Professional Documents
Culture Documents
كابوس مسرحي
تأليف :
عمر نبيل
ملحوظة هامة :
يتم تقسيم المسرح إلى مستويين ..مستوى أعلى في العمق ،والذي تدور فيه أحداث عالم بيت الحظ
بالكامل ،ويراعى أثناء أحداث هذه القصة أن تحدد اإلضاءة هذا العالم عما حوله بحيث يبدو من منظور
ا لجمهور وكأنهم سابحين في الفضاء ..ومستوى أسفل في مقدمة المسرح تدور فيها الرؤى المنفصلة
،وتكون بقعة إضاءة لكل رؤية ،وكأنها ومضات من العقل الباطن ..يجب فصل العالمين تماما ً عن
بعضهما من حيث المكان واإلضاءة والممثلين ،والتعامل من األفضل أن يكون بأبسط قطع الديكور ،
ويجب أال تنطفيء اإلضاءة بشكل تام على المسرح ولو لحظة واحدة ،إال بعد االفتتاحية وقبل الخاتمة .
يجب أن يراعي المخرج في مشاهد الرؤى المتالحقة التي تدور في مقدمة المسرح ،أن يهدم كل
مشهد سابقه على مرأى من الجمهور ،وأن تعرض أسماء الفصول بشكل واضح في أماكنها ،سواء
التزم بخيال المؤلف في هذا الصدد أو ال ،من الضروري أن يحافظ على هذه التيمة أثناء العرض .
املؤلف
1
افتتاحية
( يُفتتح الستار ..تُضاء بقعة ضوء في مقدمة المسرح ..مشهد لرجل يجلس بين زوجته وأبنائه
يشاهدون التلفزيون ..اإلبن األكبر في بداي ة العشرينات ،اإلبنة في عمر المراهقة ..يعرض التلفزيون
فيلما ً بلغة غير مميزة )
الرجل " :أنا بفكر أنتحر "
الزوجة ( تنادي إبنتها ،دون أن ترفع عينيها من على التلفزيون أو أن تلتفت إليه ) " :هاتي لبابا
طفاية السجاير "
اإلبنة ( في تركيز تام مع الفيلم ) " :ماشي ..أول ما تيجي إعالنات "
الرجل ( يعلو صوته قليالً ) " :مش عايز أطفي سجاير ..بقول بفكر أنتحر "
( ينظرون إليه جميعا ً في دهشة ،ينهض اإلبن إلطفاء التلفزيون )
الزوجة ( في تردد ) " :انت بتقول ..إنك " ..
الرجل ( مقاطعا ً ) :أيوا ..بفكر أنتحر ..إي ه ؟ مش انتوا عيلتي ؟ مش انتي مراتي ودول عيالي ؟
مفروض أشارك مين ف أفكاري اإلنتحارية مش فاهم أنا ؟ "
اإلبن " :تشاركنا إحنا طبعا ً يا بابا "
اإلبنة " :وانت هتالقي أعز مننا يعني ؟ "
الزوجة " :أيوا والراجل اللي مايعرفش يشارك مراته ف أفكاره اإلنتحارية ،يروح يشوفله بيت تاني "
الرجل " :طيب ..كويس ..أال ما حد فيكم سألني عايز أنتحر ليه ؟ "
( ينتبهون فجأة )
الجميع ( بال نظام ) " :آه صحيح ..ماخدناش بالنا ..نسينا "
لثوان ،فيصيح في غضب ) برده ما سألتونيش "
ٍ الرجل " :خالص ..خالص ..أنا عاذركم ( يصمتون
ال جميع ( متصنعين اللهفة ) " :ليه ..ليه ..هاه ..عايز تنتحر ليه ؟ "
الرجل " :خالص ( يصمتون ..يفكر للحظة ) مش عارف "
الزوجة " :مش عارف ! "
الرجل " :قصدي إن األسباب كتيرة ،بس مش عارف إيه منها بالظبط مخليني عايز أنهي حياتي ( يبدو
عليهم عدم الفهم ) يمك ن لو حاولت ألخصهم ف سبب ،هيكون هو إني مش معتبر نفسي عايش "
2
اإلبنة " :يا بابا ماتقولش كدة ،انت نفسك معانا برده "
الرجل ( وكأنه لم يسمع ) " :روتين روتين روتين ..فقدت الرغبة ف أي شيء وف كل شيء ،
حاسس نفسي إنسان عاجز ،أو إنسان ميت بمعنى أصح ،أكيد فيه مقياس تاني للحياة غير إني آخد
نَفَس وأطلعه "
اإلبن " :يا بابا ماحنا حواليك أهو "
الرجل ( ينظر إليه وكأنه تذكر شيئا ً ) " :بحس إن حياتي اللي فاتت دي كلها ،عدت من غير الزمة
( يوجه الكالم لزوجته ) تعرفي إني كنت بحب زمان ؟ أيوا كنت بحب بنت جارتنا ،مرة اتخانقت مع
واحد عاكسها ،ومرة مشيت تالتة كيلو بحالهم عشان أوصلها لبيتها ف ليلة مطر ،مستغربة إزاي
الكالم دة طلع مني ف يوم من األيام ؟ أنا اللي مهما عملتيله ولبستيله واتذوقتيله بتالقي منه كل برود
وال مباالة ..الحقيقة هي إني مش طايقك ،فعالً مش طايقك ،جلدك اللي بتعريه عشان الحب ببقى عايز
أسلخه وأطفي ف كل سنتي منه سيجارة ،ريحتك اللي بتبقي عايزة تلفتي إنتباهي بيها بتخليني عايز
أتقايا ،مش طايقك ( يشير إلى أوالده ) وال طايق دول كمان ..كان نفسي ف إبن يحمل مالمحي
وتفاصيلي ،أشوف فيه نفسي تاني ،وأعيش ف حياته عمري من جديد ،بدون أخطاء الماضي
ونزواته ( يوجه كالمه إلبنه ) بس انت إيه ياال ؟ إبن حرام ! انت مافيكش حاجة مني إزاي ؟ انت
غريب عني ،عمري ماحسيت إنك مني ،إيه كم قساوة القلب واألنانية اللي فيك دي كلها ؟ أنا عمري
ماكنت كدة ،دايما ً بيصعب عليا الناس ،وبحمل همهم ( ينظر إلبنته ) وانتي ..انتي حققتيلي أسوأ
مخاوفي ف الدنيا ..طول عمري بكره الغباء ،بحتقره وبشمئز منه ،وبعد دة كله تجيلي انتي ..أغبى
بني آدمة ف الكون يكون من حظي ومن نصيبي إنها تطلع بنتي ..طب أعمل فيكي إيه ؟ ..كتير وانتي
صغيرة كنت بفكر أرميكي من البلك ونة أو ف النيل وأخلص منك قبل ما تكبري وتبقي لعنة ،واديكي
كبرتي واتحولتي ألشنع مسخ ممكن الواحد يشوفه ف حياته ،وش جميل بدماغ فاضية ،بتتعامل مع
نفسها كجسم فقط وجسمها دة هو سلعتها الوحيدة واللي كانت طول عمرها سلعة رخيصة ..مش
عارف أقول إيه وال إيه ..اتكلم ع الشغل اللي هفضل محبوس فيه لحد ما اموت ،وال اتكلم ع الشارع
اللي بقى غابة ،وال اتكلم على إيه "
( يسود اإلرتباك بين عائلته ،تتنحنح الزوجة )
الزوجة " :قول اللي تقوله ،بس اللي الزم تعرفه إننا بنحبك "
اإلبن واإلبنة ( بسرعة ) " :آه يا بابا بنحبك ..بنحبك يا بابا "
الرجل ( يشرق وجهه مندهشا ً ) " :بتحبوني ! "
الزوجة " :طبعا ً ..وعشان كدة احنا بندعمك ف قرارك "
3
اإلبن " :إحنا يهمنا إيه غير راحتك يا بابا ؟ "
اإلبنة " :وماتشغلش بالك بينا ،طول مانت مبسوط احنا مبسوطين "
الزوجة " :انت تستاهل تتحب ،ما ت ستغربش ،كفاية إني كنت بفكر ف اإلنتحار انا كمان ،وبعد
قرارك خلتني أعيد التفكير ..أيوا ..بعد انتحارك الحياة هتختلف ،مفيش سهرات حب هتبوظ بسبب إن
مزاجك مش رايق وعايز تنام ،مش هفضل حاسة إني متجوزة راجل إسم بس وهو أبعد ما يكون عن
الرجولة ،الرجولة مالهاش م كان برة السرير يا قلبي مهما حاولت تعمل ،أمانة عليك قبل ما تنتحر كلم
صاحبك اللي بيحب المصارعة دة عني ،طول عمري مبهورة برجولته وخشونته ،قوله أنا مستعدة
أكون خدامة تحت رجليه ،قوله هيالقي ست تعرف فعالً تسعده وتحسسه برجولته ..يعني ..خدمة
أخيرة قبل ما تغور يا حبيبي "
( يضع إبنه يده على كتفه )
اإلبن " :ماتزعلش نفسك يا بابا ..انت طول عمرك بتحاول تسعد غيرك ،عشان كدة عمرك ما عشت
سعيد ،وال حد اهتم بسعادتك ،ودة اللي خالني أقرر أعيش لنفسي وبس ،اوعى تفتكر إنك ما أثرتش
عليا يا بابا ،انت كنت محطوط قدامي مثال ،وقلت لنفسي مهما حصل ال يمكن أتحول للمثال دة ..
