You are on page 1of 37

‫أرض األحالم‬

‫خالد نجوى‬

‫أرض األحالم‬

‫‪2‬‬
‫اإلهداء‬
‫إلى روح أبي وأخي رحمهما هللا وأسكنهما فسيح جنانه‪ ،‬إلى أمي أطال هللا في عمرها وأدامها تاج ا‬
‫فوق رؤوسنا‪ ،‬إلى إخوتي وسندي في الحياة حفظهم هللا وسدد خطاهم‪ ،‬إلى زوجي وأوالدي حفظهم‬
‫هللا لي وب ارك لي فيهم‪ ،‬إلى ص ديقاتي وزمالئي في العم ل‪ ،‬إلى أهلي وأحب ابي‪ ،‬إلى ك ل من ق رأ‬
‫حرفي أتمنى لكم قراءة ممتعة لكتابي مع تحيات الكاتبة نجوى خالد‬

‫‪3‬‬
‫أرض األحـالم‬

‫يحكى أنه كان هناك شاب كسالن ال يعمل وال يجيد غير الن وم‪ ،‬وك ان فق ير الح ال مت ذمراً لفق ره‪،‬‬
‫يحب ال ثراء والم ال‪ ،‬ويحلم دائم ا ً ب العثور على ك نز ليص بح من أثري اء البالد‪ ،‬لكن ه ال يب ذل أي‬
‫مجهود حتى ألكله‪ ،‬وفي يوم من األيام نام حتى الظه ر ثم اس تيقظ فلم يج د ش يئا ً يأكل ه‪ ،‬فخ رج إلى‬
‫أحد الحقول البعيدة لعله يجد بعض التمر أو الفواكه‪ ،‬وبينما هو يبحث ابتع د قليالً ح تى وج د ش يخا ً‬
‫جالسا ً فأقترب منه وقال‪ :‬ماذا تفعل هنا يا عماه؟‬
‫ﻓﺮﺩ ّﺍﻟﺸﻴﺦ‪ :‬ﻣﺎذا تفعل أﻧﺖ ﻫﻨﺎ؟‬
‫ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﺏ‪ :‬أبحث ﻋﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ألﻛﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺭﺩ ﺍﻟﺸﻴﺦ‪ :‬ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺳﺮﻗﺘﻲ؟‬
‫ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺸﺎﺏ‪ :‬ﻻ ‪ ....‬ال بل أحاول جمع بعض الفواكه المتناثرة هنا وهناك‪.‬‬
‫فرد الشيخ مبتسماً‪ :‬هي سرقة بطريق ة ظريف ة‪ ،‬لم اذا ال تعم ل وتقبض أج راً وتشتري أكالً حالالً‬
‫طيبا ً فهذا حرام يا بني‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬وجلس ق رب الشيخ وق ال‪ :‬آووه ي ا عم اه ال يوج د عم ل في ه ذا ال وقت‪ ،‬ف الكثير من‬
‫الشباب عاطلون عن العمل‪ .‬وأنا يتيم ووحيد ولم يترك لي أبي شيئاً‪ ،‬ولكني أحلم يا عماه أن أجد في‬
‫يوم من األيام كنزاً وأصبح ثريا ً ج داً دون تعب أو جه د‪ ،‬فأن ا ال أحب أن أتعب‪ ،‬أحب الن وم كث يراً‪.‬‬
‫ابتسم الشيخ وقال‪ :‬آممم أيها الشاب ال شيء يأتي بدون تعب وجهد‪ ،‬ولكن عندي لك حل‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬ما هو يا عماه؟‬
‫فقال الشيخ‪ :‬أنا أستطيع تحقيق حلمك‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬وكيف ذلك؟ فقال الشيخ‪ :‬أرسلك في رحلة إلى أرض األحالم‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬وما أرض األحالم؟‬
‫فرﺩ الشيخ‪ :‬ﻫﻲ أرﺽ ﺗﺤﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﺐ أﻭ ﺟﻬﺪ ﻛﻤﺎ ﺗﺤﺐ أنت ﻟﻜﻦ ﺷﺮﻁ أن ﻻ‬
‫ﺗﺴﺄﻡ ﻭﻻ ﺗﻤﻞ ألﻧﻚ ﻟﻮ سئمت أﻭ ﻣﻠﻠﺖ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﺧﻠﺖ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫ﻗﺎل اﻟﺸﺎﺏ‪ :‬أﺭﺽ أﺣﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺎ أﺭﻳﺪ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﺐ أﻭ جهد ﻻ ﻟﻦ أﻣﻞ أﺑﺪﺍ ﻫﻴﺎ أﺭﺳﻠﻨﻲ ﻓﻮﺭﺍ‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬انظر إلى تلك العين الجارية‪ ،‬اشرب منها وبعد لحظات ستجد أمامك ب اب ُأدخل ه لكن‬
‫حذار‪ ،‬ذهب الشاب فرحا ً مسروراً‪ .‬وشرب وش رب ح تى ارت وى وش عر ببعض‬ ‫ِ‬ ‫حذار من السأم ثم‬
‫ِ‬
‫الدوار‪ ،‬وفجأة وج د أمام ه ب اب ينبعث من ه ن ور‪ ،‬فتح الب اب ودخ ل ليج د نفس ه في أرض س بحان‬
‫الخالق كل ما فيها يتمناه المرء‪ ،‬وهناك الكثير من الن اس ب ا ٍد عليهم عالم ات ال ثراء والهن اء‪ .‬ك ان‬
‫منبهراً جدا بهذه األرض التي تشبه الجنَّة‪ ،‬وبينما ه و يتج ول ليكتشف المك ان ح تى ش عر ب الجوع‬
‫ووجد أمامه مطعم يبيع المأكوالت اللذيذة ورائحتها شهية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فقال‪ :‬كيف أحصل على الطعام هنا؟ ثم أكمل قائال‪ :‬إن الشيخ لم يخبرني ش يئا ً س وف أطلب الطع ام‬
‫وآكل وأه رب‪ ،‬المهم أس د ج وعي‪ ،‬دخ ل الشاب المطعم وطلب ك ل األك ل ال ذي يشتهيه ثم تس لل‬
‫ليهرب‪ ،‬فأمسكه صاحب المطعم وقال بغضب‪ :‬لماذا ال تدفع يا هذا؟‬
‫فرد بخوف‪ :‬أنا ال أملك نقوداً‪.‬‬
‫فقال صاحب المطعم‪ :‬وما هي هذه النقود؟‬
‫فرد الشاب متعجباً! إذن وماذا سأدفع؟‬
‫فقال له صاحب المطعم‪ :‬أن تحمد هللا عشر مرات‪.‬‬
‫فرد الشاب فرحاً‪ :‬عشر مرات فقط !! أحمد هللا ألف مرة‪.‬‬
‫فرد صاحب المطعم ‪ :‬ألف مرة تشتري لك منزالً فخما ً وأشياء كثيرة‪ ،‬ففرح الشاب كثيراً وقال‪ :‬آ ه‬
‫هذا إذن سر ه ذه األرض‪ ،‬حس نا ً س وف أدف ع وحم د هللا‪ ،‬وخ رج س عيداً فرح ا‪ ،‬وع رف س ر ه ذه‬
‫األرض وبات يشتري كل ما يريد بحمده هلل فقط دون جهد وعناء‪ ،‬فاشترى ﺑﻴﺘﺎ ﻭأثثه ﻭﻗﺮﺭ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ‬
‫ﻓﺨﻄﺐ أﺟﻤﻞ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ وﺑﻌﺪﻫﺎ ﺗﻢ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ‪ ،‬وكان سعيداً وكل ما أراد أن يشتري شيئا ً يحمد هللا تعالى‬
‫فقط‪ ،‬ومرت األيام والشهور‪ ،‬واألعوام‪ ،‬وأنجب ابن واث نين وثالث ة‪ ،‬وأص بح مس ؤوال عن عائل ة‪،‬‬
‫وكان كل ما أراد الخروج صباحا ً جاءته زوجته قائلة‪ :‬أريد خبزاً وحليبا ً وس كراً و ‪ ....‬و ‪ ......‬الخ‪.‬‬
‫وفي يوم من األيام كثرت عليه الطلبات‬
‫فقال‪ :‬آووه إني أصبحت أحمد هللا في اليوم أك ثر من خمس ة آالف م رة‪ ،‬لق د تعبت لق د س ئمت‪ ،‬م ا‬
‫هذااا يا امرأة؟ سوف أخرج هذه المرة وأشتري متطلبات شهر كامل حتى أرتاح بقية األيام من حمد‬
‫هللا كل يوم‪ ،‬وفجأة وجد نفسه يخرج من الباب الذي دخل منه أول مرة‪ ،‬ووجد الشيخ جالسا كما كان‬
‫في مكانه فنظر إليه الشيخ مبتسما ً وقال‪ :‬هل عدت؟ ألم أحذرك من السأم والملل‪ ،‬فأخذ الشاب يبكي‬
‫ويصيح أين الباب؟ يا حسرتاه أرجوك أعدني زوجتي وأوالدي‪ ،‬مالي وجاهي أين ذهب كل هذا؟‬
‫فرد الشيخ‪ :‬ألم أقل لك أنها رحلة إلى أرض األحالم‪ ،‬لقد شربت م ا ًء من عين س حرية وه ذا الم اء‬
‫يجعلك تغط في نوم عميق وتحلم هذا الحلم‪ ،‬وقد خض ت ه ذه التجرب ة قبل ك‪ ،‬ومن يومه ا وأن ا أكُ ُّد‬
‫وأعمل حتى أصبحت أملك هذا البستان وأشياء كثيرة أخرى‪.‬‬
‫فرد الشاب‪ :‬هذا مستحيل!‬
‫قال الشيخ‪ :‬ال بل هذه الحقيقة انظ ر إلى الي وم لم ينقض ي بع د وأن ا م ازلت جالس ا ً في مك اني كم ا‬
‫تركتني‪ ،‬أوصيك يا بني بشيء إن األحالم ال تفي دك الحي اة َّك ٌد وعم ل وتعب‪ ،‬وأي ش يء يتحص ل‬
‫عليه اإلنسان بدون تعب ال حالوة فيه‪ ،‬واإلنسان ال يرضيه ش يء في ال دنيا فق د تعبت من حم د هللا‬
‫فقط دون جهد منك يا بني لذلك عش الواق ع ودع األحالم‪ ،‬وأعم ل كي تعيش‪ ،‬وال تم د ي دك ألح د‪،‬‬
‫واترك األحالم فال وجود لها سوى في أرض ال وجود لها‪ ،‬وهي أرض األحالم‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫األخـوان مازن وقاسـم‬
‫كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر واألوان‪ ،‬كان هناك ت اجر غ ني يعيش أرمالً م ع ابن ه‬
‫البالغ من العمر ‪ 04‬سنوات وقد تعب في تربيته لوحده‪ ،‬وقرر ال زواج ب امرأة ت ربي ابن ه وترع اه‪،‬‬
‫ْ‬
‫وأنجبت قاسم‪ ،‬وأصبح قاس م‬ ‫وخالل أيام تزوج بامرأة كانت تعامل ابنه معاملة حسنة إلى أن حملت‬
‫كل حياتها وكبر األخوين‪ ،‬وأصبحا يلعبان مع بعضهما‪ ،‬وفي جل األوقات ك ان األخ األك بر م ازن‬
‫يضرب أخاه قاسم‪ ،‬وهنا بدأت زوجة والده تكرهه‪ ،‬إلى أن أص بحا ش ابين وك بر ك ره زوج ة األب‬
‫لمازن معها‪ ،‬وبما أن الوالد تاجر ثري وقد كبر ولداه قرر أوال أن يقسم ثروته بينهم ا‪ ،‬وك ل منهم ا‬
‫يعمل لنفسه حتى يس تطيع ك ل واح د منهم ا ال زواج وفتح بيت‪ ،‬وق د أعجبت م ازن إح دى الفتي ات‬
‫الجميالت وقرر خطبتها‪ .‬فأخبر والده‪ ،‬وهو بدوره أخبر زوجته التي ثارت ثائرته ا‪ ،‬وجن جنونه ا‪،‬‬
‫وقالت لزوجها ابني قاسم أيضا أعجبته الفتاة وقد أخبرني عنه ا‪ ،‬واحت ار الوال د في ه ذا األم ر ألن‬
‫مازن كان مصمما على خطبتها‪ ،‬وبعد أيام فكرت زوجة األب أن تضع األخوين تحت اختب ار ومن‬
‫نجح فيه يتزوج الفتاة رغم أن قاسم كان ال يفكر في هذه الفتاة إطالق ا إال أن أم ه أرغمت ه على ه ذا‬
‫الشيء‪ ،‬وك ان ه ذا االختب ار في التج ارة فمن ب اع وربح أك ثر ي تزوج الفت اة‪ ،‬والتج ارة ك انت في‬
‫القماش‪.‬أحضر الوالد عربتين‪ ،‬ومأل في أكي اس ك ل أن واع القم اش‪ ،‬وفي الغ د ق ام األخ وين ب اكراً‬
‫مستعدان للرحيل‪ ،‬وكان للقرية طريقان للخروج منها‪ ،‬طريق سهل وقريب‪ ،‬وطريق صعب ومليء‬
‫بقطاع الطرق‪ ،‬واللصوص والمخاطر وعندما قرر األخ وين االنطالق ج اءت زوج ة األب وق الت‬
‫لمازن‪ :‬بما أنك الكبير اسلك أنت الطري ق ال وعر‪ ،‬أم ا قاس م فسيس لك الطري ق الس هل‪ ،‬فق ال األب‬
‫ولماذا ال يذهبان معا؟ فردت قائلة‪ :‬ال حتى ال يبيع أحد على بيع أخيه وكل منهما يج د حظ ه‪ .‬واف ق‬
‫ي يا والدي سوف أكون بخ ير‪ ،‬وتف رق األخ وان ك ل في طريق ه‪ ،‬وبع د أن‬ ‫مازن قائال‪ :‬ال تخف عل َّ‬
‫قطع مازن عدة أميال بدأ الجو يتغير والسحب تتراكم‪ ،‬وبدأت الرياح تهب‪ ،‬واألمطار تهطل وتهطل‬
‫بغزارة إلى أن ابتلت كل أكياس القماش‪ ،‬فقرر مازن أن يتوق ف ويتفق د األكي اس ولم ا فتحه ا وج د‬
‫أول األكياس قماشا جديدا وكل ما بداخل األكياس قم اش ب ا ٍل مم زق ال يص لح لشيء‪ ،‬وع رف أن‬
‫هذه أفعال زوجة والده حتى يربح أخوه التجارة‪ ،‬بقي حزينا‪ ،‬وق ال في نفس ه‪ :‬لق د خس رت التج ارة‬
‫س أنتظر ه دوء العاص فة وأع ود أدراجي‪ ،‬ولم ا انتهت العاص فة هم م ازن بالرحي ل‪ ،‬وفج أة س مع‬
‫صوت أنين وصراخ وبقي يسمع الصوت إلى أن وصل إلى حفرة عميقة ب داخلها رج ل يب دو علي ه‬
‫جروح وكسور وهو يصرخ أنقذوني‪ ،‬أنقذوني فاندهش مازن وفكر‪ ،‬كيف أنقذك ي ا ه ذا !؟ ثم ق ال‪:‬‬
‫آه تذكرت القماش‪ ،‬انتظر قليال ‪ ....‬وأخذ القماش الذي باألكياس وص نع من ه حبال‪ ،‬ورم اه للرج ل‪،‬‬
‫ورفعه ثم أخذه في عربته‪ ،‬وأوصله إلى بيته وقد أخبره الرجل أن ه وق ع في العاص فة‪ ،‬وه رب من ه‬
‫جواده‪ ،‬وقد أنقذ مازن حياته‪ ،‬وكان هذا الرجل ثريا‪ ،‬وكاف أ م ازن بكيس ين من النق ود‪ ،‬ف رح م ازن‬
‫كثيرا وعاد سعيدا ليجد أخاه قاسم وصل قبله‪ ،‬وباع ك ل القم اش بكيس واح د من النق ود‪ ،‬وتفاج أت‬
‫زوجة األب بمازن الذي أحضر كيسين من النقود وغضبت غضبا شديدا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬مازال االختب ار‬
‫‪6‬‬
‫الثاني فرد الوالد‪ :‬أال يكفي هذا !!‪ .‬قال مازن‪ :‬ال عليك يا أبي أنا موافق‪ .‬فأكملت قائلة إذا هذه الم رة‬
‫تغيرون التجارة‪ ،‬وتغيرون الطريق‪ ،‬التج ارة س تكون في القمح‪ ،‬ثم ق الت في نفس ها‪ :‬ال أع رف من‬
‫أين أحضر مازن هذه النق ود لكن حالف ه الح ظ في ه ذه الطري ق ولربم ا ه ذه الم رة س يكون الح ظ‬
‫بصف ابني قاسم‪ .‬وفي الصباح انطلق األخوان مجددا وغيرا الطرق‪ ،‬وسلك مازن الطريق الس هل‪،‬‬
‫ولما مشى قليال أراد أن يتفق د أكي اس القمح وي رى م ا فعلت زوج ة وال ده ه ذه الم رة‪ .‬وم ا إن فتح‬
‫األكياس حتى وجدها مليئة بالملح فقال في حزن شديد‪ :‬القماش البالي ص نعت من ه حبال‪ ،‬ولكن ه ذا‬
‫الملح ماذا أص نع ب ه؟ ﻛﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻤﻠﻜﻮﻧﻪ ﻭﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺑﻌﺘﻪ سيس تغرق ﺫﻟﻚ ﺷﻬﺮﺍ ﻭﺍﺛﻨﻴﻦ‪ ....‬أﻭﻩ ﻳﺎ إلهي‬
‫ﺟﺪ ﻟﻲ ﺣﻼً ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻙ ﻭﻣﺸﻰ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﺗﻔﺎﺟﺄ ﺑﺮﺅﻳﺔ ﻧﻮﺭ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ أﺣﺪ ﺍﻟﻜﻬﻮﻑ‪ ،‬ﻓﺬﻫﺐ ليرى ﻭﺗﺒﻊ‬
‫ﺱ ﻗﺎﺩﻣﺔ ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﻓﺘﺒﻊ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻟﻴﺨﺮﺝ‬ ‫ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻮﺭ إلى أﻥ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﻜﻬﻒ‪ ،‬ﻭﺳﻤﻊ أﺻﻮﺍﺕ ﻧﺎ ٍ‬
‫ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻬﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﻳﺔ‪ ،‬وكانت هذه القرية غريبة وقديمة كل شيء فيها قديم وبالي‪ ،‬البيوت قديمة‪،‬‬
‫وكل ش يء ق ديم ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺗﻐﻴﺮ ﻭﺫﻫﺐ إلى ﻋﺎﻡ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ‪ .‬ب دأ يمشي ويمشي إلى أن أحس‬
‫بالجوع فدق أحد األبواب‪ ،‬وطلب طعاما وقال‪ :‬أرجوكم أنا عابر سبيل هل من طعام لديكم؟ خرجت‬
‫سيدة عجوز و قالت‪ :‬انتظر يا ب ني س وف أطعم ك وأخ رجت ل ه طعام ا في أواني طيني ة‪ .‬ش كرها‬
‫مازن‪ ،‬وبدأ يأكل فلما تذوق الطعام وجده دون ملح‪ ،‬فاس تغرب وذهب إلى العرب ة‪ ،‬فأخ ذ القلي ل من‬
‫الملح ليضعه في الطعام‪ ،‬وكانت العجوز تراقبه ولما أكل وش بع حم د هللا‪ ،‬وش كر العج وز‪ ،‬وذهب‬
‫وترك القليل من الطعام في الصحن‪ .‬أخذت ه العج وز وتذوقت ه وق الت‪ :‬آه م ا أجمل ه انتظ ر ي ا ه ذا‪.‬‬
‫فاستغرب مازن فقالت له‪ :‬ماذا فعلت في هذا الطعام ي ا ب ني ح تى أص بح جميال ولذي ذا هك ذا‪ .‬ف رد‬
‫مازن مستعجبا لقد وضعت ملحا أال تعرفين الملح؟! ردت قائلة‪ :‬ما هو هذا الملح؟‪ ...‬فقال إنه س حر‬
‫يجعل الطعام لذيذا‪ ،‬فقالت له‪ :‬هل لك أن تبيعني منه؟ فابتسم قائال‪ :‬سوف أهديك منه وأعطاها كيس ا‬
‫صغيرا وأنصرف‪ ،‬فذهبت العج وز ووض عت الملح في بقي ة طعامه ا وأخ ذت إلى جمي ع الج يران‬
‫ليذوقوا الطعام كيف أصبح لذيذا‪ ،‬وأخبرتهم أن هناك أحد لديه كمية كبيرة من سحر الطع ام وم ا إن‬
‫كان مازن يهم بالرجوع عن طريقه‪ ،‬وكان يفك ر في ه ذه الحكم ة ال تي جعلت ه ي دخل ه ذا الكه ف‪،‬‬
‫ويدخل إلى زمن آخر حتى لحقت به مجموعة كبيرة من الناس انتظر‪ ،‬انتظ ر ي ا ه ذا توق ف م ازن‬
‫مستغربا فقالوا له‪ :‬نحن أتينا كي نشتري من عندك سحر الطعام بدنانير ذهبي ة‪ ،‬فف رح م ازن كث يرا‬
‫وقال لهم ‪ :‬حسنا ً تفضلوا وباع مازن كل الملح الذي عنده ب دنانير ذهبي ة وخ رج م ازن من الكه ف‬
‫ليعود زمنه فرحا مستبشراً وهو يحمل نق ودا ذهبي ة‪ ،‬أم ا أخ وه قاس م فق د س لك الطري ق الص عب‪،‬‬
‫وصادفته العاصفة‪ ،‬وانقلبت به العربة وتناثرت أكياس القمح‪ ،‬وما إن ه دأت العاص فة اجتمعت ك ل‬
‫أنواع الطيور والتقطت جميع حب ات القمح‪ ،‬وع اد خائب ا ً وكل ه ج روح وكس ور وفي طري ق ع ودة‬
‫مازن التقى بأخيه قاسم‪ ،‬مجروحا مكسورا فذهب إليه قاسم يجري وهو يبكي قائال‪ :‬سامحني يا أخي‬
‫هذا جزائي وحكى له ما حدث قائالً ‪:‬هذا جزائي ألني أردت أن أتحداك‪ .‬أن ا أحب ك ي ا أخي أمي هي‬
‫التي أجبرتني على خطبة تلك الفتاة‪ .‬أخطب تلك الفت اة وعش معه ا في س عادة أن ا ال أري دها‪ ،‬فق ال‬
‫م ازن‪ :‬ال علي ك ي ا أخي ف أنت دائم ا تبقى أخي وع اد م ازن ح امالً النق ود الذهبي ة‪ ،‬وح امالً أخ اه‬
‫المجروح المكسور‪ ،‬فشعرت زوجة أبيه بالخيب ة وبقيت تبكي حس رة على ابنه ا‪ ،‬وك ان ه ذا ج زاء‬
‫مكرها ودهائها‪ ،‬أما مازن فقد اشترى أحلى جهاز لعروسه وخطبها‪ ،‬وتزوج وعاش سعيدا‪.‬‬
‫وانتــــهت حكـاية األخــــوان‬

