فابتس""م ق""ائال‪ :‬س""وف أه""ديك من""ه وأعطاه""ا كيس""ا ص""غيرا‬
‫وأنص""رف‪ ،‬ف""ذهبت العج""وز ووض""عت الملح في بقي""ة طعامه""ا‬
‫وأخذت إلى جميع الجيران ليذوقوا الطع""ام كي""ف أص""بح لذي""ذا‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫وأخبرتهم أن هناك أحد لديه كمية كبيرة من س""حر الطع""ام وم""ا‬
‫إن كان م""ازن يهم ب""الرجوع عن طريق""ه‪ ،‬وك""ان يفك""ر في ه""ذه‬
‫الحكمة التي جعلت"ه ي"دخل ه"ذا الكه"ف‪ ،‬وي"دخل إلى زمن آخ"ر‬
‫حتى لحقت به مجموعة كبيرة من الناس انتظر‪ ،‬انتظ""ر ي""ا ه""ذا‬
‫توقف مازن مستغربا فقالوا له‪ :‬نحن أتينا كي نشتري من عندك‬
‫سحر الطعام بدنانير ذهبية‪ ،‬ففرح مازن كثيرا وقال لهم ‪ :‬حس""نًا‬
‫تفضلوا وباع مازن كل الملح الذي عنده ب""دنانير ذهبي""ة وخ""رج‬
‫مازن من الكهف ليعود زمنه فرحا مستبشرًا وه""و يحم""ل نق""ودا‬
‫ذهبية‪ ،‬أم"ا أخ"وه قاس"م فق"د س"لك الطري"ق الص""عب‪ ،‬وص""ادفته‬
‫العاص""فة‪ ،‬وانقلبت ب""ه العرب""ة وتن""اثرت أكي""اس القمح‪ ،‬وم""ا إن‬
‫ه""دأت العاص""فة اجتمعت ك""ل أن""واع الطي""ور والتقطت جمي""ع‬
‫حب""ات القمح‪ ،‬وع""اد خائب "ًا وكل""ه ج""روح وكس""ور وفي طري""ق‬
‫عودة مازن التقى بأخي""ه قاس""م‪ ،‬مجروح""ا مكس""ورا ف""ذهب إلي""ه‬
‫قاس""م يج""ري وه""و يبكي ق""ائال‪ :‬س""امحني ي""ا أخي ه""ذا ج""زائي‬
‫وحكى له ما حدث قائًال ‪:‬هذا جزائي ألني أردت أن أتحداك‪ .‬أنا‬
‫أحب""ك ي""ا أخي أمي هي ال""تي أجبرت""ني على خطب""ة تل""ك الفت""اة‪.‬‬
‫أخطب تل""ك الفت""اة وعش معه""ا في س""عادة أن""ا ال أري""دها‪ ،‬فق""ال‬
‫مازن‪ :‬ال عليك يا أخي فأنت دائما تبقى أخي وعاد مازن ح"امًال‬
‫النق""ود الذهبي""ة‪ ،‬وح""امًال أخ""اه المج""روح المكس""ور‪ ،‬فش""عرت‬
‫زوجة أبي""ه بالخيب""ة وبقيت تبكي حس""رة على ابنه""ا‪ ،‬وك""ان ه""ذا‬
‫ج""زاء مكره""ا ودهائه""ا‪ ،‬أم""ا م""ازن فق""د اش""ترى أحلى جه""از‬
‫لعروسه وخطبها‪ ،‬وتزوج وعاش سعيدا‪.‬‬
‫وانتــــهت حكـاية األخــــوان‬

‫‪11‬‬
‫البلــــورة العجيبـــة‬
‫كان هن""اك ص""ياد في مقتب""ل العم""ر ش""هم وش""جاع وم""اهر في‬
‫الصيد وال أحد يماثله‪ ،‬وفي يوم من األيام اتجه للص""يد كالع""ادة‪،‬‬
‫ولما أمسك شبكته لمح شيئا يلمع بين السمكات إذ به""ا بل""ورة‬
‫ماسية تلمع‪ ،‬فطار فرحا من الس""عادة وق""ال‪ :‬إنه""ا من الم""اس أو‬
‫األرج"""وان ‪ ....‬آه أص"""بحت غ"""ني س"""أبيعها‪ ،‬وسأص"""بح من‬
‫األثري""اء‪ ،‬ش""كرا ي""ا رب لكن""ه س""مع ص""وت يق""ول‪ :‬ال تبع""ني‬
‫أرجوك فاندهش! ووجد الصوت ينبع من البلورة‪.‬‬
‫فق""ال‪ :‬من غ""ير المعق""ول أن تك""ون البل""ورة هي ال""تي تكلمت‬
‫ف""ردت‪ :‬بلى إن""ني أن""ا‪ ،‬فأن""ا أم""يرة مس""حورة محج""وزة في ه""ذه‬
‫البلورة رمتني زوجة أبي في البحر هذا الصباح‪ ،‬فالس""حر يف""ك‬
‫عني في اللي""ل ح""تى تغ""وص بي البل""ورة في المحي""ط وأغ""رق‪،‬‬
‫ولحسن حظي أنك التقطتني‬
‫وقالت لي‪ :‬إن نجوت من الغرق سيبقى السحر مدى الحياة ولن‬
‫يفك حتى تصبح عجوزا‪ ،‬ولن تصبح عجوزا ألنها تمتلك عشبة‬
‫الش""باب تجع""ل اإلنس""ان ش""ابا ط""وال حيات""ه‪ ،‬طالم""ا يتناوله""ا‬
‫فتعجب الصياد وقال‪ :‬كيف تأكلين إذن؟‬
‫فردت‪ :‬سيفك السحر كل ليلة عني إذا نجوت من الغرق وأعود‬
‫بل""ورة بع""دها أس""تطيع األك""ل وقته""ا‪ ،‬أنق""ذني فق""ط‪ .‬وابتع""د عن‬
‫المحيط‬
‫وساعدني‪ ،‬ففكر الصياد وقال‪ :‬أين والدك؟‬
‫فقالت‪ :‬أبي جعلته يأكل عشبة تجعل اإلنسان عجوزا‪ ،‬فقد أصبح‬
‫شيخا كبيرا وهو في الخمسين عاما‪ ،‬مسكين أبي ح""تى ل""و رآني‬
‫فلن يعرف"""ني‪ ،‬فق""د فعلت ه""ذا ح""تى تس""تولي عن الحكم‪ ،‬فهي‬

‫‪12‬‬
‫اآلم""رة الناهي""ة اآلن وق""د س""جنته في غرف""ة أعلى القص""ر‪ ،‬فال‬
‫يزوره أحد‪.‬‬
‫فرد الصياد‪ :‬جاءتني فكرة هي تمتل""ك عش""بة الش""باب‪ ،‬وعش""بة‬
‫الشيخوخة‪ ،‬وهل هناك طريقة للوصول إلى العشبة؟‬
‫فردت‪ :‬مستحيل فهي تزرع العشب في حديق"ة القص"ر الخاص"ة‬
‫بها‪ ،‬يحرسها مئات الح""رس والكالب وال ي""دخلها أح""د غيره""ا‪،‬‬
‫فكر برهة‬
‫وقال‪ :‬وجدتها ألم تقولي السحر يفك ليال؟‬
‫فردت‪ :‬بلى كل ليلة يفك بساعة فق"ط ثم أع"ود بل"ورة هي ق""الت‬
‫لي ذلك ألن هناك ساعة في اللي"ل ال يق"اوم الس"حر فيه"ا ويف"ك‪،‬‬
‫فرد إذن أنت س""وف تس""اعديني ألنق"ذ وال""دك س""وف ن""ذهب إلى‬
‫بيتي وحين يفك الس""حر عن""ك نتف""ق على خط""ة‪ ،‬وع""اد الص""ياد‬
‫وفي اللي""ل أص""بحت البل""ورة أم""يرة جميل""ة على الحادي""ة عش""ر‬
‫تماما فلما رآها الص""ياد عق""دت الدهش""ة لس""انه‪ ،‬ثم ق""ال‪ :‬كم أنت‬
‫جميلة !! ابتسمت األميرة‬
‫وقالت‪ :‬أعطني شيئا آكله فأنا أموت جوع""ا ولنتف""ق على الخط""ة‬
‫فأعطاه""ا األك""ل ثم اتفق""ا على الخط""ة ق""ائال‪ :‬ل""دي ط""ائر ذكي‬
‫س""يأخذك غ""دا ويرمي "ِك في حديق""ة العش""ب ولم""ا يف""ك الس""حر‬
‫اقطفي عشبة الشباب وعشبة الشيخوخة‪ ،‬لن يش""ك الح""راس في‬
‫ط""ائر يم""ر على الحديق""ة وبع""دها أع "ِط الط""ائر العش""ب وحين‬
‫تعودي بل"ورة يأخ"ذك من جدي"د ويعي"دك إلّي ‪ ،‬وفي الغ"د عن"دما‬
‫حل الليل قام الصياد بالخطة فأخذ الط""ائر البل""ورة وفي الحادي""ة‬
‫عشر رماها في الحديقة‪ ،‬فتح""ولت إلى أم""يرة وقطفت العش""بتين‬
‫ثم علقتهم برجلي الطائر وأوص"لهم إلى ص"ديقه الص"ياد‪ ،‬وع"اد‬
‫ألخذ األميرة فقد رجعت بلورة كم""ا ك""انت لكن الكالب الحظت‬
‫الط""ائر وب""دأت تنبح‪ ،‬فأنتب""ه الح""رس ل""ذلك ودخل""وا الحديق""ة‬
‫ليتفقدوا وقد رأى أحد الحرس البلورة فأخذها‬
‫‪13‬‬
‫وق""ال‪ :‬إن بعته"ا س"وف أص""بح غني"ا وأتخلى عن الحراس"ة‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ال سوف أعطيها للملكة‪ ،‬سوف تكافئني وتجعل""ني المق""رب‬
‫منها ثم وضعها في جيبه‪.‬‬
‫وذهب وكان الطائر الذكي يحوم ورأى الح""ارس ال""ذي أخ""ذها‪،‬‬
‫وعاد إلى الصياد دون البلورة فجن جنونه وقل""ق على األم""يرة‪،‬‬
‫وتأكد أن األميرة في خطر‪ .‬لكن الطائر كان ذكي بما يكفي لكي‬
‫يخلص األم"""يرة‪ .‬فق"""د ذهب وأحض"""ر أص"""دقاءه الطي"""ور‪ ،‬ثم‬
‫هاجموا الحارس حتى وق""ع في األرض‪ ،‬وس""قطت البل""ورة من""ه‬
‫فأخذها وعاد بها إلى صديقه الصياد‪.‬‬
‫فرح الصياد كثيرا لسالمة األميرة وشكر طائره ثم ب""دأ يخط""ط‬
‫للخطة الثانية‪ ،‬وفي الغد أخ""ذ الص""ياد البل""ورة ول""ف به""ا عش""بة‬
‫الشباب لكي تأخذها لوالدها أعلى القصر‪ ،‬فأخذها الطائر مجددا‬
‫ورماها من النافذة في غرفة والدها آملة أن يراها والدها فيأك""ل‬
‫العش""بة ويع""ود إلى ش""بابه ووعي""ه‪ ،‬ويع""ود للحكم‪ .‬لكن البل""ورة‬
‫وقعت بعيدا على والدها الذي هو شيخ كبير ال ي""رى فلم يراه""ا‪،‬‬
‫وظلت مرمي""ة وظ""ل الط""ائر يح""وم ح""ول الناف""ذة ح""تى انتب""ه‬
‫الحارس إلى ذلك فقال لصديقه‪ :‬لقد عاد الطائر المتوحش سوف‬
‫أخبر الملكة أن""ه يح""وم ف""وق غرف""ة المل""ك فلم""ا أخ""بروا الملك""ة‬
‫قررت الذهاب إلى غرفة زوجها‪ ،‬وك""انت البل""ورة لكن العش""ب‬
‫يلفه""ا فلم تعرفه""ا‪ ،‬وك""انت على وش""ك التقاطه""ا لكنه""ا س""معت‬
‫صوتا يقول‪ :‬أبيع العش""ب ال""ذي يجعل""ك ش""ابا ط""ول حيات""ك ‪....‬‬
‫أبيع العشب‪ ،‬فاستغربت الملكة وذهبت إلى النافذة فرأت الرج""ل‬
‫فنادت‪ ،‬انتظر يا هذا ‪ ....‬انتظر‪ ،‬خ""رجت الملك""ة وك""ان الت""اجر‬
‫هو الصياد مرتديا زي تاجر‪ ،‬وق""الت ل""ه‪ :‬من أين حص""لت على‬
‫العشب وال يملكه أحد غيري‪.‬‬
‫فرد الصياد‪ :‬من قرية بعيدة وهذه العشبة نادرة وإن أكلت منه""ا‬
‫مرة واح""دة فق""ط ستص""بحين ش""ابة م""دى الحي""اة ولن تض""طري‬
‫‪14‬‬
‫ألكلها مرة أخرى‪ ،‬ففرحت الملكة وفكرت قليال وق""الت‪ :‬س""وف‬
‫اشتري منك بشرط أن تجرب أنت العشب أوال فقد كانت ذكي""ة‪،‬‬
‫فرد الصياد‪ :‬وكان أذكى حاضر سيدتي أك"ل الص"ياد من عش"بة‬
‫الشباب فازداد شبابا ووسامة‪ ،‬فف""رحت وق""الت‪ :‬حس""نا أعط""ني‪،‬‬
‫وكان يخبئ عشبة الشيخوخة أيضا فأعطاها منها وطبعا بعد أن‬
‫طحن العشب ولم تعرفه‪ ،‬فأخ""ذت تأك""ل وتش""يخ ح""تى أص""بحت‬
‫عج""وزا في الغ""ابرين وهن""ا ف""ك الس""حر عن األم""يرة‪ ،‬وأخ""ذت‬
‫عشبة الشباب ناولته"ا إلى وال"دها ال"ذي م"ا إن أكله"ا ح"تى ع"اد‬
‫شابا كم""ا ك""ان واحتض""ن ابنت""ه األم""يرة وه""و يبكي‪ ،‬وحكت ل""ه‬
‫األميرة عن شهامة الصياد وما فع"ل لمس"اعدتها‪ ،‬اس"تعاد المل"ك‬
‫منصبه ولم يجد خيرا من الص""ياد زوج""ا البنت""ه فق""ام بتزويجه""ا‬
‫في حف"ل بهي‪ ،‬وأراد معاقب"ة زوجت"ه ولكنه"ا أص""بحت عج"وزا‬
‫ض""عيفة النظ""ر‪ ،‬فوض""عها في نفس الغرف""ة ال""تي حجزت""ه فيه""ا‬
‫وأحرق حديقة العشب حتى ال تعود لش""بابها وينتهي من ش""رها‪،‬‬
‫أما األميرة فقد عاشت بسعادة م""ع زوجه""ا الص""ياد ال""ذي ص""ار‬
‫وزيرا لوالدها‪ ،‬ولم ينسوا صديقهم الط"ائر فق"د ب"نى عش"ه ف""وق‬
‫قصرهم وكون أيضا عائلة‪ ،‬وصار طائرهم المفضل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ابـن النجـار واألميـرة‬
‫يحكى أن هناك نجارا يعم"ل بك"د ونش"اط‪ ،‬م"تزوج من ام"رأة‬
‫طيبة وقد أنجبت له صبي بهي الطلعة أسمته أحمد‪ ،‬فرح بوالدة‬
‫أحمد كثيرا‪ ،‬وكبر أحمد مدلال كل ما أراد شيء حصل عليه بما‬
‫أنه الوحيد الذي أنجبته‪ ،‬وكان أحمد طيبا عطوفا طائعا لوالدي""ه‪،‬‬
‫ولما بلغ أحمد سن الرابع والعش"رين فاتح"ه وال"ده في موض""وع‬
‫الزواج‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬يا بني لقد كبرت وأنا أريد أن أرى أحفادي قبل م""وتي‪،‬‬
‫وقد أصبحت نجارا شاطرا مثلي وتستطيع أن تفتح بيتا‪.‬‬
‫فرد عليه أحمد‪ :‬حسنا يا أبي س""أفكر في الموض""وع وأدع""وا هللا‬
‫أن يطيل عم""رك وت""رى أحف""ادك ثم قب""ل يدي""ه‪ ،‬وفي الغ""د بينم""ا‬
‫أحم""د عائ""د من دك""ان النج""ارة ح""تى رأى فت""اة حس""ناء تقط""ف‬
‫ال""ورود ال تك""اد تميزه""ا من بين ال""وردات من حس""نها‪ ،‬اتج""ه‬
‫نحوها وألقى عليها السالم وتحدث إليها‪ ،‬كانت إنسانة رائعة فقد‬
‫أعجبت أحم""د وخطفت قلب""ه وعقل""ه من أول وهل""ة‪ ،‬ولكن أخ""ذه‬
‫الحديث معها ولم يسألها من هي وما اس""مها‪ ،‬ثم غ""ادرت وع""اد‬
‫أحمد إلى المنزل فرحا جدا‪ ،‬ودخل وهو يقول‪ :‬آماه ‪ ....‬آماه لقد‬
‫وجدت العروس‪.‬‬
‫فرحت األم وردت‪ :‬ما اسمها؟ وابنة من هي؟‬
‫فس""كت أحم""د بره""ة ثم ق""ال‪ :‬آه ي""ا آم""اه من جماله""ا نس""يت أن‬
‫أسألها‪.‬‬
‫فابتسمت األم قائلة‪ :‬إذن اسأل عنها وأنا في أقرب فرصة أتوجه‬
‫لخطبتها‪ ،‬وفي الي""وم الت""الي م""ر أحم""د على ك""ل من رأى الفت""اة‬
‫وس""أله من تك""ون تل""ك الفت""اة ال""تي م""رت علي""ك ب""األمس‪ ،‬ولم""ا‬
‫‪16‬‬
‫يسألونه لماذا تس"أل يق"ول لخطبته"ا فيض"حكون علي"ه‪ ،‬ولم ي"رد‬
‫عليه أحد منهم فاحتار أحمد لماذا يضحكون علي""ه؟ ولم يخ""بروه‬
‫من الفتاة !؟ وبعدما لهث أحمد في الس""ؤال رآه""ا من بعي""د تتكلم‬
‫مع أحد الفالحين‪ ،‬فأسرع ليسألها لكن ما إن وصل ح""تى رحلت‬
‫هي‪ ،‬فوجد الفالح مازال واقفا‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬السالم عليك يا سيدي أريد أن أسال من هي تلك الفت""اة‬
‫الجميلة التي كانت تتحدث معك؟‬
‫فقال الفالح‪ :‬آه تقصد األميرة سهى؟‬
‫فقال أحمد مندهشا‪ :‬أميرة! ‪ ..‬يا إلهي‪.‬‬
‫فرد الفالح‪ :‬أجل أميرة إنها ابن"ة مل"ك ظ"الم ونحن نعم"ل عن"ده‬
‫كالعبي""د وال يعطين""ا حقن""ا‪ ،‬فهي تخ""رج خلس""ة وت""ترقب عملن""ا‬
‫وتعطينا أجرنا فهي فتاة رائعة وطيبة‪ ،‬فعاد أحمد خائب""ا للم""نزل‬
‫وبقي كذلك واألم تسأله ما الذي ح""ل ب""ك ي""ا ب""ني؟ لكن""ه لم ي""رد‬
‫عليها وبقي أياما على هذا الحال واألم قلقة عليه‪ ،‬وكان ال يأك""ل‬
‫وال يشرب‪ ،‬وأخيرا وبعد إلحاح من أمه أخبرها‪ :‬أمي تلك الفت""اة‬
‫أميرة وما يوصل ابن نجار إلى أميرة‪.‬‬
‫فق""الت األم‪ :‬آه ي""ا ب""ني لق""د ورطت نفس""ك وتري""د ال""زواج من‬
‫أميرة‪ ،‬فطأطأ أحمد رأسه وقال‪ :‬ال عليك يا أماه أنا أعجبت به""ا‬
‫فقط سوف أنس""اها م""ع األي""ام‪ ،‬والحظت األم تعل""ق أحم""د بتل""ك‬
‫األميرة فقد ك""ان دائم التفك""ير واالنش""غال‪ ،‬وفي ليل""ة من اللي""الي‬
‫باتت األم تفكر بحال أبنها‪ ،‬وكيف تجد حال له وق""د وص""لت إلى‬
‫قرار وهو أن تذهب وتخطب األميرة إلى أبنها أحمد‪ ،‬وقالت في‬
‫نفسها‪ :‬لعل والدها يك""ون طيب""ا ويفهم أن أب""ني يحب أبنت""ه وأن""ه‬
‫سيسعدها فيقبل بخطبتي له"ا‪ ،‬وفي الص"باح خ"رجت األم خلس"ة‬
‫على أبنها وزوجها متجهة إلى القص""ر جاهل"ة لم"ا ق""د يح"ل به"ا‬
‫ولسوء حظها أن الحاكم كان رجال ال يعرف الرحمة‪ ،‬ووص""لت‬
‫وق""رعت أب""واب القص""ر ولم""ا أعلمت الح""راس بغرض""ها في‬
‫‪17‬‬
‫مكالمة الحاكم ظنوا أنها مجنونة وفي األخ""ير أخ""ذوها وكبلوه""ا‬
‫باألغالل ورموها أمام الحاكم‪ ،‬ولسوء حظها أن الحاكم كان في‬
‫قمة غضبه ‪.‬‬
‫فقال بصوت عال‪ :‬لماذا تريدين رؤيتي أيتها الحقيرة؟‬
‫ف""ردت‪ :‬جئت ‪ ،........‬جئت‪.......‬للقائ""ك متلعثم""ة في الح""ديث‪،‬‬
‫جئت خاطب""ة األم""يرة س""هى ألب""ني أحم""د قالته""ا دفع""ة واح""دة‪.‬‬
‫فازداد الحاكم غضبا وق""ال‪ :‬م""اذا ؟!‪ ......‬م""اذا أس""مع؟ ه""ل أنت‬
‫مجنونة يا ام"رأة‪ ،‬أج"ل إن"ك مجنون"ة ومن تك"ونين وزوج"ة من‬
‫أنت؟‬
‫فردت‪ :‬أنا زوجة النجار فالن‪.‬‬
‫فق""ال الح""اكم‪ :‬ه""ذا م""ا ينقص""ني خ""ذوها إلى الس""جن‪ ،‬ي""ا إلهي‬
‫واقبضوا على هذا النج""ار وابن""ه وس""أعدمهم غ""دا ح""تى يكون""وا‬
‫عبرة لمن يتج""رؤون على أس""يادهم‪ .‬وك""ان أحم""د م""ع وال""ده في‬
‫دكان النجارة حيث وص""ل الح""رس وقبض""وا عليهم""ا وكبلوهم""ا‬
‫باألغالل وألقوا بهما إلى السجن وهما ال يعرفان الس""بب لم""اذا‪،‬‬
‫وبع""دها أخ""بروه أن أم""ه أتت خاطب""ة لألم""يرة‪ .‬ولم""ا س""معت‬
‫األميرة س""هى ب""األمر أحس""ت بالش""فقة وخصوص""ا أنه""ا إنس""انة‬
‫طيبة وتعرف والدها وطبائعه خصوصا عن""دما يك""ون غاض""با‪،‬‬
‫أما أحمد فقد كان في السجن يبكي بعد الكارثة ال""تي وقعت على‬
‫رؤوسهم بسببه‪ ،‬وفي الوقت ذاته كانت األم"يرة س"هى تفك"ر في‬
‫ح""ل لتنق""ذ ب""ه العائل""ة‪ ،‬وأخ""يرا توص""لت إلى فك""رة‪ ،‬ذهبت إلى‬
‫والدها قائلة‪ :‬أبي‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم وكان يحبها‪ ،‬وهي مدللة عنده وال يرفض لها طلبا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬إنك وعدتني ي""ا أبي أن تزوج""ني لرج""ل يب""ني لي قص""را‬
‫أكبر وأحلى من قصرك ومليء بالجواهر‪.‬‬
‫رد‪ :‬أجل يا بنيتي لقد قلت هذا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فقالت األميرة‪ :‬إذا لدي شرط على هذا الفتى الذي أت""اني خاطب""ا‬
‫لي‪.‬‬
‫فرد الوالد‪ :‬ما هو هذا الشرط؟‬
‫فقالت األميرة‪ :‬أن يبني لي قصرا أكبر من قصرك وأحلى من""ه‬
‫وسأوافق عليه زوجا‪ .‬فضحك الملك ضحكا شديدا وق""ال‪ :‬كي""ف‬
‫لنج""ار ابن نج""ار أن يب""ني قص""را أحلى وأك""بر من قص""ري لن‬
‫يقدر على فعل ذلك لو بقي مئة عام وهو يعمل‪.‬‬
‫ف""ردت األم""يرة‪ :‬المهم أطل""ق س""راحه‪ ،‬واش""رط علي""ه الش""رط‬
‫وأعطه مهلة يبني فيها القص""ر وإن لم يفع""ل ذل""ك فاعدم""ه‪ ،‬أم""ا‬
‫اآلن فأوقف حكم اإلعدام‪.‬‬
‫رد الملك‪ :‬حسنا سوف أفع"ل ذل"ك‪ .‬ف""رحت األم"يرة لكن المل"ك‬
‫قال‪ :‬وسأترك والديه رهينة عندي ف""إن ه""رب أقتلهم""ا‪ ،‬والمهل""ة‬
‫هي ثالثون يوما‪.‬‬
‫فقالت األميرة‪ :‬آوه يا أبي ثالثون يوما ال تكفي لشيء‪.‬‬
‫فق""ال المل""ك‪ :‬ه""ذا ش""رطي وق""راري ولن أرج""ع في""ه‪ .‬اذهب""وا‬
‫وأطلقوا سراح الشاب واتركوا والديه رهينة‪ ،‬وأخبروه بشرطي‬
‫وشرط األميرة‪.‬‬
‫قالت األميرة في نفسها‪ :‬ال بأس ثالثون يوما تكفي ألجل خط""ة‬
‫كي أنقذ والدا الشاب‪ ،‬ولما أطلقوا سراح أحمد أخبروه بالش""رط‬
‫فانص""دم له""ول ه""ذه الورط""ة ال""تي وق""ع فيه""ا‪ ،‬ولم""ا خ""رج من‬
‫القصر بعثت له األميرة برسالة تخبره فيه""ا أنه""ا فعلت ه""ذا كي‬
‫يحظى بفرصة للفرار وأنها ستجد خطة كي تجعل والديه يفران‬
‫أيضا خالل هذا الشهر أتجه أحمد إلى طريق ي""ؤدي إلى خ""ارج‬
‫البالد وه"""و يبكي على والدي"""ه الل"""ذان لم ينجي"""ا من الم"""وت‬
‫المحتوم‪ ،‬من غير المعقول بناء قصر في ظرف ش""هر وتحقي""ق‬
‫طلب الحاكم‪ ،‬وهو ليس سوى نج""ارا ابن نج""ار‪ ،‬وم""رت األي""ام‬
‫واألميرة تحاول أن تخلص والدا أحمد ال""ذي يب""دو عليه""ا أيض""ا‬
‫‪19‬‬
‫أنه""ا أعجبت ب""ه وأحبت""ه‪ ،‬لكن لس""وء الح""ظ أن وال""دها ش""دد‬
‫الحراس""ة‪ ،‬أم""ا أحم""د فق""د وص""ل إلى بالد ثم إلى أخ""رى وه""و‬
‫يحكي حكايته لكل من وجده أمامه‪ ،‬يكاد يفقد عقل""ه وه""و يق""ول‪:‬‬
‫أنا أوصلت والداي لهذا الحال وقد كبر شعر رأسه وشعر لحيته‬
‫فمن رآه يقول أنه مجنون‪ ،‬وكان يردد‪ :‬أنا غ""بي فكي""ف أعش""ق‬
‫أميرة ‪ ......‬مرت سبعة وعش""رون يوم""ا وأحم""د لم يفع""ل ش""يء‬
‫سوى التنقل من بالد إلى أخرى‪ ،‬و قد اس""تقر في إح""دى الق""رى‬
‫التي سمع فيها حكاية غريب"ة عن قص""ر يس"مى بقص""ر الم"وت‪،‬‬
‫وهذا القصر كل من بات فيه أصبح ميتا‪ ،‬وكان مليئ""ا ب""الجواهر‬
‫واألساور‪ ،‬ولم يستطع أحد أن يسرقه‪ ،‬سأل أحمد جيدا عن ه""ذا‬
‫القصر وعن مكانه‪ ،‬ثم اتجه مباشرة إلي""ه ق""ائال‪ :‬لم يبقى س""وى‬
‫ثالثة أيام من الشهر وس""يموت وال""داي فلم ال أم""وت أن""ا أيض""ا‪،‬‬
‫س""أذهب وأبيت في القص""ر ح""تى أم""وت كم""ا أوص""لت وال""داي‬
‫للموت‪ ،‬ثم دخل أحمد القصر الذي كان يبدو ك""بيت أش""باح فه""و‬
‫قصر مرعب ومليء بالعن""اكب والخف""افيش‪ ،‬دخ""ل أحم""د فوج""د‬
‫سريرا فاستلقى عليه ينتظ""ر الم""وت المحت""وم‪ ،‬ومن ش""دة التعب‬
‫نام أحمد و غط في نوم عميق‪ ،‬وفجأة بدأ يسمع أصواتا مرعب""ة‬
‫رهيبة فاستيقظ على وجه عفريت مخيف‪ ،‬فنظر إليه أحمد وقال‬
‫ببرود‪ :‬أيا كنت أنت فتعال وأقبض روحي ‪.‬‬
‫فقال العفريت‪ :‬ألست خائفا مني؟‬
‫ق""ال أحم""د‪ :‬ال لق""د أتيت من أج""ل م""وتي ف""إذا كنت تري""د قتلي‬
‫فتفضل‪.‬‬
‫فقال العفريت‪ :‬لماذا يا بني؟‬
‫فقال أحمد‪ :‬قصتي طويلة أيها العفريت فاعمل عملك‪.‬‬
‫فقال له العف"ريت‪ :‬أري""د أن أس""معها‪ ،‬فأخ""ذ أحم""د يحكي قص""ته‬
‫ويبكي دون أن يحس بذرة خوف‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫فرد العفريت‪ :‬قصتك محزنة يا بني وأنا العفريت صاحب ه""ذا‬
‫القصر‪ ،‬وسأخبرك الس""ر في م""وت من ي""بيت في ه""ذا القص""ر‪،‬‬
‫أوال‪ :‬الطمع ألن كل من ي""أتي يحب س""رقة ممتلك""اتي‪ ،‬فالقص""ر‬
‫مليء بالجواهر وكذلك الخوف فك""ل من خ""رجت علي""ه وكلمت""ه‬
‫يموت رعب"ا وخوف"ا‪ ،‬أم"ا أنت فجئت ال طامع"ا وال خائف"ا‪ ،‬وأن"ا‬
‫كنت قد قررت أن أمنح هذا القصر هدية لرجل مثل""ك ألن""ه أول‬
‫مرة يأتي إلّي أحد هنا ال طامع وال سارق وال خائف‪.‬‬
‫ف""رد أحم""د‪ :‬ه""و ال ينف""ع اآلن فبالدي بعي""دة واس""تغرقت س""بعة‬
‫وعشرين يوما للوص""ول له""ذا القص""ر‪ ،‬وسأس""تغرق نفس الم""دة‬
‫للعودة‪ ،‬ف""أذهب وأج""د وال""داي ق""د قتال لن ينفع""ني ه""ذا القص""ر‪،‬‬
‫فض""حك العف""ريت وق""ال‪ :‬نم هنيئ""ا ي""ا ب""ني فنحن معش""ر الجن‬
‫والعفاريت‪ ،‬لن يصعب علينا شيء‪ ،‬غدا صباحا س""تجد قص""ري‬
‫هذا قرب قصر الملك وس""ينجو وال""داك‪ ،‬وس""تتزوج الفت""اة ال""تي‬
‫أحببتها‪ .‬فرح أحمد كثيرا وشكر العفريت ثم ن""ام وه""و يفك""ر في‬
‫الغد‪.‬‬
‫وفي الغد استيقظ على صوت الن""اس ملتف""ة ح""ول القص""ر ال""ذي‬
‫ك""ان بج""وار قص""ر المل""ك‪ ،‬وخ""رج أحم""د من""ه وأنق""ذ والدي""ه‪،‬‬
‫واضطر الحاكم أن يزوجه ابنته ألن هذا كان ش""رطه‪ ،‬فالقص""ر‬
‫كان أكبر وأحلى من قصر المل""ك ومليء ب""الجواهر واألس""اور‪،‬‬
‫التي أصبحت ملك أحمد وهكذا استطاع ابن النج""ار ال""زواج من‬
‫األميرة‪ ،‬وعاش أحمد سعيدا مع أميرته‪.‬‬
‫انتهـــــــت الحكــــــــــاية‬