صحيح قبل ما تنتحر ماتنساش تقولي كلمة سر حسابك ف البنك ،اللي فيه تحويشة العمر ،أصل أنا
بعد إذنك ناوي أصرف وأعيش حياتي وأنبسط ،مش هفضل أحوش ف فلوس عشان أموت من غير ما
استمتع بيها وحد غيري -حتى لو كان إبني -يستلمها ع الجاهز "
اإلبنة " :يا سالم ..بجد ميرسي يا بابا ..أنا أخيرا ً هخلص منك ومن سيطرتك عليا ،مش بس كدة ،
دة أنا هعرف أعيش دور الحزينة بين صحابي ،واكتب على فيس بوك ( كم أشتاق إليك يا أبي ) والوالد
تحاول تطبطب عليا ،وأعيش بقى ف فسح وخروجات عشان أنسى أحزاني ،حياتي الجاية هتبقى كلها
والد ..ياريتك تنفع تنتحر كذا مرة وهللا يا بابا ..بس قولي انت ناوي تنتحر إزاي ؟ "
الرجل " :ناوي أنتحر بالـ ....وهللا مانا عارف "
الزوجة " :أقولك ..انت ترمي نفسك من الدور العاشر ( يبدو عليها اإلنتشاء ) يا سالم ..هيبقى
منظرك جميل وكل عضمة فيك مدغدغة والناس تتلم حواليك وتقعد تمصمص شفايفها وتقول يا عيني
مات صغير "
الرجل " :أرمي نفسي من الدور العاشر ! الالال ..مش عاجباني ..أنا بخاف من المناطق العالية "
اإلبن " :يبقى تولع ف نفسك ..تاخد دش جاز ( يضحك فتضحك الزوجة واإلبنة ) وتطفي سيجارتك
اللي قارفنا بيها دي ف بؤك ..ويبقى أحلى باربيكيو "
( يضحك أكثر فيزداد ضحك الزوجة واإلبنة )
4
الرجل " :الء ..الء ..إيه اللي بتقوله دة ! "
اإلبنة " :طب ما تدخل قفص األسد ف جنينة الحيوانات "
الرجل " :الالالال ..إيه دة ! ..انتوا مالكم متحمسين قوي كدة ؟ أنا أصالً ماكنتش هنتحر ..أنا بس
قلت بفكر ..بفكر "
اإلبنة " :الال ..سوري ..بالش موضوع األسد لو بتخاف "
الرجل " :مش موضوع أسد يا هبلة انتي ..أنا خالص حسيت نفسي أحسن بعد شوية الفضفضة دي
( ..يتنهد ) يال أنا بقول نرجع نكمل الفيلم "
اإلبن " :انت هتستهبل ! هترجع ف كالمك ؟ "
الزوجة ( في اشمئزاز ) " :كنت حاسة ..عمره ماخد موقف للنهاية "
اإلبن ( في هياج شديد ) " :ال احنا ماتفقناش على كدة ..انت الزم تنتحر "
الجميع " :أيوا ..الزم تنتحر ..الزم تنتحر "
( يلتفون حوله وهم يصرخون فيه ..تتوقف الصورة على منظرهم وهم ملتفون حوله ممسكون به وهو
يصرخ في ذعر ..تظل هكذا للحظات قليلة ..موسيقى البداية )
إظالم
5
فاكهة الخريف
الفصل األول ( الوصول )
( صمت تام ..تُضاء بقعة ضوء في المستوى األسفل في مقدمة المسرح ..يظهر في هذه البقعة
مجموعة من الرجال وجوههم مشحمة يرتدون الجينز والكاسكيت مقلوبة إلى الخلف ،ويكونون كتلة
بشرية تتحدث في مرح مصدرين ضوضاء غير مفهومة ..يتقدم رجل منهم ناحية الجمهور وينظر له
مباشرة ممسكا ً بلوحة الكالكيت السينمائية ،بمجرد تقدمه يُضاء المستوى األعلى في العمق بإضاءة
خافتة )
رجل الكالكيت " :الفصل األول ..الوصول "
( يغلق لوحة الكالكيت ..بمجرد طرقعة غلق اللوحة تظلم البقعة األمامية ..تزداد إضاءة المستوى
األعلى وضوحا ً وكابوسية وتتضح معالم المكان ..يوجد في مواجهة الجمهور ساعة حائط تدق في
رتابة ،يافطة كُتب عليها " بيت الحظ " ،في الخلفية تتراص أصص تتدلى منها نباتات ميتة ،ويوجد
تمثال على الطراز الروماني يمثل إنسانا ً في منتهى السعادة ..يتراص على أرضية المسرح ستة مقاعد
أطفال من نوعية المقعد الهزاز ..يجلس عليهم بالترتيب من اليمين إلى اليسار :امرأة ، 1امرأة ، 2
المقعد خالي ،رجل ، 1رجل ، 2امرأة .. 3امرأة 1في الخمسين من عمرها ترتدي مالبسا ً ملونة
وتضع كثيرا ً من المصاغ ،امرأة 2في الثالثين من العمر ترتدي مالبسا ً رخيصة ولكنها ضيقة تظهر
أنوثتها وبيدها مرآة تعدل فيها خصلة شعرها الخارجة من حجابها طوال الوقت ،رجل 1هو شاب في
العشرينات من العمر يرتدي مالبسا ً عصرية ويضع سماعات أذن ،رجل 2هو شيخ في أرذل العمر
أصلع الرأس يرتدي جلبابا ً ويضع نظارة طبية ،امرأة 3هي فتاة في عُمر المراهقة من ترتدي فستانا ً
أبيض وتعبث كثيرا ً في هاتفها المحمول ..تدخل فتاة ترتدي مالبسا ً بهلوانية وتمر عليهم ببطء حاملة
صينية عليها زجاجات األطفال لشرب الحليب ( الببرونة ) ،تمر على كل واحد من الجالسين فيتناول
زجاجة حتى تنتهي من توزيع الزجاجات عليهم جميعا ً فتتجه لمكان دخولها وتنحني بحركة إستعراضية
كنوع من التحية ،فيرفع كل منهم زجاجته ردا ً لتحيتها فتخرج ،يشربون جميعا ً في نفس اللحظة من
الحليب في صمت ،يتدحرج أمامهم على المسرح من الخارج رجل 3ويستقر راقدا ً على األرض أمامهم
في وضع الجنين للحظات ،وهو رجل في األربعين من العمر يرتدي حلة سوداء ،بمجرد ظهوره
6
يختفي صوت دقات الساعة ،وتتوقف عقاربها عن الدوران ،يدوي صوت ألعاب النوم التي توضع
فوق مهد األطفال في نعومة ورقة )
رجل " : 2أخيرا ً ..آخر ضيف "
امرأة ( 2في سخرية ) " :اتأخرت كتير قوي ،ماكنت تيجي بكرة احسن "
امرأة " : 3نو بروبليم ..ويلكم "
رجل ( 1مبتسما ً ) " :من يصل أخيرا ً يكون عادة أهم فرد في المجموعة "
امرأة " : 1ربنا يجعل قدمه قدم الخير "
( ينهض رجل 3ويعدل من هندامه ،يلتفت حوله ليبحث عن مكان لجلوسه ،فيشيرون جميعا ً في
صمت إلى المقعد الخالي ،يضحك مداعبا ً )
رجل " : 3بايني اتأخرت كتير "
رجل " : 2ايوا بس مش مشكلة ،الجماعة هنا كانوا قايمين بواجب الضيافة "
رجل " : 3وانا ماحدش هيضايفني ! "
امرأة " : 2جاي متأخر وعايز تتضايف ! دة كويس قوي إنك دخلت "
امرأة " : 1معلش بقى ماحصلش حاجة ،عشان يبقى زيه زينا "
رجل " : 1مافيش حد زي التاني "
امرأة ( 3تحاول اصطناع لهجة شامية ) " :طبعا ً ..مش معنى إن كلنا هون إن كلنا زي بعض ،فيه
فروق أكيد "
رجل ( 1متغزالً ) " :هو احنا اتقابلنا قبل كدة يا قمر ؟ "
امرأة ( 3على حالها من إصطناع اللهجة الشامية في ميوعة ) " :إيه دة ! انت جاي هون عشان
تتغزل ! "
رجل ( 1يقفز من على المرتبة في رشاقة ويتجه إليها ) " :الغزل مالوش زمان وال مكان ،ومش كل
يوم الواحد بيقابل أجمل بنت ف الدنيا "
( يجذبها إليه ويلفها حول نفسها بحركة راقصة ،تضحك في دالل ،يتنهد رجل ) 2
رجل " : 2هيييه ..ليت الشباب يعود يوما ً "
رجل " : 1ماتزعلش نفسك انت يا جدو ،انت ممكن تلعبلها حواجبك ،وتأدي الغرض برده "
رجل " : 2شباب عاوز الحرق "
رجل " : 1طب يا جماعة مانتعرف كلنا على بعض طالما كدة كدة احنا قاعدين هنا شوية "
امرأة " : 2ما تقعد كدة وتهدى يا حبيبي ياللي عايز تتعرف انت "
7
رجل ( 3مبتسما ً ) " :ماظنش كل الناس هنا حابة تتكلم زيك يا أخ "
( عند نهاية كالمه تدخل الفتاة ذات الزي البهلواني حاملة صينية ،تعود عقارب الساعة للدوران وللدق
الرتيب ،على الصينية زجاجة حليب واحدة ،تتجه به إلى رجل 3فيتناولها ،تنصرف محيية إياه
بنفس الطريقة فيرد لها التحية برفع الزجاجة ،يقتربون جميعا ً متطلعين إلى ما داخل زجاجة رجل ، 3
فيشير إليهم مرتبكا ً أن يتفضلوها لو أرادوا ،ينتقل إرتباكه إليهم فيعود كل منهم إلى مجلسه ،نستمع
إلى أصوات تنهداتهم مع صوت رشفه للمشروب الذين ينهون دقات الساعة ودوران عقاربها )
رجل " : 3انتوا قاعدين بقالكم كتير ؟ "
امرأة " : 1انت ماتحسش بالوقت هنا "
رجل " : 3طب مفروض إيه يحصل دلوقتي بعد ما كملنا ؟ "
امرأة " : 2انت إيه اللي اتقالك بالظبط ؟ "
رجل " : 3متهيألي نفس اللي اتقال لكل واحد فيكم "
امرأة " : 2يبقى يا عينيا انت عارف إن ماحدش مننا عارف عارف حاجة ،كلنا على عمانا زيك "
امرأة " : 1معلش ،الراجل بيسأل ،مفهاش حاجة "
امرأة " : 2يسأل ماشي ،بس يسأل أسئلة كويسة ،مش أي هري وخالص "
رجل " : 3خالص أنا غلطان إني سألت ،خلينا قاعدين زي ماحنا "
إمرأة " : 1انتوا هتعملوا عركة وال إيه ! طب بصوا أنا جايبة معايا إيه ( تخرج من حقيبتها بعض
البسكويت ) شوية بسكوت إنما إيه ،يستاهل بؤكم ،يال كلوا كلكم كدة واتصالحوا ( يوزعون البسكويت
عليهم ) خدوا يا جماعة ماتنكسفوش "
رجل " : 2طب ماالقيش معاكي شوية شوكالتة ؟ "
امرأة ( 1تضحك في ثقة ) " :أنا مانزلش من بيتي من غيرها "
رجل " : 1بجد ! أنا عايز شوكالتة أنا كمان "
إمرأة ( 1تخرج الشوكوالتة وتوزعها ) " :من عينيا ،كله هياخد "
امرأة " : 3ال أنا مش هينفع تشوكلت عشان الدايت "
امرأة " : 2دايت ! حكم "
رجل " : 3يا جماعة ..هو مفروض أودي البزازة فين ؟ أصل خلصت شرب وزهقان من مسكتي ليها
كدة "
امرأة " : 2ومين سمعك ؟ أنا شوية وهرميها ف أي حتة "
امرأة " : 1احنا كلنا خلصنا شرب يعني ؟ سهلة ،ألم البزازات ،سيبوها عليا "
8
رجل " : 1أنا خلصت "
امرأة " : 3وانا كمان "
رجل " : 2أنا لسة ..ثانية واحدة "
( يرتشف رشفة أخيرة من الحليب ،بمجرد إنتهائه من الشرب تدوي دقة بيانو غليظة كجرس إنذار
يستمر صداه قليالً ،يدخل لهم الباشمهندس ..الباشمهندس هو رجل أنيق في منتصف العمر ،يرتدي
حلة رسمية سوداء ،حليق الوجه والشعر من على الجانبين ،ضخم الجثة مربع الوجه غليظ الصوت ،
يتقدم ليقف بين الستة ا لذين يتطلعون إليه في لهفة وكل منهم يشير إلى زجاجته الفارغة ،يشير بيده
فتدخل الفتاة البهلوانة وبيدها دورق ،تلف به في حركات إستعراضية وهي تصب الحليب لكل منهم في
فنجانه ،تحييهم ثم تحييه في إحترام وتخرج دون أن ينظر لها الباشمهندس )
الباشمهندس ( موجها ً كالمه للستة ) " :مبسوطين ؟ "
الستة " :أكيد ..أيوة ..طبعا ً "
الباشمهندس ( في لهجة قوية ) " :أيها السادة ..أنا الباشمهندس "
الستة " :أهندزة ..صباح العسل ..حبيبي "
( يشير إليهم الباشمهندس بالتوقف على الصريخ في تواضع )
الباشمهندس " :اتعرفتم على بعض ؟ "
رجل " : 1قلتلهم بس مارضيوش ،ناس تحسهم " ..