‫‪7‬‬
‫البلــــورة العجيبـــة‬
‫كان هناك صياد في مقتبل العمر ش هم وش جاع وم اهر في الص يد وال أح د يماثل ه‪ ،‬وفي ي وم من‬
‫األيام اتجه للصيد كالعادة‪ ،‬ولما أمسك شبكته لمح شيئا يلم ع بين الس مكات إذ به ا بل ورة ماس ية‬
‫تلمع‪ ،‬فطار فرحا من السعادة وق ال‪ :‬إنه ا من الم اس أو األرج وان ‪ ....‬آه أص بحت غ ني س أبيعها‪،‬‬
‫وسأصبح من األثرياء‪ ،‬شكرا يا رب لكن ه س مع ص وت يق ول‪ :‬ال تبع ني أرج وك فان دهش! ووج د‬
‫الصوت ينبع من البلورة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬من غير المعقول أن تكون البلورة هي التي تكلمت فردت‪ :‬بلى إنني أنا‪ ،‬فأنا أم يرة مس حورة‬
‫محجوزة في هذه البلورة رمتني زوجة أبي في البحر هذا الصباح‪ ،‬فالسحر يفك عني في الليل حتى‬
‫تغوص بي البلورة في المحيط وأغرق‪ ،‬ولحسن حظي أنك التقطتني‬
‫وقالت لي‪ :‬إن نجوت من الغرق س يبقى الس حر م دى الحي اة ولن يف ك ح تى تص بح عج وزا‪ ،‬ولن‬
‫تصبح عجوزا ألنها تمتلك عشبة‬
‫الشباب تجعل اإلنسان شابا طوال حياته‪ ،‬طالما يتناولها فتعجب الصياد وقال‪ :‬كيف تأكلين إذن؟‬
‫فردت‪ :‬سيفك السحر كل ليلة عني إذا نجوت من الغرق وأعود بلورة بعدها أس تطيع األك ل وقته ا‪،‬‬
‫أنقذني فقط‪ .‬وابتعد عن المحيط‬
‫وساعدني‪ ،‬ففكر الصياد وقال‪ :‬أين والدك؟‬
‫فقالت‪ :‬أبي جعلته يأكل عشبة تجعل اإلنس ان عج وزا‪ ،‬فق د أص بح ش يخا كب يرا وه و في الخمس ين‬
‫عاما‪ ،‬مسكين أبي حتى لو رآني فلن يعرفني‪ ،‬فقد فعلت ه ذا ح تى تس تولي عن الحكم‪ ،‬فهي اآلم رة‬
‫الناهية اآلن وقد سجنته في غرفة أعلى القصر‪ ،‬فال يزوره أحد‪.‬‬
‫ف رد الص ياد‪ :‬ج اءتني فك رة هي تمتل ك عشبة الشباب‪ ،‬وعشبة الشيخوخة‪ ،‬وه ل هن اك طريق ة‬
‫للوصول إلى العشبة؟‬
‫فردت‪ :‬مستحيل فهي تزرع العشب في حديقة القصر الخاصة بها‪ ،‬يحرسها مئات الح رس والكالب‬
‫وال يدخلها أحد غيرها‪ ،‬فكر برهة‬
‫وقال‪ :‬وجدتها ألم تقولي السحر يفك ليال؟‬
‫فردت‪ :‬بلى كل ليلة يفك بساعة فقط ثم أعود بلورة هي قالت لي ذلك ألن هن اك س اعة في اللي ل ال‬
‫يقاوم السحر فيها ويفك‪ ،‬فرد إذن أنت سوف تساعديني ألنق ذ وال دك س وف ن ذهب إلى بي تي وحين‬
‫يفك السحر عن ك نتف ق على خط ة‪ ،‬وع اد الص ياد وفي اللي ل أص بحت البل ورة أم يرة جميل ة على‬
‫الحادية عشر تمام ا فلم ا رآه ا الص ياد عق دت الدهشة لس انه‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬كم أنت جميل ة‪ !! ‬ابتس مت‬
‫األميرة‬
‫وقالت‪ :‬أعطني شيئا آكله فأنا أموت جوعا ولنتفق على الخطة فأعطاه ا األك ل ثم اتفق ا على الخط ة‬
‫ك في حديق ة العشب ولم ا يف ك الس حر اقطفي عشبة‬ ‫قائال‪ :‬لدي طائر ذكي س يأخذك غ دا ويرمي ِ‬
‫الشباب وعشبة الشيخوخة‪ ،‬لن يشك الحراس في طائر يمر على الحديقة وبعدها أع ِط الطائر العشب‬
‫وحين تعودي بلورة يأخذك من جديد ويعيدك إل ّي‪ ،‬وفي الغد عن دما ح ل اللي ل ق ام الص ياد بالخط ة‬
‫فأخذ الطائر البلورة وفي الحادية عشر رماها في الحديقة‪ ،‬فتح ولت إلى أم يرة وقطفت العشبتين ثم‬
‫علقتهم برجلي الطائر وأوصلهم إلى ص ديقه الص ياد‪ ،‬وع اد ألخ ذ األم يرة فق د رجعت بل ورة كم ا‬
‫كانت لكن الكالب الحظت الطائر وبدأت تنبح‪ ،‬فأنتبه الحرس ل ذلك ودخل وا الحديق ة ليتفق دوا وق د‬
‫رأى أحد الحرس البلورة فأخذها‬

‫‪8‬‬
‫وقال‪ :‬إن بعتها سوف أصبح غنيا وأتخلى عن الحراسة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال س وف أعطيه ا للملك ة‪ ،‬س وف‬
‫تكافئني وتجعلني المقرب منها ثم وضعها في جيبه‪.‬‬
‫وذهب وكان الطائر الذكي يحوم ورأى الحارس الذي أخ ذها‪ ،‬وع اد إلى الص ياد دون البل ورة فجن‬
‫جنونه وقلق على األميرة‪ ،‬وتأكد أن األميرة في خطر‪ .‬لكن الطائر ك ان ذكي بم ا يكفي لكي يخلص‬
‫األميرة‪ .‬فقد ذهب وأحضر أصدقاءه الطيور‪ ،‬ثم هاجموا الحارس ح تى وق ع في األرض‪ ،‬وس قطت‬
‫البلورة منه فأخذها وعاد بها إلى صديقه الصياد‪.‬‬
‫فرح الصياد كثيرا لسالمة األميرة وشكر طائره ثم بدأ يخطط للخطة الثانية‪ ،‬وفي الغد أخذ الص ياد‬
‫البلورة ولف بها عشبة الشباب لكي تأخذها لوالدها أعلى القصر‪ ،‬فأخذها الطائر مجددا ورماه ا من‬
‫النافذة في غرفة والدها آملة أن يراها والدها فيأكل العشبة ويعود إلى ش بابه ووعي ه‪ ،‬ويع ود للحكم‪.‬‬
‫لكن البلورة وقعت بعيدا على والدها الذي ه و ش يخ كب ير ال ي رى فلم يراه ا‪ ،‬وظلت مرمي ة وظ ل‬
‫الطائر يحوم حول النافذة حتى انتبه الحارس إلى ذلك فقال لصديقه‪ :‬لقد عاد الطائر المتوحش سوف‬
‫أخبر الملكة أنه يحوم فوق غرفة الملك فلما أخبروا الملكة قررت الذهاب إلى غرفة زوجها‪ ،‬وكانت‬
‫البلورة لكن العشب يلفها فلم تعرفها‪ ،‬وكانت على وش ك التقاطه ا لكنه ا س معت ص وتا يق ول‪ :‬أبي ع‬
‫العشب الذي يجعلك شابا طول حياتك ‪ ....‬أبيع العشب‪ ،‬فاستغربت الملكة وذهبت إلى الناف ذة ف رأت‬
‫الرجل فنادت‪ ،‬انتظر يا هذا ‪ ....‬انتظر‪ ،‬خرجت الملكة وكان التاجر هو الص ياد مرت ديا زي ت اجر‪،‬‬
‫وقالت له‪ :‬من أين حصلت على العشب وال يملكه أحد غيري‪.‬‬
‫فرد الصياد‪ :‬من قرية بعيدة وهذه العشبة نادرة وإن أكلت منه ا م رة واح دة فق ط ستص بحين ش ابة‬
‫مدى الحياة ولن تضطري ألكلها مرة أخرى‪ ،‬ففرحت الملك ة وفك رت قليال وق الت‪ :‬س وف اش تري‬
‫منك بشرط أن تجرب أنت العشب أوال فقد كانت ذكية‪ ،‬فرد الصياد‪ :‬وكان أذكى حاضر سيدتي أكل‬
‫الصياد من عشبة الشباب فازداد شبابا ووسامة‪ ،‬ففرحت وقالت‪ :‬حسنا أعطني‪ ،‬وك ان يخ بئ عشبة‬
‫الشيخوخة أيضا فأعطاها منها وطبعا بعد أن طحن العشب ولم تعرف ه‪ ،‬فأخ ذت تأك ل وتشيخ ح تى‬
‫أصبحت عجوزا في الغ ابرين وهن ا ف ك الس حر عن األم يرة‪ ،‬وأخ ذت عشبة الشباب ناولته ا إلى‬
‫والدها الذي ما إن أكلها ح تى ع اد ش ابا كم ا ك ان واحتض ن ابنت ه األم يرة وه و يبكي‪ ،‬وحكت ل ه‬
‫األميرة عن شهامة الصياد وما فعل لمس اعدتها‪ ،‬اس تعاد المل ك منص به ولم يج د خ يرا من الص ياد‬
‫زوجا البنته فقام بتزويجها في حف ل بهي‪ ،‬وأراد معاقب ة زوجت ه ولكنه ا أص بحت عج وزا ض عيفة‬
‫النظر‪ ،‬فوضعها في نفس الغرفة ال تي حجزت ه فيه ا وأح رق حديق ة العشب ح تى ال تع ود لشبابها‬
‫وينتهي من شرها‪ ،‬أما األميرة فقد عاشت بسعادة مع زوجها الصياد الذي صار وزيرا لوال دها‪ ،‬ولم‬
‫ينسوا صديقهم الطائر فقد بنى عشه فوق قصرهم وكون أيضا عائلة‪ ،‬وصار طائرهم المفضل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ابـن النجـار واألميـرة‬
‫يحكى أن هناك نجارا يعمل بكد ونشاط‪ ،‬متزوج من امرأة طيبة وقد أنجبت له صبي بهي الطلع ة‬
‫أسمته أحمد‪ ،‬فرح بوالدة أحمد كثيرا‪ ،‬وكبر أحمد مدلال كل ما أراد شيء حصل عليه بما أنه الوحيد‬
‫الذي أنجبته‪ ،‬وكان أحمد طيبا عطوفا طائعا لوالديه‪ ،‬ولم ا بل غ أحم د س ن الراب ع والعشرين فاتح ه‬
‫والده في موضوع الزواج‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬يا بني لقد كبرت وأنا أريد أن أرى أحفادي قبل م وتي‪ ،‬وق د أص بحت نج ارا ش اطرا مثلي‬
‫وتستطيع أن تفتح بيتا‪.‬‬
‫فرد عليه أحمد‪ :‬حسنا يا أبي سأفكر في الموض وع وأدع وا هللا أن يطي ل عم رك وت رى أحف ادك ثم‬
‫قبل يديه‪ ،‬وفي الغد بينما أحمد عائد من دكان النجارة حتى رأى فتاة حسناء تقط ف ال ورود ال تك اد‬
‫تميزها من بين الوردات من حسنها‪ ،‬اتجه نحوها وألقى عليها الس الم وتح دث إليه ا‪ ،‬ك انت إنس انة‬
‫رائعة فقد أعجبت أحمد وخطفت قلبه وعقله من أول وهلة‪ ،‬ولكن أخذه الحديث معها ولم يس ألها من‬
‫هي وما اسمها‪ ،‬ثم غادرت وعاد أحمد إلى المنزل فرحا جدا‪ ،‬ودخل وهو يق ول‪ :‬آم اه ‪ ....‬آم اه لق د‬
‫وجدت العروس‪.‬‬
‫فرحت األم وردت‪ :‬ما اسمها؟ وابنة من هي؟‬
‫فسكت أحمد برهة ثم قال‪ :‬آه يا آماه من جمالها نسيت أن أسألها‪.‬‬
‫فابتسمت األم قائلة‪ :‬إذن اسأل عنها وأن ا في أق رب فرص ة أتوج ه لخطبته ا‪ ،‬وفي الي وم الت الي م ر‬
‫أحمد على كل من رأى الفتاة وسأله من تكون تلك الفت اة ال تي م رت علي ك ب األمس‪ ،‬ولم ا يس ألونه‬
‫لماذا تسأل يقول لخطبتها فيضحكون عليه‪ ،‬ولم يرد علي ه أح د منهم فاحت ار أحم د لم اذا يض حكون‬
‫عليه؟ ولم يخبروه من الفتاة !؟ وبعدما لهث أحمد في السؤال رآها من بعيد تتكلم مع أح د الفالحين‪،‬‬
‫فأسرع ليسألها لكن ما إن وصل حتى رحلت هي‪ ،‬فوجد الفالح مازال واقفا‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬السالم عليك يا سيدي أريد أن أسال من هي تلك الفتاة الجميلة التي كانت تتحدث معك؟‬
‫فقال الفالح‪ :‬آه تقصد األميرة سهى؟‬
‫فقال أحمد مندهشا‪ :‬أميرة! ‪ ..‬يا إلهي‪.‬‬
‫فرد الفالح‪ :‬أجل أميرة إنها ابنة ملك ظالم ونحن نعمل عنده كالعبيد وال يعطين ا حقن ا‪ ،‬فهي تخ رج‬
‫خلسة وتترقب عملنا وتعطينا أجرنا فهي فتاة رائع ة وطيب ة‪ ،‬فع اد أحم د خائب ا للم نزل وبقي ك ذلك‬
‫واألم تسأله ما الذي حل بك يا بني؟ لكنه لم يرد عليها وبقي أياما على ه ذا الح ال واألم قلق ة علي ه‪،‬‬
‫وكان ال يأكل وال يشرب‪ ،‬وأخيرا وبعد إلحاح من أمه أخبرها‪ :‬أمي تلك الفتاة أميرة وما يوصل ابن‬
‫نجار إلى أميرة‪.‬‬
‫فقالت األم‪ :‬آه يا بني لقد ورطت نفسك وتريد الزواج من أميرة‪ ،‬فطأطأ أحمد رأسه وقال‪ :‬ال علي ك‬
‫يا أماه أنا أعجبت بها فقط سوف أنساها مع األيام‪ ،‬والحظت األم تعلق أحمد بتلك األم يرة فق د ك ان‬
‫دائم التفكير واالنشغال‪ ،‬وفي ليلة من الليالي باتت األم تفك ر بح ال أبنه ا‪ ،‬وكي ف تج د حال ل ه وق د‬
‫وصلت إلى قرار وهو أن تذهب وتخطب األم يرة إلى أبنه ا أحم د‪ ،‬وق الت في نفس ها‪ :‬لع ل وال دها‬
‫يكون طيبا ويفهم أن أبني يحب أبنته وأنه سيسعدها فيقبل بخطب تي له ا‪ ،‬وفي الص باح خ رجت األم‬
‫خلسة على أبنها وزوجها متجهة إلى القصر جاهلة لما ق د يح ل به ا ولس وء حظه ا أن الح اكم ك ان‬
‫رجال ال يعرف الرحمة‪ ،‬ووصلت وقرعت أبواب القصر ولما أعلمت الحراس بغرضها في مكالمة‬

‫‪10‬‬
‫الحاكم ظنوا أنها مجنونة وفي األخير أخذوها وكبلوها باألغالل ورموها أمام الحاكم‪ ،‬ولسوء حظها‬
‫أن الحاكم كان في قمة غضبه ‪.‬‬
‫فقال بصوت عال‪ :‬لماذا تريدين رؤيتي أيتها الحقيرة؟‬
‫فردت‪ :‬جئت ‪ ،........‬جئت‪.......‬للقائك متلعثمة في الحديث‪ ،‬جئت خاطبة األميرة سهى ألبني أحم د‬
‫قالتها دفعة واحدة‪ .‬فازداد الحاكم غضبا وقال‪ :‬ماذا ؟!‪ ......‬ماذا أسمع؟ ه ل أنت مجنون ة ي ا ام رأة‪،‬‬
‫أجل إنك مجنونة ومن تكونين وزوجة من أنت؟‬
‫فردت‪ :‬أنا زوجة النجار فالن‪.‬‬
‫فق ال الح اكم‪ :‬ه ذا م ا ينقص ني خ ذوها إلى الس جن‪ ،‬ي ا إلهي واقبض وا على ه ذا النج ار وابن ه‬
‫وسأعدمهم غدا حتى يكون وا ع برة لمن يتج رؤون على أس يادهم‪ .‬وك ان أحم د م ع وال ده في دك ان‬
‫النجارة حيث وصل الحرس وقبضوا عليهما وكبلوهما ب األغالل وألق وا بهم ا إلى الس جن وهم ا ال‬
‫يعرفان السبب لماذا‪ ،‬وبعدها أخبروه أن أمه أتت خاطبة لألميرة‪ .‬ولما سمعت األميرة س هى ب األمر‬
‫أحست بالشفقة وخصوصا أنها إنسانة طيبة وتعرف والدها وطبائعه خصوصا عندما يكون غاضبا‪،‬‬
‫أما أحمد فقد كان في السجن يبكي بعد الكارثة ال تي وقعت على رؤوس هم بس ببه‪ ،‬وفي ال وقت ذات ه‬
‫كانت األميرة سهى تفكر في ح ل لتنق ذ ب ه العائل ة‪ ،‬وأخ يرا توص لت إلى فك رة‪ ،‬ذهبت إلى وال دها‬
‫قائلة‪ :‬أبي‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم وكان يحبها‪ ،‬وهي مدللة عنده وال يرفض لها طلبا‪.‬‬
‫ق الت‪ :‬إن ك وع دتني ي ا أبي أن تزوج ني لرج ل يب ني لي قص را أك بر وأحلى من قص رك ومليء‬
‫بالجواهر‪.‬‬
‫رد‪ :‬أجل يا بنيتي لقد قلت هذا‪.‬‬
‫فقالت األميرة‪ :‬إذا لدي شرط على هذا الفتى الذي أتاني خاطبا لي‪.‬‬
‫فرد الوالد‪ :‬ما هو هذا الشرط؟‬
‫فقالت األميرة‪ :‬أن يبني لي قصرا أكبر من قصرك وأحلى منه وسأوافق عليه زوجا‪ .‬فضحك الملك‬
‫ضحكا شديدا وقال‪ :‬كيف لنجار ابن نجار أن يبني قصرا أحلى وأكبر من قصري لن يقدر على فعل‬
‫ذلك لو بقي مئة عام وهو يعمل‪.‬‬
‫فردت األميرة‪ :‬المهم أطلق سراحه‪ ،‬واشرط عليه الشرط وأعط ه مهل ة يب ني فيه ا القص ر وإن لم‬
‫يفعل ذلك فاعدمه‪ ،‬أما اآلن فأوقف حكم اإلعدام‪.‬‬
‫رد الملك‪ :‬حسنا سوف أفعل ذلك‪ .‬فرحت األميرة لكن الملك قال‪ :‬وسأترك والديه رهينة عندي ف إن‬
‫هرب أقتلهما‪ ،‬والمهلة هي ثالثون يوما‪.‬‬
‫فقالت األميرة‪ :‬آوه يا أبي ثالثون يوما ال تكفي لشيء‪.‬‬
‫فقال الملك‪ :‬هذا شرطي وقراري ولن أرج ع في ه‪ .‬اذهب وا وأطلق وا س راح الشاب واترك وا والدي ه‬
‫رهينة‪ ،‬وأخبروه بشرطي وشرط األميرة‪.‬‬
‫قالت األميرة في نفسها‪ :‬ال بأس ثالثون يوما تكفي ألجل خطة كي أنقذ والدا الشاب‪ ،‬ولم ا أطلق وا‬
‫سراح أحمد أخبروه بالشرط فانصدم لهول هذه الورطة التي وقع فيها‪ ،‬ولما خرج من القص ر بعثت‬
‫له األميرة برسالة تخبره فيها أنها فعلت هذا كي يحظى بفرصة للفرار وأنها ستجد خط ة كي تجع ل‬
‫والديه يفران أيضا خالل هذا الشهر أتجه أحمد إلى طريق ي ؤدي إلى خ ارج البالد وه و يبكي على‬
‫والديه اللذان لم ينجيا من الموت المحتوم‪ ،‬من غ ير المعق ول بن اء قص ر في ظ رف ش هر وتحقي ق‬
‫طلب الحاكم‪ ،‬وهو ليس سوى نجارا ابن نجار‪ ،‬ومرت األيام واألميرة تحاول أن تخلص والدا أحمد‬
‫الذي يبدو عليها أيضا أنها أعجبت به وأحبته‪ ،‬لكن لسوء الحظ أن والدها ش دد الحراس ة‪ ،‬أم ا أحم د‬
‫فقد وصل إلى بالد ثم إلى أخرى وه و يحكي حكايت ه لك ل من وج ده أمام ه‪ ،‬يك اد يفق د عقل ه وه و‬
‫‪11‬‬
‫يقول‪ :‬أنا أوصلت والداي لهذا الحال وقد كبر شعر رأسه وشعر لحيت ه فمن رآه يق ول أن ه مجن ون‪،‬‬
‫وكان يردد‪ :‬أنا غبي فكيف أعشق أميرة ‪ ......‬م رت س بعة وعشرون يوم ا وأحم د لم يفع ل ش يء‬
‫سوى التنقل من بالد إلى أخرى‪ ،‬و قد اس تقر في إح دى الق رى ال تي س مع فيه ا حكاي ة غريب ة عن‬
‫قصر يس مى بقص ر الم وت‪ ،‬وه ذا القص ر ك ل من ب ات في ه أص بح ميت ا‪ ،‬وك ان مليئ ا ب الجواهر‬
‫واألس اور‪ ،‬ولم يس تطع أح د أن يس رقه‪ ،‬س أل أحم د جي دا عن ه ذا القص ر وعن مكان ه‪ ،‬ثم اتج ه‬
‫مباشرة إليه ق ائال‪ :‬لم يبقى س وى ثالث ة أي ام من الشهر وس يموت وال داي فلم ال أم وت أن ا أيض ا‪،‬‬
‫سأذهب وأبيت في القصر حتى أموت كما أوصلت والداي للموت‪ ،‬ثم دخل أحمد القصر ال ذي ك ان‬
‫يبدو كبيت أشباح فهو قصر مرعب ومليء بالعناكب والخفافيش‪ ،‬دخل أحمد فوجد س ريرا فاس تلقى‬
‫عليه ينتظر الموت المحت وم‪ ،‬ومن ش دة التعب ن ام أحم د و غ ط في ن وم عمي ق‪ ،‬وفج أة ب دأ يس مع‬
‫أصواتا مرعبة رهيبة فاستيقظ على وجه عفريت مخيف‪ ،‬فنظر إليه أحمد وقال ببرود‪ :‬أيا كنت أنت‬
‫فتعال وأقبض روحي ‪.‬‬
‫فقال العفريت‪ :‬ألست خائفا مني؟‬
‫قال أحمد‪ :‬ال لقد أتيت من أجل موتي فإذا كنت تريد قتلي فتفضل‪.‬‬
‫فقال العفريت‪ :‬لماذا يا بني؟‬
‫فقال أحمد‪ :‬قصتي طويلة أيها العفريت فاعمل عملك‪.‬‬
‫فقال له العفريت‪ :‬أريد أن أسمعها‪ ،‬فأخذ أحمد يحكي قصته ويبكي دون أن يحس بذرة خوف‪.‬‬
‫فرد العفريت‪ :‬قصتك محزنة يا بني وأنا العفريت صاحب هذا القصر‪ ،‬وس أخبرك الس ر في م وت‬
‫من ي بيت في ه ذا القص ر‪ ،‬أوال‪ :‬الطم ع ألن ك ل من ي أتي يحب س رقة ممتلك اتي‪ ،‬فالقص ر مليء‬
‫بالجواهر وكذلك الخوف فكل من خرجت عليه وكلمته يموت رعبا‪ ‬وخوفا‪ ،‬أما أنت فجئت ال طامعا‬
‫وال خائفا‪ ،‬وأنا كنت قد قررت أن أمنح هذا القصر هدية لرجل مثلك ألنه أول مرة يأتي إل ّي أحد هنا‬
‫ال طامع وال سارق وال خائف‪.‬‬
‫فرد أحمد‪ :‬هو ال ينفع اآلن فبالدي بعيدة واستغرقت س بعة وعشرين يوم ا للوص ول له ذا القص ر‪،‬‬
‫وسأستغرق نفس المدة للعودة‪ ،‬فأذهب وأجد والداي قد قتال لن ينفعني هذا القصر‪ ،‬فضحك العفريت‬
‫وقال‪ :‬نم هنيئا يا بني فنحن معشر الجن والعف اريت‪ ،‬لن يص عب علين ا ش يء‪ ،‬غ دا ص باحا س تجد‬
‫قصري هذا قرب قصر الملك وس ينجو وال داك‪ ،‬وس تتزوج الفت اة ال تي أحببته ا‪ .‬ف رح أحم د كث يرا‬
‫وشكر العفريت ثم نام وهو يفكر في الغد‪.‬‬
‫وفي الغد استيقظ على صوت الناس ملتفة حول القصر الذي كان بجوار قصر الملك‪ ،‬وخ رج أحم د‬
‫منه وأنقذ والديه‪ ،‬واضطر الحاكم أن يزوجه ابنته ألن هذا كان ش رطه‪ ،‬فالقص ر ك ان أك بر وأحلى‬
‫من قصر الملك ومليء بالجواهر واألساور‪ ،‬التي أصبحت مل ك أحم د وهك ذا اس تطاع ابن النج ار‬
‫الزواج من األميرة‪ ،‬وعاش أحمد سعيدا مع أميرته‪.‬‬
‫انتهـــــــت الحكــــــــــاية‬

