‫ﻋﺎﻟ ﻢ ا ﻷ ﻓ ﻜﺎ ر و ﻋﺎﻟ ﻢ ا ﻷ ﺷ ﯿﺎ ء ﻋ ﻨ ﺪ ﻣﺎﻟ ﻚ ﺑ ﻦ ﻧ ﺒ ﻲ‬

‫ﺑﻘ ﻠ ﻢ‪ :‬اﻷﺳ ﺘﺎ ذ اﻟﺪ ﻛ ﺘ ﻮ ر ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌـ ﯿﺪ ﻣـ ﻮﻻ ي‬

‫ﻣﻘﺪﻣـﺔ‬
‫اﻟﺤﻤﺪ ﷲ وﺣﺪه واﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻻ ﻧﺒﻲ ﺑﻌﺪه‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﻌﺪ‪ ،‬ﻓﺈن ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻦ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺗﺠﺪﯾﺪ اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ‪ ،‬وﻻ ﯾﻌﻨﻲ ذﻟﻚ ﺗﻐﯿﯿﺮ اﻟﻌﻘﯿﺪة واﻟﺸﺮﯾﻌﺔ اﻟﺴﻤﺤﺎء ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ھﻮ إﺣﯿﺎء اﻟﻨﻔﻮس وﺿﻤﺎﺋﺮھﺎ وﺗﻘﻮﯾﻢ ﺳﻠﻮك‬
‫اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت واﻷﻓﺮاد ﺑﺮوح اﻟﺪﯾﻦ اﻟﻘﯿﻢ‪ ،‬ﻋﻘﯿﺪًة وﺷﺮﯾﻌًﺔ‪.‬‬
‫وﻗﺪ اﺻﻄﻔﻰ ﻋﺰ وﺟﻞ اﻟﺪﯾﻦ ﻟﻌﺒﺎده وأرﺳﻞ اﻟﺮﺳﻞ ﺗﺘﺮى ﻟﻨﺸﺮ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺘﻮﺣﯿﺪ‪ ،‬وﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﯾﺔ إﻻ وﻗﺪ ﺧﻼ ﻓﯿﮭﺎ ﻧﺬﯾﺮ‪ .‬وأﻛﺪ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺼﻼة واﻟﺴﻼم ﺑﺄن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‬
‫ﯾﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ رأس ﻛﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﯾﺠﺪد ﻟﻸﻣﺔ دﯾﻨﮭﺎ‪.‬‬
‫وإذا اﻗﺘﺼﺮﻧﺎ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ‪ ،‬ﻧﺮى أن ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻠﺤﯿﻦ ﻗﺪ ﻇﮭﺮوا ﻓﻲ ﺷﺘﻰ ﺑﻘﺎع اﻷراﺿﻲ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ‪ ،‬ﯾﻘﻔﻮن ﻣﻦ وراء اﻧﺒﻌﺎث اﻟﺸﻌﻮب وﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﻌﻘﻮل‬
‫ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ﺗﻌﺎﻟﯿﻢ اﻟﺤﻨﯿﻔﯿﺔ اﻟﻐﺮاء‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﯾﺘﻔﺎوت ھﺆﻻء اﻟﻤﺼﻠﺤﻮن ﺑﯿﻦ ﻣﺠﺪد ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﮫ اﻟﻔﻜﺮة واﻟﻤﻨﮭﺎج‪ ،‬وﺑﯿﻦ ﻣﺠﺪد ﻣﻜﻤﻞ ﻟﻐﯿﺮه ﯾﻮﺳﻊ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻔﻜﺮة أو ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻨﮭﺎج‪ .‬وﻟﻜﻞ درﺟﺎت وﻟﮭﻢ‬
‫ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻓﻀﻞ ﻋﻈﯿﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺚ اﻟﺤﯿﺎة وﺷﺤﺬ اﻟﮭﻤﻢ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻮاﻣﻞ اﻻﻧﺤﻄﺎط وﻇﺮوف اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻋﻠﻰ ﻣﺪى اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﻣﻦ أھﻢ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻮاﺟﺐ اﻹﺻﻼح واﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻗﺎﻃﺒﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻈﮭﺮ ﻋﺪة ﻣﺼﻠﺤﯿﻦ ﺗﺴﺎﺑﻘﻮا ﻓﻲ ﺑﺬل اﻟﻨﻔﺲ واﻟﻨﻔﯿﺲ ﻷﺟﻞ إﺣﯿﺎء ﻋﻠﻮم اﻟﺪﯾﻦ‪ ،‬أو ﺗﻔﺠﯿﺮ روح اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ ﺿﺪ اﻟﺘﺨﻠﻒ واﻻﻧﺤﻄﺎط واﻻﺳﺘﻌﻤﺎر‪ ،‬أو ﺗﺮﺑﯿﺔ اﻷﺟﯿﺎل اﻟﺼﺎﻋﺪة‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎھﺞ ﻋﺼﺮﯾﺔ وأﺻﯿﻠﺔ‪.‬‬
‫وﻛﺎن ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻤﻦ رأوا اﻟﻨﻮر ﻋﻠﻰ أرض ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة وﻓﻲ أﺟﻮاء اﻹﺻﻼح‪ ،‬ﻓﻮاﺻﻞ اﻟﻔﻜﺮة واﻟﻤﻨﮭﺎج ﺛﻢ اﻧﺘﻘﺪھﻤﺎ ﻷﺟﻞ زﯾﻎ "ﺳﯿﺎﺳﻲ" ﻗﺪ‬
‫أﺻﺎﺑﮭﻤﺎ ﻓﻲ رأﯾﮫ‪ ،‬وراح ﯾﺒﺘﻜﺮ أﺳﻠﻮﺑﺎ ﻣﺘﻤﯿﺰا ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ واﻟﺘﻐﯿﯿﺮ‪.‬‬
‫‪ -1‬ﺣﯿﺎة ﻛﻔﺎح‬
‫اﻣﺘﺪت ﺣﯿﺎة ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ وﺛﻠﺜﮫ اﻷﺧﯿﺮ‪ ،‬وﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ﺷﮭﺎداﺗﮫ اﻟﺤﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺮة ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺤﺎﻟﯿﻠﮫ اﻟﻔﺬة ﻟﻤﺠﺮﯾﺎت‬
‫اﻷﺣﺪاث‪ ،‬وﻣﻌﺎﻟﺠﺎﺗﮫ ﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺤﻀﺎرة‪" ،‬ﺷﺎھﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮن" ﺑﻜﻞ رواﻓﺪه اﻻﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ واﻟﺜﻮرﯾﺔ‪ ،‬ﺣﺮﯾﺼﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﮭﻀﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻦ ﺳﺒﺎﺗﮫ ﻣﻨﺬ ﻋﮭﺪ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ‬
‫اﻟﻤﻮﺣﺪﯾﻦ إﻟﻰ "دور اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﺜﻠﺚ اﻷﺧﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ"‪.‬‬
‫ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺣﯿﺎﺗﮫ ﻣﻨﺬ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ إﻟﻰ "ﺣﻠﻘﺎﺗﮫ" وھﻮ ﻣﺘﻘﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺑﯿﺘﮫ ﺣﯿﺎة ﻛﻔﺎح ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ ‪ ،‬وﺟﮭﺎدا ﺑﺎﻟﺪﻟﯿﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ وﺟﻮاﻣﻊ اﻟﻜﻠﻢ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺗﻀﺎرﺑﺖ ﻓﯿﮫ اﻟﻘﺮاﺋﺢ ﺑﯿﻦ ﻣﺴﺮف‬
‫ﻓﻲ"اﻟﺸﯿﺌﯿﺔ" ھﻤﮫ اﻟﺨﻠﻮد إﻟﻰ اﻷرض‪ ،‬وﺑﯿﻦ ﻏﺎﺋﺺ ﻓﻲ "اﻟﻔﻜﺮ" اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﯾﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ اﻟﻤﻄﻠﻖ‪ .‬وھﻞ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ أﺟﺪى وأﺑﻘﻰ ﻓﻲ ﺗﻐﯿﯿﺮ اﻷﻧﻔﺲ واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻣﻦ ﻧﻮر اﻟﻘﻠﻢ‬
‫اﻟﺬي ﺑﮫ ﻋﻠﻢ اﻟﺮﺣﻤﺎن‪ ،‬ﻋﻠﻢ اﻻﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﻟﻢ ﯾﻌﻠﻢ‪ .‬وھﻞ ﻣﻦ ﺟﮭﺎد ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت واﻟﺤﻀﺎرات أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﻮذ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﻊ اﻟﺬھﻨﯿﺎت وﻃﺮح ﻣﺎ ﺑﮭﺎ ﻣﻦ ﻣﻼﺑﺴﺎت‬
‫واﻧﺤﺮاﻓﺎت ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ ﻋﺰ وﺟﻞ‪" :‬وﺟﺎھﺪ ﺑﮫ ﺟﮭﺎدا ﻛﺒﯿﺮا"؟‪.‬‬
‫وﻗﺪ اﺗﺨﺬ ﻣﺎﻟﻚ ﻛﻌﻨﻮان ﻟﺪراﺳﺎﺗﮫ ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪":‬إن اﷲ ﻻ ﯾﻐﯿﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮم ﺣﺘﻰ ﯾﻐﯿﺮوا ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﮭﻢ"‪ .‬واﻧﺼﺐ ﺟﻞ ﺗﻔﻜﯿﺮه ﻓﻲ ھﺬا اﻻﺗﺠﺎه‪ :‬إذ ﻛﯿﻒ ﻣﺜﻼ ﺑﺮﻓﻊ ﻣﮭﺎﻧﺔ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر ﻋﻦ‬
‫اﻟﺸﻌﻮب ﻣﻦ ﻏﯿﺮ رﻓﻊ وﻃﺄة "اﻟﻘﺎﺑﻠﯿﺔ ﻟﻼﺳﺘﻌﻤﺎر" وﺗﺤﺮﯾﺮاﻟﺮﻗﺎب ﻣﻦ "اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﯿﺘﺔ"؟ وھﻞ ﻣﻦ ﺳﺒﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺮﻗﻲ اﻟﺤﻀﺎري ﺑﺪون اﻻﻋﺘﻨﺎء ﺑﺘﻘﻮﯾﻢ اﻻﻧﺴﺎن ﻗﺒﻞ‬
‫"ﺗﻜﺪﯾﺲ اﻷﺷﯿﺎء"؟ وھﻞ ﺗﻘﻮم اﻟﻨﮭﻀﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﺄﻣﺠﺎد ﻣﺎ ﻣﻀﻲ وﻧﺴﯿﺎن ﻣﺎھﻮ ﻗﺎﺋﻢ وواﻗﻊ وﺗﺮﻛﮫ ﻟﻠﻐﺰو اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ وﻣﻜﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﺸﺮﻗﯿﻦ؟‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ رأى ﻣﺎﻟﻚ ﻣﺎ أﺻﺎب اﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺋﺐ ﺷﺘﻰ‪ ،‬وإن اﻟﻤﺼﺎب ﺟﻠﻞ واﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻗﺪ ﺛﻘﻞ‪ ،‬ﻓﺘﺮك اﻻﻧﺸﻐﺎل ﻛﻤﮭﻨﺪس ﻣﻦ ﺧﺮﯾﺠﻲ أﻛﺒﺮ ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﺮﻧﺴﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﮭﺮﺑﺎء‪،‬‬
