Professional Documents
Culture Documents
شريعة اسلامية
Uploaded by
mayadaali504Copyright
Available Formats
Share this document
Did you find this document useful?
Is this content inappropriate?
Report this DocumentCopyright:
Available Formats
شريعة اسلامية
Uploaded by
mayadaali504Copyright:
Available Formats
ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺃﺳﻴﻮﻁ
ﻛﻠﻴﺔ ﺍﳋﺪﻣﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﺩﺭﺍﺳـــﺎﺕ
ﰲ
ﺍﻟﺸﺮﻳﻌـﺔ ﺍﻹﺳـﻼﻣﻴﺔ
ﺭﺑﻴﻊ ﺩﺭﺩﻳﺮ ﳏﻤﺪ ﻋﻠﻰ/ ﺩ.ﺍ
ﻋﺎﺩﻝ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣـﻤﻦ ﺍﻟﻌﻴﺴﻮﻱ
ـ٣ ـ
ﺑﺴﻢ ﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﯿﻢ
اﻟﺣﻣد ﷲ ،واﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ رﺳـول اﷲ ،وآﻟـﻪ وﺻـﺣﺑﻪ
وﻣن واﻻﻩ ﻓﻰ ﻛل ﻟﻣﺣﺔ وﻧﻔس ﻋدد ﻣﺎ وﺳﻌﻪ ﻋﻠم اﷲ .
أﻣﺎ ﺑﻌـــد
ﻓﺈن ﻋﻠم اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﺣورﻩ زاﺧرة ،ورﯾﺎﺿـﻪ ﻧﺎﺿـرة ،
وأﺻـوﻟﻪ ﺛﺎﺑﺗـﺔ ﻣﻘـررة ،ﺑـﻪ أﺧـرج اﻟرﺳـول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ
اﻟﻧﺎس ﻣن ﺣﯾﺎة اﻟﺟﺎﻫﻠﯾـﺔ اﻟﻣـﺿطرﺑﺔ ،إﻟـﻰ ﺣﯾـﺎة اﻟﻔـﺿﯾﻠﺔ اﻵﻣﻧـﺔ ،
ﻓــﺳﺎد ﻓﯾﻬــﺎ اﻟﺣــق واﻟﻌــدل ،واﻹﺧــﻼص واﻟرﺣﻣــﺔ ،واﻹﺧــﺎء واﻟﺧﯾــر ،
ﻓﻛﺎﻧت ﺑﺣق اﻟدﺳﺗور اﻟﺳﻣﺎوى ﻷﻫل اﻷرض ﻻ أﻣن ﻟﻬم إﻻ ﺑﻬﺎ ،وﻻ
ﻋدل وﻻ رﺣﻣﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﺳﯾر ﻓﻰ رﻛﺎﺑﻬﺎ .
وﻟﻘد ظل اﻟﻣﺳﻠﻣون ﯾطﺑﻘون اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻰ ﺣﯾﺎﺗﻬم ،
ﻓﻛﺎﻧوا ﺑﻬﺎ أﻋزة أﻗوﯾﺎء ،وﻛﺎن اﻟﻧﺻر ﺣﻠﯾﻔﻬم ﺿد ﻗوى اﻟﺷر واﻟﺑﻐـﻰ
،واﻟظﻠم واﻟﻌـدوان ،وأﻧـﺎروا ﻟﻠﺑـﺷرﯾﺔ طرﯾـق اﻟﺧﯾـر ،وﻟﻘﻧوﻫـﺎ ﻣﺑـﺎدئ
اﻟﺣق واﻟﻌدل ،واﻟﺣرﯾﺔ واﻟﻣﺳﺎواة .
وﻟﻘد ﺗﻧﺑﻪ أﻋداء اﻹﺳـﻼم إﻟـﻰ ﺳـر ﻋـزة اﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن واﻧﺗـﺻﺎرﻫم
ﻓﺄﻓرﻏوا وﺳﻌﻬم ﻓﻰ إﺑﻌﺎد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋن ﺷرﯾﻌﺗﻬم ،وﻛﺎﻧت ﻏﺎﯾـﺔ ﻛـل
ﻣﺳﺗﻌﻣر ﻟﺑﻠد إﺳﻼﻣﻰ ﻫو ﺻد أﻫﻠﻪ ﻋن دﯾﻧﻬم ،وﺗرﻛﻬم ﻟﺷرﯾﻌﺗﻬم ،
ﻓﺎﺳــﺗﺑدﻟوﻫﺎ ﺑﻘ ـواﻧﯾن ﻣــن ﺻــﻧﻌﻬم ،وﺿــﻌت ﻓــﻰ اﻷﺻــل ﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎﺗﻬم
اﻟﺗـــﻰ ﺗﺧﺎﻟﻔﻧـــﺎ ﻓـــﻰ اﻟـــدﯾن واﻟﺗـــﺎرﯾﺦ واﻟﻌـــﺎدات واﻟﺗﻘﺎﻟﯾـــد ،ﻓﺄﺻـــﺑﺣت
اﻟﺷﻌوب اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺗﺣﻛم ﺑﻧظم ﻗﺎﻧوﻧﯾـﺔ ﻏرﯾﺑـﺔ ﻋﻧﻬـﺎ ،وﻓﻘـدت اﻷﻣـﺔ
ﺑذﻟك ﻣﺻدر ﻋزﺗﻬﺎ ،وﺳﺑب ﻗوﺗﻬـﺎ ،وﺗـم ﻟﻠﻣـﺳﺗﻌﻣرﯾن ﻣـﺎ أرادوا ﻣـن
ـ ٤ـ
ﺗﻔﺗﯾـــت وﺣـــدة اﻟﻌـــرب واﻟﻣـــﺳﻠﻣﯾن ) ، (١وﻋﻠـــﻰ ﻛـــل ﺣـــﺎل ﺳـــوف ﺗﻔﻘـــد
اﻟﺑـﺷرﯾﺔ ﺟﻣﻌــﺎء اﻷﻣــن واﻟطﻣﺄﻧﯾﻧــﺔ ،وﺗﺧطــﺊ طرﯾــق اﻟﺣــق واﻟﻌــدل ،
طﺎﻟﻣــﺎ ﻛﺎﻧــت ﺑﻌﯾــدة ﻋــن ﺷــرع اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ اﻟــذى ﻻ ﺑــدﯾل ﻋﻧــﻪ ﻹﺧ ـراج
اﻟﻧﺎس ﻣن ظﻠﻣﺎت اﻟﺳﯾطرة واﻟظﻠم واﻟﻛﺑر ،إﻟـﻰ ﻧـور اﻹﯾﻣـﺎن واﻟﻌـدل
واﻟﺗواﺿﻊ .
وﻟﯾﻌﻠم ﻛل إﻧﺳﺎن أن ﺧﯾـر ﻣـﺎ ﯾﺛﻘـف اﻟطﺑـﺎع وﯾﻧﯾرﻫـﺎ ،وﯾﻧﻣـﻰ
ﻣﻠﻛﺎت اﻟﻔﺿﺎﺋل ﻓﻰ اﻹﻧﺳﺎن وﯾزﯾﻧﻬـﺎ ،ﻫـو ﻋﻠـم اﻟـﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ
اﻟﻣؤﺳس ﺑﺎﻟوﺣﻰ اﻹﻟﻬﻰ ،ﻓﯾﺑﻠﻎ ﺑﺻﺎﺣﺑﻪ ﻣﺑﻠﻎ اﻻطﻣﺋﻧﺎن اﻟﻧﻔـﺳﻰ ،
واﻟﺳﻣو اﻟروﺣﻰ ،ﻓﻬو اﻟﺟدﯾر ﺑﺄن ﯾﻌﻧﻰ ﺑدراﺳﺗﻪ وﺗدرﯾﺳﻪ ،وﺗﻧﺷﺋﺔ
ــﯾﺎﺟﺎ
اﻷﺟﯾــﺎل ﻋﻠــﻰ روﺣــﻪ اﻟﻘــوﯾم ،ودﺳــﺗورﻩ اﻟﻣــﺳﺗﻘﯾم ،ﻟﯾﻛــون ﺳـ ً
ﻣﻧﯾﻌــﺎ ﯾﺣﻣــﻰ ﺻــﺎﺣﺑﻪ ﻣــن اﻟﻌﺑودﯾــﺔ ﻟﻐﯾــر اﷲ وﯾــﺻوﻧﻪ ﻣــن اﻟــﺷذوذ
ً
واﻻﻧﺣراف ،وﯾدﻓﻊ ﻋﻧﻪ اﻟﺷﻛوك واﻷﺑﺎطﯾل .
وﻓﻰ ﻫذا اﻟﻛﺗﺎب ﺳوف ﻧﻛﺷف اﻟﻠﺛـﺎم ـ ﺑﻌـون اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ـ ﻋـن
ﻣﻌﻧـــﻰ اﻟـــﺷرﯾﻌﺔ واﻟﻔﻘـــﻪ ،وﻧـــﺷوء ﻛـــل ﻣﻧﻬﻣـــﺎ ﻋﻠـــﻰ أﺳـــس ﻣﺗﯾﻧـــﺔ ،
وأﻫــداف ﻗوﯾﻣــﺔ ،ﻣﺑﯾﻧــﺎ ﻣﺑــﺎديء ﻫــذا اﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻟــﺳﺎﻣﻲ ،ﺛــم ﻧﻠﻘــﻰ
اﻟﺿوء ﻋﻠﻰ ﺧﺻﺎﺋص اﻟـﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ ،وذﻟـك ﻓـﻲ اﻟﻘـﺳم اﻷول
ﺛم ﻧﺗطرق ﻟﻣﺻﺎدر اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻻﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻲ ،وأﺧﯾراً ﺑﯾﺎن
ﻣوﺟز ﻋن أﺣﻛﺎم اﻷﺳرة ﻓﻲ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻟث .
ﺧﺎﻟـﺻﺎ ﻟوﺟﻬـﻪ
ً ﻓﺄﺳﺄل اﷲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﯾﺟﻌل ﻫذا اﻟﻛﺗـﺎب
) (١ﯾﻘول ﻏﻼﺳﺗون اﻻﻧﺟﻠﯾزى " :ﻻ ﺗﻘﯾم ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷرق ﻣﺎ ﻟم ﯾرﻓﻊ اﻟﺣﺟـﺎب ﻋـن وﺟـﻪ اﻟﻣـرأة وﯾﻐطـﻰ
ﺑﻪ اﻟﻘرآن ٕ ،واﺗﯾﺎن اﻟﻣﺳﻛرات واﻟﻣﺧدرات ٕواﺗﯾﺎن اﻟﻔواﺣش واﻟﻣﻧﻛرات ﻓﺗﺧﺗل ﻗوى اﻹﺳﻼم .
ـ ٥ـ
اﻟﻛـرﯾم ،وأن ﯾﺟﻌﻠــﻪ ﻣــن اﻟــﺳﻌﻰ اﻟﻣــﺷﻛور ،وﻣــن اﻟﺑــﺿﺎﻋﺔ اﻟﺗــﻰ ﻻ
ﺗﺑــور ،وأن ﯾﻛـــﺳوﻩ ﺟﻠﺑــﺎب اﻟﻘﺑـــول ،وأن ﯾﻧﻔـــﻊ ﺑــﻪ ﻣـــن طﺎﻟﻌـــﻪ ،أو
ﺷــﯾﺋﺎ ﻣﻧــﻪ ،أو ﻋﻣــل ﺑﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ ،واﷲ وﻟــﻰ اﻟﺗوﻓﯾــق واﻟـــﺳداد،
ﺣــﺻل ً
وﻋﻠﯾﻪ اﻟﺗﻛﻼن واﻻﻋﺗﻣﺎد ،ﻫو ﺣﺳﺑﻧﺎ وﻧﻌم اﻟوﻛﯾل.
دﻛﺗور
رﺑﯾﻊ دردﯾر ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻰ
أﺳﺗﺎذ ورﺋﯾس ﻗﺳم اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ
ﻛﻠﯾﺔ اﻟﺣﻘوق ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﺳﯾوط
ـ ٦ـ
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭﻝ
وﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺿوﻋﺎت اﻵﺗﯾﺔ
اﻟﻔﺻل اﻷول :اﻟﺗﻌرﯾف ﺑﺎﻟﺷرﯾﻌﺔ واﻟﻔﻘﻪ .
اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ :أﻫداف اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ .
اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻟث :اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ .
اﻟﻔﺻل اﻟراﺑﻊ :ﺧﺻﺎﺋص اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ .
اﻟﻔﺻل اﻟﺧﺎﻣس :اﻟﻣدارس اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ.
ـ ٧ـ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﺍﻟﻔﻘﻪ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ
ﺗﻌﺮﻳﻔﻬﺎ ﻓﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ :ـ
اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻓﻰ ﻟﻐﺔ اﻟﻌرب ﺗطﻠق ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﯾﯾن :
ﺍﻷﻭﻝ :ـ ﻣورد اﻟﻣﺎء اﻟﺟﺎرى اﻟﻣﻘﺻود ﻟﻠﺷرب .
ﺟﺎء ﻓﻰ اﻟﺻﺣﺎح :
" اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻣﺷرﻋﺔ اﻟﻣﺎء وﻫﻰ ﻣـورد اﻟـﺷﺎرﺑﺔ " وﻣﻧـﻪ ﻗـوﻟﻬم :
)(١
" ﺷرﻋت اﻹﺑل" ،أى ﺣﺿرت إﻟﻰ ﻣورد اﻟﻣﺎء .
ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ـ اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟواﺿﺣﺔ اﻟﻣﺳﺗﻘﯾﻣﺔ ،وﻣن ﻫذا اﻟﻣﻌﻧـﻰ
ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻧﺑﯾﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم " :ﺛـم ﺟﻌﻠﻧـﺎك ﻋﻠـﻰ ﺷـرﯾﻌﺔ
)(٢
ﻣن اﻷﻣر ﻓﺎﺗﺑﻌﻬﺎ وﻻ ﺗﺗﺑﻊ أﻫواء اﻟذﯾن ﻻ ﯾﻌﻠﻣون ".
ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻓﻰ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء :ـ
ﻫﻰ :اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻰ ﺳﻧﻬﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻌﺑﺎدﻩ ﻋﻠﻰ ﻟـﺳﺎن رﺳـول
ﻣن رﺳﻠﻪ ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم .
ﻓﺎﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺑﻬذا اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻛﺎﻓﺔ اﻟﺷراﺋﻊ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ اﻟﻣﻧزﻟﺔ
) (١واﻧظر اﻟﻣﺻﺑﺎح اﻟﻣﻧﯾر ٤٢٢/١ﻓﻔﯾﻪ " :اﻟﺷرﯾﻌﺔ ـ ﺑﺎﻟﻛﺳر ـ اﻟدﯾن واﻟﺷرع واﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻣﺛﻠﻪ ﻣـﺄﺧوذة
ﻣن اﻟﺷرﯾﻌﺔ وﻫو ﻣورد اﻟﻧﺎس ﻟﻼﺳﺗﺳﻘﺎء ﺳﻣﯾت ﺑذﻟك ﻟظﻬورﻫﺎ ووﺿوﺣﻬﺎ وﺟﻣﻌﻬـﺎ ﺷـراﺋﻊ ،وﺷـرع اﷲ
ﻟﻧﺎ ﻛذا ﯾﺷرﻋﻪ أظﻬرﻩ وأوﺿﺣﻪ ،واﻟﻣﺷرﻋﺔ ـ ﺑﻔﺗﺢ اﻟﻣﯾم ـ ﺷرﯾﻌﺔ اﻟﻣﺎء " .
) (٢ﺳورة اﻟﺟﺎﺛﯾﺔ ـ اﻵﯾﺔ . ١٨
ـ ٨ـ
ﻣن ﻋﻧد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ رﺳول ﻣـن اﻟرﺳـل ﯾـﺳﻣﻰ ﺷـرﯾﻌﺔ ،
ﻛـــﺷرﯾﻌﺔ إﺑـــراﻫﯾم ،وﺷـــرﯾﻌﺔ ﻣوﺳـــﻰ ،وﺷـــرﯾﻌﺔ ﻋﯾـــﺳﻰ ،وﺷـــرﯾﻌﺔ
ﻣﺣﻣد
ــ ﺻـﻠوات اﷲ ﻋﻠـﯾﻬم وﺳـﻼﻣﻪ ﻋﻠـﯾﻬم أﺟﻣﻌـﯾن ـ ﻟﻛﻧﻬـﺎ ﻋﻧـد اﻹطـﻼق
ﺗﻧــﺻرف إﻟــﻰ اﻟــﺷرﯾﻌﺔ اﻟﻣﺣﻣدﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺻــﺎﺣﺑﻬﺎ أﻓــﺿل اﻟــﺻﻼة وأﺗــم
اﻟﺳﻼم ،ﻷﻧﻬﺎ ﺧﺎﺗﻣﺔ اﻟﺷراﺋﻊ ،واﻟﺻﺎﻟﺣﺔ ﻟﻠﺗطﺑﯾق ﻓﻰ ﻛﺎﻓﺔ اﻷﻣﻛﻧﺔ
وﺳــﺎﺋر اﻷزﻣــﺎن ،وﻓــﻰ اﻟﺗﻧزﯾــل اﻟﺣﻛــﯾم " :ﺷــرع ﻟﻛــم ﻣــن اﻟــدﯾن ﻣــﺎ
ﻧوﺣــﺎ واﻟــذى أوﺣﯾﻧــﺎ إﻟﯾــك وﻣــﺎ وﺻــﯾﻧﺎ ﺑــﻪ إﺑـراﻫﯾم وﻣوﺳــﻰ
وﺻــﻰ ﺑــﻪ ً
وﻋﯾﺳﻰ أن أﻗﯾﻣـوا اﻟـدﯾن وﻻ ﺗﺗﻔرﻗـوا ﻓﯾـﻪ " (١).وﯾﻘـول ﻋـز وﺟـل " :
وﻣﻧﻬﺎﺟــﺎ " ) (٢واﻟﻣﻧﻬــﺎج ﻫــو اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﺗــﻰ
ً ﻟﻛــل ﺟﻌﻠﻧــﺎ ﻣــﻧﻛم ﺷــرﻋﺔ
ﺳﻧﻬﺎ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻌﺑﺎدﻩ ،وأﻣر رﺳوﻻ ﻣـن اﻟرﺳـل ﺑﺗﺑﻠﯾﻐﻬـﺎ ﻟﻬـم ،وﻗـد
ﺳــﻣﯾت ﻫـــذﻩ اﻷﺣﻛـــﺎم ﺷـــرﯾﻌﺔ ،ﻷﻧﻬــﺎ ﻣـــﺳﺗﻘﯾﻣﺔ ﻣﺣﻛﻣـــﺔ اﻟوﺿـــﻊ ﻻ
ﯾﻧﺣــرف ﻧظﺎﻣﻬــﺎ ،وﻻ ﺗﻠﺗــوى ﻋــن ﻣﻘــﺻدﻫﺎ ،ﻛﺎﻟﺟــﺎدة اﻟﻣــﺳﺗﻘﯾﻣﺔ ﻻ
اﻟﺗـواء ﻓﯾﻬــﺎ وﻻ أﻋوﺟــﺎج ،أو ﻷﻧﻬــﺎ ﺷــﺑﯾﻬﺔ ﺑﻣــورد اﻟﻣــﺎء ﻣــن ﺣﯾــث
أﻧﻬﺎ طرﯾق إﻟـﻰ ﺣﯾـﺎة اﻟﻧﻔـوس ،وﻏـذاء اﻟﻌﻘـول ،وﺗﻬـذﯾب اﻟطﺑـﺎع ،
( ٣ ).
ﻛﻣﺎ أن ﻣورد اﻟﻣﺎء ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﺣﯾﺎة اﻷﺑدان
وﻣن اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺑﻬذا اﻟﻣﻌﻧﻰ أﺷﺗق ﺷـرع ﺑﻣﻌﻧـﻰ أﻧـﺷﺄ اﻟـﺷرﯾﻌﺔ
،ﻓﯾﻘﺎل :ﺷرع اﻟدﯾن ﯾﺷرﻋﻪ ﺷر ًﻋﺎ ،إذا ﺳـن اﻟﻘواﻋـد وﺑـﯾن اﻟـﻧظم ،
) (١ﺳورة اﻟﺷورى ـ اﻵﯾﺔ . ١٣
) (٢ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٤٨
)(٣ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻟﻠﺷﻬﺎوى :ص . ٦
ـ ٩ـ
وأظﻬر اﻷﺣﻛﺎم .
وﻋﻠﻰ ﻫذا ﻓﺎﻟﺗﺷرﯾﻊ :ﻫو وﺿﻊ اﻟﻘواﻋد وﺑﯾﺎن اﻟﻧظم ٕواظﻬـﺎر
)(١
اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻰ ﺗﺳﯾر ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻷﻓراد واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت .
واﻟــﺷرﯾﻌﺔ واﻟــدﯾن واﻟﻣﻠــﺔ ﻛﻠﻬــﺎ أﻟﻔــﺎظ ﻣﺗرادﻓــﺔ ﺑﻣﻌﻧــﻰ واﺣــد ،
وﻫــﻰ ﻣــﺎ ﺷــرﻋﻪ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ـ ﻟﻌﺑــﺎدﻩ ﻣــن اﻷﺣﻛــﺎم ،ووﺟــﻪ ﺗــﺳﻣﯾﺗﻬﺎ
ﺷرﯾﻌﺔ ـ ﻛﻣﺎ ﻗﻠﻧـﺎ ـ اﺳـﺗﻘﺎﻣﺗﻬﺎ ووﺿـﻌﻬﺎ ﻟﻣـﻧﻬﺞ واﺿـﺢ ،ﻓﯾـﻪ ﺻـﻼح
دﯾﻧﺎ ﺑﺎﻋﺗﺑـﺎر اﻟﺧـﺿوع ﻟﻬـﺎ ،واﻟﺗﻌﺑـد ﷲ
اﻟﻧﺎس دﻧﯾﺎ وأﺧرى ،وﺗﺳﻣﻰ ً
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻬﺎ ،وﺳﻣﯾت ﻣﻠﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر إﻣﻼﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻣن ﻟـدن ﻋﻠـﯾم
)(٢
ﺧﺑﯾر .
ﻭﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﱴ ﳛﺘﻮﻳﻬﺎ ﺃﻯ ﺗﺸﺮﻳﻊ ﺛﻼﺛﺔ :ـ
ﺍﻷﻭﻝ :ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩﻳﺔ :ـ
وﻫﻰ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑوﺟوب اﻹﯾﻣـﺎن ﺑـﺎﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ،وﺻـﻔﺎﺗﻪ
،وﻛﺗﺑــﻪ ،ورﺳــﻠﻪ ،واﻟﯾــوم اﻵﺧــر ،وﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ ﻣــن ﺛـواب وﻋﻘــﺎب ،
واﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻐﯾﺑﯾﺎت ﻛﺎﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر ،وﻧﻌﯾم اﻟﻘﺑـر وﻋذاﺑـﻪ .وﻏﯾـر ذﻟـك
ﻣﻣﺎ ﯾدﺧل ﻓﻰ ﻋﻠم اﻟﻛﻼم " اﻟﺗوﺣﯾد " .
ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ـ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻴﺔ :ـ
وﻫﻰ اﻟﺗﻰ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻷﺧﻼق اﻟﺑﺎطﻧﺔ واﻟﻣﻠﻛﺎت اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ،ﻛﺎﻟزﻫد
،واﻟــﺻﺑر ،واﻟرﺿــﺎ ،واﻟــﺻدق ،واﻟوﻓــﺎء ،واﻷﻣﺎﻧــﺔ .وﻏﯾرﻫــﺎ ﻣﻣــﺎ
) (١اﻧظر اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺟﯾز ـ إﺻدار ﻣﺟﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ـ طﺑﻌﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑو ازرة اﻟﺗرﺑﯾﺔ واﻟﺗﻌﻠﯾم
١٤٢١ﻫـ٢٠٠٠/م " :اﻟﺗﺷرﯾﻊ :ﺳن اﻟﻘواﻧﯾن ،واﻟﺷرع ،ﻣﺎ ﺷرﻋﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ـ اﻟﺷرﻋﺔ :اﻟﻣذﻫب
اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم .اﻟﺷرﯾﻌﺔ :ﻣﺎ ﺷرﻋﻪ اﷲ ﻟﻌﺑﺎدﻩ ﻣن اﻟﻌﻘﺎﺋد واﻷﺣﻛﺎم .
ـ ١٠ـ
ﺻﺎﻟﺣﺎ ﻣﻊ ﻧﻔﺳﻪ ،وﻣﻊ ﻏﯾرﻩ ،وﻣﻊ رﺑـﻪ ﻋـز
ً ﻧﻣوذﺟﺎ
ً ﯾﺟﻌل اﻹﻧﺳﺎن
وﺟل .وﻫذﻩ اﻷﺣﻛﺎم ﺗدﺧل ﻓﻰ ﻋﻠم " اﻷﺧﻼق واﻟﺗﺻوف " .
ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ :ـ
وﻫــﻰ اﻟــﻰ ﺗﺗﻌﻠــق ﺑﺄﻋﻣــﺎل اﻟﻌﺑــﺎد ،وأﻓﻌــﺎﻟﻬم ،وﻫــﻰ ﻗــد ﺗﺗﻌﻠــق
ﺑﺎﻟﻌﺑــــﺎدات ﻛﺎﻟــــﺻﻼة ،واﻟــــﺻوم ،واﻟﺣــــﺞ ،واﻟزﻛــــﺎة ،وﻗــــد ﺗﺗﻌﻠــــق
ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻣﻼت ﻛﺎﻟﺑﯾﻊ واﻹﺟﺎرة واﻟرﻫن واﻟﻛﻔﺎﻟﺔ ..وﻏﯾرﻫﺎ " .
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ
ﺗﻌـﺮﻳﻒ ﺍﻟﻔﻘــﻪ
ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻓﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ :ـ
اﻟﻔﻘـﻪ ﻓـﻰ اﻟﻠﻐـﺔ :ﻣطﻠـق اﻟﻔﻬـم ،ﯾﻘـﺎل ﻓﻘـﻪ ـ ﺑﻛـﺳر اﻟﻘـﺎف ـ
وﻓﻘـﻪ ـ
ﻛﻔﻬـم وزﻧـﺎ وﻣﻌﻧـﻰ وﻓﻘـﻪ ـ ﺑـﺎﻟﻔﺗﺢ ـ ﺳـﺑق ﻏﯾـرﻩ إﻟـﻰ اﻟﻔﻘـﻪ ُ ،
ﺑﺎﻟﺿم ﺻﺎر اﻟﻔﻘﻪ ﺳﺟﯾﺔ ﻟﻪ .
ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻓﻰ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻠﻒ :ـ
اﻟﻔﻘـــﻪ ﻓـــﻰ اﺻـــطﻼح أﻫـــل اﻟـــﺳﻠف :ﻫـــو ﻋﺑـــﺎرة ﻋـــن ﻣﺟﻣوﻋـــﺔ ﻣـــن
اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﺗــﻰ أﺛﺑﺗﺗﻬــﺎ اﻟــﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻓــﻰ أﻓﻌــﺎل اﻟﻣﻛﻠﻔــﯾن ﻣــن
ﻋﺑﺎدات وﻣﻌﺎﻣﻼت .
ادﻓﺎ ﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟـﺷرﯾﻌﺔ ،
ﻓﺎﻟﻔﻘﻪ ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف ﯾﻌﺗﺑر ﻣر ً
ﻓﻬو ﺷﺎﻣل ﻟﻸﺣﻛﺎم اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟﺗﻰ ﺟـﺎءت ﺑﻬـﺎ اﻟـﺷرﯾﻌﺔ ) اﻻﻋﺗﻘﺎدﯾـﺔ ،
)(١
واﻟوﺟداﻧﯾﺔ ،واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ( .
) (١ﺣﺎﺷﯾﺔ اﺑن ﻋﺎﺑدﯾن ٢٦/١ـ ٣٣طﺑﻌﺔ أوﻟﻰ ..وﻓﯾﻪ " :اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻌﺎﻟﻣون ﺑﺄﺣﻛﺎم اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ
ﻓﻘﻬﺎ ﺣﺎدﺛﺔ " .
اﻋﺗﻘﺎدا وﻋﻣﻼً ﻷن ﺗﺳﻣﯾﺔ ﻋﻠم اﻟﻔروع ً
ً
ـ ١١ـ
وﺑﻬــذا اﻟﻣﻌﻧــﻰ اﻟــﺷﺎﻣل ﺟــﺎء ﺗﻌرﯾــف اﻹﻣــﺎم أﺑــﻰ ﺣﻧﯾﻔــﺔ ﻟﻠﻔﻘــﻪ
ﺑﻘوﻟـــﻪ } :ﻣﻌرﻓـــﺔ اﻟـــﻧﻔس ﻣـــﺎ ﻟﻬـــﺎ وﻣـــﺎ ﻋﻠﯾﻬـــﺎ { (١).أى ﻣـــﺎ ﯾﻧﺑﻐـــﻰ
ﻟﻺﻧﺳﺎن أن ﯾﻌرﻓﻪ ﻓﻰ ﻋﻼﻗﺗﻪ ﺑرﺑﻪ .وﻣﻌﺎﻣﻠﺗﻪ ﻣﻊ ﺑﻧﻰ ﺟﻧﺳﻪ .
ﺃﻣﺎ ﻓﻰ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﳌﺘﺄﺧﺮﻳﻦ :ـ
ﻓﻘد ﻗﺻروا اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻷﺣﻛﺎم اﻟﻌﻣﻠﯾـﺔ ﻓﻘـط ـ اﻟﻌﺑـﺎدات
واﻟﻣﻌﺎﻣﻼت ـ وﻟذﻟك ﻋرﻓﻪ اﻹﻣﺎم اﻟـﺷﺎﻓﻌﻰ ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﺑﻘوﻟـﻪ :
} اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻷﺣﻛﺎم اﻟﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻣن أدﻟﺗﻬﺎ اﻟﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ { .
واﻷﺣﻛﺎم اﻟﺷرﻋﯾﺔ :ﻫﻰ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻣﻧﺳوﺑﺔ إﻟـﻰ اﻟـﺷﺎرع ﻧـﺳﺑﺔ
ﻣﺑﺎﺷرة ﻛﺎﻷﺣﻛﺎم اﻟﻣﺄﺧوذة ﻣن اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ ،أو ﺑواﺳطﺔ اﻻﺟﺗﻬـﺎد
،ﻷن اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻻ ﯾﻧـﺷﺊ اﻷﺣﻛـﺎم ٕ ،واﻧﻣـﺎ دورﻩ ﯾﻘﺗـﺻر ﻋﻠـﻰ إظﻬﺎرﻫـﺎ
ﻓﻘط ﻋن طرﯾق اﻟﺑﺣث واﻻﺟﺗﻬﺎد .
واﻟﻣﻘــﺻود :ﺑﻠﻔــظ " اﻟﻌﻣﻠﯾــﺔ " أى اﻷﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘــﺔ
ﺑﻣﺎ ﯾﺻدر ﻋن اﻟﻣﻛﻠف ﻣن ﻋﺑﺎدات وﻣﻌﺎﻣﻼت .
وﯾﻘﺻد " ﺑﺎﻷدﻟﺔ اﻟﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ " ﻫﻰ اﻷدﻟـﺔ اﻟﺟزﺋﯾـﺔ اﻟﺗـﻰ ﯾﺗﻌﻠـق
ﻛل دﻟﯾل ﻣﻧﻬﺎ ﺑﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ وﯾﻧص ﻋﻠﻰ ﺣﻛم ﺧﺎص ﺑﻬﺎ ،ﻣﺛل ﻗوﻟـﻪ
ﻣظﻠوﻣﺎ
ً ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻻ ﺗﻘﺗﻠوا اﻟﻧﻔس اﻟﺗﻰ ﺣرم اﷲ إﻻ ﺑﺎﻟﺣق وﻣن ﻗﺗل
)(٢
ﺳﻠطﺎﻧﺎ ﻓﻼ ﯾﺳرف ﻓﻰ اﻟﻘﺗل إﻧـﻪ ﻛـﺎن ﻣﻧـﺻوًرا " .
ً ﻓﻘد ﺟﻌﻠﻧﺎ ﻟوﻟﯾﻪ
ﻓﻬذا دﻟﯾل ﺗﻔﺻﯾﻠﻰ أو ﺟزﺋﻰ ﻷﻧـﻪ ﯾﺗﻌﻠـق ﺑﻣـﺳﺄﻟﺔ ﺑﺧـﺻوﺻﻬﺎ ،وﻫـو
ﻗﺗـــل اﻟـــﻧﻔس ،وﯾـــدل ﻋﻠـــﻰ ﺣﻛـــم ﻣﻌـــﯾن ،وﻫـــو ﺣرﻣـــﺔ ﻗﺗـــل اﻟـــﻧﻔس إﻻ
) (١ﻛﺷﺎف اﺻطﻼﺣﺎت اﻟﻔﻧون ﻟﻠﺗﻬﺎﻧوى . ٣٠/١
) (٢ﺳورة اﻹﺳراء ـ اﻵﯾﺔ . ٣٣
ـ ١٢ـ
ﺑﺎﻟﺣق.
وﻣﺛل ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :وﻻ ﺗﻘرﺑـوا اﻟزﻧـﺎ إﻧـﻪ ﻛـﺎن ﻓﺎﺣـﺷﺔ وﺳـﺎء
ﺳـﺑﯾﻼ" (١).ﻓﻬـذا دﻟﯾـل ﺗﻔـﺻﯾﻠﻰ أو ﺟزﺋـﻰ ﻷﻧـﻪ ﯾﺗﻌﻠـق ﺑﻣـﺳﺄﻟﺔ ﺧﺎﺻـﺔ
ً
وﻫﻰ اﻟزﻧﺎ .وﯾـدل ﻋﻠـﻰ ﺣﻛـم ﻣﻌـﯾن وﻫـو ﺣرﻣـﺔ اﻟزﻧـﺎ .ﻓـﺈدراك ﺣرﻣـﺔ
اﻟﻘﺗـــل واﻟزﻧـــﺎ ﻣـــن ﻫـــذﻩ اﻷدﻟـــﺔ اﻟﺗﻔـــﺻﯾﻠﯾﺔ ﺑواﺳـــطﺔ اﻻﺳـــﺗﻧﺑﺎط ﻫـــو
ﻓﻘﯾﻬﺎ .
ً ﯾﻌد
ُ اﺳﺗﻧﺑﺎطﻬﺎ ﻠﻰ ﻋ اﻟﻘﺎدر
و )(٢
اﻟﻔﻘﻪ.
وﻓﻰ اﻟﻌﺻر اﻟﺣدﯾث ﺗطﻠق ﻛﻠﻣﺔ ) اﻟﻔﻘﯾـﻪ ( ﻋﻠـﻰ ﻣـن ﺗـواﻓرت
ﻟدﯾﻪ اﻷﻫﻠﯾﺔ ﻟﺗﺣـﺻﯾل اﻷﺣﻛـﺎم اﻟـﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾـﺔ ،ﺳـواء ﻋـن طرﯾـق
اﻟﻧظر واﻻﺟﺗﻬﺎد ﻓﻰ اﻷدﻟﺔ ،أو ﻋن طرﯾق اﻟﺗﻘﻠﯾد ﻟﻠﻔﻘﻬﺎء اﻟـﺳﺎﺑﻘﯾن
،ﻓﻣـن ﺣــﺻﻠت ﻟـﻪ اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﺑﺎﻷﺣﻛـﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ ﻓـﻰ اﻟﻣــذاﻫب اﻟﻔﻘﻬﯾــﺔ
)(٣
ﻓﻘﯾﻬﺎ ( .
ﯾﺳﻣﻰ ) ً
ﺃﻗﺴــﺎﻡ ﺍﻟﻔﻘـﻪ :ـ
ﺗﻧﻘﺳم ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن :ـ
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭﻝ :ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ :ـ
وﻫــﻰ اﻷﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘــﺔ ﺑــﺄﻣور اﻵﺧــرة ،واﻟﺗــﻰ ﯾ ـراد
ﻣﻧﻬــﺎ اﻟﺗﻘــرب إﻟــﻰ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ .ﻛﺎﻟــﺻﻼة واﻟــﺻﯾﺎم واﻟﺣــﺞ واﻟﺟﻬــﺎد ،
وﻏﯾرﻫﺎ .
) (١ﺳورة اﻹﺳراء ـ اﻵﯾﺔ . ٣٢
) (٢اﻧظر ﻓﻰ ﺷرح اﻟﺗﻌرﯾف :أﺻول اﻟﻔﻘﻪ ﻟﻠﺑردﯾﺳﻰ ص ٢٣وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ .
ـ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ ﻟﻠدﺳوﻗﻰ ص ٢١وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ .
ـ اﻟﻣدﺧل ﻟزﯾدان ص . ٦٣
) (٣اﻟﻣدﺧل ﻟزﯾدان ص . ٦٥
ـ ١٣ـ
وﻗد أدرج ﻓﻘﻬﺎء اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻓﻰ ﻛﺗﺑﻬم ﺗﺣت ﻫذا اﻟﻘﺳم :أﺣﻛﺎم اﻟطﻬﺎرة
وﺑﺣﺛوا ﻣن ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺄﺣﻛﺎم اﻟﻣﯾﺎﻩ ،واﻟﻧﺟﺎﺳﺎت ،واﻟوﺿوء،
واﻟﻐﺳل ،واﻟﺗﯾﻣم ،واﻟﺣﯾض ،واﻟﻧﻔﺎس .
ﺛم ﺑﺣﺛوا أﺣﻛﺎم اﻟﺻﻼة ،واﻟزﻛﺎة ،واﻟﺻوم ،واﻻﻋﺗﻛﺎف ،واﻟﺟﻧـﺎﺋز ،
واﻟﺣــﺞ واﻟﻌﻣــرة ،واﻹﯾﻣــﺎن ،واﻟﻧــذور ،وﺑﯾــﺎن ﻓــﺿل اﻟﻣــﺳﺎﺟد وﻣــﺎ
ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻬﺎ ﻣن أﺣﻛﺎم .
وﺑﻌض اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻗد ﺗﻧﺎول أﺣﻛﺎم اﻟﺟﻬﺎد ،واﻷطﻌﻣﺔ واﻷﺷرﺑﺔ،
واﻟــﺻﯾد واﻟــذﺑﺎﺋﺢ ﺗﺣــت ﻫــذا اﻟﻘــﺳم ،وﺑﻌــﺿﻬم أدرﺟﻬــﺎ ﺗﺣــت ﻗــﺳم
اﻟﻣﻌﺎﻣﻼت .
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ﺍﳌﻌﺎﻣﻼﺕ :ـ
وﻫـــﻰ اﻷﺣﻛـــﺎم اﻟﻣﺗﻌﻠﻘـــﺔ ﺑﺄﻋﻣـــﺎل اﻹﻧـــﺳﺎن وﺗـــﺻرﻓﺎﺗﻪ واﻟﺗـــﻰ
ﯾﻘﺻد ﺑﻬﺎ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟدﻧﯾوﯾﺔ ،أو ﻋﻼﻗﺔ أﻓـراد اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﻓﯾﻣـﺎ
ﺑﯾﻧﻬم (١).وﺗﻧظﯾم ﻋﻼﻗﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻊ ﻏﯾرﻫﺎ .
وﻗد ﺗﻧﺎول اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣوﺿوﻋﺎت ﻫذا اﻟﻘﺳم اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓـﻰ أﺣﻛـﺎم
اﻟزواج واﻟطﻼق ـ واﻟﺑﯾوع ـ واﻟﻘرض ـ واﻟرﻫن ـ واﻟﻣﺳﺎﻗﺎة ـ واﻟﻣزارﻋـﺔ ـ
واﻹﺟﺎرة ـ واﻟﺣواﻟﺔ واﻟﺷﻔﻌﺔ ـ واﻟوﻛﺎﻟﺔ ـ واﻟﻌﺎرﯾﺔ ـ واﻟودﯾﻌﺔ ـ واﻟﻐﺻب
ــ واﻟﻠﻘطـﺔ ـ واﻟﻛﻔﺎﻟـﺔ ـ واﻟﺟﻌﺎﻟـﺔ ـ واﻟـﺷرﻛﺎت ـ واﻟﻘـﺿﺎء واﻟـﺷﻬﺎدات ـ
واﻷوﻗـﺎف ـ واﻟﻬﺑـﺎت ـ واﻟﺣﺟـز ـ واﻟوﺻـﯾﺔ ـ واﻟﻔـراﺋض ـ واﻟﻌﻘوﺑـﺎت :
) (١اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ د /ﺑدران أﺑو اﻟﻌﯾﻧﯾن ص . ١١
ـ ١٤ـ
)(١
وﺗﺗﻣﺛل ﻓﻰ ) اﻟﺣدود ـ واﻟﻘﺻﺎص ـ واﻟﺗﻌﺎزﯾر (.
ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﲔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﳌﻌﺎﻣﻼﺕ :ـ
و اﻻﻣــر اﻟــذى ﺣﻣــل اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﻋﻠــﻰ ﺗﻘــﺳﯾم اﻷﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ
ﻟﯨﻌﺑــﺎدات وﻣﻌــﺎﻣﻼت ﻫــو ﻣــﺎ ﻻﺣظــوﻩ ﻣ ـن ﻓــروق ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ﺗﺗﻣﺛــل ﻓــﻰ
اﻵﺗﻰ :
١ـ اﺧﺗﻼف اﻟﻣﻘﺻود اﻷﺻﻠﻰ ،واﻟﻐرض اﻷﺳﺎﺳﻰ ﻟﻛل ﻣن اﻟﻌﺑﺎدات
واﻟﻣﻌﺎﻣﻼت .ﻓﺎﻟﻌﺑﺎدات اﻟﻘﺻد ﻣﻧﻬﺎ اﻟﺗﻘـرب إﻟـﻰ اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ،وﺷـﻛر
ﻧﻌﻣــﻪ اﻟﺗــﻰ أﻧﻌــم ﺑﻬــﺎ ﻋﻠــﻰ ﻋﺑــﺎدﻩ رﺟــﺎء اﻟﻔــوز ﺑرﺿ ـواﻧﻪ ،واﺑﺗﻐــﺎء
اﻟﺛواب ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻰ اﻵﺧرة .
) (١ﻣن اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻣن ﻗﺳم اﻟﻔﻘﻪ ) ﻓﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم ،وﻣن ﻫؤﻻء اﺑن ﻋﺎﺑدﯾن اﻟﺣﻧﻔﻰ ﻓﻘد ﻗﺳﻣﻪ إﻟﻰ ١ :
ـ ﻋﺑﺎدات ٢ .ـ ﻣﻌﺎﻣﻼت ٣ .ـ ﻋﻘوﺑﺎت .
وﻗد ﺟﻌل اﻟﻌﺑﺎدات ﺧﻣس :اﻟﺻﻼة واﻟزﻛﺎة واﻟﺻوم واﻟﺣﺞ واﻟﺟﻬﺎد .
وﺟﻌل اﻟﻣﻌﺎﻣﻼت ﺧﻣس :اﻟﻣﻌﺎوﺿﺎت اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ واﻷﻣﺎﻧﺎت واﻟزواج وﻣﺎ ﯾﺗﺻل ﺑﻪ ﻣن أﺣﻛﺎم
واﻟﻣﺧﺎﺻﻣﺎت واﻟﺗرﻛﺎت .
واﻟﻌﻘوﺑﺎت ﺧﻣﺳﺔ :اﻟﻘﺻﺎص وﺣد اﻟﺳرﻗﺔ وﺣد اﻟزﻧﺎ وﺣد اﻟﻘذف وﻋﻘوﺑﺔ اﻟردة ﻋن اﻹﺳﻼم
ـ وأﺻـﺣﺎب اﻹﻣـﺎم اﻟـﺷﺎﻓﻌﻰ ﻗـﺳﻣوا اﻟﻔﻘـﻪ إﻟـﻰ أرﺑﻌـﺔ أﻗـﺳﺎم " :ﻓﻘـﺎﻟوا :اﻷﺣﻛـﺎم اﻟـﺷرﻋﯾﺔ إﻣـﺎ أن ﺗﺗﻌﻠـق
ﺑـﺄﻣر اﻵﺧـرة وﻫــﻰ اﻟﻌﺑـﺎدات أو ﺑــﺄﻣر اﻟـدﻧﯾﺎ وﻫــﻰ أﻣـﺎ أن ﺗﺗﻌﻠــق ﺑﺑﻘـﺎء اﻟــﺷﺧص وﻫـﻰ اﻟﻣﻌــﺎﻣﻼت ،أو
=== ﺑﺑﻘﺎء اﻟﻧوع ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻟﻣﻧزل وﻫﻰ اﻟﻣﻧﺎﻛﺣﺎت أو ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻟﻣدﻧﯾﺔ وﻫﻰ اﻟﻌﻘوﺑﺎت " .
واﺑن ﺟزى اﻟﻣﺎﻟﻛﻰ ﻗﺳم اﻟﻔﻘﻪ ﻓﻰ ﻛﺗﺎﺑﻪ " :ﻗواﻧﯾن اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺷرﻋﯾﺔ وﻣﺳﺎﺋل اﻟﻔروع اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ " ===
.إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن أﺣـدﻫﻣﺎ اﻟﻌﺑـﺎدات ،واﻵﺧـر اﻟﻣﻌـﺎﻣﻼت ،وﺿـﻣن ﻛـل ﻗـﺳم ﻋـﺷرة ﻛﺗـب ﻋﻠـﻰ ﻣﺎﺋـﺔ ﺑـﺎب
ﻓﺎﻧﺣــﺻر اﻟﻔﻘــﻪ ﻋﻧــدﻩ ﻓــﻰ ﻋــﺷرﯾن ﻛﺗﺎًﺑــﺎ وﻣــﺎﺋﺗﻰ ﺑــﺎب.اﻟﻘــﺳم اﻷول :ﻓﯾــﻪ ﻣــن اﻟﻛﺗــب :ﻛﺗــﺎب اﻟطﻬــﺎرة
واﻟــﺻﻼة واﻟﺟﻧــﺎﺋز واﻟزﻛــﺎة واﻟــﺻﯾﺎم واﻻﻋﺗﻛــﺎف واﻟﺣــﺞ واﻟﺟﻬــﺎد واﻹﯾﻣــﺎن واﻟﻧــذور واﻷطﻌﻣــﺔ واﻷﺷ ـرﺑﺔ
واﻟﺻﯾد واﻟذﺑﺎﺋﺢ واﻟﺿﺣﺎﯾﺎ واﻟﻌﻘﯾﻘﺔ واﻟﺧﺗﺎن .ووﺿﻊ ﻓﻰ اﻟﻘﺳم اﻟﺛﺎﻧﻰ :ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح واﻟطﻼق واﻟﺑﯾـوع
واﻷﻗﺿﯾﺔ واﻟﺷﻬﺎدات واﻟدﻣﺎء واﻟﺣدود وﻛﺗﺎب اﻟﻬﺑﺎت واﻟﻌﺗق واﻟﻔراﺋض واﻟوﺻﺎﯾﺎ .
أﻧظر :ﺣﺎﺷﯾﺔ اﺑن ﻋﺎﺑدﯾن اﻟﺣﻧﻔﻰ ٥٦/١ﻛﺷﺎف اﺻطﻼﺣﺎت اﻟﻔﻧون ﻟﻠﺗﻬﺎﻧوى ٢٦/١ﻗواﻧﯾن اﻷﺣﻛﺎم
اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻻﺑن ﺟزى اﻟﻣﺎﻟﻛﻰ ص .١٦ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻟﻸﺷﻘر ص ٢٠ـ . ٢٢
ـ ١٥ـ
أﻣــــﺎ اﻟﻣﻌــــﺎﻣﻼت :ﻓــــﺎﻟﻐرض اﻷول ﻣﻧﻬــــﺎ ﺗﺣﻘﯾــــق اﻟﻣــــﺻﻠﺣﺔ
اﻟدﻧﯾوﯾــﺔ ،وﺗﻧظــﯾم اﻟﻌﻼﻗــﺎت ﺑــﯾن اﻷﻓـراد واﻟــدول ٕ ،وان ﻛــﺎن ﻻ ﯾﻣﻧــﻊ
اﺑﺗﻐﺎء اﻟﺛواب اﻷﺧروى ﻋﻧد ﺗﻌﺎطﯾﻬﺎ ،ووﻗوﻋﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ وﻓـق ﻣـﺎ ﺷـرع
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
٢ـ اﻷﺻـل ﻓـﻰ اﻟﻌﺑـﺎدات أﻧﻬـﺎ ﻏﯾـر ﻣﻌﻘوﻟـﺔ اﻟﻣﻌﻧـﻰ ،ﻗـد ﯾﺧﻔـﻰ
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘل اﻟﺑﺷرى اﻟﺳر ﻓﻰ ﻣﺷروﻋﯾﺗﻬﺎ ،ﻓﻠﯾس ﻟﻠﻌﺑﺎد ﻧﺣوﻫﺎ ﺳوى
اﻻﻣﺗﺛﺎل واﻟطﺎﻋﺔ ،ﻷﻧﻬﺎ أﻣور ﺗﻌﺑدﯾﺔ ﻻ دﺧل ﻟﻠﻌﻘول ﻓﯾﻬﺎ ،ﻛﻣﺎ أن
أﺳـﻠوب ﺗـﺷرﯾﻌﻬﺎ ﺟـﺎء ﻣﺟﻣـﻼً ،وﺗـرك أﻣـر ﺑﯾﺎﻧﻬـﺎ ﻟﻠﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ ﯾوﺿــﺣﻬﺎ ﺑﺄﻗواﻟــﻪ وأﻓﻌﺎﻟــﻪ ﻛــﺎﻟﺣﺞ ﻓﻘــد ﻗــﺎل ﻋﻠﯾــﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم } :ﺧذوا ﻋﻧﻰ ﻣﻧﺎﺳﻛﻛم { .واﻟـﺻﻼة ﻓﻘـد ﻗـﺎل ﻋﻠﯾـﻪ
اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم }:ﺻﻠوا ﻛﻣﺎ رأﯾﺗﻣوﻧﻰ أﺻﻠﻰ { .
أﻣــﺎ اﻟﻣﻌــﺎﻣﻼت ﻓﺎﻷﺻــل ﻓﯾﻬــﺎ أﻧﻬــﺎ ﻣﻌﻘوﻟــﺔ اﻟﻣﻌﻧــﻰ ،وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻰ
ﯾــدرك اﻟﻌﻘــل اﻟﺑــﺷرى اﻟــﺳر ﻓــﻰ ﺗــﺷرﯾﻌﻬﺎ ،وﻗــد ﺟــﺎء ﺗــﺷرﯾﻌﻬﺎ وﻓــق
أﺻــول ﻋﺎﻣــﺔ وﻗواﻋــد ﻛﻠﯾــﺔ (١).ﻟﯾﻘــوم ﻋﻠﻣــﺎء ﻛــل زﻣــﺎن ﺑوﺿــﻊ ﻣــﺎ
ﯾﻧﺎﺳــب أﺣـواﻟﻬم وظــروﻓﻬم ﻓــﻰ اﻟﺣــدود اﻟﻣرﺳــوﻣﺔ ﻓــﻰ اﻟﻘـرآن اﻟﻛــرﯾم
وأﺣﺎدﯾـث اﻟرﺳـول اﻟﻌظـﯾم ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓﻣـﺛﻼً ﻓـﻰ ﻗوﻟـﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾـﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟـذﯾن آﻣﻧـوا أوﻓـوا ﺑـﺎﻟﻌﻘود " (٢).ﻗﺎﻋـدة ﻋﺎﻣـﺔ ﻓـﻰ
اﻟﻘــوة اﻟﻣﻠزﻣــﺔ ﻟﻠﻌﻘــود وﻫــﻰ ﻗﺎﻋــدة ﻟــم ﺗﺧــص ﻋﻘـ ًـدا دون ﻋﻘــد ،ﺑــل
ﺟﺎرﯾـﺔ ﻓــﻰ ﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻌﻘـود واﻟﻣﻌــﺎﻣﻼت اﻟﺗــﻰ ﺗﺟـرى ﺑــﯾن اﻟﻧــﺎس ،ﻓﻛــل
) (١اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ د /ﺑدران أﺑو اﻟﻌﯾﻧﯾن ص . ١٢ ، ١١
) (٢ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ١
ـ ١٦ـ
إﺗﺑﺎﻋـﺎ ﻷﻣـر اﻟﻘـرآن
ً ﻣن أﻟزم ﻧﻔﺳﻪ ﺑﻌﻘد وﺟب ﻋﻠﯾﻪ اﻟوﻓﺎء ﺑﻣـﺎ اﻟﺗـزم
اﻟﻛرﯾم .
٣ـ ﯾﺷﺗرط ﻓﻰ اﻟﺗﻛﻠﯾف ﺑﺎﻟﻌﺑﺎدات اﻟﻌﻠم ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺄﻣور ﺑﻬﺎ ﻣن اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻟذﻟك ﻗﯾل " :اﻟﺗﻛﻠﯾف ﻣﺷروط ﺑﺎﻟﻌﻠم " .ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :
وﻣــﺎ ﻛﻧــﺎ ﻣﻌــذﺑﯾن ﺣﺗــﻰ ﻧﺑﻌــث رﺳــوﻻً " (١).ﻓــدﻟت اﻵﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ ﻻ
ﻣؤاﺧذة وﻻ ﻋﻘﺎب ﻗﺑل اﻟـﺑﻼغ ،وﻣـن ﻫﻧـﺎ ﻛـﺎن ﻻﺑـد ﻟﻠﻣﻛﻠـف ﻣـن ﻧﯾـﺔ
اﻟﺗﻘــرب ﺑﺎﻟﻌﺑــﺎدة إﻟــﻰ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،ﺿــرورة أن اﻟﻧﯾــﺔ وﺟودﻫــﺎ ﻣﺗوﻗــف
ﻋﻠــﻰ أن اﻟﻌﺑـــﺎدة اﻟﻣﺗﻘـــرب ﺑﻬــﺎ إﻟـــﻰ اﷲ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ﻣــﺄﻣور ﺑﻬـــﺎ ،ﻓﻛـــﺎن
وﺟودﻫﺎ ﺷرط ﻓﻰ ﺻﺣﺔ اﻟﻌﺑﺎدة .