‫‪21‬‬
‫الجــــرة السحــــرية‬
‫ك""ان ي""ا مك""ان في ق""ديم الزم""ان وس""الف العص""ر واألوان‪ ،‬في‬
‫إحدى القرى الريفية الفقيرة الحال تسكن أرملة فقيرة‪ ،‬ك""ان له""ا‬
‫بنتين الكبرى فتاة طيبة وجميل""ة مطيع""ة ألمه""ا‪ ،‬وحنون""ة ت""دعى‬
‫أمين""ة‪ ،‬والص""غرى فت""اة قليل""ة الجم""ال س""يئة األفع""ال‪ ،‬مشاكس""ة‬
‫وعني""دة ت""دعى أم""يرة‪ .‬ك""انت الفتات""ان عزيزت""ان على أمهم""ا‪،‬‬
‫وكانت األم المسكينة تعمل كخادمة في البيوت كي ت""ؤمن ق""وت‬
‫بناته""ا‪ .‬فق""د ك""انت تنهض في الص""باح الب""اكر وتج""ر الم""اء من‬
‫النهر إلى البيوت‪ ،‬فيدفعون لها القليل من المال‪ ،‬فتشتري الخ""بز‬
‫واألكل ثم تعود إلى البيت منهكة من شقاء عملها‪ ،‬وفي ي""وم من‬
‫األيام بينما كانت تجر الماء كعادته""ا ح""تى س""معت ص""وت أنين‬
‫قادم من بعيد‪ ،‬فأخذت تتب""ع الص""وت إلى أن وص""لت إلى مك""ان‬
‫سبحان الخالق‪ ،‬لم تره من قبل وفي هذا المكان منبع للنهر الذي‬
‫تسقي منه‪ ،‬وهو عبارة على نفر ص""غير ي"نزل من"ه م"اء ع"ذب‪.‬‬
‫كان المكان يشبه الجنة‪ ،‬وقرب هذا المكان توجد عجوز مسكينة‬
‫قد خارت قواه""ا وال تس""تطيع ح""تى الحرك""ة‪ ،‬ف""ذهبت إليه""ا األم‬
‫الطيبة تجري وأخذت تسألها مالكي يا جدة‪ ،‬ما الذي أتى بك إلى‬
‫هنا؟‬
‫لكن العجوز كانت تتمتم وتقول‪ :‬خذيني إلى كوخي‪ ،‬إنه ق""ريب‬
‫من هنا فراحت األم الطيبة تأخذ العجوز على ظهرها‪ ،‬وجرته""ا‬
‫التي تسقي بها الماء بيدها وأخذت تمشي مدة طويلة‪ ،‬وق""د تعبت‬
‫كثيرا لكنها لم تتكلم وصبرت على التعب ح""تى الحظت كوخ""ا‪،‬‬
‫فأوصلت العجوز إليه وقالت‪ :‬أيتها الجدة يظهر لي أنِك وحي""دة؟‬
‫إن لم يكن لِك من يرع"اك فأن"ا س"أهتم ب"ِك س"آويك عن"دي ح"تى‬
‫يتحسن حالِك ‪.‬‬
‫ابتسمت العجوز وردت قائلة‪ :‬ش""كرا ل"ِك ي""ا بني""تي فق"د حملت""ني‬
‫على ظهرك وأنت تعبة‪ ،‬وكان ك""وخي بعي""دا ج""دا ولم تكلي من‬
‫‪22‬‬
‫حملي ولم تتكلمي‪ .‬لذلك س""وف أجازي""ك ف""أنت ام""رأة تس""تحقين‬
‫الجزاء‪.‬‬
‫فقالت األم‪ :‬أي جزاء هذا يا ج""دتي‪ ،‬أن""ا لم أفع""ل ش""يئا‪ .‬وعق""دت‬
‫الدهشة لس""انها فق""د ك""انت العج""وز غريب""ة ولم تكلمه""ا ولم ت""رد‬
‫عليها‪ ،‬بل وضعت يدها على الجرة فإذا ب""ه ينبعث ن""ور جمي""ل‪،‬‬
‫ثم نظرت إليها العجوز قائل""ة‪ :‬إذا احتجت ش""يئا ي""ا بني""تي ق""ولي‬
‫كلمة السر هذه <سبحان الذي جعل من الماء ك""ل ش""يء حي >‪.‬‬
‫ثم اختفت ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﻭاختفى ﺍﻟﻜﻮﺥ‪ ،‬وهي تس""مع ص""وتا يق""ول‪ :‬ال‬
‫تخبري بهذا السر أحدا إال عند الض""رورة القص""وى‪ ،‬انص""دمت‬
‫األم الطيبة وكأن كل ما حصل كان حلما أمامه""ا‪ .‬ثم ع""ادت م""ع‬
‫حلول الظالم وهي سعيدة بما حدث لها هذا اليوم‪ ،‬فقد اس""تعملت‬
‫الجرة وطلبت منها كل األك""ل ال""ذي تش""تهيه بناته""ا‪ ،‬وعلمت أن‬
‫العج""وز لم تكن س""وى ج""زاء من هللا على ص""برها وفقره""ا‪،‬‬
‫ودخلت على بناته""ا بك""ل م""ا ل""ذ وط""اب‪ .‬فأخ""ذت أمين""ة وأم""يرة‬
‫تسأالن أمهما هل وقعت في كنز ي""ا آم""ااه؟ م""ا ك""ل ه""ذا الخ""ير؟‬
‫ومن فرح""ة األم ك""ادت أن تخ""بر البن""ات‪ ،‬لكن أخ""يرا ت""ذكرت‬
‫وص""ية العج""وز في أن تل""تزم الص""مت‪ ،‬ف""اخترعت لهم حكاي""ة‬
‫وقالت‪ :‬إني وج""دت رجال ثري""ا تص""دق لي ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻭﺭﺑﻤﺎ‬
‫ﻟﻦ أﺿﻄﺮ ﻟﺠﺮ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﺮﺓ أﺧﺮﻯ‪ .‬وم""رت أي""ام من الس""عادة‬
‫والهن""اء ولم تتفطن البن""تين لس""ر الج""رة ال""تي تح""ولت من ج""رة‬
‫عادية لجرة سحرية‪ ،‬لكن السعادة لم تدم طويال فقد س""قطت األم‬
‫طريح""ة الف""راش مص""ابة بم""رض خ""بيث لم يف""دها أي دواء‪،‬‬
‫وأدركت أن النهاية قربت‪ .‬فقررت أخيرا إخب""ار ابنته""ا الك""برى‬
‫أمينة عن سر الجرة كونها العاقلة وتحتفظ بالس""ر‪ ،‬ن""ادت ابنته""ا‬
‫أمين""ة ب""دأت أوال توص""يها خ""يرا بأخته""ا‪ ،‬ثم ق""الت له""ا‪ :‬ابن""تي‬
‫حبيب""تي ح""افظي على الج""رة ‪ ....‬ح""افظي على الج""رة إن له""ذه‬
‫الجرة سر‪ ،‬عديني أنك لن تخبري به أحد‪ ،‬سوف أعطي""ك كلم""ة‬
‫‪23‬‬
‫الس""ر‪ .‬وب""دأت األم تش""هق ويظه""ر أنه""ا ب""دأت تلف""ظ أنفاس""ها‬
‫األخيرة‪ ،‬قبل أن تخبر ابنتها بكلمة الس""ر‪ .‬م""اتت األم وبع""د أي""ام‬
‫نفذ الطعام‪ ،‬والمال‪ ،‬وس""اءت حال""ة البن""تين‪ ،‬لكن البنت الك""برى‬
‫قررت مزاولة مهنة أمهم""ا لكي تعين نفس""ها وأخته""ا الص""غيرة‪،‬‬
‫وأخذت تجر الماء للبيوت‪ ،‬وتقبض النقود وتش""تري م""ايلزم من‬
‫الطعام‪ ،‬وفي يوم من األيام بينما أمينة تسقي الماء إذ به""ا تس""مع‬
‫قطة تموء‪ ،‬فأخذت تتبع القطة ألنه""ا ك""انت تحب القط""ط كث""يرا‪.‬‬
‫حتى أوصلتها القطة إلى النف""ر منب""ع م""اء النه""ر‪ .‬وك""ان المك""ان‬
‫جميال كالجنة‪ ،‬ومن حسن جمال المنظر نظرت أمين""ة وتنفس""ت‬
‫وقالت‪ :‬ما أجمل هذا المكان‪ ،‬سبحان ال""ذي جع""ل من الم""اء ك""ل‬
‫شيء حي‪ .‬لق"د ق""الت كلم"ة الس"ر دون أن تش"عر‪ ،‬وفج"أة انبعث‬
‫نور من الجرة وسمعت صوتا يقول‪ :‬ما تطلبين مجاب‪ .‬وحينه""ا‬
‫أدركت سر الجرة‪ ،‬وسر توصية أمه""ا به""ا‪ .‬تلعثمت واندهش""ت‬
‫لكنها طلبت كل ما ل""ذ وط""اب‪ ،‬وهمت ب""العودة وطبع""ا لم تخ""بر‬
‫أخته""ا الص""غرى ش""يئا‪ ،‬لكن األخت الص""غرى وبم""رور األي""ام‬
‫تفطنت بأَّن هناك سر‪ .‬وقررت مراقبة أختها ومن أين تأتي بكل‬
‫الطعام والم""ال‪ ،‬وراحت إلى أخته""ا الك""برى لتطلب منه""ا بعض‬
‫النقود كي تشتري فس""تانا‪ ،‬لكن أخته""ا أخبرته""ا أنه""ا في المس""اء‬
‫حين تعمل سوف تعطيها الم""ال‪ .‬خ""رجت أمين""ة م""ع الج""رة إلى‬
‫الخالء كي تقول كلمة السر وتحص""ل على النق""ود‪ ،‬لكن هيه""ات‬
‫فقد لحقت بها أميرة وفهمت السر‪ ،‬ورأت كل شيء‪ ،‬ولدهائها لم‬
‫تخبر أمينة بأنها كشفت السر‪ .‬وقررت استعمال الجرة لوح""دها‪،‬‬
‫وفي الغد ذهبت أميرة وسرقت الجرة واستعملتها لطلب ال""ذهب‬
‫والمجوهرات التي لم يخط""ر على ب""اِل أمين""ة أو أمه""ا أن تطلب‬
‫من الجرة يوم""ا م""ا ه""ذا الكم الهائ""ل من ال""ذهب والمج""وهرات‪.‬‬
‫لبست أميرة األساور والذهب وخرجت لتخبر كل من هب ودب‬
‫ب""أن ل""ديهم ج""رة مليئ""ة بال""ذهب والفض""ة واألس""اور‪ ،‬وبس""رعة‬
‫‪24‬‬
‫ال"""برق وص"""ل الخ"""بر لح"""اكم البالد‪ ،‬ليطلب من حراس"""ه أن‬
‫يحض""روا الج""رة ويحض""روا البن""تين لكي يفهم قض""ية الج""رة‬
‫المليئ""ة بال""ذهب والمج""وهرات‪ .‬انطل""ق ح""رس المل""ك إلى بيت‬
‫الفتاتين وأمروهما بإعطائهم الجرة والكلمة السرية ال""تي تجع""ل‬
‫الجرة تفيض بالذهب واألساور‪ ،‬لكن الفتاتان باقيتا جامدتين ولم‬
‫تنطقا بكلمة واحدة‪ .‬فأخذ حارس الملك السيف ووضعه في رقبة‬
‫أم""يرة‪ .‬وق""ال ألمين""ة‪ :‬أعط""ني كلم""ة الس""ر وإال قتلت أخت""ك‬
‫الصغرى‪.‬‬
‫ارتعبت أمينة وقالت له‪ :‬حاضر ‪ ...‬حاضر ولكن أترك أخ""تي‪،‬‬
‫قاطعتها أميرة قائلة انتظ""ر ي""ا س""يدي س""أعطيك أن""ا كلم""ة الس""ر‬
‫وهي "افتح ي"ا سمس"م‪ ،‬افتح ي"ا سمس"م "‪ .‬ف""رح الح"ارس كث"يرا‬
‫وأخذ الجرة وأخذ يقول‪ " :‬افتح يا سمسم‪ ،‬افتح يا سمس""م "‪ .‬لكن‬
‫الجرة لم تحرك ساكنا‪ ،‬فغضب وأخ"ذ الج"رة وكس"رها فتالش"ت‬
‫أجزاءه""ا على األرض وق""ال‪ :‬إنكم""ا كاذبت""ان وس""ارقتان‪ ،‬إنه""ا‬
‫ليست ج""رة س""حرية وق""د س""رقتم األس""اور من القص""ر‪ ،‬ثم أخ""ذ‬
‫منهم الحرس كل م""ا ل""ديهم وأخ""ذوهم إلى الح""اكم ليط""ردهم من‬
‫القرية‪ .‬بكت أمينة كثيرا على الج""رة ال""تي ك""انت تعيلهم والمت‬
‫أختها الصغرى بم"ا فعلت‪ ،‬لكن أم"يرة تأس"فت ألخته"ا وأدركت‬
‫خطأها ثم قالت‪ :‬س""امحيني ي""ا أخ""تي ظننت أني سأص""بح أم""يرة‬
‫فعال‪ .‬أن""ا آس""فة‪ ،‬فق""د أخ""برت ك""ل الن""اس عن الج""رة وس""رها‪،‬‬
‫ضيعت بحمقي ك""ل ش""يء‪ .‬وقب""ل أن يغ""ادرا البالد ذهبت أمين""ة‬
‫إلى بيتهم وقالت‪ :‬س""آخذ م""ا تبقى من أش""الء الج""رة كت""ذكار من‬
‫أمي فقد أوصتني بها ‪ ،‬وأخذت أش""الء الج""رة في كيس وأخ""ذت‬
‫أختها ورحلتا إلى حيث ال تعلمان‪ ،‬وكانتا تمش"يان من قري"ة إلى‬
‫أخرى حتى حل الظالم ودخلوا في غابة مخيفة فوج""دوا كوخ""ا‪،‬‬
‫ف""ذهبتا وبقيت""ا ق""رب ه""ذا الك""وخ‪ .‬وارتعبت""ا من ص""وت ال""ذئاب‬