‫واﻧﻜﺐ ﻛﻤﮭﻨﺪس ﻣﻦ ﻧﻮع ﺟﺪﯾﺪ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻣﺸﻜﻼت اﻟﺤﻀﺎرة‪.‬‬
‫وﺗﻤﯿﺰ ﺑﺎﻃﻼﻋﮫ اﻟﻮاﺳﻊ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ واﻟﺤﻀﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ‪ ،‬وﻏﯿﺮھﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرات‪ .‬ﻓﺪرس دوراﺗﮭﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﺰوغ واﻷﻓﻮل و ﺑَﯿﻦ أﺳﺒﺎب أوﺟﮭﺎ‬
‫وﺣﻀﯿﻀﮭﺎ وأﺑﺮز اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ اﻟﻤﻜﻮﻧﺔ ﻟﮭﺎ‪ .‬ﻛﻤﺎ ﻋﺎﻟﺞ ﺷﺮوط اﻟﻨﮭﻀﺔ ﻟﻠﺤﻀﺎرات وأﺳﺒﺎب ﺳﻘﻮﻃﮭﺎ‪ ،‬وﺑﯿﻦ ﻣﺎ ﻟﻸدﯾﺎن ﻣﻦ ﻃﺎﻗﺔ ﻓﺮﯾﺪة ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺗﮭﺎ وﺗﻔﺠﯿﺮھﺎ‪.‬‬
‫وﺗﻤﯿﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻔﻜﺮي ﻓﻲ ﻗﺪرة ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﻟﻌﻠﻤﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﻨﻔﺴﯿﺔ أواﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ‪ ،‬ﻓﺘﺮاه ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﮫ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﯾﻌﺎﻟﺞ‬
‫ﻣﺴﺎﺋﻞ ﻓﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺔ أو رﯾﺎﺿﯿﺔ‪ .‬ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻧﺒﻌﺎث اﻟﺤﻀﺎرة ﯾﺮاه ﻣﺘﺠﺴﺪا ﻓﻲ داﻓﻊ اﻟﺪﯾﻦ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار داﻓﻌﺔ أرﺧﻤﯿﺪس‪ ،‬واﻟﺪورة اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ ﺑﯿﻦ ﻣﺒﺘﺪاھﺎ وﻣﻨﺘﮭﺎھﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻛﻠﺔ‬
‫اﻟﺪورة اﻟﺪﻣﻮﯾﺔ ﺑﯿﻦ ﻋﻤﻠﯿﺘﻲ اﻻﻧﻘﺒﺎض واﻻﺳﺘﺮﺧﺎء‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﻧﻠﻤﺲ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮص أن اﻷﺳﺘﺎذ ﻣﺎﻟﻚ ﯾﻌﺘﻤﺪ ﻛﺜﯿﺮا ﻓﻲ ﺗﺤﺎﻟﯿﻠﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺮ ﺑﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﯿﻦ ﺛﻨﺎﺋﯿﺎت ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻓﻲ ﻧﻘﯿﺾ أو ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﺗﻜﺎﻣﻞ اﻟﻘﻔﻞ واﻟﻤﻔﺘﺎح‪.‬‬
‫ﻓﮭﻮ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻻ ﯾﻌﺎﻟﺞ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻜﯿﻒ )‪ (Comment‬ﺑﺪون أن ﯾﺘﺴﺎءل ﻟﻤﺎذا )‪ ،(Pourquoi‬وﻻ ﯾﺬﻛﺮ اﻟﻘﺪرة )‪ (Pouvoir‬ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﻣﻌﯿﺔ اﻹرادة )‪ (Vouloir‬وﻻ‬
‫اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻌﻘﻼﻧﻲ )‪ (Logique rationnelle‬دون اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻤﺘﺴﺎﻣﻲ )‪ (Logique transcendantale‬وﻻ اﻟﺸﯿﺊ )‪ (Chose‬ﺑﻼ ﺟﺪﻟﯿﺔ ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻦ اﻟﻔﻜﺮة )‪.(Idée‬‬
‫وأذﻛﺮ أن ﻣﻦ أواﺧﺮ ﻣﺎ اﺳﺘﻤﻌﺖ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﺎت ھﻮ ﺷﺮﺣﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﻮرة ﻓﻲ ﺑﯿﺘﮫ ﻓﻜﺮﺗﻲ اﻟﻮﻋﺪ اﻷدﻧﻰ )‪ (Promesse mineure‬واﻟﻮﻋﺪ اﻷﻋﻠﻰ )‪Promesse‬‬
‫‪ (majeure‬وﻓﻌﻠﮭﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮس ﻛﺪاﻓﻌﺔ أرﺧﻤﯿﺪس ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺎه‪.‬‬
‫وﻧﻮد ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺪد أن ﻧﻘﺪم ﻧﻤﻮذﺟﺎ ﻟﺒﻌﺾ ﺗﺤﺎﻟﯿﻠﮫ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻤﺸﻜﻼت‪ ،‬وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ أﺳﻤﺎه ﺑﻌﺎﻟﻢ اﻷﻓﻜﺎر وﻋﺎﻟﻢ اﻷﺷﯿﺎء‪.‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ واﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ‬
‫ﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﺗﻨﺎوب اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺒﺸﺮي ﻛﺘﯿﺎر داﻓﻖ ﺑﯿﻦ ﻗﻄﺒﯿﻦ‪ 1‬اﺛﻨﯿﻦ وھﻤﺎ‪" :‬اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ" )‪ (Réalisme‬و"اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ" )‪.(Idéalisme‬‬
‫أﻣﺎ ﻣﻔﮭﻮم "اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ" ‪ ،‬ﻓﻐﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ھﻮ ﻓﯿﺰﯾﺎﺋﻲ‪ ،‬ﺣﺴﻲ‪ ،‬ﻇﺎھﺮي‪ ،‬ﻣﺎدي وﻋﻘﻼﻧﻲ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﻧﮫ ﺑﺤﺴﺐ ﺗﻌﺒﯿﺮ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻣﺤﯿﻂ "ﺑﻌﺎﻟﻢ اﻷﺷﯿﺎء" أو‬
‫"اﻟﺸﯿﺌﯿﺔ"‪.‬‬
‫وأﻣﺎ ﻣﻔﮭﻮم "اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ" ﻓﮭﻮ ﯾﺸﻤﻞ‪ ،‬ﻏﺎﻟﺒﺎ‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﺎ ھﻮ روﺣﻲ‪ ،‬ﻣﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﻲ وﻣﻌﻨﻮي ﺑﺎﻃﻨﻲ‪ ،‬وﯾﻤﺘﺎز ﺑﺎﻟﻔﻜﺮة اﻟﻤﺠﺮدة ﻛﻤﺎ ﯾﺪرك ﻋﻤﻮﻣﺎ ﺑﺎﻟﺤﺪس واﻟﺸﻌﻮر‪ ،‬وھﻮ ﻛﺬﻟﻚ وﻓﻖ‬
‫ﺗﻌﺒﯿﺮ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺤﯿﻂ "ﺑﻌﺎﻟﻢ اﻷﻓﻜﺎر"‪.‬‬
‫وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ھﻮ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ ﻣﻨﮫ إﻟﻰ اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ أو اﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬وﺗﺠﺪ ﻣﻦ ھﻮ ﻣﺜﺎﻟﻲ وﯾﺮى ﻧﻔﺴﮫ أﻛﺜﺮ واﻗﻌﯿﺔ‪ .‬واﻟﻜﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ إﻧﻤﺎ ﯾﻨﻈﺮ ﺑﻤﻨﻈﺎره إﻟﻰ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ آﻓﺎق وأﻧﻔﺲ‪.‬‬
‫وﻋﻤﻮﻣﺎ ﻓﺈن ﺑﻨﻲ آدم ﻓﻲ ﺗﺼﻮراﺗﮭﻢ ﺗﻠﻚ ﻓﺮﯾﻘﺎن‪ :‬ﻓﺮﯾﻖ ﯾﻌﺘﻘﺪ ﺟﺎزﻣﺎ ﺑﺄن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﯿﺲ إﻻ "ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺸﮭﺎدة" وﻓﺮﯾﻖ ﯾﺪرك وﯾﺆﻣﻦ ﺑﺄن ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﯾﻜﺘﻤﻞ ﺑﺪون "ﻋﺎﻟﻢ‬
‫اﻟﻐﯿﺐ" اﻟﺬي إﻧﻤﺎ ھﻮ اﻟﻤﺒﺪأ واﻷﺳﺎس‪.‬‬
‫وﯾﺮﺗﺒﻂ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ اﻟﻈﺎھﺮﯾﺔ ﺑﻌﺎﻟﻢ اﻟﺸﮭﺎدة اﻟﺬي ﺗﻄﺮأ ﻋﻠﯿﮫ ﺳﻤﺎت اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ واﻟﺰوال‪ ،‬ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ ﺑﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﯿﺐ اﻟﺬي ﺗﻐﻠﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﺻﻔﺎت‬
 ‫اﻟﺜﺒﺎت واﻟﺪوام‪ ،‬إﻻ ﻣﺎ ﺷﺎء اﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ‪" :‬ﻛﻞ ﺷﯿﺊ ھﺎﻟﻚ إﻻ وﺟﮭﮫ" )اﻟﻘﺼﺺ ‪.(28/88‬‬
‫وﻓﻲ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ ﻧﺬﻛﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻤﻮﺿﺤﺔ ﻟﺘﺤﺎﻟﯿﻞ ﻣﺎﻟﻚ ﺣﻮل اﻟﻘﻄﺒﯿﻦ اﻟﻤﺸﺎر إﻟﯿﮭﻤﺎ‪ ،‬وﻧﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﺪى اﺷﺘﻤﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺤﺎﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ واﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ‪،‬‬
‫ﻟﻨﺨﺮج ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻤﻄﺎف إﻟﻰ ﻣﻨﮭﺎج اﻟﺮؤي اﻟﻮﺳﯿﻄﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮازن ﺑﯿﻦ ﻣﻦ ﻏﻼ ﻓﻲ ﻏﯿﺎھﯿﺐ اﻟﺮوﺣﺎﻧﯿﺎت اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ وﻣﻦ أﺧﻠﺪ ﻓﻲ دﺟﻰ اﻟﻤﺎدﯾﺎت اﻟﻈﺎھﺮﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -3‬ﺑﯿﻦ روﺣﺎﻧﯿﺔ اﺑﻦ اﻟﯿﻘﻈﺎن وواﻗﻌﯿﺔ روﺑﻨﺴﻮن‬