أﻣﺎ اﻟﻣﻌـﺎﻣﻼت ﻓـﻼ ﯾـﺷﺗرط ﻓـﻰ ﺻـﺣﺔ ﻓﻌﻠﻬـﺎ ﻧﯾـﺔ اﻟﺗﻘـرب ٕ ،وان
ﻛــﺎن ﻻ أﺟــر ﻟﻠﻌﺑــد إﻻ ﺑﻧﯾــﺔ اﻟﺗﻘــرب ﺑﻬــﺎ إﻟــﻰ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ .ﻛــرد اﻷﻣﺎﻧــﺔ
واﻟﻣﻐــﺻوب وﻗــﺿﺎء اﻟــدﯾون ،واﻹﻧﻔــﺎق ﻋﻠــﻰ اﻟزوﺟــﺔ ،ﻓﻣــن ﻓﻌــل
ﺧوﻓـﺎ ﻣـن ﻋﻘوﺑـﺔ اﻟﺣـﺎﻛم ،دون ﻧﯾـﺔ اﻟﺗﻘـرب ﺑﻬـﺎ إﻟـﻰ ﺷﯾﺋﺎ ﻣـن ذﻟـك ً ً
اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،ﻓﻔﻌﻠـــﻪ ﺻـــﺣﯾﺢ ،وﯾﺗرﺗـــب ﻋﻠﯾــﻪ ﺳـــﻘوط اﻟﻣطﺎﻟﺑـــﺔ ﺑﻬـــذا
اﻟﺣق ،وﻻ ﯾﻠزم ﺑﻪ اﻟﻌﺑد ﻓـﻰ اﻵﺧـرة ،ﺑـدﻋوى أن ﻗـﺿﺎءﻩ ﻛـﺎن ﻟﻌـدم
ﻧﯾــﺔ اﻟﺗﻘــرب ،ﻓﺎﻟﻣطﺎﻟﺑــﺔ ﺑــﻪ ﺳــﺎﻗطﺔ ﻋﻠــﻰ أى ﺣــﺎل ،ﻟﻛــن ﻻ ﻣﺛوﺑــﺔ
)(٢
ﻋﻠﯾﻪ إﻻ ﺑﻧﯾﺔ اﻟﺗﻘرب إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﻭﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ :ـ
وﺿــــﺢ ﻣﻣــــﺎ ﺗﻘــــدم أن اﻟــــﺷرﯾﻌﺔ ﺗــــﺷﻣل اﻷﺣﻛــــﺎم اﻻﻋﺗﻘﺎدﯾــــﺔ
) (١ﺳورة اﻹﺳراء ـ اﻵﯾﺔ . ١٥
) (٢ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻟﻸﺷﻘر ص . ٢٤ ، ٢٣
ـ ١٧ـ
اﻟوﺟداﻧﯾﺔ ،واﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ،واﻟﻔﻘﻪ ﯾﺧﺗص ﺑﺎﻷﺣﻛﺎم اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ ﻓﻘـط وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻰ
ﺟﺎﻧﺑﺎ ﻣن ﺟواﻧﺑﻬﺎ .
ﻓﺎﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ أﺧص ﻣن اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻷﻧﻪ ﯾﺑﺣث ً
ﻛذﻟك ﻓﺈن اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺗﻌﻧﻰ ﺳن اﻟﻘواﻧﯾن ،وﺗﺷرﯾﻊ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻰ
ﺗــﻧظم ﺣﯾ ـﺎة اﻟﻧــﺎس وﻋﻼﻗــﺎﺗﻬم .وﺗوﺿــﺢ ﻣــﺎ ﻟﻬــم ﻣــن ﺣﻘــوق ،وﻣــﺎ
ﻋﻠﯾﻬم ﻣن واﺟﺑﺎت .
أﻣــﺎ اﻟﻔﻘــﻪ ﻓﻬــو ﯾﻌﻧــﻰ ﻓﻬــم ﻫــذﻩ اﻟﻘ ـواﻧﯾن وﺗﻠــك اﻷﺣﻛــﺎم ﺑﻣــﺎ
ﯾﺟﻌﻠﻬــﺎ ﻣﻔﻬوﻣـــﺔ ﻟﻠﻧــﺎس ،وﺑﺎﻟﺗـــﺎﻟﻰ ﻓﺎﻟﻣـــﺷرع ﻓــﻰ اﻹﺳـــﻼم ﻫـــو اﷲ
وﺣدﻩ ﻓﯾﻣﺎ أﻧزﻟﻪ ﻣن ﺗﺷرﯾﻌﺎت ﻋﻠﻰ ﻧﺑﯾﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وأﻣـرﻩ
ﺑــﺄن ﯾﺑﻠﻐﻬــﺎ ﻟﻠﻧــﺎس .أﻣــﺎ اﻟﻔﻘﯾــﻪ ﻓﻬــو اﻟــذى ﯾﻘــوم ﺑﻔﻬــم اﻟﺗــﺷرﯾﻌﺎت
ٕواﯾﺿﺎح اﻟﻣراد ﻣﻧﻬـﺎ ،وﻫـو ﻣـﺎ ﯾـﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻬـد .وﯾﻣﻛـن أن ﯾطﻠـق
ﻋﻠﯾﻪ اﺳم " اﻟﻣﺷرع " ﻟﻛﻧﻪ ﻣن ﺑﺎب اﻟﻣﺟـﺎز ﻓﻘـط ﻻ اﻟﺣﻘﯾﻘـﺔ ،وذﻟـك
ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أن اﻟﻔﻘﻪ ﺟزء ﻣن اﻟﺷرﯾﻌﺔ وﻓرع ﻣﻧﻬﺎ .
وﻣــﻊ ان اﻟﻔﻘــﻪ ﯾﻌﺗﻣــد ﻋﻠــﻰ ﻧــﺻوص اﻟــﺷرﯾﻌﺔ ووﺟــودﻩ ﯾﻌﺗﻣــد
ﻋﻠــﻰ وﺟودﻫــﺎ ،إﻻ أﻧــﻪ ﯾﻔﺗــرق ﻋﻧﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻧﺎﺣﯾــﺔ ﻣﻬﻣــﺔ ،وﻫــو أن
أﺣﯾﺎﻧـﺎ ،
ً اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺻواب ﻻ ﺧطﺄ ﻓﯾﻬﺎ ،اﻣﺎ اﻟﻔﻘﻪ ﻓﻘـد ﯾﻌﺗرﯾـﻪ اﻟﺧطـﺄ
ﻷﻧــﻪ ﯾﻘــوم ﻋﻠــﻰ ﻓﻬــم اﻟﻔﻘﻬــﺎء ،وﻫــم ﺑــﺷر وﻛــل ﺑﻧــﻰ آدم ﺧطــﺎء ،
واﻟﻌـــﺻﻣﺔ ﻻ ﺗﻛـــون إﻻ ﻟﻸﻧﺑﯾـــﺎء ،وﺑﺎﻟﺗـــﺎﻟﻰ ﻓـــرأى اﻟﻣﺟﺗﻬـــد ﻻ ﯾﻠـــزم
ﻣﺟﺗﻬـدا آﺧــر ،وﻗـد ﺟــرى ﻋﻠـﻰ ﻟــﺳﺎن اﻟﻔﻘﻬـﺎء ﻗــوﻟﻬم ":اﻻﺟﺗﻬــﺎد ﻻ
ً
ﯾﻧﻘض ﺑﻣﺛﻠﻪ " وﻣﻊ ذﻟك ﻓﺈن ﻫﻧﺎك ﻣن اﻷﺣﻛـﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾـﺔ ﻣـﺎ ﻻ ﻣﺟـﺎل
ﻟﻼﺟﺗﻬﺎد واﻟرأى ﻓﯾﻪ ،ﻛوﺟوب اﻟﺻﻼة واﻟزﻛﺎة أو ﺣرﻣﺔ اﻟزﻧﺎ ،واﻟرﺑﺎ
واﻟﺧﻣر ،ﻣن ﻛل ﻣﺎ ﻋﻠم ﻣن اﻟدﯾن ﺑﺎﻟﺿرورة .
ـ ١٨ـ
ﺍﻟﻔﺼـﻞ ﺍﻟﺜـﺎﻧﻲ
ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ
أن ﻣـن ﯾــﺳﺗﻌرض ﻣــﺎ ﺟـﺎء ﻓــﻰ اﻟﻛﺗــﺎب واﻟـﺳﻧﺔ ،ﻣــن اﻷواﻣــر
واﻟﻧـــواﻫﻰ اﻟﺗـــﻰ ﺧﺎطـــب اﷲ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ﺑﻬـــﺎ ﻋﺑـــﺎدﻩ وﯾﺗﺄﻣﻠﻬـــﺎ ،ﯾـــدرك أن
اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗﻰ ﺑﻌث ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم
ـ ﺟﺎءت ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻷﻫداف اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻵﺗﯾﺔ :ـ
١ـ إﺻﻼح ﺣﺎل اﻹﻧﺳﺎن ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن ﺧﺎﻟﻘﻪ .
٢ـ إﺻﻼح ﺣﺎل اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻰ ﺧﺎﺻﺔ ﻧﻔﺳﻪ .
٣ـ إﺻﻼح ﺣﺎل اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ .
ﻓـــﺈذا ﺗﺣﻘﻘـــت ﻫـــذﻩ اﻷﻫـــداف اﻟﺛﻼﺛـــﺔ ﺳـــﻌد اﻟﻌﺑـــد ﻓـــﻰ دﻧﯾـــﺎﻩ
وأﺧراﻩ ٕ ،وان ﺗﺧﻠﻔت ﻛﺎن ﻣﺂﻟﻪ اﻟﺧﺳران وﺧﺎب ﻣﺳﻌﺎﻩ .
ﺍﳍﺪﻑ ﺍﻷﻭﻝ :ﺇﺻﻼﺡ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﲔ ﺭﺑﻬﻢ :ـ
إن أول ﺷﺊ اﻋﺗﻧﻰ ﺑﻪ اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ،ﻫـو إﺻـﻼح ﺣـﺎل
اﻟﻌﺑﺎد ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم وﺑﯾن ﺧﺎﻟﻘﻬم .وذﻟك ﺑﺗﺻﺣﯾﺢ ﻋﻘﺎﺋـدﻫم ،وﺗطﻬﯾـر
ﻗﻠـوﺑﻬم ﻣـن دﻧـس اﻟـﺷرك وظــﻼم اﻟوﺛﻧﯾـﺔ ،ﺣﺗـﻰ ﯾؤﻣﻧـوا ﺑـﺎﷲ رﺑﻬــم ،
وﯾﺻدروا أﻋﻣﺎﻟﻬم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻹﯾﻣﺎن اﻟﺻﺎدق ،واﻟﺗوﺣﯾـد اﻟﺧـﺎﻟص
،ﻓﺈﺻﻼح اﻟﻘﻠوب ﻛﺎن ﻫو أول ﺷﺊ ﻋﻧـﻰ ﺑـﻪ اﻹﺳـﻼم ،ﻷن اﻟﻘﻠـوب
إذا أﺧﻠﺻت واﻟﻧﻔوس إذا ﺻﻔت ،زاﻟت ﻋﻧﻬﺎ ﺣﺟب اﻟﻣﺎدة ،وﺗوﺛﻘت
ﺻﻠﺗﻬﺎ ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻓﺗﻛون ﺻﺎﻟﺣﺔ ﻟﻠﻣدد اﻟرﺑﺎﻧﻰ واﻹﻟﻬﺎم اﻟﻧوراﻧﻰ ،
ﻓﺎﻹﻟﻬﺎم ﻧور ﻣن ﻧور اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻧور اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﯾﻬدى ﻟﻌﺎص .
وﻟﻘد ﻧﺑﻪ اﻟرﺳول ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ إﻟـﻰ ﻫـذا ﻓـﻰ ﻗوﻟـﻪ :
ـ ١٩ـ
}أﻻ إن ﻓـــﻰ اﻟﺟـــﺳد ﻟﻣـــﺿﻐﺔ إذا ﺻـــﻠﺣت ﺻـــﻠﺢ اﻟﺟـــﺳد ﻛﻠـــﻪ ٕ ،واذا
)(١
ﻓﺳدت ﻓﺳد اﻟﺟﺳد ﻛﻠﻪ ،أﻻ وﻫﻰ اﻟﻘﻠب { .
واﻷﺳﺎس اﻷول ﻹﺻﻼح اﻟﻘﻠب ،ﻫو اﻟﺗﺻدﯾق اﻟﻘﻠﺑـﻰ اﻟﺟـﺎزم
ﺑوﺟود اﻹﻟﻪ اﻟﺧـﺎﻟق اﻟﻌظـﯾم وأﻧـﻪ " :ﻟـﯾس ﻛﻣﺛﻠـﻪ ﺷـﺊ وﻫـو اﻟـﺳﻣﯾﻊ
)(٢
اﻟﺑﺻﯾر " .
واﻹﯾﻣـﺎن ﺑﻣــﺎ ﺟــﺎء ﺑــﻪ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ،
وﺑﻠﻐــﻪ ﻋــن رﺑــﻪ ،واﻹﯾﻣــﺎن ﺑﺎﻟﻣﻼﺋﻛــﺔ اﻟﻛـرام ،وأﻧﻬــم أﺟــﺳﺎم ﻧوراﻧﯾــﺔ
روﺣﺎﻧﯾﺔ ،ﻻ ﯾوﺻﻔون ﺑذﻛورة وﻻ ﺑﺄﻧوﺛﺔ ،ﻻ ﯾﻌـﺻون اﷲ ﻣـﺎ أﻣـرﻫم
ﺟﻣﯾﻌــﺎ ،أوﻟﻬــم آدم
ً ،وﯾﻔﻌﻠــون ﻣــﺎ ﯾــؤﻣرون ،ﺛــم اﻹﯾﻣــﺎن ﺑرﺳــل اﷲ
أﺑو اﻟﺑﺷر ،وآﺧرﻫم ﺳﯾدﻧﺎ ﻣﺣﻣد ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ وﻣـﺎ
أﻧزل ﻋﻠﯾﻬم ﻣن اﻟﻛﺗب اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ اﻷرﺑﻌـﺔ :وﻫـﻰ اﻟﺗـوراة اﻟﺗـﻰ أﻧزﻟﻬـﺎ
اﷲ ﻋﻠﻰ ﻧﺑﯾﻪ ﻣوﺳـﻰ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺳﻼم ،واﻹﻧﺟﯾـل اﻟـذى أﻧزﻟـﻪ اﷲ ﻋﻠـﻰ
ﻧﺑﯾﻪ ﻋﯾﺳﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ،واﻟزﺑور اﻟﻣﻧـزل ﻋﻠـﻰ ﻧﺑـﻰ اﷲ داود ﻋﻠﯾـﻪ
اﻟﺳﻼم ،واﻟﻘرآن اﻟذى أﻧزل ﻋﻠﻰ ﺧﺎﺗم اﻟﻣرﺳﻠﯾن ﺳـﯾدﻧﺎ ﻣﺣﻣـد ﻋﻠﯾـﻪ
أﻓﺿل اﻟﺻﻼة وأﺗم اﻟﺗﺳﻠﯾم ،ﺛم اﻹﯾﻣـﺎن ﺑـﺎﻟﯾوم اﻵﺧـر ،اﻟـذى ﯾﺑﻌـث
اﷲ ﻓﯾـــﻪ اﻟﺧﻼﺋـــق ،ﻓﯾﺣﺎﺳـــﺑﻬم ﻋﻠـــﻰ أﻋﻣـــﺎﻟﻬم ،وﯾﺟـــزى اﻟﻣﺣـــﺳن
ﺑﺈﺣﺳﺎﻧﻪ ،واﻟﻣﺳﺊ ﻋﻠﻰ إﺳﺎءﺗﻪ ،ﻓﯾدﺧل ﻣن أطﺎع اﻟﺟﻧﺔ ﺑرﺣﻣﺗﻪ ،
وﯾدﺧل ﻣن ﻋﺻﻰ اﻟﻧﺎر ﺑﻌدﻟـﻪ ،ﯾﻘـول ﺳـﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ذﻟـك ﺑـﺄن
) (١أﺧرﺟــﻪ اﻟﺑﺧــﺎرى ﻓــﻰ ﺻ ــﺣﯾﺣﻪ " ﻛﺗــﺎب اﻹﯾﻣــﺎن " " ﺑ ــﺎب ﻓــﺿل ﻣــن اﺳ ــﺗﺑ أر ﻟدﯾﻧــﻪ " .وﻣــﺳﻠم ﻓ ــﻰ
ﺻﺣﯾﺣﻪ " ﻛﺗﺎب اﻟﻣﺳﺎﻗﺎة " " ﺑﺎب أﺧذ اﻟﺣﻼل وﺗرك اﻟﺷﺑﻬﺎت " .
) (٢ﺳورة اﻟﺷورى ـ اﻵﯾﺔ . ١١
ـ ٢٠ـ
اﷲ ﻫـــو اﻟﺣـــق وأﻧـــﻪ ﯾﺣﯾـــﻰ اﻟﻣـــوﺗﻰ وأﻧـــﻪ ﻋﻠـــﻰ ﻛـــل ﺷـــﺊ ﻗـــدﯾر وأن
ﺛــم ( ١ )
اﻟـﺳﺎﻋﺔ آﺗﯾــﺔ ﻻ رﯾــب ﻓﯾﻬـﺎ وأن اﷲ ﯾﺑﻌــث ﻣــن ﻓـﻰ اﻟﻘﺑــور " .
ﯾﺄﺗﻰ اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻘـﺿﺎء واﻟﻘـدر ﺧﯾـرﻩ وﺷـرﻩ ،ﺣﻠـوﻩ وﻣـرﻩ ،ﻓـﺈذا ﺻـﻠﺢ
ﺷﻌب اﻹﯾﻣﺎن ﻣن اﻹﺧﻼص واﻟﺻدق اﻟﻘﻠب ﺑﻬذا اﻻﻋﺗﻘﺎد اﻧﺑﻌث ﻣﻧﻪ ُ
واﻷﻣﺎﻧﺔ واﻟﻌﻔﺔ ،واﻟوﻓﺎء واﻟﻣـرؤة واﻹﺧـﺎء ،واﻟﻌـدل ،واﻟﻛـرم ..إﻟـﻰ
)(٢
آﺧر اﻟﻔﺿﺎﺋل اﻟﻛرﯾﻣﺔ ،واﻟﺧﺻﺎل اﻟﺣﻣﯾدة .
ﺍﳍﺪﻑ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ﺇﺻﻼﺡ ﺣﺎﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻰ ﻧﻔﺴﻪ :ـ
إذا ﺗﺣﻘــــق اﻟﻬــــدف اﻷول وﺻــــﻠﺢ اﻟﻘﻠــــب ،وطﻬــــرت اﻟــــﻧﻔس
اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻣن اﻟوﺳﺎوس اﻟﺷﯾطﺎﻧﯾﺔ ،وﺻـﺎرت أﻋﻣـﺎل اﻹﻧـﺳﺎن ﺻـﺎدرة
ﻣﻧﻪ ﻓﻰ ظل اﻟﺧﺷﯾﺔ ﻣن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،واﻟﺧوف ﻣﻧﻪ ،أﻣﻼً ﻓﻰ ﺛواﺑﻪ ،
وﺧوﻓًــﺎ ﻣــن ﻋﻘﺎﺑــﻪ ،ﻋــﺎد ﻫــذا ﻋﻠــﻰ اﻹﻧــﺳﺎن ﺑــﺎﻟﺧﯾر اﻟﻛﺛﯾــر ،وﻫــو
ﺻــﻼﺣﻪ ﻓــﻰ ﺧﺎﺻـــﺔ ﻧﻔــﺳﻪ ،وذﻟــك ﻻ ﯾﻛـــون إﻻ إذا اﺳــﺗﻘﺎم ﻗﻠﺑـــﻪ ،
واﺳـــﺗﺟﺎب ﷲ ورﺳـــوﻟﻪ ،ﻓـــﻼ ﯾﺧـــرج ﻋـــن ﺣـــدود اﷲ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ،ﻓﯾﻣـــﺎ
رﺳﻣﺗﻪ اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،وأوﺿـﺣﺗﻪ اﻟـﺳﻧﺔ اﻟﻣﺣﻣدﯾـﺔ ،ذاﻛـ ًار ﻓـﻰ
ﺳﺎﺋر أﺣواﻟﻪ ﻗول اﻟﺣق ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﺗﻠك ﺣدود اﷲ ﻓـﻼ ﺗﻌﺗـدوﻫﺎ
" .ﻓـــﯾﺧﻠص اﻹﻧـــﺳﺎن ﷲ ﻓـــﻰ ﻋﺑﺎدﺗـــﻪ ،وﯾـــﺻدق ﻣـــﻊ اﻟﻧـــﺎس ﻓـــﻰ
ﻣﻌﺎﻣﻠﺗﻪ ،وﻫذﻩ ﻣرﺗﺑﺔ ﺗﺄﺗﻰ ﺑﻌد ﺻدق اﻹﯾﻣﺎن ،وﻛﻣﺎل اﻟﺧـﺷﯾﺔ ﻣـن
اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻓﯾﻣــﺎ ﯾﺄﺗﯾــﻪ اﻹﻧــﺳﺎن ﻣــن أﻋﻣــﺎل ،وﻗــد أوﺿــﺣت اﻟــﺷرﯾﻌﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻌﺎﻟم اﻟﺣﻼل واﻟﺣرام ،ﻛﻣﺎ ﻧﺑـﻪ ﻋﻠـﻰ ذﻟـك ﺳـﯾد اﻟﻣرﺳـﻠﯾن
) (١ﺳورة اﻟﺣﺞ ـ اﻵﯾﺗﺎن . ٨ ، ٧
) (٢ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻟﻠﻌﺟوز ص ٣٢ـ . ٣٥
ـ ٢١ـ
ﻧﺑﯾﻧﺎ ﻣﺣﻣد ـ ﻋﻠﯾﻪ أﻓﺿل اﻟﺻﻼة وأﺗم اﻟﺳﻼم ـ ﺑﻘوﻟﻪ } :اﻟﺣﻼل ﺑﯾن
واﻟﺣرام ﺑﯾن ،وﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻣﺷﺗﺑﻬﺎت ـ أو ﻣـﺷﺑﻬﺎت ـ ﻻ ﯾﻌﻠﻣﻬـﺎ ﻛﺛﯾـر ﻣـن
اﻟﻧﺎس ،ﻓﻣن اﺗﻘﻰ اﻟـﺷﺑﻬﺎت ﻓﻘـد اﺳـﺗﺑرأ ﻟدﯾﻧـﻪ وﻋرﺿـﻪ ،وﻣـن وﻗـﻊ
ﻓﻰ اﻟﺷﺑﻬﺎت ،وﻗﻊ ﻓﻰ اﻟﺣـرام ﻛـﺎﻟراﻋﻰ ﯾرﻋـﻰ ﺣـول اﻟﺣﻣـﻰ ،ﯾوﺷـك
أن ﯾﻘﻊ ﻓﯾﻪ أﻻ ٕوان ﻟﻛل ﻣﻠك ﺣﻣﻰ ،أﻻ ٕوان ﺣﻣﻰ اﷲ ﻣﺣﺎرﻣﻪ { .
وﯾﻘول ـــ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم ـــ }:اﻟﺣـﻼل ﻣـﺎ أﺣـل اﷲ ﻓـﻰ
ﻛﺗﺎﺑﻪ ،واﻟﺣرام ﻣﺎ ﺣرم اﷲ ﻓﻰ ﻛﺗﺎﺑﻪ ،وﻣﺎ ﺳﻛت ﻋﻧﻪ ﻓﻬـو ﻣﻣـﺎ ﻋﻔـﺎ
)(١
ﻋﻧﻪ {.
وﻫـــذا ﯾﻘﺗـــﺿﻰ أن ﯾﻛـــون اﻟﻣـــﺳﻠم ﻋﻠـــﻰ ﻋﻠـــم ﻣﻣـــﺎ ﻛﻠﻔﺗـــﻪ ﺑـــﻪ
اﻟﺷرﯾﻌﺔ ،ﺣﺗﻰ ﯾﻣﯾز ﺑﯾن اﻟﺣـﻼل واﻟﺣـرام ،وﺑـﯾن اﻟطﯾـب واﻟﺧﺑﯾـث ،
ﺛــم ﻻ ﯾـزال ﯾرﺗﻘــﻰ ﻓــﻰ درﺟــﺎت اﻟﻌﻠــم ﺑﺎﻟــﺷرﯾﻌﺔ ،ﺣﺗــﻰ ﯾــﺳﺗوﻟﻰ ﻋﻠــﻰ
ﻗﻠﺑﻪ ﺣب اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺣب رﺳـوﻟﻪ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم ،ﻓـﻼ ﯾﻛـون
ﻟــﻪ وﺟﻬــﺔ إﻻ اﷲ وﻻ ﯾﻌﺗﻣــد ﻓــﻰ أﻣــورﻩ ﻋﻠــﻰ ﺳـواﻩ ،وﻣﻧــﺎزل اﻟﻧــﺎس
ﺗﺑﻌـﺎ ﻟﻣـﺎ ﯾـﺻﻠون إﻟﯾـﻪ ﻣـن درﺟـﺎت
ودرﺟﺎﺗﻬم ﺗﺧﺗﻠف ﻋﻧـد اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ً
اﻟﻌﻠم ﺑﺷرﯾﻌﺗﻪ ،واﻟﻣﻌرﻓﺔ ﺑﻪ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻟﻘد ﻧﺑﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﻋﻠـﻰ
ﻓﺿل اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻘﺎل ﻋز وﺟل " :ﻫل ﯾﺳﺗوى اﻟذﯾن ﯾﻌﻠﻣـون واﻟـذﯾن ﻻ
ﯾﻌﻠﻣون إﻧﻣﺎ ﯾﺗذﻛر أوﻟوا اﻷﻟﺑﺎب " (٢).وﺟﻌﻠﻬم ﻓـﻰ ﻣـﺻﺎف اﻟﻣﻼﺋﻛـﺔ
ﻓﻘﺎل ﻋز وﺟل " :ﺷﻬد اﷲ أﻧﻪ ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﻫـو واﻟﻣﻼﺋﻛـﺔ وأوﻟـوا اﻟﻌﻠـم
) (١رواﻩ اﺑن ﻣﺎﺟﺔ ﺑرﻗم . ٣٣٦٧واﻟﺗرﻣذى ﺑرﻗم . ١٧٢٦
) (٢ﺳورة اﻟزﻣر ـ اﻵﯾﺔ . ٩
ـ ٢٢ـ
ﻗﺎﺋﻣﺎ ﺑﺎﻟﻘﺳط ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﻫو اﻟﻌزﯾز اﻟﺣﻛﯾم " .
)(١
ً
وأوﺿــﺢ ﻋﻠــو درﺟــﺗﻬم ﻋﻧــدﻩ ﻓﻘــﺎل " :ﯾرﻓــﻊ اﷲ اﻟــذﯾن آﻣﻧ ـوا
ﻣــﻧﻛم واﻟـــذﯾن أوﺗـــوا اﻟﻌﻠـــم درﺟـــﺎت " (٢).واﻟﻣﻘـــﺻود ﺑـــﺎﻟﻌﻠم ﻓـــﻰ ﻫـــذﻩ
اﻵﯾـﺎت ﻫـو اﻟﻌﻠـم اﻟـوﻫﺑﻰ ـ ﻻ اﻟﻛـﺳﺑﻰ ـ وﻫـو ﻻ ﯾﻣـﻧﺢ إﻻ ﻟﻣـن آﻣـن
دﯾﻧـﺎ ،وﺑـﺳﯾدﻧﺎ ﻣﺣﻣـد ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
رﺑـﺎ ،وﺑﺎﻹﺳـﻼم ً
ﺑﺎﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ً
ﺗﺑﻌـﺎ ﻟﻣـﺎ ﺟـﺎء
ﺻﺎﻟﺣﺎ ،وﻛـﺎن ﻫـواﻩ ً
ً ﻧﺑﯾﺎ ورﺳوﻻً ،وﻋﻣل
وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ً
ﺑﻪ اﻟﺷرع اﻟﺣﻛﯾم ﻣن أﺣﻛﺎم وآداب ،ﻓﻬﻧﺎ ﯾﻠﻘﻰ اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﻫـذا اﻟﻌﻠـم
اﻟﻣوﻫوب ﻓﻰ روع ﻋﺑدﻩ اﻟﻣؤﻣن ﻟﯾﺻﺎدف ﺑـﻪ ﻣـﻧﻬﺞ اﻟﻬـدى واﻟﺗﻘـﻰ ،
ﻛﻣﺎ أﻧﺑﺄ ﻋـن ذﻟـك ﻓـﻰ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ﯾـﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟـذﯾن آﻣﻧـوا اﺗﻘـوا اﷲ
وآﻣﻧوا ﺑرﺳوﻟﻪ ﯾؤﺗﻛم ﻛﻔﻠﯾن ﻣـن رﺣﻣﺗـﻪ وﯾﺟﻌـل ﻟﻛـم ﻧـوًرا ﺗﻣـﺷون ﺑـﻪ
)(٣
وﯾﻐﻔر ﻟﻛم واﷲ ﻏﻔور رﺣﯾم " .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻜـﺴﱮ :وﻫـو اﻟـذى ﯾﺣـﺻل ﻟﻺﻧـﺳﺎن ﻋـن طرﯾـق
ﺣواﺳــﻪ اﻟﺧﻣـــﺳﺔ ،إذا ﻟــم ﯾـــﺻﺎﺣﺑﻪ اﻹﯾﻣــﺎن واﻟﻌﻣـــل اﻟــﺻﺎﻟﺢ ،ﻓـــﻼ
ﯾدﺧل ﺗﺣـت ﻣـدﻟول ﻫـذﻩ اﻵﯾـﺎت ،وذﻟـك ﻷن اﻟﺣـواس ﻣﻧﺣـﺔ ﻣـن اﷲ
ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻟﻌﺑــﺎدﻩ ،ﯾــﺷﺗرك ﻓﯾﻬــﺎ اﻟﻣــؤﻣن واﻟﻛــﺎﻓر ،واﻟطــﺎﺋﻊ واﻟﻌﺎﺻــﻰ ،
وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻰ ﻓــﺎﻟﻌﻠم اﻟﻣﻛﺗــﺳب ﻋــن طرﯾــق اﻟﺣـواس ،ﻻ ﯾــدل ﻋﻠــﻰ ﻓــﺿل
ﺻﺎﺣﺑﻪ ﻋﻧد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻰ اﻟﻣﻧزﻟـﺔ إﻻ إذا ﺗـوج ﺑﻣﻌرﻓﺗـﻪ ﺣـق اﻟﺧـﺎﻟق
ﺟل ﻓﻰ ﻋﻼﻩ ،وﻣن ﻫذا اﻗﺗﺿت اﻟﺣﻛﻣﺔ اﻹﻟﻬﯾـﺔ ،واﻟﻌداﻟـﺔ اﻟرﺑﺎﻧﯾـﺔ
) (١ﺳورة آل ﻋﻣران ـ اﻵﯾﺔ . ١٨
) (٢ﺳورة اﻟﻣﺟﺎدﻟﺔ ـ اﻵﯾﺔ . ١٢
) (٣ﺳورة اﻟﺣدﯾد ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨
ـ ٢٣ـ
،ظﻬـــور اﻟﻛﺛﯾـــر ﻣـــن اﻻﻛﺗـــﺷﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾـــﺔ ﻋﻠـــﻰ أﯾـــدى اﻟﻛﺛﯾـــر ﻣـــن
اﻟﻌﻠﻣــﺎء واﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن ،ﺳ ـواء ﻛــﺎﻧوا ﻣــﺳﻠﻣﯾن أم ﻏﯾــر ﻣــﺳﻠﻣﯾن .ﻋﻠــﻰ
ﻗــدر ﺟــدﻫم واﺟﺗﻬــﺎدﻫم وﺳـــﻌﯾﻬم وراء اﻛﺗــﺷﺎف ﺣﻘــﺎﺋق ﻫــذا اﻟﻛـــون
اﻟﻌﺟﯾب
وﺻــدق اﷲ اﻟﻌظــﯾم ﺣﯾــث ﯾﻘــول " :وﻣــﺎ رﺑــك ﺑظــﻼم ﻟﻠﻌﺑﯾــد "
وﻗــد طﻠــب اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻣــن ﺧﻠﻘــﻪ اﻟﺗﻔﻛــر ﻓــﻰ ﺧﻠــق اﻟــﺳﻣوات واﻷرض
ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗل اﻧظروا ﻣﺎذا ﻓﻰ اﻟﺳﻣوات واﻷرض وﻣﺎ ﺗﻐﻧﻰ اﻵﯾﺎت
واﻟﻧذر ﻋن ﻗوم ﻻ ﯾؤﻣﻧون " (١).وطﻠب ﻣﻧﺎ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﻧﻔﻛـر
ﻓــﻰ ﺧﻠــق اﻟــﺳﻣوات واﻷرض ﻓﻘــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :إن ﻓــﻰ ﺧﻠــق اﻟــﺳﻣوات
واﻷرض واﺧــﺗﻼف اﻟﻠﯾــل واﻟﻧﻬــﺎر ﻵﯾــﺎت ﻷوﻟــﻰ اﻷﻟﺑــﺎب " (٢).ﻓطﻠــب
اﻟﺣــق ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻣــن ﻋﺑــﺎدﻩ اﻟﻧظــر ﻓــﻰ ﻫــذا اﻟﻛــون اﻟﺑــدﯾﻊ ،
وﺣــﺛﻬم ﻋﻠــﻰ اﻟﻧظــر واﻟﺑﺣــث اﻟواﺳــﻊ ﻓﯾــﻪ ،ﻣــﺎ ﻫــو إﻻ إﺷــﺎرة ﻗوﯾــﺔ
)(٣
ﻟﻼﻧﺗﻘﺎل ﺑﻬم إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﻣراﺗب اﻟﻌﻠم ﺑﻪ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﺍﳍﺪﻑ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺇﺻﻼﺡ ﺍﺘﻤﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ :ـ
إﺻـــﻼح اﻟﻣﺟﺗﻣﻌـــﺎت ﻫـــو اﻟﻘـــﺻد اﻷول ﻣـــن إرﺳـــﺎل اﻷﻧﺑﯾـــﺎء
واﻟﻣرﺳـــﻠﯾن ،ﻓﻛـــل ﻧﺑـــﻰ ﻣﻬﻣﺗـــﻪ وﻋﻧﺎﯾﺗـــﻪ اﻷوﻟـــﻰ ﻫـــﻰ إﺻـــﻼح ﺣـــﺎل
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟذى أرﺳل إﻟﯾﻪ ،ﯾرﺷدﻫم أوﻻً إﻟﻰ ﺣﺳن اﻟﺻﻠﺔ ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ
) (١ﺳورة ﯾوﻧس ـ اﻵﯾﺔ . ١٠١
) (٢ﺳورة آل ﻋﻣران ـ اﻵﯾﺔ . ١٩٠
) (٣ﯾراﺟﻊ ﻓﻰ ﻫذا اﻟﺑﺣث اﻟﻘـﯾم اﻟـﺷﯾﺦ ﻛﺎﻣـل ﻣﺣﻣـد ﺣـﺳن ﺑﻌﻧـوان " أﻫـداف اﻟرﺳـﺎﻟﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ " وﻫـو
ﻣﻧﺷور ﺿﻣن أﻋﻣﺎل اﻟﻣؤﺗﻣر اﻟﺧﺎﻣس ﻟﻣﺟﻣﻊ اﻟﺑﺣوث اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺳﻧﺔ ١٣٨٩ﻫـ١٩٧٠/م .
ـ ٢٤ـ
،وﺗوﺛﯾق اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻌﺑﺎد ورﺑﻬم ،وذﻟك ﻋﻠـﻰ أﺳـﺎس اﻟـﺻدق ﻓـﻰ
اﻹﯾﻣــﺎن ،واﻹﺧــﻼص ﻓــﻰ اﻟﺗوﺣﯾــد ،ﺛــم ﯾرﺷــدﻫم إﻟــﻰ ﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ ﺧﯾــر
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻹﻧﺳﺎﻧﻰ .
وﻗد ﺟﺎء اﻟﻧﺑﻰ ﻣﺣﻣـد ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﺑـﺷرﯾﻌﺔ
ﻗوﯾﺔ ،ﻓﻰ ﻋﺻر ﺳﺎدﺗﻪ اﻟـﺿﻼﻟﺔ ،وﻋﻣﺗـﻪ اﻟﺟﻬﺎﻟـﺔ ،وﺗﺣﻛﻣـت ﻓﯾـﻪ
اﻟﻌﻧـــﺻرﯾﺔ واﻟﺗﻘﺎﻟﯾـــد اﻟﻬﻣﺟﯾـــﺔ ،ﻓطﻬـــر أﺧﻼﻗﻬـــم ،وﻗـــوم ﺳـــﻠوﻛﻬم ،
ـﻠﯾﻣﺎ ﻣــن أﺳــﺑﺎب
ووﺟﻬﻬــم إﻟــﻰ اﻟﺧﯾــر واﻟرﺷــﺎد ،ﻟﯾﺑﻘــﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﺳـ ً
اﻟﻧزاع واﻟﺿﻌف واﻟﺷﻘﺎق .
وﻫـــذﻩ إﺷـــﺎرة ﺳـــرﯾﻌﺔ إﻟـــﻰ أﻫـــم ﻣـــﺎ وﺿـــﻌﻪ اﻹﺳـــﻼم ﻹﺻـــﻼح
اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ :
١ـ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻷﺧﻮﺓ ﺍﻹﳝﺎﻧﻴﺔ :ـ
ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :إﻧﻣــﺎ اﻟﻣؤﻣﻧــون أﺧــوة ﻓﺄﺻــﻠﺣوا ﺑــﯾن أﺧــوﯾﻛم
واﺗﻘوا اﷲ ﻟﻌﻠﻛم ﺗرﺣﻣون " (١).ﻓﻘد ﺟﻌل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أﺧوة اﻟـدﯾن أﻗـوى
ﻣـن ُﻟﺣﻣـﺔ اﻟﻧـﺳب ،ﻷن اﻟﻧـﺳب ﯾﻧﻘطـﻊ ﺑﺎﻧﻘطـﺎع اﻟﻣﺗﺎﺑﻌـﺔ ﻓـﻰ اﻟـدﯾن
ﻛﻣــﺎ اﻧﻘطــﻊ ﻧــﺳب اﺑــن ﺳــﯾدﻧﺎ ﻧــوح ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺳﻼم ﻋﻧــﻪ ،ﻋﻧــدﻣﺎ ﺑــدت
ﻋﺎطﻔــﺔ اﻷﺑــوة ﻧﺣــوﻩ ﻓﻘــﺎل " :رب إن اﺑﻧــﻰ ﻣــن أﻫﻠــﻰ " (٢).ﻓﺄﺟﺎﺑــﻪ
)(٣
اﻟﺣق ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ":إﻧﻪ ﻟﯾس ﻣن أﻫﻠك إﻧﻪ ﻋﻣل ﻏﯾر ﺻﺎﻟﺢ "
) (١ﺳورة اﻟﺣﺟرات ـ اﻵﯾﺔ . ١٠
) (٢ﺳورة ﻫود ـ اﻵﯾﺔ . ٤٥
) (٣ﺳورة ﻫود ـ اﻵﯾﺔ . ٤٦
ـ ٢٥ـ
٢ـ ﺃﺳﺎﺱ ﺍﳌﻔﺎﺿﻠﺔ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ :ـ
ﺟﻌــل اﻟﺣــق ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻗﯾﻣــﺔ اﻹﻧــﺳﺎن ﻋﻧــدﻩ ،وﻣﻧزﻟﺗــﻪ
ﻟدﯾـــﻪ ،إﻧﻣـــﺎ ﺗﻛـــون ﺑـــﺎﻟﺗﻘوى واﻟﻌﻣـــل اﻟـــﺻﺎﻟﺢ ،واﻟﺣﻛﻣـــﺔ ﻣـــن ﺟﻌـــل
ﺷﻌوﺑﺎ وﻗﺑﺎﺋل ﻫو اﻟﺗﻌﺎرف ،واﻟﺗﻌﺎون ﻋﻠﻰ اﻟﺑـر واﻟﺗﻘـوى ،ﻻ ً اﻟﻧﺎس
ﻟﻠﻣﻔــﺎﺧرة واﻟﻌــﺻﺑﯾﺔ ،ﻓﻘــﺎل ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﯾــﺎ أﯾﻬــﺎ اﻟﻧــﺎس إﻧــﺎ
ﺷـﻌوﺑﺎ وﻗﺑﺎﺋـل ﻟﺗﻌـﺎرﻓوا إن أﻛـرﻣﻛم
ً ﺧﻠﻘﻧﺎﻛم ﻣـن ذﻛـر وأﻧﺛـﻰ وﺟﻌﻠﻧـﺎﻛم
)(١
ﻋﻧد اﷲ أﺗﻘﺎﻛم إن اﷲ ﻋﻠﯾم ﺧﺑﯾر " .
ـﺎﺋدا ﻗﺑــل
وﻗــد ﻗــﺎوم اﻹﺳــﻼم اﻟﺗﻣﯾﯾــز اﻟﻌﻧــﺻرى اﻟــذى ﻛــﺎن ﺳـ ً
ظﻬـــورﻩ ،ﻓﻘـــرر ﻣﺑـــدأ اﻟﻣـــﺳﺎواة ﺑـــﯾن اﻟﻧـــﺎس وأﻋﻠـــن أﻧﻬـــم ﺳواﺳـــﯾﺔ
ﻛﺄﺳﻧﺎن اﻟﻣﺷط ﻋﻠﻰ اﺧﺗﻼف أﻟواﻧﻬم وأﺟﻧﺎﺳﻬم ،ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟـﺻﻼة
واﻟﺳﻼم } :أﯾﻬﺎ اﻟﻧﺎس إن رﺑﻛم واﺣد ٕ ،وان أﺑﺎﻛم واﺣـد ،ﻛﻠﻛـم ﻵدم
،وآدم ﻣـــن ﺗـــراب ،أﻛـــرﻣﻛم ﻋﻧـــد اﷲ أﺗﻘـــﺎﻛم ،وﻟـــﯾس ﻟﻌرﺑـــﻰ ﻋﻠـــﻰ
ﻋﺟﻣــﻰ وﻻ ﻟﻌﺟﻣــﻰ ﻋﻠــﻰ ﻋرﺑــﻰ ،وﻻ أﺣﻣــر ﻋﻠــﻰ أﺑــﯾض وﻻ أﺑــﯾض
ﻋﻠـــﻰ أﺣﻣـــر ،إﻻ ﺑـــﺎﻟﺗﻘوى أﻻ ﻫـــل ﺑﻠﻐـــت ؟ اﻟﻠﻬـــم ﻓﺎﺷـــﻬد،أﻻ ﻟﯾﺑﻠـــﻎ
اﻟﺷﺎﻫد ﻣﻧﻛم اﻟﻐﺎﺋب {
وﻗــد ﺿــرب اﻟﻣــﺳﻠﻣون اﻷواﺋــل أروع اﻷﻣﺛﻠــﺔ ﻓــﻰ ﺗطﺑﯾــق ﻫــذا
اﻟﻣﺑدأ اﻟﻌظﯾم ﻓﻬذا ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ،ﻟﻣـﺎ ﺳـﺎر إﻟـﻰ
ﺑﯾت اﻟﻣﻘدس ﻛـﺎن ﻫـو وﻋﺑـدﻩ ﯾﺗﻧﺎوﺑـﺎن اﻟرﻛـوب ،ﻋﻠـﻰ اﻟداﺑـﺔ ـ وﻫـو
ﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ـ وﻟﻣﺎ وﺻﻼ إﻟـﻰ ﺑﯾـت اﻟﻣﻘـدس ،ﺟـﺎء دور ﻏﻼﻣـﻪ
ﻓﻰ اﻟرﻛوب ودورﻩ ﻓﻰ اﻟﻣﺷﻰ ،ﻓﻠﻣﺎ رأى ذﻟـك أﺑـو ﻋﺑﯾـدة ﺑـن اﻟﺟـراح
) (١ﺳورة اﻟﺣﺟرات ـ اﻵﯾﺔ . ١٣
ـ ٢٦ـ
وﻛﺎن أﻣﯾ ًرا ﻋﻠﻰ ﺑﯾت اﻟﻣﻘدس ﻗﺎل ﻟﻪ :ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن أراك ﺗﺻﻧﻊ
أﻣ ًرا ﻻ ﯾﻠﯾق ،ﻓﺈن اﻷﻧظﺎر ﻣﺗﺟﻬﺔ إﻟﯾك ،ﻓﻘﺎل ﻋﻣر ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ
ـ ﻟم ﯾﻘل أﺣد ذﻟـك ﻗﺑﻠـك ،وﻗـد ﻛﻧـﺎ أﻗـل اﻟﻧـﺎس وأﺣﻘـرﻫم ،وأﻋزﻧـﺎ اﷲ
ﺑﺎﻹﺳﻼم ،وﻣﻬﻣﺎ طﻠﺑﻧﺎ اﻟﻌز ﻣن ﻏﯾرﻩ أذﻟﻧﺎ اﷲ .
٣ـ ﻭﻣﻦ ﺍﳌﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻹﺻﻼﺡ ﺣـﺎﻝ ﺍﺘﻤـﻊ ﺍﻹﺳـﻼﻣﻰ ﺗـﺸﺮﻳﻊ
ﺍﻟﺘﺤﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﳌﻘﺎﺑﻠﺔ ،واﻟﻠﻘﺎء ﺑﯾن أﻓرادﻩ ،ﻟﻛﻰ ﺗﺳود اﻟﻣﺣﺑﺔ واﻟوﺋـﺎم
ﺑﯾﻧﻬم وﺗطﻬر ﻗﻠوﺑﻬم ﻣن اﻟﻐـل واﻟﻛراﻫﯾـﺔ واﻟﺣـﺳد ﻗـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ ٕ " :واذا
ﺣﯾﯾﺗم ﺑﺗﺣﯾﺔ ﻓﺣﯾوا ﺑﺄﺣﺳن ﻣﻧﻬﺎ أو ردوﻫﺎ إن اﷲ ﻛﺎن ﻋﻠـﻰ ﻛـل ﺷـﺊ
ﺣﺳﯾﺑﺎ " .
ً
)(١
وﻣن ذﻟك اﻟﺣث ﻋﻠﻰ اﻟزﯾﺎرة ورﻋﺎﯾﺔ آداﺑﻬﺎ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾﺎ
ﺑﯾوﺗﺎ ﻏﯾر ﺑﯾوﺗﻛم ﺣﺗﻰ ﺗﺳﺗﺄﻧﺳوا وﺗـﺳﻠﻣوا
أﯾﻬﺎ اﻟذﯾن آﻣﻧوا ﻻ ﺗدﺧﻠوا ً
أﺣـدا
ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻬﺎ ،ذﻟﻛم ﺧﯾر ﻟﻛم ﻟﻌﻠﻛم ﺗذﻛرون ،ﻓﺈن ﻟم ﺗﺟدوا ﻓﯾﻬـﺎ ً
ﻓﻼ ﺗـدﺧﻠوﻫﺎ ،ﺣﺗـﻰ ﯾـؤذن ﻟﻛـم ٕ ،وان ﻗﯾـل ﻟﻛـم ارﺟﻌـوا ﻓـﺎرﺟﻌوا ،ﻫـو
أذﻛــﻰ ﻟﻛــم ،واﷲ ﺑﻣــﺎ ﺗﻌﻣﻠــون ﻋﻠــﯾم ،ﻟــﯾس ﻋﻠــﯾﻛم ﺟﻧــﺎح أن ﺗــدﺧﻠوا
ﺑﯾوﺗـــﺎ ﻏﯾـــر ﻣـــﺳﻛوﻧﺔ ﻓﯾﻬـــﺎ ﻣﺗـــﺎع ﻟﻛـــم ،واﷲ ﯾﻌﻠـــم ﻣـــﺎ ﺗﺑـــدون وﻣـــﺎ
)(٢
ﺗﻛﺗﻣون" .
٤ـ ﻛﺬﻟﻚ ﻣـﻦ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴـﺔ ﺍﻟﻨﻬـﻰ ﻋـﻦ ﺍﻟـﺴﺨﺮﻳﺔ ،ﻭﺍﻟﻠﻤـﺰ
ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺑﺰ ﺑﺎﻷﻟﻘﺎﺏ ﺍﳌﻜﺮﻭﻫﺔ ،ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﺍﻟﻈﻨﻮﻥ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ،ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﻐﻴﺒﺔ
ﻭﺍﻟﻨﻤﻴﻤﺔ .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟذﯾن آﻣﻧوا ﻻ ﯾﺳﺧر ﻗوم ﻣن ﻗـوم
) (١ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء ـ اﻵﯾﺔ . ٨٦
) (٢ﺳورة اﻟﻧور ـ اﻵﯾﺔ ٢٧ـ . ٢٩
ـ ٢٧ـ
ﻋﺳﻰ أن ﯾﻛوﻧوا ﺧﯾرا ﻣﻧﻬم ،وﻻ ﻧﺳﺎء ﻣن ﻧﺳﺎء ﻋﺳﻰ أن ﯾﻛن ﺧﯾرا
ﻣﻧﻬن ،وﻻ ﺗﻠﻣزوا أﻧﻔﺳﻛم وﻻ ﺗﻧﺎﺑزا ﺑﺎﻷﻟﻘﺎب ،ﺑﺋس اﻻﺳـم اﻟﻔـﺳوق
ﺑﻌــد اﻹﯾﻣــﺎن ،وﻣــن ﻟــم ﯾﺗــب ﻓﺄوﻟﺋــك ﻫــم اﻟظــﺎﻟﻣون ،ﯾــﺎ أﯾﻬــﺎ اﻟــذﯾن
آﻣﻧوا اﺟﺗﻧﺑوا ﻛﺛﯾـرا ﻣـن اﻟظـن إن ﺑﻌـض اﻟظـن إﺛـم ،وﻻ ﺗﺟﺳـﺳوا وﻻ
ﯾﻐﺗب ﺑﻌﺿﻛم ﺑﻌﺿﺎ ،أﯾﺣب أﺣدﻛم ان ﯾﺄﻛل ﻟﺣم أﺧﯾﻪ ﻣﯾﺗﺎ ﻓﻛرﻫﺗﻣـوﻩ
)(١
واﺗﻘوا اﷲ إن اﷲ ﺗواب رﺣﯾم " .
٥ـ ﻭﻣﻦ ﺍﻵﺩﺍﺏ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺣﻖ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻭﺍﳉﻠﻮﺱ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ
ﻋﻦ ﺃﺫﻯ ﺍﻟﻐﲑ ،ﻭﻏﺾ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﻋﻦ ﺍﶈﺎﺭﻡ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗل ﻟﻠﻣـؤﻣﻧﯾن
ﯾﻐﺿوا ﻣـن أﺑـﺻﺎرﻫم وﯾﺣﻔظـوا ﻓـروﺟﻬم ذﻟـك أزﻛـﻰ ﻟﻬـم إن اﷲ ﺧﺑﯾـر
ﺑﻣــﺎ ﯾــﺻﻧﻌون * وﻗــل ﻟﻠﻣؤﻣﻧــﺎت ﯾﻐﺿــﺿن ﻣــن أﺑــﺻﺎرﻫن وﯾﺣﻔظــن
ﻓروﺟﻬن وﻻ ﯾﺑدﯾن زﯾﻧﺗﻬن إﻻ ﻣﺎ ظﻬر ﻣﻧﻬﺎ وﻟﯾﺿرﺑن ﺑﺧﻣرﻫن ﻋﻠـﻰ
ﺟﯾوﺑﻬن وﻻ ﯾﺑدﯾن زﯾﻧﺗﻬن إﻻ ﻟﺑﻌوﻟﺗﻬن أو آﺑـﺎﺋﻬن أو آﺑـﺎء ﺑﻌـوﻟﺗﻬن
أو أﺑﻧــﺎﺋﻬن أو أﺑﻧــﺎء ﺑﻌــوﻟﺗﻬن أو إﺧـواﻧﻬن أو ﺑﻧــﻰ إﺧـواﻧﻬن أو ﺑﻧــﻰ
اﺧ ـواﺗﻬن أو ﻧــﺳﺎﺋﻬن أو ﻣــﺎ ﻣﻠﻛــت أﯾﻣــﺎﻧﻬن أو اﻟﺗــﺎﺑﻌﯾن ﻏﯾــر أوﻟــﻰ
اﻹ رﺑﺔ ﻣن اﻟرﺟﺎل أو اﻟطﻔل اﻟذﯾن ﻟم ﯾظﻬروا ﻋﻠﻰ ﻋورات اﻟﻧﺳﺎء وﻻ
ﯾﺿرﺑن ﺑﺄرﺟﻠﻬن ﻟﯾﻌﻠم ﻣﺎ ﯾﺧﻔﯾن ﻣـن زﯾﻧـﺗﻬن وﺗوﺑـوا إﻟـﻰ اﷲ ﺟﻣﯾﻌـﺎ
)(٢
أﯾﻬﺎ اﻟﻣؤﻣﻧون ﻟﻌﻠﻛم ﺗﻔﻠﺣون " .
٦ـ ﺍﳊﺠﺮ ﺍﻟﺼﺤﻰ :ـ
ﻣن أﻫم ﻣﺎ ﺷرﻋﻪ اﻹﺳﻼم ﻟﺣﻔظ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣن اﻧﺗﺷﺎر اﻷوﺑﺋـﺔ
) (١ﺳورة اﻟﺣﺟرات ـ اﻵﯾﺔ ١١ـ . ١٢
) (٢ﺳورة اﻟﻧور ـ اﻵﯾﺔ ٣١ـ . ٣٢
ـ ٢٨ـ
واﻷﻣـراض ﺑـﯾن أﻓـرادﻩ ،وﺟـوب اﻟﺣﺟــر اﻟـﺻﺣﻰ ،ﺑﻣﻧـﻊ اﻟﺧـروج ﻣــن
اﻟﻣﻧطﻘــﺔ اﻟﻣوﺑــوءة اﻟﻣــﺻﺎﺑﺔ ﺑــﺎﻷﻣراض اﻟﻣﻌدﯾــﺔ ،أو اﻟــدﺧول إﻟﯾﻬــﺎ
ﻣن اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ ،ﻓﻘﺎل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟـﺳﻼم } :إذا ﺳـﻣﻌﺗم
ﺑﺎﻟطﺎﻋون ﺑﺄرض ﻓﻼ ﺗدﺧﻠوﻫﺎ ٕواذا وﻗﻊ ﺑﺄرض وأﻧـﺗم ﺑﻬـﺎ ﻓـﻼ ﺗﺧرﺟـوا
)(١
ﻣﻧﻬﺎ " .
٧ـ ﺍﻟﻀﻤﺎﻥ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻰ :ـ
ﻓﻘد ﻓرض اﻹﺳﻼم اﻟزﻛﺎة ﻋﻠﻰ اﻷﻏﻧﯾـﺎء ،وﺻـرف ﺟـزء ﻣﻌـﯾن
ﻣــن أﻣ ـواﻟﻬم إﻟــﻰ اﻟﻔﻘ ـراء واﻟﻣــﺳﺎﻛﯾن ﻛــل ﻋــﺎم ،ﻛﻣــﺎ ﺷــرع اﻟﻛﻔــﺎرات
اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺗرﺗﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻘﺻﯾر ﻓﻰ ﺑﻌض اﻟﺗﻛﺎﻟﯾف اﻟدﯾﻧﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ دﻋﺎ
إﻟــﻰ ﺑــذل اﻟــﺻدﻗﺔ ،واﻟﺗــﺿﺣﯾﺔ واﻹﯾﺛــﺎر ،وﺣــب اﻟﺧﯾــر ،ﻟﻛــﻰ ﯾــﺳود
اﻟﺗﻌﺎطف واﻟﺗراﺣم ﺑﯾن أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ .
٨ـ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﺿﻊ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﺳﺲ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻯ ﻭﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻰ ﻭﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻰ
وﺣـــدد اﻟطـــرق اﻟﻣـــﺷروﻋﺔ ﻻﺳـــﺗﺛﻣﺎر اﻷﻣـــوال ﺑوﺿـــﻊ أﺣﻛـــﺎم اﻟﺑﯾـــﻊ
واﻟﺷراء واﻟﺷرﻛﺔ واﻟﺿﻣﺎن واﻟﺣواﻟﺔ واﻟﻛﻔﺎﻟﺔ واﻟﻘرض ...إﻟﺦ
ﻛذﻟك ﻗرر ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻣﺎل اﻟﻌﺎم ﻣن اﻟﺿﯾﺎع ﺑﺗﻘرﯾر اﻟﺣﺟز ﻋﻠـﻰ
اﻟﻣــﺳرﻓﯾن واﻟﻘــﺻر ،وﻣــن ﻻ ﯾﺣــﺳن اﻟﺗــﺻرف ﻓــﻰ ﻣﺎﻟــﻪ ،ﻛﻣــﺎ ﺣــرم
اﻟﻘﻣﺎر اﻟذى ﯾﻌرض اﻟﻣﺎل ﻟﻠﺧﺳﺎرة واﻟزوال .