‫‪25‬‬
‫والع""واء‪ ،‬فبقيت األخت""ان تبكي""ان ح""تى وص""ل ش""يخ كب""ير ك""ان‬
‫صاحب هذا الكوخ‪.‬‬
‫فقال لهم‪ :‬مالكم يا بنات؟ ما الذي حل بكما؟‬
‫فقصت عليه أمينة ما حدث لهم في القرية األخرى‪ ،‬وعرف أن‬
‫ال م""أوى لهم‪ ،‬وع""رض عليهم أن يعيش""ا مع""ه في الك""وخ فه""و‬
‫وحي""د‪ .‬ف""رحت أمين""ة وأم""يرة‪ ،‬وباتت""ا عن""د ه""ذا الش""يخ ونامت""ا‬
‫للصباح من ش""دة تعب الطري""ق‪ .‬وفي الص""باح اس""تيقظت أمين""ة‬
‫لتلقي نظ""رة على المك""ان‪ ،‬ووج""دت أرض""ا كب""يرة ق""رب ه""ذا‬
‫الكوخ‪.‬‬
‫فقالت للشيخ‪ :‬يا عماه هل تملك هاته األرض؟‬
‫فقال الشيخ‪ :‬نعم إنها لي‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬لماذا ال تزرعها؟‬
‫فقال‪ :‬يا بنيتي منذ أعوام لم تمطر لذلك ك"ل م"ا زرعن"ا ال ينبت‬
‫شيء‪.‬‬
‫فقالت أمينة‪ :‬نحن في فصل الخريف س""نحاول زرعه""ا ون""دعو‬
‫هللا أن يرزقن""ا المط""ر‪ ،‬س""أحرثها أن""ا وأنت وأخ""تي‪ ،‬م""ا رأي""ك‬
‫بالفكرة؟ ‪.‬‬
‫ابتسم الشيخ وقال‪ :‬حسنا يا بني""تي لعل""ك ف""أل خ""ير أنت وأخت""ك‬
‫عليا‪ .‬عملت أمينة مع أختها أميرة بج""د بع""د أن أص""بحت أم""يرة‬
‫فت""اة عاقل""ة وب""دت على وجهه""ا مالمح الجم""ال‪ .‬رجعت أمين""ة‬
‫وأم""يرة إلى الك""وخ متعبت""ان‪ ،‬ولكن أمين""ة ت""ذكرت م""ا بقي من‬
‫الج""رة وأخ""ذتها ودفنته""ا في األرض المحروث""ة‪ ،‬ون""امت وهي‬
‫تدعوا هللا أن يعوضها خيرا على الج""رة‪ .‬وأثن""اء نومه""ا س""معت‬
‫صوتا‪ ،‬إنه صوت الرعد باتت تلك الليلة األمطار تهطل‪ ،‬وبقيت‬
‫تهطل أياما وأياما‪ ،‬وفرح سكان القرية بهذا المط""ر الوف""ير وق""د‬
‫زرع الفالحون أراضيهم ومن بينهم أرض الشيخ‪ ،‬ال""تي ج""اءت‬

‫‪26‬‬
‫بالخير الكثير‪ .‬وتكفل الشيخ بالبنتين وأصبحتا بمثاب""ة ابنتي""ه إلى‬
‫أن أوصلهما إلى بيت زوجيهما‪.‬‬
‫انتهت قصــة الجــرة السحــرية‬

‫‪27‬‬
‫أرجـــــــوانة والطـــــــائر‬
‫في قرية صغيرة وفي قديم الزمان يعيش رجل يعمل كناحت‬
‫ون""اقش لل""ذهب م""ع أف""راد عائلت""ه المتكون""ة من زوجت""ه وابنت""ه‬
‫أرجوانة البالغة من العمر عش""ر س""نوات‪ ،‬وهي الوحي""دة عن""ده‪،‬‬
‫وكانت مدللة دالال شديدا‪ ،‬وفي كل م""رة يص""نع له""ا ش""يئا ذهبي""ا‬
‫يهديه لها‪ .‬وكانت أرجوانة متعلق""ة بوال""دها تعلق""ا ش""ديدا لدرج""ة‬
‫أنه""ا ت""ذهب مع""ه ص""باحا إلى ال""دكان وتع""ود مس""اًء ‪ ،‬وفي عي""د‬
‫ميالدها الثامن عشر‪ .‬صنع لها قالدة ذهبي""ة لم يص""نع مثله""ا من‬
‫قبل وكتب عليها اس""م أرجوان""ة‪ ،‬ارت""دتها أرجوان""ة ولم تنزعه""ا‬
‫منذ ذلك الي""وم‪ ،‬وفي ي""وم من األي""ام بعث لوال""د أرجوان""ة رج""ل‬
‫ثري يسكن بقري""ة أخ""رى‪ ،‬أن ي""أتي ويمكث لم""دة أس""بوع عن""ده‬
‫لينحت له مجموعة كبيرة من الذهب لزواجه‪ ،‬وك""انت أول م""رة‬
‫يسافر فيها الوالد ويترك ابنت""ه وحي""دة‪ ،‬وّد عت أرجوان""ة وال""دها‬
‫بالدموع ألنه""ا أول م""رة تفارق""ه في حياته""ا‪ ،‬وبع""د أي""ام ولس""وء‬
‫الحظ تخاصمت القبائل ووقعت الحرب‪ ،‬وأشعلت ق""ذائف الع""دو‬
‫ك""ل م""ا في قري""ة أرجوان""ة‪ ،‬وهرب""وا جميع""ا بم""ا فيهم أرجوان""ة‬
‫ووالدتها فقد احترقت قريتهم وأصبحت رم""ادا‪ ،‬أم""ا وال""دها فق""د‬
‫ك""ان في القري""ة األخ""رى وس""مع ماح""دث لق""ريتهم واعتق""د أن‬
‫زوجته وابنته قد ماتا في تلك الحرب‪ ،‬وانتظرت أرجوانة عودة‬
‫والدها دون جدوى واعتقدت هي أيضا موت وال""دها‪ ،‬وأص""يبت‬
‫بص""دمة كب""يرة جعلته""ا تس""كن عن الحرك""ة والكالم‪ ،‬والس""مع‪،‬‬
‫وأصبحت أرجوانة في كرسي متحرك‪ ،‬رحلت أرجوان""ة وأمه""ا‬
‫إلى قرية يوجد بها طبيب أعشاب‪ ،‬ومكثت أمه""ا هن""اك وب""اعت‬
‫ج""ل حلي أرجوان""ة كي تعالجه""ا من هات""ه الحال""ة‪ ،‬لكن الط""بيب‬
‫أخبرها بأن حالة ابنتها نفسية وال عالج له""ا‪ ،‬فهي ك""انت ج""راء‬
‫صدمة موت والدها الذي اعتقدت أنه توفي‪ ،‬عاد وال""د أرجوان""ة‬
‫إلى القرية ليجدها صارت رمادا‪ ،‬وك"ل أه"ل القري"ة رحل"وا وال‬
‫‪28‬‬
‫أحد يعرف شيئا عن اآلخر‪ ،‬سأل عن زوجته وابنته لكن ال أح""د‬
‫أعط""اه خ""برا عنهم""ا‪ ،‬فرج""ع إلى تل""ك القري""ة ال""تي ذهب إليه""ا‬
‫واستقر هناك ظانا أنه فقد عائلته وابنته الحبيبة إلى األبد‪ .‬ع""اش‬
‫أياما من الكآبة والحزن‪ ،‬لكنه أخ""يرا ب""دأ يعم""ل كن""احت ون""اقش‬
‫في تلك القرية‪ .‬بقيت أرجوانة مشلولة خرساء وص""ماء‪ ،‬ولكنه""ا‬
‫احتفظت بذكرى واحدة من والدها وهي القالدة التي كتب عليه""ا‬
‫اسمها‪ .‬مرت سنتان وال أح""د يع""رف ش""يئا عن اآلخ""ر‪ ،‬ويئس""ت‬
‫العائل"""ة من عودته"""ا كم"""ا ك"""انت‪ .‬وظلت أرجوان"""ة بكرس"""يها‬
‫المتحرك‪ ،‬تخرجها الوالدة إلى إحدى الحدائق للت""نزه ح""تى رأت‬
‫أرجوان""ة ط""يرا لم ت""ر ىمثل""ه من قب""ل‪ ،‬ح""ط على كتفه""ا وب""دأ‬
‫يزق""زق‪ ،‬لكن أرجوان""ة لم تس""تطع أن تس""معه وتتمت""ع بص""وته‬
‫الجميل‪ .‬ومن""ذ ذل""ك الي""وم أل""ف الط""ائر أرجوان""ة فأص""بح ي""أتي‬
‫ويحط في ش"باك غرفته"ا فتعطي"ه فت"ات الخ"بز والم"اء‪ ،‬وب"دأت‬
‫أرجوانة تعود إليها االبتسامة بعد غياب قد ط""ال‪ ،‬وفي ي""وم م""ر‬
‫أحد الرجال للتنزه فوجد الطائر الذي أبهره جماله ونوعه ال""ذي‬
‫لم ير مثله من قبل‪ ،‬وم"ا إن ب"دأ الط"ائر بالزقزق"ة ح"تى أص"يب‬
‫الرجل بالنعاس ونام حتى المساء‪ ،‬ولما أستيقظ أنصرف ثم عاد‬
‫صباحا ليرى الطائر من جديد ولما سمع صوته ثانية نام مجددا‬
‫ولما استيقظ الرجل تفطن أن ص""وت الط""ائر يجع""ل من يس""معه‬
‫ينام‪ ،‬وفكر في خطة شريرة ليمسك بهذا الطائر‪ ،‬وبالفعل أمسكه‬
‫ووضعه في قفص ثم أخذه معه ووضعه في شباك ببيت أمام""ه‪،‬‬
‫وبينما الطائر يزقزق ينام أهل البيت‪ ،‬ويدخل هو ويسرق كل ما‬
‫في ال""بيت من أش""ياء ثمين""ة وذهب وأس""اور‪ ،‬أم""ا أرجوان""ة فق""د‬
‫غاب طائرها المحبوب فك"انت ك"ل ص""باح تفتح الناف""ذة تنتظ"ره‬
‫وهي تبكي‪ ،‬وع""اد إليه""ا الح""زن من جدي""د بع""د أن أع""اد إليه""ا‬
‫ص""ديقها الط""ائر االبتس""امة‪ ،‬واس""تمر الش""رير يس""تعمل الط""ائر‬
‫للسرقة حتى بدأ أهل القرية يتحدثون عن السرقات التي تقع بعد‬
‫‪29‬‬
‫سماع زقزقة هذا الطائر‪ ،‬وأصبحوا يطلق"ون علي"ه اس"م الط"ائر‬
‫السارق وفي هذا اليوم وصل الدور منزل أرجوانة وبدأ الط""ائر‬
‫يزقزق عند النافذة ورأته محبوسا في قفص فعرفت ما ح""ل ب""ه‪،‬‬
‫فنامت األم لكن أرجوانة لم تنم ألنه""ا ال تس""مع‪ ،‬ودخ""ل الش""رير‬
‫ليس""رق وف""وجئ لم""ا رأى أرجوان""ة لم تنم فب""دأ يص""رخ ويق""ول‬
‫لم""اذا لم تن""امي أيته""ا الغبي""ة؟ لم""اذا لم تن""امي؟ لكن""ه أدرك أنه""ا‬
‫التسمع‪ ،‬فهدأ وقال‪ :‬آه ال بأس أنت خرساء ح""تى إن رأيت""ني لن‬
‫تستطيعي إخبار أح""د‪ ،‬ثم نظ""ر إلى عنقه""ا ليج""د القالدة فمس""كها‬
‫وقطعها من عنقها بق""وة وهي تبكي وال تس""تطيع أن تص""رخ‪ ،‬ثم‬
‫أخذ الطائر ورحل‪ ،‬وبعد مدة استيقظت األم من نومه""ا فوج""دت‬
‫أرجوانة مازالت تبكي‪ ،‬والحظت اختف""اء القالدة‪ ،‬فخ""رجت األم‬
‫تصرخ لقد سرقنا الطائر الس""ارق‪ .‬وحض""ر الص""يادون بن""ادقهم‬
‫ولما عاد الشرير ليس""رق م""نزال آخ""ر‪ ،‬لم يزق""زق الط""ير حزن""ا‬
‫على ص"ديقته أرجوان"ة وم"ا ح"ل به"ا‪ ،‬فق"د س"رق الرج"ل أغلى‬
‫قالدة على قلبها‪ ،‬احتار الشرير في الطائر وح""اول مع""ه م""رارا‬
‫وتكرارا ح""تى س""ئم من""ه ففتح ل""ه القفص ق""ائال‪ :‬هي""ا ارح""ل لق""د‬
‫سئمت منك‪ ،‬وعلى العموم فسوف تقتل ألن""ك الس""ارق في نظ""ر‬
‫أهل القرية‪ ،‬أم""ا أن""ا فق""د جمعت م""ا يكفي من حلي ح""تى أبيعه""ا‬
‫وأكون تاجرا محترما‪ ،‬ولما خرج الطائر من القفص ك""ان وفي""ا‬
‫لصديقته فالتقط قالدتها وقرر أن يعيدها إليها‪ ،‬وم""ا إن ط""ار في‬
‫السماء والقالدة بين قدميه رآه أه""ل القري""ة وب""دؤوا يص""رخون‪،‬‬
‫إنه الطائر السارق مجددا وما ك""ان ألح""د الص""يادين إال وأطل""ق‬
‫النار عليه لتتناثر دماؤه في الس""ماء لكن""ه ق""اوم اإلص""ابة‪ ،‬وأخ""ذ‬
‫يبتعد ويبتعد حتى سقط في إحدى الغابات وبالصدفة م""رت فت""اة‬
‫ص""غيرة م""ع وال""دها فوج""دت الط""ائر وأخذت""ه إلى وال""دها وهي‬
‫تجري‪ ،‬أبي‪ .‬أبي هناك طائر مصاب وهو ينزف ويبدو أن قدمه‬
‫مكسورة‪ ،‬أخذ الوالد الطائر وقال لها‪ :‬هي""ا س""وف نعالج""ه ولمح‬
‫‪30‬‬
‫القالدة تلم""ع فق""ال‪ :‬آه م""ا ه""ذه؟ قالدة ذهبي""ة فأخ""ذها ووج""دها‬
‫مقطوعة فقال البنت""ه‪ :‬س""وف نع""الج الط""ائر‪ ،‬ونأخ""ذ القالدة إلى‬
‫ناحت الذهب في القرية المجاورة كي يصلحها وتلبسيها في عيد‬
‫ميالدك‪ ،‬وبعد أيام شفي الطائر وبدأ يحاول الطيران‪ ،‬ذهب والد‬
‫الفتاة حامال القالدة إلى ناحت الذهب والذي هو وال""د أرجوان""ة‪،‬‬
‫وما إن أمسك القالدة حتى صرخ ق""ائال‪ :‬من أين ل""ك ه""ذه؟ إنه""ا‬
‫البنتي أرجوانة أخبرني ال ب"د أنه"ا حي"ة‪ ،‬وحكى ل"ه وال"د الفت"اة‬
‫عن الط""ير‪ ،‬فطلب من""ه وال""د أرجوان""ة أن يأخ""ذه إلى الط""ير‪،‬‬
‫ويطلقه ثم يتبعه لعله يدله على مكان ابنته‪ ،‬وأطلق والد أرجوانة‬
‫الط""ائر‪ ،‬ومش""ى وراءه ح""تى أوص""له إلى بيت أرجوان""ة ال""ذي‬
‫تسكن ب"ه‪ ،‬ورأت أرجوان"ة طائره"ا ح"را طليق"ا فس"عدت كث"يرا‬
‫وخصوصا لما رأت والدها واقفا وراءه‪ ،‬وص""رخت ص""رخة لم‬
‫تص""رخ مثله""ا من قب""ل قائل""ة‪ :‬أبي‪ .‬أبي‪ ،‬ونهض""ت من كرس""يها‬
‫تجري واحتضنته باكية‪ ،‬وحينه""ا وص""لت أمه""ا ال""تي لم تص""دق‬
‫عينيها ولم ت""ترك أرجوان""ة وال""دها إال على ص""وت الن""اس وهم‬
‫يقول"""ون أمس"""كنا الط"""ائر الس"""ارق‪ ،‬فخ"""رجت تج"""ري بع"""دما‬
‫استطاعت النطق اتركوا هذا الطائر إنه بريء‪ ،‬إن الس"ارق ه"و‬
‫التاجر الجديد الذي سكن في القرية فال بد أنه باع ال""ذهب لي""أتي‬
‫بالمال الذي عنده‪ ،‬فقد استغل الطائر المسكين‪ ،‬فأتجه الناس إلى‬
‫منزل التاجر ودخل""وا وفتش""وه ليج""دوا بعض الحلي المس""روقة‪،‬‬
‫فعرفوا أنه هو السارق فعال ولما برأت أرجوانة طائرها أخذت""ه‬
‫ورجعت وهي سعيدة جدا به وبوالدها ولبست أرجوان""ة قالدته""ا‬
‫من جديد‪ ،‬وجمع شمل عائلتها مجددا‪ ،‬أما الطائر فقد مر س""رب‬
‫من نوع""ه فأطلقت""ه أرجوان""ة ليلح""ق بهم ويع""ود إلى موطن""ه‬
‫األص""لي‪ ،‬لكن""ه لم ينَس ص""ديقته أرجوان""ة‪ ،‬ولم تنس""اه أرجوان""ة‬
‫أبدا‪ ،‬والتي عاشت سعيدة مجددا مع والديها‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الحـــــاوية الجــلدية المـــباركة‬