‫ﯾﻘﻊ ﻋﻤﻮﻣﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ واﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻮاﻗﻌﻲ ﺟﺪل ﻣﺘﺼﻞ ﻻ ﯾﻨﻘﻄﻊ إﻟﻰ ﯾﻮم اﻟﺪﯾﻦ‪ ،‬وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﯾﻘﺘﺼﺮ ھﺬا اﻟﺠﺪل ﻋﻠﻰ ﻇﺎھﺮﺗﻲ اﻟﻤﺤﯿﺎ واﻟﻤﻤﺎت‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻤﺎ‬
‫وراءھﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺻﺪ وأﺑﻌﺎد‪ ،‬وﻻ ﯾﺮﺿﻰ إﻻ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة اﻟﺪﻧﯿﺎ وﯾﺘﺠﺎھﻞ ﯾﻮم اﻟﺘﻨﺎد‪ .‬ﻓﺬﻟﻚ ﻣﺒﻠﻐﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ وﻗﺪ ﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ‪" :‬وﻗﺎﻟﻮا ﻣﺎ ھﻲ إﻻ ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻧﻤﻮت وﻧﺤﯿﺎ وﻣﺎ ﯾﮭﻠﻜﻨﺎ‬
‫إﻻ اﻟﺪھﺮ‪ ،‬وﻣﺎ ﻟﮭﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ إن ھﻢ إﻻ ﯾﻈﻨﻮن" )اﻟﺠﺎﺛﯿﺔ ‪.(45/24‬‬
‫ﻓﮭﺆﻻء ھﻢ اﻟﺪھﺮﯾﺔ اﻟﺬﯾﻦ اﻗﺘﺼﺮوا اﻟﻄﺮﯾﻖ‪ ،‬ﻓﺎﺗﺒﻌﻮا اﻟﻈﻨﻮن واﺑﺘﻌﺪوا ﻋﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﯿﻘﯿﻦ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ اﻟﻔﻄﺮة اﻟﺴﻠﯿﻤﺔ ﻗﺪ ﺟﺒﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺐ اﻻﻃﻼع وﻋﻤﻖ اﻟﻨﻈﺮ‪ ،‬وﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﺗﺮى اﻻﻧﺴﺎن ﯾﺘﺴﺎءل ﻋﻦ أﺻﻞ وﺟﻮده‪ :‬ﻣﻦ أﯾﻦ أﺗﻰ؟ وﻋﻦ اﻟﻤﺼﯿﺮ‪ :‬إﻟﻰ أﯾﻦ اﻟﺬھﺎب؟‪ ،‬ﺑﺎﺣﺜﺎ‬
‫ﻋﻦ ﻣﻐﺰى ﻟﺤﯿﺎﺗﮫ وﻋﻦ دوره وﺳﻂ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت‪ .‬وﻗﺪ ﯾﻘﻒ ﻋﻨﺪ "اﻟﻼأدرﯾﺔ" ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﻌﻀﮭﻢ‪ ، 2‬وﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﯾﻐﻮص ﻓﻲ أﻏﻮار ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ أﺟﻮﺑﺔ ﺷﺎﻓﯿﺔ‪.‬‬
‫وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ وﻗﻒ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﯿﻦ اﻷرض واﻟﺴﻤﺎء‪ ،‬ﺗﺄﺧﺬه اﻟﺪواﻓﻊ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎق إﻟﻰ اﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﯿﻤﺎ ﺣﻮﻟﮫ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎت‪ ،‬ﻓﯿﺮى ﻧﻔﺴﮫ ﻛﺄﻧﮫ ﻓﻲ ﺟﺰﯾﺮة ﻣﻌﺰوﻟﺔ وﺳﻂ ﻣﺤﯿﻂ ﺑﻼ‬
‫ﺣﺪود أو ﻛﺬرة ﻣﻨﺜﻮرة ﻓﻲ ﺧﻀﻢ ﻛﺎﺋﻨﺎت ﻻ ﺗﺤﺼﻰ وﻻ ﺗﻌﺪ‪.‬‬
‫وﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻘﺎم ﻛﺜﯿﺮا ﻣﺎ ﯾﺤﺲ ﺑﻮﺣﺸﺔ اﻟﻌﺰﻟﺔ وﯾﻐﻤﺮه ھﻠﻊ وﻓﺰع ﻣﻤﺎ ﯾﺠﺮي وراء اﻵﻓﺎق ووراء ﻛﻞ اﻷﺑﻌﺎد‪.‬‬
‫ﻓﯿﺘﺴﺎءل أو ﺗﻨﺼﺐ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﺪب وﺻﻮب‪ ،‬وﯾﺘﻘﻠﺐ ﺑﺼﺮه ذات اﻟﯿﻤﯿﻦ وذات اﻟﺸﻤﺎل وإﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﺸﺮق وﻣﻐﺮب‪ ،‬ﻓﯿﻘﻒ ﺑﺼﺮه ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﺗﺠﺎھﯿﻦ اﺛﻨﯿﻦ‪،‬‬
‫إذ ھﻮ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﻮل ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪" :‬إﻣﺎ ﯾﻨﻈﺮ ﻧﺤﻮ ﻗﺪﻣﯿﮫ إﻟﻰ اﻷرض أو ﯾﺮﻓﻊ ﻋﯿﻨﯿﮫ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه اﻟﺴﻤﺎء" ‪.3‬‬
‫ﺣﯿﻨﻤﺎ ﯾﻤﺪ ﺑﺼﺮه إﻟﻰ اﻷرض‪ ،‬وﯾﺨﻠﺪ إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻄﻤﺌﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة اﻟﺪﻧﯿﺎ‪ ،‬ﻓﮭﻮ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻛﻤﺜﻞ روﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮﯾﺰوﺋﻲ‪ 4‬اﻟﺬي رﻣﻰ ﺑﮫ اﻟﻤﻮج‪ ،‬ﻓﻲ ﯾﻮم ﻋﺎﺻﻒ‪ ،‬إﻟﻰ ﺟﺰﯾﺮة ﻣﻌﺰوﻟﺔ ﻋﻦ‬
‫اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﻋﻠﯿﮫ أن ﯾﺼﺐ ﺗﻔﻜﯿﺮه ﻛﻠﮫ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻄﻌﺎم وأﺳﺒﺎب اﻟﻌﯿﺶ‪ ،‬وھﻮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﺎل ﯾﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ "واﻗﻌﯿﺔ اﻷﺷﯿﺎء" و ﯾﺄﺧﺬ "ﺑﺄرﺿﯿﺔ اﻷﻣﻮر"‪.‬‬
‫وﺣﯿﻨﻤﺎ ﯾﻤﺪ ﺑﺼﺮه إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء وﯾﺘﺄﻣﻞ ﻓﯿﻤﺎ وراءھﺎ ووراء ﻛﻞ اﻷﺑﻌﺎد‪ ،‬ﻓﮭﻮ ﻋﻨﺪﺋﺬ ﻛﻤﺜﻞ ﺣﻲ اﺑﻦ ﯾﻘﻈﺎن‪ 5‬اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻘﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ ﺑﻌﻨﺰة ﺗﺴﻘﯿﮫ ﻣﻦ ﺣﻠﯿﺒﮭﺎ وﯾﻤﺮح‬
‫ﻓﻲ اﻟﻤﺮاﻋﻲ ﻣﻌﮭﺎ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﺷﻖ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﺮاﻗﮭﺎ‪ ،‬وﺗﺴﺎءل ﻋﻦ ﻣﺎھﯿﺔ اﻟﻤﺤﯿﺎ واﻟﻤﻤﺎت‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺼﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺗﺴﺎؤﻻﺗﮫ ﻋﻦ اﻟﺮوح وﻣﺎ ﻋﻼھﺎ وﻋﻦ ﻛﻨﮫ اﻟﺴﻤﺎوات وﻣﺎ‬
‫وراءھﺎ‪ .‬ﻓﮭﻮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺤﺎل ﯾﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق وﯾﺘﻘﻠﺐ ﺑﺼﺮه ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﻟﻌﻠﮫ ﯾﺪرك إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺮﺟﻊ اﻷﻣﻮر وإﻟﻰ أﯾﻦ اﻟﻤﺼﯿﺮ؟‪.‬‬
‫وھﻜﺬا ﺗﻨﺎوب ﻣﻨﻈﻮر اﻻﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺪم ﺑﯿﻦ ﻣﺜﺎﻟﯿﺔ اﻟﺮوح وأرﺿﯿﺔ اﻟﻮاﻗﻊ‪ ،‬وﻻ ﯾﺰال اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﻣﻊ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﻟﯿﺐ واﻟﻤﻔﺎھﯿﻢ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻏﺮار‬
‫اﻟﻤﻮﻗﻔﯿﻦ اﻟﻤﺘﻀﺎدﯾﻦ ﺑﯿﻦ ﺣﻲ ﺑﻦ ﯾﻘﻈﺎن وروﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮﯾﺰوﺋﻲ‪ .‬وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق ﯾﻘﻮل ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ " :‬ﺗﺘﺄﻟﻖ ﻛﻞ ﺣﻀﺎرة إﻟﻰ أوﺟﮭﺎ ﺗﺎرة ﺑﺘﺮﻛﯿﺰ اﻷﺷﯿﺎء ﺣﻮل اﻟﻔﻜﺮة‬
‫وﺗﺎرة أﺧﺮى ﺑﺘﺮﻛﯿﺰ اﻷﻓﻜﺎر ﺣﻮل اﻷﺷﯿﺎء" ‪.6‬‬
‫‪ -4‬ﺑﯿﻦ أﻓﻼﻃﻮن وأرﺳﻄﻮ‬
‫وﻟﻌﻞ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺪاﻣﻰ‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﺳﺎدت ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر واﻷﻣﺼﺎر وأﺛﺮت ﺗﺄﺛﯿﺮا ﻋﻤﯿﻘﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺪﯾﻦ‪ :‬ﻣﺎ ذھﺐ إﻟﯿﮫ ﻛﻞ ﻣﻦ أﻓﻼﻃﻮن‬
‫وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﺑﯿﻦ ﻃﺮﯾﻘﺘﯿﮭﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﺪال أو وﺻﺎل ﺑﺼﺪد اﻟﺒﺎﻃﻦ واﻟﻈﺎھﺮ‪ ،‬واﻟﺜﺎﺑﺖ واﻟﻤﺘﻐﯿﺮ‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ اﻋﺘﻤﺪ أﻓﻼﻃﻮن ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﯾﺔ "اﻷﻓﻜﺎر"‪ 7‬أو "اﻟُﻤﺜﻞ"‪ . 8‬ﻓﺎﻟﻌﺎﻟﻢ وﻓﻘﮫ ﯾﻨﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻗﺴﻤﯿﻦ‪:‬‬
‫أ( ـ ﻋﺎﻟﻢ ﺣﺴﻲ ﯾﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻤﻠﻤﻮﺳﺔ واﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ ﻟﺪﯾﻨﺎ وھﻮ ﯾﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺘﻐﯿﯿﺮ واﻟﺰوال‪.‬‬
‫ب( ـ وﻋﺎﻟﻢ ﻣﻌﻨﻮي ﯾﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺒﺤﺘﺔ واﻟﻤﺜﻞ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ وﻛﻠﮭﺎ ﺧﺎﻟﺪة وﺛﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﺗﺘﻐﯿﺮ‪.‬‬
‫وﻣﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﺋﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺴﻲ إﻻ وﻟﮫ "َﻣﺜﻞ" ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺮوﺣﺎﻧﻲ‪ :‬ﻓﻔﻲ ﺗﺼﻮر أﻓﻼﻃﻮن‪ ،‬ﻛﻞ ﻣﻦ اﻷﺷﺠﺎر واﻟﺤﺠﺮ واﻷﺟﺴﺎم وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺔ‪ :‬إن‬
‫ھﻲ إﻻ ﻧﺴﺦ ﻏﯿﺮ ﻛﺎﻣﻠﺔ وﻏﯿﺮ وﻓﯿﺔ "ﻟﻸﻓﻜﺎر" اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ‪.‬‬
‫وﯾﻀﺮب ﻟﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ "اﻟﺠﻤﮭﻮرﯾﺔ"‪ ،‬ﻣﺜﺎل اﻟﺴﺠﻨﺎء ﻓﻲ ﻛﮭﻒ ﻣﻌﺰول وﻣﻈﻠﻢ‪ :‬ﻓﮭﻢ ﯾﻈﻨﻮن ﺧﻄﺄ أن ﻇﻞ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ﺧﺎرج اﻟﻜﮭﻒ‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻜﺴﮭﺎ ﻧﺎر ﻣﻮﻗﺪة ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ‬
‫أﻃﺮاف اﻟﻜﮭﻒ‪ ،‬ھﻲ ﺣﻘﯿﻘﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﻤﺤﺠﻮﺑﺔ ﻋﻨﮭﻢ‪ .‬ﻓﺈذا ﺧﺮج أﺣﺪھﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﮭﻒ ﺑﺪت ﻟﮫ اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭﺎ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﺘﺼﻮره داﺧﻞ اﻟﻜﮭﻒ‪ .‬وﻛﺬﻟﻚ‬
‫اﻟﻔﺮق‪ ،‬ﻋﻨﺪ أﻓﻼﻃﻮن‪ ،‬ﺑﯿﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﻓﻜﺎر أو ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﻞ وﺷﺒﺢ "اﻟﻈﻼل" اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻨﮭﺎ أو ﻋﺎﻟﻢ اﻷﺷﯿﺎء‪ .‬وﺑﯿﻦ ھﺬﯾﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ﺧﯿﻂ ﻣﺘﺼﻞ أﻓﻘﯿﺎ‪ ،‬ﯾﻨﻘﺴﻢ ﻓﻲ وﺳﻄﮫ‬
‫إﻟﻰ ﻗﺴﻤﯿﻦ‪ :‬ﻗﺴﻢ ﺳﻔﻠﻲ ﻣﺘﻐﯿﺮ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﻓﯿﮫ ﻋﻦ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﺷﯿﺎء ﺳﻮى ﻓﻜﺮة ﻧﺴﺒﯿﺔ أو ﺗﺼﻮرا ﻣﺎ ﻋﻨﮭﺎ‪ ،‬وﻗﺴﻢ ﻋﻠﻮي ﺗﻈﮭﺮ ﻓﯿﮫ اﻷﺷﯿﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭﺎ اﻟﻤﺜﻠﻰ‪. 9‬‬
‫وﻛﺎن أرﺳﻄﻮ ﯾﺮى ﻋﻜﺲ أﻓﻼﻃﻮن‪ ،‬أن اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻛﺎﺋﻨﺔ ﻓﻲ اﻷﺷﯿﺎء ذاﺗﮭﺎ وﻟﯿﺴﺖ ﻣﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻨﮭﺎ‪ ،‬وﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﻣﻜﻮن ﻋﻨﺪه ﻣﻦ ھﯿﻮﻟﻰ )ﺟﻮھﺮ اﻟﺸﯿﺊ( وﺻﻮرة ﻣﺘﻼزﻣﺘﯿﻦ ﻻ‬
‫ﺗﻨﻔﺼﻼن‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﻧﺸﺄ ﻣﺬھﺒﮫ وﻃﺮﯾﻘﺘﮫ ﻣﻌﺘﻤﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ "اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ" ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ "اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ" اﻟﺘﻲ اﻧﺘﮭﺠﮭﺎ ﺷﯿﺨﮫ‪.‬‬
‫ﻓﻜﺎن ﯾﺮى ﻓﻲ ﺗﺤﺮك اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت وﺗﻐﯿﯿﺮھﺎ ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل أن ذﻟﻚ ﯾﻌﻮد إﻟﻰ أﺳﺒﺎب واﻗﻌﯿﺔ‪ ،‬وﻗﺪ ﻋﺪ أرﺑﻌﺔ ﻣﻦ ھﺬه اﻷﺳﺒﺎب‪ :‬اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻤﺎدي ‪ :‬ﻛﻮن اﻟﺸﯿﺊ ﻣﺮﻛﺐ ﻣﻦ ﻣﻮاد‬
‫ﻣﻌﯿﻨﺔ )ﻛﻘﻮﻟﻨﺎ ﻣﺜﻼ‪ :‬اﻟﻄﯿﻦ ھﻮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻤﺎدي ﻓﻲ ﺗﻜﻮﯾﻦ اﻟﻘﺪر(‪ ،‬واﻟﺴﺒﺐ اﻟﺸﻜﻠﻲ )ﺷﻜﻞ اﻟﻘﺪر ﻣﻘﻌﺮ(‪ ،‬واﻟﺴﺒﺐ اﻟﻔﻌﻠﻲ ) اﻟﻔﺎﺧﻮري ھﻮ ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻘﺪر(‪ ،‬واﻟﺴﺒﺐ اﻟﻐﺎﺋﻲ‬
‫)اﻟﻘﺪر ﺻﺎﻟﺢ ﻟﺤﻔﻆ اﻟﺪﻗﯿﻖ أو اﻟﺤﻠﯿﺐ وﻟﺬﻟﻚ ﺻﻨﻊ(‪ .‬وھﻜﺬا ﻓﺘﺢ أرﺳﻄﻮ اﻟﺒﺎب ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﯿﮫ ﻟﺪراﺳﺔ "اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء"‪ ،‬ﺑﻤﻔﮭﻮﻣﮭﺎ اﻷرﺳﻄﻲ اﻟﻮاﺳﻊ‪ ،‬ﻷﺟﻞ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ‬
‫واﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺎ وراء اﻟﻈﻮاھﺮ‪.‬‬
‫ﯾﻘﻮل أﺣﺪ اﻟﻤﻌﻠﻘﯿﻦ ﻋﻠﯿﮫ‪" :‬ﻛﺎن أرﺳﻄﻮ ﻓﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺎ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﮭﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ‪ .‬ﻓﮭﻮ ﯾﺆﻣﻦ ﺑﺄن اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻤﺎدﯾﺔ ھﻲ اﻟﻤﺼﺪر اﻷول ﻟﻠﺤﻘﯿﻘﺔ‪ ،‬وﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء وﻏﯿﺮھﺎ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻮم دراﺳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﻲ واﺳﺘﻨﺘﺎج اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻣﻦ ذﻟﻚ"‪. 10‬‬
‫وﻗﺪ ﻛﺎن ﻷﻓﻼﻃﻮن وأرﺳﻄﻮ أﺛﺮ ﻋﻤﯿﻖ ﻓﻲ أوﺳﺎط اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻮم ﻛﻤﺎ ﻋﻨﺪ ھﯿﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل‪ ،‬وﻋﻨﺪ أﺗﺒﺎع اﻟﻘﺮآن وأھﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮ‬
‫ص‪ . 11‬ﻓﮭﺆﻻء وأوﻟﺌﻚ ﻗﺪ ﺑﺬﻟﻮا ﺟﮭﻮدا ﻛﺒﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﯿﻦ ﻃﺮﺣﺎت اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﯿﺔ وﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻮﺣﻲ واﻹﯾﻤﺎن‪ ،‬وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ رﻓﺾ ھﺬه اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ وﻣﻨﮭﻢ ﻣﻦ اﻋﺘﺒﺮھﺎ‬
‫"ﺧﺎدﻣﺔ" ﻟﻠﺪﯾﻦ واﺳﺘﻌﺎن ﺑﮭﺎ ﻟﻔﮭﻢ اﻟﺘﻌﺎﻟﯿﻢ وﺗﻘﺪﯾﻢ اﻟﺤﺠﺞ‪.‬‬
‫‪ -5‬ﺑﯿﻦ ھﯿﻐﻞ وﻣﺎرﻛﺲ‬
‫ﻟﻘﺪ ﺣﻈﯿﺖ ﻓﻠﺴﻔﺔ ھﯿﻐﻞ ﺑﺘﺄﺛﯿﺮ ﺑﻠﯿﻎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ‪ ،‬وﻛﺎن ﻣﻤﻦ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﮭﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﯿﺪ ھﻮ ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛﺲ اﻟﺬي ﻗﻠﺐ ﻟﮫ اﻷﻣﻮر رأﺳﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺐ‪:‬‬
‫إذ أن ﺟﺪﻟﯿﺔ ھﯿﻐﻞ ھﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ﻋﻤﻠﯿﺔ أو دﯾﻨﺎﻣﯿﻜﯿﺔ ﺗﻤﻀﻲ وﻓﻘﮭﺎ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻘﻀﺎﯾﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻞ ﻓﺎﻷﻣﺜﻞ ﻧﺤﻮ "اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ" وﻗﺪ ﺳﻤﯿﺖ "ﺑﺎﻟﺠﺪﻟﯿﺔ اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ"‪ .‬ﺑﯿﻨﻤﺎ‬
‫رأى ﻣﺎرﻛﺲ ﻋﻜﺲ ذﻟﻚ وﻗﺎل ﺑﺼﺮﯾﺢ اﻟﻌﺒﺎرة أن ﻣﻨﮭﺠﮫ اﻟﺠﺪﻟﻲ ھﻮ "اﻟﻌﻜﺲ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ"‪ 12‬ﻟﻤﻨﮭﺞ ھﯿﻐﻞ وأن "ﺟﺪﻟﯿﺔ اﻷﻓﻜﺎر ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى اﻧﻌﻜﺎﺳﺎ ﻟﺠﺪﻟﯿﺔ اﻟﻤﺎدة"‪. 13‬‬
‫ﻟﺬﻟﻚ اﺗﺨﺬ ﻣﻦ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ‪ ،‬ﻣﻊ رﻓﯿﻘﺔ إﻧﻘﻠﺰ‪ ،‬أﺳﺎﺳﺎ وﻣﻨﺒﻌﺎ ﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وﺗﻄﻮر اﻟﻔﻜﺮ‪.‬‬
‫ﯾﻘﻮل ﻣﺎو ﺗﺴﯿﺘﻮﻧﻎ ﻣﻮﺿﺤﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ ھﺬﯾﻦ اﻹﺗﺠﺎھﯿﻦ‪" :‬إن اﻟﻔﯿﻠﺴﻮف اﻟﺸﮭﯿﺮ ھﯿﻐﻞ اﻟﺬي ﻋﺎش ﻓﻲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن ‪ 18‬وﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻘﺮن ‪ ،19‬ﻗﺪ أﺗﻰ ﺑﻤﺴﺎھﻤﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ‬
‫ﺣﻮل اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﺟﺪﻟﯿﺘﮫ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﺎﻟﯿﺔ ]‪ .[...‬وإن ﻣﺎرﻛﺲ وإﻧﻘﻠﺰ ﻗﺪ أﺧﺬا ﺑﻌﯿﻦ اﻹﻋﺘﺒﺎر وﺑﺮوح ﻧﻘﺪﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﻌﻘﻼﻧﯿﺔ ﻟﺠﺪﻟﯿﺔ ھﯿﻐﻞ"‪. 14‬‬
‫واﻋﺘﺮف ﻣﺎرﻛﺲ ﻧﻔﺴﮫ ﺑﻤﺴﺎھﻤﺔ ھﯿﻐﻞ ﻓﻲ ﺗﻌﻤﯿﻖ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ ﻓﻘﺎل‪" :‬ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي ھﯿﻐﻞ روﺣﯿﺔ ﻟﻜﻦ ھﺬا ﻻ ﯾﻤﻨﻊ ﺑﺄﻧﮫ أول ﻣﻦ ﺑﯿﻦ أﻧﻮاع اﻟﺤﺮﻛﺔ‬
 ‫اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺠﺪﻟﯿﺔ ﺑﺠﻤﯿﻊ ﺧﺼﺎﺋﺼﮭﺎ"‪. 15‬‬