٩ـ ﺷﺮﻉ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ﻟﻧﻔـﻰ اﻻﺳـﺗﺑداد ﺑـﺎﻟرأى وﻧﻔـﻰ اﻟـﺳﯾطرة
ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﯾﺎت ﻻﺧﺗﯾﺎر ﻣﺎ ﻫو أﺻﻠﺢ وأﻧﻔﻊ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ .
) (١رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى .
ـ ٢٩ـ
١٠ـ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺍﻟﺴﻠﻤﻰ ﺑﲔ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻭﻏـﲑﻫﻢ ،ﻣـﻊ ﺿـﻣﺎن
اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺧﺎﺻﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﺿﻣن ﺣدود اﻟﻔﺿﯾﻠﺔ واﻷدب اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻰ
اﻟﻼﺋق ﻛﻣﺎ اﻋﺗرف ﺑذﻟك أﺣرار اﻟﻣﻔﻛرﯾن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم.
١١ـ ﲪﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻠﻮﺙ :ـ
إذا ﻛـﺎن اﻟﻌﻠـم اﻟﺣـدﯾث ﻗــد ﻧظـر إﻟـﻰ اﻟﺑﯾﺋــﺔ ﻋﻠـﻰ أﻧﻬـﺎ اﻟﻣﻛــﺎن
اﻟﻣﻼﺋــم واﻟﻣﻧﺎﺳــب ﻟﺣﯾــﺎة اﻹﻧــﺳﺎن ،وأﺻــدر ﺗﺟــﺎﻩ ذﻟــك اﻟﻌدﯾــد ﻣــن
اﻟﻘـواﻧﯾن ،واﻷﻧظﻣــﺔ اﻟﺗــﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻟﻠﺣــد ﻣــن اﻟﺗﻠــوث ٕ ،واﯾﻘــﺎف ﺧطــرﻩ ،
ﻓــﺈن اﻹﺳــﻼم ﻗــد ﻧظــر إﻟﯾﻬــﺎ ﺑﻣﻧظــور أﺷــﻣل ،واﻋﺗﺑــر اﻟﺣﻔــﺎظ ﻋﻠﯾﻬــﺎ
ﺟزء ﻻ ﯾﺗﺟزأ ﻣن ﻋﻘﯾدة اﻟﻣؤﻣن اﻟﺗﻰ ﺗوﺻﻠﻪ إﻟﻰ اﻟﻔوز ﺑرﺿـوان اﷲ
ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،ﻓﻘــد ﺧﻠــق اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ اﻷرض ،وﺟﻌــل ﻓﯾﻬــﺎ ﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻌﻧﺎﺻــر
ﻣـﺻداﻗﺎ ﻟﻘوﻟـﻪ
ً اﻟﺑﯾﺋﯾﺔ ﻣن ﺗرﺑﺔ وﻣﺎء وﻫواء ﺑﻧﺳب ﺛﺎﺑﺗﺔ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ،
ﺗﻌـــﺎﻟﻰ " :أﻧـــﺎ ﻛـــل ﺷـــﺊ ﺧﻠﻘﻧـــﺎﻩ ﺑﻘـــدر " .ﻓـــﺈذا ﺣـــدث اﺧـــﺗﻼل ﻓـــﻰ
اﻟﺗوازن اﻟﺑﯾﺋﻰ ﻓﺈن ذﻟك ﯾؤدى إﻟﻰ إﻟﺣﺎق اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻹﺿرار ﺑﺎﻟﻧظﺎم
اﻟﺑﯾﺋﻰ ،وﻗد ﻋﺎﻟﺞ اﻹﺳﻼم ﻫذا اﻷﻣر ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ﺻﺣﯾﺣﺔ .
ﺍﻷﺳﺲ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﺍﻟﱴ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺭﺋﻴﺴﻰ ﻓﻰ
ﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ
وﺿﻊ اﻹﺳﻼم اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻷﺳس اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ اﻟﺗﻰ ﺗـﺳﺎﻫم ﺑـﺷﻛل
رﺋﯾﺳﻰ ﻓﻰ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾﺋﺔ ﻣن اﻟﺗﻠوث واﻷﻣراض ،وﻣﻧﻬﺎ :
١ـــ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﺍﻟﺰﻧـﺎ ﻭﺍﻟﻔـﻮﺍﺣﺶ ﺍﻟـﱴ
ﺗﺆﺩﻯ ﺇﱃ ﺣﺪﻭﺙ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﳉﻨﺴﻴﺔ ،وﺣـدوث اﻟﺗﻠـوث ﺑﺎﻟﻣﯾﻛروﺑـﺎت
اﻟﺿﺎرة ـ ﻣﺛل ﻓﯾروس اﻹﯾدز وﺑﻛﺗرﯾﺎ اﻟزﻫـرى واﻟـﺳﯾﻼن ـ وﻗـد اﻧﺗـﺷرت
ـ ٣٠ـ
ﻫذﻩ اﻷﻣراض ﻓﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ ارﺗﻛﺎب اﻟزﻧﺎ واﻟﻠواط .
ﺳﺑﯾﻼ( وﺳﺎء َ ِ ﻛﺎن َ ِ َ ً
ﻓﺎﺣﺷﺔ َ َ َ اﻟزﻧﺎ ِﱠإﻧﻪُ َ َﺗﻘرﺑوا ﱢ َ
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ َ) :وَﻻ َ ْ َ ُ
ـﺎلَِ ْ » : ﻋﻠﯾـ ِـﻪ َ َ ﱠ
ﺻـ ﱠـﻠﻰ اﷲُ َ َ ْ وﻗــﺎل ﱠِ
ـﺳﺑﻊَ
اﺟﺗﻧﺑُـوا اﻟـ ﱠ ْ ـﻠم ــــ َﻗـ َ
وﺳـ َ ـﻲ ــــ َ
اﻟﻧﺑـ ﱢ
ـﺷرك ِﺑﺎﻟﻠﱠـ ِـﻪ،
ـﺎل» :اﻟـ ﱢ ْ ُ
ـن؟ ﻗَـ َ وﻣــﺎ ُﻫـ ﱠ ـﺎت« َ ،ﻗــﺎﻟُوا :ﯾــﺎ رﺳـ َ ﱠ ِ
ـول اﻟﻠــﻪ َ َ َ َ ُ
اﻟﻣوﺑﻘـ ِ
ُ َِ
وﻗﺗـ ُل اﻟـ ﱠ ْ ِ ﱠ ِ
اﻟرﺑــﺎَ ،وأ َْﻛـ ُـل ـرم اﻟﻠﱠــﻪُ ِﱠإﻻ ِﺑـ َ
ـﺎﻟﺣقﱢَ ،وأ َْﻛـ ُـل ﱢ َ ـﻧﻔس اﻟﺗــﻲ َﺣـ ﱠ َ ـﺳﺣرْ َ َ ،
َواﻟـ ﱢ ْ ُ
اﻟﻣؤﻣﻧـ ِ ﺎت ُ ْ ِ َ ــﺻﻧ ِ اﻟزﺣـ ِ
ــوم ﱠ ْ ﱢ ــﺎل َ ِ ِﻣـ ِ
ــﺎت اﻟﻣﺣـ َ َــذف ُ ْ
ــفَ ،وﻗَـ ْ ُ اﻟﯾﺗـــﯾمَ ،واﻟﺗﱠـ َــوﻟﻲ َﯾـ ْ َ َ
َ ِ َِ
اﻟﻐﺎﻓﻼت ( .
٢ـ ﺣﺮﻡ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﻐﺬﺍء ﻭﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺍﳌﻠﻮﺙ ﻭﺍﻟﻀﺎﺭ ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﺣرﻣت ﻋﻠﯾﻛم اﻟﻣﯾﺗﺔ واﻟـدم وﻟﺣـم اﻟﺧﻧزﯾـر وﻣـﺎ
أﻫل ﻟﻐﯾر اﷲ ﺑـﻪ واﻟﻣﻧﺧﻧﻘـﺔ واﻟﻣوﻗـوذة واﻟﻣﺗردﯾـﺔ واﻟﻧطﯾﺣـﺔ وﻣـﺎ أﻛـل
اﻟﺳﺑﻊ " (١).وﻟﻘد أدرﻛت اﻟﻬﯾﺋﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻰ اﻟﻌﺻر اﻟﺣﺎﺿر اﻟﺣﻛﻣﺔ
اﻟﺗﻰ ﻣن أﺟﻠﻬﺎ ﺣرﻣت ﻫـذﻩ اﻷﻣـور ،ﻓﻘـد ﺛﺑـت اﺣﺗـواء ﻟﺣـم اﻟﺧﻧزﯾـر
ﻋﻠـــﻰ دﯾـــدان ﻗﺎﺗﻠـــﺔ ،وأن ﺧﻧـــق اﻟﺣﯾواﻧـــﺎت دون ذﺑﺣﻬـــﺎ ﯾـــؤدى إﻟـــﻰ
ﺻﺣﯾﺎ ﺑﺎﻹﻧﺳﺎن إذا أﻛل ﻟﺣم
ً اﺣﺗﺑﺎس اﻟدم ﻓﻰ اﻟﺣﯾوان وﯾﺳﺑب ﺿرًرا
ﻫذا اﻟﺣﯾوان ،وﻻ ﯾﺧﻔﻰ ﻣﺎ ﻓﻰ اﻟﻣﯾﺗﺔ واﻟدم ﻣن اﻷﺿرار اﻟﺟـﺳﯾﻣﺔ ،
واﻟﻣﯾﻛروﺑﺎت اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ .
٣ـ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻥ ﺍﻟﺘﺪﺧﲔ ﻋﺎﺩﺓ ﳑﻘﻮﺗـﺔ ﻻ ﻓﺎﺋـﺪﺓ ﻓﻴـﻪ ،ﻭﻻ ﻣﻨﻔﻌـﺔ ﻣـﻦ
ﺗﻌﺎﻃﻴﻪ ،ﺑل ﻣن ﺷﺄﻧﻪ إﺣداث أﺿرار ﺑﯾﺋﯾﺔ وﺻﺣﯾﺔ ﻋﻠـﻰ اﻹﻧـﺳﺎن ،
ﻓﻘــد ﺛﺑــت ان ﻣــﺎدة اﻟﻧﯾﻛــوﺗﯾن اﻟــﺿﺎرة ﺑــﻪ ﺗﻣﺗــزج ﺑﺎﻟﻠﻌــﺎب ،وﺗﺗــﺳرب
إﻟﻰ اﻟﻣﻌدة ،ﻓﺗﺿﻌف ﻣﻌﻬﺎ اﻟـﺷﻬﯾﺔ إﻟـﻰ اﻟطﻌـﺎم ،ﻣﻣـﺎ ﯾﺗـﺳﺑب ﻋﻧـﻪ
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٣
ـ ٣١ـ
إﺿﻌﺎف ﻗوى اﻟﺑدن ،وزﯾﺎدة اﻟﺧﻔﻘﺎن ﻓﻰ اﻟﻘﻠـب ،وﺗـﺻﻠب اﻟـﺷراﯾﯾن
،وﺣدوث داء اﻟﺳرطﺎن اﻟذى ﯾؤدى إﻟﻰ اﻟﻬﻼك ،إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟـك ﻣﻣـﺎ
أﺛﺑﺗﻪ اﻟطب اﻟﺣـدﯾث ،ﻟﻣـﺎ ﻛـﺎن اﻷﻣـر ﻛـذﻟك ﻧﺑـﻪ اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم ﻋﻠـﻰ
ﺧطورﺗﻪ ،وﺳﻣﻰ ﺳورة ﺑﺎﺳﻣﻪ ،وأﻧـﻪ ﻋـذاب أﻟـﯾم ،ﻓﻘـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :
ﻓﺎرﺗﻘــب ﯾــوم ﺗــﺄﺗﻰ اﻟــﺳﻣﺎء ﺑــدﺧﺎن ﻣﺑــﯾن ﯾﻐــﺷﻰ اﻟﻧــﺎس ﻫــذا ﻋــذاب
أﻟﯾم" (١).ﺛم إن اﻟدﺧﺎن ﻣﺿﯾﻌﺔ ﻟﻠـﺻﺣﺔ واﻟﺑـدن ،وﻣﻠـوث ﻟﻠﺑﯾﺋـﺔ ﻟﻣـﺎ
ﯾﻧﺷﺄ ﻋﻧﻪ ﻣن أذى ﻟﻶﺧرﯾن واﻹﺳﻼم ﺣرم إﯾذاء اﻟﻧﺎس ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :
" واﻟـذﯾن ﯾـؤذون اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن واﻟﻣؤﻣﻧـﺎت ﺑﻐﯾـر ﻣـﺎ اﻛﺗـﺳﺑوا ﻓﻘـد اﺣﺗﻣﻠـوا
)(٢
ﺑﻬﺗﺎﻧﺎ ٕواﺛﻣﺎ ﻣﺑﯾﻧﺎ " .
٤ـ ﲪﺎﻳﺔ ﺍﻷﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﳌﻌﺪﻳﺔ .
ﻣــن اﻟــدروس اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ اﻟﻣﻬﻣــﺔ ﻓــﻰ اﻟﺣــد ﻣــن اﻟﺗﻠــوث وﻧﻘــل
اﻷﻣـراض ﻣـﺎ رواﻩ أﺑـو ﺳـﻌﯾد اﻟﺧـدرى ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ أن اﻟﻧﺑـﻰ ـ
ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻧﻬـﻰ ﻋـن اﻟـﻧﻔﺦ ﻓـﻰ اﻟـﺷراب ،ﻓﻘـﺎل رﺟـل :
اﻟﻘــذأة أراﻫــﺎ ﻓــﻰ اﻹﻧــﺎء ،ﻓﻘــﺎل :أﻫرﻗﻬــﺎ ،ﻗــﺎل :إﻧــﻰ ﻻ أروى ﻣــن
ﻧﻔس واﺣد ،ﻗﺎل :ﻓﺄﺑﻌد اﻟﻘدح ﻋن ﻓﯾك .وﻋن أﺑﻰ ﻗﺗﺎدة رﺿﻰ اﷲ
ﻋﻧﻪ أن اﻟﻧﺑـﻰ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻧﻬـﻰ أن ﯾﺗـﻧﻔس ﻓـﻰ اﻹﻧـﺎء .
ﻓـــﺄﻧظر إﻟـــﻰ ﻫـــذا اﻷدب اﻟﻧﺑـــوى وﻣـــﺎ ﻓﯾـــﻪ ﻣـــن وﻗﺎﯾـــﺔ ﺻـــﺣﯾﺔ ﺗﺣﻣـــﻰ
اﻹﻧـــﺳﺎن ﻣـــن اﻟﻌـــدوى واﻧﺗﻘـــﺎل اﻟﻣـــرض ﻋـــن طرﯾـــق اﻟﻔـــم واﻟﺟﻬـــﺎز
اﻟﺗﻧﻔﺳﻰ ،وﻗد أﻛد اﻟﻌﻠـم اﻟﺣـدﯾث أن ﻣـرض اﻟـﺳل ﯾوﺟـد ﻓـﻰ اﻟـﺷﻌب
) (١ﺳورة اﻟدﺧﺎن ـ اﻵﯾﺔ . ١٠
) (٢ﺳورة اﻷﺣزاب ـ اﻵﯾﺔ . ٥٨
ـ ٣٢ـ
اﻟﻬواﺋﯾـــﺔ ﺑﺎﻟﺟﻬـــﺎز اﻟﺗﻧﻔـــﺳﻰ ،وأن اﻧﺗﻘـــﺎل ﻫـــذا اﻟﻣـــرض ﯾﻛـــون ﻋـــن
طرﯾق اﻟﺳﻌﺎل واﻟﺑﺻﺎق .
ــ وﻟﻣــﺎ ﻛﺎﻧــت اﻟﻌواﺻــف اﻟرﻣﯾــﺔ واﻟﺗراﺑﯾــﺔ ﺗـؤدى إﻟــﻰ اﻷﻣـراض
اﻟﻣﻌدﯾـﺔ ﺣـذرﻧﺎ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻣﻧـﻪ ﻓﻘـﺎل " :ﺗﻧﻛﺑـو
اﻟﻐﺑﺎر ﻓﺈن ﻣﻧﻪ اﻟﻧﺳﻣﺔ " .
ــدا ،وﻫـــﻰ
واﻟﻧـــﺳﻣﺔ ﻋﺑـــﺎرة ﻋـــن اﻟﻛﺎﺋﻧـــﺎت اﻟﺣﯾـــﺔ اﻟـــﺻﻐﯾرة ﺟـ ً
اﻟﻣﺳﺑﺑﺎت اﻟﻣرﺿﯾﺔ اﻟﻣﯾﻛروﺑﯾﺔ ﻣن ﺑﻛﺗرﯾﺎ وﻓﯾروﺳﺎت وﻓطرﯾﺎت .
ــ وﻣــن اﻟــدروس اﻟﻣﻬﻣــﺔ ﻟﻠوﻗﺎﯾــﺔ ﻣــن اﻷﻣـراض ﻣــﺎ روى ﻋــن
ﻋﺎﺋﺷﺔ ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻬـﺎ ـ ﻗﺎﻟـت " :ﻛﺎﻧـت ﯾـد رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳـﻠم ـ اﻟﯾﻣﻧـﻰ ﻟطﻬـورﻩ وطﻌﺎﻣـﻪ ،وﻛﺎﻧـت اﻟﯾـﺳرى ﻟﺧﻼﺋـﻪ وﻣـﺎ
ﻛﺎن ﻣن أذى " .ﻓﻬذا إﯾـﺿﺎح إﻟـﻰ اﻟطرﯾﻘـﺔ اﻟـﺻﺣﯾﺣﺔ ﻓـﻰ اﺳـﺗﺧدام
اﻟﯾد ﻟﻠﺣﻣﺎﯾﺔ ﻣن اﻟﺗﻠوث .
٥ـ ﺍﳊ ﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ ﻗﻲ ﲨﻴﻊ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ .
ـ وﯾﺄﻣرﻧﺎ اﻹﺳـﻼم ﺑـﺿرورة اﻟﻧظﺎﻓـﺔ ﻓـﻰ ﺟﻣﯾـﻊ اﻷﺣـوال ،ﻧظـ ًار
ﻷن اﻟﺟﺳم اﻟذى ﯾﺗﻧظف وﯾﺗطﻬر ﯾﻌد ﺟﺳﻣﺎ ﻗوﯾﺎ ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻣل ﻣﺎ
ﯾﺣﯾط ﺑﻪ ﻣن ﻣﻠوﺛﺎت ﺑﯾﺋﯾﺔ .ﻓﻘﺎل ﻋز وﺟـل " :ﯾـﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟـذﯾن آﻣﻧـوا
إذا ﻗﻣﺗم إﻟﻰ اﻟﺻﻼة ﻓﺎﻏﺳﻠوا وﺟوﻫﻛم وأﯾدﯾﻛم إﻟﻰ اﻟﻣراﻓـق واﻣـﺳﺣوا
ﺑرؤوﺳﻛم وأرﺟﻠﻛم إﻟﻰ اﻟﻛﻌﺑﯾن ٕوان ﻛﻧﺗم ﺟﻧﺑﺎً ﻓﺎطﻬروا " (١).
وﯾﻌﻠن اﻟرﺳول ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم أن اﻟﻧظﺎﻓﺔ ﻫﻰ اﻷﺳﺎس
اﻟذى ﺗﺗوﻟد ﻋﻧﻪ اﻟﻔﺿﺎﺋل ﻓﯾﻘول " إن ﻫذا اﻟدﯾن ﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻧظﺎﻓﺔ".
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٦
ـ ٣٣ـ
وﻟم ﯾﻘف اﻷﻣر ﺑﺎﻟﻧظﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺣد ﺗطﻬﯾر اﻟﺑدن واﻷﻋﺿﺎء ﻓﻘط
ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫـو ﻋـﺎم ﯾـﺷﻣل اﻟﺑﯾـوت واﻟﻣـدارس ،واﻟﻣﺳﺗـﺷﻔﯾﺎت واﻷﻣـﺎﻛن
اﻟﻌﺎﻣﺔ ،وﺷواطﺊ اﻟﺑﺣﺎر واﻷﻧﻬﺎر ،وﻣوارد اﻟﻣﯾﺎﻩ وﻏﯾر ذﻟـك ﻟﺗﻛـون
ﻣﺻوﻧﺔ ﻣن اﻟﻧﺟﺎﺳﺔ وأﺿرارﻫﺎ .
اﻟﻠـﻪُ َ ْ ِ
ﻋﻠﯾـﻪ َ َ ﱠ ﺑن أ َِﺑـﻲ َ ﱠ ٍ روى ِ
وﺳـﻠم ﺻـﻠﻰ ﱠ َ اﻟﻧﺑـﻲ َ ﱠ
ﻋـن ﱠ ِ ﱢ وﻗـﺎص َ ِ ﺳﻌد ْ ِ
َْ
ﻛـرﯾم ُ ِ ﱡ
ﯾﺣـب ﻧظﯾف ُ ِ ﱡ
ﯾﺣب ﱠ َ َ َ
اﻟﻧظﺎﻓﺔٌ ِ َ ، اﻟطﯾبٌ ِ َ ،
ﺣب ﱠ ﱢ َ طﯾب ُﯾ ِ ﱡ إن ﱠ َ
اﻟﻠﻪ َ ﱢ ٌ ﻗﺎل ِ " :ﱠ
ﺗﺷﺑﻬوا ِ َ ُ ِ
ﺑﺎﻟﯾﻬود " . اﻟﺟود َ ،ﱢ ُ ِ اد ُ ِ ﱡ
وﻻ َ َ ﱠ َُﻓﻧﯾﺗﻛم َ َ
َﻧظﻔوا أ ْ َ َُ ْ ﯾﺣب ُ َ رمَ ،ﺟ َو ٌ
اﻟﻛ َ َ
َ
وﻗـد ﺛﺑــت أن اﻟﻧﺑــﻰ ـــ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳـﻠم ـــ ﻗــﺎل " } اﺗﻘـوا
اﻟﻣﻼﻋن اﻟﺛﻼث ،اﻟﺑراز ﻓﻰ اﻟﻣوارد ،وﻗﺎرﻋﺔ اﻟطرﯾق ،واﻟظل { وﻗـد
أطﻠق ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻋن ،ﻷن اﻟﺑـراز ﻓﯾﻬـﺎ ﯾـﺳﺑب ﻟﻌـن اﻟﻧـﺎس
ﻟﻔﺎﻋﻠﻪ ،ﻧظرا ﻟﻣﺎ ﯾﺗوﻟد ﻋﻧﻪ ﻣن ﻋﻠل وأﻣراض ﺷﺗﻰ .
ﻛــذﻟك ﻧﻬــﻰ اﻟﻧﺑــﻰ ـ ــ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ــ ـ ﻋــن اﻟﺑــول ﻓــﻰ
اﻟﻣﺎء اﻟراﻛد اﻟذى ﻻ ﯾﺗﺣرك ،ﻷﻧﻪ ﯾؤدى إﻟﻰ اﻧﺗﺷﺎر اﻟﺟراﺛﯾم وﻧﻣوﻫﺎ
وﺗﻛﺎﺛرﻫﺎ .
٦ـ ﺍ ﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻣﻦ ﺍﳊﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻀﺎﺭﺓ .
أﺟــﺎز اﻹﺳــﻼم ﻟﻺﻧــﺳﺎن أن ﯾﻘﺗــل ﻛــل ﻣــﺎ ﯾــﺿر ﺑــﺻﺣﺗﻪ ﻣــن
اﻟﻬـــــوام واﻟﺣـــــﺷرات ،ﻛﺎﻟدﯾـــــدان ،واﻟﻔـــــﺄر ،واﻟـــــذﺑﺎب ،واﻟﺣﯾـــــﺔ ،
واﻟﺻراﺻﯾر ،وﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﺣﺷرات اﻟﺿﺎرة .
وﻗـد أرﺷـدﻧﺎ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ إﻟـﻰ اﻟوﻗﺎﯾـﺔ ﻣـن
ﺧطرﻫﺎ ،وﻣﺎ ﻗد ﺗﺳﺑﺑﻪ ﻣـن ﻋﻠـل أو أﻣـراض ،ﻓﺄﻣرﻧـﺎ ﺑـﺈﻏﻼق أﺑـواب
اﻟﺑﯾــوت ،ورﺑــط أﺳــﻘﯾﺔ اﻟﻣــﺎء ،وﺗﻐطﯾــﺔ اﻟطﻌــﺎم واﻟــﺷراب ٕ ،واطﻔــﺎء
ـ ٣٤ـ
اﻟﻣﺻﺎﺑﯾﺢ ﻋﻧـد اﻟﻧـوم ،ﺣﺗـﻰ ﻻ ﺗـﺄﺗﻰ اﻟﻬـوام ﻋﻠـﻰ ﺿـوﺋﻬﺎ ،وﯾﺣـدث
ــﺔ، ِ
اﻵﻧﯾـ َ
ﺧﻣـ ُــروا ْ َ
اﻟﺧطـــر ﺑـــﺳﺑﺑﻬﺎ ،ﻓﻘـــﺎل ﻋﻠﯾـــﻪ اﻟـــﺻﻼة واﻟـــﺳﻼم َ } :ﱢ
ﻋﻧـد ﱡ َ ِ
اﻟرﻗـﺎد ِ َ ،ﱠ اﻟﻣـﺻﺎﺑﯾﺢ ِ ْ َ اﻟﺑـﺎبَ ،وأ ْ ِ ُ ﯾﺔَ ،وأ ِ ُ َوﻛوا اْﻷ ِ
ﻓـﺈن َطﻔﺋـوا ْ َ َ ِ َ َﺟﯾﻔـوا ْ َ َ َﺳﻘ َ َ
ْ َوأ ْ ُ
ﺻـﺑﯾﺎﻧﻛم ِ ْ َ
ﻋﻧـد اﻟﺑﯾت ،وأ ْ ِ ُ ِ
َﻛﻔﺗـوا ْ َ َ ُ ْ
اﻟﻔﺗﯾﻠﺔ ،ﻓَﺄ ْ َ ِ
َﺣرﻗت ْ َ ْ َ َ َ اﺟﺗرت ْ َ ِ َ َ
رﺑﻣﺎ ْ َﱠ ِ ْ َُ ْ ِ َ َ
اﻟﻔوﯾﺳﻘﺔ ُ ﱠ َ
وﺧطﻔﺔ {.
اﻧﺗﺷﺎراً َ ْ َ َ ،ﻓﺈن ِ ْ ِ ﱢ ِ ْ ِ
اﻟﻣﺳﺎء َِ ،ﱠ
ﻟﻠﺟن ْ َ ً َ َ
وﻋـن اﺑـن ﻋﻣـر ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ ـ ﻋـن اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻗﺎل } :ﻻ ﺗﺗرﻛوا اﻟﻧﺎر ﻓﻰ ﺑﯾوﺗﻛم ﺣﯾن ﺗﻧﺎﻣون { .
ﻓﻬذا ﺗوﺟﯾﻪ ﻧﺑوى ﻛرﯾم ﺑﻌدم ﺗرك اﻟﻧﺎر أﺛﻧﺎء اﻟﻧوم ﻓﻰ اﻟﺑﯾـوت
ﺧﺎﺻـﺔ إذا ﻛﺎﻧـت اﻷﺑـواب واﻟﻧواﻓــذ ﻣﻐﻠﻘـﺔ ﻓـﻰ ﻓــﺻل اﻟـﺷﺗﺎء ﻧظـرا ﻟﻣــﺎ
أﺛﺑﺗـﻪ اﻟﻌﻠــم اﻟﺣـدﯾث أن اﻟﻔﺣــم ﯾﻧﺑﻌـث ﻣﻧــﻪ ﻏـﺎز أول أﻛــﺳﯾد اﻟﻛرﺑــون
اﻟــﺳﺎم وﯾــؤدى إﻟــﻰ اﺧﺗﻧــﺎق اﻹﻧــﺳﺎن ورﺑﻣــﺎ ﻣوﺗــﻪ ﺑــدون أن ﯾـــﺷﻌر
)(١
ﺑذﻟك.
ﻭﺑﻌــﺪ :ﻓﻬــذﻩ ﻟﻣﺣــﺔ ﺳــرﯾﻌﺔ ﻟﻣــﺎ اﺣﺗ ـواﻩ اﻟﻘ ـرآن اﻟﻛــرﯾم ،
واﻟــﺳﻧﺔ اﻟــﺷرﯾﻔﺔ ﻣــن آﯾــﺎت وأﺣﺎدﯾــث ﻛرﯾﻣــﺔ ،ﺗؤﻛــد ﻋﻠــﻰ ﺿـــرورة
ﺣﻣﺎﯾـــﺔ اﻟﺑﯾﺋـــﺔ ،وﺣﻔظﻬـــﺎ ﻣـــن اﻟﺗﻠـــوث ﻋﻠـــﻰ أﺳـــﺎس ﻣـــن اﻟـــﺻدق
واﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ .
ٕواﻧـــﺎ ﻟﻧﻌﺟـــب ﻏﺎﯾـــﺔ اﻟﻌﺟـــب ﻣـــن ﻣوﻗـــف اﻟﻐـــرب ﻓـــﻰ اﻟﻌـــﺻر
اﻟﺣدﯾث ﻣن اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺣﻣﺎﯾـﺔ اﻟﺑﯾﺋـﺔ وأﻣﻧﻬـﺎ .ﻓـﻰ اﻟوﻗـت اﻟـذى ﯾﻘـوم
ﻓﯾﻪ ﺑﺗﻠوﯾـث اﻟﻌدﯾـد ﻣـن اﻟﻣﻧـﺎطق اﻵﻣﻧـﺔ ﺑدﻓﻧـﻪ اﻟﻣﺧﻠﻔـﺎت اﻹﺷـﻌﺎﻋﯾﺔ
) (١ﯾﻧظــر اﻟﻣﻘــﺎل اﻟﻘــﯾم ﻟﻸﺳــﺗﺎذ اﻟــدﻛﺗور /ﻋﺑــد اﻟوﻫــﺎب رﺟــب آل ﺻــﺎدق ﺑﻌﻧ ـوان " اﻹﺳــﻼم وﺣﻣﺎﯾــﺔ
اﻟﺑﯾﺋﺔ " ﻣﻧﺷور ﺑﻣﺟﻠﺔ اﻷﻣن اﻟﺳﻌودﯾﺔ اﻟﻌدد ٤٥ذو اﻟﺣﺟﺔ ١٤١٧ﻫـ .
ـ ٣٥ـ
ﻓــﻰ أراﺿــﻰ ﺑﻌــض اﻟــدول اﻟﻔﻘﯾــرة ﻟﻘــﺎء ﻣــﺎ ﯾــدﻓﻊ ﻟﻬــﺎ ﻣــن ﻣــﺳﺎﻋدات
ﻣﺎﻟﯾﺔ ،وﻫذا ﯾؤﻛد أن ﻧـداء اﻟﻐـرب ﻟﺣﻣﺎﯾـﺔ اﻟﺑﯾﺋـﺔ ﻻ ﯾﻧﺑـﻊ ﻣـن أﺳـس
دﯾﻧﯾــﺔ أو ﻗﻠـــب ﺻــﺎدق ،ﻷﻧـــﻪ ﻻ ﯾــؤﻣن إﻻ ﺑﻣـــﺻﺎﻟﺣﻪ ،أﻻ ﺗـــرى أن
أﺧطـﺎر اﻟﺗﻠــوث اﻟﺑﯾﺋـﻰ اﻟﻣﻌﺎﺻــر ﻗـد ﺳــﺎﻫم اﻟﻐـرب ﻓﯾــﻪ ﺑـﺷﻛل رﺋﯾــﺳﻰ
وﻣﺑﺎﺷـــر ﺑﺛورﺗـــﻪ اﻟـــﺻﻧﺎﻋﯾﺔ ،وﻣـــﺎ ﺗـــﺷﻣﻠﻪ ﻣـــن اﻟﻣﺧﻠﻔـــﺎت واﻟﻣـــواد
اﻟﻣﺷﻌﺔ ،وﻫﻛذا ﺗﺳﯾر اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻓﻰ طرﯾق اﻟدﻣﺎر واﻟﺧـراب ،وﺗﺧطـﺊ
وﺟﻬﺔ اﻟﺣق واﻟـﺻواب إذا ﻟـم ﯾﻛـن اﻟﻘﺎﺋـد واﻟﻣوﺟـﻪ ﻟﻬـﺎ ﻫـو اﻟدﺳـﺗور
اذا
اﻹ ﻟﻬــﻰ ،واﻟﻬــدى اﻟﻧﺑــوى ،وﺻــدق اﷲ اﻟﻌظــﯾم ﺣﯾــث ﯾﻘــول ٕ َ ) :وِ َ
ﻫـم
إﻧﻬـم ُ ُ ﻧﺣن ُ ْ ِ ُ َ
ﻣﺻﻠﺣون أََﻻ ِﱠ ُ ْ ِﱠ
إﻧﻣﺎ َ ْ ُ ﺗﻔﺳدوا ِﻓﻲ اْﻷ ْ ِ
َرض َﻗﺎﻟُوا َ ﻟﻬم َﻻ ُ ْ ِ ُ ِ َ
ﻗﯾل َ ُ ْ
ﯾﺷﻌرون ( اﻟﻣﻔﺳدون َ َ ِ ْ
وﻟﻛن َﻻ َ ْ ُُ َ ُْْ ِ ُ َ
وﻟﻘــد ﻧﺑــﻪ اﻟﺣــق ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ إﻟــﻰ أن ﻫــذا ﺳــﯾﻌود ﻋﻠــﯾﻬم
ﺑﺎﻟﺣﺳرة واﻟدﻣﺎر ،ﻓﻘـﺎل ﻋـز وﺟـل " :وﻻ ﯾـزال اﻟـذﯾن ﻛﻔـروا ﺗـﺻﯾﺑﻬم
ﺑﻣﺎ ﺻﻧﻌوا ﻗﺎرﻋﺔ أو ﺗﺣل ﻗرﯾﺑﺎ ﻣن دارﻫم ﺣﺗﻰ ﯾﺄﺗﻰ وﻋـد اﷲ إن اﷲ
ﻻ ﯾﺧﻠف اﻟﻣﯾﻌﺎد " (١).
وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﺟﺎء اﻹﺳـﻼم ﻟﯾﻧﻘـذ اﻹﻧـﺳﺎﻧﯾﺔ ﻣـن اﻟـﺷرور واﻟﻔـﺳﺎد
وﯾطﺑﻌﻬﺎ ﺑطﺎﺑﻊ اﻟﻌزة واﻟﻛراﻣﺔ ،ﻓرﺳم ﻟﻠﻧـﺎس ﻣﻧـﺎﻫﺞ اﻟﺣﯾـﺎة اﻟﻛرﯾﻣـﺔ
ﻓــﻰ ﻛﺗــﺎب ﻛــرﯾم ،ﻓﯾــﻪ ﻣــﺻﺎﻟﺣﻬم اﻟدﻧﯾوﯾــﺔ واﻷﺧروﯾــﺔ وأرﺳــل إﻟــﯾﻬم
رﺳــوﻻ ﻛرﯾﻣــﺎ رﺣﯾﻣــﺎ ﻟﯾﺑــﯾن ﻟﻠﻧــﺎس ﻣــﺎ ﻧــزل إﻟــﯾﻬم وﻟﻬــم ﻓﯾــﻪ اﻷﺳــوة
اﻟﺣﺳﻧﺔ واﻟﻘدوة اﻟﻛرﯾﻣﺔ ﻟﻣـن أراد اﻻﺳـﺗﻘرار ﻓـﻰ ﺣﯾﺎﺗـﻪ وﺳـﻌﺎدﺗﻪ ﻓـﻰ
دﻧﯾﺎﻩ وأﺧراﻩ .
) (١ﺳورة اﻟرﻋد ـ اﻵﯾﺔ . ٣٢
ـ ٣٦ـ
ﺍﻟﻔﺼـﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺍﳌﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ
ﻟﻛل ﺗﺷرﯾﻊ ﻣﺑﺎدئ ﻋﺎﻣﺔ ﯾﻘـوم ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﺗﻔـﺻﺢ ﻋـن ﻣﻘـﺻودﻩ ،
وﺗﺣدد أﻫداﻓﻪ اﻟﺗﻰ ﯾرﻣﻰ إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾﻘﻬﺎ .
وأظﻬر اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺗﻰ روﻋﯾت ﻓﻰ ﺗﺷرﯾﻊ اﻷﺣﻛﺎم ﻓـﻰ اﻟـﺷرﯾﻌﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺗﻧﺣﺻر ﻓﻰ اﻷﺗﻰ :ـ
١ـ ﻋدم اﻟﺣرج .
٢ـ اﻟﺗدرج ﻓﻰ اﻟﺗﺷرﯾﻊ .
٣ـ ﻗﻠﺔ اﻟﺗﻛﺎﻟﯾف .
ٕواﯾﺿﺎح ﻫذﻩ اﻟﻣﺑﺎدئ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻰ :ـ
ﺍﻷﻭﻝ :ـ ) ﻣﺒﺪﺃ ( ﻋﺪﻡ ﺍﳊﺮﺝ ﺃﻭ ﺭﻓﻊ ﺍﳊﺮﺝ :ـ
اﻟﻣﺗﺗﺑـــﻊ ﻷﺣﻛـــﺎم اﻟـــﺷرﯾﻌﺔ واﻟﻧـــﺎظر ﻓـــﻰ ﻧـــﺻوﺻﻬﺎ اﻟـــﺻرﯾﺣﺔ
ﯾﺟدﻫﺎ ﻛﻠﻬـﺎ ﻻ ﻣـﺷﻘﺔ ﻓﯾﻬـﺎ وﻻ ﻋﻧـﺎء ﯾـؤدى إﻟـﻰ ﻋﺟـز اﻟﻣﻛﻠﻔـﯾن ﻋـن
أداﺋﻬﺎ ،وﻻ ﺿﯾق ﻓﯾﻬﺎ وﻻ ﺿﺟر ﯾﻣﻧﻊ اﻟﻘﻠوب ﻋن ﻗﺑوﻟﻬﺎ .
وﻗــد أﻓــﺻﺣت ﻋــن ذﻟــك آﯾــﺎت اﻟﻘ ـرآن اﻟﻛــرﯾم وأﺣﺎدﯾــث اﻟﻧﺑــﻰ
اﻟﻌظﯾم ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة وأﺗم اﻟﺗﺳﻠﯾم .. :أﻣﺎ اﻟﻛﺗﺎب ﻓﻣﻧﻪ :
)(١
ـ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾرﯾد اﷲ ﺑﻛم اﻟﯾﺳر وﻻ ﯾرﯾد ﺑﻛم اﻟﻌﺳر " .
)(٢
ـ وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻻ ﯾﻛﻠف اﷲ ﻧﻔﺳﺎ إﻻ وﺳﻌﻬﺎ " .
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ١٨٥
) (٢ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨٦
ـ ٣٧ـ
)(١
ـ وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾرﯾد اﷲ أن ﯾﺧﻔف ﻋﻧﻛم " .
)(٢
ـ وﯾﻘول ﻋز وﺟل " :ﻣﺎ ﯾرﯾد اﷲ ﻟﯾﺟﻌل ﻋﻠﯾﻛم ﻣن ﺣرج " .
وﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾﺔ اﻟﻣطﻬرة :ـ
ـ أﺧرج اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﻓـﻰ ﻣـﺳﻧدﻩ ﻣـن ﺣـدﯾث ﺟـﺎﺑر ﺑـن ﻋﺑـد اﷲ رﺿـﻰ
اﷲ ﻋﻧــﻪ أن اﻟﻧﺑــﻰ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ﻗــﺎل } :ﺑﻌﺛــت ﺑﺎﻟﺣﻧﯾﻔﯾــﺔ
)(٣
اﻟﺳﻣﺣﺔ { .
ـ وأﺧـرج اﻹﻣـﺎم أﺣﻣـد واﻟطﺑراﻧـﻰ وﻏﯾرﻫﻣـﺎ ﻋـن اﺑـن ﻋﺑـﺎس رﺿـﻰ اﷲ
ﻋﻧﻬﻣﺎ ﻗﺎل } :ﻗﯾل :ﯾﺎ رﺳول اﷲ أى اﻷدﯾﺎن أﺣب إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،
)(٤
ﻗﺎل :اﻟﺣﻧﯾﻔﯾﺔ اﻟﺳﻣﺣﺔ { .
ـ وروى اﻟﺷﯾﺧﺎن وﻏﯾرﻫﻣﺎ ﻣن ﺣدﯾث أﺑﻰ ﻫرﯾرة ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ ـ
وﻏﯾـــرﻩ ﻋﻠﯾـــﻪ اﻟـــﺻﻼة واﻟـــﺳﻼم } :إﻧﻣـــﺎ ﺑﻌﺛـــﺗم ﻣﯾـــﺳرﯾن وﻟـــم ﺗﺑﻌﺛـــوا
)(٥
ﻣﻌﺳرﯾن { .
ـ وﻗوﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم } :إن اﷲ ﻟم ﯾﺑﻌﺛﻧﻰ ﻣﻌﻧﺗـﺎ وﻻ ﻣﺗﻌﻧﺗـﺎ
)(٦
وﻟﻛن ﺑﻌﺛﻧﻰ ﻣﻌﻠﻣﺎ ﻣﯾﺳرا { .
) (١ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨
) (٢ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٦
) (٣ﻣﺳﻧد اﻹﻣﺎم أﺣﻣد . ٢٦٦/٥
) (٤ﻣﺳﻧد اﻹﻣﺎم أﺣﻣد . ٢٣٦/١
) (٥أﺧرﺟﻪ اﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟوﺿوء " " ﺑﺎب ﺻـب اﻟﻣـﺎء ﻋﻠـﻰ اﻟﺑـول ﻓـﻰ اﻟﻣـﺳﺟد وﻫـو ﺟـزء ﻣـن
ﺣدﯾث اﻷﻋراﺑﻰ اﻟذى ﺑﺎل ﻓﻰ اﻟﻣﺳﺟد .ﺣدﯾث ﺷرﯾف .
) (٦أﺧرﺟﻪ اﻹﻣﺎم ﻣﺳﻠم ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق " " ﺑﺎب ﺑﯾﺎن أﻧت ﺗﺧﯾﯾر اﻣرأﺗﻪ ﻻ ﯾﻛون طﻼﻗﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺑﯾﻧﺔ
ﺣـدﯾث رﻗــم ١٤٧٨وﻫــو ﺟـزء ﻣــن ﺣــدﯾث طوﯾــل اﻟـذى ﺧﯾــر ﻓﯾــﻪ رﺳــول اﷲ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم
زوﺟﺎﺗﻪ .
ـ ٣٨ـ
ـ ـ وروى اﻟــﺷﯾﺧﺎن ﻋــن ﻋﺎﺋــﺷﺔ رﺿــﻰ اﷲ ﻋﻧﻬــﺎ ﻗﺎﻟــت } :ﻣــﺎ ﺧﯾــر
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ﺑـﯾن أﻣـرﯾن إﻻ اﺧﺗـﺎر أﯾـﺳرﻫﻣﺎ
ﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن اﺛﻣﺎ ( .
ــ وروى اﻟطﺑراﻧــﻰ ﻋــن اﺑــن ﻋﺑــﺎس رﺿــﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣــﺎ ﻣرﻓوﻋــﺎ " } إن
اﷲ ﺷرع اﻟدﯾن ﻓﺟﻌﻠﻪ ﺳﻬﻼ ﺳﻣﺣﺎ واﺳﻌﺎ وﻟم ﯾﺟﻌﻠﻪ ﺿﯾﻘﺎ { .
ـ وﻗد ﻧﻬﻰ اﻟﻧﺑﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ﻋـن اﻟﺗـﺷدد ﻓـﻰ اﻟـﺳؤال
ﻋﻣﺎ ﯾﻧزل ﺑﻪ اﻟـوﺣﻰ ﻓﻘـﺎل } :إن اﷲ ﻓـرض ﻓـراﺋض ﻓـﻼ ﺗـﺿﯾﻌوﻫﺎ ،
وﺣـد ﺣــدودا ﻓـﻼ ﺗﻌﺗــدوﻫﺎ ،وﺣــرم أﺷـﯾﺎء ﻓــﻼ ﺗﻧﺗﻬﻛوﻫـﺎ ،وﺳــﻛت ﻋــن
أﺷﯾﺎء رﺣﻣﺔ ﺑﻛم ﻏﯾر ﻧﺳﯾﺎن ﻓﻼ ﺗﺳﺄﻟوا ﻋﻧﻬﺎ { .
ﻭﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺭﻓﻊ ﺍﳊﺮﺝ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
١ـ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺮﺧﺺ ﻋﻨﺪ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﳌﺸﻘﺔ :ـ
واﻟﻧـــــﺎظر ﻓـــــﻰ اﻟﻧـــــﺻوص اﻟـــــﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻘدﻣـــــﺔ ،واﻷﺣﻛـــــﺎم
اﻟﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ اﻟﺗﻰ ُﺑﻧﯾت ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﯾدرك أن اﷲ ﻋز وﺟل ﻟم ﯾﻛﻠف ﻋﺑـﺎدﻩ
إﻻ ﺑﻣـــﺎ ﻫـــو ﻓـــﻰ اﺳـــﺗطﺎﻋﺗﻬم وﻣﻘـــدورﻫم ،وأﯾﻧﻣـــﺎ وﺟـــدت اﻟﻣـــﺷﻘﺔ
واﻟﻌﺳر ﻓﻰ أى ﺣﺎل ﻣن أﺣـوال اﻟﻌﺑـﺎد ،وﺟـد اﻟﯾـﺳر واﻟﺗﺧﻔﯾـف ﺑرﻓـﻊ
اﻟﺣــرج ﻋــﻧﻬم .وﺑﻬــذا ﺻــﺎغ اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﻗﺎﻋــدة ﺷــﻬﯾرة ﺗﺣﻣــل اﺳــم " :
اﻟﻣﺷﻘﺔ ﺗﺟﻠب اﻟﺗﯾﺳﯾر " .اﻋﺗﺑروﻫـﺎ أﺻـﻼ ﻣـن أﺻـول اﻟـﺷرﯾﻌﺔ ﻷن
)(١
ﺟﻣﯾﻊ رﺧص اﻟﺷرع ﻣﻧﺑﺛﻘﺔ ﻋﻧﻬﺎ .
ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻓﻰ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ :
) (١ﺟـﺎء ﻓـﻰ اﻷﺷـﺑﺎﻩ واﻟﻧظــﺎﺋر ﻟﻠـﺳﯾوطﻰ ص ٧٧ﻋﻧـد ﺣدﯾﺛـﻪ ﻋــن ﻗﺎﻋـدة ":اﻟﻣـﺷﻘﺔ ﺗﺟﻠـب اﻟﺗﯾــﺳﯾر "
ﻗﺎل اﻟﻌﻠﻣﺎء :ﯾﺗﺧرج ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻘﺎﻋدة ﺟﻣﯾﻊ رﺧص اﻟﺷرع وﺗﺧﻔﯾﻔﺎﺗﻪ .
ـ ٣٩ـ
ﺣــﺻر اﻟﻔﻘﻬــﺎء أﺳــﺑﺎب اﻟﺗﺧﻔﯾــف ﻓــﻰ اﻟــﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻓــﻰ
اﻷﻣور اﻵﺗﯾﺔ :ـ
اﻷول :اﻟﺳــﻔر :ـ
ورﺧـــﺻﻪ ﺗﺗﻣﺛـــل ﻓـــﻰ ﻗـــﺻر اﻟـــﺻﻼة ،واﻟﻔطـــر ﻓـــﻰ اﻟـــﺻﯾﺎم ،
واﻟﻣﺳﺢ أﻛﺛـر ﻣـن ﯾـوم وﻟﯾﻠـﺔ ٕ ،واذا أراد اﻟـﺳﻔر ﺑﺈﺣـدى زوﺟﺎﺗـﻪ ﻓﺈﻧـﻪ
ﯾﻘــرع ﺑﯾ ـﻧﻬن ،وﯾﺄﺧــذ ﻣــن ﺧرﺟــت ﻟﻬــﺎ اﻟﻘرﻋــﺔ ،وﻻ ﯾﻠزﻣــﻪ اﻟﻘــﺿﺎء
ﻟﺿرﺗﻬﺎ إذا رﺟﻊ .
اﻟﺛﺎﻧﻰ :اﻟﻣــرض :ـ
ورﺧﺻﻪ ﻛﺛﯾرة ﻣﻧﻬـﺎ :اﻟﺗـﯾﻣم ﻋﻧـد ﻋـدم اﻟﻘـدرة ﻋﻠـﻰ اﺳـﺗﻌﻣﺎل
اﻟﻣﺎء ،وﻋدم اﻟﻛراﻫﺔ ﻓﻰ اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﻣن ﯾﺻب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻣﺎء أو ﯾﻐﺳل
أﻋﺿﺎءﻩ ،واﻟﻘﻌود ﻓﻰ ﺻـﻼة اﻟﻔـرض ،واﻟﻔطـر ﻓـﻰ رﻣـﺿﺎن ،وﺗـرك
اﻟﺻوم ﻟﻠﺷﯾﺦ اﻟﻬرم ﻣﻊ اﻟﻔدﯾﺔ ٕ ،واﺑﺎﺣـﺔ اﻟﻧظـر ﻟﻠطﺑﯾـب ﺣﺗـﻰ اﻟﻌـورة
ﻟﻠﺿرورة ،واﻻﺳﺗﻧﺎﺑﺔ ﻓﻰ اﻟﺣﺞ ،وﻓﻰ رﻣﻰ اﻟﺟﻣﺎر .
اﻟﺛﺎﻟث :اﻹﻛــراﻩ :ـ
وﻫــو ﻓﻌــل ﯾوﻗﻌــﻪ اﻹﻧــﺳﺎن ﺑﻐﯾــرﻩ ﯾﻔــوت ﺑــﻪ رﺿــﺎﻩ ،أو ﯾﻔــﺳد
اﺧﺗﯾﺎرﻩ ﻣﻊ ﺑﻘﺎء أﻫﻠﯾﺗﻪ .
واﻹﻛ ـراﻩ ﻣــن اﻷﺳــﺑﺎب اﻟﻣرﺧــﺻﺔ ﺑدﻻ ﻟــﺔ اﻟﻛﺗــﺎب واﻟــﺳﻧﺔ ﻗــﺎل
ﺗﻌﺎﻟﻰ " :إﻻ ﻣن أﻛرﻩ وﻗﻠﺑﻪ ﻣطﻣﺋن ﺑﺎﻹﯾﻣﺎن وﻟﻛن ﻣـن ﺷـرح ﺑـﺎﻟﻛﻔر
)(١
ﺻدرا ".
ﻓﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗد رﺧص ﻓﻰ اﻟﺗﻠﻔظ ﺑﻛﻠﻣﺔ اﻟﻛﻔر ﺣﺎﻟﺔ اﻹﻛراﻩ.
) (١ﺳورة اﻟﻧﺣل ـ اﻵﯾﺔ . ١٠٦
ـ ٤٠ـ
واﻟﻧﺑــﻰ ﺻـــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـــﻪ وﺳـــﻠم ﯾﻘـــول } :إن اﷲ وﺿـــﻊ ﻋـــن
أﻣﺗﻰ اﻟﺧطﺄ واﻟﻧﺳﯾﺎن وﻣﺎ اﺳﺗﻛرﻫوا ﻋﻠﯾﻪ { .
)(١
اﻟﺮاﺑﻊ :اﻟﻨﺴــﯿﺎن :ـ
وﻫـــو ﻋـــدم ﺗـــذﻛر اﻟـــﺷﺊ وﻗـــت اﻟﺣﺎﺟـــﺔ إﻟﯾـــﻪ ،وﻗـــد دل ﻋﻠـــﻰ
رﺧــﺻﻪ ﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :رﺑﻧـــﺎ ﻻ ﺗؤاﺧــذﻧﺎ إن ﻧــﺳﯾﻧﺎ أو أﺧطﺄﻧـــﺎ " .
)(٢
وﺣﺪﯾﺚ اﻟﻨﺒﻰ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ اﻟﺬى ﻣﺮ ﻣﻨﺬ ﻗﻠﯿﻞ .
وﻣن رﺧﺻﻪ اﻟﺗﻰ ﻧص ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻔﻘﻬﺎء :أن ﻣن ﺷرب اﻟﺧﻣر ﻧﺎﺳﯾﺎ ﻻ
ﯾﻠزﻣﻪ ﺣد وﻻ ﺗﻌزﯾر .
وﻛذﻟك ﻣن ﺗﺣﻠل ﻣن أﺣراﻣﻪ ﻧﺎﺳﯾﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﯾﻔﺳد ﺣﺟﻪ .
وﯾﻧﺑﻐـﻰ ﻣﻼﺣظــﺔ أن اﻟﻧـﺳﯾﺎن ﻻ ﯾﻌــد ﻋـذرا ﻓــﻰ ﺣﻘـوق اﻟﻌﺑــﺎد ،ﻷﻧﻬــﺎ
ﺗﻘــوم ﻋﻠــﻰ اﻟﻣــﺷﺎﺣﺔ واﻟﻣﻘﺎﺿــﺎة ،ﺑﺧــﻼف ﺣﻘــوق اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻓﺈﻧﻬــﺎ
ﺗﻘــوم ﻋﻠــﻰ اﻟﻣــﺳﺎﻣﺣﺔ ،وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻰ ﻓﻣــن أﺗﻠــف ﻣــﺎل ﻏﯾــرﻩ ﻧﺎﺳــﯾﺎ ﻟزﻣــﻪ
ﺿﻣﺎﻧﻪ ﻛذﻟك ﻓﺈن ﺣﻘوق اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ اﻟﺗـﻰ ﺗﻘﺑـل اﻟﺗـدارك ﻻ ﯾـؤﺛر ﻓﯾﻬـﺎ
ﻧﺳﯾﺎن ﻓﻼ ﺗﺳﻘط ﻋن اﻟﻣﻛﻠف ،ﻓﻣـن ﻧـﺳﻰ ﺻـﻼة أو ﺻـوﻣﺎ أو زﻛـﺎة
ﻓﺈﻧــﻪ ﯾﻠزﻣـــﻪ ﻗــﺿﺎء ذﻟـــك ﻓـــﻰ وﻗــت آﺧـــر .أﻣـــﺎ ﻣــﺎ ﻻ ﯾﻘﺑـــل اﻟﺗـــدارك
ﻛﺎﻟﺟﻣﻌﺔ واﻟﺟﻬﺎد ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺳﻘط ﻋن اﻟﻣﻛﻠف ﻣﻊ اﻟﻧﺳﯾﺎن .
اﻟﺨﺎﻣﺲ :اﻟﺠﮭــﻞ :ـ
وﻫو ﺿد اﻟﻌﻠم وﻫو ﻗﺳﻣﺎن :ﺑﺳﯾط وﻫو أﻻ ﯾﻌﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﻣـﺎ
)(٣
ﻣن ﺷﺄﻧﻪ أن ﯾﻌﻠﻣﻪ .وﻣرﻛب :وﻫو أن ﯾﻌﺗﻘد ﺧﻼف اﻟواﻗﻊ .