‫‪12‬‬
‫الجــــرة السحــــرية‬
‫كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر واألوان‪ ،‬في إحدى القرى الريفية الفقيرة الحال تس كن‬
‫أرمل ة فق يرة‪ ،‬ك ان له ا بن تين الك برى فت اة طيب ة وجميل ة مطيع ة ألمه ا‪ ،‬وحنون ة ت دعى أمين ة‪،‬‬
‫والصغرى فتاة قليلة الجمال سيئة األفعال‪ ،‬مشاكسة وعنيدة ت دعى أم يرة‪ .‬ك انت الفتات ان عزيزت ان‬
‫على أمهما‪ ،‬وكانت األم المسكينة تعمل كخادمة في البيوت كي تؤمن قوت بناتها‪ .‬فق د ك انت تنهض‬
‫في الصباح الباكر وتجر الماء من النهر إلى البيوت‪ ،‬فيدفعون لها القليل من الم ال‪ ،‬فتشتري الخ بز‬
‫واألكل ثم تعود إلى البيت منهكة من شقاء عملها‪ ،‬وفي يوم من األيام بينما كانت تجر الماء كعادته ا‬
‫حتى سمعت ص وت أنين ق ادم من بعي د‪ ،‬فأخ ذت تتب ع الص وت إلى أن وص لت إلى مك ان س بحان‬
‫الخالق‪ ،‬لم تره من قبل وفي هذا المكان منبع للنهر الذي تس قي من ه‪ ،‬وه و عب ارة على نف ر ص غير‬
‫ينزل منه ماء عذب‪ .‬كان المكان يشبه الجنة‪ ،‬وقرب ه ذا المك ان توج د عج وز مس كينة ق د خ ارت‬
‫قواها وال تستطيع حتى الحركة‪ ،‬فذهبت إليها األم الطيبة تجري وأخذت تس ألها م الكي ي ا ج دة‪ ،‬م ا‬
‫الذي أتى بك إلى هنا؟‬
‫لكن العجوز كانت تتمتم وتقول‪ :‬خذيني إلى كوخي‪ ،‬إن ه ق ريب من هن ا ف راحت األم الطيب ة تأخ ذ‬
‫العجوز على ظهرها‪ ،‬وجرتها التي تسقي به ا الم اء بي دها وأخ ذت تمشي م دة طويل ة‪ ،‬وق د تعبت‬
‫كثيرا لكنها لم تتكلم وصبرت على التعب حتى الحظت كوخا‪ ،‬فأوصلت العجوز إلي ه وق الت‪ :‬أيته ا‬
‫ك س آويك عن دي ح تى يتحس ن‬ ‫لك من يرعاك فأن ا س أهتم ب ِ‬‫ك وحيدة؟ إن لم يكن ِ‬ ‫الجدة يظهر لي أن ِ‬
‫ك‪.‬‬
‫حال ِ‬
‫لك يا بنيتي فقد حملتني على ظهرك وأنت تعبة‪ ،‬وك ان ك وخي‬ ‫ابتسمت العجوز وردت قائلة‪ :‬شكرا ِ‬
‫بعيدا جدا ولم تكلي من حملي ولم تتكلمي‪ .‬لذلك سوف أجازيك فأنت امرأة تستحقين الجزاء‪.‬‬
‫فقالت األم‪ :‬أي جزاء هذا يا ج دتي‪ ،‬أن ا لم أفع ل ش يئا‪ .‬وعق دت الدهشة لس انها فق د ك انت العج وز‬
‫غريبة ولم تكلمها ولم ترد عليها‪ ،‬بل وضعت يدها على الجرة فإذا به ينبعث نور جمي ل‪ ،‬ثم نظ رت‬
‫إليها العجوز قائلة‪ :‬إذا احتجت شيئا يا بنيتي قولي كلمة السر هذه <سبحان الذي جعل من الماء ك ل‬
‫شيء حي >‪ .‬ثم اختفت ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﻭاختفى ﺍﻟﻜﻮﺥ‪ ،‬وهي تسمع صوتا يقول‪ :‬ال تخبري بهذا السر أح دا‬
‫إال عند الضرورة القصوى‪ ،‬انصدمت األم الطيبة وكأن كل ما حصل ك ان حلم ا أمامه ا‪ .‬ثم ع ادت‬
‫مع حلول الظالم وهي سعيدة بما حدث لها هذا اليوم‪ ،‬فقد اس تعملت الج رة وطلبت منه ا ك ل األك ل‬
‫الذي تشتهيه بناتها‪ ،‬وعلمت أن العجوز لم تكن س وى ج زاء من هللا على ص برها وفقره ا‪ ،‬ودخلت‬
‫على بناتها بكل ما لذ وطاب‪ .‬فأخذت أمينة وأميرة تسأالن أمهما هل وقعت في كنز يا آمااه؟ م ا ك ل‬
‫هذا الخير؟ ومن فرحة األم كادت أن تخبر البنات‪ ،‬لكن أخيرا تذكرت وص ية العج وز في أن تل تزم‬
‫الصمت‪ ،‬ف اخترعت لهم حكاي ة وق الت‪ :‬إني وج دت رجال ثري ا تص دق لي ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻟﻦ‬
‫أﺿﻄﺮ ﻟﺠﺮ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﺮﺓ أﺧﺮﻯ‪ .‬ومرت أيام من السعادة والهن اء ولم تتفطن البن تين لس ر الج رة ال تي‬
‫تحولت من جرة عادية لجرة سحرية‪ ،‬لكن السعادة لم تدم ط ويال فق د س قطت األم طريح ة الف راش‬
‫مصابة بمرض خبيث لم يف دها أي دواء‪ ،‬وأدركت أن النهاي ة ق ربت‪ .‬فق ررت أخ يرا إخب ار ابنته ا‬
‫الكبرى أمينة عن سر الجرة كونها العاقل ة وتحتف ظ بالس ر‪ ،‬ن ادت ابنته ا أمين ة ب دأت أوال توص يها‬
‫‪13‬‬
‫خيرا بأختها‪ ،‬ثم قالت لها‪ :‬ابنتي حبيبتي حافظي على الجرة ‪ ....‬حافظي على الجرة إن له ذه الج رة‬
‫سر‪ ،‬عديني أنك لن تخبري به أحد‪ ،‬سوف أعطيك كلمة السر‪ .‬وبدأت األم تشهق ويظهر أنه ا ب دأت‬
‫تلفظ أنفاسها األخيرة‪ ،‬قبل أن تخبر ابنتها بكلم ة الس ر‪ .‬م اتت األم وبع د أي ام نف ذ الطع ام‪ ،‬والم ال‪،‬‬
‫وس اءت حال ة البن تين‪ ،‬لكن البنت الك برى ق ررت مزاول ة مهن ة أمهم ا لكي تعين نفس ها وأخته ا‬
‫الصغيرة‪ ،‬وأخذت تج ر الم اء لل بيوت‪ ،‬وتقبض النق ود وتشتري م ايلزم من الطع ام‪ ،‬وفي ي وم من‬
‫األيام بينما أمينة تسقي الماء إذ بها تسمع قطة تموء‪ ،‬فأخ ذت تتب ع القط ة ألنه ا ك انت تحب القط ط‬
‫كثيرا‪ .‬حتى أوصلتها القطة إلى النفر منبع ماء النهر‪ .‬وكان المكان جميال كالجنة‪ ،‬ومن حسن جمال‬
‫المنظر نظرت أمينة وتنفست وقالت‪ :‬ما أجمل هذا المكان‪ ،‬سبحان الذي جع ل من الم اء ك ل ش يء‬
‫حي‪ .‬لقد قالت كلمة السر دون أن تشعر‪ ،‬وفج أة انبعث ن ور من الج رة وس معت ص وتا يق ول‪ :‬م ا‬
‫تطلبين مجاب‪ .‬وحينها أدركت سر الجرة‪ ،‬وسر توصية أمه ا به ا‪ .‬تلعثمت واندهشت لكنه ا طلبت‬
‫ك ل م ا ل ذ وط اب‪ ،‬وهمت ب العودة وطبع ا لم تخ بر أخته ا الص غرى ش يئا‪ ،‬لكن األخت الص غرى‬
‫بأن هناك س ر‪ .‬وق ررت مراقب ة أخته ا ومن أين ت أتي بك ل الطع ام والم ال‪،‬‬ ‫وبمرور األيام تفطنت َّ‬
‫وراحت إلى أختها الكبرى لتطلب منها بعض النقود كي تشتري فستانا‪ ،‬لكن أختها أخبرتها أنه ا في‬
‫المساء حين تعمل سوف تعطيها المال‪ .‬خرجت أمين ة م ع الج رة إلى الخالء كي تق ول كلم ة الس ر‬
‫وتحصل على النقود‪ ،‬لكن هيهات فقد لحقت بها أميرة وفهمت السر‪ ،‬ورأت ك ل ش يء‪ ،‬ول دهائها لم‬
‫تخبر أمينة بأنها كشفت السر‪ .‬وق ررت اس تعمال الج رة لوح دها‪ ،‬وفي الغ د ذهبت أم يرة وس رقت‬
‫ال أمين ة أو أمه ا أن تطلب من‬ ‫الجرة واستعملتها لطلب الذهب والمجوهرات التي لم يخط ر على ب ِ‬
‫الجرة يوما ما هذا الكم الهائل من الذهب والمج وهرات‪ .‬لبس ت أم يرة األس اور وال ذهب وخ رجت‬
‫لتخبر كل من هب ودب بأن لديهم جرة مليئة بال ذهب والفض ة واألس اور‪ ،‬وبس رعة ال برق وص ل‬
‫الخبر لحاكم البالد‪ ،‬ليطلب من حراسه أن يحضروا الجرة ويحضروا البنتين لكي يفهم قضية الجرة‬
‫المليئة بالذهب والمج وهرات‪ .‬انطل ق ح رس المل ك إلى بيت الفت اتين وأمروهم ا بإعط ائهم الج رة‬
‫والكلمة السرية التي تجعل الجرة تفيض بالذهب واألساور‪ ،‬لكن الفتات ان باقيت ا جام دتين ولم تنطق ا‬
‫بكلمة واحدة‪ .‬فأخذ حارس الملك السيف ووضعه في رقبة أميرة‪ .‬وقال ألمين ة‪ :‬أعط ني كلم ة الس ر‬
‫وإال قتلت أختك الصغرى‪.‬‬
‫ارتعبت أمينة وقالت له‪ :‬حاضر ‪ ...‬حاضر ولكن أترك أختي‪ ،‬قاطعتها أميرة قائلة انتظر ي ا س يدي‬
‫سأعطيك أنا كلمة السر وهي "افتح يا سمسم‪ ،‬افتح يا سمس م "‪ .‬ف رح الح ارس كث يرا وأخ ذ الج رة‬
‫وأخذ يقول‪ " :‬افتح يا سمسم‪ ،‬افتح يا سمس م "‪ .‬لكن الج رة لم تح رك س اكنا‪ ،‬فغض ب وأخ ذ الج رة‬
‫وكسرها فتالشت أجزاءها على األرض وقال‪ :‬إنكما كاذبتان وس ارقتان‪ ،‬إنه ا ليس ت ج رة س حرية‬
‫وقد سرقتم األساور من القصر‪ ،‬ثم أخذ منهم الحرس كل م ا ل ديهم وأخ ذوهم إلى الح اكم ليط ردهم‬
‫من القرية‪ .‬بكت أمينة كثيرا على الجرة التي ك انت تعيلهم والمت أخته ا الص غرى بم ا فعلت‪ ،‬لكن‬
‫أميرة تأسفت ألختها وأدركت خطأها ثم قالت‪ :‬سامحيني يا أختي ظننت أني سأصبح أميرة فعال‪ .‬أنا‬
‫آسفة‪ ،‬فقد أخبرت كل الناس عن الجرة وسرها‪ ،‬ض يعت بحمقي ك ل ش يء‪ .‬وقب ل أن يغ ادرا البالد‬
‫ذهبت أمينة إلى بيتهم وقالت‪ :‬سآخذ ما تبقى من أش الء الج رة كت ذكار من أمي فق د أوص تني به ا ‪،‬‬
‫وأخذت أشالء الجرة في كيس وأخذت أختها ورحلتا إلى حيث ال تعلمان‪ ،‬وكانت ا تمشيان من قري ة‬
‫إلى أخرى حتى حل الظالم ودخلوا في غابة مخيفة فوجدوا كوخا‪ ،‬فذهبتا وبقيت ا ق رب ه ذا الك وخ‪.‬‬
‫وارتعبتا من صوت الذئاب والعواء‪ ،‬فبقيت األختان تبكيان حتى وصل شيخ كبير كان ص احب ه ذا‬
‫الكوخ‪.‬‬
‫فقال لهم‪ :‬مالكم يا بنات؟ ما الذي حل بكما؟‬

‫‪14‬‬
‫فقصت عليه أمينة ما حدث لهم في القرية األخ رى‪ ،‬وع رف أن ال م أوى لهم‪ ،‬وع رض عليهم أن‬
‫يعيشا معه في الكوخ فهو وحيد‪ .‬فرحت أمينة وأميرة‪ ،‬وباتتا عند هذا الشيخ ونامتا للصباح من ش دة‬
‫تعب الطريق‪ .‬وفي الصباح استيقظت أمينة لتلقي نظرة على المك ان‪ ،‬ووج دت أرض ا كب يرة ق رب‬
‫هذا الكوخ‪.‬‬
‫فقالت للشيخ‪ :‬يا عماه هل تملك هاته األرض؟‬
‫فقال الشيخ‪ :‬نعم إنها لي‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬لماذا ال تزرعها؟‬
‫فقال‪ :‬يا بنيتي منذ أعوام لم تمطر لذلك كل ما زرعنا ال ينبت شيء‪.‬‬
‫فقالت أمينة‪ :‬نحن في فصل الخريف سنحاول زرعها ون دعو هللا أن يرزقن ا المط ر‪ ،‬س أحرثها أن ا‬
‫وأنت وأختي‪ ،‬ما رأيك بالفكرة؟ ‪.‬‬
‫ابتسم الشيخ وقال‪ :‬حسنا يا بنيتي لعلك فأل خير أنت وأختك عليا‪ .‬عملت أمينة مع أختها أميرة بج د‬
‫بعد أن أصبحت أميرة فتاة عاقلة وبدت على وجهها مالمح الجمال‪ .‬رجعت أمينة وأميرة إلى الكوخ‬
‫متعبتان‪ ،‬ولكن أمينة تذكرت ما بقي من الجرة وأخذتها ودفنتها في األرض المحروثة‪ ،‬ونامت وهي‬
‫تدعوا هللا أن يعوضها خيرا على الجرة‪ .‬وأثناء نومها سمعت صوتا‪ ،‬إن ه ص وت الرع د ب اتت تل ك‬
‫الليلة األمطار تهطل‪ ،‬وبقيت تهطل أياما وأياما‪ ،‬وفرح سكان القرية به ذا المط ر الوف ير وق د زرع‬
‫الفالح ون أراض يهم ومن بينهم أرض الشيخ‪ ،‬ال تي ج اءت ب الخير الكث ير‪ .‬وتكف ل الشيخ ب البنتين‬
‫وأصبحتا بمثابة ابنتيه إلى أن أوصلهما إلى بيت زوجيهما‪.‬‬
‫انتهت قصــة الجــرة السحــرية‬