‫وھﻜﺬا ﻧﺮى‪ ،‬ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق‪ ،‬أن ھﯿﻐﻞ ﻗﺪ ذھﺐ ﻓﻲ ﺗﺼﻮراﺗﮫ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﺣﺪود اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ ﺑﯿﻨﻤﺎ ذھﺐ ﻣﺎرﻛﺲ ﻓﻲ ﺗﺤﺎﻟﯿﻠﮫ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ ﺣﺪود اﻟﻤﺎدﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻐﺎص اﻷول ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷﻣﻮر ﺣﺘﻰ وﻟﺞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﮭﺎ‪ ،‬وﻗﻠﺐ اﻵﺧﺮ اﺗﺠﺎه اﻟﻤﺴﯿﺮة ﻓﻮﻟﺞ ﻓﻲ ﻇﺎھﺮ اﻷﻣﻮر ﻃﻠﺒﺎ ﻷﺳﺒﺎﺑﮭﺎ‪ .‬وﻗﺪ أﯾﻘﻦ أﺣﺪھﻤﺎ أو ﻛﺎد ﯾﻮﻗﻦ‪ ،‬ﺑﺎرﺗﻘﺎﺋﮫ ﻓﻲ‬
‫ﺳﻤﺎء اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺬي ھﻮ اﻷول واﻵﺧﺮ واﻟﻈﺎھﺮ واﻟﺒﺎﻃﻦ‪ ،‬ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺟﺤﺪ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﺂﯾﺎت رﺑﮫ ﻓﺎﻧﺴﻠﺦ ﻣﻨﮭﺎ وأﺧﻠﺪ إﻟﻰ اﻷرض‪ .‬وﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻣﻦ اﻋﺘﻨﻖ ﻣﺬھﺐ‬
‫اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ ﻟﮭﯿﻐﻞ ﺑﯿﻨﻤﺎ وﺟﺪ أﻧﺼﺎر اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﺿﺎﻟﺘﮭﻢ ﻓﻲ ﺟﺪﻟﯿﺔ ﻣﺎرﻛﺲ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺳﺎدت ھﺬه اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮص‪ ،‬ﻓﺤﻤﻠﺖ أﻣﻤﺎ و ﺷﻌﻮﺑﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻓﻲ ﻧﻘﯿﺾ‪ :‬ﺑﯿﻦ اﺗﺠﺎه ﻟﯿﺒﺮاﻟﻲ "ﻣﺜﺎﻟﻲ" واﺗﺠﺎه‬
‫ﺷﯿﻮﻋﻲ "ﺛﻮري" ﯾﺄﺧﺬ ﺑﺄرﺿﯿﺔ اﻟﻮاﻗﻊ‪.‬‬
‫‪ -6‬ﺑﯿﻦ ﯾﻮﻧﻎ وﻓﺮوﯾﺪ‬
‫وﻟﻢ ﯾﺘﻮﻗﻒ اﻟﺘﻨﺎوب اﻟﻔﻜﺮى ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ اﻟﺮوﺣﻲ واﻟﻮاﻗﻌﻲ اﻟﻤﺎدي ﻋﻨﺪ ھﺬه اﻟﻤﺠﺎﻻت ﻓﺤﺴﺐ‪ ،‬وإﻧﻤﺎ ﺗﻌﺪى إﻟﻰ ﻏﯿﺮه ﻣﻦ اﻟﻤﯿﺎدﯾﻦ ﻣﺜﻠﻤﺎ ھﻮ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ‬
‫اﻟﺘﺤﻠﯿﻠﻲ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮص‪.‬‬
‫إذ ﺗﺘﻄﻮر اﻟﻤﻨﻈﻮر اﻟﻤﺜﺎﻟﻲ ﻷﻓﻼﻃﻮن ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ‪ ،‬ﻟﺪى اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻨﻔﺴﺎﻧﻲ ﯾﻮﻧﻎ‪ ، 16‬ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮭﯿﻐﻞ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ‪ .‬ﻓﻘﺪ اﻋﺘﺒﺮ ﯾﻮﻧﻎ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﻠﯿﺎ‬
‫اﻟﻼﺷﻌﻮري‪17‬ة ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﺄوﯾﻞ ﺳﻠﻮك اﻷﻓﺮاد واﻷﻣﻢ‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻼﺷﻌﻮر اﻟﻔﺮدي واﻟﺠﻤﺎﻋﻲ‪ .‬وﻛﺎن اﻷﺳﺘﺎذ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ 18‬ﯾﺮدد أن ﻣﯿﻼد اﻟﻔﺮد‬
‫اﻟﻤﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﺣﻀﺎرة ﻣﺎ‪ ،‬ﻛﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺜﻼ‪ ،‬ﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﺬي ﯾﻮﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﻌﺮﯾﻔﮫ وﻟﻜﻦ ھﻮ اﻟﺬي ﺳﺠﻞ ﻓﻲ ﻻﺷﻌﻮره ﺑﺪاﯾﺔ ﻣﻦ اﻧﻄﻼق ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻀﺎرة ﺑﻜﻞ رواﻓﺪھﺎ اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ‬
‫واﻟﻤﺪﻧﯿﺔ )أي ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ(‪.‬‬
‫وﺑﺼﻔﺔ ﻣﻮازﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻄﻮر ﻛﺬﻟﻚ اﻟﻔﻜﺮ "اﻟﻮاﻗﻌﻲ" اﻟﺬي ﯾﺄﺧﺬ ﺑﻈﺎھﺮ اﻷﻣﻮر و"أرﺿﯿﺘﮭﺎ" ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ‪ ،‬ﻣﻊ ﻧﻈﺮﯾﺔ ﻓﺮوﯾﺪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻠﯿﺒﺪو "اﻟﺴﻔﻠﯿﺔ"‬
‫ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻼﺷﻌﺮﯾﺔ "اﻟﻌﻠﻮﯾﺔ" ﻟﯿﻮﻧﻎ‪ ،‬ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﺎرﻛﺲ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺴﻨﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ‪ ،‬ﻟﻠﺠﺪﻟﯿﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﺑﺪل اﻟﺠﺪﻟﯿﺔ اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ‪ .‬ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻘﺪ اﻧﺘﻘﺪ‬
‫ﻓﺮوﯾﺪ‪ ،‬ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎره ھﺬا‪ ،‬ﻛﻼ ﻣﻦ ﺧﺼﻤﯿﮫ آدﻻر وﯾﻮﻧﻎ‪ ،‬ﻓﺎﺗﮭﻢ اﻷول ﺑﺄﻧﮫ‪ " :‬أﻧﻜﺮ اﻟﻐﺮﯾﺰة اﻟﻠﯿﺒﺪﻧﯿﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻏﺮﯾﺰﯾﺔ اﻷﻧﺎ "‪ 19‬وﻗﺎل ﻋﻦ اﻟﺜﺎﻧﻲ أن ﻣﺎ دﻓﻌﮫ إﻟﻰ‬
‫اﻻﻧﺸﻘﺎق ھﻲ "اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ إﺑﻌﺎد اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﻘﺒﯿﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﺒﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺪ اﻟﻌﺎﺋﻠﯿﺔ ]ﻣﺜﻞ ﻋﻘﺪة أودﯾﺐ[ ﻟﺌﻼ ﯾﺠﺪھﺎ ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺪﯾﻦ واﻷﺧﻼق"‪ . 20‬وﻟﺨﺺ ﻓﻲ اﻟﻨﮭﺎﯾﺔ‬
‫اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻨﮫ وﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ‪ ،‬وھﻮ ﺗﻠﺨﯿﺺ ﻏﻨﻲ ﻋﻦ ﻛﻞ ﺗﻌﻠﯿﻖ‪" :‬أﺗﻤﻨﻰ رﺣﻠﺔ ﺳﻌﯿﺪة ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﻤﺮﺗﻔﻌﺎت ﻟﻠﺬﯾﻦ ﻟﻢ ﯾﺘﺤﻤﻠﻮا اﻟﺒﻘﺎء ]ﻣﻌﻨﺎ[ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷرﺿﻲ ﻟﻌﻠﻢ‬
‫اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ"‪. 21‬‬
‫وھﻜﺬا ﺗﻔﺮﻗﺖ اﻵراء ﺑﯿﻦ ﻣﻦ ﻟﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﺟﺎﻧﺒﮭﺎ اﻟﻌﻠﻮي اﻟﻤﺘﻤﯿﺰ ﺑﻐﺮاﺋﺰ "ﺗﻘﻮاھﺎ" وﺑﯿﻦ ﻣﻦ ﺗﻮﺧﻰ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺴﻔﻠﻲ اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ دواﻓﻊ "ﻓﺠﻮرھﺎ" ‪" :‬وﻧﻔﺲ وﻣﺎ‬
‫ﺳﻮاھﺎ ﻓﺄﻟﮭﻤﮭﺎ ﻓﺠﻮرھﺎ وﺗﻘﻮاھﺎ‪ ،‬ﻗﺪ أﻓﻠﺢ ﻣﻦ زﻛﺎھﺎ وﻗﺪ ﺧﺎب ﻣﻦ دﺳﺎھﺎ" )اﻟﺸﻤﺲ ‪.(10-91/7‬‬
‫‪ -7‬ﻧﺰاع ﻓﻲ ﻣﺠـﺎل اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﯿـﻌﯿﺔ‬
‫إن أﻣﺮ اﻟﺘﻨﺎوب اﻟﻔﻜﺮي ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻨﺘﺼﺮﯾﻦ ﻟﻠﻤﺜﺎﻟﯿﺔ اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ﺣﻲ ﺑﻦ ﯾﻘﻈﺎن واﻟﻤﻨﺘﺼﺮﯾﻦ ﻟﻠﻮاﻗﻌﯿﺔ اﻟﻈﺎھﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺮار روﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮﯾﺰوﺋﻲ ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻤﺠﺎﻟﺖ اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ أو اﻟﻌﻠﻮم اﻻﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻓﺤﺴﺐ وإﻧﻤﺎ ﯾﺘﻌﺪى ذﻟﻚ إﻟﻰ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻟﻔﯿﺰﯾﺎء واﻟﻜﯿﻤﯿﺎء ﻋﻠﻰ ﺳﺒﯿﻞ اﻟﻤﺜﺎل‪.‬‬
‫وﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮص ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ ﻋﺒﺮ ﺟﻠﯿﻠﺔ وآﯾﺎت ﺑﯿﻨﺎت‪ .‬ﻓﻠﻨﺘﻮﻗﻒ ﻗﻠﯿﻼ ﻋﻨﺪ ھﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺠﻠﯿﻞ‪ ،‬ﻟﻨﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﺪى اﺷﺘﻤﺎل ذﻟﻚ اﻟﺘﻨﺎوب ﻋﻠﻰ ﺟﻞ اﻟﻘﺮاﺋﺢ واﻟﻤﺬاھﺐ‪.‬‬
‫إن ﻗﺼﺔ اﻟﻜﻮن وﺗﻄﻮره‪ ،‬ﻣﻦ ﻧﺸﺄﺗﮫ أو ﻣﻨﻄﻠﻘﮫ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻲ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﮭﺎه أو ﻣﺼﯿﺮه اﻟﻨﮭﺎﺋﻲ‪ ،‬ﻗﺪ ﺷﻐﻠﺖ اﻟﻮرى ﻣﻨﺬ ﻓﺠﺮ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وھﻲ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ أھﻢ اﻟﻤﻮاﺿﯿﻊ اﻟﻤﻄﺮوﺣﺔ ﻓﻲ‬