‫يحكى أنه في قديم الزم""ان ك""ان يعيش ش""اب طيب القلب ي""دعى‬
‫محمد األمين ابن امرأة عج""وز كريم""ة‪ ،‬ك""ان محم""د أمين فق""ير‬
‫الحال‪ ،‬لكنه يعمل بجد كي يعي""ل والدت""ه األرمل""ة‪ ،‬فه""و وحي""دها‬
‫يعمل كموزع للخبز عن""د الخب""ازين‪ ،‬فك""ل ي""وم يعطي""ه ص""احب‬
‫المخبزة بعد إيصال الخبز أجر يومه دينارا أو دينارين فيشتري‬
‫طعاما ويعود مس"اء لوالدت"ه‪ ،‬فتس"عد األم وت"دعو البنه"ا ب"الخير‬
‫ألنه دائما يرضيها ويطيعها‪ ،‬وفي صباح يوم من األيام الحظت‬
‫األم بعض الحروق على يدي محمد األمين‪ ،‬ففزعت وقالت ل""ه‪:‬‬
‫ما بال يدك يا بني؟‬
‫فرد قائال‪ :‬ال تخشي شيئا يا أماه هي بعض الح""روق من ج""راء‬
‫أخذ الخبز وهو ساخن‪.‬‬
‫داوت األم حروقه‪ ،‬ثم قالت‪ :‬لدي يا بني جلد ماعز ق""ديم وم""تين‬
‫سأصنع لك منه حاوية تحمل فيها الخبز حتى ال تحترق مجددا‪،‬‬
‫وبع""د أي""ام انتهت األم من ص""نع الحاوي""ة وس""لمتها إلى محم""د‬
‫األمين الذي فرح بها كث"يرا‪ ،‬وش"كر والدت"ه‪ ،‬وخ"رج ودعواته"ا‬
‫ترافقه مثل كل مرة‪ ،‬ولما قبض يوميته اشترى الطعام وبقيت له‬
‫بعض الدنانير فوضعها في الحاوية‪ ،‬ولما عاد إلى المنزل تناول‬
‫طعام""ه وأخ""ذ ال""دنانير من الحاوي""ة فوج""دها أك""ثر مم""ا وض""ع‪،‬‬
‫ان""دهش وس""أل والدت""ه وق""ال‪ :‬ه""ل وض""عت بعض ال""دنانير في‬
‫الحاوية؟‬
‫فردت ال يا بني فأنا ال أملك فلسا‪ ،‬ولما تسأل؟‬
‫فسكت قليال وقال‪ :‬ال‪ ،‬ال يهم ظننت أن النقود أكثر مما وض""عت‬
‫ربما أخطأت العد وفي اليوم التالي وضع النق""ود فيه""ا ولم""ا فتح‬
‫الحاوية وجد النقود تضاعفت وهنا دخل""ه الش""ك‪ ،‬ف""ذهب وأخ""بر‬
‫والدته بما حدث معه فس""عدت كث""يرا‪ ،‬ثم ق""الت‪ :‬ي""ا ب""ني إن ه""ذا‬
‫الجلد مبارك والحاوية الجلدي"ة أص""بحت حاوي"ة مبارك"ة‪ ،‬وه"ذا‬
‫‪32‬‬
‫يح""دث في الق""ديم‪ ،‬ولكن إن تفش""ى ه""ذا الس""ر وتع""دى ثالث‬
‫أش""خاص ستص""بح عادي""ة والكث""ير من الن""اس ح""دث معهم ه""ذا‬
‫فأصبحوا أثرياء‪ ،‬فحافظ على هذا الس""ر فه""ذه مبارك""ة من عن""د‬
‫هللا‪ ،‬فسمي هللا في كل م"رة تض""ع فيه"ا النق"ود وس"ترى العجب‪،‬‬
‫سيص""بح رزق""ك وف""ير‪ .‬وط""ار محم""د األمين من الف""رح وق""ال‪:‬‬
‫شكرا لك يا أماه هذا بفضل دعائك ورض""اك وقبله""ا من جبينه""ا‬
‫ويدها‪ .‬وأصبح األمين في كل يوم يعم""ل ويض""ع النق""ود ف""تزداد‬
‫وتزداد‪ ،‬وصار يشتري كل ما لذ وطاب‪ ،‬وكان ألمين زميل ل""ه‬
‫في العمل اسمه رضا فاحتار في حال زميله محمد األمين ال""ذي‬
‫ك""ان فق""ير وبين ليل""ة وض""حاها أص""بح لدي""ه الكث""ير من الم""ال‪،‬‬
‫ويشتري كل ما يريد‪ ،‬فقرر رضا مراقبة األمين ومعرفة س""ره‪.‬‬
‫وفي الصباح الباكر خرج رض""ا وبقي ق""رب ناف""ذة األمين وه""و‬
‫يراقبه ورآه يحمل الحاوية ويقول لوالدته‪ :‬أماه أك""ثرت البس""ملة‬
‫البارحة حين وضعت النقود في الحاوية فتضاعفت النقود أك""ثر‬
‫فأكثر‪ ،‬ابتسم رضا ابتسامة شر‪ ،‬وقال ها‪ ....‬إذن هذا ه""و الس""ر‬
‫وبعد مدة أصبح األمين على ق""در من ال""ثراء وتخلى عن العم""ل‬
‫في المخبزة وت""زوج من إح""دى الفتي""ات الجميالت‪ ،‬وفتح دكان""ا‬
‫يعمل فيه‪ .‬وكان رضا يموت غيظا ويخطط كيف يأخذ الحاوية‪،‬‬
‫وبعد زواج األمين توصل إلى فكرة‪ ،‬وانتظر حتى خرج األمين‬
‫مع والدته من منزله واستغل فرصة أن زوجة األمين ال تعرفه‪،‬‬
‫وبدل زيه في زي ش""يخ يحم""ل أكياس""ا من القمح وق""رع الب""اب‪.‬‬
‫فخرجت زوجة األمين وقالت‪ :‬ماذا تريد يا عماه؟‬
‫فرد‪ :‬أنا يا بنيتي‪ ،‬أنا عامل أجر القمح وأتقاض""ى أج""را يومي""ا‪،‬‬
‫وقد تمزق لي أحد األكياس فخفت أن يتن""اثر القمح من""ه وأخس""ر‬
‫عملي‪ ،‬ف""أرجوك إن ك"انت لكي حاوي"ة جلدي"ة متين"ة أقرض""يني‬
‫إياها‪ ،‬أوصل القمح وأعيدها مساًء ‪ .‬فكرت وق""الت‪ :‬ل""دي بالفع""ل‬
‫حاوية جلدية تخص زوجي‪ ،‬لكنه أوصاني أن ال أعطيها ألحد‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫فرد قائال‪ :‬ال تخافي يا بنيتي سأعيدها قبل أن يعود زوجك‪.‬‬
‫فردت‪ :‬أجل يبدو أنك طيب‪ ،‬سأحضرها لك‪ ،‬فرح رض""ا وأخ"ذ‬
‫الحاوية‪ ،‬وهرع مسرعا قب""ل ع""ودة األمين‪ ،‬وانتظ""رت الزوج""ة‬
‫إلى أن عاد زوجها ولم يعد الشيخ بالحاوية‪ ،‬فأخبرت األمين بما‬
‫حدث فغضب غضبا شديدا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ه"ذه ال تك"ون س"وى أفع"ال‬
‫رضا فهو يكرهني‪ ،‬لكن كيف علم بس""رها؟ فق""الت الزوج""ة عن‬
‫أي سر تتح""دث‪ ،‬ولم""اذا غض""بت ك""ل ه""ذا؟ إنه""ا مج""رد حاوي""ة‬
‫جلدية‪.‬‬
‫سكت األمين وقال‪ :‬سأعيدها بطريقتي الخاصة وفي هذا ال""وقت‬
‫عاد رضا إلى المنزل يحمل الحاوية الجلدي""ة فق""الت ل""ه والدت""ه‪:‬‬
‫ماهذا يا رضا؟‬
‫ففك""ر وق""ال‪ :‬ه""ذه الحاوي""ة أعط""اني إياه""ا ش""يخ كب""ير م""ريض‬
‫ساعدته بحمل بعض األغراض إلى منزله‪ ،‬وقرر عدم إخباره""ا‬
‫الحقيق""ة ح""تى ال تلوم""ه عن أخ""ذها‪ ،‬ووض""ع رض""ا النق""ود في‬
‫الحاوية وسمى بسم هللا كثيرا‪ ،‬ولما استيقظ صباحا وجد الحاوية‬
‫مليئة بالنقود‪ .‬من فرحته أخذ النق""ود وخ""رج وت""رك الحاوي""ة في‬
‫المنزل وهو يردد سأصبح ثريا ‪ ....‬سأصبح سيدا‪ ،‬وكان األمين‬
‫يراقبه ورآه يحمل الكثير من النقود فعرف أنه الس""ارق‪ ،‬ف""ذهب‬
‫وأخ""ذ مجموع""ة من الجل""ود على ظه""ره وط""رق ب""اب الم""نزل‬
‫خرجت أم رض""ا وق""الت‪ :‬محم""د األمين زمي""ل اب""ني في العم""ل‬
‫أهال وسهال تفضل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ال جئت أحتاج رضا بأمر‪.‬‬
‫فردت لكن لألسف غير هو موجود‪ ،‬ولكن ما ك""ل ه""ذه الجل""ود‬
‫التي على ظهرك؟‬
‫فرد األمين‪ :‬هناك وباء خطير يأتي من جراء الجلود الموجودة‬
‫في البيت لذلك جمعت كافة الجلود التي بالبيت كي أدفنها بعيدا‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫فقالت‪ :‬أوه ‪ ...‬حقا انتظر هناك حاوية جلدية أحض""رها المغف""ل‬
‫رضا أرجوك انتظر‪ .‬أعطيها لك ادفنها مع جلودك وشكرا ألنك‬
‫نبهتنا‪ .‬وقالت في نفسها ربما الرجل ال""ذي أعطى اب""ني الحاوي""ة‬
‫مرض""ه ك""ان بس""ببها‪ ،‬أخ""ذ األمين الحاوي""ة وع""اد س""عيدا‪ .‬وفي‬
‫طريقه سمع حارس الملك يقول بأعلى صوته‪ :‬من يستطيع إنقاذ‬
‫الملك وله مكافأة كبيرة ‪ ...‬فاتج"ه األمين نح"وه س"ائال م"اذا ح"ل‬
‫بالملك؟‬
‫ف""رد الح""ارس‪ :‬إن المل""ك م""ريض ج""دا وك""ان يع""الج بإح""دى‬
‫األعش""اب الن""ادرة الموج""ودة في واد المخ""اطر‪ ،‬وك""ل من ذهب‬
‫إلحضارها ال يعود‪ .‬وقد وجدنا القليل منها عند إحدى األطب""اء‪،‬‬
‫لكنها ال تكفي لعالجه لذلك وض""ع األم""ير ابن""ه مكاف""أة لمن ينق""ذ‬
‫حي""اة وال""ده‪ ،‬وهي عب""ارة عن قص""ر مليء ب""الجواهر والخ""دم‪،‬‬
‫والحشم‪ ،‬ومنص""ب وزي""ر في الحكم‪ ،‬ف""رح األمين فرح""ا ش""ديدا‬
‫وقال‪ :‬أنا سأحضرها‪.‬‬
‫فرد الحارس‪ :‬هل تعني ما تقول؟‬
‫رد األمين‪ :‬كن واثق""ا من ذل""ك لكن أحت""اج القلي""ل منه""ا ح""تى‬
‫أتعرف عليها‪ ،‬وبعد أسبوع سيكون عندكم كل م""ا تحت""اجون من‬
‫عشب‪ ،‬أحض""ر الح""ارس العش""بة لألمين وأخ""بر األم""ير ب""ذلك‪،‬‬
‫وبعد أسبوع عاد األمين بالعشب‪ .‬بعد وضع العشبة في الحاوي""ة‬
‫وتكاثرها‪ ،‬ولما دخل األمين القصر ح"امال العش"ب رأى األم"ير‬
‫العشب ففرح كثيرا لما تأكد أنه"ا العش"بة ال"تي يحتاجه"ا‪ ،‬وق""رر‬
‫منح الج""ائزة لألمين‪ ،‬ح""تى دخ""ل عليهم رض""ا وه""و يص""رخ‬
‫ويق""ول‪ :‬س""يدي الح""اكم إن""ه ك""اذب ولم يحض""ر العش""بة من واد‬
‫المخاطر بل إنه لديه حاوية ‪ ...‬و ‪ ....‬وقص على األمير حكاي""ة‬
‫الحاوي"ة‪ ،‬وغض""ب األم"ير وق""ال‪ :‬إن ك"ان ه"ذا األم"ر ص""حيحا‬
‫فسوف أعاقب األمين‪ ،‬وإن كان كذبا فسوف أعاقبك أنت‪ .‬وأخ""ذ‬
‫الحاوية منه ليجربوها ووضعوا فيها نق""ودا في انتظ""ار تكاثره""ا‬
‫‪35‬‬
‫صباحا فوجدوا النقود على حالها‪ ،‬وهذا ألن سر الحاوي""ة تع""دى‬
‫ثالثة أشخاص‪ ،‬وتسلم األمين جائزته ومنص""به وع""اش س""عيدا‪،‬‬
‫وهذا بفضل رضا أمه عليه‪ ،‬أما رضا فق""د دخ""ل الس""جن وك""ان‬
‫هذا جزاء الحسد والبغض والغيرة‪.‬‬

‫الحسناء الضائعة‬
‫يحكى أنه في قديم الزمان وس""الف العص""ر واألوان ك""ان هن""اك‬
‫ملك قد أعرض عن الزواج لمدة طويلة وه""ذا خوف""ا من إنج""اب‬
‫‪36‬‬
‫البنات‪ ،‬فقد كان وحيد والديه وسط س"بعة بن"ات وق"د ك"ان وال"ده‬
‫يلقب بأبو البنات فكبر في عقدة من البنات وخاف أن يكون مثل‬
‫والده‪ ،‬وبعد ضغط من وزرائه ومستشاريه قرر أخيرا ال""زواج‪،‬‬
‫وأقنع""وه أن الخلف""ة هي أم""ر مق""در من هللا وأن ال""زواج نص""ف‬
‫ال""دين‪ ،‬واف""ق ولكن في ق""رارة نفس""ه ال ت""زال هن""اك عق""دة من‬
‫البنات ومن لقب أبو البنات‪ ،‬أخت"ار فت"اة جميل"ة وطيب"ة وت"زوج‬
‫في حفل كبير حضره كل أه""ل المدين""ة‪ .‬ك""انت الع""روس س""عيدة‬
‫وكأنها في حلم‪ ،‬فزواجها ك""ان أس""طوري‪ .‬م""رت أيامه""ا األولى‬
‫ك""الحلم الى أن ص""ارت ح""امال كي تس""تيقظ على ك""ابوس أقلب‬
‫حياته"""ا رأس"""ا على عقب حيث أن المل"""ك زوجه"""ا ع""ادت ل"""ه‬
‫وساوس أن ينجب بنتا‪ ،‬ووصل به األمر أن أخ""بر زوجت""ه أنه""ا‬
‫لو أنجبت بنتا أن ي""دفنها حي""ه‪ ،‬لم تع""رف عروس""ة المس""كينة أن‬
‫تفرح بحملها أو تخاف من أن تنجب بنتا‪ ،‬وب""اتت ت""دعو هللا ليال‬
‫نهارا أن ال يهبها بنتا وإن كانت بنتا أن يحفظها ويه""دي وال""دها‬
‫لعدم قتلها‪ ،‬مرت س""بعة أش""هر من حمله""ا ك""البرق وب""دأ يق"ترب‬
‫موعد والدتها الذي بات فاجعة بالنسبة إليه""ا خوف""ا على جنينه""ا‬
‫إن كان بنتا‪ ،‬كانت تجيد الحياكة منذ صغرها فق""ررت أن تحي""ك‬
‫جورب لطفلها الق"ادم لتلهي نفس"ها عن التفك"ير والخ"وف وك"ان‬
‫هذا الج""ورب ب""الحرير الخ""الص وخي""ط ال""ذهب‪ ،‬انهت حياكت""ه‬
‫وخبأته لتلبسه لطفلها خصوصا أنها ستلد في الش""تاء‪ ،‬دخ""ل أول‬
‫يوم من ش"هرها التاس"ع ال"ذي ب"ات ن"ذير ش"ؤم وأزداد قل"ق األم‬
‫على جنينها الذي أصبح يرفس وأحست به وأحبته وخافت عليه‬
‫قب""ل أن ت""راه إنه""ا األم تعطي دون مقاب""ل‪ ،‬ب""دأ الع""د التن""ازلي‬
‫وأقترب موعد الوضع‪ ،‬وفج""أة ظه""رت مهم""ة للمل""ك في أح""دى‬
‫القبائل التابعة لمملكته وقعت ح""روب وأض""طر لتودي""ع زوجت""ه‬
‫والذهاب لحل المشكلة‪ .‬وأعتقد أنه سيعود قبل أن تض""ع زوجت""ه‬
‫لكن بعد أن فاتت ثالث أي""ام أش""تد ال""برد وس""قطت الثل""وج ح""تى‬
‫‪37‬‬
‫اكتس""ت األرض حل""ة بيض""اء وأغلقت الط""رق وص""عبت ع""ودة‬
‫الملك واضطر للبق""اء ح""تى ت""ذوب الثل""وج وتفتح الط""رق‪ ،‬وفي‬
‫ه"ذه األثن"اء ب"دأت آالم المخ"اض تقط"ع أحش"اء الملك"ة في ليل"ة‬
‫باردة وك"انت العواص"ف الثلجي"ة تص"فر خارج"ا فلم يس"تطيعوا‬
‫إحضار الطبيب سوى إحدى الدايات التي كانت عجوزا ضعيفة‬
‫تسكن قريبة من القصر التي أتت على جناح الس""رعة لمس""اعدة‬
‫الملكة في والدتها‪ ،‬بع""د ص""راع طوي""ل م""ع اآلالم وم""د وج""زر‬
‫صرخ مولود الملكة التي خارت قواها‪ .‬وأول سؤال سألته‪ :‬ماذا‬
‫أنجبت ؟؟‬
‫فقالت الداية‪ :‬إنها بنت كالقمر ذات ش""عر ذه""بي ووج""ه كالب""در‪،‬‬
‫مبروك عليك صاحبة الجاللة‪.‬‬
‫قالت الملك""ة‪ :‬بنت ‪...‬ي""ا إلهي ال أعلم ه""ل أف""رح أم أبكي هاته""ا‬
‫أخذتها وضمتها ونزلت من مقلتيها أنهار من الدموع‬
‫فنظرت الداية المسنة وقالت‪ :‬لماذا تبكين ماذا يحدث؟‬
‫فردت الملكة‪ :‬ساعديني ابنتي في خطر!! جدي لي حال سيدفنها‬
‫والدها حية وأصبحت تقب"ل ي"دي العج"وز وتق"ول له"ا‪ :‬س"اعدي‬
‫ابنتي أرجوك‬
‫قالت العجوز‪ :‬يا هللا لهذه الدرجة !!‬
‫ثم فكرت قليال وقالت‪ :‬لدي فكرة لقد ساعدت امرأة بدوية قبل""ك‬
‫في الوالدة وقد أنجبت طفال ميتا سآخذ ابنتك له""ا وأجلب الطف""ل‬
‫الميت لك وأخ""بري زوج""ك أن""ك أنجبت طفال ميت""ا الى أن نج""د‬
‫حال ونقنع""ه ب""البنت‪ .‬مس""حت الملك""ة دموعه""ا وق""الت‪ :‬ه""ل أنت‬
‫واثقة منها؟ هل تحفظ السر؟‬
‫ردت العجوز‪ :‬سنسكتها ببعض النق""ود فهي فق""يرة ولن أخبره""ا‬
‫أنها ابنتك حتى نج""د حال‪ .‬وافقت الملك""ة على الف""ور لفت ابنته""ا‬
‫جيدا ثم ألبستها الجورب الذي حاكته بيدها‪ ،‬وأخذت تقبلها وتشم‬
‫ريحها وكأنها تودعها آلخر مرة‪ ،‬خ""رجت العج""وز من القص""ر‬
‫‪38‬‬
‫والفج""ر يك""اد يل""وح وش""احه واتجهت الى البدوي""ة‪ ،‬رفض""ت في‬
‫بادئ األمر ولما رأت النقود وافقت على الفور وأعطتها الطف""ل‬
‫الميت‪ ،‬ولم تخبره"""ا ابن"""ة من هي لكن ع"""رفت من جوربه"""ا‬
‫والنق""ود الكث""يرة ال""تي أعطته""ا العج""وز له""ا أنه""ا ابن""ة أثري""اء‪،‬‬
‫اتجهت الداية العجوز الى القصر مسرعة والبرد يلفحها من كل‬
‫اتجاه وأعطت الطفل الميت للملكة وطمأنتها أن ابنته""ا في أم""ان‬
‫وأن الم"رة القادم"ة س"وف تخبره"ا عن مك"ان ابنته"ا واس"تأذنت‬
‫منها حتى تذهب وترتاح في بيتها فق""د أحس""ت بتعب ش""ديد وفي‬
‫الص""باح انتش""ر خ""بر والدة الملك""ة لطف""ل ميت فك""انت الملك""ة‬
‫منه""ارة وتبكي بك""اءا ش""ديدا ظن""وا الك""ل أنه""ا تبكي ابنه""ا الميت‬
‫ولكنها كانت تبكي على ابنتها التي لم تفرح به""ا وس""لمتها لحم""ة‬
‫طرية إلنقاذها من بطش وال"دها ال"ذي ب"ات في نظره"ا س"فاحا‪،‬‬
‫اتجهوا ح""راس المل""ك إليص""ال الخ""بر إلي""ه وإحض""اره ووص""ل‬
‫الملك وأتجه مباشرة الى جثة ابن""ه المزع""وم وأحتض""نه وأنه""ار‬
‫باكيا ثم قال‪ :‬آه كم أن األبوة ش""عور رائ""ع ولكن ‪ .....‬بع""د م""اذا‪.‬‬
‫دفن الملك جثة ابنه بع""د جن""ازة ملكي""ة كب""يرة حض""رها الجمي""ع‬
‫وع""اد خائب""ا حزين""ا للقص""ر وك""انت زوجت""ه منه""ارة أك""ثر من""ه‬
‫وك"انت تتجنب الح"ديث مع"ه ح"تى ال يكتش"ف م"ا فعلت"ه‪ ،‬دخ"ل‬
‫الحاكم غرفته وأغلقها على نفسه ثم بدأ يتحدث وحده قائال‪ :‬أعلم‬
‫ي""ا إلهي أن""ك ع""اقبتني ألني وص""لت الى قم""ة الجه""ل والغب""اء‬
‫ورفضت نعمتك من قبل أن تأتي أدركت أنها العدالة اإللهية فقد‬
‫أذنبت ورفضت فكرة أن أكون أبو البن""ات فأص""بحت أب""ا لطف""ل‬
‫ميت يا إلهي لقد ندمت سامحني وأنا اآلن راض بق""درك تم""نيت‬
‫أني أب""ا لبنت""ا حي""ة وليس البن تحت ال""تراب س""امحني ي""ا رب‪،‬‬
‫ك""انت الملك""ة تنص""ت لح""ديث زوجه""ا وكم ك""انت فرحته""ا ألن‬
‫زوجها استعاد رشده ووعي""ه ثم أخ""ذت ت""دق الب""اب دق""ات وراء‬