‫‪15‬‬
‫أرجـــــــوانة والطـــــــائر‬
‫في قرية صغيرة وفي قديم الزمان يعيش رجل يعم ل كن احت ون اقش لل ذهب م ع أف راد عائلت ه‬
‫المتكونة من زوجته وابنته أرجوانة البالغة من العم ر عشر س نوات‪ ،‬وهي الوحي دة عن ده‪ ،‬وك انت‬
‫مدللة دالال شديدا‪ ،‬وفي كل مرة يصنع لها شيئا ذهبي ا يهدي ه له ا‪ .‬وك انت أرجوان ة متعلق ة بوال دها‬
‫تعلقا شديدا لدرجة أنها تذهب معه صباحا إلى الدكان وتعود مسا ًء‪ ،‬وفي عيد ميالدها الث امن عشر‪.‬‬
‫صنع له ا قالدة ذهبي ة لم يص نع مثله ا من قب ل وكتب عليه ا اس م أرجوان ة‪ ،‬ارت دتها أرجوان ة ولم‬
‫تنزعها منذ ذلك اليوم‪ ،‬وفي يوم من األيام بعث لوالد أرجوانة رجل ث ري يس كن بقري ة أخ رى‪ ،‬أن‬
‫يأتي ويمكث لمدة أسبوع عنده لينحت له مجموعة كبيرة من الذهب لزواجه‪ ،‬وكانت أول مرة يسافر‬
‫فيها الوالد ويترك ابنته وحيدة‪ ،‬و ّدعت أرجوانة والدها بال دموع ألنه ا أول م رة تفارق ه في حياته ا‪،‬‬
‫وبعد أيام ولسوء الحظ تخاصمت القبائل ووقعت الحرب‪ ،‬وأش علت ق ذائف الع دو ك ل م ا في قري ة‬
‫أرجوانة‪ ،‬وهربوا جميع ا بم ا فيهم أرجوان ة ووال دتها فق د اح ترقت ق ريتهم وأص بحت رم ادا‪ ،‬أم ا‬
‫والدها فقد كان في القرية األخرى وسمع ماحدث لقريتهم واعتقد أن زوجته وابنت ه ق د مات ا في تل ك‬
‫الحرب‪ ،‬وانتظرت أرجوانة عودة والدها دون جدوى واعتقدت هي أيض ا م وت وال دها‪ ،‬وأص يبت‬
‫بصدمة كبيرة جعلتها تسكن عن الحركة والكالم‪ ،‬والسمع‪ ،‬وأصبحت أرجوانة في كرسي متح رك‪،‬‬
‫رحلت أرجوانة وأمها إلى قري ة يوج د به ا ط بيب أعشاب‪ ،‬ومكثت أمه ا هن اك وب اعت ج ل حلي‬
‫أرجوانة كي تعالجها من هاته الحالة‪ ،‬لكن الطبيب أخبرها بأن حالة ابنتها نفسية وال عالج لها‪ ،‬فهي‬
‫كانت جراء صدمة موت وال دها ال ذي اعتق دت أن ه ت وفي‪ ،‬ع اد وال د أرجوان ة إلى القري ة ليج دها‬
‫صارت رمادا‪ ،‬وكل أهل القرية رحلوا وال أحد يعرف شيئا عن اآلخر‪ ،‬سأل عن زوجته وابنته لكن‬
‫ال أحد أعطاه خبرا عنهما‪ ،‬فرجع إلى تلك القرية التي ذهب إليها واستقر هناك ظانا أن ه فق د عائلت ه‬
‫وابنته الحبيبة إلى األبد‪ .‬عاش أياما من الكآبة والحزن‪ ،‬لكنه أخيرا بدأ يعمل كناحت وناقش في تل ك‬
‫القرية‪ .‬بقيت أرجوانة مشلولة خرس اء وص ماء‪ ،‬ولكنه ا احتفظت ب ذكرى واح دة من وال دها وهي‬
‫القالدة التي كتب عليها اسمها‪ .‬مرت س نتان وال أح د يع رف ش يئا عن اآلخ ر‪ ،‬ويئس ت العائل ة من‬
‫عودتها كما كانت‪ .‬وظلت أرجوانة بكرسيها المتحرك‪ ،‬تخرجه ا الوال دة إلى إح دى الح دائق للت نزه‬
‫حتى رأت أرجوانة طيرا لم تر ىمثله من قبل‪ ،‬حط على كتفها وبدأ يزقزق‪ ،‬لكن أرجوانة لم تس تطع‬
‫أن تسمعه وتتمتع بصوته الجميل‪ .‬ومنذ ذل ك الي وم أل ف الط ائر أرجوان ة فأص بح ي أتي ويح ط في‬
‫شباك غرفتها فتعطيه فتات الخبز والماء‪ ،‬وبدأت أرجوانة تعود إليها االبتسامة بعد غياب ق د ط ال‪،‬‬
‫وفي يوم مر أحد الرجال للتنزه فوجد الطائر الذي أبهره جماله ونوعه الذي لم ير مثله من قبل‪ ،‬وما‬
‫إن بدأ الطائر بالزقزقة حتى أصيب الرجل بالنعاس ونام حتى المساء‪ ،‬ولما أستيقظ أنصرف ثم عاد‬
‫صباحا ليرى الطائر من جديد ولم ا س مع ص وته ثاني ة ن ام مج ددا ولم ا اس تيقظ الرج ل تفطن أن‬
‫صوت الطائر يجعل من يسمعه ينام‪ ،‬وفكر في خطة شريرة ليمس ك به ذا الط ائر‪ ،‬وبالفع ل أمس كه‬
‫ووضعه في قفص ثم أخذه معه ووض عه في ش باك ب بيت أمام ه‪ ،‬وبينم ا الط ائر يزق زق ين ام أه ل‬
‫البيت‪ ،‬ويدخل هو ويسرق كل ما في البيت من أشياء ثمينة وذهب وأساور‪ ،‬أما أرجوان ة فق د غ اب‬
‫طائرها المحبوب فكانت كل صباح تفتح النافذة تنتظره وهي تبكي‪ ،‬وعاد إليها الحزن من جديد بع د‬
‫أن أعاد إليها صديقها الطائر االبتسامة‪ ،‬واستمر الشرير يستعمل الطائر للسرقة حتى بدأ أهل القرية‬
‫يتحدثون عن السرقات التي تقع بعد سماع زقزقة هذا الطائر‪ ،‬وأصبحوا يطلقون علي ه اس م الط ائر‬
‫السارق وفي هذا اليوم وصل الدور منزل أرجوانة وبدأ الطائر يزقزق عن د الناف ذة ورأت ه محبوس ا‬
‫في قفص فعرفت ما حل به‪ ،‬فنامت األم لكن أرجوانة لم تنم ألنها ال تسمع‪ ،‬ودخ ل الشرير ليس رق‬
‫‪16‬‬
‫وفوجئ لما رأى أرجوانة لم تنم فبدأ يصرخ ويقول لماذا لم تنامي أيتها الغبية؟ لماذا لم تنامي؟ لكن ه‬
‫أدرك أنها التسمع‪ ،‬فهدأ وقال‪ :‬آه ال بأس أنت خرساء حتى إن رأيتني لن تس تطيعي إخب ار أح د‪ ،‬ثم‬
‫نظر إلى عنقها ليجد القالدة فمسكها وقطعها من عنقها بق وة وهي تبكي وال تس تطيع أن تص رخ‪ ،‬ثم‬
‫أخذ الطائر ورحل‪ ،‬وبعد مدة اس تيقظت األم من نومه ا فوج دت أرجوان ة م ازالت تبكي‪ ،‬والحظت‬
‫اختفاء القالدة‪ ،‬فخرجت األم تصرخ لقد سرقنا الطائر السارق‪ .‬وحضر الصيادون بنادقهم ولما ع اد‬
‫الشرير ليسرق منزال آخر‪ ،‬لم يزقزق الطير حزنا على صديقته أرجوانة وم ا ح ل به ا‪ ،‬فق د س رق‬
‫الرجل أغلى قالدة على قلبها‪ ،‬احتار الشرير في الطائر وحاول معه مرارا وتكرارا ح تى س ئم من ه‬
‫ففتح له القفص قائال‪ :‬هيا ارحل لقد سئمت منك‪ ،‬وعلى العموم فسوف تقت ل ألن ك الس ارق في نظ ر‬
‫أهل القرية‪ ،‬أما أنا فق د جمعت م ا يكفي من حلي ح تى أبيعه ا وأك ون ت اجرا محترم ا‪ ،‬ولم ا خ رج‬
‫الطائر من القفص كان وفيا لصديقته فالتقط قالدتها وقرر أن يعيدها إليها‪ ،‬وم ا إن ط ار في الس ماء‬
‫والقالدة بين قدميه رآه أهل القرية وبدؤوا يص رخون‪ ،‬إن ه الط ائر الس ارق مج ددا وم ا ك ان ألح د‬
‫الصيادين إال وأطلق النار عليه لتتناثر دماؤه في السماء لكنه قاوم اإلصابة‪ ،‬وأخذ يبتعد ويبتعد حتى‬
‫سقط في إحدى الغابات وبالصدفة مرت فتاة صغيرة مع والدها فوجدت الط ائر وأخذت ه إلى وال دها‬
‫وهي تجري‪ ،‬أبي‪ .‬أبي هناك طائر مصاب وهو ينزف ويبدو أن قدمه مكسورة‪ ،‬أخ ذ الوال د الط ائر‬
‫وق ال له ا‪ :‬هي ا س وف نعالج ه ولمح القالدة تلم ع فق ال‪ :‬آه م ا ه ذه؟ قالدة ذهبي ة فأخ ذها ووج دها‬
‫مقطوعة فقال البنته‪ :‬سوف نعالج الطائر‪ ،‬ونأخذ القالدة إلى ناحت الذهب في القري ة المج اورة كي‬
‫يصلحها وتلبسيها في عيد ميالدك‪ ،‬وبعد أيام شفي الط ائر وب دأ يح اول الط يران‪ ،‬ذهب وال د الفت اة‬
‫حامال القالدة إلى ناحت الذهب والذي هو والد أرجوانة‪ ،‬وم ا إن أمس ك القالدة ح تى ص رخ ق ائال‪:‬‬
‫من أين لك هذه؟ إنها البنتي أرجوانة أخبرني ال بد أنها حية‪ ،‬وحكى له والد الفتاة عن الطير‪ ،‬فطلب‬
‫منه والد أرجوانة أن يأخذه إلى الطير‪ ،‬ويطلق ه ثم يتبع ه لعل ه يدل ه على مك ان ابنت ه‪ ،‬وأطل ق وال د‬
‫أرجوانة الط ائر‪ ،‬ومشى وراءه ح تى أوص له إلى بيت أرجوان ة ال ذي تس كن ب ه‪ ،‬ورأت أرجوان ة‬
‫طائرها حرا طليقا فسعدت كثيرا وخصوص ا لم ا رأت وال دها واقف ا وراءه‪ ،‬وص رخت ص رخة لم‬
‫تص رخ مثله ا من قب ل قائل ة‪ :‬أبي‪ .‬أبي‪ ،‬ونهض ت من كرس يها تج ري واحتض نته باكي ة‪ ،‬وحينه ا‬
‫وصلت أمها التي لم تصدق عينيها ولم ت ترك أرجوان ة وال دها إال على ص وت الن اس وهم يقول ون‬
‫أمسكنا الطائر السارق‪ ،‬فخرجت تجري بعدما استطاعت النطق اتركوا ه ذا الط ائر إن ه ب ريء‪ ،‬إن‬
‫السارق هو التاجر الجديد الذي سكن في القرية فال بد أنه باع الذهب ليأتي بالم ال ال ذي عن ده‪ ،‬فق د‬
‫اس تغل الط ائر المس كين‪ ،‬فأتج ه الن اس إلى م نزل الت اجر ودخل وا وفتشوه ليج دوا بعض الحلي‬
‫المسروقة‪ ،‬فعرفوا أنه هو السارق فعال ولم ا ب رأت أرجوان ة طائره ا أخذت ه ورجعت وهي س عيدة‬
‫جدا به وبوالدها ولبست أرجوانة قالدتها من جديد‪ ،‬وجمع شمل عائلتها مجددا‪ ،‬أما الط ائر فق د م ر‬
‫ينس ص ديقته‬ ‫سرب من نوع ه فأطلقت ه أرجوان ة ليلح ق بهم ويع ود إلى موطن ه األص لي‪ ،‬لكن ه لم َ‬
‫أرجوانة‪ ،‬ولم تنساه أرجوانة أبدا‪ ،‬والتي عاشت سعيدة مجددا مع والديها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الحـــــاوية الجــلدية المـــباركة‬
‫يحكى أن ه في ق ديم الزم ان ك ان يعيش ش اب طيب القلب ي دعى محم د األمين ابن ام رأة عج وز‬
‫كريمة‪ ،‬كان محمد أمين فقير الحال‪ ،‬لكنه يعمل بجد كي يعي ل والدت ه األرمل ة‪ ،‬فه و وحي دها يعم ل‬
‫كموزع للخبز عند الخبازين‪ ،‬فكل يوم يعطيه صاحب المخبزة بعد إيصال الخبز أج ر يوم ه دين ارا‬
‫أو دينارين فيشتري طعاما ويعود مساء لوالدته‪ ،‬فتسعد األم وتدعو البنها بالخير ألنه دائما يرض يها‬
‫ويطيعها‪ ،‬وفي صباح يوم من األيام الحظت األم بعض الحروق على ي دي محم د األمين‪ ،‬فف زعت‬
‫وقالت له‪ :‬ما بال يدك يا بني؟‬
‫فرد قائال‪ :‬ال تخشي شيئا يا أماه هي بعض الحروق من جراء أخذ الخبز وهو ساخن‪.‬‬
‫داوت األم حروقه‪ ،‬ثم قالت‪ :‬لدي يا بني جلد ماعز قديم ومتين سأصنع ل ك من ه حاوي ة تحم ل فيه ا‬
‫الخبز حتى ال تحترق مج ددا‪ ،‬وبع د أي ام انتهت األم من ص نع الحاوي ة وس لمتها إلى محم د األمين‬
‫الذي فرح بها كثيرا‪ ،‬وش كر والدت ه‪ ،‬وخ رج ودعواته ا ترافق ه مث ل ك ل م رة‪ ،‬ولم ا قبض يوميت ه‬
‫اشترى الطعام وبقيت له بعض الدنانير فوضعها في الحاوية‪ ،‬ولم ا ع اد إلى الم نزل تن اول طعام ه‬
‫وأخذ الدنانير من الحاوية فوجدها أكثر مما وضع‪ ،‬اندهش وسأل والدته وق ال‪ :‬ه ل وض عت بعض‬
‫الدنانير في الحاوية؟‬
‫فردت ال يا بني فأنا ال أملك فلسا‪ ،‬ولما تسأل؟‬
‫فسكت قليال وقال‪ :‬ال‪ ،‬ال يهم ظننت أن النقود أكثر مما وضعت ربما أخطأت العد وفي الي وم الت الي‬
‫وضع النقود فيها ولما فتح الحاوية وجد النقود تضاعفت وهنا دخله الشك‪ ،‬فذهب وأخبر والدت ه بم ا‬
‫حدث معه فسعدت كثيرا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬يا بني إن هذا الجل د مب ارك والحاوي ة الجلدي ة أص بحت حاوي ة‬
‫مباركة‪ ،‬وهذا يحدث في القديم‪ ،‬ولكن إن تفشى ه ذا الس ر وتع دى ثالث أش خاص ستص بح عادي ة‬
‫والكثير من الناس حدث معهم هذا فأصبحوا أثرياء‪ ،‬فحافظ على هذا السر فهذه مباركة من عند هللا‪،‬‬
‫فسمي هللا في كل مرة تضع فيها النقود وسترى العجب‪ ،‬سيصبح رزقك وفير‪ .‬وط ار محم د األمين‬
‫من الفرح وقال‪ :‬شكرا لك يا أماه ه ذا بفض ل دعائ ك ورض اك وقبله ا من جبينه ا وي دها‪ .‬وأص بح‬
‫األمين في كل يوم يعمل ويضع النقود فتزداد وتزداد‪ ،‬وصار يشتري كل ما لذ وطاب‪ ،‬وكان ألمين‬
‫زميل ل ه في العم ل اس مه رض ا فاحت ار في ح ال زميل ه محم د األمين ال ذي ك ان فق ير وبين ليل ة‬
‫وضحاها أصبح لديه الكثير من المال‪ ،‬ويشتري كل م ا يري د‪ ،‬فق رر رض ا مراقب ة األمين ومعرف ة‬
‫سره‪ .‬وفي الصباح الباكر خ رج رض ا وبقي ق رب ناف ذة األمين وه و يراقب ه ورآه يحم ل الحاوي ة‬
‫ويقول لوالدته‪ :‬أماه أكثرت البسملة البارحة حين وضعت النقود في الحاوية فتضاعفت النق ود أك ثر‬
‫فأكثر‪ ،‬ابتسم رضا ابتسامة شر‪ ،‬وقال ها‪ ....‬إذن هذا هو السر وبعد مدة أصبح األمين على ق در من‬
‫الثراء وتخلى عن العمل في المخبزة وتزوج من إح دى الفتي ات الجميالت‪ ،‬وفتح دكان ا يعم ل في ه‪.‬‬
‫وكان رضا يموت غيظا ويخطط كيف يأخذ الحاوية‪ ،‬وبعد زواج األمين توصل إلى فك رة‪ ،‬وانتظ ر‬
‫حتى خرج األمين مع والدته من منزله واستغل فرص ة أن زوج ة األمين ال تعرف ه‪ ،‬وب دل زي ه في‬
‫زي شيخ يحمل أكياسا من القمح وقرع الباب‪ .‬فخرجت زوجة األمين وقالت‪ :‬ماذا تريد يا عماه؟‬
‫فرد‪ :‬أنا يا بنيتي‪ ،‬أنا عامل أجر القمح وأتقاضى أجرا يوميا‪ ،‬وقد تمزق لي أحد األكي اس فخفت أن‬
‫يتناثر القمح منه وأخسر عملي‪ ،‬فأرجوك إن كانت لكي حاوية جلدية متينة أقرضيني إياه ا‪ ،‬أوص ل‬
‫القمح وأعيدها مسا ًء‪ .‬فكرت وقالت‪ :‬لدي بالفعل حاوي ة جلدي ة تخص زوجي‪ ،‬لكن ه أوص اني أن ال‬
‫أعطيها ألحد‪.‬‬
‫فرد قائال‪ :‬ال تخافي يا بنيتي سأعيدها قبل أن يعود زوجك‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فردت‪ :‬أجل يبدو أنك طيب‪ ،‬سأحضرها لك‪ ،‬فرح رضا وأخذ الحاوية‪ ،‬وه رع مس رعا قب ل ع ودة‬
‫األمين‪ ،‬وانتظرت الزوجة إلى أن عاد زوجها ولم يعد الشيخ بالحاوي ة‪ ،‬ف أخبرت األمين بم ا ح دث‬
‫فغضب غضبا شديدا‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه ال تكون سوى أفعال رضا فهو يكرهني‪ ،‬لكن كي ف علم بس رها؟‬
‫فقالت الزوجة عن أي سر تتحدث‪ ،‬ولماذا غضبت كل هذا؟ إنها مجرد حاوية جلدية‪.‬‬
‫سكت األمين وقال‪ :‬سأعيدها بطريقتي الخاصة وفي هذا الوقت عاد رضا إلى المنزل يحمل الحاوية‬
‫الجلدية فقالت له والدته‪ :‬ماهذا يا رضا؟‬
‫ففكر وقال‪ :‬هذه الحاوية أعط اني إياه ا ش يخ كب ير م ريض س اعدته بحم ل بعض األغ راض إلى‬
‫منزله‪ ،‬وقرر ع دم إخباره ا الحقيق ة ح تى ال تلوم ه عن أخ ذها‪ ،‬ووض ع رض ا النق ود في الحاوي ة‬
‫وسمى بسم هللا كثيرا‪ ،‬ولما استيقظ صباحا وجد الحاوية مليئة بالنقود‪ .‬من فرحته أخذ النقود وخ رج‬
‫وترك الحاوية في المنزل وه و ي ردد سأص بح ثري ا ‪ ....‬سأص بح س يدا‪ ،‬وك ان األمين يراقب ه ورآه‬
‫يحمل الكثير من النقود فعرف أنه السارق‪ ،‬ف ذهب وأخ ذ مجموع ة من الجل ود على ظه ره وط رق‬
‫باب المنزل خرجت أم رضا وقالت‪ :‬محمد األمين زميل ابني في العمل أهال وسهال تفضل‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ال جئت أحتاج رضا بأمر‪.‬‬
‫فردت لكن لألسف غير هو موجود‪ ،‬ولكن ما كل هذه الجلود التي على ظهرك؟‬
‫فرد األمين‪ :‬هناك وباء خطير يأتي من جراء الجلود الموجودة في البيت لذلك جمعت كاف ة الجل ود‬
‫التي بالبيت كي أدفنها بعيدا‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬أوه ‪ ...‬حقا انتظر هناك حاوية جلدية أحضرها المغف ل رض ا أرج وك انتظ ر‪ .‬أعطيه ا ل ك‬
‫ادفنها مع جلودك وش كرا ألن ك نبهتن ا‪ .‬وق الت في نفس ها ربم ا الرج ل ال ذي أعطى اب ني الحاوي ة‬
‫مرضه كان بسببها‪ ،‬أخذ األمين الحاوية وعاد سعيدا‪ .‬وفي طريقه سمع ح ارس المل ك يق ول ب أعلى‬
‫صوته‪ :‬من يستطيع إنقاذ الملك وله مكافأة كبيرة ‪ ...‬فاتجه األمين نحوه سائال ماذا حل بالملك؟‬
‫ف رد الح ارس‪ :‬إن المل ك م ريض ج دا وك ان يع الج بإح دى األعشاب الن ادرة الموج ودة في واد‬
‫المخاطر‪ ،‬وكل من ذهب إلحضارها ال يعود‪ .‬وقد وجدنا القليل منه ا عن د إح دى األطب اء‪ ،‬لكنه ا ال‬
‫تكفي لعالجه ل ذلك وض ع األم ير ابن ه مكاف أة لمن ينق ذ حي اة وال ده‪ ،‬وهي عب ارة عن قص ر مليء‬
‫ب الجواهر والخ دم‪ ،‬والحشم‪ ،‬ومنص ب وزي ر في الحكم‪ ،‬ف رح األمين فرح ا ش ديدا وق ال‪ :‬أن ا‬
‫سأحضرها‪.‬‬
‫فرد الحارس‪ :‬هل تعني ما تقول؟‬
‫رد األمين‪ :‬كن واثقا من ذلك لكن أحت اج القلي ل منه ا ح تى أتع رف عليه ا‪ ،‬وبع د أس بوع س يكون‬
‫عندكم كل ما تحتاجون من عشب‪ ،‬أحضر الحارس العشبة لألمين وأخبر األمير بذلك‪ ،‬وبعد أسبوع‬
‫عاد األمين بالعشب‪ .‬بع د وض ع العشبة في الحاوي ة وتكاثره ا‪ ،‬ولم ا دخ ل األمين القص ر ح امال‬
‫العشب رأى األمير العشب فف رح كث يرا لم ا تأك د أنه ا العشبة ال تي يحتاجه ا‪ ،‬وق رر منح الج ائزة‬
‫لألمين‪ ،‬حتى دخل عليهم رضا وهو يصرخ ويقول‪ :‬سيدي الحاكم إنه كاذب ولم يحضر العشبة من‬
‫واد المخاطر بل إنه لديه حاوية ‪ ...‬و ‪ ....‬وقص على األمير حكاية الحاوية‪ ،‬وغضب األمير وق ال‪:‬‬
‫إن كان هذا األمر صحيحا فسوف أعاقب األمين‪ ،‬وإن كان كذبا فسوف أعاقبك أنت‪ .‬وأخ ذ الحاوي ة‬
‫منه ليجربوها ووضعوا فيها نقودا في انتظار تكاثرها صباحا فوجدوا النقود على حاله ا‪ ،‬وه ذا ألن‬
‫سر الحاوية تعدى ثالثة أشخاص‪ ،‬وتسلم األمين جائزته ومنصبه وعاش سعيدا‪ ،‬وهذا بفض ل رض ا‬
‫أمه عليه‪ ،‬أما رضا فقد دخل السجن وكان هذا جزاء الحسد والبغض والغيرة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الحسناء الضائعة‬
‫يحكى أنه في قديم الزمان وسالف العص ر واألوان ك ان هن اك مل ك ق د أع رض عن ال زواج لم دة‬
‫طويلة وهذا خوفا من إنجاب البنات‪ ،‬فقد كان وحيد والديه وسط سبعة بنات وقد كان والده يلقب بأبو‬
‫البنات فكبر في عقدة من البنات وخاف أن يكون مثل والده‪ ،‬وبع د ض غط من وزرائ ه ومستشاريه‬
‫قرر أخيرا الزواج‪ ،‬وأقنعوه أن الخلفة هي أمر مقدر من هللا وأن الزواج نص ف ال دين‪ ،‬واف ق ولكن‬
‫في قرارة نفسه ال تزال هناك عقدة من البنات ومن لقب أبو البنات‪ ،‬أختار فتاة جميلة وطيبة وتزوج‬
‫في حف ل كب ير حض ره ك ل أه ل المدين ة‪ .‬ك انت الع روس س عيدة وكأنه ا في حلم‪ ،‬فزواجه ا ك ان‬
‫أسطوري‪ .‬مرت أيامها األولى كالحلم الى أن صارت حامال كي تس تيقظ على ك ابوس أقلب حياته ا‬
‫رأسا على عقب حيث أن الملك زوجها عادت له وساوس أن ينجب بنتا‪ ،‬ووصل به األم ر أن أخ بر‬