‫‪ ،‬ﻟﺬا ﺳﻮف ﻧﻘﺘﺼﺮ ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻼﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ‪ 23‬اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﯿﻮم ﻣﻦ‬ ‫ﻣﺨﺎﺑﺮ اﻟﺒﺤﻮث‪ .‬وإن اﻟﺪراﺳﺎت واﻟﻤﻨﺸﻮرات ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻛﺜﯿﺮة ﻣﺘﻮﻓﺮة‪22‬‬

‫اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت اﻟﻔﻠﻜﯿﺔ وﺗﻌﺮف ﻓﻲ اﻷوﺳﺎط اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ "ﺑﺎﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ"‪. 24‬‬

‫ﺗﻨﺺ ھﺬه اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻜﻮن اﻧﻄﻠﻖ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﺸﺎر واﻟﺘﻮﺳﻊ اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ "ذرة اﺑﺘﺪاﺋﺒﺔ"‪ 25‬وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ اﻧﻔﺠﺎر ﻋﻈﯿﻢ‪ .‬وﻗﺪ ﺗﻮاﻟﺖ اﻷدﻟﺔ اﻟﻤﺆﯾﺪة ﻟﮭﺬه اﻷﻃﺮوﺣﺔ‪ ،‬ﻣﻨﮭﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮص ﺗﺒﺎﻋﺪ اﻟﻤﺠﺮات ﻓﯿﻤﺎ ﺑﯿﻨﮭﺎ وﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻮﺳﻊ اﻟﻜﻮﻧﻲ وإﺛﺒﺎت ﺧﻠﻔﯿﺔ اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻜﻮﻧﻲ‪ 26‬اﻟﺼﺎدرﻋﻦ ذﻟﻚ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻜﺒﯿﺮ‪.‬‬
‫وﻗﺪ وﻗﻊ ﺣﻮل ھﺬه اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﺻﺮاع أﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﻲ ﺷﺪﯾﺪ ﻓﻲ اﻷوﺳﺎط اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﺑﯿﻦ ﻣﺆﯾﺪ اﻗﺘﻨﻊ ﺑﻔﻜﺮة اﻟﺨﻠﻖ ﻣﻦ ﻟﺪن ﺧﺎﻟﻖ أﻋﻠﻰ وﺑﯿﻦ ﻣﻌﺎرض ﯾﺮﻓﺾ ﻓﻜﺮة اﻟﺨﻠﻖ وﯾﻨﺘﺼﺮ‬
‫ﻻﻹﻟﺤﺎد‪. 27‬‬
‫وﻻﺑﺄس أن ﻧﺬﻛﺮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق ﺗﻌﻠﯿﻘﺎ ﻷﻟﯿﻜﺴﻨﺪر ﻓﺮﯾﺪﻣﺎن‪ 28‬اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﺪارﺳﯿﻦ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ‪ .‬ﻓﻘﺪ اﻧﻄﻠﻖ ﻓﺮﯾﺪﻣﺎن ﻣﻦ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﺴﺒﯿﺔ‪ 29‬وﺗﺒﯿﻦ ﻟﮫ أن‬
‫اﻟﻜﻮن ﯾﻤﻀﻲ ﻧﺤﻮ اﺣﺘﻤﺎﻟﯿﻦ اﺛﻨﯿﻦ‪ : 30‬إﻣﺎ ﺳﯿﺘﺮاﺟﻊ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﯿﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ ﺣﺘﻰ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻷوﻟﻰ وﯾﻨﮭﺎر ﻛﻠﯿﺎ‪ ، 31‬وإﻣﺎ ﺳﻮف ﯾﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﺪد إﻟﻰ اﻷﺑﺪ‪.‬‬
‫وﻛﻼ اﻟﻨﻤﻮذﺟﯿﻦ‪ :‬اﻷول )وھﻮ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻤﻐﻠﻖ( أو اﻟﺜﺎﻧﻲ )وھﻮ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻤﻔﺘﻮح( ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﯿﺔ اﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ "اﻟﺬرة اﻻﺑﺘﺪاﺋﯿﺔ" أو ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺒﺪاﯾﺔ‪.‬‬
‫واﻟﺴﺆال اﻟﻤﻄﺮوح ﻋﻨﺪﺋﺬ‪ :‬ﻣﺎذا وراء ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻷوﻟﯿﺔ؟‪ .‬ﯾﻘﻮل ﻓﺮﯾﺪﻣﺎن ﻣﻌﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪" :‬ﻟﯿﺲ ﺑﯿﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻄﺔ وﻓﻜﺮة اﻟﺨﻠﻖ إﻻ ﺧﻄﻮة واﺣﺪة"‪. 32‬‬
‫وھﻜﺬا ﻧﺮي أن ﺻﻮت اﻹﯾﻤﺎن ﯾﻘﺮع ﺑﻘﻮة ﻓﻲ آذان ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﻠﻚ اﻟﺤﺪﯾﺚ وﻓﻲ ﻣﺎ ﺳﻮاھﻢ ﻣﻦ اﻟﺮاﺳﺨﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻏﯿﺮ أﻧﮭﻢ اﺧﺘﻠﻔﻮا إﻟﻰ ﻓﺮﯾﻘﯿﻦ‪ :‬ﻓﺮﯾﻖ ازداد إﯾﻤﺎﻧﺎ‬
‫ﻛﺄﻣﺜﺎل اﻟﻘﺴﯿﺲ ﻟﻮﻣﯿﺘﺮ ﻣﻜﺘﺸﻒ "اﻟﺬرة اﻻﺑﺘﺪاﺋﯿﺔ"‪ ،‬وﻓﺮﯾﻖ اﺳﺘﺤﺐ اﻹﻟﺤﺎد ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻤﺎن ﻓﺮاح ﯾﺴﻌﻰ ﺑﻜﻞ ﻗﻮاه ﻓﻲ إﻧﺸﺎء ﻧﻈﺮﯾﺎت ﻛﻮﻧﯿﺔ ﻏﯿﺮ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ وﻻ‬
‫ﺗﻤﺖ ﺑﺼﻠﺔ إﻟﻰ ﻓﻜﺮة اﻟﺨﻠﻖ‪ ،‬ﻛﺄﻣﺜﺎل ھﻮي‪33‬ل وﺑﻌﺾ رواد اﻟﻔﯿﺰﯾﺎء اﻟﻔﻠﻜﯿﺔ ﻓﻲ اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺎﺗﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪.34‬‬
‫وﻣﺎ اﺧﺘﻼف اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ إﻻ ﻧﻤﻮذج آﺧﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﺒﺎﻃﻨﯿﺔ ﻟﺤﻲ ﺑﻦ ﯾﻘﻈﺎن واﻟﻤﻌﺘﻘﺪات اﻟﻈﺎھﺮﯾﺔ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﻟﺮوﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮﯾﺰوﺋﻲ‪ .‬وﻗﺪ ذھﺐ ﻛﻞ ﻓﺮﯾﻖ ﻣﻨﮭﻤﺎ ﯾﺴﻌﻰ ﻣﺴﻌﺎه‬
‫ﻓﻲ ﺣﻞ ﻟﻐﺰ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﻤﻨﺘﮭﻰ‪ :‬إﻟﻰ أﯾﻦ اﻟﻤﺴﺎق؟‪.‬‬
‫‪ -8‬ﺑﯿﻦ اﻹﯾـﻤﺎن واﻹﻟـﺤﺎد‬
‫وﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻤﻄﺎف ﻧﺪرك ﺑﺄن اﻟﺠﺪل اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻣﻨﺬ ﻏﺎﺑﺮ اﻷزﻣﺎن‪ ،‬ﻛﻤﺎ ھﻮ واﺿﺢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﯾﻌﻮد ﻓﻲ أﺻﻠﮫ وﻟﺒﮫ إﻟﻰ ﺗﺪاﻓﻊ ﺑﯿﻦ ﻓﺌﺘﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻓﻲ‬
‫ﻧﻘﯿﺾ‪ ،‬ﯾﺘﺨﻠﻠﮭﻤﺎ ﻃﯿﻒ ﻣﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻦ اﻻﺗﺠﺎھﺎت واﻻﻋﺘﻘﺎدات ﻣﻦ أﻗﺼﻰ اﻟﯿﻤﯿﻦ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ اﻟﺸﻤﺎل‪ ،‬أﻻ إﻧﮭﻤﺎ أھﻞ اﻹﯾﻤﺎن اﻟﺬﯾﻦ ﺻﺪﻗﻮا وﻋﺮﺟﻮا ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ إﻟﻰ ﻣﻦ‬
‫ﻟﮫ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬وأھﻞ اﻹﻟﺤﺎد اﻟﺬﯾﻦ ﺟﺤﺪوا وأﺧﻠﺪوا إﻟﻰ اﻷرض ﻓﺴﻘﻄﻮا درﻛﺎت إﻟﻰ اﻟﮭﺎوﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺬﻛﺮ اﻟﺤﻜﯿﻢ ﻣﺜﻞ اﻷوﻟﯿﻦ ﺑﯿﻦ أﻧﺼﺎر اﻹﯾﻤﺎن وأﻧﺼﺎر اﻹﻟﺤﺎد‪ .‬ﻛﻤﺎ وردت ﻓﯿﮫ ﻧﻤﺎذج ﻋﺪﯾﺪة ﻋﺒﺮة ﻟﻶﺧﺮﯾﻦ‪ ،‬ﻣﻨﮭﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮص ﻣﺎ ﺟﺮى ﻷھﻞ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﮭﻮد اﻟﺨﺎﻟﯿﺔ وﻣﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﻣﻦ آﺛﺎر ﺑﻠﯿﻐﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ‪.‬‬
‫وﯾﺘﻌﯿﻦ ﻋﻠﯿﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق ذﻛﺮ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻦ أھﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻹﻟﻘﺎء اﻷﺿﻮاء ﻋﻠﻰ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻻﺗﺠﺎھﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ أو اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ وإدراك اﻟﺨﻠﻔﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﻣﻦ وراء ﺑﻌﺾ‬
‫ﻛﺒﺮى اﻟﻤﺠﺮﯾﺎت اﻟﺤﺎﺿﺮة‪.‬‬
‫‪ -1 . 8‬أھﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﯿﻦ ﻓﺮﯾﻘﯿﻦ‬
‫ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻔﯿﻨﺔ ﻧﻮح ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم ﻓﯿﺼﻼ ﺑﯿﻦ ﻋﮭﺪ ﺧﻼ ﻣﻨﺬ آدم ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم وﺑﯿﻦ ﻋﮭﺪ ﺟﺪﯾﺪ ﺷﮭﺪه ﻣﻦ ﻧﺠﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﯿﻨﺔ وﻣﻦ ﺗﻨﺎﺳﻞ ﻋﻨﮭﻢ واﻧﺘﺸﺮوا ﻓﻲ‬
‫اﻷرض ﻣﻦ ﺑﻌﺪھﻢ‪ .‬وﻛﺎن إﺑﺮاھﯿﻢ ﻣﻦ ﺷﯿﻌﺔ ﻧﻮح ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ اﻟﺴﻼم‪ ،‬ﻓﺎﺗﺨﺬه اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﺧﻠﯿﻼ وﺟﻌﻠﮫ أﺑﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‪" :‬ﻣﻠﺔ أﺑﯿﻜﻢ إﺑﺮاھﯿﻢ ھﻮ ﺳﻤﺎﻛﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ" )اﻟﺤﺞ‬
 ‫‪.(22/78‬‬