الباشمهندس ( مقاطعا ً ) " :عملتوا كويس "
رجل " : 3هو مفروض إيه هيحصل دلوقتي يا باشمهندس ؟ وقدامنا قد إيه هنا ؟ أصل مستعجل يعني "
الباشمهندس " :انتوا كلكم جايين عشان التفاحة "
الستة " :بالظبط "
الباشمهندس " :طب أوالً ..التفاحة هتبقى لواحد فيكم بس "
رجل " : 1نعم ! "
رجل " : 2يعني إيه ؟ "
امرأة " : 3مش فاهمة "
امرأة " : 1يعني ممكن أمشي ف اآلخر من غير التفاحة ؟ "
امرأة " : 2ال دة اسمه استعباط "
رجل " : 3ماعنديش أي مشكلة "
9
الباشمهندس " :تم ام ..يعني كلكم حابين تمشوا ألن النظام مش عاجبكم ،مفيش مانع ،التفاحة
هتكون ( يشير إلى رجل ) 3من نصيبك "
رجل " : 3تحياتي يا باشمهندس "
امرأة " : 2ال استنى احنا ماقلناش كدة "
امرأة " : 1أيوا احنا كنا بنستفسر يعني "
امرأة " : 3أنا بدي آخد التفاحة زي أي واحد هنا "
رجل " : 1أنا موجود "
( يتقدم الباشمهندس ناحية رجل ، 2الذي وضع رأسه في األرض )
الباشمهندس " :وانت ؟ ( يرفع رجل 2عينه إليه في صمت ،فيهز الباشمهندس رأسه مبتسما ً ) طيب
..حيث كدة ،هنستنى شوية ،قبل ما نقرر مين فيكم يستحق التفاحة "
رجل ( 3يهز رأسه في تفهم شديد ) " :حقهم طبعا ً "
الباشمهندس " :الموضوع بسيط ..اللي هيسمع الكالم ،هياخد التفاحة ( يهمهمون بالموافقة ) أول
حاجة ،ممنوع التعارف "
رجل " : 1ليه بس ؟ "
امرأة ( 2تتطلع لمن حولها في حسرة ) " :يعني هنقعد كدة من غير ماناخد وندي مع بعض ! "
رجل " : 3وهو مفروض إحنا قاعدين ولسة فيه إختبارات وكدة ؟ "
الباشمهندس " :تاني حاجة ..ممنوع األسئلة ( يكتسي صوته بصرامة شديدة ) وممنوع المقاطعة
( يعود صوته لهدوئه ) تالت حاجة هتلبسوا الهدوم بتاعتنا ،هدوم بيت الحظ اللي تليق بناس تستاهل
تنافس ع التفاحة "
( أثناء كالمه تدخل الفتاة توزع عليهم جميعا ً ثوبا ً أخضر اللون وباروكة بنية لكل واحد منهم )
امرأة ( 2تمصمص بشفتيها ) " :هي بقت منافسة ! "
الخمسة اآلخرون ( المرأة " : ) 2شششش "
الباشمهندس ( للمرأة ) " :عندك مانع ؟ "
امرأة ( 2تضع الثوب فوق ثيابها والباروكة فوق رأسها ) " :خالص "
الباشمهندس " :حد تاني مش عاجبه الكالم ؟ ( يرتدون جميعا ً الثياب والباروكات في سرعة ) شوية
وهبلغكم بالتعليمات الجديدة "
( يخرج في هدوء ،تعلو دقات الساعة في رتابة ،يتطلع الستة إلى بعضهم البعض في توتر وتساؤل ،
يبدأ رجل 1في الدق بحذائه في ضجر بنفس إيقاع دقات الساعة ،يدخل معه الخمسة اآلخرون واحداً
10
فواحدا ً ،تبدأ دقات أرجلهم في التنوع رويدا ً رويدا ً حتى تعزف إيقاعا ً جديدا ً راقصا ً ،يتحمسون شيئا ً
فشيئا ً ويظهر هذا في إيقاع دقات أحذيتهم ،يتناوبون العزف المنفرد ..يبدأ رجل 1بالعزف منفردا ً
إيقاعا ً متمردا ً منطلقا ً ،تعزف امرأة 1إيقاعا ً حنونا ً دافئا ً ،يعزف رجل 2إيقاعا ً يوحي بالشجن ،تعزف
امرأة 2إيقاعا ً غاضبا ً ،يعزف رجل 3مجموعة إيقاعات منوعة بال معنى ،تعزف فتاة 3إيقاعا ً
متكاسالً ،ينهون جميعا ً الرقص بدقة حذاء واحدة ،يُظلم عندها هذا المستوى بالكامل ،في نفس الوقت
الذي تُضاء فيه بقعة في المستوى األسفل في المقدمة ،يجري مجموعة من الناس ليقفوا تحت الضوء
،بمجرد وقوفهم تحتها تُضاء بقعة أخرى فيجرون ليقفوا تحتها وبمجرد وقوفهم تحتها تُضاء بقعة
أخرى وهكذا عدة مرات ..ح تى يقفوا في بقعة بعينها فيدوي صوت موسيقى سيرك مبهجة و تدخل
عليهم فتاة رقيقة محبوسة داخل قفص زجاجي شفاف عليه رسوم وردية مبهجة برغم ذلك ،يسير ذلك
القفص على عجالت ويدفعه إثنان من الرجال المرتدين الجينز والكاسكيت المقلوب إلى بقعة الضوء ،
يبدو على الفتاة الحيرة الشديدة ،حولها يدور المجموعة من الناس وكأنهم يشاهدون حيوانا ً لطيفا ً في
حديقة الحيوانات ،يظهر بين الناس رجل وإمرأة في منتصف العمر ،يمسك كل منهم بمجموعة من
الورق و ال يكفون عن إمالئها األوامر كل من الورق الذي في يده )
الرجل " :خليكي رقيقة يا بنتي "
( تقوم لمدة دقيقة بعمل حركات تعبيرية للرقة ،يصفق المشاهدون في إعجاب )
المرأة " :ست البيت "
( تقوم الفتاة لمدة دقيقة بعمل حركات تعبيرية عن الكنس والطبخ والحمل والرضاعة بين تصفيق
المشاهدين وآهات إعجابهم )
الرجل " :الشياكة "
( تقوم بعمل أداء تعبيري للمشي والكالم بأناقة مع إستمرار تصفيق المشاهدين )
المرأة " :خليكي ناصحة يا بنتي "
( تقوم بعمل أداء تعبيري عن النميمة )
الرجل " :الحشمة "
( تخرج قطعة قماش وتربطها حول شعرها ،وال تغير شيئا ً في ثوبها القصير )
الرجل والمرأة " :كويس كدة ؟ "
شاب من الجمهور " :والجسم ؟ "
( تأتي الفتاة بقطعتي قطن كبيرتين وتحشرهما داخل بلوزتها ليبدو كأن لها صدرين كبيرين )
فتاة من الجمهور " :الثقافة "
11
( أداء تعبيري عن القراءة واحتساء القهوة )
إمرأة في منتصف العمر " :األدب "
( أداء تعبيري عن الخجل واإلنكسار )
فتاة أخرى " :الروشنة "
( أداء تعبيري عن تصوير السيلفي ورقص المهرجانات ..فجأة يطير الورق من يدي الرجل والمرأة
فيحاوالن لملم ته في ارتباك مذعور ومعهم باقي المجموعة ،تخرج الفتاة من القفص كأنها روبوت
معطل وتخرج وهي تقوم بمزيج من الحركات التي كانت تؤمر بها بال نظام ..يظهر مجموعة من
الرجال المشحمين الوجه المرتدين الجينز و الكاسكيت المقلوب ،يخرج بعضهم القفص ويأتي بعضهم
بسبورة مرسوم عليها قطعة من البطاطس وثالثة مقاعد وطاولة درس صغيرة ثم يغادرون ،يدخل
ثالثة من البالغين مرتدين زي تالميذ المدرسة وكل منهم يمسك ورق في يده ،ويجلسون على الثالثة
مقاعد ويبدأون في الشجار ..يظهر طفل يرتدي ِزي المُدرّ س ،يصفق بيده في صرامة فيتوقف التالميذ
عن الشجار )
المدرس " :حصتنا النهاردة عن البطاطس "
( ينظر كل تلميذ في الورق الذي أمامه ويشير إليه )
تلميذ " : 1الفارم ؟ "
تلميذ " : 2البوريه ؟ "
تلميذ " : 3المسلوقة ؟ "
المدرس " :كل دي بطاطس ،وفيه أكتر من دول كمان كتير ،حكمة النهاردة هي خليكم بطاطس يا
والد "
التالمذة الثالثة " :إزاي يا مستر ؟ "
المدرس " :مفيش حد بيكره البطاطس ،ومفيش يوم من األيام حد اتحوج لوجبة إال ولقى معاه
البطاطس ،البطاطس ف بطن الكل ،الناس اختلفت ف اللون والطول والوزن والدين والجنس والعرق
واتفقت ع البطاطس ،البطاطس مافرقتش بينهم زي مافرقوا هم بين نفسهم ،ممكن تكون غني فتاكل
بطاطس ف وجبة كومبو ف أكبر مطعم ف البلد ،ممكن تاكلها مع بيتزا أو مع وجبة متكاملة زي رز
وخضا ر ولحمة ،ساعات الوجبة نفسها تبقى هي البطاطس ،ولو فقير تقدر تاكل البطاطس ف