‫زوجته أنها لو أنجبت بنتا أن يدفنها حيه‪ ،‬لم تعرف عروسة المسكينة أن تفرح بحملها أو تخ اف من‬
‫أن تنجب بنتا‪ ،‬وباتت تدعو هللا ليال نهارا أن ال يهبها بنتا وإن كانت بنتا أن يحفظه ا ويه دي وال دها‬
‫لعدم قتلها‪ ،‬مرت سبعة أشهر من حملها كالبرق وبدأ يقترب موعد والدتها الذي بات فاجعة بالنس بة‬
‫إليها خوفا على جنينها إن كان بنت ا‪ ،‬ك انت تجي د الحياك ة من ذ ص غرها فق ررت أن تحي ك ج ورب‬
‫لطفلها القادم لتلهي نفسها عن التفكير والخوف وكان هذا الجورب بالحرير الخالص وخيط ال ذهب‪،‬‬
‫انهت حياكته وخبأته لتلبسه لطفلها خصوصا أنها ستلد في الشتاء‪ ،‬دخل أول يوم من شهرها التاسع‬
‫الذي بات نذير شؤم وأزداد قلق األم على جنينها ال ذي أص بح ي رفس وأحس ت ب ه وأحبت ه وخ افت‬
‫عليه قبل أن ت راه إنه ا األم تعطي دون مقاب ل‪ ،‬ب دأ الع د التن ازلي وأق ترب موع د الوض ع‪ ،‬وفج أة‬
‫ظه رت مهم ة للمل ك في أح دى القبائ ل التابع ة لمملكت ه وقعت ح روب وأض طر لتودي ع زوجت ه‬
‫والذهاب لحل المشكلة‪ .‬وأعتقد أنه سيعود قبل أن تض ع زوجت ه لكن بع د أن ف اتت ثالث أي ام أش تد‬
‫البرد وس قطت الثل وج ح تى اكتس ت األرض حل ة بيض اء وأغلقت الط رق وص عبت ع ودة المل ك‬
‫واضطر للبقاء حتى تذوب الثلوج وتفتح الطرق‪ ،‬وفي هذه األثناء بدأت آالم المخاض تقط ع أحشاء‬
‫الملكة في ليلة باردة وكانت العواصف الثلجية تصفر خارجا فلم يس تطيعوا إحض ار الط بيب س وى‬
‫إحدى الدايات التي كانت عج وزا ض عيفة تس كن قريب ة من القص ر ال تي أتت على جن اح الس رعة‬
‫لمساعدة الملكة في والدتها‪ ،‬بعد صراع طوي ل م ع اآلالم وم د وج زر ص رخ مول ود الملك ة ال تي‬
‫خارت قواها‪ .‬وأول سؤال سألته‪ :‬ماذا أنجبت ؟؟‬
‫فقالت الداية‪ :‬إنها بنت كالقمر ذات شعر ذهبي ووجه كالبدر‪ ،‬مبروك عليك صاحبة الجاللة‪.‬‬
‫قالت الملكة‪ :‬بنت ‪...‬يا إلهي ال أعلم هل أف رح أم أبكي هاته ا أخ ذتها وض متها ون زلت من مقلتيه ا‬
‫أنهار من الدموع‬
‫فنظرت الداية المسنة وقالت‪ :‬لماذا تبكين ماذا يحدث؟‬
‫فردت الملكة‪ :‬ساعديني ابنتي في خطر!! جدي لي حال س يدفنها وال دها حي ة وأص بحت تقب ل ي دي‬
‫العجوز وتقول لها‪ :‬ساعدي ابنتي أرجوك‬
‫قالت العجوز‪ :‬يا هللا لهذه الدرجة !!‬
‫ثم فكرت قليال وقالت‪ :‬لدي فكرة لقد ساعدت ام رأة بدوي ة قبل ك في ال والدة وق د أنجبت طفال ميت ا‬
‫سآخذ ابنتك لها وأجلب الطف ل الميت ل ك وأخ بري زوج ك أن ك أنجبت طفال ميت ا الى أن نج د حال‬
‫ونقنعه بالبنت‪ .‬مسحت الملكة دموعها وقالت‪ :‬هل أنت واثقة منها؟ هل تحفظ السر؟‬
‫ردت العجوز‪ :‬سنس كتها ببعض النق ود فهي فق يرة ولن أخبره ا أنه ا ابنت ك ح تى نج د حال‪ .‬وافقت‬
‫الملكة على الفور لفت ابنتها جيدا ثم ألبستها الجورب الذي حاكته بيدها‪ ،‬وأخذت تقبلها وتشم ريحها‬
‫‪20‬‬
‫وكأنها تودعها آلخ ر م رة‪ ،‬خ رجت العج وز من القص ر والفج ر يك اد يل وح وش احه واتجهت الى‬
‫البدوية‪ ،‬رفضت في بادئ األم ر ولم ا رأت النق ود وافقت على الف ور وأعطته ا الطف ل الميت‪ ،‬ولم‬
‫تخبرها ابنة من هي لكن عرفت من جوربه ا والنق ود الكث يرة ال تي أعطته ا العج وز له ا أنه ا ابن ة‬
‫أثرياء‪ ،‬اتجهت الداية العجوز الى القصر مسرعة والبرد يلفحها من كل اتجاه وأعطت الطفل الميت‬
‫للملكة وطمأنتها أن ابنتها في أمان وأن المرة القادمة سوف تخبرها عن مكان ابنتها واستأذنت منه ا‬
‫حتى تذهب وترتاح في بيتها فقد أحس ت بتعب ش ديد وفي الص باح انتشر خ بر والدة الملك ة لطف ل‬
‫ميت فكانت الملكة منهارة وتبكي بكاءا شديدا ظنوا الكل أنه ا تبكي ابنه ا الميت ولكنه ا ك انت تبكي‬
‫على ابنتها التي لم تفرح بها وسلمتها لحمة طرية إلنقاذه ا من بطش وال دها ال ذي ب ات في نظره ا‬
‫سفاحا‪ ،‬اتجهوا حراس الملك إليصال الخبر إليه وإحضاره ووص ل المل ك وأتج ه مباش رة الى جث ة‬
‫ابنه المزعوم وأحتضنه وأنهار باكيا ثم قال‪ :‬آه كم أن األبوة ش عور رائ ع ولكن ‪ .....‬بع د م اذا‪ .‬دفن‬
‫الملك جثة ابنه بعد جنازة ملكية كبيرة حضرها الجميع وع اد خائب ا حزين ا للقص ر وك انت زوجت ه‬
‫منهارة أكثر منه وكانت تتجنب الحديث معه حتى ال يكتشف ما فعلته‪ ،‬دخل الحاكم غرفت ه وأغلقه ا‬
‫على نفسه ثم بدأ يتحدث وحده قائال‪ :‬أعلم يا إلهي أنك عاقبتني ألني وصلت الى قمة الجهل والغب اء‬
‫ورفضت نعمتك من قبل أن تأتي أدركت أنها العدالة اإللهية فقد أذنبت ورفضت فكرة أن أك ون أب و‬
‫البنات فأصبحت أبا لطفل ميت يا إلهي لقد ن دمت س امحني وأن ا اآلن راض بق درك تم نيت أني أب ا‬
‫لبنتا حية وليس البن تحت التراب سامحني يا رب‪ ،‬كانت الملكة تنصت لح ديث زوجه ا وكم ك انت‬
‫فرحتها ألن زوجها استعاد رشده ووعيه ثم أخذت تدق الباب دق ات وراء بعض ها‪ ،‬فتح الب اب نظ ر‬
‫إليها وأستغرب وجهها الذي باد عليه السعادة في ظل هذا الوضع‬
‫فقالت‪ :‬احقا ما سمعت ؟؟؟ هل ندمت هل ستقبل البنات؟‬
‫طأطأ رأسه قائال‪ :‬بعد ماذا بع د م وت ابنن ا وربم ا ك ان بس بب معانات ك م ني نفس يا وأنت حام ل‪.‬‬
‫فردت‪ :‬أنت أب لطفلة جميلة وهي حية ترزق‪.‬رد الملك‪ :‬ماذا؟ كيف والطفل ؟!‪.‬‬
‫فقصت عليه الملكة ما فعلت من أجل إنقاذ ابنتها ففرح كثيرا وأحتضن زوجته باكي ا طالب ا الس ماح‬
‫عما أقترفه في حقها وحق ابنته ورحل مسرعا الى الداية كي تخبره عن مكان ابنته وإحض ارها في‬
‫الحال‪ ،‬كانت الملكة سعيدة أنه ا أخ يرا ستحتض ن ابنته ا وتعيش في حض نها‪ ،‬واتجهت الى غرفته ا‬
‫وطلبت من الجواري تجهيز سرير طفلتها وفرشت األرض بالورود وذهبت تغير مالبسها وتتجم ل‬
‫لهذا اللقاء الذي كان حلما بالنسبة لها‪ ،‬وصل الملك الى بيت الداية دق الباب مع الحرس مرة وأثنين‬
‫وثالثة ال حياة لمن تنادي ال أحد يجيب‪ ،‬فأمر الملك الحراس بكس ر الب اب ودخل وا ليج دوا العج وز‬
‫ملقاة على سطح األرض يبدو كأنها تلفظ أنفاسا أخيرة ‪.‬‬
‫صرخ الملك‪ :‬احضروا طبيبا بسرعة وأخذها الملك ووضعها ف وق س ريرها وبع د لحظ ات وص ل‬
‫الطبيب كشف عليها وأغلق عيناها قائال‪ :‬البقاء هلل توق ف قلبه ا‪ .‬جن جن ون المل ك وص رخ ال‪ ....‬ال‬
‫ابنتي وأمسك العجوز وهو يصرخ ابنتي ‪ ....‬أين هي؟ أخبريني وأخذ الطبيب يهدأ من روعه ق ائال‪:‬‬
‫جاللة الملك إنها ميتة‪ ،‬سكن الملك عن الحركة وقال‪ :‬ماذا أقول لزوجتي لقد فق دنا ابنتن ا الى األب د‪،‬‬
‫عاد الملك مهزوما خائبا وكانت الزوجة سعيدة تنتظ ر احتض ان فل ذة كب دها‪ ،‬دخ ل المل ك اس تقبلته‬
‫بسعادة وتفاجأت بلون وجهه الذي ال يبشر بالخير‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬أين ابنتي ؟! فسكت الملك وطأطأ رأسه صرخت أين طفلتي هل خدعتني وقتلتها؟‬
‫رد‪ :‬ال ‪ ....‬ال ابنتنا ضاعت الى األبد فالداية ماتت والسر معها ولم يكمل كالم ه ح تى وقعت الملك ة‬
‫مغشيا عليها من هول الصدمة وبقيت في غيبوبة وك ادت تم وت ولم ا ع ادت لوعيه ا بقيت منه ارة‬
‫نفسيا فقد أصبحت دائمة الصمت‪ ،‬أما الملك فقد حاول البحث عن ابنته دون فائ دة فمربيته ا أخ ذتها‬
‫ورحلت حين لم تعد إليها الداية‪ ،‬ومرت السنوات ‪........‬وأصبحت الطفلة حسناء تبهر كل من رآه ا‬
‫‪21‬‬
‫بجمالها وقد أسمتها مربيتها نور القمر‪ .‬ك انت ن ور القم ر أحلى وأجم ل بدوي ة وك ل ش باب قريته ا‬
‫يتهاطلون خاطبين لها‪ ،‬عانت األمرين عند مربيتها فق د أنجبت بع دها بنت ا وأحبته ا وب اتت تعامله ا‬
‫كخادمة‪ ،‬لكن والدها كان ينصفها دائما ويحبها أكثر من ابنته الحقيقية فق د ك انت ن ور طيب ة حنون ة‬
‫مطيعة عاشت حياة الشقاء والفقر والبدو وهي أميرة مدللة ج راء ك ره وال دها للبن ات م ع أن البنت‬
‫نعمة وردة في األسرة رمز للحنان والعطاء إال أن الكثير من اآلباء ولألسف م ازالوا ينب ذون الفت اة‬
‫لحد اليوم ويعتقدون أنها وصمة عار قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة تصفر وجوههم حين سماع‬
‫نبأ والدتها متناسين أن البنت رزق ونعمة من هللا يقول أحد العلم اء إن األنبي اء أب اء البن ات‪ ،‬ك انت‬
‫نور تقوم باكرا تطبخ وتغسل وتكنس وتتحمل فوقها اإلهانات والشتائم من أمها المربية وق د أعجبت‬
‫بأحد شباب قريتها وأتاها خاطبا لكن والدتها رفضت‪ ،‬وهذه المرة قررت ن ور أن تنط ق وتتكلم عن‬
‫حقها‪.‬‬
‫فقالت ألمها‪ :‬اليوم أريد تفسير لماذا تعامليني هذه المعاملة القاسية؟ لماذا ترفضين كل خاطب؟ لماذا‬
‫بخطأ أو صواب أسب وأشتم عكس أختي الصغرى ألست أبنتك من لحمك ودمك؟ أص فر وج ه األم‬
‫ولم تجد جوابا‪ .‬وفي هذه األثناء دخل والدها قائال‪ :‬ماذا يحدث؟ لكن نور ص رخت أبي ك رهت ه ذا‬
‫الوضع ذقت ذرعا من هذا العذاب هل أنا ابنتكم أم جارية أفهمني يا والدي‪ .‬وقع الوال د أرض ا باكي ا‬
‫سامحيني يا ابن تي س أخبرك الحقيق ة‪ ،‬نطقت زوجت ه ال ‪.......‬ال فق الت ن ور ماس حة دموعه ا ال تي‬
‫انهمرت كالوديان‪ :‬عن أي حقيقة تتحدث يا أبي؟ فقص الوال د له ا قص تها وكي ف أحض رتها الداي ة‬
‫ولما أكمل كالمه انفجرت باكية هل أنا ابنة حرام يا أبي ؟؟‬
‫فرد‪ :‬ال‪...‬ال يبدو ذلك فهناك قصة ماء وراء إحضارك لنا وعائلتك تبدو غني ة وذهب وأحض ر له ا‬
‫الجورب التي كانت ترتديه وهي صغيرة قائال‪ :‬هذا دليل عن عائلتك أنه من الحرير وخي ط ال ذهب‪.‬‬
‫أخذت الجورب ونظرت إليهما قائلة‪ :‬لماذا لم تخبروني لليوم؟ أم انكم وجدتم خادم ة دون أج ر بكى‬
‫الوالد قائال‪ :‬وهللا أحببتك كابنة وأكثر‪.‬‬
‫فق الت‪ :‬أس كت أنت لس ت وال دي وكنت ت راني في ال ذل والع ذاب ولم تح رك س اكنا والتفتت الى‬
‫مربيتها التي سكنت عن الحرك ة والكالم وق الت‪ :‬لن أس امحكم جميع ا فق د دم رتم حي اتي‪ ،‬س أجمع‬
‫أغراضي وأرحل من هنا‪ .‬ثم دخلت تجمع مالبسها لحقتها أختها الصغرى باكي ة بع دما س معت ك ل‬
‫شيء وقالت‪ :‬ال ترحلي أنت أختي ولن تتركيني نظ رت إليه ا ن ور منه ارة وق الت‪ :‬أنت ليس ل ديك‬
‫ذنب ستبقي أختي أما أنا يجب أن أرحل من هنا أنت لديك والديك أما أنا يجب أن أبحث عن ع ائلتي‬
‫يا حبيبتي‪ ،‬ثم أخذت أغراضها وقبلتها أما والدها كان يبكي ويقول لها سامحيني لكنه ا لم تع بره ولم‬
‫ترد عليه بكلمة ورحلت تبكي‪ ،‬وفي الطريق وجدها حسام الشاب الذي خطبها في تل ك الحال ة فق ال‬
‫لها‪ :‬ما بك ماذا حدث؟ فقصت عليه ما حدث فص مم أن ال يتركه ا وأخ ذها الى أم ه وق رر أن يعق د‬
‫قرانه عليها ويبحث معها عن عائلتها‪ ،‬تزوجت نور من حس ام ومكثت ثالث أش هر عن د زوجه ا ثم‬
‫قررت بدء رحلة البحث‪.‬‬
‫قال لها زوجها حسام‪ :‬أنت حامل يا عزيزتي والسفر عبر العربة يضر الجنين‬
‫فردت نور‪ :‬لن أصبر أكثر أريد ألبني أن يولد وسط جديه إن كانا أحياء‪.‬‬
‫فقال‪ :‬حسنا عزيزتي سننطلق غدا بإذن هللا‪ ،‬وفي الصباح حزما أمتعتهما لرحلة طويلة متجه ان الى‬
‫المدينة التي كانت مربية نور تسكن فيها لعلهما يجدا خيطا يوصلهما لوالديها‪ ،‬أم ا الملك ة أمه ا فق د‬
‫بدأت تعود الى رشدها وقررت فتح ميتم وكان همها أن تدخل السعادة الى قلب كل طفل في م دينتها‬
‫وكانت كل عام وفي مولد ابنتها بالذات تشتري اله دايا وتقيم حفل ة كب يرة ت دعو فيه ا ك ل األطف ال‬
‫وتوزع عليهم الهدايا‪ ،‬وصلت نور الى المدينة وأعجبتها المدينة وانبهرت به ا خصوص ا حين رأت‬
‫القص ر الملكي ومكثت في المدين ة وب دأت ب البحث‪ ،‬و ك انت ك ل ي وم تخ رج م ع زوجه ا وتس أل‬
‫‪22‬‬
‫والجورب في يديها اضطرت ح تى على ال دق على ال بيوت للس ؤال عن ام رأة تحي ك به ذا الشكل‬
‫ومرت األيام والشهور وبدأ بطنها يبرز ولم تجد خيطا يدلها على والدتها التي كانت قريبة جدا منه ا‬
‫في القصر الذي تمر عليه نور يوميا مع زوجها وكانت كلما مرت ت ديم النظ ر إلي ه وك أن ش يئا م ا‬
‫يجذبها إليه‪ ،‬كانت الملكة مهتمة بالتحضيرات لعيد مولد ابنتها الضائعة ال تي تعوض ه بجم ع أطف ال‬
‫المدينة حولها أما الملك فقد كان سعيدا لرؤية زوجته سعيدة التي بسببه ح رمت من ابنته ا وحرمه ا‬
‫القدر من أن تنجب بعد أن مرضت من جراء صدمتها على ابنتها ونزفت حتى الموت أثن اء نفاس ها‬
‫واضطروا الستئص ال رحمه ا وحرمانه ا من الخلف ة نهائي ا‪ ،‬وق د طلبت من المل ك ع دة م رات أن‬
‫يتزوج وينجب لكنه أبى كونه السبب في ما وقع‪ ،‬وفي ليلة باردة نهضت نور تص رخ آه ‪.....‬آه إنه ا‬
‫آالم الوالدة أحضر حسام الطبيب بسرعة وبعد صراخ وآالم أنجبت ص بيا جميال وق د أس مته ب در‪،‬‬
‫فرح حسام وقال‪ :‬مبروك عزيزتي نور‪ .‬بكت نور واحتضنت ابنها قائلة‪ :‬أردت أن يلد وسط جدي ه‬
‫لكني لم أتوصل إليهما قررت يا زوجي أن نعود الى القرية ال فائدة من بقائنا فلن أعثر على والديا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬حسنا يا عزيزتي أنا أيضا كنت سأقول هذا فقد انتهت كل نقودنا وكما ترين العمل في المدينة‬
‫صعب وصاحب البيت طلب اإليجار لذلك س أنتظر ح تى تطي بي أيام ا ثم نع ود س تفرح أمي كث يرا‬
‫بحفيدها‪.‬‬
‫ردت‪ :‬اتفقن ا‪ ،‬وبع د أي ام وفي ليل ة ب اردة والثلج يتس اقط ح زمت ن ور أمتعتهم مس تعدة للع ودة الى‬
‫قريتهم دخل حسام الى نور قائال‪ :‬جهزي نفسك سنذهب الى حفلة تقيمها الملكة لكل األطفال وتوزع‬
‫عليهم الهدايا‬
‫قالت نور‪ :‬لن أذهب الطقس بارد‬
‫رد حسام‪ :‬المكان قريب البسي بدر جيدا ونذهب لطالما أعجبك القصر وجاءت فرصة كي تريه من‬
‫الداخل قبل أن نرح ل غ دا‪ .‬فك رت ن ور وق الت‪ :‬حس نا سألبس ه جي دا أه ت ذكرت الج ورب سألبس ه‬
‫جوربي حتى أحمي قدميه من البرد ألبست ابنها ولبست وخرجت متجهة الى القصر مس قط رأس ها‬
‫المكان الذي فيه ض التها ال تي تبحث عنه ا‪ ،‬دخلت تحم ل ابنه ا بي دها تنظ ر يمين ا وش ماال منبه رة‬
‫بالمكان كانت الموسيقى واألطفال والجو رائعا سعدت نور كثيرا وقالت لحسام ش كرا عزي زي إن ه‬
‫جو رائع وفجأة دخلت الملكة وسكت الجميع وتكلمت الملكة قائلة‪ :‬اليوم هو يوم عزيز عليا هو ي وم‬
‫والدتي البنتي وفقدانها في نفس اليوم وال شيء يدخل السعادة لقلبي قدر رؤية األطفال سعيدة‪.‬‬
‫نظرت ن ور إلى حس ام قائل ة‪ :‬مس كينة الملك ة ت وفيت ابنته ا ودمعت عيناه ا‪ .‬فق ال حس ام‪ :‬ال وقت‬
‫للدموع عزيزتي انبسطي فقالت‪ :‬تذكرت فقداني ألمي ولم تتصور واحد بالمائة أنه ا هي المقص ودة‬
‫بدأت الحفلة والكل يرقص واألطفال تأكل الحلوى‪ ،‬والبالونات تطير‪ ،‬والملكة تتج ول وس ط القاع ة‬
‫وتستمتع برؤية األطفال والحشود‪ ،‬وصلت الملكة قرب نور ولمحت طفلها ولمحت لمع ان جورب ه‪،‬‬
‫توقفت تمعنت جيدا ما رأته وقالت‪ :‬إنه جورب طفلتي غ ير معق ول؟ اق تربت تتمعن ون ور لم تنتب ه‬
‫لتحديق الملكة لرجلي طفلها وفجأة استدارت ن ور لتق ع عينه ا بعين الملك ة‪ ،‬أحس ت ن ور بإحس اس‬
‫غريب لم تستطع الملكة الحديث من هول الصدمة‪ ،‬فأشارت إلى جورب ابن نور والدموع ت ترقرق‬
‫من عينها‪ ،‬فنظرت نور إلى الجورب ونظرت إلى حال الملك ة وق الت ن ور‪ :‬ال‪ ....‬تق ولي أن ك أنت‬
‫حائكة الجورب! انفجرت الملكة باكية مشيرة برأس ها‪ :‬نعم ‪ ....‬نعم‪ ،‬ثم نطقت‪ :‬وأنت ال تق ولي أن ك‬
‫ص احبة الج ورب‪ ،‬ص رخت ن ور أمي وأعطت طفله ا لحس ام‪ ،‬حس ام لم يفهم ش يئا حض نت ن ور‬
‫والملكة بعض هما‪ ،‬وكلتاهم ا تص رخان أمي ‪...‬ابن تي ت وقفت الموس يقى وه دأت الحشود وص متت‬
‫لتتفرج على هذا الموقف المحزن والمفرح في نفس الوقت‪ ،‬هدأت الملكة قليال‪ ،‬أخذت حفيدها لتقبل ه‬
‫من كل مكان وهي تشكر هللا وتحمده‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ثم قالت‪ :‬أكملوا الحفلة فقد صارت حفلتين‪ ،‬وأخذت نور وطفلها وزوجها واتجهت إلى المل ك ال ذي‬
‫ما إن عرف باألمر حتى خ ّر ساجدا يشكر هللا قائال‪ :‬الحمد هلل فقدت بنتا فعاد اثنين‪ ،‬بنتا وولدا‪.‬‬
‫فقال حسام‪ :‬أحم أحم ثالثة ي ا عمي وأن ا لس ت محس وبا‪ ،‬ض حك المل ك والملك ة ون ور‪ ،‬وق الت ل ه‬
‫الملكة‪ :‬أنت الكل في الكل يا ابني يكفي أنك حفظت ابنتي ورعيتها‪.‬‬
‫قالت له نور‪ :‬أحمد هللا فحظك من ذهب تزوجت بدوية فتحولت إلى أميرة‪ ،‬ضحك حسام وضحكوا‬
‫جميعا وانتهت سنين العذاب وعمت السعادة‪ ،‬ولم تنسى نور العائلة التي ربته ا فق د زارتهم وانحنت‬
‫أمها المربية لها‪ ،‬فقالت لها نور‪ :‬ال تنحني لي فق د كنت في ي وم من األي ام أم ا لي ورعيت ني‪ ،‬وأتت‬
‫أختها الصغرى من بعيد تصرخ أختي نور عادت ألم أقل لكم أنها لن تنسانا‪ ،‬واحتضنت نور أخته ا‬
‫وجاء والدها المربي مطأطئا رأسه فاحتضنته قائلة‪ :‬سامحتك يا أبي ثم قالت كم أن ا محظوظ ة ل د ّ‬
‫ي‬
‫ُأمين وأبوين‪ ،‬جئت آخذكم لنعيش كلنا كعائلة واحدة‪ ،‬وننسى الحقد والك ره والع ذاب‪ ،‬ونفتح ص فحة‬
‫جديدة مليئة بالحب والسالم‬