) (١رواﻩ اﺑن ﻣﺎﺟﺔ ﻓﻰ ﺳﻧﻧﻪ ﺑرﻗم ٢٠٤٥ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق " " ﺑﺎب طﻼق اﻟﻣﻛرﻩ واﻟﻧﺎﺳﻰ " .
) (٢ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨٦
) (٣أﺻول اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ د /ﻋﻠﻰ ﺣﺳب اﷲ ص . ٤١١
ـ ٤١ـ
واﻟﺟﻬـــل ﯾﻌـــد ﻋـــذرا ﻟﻺﻧـــﺳﺎن إذا ﻧـــﺷﺄ ﻓـــﻰ دار اﻟﺣـــرب ﻟﻌـــدم
اﻧﺗــﺷﺎر أﺣﻛــﺎم اﻹﺳـــﻼم ﻓﯾﻬــﺎ ،وﺑﺎﻟﺗـــﺎﻟﻰ ﻓﻣــن ﺟﻬـــل ﺣﻘﯾﻘــﺔ وﺟـــوب
اﻟﻌﺑﺎدات ﻋﻠﯾﻪ ﻻ ﯾﻠزم ﺑﻘﺿﺎﺋﻬﺎ ﻋﻧد ﻋﻠﻣﻪ .
أﻣﺎ اﻟﺟﻬل ﻓﻰ دار اﻹﺳﻼم ﻓﻼ ﯾﻌد ﻋذرا ﻟﻺﻧـﺳﺎن ،ﻷن اﻟﻌﻠـم
ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻔروض ﻋﻠﻰ أﻫﻠﻬﺎ ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻰ ﻓﻼ ﯾﻌذر اﻟﻣﺳﻠم ﺑﺟﻬﻠﻪ ﺑﺄﺻول
اﻟــدﯾن اﻟﺗــﻰ ﻻ رﺧــﺻﺔ ﻷﺣــد ﻓــﻰ ﺟﻬﻠﻬــﺎ ،ﻛوﺟــوب اﻟــﺻﻼة واﻟزﻛــﺎة
واﻟﺻوم . )(١
اﻟﺴﺎدس :اﻟﻨﻘــﺺ :ـ
وﻫو ﻧوع ﻣن اﻟﻣﺷﻘﺔ إذ اﻟﻧﻔـوس ﻗـد ﺟﺑﻠـت ﻋﻠـﻰ ﺣـب اﻟﻛﻣـﺎل
)(٢
ﻓﻧﺎﺳﺑﻪ )أى اﻟﻧﻘص( اﻟﺗﺧﻔﯾف ﻓﻰ اﻟﺗﻛﻠﯾف .
وﻟـﻪ ﺻــور ﻛﺛﯾــرة ﺑﻌــﺿﻬﺎ ﻣﺗﻌﻠــق ﺑﺎﻟـﺻﺑﻰ ﻟﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ ﻣــن ﻧﻘــص
اﻟﺗﻛﻠﯾــف ،وﺑﻌــﺿﻬﺎ ﻣﺗﻌﻠــق ﺑــﺎﻟﻣرأة ﻟــﻧﻘص ﻗواﻫــﺎ ،وﺑﻌــﺿﻬﺎ ﻣﺗﻌﻠــق
ﺑﺎﻷﻋﻣﻰ ﻟﻔﻘد ﺣﺎﺳﺔ ﻣن ﺣواﺳﻪ :
ـ اﻟﺻﺑﻰ وﻣﺛﻠﻪ اﻟﻣﺟﻧون ﻻ ﯾﻛﻠف ﺑﺻﻼة وﻻ ﺻﯾﺎم وﻻ ﺣﺞ وﻻ ﻏﯾرﻫﺎ
ﻣن ﺳﺎﺋر اﻟﺗﻛﺎﻟﯾف اﻟﺷرﻋﯾﺔ .
ــــ اﻟﻧـــﺳﺎء ﻻ ﺗﻛﻠـــف ﺑﻛﺛﯾـــر ﻣﻣـــﺎ ﯾﺟـــب ﻋﻠـــﻰ اﻟرﺟـــﺎل ،ﻛﺎﻟﺟﻣﺎﻋـــﺔ ،
واﻟﺟﻣﻌﺔ واﻟﺟﻬﺎد واﻟﺟزﯾﺔ وﺗﺣﻣل اﻟدﯾﺔ .
ـ اﻷﻋﻣﻰ ﻻ ﯾﺟب ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺟﻬﺎد .وﻻ ﯾﺟﺗﻬد ﻓﻰ اﻟﻘﺑﻠﺔ ﻋﻧد ﺟﻬﻠﻬﺎ.
) (١اﻧظر :اﻟوﺟﯾز ﻓﻰ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ د /ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم زﯾدان ص ١١٢ـ. ١١٣
) (٢اﻷﺷﺑﺎﻩ ﻟﻠﺳﯾوطﻰ ص . ٨٠
ـ ٤٢ـ
ـ اﻟﻌﺑد ﻋﻠﻰ ﻧﺻف اﻟﺣر ﻓﻰ اﻟﺣدود ،واﻟﻣرأة اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺻف ﻣن
ﻋدة اﻟﺣرة . )(١
اﻟﺴﺎﺑﻊ :اﻟﻌﺴﺮ وﻋﻤﻮم اﻟﺒﻠﻮى :ـ
ﻛل ﻣﺎ ﺗﻣس اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﯾﻪ ﻓﻰ ﻋﻣوم اﻷﺣوال ﺑﺣﯾث ﯾﺗﻌﺳر
اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋﻧﻪ إﻻ ﺑﻣﺷﻘﺔ ﺷدﯾدة ﻓﻬو ﻣن ﻋﻣوم اﻟﺑﻠوى اﻟذى ﯾﺗرﺗب
ﻋﻠﯾﻪ رﻓﻊ اﻟﻣﺷﻘﺔ واﻟﺣرج ﻋن اﻟﻌﺑﺎد .
وﻣن اﻷﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓﻰ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ :
ـ ﺻﺣﺔ اﻟﺻﻼة ﻣﻊ اﻟﻧﺟﺎﺳﺔ اﻟﻣﻌﻔو ﻋﻧﻬﺎ ،ﻛدم اﻟﺟروح واﻟدﻣﺎﻣل ،
واﻟﺑراﻏﯾث واﻟﻘﯾﺢ واﻟﺻدﯾد ،وﻗﻠﯾل دم اﻷﺟﻧﺑﻰ ،وطﯾن اﻟﺷﺎرع وأﺛر
ﻋﺳر زواﻟﻪ .
ﻧﺟﺎﺳﺔ َ َُ
ـ دﺧول اﻟﻐﺑﺎر ﻓﻰ ﻓم اﻟﺻﺎﺋم ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﯾﻔطر ،ﻷﻧﻪ ﻣﻣﺎ ﺗﻌم ﺑﻪ اﻟﺑﻠوى.
ـ ﻋدم وﺟوب اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﺋض .
ـ ﻣﺷروﻋﯾﺔ اﻟطﻼق ﻟﻣﺎ ﻓﻰ اﻟﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة اﻟزوﺟﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﺷﻘﺔ
ﻋﻧد اﻟﺗﻧﺎﻓر واﺧﺗﻼف اﻟطﺑﺎع وﺳوء اﻟﻌﺷرة (٢).
وﻣﻣـــﺎ ﯾﻔـــﺻﺢ ﺑﺟـــﻼء ﻋـــن ﻣﺑـــدأ رﻓـــﻊ اﻟﺣـــرج ﻓـــﻰ اﻟـــﺷرﯾﻌﺔ
اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ أن اﻟﺗﺧﻔﯾﻔﺎت ﻓﯾﻬﺎ ﺟـﺎءت ﻋﻠـﻰ أﻧـواع ﺑﺣﯾـث ﯾﺗﻧﺎﺳـب ﻛـل
ﻧوع ﻣﻧﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻣﺷﻘﺔ اﻟﺗﻰ ﯾراد رﻓﻌﻬﺎ ﻋن اﻟﻣﻛﻠف .
ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻰ ﺍﻵﺗﻰ :ـ
) (١اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ د /أﺣﻣد ﯾوﺳف ص . ٣٥٥
) (٢اﻧظر اﻷﺷﺑﺎﻩ ﻟﻠﺳﯾوطﻰ ص ٧٨ـ . ٧٩
ـ ٤٣ـ
ـ ﺗﺧﻔﯾف إﺳﻘﺎط :ﻛﺈﺳﻘﺎط اﻟﻌﺑﺎدات ﻋﻧد وﺟود أﻋذارﻫﺎ ،ﻛﺈﺳﻘﺎط
اﻟﺟﻣﻌﺔ واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻋن ذوى اﻷﻋذار ﻣن اﻟﻣرﺿﻰ واﻟﻣﺳﺎﻓرﯾن ،وﻣن
ذﻟك إﺳﻘﺎط اﻟﺣﺞ ﻋﻧد ﻋدم اﻻﺳﺗطﺎﻋﺔ ﻟﻔﻘر أو ﻋﺟز ﺑدﻧﻰ .
ــ ﺗﺧﻔﯾــف ﺗﻧﻘــﯾص :ﻛﺎﻟﻘــﺻر ﻓــﻰ اﻟــﺳﻔر ـ ﻋﻠــﻰ اﻟﻘــول ﺑــﺄن اﻹﺗﻣــﺎم
اﻷﺻـــل ﻓﺎﻟـــﺻﻼة اﻟرﺑﺎﻋﯾـــﺔ ﺗـــﺻﻠﻰ اﺛﻧﺗـــﯾن ﺗﺧﻔﯾﻔـــﺎ ورﺣﻣـــﺔ ﻣـــن اﷲ
ﺑﻌﺑﺎدﻩ.
ـ ﺗﺧﻔﯾف إﺑدال :وذﻟك ﻛﺈﺑدال اﻟوﺿوء واﻟﻐﺳل ﺑﺎﻟﺗﯾﻣم ﻋﻧد ﻓﻘد اﻟﻣﺎء
،أو اﻟﻌﺟز ﻋن اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻪ ﻟﻣرض وﻧﺣوﻩ ،وﻛﺈﺑدال اﻟﻘﯾﺎم ﻓﻰ اﻟﺻﻼة
ﺑﺎﻟﻘﻌود واﻻﺿطﺟﺎع ،ﻓﻣن ﻋﺟز ﻋن اﻟﺻﻼة ﻗﺎﺋﻣﺎ ﯾﺻﻠﻰ ﻗﺎﻋدا أو
ﻣﺿطﺟﻌﺎ ﺣﺳب ﺣﺎﻟﻪ ،وﻋﻠﻰ ﻗدر طﺎﻗﺗﻪ .
وﻣن ذﻟك :إﺑدال اﻟرﻛوع واﻟﺳﺟود ﺑﺎﻹﯾﻣﺎء ﻟﻣن ﻻ ﯾﻘـدر ﻋﻠـﻰ
اﻹﺗﯾﺎن ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﻪ اﻟﻣطﻠوب .
وﻣــن ﻫــذا اﻟﻘﺑﯾــل :إﺑــدال اﻟــﺻﯾﺎم ﺑﺎﻹطﻌــﺎم ،ﻓﻣــن ﻋﺟــز ﻋــن
اﻟــﺻوم ﻟﻛﺑــر ﺳــﻧﻪ ،ﻓﻠــﻪ أن ﯾﻔطــر ط ـوال اﻟــﺷﻬر وﯾﻔــدى ﻋــن ذﻟــك
ﺑﺈطﻌﺎم ﻣﺳﻛﯾن ﻋن ﻛل ﯾوم ﯾﻔطرﻩ .ﻷﻧﻪ ﻻ ﺗﻛﻠﯾف إﻻ ﺑﻣﺎ ﯾﺳﺗطﺎع ،
وﻫذا ﻣن ﺳﻌﺔ رﺣﻣﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
ــ ﺗﺧﻔﯾــف ﺗﻘــدﯾم :ﻛــﺎﻟﺟﻣﻊ ﺑــﯾن ﺻــﻼة اﻟظﻬــر ،وﺻــﻼة اﻟﻌــﺻر ﯾــوم
ﻋرﻓــﺔ ﺟﻣــﻊ ﺗﻘــدﯾم ،وﻣــن ذﻟــك :ﺟﻣــﻊ اﻟــﺻﻼﺗﯾن اﻟﻣــﺷﺗرﻛﺗﯾن ﻓــﻰ
اﻟوﻗـت ﻛـﺎﻟظﻬر واﻟﻌـﺻر ،واﻟﻣﻐـرب واﻟﻌــﺷﺎء ﻟﻣـن ﻛـﺎن ﻣـﺳﺎﻓرا وﻋﻠــم
أﻧﻪ ﺳﯾﺻل ﺑﻌد ﺧـروج اﻟوﻗـت ،ﻓﺈﻧـﻪ ﯾﺟـوز ﻟـﻪ ﺷـرﻋﺎ أن ﯾﺟﻣـﻊ ﺑـﯾن
اﻟظﻬر واﻟﻌﺻر ﺟﻣﻊ ﺗﻘدﯾم ،وﺑﯾن اﻟﻣﻐرب واﻟﻌﺷﺎء ﻛذﻟك .
ـ ٤٤ـ
وﻣن ﺻور ﻫذا اﻟﺗﺧــﻔﯾف :ﺗﻘــدﯾم إﺧراج اﻟزﻛـﺎة ﻗـــﺑل اﻟـﺣــول
ــــ اﻟﻣوﻋــد اﻟﻣﺣــدد ﻟﻬــﺎ ـ ،وذﻟــك ﻣــن ﺑــﺎب اﻟرﻓــق ﺑــﺎﻟﻔﻘراء وﺗﻘــدﯾر
ﺣــﺎﺟﺗﻬم ،واﻟﺗــﺷﺟﯾﻊ ﻋﻠــﻰ إﺑ ـراء ذﻣــﺔ اﻟﻣﻛﻠــف .وﻣــن ذﻟــك أﯾــﺿﺎ :
ﺟواز ﺗﻘدﯾم إﺧراج زﻛﺎة اﻟﻔطر ﻓﻰ ﺷﻬر رﻣﺿﺎن ﻗﺑل اﻧﺗﻬﺎء اﻟﺷﻬر .
ـ ﺗﺧﻔﯾف ﺗﺄﺧﯾر :وﻣن ذﻟك اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن ﺻﻼة اﻟﻣﻐرب وﺻﻼة اﻟﻌﺷﺎء
ﺟﻣــﻊ ﺗــﺄﺧﯾر ﺑﺎﻟﻣزدﻟﻔــﺔ ،رﻓﻘــﺎ ﻟﻠﻣــﺷﻘﺔ اﻟﺗــﻰ ﯾﻌﺎﻧﯾﻬــﺎ اﻟﺣــﺎج ﻓــﻰ أداء
اﻟﻣﻧﺎﺳك .
وﻣــن ذﻟــك :ﺗــﺄﺧﯾر ﺻــوم رﻣــﺿﺎن ﻟﻣــن ﻟــﯾس ﻟــﻪ ﻗــدرة ﻋﻠــﻰ
اﻟﺻﯾﺎم ﻟﻣرض أو ﺳﻔر ،وﯾﻠﺣق ﺑذﻟك اﻟﺣﺎﻣل واﻟﻣرﺿﻊ ﻋﻧد اﻟﺧوف
ﻋﻠﻰ اﻟوﻟد ﻓﻠﻬﻣﺎ اﻹﻓطﺎر وﻗﺿﺎء ذﻟك ﺑﻌد اﻧﺗﻬﺎء ﺷﻬر رﻣﺿﺎن .
وﻣن ذﻟك :ﺗﺄﺧﯾر اﻟﺻﻼة ﻋن وﻗﺗﻬﺎ ﻟوﺟود ﻋذر ﯾﻘﺗﺿﻰ ذﻟك
ﻟﻣن ﯾﺷﺗﻐل ﺑﺈﻧﻘﺎذ ﻏرﯾق وﻧﺣوﻩ .
ـ ﺗﺧﻔﯾف ﺗرﺧﯾص :ﻛﺣل أﻛل اﻟﻣﯾﺗﺔ ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺿرورة ،وﺣل ﺷـرب
اﻟﺧﻣر ﻹ زاﻟﺔ اﻟﻐﺻﺔ ،ﻟﻛن ﺗﻘدر اﻟﺿرورة ﺑﻘدرﻫﺎ ﺑﺣﯾث ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠـﻰ
اﻟﻘدر اﻟذى ﺗﻧدﻓﻊ ﺑﻪ ﻓﻘط ،ﻓﻼ ﯾﺄﻛل اﻟﻣﺿطر ﻣن اﻟﻣﯾﺗﺔ إﻻ ﻗدر ﺳد
اﻟرﻣــق ،وﻻ ﯾــﺷرب ﻣــن اﻟﺧﻣــر إﻻ ﺑﺎﻟﻘــدر اﻟــذى ﺗــزول ﺑــﻪ اﻟﻐــﺻﺔ ،
ﻛذﻟك اﻟطﺑﯾب ﻻ ﯾرى ﻣن اﻟﻣرﯾﺿﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻘدر اﻟـذى ﺗﻘﺗـﺿﯾﻪ
ﺿرورة اﻟﻌﻼج ﻓﻘط ،ﻓﻣﺎ زاد ﻋن ذﻟك ﯾﺑﻘﻰ ﻋﻠﻰ أﺻل اﻟﺣرﻣﺔ.
ـ ﺗﺧﻔﯾف ﺗﻐﯾﯾر :ﻛﺗﻐﯾﯾر ﺻورة اﻟﺻﻼة ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺣرب (١).وﻫـﻰ ﻣـﺎ
ﺗﺳﻣﻰ ﺑﺻﻼة اﻟﺧوف ،وﺻﻼة اﻻﻟﺗﺣﺎم ،ﻓﺗﺟوز اﻟـﺻﻼة ﺑﻛـل ﺻـﻔﺔ
) (١اﻧظر :اﻷﺷﺑﺎﻩ واﻟﻧظﺎﺋر ﻟﻠﺳﯾوطﻰ ص . ٨٢ـ اﻷﺷﺑﺎﻩ ﻻﺑن ﻧﺟﯾم ص . ٨٣
ـ ٤٥ـ
ﺻﺣت ﻋن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ،ﻓﻣﻧﻬـﺎ :إذا ﻛـﺎن
اﻟﻌدو ﻓﻰ ﻏﯾر ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻘﺑﻠﺔ ،ﺗﻘوم طﺎﺋﻔﺔ ﺑﺎﻟﺣراﺳﺔ ،وﯾﺻﻠﻰ اﻹﻣـﺎم
ﺑطﺎﺋﻔﺔ أﺧرى رﻛﻌﺔ ،وﺗﺗم ﻫذﻩ اﻟطﺎﺋﻔـﺔ ،ﺛـم ﺗﻘـوم ﻟﻠﺣراﺳـﺔ ،وﺗـﺄﺗﻰ
اﻟطﺎﺋﻔﺔ اﻷﺧرى ـ اﻟﺗﻰ ﻛﺎﻧت ﺗﺣـرس أوﻻً ـ ﻓﯾـﺻﻠﻰ ﺑﻬـم اﻹﻣـﺎم اﻟرﻛﻌـﺔ
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﺛم ﺗﺗم ﻫذﻩ اﻟطﺎﺋﻔﺔ ﺻﻼﺗﻬﺎ ،ﺛم ﯾﺳﻠم ﺑﻬم اﻹﻣﺎم .
ٕواذا ﻛﺎن اﻟﻌدو ﻓﻰ ﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻘﺑﻠﺔ .ﻓﺈن اﻹﻣﺎم ﯾـﺻﻠﻰ ﺑـﺎﻟﺟﯾش
ﺻــﻔﯾن ،ﻓــﺈذا ﺳــﺟد ،ﺳــﺟد ﻣﻌــﻪ اﻟــﺻف اﻷﻣــﺎﻣﻰ ﻓﻘــط ،ﻓــﺈذا رﻓــﻊ
ﺳﺟد اﻟﺻف اﻟﺧﻠﻔﻰ وﻟﺣﻘﻪ ﺛم ﺗﻌﻛس ﻓﻰ اﻟرﻛﻌـﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾـﺔ وﯾـﺳﻠم ﺑﻬـم
ﺟﻣﯾﻌﺎ .
ً
ٕواذا ﺻﻠﻰ اﻹﻣﺎم ﺑﻛل طﺎﺋﻔﺔ ﺻﻼة ﺻﺢ ،ﻛﻣﺎ ﻟو أﺗم وﻗﺻرت
ﻛل ﻓرﻗﺔ ﺧﻠﻔﻪ .
ﻓــﺈذا اﺷــﺗد اﻟﺧــوف ﺻــﻠوا رﺟــﺎﻻ ورﻛﺑﺎﻧــﺎ إﻟــﻰ اﻟﻘﺑﻠــﺔ وﻏﯾرﻫــﺎ ،
)(١
ﯾؤﻣون إﯾﻣﺎء ﻋﻠﻰ ﻗدر اﻟطﺎﻗﺔ .
وﻟﻌﻠــك إذا ﺗﺄﻣﻠــت ﻓــﻰ ﻫــذا اﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻟﺣﻛ ـﯾم ﻟوﺟــدت ﻓﯾــﻪ ﻣــن
اﻟﺳﻬوﻟﺔ واﻟﺗﯾﺳﯾر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻛﻠﻔﯾن ﺑﻣﺎ ﻻ ﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﻰ ذى ﻋﻘل ﺳﻠﯾم ،
وﻓﻛر ﻗوﯾم .
٢ــ ﻭﻗﻮﻉ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﻓﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ :ـ
وﻣن ﻣظﺎﻫر ﻋدم اﻟﺣرج ورﻓـﻊ اﻟـﺿﯾق ﻋـن اﻟﻣﻛﻠﻔـﯾن ،وﻗـوع
اﻟﻧﺳﺦ ﻓﻰ ﺑﻌـض اﻷﺣﻛـﺎم اﻟـﺷرﻋﯾﺔ ،وذﻟـك ﺑﺎﺳـﺗﺑدال اﻟﺣﻛـم اﻟـﺳﺎﺑق
) (١اﻟﺗﺳﻬﯾل ﻓﻰ اﻟﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻣذﻫب اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ﻟﻠﺑﻌﻠﻰ ص . ٧٢ ، ٧١
ـ ٤٦ـ
ﺑﺣﻛــم ﻻﺣــق ،ﻟﺣﻛﻣــﺔ ﻋﻧﺎﻫــﺎ اﻟﻣــﺷرع اﻟﺣﻛــﯾم ،رﺣﻣــﺔ ورﻓﻘــﺎ ﺑﺣــﺎل
اﻟﻣﻛﻠﻔﯾن .
وﻣن اﻷﻣﺛﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك :ـ
ـ ﻋدة اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﻋﻧﻬﺎ زوﺟﻬﺎ ﻛﺎﻧت ﻓﻰ أول اﻷﻣر ﺳﻧﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ،
وﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟزوج أن ﯾوﺻﻰ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻧﻔﻘﺔ واﻟﺳﻛﻧﻰ ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣـدة ﻛﻣـﺎ
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :واﻟذﯾن ﯾﺗوﻓون ﻣﻧﻛم وﯾذرون أزواﺟـﺎ وﺻـﯾﺔ ﻷزواﺟﻬـم
ﻣﺗﺎﻋـﺎ إﻟــﻰ اﻟﺣــول ﻏﯾــر إﺧـراج " (١).ﻧـﺳﺦ ﻫــذا اﻟﺣﻛــم وﺟﻌﻠــت اﻟﻌــدة
أرﺑﻌــﺔ أﺷــﻬر وﻋــﺷرة أﯾــﺎم ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :واﻟــذﯾن ﯾﺗوﻓــون ﻣــﻧﻛم
)(٢
وﯾذرون أزواﺟﺎ ﯾﺗرﺑﺻن ﺑﺄﻧﻔﺳﻬن أرﺑﻌﺔ أﺷﻬر وﻋﺷرا " .
ـ ﻛﺎﻧت اﻟوﺻﯾﺔ ﻟﻠواﻟدﯾن واﻷﻗـرﺑﯾن واﺟﺑـﺔ ﻓـﻰ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :
ﻛﺗـب ﻋﻠـﯾﻛم إذا ﺣـﺿر أﺣـدﻛم اﻟﻣـوت إن ﺗـرك ﺧﯾـرا اﻟوﺻـﯾﺔ ﻟﻠواﻟــدﯾن
واﻷﻗرﺑﯾن ﺑﺎﻟﻣﻌروف ﺣﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺗﻘﯾن" (٣).ﺛم ﻧﺳﺧت ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ ﺑﺂﯾﺔ
اﻟﻣوارﯾـث ،وﺟـﺎءت اﻟـﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾـﺔ اﻟﻣطﻬـرة ﻣؤﻛـدة ﻟﻬـذا اﻟﻧـﺳﺦ ﻓﻘـد
ﺟﺎء اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﻧﺑﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳـﻠم }:إن اﷲ أﻋطـﻰ
)(٤
ﻛل ذى ﺣق ﺣﻘﻪ أﻻ ﻻ وﺻﯾﺔ ﻟوارث {.
ـ ﻧﻬﻰ اﻟﻧﺑﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ﻋن زﯾﺎرة اﻟﻘﺑور ،ﺛم
أﺑﺎﺣﻬــﺎ ﺑﻌــد ذﻟــك ﻓﻘــد ﺟــﺎء ﻓــﻰ اﻟﺣــدﯾث } :ﻛﻧــت ﻧﻬﯾــﺗﻛم ﻋــن زﯾــﺎرة
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٤٠
) (٢ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٣٤
) (٣ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ١٨٠
) (٤رواﻩ اﻟﺗرﻣ ــذى ﻓ ــﻰ " ﻛﺗ ــﺎب اﻟوﺻ ــﺎﯾﺎ " . ٤٣٤/٤وأﺑ ــو داود ﻓ ــﻰ " ﻛﺗ ــﺎب اﻟوﺻ ــﺎﯾﺎ " ﺣ ــدﯾث رﻗ ــم
. ٢٨٧٠
ـ ٤٧ـ
اﻟﻘﺑور أﻻ ﻓزوروﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗذﻛرﻛم اﻵﺧرة { .
ـ وﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰٕ":وان ﺗﺑـدوا ﻣـﺎ ﻓـﻰ أﻧﻔـﺳﻛم أو ﺗﺧﻔـوﻩ ﯾﺣﺎﺳـﺑﻛم
)(١
ﺑﻪ اﷲ".
ﻧـﺳـــﺦ ﺣﻛـم ﻫـذﻩ اﻵﯾـﺔ ﺑﻘوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ﻻ ﯾﻛﻠــف اﻟﻠـــﻪ ﻧﻔــــﺳـًﺎ
)(٢
إﻻ وﺳﻌﻬﺎ " .
)(٣
ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ ) :ﻣﺒﺪﺃ ( ﺍﻟﺘﺪﺭﺝ ﻓﻰ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ :ـ
ﻣن أﻫم اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺗﻰ روﻋﯾت ﻋﻧد ﺗﺷرﯾﻊ اﻷﺣﻛﺎم ﻓـﻰ
اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،ﻫو أن أﺣﻛﺎﻣﻬﺎ ﻟم ﺗﻧزل ﻣرة واﺣدة ،وﻗد ﺳﻠك
اﻟﻣﺷرع ﻓﻰ ذﻟك ﺳﺑﯾل اﻟﺗدرج ﺗﯾﺳﯾرا ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس رﺣﻣﺔ ورﻓﻘﺎ ﺑﻬم .
واﻟﺗدرج ﻓﻰ ﺗﺷرﯾﻊ اﻷﺣﻛﺎم ﺟﺎء ﻋﻠﻰ أﻧواع :ـ
ﺍﻷﻭﻝ :ﺍﻟﺘﺪﺭﺝ ﺍﻟﺰﻣﲎ :ـ
وﻫــو أن اﻷﺣﻛــﺎم ﻟــم ﺗــﺷرع ﻣــرة واﺣــدة ٕ ،واﻧﻣــﺎ ﺷــرﻋت ـ
ﺷﯾﺋﺎ ﻓﺷﯾﺋﺎ ،ﻟﯾﻛون اﻟﺳﺎﺑق ﻣن اﻷﺣﻛﺎم ﻣﻌدا ﻟﻠﻧﻔوس ،وﻣﻬﯾﺋﺎ ﻟﻬـﺎ ً
ﻟﻘﺑـول اﻟﻼﺣــق ،ﻷن اﻟﻧــﺎس ﻛــﺎﻧوا ﯾﺣﯾـون ﺣﯾــﺎة إﺑﺎﺣﯾــﺔ واﺳــﻌﺔ دون
ﻧظﺎم وﻻ ﻗﯾود ،ﻗد ﺗﻣﻛﻧـت ﻣـﻧﻬم ﻋـﺎدات وﻏراﺋـز ﻟـم ﯾﻛـن ﻣـن اﻟـﺳﻬل
اﻗﺗﻼﻋﻬــﺎ ﻣــن اﻟﻧﻔــوس ﻣــرة واﺣــدة .ﻓﺎﻗﺗــﺿت اﻟﺣﻛﻣــﺔ اﻹﻟﻬﯾـﺔ أن ﻻ
ﯾﻔﺎﺟﺋوا ﺑﺎﻷﺣﻛﺎم ﺟﻣﻠـﺔ ،ﻷن ذﻟـك ﺷـدﯾد ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﻔـوس ،ﺛﻘﯾـل ﻋﻠـﻰ
اﻟطﺑﺎع ،ﻣن أﺟل ذﻟك ﻧزل اﻟﺗﺷرﯾﻊ ﻣﻧﺟﻣﺎ ﻟﯾﻛون أوﻗﻊ ﻓـﻰ اﻟﻧﻔـوس
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨٤
) (٢ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨٦
) (٣اﻧظر :ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺗﺷرﯾﻊ ﻟﻠﺷﻬﺎوى ص . ٢٠
ـ ٤٨ـ
وأﻗرب ﻟﻠﻘﺑول :ـ
ﻓﻔﻰ ﻟﯾﻠﺔ اﻹﺳراء ﻗﺑل اﻟﻬﺟرة ﺑﺳﻧﺔ ﻓرﺿت اﻟﺻﻼة .
ــــ وﻓـــﻰ اﻟــــﺳﻧﺔ اﻷوﻟـــﻰ ﻣـــن اﻟﻬﺟــــرة ﺷـــرع اﻵذان واﻟﻘﺗــــﺎل ،
وﺷرﻋت أﺣﻛﺎم ﻣن اﻟﻧﻛﺎح ﻛﺎﻟﺻداق واﻟوﻟﯾﻣﺔ .
ـ ـ وﻓــﻰ اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ ﺷــرع اﻟــﺻوم وﺻــﻼة اﻟﻌﯾــدﯾن ،وﻧﺣــر
اﻷﺿﺎﺣﻰ واﻟزﻛﺎة وﺣوﻟت ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻘﺑﻠﺔ ،وأﺣﻠت اﻟﻐﻧﺎﺋم ﻟﻠﻣﺟﺎﻫدﯾن .
ـ وﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﺷرﻋت أﺣﻛﺎم اﻟﻣوارﯾث ،وأﺣﻛـﺎم اﻟطـﻼق
،وﻗﺻر اﻟﺻﻼة ﻓﻰ اﻟﺳﻔر .
ـ وﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟراﺑﻌﺔ ﺷرﻋت ﻋﻘوﺑـﺔ اﻟزﻧـﺎ واﻟﻘـذف ،وأﻧـزل اﷲ
أﺣﻛﺎم اﻟﺗﯾﻣم ،وﻓرض اﻟﺣﺞ .
ـ ـ وﻓــﻰ اﻟــﺳﻧﺔ اﻟــﺳﺎدﺳﺔ ﺑــﯾن اﷲ أﺣﻛــﺎم اﻟــﺻﻠﺢ واﻹﺣــﺻﺎر ،
وﻓﯾﻬﺎ ﺣرم اﷲ اﻟﺧﻣر واﻟﻣﯾﺳر واﻷﻧﺻﺎب واﻷزﻻم .
ـ وﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﺣرﻣت اﻟﺣﻣر اﻷﻧﺳﯾﺔ ،وﺷرﻋت أﺣﻛـﺎم
اﻟﻣزارﻋﺔ واﻟﻣﺳﺎﻗﺎة .
ـ وﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻣﻧﺔ ﺷرع ﺣد اﻟﺳرﻗﺔ .
ـ وﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ ﺷـرع اﻟﻠﻌـﺎن ،وﻣﻧـﻊ اﻟﻛﻔـﺎر ﻣـن دﺧـول
ﻣﻛﺔ.
)(١
ـ وﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻌﺎﺷرة ﺣرم اﷲ اﻟرﺑﺎ ﺗﺣرﯾﻣﺎ ﻻ ﺧﻔﺎء ﻓﯾﻪ .
وﻫﻛذا ﻓﻘد ﻛﺎن ﻫذا اﻟﺗدرج ﻣن أﻧﺟﻊ اﻟﻌﻼج ﻹﺻـﻼح اﻟﻧﻔـوس
اﻟﺟﺎﻣﺣﺔ ،واﻟوﺳﯾﻠﺔ اﻟﻣﺛﻠﻰ ﻟﺗﻘﺑل اﻟﺗﻛﺎﻟﯾف ﻣن ﻏﯾر ﺿﺟر وﻻ ﻋﻧـت
) (١ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻟﻸﺷﻘر ص . ٤٨
ـ ٤٩ـ
وﻻ ﻣﺷﻘﺔ
ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ﺍﻟﺘﺪﺭﺝ ﻓﻰ ﺗﺸﺮﻳﻊ ﺍﳊﻜﻢ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ :ـ
وﻣﻌﻧــﻰ ذﻟــك :أن ﻛﺛﯾـرا ﻣــن اﻷﺣﻛــﺎم ﻟــم ﯾــﺷرع ﺑﺎﻟــﺻورة اﻟﺗــﻰ
ﻫﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻵن ﻓﻰ أول اﻷﻣر ،ﺑل ﺗدرج اﻟﻣﺷرع ﻓﻰ ﺷـرﻋﻬﺎ ﻓﺄﺧـذﻫم
ﺑﺎﻟرﻓق واﻟﺷﻔﻘﺔ ،وﺷرع ﻟﻬم ﻣﺎ ﯾﺳﻬل ﻗﺑوﻟﻪ واﻹذﻋﺎن ﻟﻪ ،ﺣﺗﻰ إذا
ﻣﺎ ﺗﻛوﻧت ﻟدﯾﻬم ﻣﻠﻛﺔ اﻻﺳﺗﻌداد ،ورﺿﺧت ﻧﻔوﺳﻬم ﻟﺗﺣﻣل اﻟﺗﻛﺎﻟﯾف
ﺷرع ﻟﻬم ﻣﺎ ﯾﻧﺎﺳب اﺳﺗﻌدادﻫم رﺣﻣﺔ ورﻓﻘﺎ ﺑﻬم .
ـ ﻓﺎﻟﺻﻼة ﺷرﻋت ﻓﻰ أول اﻷﻣر ﺻﻼة ﺑﺎﻟﻐداة وﺻﻼة ﺑﺎﻟﻌﺷﻰ
،ﺛم ﺟﻌﻠت ﺧﻣس ﺻﻠوات ﻓﻰ اﻟﯾوم واﻟﻠﯾﻠﺔ .
ـ ـ واﻟزﻛــﺎة ﻟــم ﯾﻛــن ﻟــﻪ ﺣــد ﻣﻘــدر ٕ .واﻧﻣــﺎ ﻛــﺎن اﻷﻣــر ﻣﺗروﻛــﺎ
ﻟﻠﻣــﺳﻠم ﺣــﺳﺑﻣﺎ ﯾــرى ،وﻛﯾﻔﻣــﺎ ﯾــﺳﺗطﯾﻊ ،ﺛــم ﻋﯾﻧــت اﻟﻣﻘــﺎدﯾر ﻋﻠــﻰ
ﺳﺑﯾل اﻹﻟزام
ـ ـ واﻟﺧﻣــر ﻟــم ﺗــﺷرع ﺣرﻣﺗﻬــﺎ دﻓﻌــﺔ واﺣــدة ٕ ،واﻧﻣــﺎ ﻣﻬــد ﺑﯾــﺎن
أﺿرارﻫﺎ ﺑﻘوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾﺳﺄﻟوﻧك ﻋن اﻟﺧﻣر واﻟﻣﯾﺳر ﻗـل ﻓﯾﻬﻣـﺎ أﺛـم
ﻛﺑﯾر وﻣﻧﺎﻓﻊ ﻟﻠﻧﺎس ٕواﺛﻣﻬﻣﺎ أﻛﺑر ﻣن ﻧﻔﻌﻬﻣﺎ " .
)(١
ـ ﺛم ﻧﻬﻰ ﻋن ﻗرﺑﺎن اﻟﺻﻼة ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺳﻛر ﻓﻘﺎل ﻋز وﺟل " :ﯾﺎ
أﯾﻬﺎ اﻟذﯾن آﻣﻧوا ﻻ ﺗﻘرﺑوا اﻟﺻﻼة وأﻧﺗم ﻛﺳﺎرى " (٢).ﺛم ﺟﺎء اﻟﺗﺣرﯾم
اﻟﻘﺎطﻊ ﻓﻰ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ":ﯾـﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟـذﯾن آﻣﻧـوا إﻧﻣـﺎ اﻟﺧﻣـر واﻟﻣﯾـﺳر
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢١٩
) (٢ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء ـ اﻵﯾﺔ . ٤٣
ـ ٥٠ـ
واﻷﻧﺻﺎب واﻷزﻻم رﺟس ﻣن ﻋﻣل اﻟﺷﯾطﺎن ﻓﺎﺟﺗﻧﺑوﻩ ﻟﻌﻠﻛم ﺗﻔﻠﺣون،
إﻧﻣـــﺎ ﯾرﯾـــد اﻟـــﺷﯾطﺎن أن ﯾوﻗـــﻊ ﺑﯾـــﻧﻛم اﻟﻌـــداوة واﻟﺑﻐـــﺿﺎء ﻓـــﻰ اﻟﺧﻣـــر
)(١
واﻟﻣﯾﺳر وﯾﺻدﻛم ﻋن ذﻛر اﷲ وﻋن اﻟﺻﻼة ﻓﻬل أﻧﺗم ﻣﻧﺗﻬون"
ـ واﻟﻘﺗــﺎل ﻛــﺎن ﻓــﻰ ﺑــدء اﻹﺳــﻼم ﻏﯾــر ﻣــﺄﻣور ﺑــﻪ ﻟﻘﻠــﺔ ﻋــدد
اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ﻓــﺄﻣروا ﺑــﺎﻟﻌﻔو واﻟــﺻﺑر ﻋﻠــﻰ اﻷﻋــداء ،واﻹﻋـراض ﻋــﻧﻬم
وﺗرك ﻣﻘـﺎﺗﻠﺗﻬم ،ﺛـم ﻟﻣـﺎ ﻗـوى اﻟﻣـﺳﻠﻣون وﻛﺛـر ﻋـددﻫم أذن ﻟﻬـم ﻓـﻰ
اﻟﻘﺗﺎل دﻓﺎﻋﺎ ﻋن أﻧﻔﺳﻬم ٕواﻋﻼء ﻟﻛﻠﻣﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺍﻟﺘﺪﺭﺝ ﺑﺬﻛﺮ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﻠﻰ ﺛـﻢ ﻳـﺄﺗﻰ
ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ،وﻫذا ﻛﺎن ﺷﺄن اﻟﺗﺷرﯾﻊ ﻓﻰ ﻣﻛﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﻋرض
ﻟــﻪ ﻣــن أﺣﻛــﺎم ﻋﻣﻠﯾــﺔ ﻓﻘــد ﺟــﺎءت ﺑــﺷﻛل ﻛﻠــﻰ ﺛــم ﺟــﺎء اﻟﺗــﺷرﯾﻊ ﻓــﻰ
ﻣﻔﺻﻼ ﻟﻬذا اﻟﻛﻠﻰ .ﻛﺷﺄن اﻟزﻛﺎة ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻓرﺿت أوﻻً ﻓـﻰ ﻣﻛـﺔ
ً اﻟﻣدﯾﻧﺔ
ﺑــدون ﺑﯾــﺎن ﻣﻘﺎدﯾرﻫــﺎ وأﻧــﺻﺑﺗﻬﺎ وﻣــﺻﺎرﻓﻬﺎ ،ﺛــم ﻧــزل ﺑﯾــﺎن ذﻟــك ﻛﻠــﻪ
ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣﻧورة .
ﺍﳌﺒﺪﺃ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﻗﻠﺔ ﺍﻟﺘﻜﺎﻟﻴﻒ :ـ
اﻗﺗﺿت ﺣﻛﻣﺔ اﻟﻣﺷرع اﻟﺣﻛﯾم أﻻ ﯾرﻫق ﻋﺑﺎدﻩ ﺑﻛﺛرة اﻟﺗﻛـﺎﻟﯾف
اﻟﺷرﻋﯾﺔ ،ﻷن ﻓﻰ ذﻟك ﻣﺎ ﯾرﻫـق ﻧﻔوﺳـﻬم .وﯾـﺿﻌف أﺑـداﻧﻬم ،واﷲ
)(٢
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻘول " :ﯾرﯾد اﷲ أن ﯾﺧﻔف ﻋﻧﻛم وﺧﻠق اﻹﻧـﺳﺎن ﺿـﻌﯾﻔﺎ "
وﯾﻘول ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓﺎﺗﻘوا اﷲ ﻣﺎ اﺳﺗطﻌﺗم " (٣).ﻣن أﺟل ذﻟك
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ ٩٠ـ . ٩١
) (٢ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨
) (٣ﺳورة اﻟﺗﻐﺎﺑن ـ اﻵﯾﺔ . ١٦
ـ ٥١ـ
ﺷرع اﷲ ﻟﻌﺑﺎدﻩ ﻣﺎ ﯾدﺧل ﻓﻰ ﻣﻘدورﻫم ،وﻧﻬﺎﻫم ﻋن اﻟﺳؤال ﻋﻣـﺎ ﻟـم
ﯾﺷرع ﺗﺧﻔﯾﻔﺎ ﻟﻬم ورﺣﻣﺔ ﺑﻬم ورﻓﻘﺎ .ﻓﻘـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ﯾـﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟـذﯾن
آﻣﻧوا ﻻ ﺗﺳﺄﻟوا ﻋن أﺷﯾﺎء إن ﺗﺑد ﻟﻛم ﺗﺳؤﻛم ٕوان ﺗﺳﺋﻠوا ﻋﻧﻬـﺎ ﺣـﯾن
ﯾﻧزل اﻟﻘرآن ﺗﺑـد ﻟﻛـم ﻋﻔـﺎ اﷲ ﻋﻧﻬـﺎ واﷲ ﻏﻔـور ﺣﻠـﯾم ﻗـد ﺳـﺄﻟﻬﺎ ﻗـوم
)(١
ﻣن ﻗﺑﻠﻛم ﺛم أﺻﺑﺣوا ﺑﻬﺎ ﻛﺎﻓرﯾن " .
وﻓــﻰ اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾــﺔ اﻟﻣطﻬــرة روى ﻋــن أﺑــﻰ ﻫرﯾــرة رﺿــﻰ اﷲ
ـﺎل:
ـﻠمَ ،ﻓﻘَـ َ ﻋﻠﯾـ ِـﻪ َ َ ﱠ
ﺻـ ﱠـﻠﻰ اﷲُ َ َ ْ ﺧطﺑﻧــﺎ رﺳـ ُ ِ
وﺳـ َ ـول اﷲ َ ﻋﻧــﻪ أﻧــﻪ ﻗــﺎل ُ َ َ َ َ َ " :
رﺟـل :أ ُ ﱠ
َﻛـل ﻓﻘـﺎل َ ُ ٌ
ﻓﺣﺟـوا« َ َ َ ، اﻟﺣـﺞ ُ َ ،ﱡ
ﻋﻠـﯾﻛم ْ َ ﱠ
ﻓـرض اﷲُ َ َ ْ ُ ُ ﻗد َ َ َ َﯾﻬﺎ ﱠ ُ
اﻟﻧﺎس َ ْ »أ ﱡ َ
اﷲ َ ﱠ
ﺻـﻠﻰ رﺳـول ِ
ﻓﻘـﺎل َ ُ ُ ﺛﻼﺛـﺎَ َ َ ،
ﻗﺎﻟﻬـﺎ ََ ً ﻓـﺳﻛت َ ﱠ رﺳـول ِ ٍَ
ﺣﺗـﻰ َ َ َ اﷲ؟ َ َ َ َ ﻋﺎم َﯾـﺎ َ ُ َ
ﻗـﺎل:
ﺛـم َ َ اﺳـﺗطﻌﺗم " ُ ،ﱠ ﱠ اﷲ َ ْ ِ
وﻟﻣـﺎ ْ َ َ ْ ُ ْ ﻟوﺟﺑـتَ َ َ ،
ﻧﻌـم َ َ َ َ ْ
ﻗﻠـتْ َ َ :
ﻟـو ُ ْ ُوﺳـﻠمْ َ " :
ﻋﻠﯾﻪ َ َ َ ُ َ
ِ
ﺳـــ َؤ ِ ْ
اﻟﻬم ﺑﻛﺛـــرِة ُ
ﻗـــﺑﻠﻛم ِ َ ْ َ
ــﺎن َ ْ َ ُ ْ
ﻣـــن َﻛـ َ
ﻫﻠـــك َ ْ
ﻓﺈﻧﻣـــﺎ َ َ َ وﻧـــﻲ ﻣـــﺎ َ َ ْ ُ ُ ْ ِﱠ
ﺗـــرﻛﺗﻛمَ َ ، َ
ذر ِ
»َُ
اﺳـﺗطﻌﺗم،
ﻣﻧـﻪُ َﻣـﺎ ْ َ َ ْ ُ ْ ﻓﺄﺗُوا ِ ْ َﻣرﺗﻛم ِ َ ٍ
ﺑﺷﻲء َ ْْ ﻓﺈذا أ َ ْ ُ ُ ْ
ِ
َﻧﺑﯾﺎﺋﻬمَ َِ ،
ﻋﻠﻰ أ ْ ِ َ ِ ْ
ِ ِ
َو ْ َ ِ ْ
اﺧﺗﻼﻓﻬم َ َ
ﻓدﻋوﻩُ " ﻋن َ ٍ
ﺷﻲء َ َ ُ ﻧﻬﯾﺗﻛم َ ْ ْ اذا َ َ ْ ُُ ْ َ ٕوِ َ
)(٢
وروى ﻋـن رﺳـول اﷲ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳــﻠم أﻧـﻪ ﻗــﺎل :
ﻓﺣرم ِ ْ
ﻣـن ﯾﺣرم ُ َ ،ﱢ َ
ﻟم ُ َ ﱠ ْ
ﻋن َ ٍ
ﺷﻲء َ َْل َ ْ ْ ﺳﺄ َﻣن َ ﺟرﻣﺎْ َ ، َﻋظم ُ ْ ِ ِ َ
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ُ ْ ً إن أ ْ َ َ } ِﱠ
َﺟل ﻣﺳﺄ َ ِ
َﻟﺗﻪ { أِْ َ ْ
)(٣
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ ١٠١ـ . ١٠٢
) (٢رواﻩ ﻣﺳﻠم ﻓﻰ ﺻﺣﯾﺣﻪ ﻓﻰ ﻛﺗﺎب اﻟﺣﺞ "ﺑﺎب ﻓرض اﻟﺣﺞ ﻣرة ﻓﻰ اﻟﻌﻣر" رﻗم .١٣٣٧
ـ واﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻻﻋﺗﺻﺎم " ﺑﺎﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ " رﻗم . ٧٢٨٨
) (٣رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ ﺻﺣﯾﺣﻪ ﻛﺗﺎب اﻻﻋﺗﺻﺎم " ﺑﺎب ﻣﺎ ﯾﻛرﻩ ﻣن ﻛﺛرة اﻟـﺳؤال وﺗﻛﻠـف ﻣـﺎ ﻻ ﯾﻌﻧﯾـﻪ "
رﻗم . ٧٢٨٩
ـ وﻣﺳﻠم ﻓﻰ ﻛﺗﺎب اﻟﻔﺿﺎﺋل " ﺑﺎب ﺗوﻗﯾرﻩ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ..إﻟﺦ .رﻗم . ٢٣٥٨
ـ ٥٢ـ
وﻫﻛذا ﻓﺈن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﯾم ﺑﺧﻠﻘـﻪ ،ﺧﺑﯾـر ﺑﻌﺑـﺎدﻩ ،ﺷـرع ﻟﻬـم
ﻣن اﻟﺗﻛﺎﻟﯾف ﻣﺎ ﻟﯾس ﻓﯾﻪ ﻛﻠﻔﺔ وﻻ ﻣﺷﻘﺔ ﺗﻣﻧﻊ ﻣن إﺗﯾﺎن اﻟﻌﻣل ،أو
ﺗــﺻد ﻋــن ﻗﺑوﻟــﻪ ،وﻫــذا واﺿــﺢ وﺟﻠــﻰ ﻟﻣــن ﻧظــر ﻓﯾﻣــﺎ ﺷــرع ﻣــن
أﺣﻛﺎم:
ـ ﻓﻬـذﻩ اﻟـﺻﻠوات ﺧﻣـس ﻓـﻰ اﻟﯾـوم واﻟﻠﯾﻠـﺔ ﻓوﻗﺗﻬـﺎ ﺟـزء ﻗﻠﯾـل ﺑﺎﻟﻧـﺳﺑﺔ
ﻟﻠﯾوم ﻛﻠﻪ .
ـ واﻟﺻﯾﺎم ﺷﻬر واﺣد ﻣن ﺷﻬور اﻟﺳﻧﺔ ﻛﻠﻬﺎ .
ـ واﻟﺣﺞ ﻣرة ﻓﻰ اﻟﻌﻣر ﻟﻣن اﺳﺗطﺎع إﻟﯾﻪ ﺳﺑﯾﻼً .
ـ واﻟزﻛﺎة ﺟزء ﻗﻠﯾل ﻣـن ﻣﺟﻣـوع ﻣـﺎ أﻓـﺎض اﷲ ﻋﻠـﻰ ﻋﺑـدﻩ ﻣـن ﻣـﺎل ،
ﻓﻼ ﻋﻧت وﻻ ﻣﺷﻘﺔ ﻟﻣن أراد اﻵﺧرة وﺳﻌﻰ ﻟﻬﺎ ﺳﻌﯾﻬﺎ وﻫو ﻣؤﻣن .
ـ ٥٣ـ
ﺍﻟﻔﺼــﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ
ﯾﻣﺗﺎز اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺑﻌدة ﺧﺻﺎﺋص ﺗـدل ﻋﻠـﻰ ﺻـﻼﺣﯾﺗﻪ ﻟﺟﻣﯾـﻊ
اﻟﺑﯾﺋﺎت واﻷزﻣﺎن ،واﻟوﻓﺎء ﺑﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﺑﺷر ﻓـﻰ ﻛﺎﻓـﺔ اﻟﻣﺟـﺎﻻت وﻫـذﻩ
اﻟﺧﺻﺎﺋص ﺗﺗﻠﺧص ﻓﻰ اﻵﺗﻰ :ـ
١ـ أﻧﻪ ﻣن ﻋﻧد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
٢ـ اﻟﺟزاء ﻓﯾﻪ دﻧﯾوى وأﺧروى .
٣ـ اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻻﺳﺗﻘﻼل .
٤ـ ﻣراﻋﺎة اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ .
٥ـ اﻟﻣروﻧﺔ .
٦ـ ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻌدل واﻟﻣﺳﺎواة .
وﺳوف ﻧﺗﻧﺎول ﻫذﻩ اﻟﺧـﺻﺎﺋص ﺑـﺷﺊ ﻣـن اﻟﺑﯾـﺎن ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﺣـو
اﻟﺗﺎﻟﻰ :
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﷲ ﺗﻌﺎﱃ
ﻣﺻدر اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻫو اﻟﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌـﺎﻟﻰ ،ﺳـواء
ﻛـﺎن ﻣـن ﻗﺑﯾـل اﻟـوﺣﻰ اﻟﻣﺗﻠـو ـ وﻫـو اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم .أم اﻟـوﺣﻰ ﻏﯾـر
اﻟﻣﺗﻠــو ـ وﻫــو اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾــﺔ اﻟﻣطﻬــرة ،ﻷن اﻟﻧﺑــﻰ ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺻﻼة
واﻟــــﺳﻼم ﻻ ﯾﻧطــــق ﻋــــن اﻟﻬــــوى ﻓﻬــــو اﻷﻣــــﯾن اﻟﻣﺑﻠــــﻎ ﻋــــن رﺑــــﻪ ،
واﻟﻣﺧﺎطـب ﻣـن ﻗﺑـل رﺑـﻪ " :ﯾـﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟرﺳـول ﺑﻠـﻎ ﻣـﺎ أﻧـزل إﻟﯾـك ﻣــن
ـ ٥٤ـ
رﺑـــك " (١).واﻷﺣﻛـــﺎم اﻻﺟﺗﻬﺎدﯾـــﺔ اﻟـــﺷرﻋﯾﺔ اﻟﺗـــﻰ ﯾﺗوﺻـــل إﻟﯾﻬـــﺎ أﻫـــل
اﻻﺟﺗﻬـــﺎد إذا واﻓﻘـــت اﻟـــﺻواب ﻓﻬـــﻰ ﻣـــن ﻗﺑﯾـــل ﻫـــذا اﻟﺗـــﺷرﯾﻊ ،ﻷن
اﻟﻣﺟﺗﻬـــد ﻻ ﯾﻧـــﺷﺊ اﻷﺣﻛـــﺎم ٕواﻧﻣـــﺎ ﯾظﻬرﻫـــﺎ ﻓﻘـــط ٕ ،واذا ﺑﻌـــدت ﻋـــن
اﻟﺻواب ﻓﻬﻰ ﻓﻰ ﺧﺎرﺟﻪ ﻋﻧﻪ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻧﺳب إﻟﻰ اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻷ ﻧـﻪ ﺑـﺷر
)(٢
وﻫو ﻣﻌرض ﻟﻠﺧطﺄ ﺑﺣﻛم ﺑﺷرﯾﺗﻪ .
واﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻰ ﺑﻬــذﻩ اﻟﺧﺎﺻــﯾﺔ ﯾﺧﺗﻠــف اﺧﺗﻼﻓــﺎ ﺟوﻫرﯾــﺎ
ﻋن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻘواﻧﯾن اﻟوﺿﻌﯾﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻣن ﺻﻧﻊ اﻟﺑﺷر .وﻗد ﺗرﺗب ﻋﻠﻰ
ﻫذا اﻻﺧﺗﻼف ﻧﺗﺎﺋﺞ ﻣﺗﻌددة أﻫﻣﺎ :
١ـ أن ﻣﺑــﺎدئ اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻰ ﺧﺎﻟﯾـﺔ ﻣــن ﻣﻌـﺎﻧﻰ اﻟﺟـور واﻟظﻠــم
واﻟﻧﻘص واﻟﻬوى ،ﻷﻧﻬﺎ ﺻﺎدرة ﻣﻣن ﻟﻪ اﻟﻛﻣﺎل اﻟﻣطﻠق ،وﻫو اﻟﺣق
ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻣﺎ ﯾﺻدر ﻋن اﻟﻛﺎﻣل ﻓﻰ أوﺻﺎﻓﻪ ﯾﻛون ﻛﺎﻣﻼً ﻓﻰ
ﻋداﻟﺔ أﺣﻛﺎﻣﻪ وﺻواﺑﻬﺎ ،ﺑﺧﻼف اﻟﻘواﻧﯾن اﻟوﺿﻌﯾﺔ ﻓﻬﻰ ﺻﺎدرة ﻋن
اﻹﻧﺳﺎن ،وﻫو ﺑطﺑﻌﻪ ﻣﺟﺑول ﻋﻠﻰ ﺣب ذاﺗﻪ ،واﻻﻧﻔراد ﺑﻣﺻﺎﻟﺣﻪ ،
ﺛــم ﻫــو ﻣﺣﺗــﺎج إﻟــﻰ ﻏﯾــرﻩ ﻣــن ﺑﻧــﻰ ﺟﻧــﺳﻪ وأﻧــﻰ ﻟﻣﺣﺗــﺎج أن ﯾــﺿﻊ
ﺗــﺷرﯾﻌﺎ ﯾــﺄﺗﻰ ﻋﻠــﻰ ﺧــﻼف ﻫ ـواﻩ أو ﯾــﺻﺎدم ﻣــﺻﺎﻟﺣﻪ اﻟﺧﺎﺻــﺔ ،ﻟ ـذا
ﻛﺎن ﻣـﺎ ﯾـﺻدر ﻋـن اﻹﻧـﺳﺎن ﻣـن ﻗـواﻧﯾن ﻻ ﯾﺧﻠـو ﻣـن ﻣﻌـﺎﻧﻰ اﻟﺟﻬـل
واﻟﻘــﺻور واﻟظﻠــم واﻟﻬــوى ،ﺛــم ﻫــو ﻻ ﯾﺣــﯾط ﻋﻠﻣــﺎ ﺑﻛﺎﻓــﺔ اﻟﺣﺎﺟــﺎت
اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻓﺗﺷرﯾﻌﻪ إن أﻓﺎد ﻧﻔﻌﺎ ﻟطﺎﺋﻔﺔ أﺻﺎب طﺎﺋﻔﺔ أﺧرى ﺑﺎﻟﺿرر .
أﻣــﺎ اﻟﺣــق ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻓﺈﻧــﻪ ﯾــﺷرع وﻫــو ﻋــﺎﻟم ﺑﺣﺎﺟــﺎت
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٦٧
) (٢اﻟﻣدﺧل ﻟدراﺳﺔ اﻟﻔﻘﻪ أ.د /أﻧور دﺑور ص . ١٦
ـ ٥٥ـ
ﺧﻠﻘــﻪ ﺟﻣﯾﻌــﺎ ،وﻟــﯾس ﻟــﻪ ﻣــﺻﻠﺣﺔ ذاﺗﯾــﺔ ﻓــﻰ ﻫــذا اﻟﺗــﺷرﯾﻊ ﻓﻬــو ﻻ
ﺗﻧﻔﻌــﻪ طﺎﻋــﺔ اﻟطــﺎﺋﻌﯾن ،وﻻ ﺗــﺿرﻩ ﻣﻌــﺻﯾﺔ اﻟﻌﺎﺻــﯾن ٕ ،واﻧﻣــﺎ اﻟﻧﻔــﻊ
واﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﺗﻌود ﻋﻠـﻰ ﺧﻠﻘـﻪ ،ﻓﺎﻹﻟـﻪ اﻟﻣوﺻـوف ﺑﻬـذا اﻟوﺻـف ﯾـﺄﺗﻰ
ﺗﺷرﯾﻌﻪ ﻣﺣﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﻌﺗرﯾﻪ ﻧﻘص وﻻ ﯾﺗﺳرب إﻟﻰ أﺣﻛﺎﻣﻪ ﺧﻠل .
وﻫذﻩ ﺻورة ﺗﺣﻛﯾﻬﺎ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﺗﻧﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺻدق ﻣﺎ أﻟﻣﺣﻧﺎ إﻟﯾﻪ :
ﺟﺎءت اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﻣﺑدأ اﻟﻣﺳﺎواة ﺑﯾن اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻌﺎ ،
دون أى ﺗﻔرﻗــﺔ ﻋﻧـــﺻرﯾﺔ ﺑــﯾن أﺟﻧﺎﺳـــﻬم ،ودون اﻋﺗﺑــﺎر ﻟﻼﺧـــﺗﻼف
ﺑﯾﻧﻬم ﻓﻰ اﻟﻠون أو اﻟﻠﻐﺔ ،وأﻧﻪ ﻻ ﻓﺿل ﻷﺣد ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻩ إﻻ ﺑـﺎﻟﺗﻘوى
واﻟﻌﻣل اﻟﺻﺎﻟﺢ ،ﺣﯾث ﻗﺎل اﻟﺣق ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾـﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟﻧـﺎس
أﻧـــﺎ ﺧﻠﻘﻧـــﺎﻛم ﻣـــن ذﻛـــر وأﻧﺛـــﻰ وﺟﻌﻠﻧـــﺎﻛم ﺷـــﻌوﺑﺎ وﻗﺑﺎﺋـــل ﻟﺗﻌـــﺎرﻓوا إن
أﻛرﻣﻛم ﻋﻧد اﷲ أﺗﻘﺎﻛم " .وﺑﻣﻘﺗﺿﻰ ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ اﻟﻣﺑﺎرﻛﺔ ﺻﺎر اﻟﻧﺎس
ﺳـواء أﻣـﺎم اﻟﻘـﺎﻧون اﻹﻟﻬـﻰ ،ﺣﺗـﻰ ان اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
وﺳﻠم ﻗد رﻓض اﻟﺷﻔﺎﻋﺔ ﻓﻰ إﺳﻘﺎط اﻟﺣد ﻋن اﻣرأة ﻣن ﺑﻧﻰ ﻣﺧـزوم
ﺳرﻗت وأﻋﻠن ﻣﻘﺎﻟﺗﻪ اﻟﺷﻬﯾرة } :وأﯾم اﷲ ﻟـو أن ﻓﺎطﻣـﺔ ﺑﻧـت ﻣﺣﻣـد
ﺳرﻗت ﻟﻘطﻌت ﯾـدﻫﺎ{ .وﺑـﯾن ﺳـﺑب ﻫـﻼك اﻷﻣـﺔ وﻓـﺳﺎد اﻟﻣﺟﺗﻣﻌـﺎت ،
ﻓﻘــﺎل } :إﻧﻣـــﺎ أﻫﻠـــك اﻟـــذﯾن ﻣـــن ﻗــﺑﻠﻛم أﻧﻬـــم ﻛـــﺎﻧوا إذا ﺳـــرق ﻓـــﯾﻬم
اﻟﺷرﯾف ﺗرﻛوﻩ ٕواذا ﺳرق ﻓﯾﻬم اﻟﺿﻌﯾف أﻗﺎﻣوا ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺣد { .
٢ـ واﻟﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﻣﺗرﺗﺑـﺔ ﻋﻠـﻰ أن اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻰ ﻣـن ﺻـﻧﻊ
اﷲ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ واﻟﺗـــﺷرﯾﻊ اﻟوﺿـــﻌﻰ ﻣـــن ﺻـــﻧﻊ اﻟﺑـــﺷر :ﻫـــو أن أﺣﻛـــﺎم
اﻟــﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻟﻬــﺎ ﻫﯾﺑــﺔ واﺣﺗـرام ﻓــﻰ ﻧﻔــوس اﻟﻣﺧــﺎطﺑﯾن ﺑﻬــﺎ ،
ﻷﻧﻬﺎ ﺻﺎدرة ﻣن إﻟـﻪ ﯾﻌﻠـم ظـﺎﻫر اﻹﻧـﺳﺎن وﺑﺎطﻧـﻪ ،وﯾﺛﯾـب اﻹﻧـﺳﺎن
ـ ٥٦ـ
وﯾﻌﺎﻗﺑﻪ ﻋﻠﻰ أﻋﻣﺎل اﻟﺟوارح وأﻋﻣﺎل اﻟﻘﻠوب ،ﻓـﻼ إﻓـﻼت ﻣـن رﻗﺎﺑﺗـﻪ
،ﻟــذا ﻓــﺎﻟﻣؤﻣن ﺑﻬــﺎ ﯾــﺄﺗﻰ ﺑﺄﺣﻛﺎﻣﻬــﺎ ﻋــن طواﻋﯾــﺔ واﺧﺗﯾــﺎر ،ﻻ ﻋــن
ﻗﺳر أو إﺟﺑﺎر .
ﻋﻠـــﻰ ﻋﻛـــس اﻟﻘـــواﻧﯾن اﻟوﺿـــﻌﯾﺔ ﻓﺈﻧﻬـــﺎ ﻻ ﺗﺑﻠـــﻎ ﻫـــذا اﻟﻣـــدى ،ﻷن
ﻣـﺷرﻋﻬﺎ ﻻ ﯾﻌﻠـم اﻟﺑـﺎطن ،وﻣـن ﺛـم ﻓـﺈن أﺣﻛﺎﻣﻬـﺎ ﻻ ﺗﺗﻣﺗـﻊ ﺑــﺎﻻﺣﺗرام
واﻟﻬﯾﺑﺔ ،ﺑل إن اﻟﻧﻔوس ﺗﺟرأ ﻋﻠﻰ ﻣﺧﺎﻟﻔﺗﻬﺎ ﻛﻠﻣﺎ اﺳﺗطﺎﻋت اﻹﻓﻼت
)(١
ﻣن رﻗﺎﺑﺔ اﻟﺳﻠطﺔ أو ﺣﻛم اﻟﻘﺿﺎء .
٣ـ ـ أن أﺣﻛــﺎم اﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻰ ﻻ ﺗﺗﻐﯾــر وﻻ ﺗﺗﺑــدل وﻫــﻰ ﺻــﺎﻟﺣﺔ
ﻟﻠﺗطﺑﯾق ﻓﻰ ﺳـﺎﺋر اﻷزﻣـﺎن ،ﻷﻧﻬـﺎ ﻣـن ﺻـﻧﻊ اﻟﻌﻠـﯾم اﻟﺧﺑﯾـر .اﻟـذى
ﯾﻌﻠــم ﻣــﺎ ﯾــﺻﻠﺢ اﻹﻧــﺳﺎن وﻣــﺎ ﯾــﺿرﻩ ،وﯾﻌﻠــم ﻣ ـﺳﺗﻘﺑل اﻷﯾــﺎم ،ﻓﻬــو
ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻟــﻪ اﻟﻌﻠــم اﻟﻣطﻠــق ،ﻓﻧﺎﺳــب ﺗــﺷرﯾﻌﻪ اﻟﺛﺑــﺎت وﻋــدم
اﻟﺗﻐﯾﯾر ،أﻣﺎ اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻟوﺿـﻌﻰ ﻓﻬـو ﻓـﻰ ﺗﻐﯾـر ﻣـﺳﺗﻣر ،ﻟﻌـدم وﻓﺎﺋـﻪ
ﺑﺎﻷﻫداف اﻟﺗﻰ ﺷرع ﻷﺟﻠﻬﺎ ،وﻷن واﺿﻌﻪ ﻻ ﯾﻌﻠم اﻟﻣـﺳﺗﻘﺑل ،ﻓﻛـﺎن
ﻻﺑــد ﻣــن اﻟﺗﻐﯾﯾــر ﻛﻠﻣــﺎ ﺟــدت اﻟﺣﺎﺟــﺔ إﻟﯾــﻪ ،وﻓرﺿــت اﻷﺣــداث ﻫــذا
)(٢
اﻟﺣﻛم ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر وﺟودﻫﺎ ﺑﻌد اﻟﻌدم .
) (١اﻟﻣدﺧل ﻟزﯾدان ص . ٤٢ ، ٤١
) (٢اﻟﻣدﺧل أ.د /أﻧور ﻣﺣﻣود دﺑور ص . ١٨
ـ ٥٧ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ
ﺍﳉﺰﺍء ﻓﻰ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ ﺩﻧﻴﻮﻯ ﻭﺃﺧﺮﻭﻯ
ﯾﺧﺗص اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺑﻬذﻩ اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﺗﻰ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﻬﺎ ﻋن
اﻟﻘ ـواﻧﯾن اﻟوﺿــﻌﯾﺔ وﻫــو أن اﻟﺟ ـزاء ﻋﻠــﻰ أﺣﻛﺎﻣــﻪ دﻧﯾــوى وأﺧــروى ،
ﻓــﺎﻟﺛواب واﻟﻌﻘــﺎب ﻋﻠــﻰ اﻷﻓﻌــﺎل اﻟﺗــﻰ ﯾﺄﺗﯾﻬــﺎ اﻹﻧــﺳﺎن ﯾﻛــون ﻓــﻰ ﻫــذﻩ
اﻟﺣﯾﺎة اﻟدﻧﯾﺎ وﻓﻰ اﻵﺧرة ،ﺑل إن اﻟﺟزاء اﻷﺧـروى أﻋظـم ﻣـن اﻟﺟـزاء
اﻟدﻧﯾوى ،ﻷﻧﻬﺎ ﺣﯾﺎة أﺑدﯾﺔ ﻻ ﻓﻧﺎء ﺑﻌدﻫﺎ ،وﻧﻌﯾم داﺋـم ﻣﻘـﯾم ﻻ زوال
ﻟــﻪ ،وﻣــن أﺟــل ذﻟــك ﯾــﺷﻌر اﻟﻣــؤﻣن ﺑـوازع ﻣــن داﺧﻠــﻪ ﻋﻠــﻰ ﺿــرورة
اﻟﻌﻣل ﺑﺄﺣﻛﺎﻣﻪ ،واﺗﺑﺎع أواﻣرﻩ ،واﺟﺗﻧـﺎب ﻧواﻫﯾـﻪ ،ﻓـﻰ ظـل اﻟﺧـﺷﯾﺔ
واﻟﺧـــوف ﻣـــن اﷲ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ،اﻟـــذى ﻻ ﯾـــﺳﺗطﯾﻊ اﻹﻧـــﺳﺎن اﻹﻓـــﻼت ﻣـــن
رﻗﺎﺑﺗــﻪ ﻓﻠــو اﺳــﺗطﺎع اﻹﻧــﺳﺎن أن ﯾﻔﻠــت ﻣــن اﻟﻌﻘــﺎب اﻟــدﻧﯾوى ،ﻓــﻼ
ﯾﻣﻛﻧﻪ اﻹﻓﻼت ﻣن ﻋذاب اﻵﺧرة .
وﯾﻼﺣظ أن اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻣطﻠوب ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻣن اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻰ ظـل ﻫـذا
اﻟﺗﺷرﯾﻊ ﺗﺗﻧوع إﻟﻰ ﻧوﻋﯾن :
ب ـ أﻋﻣﺎل اﻟﻘﻠوب . أ ـ أﻋﻣﺎل اﻟﺟوارح .
ـ ﻓﺄﻋﻣﺎل اﻟﺟوارح ﻫﻰ اﻟﺗﻰ ﯾﻣﻛن ﻟﻠﻧﺎس اﻻطـﻼع ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،وﻟـذا وﺿـﻊ
ﻟﻬﺎ اﻟﺣق ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻘوﺑﺎت دﻧﯾوﯾـﺔ ،ووﻛـل أﻣـر ﺗﻧﻔﯾـذﻫﺎ إﻟـﻰ
وﻻة اﻷﻣور ،ﻓﻣن ﺳرق ﺗﻘطﻊ ﯾدﻩ ،وﻣن ﻗﺗل ﯾﻘﺗل ،وﻣن زﻧﺎ ﯾﺟﻠد
أو ﯾرﺟم ﺣﺳب ﺣﺎﻟﻪ .
ــ أﻣــﺎ أﻋﻣــﺎل اﻟﻘﻠــوب :وﻫــﻰ اﻟﺗــﻰ ﻻ ﯾﻣﻛـن ﻟﻠﻧــﺎس اﻻطــﻼع ﻋﻠﯾﻬــﺎ ،
وﯾﺧــﺗص ﺑﻌﻠﻣﻬــﺎ اﻟﺧــﺎﻟق ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ ،ﻓﻣﺧﺎﻟﻔﺗﻬــﺎ ﻟﻬــﺎ ﻋﻘوﺑــﺔ
ـ ٥٨ـ
أﺧروﯾــﺔ ،وﻗــد ﯾﻘﺗــرن اﻟوﻋﯾــد اﻷﺧــروى ﺑﺎﻟﻌﻘــﺎب اﻟــدﻧﯾوى ،ﻛﻣــﺎ ﻫــو
واﺿﺢ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻌﻘوﺑﺔ ﻗطﺎع اﻟطرﯾـق واﻟﻣﺣـﺎرﺑﯾن ،ﻓﻘـد ورد ﻋﻘـﺎﺑﻬم
ﻓﻰ ﻗوﻟﻪ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ " :إﻧﻣـﺎ ﺟـزاء اﻟـذﯾن ﯾﺣـﺎرﺑون اﷲ ورﺳـوﻟﻪ
وﯾــﺳﻌون ﻓــﻰ اﻷرض ﻓــﺳﺎدا أن ﯾﻘﺗﻠــوا أو ﯾــﺻﻠﺑوا أو ﺗﻘطــﻊ أﯾــدﯾﻬم
وأرﺟﻠﻬــم ﻣــن ﺧ ﻼف أو ﯾﻧﻔ ـوا ﻣــن اﻷرض ذﻟــك ﻟﻬــم ﺧــزى ﻓــﻰ اﻟــدﻧﯾﺎ
)(١
وﻟﻬم ﻓﻰ اﻵﺧرة ﻋذاب ﻋظﯾم " .
واﻟﻘ ـواﻧﯾن اﻟوﺿــﻌﯾﺔ ﻻ ﺗﺗﻣﺗــﻊ ﺑﻬــذﻩ اﻟﺧﺎﺻــﯾﺔ ﻓــﺄﻧﻰ ﻟﺑــﺷر أن
ﯾطﻠــﻊ ﻋﻠــﻰ ﻗﻠــوب اﻟﻌــﺎﻟﻣﯾن ،وﻣــن أﯾــن ﯾﺣﻘــق وﻋــد اﻵﺧــرة اﻟﺗ ـﻰ ﻻ
ـﯾﺋﺎ ،ووﺳــﯾﻠﺗﻪ ﻓــﻰ ﻓــرض أﺣﻛﺎﻣــﻪ ﻗﻬــو اﻟﻧــﺎس ﻋﻠــﻰ
ﯾﻣﻠــك ﻓﯾﻬــﺎ ﺷـ ً
ﻗﺑوﻟﻬـﺎ ﻛﻣــﺎ ﯾﺗــﺿﺢ ﻣـن ﺗﻌرﯾــف اﻟﻘــﺎﻧون ﻓﻘـد ﻋرﻓــوﻩ ﺑﺄﻧــﻪ :ﻣﺟﻣوﻋــﺔ
اﻟﻘواﻋــد اﻟﺗــﻰ ﺗــﻧظم اﻟــرواﺑط اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ واﻟﺗــﻰ ﺗﻘــﺳر اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻧــﺎس
ﻋﻠﻰ اﺗﺑﺎﻋﻬﺎ وﻟو ﺑﺎﻟﻘوة ﻋﻧد اﻻﻗﺗﺿﺎء .
ﻓﻬذا اﻟﺗﻌرﯾف ﯾﻔﯾد أن ﺧﺻﺎﺋص اﻟﻘﺎﻧون أﻣور ﺛﻼﺛﺔ :
٢ـ ﺗﻧظﯾم اﻟرواﺑط اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ . ١ـ اﻟﻘﺎﻋدة .
٣ـ اﻟﺟزاء ﻋﻠﻰ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ أﺣﻛﺎﻣﻪ .
وﻣن اﻟﺑدﯾﻬﻰ أن اﻟﺟزاء ﻓﯾﻪ دﻧﯾوى ﻓﻘط ﻷن واﺿـﻊ اﻟﻘـﺎﻧون ـ
ﺷﯾﺋﺎ ،وﻫذا ﻫو اﻟﺳﺑب ﻓﻰ اﻧﺗﺷﺎر
ﻛﻣﺎ ﻗﻠﻧﺎ ـ ﻻ ﯾﻣﻠك ﻣن أﻣر اﻵﺧرة ً
)(٢
اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺟراﺋم ﻓﻰ ظﻠﻪ ﻹﻣﻛﺎن اﻹﻓﻼت ﻣن ﺟزاﺋﻪ .
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋﺔ ـ اﻵﯾﺔ . ٣٣
) (٢اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ د /ﺑدران أﺑو اﻟﻌﯾﻧﯾن ص . ٢٣٨ ، ٢٣٧
ـ ٥٩ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺍﻷﺻــﺎﻟﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘـﻘﻼﻝ
ﻣن ﺧﺻﺎﺋص اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻰ أﺻـﺎﻟﺗﻪ ،وﺻـدور أﺣﻛﺎﻣـﻪ
ﻋن اﻟوﺣﻰ اﻹﻟﻬـﻰ اﻟﻣﺗﻣﺛـل ﻓـﻰ اﻟﻛﺗـﺎب واﻟـﺳﻧﺔ ،دون أن ﯾﺗـﺄﺛر ﻓـﻰ
ذﻟك ﺑﻘﺎﻧون أو ﻣﻧطق ﻏرﯾب ﻋﻧﻪ .
وﻟﻘــــد ادﻋــــﻰ ﺑﻌــــض اﻟﻣﺳﺗــــﺷرﻗﯾن واﻟﺣﺎﻗــــدﯾن ،أن اﻟﻔﻘﻬــــﺎء
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻗد اﻋﺗﻣدوا ﻓﻰ ﺗطوﯾر اﻟﻔﻘـﻪ اﻹﺳـﻼﻣﻰ ﻋﻠـﻰ ﻧظـم اﻟﻘـﺎﻧون
ﻣطﺑﻘـــﺎ ﻓـــﻰ ﺑﻌـــض اﻟوﻻﯾـــﺎت اﻟﺗﺎﺑﻌـــﺔ ﻟﻠدوﻟـــﺔ
ً اﻟروﻣـــﺎﻧﻰ اﻟـــذى ﻛـــﺎن
اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺷرﻗﯾﺔ واﻟﺗﻰ ﻓﺗﺣﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻛﺎﻟﺷﺎم واﻟﻌراق .
وﻗد ﻏﺎﻟﻰ ﺑﻌﺿﻬم أﻣﺛﺎل " ﺟوﻟد زﯾﻬﯾـر " و " ﺳـﺎﻧﺗﻼﻧﺎ " ﻓﻘـﺎل
:إن اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ﻣﺻدر ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ ،وادﻋـﻰ
اﻟﻣﺳﺗﺷرق اﻻﻧﺟﻠﯾزى " أﯾﻣوس " ﻓزﻋم أن اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﯾﺳت
ﻓﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻻ ﺻورة ﻣن اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ اﻟﻣطﻠﺑق ﻓﻰ اﻟﺷرق ﻣﻊ
إدﺧﺎل ﺑﻌض اﻟﺗﻌدﯾﻼت ﻋﻠﯾﻪ .
وﻗــﺎل آﺧــرون " أﻗ ـواﻻ ﻣﻣﺎﺛﻠــﺔ ﻟﻬــذﻩ ﯾرﯾــدون ﺑﻬــﺎ أن ﯾــﺻﻔوا
اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺎﻟﺗﺑﻌﯾﺔ ﻟﻐﯾرﻫم ،وﯾﺗﻬﻣوﻫم ﺑﺎﻟﺟﻬل واﻟﻘﺻور .
وﻛﺑـــرت ﻛﻠﻣـــﺔ ﺗﺧـــرج ﻣـــن أﻓـــواﻩ ﻣـــن ﻋﻣـــﻰ ﺑـــﺻرﻩ ﻋـــن ﻧـــور
اﻟﺷرﯾﻌﺔ واﻧطﻣﺳت ﺑﺻﯾرﺗﻪ ﻋن ﺗﻌرف أﺣﻛﺎﻣﻬﺎ .
وﻗــد اﺳــﺗﻧد ﻫــؤﻻء اﻟﺣﺎﻗــدون إﻟــﻰ ﺗﺄﯾﯾــد رأﯾﻬــم ﺑــﺷﺑﻪ ﯾﻧﻘــﺻﻬﺎ
ﺷﯾﺋﺎ .
اﻟﺑرﻫﺎن ،وﻻ ﺗﺗﺄﯾد إﻻ ﺑظﻧون ﻣن اﻷوﻫﺎم ﻻ ﺗﻐﻧﻰ ﻣن اﻟﺣق ً
وﻟﻧﺑﯾن ﻟـك ﺑﻌـض ﻣـﺎ اﺳـﺗﻧدوا إﻟﯾـﻪ ﻣـن ﺷـﺑﻪ ،ﺛـم ﻧﻘـوم ﺑـﺎﻟرد
ـ ٦٠ـ
ﻋﻠﯾﻬﺎ :
ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺍﻷﻭﱃ :ـ
ﻗﺎﻟوا :أن اﻟﻧﺑﻰ ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻛﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﻌرﻓﺔ
واﺳـــﻌﺔ ﺑﺎﻟﻘـــﺎﻧون اﻟروﻣـــﺎﻧﻰ اﻟﺑﯾزﻧطـــﻰ ﻓـــﻰ اﻻﻣﺑراطورﯾـــﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾـــﺔ
اﻟــﺷرﻗﯾﺔ وﻋــن طرﯾــق ﻫــذﻩ اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﺗــﺳرﺑت ﻗواﻋــد ﻫــذا اﻟﻘــﺎﻧون إﻟــﻰ
اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ .
ﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ :ـ
وﻫذا زﻋم ﻻ أﺳﺎس ﻟﻪ ﻣن اﻟﺣﻘﯾﻘـﺔ ،واﻟواﻗـﻊ ﯾﻧﻘـﺿﻪ وﯾﻛذﺑـﻪ
،ﻷن ﻣــن اﻟﻣﻌــروف ﻟﻠﺟﻣﯾــﻊ ،واﻟﺛﺎﺑــت اﻟﻣــﺳﺗﻘر ﻓــﻰ اﻷذﻫــﺎن ،أن
اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ وﻟد ﻓﻰ ﺑﯾت ﻋرﺑﻰ أﺻﯾل ،وﻛﺎن
ﻣوﻟدﻩ ﺑﻣﻛﺔ ،وﻫﻰ ﺑﻠد ﻋرﺑﻰ أﺻـﯾل ﻻ أﺛـر ﻓﯾـﻪ ﻟﻠﺗﻘﺎﻟﯾـد اﻟروﻣﺎﻧﯾـﺔ ،
وﻻ اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ،وﻻ ﯾوﺟد ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﯾﻌرف ﻫذا اﻟﻘﺎﻧون .
ﻛﻣـﺎ أن اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻟـم ﯾﻐـﺎدر ﻣﻛـﺔ إﻟـﻰ ﺧـﺎرج
اﻟﺟزﯾرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ إﻻ ﻣرﺗﯾن ﻗﺑل اﻟﺑﻌﺛﺔ :
وﻫـو اﺑـن اﺛﻧﺗـﻰ ﻋـﺷرة ﺳـﻧﺔ ،وﻗﯾـل اﺑـن ﺗـﺳﻊ ﺳــﻧﯾن
ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺧرج ﺑﻪ ﻋﻣﻪ أﺑو طﺎﻟب إﻟﻰ اﻟﺷﺎم ﻓﻰ ﺗﺟﺎرة ﻓﺑﻠﻎ ﺑﻪ ﺑﺻرى .
ﺧروﺟﻪ إﻟـﻰ اﻟـﺷﺎم ﻓـﻰ ﺗﺟـﺎرة ﻟﻠـﺳﯾدة ﺧدﯾﺟـﺔ ﺑﻧـت
ﺧوﯾﻠـد ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬـﺎ ـ وﻛـﺎن ﻣﻌـﻪ ﻏﻼﻣﻬـﺎ ﻣﯾـﺳرة ،وﻛﺎﻧـت ﺳـﻧﻪ
ـﺳﺎ وﻋــﺷرﯾن ﺳــﻧﺔ ،وﻗــد وﺻــل اﻟﻧﺑــﻰ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ
آﻧــذاك ﺧﻣـ ً
وﺳﻠم ـ ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣرﺣﻠﺔ إﻟﻰ ﺑﺻرى ،وﻣﻘﺎﻣﻪ ﺑﻬﺎ ﻟم ﯾطل ،ﻓﻣﺎ ﻟﺑث
ﻓﯾﻬﺎ إﻻ ﻗﻠﯾﻼً ﺣﺗﻰ رﺟﻊ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ﻣوطﻧﻪ اﻷﺻـﻠﻰ ،وﻛـﺎن رﻓﻘـﺎؤﻩ ﻓـﻰ
ـ ٦١ـ
ﻫذﻩ اﻟرﺣﻠﺔ ﻋرب ُﺧﻠـص ﻻ ﻣﻌرﻓـﺔ ﻟﻬـم ﺑﺎﻟﻘـﺎﻧون اﻟروﻣـﺎﻧﻰ ،ﻛﻣـﺎ ﻟـم
أﺣدا ﻣن ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻘـﺎﻧون اﻟروﻣـﺎﻧﻰ أو اﻟﻌـﺎرﻓﯾن ﺑـﻪ
ﯾﺧﺎﻟط ﻓﻰ ﺑﺻرى ً
،وﻟــم ﯾﻛــن ﻫﻧــﺎك أى ﺳــﺑب ﯾــدﻋو ﺣﻛــﺎم اﻟدوﻟــﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾــﺔ أو أﺣــد
ﻓﻘﻬﺎﺋﻬــﺎ ﻟﺗﻌﻠــﯾم اﻟﻧﺑــﻰ ﻣﺣﻣــد ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ ﻗﺑــل اﻟﺑﻌﺛــﺔ
ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ﻓﻰ ﻣدة ﻣﻛﺛﻪ ﻓﻰ ﺑﺻرى .
ﺛم إﻧﻪ ﻣن اﻟﻣﺳﺗﺑﻌد ﻏﯾـر اﻟﻣﺗـﺻور اطـﻼع اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
ﻣﻛﺗوﺑﺎ ﻷﻧﻪ أﻣـﻰ ﻻ ﯾﻌـرف اﻟﻘـراءة وﻻ
ً وﺳﻠم ـ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ
اﻟﻛﺗﺎﺑﺔ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻣﺎ ﻛﻧت ﺗﺗﻠو ﻣـن ﻗﺑﻠـﻪ ﻣـن ﻛﺗـﺎب وﻻ ﺗﺧطـﻪ
)(١
ﺑﯾﻣﯾﻧك إذا ﻻرﺗﺎب اﻟﻣﺑطﻠون " .
ﺛــم إن اﻟــﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗــﻰ أﺗــﻰ ﺑﻬــﺎ اﻟﻧﺑــﻰ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم وﺣــﻰ ﻣــن ﻋﻧــد اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،ﻓﻣــن اﻻﺳــﺗﺣﺎﻟﺔ أن ﯾﺧــﺗﻠط
ﺑﻬذا اﻟوﺣﻰ ﺷﺊ ﻣن اﻟﻘـﺎﻧون اﻟروﻣـﺎﻧﻰ ،أو ﻏﯾـرﻩ ﺳـﻬوا وﻻ ﻋﻣـدا ،
ﻛﯾـف وﻫـو اﻟرﺳـول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ اﻟﻣـؤﺗﻣن اﻷﻣـﯾن اﻟـذى
أﺧﺑــرﻩ رﺑــﻪ ﺑﺣﻔــظ ﺷــرﯾﻌﺗﻪ ﻋــن اﻟﺗﻐﯾﯾــر واﻟﺗﺑــدﯾل ،ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :إﻧــﺎ
ﻧﺣن ﻧزﻟﻧﺎ اﻟذﻛر ٕواﻧﺎ ﻟﻪ ﻟﺣﺎﻓظون " .
وﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻋــن ﻧﺑﯾــﻪ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم " :وﻟــو ﺗﻘــول
ﻋﻠﯾﻧﺎ ﺑﻌض اﻷﻗﺎوﯾل ﻷﺧذﻧﺎ ﻣﻧﻪ ﺑﺎﻟﯾﻣﯾن ﺛم ﻟﻘطﻌﻧﺎ ﻣﻧﻪ اﻟوﺗﯾن "
ﻓﻣﺎذا ﯾﺑﻘﻰ ﺑﻌد اﻟﺣق إﻻ اﻟﺿﻼل اﻟﻣﺑﯾن .
ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ـ
ﻗـــﺎﻟوا :إﻧـــﻪ ﺑﺎﻟﻣوازﻧـــﺔ ﺑـــﯾن ﺑﻌـــض ﻣﺑﺎﺣـــث اﻟﻔﻘـــﻪ اﻹﺳـــﻼﻣﻰ
) (١ﺳورة اﻟﻌﻧﻛﺑوت ـ اﻵﯾﺔ . ٤٨
ـ ٦٢ـ
وﺑﻌض ﻣﺑﺎﺣث اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ،ﯾوﺟد ﺗﻣﺎﺛل وﺗﺷﺎﺑﻪ ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ ،ﺑـل
ﻫﻧﺎك ﻗواﻋد ﻧﻘﻠت ﺑﻧﺻﻬﺎ ﻣن اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ إﻟﻰ اﻟﻔﻘـﻪ اﻹﺳـﻼﻣﻰ
ﻣﺛل :اﻟﺑﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻣن ادﻋﻰ ،واﻟﯾﻣﯾن ﻋﻠﻰ ﻣن أﻧﻛر .
ﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ :ـ
ودﻟﯾﻠﻬم ﻫذا زﻋم ﺑﺎطل ،ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ظـن ﻓﺎﺿـﺢ ﻻ ﻋﻠـﻰ ﯾﻘـﯾن
راﺟــﺢ ﻷن اﻟﺗــﺷﺎﺑﻪ ﺑــﯾن ﺑﻌــض اﻷﺣﻛــﺎم ﻓــﻰ اﻟﻘــﺎﻧوﻧﯾن ـ اﻟروﻣــﺎﻧﻰ
واﻹﺳـﻼﻣﻰ ـ ﻻ ﯾﻌـد دﻟـﯾﻼً ﻗﺎطﻌـﺎ ﻋﻠـﻰ أﺧـذ أﺣـدﻫﻣﺎ ﻋـن اﻵﺧـر ،ﺛـم
ﻛﯾــف ﯾﺗﻔـــق ﻟﻬــؤﻻء اﻟﻣﺳﺗـــﺷرﻗﯾن أن ﯾﻘوﻟــوا ﺑﻬـــذا اﻟــرأى ،وأﻣـــﺎﻣﻬم
اﻟﻛﺛـرة اﻟﻛﺛﯾـر ﻣـن ﺑﺣـوث اﻟﻔﻘــﻪ اﻹﺳـﻼﻣﻰ ﻻ أﺛـر ﻓﯾﻬـﺎ ﻟﻬـذا اﻻﺷــﺗﺑﺎﻩ
اﻟذى وﻗﻌوا ﻓﯾﻪ ٕ ،واﻻ ﻓﺄﯾن اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ﻣن ﻧظﺎم اﻟﻌﺑـﺎدات ﻓـﻰ
اﻟـــﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳـــﻼﻣﯾﺔ ،وأﯾـــن ﻫـــو ﻣـــن ﻧظـــﺎم اﻟـــزواج أو اﻟطـــﻼق أو
اﻟﻧﻔﻘﺎت أو اﻹرث أو ﺗﺷرﯾﻊ اﻟدﯾﺎت ،أو اﻟﻧظﺎم اﻟذى وﺿﻌﻪ اﻹﺳﻼم
ﻟﻐﯾر ﻣﻌﺗﻧﻘﯾﻪ ،أو ﻣﺎ ﻗررﻩ ﺑﺎﻟﻧـﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣـرأة ﻣـن اﻟواﺟﺑـﺎت واﻟﺣﻘـوق ،
أو ﺑﺎﻟﻧــﺳﺑﺔ ﻟﻸرﻗــﺎء وﺣــﺳن ﻣﻌــﺎﻣﻠﺗﻬم وطــرق ﺗﺣرﯾــرﻫم ﻓﻬــل .اﻟﻔﻘــﻪ
اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻓﻰ ﻛـل ذﻟـك ﯾﻌـد ﻧـﺎﻗﻼ ﻋـن اﻟﻘـﺎﻧون اﻟروﻣـﺎﻧﻰ ؟ ..أم ﻫـل
ﻣوﺟﺑــﺎ ﻟﻣــﺎ زﻋﻣــوﻩ ؟ ..
ً ﯾﺟــوز أن ﯾﻛــون اﻟﺗــﺷﺎﺑﻪ ﻓــﻰ ﺑﻌــض اﻷﺣﻛــﺎم
اﻟﻠﻬـــم ﻫـــذا ﺑﻬﺗـــﺎن ،ﻷﻧـــﺎ ﻧﻠـــزﻣﻬم ﺑﺈﺛﺑـــﺎت ﻣـــﺎ ﺧـــﺎﻟف ﻓﯾـــﻪ اﻟﺗـــﺷرﯾﻊ
اﻹﺳﻼﻣﻰ اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ،ﻣن أﯾن أﺗﻰ ؟ ..اﻟﻠﻬم إﻧﻪ اﻟﺣق ﻣن
ﻋﻧدك " ..ذﻟك اﻟدﯾن اﻟﻘﯾم " .
ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ :ـ
ﯾﻘــول اﻟﻣﺳﺗــﺷرق اﻷﻟﻣــﺎﻧﻰ " ﺑروﻛﻠﻣــﺎن " ﻓــﻰ ﻛﺗﺎﺑــﻪ :ﺗــﺎرﯾﺦ
ـ ٦٣ـ
اﻷدب اﻟﻌرﺑﻰ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗﻛﻠم ﻋﻠﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﻠـوم اﻟدﯾﻧﯾـﺔ واﻟﺗـﺷرﯾﻌﯾﺔ " ..
ﯾﻌﺗﺑر اﻹﺳﻼم دراﺳﺔ اﻟﻘﺎﻧون واﻟﺗﺷرﯾﻊ ﻣن اﻟﻌﻠـوم اﻟدﯾﻧﯾـﺔ وذﻟـك ﻷن
اﻷﺣﻛـﺎم ﻣـﺳﺗﻣدة ﻣــن اﻟﻘـرآن واﻷﺣﺎدﯾـث اﻟﻧﺑوﯾــﺔ ،وﻟﻣـﺎ ﻛﺎﻧـت اﻟﻣـواد
اﻟﻣــﺳﺗﻘﺎة ﻣــن ﻫــذﯾن اﻟﻣــوردﯾن ﻟــم ﺗــف ﺑﺣﺎﺟــﺔ اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﻌﻣﻠﯾــﺔ اﻟﺗــﻰ
ﻛﺎﻧت ﺗﺗﺷﻌب ﺑﺳرﻋﺔ وﺗﻌدد ﻧواﺣﯾﻬﺎ ،ﺑﺳﺑب ﻏزوات اﻟﻌرب وﻓﺗوﺣﻬم
اﻟﻛﺛﯾــرة ﻓــﻰ ﻣﻣﺎﻟ ـك ذات ﺣــﺿﺎرة ﻗدﯾﻣــﺔ ،ﻛــﺎن اﻟﻣﺗــﺷرﻋون اﻟﻘــدﻣﺎء
ﯾﻔﺻﻠون ﺑﻼ ﺗردد ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌرض ﻋﻠـﯾﻬم ﺑﻣـﺎ ﯾوﺣﯾـﻪ رأﯾﻬـم اﻟﺧـﺎص ﺑﻛـل
ﺷﺟﺎﻋﺔ ﻓﻛﺎﻧوا ﺑداﻫﺔ ﯾراﻋون اﻟﻘواﻋد واﻟﺗﻘﺎﻟﯾد اﻟﻣرﻋﯾﺔ ﻓﻰ ﺗﻠك اﻟﺑﻼد
)(١
اﻟﻐرﺑﯾﺔ وﺑذﻟك ﻧﻔذت إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ﺑﻌض ﻣﺑﺎدئ اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ .
ﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ :ـ
ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ " ﺑروﻛﻠﻣﺎن " ﻗد ﯾﺻدق ﺑﺎدئ اﻟرأى ﻟﻣن ﻻ اطﻼع ﻟـﻪ
ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻰ ،وﻣﻌرﻓﺗﻪ ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻰ اﻟﺑﺣث واﺳـﺗﻧﺑﺎط
اﻷﺣﻛﺎم ،ﻟﻛﻧﻪ ﯾﻧﺷط ﻟﻪ ﻣن ﻟﻪ دراﯾﺔ ﺑذﻟك ﻋﻧد اﻟﻧظرة اﻷوﻟـﻰ ﻓﻘوﻟـﻪ
:ﻫـــذا ﻻ ﯾﺳﺗـــﺳﺎغ إﻻ إذا ﻛـــﺎن اﻟﻣـــﺳﻠﻣون ﻓـــﻰ ﺣﺎﺟـــﺔ إﻟـــﻰ ﺗﻌـــرف
اﻷﺻــول واﻟﻣﺑــﺎدئ اﻟﺗــﻰ ﯾﺑﻧــون ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﺗــﺷرﯾﻌﻬم وﻣــﺎ ﺣــﺎﺟﺗﻬم إﻟــﻰ
أﺻـﻼ ﻣـن اﻷﺻـول اﻟـﺻﺎﻟﺣﺔ ،
ً ذﻟك؟ ..وﻛﺗﺎب اﷲ ـ ﺗﻌﺎﻟﻰ ـ ﻣـﺎ ﺗـرك
وﻻ ﻣﺑدأ ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﺳﺎﻣﯾﺔ إﻻ وﻗـد أﺗـﻰ ﺑـﻪ ،ﺛـم إن اﻟﻣطﻠـﻊ ﻋﻠـﻰ
ﻛﺗــب اﻟﻔﻘــﻪ اﻹﺳــﻼﻣﻰ وﺑﺧﺎﺻــﺔ ﻣــﺎ ﻋــرض ﻣﻧﻬــﺎ ﻟــذﻛر آراء اﻟﻔﻘﻬــﺎء
واﺧــــﺗﻼﻓﻬم ،وآراء اﻟــــﺻﺣﺎﺑﺔ وﻓﺗــــﺎوى اﻟﺗــــﺎﺑﻌﯾن ﻣــــﻊ ذﻛــــر أدﻟــــﺗﻬم
وﻧﻘﺎﺷﻬم وﻣﺻﺎدر ﺗﺷرﯾﻌﻬم ،واﻟﻣظﺎن اﻟﺗﻰ رﺟﻌوا إﻟﯾﻬﺎ ﻻ ﯾﺟد ذﻛـر
) (١اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ .ﺣﺳن أﺣﻣد اﻟﺧطﯾب ص ٢٧طﺑﻌﺔ ﻋﺎم ١٩٣٦م .
ـ ٦٤ـ
اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ﻓﯾﻬﺎ .
وﻣﻣﺎ ﻻ ﺟدال ﻓﯾﻪ أن ﻋﻠﻣـﺎء اﻟﻔﻘـﻪ ﻛـﺎن ﯾﺣـرص ﺑﻌـﺿﻬم ﻋﻠـﻰ دﻓـﻊ
آراء اﻟﻣﺧــﺎﻟﻔﯾن ﻟــﻪ وﻧﻘــﺿﻬﺎ وﻣﺣﺎوﻟــﺔ إﺛﺑــﺎت رأﯾــﻪ ،ﻓﻠــو أن ﺑﻌــﺿﻬم
اﺳﺗﻣد أراءﻩ ﻣن اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻰ ﻟﻛـﺎن ﻫﻧـﺎك ﻣﺟـﺎل واﺳـﻊ ﻟﺧـﺻﻣﻪ
ﻓﻰ ﻧﻘدﻩ واﻟطﻌن ﻋﻠﯾﻪ ،ﻟﻛن ذﻟك ﻟم ﯾﻛن .
ﺛــم إن اﻟﻣــؤرﺧﯾن اﻟــذﯾن ﻋﻧ ـوا ﺑــذﻛر ﻣــﺎ أﻓــﺎدﻩ اﻟﻌــرب اﻟﻣــﺳﻠﻣون ﻣــن
ﻏﯾرﻫم ﻣن اﻷﻣم اﻟﺗﻰ اﺧﺗﻠطوا ﺑﻬﺎ ﺣرﺻوا ﻋﻠﻰ ذﻛـر ﻣـﺎ أﺧـذﻩ اﻟﻌـرب
ﻋــن اﻟﻔــرس واﻟﻬﻧــد واﻟﯾوﻧــﺎن .وذﻛــروا اﻟﻌﻠــوم اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ اﻟﺗــﻰ ﻋﻧــﻰ
اﻟﺧﻠﻔﺎء واﻷﻓراد ﺑﺗرﺟﻣﺗﻬﺎ واﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣﻧﻬﺎ ﻣن اﻟطب واﻟﻔﻠـك واﻟﻧﺟـوم
وﻋﻠــوم اﻟﻔﻠــﺳﻔﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ،ﻓــﻰ ﺣــﯾن أﻧــﻪ ﻟــم ﯾــذﻛر واﺣــد ﻣــﻧﻬم أن
ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن أﺧذوا ﻣن اﻟروﻣﺎن ﻗﺎﻧوﻧﻬم وﻻ ﻧﻘﻠوا ﻋﻧﻬم ﻣﺑـﺎدﺋﻬم
،ﻓﻠـــو ﻛـــﺎن ذﻟـــك ﻟوﺻـــل إﻟﯾﻧـــﺎ ﻟﻛﻧـــﻪ ﻟـــم ﯾـــﺻل وﺑـــذﻟك ﯾﺑطـــل اﻟـــزﻋم
اﻟﻣدﻋﻰ.
ـ ٦٥ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
ﻣـﺮﺍﻋﺎﺓ ﺍﳌﺼـﻠﺤﺔ
ﻣن اﻟﻣﺑﺎدئ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻰ اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻣراﻋﺎة ﻣـﺻﺎﻟﺢ
اﻟﻌﺑـــﺎد ﻓﻛـــل ﺣﻛـــم ﻣـــن أﺣﻛﺎﻣـــﻪ اﻟدﯾﻧﯾـــﺔ واﻟدﻧﯾوﯾـــﺔ ﻓﯾـــﻪ ﺧﯾـــر اﻟﻔـــرد
واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ .وﻗد راﻋﻰ اﻟﻣﺷرع اﻹﺳـﻼﻣﻰ أن ﺗـﺳﺎﯾر أﺣﻛﺎﻣـﻪ ﻣـﺻﺎﻟﺢ
ﺟﻣﯾﻌﺎ ﻓﻰ ﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ ﺧﺎﺗم اﻟﺷراﺋﻊ اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ .
ً اﻟﻧﺎس
واﻟﻧﺎظر ﺑﻔﻬم وﻋﻣق ﻓﻰ اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻰ ،ﯾﺗﺑـﯾن ﻟـﻪ وﺟـﻪ
ﻫذﻩ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻓﻰ ﺟﻣﯾﻊ أﺣﻛﺎﻣﻪ ،ﺣﺗﻰ ﻓﻰ اﻷﻣور اﻟﺗﻰ ﺗﻌﺑـدﻧﺎ اﷲ ـ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ـ ﺑﻬﺎ وﻫﻰ ﻣﺎ ﻧﻌﺗﺑرﻫﺎ ﻋﺑﺎدات ﺧﺎﻟـﺻﺔ ﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ،ﻓﻘـد ﺷـرﻋﻬﺎ
ـﺷرﯾﻌﺎ ﻗوﯾﻣــﺎ ﯾــﺻل ﺑﺎﻹﻧــﺳﺎن إﻟــﻰ أﺷــرف اﻟﻐﺎﯾــﺎت وأرﻗــﻰ
اﻹﺳــﻼم ﺗـ ً
اﻟدرﺟﺎت ،ﻓﻬﻰ ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﻧﻘﯾﺔ اﻟﻣﻛﻠف ﻣـن ﻛـل ﻧﻘﯾـﺻﺔ ،وﺗﺣﻠﯾﺗـﻪ
ﺑﻛل ﻓﺿﯾﻠﺔ ،وﯾﻘوم ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺳﻠم ﺑـوازع ﻣـن داﺧﻠـﻪ اﻧﻘﯾـﺎدا ﻷواﻣـر اﷲ
ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،وﺗﻠﺑﯾــﺔ ﻟﺗﻛﻠﯾﻔــﻪ ،ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻣــﺎ أﻣــروا إﻻ ﻟﯾﻌﺑــدوا اﷲ
ﻣﺧﻠﺻﯾن ﻟـﻪ اﻟـدﯾن ﺣﻧﻔـﺎء وﯾﻘﯾﻣـوا اﻟـﺻﻼة وﯾؤﺗـوا اﻟزﻛـﺎة وذﻟـك دﯾـن
)(١
اﻟﻘﯾﻣﺔ " .
ـ ﻓﺎﻟﺣﻛﻣـــﺔ ﻣـــن ﻣـــﺷروﻋﯾﺔ اﻟـــﺻﻼة ﻧﺟـــدﻫﺎ ﻓـــﻰ ﻗوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ " :إن
اﻟــﺻﻼة ﺗﻧﻬــﻰ ﻋــن اﻟﻔﺣــﺷﺎء واﻟﻣﻧﻛــر وﻟــذﻛر اﷲ أﻛﺑــر واﷲ ﯾﻌﻠــم ﻣــﺎ
ﺗﺻﻧﻌون " (٢).ﻓﯾراﻗب اﻟﻌﺑد ﻓﯾﻬﺎ ﻣـوﻻﻩ ،ﻓﺗﻧﻬـﺎﻩ وﺗﺑﻌـدﻩ ﻋـن ﻛـل ﻣـﺎ
ﻻ ﯾرﺿــﺎﻩ ،واﻟــﺻﻼة ﻣــن أﻋظــم ﺷــﻌﺎﺋر اﻹﺳــﻼم ﯾﺗﺟﻠــﻰ ﻓﯾﻬــﺎ ﺟــﻼل
) (١ﺳورة اﻟﺑﯾﻧﺔ ـ اﻵﯾﺔ . ٦
) (٢ﺳورة اﻟﻌﻧﻛﺑوت ـ اﻵﯾﺔ . ٤٥
ـ ٦٦ـ
اﻟﺧــﺎﻟق وذل اﻟﻣﺧﻠــوق ،ﯾﻘﯾﻣﻬــﺎ اﻟﻌﺑــد ﻓــﻰ ﻓﺗـرات ﻣــن ﻟﯾﻠــﻪ وﻧﻬــﺎرﻩ ،
ﻟﯾﺧﻠو ﻓﯾﻬﺎ ﻋن ﺷواﻏل اﻟدﻧﯾﺎ ،ﻓﯾدوم اﺗﺻﺎﻟﻪ ﺑﺧﺎﻟﻘﻪ وﺧﺿوﻋﻪ إﻟﯾﻪ
)(١
،وﻫو ﯾرﺟو اﷲ وﯾﺧﺎف ﻋذاﺑﻪ .
ـ واﻟﺣﻛﻣﺔ ﻣن ﻣﺷروﻋﯾﺔ اﻟﺻﯾﺎم واﺿﺣﺔ ﺟﻠﯾﺔ ﺗظﻬر ﻓﻰ ﻗوﻟﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻛﺗب ﻋﻠﯾﻛم اﻟﺻﯾﺎم ﻛﻣـﺎ ﻛﺗـب ﻋﻠـﻰ اﻟـذﯾن ﻣـن ﻗـﺑﻠﻛم ﻟﻌﻠﻛـم
ﺗﺗﻘـــون " (٢).ﻓﻬـــو ﯾـــدﻋو إﻟـــﻰ اﻟﻌطـــف ﻋﻠـــﻰ اﻟﻔﻘـــراء واﻟﻣـــﺳﺎﻛﯾن ،
وﯾدﺧل ﻓﻰ اﻟﺗﻘوى ﻛل ﻋﻣل ﻣن أﻋﻣﺎل اﻟﺑر واﻟﺑﻌـد ﻋـن اﻟﻔـواﺣش ﻣـﺎ
ظﻬر ﻣﻧﻬﺎ وﻣﺎ ﺑطن ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻰ اﻟﺻﯾﺎم ﻣـن ﻓواﺋـد ﺧﻠﻘﯾـﺔ
وﺻﺣﯾﺔ ،ﻓﻔﯾﻪ ﺗزول أﺳـﺑﺎب اﻷﻣـراض واﻟﻌﻠـل ،وﯾﻌـود ﻟﻠﺟـﺳم ﻗوﺗـﻪ
وﻧــﺷﺎطﻪ ،ﻓﻘــد ورد ﻋــن اﻟﻧﺑــﻰ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم }:ﺻــوﻣوا
ﺗﺻﺣوا { .
ــ واﻟﺣﻛﻣــﺔ ﻣــن ﻣـﺷروﻋﯾﺔ اﻟزﻛــﺎة ﻫــﻰ ﻧﻣــﺎء اﻟﻣــﺎل وﺗطﻬﯾــرﻩ ،
وﺳـد ﺣﺎﺟـﺔ اﻟﻔﻘﯾـر ﺑﺈﻋطﺎﺋـﻪ ﺣﻘـﻪ اﻟـذى ﻗـررﻩ اﷲ ـ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ـ ﻓـﻰ ﻣـﺎل
)(٣
اﻷﻏﻧﯾﺎء ،ﻗـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :وﻓـﻰ أﻣـواﻟﻬم ﺣـق ﻟﻠـﺳﺎﺋل واﻟﻣﺣـروم " .
)(٤
وﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﺧــذ ﻣــن أﻣـواﻟﻬم ﺻــدﻗﺔ ﺗطﻬــرﻫم وﺗــزﻛﯾﻬم ﺑﻬــﺎ " .
ﻓﺑﺎﻟزﻛﺎة ﯾﺗم اﻟﺗراﺣم وﯾﻘوى اﻟﺗراﺑط وﯾدﺧل اﻟﺳرور ﻋﻠﻰ ﻗﻠوب اﻟﻔﻘراء
وﯾﺳﻌد اﻷﻏﻧﯾﺎء ﺑﺳﻌﺎدة ﻏﯾرﻫم .
ــ واﻟﺣﻛﻣــﺔ ﻣــن ﻣــﺷروﻋﯾﺔ اﻟﺣــﺞ ،ﻫــﻰ ﺗﺑــﺎدل اﻟﻣﻧــﺎﻓﻊ ﺑــﯾن
) (١ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻟﻠﻌﺟوز ص . ٩٦
) (٢ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ١٨٣
) (٣ﺳورة اﻟذارﯾﺎت ـ اﻵﯾﺔ . ١٩
) (٤ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ ـ اﻵﯾﺔ . ١٠٣
ـ ٦٧ـ
اﻟﻧــــﺎس ،ﻓــــﻰ ﻛــــل أﻧﺣــــﺎء اﻟﻌــــﺎﻟم ﻓــــﻰ ﺟﻣﯾــــﻊ اﻟﻣﺟــــﺎﻻت اﻟﺗﺟﺎرﯾــــﺔ
واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ٕ ،واظﻬﺎر اﻟﻌﺑودﯾﺔ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ واﻻﻧﻘﯾﺎد ﻷواﻣرﻩ
.ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ٕ " :واذن ﻓﻰ اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﺣﺞ ﯾﺄﺗوك رﺟﺎﻻ وﻋﻠﻰ ﻛل ﺿـﺎﻣر
ﯾـﺄﺗﯾن ﻣــن ﻛــل ﻓـﺞ ﻋﻣﯾــق ﻟﯾــﺷﻬدوا ﻣﻧــﺎﻓﻊ ﻟﻬـم وﯾــذﻛروا اﺳــم اﷲ ﻓــﻰ
أﯾﺎم ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﺎ رزﻗﻬم ﻣن ﺑﻬﯾﻣﺔ اﻷﻧﻌـﺎم ﻓﻛﻠـوا ﻣﻧﻬـﺎ وأطﻌﻣـوا
اﻟﺑﺎﺋس اﻟﻔﻘﯾر " (١).ﻓﺎﻟﺣﺞ رﻣز اﻟوﺣدة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،وﻣﺣـور ﺷـﻌوب
اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ،ﯾﺟﺗﻣﻌــون ﻋﻠــﻰ ﻋﻘﯾــدة واﺣــدة ،وﯾﻌﺑــدون رﺑــﺎ واﺣــدا ،
وﯾﺗﺣدون ﻓﻰ ﻧﺻرة دﯾﻧﻬم وﺑﻼدﻫم .