‫وﻛﺘﺐ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓﻲ ذرﯾﺔ إﺑﺮاھﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم اﻟﻨﺒﻮة واﻟﺮﺳﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻓﻜﺎن ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺘﮫ ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﯿﻞ اﻟﺬﯾﻦ ﻓﻀﻠﮭﻢ اﷲ أﯾﻤﺎ ﺗﻔﻀﯿﻞ وأﺻﺒﻎ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻧﻌﻤﮫ ﻇﺎھﺮة وﺑﺎﻃﻨﺔ‬
‫وأرﺳﻞ إﻟﯿﮭﻢ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم ﻟﻨﺼﺮﺗﮭﻢ ﻣﻦ ﻓﺮﻋﻮن وﺟﻨﻮده وھﺪاﯾﺘﮭﻢ ﻻﻹﯾﻤﺎن واﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺘﻮراة‪ ،‬ﺛﻢ اﻧﺤﺮﻓﻮا إﻻ اﻟﻤﺘﻘﯿﻦ ﻣﻨﮭﻢ وآﺛﺮوا اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮة‬
‫وأﺣﺒﻮا اﻟﻤﺎل ﺣﺒﺎ ﺟﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺄﺷﺮﺑﻮا ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ اﻟﻌﺠﻞ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﮫ اﻟﺴﺎﻣﺮي ﻣﻦ اﻟﺬھﺐ‪ .‬ﻗﺎل ﻋﺰ وﺟﻞ ﻋﻨﮭﻢ‪" :‬وإذ أﺧﺬﻧﺎ ﻣﯿﺜﺎﻗﻜﻢ ورﻓﻌﻨﺎ ﻓﻮﻗﻜﻢ اﻟﻄﻮر ﺧﺬوا ﻣﺎ آﺗﯿﻨﺎﻛﻢ ﺑﻘﻮة واﺳﻤﻌﻮا‬
‫ﻗﺎﻟﻮا ﺳﻤﻌﻨﺎ وﻋﺼﯿﻨﺎ وأﺷﺮﺑﻮا ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ اﻟﻌﺠﻞ ﺑﻜﻔﺮھﻢ ﻗﻞ ﺑﺌﺴﻤﺎ ﯾﺄﻣﺮﻛﻢ ﺑﮫ إﯾﻤﺎﻧﻜﻢ إن ﻛﻨﺘﻢ ﻣﺆﻣﺘﯿﻦ")اﻟﺒﻘﺮة ‪.(2/93‬‬
‫وأرﺳﻞ اﻟﻤﻮﻟﻰ ﻋﺰ وﺟﻞ إﻟﯿﮭﻢ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻋﯿﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﯾﻢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم وأﻧﺰل ﻣﻌﮫ اﻹﻧﺠﯿﻞ ﻟﯿﺮدھﻢ إﻟﻰ رﺷﺪھﻢ وﯾﮭﺪﯾﮭﻢ ﺳﺒﻞ اﻟﺴﻼم‪ ،‬ﻟﻜﻨﮭﻢ ﻛﻔﺮوا ﺑﻨﻌﻢ اﷲ ﻋﻠﯿﮭﻢ وﻗﺴﺖ‬
‫ﻗﻠﻮﺑﮭﻢ ﻓﮭﻲ ﻛﺎﻟﺤﺠﺎرة أو أﺷﺪ ﻗﺴﻮة وھﻤﻮا ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم ﻓﺄﻧﺠﺎه اﷲ ﻣﻨﮭﻢ ورﻓﻌﮫ إﻟﯿﮫ‪" :‬وﻗﻮﻟﮭﻢ إﻧﺎ ﻗﺘﻠﻨﺎ اﻟﻤﺴﯿﺢ ﻋﯿﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﯾﻢ رﺳﻮل اﷲ وﻣﺎ ﻗﺘﻠﻮه وﻣﺎ ﺻﻠﺒﻮه‬
‫وﻟﻜﻦ ﺷﺒﮫ ﻟﮭﻢ ")اﻟﻨﺴﺎء ‪ .(4/157‬وﻛﺎن ﻣﻦ أﺗﺒﺎع اﻟﻤﺴﯿﺢ اﻟﺤﻮارﯾﻮن اﻟﺬﯾﻦ اﻧﺘﺼﺮوا ﷲ‪" :‬ﻓﻠﻤﺎ أﺣﺲ ﻋﯿﺴﻰ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻜﻔﺮ ﻗﺎل ﻣﻦ أﻧﺼﺎري إﻟﻰ اﷲ ﻗﺎل اﻟﺤﻮارﯾﻮن ﻧﺤﻦ أﻧﺼﺎر اﷲ آﻣﻨﺎ‬
‫ﺑﺎﷲ واﺷﮭﺪ ﺑﺄﻧﺎ ﻣﺴﻠﻤﻮن" )آل ﻋﻤﺮان ‪ .(3/52‬ﻓﻜﺎن ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻨﺼﺎرى اﻟﺬﯾﻦ وﻗﻌﻮا ﻓﻲ ﺷﺒﮭﺎت اﻟﺘﺜﻠﯿﺚ واﺑﺘﺪﻋﻮا رھﺒﺎﻧﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ‪" :‬ﺛﻢ ﻗﻔﯿﻨﺎ ﻋﻠﻰ آﺛﺎرھﻢ ﺑﺮﺳﻠﻨﺎ وﻗﻔﯿﻨﺎ‬
‫ﺑﻌﯿﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﯾﻢ وآﺗﯿﻨﺎه اﻹﻧﺠﯿﻞ وﺟﻌﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﺬﯾﻦ اﺗﺒﻌﻮه رأﻓﺔ ورﺣﻤﺔ ورھﺒﺎﻧﯿﺔ اﺑﺘﺪﻋﻮھﺎ ﻣﺎ ﻛﺘﺒﻨﺎھﺎ ﻋﻠﯿﮭﻢ إﻻ اﺑﺘﻐﺎء رﺿﻮان اﷲ ﻓﻤﺎ رﻋﻮھﺎ ﺣﻖ رﻋﺎﯾﺘﮭﺎ ﻓﺂﺗﯿﻨﺎ اﻟﺬﯾﻦ آﻣﻨﻮا ﻣﻨﮭﻢ أﺟﺮھﻢ‬
‫وﻛﺜﯿﺮ ﻣﻨﮭﻢ ﻓﺎﺳﻘﻮن" )اﻟﺤﺪﯾﺪ ‪.(57/27‬‬
‫وھﻜﺬا اﻧﺸﻖ أھﻞ اﻟﻜﺘﺎب إﻟﻰ ﻓﺮﯾﻘﯿﻦ‪:‬‬
‫ﻓﺮﯾﻖ ﻣﻨﮭﻢ آﺛﺮوا اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺪﻧﯿﺎ‪" :‬وﻟﺘﺠﺪﻧﮭﻢ أﺣﺮص اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎة" )اﻟﺒﻘﺮة ‪ ،(2/96‬واﺛﺎﻗﻠﻮا إﻟﻰ اﻷرض واﻟﺘﺼﻘﻮا ﺑﮭﺎ‪ .‬وﻛﺎﻧﻮا أﻛﺜﺮ اﻟﺘﺼﺎﻗﺎ وﺗﻤﺴﻜﺎ ﺑﺎﻟﺬھﺐ اﻟﺬي اﺑﺘﻠﻮا ﺑﮫ‬
‫)وﻣﺎ ﯾﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﻓﻀﺔ وﻛﻞ ﻧﻔﯿﺲ(‪ ،‬ﻓﺘﺪاوﻟﻮه ﺟﯿﻼ ﺑﻌﺪ ﺟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى أﺣﻘﺎب وأزﻣﺎن‪ ،‬وﺗﻤﻜﻨﻮا ﺑﻤﮭﺎرة وﻣﻜﺮ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ أرﺑﺎب اﻟﻤﺎل واﻷﻋﻤﺎل وﺑﺴﻂ ﻧﻔﻮذھﻢ ﻋﺒﺮ‬
‫ﻣﺆﺳﺴﺎت دوﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻤﻮرة ﻛﻠﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻓﺮﯾﻖ ﻣﻨﮭﻢ زھﺪوا ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻋﺘﺰﻟﻮا ﻟﺬاﺗﮭﺎ ﻣﻤﺎ أﺣﻞ اﷲ ﻟﻠﻌﺒﺎد‪ ،‬وﻗﺎﻟﻮا ﺑﺄن ﻣﻠﻚ اﷲ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة‪ ،‬واﻋﺘﻘﺪوا أن ﻣﺎ ﻟﻘﯿﺼﺮ ﻓﮭﻮ ﻟﻘﯿﺼﺮ وﻣﺎ ﷲ ﻓﮭﻮ ﷲ‪.‬‬
‫وھﻜﺬا اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻏﺮار ھﺬﯾﻦ اﻟﻔﺮﯾﻘﯿﻦ ﺑﯿﻦ اﺗﺠﺎھﯿﻦ ﻣﺘﻨﺎﻇﺮﯾﻦ‪ :‬أﺣﺪھﻤﺎ ﯾﻐﻮص ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﻤﺎدﯾﺎت واﻵﺧﺮ ﯾﮭﯿﻢ ﻓﻲ أﻋﺎﻟﻲ اﻟﺮوﺣﺎﻧﯿﺖ‪ .‬وﻓﻲ ذﻟﻚ ﺧﯿﺮ ﻧﻤﻮذج‬
‫ﻟﻤﻦ ﺳﻠﻜﻮا ﺳﺒﯿﻞ ﺣﻲ ﺑﻦ ﯾﻘﻈﺎن أو اﻧﺘﮭﺠﻮا ﻣﻨﮭﺞ روﺑﻨﺴﻮن ﻛﺮﯾﺰوﺋﻲ‪.‬‬
‫وﻧﺮى ﻣﻦ ﻗﺼﺔ أھﻞ اﻟﻜﺘﺎب أن اﻟﺰﯾﻎ واﻟﻀﻼل ﯾﻜﻮﻧﺎن ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ "اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ" اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺤﺼﻼن ﻓﻲ أرض "اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ" اﻟﻤﺎدﯾﺔ‪ ،‬ﻏﯿﺮ أن أﺣﺪ اﻻﺗﺠﺎھﯿﻦ "أﻗﺮب‬
‫ﻣﻮدة" ﻣﻦ أھﻞ اﻹﯾﻤﺎن واﻵﺧﺮ "أﺷﺪ ﻋﺪاوة" ﻟﮭﻢ‪.‬‬
‫وﻻ ﺑﺪ إذن ﻣﻦ ﻣﻨﮭﺎج أﺻﯿﻞ ﯾﻌﻮد إﻟﯿﮫ اﻻﻧﺴﺎن ﻟﻠﺨﺮوج ﺑﮫ إﻟﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻷﻣﺎن‪.‬‬
‫‪ -2 . 8‬اﻟﻤﻨﮭﺎج اﻟﻮﺳﻄﻲ‬
‫ﻓﻜﺎن ﻣﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ أن ﺑﻌﺚ ﻣﺤﻤﺪا ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ‪ ،‬ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ إﺑﺮاھﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺴﻼم‪ ،‬وﺟﻌﻠﮫ ﺧﺎﺗﻢ اﻟﻨﺒﯿﯿﻦ وأﻧﺰل ﻣﻌﮫ اﻟﻘﺮآن ﻟﮭﺪاﯾﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﺟﻤﻌﺎء إﻟﻰ‬
‫اﻟﻮﺳﻄﯿﺔ ﺑﯿﻦ ﻏﻠﻮ ھﺆﻻء وأوﻻﺋﻚ‪" :‬وﻛﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ أﻣﺔ وﺳﻄﺎ ﻟﺘﻜﻮﻧﻮا ﺷﮭﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس وﯾﻜﻮن اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺷﮭﯿﺪا" )اﻟﺒﻘﺮة ‪ ،(2/143‬وﺑﯿﻦ أن ذﻟﻚ ﻣﻨﮭﺎج إﺑﺮاھﯿﻢ ﻋﻠﯿﮫ‬
‫اﻟﺴﻼم اﻟﺬي زاغ ﻋﻨﮫ أھﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪" :‬ﻣﻠﺔ أﺑﯿﻜﻢ إﺑﺮاھﯿﻢ ھﻮ ﺳﻤﺎﻛﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ " )اﻟﺤﺞ ‪.(22/78‬‬
‫وﻟﻮﻻ ﻓﻀﻞ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺜﺔ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ رﺣﻤﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﯿﻦ ﻟﻀﻞ اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﯿﻦ‪ ،‬ﺟﯿﻼ ﺑﻌﺪ ﺟﯿﻞ إﻟﻰ ﯾﻮم اﻟﺪﯾﻦ‪ ،‬ﺑﯿﻦ ﺗﯿﮫ ﻓﻲ ﻏﯿﺎھﯿﺐ اﻟﺮوﺣﺎﻧﯿﺎت وﻟﺞ ﻓﻲ ﻏﯿﺎﺑﺎت‬
‫اﻟﻤﺎدﯾﺎت‪.‬‬
‫وﺗﺮى اﻟﯿﻮم ﺗﻜﺎﻟﺐ ﺷﺮار اﻟﻤﻌﻤﻮرة ﻓﻲ ﻣﺤﺎرﺑﺔ ھﺬا اﻟﻤﻨﮭﺎج اﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺼﻨﻌﻮن ذﻟﻚ ﺑﺎﻷﻣﺲ‪ .‬ﻓﮭﻢ ﯾﺴﻌﻮن ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﻄﻌﻦ ﻓﻲ رﺳﻮل اﷲ وھﻮ ﺧﯿﺮ‬
‫اﻟﺒﺮﯾﺔ‪ ،‬وﺗﺤﺮﯾﻒ ﻛﺘﺎب اﷲ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺄﺗﯿﮫ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ﯾﺪﯾﮫ وﻻ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﮫ‪ ،‬واﻟﻤﺴﺎس ﺑﺎﻟﻤﻘﺪﺳﺎت ﻛﺎﻟﻘﺪس اﻟﺸﺮﯾﻒ اﻟﺘﻲ إﻧﻤﺎ ھﻲ ﺷﻌﺎﺋﺮ وﻣﻨﺎرات ﻟﻠﺒﺸﺮﯾﺔ ﺟﻤﻌﺎء‪،‬‬
‫واﻟﻨﯿﻞ ﻣﻦ أﻋﺮاض اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺄﻣﺮون ﺑﺎﻟﻘﺴﻂ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ اﻟﺬي ﺑﻌﺚ ﺑﺨﺎﺗﻢ اﻟﻨﺒﯿﯿﻦ وأﻧﺰل اﻟﻔﺮﻗﺎن ھﺪى ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﯿﻦ‪ ،‬ﯾﻘﻮل وھﻮ أﺻﺪق اﻟﻘﺎﺋﻠﯿﻦ‪" :‬ﯾﺮﯾﺪون ﻟﯿﻄﻔﺌﻮا ﻧﻮر اﷲ ﺑﺄﻓﻮاھﮭﻢ واﷲ ﻣﺘﻢ ﻧﻮره وﻟﻮ ﻛﺮه اﻟﻜﺎﻓﺮون" )اﻟﺼﻒ ‪.(61/8‬‬
‫واﷲ ﯾﮭﺪي اﻟﺴﺒﯿﻞ وھﻮ وﻟﻲ اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ‪.‬‬