‫‪24‬‬
‫هـــــذه ليـــست حـــياة‬

‫أقف على حافة الطريق حافية الق دمين أرت دي فس تان الشقاء وأحم ل على ظه ري أثق ال وهم وم‬
‫العالم وأنا بنت اإلثني عشر ربيعا‪ ،‬تجرعت كؤوس األلم بك ل أش كالها فلم أدرس ولم أع رف كي ف‬
‫يحمل القلم كان حلمي منذ ص غري محفظ ة‪ ،‬وكتب‪ ،‬وأقالم‪ ،‬وكنت أتم نى أن أص بح مدرس ة‪ ،‬لكن‬
‫ُأغتيلت طفول تي وحكم على أحالمي باإلع دام ولم يع د للمس تقبل مك ان في حي اتي‪ ،‬اح ترفت مهن ة‬
‫التسول وزينت وجهي بمالمح الحزن حتى يرأف المارون بي ويمنح وني م اال أو طعام ا‪ ،‬وأحيان ا‬
‫أسرقهم إن لم يعطوني ش يئا‪ ،‬هك ذا علمت ني أمي بع د أن خ ذلنا أبي ورح ل متهرب ا من مس ؤولياته‬
‫تجاهنا أنا وإخوتي‪ ،‬وتركن ا لل زمن يعبث بن ا كم ا يري د‪ ،‬كنت ألتقي ب ه وه و مخم ور يتالطم على‬
‫أسوار المدينة وينام أحيانا في الشارع‪ ،‬وإذا رآني ينظر لي بنصف عين وكأنه ال يعرفني لم أعرف‬
‫حنانه‪ ،‬ولم أتذوق عطفه‪ ،‬كان بالنسبة لي غريبا اسمه أبي كنت يتيمة ألب حي‪ ،‬في بيتي القصديري‬
‫أنام كل ليلة وسط كومة تبن أفترشها وأتغطى بها أو باألحرى أدخل وسطها كشرنقة ح تى ال يأك ل‬
‫البرد عظامي وينهشه الصقيع‪ ،‬فأحتضن نفس ي ودم وعي الب اردة ت نزل على خ دي كقط ع الجلي د‪،‬‬
‫وأستيقظ بين الحين واآلخر على سعال إخوتي الذي يصاحبهم طيلة ليالي الشتاء الطويل ة‪ ،‬ثم أغف و‬
‫مع موسيقى األمطار المتسربة من الس قف وهي تقط ر في ال دالء ال تي تض عها أمي تحت ك ل ثقب‬
‫حتى يحل الصباح‪ ،‬فأنفض التبن عن وجهي وشعري األشعث الذي ت داخلت خص الته في بعض ها‬
‫فأصبح كأسالك شائكة‪ ،‬وأضع قدمي على األرض فتصدر صوت كصوت طرق الحديد فقد تحدبت‬
‫وانفجرت بال دماء من ك ل ص وب ثم أنطل ق إلى عملي ومع دتي تص در أص وات النحيب وهي في‬
‫حرب مع الجوع الذي اخترق جدارها ومزقه فأضع يدي عليها ألسكتها‪ ،‬وأنسى شكواها‪ ،‬وأمد يدي‬
‫لكل مار مرددة بعض الكلمات التي حفظتها‪ :‬هلل يا محسنين‪ ،‬ص دقة تقي ك من الن ار‪ ،‬البعض ي رأف‬
‫بي ويعطيني بعض الدنانير‪ ،‬والبعض يدفعني كي يزيحني عن طريقه‪ ،‬والبعض ينظرون لي نظ رة‬
‫شفقة وحين ينتهي يومي البائس أعود مسا ًء ألحمل ألمي ما جنيته حتى يأكل إخوتي الص غار‪ ،‬وفي‬
‫يوم بارد وممطر خرجت كالع ادة إلى عملي وق د أخ ذ ال برد من جس دي النحي ل نص يبه‪ ،‬فم ررت‬
‫صدفة بمحل ل بيع األلبس ة الشتوية لفت انتب اهي فت وقفت وأن ا أرتع د من ال برد‪ ،‬رأيت دمي ة تلبس‬
‫معطفا فضحكت وقلت‪ :‬ي ا لس خرية ال زمن نظ رت إليه ا وخاطبته ا قائل ة ‪ :‬أال يج در بي أن أك ون‬
‫مكانك وألبس معطفك‪ ،‬ماذا يحدث للدنيا لو كنت أمتلك معطف ك‪ ،‬ونظ رت إلى زج اج المح ل‪ ،‬ك ان‬
‫مرآة رأيت نفسي فيه وقد بلل المطر وجهي‪ ،‬وب دأ يزي ل س واد الفحم ال ذي يغطي ه فح اولت مس حه‬
‫بفستاني الممزق الذي أصبح كجلد قديم تفوح منه رائحة الدخان والتبن‪ ،‬وحتى رائحة العفن فجسدي‬
‫منذ شهور لم يعرف حماما‪ ،‬مسحت وجهي ونظرت إليه وقد ب دت مالمحي جميل ة‪ ،‬وتخيلت نفس ي‬
‫نظيفة ومرتبة وشعري مسرح وينزل على كتفي مثل البنات في س ني‪ ،‬وأق ف م ع أبي وه و ي دللني‬
‫ويخيرني أي معطف سأشتري‪ ،‬ودخلت ع الم األحالم وأحسس ت بالس عادة‪ ،‬ثم ب دأت أدور وأتخي ل‬
‫نفسي ألبسه حتى أني شعرت بدفئه وفجأة انصدمت بصاحب المحل ف دفعني ق ائال‪ :‬اذه بي من هن ا‪،‬‬
‫ووقعت على األرض وتذكرت أنه ال يح ق لي أن أحلم وبكيت بع دد زخ ات المط ر ال تي تق ع على‬
‫رأسي‪ ،‬وقلت ماذا لو تركتني أحلم قليال وأعيش كأي إنسان‪ ،‬لماذا جعلتني أعود لواقعي الم ر ألج د‬
‫نفسي تلك المتسولة البائسة ذات الشعر المجعد المحشو بالتبن‪ ،‬والتي ماتت آماله ا وانتح رت فرح ة‬
‫أيامها منذ صغرها‪ ،‬أحسدتني في لحظات من السعادة‪ ،‬ثم تذكرت أن ه يوج د أش خاص ين امون على‬
‫فراش من حرير وبيت دافئ‪ ،‬ويستيقظون ليجدوا حماما ساخنا‪ ،‬وفطورا لذيذا ووالد يدللهم‪ ،‬وي ترك‬
‫‪25‬‬
‫لهم مصروفهم‪ ،‬يذهبون إلى مدارسهم ويع ودون‪ ،‬يملك ون هوات ف نقال ة وع الم أزرق خ اص بهم‪،‬‬
‫يتواصلون مع أصدقائهم فيه ثم يقولون مللن ا ‪ ..‬ه ذه ليس ت حي اة‪ ،‬أين أنتم ي ا أص حاب ه ذه ليس ت‬
‫حياة‪ ،‬وأخبروني هل حياتي أنا حياة؟ حياتكم التي تسمونها بليست حياة هي حلم لكل بائس وك ل من‬
‫ال يملك حياة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الرحيـــــل‬
‫في شتاء قاس أقسى من قل وب بعض البشر‪ ،‬وفي الس اعة الس ابعة والنص ف ص باحا من أح د‬
‫أيامه خرج أيمن من منزله يحمل سلة الفطائر الساخنة‪ ،‬ذاك الطفل ذو الثانية عشر من عم ره ك ان‬
‫مستعجال فمشيته السريعة ووجهه الذي لبس ثوبا أصفرا يدل على قلقه وينذر ب أن هن اك خطب م ا‪،‬‬
‫كان الجو باردا والسماء ملبدة كاحلة الوجه‪ ،‬والرياح الباردة تلفحه من كل اتجاه‪ ،‬وتغير مساره ك ل‬
‫تارة وأخرى‪ ،‬وجسده النحيل الذي لم يتحم ل ق وة دفعه ا ل ه ك ان يتماي ل معه ا ك المخمور‪ ،‬وكأنه ا‬
‫غاضبة عليه وتحاول إزاحته من طريقه ا‪ ،‬وفج أة ب دأت األمط ار ت نزل زخ ات من الس ماء‪ ،‬فك ان‬
‫يسمع قرعها على رأسه كأنها مسامير باردة تحاول اختراق جمجمته‪ ،‬ثم تنزل على وجهه فيمسحها‬
‫بيديه‪ ،‬واحتضن سلة الفطائر حتى ال تتبلل وكأنه يحمل كنزا ثمينا أو يخبئ آمال ه وطموحات ه فيه ا‪،‬‬
‫كانت الفطائر ال تزال ساخنة‪ ،‬فأحس بدفئها فألصق يده بها حتى يطير صقيعها‪ ،‬نظر يمينا وشماال‪،‬‬
‫بدأ األطفال في مثل سنه يخرجون بحقائب الدراسة يلبس ون مع اطف وط رابيش من القطن‪ ،‬فوق ف‬
‫هنيهة وتنهد فخرج بركان من فمه اختلط بين البرد والهم‪ ،‬ونظر إلى حاله ولباسه البال الذي لم يق ه‬
‫برد هذا اليوم‪ ،‬وقدمه التي بدأت تتلطخ بالوحل بسبب حذائه الذي يخرج أصبعه منه‪ ،‬تذكر كم ك ان‬
‫تلميذا نجيب ا وكم ك ان يحب دراس ته ويحلم أن يص بح طبيب ا‪ ،‬ن زلت دمع ة من مقلتي ه لكن الص قيع‬
‫سجنها بجنوده‪ ،‬فتجمدت هناك واشتعل حريقا في جوف ه ووقعت جم رات من ه على أحشائه ف أحس‬
‫بالحسرة‪ ،‬لكنه كان يبرد حريقه بتذكير نفسه أنه ترك دراسته من أجل أن يعيل أمه وإخوته األربع ة‬
‫بعد وفاة والده‪ ،‬ت ذكر أن ه أص بح مس ؤوال عن عائل ة‪ ،‬ت ذكر أن ه حم ل الهم على ظه ره وع وده لم‬
‫يخضر بعد‪ ،‬ثم تذكر وعده ألمه ب أن يع ود بس رعة‪ ،‬فأخ ذ يه رول فق د ت رك أخت ه الرض يعة تبكي‬
‫جوع ا ويجب أن ي بيع الفط ائر كي ي وفر ثمن الحليب‪ ،‬بحث عن مك ان يحتمي في ه من المط ر فق د‬
‫بدأت تشتد‪ ،‬كان يضع وشاحا أخضر طويال على رقبته فأخ ذ نص فه وض عه على رأس ه والنص ف‬
‫اآلخر غطى به الفطائر‪ ،‬وانطلق بوجهه العابس المتجهم‪ ،‬وصل إلى موق ف س يارات‪ ،‬وق ف وأخ ذ‬
‫ينادي ‪ :‬فطائر س اخنة ‪ ....‬فط ائر ‪ ..‬ولكن قلت الم ارة‪ ،‬وأخت ه في الم نزل تص رخ وأم ه تط ل من‬
‫النافذة وتنظر إلى غضب السماء وإلى خيوط البرق التي تضيء المكان بين الحين واألخر وصوت‬
‫الرعد الذي ي دوي كم دافع الح رب‪ ،‬وهي خائف ة على ابنه ا وقلبه ا يخف ق بطريق ة لم يعت د عليه ا‪،‬‬
‫فأخذت تدور وتقول خير إن شاء هللا‪ ،‬وتذكرت كيف خرج أيمن ابنها البار وهو يقبل ي ديها ويع دها‬
‫بأن يع ود بحليب أخت ه‪ ،‬وفي تل ك األثن اء ك ان أيمن يطلب هللا أن يشتري أح د م ا فط ائره‪ ،‬وفج أة‬
‫توقفت سيارة أجرة في الناحية األخرى من الطريق وأشار أح دهم إلي ه فف رح وأخ ذ يج ري متجه ا‬
‫نح وه‪ ،‬وك انت تم ر بجانب ه س يارة فخم ة فوض ع قدم ه في برك ة من الوح ل ليتط اير الوح ل على‬
‫السيارة‪ ،‬فأخذ يضرب صاحبها رنين الس يارة ثم توق ف ون زل منه ا‪ ،‬انتب ه أيمن لم ا ح دث فتس مر‬
‫مكانه متوقعا أن يحدث شيء لم يكن في الحسبان‪ ،‬اتجه الرج ل غاض با ص وب أيمن وص فعه دون‬
‫سابق إنذار قائال‪ :‬تبا لك لق د وس خت س يارتي ثم ت ذمر ق ائال‪ :‬كي ف سأحض ر اجتم اعي وس يارتي‬
‫هك ذا‪ ،‬وق ع أيمن على األرض من ق وة الص فعة‪ ،‬ووقعت مع ه أحالم ه وآمال ه‪ ،‬ووقعت كرامت ه و‬
‫كبرياؤه أيضا‪ ،‬تمرغت السلة في الوحل وانتشرت فطائره في ك ل مك ان‪ ،‬لم يهتم ص احب الس يارة‬
‫إلى أيمن وركب سيارته ورحل تاركا أيمن في مكانه‪ ،‬أم ا س يارة األج رة فق د أقلعت أيض ا وذهبت‬
‫خال الشارع‪ ،‬اشتد البرد وأيمن مزاال في مكان ه مص دوما واألمط ار تتس اقط ف وق رأس ه‪ ،‬وجس ده‬
‫يرتعد من البرد ويتجمد فقد أصبح كتلة من الوحل‪ ،‬كانت دموع ه م درارا‪ ،‬واش تدت دم وع الس ماء‬
‫وكأنه ا أحس ت ب ه وبكت لبكائ ه‪ ،‬ثم التفت حول ه وق ال‪ :‬م اذا أق ول ألمي كي ف أع ود دون حليب‬
‫ألختي‪ ،‬ضاعت الفطائر ثم صرخ أهنت يا أماه ما ذنبي أن ا‪ ،‬لم اذا األغني اء ال يروون ا بشر‪ ،‬لم اذا‬
‫‪27‬‬
‫خلقن ا فق راء؟ آس ف ي ا أمي فأن ا لم أوفي بوع دي ل ك‪ ،‬الفق ير لن يفع ل ش يء في حيات ه لن يتركن ا‬
‫األغنياء نعيش ولن يحسوا بن ا‪ ،‬الفق ير ال يجب أن يعيش يجب أن ي ترك الطري ق لألغني اء ح تى ال‬
‫يزعجهم‪ ،‬بدأ يحس بجسده يتجمد وه و م زال في مكان ه‪ ،‬تس مر كتمث ال ولم يع د يحس بم ا حول ه‪،‬‬
‫فالحسرة والخيبة شلته عن الحركة واإلحساس‪ ،‬وبعد عدة ساعات كان ذاك الرجل في شركته بعدما‬
‫أنهى اجتماعه‪ ،‬وجلس في مكتبه وبدأ يرجع شريط ذاكرته‪ ،‬وتذكر ذاك الطفل الذي صفعه ثم تفطن‬
‫ضميره وقرر العودة إلى نفس المكان ليبحث عنه‪ ،‬ويطيب خ اطره بع د أن ه دأت األمط ار مخلف ة‬
‫عدة أضرار وانجرافات ووديان‪ ،‬ركب س يارته وفي الطري ق ص ادف حشدا كب يرا ملتفين ف أوقف‬
‫سيارته ونزل ليرى األمر‪ ،‬ولما اقترب سمع الناس يقول ون‪ :‬ال ح ول وال ق وة إال باهلل م زال طفال‪،‬‬
‫اقترب أكثر وكانت صدمة إنه طفل جرفته مياه األمطار جثة هامدة‪ ،‬ولما تمعن فيه عرف ه إن ه نفس‬
‫الطفل الذي ق ام بص فعه‪ ،‬ووق ع على ركبتي ه من ه ول الص دمة وك ل الن اس اس تدارت تس أله ه ل‬
‫تعرفه؟ هل هو قريبك؟ لم نعرف ابن من بعد‪ ،‬لكنه لم يجب عليهم‪ ،‬ووصل شيخ من بعيد وقال‪ :‬لق د‬
‫رأيته حين جرفه السيل كان متس مرا في مكان ه ولم يح اول النج اة بنفس ه‪ ،‬ب دا وكأن ه ي ائس ويري د‬
‫الموت‪ ،‬كان بعيدا عني والشارع خال‪ ،‬صرخت وناديت عليه لكن ه لم يع رني اهتمام ا‪ ،‬ولم أس تطع‬
‫فعل شيء له‪ ،‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ثم وص ل آخ ر وض رب رأس ه بي ده وق ال‪ :‬أه إن ه أيمن ابن‬
‫جارتنا األرملة منذ عدة ساعات ونحن نبحث عنه‪ ،‬يا إلهي كي ف س أخبر والدت ه‪ ،‬إن ه أمله ا الوحي د‬
‫المسكين ترك دراسته من أجل أن يعمل ويعي ل أم ه وإخوت ه‪ ،‬ك انت ه ذه الكلم ات بمثاب ة س كاكين‬
‫تنغرس في قلبه وظهره‪ ،‬وأصبح يقول في نفسه أنا قتلته‪ ،‬أنا قاتل‪ ،‬أنا لست بشر كي ف فعلت بطف ل‬
‫بريء ما فعلته‪ ،‬يا إلهي ما الذي سيمحو هذا الذنب؟ وكي ف س أحمل ه ذا الثق ل على ظه ري ط ول‬
‫حياتي‪ ،‬قام من مكانه ثم قال‪ :‬سأوصله إلى منزله بسيارتي دلوني من فضلكم على الطري ق‪ ،‬ون زع‬
‫معطفه ثم ألبسه إياه بعدما جرده االنجراف من مالبسه‪ ،‬وحمل ه بين ذراعي ه وال دموع ت ترقرق في‬
‫عينيه وهو يتذكر كيف صفعه‪ ،‬وتلك اللقطة تتك رر أمام ه وه و يح اول نس يانها‪ ،‬ركب مع ه بعض‬
‫الرجال وأوصلوه ليجد أم ه المس كينة وجهه ا متجهم ش احب وهي تن ادي ب ني أيمن أين أنت؟ ن زل‬
‫الرجل من السيارة ومن معه فاتجهت نحوهم تقول هل هناك خبر عن قرة عيني؟ هل ع ثرتم علي ه؟‬
‫أين أيمن هل هو معكم؟ كانت عيونهم تتهرب من الرد عليها‪ ،‬وبدأت تفهم الموضوع فقالت بص وت‬
‫خافت‪ :‬أرجوكم ال تقولوا أن مكروها أص ابه ال لن يح دث ل ه ش يء‪ ،‬فق د خ رج ووع دني أن يع ود‬
‫ب الحليب ألخت ه‪ ،‬اب ني لن يخ ذلني ص ح؟ س يأتي ح امال الحليب وق د ب اع ك ل فط ائري‪ ،‬ثم ق الت‪:‬‬
‫أخبروني أين أيمن أرجوكم ال تحرقوني أكثر فقلبي محترق علي ه‪ ،‬أغ رورقت عين ا الرج ل وأش ار‬
‫إلى السيارة‪ ،‬فابتسمت متفائلة واتجهت نحوها تجري وما إن فتحت الباب ح تى وقعت على األرض‬
‫وصرخت‪ :‬ابني‪.....‬‬
‫وبعد عشرين عاما وفي صباح يوم ربيعي جميل‪ ،‬األزه ار متفتح ة وش ذاها يمأل الس ماء‪ ،‬وخي وط‬
‫الشمس الذهبية تبعث بنورها على قط ر الن دى ال ذي يكلله ا فتزي دها بريق ا كالم اس‪ ،‬تتس لل بعض‬
‫الفراشات إليها لتستمتع برحيقها‪ ،‬وتتسابق مع بعض النحالت الختي ار أحلى زه رة‪ ،‬فيق ع الخص ام‬
‫بينهم فتتخلى الفراشات عن المك ان لتترك ه إلى النح ل ذو الط نين الم زعج‪ ،‬وفي ه ذه األثن اء ك ان‬
‫رج ل س تيني يجلس على إح دى كراس ي الحديق ة وه و ي راقبهم بوج ه ع ابس‪ ،‬وش عر أبيض على‬
‫خصالت سوداء‪ ،‬ولحية بيضاء يب دو أن ه يحم ل أثق اال من الهم‪ ،‬وفج أة م رت علي ه فت اة عشرينية‬
‫وألقت السالم فرد‪ ،‬ثم جلست قرب ه تحم ل محفظ ة وأخ رجت منه ا أوراق ا‪ ،‬وأخ ذت تقلبه ا‪ ،‬ك انت‬
‫مستعجلة وفجأة رن هاتفها أخذته وراحت تتكلم ولكن الرجل انتبه إلى وقوع أح د أوراقه ا‪ ،‬فن ادى‪:‬‬
‫بنيتي تعالي وأشار بورقتها انتبهت الفتاة وعادت إليه وشكرته‪ ،‬ثم نظرت إليه من رأسه ح تى قدم ه‬
‫قائلة‪ :‬وجهك عابس وحالتك المادية تبدو جيدة من خالل لباسك لطقم فخم كه ذا‪ ،‬هن اك قص ة مخب أة‬
‫‪28‬‬
‫في عينيك‪ ،‬نظر إليها وجلس وتنهد قائال‪ :‬آه يا بنيتي المال ال يحل كل األمور‪ ،‬هناك أمور تح ز في‬
‫نفس البشر فال ينفع فيها ال مال وال كنوز الدنيا‪ ،‬جلست قربه قائل ة‪ :‬يب دو هم ك كب يرا م ا رأي ك أن‬
‫تعتبرني ابنة لك أو صديقة وتفضفض عما في قلب ك لتخف ف قليال عن نفس ك‪ ،‬فق ال‪ :‬همي كب ير ي ا‬
‫بنيتي ولن يزيحه شيء‪ ،‬فقالت‪ :‬كم أنت عنيد يا عم اه هي ا أخ رج م ا في جوف ك ص دقني س ترتاح‪،‬‬
‫صمت قليال وقال‪ :‬أنا قاتل ‪ ...‬قتلت نفس ا بغ ير ذنب‪ ،‬تفاج أت وأص ابها ال ذعر وابتع دت قليال من‬
‫قربه وكأنها تريد التسلل لتهرب‪ ،‬فابتسم قائال‪ :‬ال تخافي كان هذا في الماضي وليس بقصد فقد قتلت‬
‫طفال بحس رته‪ ،‬كنت أعمى البص يرة وك ان ه ذا من عشرين س نة ك ان ي بيع الفط ائر و‪...‬‬
‫و‪..................‬قص عليها القصة ثم أكمل قائال‪ :‬ولكي أكفر عن ذن بي تكفلت به ذه العائل ة دون أن‬
‫أريهم وجهي‪ ،‬كلفت شخصا قام بالمهمة‪ ،‬وجعلت لهم راتبا شهريا‪ ،‬ونقلتهم إلى بيت جديد ولكن ك ل‬
‫ما فعلته لم يكفر عن ذنبي‪ ،‬ولم يمحو صورته من مخيلتي‪ ،‬انتبه الرجل لسكوت الفتاة واستدار ليجد‬
‫دموعه ا م درارا‪ ،‬فق ال له ا‪ :‬ألم أق ل ل ك همي كب ير فص رخت في وجه ه قائل ة‪ :‬أنت قات ل‪،‬‬
‫قاتل ‪........‬أتعلم من أنا؟‪.....‬تعجب قائال ‪ :‬ال‪.‬‬
‫ردت‪ :‬أنا تلك الرضيعة التي خرج أخوها من أجله ا لجلب الحليب أنت قات ل أخي‪ ،‬وق د تحملت أن ا‬
‫ذنب موته كلما تذكرت أمي تلومني قائلة مات أخوك من أجل ك ح تى حفظت هت ه القص ة‪ ،‬كم كنت‬
‫أتمنى أن أرى هذا المالك الذي كفلنا ويصرف علينا حتى وجدتك سفاحا ليتني لم أقابلك تب ا ل ك‪ ،‬ثم‬
‫انصرفت تبكي وازداد هم الرجل أكثر‪ ،‬وأجهش بالبكاء‪ ،‬وبعد دق ائق ع ادت إلي ه ص امتة وجلس ت‬
‫قربه وقالت‪ :‬عماه أنا آسفة أخي كان مقدر له أن يموت ذاك اليوم وأنت كنت سببا فقط‪ ،‬فقد وض عك‬
‫هللا في طريقنا لتعيلنا‪ ،‬ربما لو مات أخي بس بب آخ ر لن نج د من يعيلن ا أتعلم؟ أخي وع د أمي ب أن‬
‫يوفر لها منزال جميال بحنفية ساخنة وأخ رى ب اردة وأنت فعلت ذل ك‪ ،‬وع دها ب أن يص رف علين ا‪،‬‬
‫ويدرسنا وأنت فعلت‪ ،‬وعدها أن ترتاح وأنت فعلت‪ ،‬أنت حققت جميع وعود أخي ألمي وقد درست‬
‫أنا ونجحت‪ ،‬ودخلت كلية الطب كما كان يحلم هو أن يكون طبيبا وحققت حلمه‪ ،‬فل والك مك ان ك ل‬
‫ه ذا‪ ،‬فال تح زن فق د فعلت الكث ير وإن ت وفي أخي ليس ذنب ك فاهلل اخت اره ليك ون ط يرا من طي ور‬
‫الجنة‪ ،‬ثم قالت شكرا لك يا عمي فأنت المالك الذي أردت أن أراه انهمرت دموعه‪ ،‬وأحتضن الفت اة‬
‫قائال‪ :‬سامحيني يا بنيتي‪ ،‬أقسم أن عذاب الضمير دمرني‪ ،‬مسحت دموع ه قائل ة‪ :‬ال علي ك ي ا عم اه‬
‫انسى وعش مطمئنا فأكيد غفر هللا ذنبك‪ ،‬فقد كفلت أرملة وأيتام ثم ابتسمت قائلة‪ :‬ما رأي ك أن أقيس‬
‫ضغطك ألقوم ببث تجريبي كطبيبة‪ ،‬أدواتي الطبية في المحفظة‪ ،‬ابتسم ومسح دموع ه ق ائال‪ :‬حس نا‬
‫موافق دكتورتي الصغيرة لكن ال أريد حقنة لدي فوبيا منه ا‪ ،‬وض حكا مع ا ثم أخذت ه وعرفت ه على‬
‫إخوتها على أنه كفيلهم دون أن تخبرهم بقصته مع أخيها‪ ،‬وأصبح بمثاب ة وال د لهم‪ ،‬أحيان ا اإلنس ان‬
‫راع ألحاسيس ه المرهف ة وحين يتفطن يج د األوان ق د ف ات‬‫ي رتكب خط أ في ح ق غ يره دون أن ي ِ‬