سندوتش أو مع الفول والطعمية ،ممكن تاكل أي سندوتش لحوم وتهرس عليه شوية بطاطس ،ممكن
ماما تعملهالك ف البيت وتطلعلك من الفرن صينية بطاطس مع أحلى ريحة ممكن تشمها ،البطاطس
12
تاكلها بإيد ك أو ف سندوتش أو بشوكة أو بمعلقة ،لو يومك مشغول وعايز حاجة تسد جوعك بسرعة
مش هتالقي غير البطاطس ،مفيش حد بيكره البطاطس ،خليكم بطاطس ..فهمتهم ؟ "
التالمذة الثالثة " :فهمنا يا مستر "
تلميذ " : 1البطاطس حلوة "
تلميذ " : 2ولذيذة "
تلميذ " : 3وخفيفة "
( يعاود كل منهم التطلع إلى الورق )
تلميذ " : 1خصوصا ً بالكاتشب والمايونيز "
تلميذ " : 2ال مع الخضار بتبقى أحلى "
تلميذ " : 3لما بتتهرس يا جماعة بتبقى مالهاش حل "
تلميذ " : 1بالكاتشب "
تلميذ " : 2الخضار "
تلميذ " : 3المهروسة "
( يبدأون في الشجار )
المدرس " :يا والد ماتتخانقوش ..خليكوا بطاطس ..خليكوا بطاطس "
( يأخذ المدرس لوحة البطاطس وينهال بها ضربا ً على التالميذ ..صوت جرس المدرسة ..بمجرد
سماعه يجري األطفال والمدرس ومعهم أوراقهم ولوحة البطاطس ..يدخل الرجل ذو لوحة الكالكيت
ويقف في مواجهة الجمهور )
رجل الكالكيت " :الفصل الثاني ..التمني "
( يضرب لوحة الكالكيت )
13
الفصل الثاني ( التمني )
( يدوي صوت بوق سيارة الشرطة ..يصاب رجل الكالكيت بالذعر ويشير إلثنين من رجال الجينز
والكاسكيت المقلوب الذين ظهروا من الظالم ليحولوا المكان لمكتب تحقيق وعلى جانبيه مقعدين ،على
المكتب دفتر وقلم ومكتب وأباجورة وعلبة سجائر ،يظهر محقق يرتدي قميصا ً وربطة عنق وحماالت
كتف يضع فيها مسدسه ،على شورت زاهي األلوان ،بمجرد ظهوره يجري الرجال خوفا ً ،يجلس
الرجل خلف المكتب ،تظهر امرأة في األربعينات من عمرها ترتدي مالبسا ً طفولية ولها ضفيرتين
متدليتين على جانبي رأسها ،وبيدها مصاصة مستديرة كبيرة ملونة وتجلس أمام المكتب )
المحقق " :هنفتح التحقيق "
المرأة " :طب أخلص المصاصة األول "
المحقق " :هنفتح التحقيق "
المرأة " :طب تاخد لحسة ؟ "
المحقق " :هنفتح التحقيق "
المرأة " :وليه نفتح التحقيق لما تكون انت اللي عايز تفتح التحقيق ؟ ليه ما نفتحوش لما اكون أنا
اللي عايزة أفتح التحقيق ؟ "
المحقق " :خالص مش هنفتح التحقيق "
المرأة " :ال ،نفتح التحقيق "
المحقق " :طب نفتح التحقيق ( يشعل سيجارة ) ..س :إسمك ؟ "
المرأة " :عايز تعرف إسمي ليه ؟ احنا عالقتنا ببعض تحقيق وبس ،قولي يا مدام ،قولي يا أم طوفي
..اللي انت شايفه "
المحقق " :س :سنك ؟ "
المرأة " :مممم ..مش فاكرة ..أنا مخلفة طوفي وانا ف تانية إعدادي "
المحقق " :س :ليه ضربتي إبنك طوفي بالقلم ؟ "
ا لمرأة " :ألنه ولد قليل األدب مابيسمعش الكالم ،تخيل ما بقاش يخليني أحميه زي زمان ،وبيخش
يعمل بيبي من غير إذن ،تخيل الكبيرة بقى ..بيفضل صاحي بعد مانام "
المحقق " :ياااه ! "
المرأة " :وحياتك زي ما بقولك "
14
المحقق " :س :وإيه المشكلة ؟ إبنك طوفي بلغ من عشر سنين يا مدام "
المرأة " :حاسة إني مش مهمة ف حياته ،أنا ماسواش أي حاجة هو مش مديهالي ،يعني أنا لو مش
أم تبقى لزمتي إيه ف الدنيا ؟ عشان كدة ( يتحشرج صوتها وتمسك صدرها ) ..قلبي ..قلبي "
المحقق " :كملي إجابتك "
المرأة " :قلبي ..قلبي "
المحقق " :كدة هضطر ألجأ للتعذيب "
المرأة " :تعذب واحدة قد أمك يابن الكلب ! "
المحقق " :انتي اللي اضطرتيني لكدة ( يخرج مسدسا ً ملونا ً من جرابه ،يصوبه ناحيتها فيطلق خيطا ً
من الماء نحو وجهها فتشهق في ذعر ) هااا اعترفي "
المرأة " :هعترف ..هعترف ..بس كفاية أرجوك ( يتوقف المحقق عن رشها بالماء ،تبكي المرأة
بشكل هستيري ) انت زيك زي طوفي ،انت كمان مش مهتم تسمعني ،كلكم عايزيني أقول اللي بتحبوا
تسمعوه وبس ،إنما مش مهم أنا عايزة إيه ( تدفن وجهها في كفها ) مش مهم "
المحقق " :طب وانتي عايزة إيه ؟ "
المرأة " :مالكش دعوة ،مش هقولك "
المحقق ( يقترب منها مواسيا ً ) " :طب خالص أنا آسف ،مش قصدي " ..
( تختطف منه المرأة مسدسه ،تصوبه إليه ضاحكة في إنتصار )
المرأة " :أنا أذكى منك ..أذكى منك وال مش أذكى ؟ "
المحقق " :أذكى "
المرأة " :انت بتقول كدة عشان أنا ماسكة المسدس ،مش عشان انت مقتنع بكدة "
المحقق " :ال بجد انتي أذكى "
المرأة " :يعني أنا مش غبية "
المحقق " :ال انتي ذكية "
المرأة " :بتاخدني على قد عقلي ! طب خد فس "
( تصوب إليه المسدس )
المحقق " :الء ..فس الء "
( يرفع يده كأنه يحاول حماية نفسه ،ت رشه المرأة بالماء ،يصرخ المحقق فتضحك المرأة في إنتشاء )
15
المرأة " :ودلوقتي تعالى مكاني ،أنا اللي هحقق معاك ( يتبادلون األماكن ،تتخذ مكانها خلف المكتب
،تترك مسدس الماء على المكتب دون أن يفكر المحقق -الذي جلس منكسرا ً أمام المكتب -في إلتقاطه
،تخرج من صدر ثوبها مجموعة من الورق المطوي وتسأل منه ) ..أول سؤال "
المحقق " :إسمها سين "
المرأة " :اسكت خالص ،أول سؤال ..انت إزاي ماحاولتش تعاكسني ؟ "
المحقق " :إيه ! "
المرأة " :يعني انت ماحاولتش تبينلي خالص إنك معجب بيا ،انت يعني مش شايفني حلوة ؟ تعرف إن
لو راجل قعد مع ست أكتر من خمس دقايق من غير ما يعاكسها يبقى بيهينها ،بيقولها إنها مش حلوة
وإنها مش عاجباه ،يعني انت كدة أهنتني ،مش عيب عليك وانت كيوت كدة ؟ "
المحقق " :أنا كيوت ! أصلي ماكنتش اعرف إني كيوت ،وماكنتش اعرف إنه ينفع يعني ،بس
اوعدك المرة الجاية هبقى " ..
( يشير بيديه إشارة واضحة للتحرش )
المرأة " :غبي ..الء مش دة اللي أقصده "
المحقق " :امال ؟ "
المرأة " :مش عارفة ..بص مش مهم ،احترم نفسك وانت بتكلمني "
المحقق " :حاضر "
المرأة " :رجالة متحرشين ،كل الرجالة زي بعض ،المهم ..السؤال التاني "
المحقق " :إسمها " ..
المرأة ( تقاطعه بنظرة نارية ) " :السؤال التاني ..ليه بتعذب الناس اللي بتحقق معاهم ؟ "
المحقق " :أنا بعذب الناس ! "
المرأة " :ولد ..ما تكدبش "
المحقق " :أنا بعذبهم عشان أعرف الحقيقة "
المرأة ( تنظر إلى المسدس في فضول ) " :يعني التعذيب بيخلي اإلنسان يقول الحقيقة ،نجرب كدة "
( ترشه بالماء فيصرخ من األلم )
المحقق " :هقول ..هقول "
المرأة " :قول "
16
المحقق " :أنا زيي زيك بالظبط ،عايز أحس إني مهم ،ودة مش هيحصل غير لما اللي قدامي يخاف
مني ،أعمل إيه ؟ بيبقوا ب اصينلي كأني أقل منهم ،على طول محسسيني إني أهبل وعبيط وماعرفش
أعمل حاجة لوحدي ،نفسي في ( ..يغلبه البكاء ) نفسي في " ..