‫‪1‬وﺟﺪ دراﺳﺎت ﺛﺮﯾﺔ ﺣﻮل ھﺬﯾﻦ اﻟﻘﻄﺒﯿﻦ‪ ،‬ﺗﻨﺎوﻟﮭﺎ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﻌﻠﻤﺎء ﻗﺪﯾﻤﺎ وﺣﺪﯾﺜﺎ‪ ،‬ﻛﺄﻣﺜﺎل أﻓﻼﻃﻮن وأرﺳﻄﻮ‪ ،‬وﻃﻮﻣﺎ اﻹﻛﻮﯾﻨﻲ ودﯾﻜﺎرت‪ ،‬وﻛﺎﻧﻂ وراﺳﻞ‪،‬‬
‫وھﯿﻐﻞ وﻣﺎرﻛﺲ‪ ،‬وﻏﯿﺮھﻢ‪.‬‬
‫‪ 2‬اﻟﻼأدرﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺒﺮ ﻋﻨﮭﺎ ﺷﺎﻋﺮ اﻟﻤﮭﺠﺮ إﯾﻠﯿﺎ أﺑﻮ ﻣﺎﺿﻲ ﻓﻲ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﺑﻘﻮﻟﮫ‪ :‬ﻟﺴﺖ أدري‬
‫ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻷﻓﻜﺎر‪ ،‬اﻟﺒﯿﻨﺎت‪ ،‬اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪.‬‬
‫‪ 3‬إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻗﺼﺔ روﺑﻨﺴﻦ ﻛﺮﯾﺰوي )‪ ،(Robinson Crusoë‬ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ‪ :‬داﻧﯿﺎل دو ﻓﻮي )‪ ،(Daniel deFoe 1660-1731‬و إﻟﻰ ﻗﺼﺔ ﺣﻲ ﺑﻦ ﯾﻘﻈﺎن ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ‪ :‬اﺑﻦ‬
‫ﻃﻔﯿﻞ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ )ت‪ .‬ﺳﻨﺔ‪581 :‬ھـ‪1185/‬م (‪ ،‬ذﻛﺮھﻤﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻗﻔﯿﻦ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﯿﻦ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﯿﻦ ﻣﺜﺎﻟﯿﺔ اﻷﻓﻜﺎر وواﻗﻌﯿﺔ‬
‫اﻷﺷﯿﺎء‪.‬‬
‫‪ 4‬اﻧﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‬
‫‪ 5‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‬
‫‪Idées , Ideas 6‬‬
‫‪Formes, Forms (in Greek: Ideas) 7‬‬
‫‪Plato:"The Allegory of the Cave and The Divided Line" 8‬‬
‫‪ 9‬اﻧﻈﺮ ﻓﻲ‪Kline, Morris: Mathematics: The Loss of Certainty, Oxford University Press, 1980 :‬‬
‫‪ 10‬أﻣﺜﺎل اﺑﻦ رﺷﺪ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ‪ ،‬وﻃﻮﻣﺎ اﻹﻛﻮﯾﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﯿﺤﯿﺔ وﻣﻮﺳﻰ ﻣﯿﻤﻮﻧﯿﺪ ﻓﻲ اﻟﯿﮭﻮدﯾﺔ‪ :‬ﺑﺤﺜﻮا ﻓﻲ اﻻﻧﺴﺠﺎم ﺑﯿﻦ اﻟﻌﻘﻞ واﻹﯾﻤﺎن واﻟﺘﻮازن ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ‪.‬‬
‫‪ 11‬ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛﺲ )‪ : (K. Marx‬اﻟﺮأﺳﻤﺎل‬
‫‪Le Capital, Postface à la 2ème édition allemande. Editions Sociales 12‬‬
‫‪ 13‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ‬
‫‪Mao Zedong: Oeuvres Choisies, T. 1, p. 252 14‬‬
‫‪ 15‬ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛﺲ )‪ : (K. Marx‬اﻟﺮأﺳﻤﺎل‬
‫‪ 16‬ﯾﻮﻧﻎ )‪ ،(CG Jung 1875-1961‬ﻋﺎﻟﻢ ﻧﻘﺴﺎﻧﻲ ﺳﻮﯾﺴﺮي‪ ،‬ﺑﻨﻰ ﻧﻈﺮﯾﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻤﺜﻞ اﻷﺻﻠﯿﺔ اﻟﻼﺷﻌﻮرﯾﺔ )‪ (archetypes‬واﺧﺘﻠﻒ ﻣﻊ ﻣﺆﺳﺲ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ‬
‫اﻟﺘﺤﻠﯿﻠﻲ ﻓﺮوﯾﺪ )‪ (S. Freud 1856-1939‬اﻟﺬي ﺑﻨﻰ ھﻮ اﻵﺧﺮ ﻧﻈﺮﯾﺘﮫ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻗﺔ اﻟﻐﺮاﺋﺰ اﻟﺠﻨﺴﯿﺔ )‪.(Libido Theory‬‬
‫‪ 17‬اﻟﻤﺜﻞ اﻷﺻﻠﯿﺔ اﻟﻼﺷﻌﻮرﯾﺔ‪archetypes :‬‬
‫‪ 18‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ‪ ،‬اﻟﺤﻠﻘﺎت اﻷﺳﺒﻮﻋﯿﺔ‬
‫‪.S. Freud: Contribution à l'histoire de la psychanalyse (1914) , p. 47 19‬‬
‫‪ 20‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪.p. 51‬‬
‫‪ 21‬اﻟﻤﺼﺪر اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪.p. 54‬‬
‫‪ 22‬راﺟﻊ ﻣﺜﻼ‪" - :‬ﻗﺼﺔ اﻟﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺒﺪاﺋﯿﺔ إﻟﻰ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ" ﻟﻠﻤﺆﻟﻔﯿﻦ ﺟﻤﺎل ﻣﯿﻤﻮﻧﻲ وﻧﻀﺎل ﻗﺴﻮم‪ ،‬دار اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‪ ،‬اﻟﺠﺰاﺋﺮ ‪A Brief" - .1998‬‬
‫‪History of Time", by Stephen Hawking . Bantam Books‬‬
‫‪ 23‬ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ )‪ .(Big Bang Theory‬اﻧﻈﺮ ﻣﺜﻼ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﺎدر اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ‪.‬‬
‫‪ 24‬اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ‪Standard Model :‬‬
‫‪ 25‬ﺻﺎﺣﺐ ھﺬه اﻟﺘﺴﻤﯿﺔ ھﻮ ﻟﻮﻣﺎﺗﺮ )‪ (Lemaitre‬اﻟﺬي ﯾﻌﺘﺒﺮ اﻷب اﻟﺮوﺣﻲ ﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ‬
‫‪ 26‬اﻛﺘﺸﺎف اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻜﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﻃﺮف ﺑﻨﺰﯾﺎس )‪ (A. Penzias‬ووﻟﺴﻮن )‪ (Wilson‬ﺳﻨﺔ ‪1965‬‬
‫‪ 27‬اﻧﻈﺮ ﺗﻔﺼﯿﻞ ذﻟﻚ ﻣﺜﻼ ﻓﻲ‪" :‬اﻟﺼﺮاع اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﻲ ﺣﻮل ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ"‪ ،‬ﺿﻤﻦ‪" :‬ﻗﺼﺔ اﻟﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻮرات اﻟﺒﺪاﺋﯿﺔ إﻟﻰ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ" ‪ ،‬ﻣﺼﺪر ﺳﺎب‬
‫ق‬
‫‪ 28‬أﻟﻜﺴﻨﺪر ﻓﺮﯾﺪﻣﺎن )‪ (Alexander Friedman: 1888-1925‬رﯾﺎﺿﻲ روﺳﻲ‬
‫‪ 29‬ﻋﺎﻟﺞ ﻓﺮﯾﺪﻣﺎن ﻣﻌﺎدﻟﺔ آﻧﺸﺘﺎﯾﻦ ﻟﻠﻨﺴﺒﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ وذﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﺮﯾﺎﺿﯿﺔ‪.‬‬
‫‪ 30‬اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻟﻠﻨﻤﺎذج اﻟﻜﻮﺳﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺎھﺎ ﻓﺮﯾﺪﻣﺎن‪ ،‬ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺴﺒﺔ ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﻜﻮن اﻟﺤﺮﺟﺔ إﻟﻰ ﻛﺜﺎﻓﺘﮫ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ‪ :‬إذا ﻛﺎﻧﺖ ھﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻮاﺣﺪ‬
‫ﯾﻜﻮن اﻻﻧﮭﯿﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ )‪ (Big Crunch‬واﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻜﻮﻧﻲ ﻣﻐﻠﻖ‪ ،‬وإذا ﻛﺎﻧﺖ أﻛﺒﺮ ﻛﺎن اﻻﻣﺘﺪاد إﻟﻰ اﻷﺑﺪ واﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻜﻮﻧﻲ ﻣﻔﺘﻮح‪ ،‬وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺎوي اﻟﻮاﺣﺪ ﯾﻜﻮن‬
‫اﻟﻨﻤﻮذج ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ أﯾﻀﺎ‪.‬‬
‫‪ 31‬ﯾﺪﻋﻰ ھﺬا اﻟﻨﻤﻮذج ﺑﺎﻻﻧﮭﯿﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ )‪ (Big Crunch‬ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ )‪ ،(Big Bang‬وھﻮ ﻣﺎ أﺷﺎر إﻟﯿﮫ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﯾﻢ ﻓﻲ اﻵﯾﺎت‪" :‬ﯾﻮم ﻧﻄﻮي اﻟﺴﻤﺎء‬
‫ﻛﻄﻲ اﻟﺴﺠﻞ ﻟﻠﻜﺘﺐ ﻛﻤﺎ ﺑﺪأﻧﺎ أول ﺧﻠﻖ ﻧﻌﯿﺪه وﻋﺪا ﻋﻠﯿﻨﺎ إﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﺎﻋﻠﯿﻦ" )اﻷﻧﺒﯿﺎء ‪" ،(21/104‬ﻓﺎرﺗﻘﺐ ﯾﻮم ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺪﺧﺎن ﻣﺒﯿﻦ" )اﻟﺪﺧﺎن ‪.(44/10‬‬
‫‪ 32‬أﻟﻜﺴﻨﺪر ﻓﺮﯾﺪﻣﺎن‪ ،‬ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻓﻲ إﺣﺪى ﻣﺤﺎﺿﺮاﺗﮫ اﻷﺳﺒﻮﻋﯿﺔ ﺑﺎﻟﺠﺰاﺋﺮ‬
‫‪ 33‬ھﻮﯾﻞ )‪ (Sir Fred Hoyle: 1915-2001‬اﻟﺬي ﺻﺎغ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻜﻮن اﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ﻛﺒﺪﯾﻞ ﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﯿﻢ‪ ،‬وﻗﺪ ﺧﻔﻘﺖ ﻋﻠﻰ إﺛﺮ اﻛﺘﺸﺎف ﺧﻠﻔﯿﺔ اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻜﻮﻧﻲ‬
‫ﺳﻨﺔ ‪.1965‬‬
‫‪ 34‬ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ اﻟﺨﺼﻮص آﻣﺒﺎرﺗﺴﻮﻣﯿﺎن )‪ ،(V.A. Ambartsumian‬وھﻮ ﻣﻦ رواد اﻟﺴﻮﻓﯿﺎﺗﯿﺔ ﻟﻠﻔﯿﺰاء اﻟﻔﻠﻜﯿﺔ‬