‫لتصحيحه‪ ،‬لذلك مهما كانت طبقات البشر من غني وفقير كلنا نملك نفس القلب واإلحساس‪ ،‬ففكروا‬
‫قبل أن ترتكبوا خطأ في حق غيركم تندمون علي ه ط وال حي اتكم وال تج دوا س بيال لتص حيحه ألن‬
‫األوان قد يفوتكم‪ ،‬فالرحيل والفراق مقدر علينا‪ ،‬ومن الممكن أن يكون شخص معك اليوم ولن تجده‬
‫غدا‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫شـــــهرزاد البــــحار‬
‫كانت هناك فتاة جميلة وطيبة تدعى أزهار‪ ،‬كانت أزهار تعيش في قرية بعي دة عن المدين ة م ع‬
‫والدها وشقيقها معتز الصغير الذي كانت بمثابة األم له بعد وفاة والدتها‪ ،‬لم تدرس أزهار إال القلي ل‬
‫رغم أنها كانت ذكية جدا‪ ،‬وهذا ألن الم دارس في المدين ة وال تس تطيع ال ذهاب للدراس ة والتغ رب‬
‫لوحدها وإكمال دراستها‪ ،‬ووالدها رجل بسيط وال يستطيع أن يرحل للمدين ة وي وفر له ا مص اريف‬
‫الدراسة‪ ،‬فاكتفت بقراءة القرآن‪ ،‬وتعلم الكتابة والحروف في المدرسة القرآنية‪ ،‬ك ان ألزه ار خي ال‬
‫واسع‪ ،‬فكانت تألف قصصا لألطفال تشبه قصص ألف ليلة وليل ة وتس ردها على ش قيقها مع تز ك ل‬
‫ليلة حتى ينام‪ ،‬كبر معتز وقرأ القرآن وآن األوان ليبدأ الدراسة في المدينة‪ ،‬فقررت أزهار أن تفع ل‬
‫المستحيل حتى يدرس شقيقها ويحقق ما لم تحققه هي فأرسلته إلى المدينة ليدرس بمدرس ة داخلي ة‪،‬‬
‫وقررت العمل ومساعدة أبيها في مصاريف دراسته‪ ،‬و ّدعت أزهار شقيقها معتز بالدموع ألنها أول‬
‫مرة تفارقه بعد وفاة أمها‪ ،‬وبقيت وحيدة بعد أن كان أنيسها‪ ،‬ومرت األيام وكان معتز يبعث برسائل‬
‫إلى أخته يطمئنها فيهم عليه‪ ،‬ويطلب النقود وكثرت مصاريف معتز‪ ،‬واألب أصبح ع اطال بع د م ا‬
‫أنهك جسمه الم رض‪ ،‬واحت ارت أزه ار م اذا تفع ل ثم أخ ذت تق ترض الم ال من جيرانه ا وتبعث‬
‫ألخيها حتى تجد عمال‪ ،‬ولكن كثُرت الديون ولم تجد أزهار عمال‪ ،‬وبدأ أهل القرية يطالبونها بتسديد‬
‫الدين‪ ،‬ففكرت أزهار وقالت‪ :‬لماذا ال أستعمل أفكاري سوف أكتب قصص ي في أوراق وأبيعه ا في‬
‫الس وق لألطف ال س يفرح األطف ال كث يرا‪ ،‬وس أجني الم ال وأس دد دي ني وابتهجت أزه ار وأحس ت‬
‫ببص يص أم ل‪ ،‬ثم ق امت وأخ ذت ورق ة وقلم وألول م رة ب دأت تكتب قصص ها‪ ،‬جمعت أزه ار‬
‫قصصها وخرجت للسوق متفائلة وتنادي بصوت عا ٍل أبيع قصص ا‪ ..‬قص ص لألطف ال‪ ،‬وم ر به ا‬
‫رجل فخاطبته قائلة‪ :‬هاّل اشتريت مني قصصا ألوالدك ي ا عم اه؟ فنظ ر إليه ا نظ رة س خرية ورد‬
‫قائال‪ :‬م اذا قصص ا؟ نري د قمح ا‪ ،‬نري د خ بزا‪ ،‬نحن نم وت جوع ا وأنت تق ولين قصص ا أكي د أنت‬
‫مجنون ة ورح ل وه و يتمتم‪ ،‬اغ رورقت عين ا أزه ار واتجهت نح و البح يرة تبكي وتشكي همه ا‪،‬‬
‫وأخذت قصصها ووضعتهم في قوارير زجاجية ورمتهم في البح يرة قائل ة‪ :‬أق رئي قصص ي أيته ا‬
‫األس ماك واس تمتعي به ا أنت وأم واج البح ر فلم يهتم أح د به ا‪ ،‬وك انت كلم ا رمت ق ارورة تقف ز‬
‫األسماك فتفرح أزهار وتقول‪ :‬فرحت األسماك بقصصي إنه ف أل جمي ل ون زلت من عينيه ا دم وع‬
‫لمعت مع آخر نور للشمس‪ ،‬فأحست بالمساء ورفعت رأسها إلى السماء قائلة‪ :‬لقد فشلت‪ ،‬آه أخشى‬
‫أن يفقد معتز دراسته بسببي‪ ،‬جد لي حال من عندك يا إلهي لقد تعبت ومسحت دموعها وع ادت إلى‬
‫البيت منهكة‪ ،‬ومرت األيام استمرت بالكتاب ة ورمي قواربه ا في البح يرة‪ ،‬وفي ص باح ي وم جمي ل‬
‫قرر األمير في المدينة زيارة القرية‪ ،‬ولما وصل إليها تجول في ك ل مك ان ولم تبقى غ ير البح يرة‪،‬‬
‫ركب أحد القوارب وأخذ يجول عبر البحيرة‪ ،‬وفجأة بدأ يلمح القوارير فاحتار وأتج ه نحوه ا وأخ ذ‬
‫يجمعها الواحدة تلو األخرى ثم جلس وبدأ يفتحها‪ ،‬وكلما فتح واحدة قرأ قصة جميلة فاحتار في ه ذا‬
‫الكاتب المجهول الذي يكتب القصص‪ ،‬وعرف من القصص أن الكاتب فت اة‪ ،‬ولكن لم ت ترك اس مها‬
‫وبدأ يفكر في حيلة للوصول إليها‪ ،‬أخذ األمير القصص واتجه إلى المدينة‪ ،‬وجاءت ه فك رة أن يطب ع‬
‫كتابا يجمع فيه كل تلك القصص‪ ،‬ويضع له عنوان "شهرزاد البح ار" وفعال ق ام بطبع ه‪ ،‬وكتب في‬
‫ركن من الغالف مطل وب حض ور الكاتب ة إلى القص ر‪ ،‬ثم وزع ه على كاف ة الم دارس والمراك ز‬
‫التعليمية‪ ،‬وبينما معتز يدرس حتى وصله الكتاب‪ ،‬وفتحه وبدأ يقرأه فهو يحب القصص كثيرا ليفاجأ‬
‫بأن القصص قصص أخته أزهار‪ ،‬وقرأ العبارة والتي يبحثون فيها عن الكاتبة‪ ،‬فقرر مع تز الع ودة‬
‫فورا وإخب ار أخت ه ب األمر‪ .‬ولم ا وص ل مع تز تفاج أت أزه ار بعودت ه وف رحت في نفس ال وقت‪،‬‬
‫‪30‬‬
‫وتفاجأت أكثر حين سلمها الكتاب الذي يحوي كل قصص ها فعق دت الدهشة لس انها وق الت‪ :‬آه إنه ا‬
‫قصصي‪ ،‬معجزة يا إلهي أكيد حصلوا عليها من البحيرة ثم أمسكت الكتاب في ي دها‪ ،‬ومع تز بي دها‬
‫األخ رى‪ ،‬وأخ ذت ت رقص وت دور وتق ول‪ :‬نجحت ‪ ..‬حم دا هلل س أذهب مع ك إلى القص ر ربم ا‬
‫سيكافئونني يا هللا‪ ،‬سيصبح لدينا المال‪ ،‬وسأسدد ديني‪ ،‬وستدرس يا معتز وتنجح‪.‬‬
‫قال معتز‪ :‬مهال‪ ،‬مهال يا أختاه ما الذي يحدث أخبريني عن سر الكتاب‪ ،‬فقصت علي ه أزه ار كي ف‬
‫وصلت قصصها للبحيرة واتفقت معه على الذهاب في الغد إلى المدينة ألول مرة في حياتها‪ ،‬وباتت‬
‫وهي تتقلب في الفراش‪ ،‬وتنتظر اليوم الموعود وفي الصباح ودعت والدها وكلها أمل وف رح ويقين‬
‫أن كل مشاكلها حلت بفضل قصصها‪ ،‬ولما وص لت إلى القص ر وطلبت من الح رس رؤي ة األم ير‬
‫وأخبرتهم أنها الكاتبة التي يبحث عنها‪ ،‬سخروا منها وطردوها قائلين‪ :‬ريفية مجنون ة مثل ك ت دعي‬
‫أنها الكاتبة‪ ،‬اذهبي من هنا وال تعودي‪ ،‬بكت أزهار كثيرا ومعتز كان يهدئها قائال‪ :‬ال بأس يا أخ تي‬
‫سنجد حال عودي إلى القرية اآلن يجب أن أذهب إلى مدرستي‪ ،‬أخذت أزهار بعضها وعادت خائبة‬
‫إلى القرية لتجد أصحاب الدين في انتظارها يطالبونها بالتسديد لكنه ا أخ برتهم أنه ا ال تمل ك فلس ا‪،‬‬
‫وهنا ق رروا الشكوى إلى الح اكم‪ ،‬ب اتت أزه ار ليلته ا تبكي وفي الص باح الب اكر دق الب اب بشدة‬
‫فخرجت أزهار‪ ،‬وفتحت الباب لتجد حراس الحاكم فابتهجت قائل ة‪ :‬ه ل ص دقتموني أخ يرا إني أن ا‬
‫الكاتبة؟‬
‫ضحك الحراس وردوا‪ :‬مازالت تق ول أنه ا الكاتب ة أال يكفي س طوك على أم وال الغ ير‪ ،‬تح ترفين‬
‫الكذب أيضا ثم صرخ أحدهم‪ :‬هيا سنأخذك إلى السجن ألن أهل القري ة ق دموا ش كوى ض دك‪ ،‬بكت‬
‫أزهار وصرخت ال أرجوكم ال أستطيع ت رك وال دي لوح ده فه و كب ير وم ريض‪ ،‬لكن الح راس لم‬
‫يصغوا لها وأخذوها متجهين إلى سجن القصر‪ ،‬وبينما هم في الطريق التق وا ب األمير رائ د ف أوقفهم‬
‫قائال‪ :‬إلى أين تأخذونها؟‬
‫فقال الحارس‪ :‬إنها متهمة لم تسدد دينا عليها‪ ،‬وكذلك كاذبة فقد ادعت أنها الكاتبة‪.‬‬
‫فقال األمير‪ :‬شهرزاد البحار؟ ثم اتجه نحوها قائال‪ :‬هل أنت فعال الكاتبة؟‬
‫نظرت أزهار إليه وعيناها مليئة بالدموع قائلة‪ :‬بلى يا سيدي ولكن أعرف أن ك لن تص دقني أيض ا‬
‫وستسجنني‪ ،‬تركت والدي مريض إنها الظروف فقط هي من أجبرتني على ذل ك ‪ ...‬وب دأت تشرح‬
‫له لكنه قاطعها‪ :‬وكيف أعرف أنك شهرزاد البحار؟ أقصد الكاتبة؟‬
‫ردت‪ :‬سأروي لك كل القصص التي بالكتاب‪.‬‬
‫فقال األمير‪ :‬القصص التي بالكتاب نشرت ولكني تركت واحدة لم أنشرها إن سردتها لي صدقت‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬حسنا موافقة‪ ،‬وسردت له القصة بص وتها الع ذب ف أعجب األم ير بطيبته ا وبراءته ا وق ال‪:‬‬
‫اتركوها إنها فعال شهرزاد البح ار‪ ،‬إنه ا الكاتب ة ال تي أبحث عنه ا‪ ،‬سأس دد عنه ا ال دين وس أكافئها‬
‫وسأجعل لها مطبعة خاصة تطبع كل قصصها الجميل ة ليس تمتع به ا الن اس‪ ،‬ف رحت أزه ار كث يرا‬
‫وقالت‪ :‬شكرا لك أيه ا األم ير‪ ،‬وحققت أزه ار ك ل م ا تمنت‪ ،‬وم ع م رور الس نين أص بحت كاتب ة‬
‫مشهورة ومعروفة باسم شهرزاد البحار‪ ،‬وخصص لها األم ير من يعلمه ا قواع د اللغ ة جي دا ح تى‬
‫تبدع أكثر‪ ،‬وفي األخير تقدم لخطبتها قائال‪ :‬يسعدني أن تكوني شهرزادي وتمتعيني بسرد قصص ك‬
‫لي طول العمر‪ ،‬وافقت أزهار وتزوجت من األمير‪ ،‬وعاشت في سعادة ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫قــلــب المـالئـكـــة‬
‫يحكى أنه هن اك فت اة جميل ة بيض اء الوج ه والقلب كقطع ة الثلج ذات ش عر أش قر يشبه خي وط‬
‫الشمس الذهبية‪ ،‬وعينان زرقاوان كالبحر تدعى ياسمين‪ ،‬طيبة جدا‪ ،‬ووجها مشرق منير كالمالئكة‪،‬‬
‫ومن كثر شبهها بالمالئك ة في ش كلها وطيبته ا‪ ،‬وحبه ا للن اس‪ ،‬ورق ة قلبه ا أطل ق عليه ا اس م قلب‬
‫المالئكة‪ ،‬فهي تفرح لمن فرح‪ ،‬وتبكي مع من بكى كل أهل قريتها يحبونها‪ ،‬فقد كانت مثاال لهم في‬
‫الطيبة وفعل الخير فاقتدوا بها‪ ،‬وأصبحت القرية سعيدة‪ ،‬وسميت القري ة بقري ة الس عادة‪ ،‬وه ذا كل ه‬
‫بفضل قلب المالئكة مثال الحب والخير‪ ،‬وعلى بعد عدة كيلوم ترات تق ع بل دة تس مى ببل دة الظالم‪،‬‬
‫وترأسها ملكة شريرة ال تحب سوى الشر والكره‪ ،‬والحقد‪ ،‬والظالم فكان قلبها أس ود كظلم ة اللي ل‪،‬‬
‫وكانت تمنع األنوار عنهم وال تخرج س وى في اللي ل لتتمت ع بالس واد‪ ،‬وك انت ه ذه الشريرة تمل ك‬
‫ينبوعا سحريا في قصرها‪ ،‬فمن شرب منه ازداد صحة‪ ،‬وإن كان مريض ا ش في أو مجروح ا الت أم‬
‫جرحه في الحين‪ ،‬وحتى لو أصيب بطلق ناري يسمى هذا األخير ينبوع الحي اة‪ ،‬وك انت تتمت ع هي‬
‫بشربه وال ت ترك أح دا من البل دة يشرب من ه‪ ،‬فك انت رغم كبره ا ذات ص حة جي دة وكأنه ا في‬
‫العشرين من عمرها‪ ،‬وفي يوم من األيام وصل لها خبر أن هناك قري ة اس مها قري ة الس عادة تابع ة‬
‫لمملكته ا‪ ،‬وأن هن اك فت اة تنشر الخ ير والحب اس مها قلب المالئك ة فغض بت لس ماع ه ذا الخ بر‪،‬‬
‫وقررت قتل قلب المالئكة وأخذ قلبها‪ ،‬وغرسه في الرم اد ح تى ينتهي الخ ير ويعم الشر والس واد‪،‬‬
‫فأمرت الحرس أن يذهبوا إليها ويحضروها كي تقتلها بنفسها وتتمتع بغرس قلبها في الرماد‪ ،‬وكان‬
‫لديها ابن طيب ال يحب شرها وما تفعله يدعى سامي‪ ،‬قرر سامي الرحي ل للبحث عن قلب المالئك ة‬
‫حتى ينبهها‪ ،‬أخذ عدته ثم تسلل إلى ينبوع أمه‪ ،‬وسرق ماء الحياة حتى يأخ ذه إلى قلب المالئك ة كي‬
‫ال يصيبها أذى أمه ويحميها من موت محتوم‪ ،‬وانطلق في النهار حيث أمه تكون نائم ة وال تس تيقظ‬
‫قبل غياب الشمس‪ ،‬وأخذ يسير ويسأل إلى أن وصل قرية السعادة وسأل عن قلب المالئكة‪ ،‬أعجبت ه‬
‫القرية وطيبة أهلها وأعجبته ياسمين التي استقبلته بابتسامتها الجميلة قائل ة‪ :‬أهال ب ك أيه ا الغ ريب‪،‬‬
‫سألت عني كيف أساعدك ؟فرد‪ :‬مرحبا أنا سامي وسرد عليها قصة أمه وأنها تريد قتلها‪ ،‬ويجب أن‬
‫تهرب من القرية ألن والدته ستصل إليها لكن ياسمين ابتسمت قائلة ‪ :‬ليست مشكلة ‪.‬‬
‫فاستغرب سامي وقال‪ :‬كيف ليست مشكلة وأنت معرضة للقتل؟‬
‫فردت‪ :‬سأذهب إلى قرية جدي فهو يملك ينبوع الخير كل من شرب منه يمس ح ك ل الشر ال ذي في‬
‫قلبه‪ ،‬سأمأل قارورة منه ألمك يجب أن تشربه دون علم منها‪.‬‬
‫رد سامي‪ :‬آه أمي صعبة جدا ليس من السهل فعل ذلك‪ ،‬لكن سنفكر في حيلة‪ ،‬ثم أخرج قارورة ماء‬
‫الحياة وأكمل قائال‪ :‬هذا ماء الحياة أحضرته لك كي تشربيه ه و يحمي ك من ك ل س وء ولن يص يبك‬
‫ت من ه فح رس أمي انطلق وا للبحث عن ك أنت في خط ر‪ ،‬أخ ذت ياس مين الق ارورة‬ ‫أذى إذا ش رب ِ‬
‫وخبأتها وقالت‪ :‬إذا كان الوضع خطير سأنطلق فورا لقرية جدي‪ .‬رد سامي‪ :‬اشربي الماء أوال‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬ال سأتركه ربما احتاجه أحد أكثر مني‪ ،‬وربما لن يحدث لي شيء ولن أحتاج لشربه فأس اعد‬
‫أر أطيب منك في حياتي‪ ،‬ليت أمي ك انت مثل ك‪ ،‬ابتس مت قلب‬ ‫به غيري‪ ،‬استغرب سامي وقال‪ :‬لم َ‬
‫المالئكة واحمرت وجنتاها خجال‪ ،‬وقالت‪ :‬ستكون إن شاء هللا‪.‬‬
‫فق ال س امي‪ :‬ه ل تس محين أن أرافق ك في رحلت ك لج دك؟ أري د حمايت ك من أمي‪ ،‬قبلت ياس مين‬
‫وأخذت عدتها‪ ،‬وانطلقت مع سامي إلى قرية جدها‪ ،‬وبعد أن سارا عدة أميال وهم ا يركب ان عرب ة‪،‬‬
‫واقتربا من قرية جدها أدركهما حرس أمه بالخيول والسهام وهم في غفلة‪ ،‬أخذ أحد الح رس س همه‬
‫وقال لآلخرين ابتعدوا قليال سأصوب نحو الفتاة ألصيبها وآخذها إلى الملكة‪ ،‬لم تنتبه ياس مين ل ذلك‬
‫‪32‬‬
‫واستدار سامي لينتبه إلى السهم الذي أطلقه الحارس فحاول إبعاد ياسمين وصرخ‪ :‬ياسمين احترسي‬
‫ف اخترق الس هم ص دره‪ ،‬ووق ع أرض ا وأخ ذت ياس مين تص رخ ب أعلى ص وتها‪ :‬س امي ي ا إلهي‬
‫ساعدوني‪ ،‬أما الحارس أدرك أن المصاب ابن الملكة فارتبك وأخذ من معه وهرب خوفا من عق اب‬
‫الملكة‪ ،‬بقيت ياسمين تبكي وسامي ينزف ومغمي عليه‪ ،‬لكنها أخيرا تذكرت ماء الحياة ال ذي خبأت ه‬
‫في عدتها‪ ،‬وأخذت الماء وبدأت تضعه في فم سامي وتسحب السهم من بطنه فاستفاق وس رعان م ا‬
‫التأم الجرح‪ ،‬ففرحت ياسمين كثيرا والدموع في عينيها‪.‬‬
‫فنطق سامي‪ :‬أنقذت حياتي فعال‪ ،‬أنت قلب المالئكة‪.‬‬
‫فردت ‪ :‬ألم أقل لك ربما احتاج الماء أحد غيري‪ ،‬هيا قم بسرعة لنكمل طريقنا اقتربنا كثيرا قبل أن‬
‫يعود حرس والدتك‪ ،‬وصلت ياسمين وسامي إلى قرية ج دها ولم ا رآه ا الج د ف رح كث يرا لرؤيته ا‬
‫وأخذت ماء الخير وانطلقت للعودة بسرعة‪ ،‬لكن الحرس لما ذهبوا إلى الملكة دون ياسمين وبختهم‪،‬‬
‫وأمرتهم أن ال يعودوا بدونها وهذه المرة قرروا أخذها ب القوة‪ ،‬ولس وء الح ظ ع ادوا ليج دوها على‬
‫وشك الوصول لقريتها فانقضوا عليها وأخذوها‪ ،‬وتركوا سامي يصرخ قائال‪ :‬اتركوها أيها األوغاد‬
‫أنا ابن الملكة‪ ،‬اسمعوا كالمي‪ ،‬لكنهم لم يعيروه اهتماما‪ ،‬وطبقوا أمر ملكتهم وانطلق وا بخي ولهم إلى‬
‫القصر‪ ،‬وعرف سامي أن ياسمين في خطر كبير‪ ،‬وأخذ يركض بعربته للحاق بها وحين وصل إلى‬
‫قرية ياسمين أخبرهم أن ياسمين في خطر فقرروا المساعدة‪ ،‬وأحضروا الع دة والخي ول‪ ،‬وانطلق وا‬
‫كجيش كبير إلنقاذ فرحة قريتهم قلب المالئكة‪ ،‬وعند وصولهم كانت قلب المالئك ة مكبل ة من ي ديها‬
‫وقدميها والملكة تقيم حفال وتجهز سيفها كي يخترق قلبها مع حل ول الظالم وغ روب الشمس ح تى‬
‫تغرس القلب في الرماد ليسو ّد ذاك القلب ظنا منها أنه هكذا سينتهي الخ ير إلى األب د‪ ،‬واق تربت من‬
‫ياسمين‪ ،‬وأخذت سيفها إلى السماء كي تنزله إليها بقوة وهي تنظر إلى آخر خيط من ن ور الشمس‪،‬‬
‫أما سامي فق د وص ل القص ر وت رك أه ل القري ة خارج ا‪ ،‬ثم ق ال لهم‪ :‬انتظ روني هن ا إن احتجتكم‬
‫سأصفر واهجموا على القصر‪ .‬تسلل ووصل في الوقت المناس ب م ع آخ ر ن ور لغ روب الشمس‪،‬‬
‫ك انت ياس مين خائف ة وترتج ف وتبكي‪ ،‬وص رخ س امي‪ :‬أمي ت وقفي ‪ ..‬ال تفعلي ذل ك س أخبرك‬
‫بشيء‪ ...‬التفتت األم وصرخت‪ :‬أنت خائن قد ساعدتها‪.‬‬
‫طأطأ رأسه وقال‪ :‬آسف أمي خنتك فعال‪ ،‬لكني ندمت وجئت أطلب الس ماح من ك‪ ،‬فأن ا س رقت م اء‬
‫الحياة وأعطيته لقلب المالئكة ولكن لحسن الحظ لم تشربه مزال في عدتها‪.‬‬
‫غضبت األم وقالت‪ :‬م اء الحي اة ؟! إن ه خاص تي ال أح د يج رؤ على ش ربه ثم بحثت في أغ راض‬
‫ياس مين ووج دت الق ارورة‪ ،‬فأخ ذتها وهي تبتس م ابتس امة ش ر‪ ،‬وفتحت الق ارورة وب دأت تشرب‬
‫وتشرب وتقول لن يتمتع غيري بشربه‪ ،‬وما إن أكملتها حتى بدأت تتص بب عرق ا‪ ،‬وأحس ت ب دوار‬
‫فأمسكت رأسها ووقعت أرضا مغمي ا عليه ا ووج د س امي فرص ته‪ ،‬وب دأ يف ك أغالل ياس مين لكن‬
‫سرعان ما فتحت األم عينيها وقامت وهي تمس ك رأس ها وتنظ ر حوله ا باس تغراب‪ ،‬وق الت‪ :‬م اذا‬
‫يحدث؟ لماذا هذه الفتاة الجميلة هنا؟ ولماذا أنتم مجتمع ون هك ذا؟ وق ع س امي على األرض وس جد‬
‫قائال‪ :‬آه الحمد هلل ثم نظر إلى ياسمين وانفجر ضاحكا‪ ،‬وهو يقول‪ :‬نجحنا ك انت ياس مين تبتس م ولم‬
‫تحس بنفسها إال وهي ترقص مع األمير فرحا لما حققاه‪ ،‬ثم نظر سامي إلى أمه قائال‪ :‬إنها مفاجأة يا‬
‫أمي وأطلق صفيرا فدخل أه ل القري ة كلهم إلى القص ر‪ ،‬ثم ق ال س امي‪ :‬أش علوا األن وار من الليل ة‬
‫انتهى زمن الشر والظالم‪ ،‬من الليلة سيعم الخير ثم قال‪ :‬يا أه ل قري ة الس عادة أري د أن أطلب منكم‬
‫خطبة قلب المالئكة لتكون أم يرة بل دتنا وتنيره ا بطيبته ا وقلبه ا األبيض‪ ،‬احم رت وجنت ا ياس مين‬
‫خجال وهتف الكل موافقون‪ ،‬وفرحوا كثيرا ثم استدار إلى قلب المالئكة قائال‪ :‬هل توافقين؟ طأط أت‬
‫ياسمين رأسها وقالت‪ :‬نعم‪ ،‬وفرحت الملك ة لخطب ة ابنه ا بع د أن تغ يرت وان تزع الشر من قلبه ا‪،‬‬