المرأة " :أنا عارفة نفسك ف إيه "
المحقق " :بجد ؟ "
المرأة " :بجد "
( ترفع المرأة المصاصة في يدها مجيبة ،يخطفها من يدها وينهال عليها لعقا ً ،تشير إلى علبة سجائره
مستأذنة فيشير لها أنه ال بأس ،تخرج سيجارة وتشعلها في استمتاع ..ينظر كل منهما في الورق
أمامه وتختلط مشاعر االستمتاع بالبكاء في خليط غريب ..يُضاء المستوى األعلى " بيت الحظ "
بالتدريج من الخفوت فأوضح فأوضح ،وكلما تتضح إ ضاءة بيت الحظ كلما تختفت إضاءة مكتب
التحقيق حتى تظلم بقعة مكتب التحقيق تماما ً ..يظهر تغييرات في شكل بيت الحظ ..تتغير وضعية
التمث ال الروماني إلى شكل إنسان ساجد على ركبتيه ورافع يديه بالدعاء ،يظهر األبطال الستة مرتدين
ثياب وباروكات بيت الحظ ،تتغير أماكن جلوسهم فنرى على المسرح ستة مقاعد خشبية بال مساند
للظهر أو للجانبين ،يُسمع بشكل خافت أصوات عصافير وطيور ،نرى في أيديهم زجاجات مياه غازية
بدالً من زجاجات الحليب ،يخرج رجل 2شريط حبوب ويخرج منه حبة ويبتلعها )
امرأة " : 2إيه دة ! بتبلبع برشام يا جدو ! "
رجل " : 1دة بيعمل دماغ ؟ "
رجل " : 2اتحكالي ،بس أول مرة أجربه "
رجل " : 1طب ما تجيبلي حباية "
إمرأة " : 2هاتلي الزفت دة اما اشوف طعمه إيه "
رجل " : 2حد تاني عايز ؟ "
إمرأة " : 1الالال ياخويا ،أنا بخاف من الحاجات دي "
رجل " : 3شوية كدة ،نشوف بس هتعملكم إيه األول "
رجل ( 2يوزع الحبوب فيأخذ منه رجل 1وإمرأة " : ) 2يا جماعة اللي نفسه ف حاجة يقول ،
ماحدش يفتكر إني حايش عنه حاجة ( موجها ً كالمه المرأة ) 1معاكي شوية لبن وال حتى بؤ مية أبلع
بيهم البرشامة ؟ "
امرأة ( 1في إرتباك ) " :ه اه ! ..ال ممعيش ،اعذرني ماعملتش حسابي "
رجل " : 2خير ..احنا ماتقابلناش قبل كدة ؟ "
17
امرأة " : 1هاه ! ال ماظنش ..مش فاكرة ،أنا ياما بقابل ناس "
رجل " : 2ماتقابلناش من شوية ،لما خدتي ال ( ..يقطع كالمه ويشير بأصابعه شكل مسدس فال يبدو
عليها التذكر ،يهز رأسه ) ..وال يهمك ،شكلي كبرت وبخرف "
امرأة ( 1تصيح المرأة 3محاولة الهروب من الكالم ) " :تفتكري مين فينا هياخد التفاحة ؟ "
امرأة " : 3سوري ..نو توك "
( تبدأ الحبوب في التأثير على رجل 2وإمرأة 2ورجل 1فتصدر منهم ضحكات مترنحة كالسكارى ،
يقع على األرض رجالً متدحرجا ً من الخارج ،يرتدي ثوبا ً يشبه الثوب الذي يرتدوه ولكن أزرق اللون ،
يمسك بكيس من الصوف في حرص شديد ،ينظر الستة لبعضهم في ذهول ..تدق الساعة دقاتها
الرتيبة )
الرجل ( يلتفت حوله في لهفة ) " :أنا فين ؟ "
رجل " : 1مين دة ؟ "
امرأة " : 3شو هادا ! إحنا مش مفروض آخرنا ستة ؟ "
الرجل " :ستة ..انتوا اللي جايين عشان التفاحة ؟ "
الستة " :أيوا "
الرجل ( في لهفة ) " :أشرب ..أشرب "
( يتبادلون النظرات في توتر ،ترفع إمرأة 1زجاجتها إليه في تردد )
امرأة " : 1إشرب "
( ينقض على الزجاجة وينهل منها في نهم حتى يرتوي ،يضحك عليه رجل 1ورجل 2في سُكر تام )
رجل ( 2محاوالً تلحين كلماته ) " :انت مين انت ؟ جاي ليه انت ؟"
رجل " : 1إيه الشياكة دي ! مش البسة زينا ليه يا بيضة ؟ "
الرجل " :التفاحة معايا "
الستة " :معاك ! "
امرأة ( 2في رقة مصطنعة ال تنجح في إخفاء ضحكاتها الثملة ) " :يا عينيا ..طب انت شكلك تعبان ،
تعالى اقعد "
امرأة " : 3مسكين حبيبي ،بدك كلينكس ؟ "
رجل " : 3استنوا أما نفهم ..الباشمهندس فين ؟ "
الرجل ( يجري يختبيء خلف أحد الكراسي في ذعر ) " :الباشمهندس ..الباشمهندس "
18
رجل ( 2موجها ً كالمه للرجل ) " :انت طريقتك غريبة يا راجل انت ..دة انت اتبليت أول ماجت
سيرة الباشمهندس ،انت سرقت التفاحة منهم ؟ "
الرجل " :شششش وطي صوتك أحسن ماحد يسمعك "
رجل " : 3طب انت سرقت التفاحة وجاي على هنا ليه ؟ "
الرجل " :عايز أخلص منها بأي طريقة ،عايزها تخرج من هنا ،التفاحة مكانها برة ،الزم تخرج من
بين الجدران ،وتشوف النور وتختلط بالهوا والمية ،الزم التفاحة تبقى جزء من الطبيعة ،مش
مفروض نتعب عليها ونجري وراها وندور هنا وهنا لحد ما نالقيها ( يبتلع ريقه في صعوبة ،يتبادل
الستة النظرات ) عشان كدة الزم أسيبهالكم ،ولكن بشرط "
( يعلو صوت عواء ذئب ،ثم يستمر خافتا ً ..تعطي كل امرأة من الثالثة وشاح قماشي لرجل من الثالثة )
رجل " : 3وهتسيبها لمين فينا ؟ "
الرجل " :هتتشاركوا فيها ،كلكم هيبقى معاكم التفاحة ،دة شرطي "
امرأة " : 1ليه الء ؟ "
امرأة " : 3ماعندي مشكلة "
امرأة " : 2يال اهو أي حاجة "
الرجل " :وكمان مش هتقفلوا عليها ،التفاحة هتبقى متاحة للكل ،دة شرطي كمان ،و " ..
رجل " : 3طب هاتها بس األول "
( يبدأ الرجل في إخراج التفاحة من الكيس الصوفي ،يلتف الرجال الثالثة حوله ببطء دون إتفاق مسبق
،يقومون بشل حركته وخنقه حتى الموت مستخدمين الوشاحات القماشية ،يقفز الكيس من يده
فيستقر على األرض أمام امرأة .. 3تقف دقات الساعة )
امرأة " : 3التفاحة اختارتني ( يقف الجميع أمامها مبهوتين ،تضحك ضحكة مجلجلة ) طبيعي ،دايما ً
التفاحة بتختا ر اللي يستحقها ،طبيعي تختارني أنا ،أنا يا مغفلين ،يا أغبيا يا لمامة يا مقرفين ،يا
وهمانين ياللي فاكرين الحظ هيقف معاكم لمجرد إنكم بتحاولوا ،مش عارفين إن الحظ له ناسه ،
ملهاش عالقة بالتعب والعرق ،احنا هنا ف بيت الحظ ،وأنا بنت الحظ "
( تضحك وتخرج من حيث تدحرج الرجال من قبل ،يدخل من حيث خرجت بالضبط الباشمهندس )
الباشمهندس ( في أسى ) " :مسكينة ..غرورها مصورها إنها تقدر تاخد أي حاجة ( يتنهد ) يال ..
خليها عايشة ف وهم إنها خدت التفاحة ..مسكينة "
امرأة " : 2بتقول ..وهم إنها خدت التفاحة ! "
19
الباشمه ندس " :أيوا ،هي خدت تفاحة صيني ..مسكينة ( ينظر إلى الرجل المقتول ) مسكين ،مفكر
نفسه يقدر يسرق التفاحة ،كأن التفاحة مالهاش إرادة خاصة بيها ،آدي آخرة كل اللي يحاول يلعب في
النظام ،يا عيني عليك ..مش أول واحد ،ومش هتبقى آخر واحد "
رجل ( 3في حيرة شديدة ) " :طب إيه ؟ "
الباشمهندس ( متخلصا ً من حزنه فجأة بلهجة مرحة ) " :إيه ! احنا مكملين مع بعض عادي ،بس
الظروف دلوقتي ف صالحكم أكتر ،واحدة مشيت وبقيتوا خمسة بدل ستة ،خبر يفرح مش كدة ؟ "
الخمسة " :آه آه خبر يفرح "
الباشمهندس " :يبقى تستنوا زي ماكنتم ..التعليمات الجديدة ،تاكلوا كتير ،اللي هياكل أكتر هتزيد
فرصة حصوله على التفاحة "
رجل " : 2ناكل إيه طيب ؟ "
رجل " : 1يعني انتوا هتجيبولنا أكل ؟ "
الباشمهندس " :ممنوع األسئلة ..ماتنسوش إن التفاحة بينكم ..كلوا كتير "
( يغادر الباشمهندس ،تدق عقارب الساعة ..تضاء بقعة في مقدمة المسرح في المستوى السفلي على
منظر لمكتب ،بينما تخفت إضاءة منطقة بيت الحظ بالتدريج ..على المكتب أباجورة ومجلدات علمية
وأوراق متناثرة وأقالم ،خلف المكتب يجلس فتى في أوائل العشرينات من عمره مرتديا ً فانلة داخلية
بيضاء وبنطلون كستور ونظارة طبية ،يمسك الفتى في يده كتابا ً )
الفتى " :نظرية التطور ..اإلنتخاب الطبيعي ..نظرية في غاية التعقيد ،ملخصها ببساطة وبلغة
الشعب إن البقاء لألصلح ،يعني الطبيعة بكامل إرادتها بتختار من أبنائها اللي يكمل ،حسب اللي يقدر
منهم يتكيف مع ظروفها ،والباقي بتفنيه ،والكون بيستمر .أنا فاكر لحظاتي األولى ف الكون كويس جداً
،مش قصدي لحظة والدتي ،قصدي قبلها بتسع شهور ،مافيش كتير زيي أنا عارف ،الحظت دة ،لكني
فعالً فاكر اللحظة األولى ..ليلة خميس ،رب أسرة مكافح مثابر ،شريف محترم شغال شغالنة حكومي ،
زوجة مخلصة ست بيت جدعة بمية راجل ،بيلتحموا اإللتحام األزلي المقدس ،بتنطلق سهام عارفة
طريقها كويس -ساهم ف إنطالقتها أكلة السمك اللي كلوها ع العشا ليلتها 250 ، -مليون سهم منوي
إنطلقوا ف رحلة البحث عن الهدف الكامن في رحم األنثى ،انطلقوا ف رحلة البحث عن الحياة ،حياتي ..