‫‪39‬‬
‫بعضها‪ ،‬فتح الباب نظر إليها وأستغرب وجهها ال""ذي ب""اد علي""ه‬
‫السعادة في ظل هذا الوضع‬
‫فقالت‪ :‬احقا ما سمعت ؟؟؟ هل ندمت هل ستقبل البنات؟‬
‫طأطأ رأسه قائال‪ :‬بعد ماذا بعد م""وت ابنن""ا وربم""ا ك""ان بس""بب‬
‫معاناتك مني نفسيا وأنت حام""ل‪ .‬ف""ردت‪ :‬أنت أب لطفل""ة جميل""ة‬
‫وهي حية ترزق‪.‬رد الملك‪ :‬ماذا؟ كيف والطفل ؟!‪.‬‬
‫فقصت عليه الملكة ما فعلت من أجل إنق""اذ ابنته""ا فف""رح كث""يرا‬
‫وأحتضن زوجته باكيا طالبا السماح عما أقترفه في حقها وح""ق‬
‫ابنت""ه ورح""ل مس""رعا الى الداي""ة كي تخ""بره عن مك""ان ابنت""ه‬
‫وإحضارها في الحال‪ ،‬كانت الملكة سعيدة أنها أخيرا ستحتضن‬
‫ابنته"""ا وتعيش في حض"""نها‪ ،‬واتجهت الى غرفته"""ا وطلبت من‬
‫الج""واري تجه""يز س""رير طفلته""ا وفرش""ت األرض ب""الورود‬
‫وذهبت تغير مالبسها وتتجمل لهذا اللقاء الذي كان حلما بالنسبة‬
‫لها‪ ،‬وص""ل المل""ك الى بيت الداي""ة دق الب""اب م""ع الح""رس م""رة‬
‫وأث""نين وثالث""ة ال حي""اة لمن تن""ادي ال أح""د يجيب‪ ،‬ف""أمر المل""ك‬
‫الحراس بكسر الباب ودخلوا ليجدوا العج""وز ملق""اة على س""طح‬
‫األرض يبدو كأنها تلفظ أنفاسا أخيرة ‪.‬‬
‫صرخ الملك‪ :‬احضروا طبيبا بسرعة وأخ""ذها المل""ك ووض""عها‬
‫فوق سريرها وبعد لحظات وصل الطبيب كشف عليه""ا وأغل""ق‬
‫عيناها قائال‪ :‬البقاء هلل توق""ف قلبه""ا‪ .‬جن جن""ون المل""ك وص""رخ‬
‫ال‪ ....‬ال ابنتي وأمسك العجوز وهو يصرخ ابن""تي ‪ ....‬أين هي؟‬
‫أخبريني وأخذ الطبيب يهدأ من روعه قائال‪ :‬جالل""ة المل""ك إنه""ا‬
‫ميتة‪ ،‬سكن المل""ك عن الحرك""ة وق""ال‪ :‬م""اذا أق""ول لزوج""تي لق"د‬
‫فقدنا ابنتنا الى األبد‪ ،‬عاد الملك مهزوما خائب""ا وك""انت الزوج""ة‬
‫سعيدة تنتظر احتضان فلذة كبدها‪ ،‬دخل المل""ك اس""تقبلته بس""عادة‬
‫وتفاجأت بلون وجهه الذي ال يبشر بالخير‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫فقالت‪ :‬أين ابنتي ؟! فسكت المل""ك وطأط""أ رأس""ه ص""رخت أين‬
‫طفلتي هل خدعتني وقتلتها؟‬
‫رد‪ :‬ال ‪ ....‬ال ابنتنا ضاعت الى األبد فالداية ماتت والس""ر معه""ا‬
‫ولم يكم""ل كالم""ه ح""تى وقعت الملك""ة مغش""يا عليه""ا من ه""ول‬
‫الصدمة وبقيت في غيبوبة وك"ادت تم"وت ولم"ا ع"ادت لوعيه"ا‬
‫بقيت منهارة نفسيا فقد أصبحت دائمة الص""مت‪ ،‬أم""ا المل""ك فق""د‬
‫حاول البحث عن ابنته دون فائدة فمربيتها أخ""ذتها ورحلت حين‬
‫لم تعد إليه""ا الداي""ة‪ ،‬وم""رت الس""نوات ‪........‬وأص""بحت الطفل""ة‬
‫حسناء تبه""ر ك""ل من رآه""ا بجماله""ا وق""د أس""متها مربيته""ا ن""ور‬
‫القمر‪ .‬كانت نور القمر أحلى وأجمل بدوية وك""ل ش""باب قريته""ا‬
‫يتهاطلون خاطبين لها‪ ،‬عانت األمرين عند مربيته""ا فق""د أنجبت‬
‫بع"دها بنت"ا وأحبته"ا وب"اتت تعامله"ا كخادم"ة‪ ،‬لكن وال"دها ك"ان‬
‫ينصفها دائما ويحبها أكثر من ابنته الحقيقية فقد كانت نور طيبة‬
‫حنونة مطيع"ة عاش"ت حي"اة الش"قاء والفق"ر والب"دو وهي أم"يرة‬
‫مدلل""ة ج""راء ك""ره وال""دها للبن""ات م""ع أن البنت نعم""ة وردة في‬
‫األسرة رمز للحنان والعطاء إال أن الكث""ير من اآلب""اء ولألس""ف‬
‫مازالوا ينبذون الفتاة لحد اليوم ويعتقدون أنها وصمة عار قنبل""ة‬
‫موقوتة ستنفجر في أي لحظة تص""فر وج""وههم حين س""ماع نب""أ‬
‫والدتها متناسين أن البنت رزق ونعمة من هللا يقول أحد العلماء‬
‫إن األنبياء أب""اء البن""ات‪ ،‬ك""انت ن""ور تق""وم ب""اكرا تطبخ وتغس""ل‬
‫وتكنس وتتحمل فوقها اإلهانات والشتائم من أمه""ا المربي""ة وق""د‬
‫أعجبت بأحد شباب قريتها وأتاها خاطب""ا لكن وال""دتها رفض""ت‪،‬‬
‫وهذه المرة قررت نور أن تنطق وتتكلم عن حقها‪.‬‬
‫فقالت ألمه""ا‪ :‬الي""وم أري""د تفس""ير لم""اذا تع""امليني ه""ذه المعامل""ة‬
‫القاسية؟ لماذا ترفضين كل خاطب؟ لماذا بخطأ أو صواب أسب‬
‫وأشتم عكس أخ""تي الص""غرى ألس""ت أبنت""ك من لحم""ك ودم""ك؟‬
‫أصفر وجه األم ولم تجد جواب"ا‪ .‬وفي ه"ذه األثن"اء دخ"ل وال"دها‬
‫‪41‬‬
‫قائال‪ :‬ماذا يحدث؟ لكن نور ص""رخت أبي ك""رهت ه""ذا الوض""ع‬
‫ذقت ذرعا من هذا الع""ذاب ه""ل أن""ا ابنتكم أم جاري""ة أفهم""ني ي""ا‬
‫وال"دي‪ .‬وق""ع الوال"د أرض""ا باكي"ا س"امحيني ي"ا ابن"تي س"أخبرك‬
‫الحقيقة‪ ،‬نطقت زوجته ال ‪.......‬ال فق""الت ن""ور ماس""حة دموعه""ا‬
‫ال""تي انهم""رت كالودي""ان‪ :‬عن أي حقيق"ة تتح""دث ي""ا أبي؟ فقص‬
‫الوال"د له"ا قص""تها وكي"ف أحض""رتها الداي"ة ولم"ا أكم"ل كالم"ه‬
‫انفجرت باكية هل أنا ابنة حرام يا أبي ؟؟‬
‫ف""رد‪ :‬ال‪...‬ال يب""دو ذل""ك فهن""اك قص""ة م""اء وراء إحض""ارك لن""ا‬
‫وعائلتك تبدو غني""ة وذهب وأحض""ر له""ا الج""ورب ال""تي ك""انت‬
‫ترتديه وهي صغيرة قائال‪ :‬هذا دليل عن عائلتك أنه من الحرير‬
‫وخيط الذهب‪ .‬أخ"ذت الج"ورب ونظ"رت إليهم"ا قائل"ة‪ :‬لم"اذا لم‬
‫تخ""بروني للي""وم؟ أم انكم وج""دتم خادم""ة دون أج""ر بكى الوال""د‬
‫قائال‪ :‬وهللا أحببتك كابنة وأكثر‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬أسكت أنت لست والدي وكنت تراني في الذل والع""ذاب‬
‫ولم تحرك ساكنا والتفتت الى مربيتها التي س""كنت عن الحرك""ة‬
‫والكالم وقالت‪ :‬لن أسامحكم جميعا فق"د دم"رتم حي"اتي‪ ،‬س"أجمع‬
‫أغراضي وأرحل من هنا‪ .‬ثم دخلت تجمع مالبسها لحقتها أختها‬
‫الصغرى باكية بعدما سمعت كل ش""يء وق""الت‪ :‬ال ت""رحلي أنت‬
‫أختي ولن تتركيني نظرت إليها ن""ور منه""ارة وق""الت‪ :‬أنت ليس‬
‫لديك ذنب ستبقي أختي أما أنا يجب أن أرحل من هنا أنت ل""ديك‬
‫والديك أما أنا يجب أن أبحث عن عائلتي ي""ا حبيب""تي‪ ،‬ثم أخ""ذت‬
‫أغراضها وقبلته""ا أم""ا وال""دها ك""ان يبكي ويق""ول له""ا س""امحيني‬
‫لكنها لم تعبره ولم ترد عليه بكلمة ورحلت تبكي‪ ،‬وفي الطري""ق‬
‫وجدها حسام الشاب الذي خطبها في تلك الحالة فقال لها‪ :‬ما بك‬
‫ماذا حدث؟ فقصت عليه ما حدث فص""مم أن ال يتركه""ا وأخ""ذها‬
‫الى أمه وقرر أن يعقد قران""ه عليه""ا ويبحث معه""ا عن عائلته""ا‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫ت""زوجت ن""ور من حس""ام ومكثت ثالث أش""هر عن""د زوجه""ا ثم‬
‫قررت بدء رحلة البحث‪.‬‬
‫ق""ال له"ا زوجه"ا حس"ام‪ :‬أنت حام"ل ي"ا عزي"زتي والس"فر ع"بر‬
‫العربة يضر الجنين‬
‫فردت نور‪ :‬لن أصبر أكثر أريد ألبني أن يولد وس""ط جدي""ه إن‬
‫كانا أحياء‪.‬‬
‫فقال‪ :‬حسنا عزيزتي سننطلق غدا بإذن هللا‪ ،‬وفي الصباح حزما‬
‫أمتعتهما لرحلة طويلة متجه""ان الى المدين""ة ال""تي ك""انت مربي""ة‬
‫نور تسكن فيها لعلهما يجدا خيطا يوصلهما لوالديها‪ ،‬أما الملك""ة‬
‫أمها فقد بدأت تعود الى رشدها وقررت فتح ميتم وكان همها أن‬
‫تدخل السعادة الى قلب كل طفل في مدينتها وكانت كل عام وفي‬
‫مولد ابنتها بالذات تشتري الهدايا وتقيم حفل""ة كب""يرة ت""دعو فيه""ا‬
‫ك""ل األطف""ال وت""وزع عليهم اله""دايا‪ ،‬وص""لت ن""ور الى المدين""ة‬
‫وأعجبته""ا المدين""ة وانبه""رت به""ا خصوص""ا حين رأت القص""ر‬
‫الملكي ومكثت في المدين""ة وب""دأت ب""البحث‪ ،‬و ك""انت ك""ل ي""وم‬
‫تخرج مع زوجها وتس"أل والج"ورب في ي"ديها اض"طرت ح"تى‬
‫على ال""دق على ال""بيوت للس""ؤال عن ام""رأة تحي""ك به""ذا الش""كل‬
‫ومرت األيام والشهور وب"دأ بطنه"ا ي"برز ولم تج"د خيط"ا ي"دلها‬
‫على والدتها التي كانت قريبة ج""دا منه""ا في القص""ر ال""ذي تم""ر‬
‫عليه نور يوميا مع زوجها وكانت كلما م""رت ت""ديم النظ""ر إلي""ه‬
‫وكأن شيئا ما يج""ذبها إلي""ه‪ ،‬ك""انت الملك""ة مهتم""ة بالتحض""يرات‬
‫لعيد مول"د ابنته"ا الض"ائعة ال"تي تعوض"ه بجم"ع أطف"ال المدين"ة‬
‫حولها أما الملك فقد كان سعيدا لرؤية زوجته سعيدة التي بس""ببه‬
‫حرمت من ابنتها وحرمها الق"در من أن تنجب بع"د أن مرض"ت‬
‫من جراء صدمتها على ابنتها ونزفت حتى الموت أثن"اء نفاس"ها‬
‫واضطروا الستئصال رحمها وحرمانها من الخلفة نهائي""ا‪ ،‬وق""د‬
‫طلبت من الملك عدة م""رات أن ي""تزوج وينجب لكن""ه أبى كون""ه‬
‫‪43‬‬
‫السبب في ما وقع‪ ،‬وفي ليلة باردة نهضت نور تصرخ آه ‪.....‬آه‬
‫إنها آالم ال"والدة أحض""ر حس"ام الط"بيب بس"رعة وبع"د ص""راخ‬
‫وآالم أنجبت صبيا جميال وق""د أس""مته ب""در‪ ،‬ف""رح حس""ام وق""ال‪:‬‬
‫مبروك عزيزتي نور‪ .‬بكت نور واحتضنت ابنه""ا قائل""ة‪ :‬أردت‬
‫أن يلد وسط جديه لكني لم أتوص""ل إليهم"ا ق""ررت ي"ا زوجي أن‬
‫نعود الى القرية ال فائدة من بقائنا فلن أعثر على والديا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬حسنا يا عزيزتي أنا أيضا كنت سأقول هذا فقد انتهت كل‬
‫نقودنا وكم""ا ت""رين العم""ل في المدين""ة ص""عب وص""احب ال""بيت‬
‫طلب اإليجار لذلك سأنتظر حتى تطي""بي أيام""ا ثم نع""ود س""تفرح‬
‫أمي كثيرا بحفيدها‪.‬‬
‫ردت‪ :‬اتفقنا‪ ،‬وبعد أيام وفي ليل""ة ب""اردة والثلج يتس""اقط ح""زمت‬
‫نور أمتعتهم مس""تعدة للع""ودة الى ق""ريتهم دخ""ل حس""ام الى ن""ور‬
‫قائال‪ :‬جهزي نفسك سنذهب الى حفلة تقيمها الملكة لكل األطفال‬
‫وتوزع عليهم الهدايا‬
‫قالت نور‪ :‬لن أذهب الطقس بارد‬
‫رد حسام‪ :‬المكان قريب البسي بدر جيدا ونذهب لطالما أعجب""ك‬
‫القصر وجاءت فرصة كي تريه من الداخل قبل أن نرحل غ""دا‪.‬‬
‫فك""رت ن""ور وق""الت‪ :‬حس""نا سألبس""ه جي""دا أه ت""ذكرت الج""ورب‬
‫سألبسه جوربي حتى أحمي قدميه من البرد ألبست ابنها ولبست‬
‫وخ""رجت متجه""ة الى القص""ر مس""قط رأس""ها المك""ان ال""ذي في""ه‬
‫ضالتها التي تبحث عنها‪ ،‬دخلت تحمل ابنه""ا بي""دها تنظ""ر يمين""ا‬
‫وشماال منبهرة بالمكان كانت الموسيقى واألطفال والج""و رائع""ا‬
‫سعدت نور كثيرا وقالت لحس""ام ش""كرا عزي""زي إن""ه ج""و رائ""ع‬
‫وفجأة دخلت الملكة وسكت الجميع وتكلمت الملك"ة قائل"ة‪ :‬الي"وم‬
‫هو يوم عزي""ز علي""ا ه""و ي""وم والدتي البن""تي وفق""دانها في نفس‬
‫اليوم وال شيء يدخل السعادة لقلبي قدر رؤية األطفال سعيدة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫نظ""رت ن""ور إلى حس""ام قائل""ة‪ :‬مس""كينة الملك""ة ت""وفيت ابنته""ا‬
‫ودمعت عيناها‪ .‬فقال حسام‪ :‬ال وقت للدموع عزي""زتي انبس""طي‬
‫فقالت‪ :‬تذكرت فقداني ألمي ولم تتصور واح""د بالمائ""ة أنه""ا هي‬
‫المقصودة بدأت الحفلة والكل يرقص واألطف""ال تأك""ل الحل""وى‪،‬‬
‫والبالونات تطير‪ ،‬والملكة تتجول وسط القاع"ة وتس"تمتع برؤي"ة‬
‫األطف""ال والحش""ود‪ ،‬وص""لت الملك""ة ق""رب ن""ور ولمحت طفله""ا‬
‫ولمحت لمعان جوربه‪ ،‬توقفت تمعنت جيدا ما رأته وق""الت‪ :‬إن""ه‬
‫ج""ورب طفل""تي غ""ير معق""ول؟ اق""تربت تتمعن ون""ور لم تنتب""ه‬
‫لتحديق الملكة لرجلي طفلها وفج""أة اس""تدارت ن""ور لتق""ع عينه""ا‬
‫بعين الملك""ة‪ ،‬أحس""ت ن""ور بإحس""اس غ""ريب لم تس""تطع الملك""ة‬
‫الح""ديث من ه""ول الص""دمة‪ ،‬فأش""ارت إلى ج""ورب ابن ن""ور‬
‫وال"""دموع ت"""ترقرق من عينه"""ا‪ ،‬فنظ"""رت ن"""ور إلى الج"""ورب‬
‫ونظ""رت إلى ح""ال الملك""ة وق""الت ن""ور‪ :‬ال‪ ....‬تق""ولي أن""ك أنت‬
‫حائكة الجورب! انفجرت الملكة باكية مش""يرة برأس""ها‪ :‬نعم ‪....‬‬
‫نعم‪ ،‬ثم نطقت‪ :‬وأنت ال تقولي أنك صاحبة الجورب‪ ،‬ص""رخت‬
‫ن""ور أمي وأعطت طفله""ا لحس""ام‪ ،‬حس""ام لم يفهم ش""يئا حض""نت‬
‫نور والملكة بعضهما‪ ،‬وكلتاهما تصرخان أمي ‪...‬ابن""تي ت""وقفت‬
‫الموسيقى وهدأت الحشود وص""متت لتتف""رج على ه""ذا الموق""ف‬
‫المحزن والمف"رح في نفس ال""وقت‪ ،‬ه""دأت الملك""ة قليال‪ ،‬أخ""ذت‬
‫حفيدها لتقبله من كل مكان وهي تشكر هللا وتحمده‪.‬‬
‫ثم ق""الت‪ :‬أكمل""وا الحفل""ة فق""د ص""ارت حفل""تين‪ ،‬وأخ""ذت ن""ور‬
‫وطفلها وزوجها واتجهت إلى الملك الذي م""ا إن ع""رف ب""األمر‬
‫حتى خّر ساجدا يشكر هللا قائال‪ :‬الحمد هلل فقدت بنتا فعاد اث""نين‪،‬‬
‫بنتا وولدا‪.‬‬
‫فقال حسام‪ :‬أحم أحم ثالثة يا عمي وأنا لس""ت محس""وبا‪ ،‬ض""حك‬
‫الملك والملكة ونور‪ ،‬وق""الت ل""ه الملك""ة‪ :‬أنت الك""ل في الك""ل ي""ا‬
‫ابني يكفي أنك حفظت ابنتي ورعيتها‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫ق""الت ل""ه ن""ور‪ :‬أحم""د هللا فحظ""ك من ذهب ت""زوجت بدوي""ة‬
‫فتح""ولت إلى أم""يرة‪ ،‬ض""حك حس""ام وض""حكوا جميع""ا وانتهت‬
‫سنين العذاب وعمت السعادة‪ ،‬ولم تنسى نور العائلة التي ربته""ا‬
‫فقد زارتهم وانحنت أمها المربية لها‪ ،‬فقالت لها ن""ور‪ :‬ال تنح""ني‬
‫لي فقد كنت في ي""وم من األي""ام أم""ا لي ورعيت""ني‪ ،‬وأتت أخته""ا‬
‫الصغرى من بعيد تصرخ أختي نور عادت ألم أقل لكم أنه""ا لن‬
‫تنسانا‪ ،‬واحتض""نت ن""ور أخته""ا وج""اء وال""دها الم""ربي مطأطئ""ا‬
‫رأسه فاحتضنته قائلة‪ :‬سامحتك يا أبي ثم قالت كم أنا محظوظ"ة‬
‫ل""دّي ُأمين وأب""وين‪ ،‬جئت آخ""ذكم لنعيش كلن""ا كعائل""ة واح""دة‪،‬‬
‫وننس""ى الحق""د والك""ره والع""ذاب‪ ،‬ونفتح ص""فحة جدي""دة مليئ""ة‬
‫بالحب والسالم‬