ـ وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ﻓﺈن اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻟم ﺗﺷرع إﻻ ﻟﻣـﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺑـﺎد
ﻓــﻰ اﻟﺣــﺎل واﻟﻣــﺂل .وﻫــﻰ ﺗرﻣــﻰ إﻟــﻰ ﺣﻣﺎﯾــﺔ اﻟﻣﻘﺎﺻــد اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻓــﻰ
اﻟﺗﺷرﯾﻊ .
وﻗد ﻋﻠم اﻟﻔﻘﻬـﺎء ﺑﺎﻻﺳـﺗﻘراء إن ﻣـﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺑـﺎد ﺗﺗﻌﻠـق ﺑـﺄﻣور
ﺿرورﯾﺔ وﺣﺎﺟﯾﺔ وﺗﺣﺳﯾﻧﯾﺔ .
) أ ( ﻓــﺎﻷﻣور اﻟــﺿرورﯾﺔ :ﻫــﻰ اﻟﺗــﻰ ﻻ ﻗﯾــﺎم ﻟﺣﯾــﺎة اﻟﻧــﺎس
ﺑدوﻧﻬﺎ ٕواذا ﺗﺧﻠﻔت ﻋﻣت اﻟﻔوﺿﻰ ،وﺣل اﻟﻔﺳﺎد واﺧﺗل ﻧظـﺎم اﻟﺣﯾـﺎة
،وﻫذﻩ اﻟﺿرورﯾﺎت ﻫﻰ :ﺣﻔظ اﻟدﯾن ،واﻟﻧﻔس ،واﻟﻌﻘل ،واﻟﻌـرض
،واﻟﻣﺎل .
ـ وﻗد ﺷرع اﻟﻣﺷرع ﻣن اﻷﺣﻛﺎم ،ﻣﺎ ﯾﻘوم ﺑﺣﻔظﻬﺎ وﺗﺣﺻﯾﻠﻬﺎ
،ﻓــﺷرع ﻟﺣﻔــظ اﻟــدﯾن اﻹﯾﻣــﺎن ﺑــﺎﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،واﻟﺟﻬــﺎد ﻓــﻰ ﺳــﺑﯾل اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﺗﻘرﯾر ﻋﻘوﺑﺔ اﻟﻣرﺗد ،واﻷﻣر ﺑﺎﻟﻣﻌروف واﻟﻧﻬﻰ ﻋن اﻟﻣﻧﻛر
) (١ﺳورة اﻟﺣﺞ ـ اﻵﯾﺎت ٢٧ـ . ٢٨
ـ ٦٨ـ
،واﻟﺣﺟر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻔﺗﻰ اﻟﻣﺎﺟن وﻛل ﻣن ﯾﻔﺳد ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻋﻘﺎﺋدﻫم.
ــ وﺷــرع ﻟﺣﻔــظ اﻟــﻧﻔس ،ﺗﺣــرﯾم اﻟﻘﺗــل ،واﻻﻧﺗﺣــﺎر ٕ ،واﯾﺟــﺎب
اﻟﻣﺄﻛــل واﻟﻣــﺷرب واﻟﻣﻠــﺑس ﺑﺎﻟﻘــدر اﻟــذى ﯾﺣﻔظﻬــﺎ ﻣــن اﻟﻬــﻼك ،ﻛﻣــﺎ
ﺷرع ﻹﯾﺟﺎدﻫﺎ اﻟزواج .
ــــ واﻟﻌﻘـــل ﺷـــرع ﻟﺣﻔظـــﻪ ﺗﺣـــرﯾم اﻟﺧﻣـــر ،وﻋﻘوﺑـــﺔ ﺷـــﺎرﺑﻬﺎ ،
وﺿرورة ﻣﻌرﻓﺔ أﺣﻛﺎم اﻟﺷرع ،وﺗﺣرﯾر اﻟﻌﻘل ﻣـن اﻷوﻫـﺎم واﻟﺧراﻓـﺎت
وﺿرورة اﻟﻧظر واﻟﺗﻔﻛـر ﻓـﻰ ﺧﻠـق اﻟـﺳﻣوات واﻷرض ،ﻟﯾﺣـﺻل ﺑـذﻟك
ﻛﻣﺎل اﻹﯾﻣﺎن وﻏﺎﯾﺔ اﻹﯾﻘﺎن .
ـ ـ واﻟﻌــرض :ﺷــرع ﻟﺣﻔظــﻪ اﻟــزواج وﺗﺣــرﯾم اﻟزﻧــﺎ ،واﻟﻘــذف ،
وﺣرﻣﺔ إﺟﻬﺎض اﻟﻣرأة اﻟﺣﺎﻣل إﻻ ﻋﻧد اﻟﺿرورة .
ـ وﺷرع ﻟﺣﻔظ اﻟﻣﺎل أﻧواع اﻟﻣﻌـﺎﻣﻼت ﻣـن ﺑﯾـﻊ وﺷـراء وﺗﺟـﺎرة
وزراﻋﺔ وﺷرﻛﺔ ..إﻟﺦ ﻣـن ﻛـل ﻣـﺎ ﯾـؤدى إﻟـﻰ اﺳـﺗﺛﻣﺎرﻩ وﻧﻣﺎﺋـﻪ ،وﻻ
ﯾﺟﻌﻠـــﻪ ﻣﻛﻧـــو ًاز ﻣﻌطـــﻼ ،ﻛﻣـــﺎ ﺷـــرع ﻟﺣﻔظـــﻪ ﺗﺣـــرﯾم اﻟـــﺳرﻗﺔ واﻟﻧﻬـــب
واﻟﻐــش واﻟــﺿرر واﻟﻐــﺻب واﻻﺧــﺗﻼس واﻟﺣﺟــر ﻋﻠــﻰ اﻟــﺳﻔﯾﻪ وﺗﺣــرﯾم
اﻟرﺑﺎ .
) ب ( واﻟﺣﺎﺟﯾﺎت :ﻫﻰ اﻷﻣور اﻟﺗﻰ ﻻﺑد ﻣﻧﻬﺎ ﻟﻠﺗوﺳﻌﺔ ﻋﻠﻰ
اﻟﻧــﺎس ٕ ،واذا ﻓﺎﺗــت ﻟــم ﯾﺧﺗــل ﻧظــﺎم اﻟﺣﯾــﺎة ٕ ،واﻧﻣــﺎ ﯾﻘــﻊ اﻟﻧــﺎس ﻓــﻰ
ﺿﯾق وﺣرج .
وﻗد ﺷرع ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻛﻔل ﺗﺣﻘﯾﻘﻬـﺎ ،وﯾﻧﻔـﻰ اﻟﺣـرج واﻟـﺿﯾق ﻋـن
اﻟﻣﻛﻠﻔﯾن ﻓﺷرﻋت ﻟﻬﺎ اﻟرﺧص ﻋﻧد وﺟود اﻟﻣﺷﻘﺔ ،ﻓـﺄﺑﯾﺢ اﻟﻔطـر ﻓـﻰ
رﻣﺿﺎن ﻟﻠﻣرﯾض واﻟﻣﺳﺎﻓر واﻟﺣﺎﻣل واﻟﺷﯾﺦ اﻟﻛﺑﯾر ٕ ،واﺑﺎﺣـﺔ اﻟـﺻﻼة
ـ ٦٩ـ
ﻗﺎﻋـــدا ﻟﻠﻌـــﺎﺟز ﻋـــن اﻟﻘﯾـــﺎم ،وﻗـــﺻر اﻟـــﺻﻼة اﻟرﺑﺎﻋﯾـــﺔ ﻟﻠﻣـــﺳﺎﻓر ،
واﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﺻﻼﺗﯾن ﻟﻌذر اﻟﻣطر .
وﻣن ذﻟك اﻟﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟظﻬر واﻟﻌﺻر ﻓﻰ ﻋرﻓﺔ ﺟﻣـﻊ ﺗﻘـدﯾم ،
واﻟﻣﻐرب واﻟﻌﺷﺎء ﻓﻰ ﻣزدﻟﻔﺔ ﺟﻣﻊ ﺗﺄﺧﯾر ﻓﻰ اﻟﺣﺞ .
وﻓــﻰ ﻣﺟــﺎل اﻟﻣﻌــﺎﻣﻼت ﺷــرع اﻟﻘــرض اﻟﺣــﺳن ،وﺷــرع اﻟــﺳﻠم
واﻻﺳﺗــﺻﻧﺎع دﻓﻌــﺎ ﻟﻠــﺿﯾق واﻟﺣــرج ﻋــن اﻟﻧــﺎس ،ﻛﻣــﺎ ﺷــرع اﻟطــﻼق
ﻟﻠﺧﻼص ﻣن ﺣﯾﺎة زوﺟﯾﺔ ﻻ ﺗطﺎق .
وﻓﻰ اﻟﺟﻧﺎﯾﺎت درء اﻟﺣد ﺑﺎﻟـﺷﺑﻬﺔ ﻛﻣـﺎ ﻓﻌـل ﻋﻣـر ﺑـن اﻟﺧطـﺎب
رﺿــﻰ اﷲ ﻋﻧــﻪ ﻓــﻰ ﻋــﺎم اﻟﻣﺟﺎﻋــﺔ ،وﺷــرﻋت اﻟﻘــﺳﺎﻣﺔ ،وﺗــﺿﻣﯾن
اﻟﺻﻧﺎع وﻣﺎ أﺷﺑﻪ ذﻟك .
وﻓــــﻰ اﻟﻌــــﺎدات :أﺑــــﺎح اﻟﻣــــﺷرع اﻟﺗﻣﺗــــﻊ ﺑﺎﻟﻣﺄﻛــــل واﻟﻣــــﺷرب
واﻟﻣﻠــﺑس ،ﻓﻘــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﻛﻠ ـوا ﻣــن طﯾﺑــﺎت ﻣــﺎ رزﻗﻧــﺎﻛم " (١).وﻗــﺎل
ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ ":ﻗــل ﻣــن ﺣــرم زﯾﻧــﺔ اﷲ اﻟﺗــﻰ أﺧــرج ﻟﻌﺑــﺎدﻩ واﻟطﯾﺑــﺎت ﻣــن
اﻟــرزق " .وﻗــﺎل ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺻﻼة واﻟــﺳﻼم } :ﻛــل وأﺷــرب وأﻟ ـﺑس ﻣــﺎ
أﺧطﺄﺗك اﺛﻧﺗﺎن ﺳرف وﻣﺧﯾﻠﺔ { .أى اﻟﺗﺑذﯾر واﻟﻛﺑر .
) ج ( واﻟﺗﺣــﺳﯾﻧﺎت :ﻫــﻰ اﻷﻣــور اﻟﺗــﻰ ﺗرﺟــﻊ إﻟــﻰ ﻣﺣﺎﺳـــن
اﻟﻌﺎدات وﻣﻛﺎرم اﻷﺧﻼق ،وﺗرك ﻣﺎ ﺗﺳﺗﻘذرﻩ اﻟﻧﻔس ،وﺗﻌﺎﻓﻪ اﻟطﺑـﺎع
اﻟﻣــﺳﺗﻘﯾﻣﺔ ،وﻫــذا ظــﺎﻫر ﻓــﻰ ﺷــﺗﻰ أﻧــواع اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾــﺔ ﻛﺈزاﻟــﺔ
اﻟﻧﺟﺎﺳـﺔ ،وأﺧـذ اﻟزﯾﻧـﺔ ﻋﻧـد ﻛـل ﺻـﻼة ،واﻟﺗﻣـﺳك ﺑـﺂداب اﻟــﺻﻼة ،
وﻣراﻋـــﺎة آداب اﻟطﻌـــﺎم واﻟـــﺷراب واﻻﺳـــﺗﺋذان ،وﻋـــدم اﻹﺳـــراف ﻓـــﻰ
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٥٧
ـ ٧٠ـ
اﻟﻣﺄﻛــل واﻟﻣــﺷرب ،واﻟﻧﻬــﻰ ﻋــن ﻗﺗــل اﻟﻧــﺳﺎء واﻷطﻔــﺎل ﻓــﻰ اﻟﺣــروب
وﻏﯾر ذﻟك (١).واﻟﻣﺗﺄﻣل ﻓﯾﻣﺎ ﻗررﻧﺎﻩ ﯾﺟد أن اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ إﻧﻣـﺎ
ﺟــﺎءت ﻟﺟﻠــب اﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ ﻟﻠﻌﺑــﺎد ودرء اﻟﻣﻔﺎﺳــد ﻋــﻧﻬم ،واﻟﻧــﺎظر ﻓــﻰ
أﺣﻛﺎﻣﻬـــﺎ ﯾﻠﺣـــظ أﻧـــﻪ ﻋﻧـــد ﺗﻌـــﺎرض اﻟﻣﻔﺎﺳـــد واﻟﻣـــﺻﺎﻟﺢ ﻓﺈﻧـــﻪ ﯾـــرﺟﺢ
أﻋظﻣﻬﺎ ﻧﻔﻌﺎ ﻟﻠﻧﺎس .ﻓﺈن ﻛﺎن اﻷﻋظم ﻣﻔﺳدة ﺷرع اﻟﺣﻛم ﻟـدﻓﻌﻬﺎ ،
ٕوان ﻛـﺎن اﻷﻋظــم ﻣــﺻﻠﺣﺔ ﺷــرع اﻟﺣﻛـم ﻟﺟﻠﺑﻬــﺎ ،ﻓﻣــﺛﻼ :ﻗﺗــل اﻟﻘﺎﺗــل
ﻣﻔﺳدة ﻷن ﻓﯾﻪ ﺗﻔوﯾت ﺣﯾﺎﺗﻪ ،وﻟﻛن ﺷرع ﻗﺗﻠﻪ ﻟﻣﺎ ﻓﯾـﻪ ﻣـن ﺗﺣﻘﯾـق
ﻣﺻﻠﺣﺔ أﻋظم وﻫﻰ ﺣﻔظ ﺣﯾﺎة اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣوم .
وﻛﺷف اﻟﻌورة ﻣﻔﺳدة ـ ﻟﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن إظﻬﺎر ﻣﺎ ﺣرم اﷲ إظﻬﺎرﻩ
واﻟﺗﻌـرﯾض ﻟﻠﻔﺗﻧــﺔ ﺑــﺳﺑﺑﻪ ـ ﻟﻛــن إذا وﺟـدت ﺿــرورة ﺗﻘﺗــﺿﯾﻪ ﻛــﺈﺟراء
ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺟراﺣﯾـﺔ ﻓﺈﻧـﻪ ﯾﺟـوز ،ﻷن ﻣـﺻﻠﺣﺔ ﺣﻔـظ اﻟـﻧﻔس ﻋـن اﻟﻬـﻼك
أﻋظم ﻣن ﻣﻔﺳدة ﻛﺷف اﻟﻌورة .
وﺗرك اﻟﻣﺣﺗﻛر دون اﻋﺗراض ﻋﻠﯾﻪ ﯾﻌد ﻣﺻﻠﺣﺔ ﻟـﻪ ،ﻟﻣـﺎ ﻓﯾـﻪ
ﻣن ﺣﺻول اﻟـرﺑﺢ ﻟـﻪ ،ﻟﻛـن ﻓﯾـﻪ ﻣﻔـﺳدة أﻋظـم وﻫـﻰ إﻟﺣـﺎق اﻟـﺿرر
ﺑﺎﻟﻧﺎس ﻓﺷرع اﻟﻣﻧﻊ ﻣن اﻻﺣﺗﻛﺎر دﻓﻌﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻔﺳدة .
وﻫﻛــذا ﺗﺟــرى أﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﯾﻌﺔ ﻋﻠــﻰ ﻧﻣــط واﺣــد وﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس
واﺣد وﻫو ﺟﻠب اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ودرء اﻟﻣﻔﺎﺳد (٢).
) (١اﻟﻣدﺧل ﻟزﯾدان ص ٤٧ـ . ٤٨
ـ اﻟﻣدﺧل د /ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز اﻟﺧﯾﺎط ص ٧٨ـ . ٨٠
) (٢اﻟﻣدﺧل ﻟزﯾدان ص . ٤٩
ـ ٧١ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﳋﺎﻣﺲ
ﻣﺮﻭﻧﺔ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ
اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ﺗﺷرﯾﻊ ﻣرن ﺻﺎﻟﺢ ﻟﻛل اﻷزﻣﺎن ،وﺳﺎﺋر اﻷﻣﻛﻧـﺔ
واﻟﺑﯾﺋــﺎت ،وذﻟــك ﻧﺗﯾﺟــﺔ طﺑﯾﻌﯾــﺔ ﻟﻛــون اﻟــﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﺧﺎﺗﻣــﺔ
اﻟﺷراﺋﻊ ،وأﻧﻬﺎ ﺷرﯾﻌﺔ ﻟﻠﻧﺎس ﻛﺎﻓـﺔ ،إﻟـﻰ أن ﯾـرث اﷲ اﻷرض وﻣـن
)(١
ﻋﻠﯾﻬﺎ ،ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻣﺎ أرﺳﻠﻧﺎك إﻻ ﻛﺎﻓﺔ ﻟﻠﻧﺎس ﺑﺷﯾ ًرا وﻧذﯾ ًار ".
وﻗــﺎل ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﻣــﺎ ﻛــﺎن ﻣﺣﻣــد أﺑــﺎ أﺣــد ﻣــن رﺟــﺎﻟﻛم وﻟﻛــن
)(٢
رﺳول اﷲ وﺧﺎﺗم اﻟﻧﺑﯾﯾن " .
واﻟـدﻟﯾل ﻋﻠـﻰ ﻣروﻧـﺔ ﻫـذا اﻟﺗـﺷرﯾﻊ وﻣﻼءﻣﺗـﻪ ﻟﻛﺎﻓـﺔ اﻷﻋـﺻﺎر
واﻷﻣﺻﺎر ﻣﺎ ﯾﺄﺗﻰ :
١ـ ـ ﺇﺑﺎﺣــﺔ ﺍﻟﻨﻈــﺮ ﻭﺍﻻﺟﺘﻬــﺎﺩ ﻓﯾﻣــﺎ ﯾـﺄﺗﻰ ﻓــﻰ ﻣــﺻﺎدرﻩ اﻷﺻــﻠﯾﺔ
)اﻟﻛﺗــــﺎب واﻟــــﺳﻧﺔ( ﻣــــن ﻣﺑــــﺎدئ ﻋﺎﻣــــﺔ ،وﻗواﻋــــد ﻛﻠﯾــــﺔ ،ﻟﻣواﺟﻬــــﺔ
اﻟﺣ ـوادث واﻟوﻗــﺎﺋﻊ اﻟﻣﺗﻌــددة ﻣــدى اﻟزﻣــﺎن ﺑﺗــﺷرﯾﻊ اﻷﺣﻛــﺎم ،وﺑﻬــذا
ﯾــﺳﺗﻣر ﺗطﺑﯾــق اﻟــﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻛﻣــﺎ أراد اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﺣﺗــﻰ ﺗﻔﻧــﻰ
وﻣﻌﻠـوم أن اﻷﺣﻛـﺎم ﻓـﻰ اﻟـﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ )(٣
اﻷرض وﻣن ﻋﻠﯾﻬـﺎ
ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ ﻗﺎﻋدﺗﯾن ﻋظﯾﻣﺗﯾن :ـ
اﻷوﻟـــﻰ :أدﻟـــﺔ ﻗطﻌﯾـــﺔ وﺻـــﻠت إﻟﯾﻧـــﺎ ﺑطرﯾـــق ﻗطﻌـــﻰ ،ﻓﻬـــﻰ
ﻗطﻌﯾــﺔ اﻟﺛﺑــوت واﻟدﻻﻟــﺔ ،ﺑﺣﯾــث ﻻ ﺗﺣﺗﻣــل أﻛﺛــر ﻣــن ﻣﻌﻧــﻰ واﺣــد ،
) (١ﺳورة ﺳﺑﺄ ـ اﻵﯾﺔ . ٢٨
) (٢ﺳورة اﻷﺣزاب ـ اﻵﯾﺔ . ٤٠
) (٣اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ ـ ﺧﺻﺎﺋﺻﻪ وﺗﺎرﯾﺧﻪ د /ﻣﺣﻣد ﻣﺻطﻔﻰ إﻣﺑﺎﺑﻰ ص . ٢٤
ـ ٧٢ـ
ﻛﺎﻷﻣر ﺑﺎﻟﺻﻼة واﻟزﻛﺎة واﻟﻧﻬﻰ ﻋـن اﻟزﻧـﺎ واﻟـﺳرﻗﺔ وﻏﯾـر ذﻟـك،وﯾﻠﺣق
ﺑﻬذا ﻣﺎ وﺻل إﻟﯾﻧـﺎ ﻣـن اﻷﺣﺎدﯾـث اﻟﻧﺑوﯾـﺔ ﺑطرﯾـق اﻟﺗـواﺗر وﻻ ﯾﺣﺗﻣـل
أﻛﺛر ﻣن ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ،ﻓﻣﺛل ﻫذﻩ اﻷﺣﻛﺎم واﻷدﻟﺔ ﻻ ﯾﻣﻠك اﻟﻣـؤﻣن أن
ﯾﺟﺣــدﻫﺎ أو ﯾــﺷك ﻓﯾﻬــﺎ ،ﻷﻧﻬــﺎ ﻻ ﺧﻔــﺎء ﻓﯾﻬــﺎ ،وﻻ اﺣﺗﻣــﺎل ﻟﻐﯾــر ﻣــﺎ
دﻟت ﻋﻠﯾﻪ .وﻣﺛل ﻫذا اﻟﻧوع ﻟم ﯾﺣدث ﻓﯾﻪ ﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﻔﻘﻬﺎء.
اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ :أدﻟـﺔ ظﻧﯾـﺔ ﺗﺣﺗﻣـل أﻛﺛـر ﻣـن ﻣﻌﻧـﻰ ،أو ﺟـﺎءت ﻋـن
طرﯾق ﻟم ﯾﺗـواﻓر ﺑـﺷﺄﻧﻪ اﻟﯾﻘـﯾن ﻛﺄﺧﺑـﺎر اﻵﺣـﺎد ،وﻫـذﻩ ﯾـدﺧﻠﻬﺎ اﻟـرأى
واﻻﺟﺗﻬــﺎد ﺑﺗﻔــﺳﯾر ﻣــدﻟوﻟﻬﺎ وﺻــوﻻ إﻟــﻰ اﻟﺣــق ،ﻟﻛــن ﻻ ﯾــﺻل اﻷﻣــر
ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻬــد إﻟــﻰ ﺣــد ﻣﺧﺎﻟﻔﺗﻬــﺎ واﻟﺧــروج ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﺑــدون ﻣﺑــرر ) (١وﻣــن
أﻣﺛﻠﺔ ذﻟك ﻗوﻟﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :واﻣـﺳﺣوا ﺑرءوﺳـﻛم " (٢).ﻓﺈﻧﻬـﺎ ٕوان ﻛﺎﻧـت
ﻗطﻌﯾﺔ ﻓﻰ وﺟوب أﺻل ﻣﺳﺢ اﻟرأس ،إﻻ أﻧﻬﺎ ظﻧﯾﺔ ﻓﻰ دﻻﻟﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﻣﻘدار اﻟواﺟب ﻣﺳﺣﻪ ﻻﺣﺗﻣﺎل أن ﯾﻛون اﻟﻣراد ﻣـﺳﺢ ﻛـل اﻟـرأس أو
ﺑﻌﺿﻪ وﻗد ﻧﺷﺄ ﻫذا اﻻﺣﺗﻣﺎل ﻣن ﺗﻌدد ﻣﻌﺎﻧﻰ اﻟﺑﺎء ﻓﻰ ﻟﻐـﺔ اﻟﻌـرب .
وﻣن ﻫذا اﻟﻘﺑﯾل ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :واﻟﻣطﻠﻘـﺎت ﯾﺗرﺑـﺻن ﺑﺄﻧﻔـﺳﻬن ﺛﻼﺛـﺔ
ﻗروء " (٣).ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻗطﻌﯾﺔ ﻓﻰ أﺻل وﺟـوب اﻟﻌـدة ،ظﻧﯾـﺔ ﻓـﻰ إﻓـﺎدة ﻣـﺎ
ﺗﺣﺳب ﺑﻪ ﻣدة اﻟﻌدة ﻫل اﻟﺣﯾﺿﺎت أو اﻷطﻬﺎر ؟ ﻟذا اﺧﺗﻠﻔت اﻷﻓﻬﺎم
ﺑــﺷﺄﻧﻬﺎ ﻓﺑﻌــﺿﻬم ﺟﻌﻠﻬــﺎ ﺑــﺎﻟﺣﯾض ،واﻟــﺑﻌض اﻷﺧــر ﺑــﺎﻟطﻬر ،ﻧظ ـرا
ﻟﺗﻌدد ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻘروء ﻓﻰ ﻟﻐﺔ اﻟﻌرب .
) (١ﻣﻔﻬوم اﻟﺗطور واﻟﺗﺟدﯾد ﻓﻰ اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﻠﺳﯾد ﻣﺣﻣد ﻋﻠوى اﻟﻣﺎﻟﻛﻰ ص١٢،١٣
) (٢ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٦
) (٣ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٢٨
ـ ٧٣ـ
٢ـ ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻭﻧـﺔ ﺍﻟﺘـﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳـﻼﻣﻰ ﻫـﻮ
ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﱴ ﺟﺎءﺕ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﺑﻌـﺿﻬﺎ
ﺟـــﺎء ﻋﻠـــﻰ ﻧﺣـــو ﺗﻔـــﺻﯾﻠﻰ ﻻ ﯾﺣﺗـــﺎج إﻟـــﻰ ﺑﯾـــﺎن ﻛﺎﻷﺣﻛـــﺎم اﻟﻣﺗﻌﻠﻘـــﺔ
ﺑﺎﻟﻌﻘﯾدة أو اﻟﻌﺑﺎدات ،وﻛذﻟك اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﻧظﺎم اﻷﺳرة ،وﻧظﺎم
اﻟﻣوارﯾث واﻟﺣدود واﻟﺟراﺋم وﻏﯾرﻫﺎ ﻣن اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ .
واﻟــﺑﻌض اﻵﺧــر ﺟــﺎء ﻓــﻰ ﺻــورة ﻣﺑــﺎدئ ﻋﺎﻣــﺔ وﻗواﻋــد ﻛﻠﯾــﺔ
ﻟﯾﻛون أﺳﺎﺳﺎ ﻟﺣﻣل اﻷﺣﻛﺎم ﻋﻠﯾﻪ ،دون اﻟﺗﻌرض ﻟﻠﺗﻔﺎﺻﯾل اﻟﺟزﺋﯾـﺔ
،وﻫذا ظـﺎﻫر ﻓـﻰ ﻣﺟـﺎل اﻷﺣﻛـﺎم اﻟﺗـﻰ ﺗﺗﻐﯾـر ﺑﺗﻐﯾـر اﻷ زﻣـﺎن ﻛﻣـﺎ ﻫـو
اﻟﺷﺄن ﻓﻰ ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻘود واﻟﻣﻌﺎﻣﻼت ،ﻛﻘوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﯾﺎ أﯾﻬـﺎ اﻟـذﯾن
آﻣﻧـــوا أوﻓ ﻮا ﺑ ﺎﻟﻌﻘﻮد " (١).وﻛـــﺎﻷﻣر ﺑﺎﻟـــﺷورى ﻓـــﻰ ﻗوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ " :
وﺷﺎورﻫم ﻓﻰ اﻷﻣر " (٢).وﻛﺎﻟﺗﻌـﺎون ﻋﻠـﻰ اﻟﺧﯾـر وﻣـﺎ ﻓﯾـﻪ ﻧﻔـﻊ اﻷﻣـﺔ
ﻓﻰ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﺗﻌﺎوﻧوا ﻋﻠﻰ اﻟﺑر واﻟﺗﻘوى وﻻ ﺗﻌﺎوﻧوا ﻋﻠـﻰ اﻹﺛـم
واﻟﻌـــدوان " (٣).وﻛﺗﻘرﯾـــر ﺣﺎﻟـــﺔ اﻟـــﺿرورة ﻓـــﻰ ﻗوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ " :ﻓﻣـــن
)(٤
اﺿطر ﻏﯾر ﺑﺎغ وﻻ ﻋﺎد ﻓﻼ إﺛم ﻋﻠﯾﻪ " .
ﻓﻬـذﻩ أﺣﻛـﺎم ﻛﻠﯾـﺔ ﺻــﺎﻟﺣﺔ ﻟﻠﺗﻔرﯾـﻊ ﻋﻠﯾﻬـﺎ واﻟــﺳﺑب ﻓـﻰ ورودﻫـﺎ ﻋﻠــﻰ
ﻫــذا اﻟﻧﺣــو ﻫــو إﺛﺑــﺎت ﻣروﻧــﺔ اﻟﺗــﺷرﯾﻊ وﺻــﻼﺣﯾﺗﻪ ﻟﻣــﺳﺎﯾرة اﻟﺗطــور
ﺑﺑﯾﺎن ﺣﻛم اﻟﺟدﯾد ﻓﻰ دﻧﯾﺎ اﻟﻧﺎس .
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ١
) (٢ﺳورة آل ﻋﻣران ـ اﻵﯾﺔ . ١٥٩
) (٣ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٢
) (٤ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ١٧٣
ـ ٧٤ـ
٣ـ ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻭﻧﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺃﻥ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﺟﺎءﺕ ﻣﻌﻠﻠﺔ
وذﻟك ﻟﯾـﺳﺎﯾر اﻟﻣﻧطـق واﻟﻌﻘـل ،وﺗﻧﻛـﺷف اﻟﺣﻛﻣـﺔ واﻟﻣـﺻﻠﺣﺔ
ﻣــن ﺗﻘرﯾــر اﻷﺣﻛــﺎم ،وﻣــن ﻫــذا اﻟﻘﺑﯾــل ﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﻛﺗــب ﻋﻠــﯾﻛم
اﻟــﺻﯾﺎم ﻛﻣــﺎ ﻛﺗــب ﻋﻠــﻰ اﻟــذﯾن ﻣــن ﻗــﺑﻠﻛم ﻟﻌﻠﻛــم ﺗﺗﻘــون " (١).وﻗوﻟــﻪ
ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :إن اﻟــﺻﻼة ﺗﻧﻬــﻰ ﻋــن اﻟﻔﺣــﺷﺎء واﻟﻣﻧﻛــر " (٢).وﻓــﻰ ﺷــﺄن
اﻟﻘﺑﻠﺔ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓوﻟوا وﺟـوﻫﻛم ﺷـطرﻩ ﻟـﺋﻼ ﯾﻛـون ﻟﻠﻧـﺎس ﻋﻠـﯾﻛم
ﺣﺟـﺔ " (٣).وﻓــﻰ اﻟﻘــﺻﺎص ﺟـﺎء ﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻟﻛـم ﻓــﻰ اﻟﻘــﺻﺎص
)(٤
ﺣﯾﺎة ﯾﺎ أوﻟﻰ اﻷﻟﺑﺎب " .
ﻛﻣـﺎ ﻋﻠـم اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ أﺻـﺣﺎﺑﻪ ﻫـذا
اﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﻘوﯾم ،ﻓﻛﺎن ﯾﻌﻠل ﻟﻬم اﻷﺣﻛﺎم ﻋﻠﻰ طرﯾﻘﺔ واﺿﺣﺔ ،ﻛﻘوﻟﻪ
ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم } :ﻛﻧــت ﻧﻬﯾــﺗﻛم ﻋــن زﯾــﺎرة اﻟﻘﺑــور أﻻ
ﻓزوروﻫﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗذﻛرﻛم اﻵﺧرة { .وﻗوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم :
} ﻛﻧت ﻧﻬﯾﺗﻛم ﻋن ادﺧﺎر ﻟﺣوم اﻷﺿﺎﺣﻰ ﻷﺟل اﻟداﻓـﺔ ﻓﺎدﺧروﻫـﺎ { .
واﻟداﻓــﺔ :ﻗــوم ﻣــن اﻷﻋـراب ﯾــﺳﯾرون ﺟﻣﺎﻋــﺎت ،ﻓﻠﻣــﺎ ﻧزﻟـوا اﻟﻣدﯾﻧــﺔ
أﯾﺎم ﻋﯾد اﻷﺿﺣﻰ أﻣر اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ أﺻـﺣﺎﺑﻪ
أن ﻻ ﯾدﺧروا ﻟﺣوم أﺿﺎﺣﯾﻬم ،ﻟﯾدﻓﻌﻬم إﻟﻰ اﻟﺗﺻدق ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫؤﻻء
اﻟﻘــوم اﻟــذﯾن وﻓــدوا ﻋﻠــﻰ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ،ﻓﻠﻣــﺎ رﺣﻠ ـوا ،واﻧﺗﻔــت اﻟﻌﻠــﺔ زال
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ١٨٣
) (٢ﺳورة اﻟﻌﻧﻛﺑوت ـ اﻵﯾﺔ . ٤٥
) (٣ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ١٥٠
) (٤ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ١٧٩
ـ ٧٥ـ
)(١
ﻣﻌﻠوﻟﻬﺎ ﻓﺄﻣرﻫم اﻟرﺳول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﺑﺎﻻدﺧـﺎر .
وﻟﻘد ﺗﻌﻠـم اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ ﻣﻧـﻪ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم ﻫـذا اﻟﻣـﻧﻬﺞ ﻓـﺄداروا
اﻷﺣﻛﺎم ﻣﻊ ﻋﻠﻠﻬﺎ ،وﺻوﻻ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﻣﻧﺷودة ﻣن ﺗﺷرﯾﻌﻬﺎ .ﻓﻬذا
ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ ﯾﻣﻧﻊ ﻣن اﻟﺗﻘﺎط اﻹﺑل ﻟورود اﻟﻧﻬـﻰ
ﻋن اﻟﺗﻘﺎطﻬﺎ ﻓﻰ ﻗوﻟﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم } :ﻣﺎﻟك وﻟﻬﺎ إن ﻣﻌﻬـﺎ
ﺣذاءﻫﺎ وﺳﻘﺎءﻫﺎ ﺗرد اﻟﻣﺎء وﺗرﻋﻰ اﻟﺷﺟر ﺣﺗﻰ ﯾﻠﻘﻬﺎ رﺑﻬﺎ { .
وﻗد اﺧﺗﻠف اﺟﺗﻬـﺎد ﻋﺛﻣـﺎن ﺑـن ﻋﻔـﺎن ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﻟﻣـﺎ
ﺿــﻌف ﺳــﻠطﺎن اﻟــدﯾن ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﻔــوس ،واﻣﺗــدت أﯾــدى اﻟــﺳﺎرق إﻟــﻰ
ﺿوال اﻹﺑل ،ﻓﺄﻓﺗﻰ ﺑﺟواز اﻟﺗﻘﺎطﻬﺎ ﻋﻣﻼ ﺑﺎﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ،ﻓـﺳﯾدﻧﺎ ﻋﻣـر
ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ ـ طﺑق اﻟﻧص ﻟوﺟود ﻋﻠﺗـﻪ ﻓـﻰ زﻣﻧـﻪ وﻫـﻰ أن ﺿـوال
اﻹﺑــل ﻟــو ﺗرﻛــت ﻟﻣــﺎ ﺿــﺎﻋت ﻋﻠــﻰ ﺻــﺎﺣﺑﻬﺎ ﻟﺗ ـواﻓر اﻷﻣــن ،وﺳــﯾدﻧﺎ
ﻋﺛﻣﺎن ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ ـ ﻟم ﯾطﺑق اﻟﻧص ﻟﻌدم ﺗواﻓر اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻰ ﻋﺻرﻩ
،إذ أﻧﻬــــﺎ ﻟــــو ﺗرﻛــــت ﻟــــﺳرﻗت ،ﻷن اﻟــــزﻣن زﻣــــن ﺧــــوف ،ﻓﻌﻣــــل
ﺑﺎﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺗﻰ ﻫﻰ ﻣﻧﺎط اﻟﺣﻛم اﻟﺷرﻋﻰ وأدار اﻟﺣﻛم ﻣﻊ ﻋﻠﺗـﻪ وﻫـو
ﺗﺳﻬﯾل اﻟﻌﺛور ﻋﻠﻰ اﻟﺿﺎﻟﺔ ﻟﺻﺎﺣﺑﻬﺎ .
وﻣن ﻫذا اﻟﻘﺑﯾل إﯾﻘﺎف ﺣـد اﻟـﺳرﻗﺔ ﻓـﻰ ﻋـﺎم اﻟﻣﺟﺎﻋـﺔ ﺗطﺑﯾﻘـﺎ
ﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺿرورات ﺗﺑﯾﺢ اﻟﻣﺣظورات .
ﻓﺑﻬــذا اﻟﻔﻬــم اﻟﻛﺎﻣــل ﻟــروح اﻹﺳــﻼم ﺳــﺎﯾر اﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻰ
ﺗطــورات اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ﻣــن اﻟﺟزﯾــرة اﻟﻌرﺑﯾــﺔ إﻟــﻰ ﺳــﻬول اﻷرض ،أﯾﻧﻣــﺎ
ﻛﺎﻧت اﻟﺣﯾﺎة ،وﻗـد ﻣـﺷت اﻟﺣﯾـﺎة ﺑﺎﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن رﺧـﺎء طﯾﺑـﺔ ،وﺣﯾـﺎﺗﻬم
) (١اﻟﺳﯾد ﻣﺣﻣد ﻋﻠوى اﻟﻣﺎﻟﻛﻰ ـ اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ـ ص ١٩ـ . ٢٠
ـ ٧٦ـ
ﻗوﯾﺔ ﻋزﯾزة ﻣﺎ ﺳﺎروا ﻣﻊ ﺗﺷرﯾﻌﻬم ،ﺣﺗﻰ اﻧﺣرﻓوا ﻋﻧﻪ ﻓﺎﻧﺣرﻓت ﺑﻬم
اﻟﻣرﻛب (١).وﺳرﻗت ﺣﺿﺎرﺗﻬم ﻣن ﺑﯾن أﯾدﯾﻬم .
٤ـ ﻭﳑﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻭﻧﺔ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻰ ﺃﻧﻪ ﻓـﺘﺢ ﺑـﺎﺏ ﺍﻟﻌﻠـﻢ
ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻠﻪ ،ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻰ ﺍﻛﺘﺴﺎﺑﻪ ،ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺷﺮﻑ ﺃﻫﻠـﻪ
ﻓﺟــﺎء اﻟرﺳــول اﻟﻌظــﯾم ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ ﺑــﺎﻟﻘرآن اﻟﻛــرﯾم
ﻟﯾﻧﻘــذ اﻹﻧــﺳﺎﻧﯾﺔ ﻣــن ﻣﻬــﺎوى اﻟﺟﻬــل وﯾــﺳﻣو ﺑﻬــﺎ إﻟــﻰ ﻣراﻗــﻰ اﻟﻌﻠــم
واﻟﻌرﻓــﺎن ،ﻓﻛــﺎن اﻟﻘ ـرآن ﻛﺗــﺎب ﻋﻠــم ،وﺳﯾﺎﺳــﺔ واﺟﺗﻣــﺎع ،ﻛﻣــﺎ ﻫــو
ﻛﺗﺎب ﻋﻘﯾدة وﺷرﯾﻌﺔ ،وأﺧﻼق وأول آﯾﺎﺗﻪ اﻟﺗﻰ ﻧزﻟت أﻣرت ﺑـﺎﻟﻘراءة
ﻓﻰ أوﻟﻬﺎ ،وﻧوﻫت ﺑﻔﺿل اﻟﻌﻠم ﻓﻰ آﺧرﻫـﺎ ﻓﻘـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :اﻗـرأ ﺑﺎﺳـم
رﺑك اﻟذى ﺧﻠق ﺧﻠق اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﻋﻠـق اﻗـرأ ورﺑـك اﻷﻛـرم اﻟـذى ﻋﻠـم
)(٢
ﺑﺎﻟﻘﻠم ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻠم " .
ﻓدﻋﺎ اﻟرﺳول اﻟﻛرﯾم إﻟﻰ اﻹﺳﻼم ٕ ،واﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﺳﺎﻧدﻩ ﻣـن اﻟﻌﻠـم
واﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻓﺎﺳﺗﻧﻬض اﻟﻧﻔوس ﻟﻠﺑﺣث واﻟـدرس وأﻋﻠـن أن اﻟﻌﻠـم ﻣﻔﺗـﺎح
اﻟﺧﯾر واﻟﺳﻌﺎدة ،وﺳﺑﯾل اﻟﺗﻘدم واﻟرﻗﻰ ﺑﻪ ﯾﻌرف اﻹﻧﺳﺎن رﺑـﻪ ،وﺑـﻪ
)(٣
ﯾﻌرف ﻛﯾف ﯾﺳﺧر ﻣﺎ ﺧﻠق اﷲ ﻟﻣﺻﺎﻟﺣﻪ .
وﻗد اﻋﺗرف ﻣﻧـﺻﻔﻰ اﻟـﺷرق واﻟﻐـرب ﺑﻬـذﻩ اﻟﺣﻘﯾﻘـﺔ اﻟواﺿـﺣﺔ
وﺿوح اﻟﺷﻣس ﻓﻰ ﺗﻌﺎﻟﯾم اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ .
) (١اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ص . ١٨
) (٢أول ﺳورة اﻟﻘﻠم .
) (٣ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻟﻠﻌﺟوز ص ٨٠ـ . ٨١
ـ ٧٧ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ
ﲢﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﳌﺴﺎﻭﺍﺓ
ﻣــن أﻫــم ﺧــﺻﺎﺋص اﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻰ ،أﻧــﻪ ﺗــﺷرﯾﻊ ﻋــﺎدل
ﺟﻣﯾﻌﺎ ،ﻻ ﻓرق ﺑـﯾن ﻣـﺳﻠم وﻏﯾـر
ً ﯾﺣﻘق اﻟﻌدل واﻟﻣﺳﺎواة ﺑﯾن اﻟﻧﺎس
ﻣﺳﻠم ،وﻻ ﺑﯾن ﻗرﯾب وﻻ ﺑﻌﯾد ،وﻻ ﺑﯾن ﺷرﯾف ووﺿﯾﻊ ،ﯾﻘـول اﷲ
ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ﯾــﺎ أﯾﻬــﺎ اﻟــذﯾن آﻣﻧـوا ﻛوﻧـوا ﻗـواﻣﯾن ﷲ ﺷــﻬداء ﺑﺎﻟﻘــﺳط وﻻ
ﯾﺟـرﻣﻧﻛم ﺷــﻧﺄن ﻗــوم ﻋﻠـﻰ أﻻ ﺗﻌــدﻟوا اﻋــدﻟوا ﻫـو أﻗــرب ﻟﻠﺗﻘـوى واﺗﻘـوا
" ﻟﻘـد أرﺳـﻠﻧﺎ اﷲ إن اﷲ ﺧﺑﯾر ﺑﻣﺎ ﺗﻌﻣﻠـون " (١).وﻗـﺎل ﺳـﺑﺣﺎﻧﻪ :
رﺳﻠﻧﺎ ﺑﺎﻟﺑﯾﻧﺎت وأﻧزﻟﻧﺎ ﻣﻌﻬم اﻟﻛﺗﺎب واﻟﻣﯾزان ﻟﯾﻘوم اﻟﻧـﺎس ﺑﺎﻟﻘـﺳط "
)(٣
(٢).وﯾﻘول ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ " :إن اﷲ ﯾﺄﻣر ﺑﺎﻟﻌدل واﻹﺣـﺳﺎن " .
)(٤
وﯾﻘول ﻋز وﺟل ٕ " :واذا ﺣﻛﻣﺗم ﺑﯾن اﻟﻧﺎس أن ﺗﺣﻛﻣوا ﺑﺎﻟﻌدل " .
وﯾؤﻛــد ﻫــذﻩ اﻟﻣﻌــﺎﻧﻰ ﺣــدﯾث اﻟرﺳــول ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ
ﺟﻣﯾﻌﺎ ﺳواﺳـﯾﺔ ﻛﺄﺳـﻧﺎن اﻟﻣـﺷط { ً وﺳﻠم ـ اﻟذى ﯾﻘول ﻓﯾﻪ } :اﻟﻧﺎس
ﻓﻬــذا اﻟﺣــدﯾث ﯾﻘــرر أﺳــﻣﻰ ﻣﺑــﺎدئ اﻟﻌداﻟــﺔ ،وأﻧﺑــل ﻣﻌــﺎﻧﻰ اﻟﻣــﺳﺎواة
ﻓﻬو ﯾﺷﻌر اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻌﺎ أﻧﻬم أﻣﺎم اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وأﻣـﺎم اﻟﻘـﺿﺎء ﺳـواء
،ﻻ ﻓﺿل ﻟﻌرﺑﻰ ﻋﻠﻰ أﻋﺟﻣﻰ إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘوى واﻟﻌﻣل اﻟﺻﺎﻟﺢ ،وﻫذا ﻣـﺎ
) (١ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة ـ اﻵﯾﺔ . ٨
) (٢ﺳورة اﻟﺣدﯾد ـ اﻵﯾﺔ . ٢٥
) (٣ﺳورة اﻟﻧﺣل ـ اﻵﯾﺔ . ٩٠
) (٤ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء ـ اﻵﯾﺔ . ٥٨
ـ ٧٨ـ
ﺟـرى ﻋﻠﯾـﻪ اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻰ وطﺑﻘـﻪ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
وﺳﻠم ـ وﺻﺣﺎﺑﺗﻪ ﺑﯾن اﻟﻧﺎس .
١ـ روى أن اﻣرأة ﻣن ﺷرﯾﻔﺎت اﻟﻧﺳﺎء ﺳرﻗت ﻋﻠﻰ ﻋﻬد رﺳول اﷲ ـ
ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ وﻛﺎﻧــت ﺗــﺳﻣﻰ " ﻓﺎطﻣــﺔ ﺑﻧــت اﻷﺳــود
اﻟﻣﺧزوﻣﯾﺔ " ﻓﺟﺎء أﺳﺎﻣﺔ ﺑن زﯾد إﻟﻰ اﻟرﺳول )وﻛﺎن ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وآﻟﻪ وﺳﻠم ﯾﺣﺑﻪ ﻛﺛﯾ ًرا( ﻟﯾﺷﻔﻊ ﻋﻧدﻩ ﻓﻰ أﻣر ﻫذﻩ اﻟﻣرأة ﺣﺗـﻰ ﻻ ﯾﻘـﺎم
ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺣد اﻟﺳرﻗﺔ )وﻫـو اﻟﻘطـﻊ( ﻓـرﻓض رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﺷﻔﺎﻋﺗﻪ وﻗﺎل ﻟﻪ ﻏﺎﺿﺑﺎ أﺗﺷﻔﻊ ﻓﻰ ﺣد ﻣـن ﺣـدود اﷲ ؟
ﺧطﯾﺑـﺎ ﻓـﻰ اﻟﻧـﺎس وﻗـﺎل ﻟﻬـم :إﻧﻣـﺎ أﻫﻠـك اﻟـذﯾن ﻣـن
ً ﺛم ﻗﺎم ﺑﻌد ذﻟك
ﻗﺑﻠﻛم أﻧﻬم إذا ﺳرق ﻓﯾﻬم اﻟﺷرﯾف ﺗرﻛوﻩ ٕ ،واذا ﺳرق ﻓﯾﻬم اﻟﺿﻌﯾف
أﻗﺎﻣوا ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺣـد ،وأﯾـم اﷲ ﻟـو أن ﻓﺎطﻣـﺔ ﺑﻧـت ﻣﺣﻣـد ﺳـرﻗت ﻟﻘطـﻊ
ﻣﺣﻣد ﯾدﻫﺎ { .
٢ـ ﯾروى أﻧﻪ ﺳﻘط ﻣن ﻋﻠﻰ ﺑن أﺑـﻰ طﺎﻟـب ـ ﻛـرم اﷲ وﺟﻬـﻪ ـ درﻋـﻪ
ﯾوﻣﺎ ﻣﺎ ،ﻓوﺟدﻫﺎ ﻋﻧد رﺟل ﻧﺻراﻧﻰ ،ﻓﺎﺧﺗﺻﻣﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺿـﻰ ﺷـرﯾﺢ
.ﻓﻘـﺎل ﻋﻠــﻰ :اﻟــدرع درﻋــﻰ وﻟــم أﺑـﻊ وﻟــم أﻫــب .ﻓــﺳﺄل اﻟﻘﺎﺿــﻰ ذﻟــك
اﻟﻧﺻراﻧﻰ ﻓﻰ ﻣﺎ ﯾﻘول أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ؟ ﻓﻘـﺎل اﻟﻧـﺻراﻧﻰ ﻣـﺎ اﻟـدرع إﻻ
درﻋـﻰ ،وﻣــﺎ أﻣﯾـر اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﻋﻧــدى ﺑﻛـﺎذب ﻓﺎﻟﺗﻔــت ﺷـرﯾﺢ إﻟــﻰ ﻋﻠــﻰ
ﯾــﺳﺄﻟﻪ :ﯾــﺎ أﻣﯾــر اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﻫــل ﻟــك ﺑﯾﻧــﺔ ؟ ﻓــﺿﺣك ﻋﻠــﻰ ،وﻗــﺎل :
أﺻــﺎب ﺷـــرﯾﺢ ﻣـــﺎﻟﻰ ﺑﯾﻧـــﺔ وﻗــﺿﻰ ﺷـــرﯾﺢ ﻟﻠﻧـــﺻراﻧﻰ ﺑﺎﻟـــدرع ،ﻷﻧـــﻪ
ﺻﺎﺣب اﻟﯾـد ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،ﻓﺄﺧـذﻫﺎ ﻫـذا اﻟرﺟـل وﻣـﺿﻰ وﻟـم ﯾﻣـش ﺧطـوات
ـ ٧٩ـ
ﺣﺗـــﻰ ﻋـــﺎد ﯾﻘـــول :أﻣـــﺎ أﻧـــﻰ أﺷـــﻬد أن ﻫـــذﻩ أﺣﻛـــﺎم أﻧﺑﯾـــﺎء ،أﻣﯾـــر
اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﯾدﯾﻧﻧﻰ إﻟﻰ ﻗﺎﺿﯾﻪ ﻓﯾﻘﺿﻰ ﻟـﻰ ﻋﻠﯾـﻪ " أﺷـﻬد أن ﻻ إﻟـﻪ إﻻ
اﷲ وأن ﻣﺣﻣدا رﺳول اﷲ " اﻟـدرع درﻋـك ﯾـﺎ أﻣﯾـر اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن ،اﺗﺑﻌـت
اﻟﺟﯾش وأﻧت ﻣﻧطﻠق ﻣن ﺻﻔﯾن ،ﻓﺧرﺟت ﻣن ﺑﻌﯾرك اﻷورق .ﻓﻘﺎل
ﻋﻠﻰ :أﻣﺎ إذا أﺳﻠﻣت ﻓﻬﻰ ﻟك ".
٣ـ وﻣن أﺷﻬر اﻷﻣﺛﻠﺔ اﻟﺗﻰ ﺗﺣﻛﻰ ﻋداﻟﺔ اﻹﺳـﻼم ﻗـﺻﺔ اﻟﻘﺑطـﻰ ﻣـﻊ
ﻋﻣرو ﺑن اﻟﻌﺎص واﻟﻰ ﻣـﺻر ،ﺣﯾـث ﺿـرب اﺑـن ﻋﻣـرو ﺑـن اﻟﻘﺑطـﻰ
ﺑﺎﻟﺳوط وﻗﺎل ﻟﻪ :أﻧـﺎ اﺑـن اﻷ ﻛـرﻣﯾن ،ﻓﻣـﺎ ﻛـﺎن ﻣـن اﻟﻘﺑطـﻰ إﻻ أن
ذﻫب إﻟﻰ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب ﻓـﻰ اﻟﻣدﯾﻧـﺔ ،وﺷـﻛﺎ إﻟﯾـﻪ
،ﻓﺎﺳﺗدﻋﻰ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ ﻋﻣرو ﺑـن اﻟﻌـﺎص واﺑﻧـﻪ ،وأﻋطـﻰ اﻟـﺳوط ﻻﺑـن
اﻟﻘﺑط ـﻰ ،وﻗــﺎل ﻟــﻪ :أﺿــرب اﺑــن اﻷﻛــرﻣﯾن ﻓﻠﻣــﺎ اﻧﺗﻬــﻰ ﻣــن ﺿــرﺑﻪ
اﻟﺗﻔت إﻟﯾﻪ ﻋﻣر وﻗﺎل ﻟـﻪ :أدرﻫـﺎ ﻋﻠـﻰ ﺻـﻠﻌﺔ ﻋﻣـرو ،ﻓﺈﻧﻣـﺎ ﺿـرﺑك
ﺑﺳﻠطﺎﻧﻪ ﻓﻘـﺎل اﻟﻘﺑطـﻰ :إﻧﻣـﺎ ﺿـرﺑت ﻣـن ﺿـرﺑﻧﻰ ،ﺛـم اﻟﺗﻔـت ﻋﻣـر
وﻗـﺎل ﻛﻠﻣﺗــﻪ اﻟــﺷﻬﯾرة :ﯾـﺎ ﻋﻣــرو ﻣﺗــﻰ اﺳـﺗﻌﺑدﺗم اﻟﻧــﺎس وﻗــد وﻟــدﺗﻬم
أﻣﻬﺎﺗﻬم أﺣرا ًار ؟
ﻓﺎﻧظر ﻛﯾف ﺷﻌر اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﻛراﻣـﺔ اﻹﻧـﺳﺎﻧﯾﺔ واﻟﻌداﻟـﺔ ﻓـﻰ ظـل
اﻟﻘﺎﻧون اﻹﺳﻼﻣﻰ ،وأن ﺣﻘﻬم ﻻ ﯾـﺿﯾﻊ ،ﻣﻣـﺎ ﺟﻌـل اﻟﻣظﻠـوم ﯾرﻛـب
اﻟﺻﻌﺎب ،وﯾﺗﺣﻣل اﻟﻣﺷﺎق ﻓﻰ اﻟﺳﻔر اﻟطوﯾل ﻣن ﻣﺻر إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ
اﻟﻣﻧورة واﺛﻘﺎ ﺑﺄن اﻟﺣق ﻟن ﯾﺿﯾﻊ ،وأن ﺷﻛواﻩ ﺳﺗﺟد أذﻧﺎ ﺻـﺎﻏﯾﺔ ،
وأن رد اﻋﺗﺑﺎرﻩ وﺑﻠوﻏﻪ ﺣﻘﻪ ﺳﯾﺟد ﻟﻪ ﻓﻰ ﻧﺻوص اﻟﻘﺎﻧون اﻹﺳﻼﻣﻰ
ﻧﺻﯾر .