الغريب إنهم عارفين إن واحد منهم بس هيصيب الهدف وع الرغم من كدة مكملين ،مكملين ف وسط
مواصالت وزحمة وحر وعرق ..صراع ..وكنت أنا نتيجة الصراع ،وسبب الصراع ،وطرفي الصراع
كمان ..أنا السهم األوحد المنتصر على 250مليون من اخواته -أيا ً كانت الطرق شريفة وال الء بس
المهم اإلنجاز -وأنا الهدف الغالي الثمين اللي دار حواليه الصراع ،لما خرجت أخيرا ً من بطن أمي لقيت
20
نفسي ال نسيت الشعور دة وال الشعور دة ،دايما ً عندي الطاقة للسعي واإلنجاز والتميز ،وف نفس
الوقت شايف إن كل حاجة ف الكون بتحصل عشاني ،الشمس بتطلع ف النهار وتخلي الجو دفا عشان
انزل الكلية ،وتغيب بليل عشان أنام أو أسهر أمارس مكالمة مع زميلتي ف الدرس محورها الظاهري
الزمالة ومحورها الباطني الشهوة ،النبات بيرمي جذوره ف التربة وبيعمل عملية البناء الضوئي عشان
آكل ثمار المانجة والبرتقال وانا بتفرج ع المسلسل األجنبي ،الكون كله خادم مستورد من الحبشة مسخر
لتلبية أحالمي ،بس الناس ..مش عارف ..الناس دايما ً بتحاول تمشيني ف مسار تاني ،مسار غير
المسار الطبيعي ،أنا بشوف الناس زي ماهي ،حيوانات منوية وبويضات ،ولكن ف نهاية المسار اللي
بياخدوه ف حي اتهم مفيش أي بويضات ،وبيقنعوني إن هو دة المسار ،اللف ف دواير ..قواعد اللي
حواليك بتتفرض عليك لمجرد إنك اتوجدت وسطهم ،وبسرعة قبل ما تلحق تاخد فرصتك للتعرف على
المكان واستكشافه ،عن طريق ضغط طويل مؤلم بتتزرع قواعدهم جوة دماغك وتمد جذورها لباقي
جسمك ،وتب دأ تنسى ذكرياتك األولى واحدة واحدة ،وماتبقاش شايف ال وراك وال قدامك ،ماتبقاش
شايف غير المكان اللي انت واقف فيه ،وتتحرك بقوة الدفع بدون أي إرادة مستقلة ( ينظر الفتى إلى
الكتاب ثم يلقيه بإهمال ) هو ليه الزم نعمل أي حاجة ؟ ..وليه مش أنا اللي ألزم نفسى ع اللي انا عايزه ؟
..أنا كل ماخد وقفة ،فجأة ،وانا ف وسط الجري الكتير ،بالقي نفسي بسأل :هو أنا بعمل إيه وليه
ولمين ؟ ع األقل ف البداية خالص كان فيه بويضة في نهاية النفق ،اإلحتماالت كان ضعيفة ولكن
موجودة ،إنما دلوقتي أنا فعالً شايف إن مفيش حاجة ف النهاية ..طب إحنا بندور حوالين إيه ؟ ..
بحاول أفهم مش عارف ،وبحاول أالقي حد يفهمني مش القي ،ماحدش فاضي يجاوبني ،أنا الوحيد اللي
واقف وكلهم بيجروا ،بيجروا من غير توقف ،ماحدش فيهم فاضي عشان حتى هو نفسه يفهم ،طب
أعمل إيه ؟ مفروض أكمل جري زيهم وخالص ؟ ماعدش نا فع بعد ماوقفت وشفت المنظر على بعضه ،
طب أكمل ف وقفتي ؟ وآخرتها ؟ هقدر مثالً أمشي ف مسار تاني ؟ هقدر أمشي ضد التيار ؟ ضد كل
الزحمة واألفواج اللي بتزقني وتحركني بقوة الدفع دي ،هقدر أخلق مساري الخاص ؟ ( تخطر في ذهنه
فكرة ،يقفز ليقف على المكتب ،يرفع يده كأنه يخطب في جمهور ) بصفتي الحاكم العسكري للمجرة ،
والمالك األوحد لكل النباتات والحيوانات ووحيدات الخاليا ،أعلن قراري ..إلغاء اإلنتخاب الطبيعي -أو
تعديله ،مش عارف يعني -المهم إن البقاء مش لألصلح ،البقاء مش للي بيجروا وخالص ،البقاء مش
للي بيعيشوا اليوم بيومه ،اللي بيجمعوا أكلهم ويخزنوه وياكلوه عشان يخليهم يكملوا جري ،ويختفوا
وقت األزمات في بيات شتوي طويل ،جوة كهوف حجرية ضلمة حابساهم وهم مفكرين إنها موفرالهم
األمان ،اللي حولوا الحب لجنس بيمارسوه من غير مشاعر وال أحاسيس لمجرد إنهم يحافظوا على
ساللة هم مش عارفين ليه بيحافظوا عليها ..البقاء للحياة وليس للبقاء "
21
( ينزل من على المكتب ،ينحني وكأنه يتلقى التحية من جمهور وهمي ،يدخل دائرة الضوء رجل في
منتصف العمر يرتدي مثله بالضبط ،ولديه شارب كث وكرش كبير ،يقترب منه من الخلف ويصفعه
بقوة على قفاه )
الرجل " :خش ذاكر ياال "
الفتى ( منكسرا ً ) " :حاضر يا بابا "
( يتلقى الرجل التحية مكانه من الجمهور الوهمي ..يشير إلى رجال الجينز والكاسكيت المقلوب الذين
يدخلون من الظالم ويسحبوا الفتى خائر القوى كاألسير إلى خارج المسرح ،يتبقى منهم فقط على
المسرح رجل الكالكيت الذي ينظر إلى الجمهور )
رجل الكالكيت " :الفصل الثالث ..الدوامة "
( يغلق لوحة الكالكيت )
22
الفصل الثالث ( الدوامة )
( يضاء المسرح على بيت الحظ بينما تختفت البقعة في مقدمة المسرح بالتدريج حتى تظلم تماما ً ..
تتغير وضعية التمثال الروماني إلى وضعية التائه الحائر ،تتغير أماكن الجلوس إلى ستة أرجوحات ،
يدوي بشكل خافت صوت أمواج بحر ،في وجود الخمس أبطال المتبقيين ،وبينهم الرجل الذي قتلوه ،
يمسكون بأقداح قهوة بدالً من زجاجات مياه غازية )
امرأة " : 1يعني إيه اللي قاله دة ؟ "
امرأة " : 2عايزنا ناكل إيه بالظبط ؟ "
رجل " : 1أنا زهقت ،هو مش بيدي التفاحة للي هو عايزه ويريحنا ليه ؟ "
رجل " : 3مفيش حاجة بتيجي بالساهل "
رجل " : 2خلونا نمشي ورا التعليمات ،هنخسر إيه ؟ هو طلب مننا ناكل ،حد معاه أكل ؟ "
امرأة ( 2مشيرة المرأة " : ) 1دي أكيد معاها أكل "
امرأة " : 1وانا لو معايا أكل هخبيه ليه ؟ "
امرأة " : 2أنا عارفة أشكالكوا ،تبقى مخبية كيس ف الشنطة وتخش أي مكان تملى منه وتملى
وتملى "
امرأة " : 1انتي هبلة يا ست انتي ! "
رجل " : 2بس بقى يا نسوان ،بطلوا صداع ،خالص سواء معاها أكل وال الء ،طالما مش عايزة
تطلعه هي حرة "
امرأة " : 1وحياة عيالي ما معايا أكل "
رجل " : 2مصدقينك يا ست ..تعالوا ندور ف المكان ،يمكن نالقي حاجة تتاكل هنا وال هنا "
رجل " : 1ندور فين بس يا عم انت ! المكان فاضي قدامك اهو "
رجل ( 2مشدوها ً ) " :قدامنا اهو ! المكان فيه أكل يا جماعة "
رجل ( 1في ملل ) " :وريهولي "
( يشير رجل 2في صمت إلى جثة الرجل المقتول ،يبدو عليهم جميعا ً التقزز )
امرأة " : 1الء ..الء "
رجل " : 2عندك إقتراح تاني ؟ "
رجل " : 1أيوا بس دة " ..
23
رجل ( 3مقاطعا ً ) " :أنا موافق "
رجل " : 1موافق ! "
امرأة " : 2وأنا موافقة ،أنا هعمل أي حاجة عشان خاطر التفاحة "
امرأة " : 1وأنا كمان زيكم "
رجل ( 1محاوالً الدفاع على وجهة نظره ) " :إيه القرف دة يا جماعة ! أكيد بتهزروا ،مش ممكن
يوصل حالنا للدرجة دي ،أيوا إحنا محتاجين التفاحة ونعمل أي حاجة عشانها بس إحنا مهما كان بني
آدمين ،يعني ( ..يقطع خطبته وكأنما أرهقه التظاهر ) ماشي يال ناكل "
( بمجرد إنتهاء كلمته تنفتح في الخلفية حجرة شواء بها نار ،ينظرون إلى بعضهم ،يحملون الرجل
ويلقونه في النار ويغلقون باب الحجرة ،تمر ثانية وينفتح باب الحجرة ليتقافز منه شطائر لحم
يلتقطونها ويناولونها لبعض ويبدأون في القضم باستمتاع ،تصدر أصواتا ً حيوانية من كل منهم
ويالحظ في القادم من األحداث أنهم بدأوا يتحولون في إشاراتهم وأدائهم الجسماني و الصوتي بالتدريج
إلى حيوانات )
رجل " : 1مش بطالة خالص "
رجل : 2أحلى من أكل المطاعم "
امرأة " : 1أحلى من األكل اللي انا بعمله "
امرأة ( 2مداعبة ) " :طب مش هنبلع وال إيه ؟ "
( ينفتح باب في التمثال ليظهر من تحته ثالجة مليئة بزجاجات البيرة المثلجة ،يناولونها لبعضهم
البعض وهم يضحكون في مرح )
رجل " : 3خدمة خمس نجوم "
امرأة " : 1بقالي فترة ماضحكتش كدة "
امرأة " : 2ناقص مسلسل الساعة 9وننام "
رجل " : 2سيبكم بقى من الكالم دة ..خدتوا بالكم لما قال إن التفاحة بينكم ؟ "
( يبدو عليهم أنهم تذكروا ذلك فجأة ،عدا رجل 3الذي بدا عليه الضيق وحاول أن يخفيه عنهم برغم
ذلك )
رجل " : 3يا عم سيبنا ناكل وبعدها نتكلم ( موجها ً كالمه للمجموعة ) دة رخم قوي "
امرأة " : 2بتفتكر حاجات غريبة انت يا جدو "
امرأة " : 1ماهو الباشمهندس تحسه بيقول أي كالم "
رجل " : 2يا جماعة ماهو كالمه دة اللي هيوصلنا للتفاحة "
24
رجل " : 1صحيح ..مش عايزين ننسى نفسنا ف األكل ،والباشمهندس بيقول كالم غريب ،بس
بيطلع مهم لما بنعرف معناه "
رجل " : 3وتفتكروا يقصد إيه يا عباقرة لما قال إن التفاحة بينا وانت شايف بنفسك إن المكان فاضي ؟ "
رجل " : 2مش عارف ،بس لو فكرنا سوا أكيد هنفهم هو يقصد إيه "
امرأة " : 1ماشي نفكر "
امرأة " : 2فكروا ،أما نشوف آخرتها "
رجل " : 2الباشمهندس قال باللفظ -حسب مانا فاكر -إن اللي هياكل أكتر هتزيد فرصة حصوله ع
التفاحة ،ماتنسوش إن التفاحة بينكم "
رجل ( 1مفكرا ً في عمق ) " :التفاحة بينا ..التفاحة بينا "
امرأة " : 2كالم مالوش معنى ،يعني إيه التفاحة " ..