‫هـــــذه ليـــست حـــياة‬


‫أقف على حافة الطريق حافي"ة الق"دمين أرت"دي فس"تان الش"قاء‬
‫وأحمل على ظهري أثقال وهموم العالم وأن""ا بنت اإلث""ني عش""ر‬
‫ربيعا‪ ،‬تجرعت كؤوس األلم بكل أشكالها فلم أدرس ولم أعرف‬
‫‪46‬‬
‫كي""ف يحم""ل القلم ك""ان حلمي من""ذ ص""غري محفظ""ة‪ ،‬وكتب‪،‬‬
‫وأقالم‪ ،‬وكنت أتمنى أن أص""بح مدرس""ة‪ ،‬لكن ُأغ""تيلت طفول""تي‬
‫وحكم على أحالمي باإلعدام ولم يعد للمستقبل مكان في حياتي‪،‬‬
‫اح""ترفت مهن""ة التس""ول وزينت وجهي بمالمح الح""زن ح""تى‬
‫يرأف المارون بي ويمنحوني ماال أو طعام""ا‪ ،‬وأحيان""ا أس""رقهم‬
‫إن لم يعطوني شيئا‪ ،‬هكذا علمتني أمي بعد أن خذلنا أبي ورحل‬
‫متهربا من مسؤولياته تجاهنا أنا وإخوتي‪ ،‬وتركن""ا لل""زمن يعبث‬
‫بنا كما يري""د‪ ،‬كنت ألتقي ب""ه وه""و مخم""ور يتالطم على أس""وار‬
‫المدينة وين""ام أحيان""ا في الش""ارع‪ ،‬وإذا رآني ينظ""ر لي بنص""ف‬
‫عين وكأنه ال يعرفني لم أعرف حنانه‪ ،‬ولم أتذوق عطف""ه‪ ،‬ك""ان‬
‫بالنس""بة لي غريب""ا اس""مه أبي كنت يتيم""ة ألب حي‪ ،‬في بي""تي‬
‫القصديري أنام كل ليلة وسط كومة تبن أفترشها وأتغطى بها أو‬
‫باألحرى أدخل وس""طها كش""رنقة ح""تى ال يأك""ل ال""برد عظ""امي‬
‫وينهشه الصقيع‪ ،‬فأحتضن نفس""ي ودم""وعي الب""اردة ت""نزل على‬
‫خ""دي كقط""ع الجلي""د‪ ،‬وأس""تيقظ بين الحين واآلخ""ر على س""عال‬
‫إخوتي الذي يصاحبهم طيلة ليالي الشتاء الطويل"ة‪ ،‬ثم أغف"و م"ع‬
‫موسيقى األمط""ار المتس""ربة من الس""قف وهي تقط""ر في ال""دالء‬
‫ال"تي تض""عها أمي تحت ك"ل ثقب ح"تى يح"ل الص""باح‪ ،‬ف""أنفض‬
‫التبن عن وجهي وشعري األشعث الذي ت""داخلت خص""الته في‬
‫بعض""ها فأص""بح كأس""الك ش""ائكة‪ ،‬وأض""ع ق""دمي على األرض‬
‫فتصدر ص""وت كص""وت ط""رق الحدي""د فق""د تح""دبت وانفج""رت‬
‫بال""دماء من ك""ل ص""وب ثم أنطل""ق إلى عملي ومع""دتي تص""در‬
‫أص""وات النحيب وهي في ح""رب م""ع الج""وع ال""ذي اخ""ترق‬
‫جدارها ومزق"ه فأض"ع ي"دي عليه"ا ألس"كتها‪ ،‬وأنس"ى ش"كواها‪،‬‬
‫وأمد يدي لكل مار م""رددة بعض الكلم""ات ال""تي حفظته""ا‪ :‬هلل ي""ا‬
‫محسنين‪ ،‬ص""دقة تقي""ك من الن""ار‪ ،‬البعض ي""رأف بي ويعطي""ني‬
‫بعض ال"""دنانير‪ ،‬والبعض ي"""دفعني كي يزيح"""ني عن طريق"""ه‪،‬‬
‫‪47‬‬
‫والبعض ينظ""رون لي نظ""رة ش""فقة وحين ينتهي ي""ومي الب""ائس‬
‫أعود مساًء ألحمل ألمي ما جنيته حتى يأك""ل إخ""وتي الص""غار‪،‬‬
‫وفي يوم بارد وممطر خرجت كالعادة إلى عملي وقد أخذ البرد‬
‫من جسدي النحيل نصيبه‪ ،‬فمررت ص""دفة بمح""ل ل""بيع األلبس""ة‬
‫الشتوية لفت انتباهي فتوقفت وأنا أرتع""د من ال""برد‪ ،‬رأيت دمي""ة‬
‫تلبس معطفا فضحكت وقلت‪ :‬ي""ا لس""خرية ال""زمن نظ""رت إليه""ا‬
‫وخاطبتها قائلة ‪ :‬أال يجدر بي أن أكون مكان""ك وألبس معطف""ك‪،‬‬
‫ماذا يحدث للدنيا ل"و كنت أمتل"ك معطف"ك‪ ،‬ونظ"رت إلى زج"اج‬
‫المحل‪ ،‬كان مرآة رأيت نفسي فيه وقد بلل المط""ر وجهي‪ ،‬وب""دأ‬
‫يزيل سواد الفحم الذي يغطيه فحاولت مس""حه بفس""تاني المم""زق‬
‫الذي أصبح كجلد قديم تفوح منه رائح""ة ال""دخان والتبن‪ ،‬وح""تى‬
‫رائح""ة العفن فجس""دي من""ذ ش""هور لم يع""رف حمام""ا‪ ،‬مس""حت‬
‫وجهي ونظرت إليه وق""د ب""دت مالمحي جميل""ة‪ ،‬وتخيلت نفس""ي‬
‫نظيفة ومرتبة وشعري مسرح وينزل على كتفي مثل البنات في‬
‫س"""ني‪ ،‬وأق"""ف م"""ع أبي وه"""و ي"""دللني ويخ"""يرني أي معط"""ف‬
‫سأشتري‪ ،‬ودخلت ع""الم األحالم وأحسس""ت بالس""عادة‪ ،‬ثم ب""دأت‬
‫أدور وأتخي""ل نفس""ي ألبس""ه ح""تى أني ش""عرت بدفئ""ه وفج""أة‬
‫انصدمت بصاحب المحل فدفعني قائال‪ :‬اذهبي من هنا‪ ،‬ووقعت‬
‫على األرض وت""ذكرت أن""ه ال يح""ق لي أن أحلم وبكيت بع""دد‬
‫زخات المطر التي تقع على رأسي‪ ،‬وقلت ماذا لو تركت""ني أحلم‬
‫قليال وأعيش كأي إنسان‪ ،‬لماذا جعلتني أعود لواقعي المر ألج""د‬
‫نفسي تلك المتسولة البائسة ذات الشعر المجعد المحش""و ب""التبن‪،‬‬
‫وال""تي م""اتت آماله""ا وانتح""رت فرح""ة أيامه""ا من""ذ ص""غرها‪،‬‬
‫أحسدتني في لحظات من السعادة‪ ،‬ثم تذكرت أنه يوجد أشخاص‬
‫ينامون على فراش من حرير وبيت دافئ‪ ،‬ويس""تيقظون ليج""دوا‬
‫حمام"""ا س"""اخنا‪ ،‬وفط"""ورا لذي"""ذا ووال"""د ي"""دللهم‪ ،‬وي"""ترك لهم‬
‫مصروفهم‪ ،‬يذهبون إلى مدارس""هم ويع""ودون‪ ،‬يملك""ون هوات""ف‬
‫‪48‬‬
‫نقالة وعالم أزرق خاص بهم‪ ،‬يتواصلون م""ع أص""دقائهم في""ه ثم‬
‫يقولون مللنا ‪ ..‬هذه ليست حياة‪ ،‬أين أنتم يا أصحاب ه""ذه ليس""ت‬
‫حياة‪ ،‬وأخ"بروني ه"ل حي"اتي أن"ا حي"اة؟ حي"اتكم ال"تي تس"مونها‬
‫بليست حياة هي حلم لكل بائس وكل من ال يملك حياة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الرحيـــــل‬
‫في شتاء قاس أقس""ى من قل""وب بعض البش""ر‪ ،‬وفي الس""اعة‬
‫السابعة والنصف صباحا من أح""د أيام""ه خ""رج أيمن من منزل""ه‬
‫يحمل س""لة الفط""ائر الس""اخنة‪ ،‬ذاك الطف""ل ذو الثاني""ة عش""ر من‬
‫عمره كان مستعجال فمش""يته الس""ريعة ووجه""ه ال""ذي لبس ثوب""ا‬
‫أصفرا يدل على قلق""ه وين""ذر ب""أن هن""اك خطب م""ا‪ ،‬ك""ان الج""و‬
‫باردا والسماء ملبدة كاحل""ة الوج""ه‪ ،‬والري""اح الب""اردة تلفح""ه من‬
‫كل اتجاه‪ ،‬وتغير مساره كل تارة وأخرى‪ ،‬وجسده النحيل ال""ذي‬
‫لم يتحمل قوة دفعه""ا ل""ه ك""ان يتماي""ل معه""ا ك""المخمور‪ ،‬وكأنه""ا‬
‫غاضبة عليه وتحاول إزاحته من طريقها‪ ،‬وفجأة بدأت األمطار‬
‫تنزل زخات من السماء‪ ،‬فكان يس""مع قرعه""ا على رأس""ه كأنه""ا‬
‫مسامير ب"اردة تح"اول اخ"تراق جمجمت"ه‪ ،‬ثم ت"نزل على وجه"ه‬
‫فيمس""حها بيدي""ه‪ ،‬واحتض""ن س""لة الفط""ائر ح""تى ال تتبل""ل وكأن""ه‬
‫يحمل كنزا ثمينا أو يخبئ آماله وطموحاته فيها‪ ،‬ك""انت الفط""ائر‬
‫ال ت""زال س""اخنة‪ ،‬ف""أحس ب""دفئها فألص""ق ي""ده به""ا ح""تى يط""ير‬
‫صقيعها‪ ،‬نظر يمينا وشماال‪ ،‬بدأ األطفال في مثل سنه يخرجون‬
‫بحقائب الدراسة يلبسون معاطف وط""رابيش من القطن‪ ،‬فوق""ف‬
‫هنيه""ة وتنه""د فخ""رج برك""ان من فم""ه اختل""ط بين ال""برد والهم‪،‬‬
‫ونظر إلى حاله ولباسه البال الذي لم يقه برد هذا الي""وم‪ ،‬وقدم""ه‬
‫التي بدأت تتلطخ بالوحل بسبب حذائه الذي يخرج أصبعه من""ه‪،‬‬
‫ت""ذكر كم ك""ان تلمي""ذا نجيب""ا وكم ك""ان يحب دراس""ته ويحلم أن‬
‫يص""بح طبيب""ا‪ ،‬ن""زلت دمع""ة من مقلتي""ه لكن الص""قيع س""جنها‬
‫بجن""وده‪ ،‬فتجم""دت هن""اك واش""تعل حريق""ا في جوف""ه ووقعت‬
‫جم""رات من""ه على أحش""ائه ف""أحس بالحس""رة‪ ،‬لكن""ه ك""ان ي""برد‬
‫حريق"ه بت"ذكير نفس"ه أن"ه ت"رك دراس"ته من أج"ل أن يعي"ل أم"ه‬
‫وإخوته األربعة بعد وفاة وال"ده‪ ،‬ت"ذكر أن"ه أص"بح مس"ؤوال عن‬
‫‪50‬‬
‫عائلة‪ ،‬تذكر أنه حمل الهم على ظهره وعوده لم يخضر بعد‪ ،‬ثم‬
‫تذكر وعده ألمه بأن يعود بسرعة‪ ،‬فأخذ يهرول فقد ت""رك أخت""ه‬
‫الرض""يعة تبكي جوع""ا ويجب أن ي""بيع الفط""ائر كي ي""وفر ثمن‬
‫الحليب‪ ،‬بحث عن مكان يحتمي فيه من المطر فقد ب""دأت تش""تد‪،‬‬
‫كان يضع وشاحا أخضر طويال على رقبته فأخذ نصفه وض""عه‬
‫على رأسه والنصف اآلخر غطى به الفط""ائر‪ ،‬وانطل""ق بوجه""ه‬
‫الع""ابس المتجهم‪ ،‬وص""ل إلى موق""ف س""يارات‪ ،‬وق""ف وأخ""ذ‬
‫ينادي ‪ :‬فط""ائر س""اخنة ‪ ....‬فط""ائر ‪ ..‬ولكن قلت الم""ارة‪ ،‬وأخت""ه‬
‫في المنزل تص""رخ وأم""ه تط""ل من الناف""ذة وتنظ""ر إلى غض""ب‬
‫الس""ماء وإلى خي""وط ال""برق ال""تي تض""يء المك""ان بين الحين‬
‫واألخر وصوت الرعد الذي يدوي كمدافع الحرب‪ ،‬وهي خائفة‬
‫على ابنها وقلبه""ا يخف"ق بطريق"ة لم يعت""د عليه""ا‪ ،‬فأخ""ذت ت""دور‬
‫وتقول خير إن شاء هللا‪ ،‬وتذكرت كي""ف خ""رج أيمن ابنه""ا الب""ار‬
‫وهو يقبل يديها ويعدها بأن يعود بحليب أخته‪ ،‬وفي تلك األثن""اء‬
‫كان أيمن يطلب هللا أن يشتري أحد م""ا فط""ائره‪ ،‬وفج""أة ت""وقفت‬
‫سيارة أجرة في الناحية األخرى من الطريق وأشار أحدهم إلي""ه‬
‫ففرح وأخذ يجري متجها نحوه‪ ،‬وكانت تمر بجانبه سيارة فخمة‬
‫فوضع قدمه في بركة من الوحل ليتطاير الوح""ل على الس""يارة‪،‬‬
‫فأخذ يضرب صاحبها رنين السيارة ثم توقف ونزل منها‪ ،‬انتب""ه‬
‫أيمن لما حدث فتسمر مكانه متوقعا أن يح""دث ش""يء لم يكن في‬
‫الحسبان‪ ،‬اتجه الرجل غاضبا صوب أيمن وص""فعه دون س""ابق‬
‫إنذار قائال‪ :‬تب"ا ل"ك لق"د وس"خت س"يارتي ثم ت"ذمر ق"ائال‪ :‬كي"ف‬
‫سأحضر اجتماعي وسيارتي هكذا‪ ،‬وق""ع أيمن على األرض من‬
‫قوة الص""فعة‪ ،‬ووقعت مع""ه أحالم""ه وآمال""ه‪ ،‬ووقعت كرامت""ه و‬
‫كبرياؤه أيضا‪ ،‬تمرغت السلة في الوح"ل وانتش"رت فط"ائره في‬
‫ك""ل مك""ان‪ ،‬لم يهتم ص""احب الس""يارة إلى أيمن وركب س""يارته‬
‫ورحل تاركا أيمن في مكانه‪ ،‬أما سيارة األجرة فقد أقلعت أيضا‬
‫‪51‬‬
‫وذهبت خال الش"""ارع‪ ،‬اش"""تد ال"""برد وأيمن م"""زاال في مكان"""ه‬
‫مصدوما واألمطار تتساقط فوق رأسه‪ ،‬وجسده يرتعد من ال"برد‬
‫ويتجم""د فق""د أص""بح كتل""ة من الوح""ل‪ ،‬ك""انت دموع""ه م""درارا‪،‬‬
‫واشتدت دموع السماء وكأنها أحست به وبكت لبكائه‪ ،‬ثم التفت‬
‫حول"ه وق""ال‪ :‬م"اذا أق""ول ألمي كي"ف أع"ود دون حليب ألخ"تي‪،‬‬
‫ض""اعت الفط""ائر ثم ص""رخ أهنت ي""ا أم""اه م""ا ذن""بي أن""ا‪ ،‬لم""اذا‬
‫األغنياء ال يروونا بشر‪ ،‬لماذا خلقنا فقراء؟ آسف يا أمي فأن""ا لم‬
‫أوفي بوع""دي ل""ك‪ ،‬الفق""ير لن يفع""ل ش""يء في حيات""ه لن يتركن""ا‬
‫األغني""اء نعيش ولن يحس""وا بن""ا‪ ،‬الفق"ير ال يجب أن يعيش يجب‬
‫أن يترك الطريق لألغنياء ح"تى ال ي"زعجهم‪ ،‬ب"دأ يحس بجس"ده‬
‫يتجمد وهو مزال في مكان""ه‪ ،‬تس""مر كتمث""ال ولم يع""د يحس بم""ا‬
‫حوله‪ ،‬فالحسرة والخيب""ة ش""لته عن الحرك""ة واإلحس""اس‪ ،‬وبع""د‬
‫عدة ساعات كان ذاك الرجل في ش"ركته بع"دما أنهى اجتماع"ه‪،‬‬
‫وجلس في مكتبه وبدأ يرجع شريط ذاكرته‪ ،‬وت""ذكر ذاك الطف""ل‬
‫ال""ذي ص""فعه ثم تفطن ض""ميره وق""رر الع""ودة إلى نفس المك""ان‬
‫ليبحث عنه‪ ،‬ويطيب خاطره بعد أن هدأت األمطار مخلف""ة ع""دة‬
‫أض"""رار وانجراف"""ات وودي"""ان‪ ،‬ركب س"""يارته وفي الطري"""ق‬
‫صادف حشدا كبيرا ملتفين فأوقف سيارته ون""زل ل""يرى األم""ر‪،‬‬
‫ولما اقترب سمع الناس يقولون‪ :‬ال حول وال ق""وة إال باهلل م""زال‬
‫طفال‪ ،‬اقترب أكثر وكانت صدمة إنه طفل جرفته مياه األمط""ار‬
‫جث""ة هام""دة‪ ،‬ولم""ا تمعن في""ه عرف""ه إن""ه نفس الطف""ل ال""ذي ق""ام‬
‫بص""فعه‪ ،‬ووق""ع على ركبتي""ه من ه""ول الص""دمة وك""ل الن""اس‬
‫استدارت تسأله هل تعرفه؟ ه""ل ه""و قريب""ك؟ لم نع""رف ابن من‬
‫بعد‪ ،‬لكنه لم يجب عليهم‪ ،‬ووصل شيخ من بعيد وقال‪ :‬لقد رأيته‬
‫حين جرف""ه الس""يل ك""ان متس""مرا في مكان""ه ولم يح""اول النج""اة‬
‫بنفسه‪ ،‬بدا وكأنه يائس ويريد الموت‪ ،‬كان بعيدا ع"ني والش"ارع‬
‫خال‪ ،‬صرخت وناديت عليه لكنه لم يعرني اهتماما‪ ،‬ولم أستطع‬
‫‪52‬‬
‫فعل شيء له‪ ،‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ثم وصل آخ""ر وض""رب‬
‫رأس""ه بي""ده وق""ال‪ :‬أه إن""ه أيمن ابن جارتن""ا األرمل""ة من""ذ ع""دة‬
‫س""اعات ونحن نبحث عن""ه‪ ،‬ي""ا إلهي كي""ف س""أخبر والدت""ه‪ ،‬إن""ه‬
‫أملها الوحيد المسكين ترك دراسته من أجل أن يعمل ويعيل أمه‬
‫وإخوته‪ ،‬ك""انت ه""ذه الكلم""ات بمثاب""ة س""كاكين تنغ""رس في قلب""ه‬
‫وظهره‪ ،‬وأصبح يقول في نفسه أنا قتلته‪ ،‬أنا قاتل‪ ،‬أنا لست بشر‬
‫كيف فعلت بطفل بريء ما فعلته‪ ،‬يا إلهي ما ال""ذي س""يمحو ه""ذا‬
‫الذنب؟ وكيف سأحمل هذا الثقل على ظهري طول حي""اتي‪ ،‬ق""ام‬
‫من مكان""ه ثم ق""ال‪ :‬سأوص""له إلى منزل""ه بس""يارتي دل""وني من‬
‫فضلكم على الطريق‪ ،‬ونزع معطفه ثم ألبس""ه إي""اه بع""دما ج""رده‬
‫االنجراف من مالبس""ه‪ ،‬وحمل""ه بين ذراعي""ه وال""دموع ت""ترقرق‬
‫في عينيه وهو يتذكر كيف ص""فعه‪ ،‬وتل""ك اللقط""ة تتك""رر أمام""ه‬
‫وهو يحاول نسيانها‪ ،‬ركب معه بعض الرج""ال وأوص""لوه ليج""د‬
‫أمه المسكينة وجهه""ا متجهم ش""احب وهي تن""ادي ب""ني أيمن أين‬
‫أنت؟ نزل الرجل من السيارة ومن مع"ه ف""اتجهت نح"وهم تق"ول‬
‫هل هناك خبر عن قرة عيني؟ ه""ل ع""ثرتم علي""ه؟ أين أيمن ه""ل‬