‫‪33‬‬
‫ونسيت كل ما فعلته من شر وأصبحت طيبة جدا‪ ،‬وتحكم بالعدل‪ ،‬وت زوجت قلب المالئك ة في حف ل‬
‫كبير وعاشت في سعادة وهناء مع أميرها‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫في قصـــــر نقـــــــــــــرين‬
‫في ليلة أول نوفمبر اجتمعنا حول المدفئة نحتفل بعيد الثورة مناش دين أمي أن ت روي لن ا‬
‫بعض قص ص الث ورة‪ ،‬فحض رت أمي الشاي والحلوي ات وجلس ت‪ ،‬التفين ا حوله ا متشوقين لم ا‬
‫سترويه لنا فقالت‪ :‬الليلة س أروي لكم حكاي ة ع ني وعن وال دكم أثن اء الث ورة فنط ق أخي الص غير‬
‫قائال‪ :‬وهل عايشتم الثورة يا أمي؟‬
‫فقالت‪ :‬أجل يا بني وعشنا كل أنواع العذاب والخوف والكف اح‪ ،‬كن ا حينه ا نس كن في قص ر نق رين‬
‫والية تبسة‪ ،‬دائرة نقرين ربما الكثير لم يعرفها أو يسمع عنها إطالقا تل ك األرض الطيب ة والمدين ة‬
‫العريقة التي أصبحت اليوم معلما تاريخيا ومنطقة سياحية ما زلت محافظة على مبانيها المشيدة من‬
‫التراب وسقفها المغطى بخشب النخيل والجريد (ورق النخيل)‪ ،‬كانت تمت از بك رم أهله ا وش جاعة‬
‫رجاله ا وغ يرتهم على بالدهم كغ يرهم من ش باب الجزائ ر حينه ا ك ان وال دكم محم د خال د ابن‬
‫مصطفى الملقب ب (األسد) مكافحا فذا‪ .‬هاته الكنية (األسد) التي كان يحملها والدي رحم ه هللا من ذ‬
‫صغرنا وكنا دائم ا أوالده نتس اءل لم اذا لقب بهت ه الكني ة ولم نع رف الس بب ورغم أنن ا لم نع رف‬
‫السبب إال أننا كنا فخ ورين بلقب األس د وأوالد األس د ألن األس د ال يرم ز س وى للق وة والشجاعة‬
‫أكملت أمي قائلة‪ :‬قبل زواجي كان والدكم ص احب دك ان فك ان يم ول المجاه دين ب المواد الغذائي ة‬
‫ويساعدهم وقد كان هو أول من أسس الكشافة في مدينة نقرين كان يدرس األطفال ويعلمهم الق رآن‬
‫وينمي فيهم حب الوطن والدفاع عنه كان ش ابا ش جاعا ويافع ا‪ ،‬وفي ي وم من األي ام اعتقلت ق وات‬
‫المستعمر مجموعة من المجاهدين وحبسوهم في معتقل بالمنطقة المسماة (المرح ال) ومنع وا عنهم‬
‫الماء كأسلوب تعذيب الستنطاقهم كانت وقتها صيف وحر ومدينة نقرين منطق ة ص حراوية ص يفها‬
‫حار وجاف وال أحد يس تطيع الص مود أم ام العطش والح ر غ ير الجم ل فك ر وال دكم كث يرا كي ف‬
‫سيساعدهم وأخيرا توصل إلى قرار فذهب وبات ط وال اللي ل وه و يخ ترق س ور الس جن بالحدي د‬
‫خلسة عن أعين قوات العدو حتى أخترق الحائط وأحدث ثقبا فيه وأدخل أنبوب ا وجع ل األنب وب في‬
‫دلو كبير من الماء ومع بزوغ الفجر أوصل اليهم األنبوب وشربوا المجاهدين حتى ارت ووا ثم ذهب‬
‫لصالة الفجر كأن شيئا لم يكن‪ ،‬أحتار العدو في ص مود المجاه دين ومق اومتهم للعطش وبحث وا في‬
‫األمر الى أن توصلوا الى والدكم فأدخلوه السجن وعذبوه ورغم ذل ك واص ل كفاح ه فبع د خروج ه‬
‫من السجن كلفوه بعدة مهام صعبة وأطلقوا عليه كني ة األس د من ذ ذل ك الحين‪ ،‬وكلم ا ك انت المهم ة‬
‫صعبة قالوا علينا باألسد وإذا حذروه بالمحافظة على نفسه وحياته ‪.‬‬
‫رد قائال‪ :‬إن مت لست أعلى شئنا ممن ماتوا قبلي دفاعا عن الوطن‪.‬‬
‫فقال أخي‪ :‬وماذا عنك يا أماه؟ ماذا فعلت للوطن؟ فأكملت‪ :‬كنت صغيرة حينها ثالثة عشرة عام ا‬
‫وكانت أمي ترحي القمح وتطبخ به الخبز وتصنع منه أكلة الكسكس ي وتمال لي القف ة ألخ ذها الى‬
‫المجاهدين كن الفتيات في مثل سني نخرج للغسيل في الوادي فنمأل قففنا بالمئونة ومن فوقه ا نض ع‬
‫المالبس ونمر على الع دو فال يشكون بن ا فنق ول لهم ذاهب ات للغس يل ونوص ل األك ل للمجاه دين‬
‫ونغسل ثم نعود أو نمألها بمالبس نمول به ا المجاه دين للبس ها خصوص ا في فص ل الشتاء تحي ك‬
‫النساء بما نسموه البرنوس ونأخذه للمجاهدين كي يحتموا به من البرد وق د تعرض ت م رة للرك ل‬
‫والضرب من طرف أحد جنود المستعمر حين بحث في قفتي وعرف أني آخذ الطعام للمجاه دين‬
‫ومرضت خاللها مرضا شديدا من جراء الضربة القوي ة ال تي أخ ذتها بحذائ ه الكب ير على ركب تي‪.‬‬
‫وكم من مرة خبئن ا المجاه دين في بيتن ا حين ك انت عس اكر الع دو تط اردهم وق د اختب أ م رة أح د‬
‫المجاهدين في جرة كبيرة للقمح وغطيناه بالتبن حتى ال يراه العدو عشنا مغ امرات كث يرة وناض لنا‬
‫وجاهدنا منذ نعومة أظافرنا ولم نتوقف عن ذلك حتى االستقالل وكنا أول من خ رج هاتف ا مزغ ردا‬

‫‪35‬‬
‫لالنتصار ولن نعتبرها مجهودات جبارة فوطننا الغالي يس تحق أن نفدي ه ب دمائنا ونطلب من هللا أن‬
‫يحفظه ويجعله آمنا دائما فال شيء أغلى من الوطن يا أبنائي‪.‬‬

‫الفهرس‬
‫‪36‬‬
‫اإلهداء ‪03......................................................‬‬
‫أرض األحـالم‪07/04........................................‬‬
‫األخـوان مازن وقاسـم ‪11/08..............................‬‬
‫البلــــورة العجيبـــة‪15/12..................................‬‬
‫ابـن النجـار واألميـرة ‪21/16...............................‬‬
‫الجــــرة السحــــرية‪27/22.................................‬‬
‫أرجـــــــوانة والطـــــــائر ‪31/28.........................‬‬
‫الحـــــاوية الجــلدية المـــباركة‪36/32....................‬‬
‫الحسناء الضائعة ‪46/37.....................................‬‬
‫هـــــذه ليـــست حـــياة ‪49/47..............................‬‬
‫الرحيـــــل‪56/50.............................................‬‬
‫شـــــهرزاد البــــحار‪61/57................................‬‬
‫قــلــب المـالئـكـــة‪66/62...................................‬‬
‫في قصـــــر نقـــــــــــــرين‪69/67........................‬‬

‫‪37‬‬

You might also like