ـ ٨٠ـ
ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺍﳌﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ :ـ
أﺣـدا
ﺗﺗﺟﻠﻰ ﺳﻣﺎﺣﺔ اﻹﺳﻼم وﺗظﻬر ﻋداﻟﺗﻪ ﻓـﻰ أﻧـﻪ ﻟـم ﯾﺟﺑـر ً
ﻋﻠﻰ اﻋﺗﻧﺎﻗﻪ ٕ ،واﻧﻣﺎ ﺗرك ﻟﻠﻧﺎس اﻟﺣرﯾﺔ ﻓﻰ اﺧﺗﯾﺎرﻩ ،ﺑﻌد ﺑﯾـﺎن وﺟـﻪ
اﻟــﺻواب ﻓﯾــﻪ ،واﻟﺗﺣــذﯾر ﻣــن اﻟﻌﻘــﺎب واﻟﺟ ـزاء ﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾــﻪ .وﻫــذا ﻫــو
اﻷﻣر اﻟواﺿـﺢ اﻟﺟﻠـﻰ ﻣـن ﻧـﺻوص اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻰ اﻟﺣﻛـﯾم ﺣﯾـث
ﯾﻘول اﻟﺣق ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺧﺎطﺑﺎ ﻧﺑﯾﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ
" :ﻗل ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟﻛﺎﻓرون ،ﻻ اﻋﺑد ﻣﺎ ﺗﻌﺑـدون ،وﻻ أﻧـﺗم ﻋﺎﺑـدون ﻣـﺎ
أﻋﺑد ،وﻻ أﻧﺎ ﻋﺎﺑد ﻣﺎ ﻋﺑدﺗم ،وﻻ أﻧﺗم ﻋﺎﺑـدون ﻣـﺎ أﻋﺑـد ﻟﻛـم دﯾـﻧﻛم
)(١
وﻟﻰ دﯾن " .
وﯾﻘول أﯾـﺿﺎ ﻣﺧﺎطﺑـﺎ وﻣواﺳـﯾﺎ رﺳـوﻟﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
وﺳـﻠم " :وﻟــو ﺷــﺎء رﺑــك ﻵﻣــن ﻣـن ﻓــﻰ اﻷرض ﻛﻠﻬــم ﺟﻣﯾﻌــﺎ اﻓﺄﻧــت
)(٢
ﺗﻛرﻩ اﻟﻧﺎس ﺣﺗﻰ ﯾﻛوﻧوا ﻣؤﻣﻧﯾن " .
ﺛم ﺑﯾن ﻟﻪ طرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻟﻪ ﻓﻘﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ﻻ
ﯾﻧﻬﺎﻛم اﷲ ﻋن اﻟذﯾن ﻟم ﯾﻘﺎﺗﻠوﻛم ﻓﻰ اﻟدﯾن وﻟم ﯾﺧرﺟوﻛم ﻣن دﯾـﺎرﻛم
أن ﺗﺑروﻫم وﺗﻘﺳطوا إﻟﯾﻬم إن اﷲ ﯾﺣب اﻟﻣﻘﺳطﯾن ،إﻧﻣﺎ ﯾﻧﻬﺎﻛم اﷲ
ﻋــن اﻟــذﯾن ﻗــﺎﺗﻠوﻛم ﻓــﻰ اﻟــدﯾن وأﺧرﺟــوﻛم ﻣــن دﯾــﺎرﻛم وظــﺎﻫروا ﻋﻠــﻰ
)(٣
إﺧراﺟﻛم أن ﺗوﻟوﻫم وﻣن ﯾﺗوﻟﻬم ﻓﺄوﻟﺋك ﻫم اﻟظﺎﻟﻣون " .
وأﺧﯾـرا ﯾرﺳــﻰ اﻟﻣــوﻟﻰ ﺗﺑــﺎرك وﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻣﺑــدأ اﻟﺣرﯾــﺔ اﻟدﯾﻧﯾــﺔ ﻓــﻰ
) (١ﺳورة اﻟﻛﺎﻓرون وآﯾﺎﺗﻬﺎ ﺳت .
) (٢ﺳورة ﯾوﻧس ـ اﻵﯾﺔ . ٩٩
) (٣ﺳورة اﻟﻣﻣﺗﺣﻧﺔ ـ اﻵﯾﺔ ٨ـ . ٩
ـ ٨١ـ
وﺿــوح ﻣطﻠــق ﻣــﺎ ﺑﻌــدﻩ ﺑﯾــﺎن ﻓﯾﻘــول " :ﻻ إﻛـراﻩ ﻓــﻰ اﻟــدﯾن ﻗـد ﺗﺑــﯾن
)(١
اﻟرﺷد ﻣن اﻟﻐﻰ " :
وﯾــروى أﻧــﻪ ﻟﻣــﺎ ﻓــﺗﺢ ﻋﻣــر ﺑــن اﻟﺧطــﺎب ـ رﺿــﻰ اﷲ ﻋﻧــﻪ ـ
ﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻘدس طﻣﺄن أﻫل اﻟﻛﺗـﺎب ﻋﻠـﻰ أﻧﻔـﺳﻬم وﻋﻠـﻰ دﯾـﺎﻧﺗﻬم وﺑﻌـث
إﻟﯾﻬم ﻛﺗﺎﺑﺎ ﻗﺎل ﻓﯾﻪ " :ﻫذا ﻣﺎ أﻋطﻰ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن إﻟـﻰ أﻫـل إﯾﻠﯾـﺎ
ﻣـــــن اﻷﻣـــــﺎن ،وأﻋطـــــﺎﻫم أﻣﺎﻧـــــﺎ ﻷﻧﻔـــــﺳﻬم ،وأﻣـــــواﻟﻬم وﻛﻧﺎﺋـــــﺳﻬم
وﺻﻠﺑﺎﻧﻬم ..وﻻ ﯾﻛرﻫون ﻋﻠﻰ دﯾﻧﻬم وﻻ ﯾﺿﺎر أﺣد ﻣﻧﻬم " .
وﯾﺗــﺿﺢ ﻣــن ﻫــذﻩ اﻟﻧــﺻوص وﻏﯾرﻫــﺎ ،أن اﻹﺳــﻼم ﺳــﻣﺢ ﻓــﻰ
ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﻣﺧﺎﻟﻔﯾﻪ ،ﻋدل ﻓﻰ إﻗرار اﻟﺣﻘوق ﻟﻬم ،ﻓﻬو ﻻ ﯾـﺷق ﻋﻠـﯾﻬم
)(٢
وﻻ ﯾﻛرﻫﻬم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾرﻓﺿون .
ﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺯﻋﻢ ﺃﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻧﺸﺮ ﺑﺎﻟﺴﻴﻒ :ـ
وﺑﻌد ﺗﻘرﯾر ﻣﺎ ﺳﺑق ﻣن ﺣرﯾـﺔ اﻟﻌﻘﯾـدة واﻟﻧـﺻوص اﻟﺗـﻰ دﻟـت
ﻋﻠﯾﻬــﺎ ،ﺗﺑــﯾن ﻷﻫــل اﻹﻧــﺻﺎف واﻟﺣــق ،ﻛــذب أﻋــداء اﻹﺳــﻼم ﻓﯾﻣــﺎ
زﻋﻣوا أن اﻟدﯾن اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻗﺎم ﺑﺎﻟﺳﯾف ،وﻣن رﺟﻊ إﻟﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟدﻋوة
ﻣـر
اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﯾرى أن اﻟﺳﯾف ﻟم ﯾؤﻣر ﺑﻪ ﻧﺑﻰ اﻹﺳـﻼم ،إﻻ ﺑﻌـد أن ّ
ﻋﻠــﻰ اﻟــدﻋوة اﻟﻣﺣﻣدﯾــﺔ ﺛــﻼث ﻋــﺷرة ﺳــﻧﺔ وﺳــﺑﻌﺔ أﺷــﻬر ،ﻋﻧــدﻣﺎ
ﺗﺟﻣـﻊ أﻫـل اﻟـﺷرك واﻟـﺿﻼل ﻋﻠــﻰ ﻣﻬﺎﺟﻣـﺔ اﻹﺳـﻼم واﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن ﻛﻔـرا
وﻋﻧــﺎدا ،ﺑﻌــد أن ﻋرﻓ ـوا اﻟﺣــق ،وﻋرﻓ ـوا ﻧﺑــﻰ اﷲ ﻣﺣﻣــدا ﻛﻣــﺎ ﻋرﻓ ـوا
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵ[ة . ٢٥٦
) (٢اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ د /إﻣﺑﺎﺑﻰ ص ٨وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ .
ـ ٨٢ـ
آﺑــﺎﺋﻬم وأﺑﻧــﺎﺋﻬم ،وﻟــم ﺗﻔﻠــﺢ ﻣﻌﻬــم اﻟﻣ ـواﻋظ ﻟطﻣــس ﻗﻠــوﺑﻬم ،وﻫﻧــﺎ
ﺟﺎء اﻷﻣر ﺑﺎﺳﺗﻌﻣﺎل اﻟﺳﯾف دﻓﺎﻋﺎ ﻋن ﺣوزة اﻹﺳﻼم ﻻ اﻋﺗداء ﻋﻠﻰ
أﺣد ﻛﻣﺎ أﻓﺻﺢ ﻋن ذﻟك ﻓﻰ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ٕ " :وان ﺟﻧﺣوا ﻟﻠﺳﻠم ﻓﺎﺟﻧﺢ
)(١
ﻟﻬﺎ وﺗوﻛل ﻋﻠﻰ اﷲ " .
وﻟم ﯾﺷرع اﻟﺟﻬـﺎد ﺑﺎﻟـﺳﯾف إﻻ ﺑﻌـد أن ﻧـزل ﻗـول اﻟﺣـق ﺗﺑـﺎرك
)(٢ وﺗﻌﺎﻟﻰ " :أذن ﻟﻠذﯾن ﯾﻘﺎﺗﻠون ﺑﺄﻧﻬم ُِ
ظﻠﻣوا " .
وﺟﺎء أﻣر اﷲ ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﺎﻟﺟﻬـﺎد ﻓـﻰ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :وﻗـﺎﺗﻠوا
اﻟﻣــﺷرﻛﯾن ﻛﺎﻓــﺔ ﻛﻣ ـﺎ ﯾﻘــﺎﺗﻠوﻧﻛم ﻛﺎﻓــﺔ (٣). :وﻛــﺎن أول ﻟ ـواء ﻋﻘــد ﻓــﻰ
اﻹﺳـــﻼم ﺑﻌـــد أن ﻣـــﺿﻰ ﻋﻠـــﻰ اﻟـــدﻋوة إﻟـــﻰ اﷲ ﺑﺎﻟﺣﻛﻣـــﺔ واﻟﻣوﻋظـــﺔ
اﻟﺣﺳﻧﺔ ﺛـﻼث ﻋـﺷرة ﺳـﻧﺔ وﺳـﺑﻌﺔ أﺷـﻬر ﻟﻌـم رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ ﺳــﯾدﻧﺎ ﺣﻣــزة ـ رﺿــﻰ اﷲ ﻋﻧــﻪ ـ ﻟـواء أﺑــﯾض ،
ﻟﻺﺷـﺎرة إﻟـﻰ أن اﻹﺳـﻼم دﯾـن ﺳـﻠم وﺳـﻼم ،ﻻ ﯾطﻠـب ﻣـن اﻟﻧــﺎس إﻻ
)(٤
إﯾﻣﺎﻧﺎ ﺻﺎدﻗﺎ وﺗوﺣﯾدا ﺧﺎﻟﺻﺎ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن " .
واﻟﻣﺗﺄﻣــل ﻓــﻰ أﺳــﺑﺎب ﻧــزول اﻵﯾــﺎت اﻟﺗــﻰ أﻣــرت ﺑﺎﻟﻘﺗــﺎل ﻓﺈﻧﻣــﺎ
ﯾــرى أﻧﻬــﺎ ﻛﺎﻧــت ﻟــرد اﻻﻋﺗــداء ٕ ،واﺣﺑــﺎط اﻟﻣــؤﻣرات ﺿــد اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ،
ﻓﺈﻧــﻪ ﻟﻣــﺎ ﻗﺎﻣــت ﻗــرﯾش ﻟﻣﺣﺎرﺑــﺔ اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ،وﻣﺣﺎوﻟــﺔ إطﻔــﺎر ﻧــور
اﻹﺳﻼم ﻧزل ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أذن ﻟﻠذﯾن ﯾﻘﺎﺗﻠون ﺑﺄﻧﻬم ظﻠﻣـوا ٕوان اﷲ
) (١ﺳورة اﻷﻧﻔﺎل ـ اﻵﯾﺔ . ٦١
) (٢ﺳورة اﻟﺣﺞ ـ اﻵﯾﺔ . ٣٩
) (٣ﺳورة اﻟﺗوﺑﺔ ـ اﻵﯾﺔ . ٣٦
) (٤أﻫ ــداف اﻟرﺳ ــﺎﻟﺔ اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ ﻟﻠ ــﺷﯾﺦ ﻛﺎﻣ ــل ﻣﺣﻣـ ــد ﺣ ــﺳن ص ٣٩٣ـ ـ ٣٤ﻣﻧ ــﺷور ﺿ ــﻣن اﻟﻣـ ــؤﺗﻣر
اﻟﺧﺎﻣس ﻟﻣﺟﻣﻊ اﻟﺑﺣوث اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺑﺎﻷزﻫر ١٣٨٩ﻫـ ١٩٧٠م .
ـ ٨٣ـ
ﻋﻠــﻰ ﻧــﺻرﻫم ﻟﻘـــدﯾر ،اﻟــذﯾن أﺧرﺟـــوا ﻣــن دﯾـــﺎرﻫم ﺑﻐﯾــر ﺣـــق إﻻ أن
ﯾﻘوﻟوا رﺑﻧﺎ اﷲ وﻟوﻻ دﻓﻊ اﷲ اﻟﻧـﺎس ﺑﻌـﺿﻬم ﺑـﺑﻌض ﻟﻬـدﻣت ﺻـواﻣﻊ
وﺑﯾﻊ وﺻﻠوات وﻣﺳﺎﺟد ﯾـذﻛر ﻓﯾﻬـﺎ اﺳـم اﷲ ﻛﺛﯾـرا وﻟﯾﻧـﺻرن اﷲ ﻣـن
)(١
ﯾﻧﺻرﻩ إن اﷲ ﻟﻘوى ﻋزﯾز " .
وﻟﻣﺎ ﺗﺟﻣﻌت ﻗـرﯾش ﻟﻣﻘﺎﺗﻠـﺔ اﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن ،وﺗـﺂﻣرت ﻟﻣﺣـﺎرﺑﺗﻬم
أﻣــر اﷲ رﺳــوﻟﻪ ﺑﻘﺗــﺎل ﻣــن ﯾﻘﺎﺗﻠــﻪ دون ﻏﯾــرﻩ ،وﻧﻬــﺎﻩ ﻋــن اﻻﻋﺗــداء
ﻓﻘــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻗــﺎﺗﻠوا ﻓــﻰ ﺳــﺑﯾل اﷲ اﻟــذﯾن ﯾﻘــﺎﺗﻠوﻧﻛم وﻻ ﺗﻌﺗــدوا إن
اﷲ ﻻ ﯾﺣب اﻟﻣﻌﺗدﯾن " .
ﻟذﻟك ﻟم ﯾﻛن اﻟرﺳول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻟﯾﺗﻌـرض
إﻻ ﻟﻠﻣﻌﺗــدى ﻣــن ﻗــرﯾش دون ﺳــﺎﺋر اﻟﻌــرب اﻟﻣــﺳﺎﻟﻣﯾن ،ﻓﻠﻣــﺎ اﺗﺣــد
اﻟﻣﺷرﻛون ﻟﻘﺗﺎﻟﻪ أﻣر اﷲ ﺑﻘﺗﺎﻟﻬم ﺟﻣﯾﻌﺎ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻣﺛل ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ :
" وﻗﺎﺗﻠوا اﻟﻣﺷﻛرﯾن ﻛﺎﻓﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﻘﺎﺗﻠوﻧﻛم ﻛﺎﻓﺔ ".
وﻛـﺎن ﯾﻬـود اﻟﻣدﯾﻧـﺔ ﻗـد أﻋطـوا ﻋﻬـدا ﻟرﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ أن ﯾـﺳﺎﻟﻣوﻩ وﻻ ﯾﺣـﺎرﺑوﻩ ،ﻓﺣـﺎرﺑوﻩ وﻧﻘـﺿوا اﻟﻌﻬـد
وﺣﺎﻟﻔوا ﻗرﯾﺷﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺗﺎﻟﻪ ،ﻓﻧﺎﻟوا ﺣظﻬم ﻣـن ﻋﻘوﺑـﺔ اﻟﺧﯾﺎﻧـﺔ وﻧﻘـض
اﻟﻌﻬد .
وﻟﻌﻠـــك إذا ﺗﺄﻣﻠـــت ﻓـــﻰ اﻟﻘـــرآن ،وﺟدﺗـــﻪ ﯾـــؤﺛر اﻟـــﺳﻼم ﻋﻠـــﻰ
اﻟﺣــرب ،ﺣﯾــث ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﯾــﺎ أﯾﻬــﺎ اﻟــذﯾن آﻣﻧـوا ادﺧﻠـوا ﻓــﻰ اﻟــﺳﻠم
ﻛﺎﻓﺔ " .وﻣﺎ ﻛﺎن أﻫـل اﻹﺳـﻼم ﯾﺟﻧﺣـون ﻟﻠﺣـرب إﻻ ﻋﻧـد اﻟـﺿرورة ،
وأﺣداق اﻟﺧطر ﺑﻬم ﻣن أﻋداﺋﻬم ،ﻓﻬﻧﺎ ﯾﺗﻌﯾن ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺟﻬﺎد ﻟﺣﻣﺎﯾـﺔ
) (١ﺳورة اﻟﺣﺞ ـ اﻵﯾﺔ ٣٩ـ . ٤٠
ـ ٨٤ـ
دﯾــﻧﻬم وﺑﻼدﻫــم ،وﻗــد طﻠــب اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻣــﻧﻬم اﻻﺳــﺗﻌداد ﻟــذﻟك ﻓﻘــﺎل
ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وأﻋدوا ﻟﻬم ﻣﺎ اﺳﺗطﻌﺗم ﻣن ﻗوة وﻣـن رﺑـﺎط اﻟﺧﯾـل ﺗرﻫﺑـون
ﺑﻪ ﻋدو اﷲ وﻋدوﻛم " .
ﻓـﺄطﻠق اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﻟﻔــظ " اﻟﻘـوة " ﻓـﻰ اﻵﯾــﺔ ،وﻟـم ﯾﺣـددﻩ ﺑﻧــوع
ﻣﻌـــﯾن ﻟﺗﻛـــون ﻣـــن ﻧـــوع ﻣـــﺎ اﺷـــﺗﻬر ﻓـــﻰ ﻛـــل زﻣـــﺎن ﻣـــن طـــﺎﺋرات ،
وﺻـــوارﯾﺦ وﻣـــداﻓﻊ وأﺳـــﺎطﯾل وﻗﻧﺎﺑـــل وﺟﯾـــوش وأى وﺳـــﺎﺋل دﻓﺎﻋﯾـــﺔ
)(١
أﺧرى .
) (١ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻟﻠﺷﯾﺦ اﻟﻌﺟوز ـ ﺑﺗﺻرف ﯾﺳﯾر ـ ص ٢١٣ـ . ٢١٦
ـ ٨٥ـ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﳋﺎﻣﺲ
ﺍﳌـﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴـﺔ
ﺗﻣﻬﯾــد :ـ
ﺳﺑق اﻟﺣدﯾث أن اﻟﻣذاﻫب اﻟﻔﻘﻬﯾـﺔ ظﻬـرت ﻓـﻰ اﻟطـور اﻟراﺑـﻊ ﻣـن
أطوار اﻟﻔﻘﻪ واﻟذى ﺑدأ ﻣن أواﺋل اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻧﻰ اﻟﻬﺟرى ﺗﻘرﯾﺑﺎ واﻣﺗـد ﺣﺗـﻰ
ﻣﻧﺗـﺻف اﻟﻘــرن اﻟراﺑـﻊ اﻟﻬﺟــرى .وﻛﺎﻧــت اﻟـﺳﻣﺔ اﻟﺑــﺎرزة ﻓـﻰ ﻫــذا اﻟﻌــﺻر
ظﻬور اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن اﻟﻛﺑﺎر ذوى اﻟﻣﻠﻛﺎت اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ اﻟراﺳﺧﺔ أﻣﺛﺎل اﻹﻣﺎم أﺑـو
ﺣﻧﯾﻔــﺔ ،وﻣﺎﻟــك ،واﻟــﺷﺎﻓﻌﻰ ،وأﺣﻣــد ﺑــن ﺣﻧﺑــل ـ رﺿ ـوان اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم
أﺟﻣﻌﯾن ـ ﻓﻘد أﺳـﺳوا ﻣـدارس ﻓﻘﻬﯾـﺔ اﻧـﺿوى ﺗﺣـت ﻟواﺋﻬـﺎ ﻓﻘﻬـﺎء ﻛﺑـﺎر ،
وﺻﺎر ﻟﻬم اﺗﺑﺎع ﻛﺛﯾرون ،وﻗد ﺳﻣﯾت ﻫذﻩ اﻟﻣـدارس اﻟﻔﻘﻬﯾـﺔ ﺑﺎﻟﻣـذاﻫب
اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ أو اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ،واﻗﺗرﻧت ﺑﺄﺳﻣﺎء ﻣؤﺳﺳﯾﻬﺎ " وﻫذﻩ اﻟﻣذاﻫب ﻋﻠﻰ
ﻛﺛرﺗﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﺗﺟزﺋـﺔ ﻟﻺﺳـﻼم وﻻ إﺣـداث ﺷـرع ﺟدﯾـد ٕ ،واﻧﻣـﺎ ﻫـﻰ ﻣﻧـﺎﻫﺞ
ﻓﻰ ﻓﻬم اﻟﺷرﯾﻌﺔ ،وأﺳﺎﻟﯾب ﻓﻰ ﺗﻔـﺳﯾر ﻧـﺻوﺻﻬﺎ ،وطـرق ﻓـﻰ اﺳـﺗﻧﺑﺎط
اﻷﺣﻛـﺎم ﻣـن ﻣــﺻﺎدرﻫﺎ " وﻫـﻰ ﺗـﺷﺑﻪ إﻟــﻰ ﺣـد ﻛﺑﯾـر اﺧــﺗﻼف اﻟﻣﺣـﺎﻛم ﻓــﻰ
وﻗﺗﻧﺎ اﻟﺣﺎﺿر ﻓﻰ ﺗﻔﺳﯾر ﺑﻌض اﻟﻧﺻوص أو اﻟﻘواﻋد ﻋﻧـد ﺗطﺑﯾﻘﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ
اﻟــدﻋﺎوى اﻟﻣﻌروﺿــﺔ ﻋﻠﯾﻬــﺎ .ﻓﺎﻹﺳــﻼم ﻓــﻰ ﺟــوﻫرﻩ ﯾــدﻋو إﻟــﻰ اﻟوﺣــدة
واﻷﺧوة وﯾﻧﺑـذ اﻟﺗﻔرﻗـﺔ واﻟﻌـداء ،وﻟـذﻟك ُﻋـذر اﻟﻌﻠﻣـﺎء إذا ﻣـﺎ اﺧﺗﻠﻔـوا ﻓـﻰ
ﻓﻬــم اﻷﺻــول ،ورﻓــﻊ ﻋــﻧﻬم اﻟﺣــرج ﻓــﺄﻋطﻰ اﻟﻣﺧطــﺊ ﻓــﻰ اﺟﺗﻬــﺎدﻩ أﺟ ـًرا
واﻟﻣﺻﯾب أﺟـرﯾن ﺗـﺷﺟﯾﻌﺎ ﻟﻠﺑﺣـث واﻟﺗﺄﻣـل واﻻﺳـﺗﻧﺑﺎط ﻟﻣـﺎ ﻓﯾـﻪ اﻟﻣـﺻﻠﺣﺔ
اﻟﺗﻰ ﺗﻌم اﻟﺟﻣﯾﻊ .
وﻟﻬذا وﻗﻊ اﻟﺧﻼف ﻓﻰ ﻛﺛﯾر ﻣـن اﻟﻣـﺳﺎﺋل واﻷﺣﻛـﺎم ،وﻫـو رﺣﻣـﺔ
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ اﻟوﺳط ،ﻓﻛﺛرة اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﺎﺟﻣﺔ ﻋن اﻻﺧـﺗﻼف
ـ ٨٦ـ
ﺗﻌﻧﻰ ﺗﻛﺛﯾر اﻟطرق اﻟﻣوﺻﻠﺔ ﻟﻠﻧﺟﺎة ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﺣﯾﺎة ،ﻷن ﻣن ﻗﻠـد ﻋﺎﻟﻣـﺎ
ﺳﺎﻟﻣﺎ ﻛﻣﺎ ﻗـرر أﺻـﺣﺎب اﻟﻔﻬـم ﻋـن اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ـ طﺎﻟﻣـﺎ ﻛـﺎن اﻟﺣـق
ً ﻋﺎش
ﻫو اﻟوﺟﻬﺔ اﻟﻣﻘﺻودة ﻣن ﺗﻘرﯾر اﻟﺣﻛم .ﺛم إﻧك إذا ﺗﺄﻣﻠت ﻗﻠـﺔ اﻷﺻـول
ﺑﺎﻟﻧــﺳﺑﺔ ﻟﻸﺣﻛــﺎم اﻟﺗــﻰ ﺗؤﺧــذ ﻣﻧﻬــﺎ أدرﻛــت ﻧﻌﻣــﺔ أﺧــرى ﻗــﺻدﻫﺎ ﺻــﺎﺣب
اﻟـﺷرﯾﻌﺔ ـ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم ـ ﺣﺗـﻰ ﻛـﺎن ﯾﻧﻬـﻰ أﺻـﺣﺎﺑﻪ ﻋـن ﻛﺛـرة
ﺳؤاﻟﻪ ﻟﻛﻰ ﺗﺑﻘﻰ اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻬﺎ وﻫو اﻟﺣل واﻹﺑﺎﺣﺔ .
ﻫذا واﻟﻣذاﻫب اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ ﻛﺛﯾـرة وﻣﺗﻌـددة ،ﻣﻧﻬـﺎ ﻣـﺎ ﺑﻘـﻰ إﻟـﻰ ﯾوﻣﻧـﺎ
ﻫــذا ،وﻣﻧﻬــﺎ ﻣــﺎ اﻧــدﺛر وﻟــم ﯾﻛﺗــب ﻟــﻪ اﻟﺑﻘــﺎء ،ﻓﻣــن اﻟﻣــذاﻫب اﻟﺑﺎﻗﯾــﺔ
اﻟﻣـــذاﻫب اﻷرﺑﻌـــﺔ اﻟﻣـــﺷﻬورة :اﻟﻣـــذﻫب اﻟﺣﻧﻔـــﻰ ،واﻟﻣـــذﻫب اﻟﻣـــﺎﻟﻛﻰ ،
واﻟﻣــذﻫب اﻟــﺷﺎﻓﻌﻰ ،واﻟﻣــذﻫب اﻟﺣﻧﺑﻠــﻰ ،وﻣــن ﻣــذاﻫب اﻟــﺷﯾﻌﺔ اﻟﺑﺎﻗﯾــﺔ
اﻟزﯾدﯾﺔ ،واﻹﻣﺎﻣﯾﺔ ،واﻹﺳﻣﺎﻋﯾﻠﯾﺔ " .
ﻛذﻟك ﯾوﺟد اﻟﻣذﻫب اﻟدرزى واﻟﻣذﻫب اﻹﺑﺎﺿﻰ اﻟذى ﯾﻌﺷﻘﻪ ﺑﻌض
ﻣن اﻟﻧﺎس ﻓـﻰ ﺟﻬـﺎت ﻗﻠﯾﻠـﺔ ﻣـن اﻟﻌـﺎﻟم اﻹﺳـﻼﻣﻰ .وﻣـن اﻟﻣـذاﻫب اﻟﺗـﻰ
اﻧدﺛرت ﻣذﻫب اﻷوزاﻋﻰ ،واﻟﺛورى ،واﻟﻠﯾث ﺑن ﺳﻌد ،واﻟﻣذﻫب اﻟظﺎﻫرى
،وﻣذﻫب اﻟطﺑرى (١).وﻓﻰ ﻫذا اﻟﻔﺻل ﺳوف ﻧﻘﺻر اﻟﺣدﯾث ﻋـن أﺋﻣـﺔ
أﻫــل اﻟــﺳﻧﺔ ﻓﻘــط ،واﻟﺗــﻰ ﻛــﺎن ظﻬورﻫــﺎ ﻓﯾﻣــﺎ ﺑــﯾن ﺑداﯾــﺔ اﻟﻘــرن اﻟﺛــﺎﻧﻰ
اﻟﻬﺟرى ،وﺑداﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ اﻟﻬﺟرى ،وذﻟـك ﻓـﻰ ﺻـورة ﻣـوﺟزة ﺗﻛـﺷف
ﻋن ﺻـﺎﺣب اﻟﻣـذﻫب وأﺳـﺎﺗذﺗﻪ وﺗﻼﻣﯾـذﻩ واﻷﺻـول اﻟﺗـﻰ اﻋﺗﻣـد ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،
وأﺷﻬر اﻟﻛﺗب اﻟﻣؤﻟﻔﺔ واﻟﺗﻰ ﻧﻘﻠت ﻋﻧﻪ .
) (١د /أﺑو اﻟﻌﯾﻧﯾن ـ اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ـ ص . ١٢٥
ـ ٨٧ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﳊﻨﻔﻲ
ﻻ ﺑـد ﻣــن ذﻛــر ﺗرﺟﻣــﺔ ﻟﻺﻣـﺎم أﺑــﻲ ﺣﻧﯾﻔــﺔ ﻣؤﺳــس اﻟﻣــذﻫب ،
وﻣﻌرﻓـــﺔ ﺷـــﯾوﺧﻪ ،وﺗﻼﻣﯾـــذﻩ أﻋـــﻼم اﻟﻣـــذﻫب ،وﻛﺗﺑـــﻪ وﻣـــﺻﻧﻔﺎﺗﻪ ،
وﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ،ﺛم ﻧﺑﯾن أﺻول وأﺳس اﻟﻣذﻫب .
ﺗﺮﲨﺔ ﺍﻷﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ) .( ١
ﻧﺴﺒﻪ :
ﻫـو اﻹﻣــﺎم اﻟﺑـﺎرع :أﺑــو ﺣﻧﯾﻔـﺔ اﻟﻧﻌﻣــﺎن ﺑـن ﺛﺎﺑــت ﺑـن ُزوطَــﻲ
)ﺑﺿم اﻟزاى وﻓﺗﺢ اﻟطﺎء ( .
وﻟد ﺑﺎﻟﻛوﻓﺔ ﺳﻧﺔ ) ٨٠ﻫـ ( ﺛﻣﺎﻧﯾن ،وﺗوﻓﻰ ﻓـﻲ ﺷـﻬر رﺟـب
ﺑﺑﻐداد ﺳﻧﺔ ) ١٥٠ه( ﺧﻣﺳﯾن وﻣﺎﺋﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة ،وﻫو اﺑن ﺳﺑﻌﯾن
ﺳﻧﺔ .ودﻓن ﺑﺎﻟﺟﺎﻧب اﻟﺷرﻗﻲ ﻣن ﺑﻐداد ﻓـﻲ ﻣﻘﺑـرة اﻟﺧﯾـزران ،وﻗﺑـرﻩ
ﻫﻧﺎك ظﺎﻫر ﻣﻌروف .
ﻧﺸﺄﺗﻪ :
ﻧــﺷﺄ ﺑﺎﻟﻛوﻓــﺔ ،وﺑــدأ ﺣﯾﺎﺗــﻪ ﺑﺎﻟﺗﺟــﺎرة ،ﻓﻛــﺎن ﯾ ــﺑﯾﻊ اﻟ ــﺧز ـ
اﻟﺣرﯾر ـ ﻓﻌرف ﺑﺎﻟﺻدق واﻷﻣﺎﻧﺔ واﻟﻠـﯾن ،وﻫـذا اﻛـﺳﺑﻪ ﺧﺑـرة ﺑﻣﻌرﻓـﺔ
اﻷﺳواق ،وﺣﯾل اﻟﺗﺟﺎر.
) ( ١ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :طﺒﻘ ﺎت اﻟﻔﻘﮭ ﺎء ﻷﺑ ﻲ إﺳ ﺤﺎق اﻟ ﺸﯿﺮازي ص ، ٨٦ﺗﮭ ﺬﯾﺐ اﻷﺳ ﻤﺎء
واﻟﺼﻔﺎت ﻟﻠﻨﻮوي ، ٢١٦:٢٢١/٢ﺗ ﺬﻛﺮة اﻟﺤﻔ ﺎظ ﻟﻠ ﺬھﺒﻲ ص ، ١٦٨/١ﺗﺮﺟﻤ ﺔ رﻗ ﻢ
، ١٦٣اﻟﺠ ﻮاھﺮ اﻟﻤ ﻀﯿﺔ ﻓ ﻲ طﺒﻘ ﺎت اﻟﺤﻨﻔﯿ ﺔ ص ، ٣٢ : ٢٦ﻣﻨﺎﻗ ﺐ اﻹﻣ ﺎم أﺑ ﻲ
ﺣﻨﯿﻔﺔ وﺻﺎﺣﺒﯿﮫ ﻟﺸﻤﺲ اﻟﺪﯾﻦ اﻟ ﺬھﺒﻲ ص ، ٥٣/١ﻣﻨﺎﻗ ﺐ اﻷﺋﻤ ﺔ اﻷرﺑﻌ ﺔ ﻷﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ
اﻟ ﺴﻠﻤﺎﺳﻲ ،١٨١ ،١٤٨/١اﻟﻤ ﺪﺧﻞ إﻟ ﻰ دراﺳ ﺔ اﻟﻤ ﺬاھﺐ اﻟﻔﻘﮭﯿ ﺔ ﻟﻸﺳ ﺘﺎذ اﻟ ﺪﻛﺘﻮر/
ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻌﺔ ص . ١٣٩ :٧٣
ـ ٨٨ـ
ﺛــم ﺣﺑــب اﷲ إﻟﯾــﻪ اﻟﻌﻠــم ،ﻓﺎﺷــﺗﻐل ﺑﻌﻠــم اﻟﻛــﻼم ـ اﻟﺗوﺣﯾــد ـ
وﻛﺎﻧت ﻟـﻪ ﺣﺟـﺔ ﻗوﯾـﺔ ﻓـﻲ إﻓﺣـﺎم ﺧـﺻوﻣﻪ ،ﻧظـراً ﻟﻣـﺎ ﯾﺗﻣﺗـﻊ ﺑـﻪ ﻣـن
اﻟذﻛﺎء وﺳرﻋﺔ اﻟﺑدﯾﻬﺔ .
ﺛــم اﺗﺟــﻪ إﻟــﻰ طﻠــب اﻟﻔﻘــﻪ ﻓﻘــدم إﻟــﻰ اﻟﺑــﺻرة وأﺧــذ اﻟﻌﻠــم ﻋــن
ﺣﻣﺎد ﺑن أﺑﻲ ﺳﻠﯾﻣﺎن وﻻزﻣﻪ ﺣﺗﻰ ﻣﺎت ،وﻧﻘﻠﻪ أﺑو ﺟﻌـﻔر اﻟﻣﻧﺻور
إﻟــﻰ ﺑﻐــداد ،ﻓﺎﺷــﺗﻐل ﺑﺎﻟﻔﻘــﻪ ﺣﺗــﻰ ﺻــﺎر إﻣﺎﻣــﺎً ﻷﻫــل اﻟـرأي ،وﻓﻘﯾﻬــﺎً
ﻷﻫل اﻟﻌراق ،وأﺻﺑﺢ ﻣؤﺳﺳﺎً ﻟﻣذﻫب اﻟﺳﺎدة اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ،وﻣﻌدوداً ﻣن
ﺣﻔﺎظ اﻟﺣدﯾث اﻟﻧﺑوي .
ﺃﺳﺎﺗﺬﺗﻪ :
: ﺣﻣــﺎد ﺑــن أﺑــﻲ ﺳــﻠﯾﻣﺎن ،وﻻزﻣــﻪ ﺛﻣــﺎﻧﻲ
ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ،وﺗﺄﺛر ﻛﺛﯾر ﺑﺂراﺋﻪ ،وطرﻗﻪ ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺑﺎط اﻷﺣﻛﺎم .
ﻗــﺎل أﺑــو ﺣﻧﯾﻔــﺔ " :ﻗــدﻣت اﻟﺑــﺻرة وظﻧﻧــت أﻧــﻲ ﻻ أﺳــﺎل ﻋــن
ﺷﻲء إﻻ أﺟﺑت ﻓﯾﻪ ،ﻓﺳﺄﻟوﻧﻲ ﻋن أﺷﯾﺎء ﻟم ﯾﻛن ﻋﻧدي ﻓﯾﻬﺎ ﺟواب
؟! ﻓﺟﻌﻠــت ﻋﻠــﻰ ﻧﻔــﺳﻲ أن ﻻ أﻓــﺎرق ﺣﻣــﺎداً ﺣﺗــﻰ ﯾﻣــوت ،ﻓــﺻﺣﺑﺗﻪ
ﺛﻣﺎﻧﻲ ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ " .
وﺣﻣـﺎد ﺑــن أﺑــﻲ ﺳــﻠﯾﻣﺎن أﺧــذ اﻟﻌﻠـم ﻋــن إﺑـراﻫﯾم اﻟﻧﺧﻌــﻲ ﻋــن
ﻋﻣــر ﺑــن اﻟﺧطــﺎب ،وﻋﻠــﻰ ﺑــن أﺑــﻲ طﺎﻟــب ،وﻋﺑــد اﷲ ﺑــن ﻣــﺳﻌود ،
وﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻋﺑﺎس .
: ﻋطـﺎء ﺑـن رﺑـﺎح ،وﻧـﺎﻓﻊ ﻣـوﻟﻰ ﻋﺑـد اﷲ
ﺑـــن ﻋﻣـــر ﺑـــن اﻟﺧطـــﺎب ،وﻫـــﺷﺎم ﺑـــن ﻋـــروة ..وﻏﯾـــرﻫم ﻛﺛﯾـــر ،ورأى
اﻟــﺻﺣﺎﺑﻲ اﻟﺟﻠﯾــل أﻧــس ﺑـــن ﻣﺎﻟــك رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ـ ﺳــﻧﺔ ﺧﻣـــس
ـ ٨٩ـ
وﺗﺳﻌﯾن وﺳﻣﻊ ﻣﻧﻪ ) .( ١
ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ :
ﺗﻔﻘﻪ ﻋﻠﻰ أﺑـﻲ ﺣﻧﯾﻔـﺔ وروى ﻋﻧـﻪ ﺧﻠـق ﻛﺛﯾـر ،ﻧـذﻛر أﺷـﻬرﻫم
ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ وأﺷﻬر ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻬم ،ﻣﻧﻬم ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
١ـ ﺍﻷﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﻳﻮﺳﻒ :
ﻫو اﻹﻣﺎم اﻟﻣﺗﻔن ،اﻟﻣﺟﺗﻬد اﻟﻣطﻠق :ﯾﻌﻘوب ﺑن إﺑراﻫﯾم ﺑـن
ﺣﺑﯾب اﻷﻧﺻﺎري ،وﻟد ﺳﻧﺔ )١١٣ﻫـ( وﺗوﻓﻰ ﻋﺎم )١٨٣ﻫـ(.
ﻣــﺻﻧﻔﺎﺗﻪ :ﻷﺑــﻲ ﯾوﺳــف ﻣؤﻟﻔــﺎت ﻛﺛﯾــرة ذﻛرﻫــﺎ أﻫــل اﻟﻌ ــﻠم ،
ﻣﻧﻬﺎ :ﻛـﺗﺎب" اﻵﺛﺎر " وﻛﺗـﺎب " اﻟـرد ﻋﻠـﻰ ﺳـﯾر اﻷوزاﻋـﻲ " وﻛﺗـﺎب "
اﺧﺗﻼف اﺑن أﺑﻲ ﻟﯾﻠﻰ ﻣﻊ أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ " وﻛﺗﺎب " اﻟﺧراج " وﻫو أﺷﻬر
ﻛﺗﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ،وﺗرﺟم إﻟﻰ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻠﻐﺎت اﻟﻐرﺑﯾﺔ .
٢ـ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﳏﻤﺪ ﺑﻦ ﺍﳊﺴﻦ :
ﻫو اﻹﻣﺎم اﻟﺣﺎﻓـظ :ﻣﺣــﻣد ﺑـن اﻟﺣــﺳن ﺑـن ﻓرﻗـد اﻟـﺷـﯾﺑﺎﻧﻲ ،
اﻟﻣﻌــروف ﺑـــ " ﺻــﺎﺣب أﺑــﻲ ﺣﻧﻔﯾــﺔ " وﻟــد ﺳــﻧﺔ )١٣٢ﻫـــ( وﻗﯾـل ﺳــﻧﺔ
)١٣٥ﻫـ( وﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ )١٨٩ﻫـ(.
ﻣﺻﻧﻔﺎﺗﻪ :ﻟﻣﺣﻣد ﺑـن اﻟﺣـﺳن ﻣؤﻟﻔـﺎت ﻋظﯾﻣـﺔ وﻛﺛﯾـرة ،ﺗﻌـد
وﺑﺣـق ﻫـﻲ اﻟﻌﻣـﺎد ﻟﻠﻛﺗـب اﻟﻣدوﻧـﺔ ﻓـﻲ ﻓﻘـﻪ اﻟﻣـذاﻫب ،أﺷـﻬرﻫﺎ ﻛﺗــب
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :طﺒﻘﺎت اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻷﺑﻲ إﺳﺤﺎق اﻟﺸﯿﺮازي ص ، ٨٦ﻣﻨﺎﻗﺐ اﻷﺋﻤﺔ اﻷرﺑﻌﺔ
ﻷﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺴﻠﻤﺎﺳﻲ . ١٤٨/١
ـ ٩٠ـ
ظﺎﻫر اﻟرواﯾﺔ ،وﻫﻲ :
)(١
اﻟﻣﺑﺳوط ــ اﻟﺟﺎﻣﻊ اﻟﻛﺑﯾر ــ اﻟﺟﺎﻣﻊ اﻟﺻﻐﯾرـ اﻟﺳﯾر اﻟﻛﺑﯾـر
ــ اﻟﺳﯾر اﻟﺻﻐﯾر ــ اﻟزﯾﺎدات .
وﺗﺳﻣﻰ ﻫذﻩ اﻟﻛﺗب اﻟﺳﺗﺔ ﺑﻛﺗب ظﺎﻫر اﻟرواﯾﺔ ؛ ﻷﻧﻬـﺎ ﻣروﯾـﺔ
ﺑطرﯾــق اﻟــﺷﻬـرة ،أو ﺑطرﯾــق اﻟﺗـواﺗر ،وﺗﻌــد ﺑــﺎﻗﻲ ﻛﺗــب اﻹﻣــﺎم ﻣﺣﻣــد
ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ ﻣن ﻏﯾر ظﺎﻫر اﻟرواﯾﺔ ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣروﯾﺔ ﺑطرﯾـق اﻵﺣـﺎد ﻧـذﻛر
ﻣﻧﻬﺎ :
اﻟرﻗﯾـﺎت ـ اﻟﻛﺎﺳـﺎﻧﯾﺎت)اﻷﻣـﺎﻟﻲ( ــ اﻟﺟرﺟﺎﻧﯾـﺎت ـ اﻟﻬﺎروﻧﯾـﺎت ـ
ﻛﺗﺎب اﻟﻧوادر) .( ٢
ﺗﻧﺑﯾﻪ :اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﺻﺎﺣﺑﺎن :أﺑو ﯾوﺳف وﻣﺣﻣد .
ُ َ
٣ـ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺯﻓــﺮ :
ﻫو اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌﺎﺑد :أﺑو ﻋﺑد اﷲ زﻓر ﺑن اﻟﻬذﯾل اﻟﻌﻧﺑـري ،وﻟـد
ﺳﻧﺔ )١١٠ه( وﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ) ١٥٨ه ( .
ﻛﺗﺑــﻪ وﻣــﺻﻧﻔﺎﺗﻪ :ﻟــم ﯾــﺻﻠﻧﺎ ﻣﻧﻬــﺎ ﺷــﻲء ٕ ،واﻧﻣــﺎ ﻧﻘﻠــت إﻟﯾﻧــﺎ
آراؤﻩ ﻣن ﺧﻼل ﺗﻼﻣﯾذﻩ ،وﻣؤﻟﻔﺎت اﻟﺳﺎدة اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ .
ﻓﻀﻠﻪ ﻭﻣﻜﺎﻧﺘﻪ :
ﻛﺎن أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ورﻋﺎً ،وﺳﯾﻊ اﻟﻣﺎل ،ﻛﺛﯾر اﻟﺑر واﻟﺻﻠﺔ ﻟﻣـن
) ( ١ـ ﻛﺘﺎب )اﻟﺴﯿﺮ اﻟﻜﺒﯿﺮ( ھﻮ أول ﻛﺘﺎب ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ،ﺟﻌ ﻞ ﻛﺜﯿ ﺮاً
ﻣ ﻦ اﻟﻤﻔﻜ ﺮﯾﻦ ،وﻣ ﻨﮭﻢ اﻷﺟﺎﻧ ﺐ ،ﯾﻌﺘﺒ ﺮون اﻹﻣ ﺎم ﻣﺤﻤ ﺪاً أﺑ ﺎ اﻟﻘ ﺎﻧﻮن اﻟ ﺪوﻟﻲ ﻗﺒ ﻞ
ﻏﺮوﺳﯿﻮس وﻏﯿﺮه،" ..
ﯾﻨﻈﺮ :ﻣﺠﻠﺔ اﻟﺒﯿﺎن ٣٦/١٢
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ دراﺳﺔ اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﻔﻘﮭﯿﺔ ﻟﻸﺳﺘﺎذ اﻟﺪﻛﺘﻮر /ﻋﻠ ﻰ ﺟﻤﻌ ﺔ ص
. ٨٧ ، ٧٧
ـ ٩١ـ
ﯾﻌرف وﻟﻣن اﻟﺗﺟﺄ إﻟﯾﻪ ،ﻛﺛﯾر اﻹﻓﺿﺎل ﻋﻠﻰ إﺧواﻧﻪ .
ﻓﻘد ﻛﺎن ـ رﺣﻣﻪ اﻟﻠــﻪ ـ ﯾﺑﻌـث ﺑﺎﻟﺑـﺿﺎﺋﻊ إﻟـﻰ ﺑﻐـداد ،وﯾـﺷﺗري
ﺑﺛﻣﻧﻬــﺎ أﻣﺗﻌــﺔ ،وﯾﺟﻠﺑﻬــﺎ ﻷﻫــل اﻟﻛوﻓــﺔ ،وﯾﺟﻣــﻊ اﻷرﺑــﺎح ﻣــن اﻟــﺳﻧﺔ
إﻟﻰ اﻟﺳﻧﺔ ،وﯾﺷﺗري ﻣﻧﻬـﺎ ﺣـواﺋﺞ اﻷﺷـﯾﺎخ ،واﻟﻣﺣـدﺛﯾن ،وﯾﻌطـﯾﻬم
ﻣﻧﻬﺎ ،وﯾﻘول " :أﻧﻔﻘوﻫـﺎ ﻓـﻲ ﺣـواﺋﺟﻛم ،وﻻ ﺗﺣﻣـدوا إﻻ اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ،
ﻓﺈﻧﻪ واﷲ ﻣﻣﺎ ﯾﺟرﯾﻪ اﷲ ﻟﻛم ﻋﻠﻰ ﯾدي " ...
وﻛــﺎن اﻹﻣــﺎم أﺑــو ﺣﻧﯾﻔــﺔ ﻋﺎﻟﻣــﺎ ،ﻓﻘﯾﻬــﺎً ،ﺻــﺑوراً ﻋﻠــﻰ ﺗﻌﻠــﯾم
اﻟﻌﻠم ﺑﺎﻟﻠﯾل واﻟﻧﻬـﺎر ،ﻛﺛﯾـر اﻟـﺻﻣت ،ﻗﻠﯾـل اﻟﻛـﻼم ،ﯾـدل ﻋﻠـﻰ اﻟﺣـق
وﻻ ﯾﺧﺷﻰ أﺣداً ﻣن اﻟﻧﺎس وﻟو ﻛﺎن ذا ﺳﻠطﺎن .
ﻗـــﺎل أﺑـــو ﺑﻛـــر ﺑـــن ﻋﯾـــﺎش " :ﻣـــﺎت أﺧـــو ﺳـــﻔﯾﺎن اﻟﺛـــوري ،
ﻓﺎﺟﺗﻣﻊ اﻟﻧﺎس ﻟﻌزاﺋﻪ ،ﻓﺟﺎءﻩ أﺑو ﺣﻧﯾﻔـﺔ ،ﻓﻘـﺎم ﻟـﻪ ﺳـﻔﯾﺎن ،وأﻗﻌـدﻩ
ﻣﻛﺎﻧﻪ ،وﻗﻌد ﺑـﯾن ﯾدﯾـﻪ ،ﻓﻠﻣـﺎ ﺗﻔـرق اﻟﻧـﺎس ﻗـﺎل أﺻـﺣﺎب ﺳـﻔﯾﺎن :
رأﯾﻧﺎك ﻓﻌﻠت اﻣرأ ﻋﺟﯾﺑﺎً ،ﻓﻘﺎل :ﻫذا رﺟل ﻣن اﻟﻌﻠم ﺑﻣﻛﺎن ،ﻓﺈن ﻟـم
أﻗم ﻟﻌﻠﻣﻪ ﻗﻣت ﻟـﺳﻧﻪ ،وان ﻟـم أﻗـم ﻟـﺳﻧﻪ ﻗﻣـت ﻟﻔﻘﻬـﻪ ،وان ﻟـم أﻗـم
ﻟﻔﻘﻬﻪ ﻗﻣت ﻟورﻋﻪ".
ﻗﺎل اﺑن اﻟﻣﺑﺎرك " :ﻣﺎ رأﯾت أﺣـداً ﻗـط ﺗﻛﻠـم ﻓـﻲ اﻟﻔﻘـﻪ أﺣـﺳن
ﻣن أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ "
وﻋن اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ﻗﺎل ":اﻟﻧﺎس ﻋﯾﺎل ﻋﻠﻰ أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ".
وﻫذا ﻓﻲ ﻋﻠﻣﻪ وﻓﻘﻬﻪ وورﻋﻪ ،أﻣﺎ ﻋن ﺻﻣﺗﻪ ،وﻗﻠـﺔ ﻛﻼﻣـﻪ
ﻋـن ُ ْ ٍ
ﻗـﺎل:
ﺷـرﯾك َ َ ، روي َ ْ َ ،وﻋدم ﻣﺧﺎﻟطﺗﻪ ﻟﻠﻧﺎس ؛ ﻟﻐرﯾزة ﻓﯾـﻪ ،ﻓﻘـد َ ُ ِ َ
ــل اﻟﻌﻘـ ِــل ِ َ ،
ﻗﻠﯾـ َ ــرِ َ ،
ﻛﺑﯾـ َــر ْ َ ْ ــم ْ ِ ْ
اﻟﻔﻛـ ِ ــل اﻟـ ﱠ ِ ِ ــﺔ َ ِ ــﺎن أَﺑـــو ِ
ــﺻﻣت َداﺋـ َ
ْ طوﯾـ َ ﺣﻧﯾﻔَـ َ
" َﻛـ َ ُ َ
ـ ٩٢ـ
ﻣﺣﺎدﺛﺔ ِ ﱠ ِ
ﻟﻠﻧﺎس" . ْاﻟ َ َ ِ
َُ
ﻋﺗﺑـﺎ ﻣـن ﱠ ِ
اﻟﻧـﺎس َ ًَ ﺣﻧﯾﻔـﺔ ِ َ
ﻟﻘـﻲ أ َُﺑـو َ ِ َ َ
ِ ﺑن َ ﱠ ٍ
ﻋﯾـﺎشَ َ " :
ﺑﻛر ْ ِ
ﻗﺎل أ َُﺑو َ ْ ِ
وَ َ
ذﻟك ِ ْ
ﻣﻧﻪُ ﻛﺎن َ ِ َ ﻣن َزْ ٍ ِ ِ ﱠ
اﻧﻣﺎ َ َ
ﻫو ﻓﯾﻪٕ َ ،وِ َ ﯾروﻧﻪُ ِ ْ
ﻓﻛﺎﻧُوا َ َ ْ َ ﻟﻘﻠﺔ َ َ َ ِ ِ
ﻣﺧﺎﻟطﺗﻪ ﱠ َ
اﻟﻧﺎسَ َ ، ُ
ِِ ﱠ ِ
ﻏرﯾزةٌَ ِ ِ
ﻓﯾﻪ " . َِ
ﻫـــذا ...وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﺗﻔرﻏﻪ ﻟﻠﻌﻠم إﻻ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻋﺎﺑداً زاﻫداً
ﺗﻘﯾﺎً ﻻ ﯾﻧﺎم اﻟﻠﯾل ﻣن ﻛﺛرة اﻟﺻﻼة ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن .
ﻗﺎل ﯾﺣﯾﻰ ﺑن أﯾوب اﻟزاﻫد " :ﻛﺎن أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ﻻ ﯾﻧﺎم اﻟﻠﯾل "
وﻗﺎﻟوا " ﻛﺎن أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ﯾﺳﻣﻰ اﻟوﺗد ﻣن ﻛﺛرة ﺻﻼﺗﻪ " ) .( ١
ﻣﻮﻗﻔﻪ ﻣﻦ ﺗﻮﱃ ﺍﻟﻘﻀﺎء :
أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ اﻟزاﻫد اﻟﺗﻘﻲ اﻟورع ﺗﻘﺑل ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـدﻧﯾﺎ ،ﻓﯾزﻫـد ﻓﯾﻬـﺎ
،وﯾﺄﺑﻰ أن ﯾﺗوﻟﻰ اﻟﻘﺿﺎء ﺧوﻓﺎً ﻣن اﻟوﻗوع ﻓﻲ ظﻠم اﻟﻧﺎس .
ﻋـرض ﻋﻠﯾـﻪ اﺑـن ﻫﺑﯾـرة ـ ﺣـﺎﻛم اﻟﻛوﻓـﺔ ـ أن ﯾﺗـوﻟﻰ اﻟﻘـﺿﺎء ،
ﻓــﺄﺑﻲ ﻋﻠﯾــﻪ ،ﻓــﺿرﺑﻪ ﻣﺎﺋــﺔ ﺳــوط ،ﻓــﻲ ﻛــل ﯾــوم ﻋــﺷرة أﺳـواط ،ﺛــم
ﺧﻠﻰ ﺳﺑﯾﻠﻪ .