‫هو معكم؟ كانت عي""ونهم تته""رب من ال""رد عليه""ا‪ ،‬وب""دأت تفهم‬
‫الموضوع فقالت بصوت خافت‪ :‬أرجوكم ال تقولوا أن مكروه""ا‬
‫أص""ابه ال لن يح""دث ل""ه ش""يء‪ ،‬فق""د خ""رج ووع""دني أن يع""ود‬
‫بالحليب ألخت"ه‪ ،‬اب"ني لن يخ"ذلني ص"ح؟ س"يأتي ح"امال الحليب‬
‫وقد باع كل فطائري‪ ،‬ثم ق""الت‪ :‬أخ""بروني أين أيمن أرج""وكم ال‬
‫تحرقوني أك""ثر فقل""بي مح""ترق علي""ه‪ ،‬أغ""رورقت عين""ا الرج""ل‬
‫وأشار إلى الس""يارة‪ ،‬فابتس""مت متفائل""ة واتجهت نحوه""ا تج""ري‬
‫وم"""ا إن فتحت الب"""اب ح"""تى وقعت على األرض وص"""رخت‪:‬‬
‫ابني‪.....‬‬
‫وبع""د عش""رين عام""ا وفي ص""باح ي""وم ربيعي جمي""ل‪ ،‬األزه""ار‬
‫متفتح""ة وش""ذاها يمأل الس""ماء‪ ،‬وخي""وط الش""مس الذهبي""ة تبعث‬
‫‪53‬‬
‫بنورها على قط"ر الن"دى ال"ذي يكلله"ا فتزي"دها بريق"ا كالم"اس‪،‬‬
‫تتس""لل بعض الفراش""ات إليه""ا لتس""تمتع برحيقه""ا‪ ،‬وتتس""ابق م""ع‬
‫بعض النحالت الختيار أحلى زهرة‪ ،‬فيقع الخصام بينهم فتتخلى‬
‫الفراش""ات عن المك""ان لتترك""ه إلى النح""ل ذو الط""نين الم""زعج‪،‬‬
‫وفي هذه األثناء ك""ان رج""ل س""تيني يجلس على إح""دى كراس""ي‬
‫الحديقة وهو يراقبهم بوجه عابس‪ ،‬وشعر أبيض على خص""الت‬
‫سوداء‪ ،‬ولحي""ة بيض""اء يب""دو أن""ه يحم""ل أثق""اال من الهم‪ ،‬وفج""أة‬
‫مرت عليه فت""اة عش""رينية وألقت الس""الم ف""رد‪ ،‬ثم جلس""ت قرب""ه‬
‫تحم"ل محفظ"ة وأخ"رجت منه"ا أوراق"ا‪ ،‬وأخ"ذت تقلبه"ا‪ ،‬ك"انت‬
‫مستعجلة وفج""أة رن هاتفه""ا أخذت""ه وراحت تتكلم ولكن الرج""ل‬
‫انتب""ه إلى وق""وع أح""د أوراقه""ا‪ ،‬فن""ادى‪ :‬بني""تي تع""الي وأش""ار‬
‫بورقتها انتبهت الفتاة وعادت إليه وشكرته‪ ،‬ثم نظ""رت إلي""ه من‬
‫رأسه حتى قدمه قائلة‪ :‬وجهك عابس وحالتك المادية تبدو جي""دة‬
‫من خالل لباسك لطقم فخم كهذا‪ ،‬هناك قصة مخب""أة في عيني""ك‪،‬‬
‫نظر إليه""ا وجلس وتنه""د ق""ائال‪ :‬آه ي""ا بني""تي الم""ال ال يح""ل ك""ل‬
‫األمور‪ ،‬هناك أمور تح"ز في نفس البش"ر فال ينف"ع فيه"ا ال م"ال‬
‫وال كنوز الدنيا‪ ،‬جلست قربه قائلة‪ :‬يبدو همك كبيرا ما رأيك أن‬
‫تعتبرني ابن"ة ل"ك أو ص"ديقة وتفض"فض عم"ا في قلب"ك لتخف"ف‬
‫قليال عن نفسك‪ ،‬فقال‪ :‬همي كب""ير ي""ا بني""تي ولن يزيح""ه ش""يء‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬كم أنت عنيد يا عماه هي""ا أخ""رج م""ا في جوف""ك ص""دقني‬
‫سترتاح‪ ،‬صمت قليال وقال‪ :‬أنا قات""ل ‪ ...‬قتلت نفس""ا بغ""ير ذنب‪،‬‬
‫تفاجأت وأصابها الذعر وابتع""دت قليال من قرب""ه وكأنه""ا تري""د‬
‫التسلل لتهرب‪ ،‬فابتس""م ق""ائال‪ :‬ال تخ""افي ك""ان ه""ذا في الماض""ي‬
‫وليس بقص"""د فق"""د قتلت طفال بحس"""رته‪ ،‬كنت أعمى البص"""يرة‬
‫وك""""ان ه""""ذا من عش""""رين س""""نة ك""""ان ي""""بيع الفط""""ائر و‪...‬‬
‫و‪..................‬قص عليها القص""ة ثم أكم""ل ق""ائال‪ :‬ولكي أكف""ر‬
‫عن ذن""""بي تكفلت به""""ذه العائل""""ة دون أن أريهم وجهي‪ ،‬كلفت‬
‫‪54‬‬
‫شخصا قام بالمهمة‪ ،‬وجعلت لهم راتبا ش""هريا‪ ،‬ونقلتهم إلى بيت‬
‫جديد ولكن كل ما فعلته لم يكفر عن ذن""بي‪ ،‬ولم يمح""و ص""ورته‬
‫من مخيلتي‪ ،‬انتبه الرجل لسكوت الفتاة واس""تدار ليج""د دموعه""ا‬
‫مدرارا‪ ،‬فقال لها‪ :‬ألم أق""ل ل""ك همي كب""ير فص""رخت في وجه""ه‬
‫قائلة‪ :‬أنت قاتل‪ ،‬قاتل ‪........‬أتعلم من أنا؟‪.....‬تعجب قائال ‪ :‬ال‪.‬‬
‫ردت‪ :‬أن""ا تل""ك الرض""يعة ال""تي خ""رج أخوه""ا من أجله""ا لجلب‬
‫الحليب أنت قاتل أخي‪ ،‬وقد تحملت أنا ذنب موت"ه كلم"ا ت"ذكرت‬
‫أمي تلوم""ني قائل""ة م""ات أخ""وك من أجل""ك ح""تى حفظت هت""ه‬
‫القصة‪ ،‬كم كنت أتمنى أن أرى هذا المالك الذي كفلنا ويصرف‬
‫علينا حتى وجدتك سفاحا ليتني لم أقابل""ك تب""ا ل""ك‪ ،‬ثم انص""رفت‬
‫تبكي وازداد هم الرج""ل أك""ثر‪ ،‬وأجهش بالبك""اء‪ ،‬وبع""د دق""ائق‬
‫عادت إليه صامتة وجلس""ت قرب""ه وق""الت‪ :‬عم""اه أن""ا آس""فة أخي‬
‫ك"ان مق"در ل"ه أن يم"وت ذاك الي"وم وأنت كنت س"ببا فق"ط‪ ،‬فق"د‬
‫وضعك هللا في طريقنا لتعيلنا‪ ،‬ربما لو مات أخي بسبب آخر لن‬
‫نجد من يعيلنا أتعلم؟ أخي وعد أمي بأن ي"وفر له"ا م"نزال جميال‬
‫بحنفي""ة س""اخنة وأخ""رى ب""اردة وأنت فعلت ذل""ك‪ ،‬وع""دها ب""أن‬
‫يصرف علين""ا‪ ،‬ويدرس""نا وأنت فعلت‪ ،‬وع""دها أن ترت""اح وأنت‬
‫فعلت‪ ،‬أنت حققت جمي"""ع وع"""ود أخي ألمي وق"""د درس"""ت أن"""ا‬
‫ونجحت‪ ،‬ودخلت كلية الطب كما كان يحلم هو أن يك""ون طبيب""ا‬
‫وحققت حلمه‪ ،‬فلوالك مكان كل هذا‪ ،‬فال تحزن فقد فعلت الكثير‬
‫وإن توفي أخي ليس ذنبك فاهلل اخت""اره ليك""ون ط""يرا من طي""ور‬
‫الجنة‪ ،‬ثم قالت شكرا ل""ك ي""ا عمي ف""أنت المالك ال""ذي أردت أن‬
‫أراه انهمرت دموعه‪ ،‬وأحتضن الفتاة قائال‪ :‬سامحيني يا بني""تي‪،‬‬
‫أقسم أن عذاب الضمير دمرني‪ ،‬مسحت دموعه قائل"ة‪ :‬ال علي"ك‬
‫ي"ا عم"اه انس"ى وعش مطمئن"ا فأكي"د غف"ر هللا ذنب"ك‪ ،‬فق"د كفلت‬
‫أرملة وأيتام ثم ابتسمت قائلة‪ :‬ما رأيك أن أقيس ض"غطك ألق"وم‬
‫ببث تجريبي كطبيبة‪ ،‬أدواتي الطبية في المحفظة‪ ،‬ابتسم ومس""ح‬
‫‪55‬‬
‫دموعه قائال‪ :‬حسنا موافق دكتورتي الصغيرة لكن ال أريد حقنة‬
‫لدي فوبيا منه""ا‪ ،‬وض""حكا مع""ا ثم أخذت""ه وعرفت""ه على إخوته""ا‬
‫على أن""ه كفيلهم دون أن تخ""برهم بقص""ته م""ع أخيه""ا‪ ،‬وأص""بح‬
‫بمثابة والد لهم‪ ،‬أحيانا اإلنسان يرتكب خطأ في حق غ""يره دون‬
‫أن يراِع ألحاسيسه المرهف""ة وحين يتفطن يج""د األوان ق""د ف""ات‬
‫لتصحيحه‪ ،‬لذلك مهما كانت طبقات البشر من غني وفق""ير كلن""ا‬
‫نملك نفس القلب واإلحساس‪ ،‬ففكروا قب""ل أن ترتكب""وا خط""أ في‬
‫ح""ق غ""يركم تن""دمون علي""ه ط""وال حي""اتكم وال تج""دوا س""بيال‬
‫لتصحيحه ألن األوان قد يفوتكم‪ ،‬فالرحيل والفراق مقدر علين""ا‪،‬‬
‫ومن الممكن أن يكون شخص معك اليوم ولن تجده غدا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫شـــــهرزاد البــــحار‬
‫كانت هناك فتاة جميلة وطيبة ت""دعى أزه""ار‪ ،‬ك""انت أزه""ار‬
‫تعيش في قري""ة بعي""دة عن المدين""ة م""ع وال""دها وش""قيقها مع""تز‬
‫الصغير الذي كانت بمثابة األم له بع""د وف""اة وال""دتها‪ ،‬لم ت""درس‬
‫أزهار إال القليل رغم أنها كانت ذكية جدا‪ ،‬وه""ذا ألن الم""دارس‬
‫في المدين""ة وال تس""تطيع ال""ذهاب للدراس""ة والتغ""رب لوح""دها‬
‫وإكمال دراستها‪ ،‬ووال""دها رج""ل بس""يط وال يس""تطيع أن يرح""ل‬
‫للمدينة ويوفر لها مصاريف الدراس""ة‪ ،‬ف""اكتفت بق""راءة الق""رآن‪،‬‬
‫وتعلم الكتاب""ة والح""روف في المدرس""ة القرآني""ة‪ ،‬ك""ان ألزه""ار‬
‫خيال واسع‪ ،‬فكانت تألف قصص""ا لألطف"ال تش""به قص""ص أل""ف‬
‫ليلة وليلة وتسردها على شقيقها معتز كل ليل""ة ح""تى ين""ام‪ ،‬ك""بر‬
‫معتز وقرأ القرآن وآن األوان ليبدأ الدراسة في المدينة‪ ،‬فقررت‬
‫أزه"ار أن تفع""ل المس""تحيل ح""تى ي""درس ش""قيقها ويحق"ق م""ا لم‬
‫تحققه هي فأرسلته إلى المدينة ليدرس بمدرسة داخلية‪ ،‬وقررت‬
‫العم""ل ومس""اعدة أبيه""ا في مص""اريف دراس""ته‪ ،‬وّد عت أزه""ار‬
‫شقيقها مع""تز بال""دموع ألنه""ا أول م""رة تفارق""ه بع""د وف""اة أمه""ا‪،‬‬
‫وبقيت وحيدة بع""د أن ك""ان أنيس""ها‪ ،‬وم""رت األي""ام وك""ان مع""تز‬
‫يبعث برس""ائل إلى أخت""ه يطمئنه""ا فيهم علي""ه‪ ،‬ويطلب النق""ود‬
‫وكثرت مصاريف مع""تز‪ ،‬واألب أص""بح ع""اطال بع""د م""ا أنه""ك‬
‫جسمه المرض‪ ،‬واحتارت أزهار ماذا تفع""ل ثم أخ""ذت تق""ترض‬
‫المال من جيرانها وتبعث ألخيها حتى تج""د عمال‪ ،‬ولكن كُث رت‬
‫الديون ولم تجد أزهار عمال‪ ،‬وبدأ أهل القرية يطالبونها بتس""ديد‬
‫الدين‪ ،‬ففكرت أزهار وق""الت‪ :‬لم""اذا ال أس""تعمل أفك""اري س""وف‬
‫أكتب قصصي في أوراق وأبيعه""ا في الس""وق لألطف""ال س""يفرح‬
‫األطفال كث"يرا‪ ،‬وس"أجني الم"ال وأس"دد دي"ني وابتهجت أزه"ار‬
‫وأحست ببصيص أمل‪ ،‬ثم قامت وأخذت ورقة وقلم وألول مرة‬
‫بدأت تكتب قصصها‪ ،‬جمعت أزهار قصصها وخرجت للس""وق‬
‫‪57‬‬
‫متفائلة وتنادي بصوت عاٍل أبي""ع قصص""ا‪ ..‬قص""ص لألطف""ال‪،‬‬
‫وم""ر به""ا رج""ل فخاطبت""ه قائل""ة‪ :‬هاّل اش""تريت م""ني قصص""ا‬
‫ألوالدك يا عماه؟ فنظ""ر إليه""ا نظ""رة س""خرية ورد ق""ائال‪ :‬م""اذا‬
‫قصص""ا؟ نري""د قمح""ا‪ ،‬نري""د خ""بزا‪ ،‬نحن نم""وت جوع""ا وأنت‬
‫تقولين قصصا أكيد أنت مجنونة ورحل وهو يتمتم‪ ،‬اغ""رورقت‬
‫عينا أزهار واتجهت نحو البحيرة تبكي وتشكي همه""ا‪ ،‬وأخ""ذت‬
‫قصص""ها ووض""عتهم في ق""وارير زجاجي""ة ورمتهم في البح""يرة‬
‫قائلة‪ :‬أقرئي قصصي أيتها األسماك واستمتعي بها أنت وأمواج‬
‫البح""ر فلم يهتم أح""د به""ا‪ ،‬وك""انت كلم""ا رمت ق""ارورة تقف""ز‬
‫األسماك فتفرح أزهار وتقول‪ :‬ف""رحت األس""ماك بقصص""ي إن""ه‬
‫فأل جميل ونزلت من عينيها دموع لمعت مع آخر نور للشمس‪،‬‬
‫فأحست بالمساء ورفعت رأسها إلى السماء قائلة‪ :‬لقد فش""لت‪ ،‬آه‬
‫أخشى أن يفقد معتز دراسته بس""ببي‪ ،‬ج""د لي حال من عن""دك ي""ا‬
‫إلهي لق""د تعبت ومس""حت دموعه""ا وع""ادت إلى ال""بيت منهك""ة‪،‬‬
‫ومرت األيام استمرت بالكتابة ورمي قواربها في البحيرة‪ ،‬وفي‬
‫صباح يوم جميل ق""رر األم""ير في المدين""ة زي""ارة القري""ة‪ ،‬ولم""ا‬
‫وصل إليها تجول في ك""ل مك""ان ولم تبقى غ""ير البح""يرة‪ ،‬ركب‬
‫أح""د الق""وارب وأخ""ذ يج""ول ع""بر البح""يرة‪ ،‬وفج""أة ب""دأ يلمح‬
‫الق""وارير فاحت""ار وأتج""ه نحوه""ا وأخ""ذ يجمعه""ا الواح""دة تل""و‬
‫األخرى ثم جلس وبدأ يفتحها‪ ،‬وكلما فتح واحدة قرأ قصة جميلة‬
‫فاحتار في هذا الكاتب المجهول الذي يكتب القص""ص‪ ،‬وع""رف‬
‫من القصص أن الكاتب فت""اة‪ ،‬ولكن لم ت""ترك اس""مها وب""دأ يفك""ر‬
‫في حيل""ة للوص""ول إليه""ا‪ ،‬أخ""ذ األم""ير القص""ص واتج""ه إلى‬
‫المدين""ة‪ ،‬وجاءت""ه فك""رة أن يطب""ع كتاب""ا يجم""ع في""ه ك""ل تل""ك‬
‫القص""ص‪ ،‬ويض""ع ل""ه عن""وان "ش""هرزاد البح""ار" وفعال ق""ام‬
‫بطبعه‪ ،‬وكتب في ركن من الغالف مطلوب حضور الكاتبة إلى‬
‫القص""ر‪ ،‬ثم وزع""ه على كاف""ة الم""دارس والمراك""ز التعليمي""ة‪،‬‬
‫‪58‬‬
‫وبينما معتز يدرس حتى وصله الكتاب‪ ،‬وفتحه وبدأ يق""رأه فه""و‬
‫يحب القصص كثيرا ليفاجأ بأن القصص قصص أخت""ه أزه""ار‪،‬‬
‫وقرأ العبارة والتي يبحثون فيها عن الكاتبة‪ ،‬فقرر معتز الع""ودة‬
‫فورا وإخبار أخت""ه ب""األمر‪ .‬ولم""ا وص""ل مع""تز تفاج""أت أزه""ار‬
‫بعودت""ه وف""رحت في نفس ال""وقت‪ ،‬وتفاج""أت أك""ثر حين س""لمها‬
‫الكتاب الذي يحوي كل قصصها فعقدت الدهشة لس""انها وق""الت‪:‬‬
‫آه إنها قصصي‪ ،‬معجزة يا إلهي أكيد حصلوا عليها من البح""يرة‬
‫ثم أمس""كت الكت""اب في ي""دها‪ ،‬ومع""تز بي""دها األخ""رى‪ ،‬وأخ""ذت‬
‫ت""رقص وت""دور وتق""ول‪ :‬نجحت ‪ ..‬حم""دا هلل س""أذهب مع""ك إلى‬
‫القصر ربما سيكافئونني يا هللا‪ ،‬سيص""بح ل""دينا الم""ال‪ ،‬وسأس""دد‬
‫ديني‪ ،‬وستدرس يا معتز وتنجح‪.‬‬
‫قال معتز‪ :‬مهال‪ ،‬مهال يا أختاه ما الذي يحدث أخبريني عن سر‬
‫الكتاب‪ ،‬فقص"ت علي"ه أزه"ار كي"ف وص"لت قصص"ها للبح"يرة‬
‫واتفقت مع""ه على ال""ذهاب في الغ""د إلى المدين""ة ألول م""رة في‬
‫حياتها‪ ،‬وباتت وهي تتقلب في الفراش‪ ،‬وتنتظر الي""وم الموع""ود‬
‫وفي الص""باح ودعت وال""دها وكله""ا أم""ل وف""رح ويقين أن ك""ل‬
‫مش""اكلها حلت بفض""ل قصص""ها‪ ،‬ولم""ا وص""لت إلى القص""ر‬
‫وطلبت من الحرس رؤي""ة األم""ير وأخ""برتهم أنه""ا الكاتب""ة ال""تي‬
‫يبحث عنه""ا‪ ،‬س""خروا منه""ا وطردوه""ا ق""ائلين‪ :‬ريفي""ة مجنون""ة‬
‫مثلك تدعي أنها الكاتبة‪ ،‬اذهبي من هنا وال تعودي‪ ،‬بكت أزهار‬
‫كث""يرا ومع""تز ك""ان يه""دئها ق""ائال‪ :‬ال ب""أس ي""ا أخ""تي س""نجد حال‬
‫ع""ودي إلى القري""ة اآلن يجب أن أذهب إلى مدرس""تي‪ ،‬أخ""ذت‬
‫أزهار بعضها وعادت خائبة إلى القرية لتجد أصحاب الدين في‬
‫انتظارها يطالبونها بالتسديد لكنها أخ"برتهم أنه"ا ال تمل"ك فلس"ا‪،‬‬
‫وهنا قرروا الشكوى إلى الحاكم‪ ،‬باتت أزه""ار ليلته""ا تبكي وفي‬
‫الصباح الباكر دق الباب بشدة فخ""رجت أزه""ار‪ ،‬وفتحت الب""اب‬