رجل ( 2مقاطعا ً ) " :يعني حد مننا معاه التفاحة من األول "
( يقطع كالمه ضربة من رجل 3على مؤخرة عنقه فيسقط مغشيا ً عليه ،يجره رجل 3إلى حجرة
الشواء فيلقيه في النار التي فيها بال تردد -وسط ذهول البقية -تغلق حجرة الشواء وتفتح فتخرج منها
شطيرة لحم تقع في يد رجل 3فيأكل منها في نهم )
رجل " : 1انت عملت إيه ! "
امرأة " : 1انت موتته ! "
رجل " : 3اللي ياكل أكتر ،يالقي التفاحة "
امرأة " : 2ماهو دة اللي كان هيخلينا نالقي التفاحة "
امرأة " : 1هو اللي كان بيفهم كالم الباشمهندس "
رجل " : 3انتوا هبل ،وهو كان اهبل منكم ،التفاحة هتروح لواحد مننا بس ،واحد بس ،وانا
ماعنديش استعداد أضيعها عشان بحب أفكر بصوت عالي مع ناس طمعانة ف نفس اللي انا طمعان فيه
"
رجل " : 1انت نسيت حاجة مهمة "
رجل " : 3نسيت إيه ؟ "
رجل " : 1آ خر كلمة هو قالها ،إن حد مننا معاه التفاحة من األول ،ليه مايكونش هو اللي معاه
التفاحة ( يمتقع وجه رجل ) 3حركة ف منتهى الذكاء يا عبقري "
رجل " : 3مستحيل ..هيبقى معاه التفاحة ويقول على نفسه ! "
امرأة " : 2ليه الء ؟ ممكن يكون بيتوهنا ،بيقول كدة وعارف إننا هنستبعده من حساباتنا "
25
رجل " : 3الال ..مستحيل ..ماكنش حط الفكرة ف دماغنا أصالً ،إحنا كلنا كنا مشغولين باألكل "
( تقطع كالمه الفتاة البهلوانية التي تدخل بحركاتها الراقصة المعتادة ،تتجه إلى رجل 3وتقبله على
خده وتعطيه مسدسا ً وتخرج كما دخلت ،يتأمل رجل 3المسدس مليا ً ثم يصوبه ناحيتهم في صمت ..
تدق الساعة ..يثبتون على وضعهم كأنها صورة فوتوغرافية ..يدوي صوت جرس تليفون بشكل
مزعج ..يختفت تدريجيا ً مع إضاءة بيت الحظ ،بينما يضيء المسرح على بقعة في المستوى السفلي
في المقدمة ..يظهر سرير وثير بجواره كومودينو عليه أباجورة مضيئة وختم ضخم ،بجوار السرير
مقعد وثير تجلس عليه إمرأة في منتصف العمر ترتدي ثياب نوم قصيرة ،وتمدد رجليها على السرير ،
يدخل دائرة الضوء رجل في منتصف العمر ممسكا ً بمجموعة أوراق في يده ،ما أن يراها حتى يتوقف
فجأة ،ال تغير المرأة وضعية جلوسها )
الرجل " :آسف ..شكلي دخلت هنا بالغلط ..مش دة مكتب األستاذ رأفت ؟ "
المرأة " :ال دة مكتبي أنا ..مكتب األستاذ رأفت آخر الطرقة "
الرجل " :آه معلش ..الواحد بييجي يقضي مصالح هنا كل اسبوع تقريبا ً ،وكل مرة الزم يتوه ،
المبنى كبير قوي أصله ( ال تبدي إستجابة على كالمه ) عموما ً آسف ع اإلزعاج ..عن إذنك "
المرأة " :استنى ( يتوقف الرجل في طريقه للخروج ) انت ممكن تقعد شوية ،أنا ماوراييش شغل
( يستدير ويجلس على طرف السرير ) تشرب حاجة ؟ ( يهز رأسه نفيا ً ) كويس ،كنت هتضطرني أقوم
..قولي انت جاي هنا ليه ؟ "
الرجل ( يناولها ورقة مما معه ) " :مفيش ..جاي أختم ورق وماشي على طول ،بيع وشراء "
المرأة " :وانت بايع وال شاري ؟ "
الرجل ( يناولها ورقة أخرى تأكيدا ً على كالمه ) " :شاري وهللا ،عمري ماكنت بايع "
المرأة " :واشتريت إيه يا شاري ؟ "
الرجل " :اشتريت ( يقترب منها ويتأملها وكأنه يتأمل سلعة ) كلبة ..إنما فرسة ..قصدي جامدة ..
طول بعرض ..محتاجة اللي يقدرها ،وانا بقدر النوعية دي من الكالب "
المرأة " :وبتقدرها إزاي بقى ؟ "
الرجل " :باخدها معايا ف كل مكان ،و بحمّيها بنفسي ،بنضفها بإيدي حتة حتة ،والزم وضروري
ألعب معاها لما أروح من الشغل ،ماينفعش أخليها محتاجة حاجة "
المرأة " :يا بختها ( توقف إقترابه بيدها ) عمرك مرة جربت ترجع من الشغل وما تلعبش معاها ؟ "
الرجل ( مفكرا ً ) " :آه حصلت مرة "
المرأة " :وحالتها بقت عاملة إزاي ساعتها ؟ "
26
الرجل " :أبدا ً ..لقيتها قاعدة مكلضمة ،قاعدة ممددة ع السرير ،مستنية حد غيري يلعب معاها "
المرأة ( تتمدد بجسدها على السرير ) " :هي المفروض الكلبة تعمل إيه عشان صاحبها يلعب معاها ؟ "
الرجل " :الكلبة بتاعتي كانت بتهوهو وتهز ديلها ( يقبلها في ظهرها بينما يناولها ورقة أخرى )
فاعرف على طول إنها محتاجة تلعب "
المرأة " :ولو انت عرفت وبرده سيبتها ،تعمل إيه ؟ "
الرجل " :الزم تلعب ،مافيش كلبة تعرف تعيش من غير لعب "
المرأة " :ولو الكلبة مش عايزة تلعب مع حد غير راجلها ؟ طب هو ليه كان بيشتريها من األول ؟
األكل والشرب مش كل حاجة ،أي كلبة تعرف تاكل وتشرب لوحدها لو عايزة "
الرجل ( يلتقط الختم من الكومودينو ويناوله لها في يدها ) " :بتتكلمي كتير قوي "
( يستمر في التقبيل لثوان وهي ثابتة بال حراك كالتمثال ،فجأة تستدير وتعيد إليه أوراقه في قوة )
المرأة " :الكالم مهم في اللعب "
الرجل ( في إرتباك ) " :أنا ..أنا " ..
المرأة ( تستدير عنه ) " :روح لمكتب أستاذ سيد ف الدور اللي تحتينا هيمضيلك ورقتك ،وبعدين
تاخد الورقة وتطلع على مكتب المدير باألسانسير تمضيها من هنا ،وتروح ألوضة أبلة عفت جمب
البوفيه تختمهالك "
الرجل " :استني بس أما أقولك " ..
المرأة ( مقاطعة ) " :عن إذنك ..ورايا شغل "
الرجل " :أنا عملت حاجة غلط ؟ "
المرأة " :امشي "
الرجل " :طب أنا بحبك "
المرأة " :هطلبلك األمن "
الرجل ( ينهض غاضبا ً ) " :الواحد عمر ما مصلحته قضيت ف المبنى دة أبدا ً "
( يخرج من المسرح ،يخرج رجل الكالكيت من تحت السرير ،يدخل من الظالم إثنان من رجال الجينز
والكاسكيت المقلوب ،يشيرون إلى المرأة فتخرج معهم في كبرياء ،يتقدم رجل الكالكيت ناحية
الجمهور )
رجل الكالكيت " :الفصل الرابع ..السقوط "
( يغلق لوحة الكالكيت )
27
الفصل الرابع ( السقوط )
( صوت دقات الساعة ..إظالم تدريجي على مقدمة المسرح بينما يضاء المسرح على بيت الحظ ..
بدون األبطال الستة وأماكن جلوسهم ،في الواجهة الساعة الدقاقة ،وأصص الزراعة ،وتمثال
روماني وقد إتخذ وضعية التائه ،يجلس الباشمهندس والفتاة البهلوانية القرفصاء بجانب بعضهما
البعض )
الفتاة " :يا صفايح الزبدة السايحة ..يا براميل القشطة النايحة "
الباشمهندس " :أحلى من الشرف مافيش "
الفتاة " :الكونياك مشروب البنت المهذبة "
الباشمهندس " :شغلتك على المدفع بررم "
الفتاة " :أنا بحبك يا وحيد "
الباشمهندس " :شرف البنت زي عود الكبريت ،مايولعش إال مرة واحدة "
الفتاة " :إسأل حماتك ..مدوباهم إتنين "
الباشمهندس " :تعالى أما أخبيك ف بؤي "
الفتاة " :نشنت يا فالح "
الباشمهندس " :يا عيني ع الصبر "
الفتاة " :بلد بتاعة شهادات صحيح "
الباشمهندس " :دي مربى يا معلمي "
الفتاة " :شلت يداي "
الباشمهندس " :سر جمال الست كعب جزمتها "
( يضحكان ضحكا ً هستيريا ً متقطعا ً ..تنطفيء اإلضاءة عليهم بالتدريج بينما تحدث ومضات في
المستوى السفلي في المقدمة نرى من خالله الرجال بالجينز والكاسكيت المقلوب مهرولين راحين
غادين بال هدف ..يضاء بيت الحظ مرة أخرى ،يُسمع بشكل خافت موسيقى جنائزية ،وبه رجل 3
يصوب المسدس ناحية باقي األبطال بنفس الصورة التي انتهى عليها المشهد السابق ،تتغير
األرجوحات إلى كراسي متحركة ..وضعية التمثال الروماني متغيرة لرجل يبكي في ندم ..يُالحظ هنا أن
28
تحول رجل 3قد اكتمل تماما ً إلى غوريال مشعرة تمشي جزئيا ً على أربع وله ظهر محني واختفي صوته
البشري تماما ً وحل محله صوت حيواني بالكامل مع أصوات زمجرة ال إرادية من الحين واآلخر )
رجل " : 3بقت واضحة ..هم عايزيني أنا اللي آخد التفاحة "
امرأة " : 1يعني هتموتنا ..بعد العشرة الطويلة دي كلها هتموتنا "
رجل " : 3ال مش هموتكم ،لو اللي معاه التفاحة طلعها دلوقتي ماحدش هيموت ،ياريت كل واحد
يطلعلي اللي ف جيبه وف شنطته دلوقتي حاالً ،ويحدفلي الشنطة أول ما يفضيها "
( يخرج رجل 1من حقيبته كشافا ً ،تخرج إمرأة 2ختما ً ،تخرج إمرأة 1حصالة نقود ..يلقون جميعهم
حقائبهم إليه )
رجل " : 3انا قلت طلعوا كل حاجة "
امرأة " : 1مانا طلعت كل حاجة "
امرأة " : 2حاسب بس السالح يطول "
رجل " : 1الشنط عندك ،فتشها لو عايز "
رجل ( 3يفتش الشنط في جنون ) " :انتوا هتستعبطوا ! مش معقول تكون التفاحة مش هنا ،أكيد
موجودة ،أكيد ( ..يتوقف فجأة وقد لمعت عيناه ) أكيد التفاحة هي حاجة من اللي انتوا طلعتوها
( يتطلع إلى األشياء التي أخرجوها ) يا ترى هي أنهي فيهم ؟ أنهي فيهم ؟ ( يضحك فجأة ) هحير
نفسي ليه ؟ التالتة من نصيبي ،وتطلع التفاحة زي ماتطلع ،المهم إنها معايا "
( ينظر للثالثة )
رجل " : 1يا بختك يا عم "
إمرأة " : 1تدوبها ف عرق العافية "
إمرأة " : 2قطيعة تقطعه جوزي "
رجل " : 3سيبنا بقى من الكالم دة ،أنا دلوقتي بفكر ،أعمل فيكم إيه ؟ "
إمرأة " : 2تعمل فينا إيه يا راجل ؟ "
رجل " : 1انت مش خدت تفاحتك ! عايز إيه مننا تاني ؟ "
رجل " : 3أنا استمتعت كتير بلعبة التفاحة دي ،ماقدرش أنكر ،ماعرفش إحساس كل واحد فيكم ،
بس بالنسبة لي كنت متلذذ بكل حاجة عملتها عشان أوصل للي وصلتله ،وعلى قد مانا مبسوط إني
انتصرت ف اآلخر ،على قد ما زعالن إن اللعبة انتهت "
امرأة " : 1كالمك مش مطمني ،قلبي اتوغوش "
29
رجل " : 3انتوا كدة دوركم خلص ،ماقدرش أقول إني هفتقدكم ،وال أي حد هيفتقدكم ،وماظنش لو
جبنا خمسة ستة مليون من عينتكم وولعنا فيهم بجاز ،إن أي حد هيفتقد أي حاجة ،وف نفس الوقت
أنا خالص خدت التفاحة ،بس دة ما يمنعش إني أكافيء نفسي بتسلية أخيرة ،قبل ما أخرج من هنا "
رجل " : 1تسلية أخيرة ! "
رجل " : 3عن إذنكم بقى أيها السادة الفاشلون ،دي النهاية بالنسبة لكم "
( يطلق النار على الثالثة ،يتجمد جسدهم جميعا ً ووجوههم ونظراتهم ..تضاء بقعة خلف مجالسهم
فيتوجهون إليها ،وما أن يصطفوا فيها حتى يزول عنهم الجمود وتبدو على وجوههم الغيظ ،يلملم
رجل 3أشياءهم ويضعها ف حقيبة )
امرأة " : 2يابن الكلب "
امرأة " : 1دة موتنا بجد ،صعبان عليا نفسي قوي "
رجل " : 1وهياخد التفاحة "
رجل " : 3هو الباشمهندس مش مفروض ييجي يحييني وال يكرمني وال يعمل أي حاجة ؟ طب أستناه
وال امشي ؟ أنا أستحق التكريم "
رجل " : 1شوف البجاحة "
امرأة " : 2شوف الجبلة "
امرأة " : 1وال كأنه عمل حاجة "
( تدوي دقات الساعة )
رجل ( 3مفكرا ً ) " :الوقت ..الوقت ..مابقاش قدامي وقت ..الباشمهندس اتأخر عليا ( يصرخ مناديا ً )
يا باشمهندس ..يا باشمهندس "
( يضع رجل 3الحقيبة على كتفه ويخرج مناديا ً )
امرأة " : 2روح اولع بيها يا بعيد "
امرأة " : 1مش هيلحق يتهنى بيها "
رجل " : 1بس أنا الفضول هيموتني ،التفاحة كانت أنهي ف التالتة ؟ متهيألي التفاحة -لو هخمن -
هي الحصالة ،دة منطقي أكتر "
امرأة " : 2أنا شايفة إن التفاحة هي الكشاف ،لو بإيدي أختار "
امرأة " : 1التفاحة أكيد الختم ،اسمعوا مني ،أنا عارفة بقول إيه "
رجل " : 1ثانية واحدة ..انتوا مش واخدين بالكم من حاجة ؟ "
امرأة " : 1إننا ميتين وبنتكلم ؟ "
30
رجل " : 1الال عادي ،مش دة قصدي "
امرأة " : 2إني عايزة أدخل الحمام ،وإحنا ميتين ،و " ..
رجل " : 1برده الء ..أقصد إن ماحدش مننا تبع الباشمهندس ،ماحدش عارف التفاحة أنهي "
امرأة : 2قصدك إيه ؟ "
رجل " : 1قصدي إن التفاحة ماكنتش مع حد فينا أصالً "
امرأة " : 2يا سالم ..ماجايز حد فيكم بيكدب ( تنظر لفرح ) اوعي تكوني بتكدبي يا بت انتي "
امرأة " : 1وحياة عيالي أبدا ً "
امرأة " : 2يبقى انت اللي بتكدب "
رجل " : 1بالش غباء بقى ،أنا ميت "
امرأة " : 1يعني ..؟ "
امرأة " : 2ممكن ..؟ "
رجل " : 1بالظبط "
الثالثة " :ماحدش فينا كان معاه التفاحة من األول "
امرأة " : 2والراجل األهبل دة فاكر إنه خد التفاحة ؟ "
امرأة ( 1باكية ) " :يعني اتقتلنا ع الفاضي "
رجل " : 1وماخدناش التفاحة وال عرفنا هي إيه حتى "
امرأة " : 2مش مهم ،المهم إن ماحدش غيرنا خدها ،ال احنا وال غيرنا ،بس شفتوا الراجل األهبل
قعد يتنفخ إزاي وفاكر إنه خد التفاحة ؟ "
( يضحك الثالثة في هستيريا ،تنطفيء اإلضاءة عليهم تدريجيا ً بينما يدخل الباشمهندس والفتاة وهم
يغنون ويتراقصون في مرح ،تبدأ عقارب الساعة في الدق ،تمسك الفتاة شيئا ً ما مغطى بصندوق
مرسوم عليه تفاحة ومغلق بخيط رفيع مربوط عليه ،تضعه أمام الباشمهندش )
الباشمهندس ( وكأنه الزال يوجه كالمه للستة ) " :ودلوقتي يا سادة انتهت اللعبة ،ودلوقتي الفائز
هو " ..
( يقطع كالمه ويلتفت حوله في سخرية من فضاء المكان الذي يعني سقوط الجميع )
الباشمهندس ( يفك الرباط الغالق للصندوق ) " :ودلوقتي الفائز هيستلم جايزتنا القيمة "
( يفتح الصندوق فيظهر بوضوح أنه خالي ..فجأة يتجمد هو والفتاة ،تدخل فتاة أخرى بزجاجتين من
اللبن وتوزعها عليهم ..يدخل رجل الك الكيت في ثقة ..تحييه الفتاة ..يتقدم ناحية الجمهور ويمسك
لوحة الكالكيت )
31
رجل الكالكيت " :الفا ..فا ..فا..فاصـ ..فاصـ ..صا ..صا "
( يستمر هكذا في اللعثمة ،وكأنه روبوت بطاريته على وشك النفاذ )
إظالم
32
ختام
( تُضاء بقعة في مقدمة ا لمسرح ..صوت دقات الساعة ..يظهر مرة أخرى الرجل الراغب في االنتحار
جالسا ً وسط أسرته التي انهمكت في مشاهدة الفيلم ،وقد سقطت رأسه على كتفه ودخل في سبات
عميق ،يقف حوله في شكل مثلث :فتى نظرية التطور ،المحقق ،رجل األوراق -من مشهد السرير -
وقد أخذوا يحملقون فيه في ثبات ..منطقة بيت الحظ مضاءة بدورها والست شخصيات تقوم بعمل
استعراض تعبيري بطيء عن العالقة بينهم ..يسير الثالثة ببطء خارجين من منطقة الضوء ،وبنفس
البطء تخفت اإلضاءة من على بيت الحظ ،حتى يخرج الثالثة في نفس اللحظة التي يظلم فيها بيت الحظ
تماما ً ،وعندئذ يجفل الرجل متيقظا ً بدون أن يثير ذلك انتباه أحد من أسرته ،ويعلو صوت الفيلم أكثر ..
ينظر الرجل حوله كأنه يبحث عن شيء ما ،يتثاءب ويتجه إلى ركن منطقة الضوء في مكان خارج حيز
استقرار أسرته ويتمدد وينام ..موسيقى ا لختام ،فيها الكثير من الشفقة على الرجل )
ستار
33