‫‪59‬‬
‫لتجد حراس الحاكم فابتهجت قائلة‪ :‬ه""ل ص""دقتموني أخ""يرا إني‬
‫أنا الكاتبة؟‬
‫ض""حك الح""راس وردوا‪ :‬م""ازالت تق""ول أنه""ا الكاتب""ة أال يكفي‬
‫س""طوك على أم""وال الغ""ير‪ ،‬تح""ترفين الك""ذب أيض""ا ثم ص""رخ‬
‫أحدهم‪ :‬هيا سنأخذك إلى السجن ألن أهل القري""ة ق""دموا ش""كوى‬
‫ض""دك‪ ،‬بكت أزه""ار وص""رخت ال أرج""وكم ال أس""تطيع ت""رك‬
‫والدي لوحده فهو كبير وم"ريض‪ ،‬لكن الح"راس لم يص""غوا له"ا‬
‫وأخ""ذوها متجهين إلى س""جن القص""ر‪ ،‬وبينم""ا هم في الطري""ق‬
‫التقوا باألمير رائد فأوقفهم قائال‪ :‬إلى أين تأخذونها؟‬
‫فقال الحارس‪ :‬إنها متهمة لم تسدد دينا عليها‪ ،‬وكذلك كاذب""ة فق""د‬
‫ادعت أنها الكاتبة‪.‬‬
‫فقال األمير‪ :‬شهرزاد البحار؟ ثم اتجه نحوه""ا ق""ائال‪ :‬ه""ل أنت‬
‫فعال الكاتبة؟‬
‫نظرت أزهار إليه وعيناها مليئة بالدموع قائل""ة‪ :‬بلى ي""ا س""يدي‬
‫ولكن أعرف أنك لن تصدقني أيضا وستسجنني‪ ،‬ت""ركت وال""دي‬
‫م""ريض إنه""ا الظ""روف فق""ط هي من أجبرت""ني على ذل""ك ‪...‬‬
‫وب""دأت تش""رح ل""ه لكن""ه قاطعه""ا‪ :‬وكي""ف أع"رف أن""ك ش""هرزاد‬
‫البحار؟ أقصد الكاتبة؟‬
‫ردت‪ :‬سأروي لك كل القصص التي بالكتاب‪.‬‬
‫فق""ال األم""ير‪ :‬القص""ص ال""تي بالكت""اب نش""رت ولك""ني ت""ركت‬
‫واحدة لم أنشرها إن سردتها لي صدقت‪.‬‬
‫فق""الت‪ :‬حس""نا موافق""ة‪ ،‬وس""ردت ل""ه القص""ة بص""وتها الع""ذب‬
‫ف""أعجب األم""ير بطيبته""ا وبراءته""ا وق""ال‪ :‬اتركوه""ا إنه""ا فعال‬
‫شهرزاد البح""ار‪ ،‬إنه""ا الكاتب""ة ال""تي أبحث عنه""ا‪ ،‬سأس""دد عنه""ا‬
‫الدين وسأكافئها وسأجعل لها مطبعة خاصة تطبع كل قصص""ها‬
‫الجميلة ليستمتع بها الناس‪ ،‬فرحت أزهار كث""يرا وق""الت‪ :‬ش""كرا‬
‫لك أيها األمير‪ ،‬وحققت أزهار كل ما تمنت‪ ،‬ومع مرور السنين‬
‫‪60‬‬
‫أص""بحت كاتب""ة مش""هورة ومعروف""ة باس""م ش""هرزاد البح""ار‪،‬‬
‫وخصص لها األمير من يعلمه""ا قواع""د اللغ""ة جي""دا ح""تى تب""دع‬
‫أك""ثر‪ ،‬وفي األخ""ير تق""دم لخطبته""ا ق""ائال‪ :‬يس""عدني أن تك""وني‬
‫ش"هرزادي وتمتعي"ني بس"رد قصص"ك لي ط"ول العم"ر‪ ،‬وافقت‬
‫أزهار وتزوجت من األمير‪ ،‬وعاشت في سعادة ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫قــلــب المـالئـكـــة‬
‫يحكى أن""ه هن""اك فت""اة جميل""ة بيض""اء الوج""ه والقلب كقطع""ة‬
‫الثلج ذات ش""عر أش""قر يش""به خي""وط الش""مس الذهبي""ة‪ ،‬وعين""ان‬
‫زرقاوان كالبحر تدعى ياسمين‪ ،‬طيبة جدا‪ ،‬ووجها مشرق منير‬
‫كالمالئك""ة‪ ،‬ومن ك""ثر ش""بهها بالمالئك""ة في ش""كلها وطيبته""ا‪،‬‬
‫وحبها للناس‪ ،‬ورقة قلبها أطلق عليه""ا اس""م قلب المالئك""ة‪ ،‬فهي‬
‫تفرح لمن فرح‪ ،‬وتبكي مع من بكى كل أه""ل قريته""ا يحبونه""ا‪،‬‬
‫فق""د ك""انت مث""اال لهم في الطيب""ة وفع""ل الخ""ير فاقت""دوا به""ا‪،‬‬
‫وأصبحت القرية سعيدة‪ ،‬وسميت القري""ة بقري""ة الس""عادة‪ ،‬وه""ذا‬
‫كله بفضل قلب المالئك""ة مث""ال الحب والخ""ير‪ ،‬وعلى بع""د ع""دة‬
‫كيلومترات تقع بلدة تسمى ببلدة الظالم‪ ،‬وترأس"ها ملك"ة ش"ريرة‬
‫ال تحب سوى الشر والكره‪ ،‬والحقد‪ ،‬والظالم فك""ان قلبه""ا أس""ود‬
‫كظلمة الليل‪ ،‬وك""انت تمن""ع األن""وار عنهم وال تخ""رج س""وى في‬
‫الليل لتتمتع بالسواد‪ ،‬وكانت هذه الشريرة تمل""ك ينبوع""ا س""حريا‬
‫في قص""رها‪ ،‬فمن ش""رب من""ه ازداد ص""حة‪ ،‬وإن ك""ان مريض""ا‬
‫شفي أو مجروحا التأم جرحه في الحين‪ ،‬وحتى لو أصيب بطلق‬
‫ناري يسمى هذا األخير ينبوع الحياة‪ ،‬وكانت تتمتع هي بش""ربه‬
‫وال تترك أحدا من البلدة يش""رب من""ه‪ ،‬فك""انت رغم كبره""ا ذات‬
‫صحة جيدة وكأنها في العشرين من عمرها‪ ،‬وفي يوم من األيام‬
‫وص""ل له""ا خ""بر أن هن""اك قري""ة اس""مها قري""ة الس""عادة تابع""ة‬
‫لمملكته"""ا‪ ،‬وأن هن"""اك فت"""اة تنش"""ر الخ"""ير والحب اس"""مها قلب‬
‫المالئكة فغضبت لسماع هذا الخبر‪ ،‬وقررت قت""ل قلب المالئك""ة‬
‫وأخذ قلبها‪ ،‬وغرس""ه في الرم""اد ح""تى ينتهي الخ""ير ويعم الش""ر‬
‫والسواد‪ ،‬فأمرت الحرس أن يذهبوا إليها ويحضروها كي تقتلها‬
‫بنفسها وتتمتع بغرس قلبها في الرماد‪ ،‬وكان لديها ابن طيب ال‬
‫يحب شرها وما تفعله يدعى سامي‪ ،‬قرر س""امي الرحي""ل للبحث‬
‫‪62‬‬
‫عن قلب المالئكة ح""تى ينبهه""ا‪ ،‬أخ""ذ عدت""ه ثم تس""لل إلى ينب""وع‬
‫أم""ه‪ ،‬وس""رق م""اء الحي""اة ح""تى يأخ""ذه إلى قلب المالئك""ة كي ال‬
‫يصيبها أذى أمه ويحميها من موت محتوم‪ ،‬وانطل""ق في النه""ار‬
‫حيث أمه تك""ون نائم""ة وال تس""تيقظ قب""ل غي""اب الش""مس‪ ،‬وأخ""ذ‬
‫يس""ير ويس""أل إلى أن وص"""ل قري""ة الس""عادة وس""أل عن قلب‬
‫المالئكة‪ ،‬أعجبت""ه القري""ة وطيب""ة أهله""ا وأعجبت""ه ياس""مين ال""تي‬
‫استقبلته بابتسامتها الجميلة قائلة‪ :‬أهال بك أيه""ا الغ""ريب‪ ،‬س""ألت‬
‫عني كيف أساعدك ؟فرد‪ :‬مرحبا أنا س""امي وس""رد عليه""ا قص""ة‬
‫أمه وأنها تري""د قتله""ا‪ ،‬ويجب أن ته""رب من القري""ة ألن والدت""ه‬
‫ستصل إليها لكن ياسمين ابتسمت قائلة ‪ :‬ليست مشكلة ‪.‬‬
‫فاس""تغرب س""امي وق""ال‪ :‬كي""ف ليس""ت مش""كلة وأنت معرض""ة‬
‫للقتل؟‬
‫فردت‪ :‬سأذهب إلى قرية جدي فهو يملك ينب""وع الخ""ير ك""ل من‬
‫شرب منه يمسح كل الش""ر ال""ذي في قلب""ه‪ ،‬س""أمأل ق""ارورة من""ه‬
‫ألمك يجب أن تشربه دون علم منها‪.‬‬
‫رد سامي‪ :‬آه أمي صعبة ج""دا ليس من الس""هل فع""ل ذل""ك‪ ،‬لكن‬
‫سنفكر في حيلة‪ ،‬ثم أخرج قارورة ماء الحياة وأكمل ق""ائال‪ :‬ه""ذا‬
‫ماء الحياة أحضرته ل""ك كي تش""ربيه ه""و يحمي""ك من ك""ل س""وء‬
‫ولن يص""يبك أذى إذا ش""ربِت من""ه فح""رس أمي انطلق""وا للبحث‬
‫عنك أنت في خطر‪ ،‬أخذت ياس""مين الق""ارورة وخبأته""ا وق""الت‪:‬‬
‫إذا كان الوضع خطير س""أنطلق ف""ورا لقري""ة ج""دي‪ .‬رد س""امي‪:‬‬
‫اشربي الماء أوال‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬ال سأتركه ربما احتاجه أحد أكثر مني‪ ،‬وربما لن يح"دث‬
‫لي شيء ولن أحتاج لشربه فأساعد به غيري‪ ،‬اس""تغرب س""امي‬
‫وق"""ال‪ :‬لم أَر أطيب من""ك في حي""اتي‪ ،‬ليت أمي ك""انت مثل""ك‪،‬‬
‫ابتسمت قلب المالئكة واحمرت وجنتاها خجال‪ ،‬وقالت‪ :‬ستكون‬
‫إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫فقال سامي‪ :‬هل تسمحين أن أرافق""ك في رحلت""ك لج""دك؟ أري""د‬
‫حمايت""ك من أمي‪ ،‬قبلت ياس""مين وأخ""ذت ع""دتها‪ ،‬وانطلقت م""ع‬
‫سامي إلى قرية جدها‪ ،‬وبعد أن سارا عدة أمي""ال وهم""ا يركب""ان‬
‫عرب"ة‪ ،‬واقترب"ا من قري"ة ج"دها أدركهم"ا ح"رس أم"ه ب"الخيول‬
‫والسهام وهم في غفلة‪ ،‬أخذ أحد الحرس س""همه وق""ال لآلخ""رين‬
‫ابتعدوا قليال سأصوب نحو الفتاة ألص""يبها وآخ""ذها إلى الملك""ة‪،‬‬
‫لم تنتب""ه ياس""مين ل""ذلك واس""تدار س""امي لينتب""ه إلى الس""هم ال""ذي‬
‫أطلقه الحارس فحاول إبعاد ياسمين وصرخ‪ :‬ياس""مين احترس""ي‬
‫فاخترق السهم ص""دره‪ ،‬ووق""ع أرض""ا وأخ""ذت ياس""مين تص""رخ‬
‫بأعلى صوتها‪ :‬سامي يا إلهي ساعدوني‪ ،‬أما الح""ارس أدرك أن‬
‫المص""اب ابن الملك""ة فارتب""ك وأخ""ذ من مع""ه وه""رب خوف""ا من‬
‫عقاب الملكة‪ ،‬بقيت ياسمين تبكي وسامي ي""نزف ومغمي علي""ه‪،‬‬
‫لكنها أخيرا تذكرت ماء الحياة الذي خبأت""ه في ع""دتها‪ ،‬وأخ""ذت‬
‫الم""اء وب""دأت تض""عه في فم س""امي وتس""حب الس""هم من بطن""ه‬
‫فاس""تفاق وس""رعان م""ا الت""أم الج""رح‪ ،‬فف""رحت ياس""مين كث""يرا‬
‫والدموع في عينيها‪.‬‬
‫فنطق سامي‪ :‬أنقذت حياتي فعال‪ ،‬أنت قلب المالئكة‪.‬‬
‫ف""ردت ‪ :‬ألم أق""ل ل""ك ربم""ا احت""اج الم""اء أح""د غ""يري‪ ،‬هي""ا قم‬
‫بسرعة لنكمل طريقنا اقتربنا كثيرا قبل أن يعود حرس والدتك‪،‬‬
‫وصلت ياسمين وسامي إلى قري""ة ج""دها ولم""ا رآه""ا الج""د ف""رح‬
‫كثيرا لرؤيتها وأخذت ماء الخير وانطلقت للعودة بس""رعة‪ ،‬لكن‬
‫الحرس لما ذهبوا إلى الملكة دون ياسمين وبختهم‪ ،‬وأم""رتهم أن‬
‫ال يعودوا بدونها وهذه المرة قرروا أخذها بالقوة‪ ،‬ولسوء الح""ظ‬
‫ع""ادوا ليج""دوها على وش""ك الوص""ول لقريته""ا فانقض""وا عليه""ا‬
‫وأخذوها‪ ،‬وتركوا سامي يصرخ قائال‪ :‬اتركوه""ا أيه""ا األوغ""اد‬
‫أن"""ا ابن الملك"""ة‪ ،‬اس"""معوا كالمي‪ ،‬لكنهم لم يع"""يروه اهتمام"""ا‪،‬‬
‫وطبق""وا أم""ر ملكتهم وانطلق""وا بخي""ولهم إلى القص""ر‪ ،‬وع""رف‬
‫‪64‬‬
‫سامي أن ياسمين في خطر كبير‪ ،‬وأخذ ي""ركض بعربت""ه للح""اق‬
‫بها وحين وصل إلى قرية ياسمين أخبرهم أن ياسمين في خطر‬
‫فقرروا المساعدة‪ ،‬وأحضروا العدة والخي""ول‪ ،‬وانطلق""وا كجيش‬
‫كبير إلنقاذ فرحة قريتهم قلب المالئك""ة‪ ،‬وعن""د وص""ولهم ك""انت‬
‫قلب المالئكة مكبلة من يديها وقدميها والملكة تقيم حفال وتجه""ز‬
‫سيفها كي يخترق قلبها مع حلول الظالم وغروب الشمس ح""تى‬
‫تغ"رس القلب في الرم"اد ليس"وّد ذاك القلب ظن"ا منه"ا أن"ه هك"ذا‬
‫سينتهي الخير إلى األبد‪ ،‬واقتربت من ياس""مين‪ ،‬وأخ""ذت س""يفها‬
‫إلى السماء كي تنزله إليها بق""وة وهي تنظ""ر إلى آخ""ر خي""ط من‬
‫نور الشمس‪ ،‬أما سامي فق""د وص""ل القص""ر وت""رك أه""ل القري""ة‬
‫خارج"""ا‪ ،‬ثم ق"""ال لهم‪ :‬انتظ"""روني هن"""ا إن احتجتكم سأص"""فر‬
‫واهجموا على القص"ر‪ .‬تس"لل ووص"ل في ال"وقت المناس"ب م"ع‬
‫آخ""ر ن""ور لغ""روب الش""مس‪ ،‬ك""انت ياس""مين خائف""ة وترتج""ف‬
‫وتبكي‪ ،‬وصرخ س""امي‪ :‬أمي ت""وقفي ‪ ..‬ال تفعلي ذل""ك س""أخبرك‬
‫بشيء‪ ...‬التفتت األم وصرخت‪ :‬أنت خائن قد ساعدتها‪.‬‬
‫طأطأ رأسه وق""ال‪ :‬آس""ف أمي خنت""ك فعال‪ ،‬لك""ني ن""دمت وجئت‬
‫أطلب الس""ماح من""ك‪ ،‬فأن""ا س""رقت م""اء الحي""اة وأعطيت""ه لقلب‬
‫المالئكة ولكن لحسن الحظ لم تشربه مزال في عدتها‪.‬‬
‫غضبت األم وقالت‪ :‬ماء الحياة ؟! إن""ه خاص""تي ال أح""د يج""رؤ‬
‫على ش"ربه ثم بحثت في أغ"راض ياس"مين ووج"دت الق"ارورة‪،‬‬
‫فأخ""ذتها وهي تبتس""م ابتس""امة ش""ر‪ ،‬وفتحت الق""ارورة وب""دأت‬
‫تشرب وتشرب وتقول لن يتمتع غيري بشربه‪ ،‬وم""ا إن أكملته""ا‬
‫ح""تى ب""دأت تتص""بب عرق""ا‪ ،‬وأحس""ت ب""دوار فأمس""كت رأس""ها‬
‫ووقعت أرضا مغمي""ا عليه""ا ووج""د س""امي فرص""ته‪ ،‬وب""دأ يف""ك‬
‫أغالل ياسمين لكن سرعان م""ا فتحت األم عينيه""ا وق""امت وهي‬
‫تمسك رأسها وتنظر حوله""ا باس""تغراب‪ ،‬وق""الت‪ :‬م""اذا يح""دث؟‬
‫لماذا هذه الفتاة الجميلة هنا؟ ولم""اذا أنتم مجتمع""ون هك""ذا؟ وق""ع‬
‫‪65‬‬
‫س"""امي على األرض وس"""جد ق"""ائال‪ :‬آه الحم"""د هلل ثم نظ"""ر إلى‬
‫ياسمين وانفجر ضاحكا‪ ،‬وهو يقول‪ :‬نجحنا كانت ياسمين تبتسم‬
‫ولم تحس بنفسها إال وهي ترقص مع األمير فرحا لما حققاه‪ ،‬ثم‬
‫نظر سامي إلى أمه ق""ائال‪ :‬إنه""ا مفاج""أة ي""ا أمي وأطل""ق ص""فيرا‬
‫ف""دخل أه""ل القري""ة كلهم إلى القص""ر‪ ،‬ثم ق""ال س""امي‪ :‬أش""علوا‬
‫األن""وار من الليل""ة انتهى زمن الش""ر والظالم‪ ،‬من الليل""ة س""يعم‬
‫الخير ثم قال‪ :‬يا أهل قري""ة الس""عادة أري""د أن أطلب منكم خطب""ة‬
‫قلب المالئك""ة لتك""ون أم""يرة بل""دتنا وتنيره""ا بطيبته""ا وقلبه""ا‬
‫األبيض‪ ،‬احمرت وجنتا ياس""مين خجال وهت""ف الك""ل موافق""ون‪،‬‬
‫وفرحوا كثيرا ثم استدار إلى قلب المالئكة ق""ائال‪ :‬ه""ل ت""وافقين؟‬
‫طأط""أت ياس""مين رأس""ها وق""الت‪ :‬نعم‪ ،‬وف""رحت الملك""ة لخطب""ة‬
‫ابنها بعد أن تغيرت وانتزع الشر من قلبها‪ ،‬ونسيت كل ما فعلته‬
‫من ش""ر وأص""بحت طيب""ة ج""دا‪ ،‬وتحكم بالع""دل‪ ،‬وت""زوجت قلب‬
‫المالئكة في حفل كبير وعاشت في سعادة وهناء مع أميرها‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫في قصـــــر نقـــــــــــــرين‬
‫في ليلة أول نوفمبر اجتمعنا حول المدفئة نحتفل بعيد‬
‫الث""ورة مناش""دين أمي أن ت""روي لن""ا بعض قص""ص الث""ورة‪،‬‬
‫فحض"""رت أمي الش"""اي والحلوي"""ات وجلس"""ت‪ ،‬التفين"""ا حوله"""ا‬
‫متشوقين لما سترويه لنا فقالت‪ :‬الليلة س""أروي لكم حكاي""ة ع""ني‬
‫وعن وال""دكم أثن""اء الث""ورة فنط""ق أخي الص""غير ق""ائال‪ :‬وه""ل‬
‫عايشتم الثورة يا أمي؟‬
‫فقالت‪ :‬أجل يا بني وعشنا كل أنواع العذاب والخ""وف والكف""اح‪،‬‬
‫كنا حينها نسكن في قصر نقرين والية تبسة‪ ،‬دائرة نقرين ربم""ا‬
‫الكث""ير لم يعرفه""ا أو يس""مع عنه""ا إطالق""ا تل""ك األرض الطيب""ة‬
‫والمدينة العريق""ة ال""تي أص""بحت الي""وم معلم""ا تاريخي""ا ومنطق""ة‬
‫س""ياحية م""ا زلت محافظ""ة على مبانيه""ا المش""يدة من ال""تراب‬
‫وسقفها المغطى بخشب النخيل والجريد (ورق النخي""ل)‪ ،‬ك""انت‬
‫تمت""از بك""رم أهله""ا وش""جاعة رجاله""ا وغ""يرتهم على بالدهم‬
‫كغيرهم من شباب الجزائر حينها ك""ان وال""دكم محم""د خال""د ابن‬
‫مصطفى الملقب ب (األسد) مكافح""ا ف""ذا‪ .‬هات""ه الكني""ة (األس""د)‬
‫التي كان يحملها والدي رحمه هللا منذ صغرنا وكنا دائم""ا أوالده‬
‫نتساءل لماذا لقب بهت"ه الكني"ة ولم نع"رف الس"بب ورغم أنن"ا لم‬
‫نع""رف الس""بب إال أنن""ا كن""ا فخ""ورين بلقب األس""د وأوالد األس""د‬
‫ألن األسد ال يرمز سوى للقوة والشجاعة أكملت أمي قائلة‪ :‬قبل‬
‫زواجي ك""ان وال""دكم ص""احب دك""ان فك""ان يم""ول المجاه""دين‬
‫بالمواد الغذائية ويساعدهم وقد كان ه""و أول من أس""س الكش""افة‬
‫في مدينة نق""رين ك""ان ي""درس األطف""ال ويعلمهم الق""رآن وينمي‬
‫فيهم حب الوطن والدفاع عن""ه ك""ان ش""ابا ش""جاعا ويافع""ا‪ ،‬وفي‬
‫يوم من األيام اعتقلت قوات المستعمر مجموعة من المجاه""دين‬
‫وحبسوهم في معتقل بالمنطقة المسماة (المرحال) ومنع""وا عنهم‬
‫الم""اء كأس""لوب تع""ذيب الس""تنطاقهم ك""انت وقته""ا ص""يف وح""ر‬
‫‪67‬‬
‫ومدينة نقرين منطقة ص""حراوية ص""يفها ح""ار وج""اف وال أح""د‬
‫يستطيع الصمود أمام العطش والح""ر غ""ير الجم""ل فك""ر وال""دكم‬
‫كثيرا كيف سيساعدهم وأخ""يرا توص""ل إلى ق""رار ف""ذهب وب""ات‬
‫طوال الليل وهو يخترق سور الس""جن بالحدي""د خلس""ة عن أعين‬
‫قوات العدو حتى أخترق الحائط وأحدث ثقبا في""ه وأدخ""ل أنبوب""ا‬
‫وجعل األنبوب في دلو كبير من الماء ومع بزوغ الفجر أوص""ل‬
‫اليهم األنبوب وشربوا المجاهدين حتى ارت""ووا ثم ذهب لص""الة‬
‫الفج""ر ك""أن ش""يئا لم يكن‪ ،‬أحت""ار الع""دو في ص""مود المجاه""دين‬
‫ومقاومتهم للعطش وبحثوا في األمر الى أن توصلوا الى والدكم‬
‫فأدخلوه السجن وعذبوه ورغم ذلك واصل كفاحه فبعد خروج""ه‬
‫من السجن كلفوه بعدة مهام صعبة وأطلقوا عليه كنية األسد من""ذ‬
‫ذلك الحين‪ ،‬وكلما كانت المهمة ص""عبة ق""الوا علين""ا باألس""د وإذا‬
‫حذروه بالمحافظة على نفسه وحياته ‪.‬‬
‫رد ق""ائال‪ :‬إن مت لس""ت أعلى ش""ئنا ممن م""اتوا قبلي دفاع""ا عن‬
‫الوطن‪.‬‬
‫فقال أخي‪ :‬وماذا عنك يا أم""اه؟ م""اذا فعلت لل""وطن؟ ف""أكملت‪:‬‬
‫كنت صغيرة حينها ثالثة عشرة عاما وك"انت أمي ت"رحي القمح‬
‫وتطبخ به الخبز وتص""نع من""ه أكل""ة الكسكس""ي وتمال لي القف""ة‬
‫ألخذها الى المجاهدين كن الفتيات في مثل سني نخ""رج للغس""يل‬
‫في الوادي فنمأل قففنا بالمئونة ومن فوقها نض""ع المالبس ونم""ر‬
‫على العدو فال يشكون بنا فنق""ول لهم ذاهب""ات للغس""يل ونوص""ل‬
‫األكل للمجاهدين ونغسل ثم نعود أو نمأله""ا بمالبس نم""ول به""ا‬
‫المجاهدين للبسها خصوصا في فصل الشتاء تحي""ك النس""اء بم""ا‬
‫نسموه البرنوس ونأخ""ذه للمجاه""دين كي يحتم""وا ب""ه من ال""برد‬
‫وق""د تعرض""ت م""رة للرك""ل والض""رب من ط""رف أح""د جن""ود‬
‫المس"""تعمر حين بحث في قف"""تي وع"""رف أني آخ"""ذ الطع"""ام‬
‫للمجاهدين ومرضت خاللها مرض""ا ش""ديدا من ج""راء الض""ربة‬
‫‪68‬‬
‫القوي""ة ال""تي أخ""ذتها بحذائ""ه الكب""ير على ركب""تي‪ .‬وكم من م""رة‬
‫خبئنا المجاه"دين في بيتن"ا حين ك"انت عس"اكر الع"دو تط"اردهم‬
‫وقد اختبأ مرة أح""د المجاه""دين في ج""رة كب""يرة للقمح وغطين""اه‬
‫ب""التبن ح""تى ال ي""راه الع""دو عش""نا مغ""امرات كث""يرة وناض""لنا‬
‫وجاهدنا منذ نعومة أظافرنا ولم نتوقف عن ذلك حتى االستقالل‬
‫وكن""ا أول من خ""رج هاتف""ا مزغ""ردا لالنتص""ار ولن نعتبره""ا‬
‫مجهودات جبارة فوطننا الغالي يستحق أن نفديه بدمائنا ونطلب‬
‫من هللا أن يحفظه ويجعله آمنا دائما فال ش""يء أغلى من ال""وطن‬
‫يا أبنائي‪.‬‬

‫الفهرس‬
‫اإلهداء ‪03.....................................................................................‬‬
‫‪69‬‬
‫أرض األحـالم ‪07/04......................................................................‬‬
‫األخـوان مازن وقاسـم ‪11/08.............................................................‬‬
‫البلــــورة العجيبـــة ‪15/12................................................................‬‬
‫ابـن النجـار واألميـرة ‪21/16..............................................................‬‬
‫الجــــرة السحــــرية ‪27/22...............................................................‬‬
‫أرجـــــــوانة والطـــــــائر ‪31/28........................................................‬‬
‫الحـــــاوية الجــلدية المـــباركة ‪36/32..................................................‬‬
‫الحسناء الضائعة ‪46/37....................................................................‬‬
‫هـــــذه ليـــست حـــياة ‪49/47.............................................................‬‬
‫الرحيـــــل ‪56/50...........................................................................‬‬
‫شـــــهرزاد البــــحار ‪61/57..............................................................‬‬
‫قــلــب المـالئـكـــة ‪66/62.................................................................‬‬
‫في قصـــــر نقـــــــــــــرين ‪69/67......................................................‬‬

‫‪70‬‬
71

You might also like