وﻟﯾس ﻫذا ﻓﺣﺳب ﺑل إن أﻣﯾر اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن أﺑـﺎ ﺟﻌﻔـر اﻟﻣﻧـﺻور
أﺗـﻰ ﺑـﻪ ﻣـن اﻟﻛوﻓــﺔ إﻟـﻰ ﺑﻐـداد ودﻋــﺎﻩ أن ﯾﺗـوﻟﻰ اﻟﻘـﺿﺎء ،ﻓــﺎﻣﺗﻧﻊ ،
ﻓﺣﻠــف ﻋﻠﯾــﻪ ﻟــﯾﻔﻌﻠن ،وﺣﻠــف أﺑــو ﺣﻧﯾﻔــﺔ أن ﻻ ،ﻓﺣﻠــف اﻟﻣﻧــﺻور
ﻟﯾﻔﻌﻠن ،ﻓﺣﻠف أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ أن ﻻ ،ﻓﻘﺎل اﻟرﺑﯾﻊ اﻟﺣﺎﺟب :أﻻ ﺗرى أن
أﻣﯾـر اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن ﯾﺣﻠـف ،ﻓﻘـﺎل أﺑـو ﺣﻧﯾﻔـﺔ أﻣﯾـر اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن أﻗـدر ﻋﻠـﻰ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :طﺒﻘﺎت اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻷﺑﻲ إﺳﺤﺎق اﻟﺸﯿﺮازي ص ، ٨٦اﻟﺠﻮاھﺮ اﻟﻤﻀﯿﺔ ﻓﻲ
طﺒﻘ ﺎت اﻟﺤﻨﻔﯿ ﺔ ص ، ٣٢ : ٢٦ﻣﻨﺎﻗ ﺐ اﻹﻣ ﺎم أﺑ ﻲ ﺣﻨﯿﻔ ﺔ وﺻ ﺎﺣﺒﯿﮫ ﻟ ﺸﻤﺲ اﻟ ﺪﯾﻦ
اﻟﺬھﺒﻲ ص ، ٥٣/١ﻣﻨﺎﻗﺐ اﻷﺋﻤﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ﻷﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺴﻠﻤﺎﺳﻲ .١٨١ ،١٤٨/١
ـ ٩٣ـ
ﻛﻔﺎرة أﯾﻣﺎﻧﻪ ﻣﻧﻰ ،ﻓﺣﺑﺳﻪ ﻟﺑﻌض اﻟوﻗت .
وﯾـــروى أن أﻣﯾـــر اﻟﻣـــؤﻣﻧﯾن دﻋـــﺎﻩ ﻣـــن ﻣﺣﺑـــﺳﻪ ،وﻗـــﺎل ﻟـــﻪ :
أﺗرﻏب ﻋﻣﺎ ﻧﺣن ﻓﯾﻪ ،ﻓﻘﺎل أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ــ أﺻﻠﺢ اﷲ أﻣﯾـر اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن ـــ
ﻻ أﺻــﻠﺢ ﻟﻠﻘــﺿﺎء ،ﻓﻘــﺎل أﻣﯾــر اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﻛــذﺑت ،ﺛــم ﻋــرض ﻋﻠﯾــﻪ
ﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﻘﺎل أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ :ﻗد ﺣﻛم ﻋﻠﻲ أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن أﻧـﻲ ﻻ أﺻـﻠﺢ
ﻟﻠﻘﺿﺎء؛ ﻷﻧﻪ ﻧﺳﺑﻧﻲ ﻟﻠﻛذب ،ﻓـﺈن ﻛﻧـت ﻛﺎذﺑـﺎً ﻓـﻼ أﺻـﻠﺢ ﻟﻠﻘـﺿﺎء ،
ٕوان ﻛﻧت ﺻﺎدﻗﺎً ﻓﻘد أﺧﺑرت أﻣﯾر اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن أﻧـﻲ ﻻ أﺻـﻠﺢ ﻟﻠﻘـﺿﺎء ،
ﻓردﻩ اﻟﻣﻧﺻور إﻟﻰ ﻣﺣﺑﺳﻪ.
وﻛﺎن اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ـ رﺣﻣﻪ اﷲ ـ إذا ذﻛر ﻋﻧدﻩ ذﻟـك ،
ﺑﻛﻰ وﺗرﺣم ﻋﻠﻰ أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ ) .( ١
ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻪ ﻭﻛﺘﺒﻪ :
ﻟﻺﻣﺎم أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ ﻛﺗﺎب ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث اﺳﻣﻪ " ﻣﺳﻧد أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ
" ﻓــﻲ اﻟﺣــدﯾث ،ﺟﻣﻌــﻪ ﺗﻼﻣﯾــذﻩ ،و ﻛﺗــﺎب ﺻﻐ ــﯾر ﻓــﻲ اﻟﻔﻘــﻪ اﺳ ــﻣﻪ
" اﻟﻣﺧﺎرج " رواﻩ ﻋﻧﻪ ﺗﻠﻣﯾذﻩ أﺑو ﯾوﺳف .وﺗﻧﺳب إﻟﯾﻪ رﺳﺎﻟﺔ " اﻟﻔﻘﻪ
اﻷﻛﺑر " وﻟم ﺗﺻﺢ اﻟﻧﺳﺑﺔ إﻟﯾﻪ ) .( ٢
ﺃﺻﻮﻝ ﻭﺃﺳﺲ ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﳊﻨﻔﻲ :
اﻷﺻول واﻷدﻟﺔ اﻟﺗﻲ اﻋﺗﻣد ﻋﻠﯾﻬﺎ أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ﺳﺑﻌﺔ :اﻟﻛﺗـﺎب
،واﻟﺳﻧﺔ ،وأﻗوال اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ،واﻹﺟﻣﺎع ،واﻟﻘﯾـﺎس ،واﻻﺳﺗﺣـﺳﺎن ،
)(١
اﻟﺼﯿﻤﺮي
ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺧﺒﺎر أﺑﻲ ﺣﻨﯿﻔﺔ وأﺻﺤﺎﺑﮫ ،اﻟﻤﺆﻟﻒ :اﻟﺤﺴﯿﻦ أﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﷲ ﱠ ْ َ
اﻟﺤﻨﻔﻲ ص .٦٧
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻷﻋﻼم ﻟﻠﺰرﻛﻠﻲ . ٣٦ / ٨
ـ ٩٤ـ
واﻟﻌرف .
وﻓﯾﻬﺎ ﺷﻲء ﻣن اﻟﺗﻔﺻﯾل ،ﯾﻧﺑﻐـﻲ ﻟطﺎﻟـب اﻟﻌﻠـم اﻹﻟﻣـﺎم ﺑـﻪ ،
ﺑﯾﺎﻧﻪ ﻛﺎﻟﺗﺎﻟﻲ :
١ــــــ اﻟﺣﻧﻔﯾـــﺔ ﯾﻔرﻗـــون ﺑـــﯾن اﻷواﻣـــر اﻟﺛﺎﺑﺗـــﺔ ﺑﺄدﻟـــﺔ ﻗطﻌﯾـــﺔ ،
واﻷواﻣـر اﻟﺛﺎﺑﺗــﺔ ﺑﺄدﻟــﺔ ظﻧﯾــﺔ ،ﻓﻣــﺎ ﺛﺑــت ﺑــدﻟﯾل ظﻧــﻰ ﯾــﺳﻣﻰ ﻓــرض ،
وﻣﺎ ﺛﺑت ﺑدﻟﯾل ﻗطﻌﻲ ﯾﺳﻣﻰ واﺟب .
وﻛذا اﻟﻣﻧﻬﻲ ﻋﻧﻪ اﻟﺛﺎﺑت ﺑدﻟﯾل ﻗطﻌﻲ ﯾﺳﻣﻰ ﺣرام ،واﻟﻣﻧﻬـﻲ
ﻋﻧﻪ اﻟﺛﺎﺑت ﺑدﻟﯾل ظﻧﻲ ﯾﺳﻣﻰ ﻣﻛروﻩ ﻛراﻫﺔ ﺗﺣرﯾﻣﯾﺔ .
٢ــ اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﻣﺗواﺗرة ﺣﺟﺔ ﻋﻧد أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ ،ﻛﻣـﺎ أﻧـﻪ ﯾرﻓـﻊ
اﻟﻣـــﺷﻬور ﻣـــن اﻷﺣﺎدﯾـــث إﻟـــﻰ ﻣرﺗﺑـــﺔ ﻗرﯾﺑـــﺔ ﻣـــن اﻟﯾﻘـــﯾن ،وﺟﻌﻠﻬـــﺎ
ﻣﺧﺻﺻﺔ ﻟﻠﻘرآن اﻟﻛرﯾم .
٣ــ ﯾﺗﺿﺢ ﻣن اﻟﻔروع واﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻔﻘﻬﯾـﺔ اﻟﻣروﯾـﺔ ﻋﻧـﻪ ،أﻧـﻪ
ﻛﺎن ﯾﺄﺧـذ ﺑﺄﺣﺎدﯾـث اﻵﺣـﺎد ،وﯾﺗﺧـذ ﻣﻧﻬـﺎ ﺳـﻧداً ﻷﻗﯾـﺳﺗﻪ وأﺻـوﻟﻬﺎ ،
وﯾﺷﺗرط ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﺷﺗرطﻪ اﻟﻣﺣدﺛون ﻣن اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﺿﺑط ،وﻗد ﺗـﺷدد
ﻟﻠﻌﻣل ﺑﻬﺎ وذﻛر ﺷروطﺎً ﻟم ﯾـﺷﺗرطﻬﺎ ﻏﯾـرﻩ ،ﻧظـراً ﻟﻛﺛـرة اﻟﻛـذب ﻋﻠـﻰ
اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ــ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻌراق .
٤ـ أﻗوال اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ :إذا ﻟم ﯾوﺟد ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻧـص ﻣـن ﻛﺗـﺎب
وﻻ ﺳﻧﺔ ،ﻛﺎن اﻹﻣﺎم أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ﯾﺄﺧذ ﻣن أﻗـوال أﺻـﺣﺎﺑﺔ ﻣـﺎ ﺷـﺎء ،
وﻻ ﯾﺧــرج ﻋﻧﻬــﺎ إﻟــﻰ أﻗ ـوال ﻏﯾــرﻫم ،ﻓــﺈذا اﻧﺗﻬــﻰ اﻷﻣــر إﻟــﻰ إﺑــراﻫﯾم
اﻟﻧﺧﻌـــﻲ ،واﻟﺣـــﺳن اﻟﺑـــﺻري ،واﺑـــن ﺳـــﯾرﯾن ،ﻓﻛـــﺎن ﯾﻘـــول " :ﻗـــوم
اﺟﺗﻬدوا ،ﻓﺎﺟﺗﻬدوا ﻛﻣﺎ اﺟﺗﻬدوا " ،وﻓﻲ رواﯾـﺔ " :ﻫـم رﺟـﺎل وﻧﺣـن
ـ ٩٥ـ
رﺟﺎل " .
٥ـ اﻟﻘﯾﺎس :ﻣﺳﻠك اﻹﻣﺎم أﺑو ﺣﻧﯾﻔﺔ ﻓﻲ ﻓﻬم اﻟﻧﺻوص ﻛﺎن
ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻘﯾﺎس ،إذ ﻻ ﯾﻛﺗﻔﻲ ﺑﻣﻌرﻓﺔ ﻣﺎ ﺗدل ﻋﻠﯾﻪ ﻣن أﺣﻛﺎم ،ﺑـل
ﻛــﺎن ﯾﻬــﺗم ﺑﺎﻷﺳــﺑﺎب اﻟﺑﺎﻋﺛــﺔ ،واﻷوﺻــﺎف اﻟﺗــﻲ ﺗــؤﺛر ﻓــﻲ اﻷﺣﻛــﺎم
وﻋﻠﻰ ﻣﻘﺗﺿﺎﻫﺎ ﯾﺳﺗﻘﯾم اﻟﻘﯾﺎس .
واﻟﻘﯾﺎس ﻣؤﺧر ﻋن ﻧص اﻟﻛﺗـﺎب واﻟـﺳﻧﺔ ،وﻗـد ﺗـوﻫم اﻟـﺑﻌض
أﻧﻪ ﯾﻘدم اﻟﻘﯾﺎس ﻋﻠﻰ اﻟﻧص ،وﻗـد ﻗـﺎل أﺑـو ﺣﻧﯾﻔـﺔ " :ﻛـذب واﻓﺗـرى
ﻋﻠﯾﻧــﺎ ﻣــن ﯾﻘــول أﻧﻧــﺎ ﻧﻘــدم اﻟﻘﯾــﺎس ﻋﻠــﻰ اﻟــﻧص ،وﻫــل ﯾﺣﺗــﺎج ﺑﻌــد
اﻟﻧص إﻟﻰ ﻗﯾﺎس " ) .( ١
٦ـــــ اﻻﺳﺗﺣـــﺳﺎن :ﻫـــو ﻋـــدول اﻟﻣﺟﺗﻬـــد ﻋـــن ﺣﻛـــم اﻟـــﺷﺑﯾﻪ
واﻟﻧظﯾر ؛ ﻟوﺟﻪ ﻗوي ﯾﻘﺗﺿﻲ ﻫـذا اﻟﻌـدول ،ﻓﺄﺳـﺎس اﻻﺳﺗﺣـﺳﺎن أن
ﯾﺟـــﻲء اﻟﺣﻛـــم ﻣﺧﺎﻟﻔـــﺎً ﻟﻘﺎﻋـــدة ﻣطـــردة ،ﻷﻣـــر ﯾﺟﻌـــل اﻟﺧـــروج ﻋـــن
اﻟﻘﺎﻋدة أﻗرب إﻟﻰ اﻟﺷرع ﻣن اﻟﻘﺎﻋدة .
٧ـ اﻟﻌرف اﻟﻌﺎم :إذا ﻟم ﯾوﺟد ﻓﻲ اﻟﻣـﺳﺄﻟﺔ ﻧـص ﻣـن اﻟﻛﺗـﺎب
واﻟﺳﻧﺔ ،وﻟم ﯾﻣض ﻟﻪ ﻗﯾﺎس ،وﻟم ﯾﺷﻬد ﻟـﻪ اﺳﺗﺣـﺳﺎن ،ﻧظـر إﻟـﻰ
ﻣـــﺎ ﺗﻌـــﺎرف ﻋﻠﯾـــﻪ اﻟﻧـــﺎس ،وﻛـــﺎن ذﻟـــك دﻟـــﯾﻼً ﺷـــرﻋﯾﺎً ؛ ﻷن اﻟﺛﺎﺑـــت
ﺑﺎﻟﻌرف ﻛﺎﻟﺛﺎﺑت ﺑﺎﻟﻧص.
ﻫذا وﯾﻣﺗـﺎز اﻟﻣـذﻫب اﻟﺣﻧﻔـﻲ ﺑﺎﻟﻔﻘـﻪ اﻟﺗﻘـدﯾري واﻟﺗوﺳـﻊ ﻓﯾـﻪ ،
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﯿﺰان اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻠﺸﻌﺮاﻧﻲ . ٤٤ / ١
ـ ٩٦ـ
وﯾﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﻔﻘﻪ اﻻﻓﺗراﺿﻲ ﻟﻔرﺿﻪ ﻣﺳﺎﺋل ﻟم ﺗﻘـﻊ ،وﯾﻔﺗـرض وﻗوﻋﻬـﺎ
،وﯾﺑﯾن أﺣﻛﺎﻣﻬﺎ ،ﺑﻧـﺎء ﻋﻠـﻰ ﻋﻠـل اﻷﺣﻛـﺎم اﻟﻣـﺳﺗﻧﺑطﺔ ،وﻛـﺎن ﻫـذا
ﺳﺑﺑﺎً ﻓﻲ ﻧﻣو اﻟﻔﻘﻪ واﻻﺳﺗﻧﺑﺎط ) .( ١
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ دراﺳﺔ اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﻔﻘﮭﯿﺔ ﻟﻸﺳﺘﺎذ اﻟﺪﻛﺘﻮر /ﻋﻠ ﻰ ﺟﻤﻌ ﺔ ص
. ٩٤ :٩١
ـ ٩٧ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﳌﺎﻟﻜﻲ
ﻻ ﺑــد ﻣــن ذﻛــر ﺗرﺟﻣــﺔ ﻟﻺﻣــﺎم اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ ﻣؤﺳــس اﻟﻣـــذﻫب ،
وﻣﻌرﻓـــﺔ ﺷـــﯾوﺧﻪ ،وﺗﻼﻣﯾـــذﻩ أﻋـــﻼم اﻟﻣـــذﻫب ،وﻛﺗﺑـــﻪ وﻣـــﺻﻧﻔﺎﺗﻪ ،
وﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ،ﺛم ﻧﺑﯾن أﺻول وأﺳس اﻟﻣذﻫب.
ﺗﺮﲨﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻣﺎﻟﻚ) .( ١
ﻧﺴﺒﻪ :
ﻫــو :ﻣﺎﻟــك ﺑــن أﻧــس ﺑــن ﻣﺎﻟــك ﺑــن أﺑــﻰ ﻋــﺎﻣر ،اﻷﺻﺑﺣـــﻰ
اﻟﻣـــدﻧﻲ ،وﻛﻧﯾﺗـــﻪ " أﺑـــو ﻋﺑـــد اﷲ" ،إﻣـــﺎم دار اﻟﻬﺟـــرة ،وﻣؤﺳـــس
ﻣذﻫب اﻟﻣﺎﻟﻛﯾﺔ ،وﻣـن ﺗﺎﺑﻌﻲ اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن .
وﻟد ﺳﻧﺔ ) ٩٣ه( ﺛـﻼث وﺗـﺳﻌﯾن وﻫـو اﻷﺻـﺢ ،وﻗﯾـل ﺳـﻧﺔ
) ٩٥ه( ﺧﻣس وﺗﺳﻌﯾن ،وﺗوﻓﻰ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﺳﻧﺔ ) ١٧٩ه( ﺗﺳﻊ
وﺳﺑﻌﯾن وﻣﺎﺋﺔ ﻣن اﻟﻬﺟرة ،ﻋن ﺳت وﺛﻣﺎﻧﯾن ﺳـﻧﺔ ،ودﻓـن ﺑـﺎﻟﺑﻘﯾﻊ
ـ رﺣﻣﻪ اﷲ ـ) .( ٢
ﻧﺸﺄﺗﻪ ﻭﻃﻠﺒﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ :
ﻧﺷﺄ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﻓﻲ رﻓﺎﻫﯾﺔ ،وﺻـون ،وﺗﺟﻣـل ،ﻛـﺎن ﺷـدﯾد
اﻟﺑﯾﺎض إﻟﻰ اﻟﺷﻘرة ،طوﯾﻼً ﻋظـﯾم اﻟﻬﺎﻣـﺔ واﻟﻠﺣﯾـﺔ ،أﺻـﻠﻊ ،ﯾﻠـﺑس
) ( ١ـ ﯾﻨﻈ ﺮ ﻓ ﻲ ﺗﺮﺟﻤﺘ ﮫ :طﺒﻘ ﺎت اﻟﺤﻔ ﺎظ ﻟﻠ ﺴﯿﻮطﻲ ، ٩٦/١ﺳ ﯿﺮ أﻋ ﻼم اﻟﻨ ﺒﻼء
ﻟﻠ ﺬھﺒﻲ ، ١٥٠/٧ﺳ ﯿﺮ أﻋ ﻼم اﻟﻨ ﺒﻼء ﻟﻠ ﺬھﺒﻲ ،١٥٠/٧اﻷﻋ ﻼم ﻟﻠﺰرﻛﻠ ﻲ ، ٢٥٧/٥
ﻣﻨﺎزل اﻷﺋﻤﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ص ، ١٨٣اﻟﻤ ﺪﺧﻞ إﻟ ﻰ اﻟﻔﻘ ﮫ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ د /ﻣﺤﻤ ﻮد طﻨﻄ ﺎوي
ص . ١٩٠
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻣﻨﺎزل اﻷﺋﻤﺔ اﻷرﺑﻌﺔ ص . ١٨٣
ـ ٩٨ـ
اﻟﺛﯾﺎب اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺟﯾﺎد .
طﻠب اﻟﻌﻠم وﻫو ﺣدث ،ﯾﺣﻛﻲ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﻋن ﻧﻔﺳﻪ ــ رﺿـﻲ
اﷲ ﻋﻧﻪ ــ ﻓﯾﻘول " :اﻧﻪ اﺳﺗﺄذن أﻣﻪ ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻟﺳﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء ،ﻓﺄﻟﺑﺳﺗﻪ
أﺣﺳن اﻟﺛﯾﺎب ،وﻋﻣﻣﺗﻪ ،ﺛم ﻗﺎﻟـت ﻟـﻪ :اذﻫـب إﻟـﻰ رﺑﯾﻌـﺔ ﻓـﺗﻌﻠم ﻣـن
أدﺑﻪ ﻗﺑل ﻋﻠﻣﻪ ".( ١ ) .
ﻣﻛــث ـ رﺣﻣــﻪ اﷲ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧــﺔ ،وﻟــم ﯾﺧــرج ﻣﻧﻬــﺎ إﻻ إﻟــﻰ ﻣﻛــﺔ
ﺣﺎﺟﺎً ،وﺗﻠﻔﻰ اﻟﻌــﻠم ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻣﺎﺋﻬـﺎ ،وأول ﻣـن ﻻزﻣـﻪ وﻟـم ﯾﺄﺧـذ ﻋـن
ﻏﯾرﻩ ﻣدة طوﯾﻠﺔ ﻫو ﻋﺑداﻟرﺣﻣن ﺑن ﻫرﻣـز ،ﺛـم أﺧـذ اﻟﺣـدﯾث واﻟﻔﻘـﻪ
ﻋــن ﻧــﺎﻓﻊ ﻣــوﻟﻰ اﺑــن ﻋﻣــر ،وﻫــﺷﺎم ﺑــن ﻋــروة وﻏﯾــرﻫم ،ﺣﺗــﻰ ﺑﻠــﻎ
اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻣن ﻋﻣرﻩ .
وﺑﻌدﻫﺎ . . .ﺟﻠس ﻟﺗـدرﯾس وﺗﻌﻠـﯾم اﻟﻧـﺎس اﻟﻔﻘـﻪ واﻟﺣـدﯾث ،
وﻗد ﺷﻬد ﻟﻪ ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺑذﻟك .
ﯾﻘــول اﻹﻣــﺎم ﻣﺎﻟــك ﻋــن ﻧﻔــﺳﻪ :ﻣــﺎ ﺟﻠــﺳت ﻟﻠﻔﺗﯾــﺎ واﻟﺣــدﯾث
ﺣﺗﻰ ﺷﻬد ﻟﻲ ﺳﺑﻌون ﺷﯾﺧﺎ ﻣن أﻫل اﻟﻌﻠم . " ....
ﺃﺳﺎﺗﺬﺗﻪ :
:ﻧﺎﻓﻊ ﻣوﻟﻰ ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻋﻣر ،وﻣﺣﻣـد ﺑـن
اﻟﻣﻧﻛدر ،واﻹﻣﺎم اﻟزﻫري ،وﻋﺑد اﷲ ﺑن دﯾﻧﺎر ...وﻏﯾرﻫم ﻛﺛــﯾر .
وﻗـــﺎل اﻟﺑﺧـــﺎري أﺻـــﺢ اﻷﺳـــﺎﻧﯾد :ﻣﺎﻟـــك ﻋـــن ﻧـــﺎﻓﻊ ﻋـــن اﺑـــن
)( ٢
. ﻋﻣر
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺳﯿﺮ أﻋﻼم اﻟﻨﺒﻼء ﻟﻠﺬھﺒﻲ . ١٥٠/٧
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :طﺒﻘﺎت اﻟﺤﻔﺎظ ﻟﻠﺴﯿﻮطﻲ . ٩٦/١
ـ ٩٩ـ
:رﺑﯾـــﻌﺔ ﺑــن ﻋﺑــد اﻟرﺣـــﻣن اﻟﻣﻌــروف ﺑــــ "
رﺑﯾﻌﺔ اﻟرأى" ،وﻧﺎﻓﻊ ﻣوﻟﻰ اﺑن ﻋﻣر ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ــ .
ورﺑﯾﻌــﺔ ﺑــن ﻋﺑــد اﻟــرﺣﻣن ﺗﻔﻘــﻪ ﻋﻠــﻰ أﻧــس ﺑــن ﻣﺎﻟــك ،وﻧــﺎﻓﻊ
ﺗـﻔــــﻘﻪ ﻋﻠـــﻰ ﻋﺑـــد اﷲ ﺑـــن ﻋﻣـــر ،وﻛﻼﻫﻣـــﺎ ﻣﻣـــن أﺧـــذ ﻋـــن ﺳـــﯾد
ــ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم اﻟﻣرﺳﻠﯾن ٕواﻣﺎم اﻟﻣﺗﻘﯾن أﺑﻲ اﻟﻘﺎﺳم ﻣﺣﻣد
ــ وﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋر اﻟﻧﺑﯾﯾن ) . ( ١
ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ :
ﻟﻺﻣــﺎم ﺗﻼﻣﯾــذ ُﻛ ــﺛر ﻣــن أﻫــل اﻟﺣﺟــﺎز ،واﻟﻌ ـراق ،وﻣــﺻر ،
وأﻓرﯾﻘﯾﺎ ،واﻷﻧدﻟس ،ﻧذﻛر أﻫﻣﻬم :
ﺃ ــ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺍﳊﺠﺎﺯﻳﻮﻥ :
١ـــــ أﺑــو ﻣﺣﻣــد ﻋﺑــد اﻟﻌزﯾــز ﺑــن ﻣﺣﻣــد اﻟــدراوردي ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ
ﺳﻧﺔ ١٨٦ه.
٢ــــ اﺑــن ﻧــﺎﻓﻊ :ﻋﺑــد اﷲ ﺑــن ﻧــﺎﻓﻊ اﻟــﺻﺎﺋﻎ ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ
١٨٦ه .
٣ــــــ اﻷﻋﻣــــش :ﻋﺑــــد اﻟﺣﻣﯾــــد ﺑــــن أﺑــــﻲ أوﯾــــس ،اﻟﻣﺗــــوﻓﻰ
ﺳﻧﺔ ٢٠٢ه .
ﺏ ــ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻮﻥ :
١ــ اﺑن اﻟﻣﺑﺎرك :ﺷﯾﺦ اﻹﺳﻼم ﻋﺑد اﷲ ﺑن اﻟﻣﺑﺎرك ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ
ﺳﻧﺔ١٨١ه.
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻣﻮاھﺐ اﻟﺠﻠﯿﻞ ص . ٦ / ١
ـ ١٠٠ـ
٢ــــ اﺑــن ﻣﻬــدي :ﻋﺑــد اﻟــرﺣﻣن ﺑــن ﻣﻬــدي ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ
١٩٨ه.
٣ـــــ اﻟﻧﯾــﺳﺎﺑوري :ﯾﺣﯾــﻰ ﺑــن ﯾﺣﯾــﻰ اﻟﻧﯾــﺳﺎﺑوري ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ
ﺳﻧﺔ ٢٢٦ه.
ﺟـ ـ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺍﳌﺼﺮﻳﻮﻥ :
١ـــ اﺑـن اﻟﻘﺎﺳـم :ﻋﺑـد اﻟــرﺣﻣن ﺑـن ﻗﺎﺳـم اﻟﻌﺗﻘـﻲ ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ
ﺳﻧﺔ ١٩١ه.
٢ـــ اﺑــن وﻫــب :ﻋﺑــد اﷲ ﺑـن وﻫــب اﻟﻘرﺷــﻲ ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ
١٩٧ه.
٣ــ أﺷﻬب ﺑن ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺑن داود ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢٠٤ه.
ﺩ ـ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻴﻮﻥ :
١ــ اﻟﻘﯾرواﻧﻲ :ﺷﻘران ﺑن ﻋﻠﻲ ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ١٨٦ه.
٢ــــ اﺑــن ﻓرﺧــون :ﻋﺑــد اﷲ ﺑــن ﻓــروخ اﻟﻘﯾرواﻧــﻲ ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ
ﺳﻧﺔ ١٧٨ه.
٣ــ أﺳد ﺑن اﻟﻔرات اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢١٣ه .
ه ــ ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺍﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻮﻥ :
١ــ اﻟﻐﺎزي ﺑن ﻗﯾس اﻟﻘرطﺑﻲ ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ١٩٥ه.
٢ــ ﻋﯾﺳﻰ ﺑن دﯾﻧﺎر اﻟﻘرطﺑﻲ ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢١٢ه.
٣ــ ﯾﺣﯾﻰ ﺑن ﯾﺣﯾﻰ اﻟﻘرطﺑﻲ ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢٣٤ﻫـ .
ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻪ ﻭﻛﺘﺒﻪ :
أﺷﻬر ﻛﺗب اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﻋﻠﻰ اﻹطـﻼق ﻛﺗـﺎب " اﻟﻣوطـﺄ " ﺟﻣـﻊ
ـ ١٠١ـ
ﻓﯾــﻪ ﺑــﯾن ﻓــﻲ اﻟﺣــدﯾث واﻟﻔﻘــﻪ ،وﻛﺗــﺎب " اﻟﻣدوﻧــﺔ " ﻓــﻲ اﻟﻔﻘــﻪ وﻗــﺎم
ﻓﻘﻬﺎء اﻟﻣذﻫب ﺑﺷرﺣﻬﺎ واﻟﺗﻌﻠﯾق ﻋﻠﯾﻬﺎ .
أراد أﺑــو ﺟﻌﻔـــر اﻟﻣﻧــﺻور أن ﯾﺟﻌـــل ﻣوطــﺄ اﻹﻣـــﺎم ﻣﺎﻟــك ﻫـــو
اﻟﻣﻧﻬﺞ واﻟﻘﺎﻧون اﻟذي ﯾطﺑق ﻓﻲ ﻛل اﻟﺑﻼد اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣﻧﻌﺎً ﻟﻠﺧﻼف ،
ﻓـــﺄﺑﻰ اﻹﻣـــﺎم ﻣﺎﻟـــك وﻗـــﺎل ﻟـــﻪ :ﯾـــﺎ أﻣﯾـــر اﻟﻣـــؤﻣﻧﯾن ﻻ ﺗﻔﻌـــل ،ﻓـــﺈن
اﻟـــﺻﺣﺎﺑﺔ ﺗﻔرﻗـــوا ﻓـــﻲ اﻵﻓـــﺎق ،ورووا ﻏﯾـــر أﺣﺎدﯾـــث اﻟﺣﺟـــﺎز اﻟﺗـــﻲ
اﻋﺗﻣدﺗﻬﺎ ،وأﺧذ اﻟﻧﺎس ﺑذﻟك ،ﻓﺎﺗرﻛﻬم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫم ﻋﻠﯾﻪ ،ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ
")(١
. :ﺟزاك اﷲ ﺧﯾرا ﯾﺎ أﺑﺎ ﻋﺑد اﷲ
ﻫــذا ...وﻟ ـﻪ رﺳــﺎﻟﺔ ﻓــﻲ" اﻟــوﻋظ " ،وﻛﺗــﺎب ﻓــﻲ " اﻟﻣــﺳﺎﺋل "
ورﺳــﺎﻟﺔ ﻓــﻲ" اﻟــرد ﻋﻠــﻰ اﻟﻘدرﯾــﺔ " وﻛﺗــﺎب ﻓــﻲ" اﻟﻧﺟــوم " و" ﺗﻔــﺳﯾر
ﻏرﯾب اﻟﻘرآن" ) .( ٢
ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ :
أﺟﻣــﻊ أﻫــل اﻟﻌﻠــم ﻋﻠــﻰ إﻣﺎﻣﺗــﻪ ،وﻋظــﯾم ﻗــدرﻩ ،وﺗﺑﺟﯾﻠــﻪ ،
وﺗـوﻗﯾرﻩ ،واﻹذﻋـﺎن ﻟـﻪ ﻓـﻲ اﻟﺣﻔـظ ،وﺗﻌظـﯾم رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ــ.
ﻓروي أن اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﻛﺎن إذا أراد أن ﯾﺧـرج ﻟﯾﺣـدث اﻟﻧـﺎس ،
ﺗوﺿﺄ وﺿوءﻩ ﻟﻠﺻﻼة ،وﻟﺑس أﺣﺳن اﻟﺛﯾﺎب ،وﻣﺷط ﻟﺣﯾﺗﻪ ،ﻓﻘﯾـل
ﻟﻪ :ﻟـَِم ﻛل ذﻟك ؟! ﻓﻘﺎل :أوﻗر ﺑﻪ ﺣدﯾث رﺳول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
وﺳﻠم ــ.
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ د /ﻣﺤﻤﻮد طﻨﻄﺎوي ص . ١٩٠
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻷﻋﻼم ﻟﻠﺰرﻛﻠﻲ ، ٢٥٧/٥
ـ ١٠٢ـ
ٕواذا رﻓـــﻊ أﺣـــدﻫم ﺻـــوﺗﻪ ﻓـــﻲ ﻣﺟﻠـــﺳﻪ ،ﻛـــﺎن ﯾﺗﻠـــو ﻗـــول اﷲ
وﻻ ﺻـوت اﻟ ﱠِ ﱢ
ﻧﺑـﻲ َ َ ِ َﯾﻬﺎ ﱠ ِ َ
ﻓـوق َ ْ
اﺗﻛم َ ْ َ
َﺻـ َو َُ ْ
ﺗرﻓﻌوا أ ْ
آﻣﻧُوا َﻻ َْ َ ُ
اﻟذﯾن َ ﺗﻌﺎﻟﻰَ ":ﯾﺎ أ ﱡ َ
َﻧـﺗم َﻻ
َﻋﻣـﺎﻟﻛم َوأ ْ ُ ْ
ﺗﺣـﺑطَ أ ْ َ ُ ُ ْ
َن َ ْ َ ﺑﻌـﺿﻛم ِ َ ْ ٍ
ﻟـﺑﻌض أ ْ ِ
ﻛﺟﻬـر َ ْ ُ ْ
ﺗﺟﻬروا َﻟﻪُ ِ ْ َ ْ ِ
ﺑـﺎﻟﻘول َ َ ْ ِ َ ْ َُ
ـﺷﻌرون " ) ، ( ١ﻓﻣــن رﻓــﻊ ﺻــوﺗﻪ ﻋﻧــد ﺣــدﯾث اﻟﻧﺑــﻰ َ -ﱠ
ﺻــﻠﻰ اﷲُ ﺗَـ ْ ُُ َ
وﺳﻠم -ﻓﻛﺄﻧﻣﺎ رﻓﻊ ﺻوﺗﻪ ﻓوق ﺻوت رﺳول اﷲ َ -ﱠ َ َْ ِ ﱠ
ﺻﻠﻰ اﷲُ ﻋﻠﯾﻪ َ َ َ
وﺳﻠم .( ٢ ) - َ َْ ِ ﱠ
ﻋﻠﯾﻪ َ َ َ
ﻣــﺷﯾت ﻣــﻊ ﻣﺎﻟــك ﯾوﻣــﺎً إﻟــﻰ اﻟﻣــﺳﺟد ،
ﻓﺳﺄﻟﺗﻪ ﻋن ﺣدﯾث ﻓﺎﻧﺗﻬرﻧﻲ ،وﻓﻲ رواﯾﺔ :ﻓﺎﻟﺗﻔت إﻟـﻲ ،وﻗـﺎل ﻟـﻲ :
ﻛﻧت ﻓﻲ ﻋﯾﻧﻲ أﺟل ﻣن ﻫذا ،أﺗﺳﺄﻟﻧﻲ ﻋن ﺣدﯾث رﺳول اﷲ ـــ ﺻـﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ــ وﻧﺣن ﻧﻣﺷﻲ.
ﻓﻘﻠت :إﻧﺎ ﷲ ،ﻣﺎ أراﻧﻲ إﻻ وﻗد ﺳﻘطت ﻣن ﻋﯾﻧﻪ .ﻓﻠﻣﺎ ﻗﻌد
ﻓـﻲ ﻣﺟﻠـﺳﻪ ﺑﻌـدت ﻣﻧـﻪ ،ﻓﻘــﺎل :ادن ﻫـﺎ ﻫﻧـﺎ ،ﻓـدﻧوت ،ﻓﻘـﺎل :ﻗــد
ظﻧﻧت أﻧﺎ أدﺑﻧﺎك ،ﺗﺳﺄﻟﻧﻲ ﻋـــن ﺣدﯾث رﺳـــول اﷲ ــ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
وﺳـﻠم ــ وأﻧﺎ أﻣـــﺷﻲ ؟! ﺳــــل ﻋـﻣﺎ ﺗرﯾد ﻫﺎ ﻫﻧﺎ ) .( ٣
وﻛــﺎن ــــ رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ـ ﺗﻘﯾــﺎً ،ورﻋــﺎً ،ﻓﻘــد روي ﻋــن اﺑــن
وﻫب ،ﻗﺎل :ﻗﯾل ﻷﺧﺗﻪ ﻣﺎ ﻛﺎن ﺷﻐﻠﻪ ﻓﻲ ﺑﯾﺗﻪ ؟ ﻓﻘﺎﻟت :اﻟﻣـﺻﺣف
واﻟﺗﻼوة.
ذاع ﻋﻠﻣــﻪ ،واﻧﺗــﺷر ﺻــﯾﺗﻪ ﻓــﻲ ﺳــﺎﺋر اﻵﻓــﺎق ،وﺿــرﺑت ﻟــﻪ
) ( ١ـ ﺳﻮرة اﻟﺤﺠﺮات اﯾﺔ رﻗﻢ ) . ( ٢
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺗﮭﺬﯾﺐ اﻷﺳﻤﺎء واﻟﻠﻐﺎت ﻟﻠﻨﻮوي . ٧٦/٢
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺳﯿﺮ أﻋﻼم اﻟﻨﺒﻼء ﻟﻠﺬھﺒﻲ . ١٥٠/٧
ـ ١٠٣ـ
أﻛﺑﺎد اﻹﺑل ،ﻷﺧذ اﻟﻌﻠم ﻋﻧﻪ ،وروى ﻋﻧﻪ أﻗراﻧﻪ ﻣـﻧﻬم :أﺑـو ﺣﻧﯾﻔـﺔ
،واﻟﻠﯾث ﺑن ﺳﻌد ،وﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﺣﺳن ...وﻏﯾرﻫم ﺧﻠق ﻛﺛﯾر) .( ١
وﻣﺣـدﺛﻬم ،وﻛﺎﻧـت
ّ ﻛﺎن ﻣﺎﻟك ﻓﻘﯾﻪ أﻫل اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﻣﻔﺗﯾﻬم ،
ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧﺔ اﻟرﺋﺎﺳﺔ اﻟﻌظﯾﻣﺔ ﻋﻧد اﻟﺳﻠطﺎن واﻟﻌﺎﻣﺔ .
،ﻗـــﺎل :ﻟﻣـــﺎ ﻗـــدم ﻫـــﺎرون اﻟرﺷـــﯾد
اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﺟﻪ إﻟﻰ ﻣﺎﻟك وزﯾـرﻩ اﻟﺑرﻣﻛـﻲ ،وﻗـﺎل ﻟـﻪ :ﻗـل ﻟﻣﺎﻟـك اﺣﻣـل
ﻟﻲ اﻟﻛﺗـﺎب اﻟـذي ﺻـﻧﻔﺗﻪ ـــ أﻟﻔﺗـﻪ ـــ ﺣﺗـﻰ أﺳـﻣﻌﻪ ﻣﻧـك ،ﻓﻐـﺿب ﻣـن
ذﻟك ﻣﺎﻟك واﻏﺗم ،وﻗﺎل ﻟﻠﺑرﻣﻛﻲ :أﻗرﺋﻪ اﻟﺳﻼم ،وﻗل ﻟـﻪ اﻟﻌﻠـم ُﯾـَزار
وﻻ ﯾزورٕ ،وان اﻟﻌﻠم ُﯾْؤﺗَﻰ وﻻ ﯾﺄﺗﻲ .
ﻓرﺟﻊ اﻟﺑرﻣﻛـﻲ إﻟـﻰ ﻫـﺎرون اﻟرﺷـﯾد ﻓـﺄﺧﺑرﻩ ﺑـذﻟك ،ﻓﻐـﺿب .
وأﺷﺎر ﻋﺎﻣﺔ أﺻﺣﺎب ﻣﺎﻟك أن ﯾﺄﺗﻲ ﻫـﺎرون اﻟرﺷـﯾد ،وﻗـﺎل اﻟﺑرﻣﻛـﻲ
ﻟﻠرﺷﯾد :ﯾﺑﻠﻎ أﻫل اﻟﻌراق أﻧك وﺟﻬت إﻟﻰ ﻣﺎﻟك ﻓﺧﺎﻟﻔك ،أﻋزم ﻋﻠﯾﻪ
ﺣﺗﻰ ﯾﺄﺗﯾك ،ﻓﺈذا ﺑﻣﺎﻟك ﻗد دﺧل ،ﻓﺳﻠم وﻟﯾس ﻣﻌـﻪ ﻛﺗـﺎب ،ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ
ﻫﺎرون ﻓﻲ ذﻟك ،ﻓﻘﺎل ﻣﺎﻟك :ﯾﺎ أﻣﯾر اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن إن اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﺑﻌـث
إﻟﯾﻧﺎ ﻣﺣﻣداً ـــ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ــ وأﻣر ﺑطﺎﻋﺗﻪ ،واﺗﺑﺎع ﺳـﻧﺗﻪ ،
وأن ﻧرﻋﺎﻩ ﺣﯾﺎً وﻣﯾﺗﺎً ،وﻗد ﺟﻌﻠك اﷲ ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﻣوﺿـﻊ ﻟﻌﻠﻣـك ،ﻓـﻼ
ﺗﻛن أول ﻣن ﺿﯾﻊ اﻟﻌﻠم ﻓﯾﺿﯾﻌك اﷲ ـ واﷲ ﻟﻘـد رأﯾـت ﻣـن ﻟـﯾس ﻫـو
وﯾﺟﻠﻪ ، ِ
ﻓﻲ ﺣﺳﺑك وﻻ ﻧﺳﺑك ﻣن اﻟﻣواﻟﻲ وﻏﯾرﻫم ُ ،ﯾﻌــُز ﻫذا اﻟﻌﻠم ُ ،
وﯾوﻗر ﺣﻣﻠﺗﻪ ،ﻓﺄﻧت أﺣرى أن ﺗﺟل ﻋﻠـم اﺑـن ﻋﻣـك ،وﻟـم ﯾـزل ﯾﻌـدد
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﺨﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﻔﻘﮭﯿﺔ ،أ د /ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻌﺔ ص . ١٤١
ـ ١٠٤ـ
ﻋﻠﯾﻪ ...ﺣﺗﻰ ﺑﻛﻰ " ) .( ١
ﺃﺳﺲ ﻭﺃﺻﻮﻝ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﳌﺎﻟﻜﻴﺔ :
اﻋﺗﻣــد اﻹﻣــﺎم ﻣﺎﻟــك ﻓــﻲ ﻣذﻫﺑــﻪ ﻋﻠــﻰ أﺻــول ﻗوﯾــﺔ ،وﻗواﻋــد
ﻣﺗﯾﻧــﺔ ،اﻧﻔــرد ﺑﺗﺄﺻــﯾل ﺑﻌــﺿﻬﺎ ﺣﺗــﻰ اﺗــﺳﻊ ﺑﻬــﺎ اﻟﻔﻘــﻪ ،ودار ﻋﻠﯾﻬــﺎ
ﻛﺛﯾــــر ﻣــــن اﻻﺳــــﺗﻧﺑﺎط ،وﻫــــﻲ :اﻟﻛﺗــــﺎب ،واﻟــــﺳﻧﺔ ،واﻹﺟﻣــــﺎع ،
واﻟﻘﯾــﺎس ،وﻋﻣــل أﻫــل اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ،وﻗــول اﻟــﺻﺣﺎﺑﻲ ،وﺳــد اﻟــذراﺋﻊ ،
واﻻﺳﺗﺣﺳﺎن ،واﻟﻌرف ،واﻻﺳﺗﺻﺣﺎب ،ﻏﯾـر أن أﻫـم ﻣـﺎ ﯾﻣﯾـز ﻓﻘـﻪ
اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ،وأوﻗﻊ اﻟﺧﻼف ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن ﻏﯾرﻩ ،ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
١ـ ﺧﱪ ﺍﻵﺣﺎﺩ :ﺗوﺳﻊ اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﻓﻲ اﻟﻌﻣـل ﺑﺧﺑـر اﻵﺣـﺎد ،
وﻟـم ﯾـﺷﺗرط ﻓــﻰ ﻗﺑوﻟـﻪ إﻻ ﺷــرطﺎً واﺣـد ،وﻫـو أﻻ ﯾﺧــﺎﻟف ﻋﻣـل أﻫــل
اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﻋﻣدﺗﻪ ﻓﻰ اﻟﺣدﯾث ﻣﺎ رواﻩ ﻋﻠﻣﺎء اﻟﺣﺟﺎز .
٢ــ ﻋﻤﻞ ﺃﻫﻞ ﺍﳌﺪﻳﻨﺔ :وﻫو ﺣﺟﺔ ﻋﻧد اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ،وﻣﻘـدم
ﻋﻠــﻰ اﻟﻘﯾــﺎس وﻋﻠــﻰ ﺧﺑــر اﻵﺣــﺎد ؛ ﻷن ﻋﻣــل أﻫــل اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ﺑﻣﻧزﻟــﺔ
اﻟرواﯾــﺔ ﻋــن اﻟرﺳــول ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ــ ـ ورواﯾــﺗﻬم رواﯾــﺔ
اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ــ ﺑـل ﻋـدﻫﺎ ﺑﻌـﺿﻬم ﺑﻣﺛﺎﺑـﺔ رواﯾـﺔ أﻟـف ﻋـن أﻟـف ـــ ورواﯾـﺔ
اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣﻘدﻣﺔ ﻋﻠﻰ رواﯾـﺔ اﻵﺣـﺎد ،ﻛﻣـﺎ أن أﻫـل اﻟﻣدﯾﻧـﺔ ﻫـم أدرى
اﻟﻧﺎس ﺑﺂﺧر اﻷﻣرﯾن ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ــ .
٣ـ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﳌـﺼﺎﱀ ﺍﳌﺮﺳـﻠﺔ :وﻫـﻰ اﻟﻣـﺻﺎﻟﺢ اﻟﺗـﻰ ﻟـم
ﯾﺷﻬد ﻟﻬﺎ اﻟﺷرع ﺑﺎﻟﺑطﻼن ،وﻻ ﺑﺎﻻﻋﺗﺑﺎر ،وﺑﻧـﻰ ﻋﻠﯾﻬـﺎ اﻟﻛﺛﯾـر ﻣـن
( ١ )١ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :ﺗﺮﺗﯿ ﺐ اﻟﻤ ﺪارك وﺗﻘﺮﯾ ﺐ اﻟﻤ ﺴﺎﻟﻚ ،اﻟﻤﺆﻟ ﻒ :أﺑ ﻮ اﻟﻔ ﻀﻞ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ
اﻟﯿﺤﺼﺒﻲ . ٢٥ / ٢
ـ ١٠٥ـ
ﻣﺳﺎﺋل ﻣذﻫﺑﻪ ،ﺑل ﺧﺻص ﺑﻬﺎ ﻋﻣوم اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ ،وﺧﺎﻟﻔﻪ ﻏﯾرﻩ
ﻣن اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻰ ذﻟك .
ﻣﺛﺎل ذﻟك :ﺣﻛم ﺿرب اﻟﻣﺗﻬم ﻟﻺﻗرار ﺑﺎﻟﺳرﻗﺔ .
اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك :ﻗﺎل ﺑﺟـواز ﺿـرب اﻟﻣـﺗﻬم ﻟﻺﻗـرار ﺑﺎﻟـﺳرﻗﺔ ﺑﻧـﺎء
ﻋﻠـــﻰ اﻟﻣـــﺻﻠﺣﺔ ،وﻫـــﻲ :اﻹﻗـــرار ﺑﺎﻟﻣـــﺎل اﻟﻣـــﺳروق ،ودﻓﻌـــﻪ إﻟـــﻰ
ﺻﺎﺣﺑﻪ.
ﺑﻌــض اﻟﻌﻠﻣــﺎء ﺷــﻧﻊ ﻋﻠــﻰ اﻹﻣــﺎم ﻣﺎﻟــك ــــ رﺣﻣــﻪ اﷲ ـــــ ﻓــﻲ
ــدﯾدا ،وﻋـــﺎﺑوا ﻋﻠﯾـــﻪ أن ﯾﺣﻛـــم
اﻷﺧـــذ ﺑﺎﻟﻣـــﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳـــﻠﺔ ﺗـــﺷﻧﯾﻌﺎً ﺷـ ً
ﺑﺿرب اﻟﻣﺗﻬم ﻟﯾﻘــر ﺑﺎﻟـﺳرﻗﺔ ،وﻗـﺎﻟوا :ﻻ ﺷـك أن ﺗـرك ﻣـذﻧب أﻫـون
ﻣن إﻫﺎﻧﺔ ﺑرئ .
وﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ :أن اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟـك ﻻ ﯾﺟﯾـز ﺿـرب اﻟﻣـﺗﻬم إﻻ إذا
ﺛﺑﺗــت ﻋﻠﯾــﻪ اﻟﺧﯾﺎﻧــﺔ ﻗﺑــل ذﻟــك ،ﺛﺑوﺗــﺎً ﻻ ﻣطﻌــن ﻓﯾــﻪ ،ﻓﺛﺑــوت ﻛوﻧــﻪ
ﺧﺎﺋﻧﺎً رﺟﺢ ﻋﻧدﻩ طرف اﻻﺣﺗﯾﺎط ﻟﻠﻣﺎل ﻟﯾﻘـر ﺑـﻪ ،وﺛﺑـوت اﻟﺧﯾﺎﻧـﺔ ﻟـﻪ
أﺛرﻩ ﻓﻲ اﻟﺷرع ،أﻣﺎ اﻟذي ﻟم ﺗﺛﺑت ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺧﯾﺎﻧﺔ ﺳﺎﺑﻘﺎً ﻓﻠم ﯾﻘل ﻣﺎﻟك
ﺑﺿرﺑﻪ ﻟﯾﻘـر) .( ١
٣ــ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪﺃ ﺳﺪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ :وﯾراد ﺑﻪ ﻣﻧﻊ ﻣﺎ ﯾﺟوز
إذا ﻛـﺎن ﯾـؤدي إﻟـﻰ ﻣـﺎ ﻻ ﯾﺟـوز ،وذﻟـك ﺳـداً ﻟﻠذرﯾﻌـﺔ ،أى ﻣﻧـﻊ ﻛـل
طرﯾق ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻣﺣرم ،وﻗد اﻋﺗﻣـد اﻹﻣـﺎم ﻣﺎﻟـك ﻋﻠـﻰ ﻫـذا اﻷﺻـل
ﻛﺛﯾراً ﻓﻰ اﻟﻔروع اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ ،وﻣن ﯾطﺎﻟﻊ ﻛﺗب اﻟﻣﺎﻟﻛﯾـﺔ ﯾﺟـد أﻧﻬـم ﻛﺛﯾـراً
ﻣﺎ ﯾﻌﻠﻠون اﻟﺣﻛم ﺑﻘوﻟﻬم " ﺳداً ﻟﻠذرﯾﻌﺔ " .
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺮﺳﻠﺔ ،ﻟﻤﺤﻤﺪ اﻷﻣﯿﻦ اﻟﺸﻨﻘﯿﻄﻲ ص . ١٠
ـ ١٠٦ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ
ﻻ ﺑــد ﻣــن ذﻛــر ﺗرﺟﻣــﺔ ﻟﻺﻣــﺎم اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ ﻣؤﺳــس اﻟﻣـــذﻫب ،
وﻣﻌرﻓـــﺔ ﺷـــﯾوﺧﻪ ،وﺗﻼﻣﯾـــذﻩ أﻋـــﻼم اﻟﻣـــذﻫب ،وﻛﺗﺑـــﻪ وﻣـــﺻﻧﻔﺎﺗﻪ ،
وﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ،ﺛم ﻧﺑﯾن أﺻول وأﺳس اﻟﻣذﻫب .
ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ) .( ١
ﻧﺴﺒﻪ :ﻫو :ﻣﺣﻣد ﺑن إدرﯾس اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ،وﻛﻧﯾﺗﻪ " أﺑو ﻋﺑد اﷲ " .
وﻟــد ﺑﻐــزة ﻓــﻲ ﻓﻠــﺳطﯾن ،وﻗﯾــل :ﺑــﺎﻟﯾﻣن ،ﺳــﻧﺔ ) ١٥٠ﻫـــ (
ﺧﻣﺳون وﻣﺎﺋﺔ ،وﺗوﻓﻰ اﻹﻣـﺎم اﻟـﺷﺎﻓﻌﻲ ﻓـﻲ آﺧـر ﯾـوم ﻣـن رﺟـب ﻓـﻲ
ﺳﻧﺔ )٢٠٤ه( أرﺑﻊ وﻣﺎﺋﺗﯾن ﻣن اﻟﻬﺟرة ،وﻟﻪ أرﺑـﻊ وﺧﻣـﺳون ﺳـﻧﺔ
ـ رﺣﻣﻪ اﷲ ـ) .( ٢
ﻧﺸﺄﺗﻪ ﻭﺭﺣﻠﺘﻪ ﰲ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ :
ﻧﺷﺄ اﻹﻣﺎم اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ﺑﻐــزة ﯾﺗﯾﻣـﺎً ﻓﻘﯾـراً ،وﻫـو ﻓـﻲ ﺣﺟـر أﻣـﻪ ،
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﺮﺟﻤﺘﮫ :ﺗﺎرﯾﺦ اﺑﻦ ﯾﻮﻧﺲ اﻟﻤﺼﺮي ﻟﻌﺒﺪ اﻟ ﺮﺣﻤﻦ اﻟ ﺼﺪﻓﻲ ١٩٠/٢
وﻣﺎ ﺑﻌ ﺪھﺎ ،ﻻﻧﺘﻘ ﺎء ﻓ ﻲ ﻓ ﻀﺎﺋﻞ اﻟﺜﻼﺛ ﺔ اﻷﺋﻤ ﺔ اﻟﻔﻘﮭ ﺎء ﻣﺎﻟ ﻚ واﻟ ﺸﺎﻓﻌﻲ وأﺑ ﻲ ﺣﻨﯿﻔ ﺔ
رﺿﻲ ﷲ ﻋﻨﮭﻢ ،اﻟﻤﺆﻟﻒ :أﺑﻮ ﻋﻤﺮ ﯾﻮﺳ ﻒ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ ﷲ ﺑ ﻦ ﻣﺤﻤ ﺪ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺪ اﻟﺒ ﺮ ﺑ ﻦ
ﻋﺎﺻﻢ اﻟﻨﻤﺮي اﻟﻘﺮطﺒﻲ ٦٦/١وﻣﺎ ﺑﻌﺪھﺎ ،طﺒﻘ ﺎت اﻟﻔﻘﮭ ﺎء ،اﻟﻤﺆﻟ ﻒ :أﺑ ﻮ اﺳ ﺤﺎق
إﺑ ﺮاھﯿﻢ ﺑ ﻦ ﻋﻠ ﻲ اﻟ ﺸﯿﺮازي ٧٢/١وﻣ ﺎ ﺑﻌ ﺪھﺎ ،اﻟﺘﺤﻔ ﺔ اﻟﻠﻄﯿﻔ ﺔ ﻓ ﻲ ﺗ ﺎرﯾﺦ اﻟﻤﺪﯾﻨ ﺔ
اﻟﺸﺮﯾﻔﺔ اﻟﻤﺆﻟﻒ :ﺷﻤﺲ اﻟ ﺪﯾﻦ أﺑ ﻮ اﻟﺨﯿ ﺮ اﻟ ﺴﺨﺎوي ٤٤٤/٢وﻣ ﺎ ﺑﻌ ﺪھﺎ ،ﺧﻼﺻ ﺔ
ﺗ ﺬھﯿﺐ ﺗﮭ ﺬﯾﺐ اﻟﻜﻤ ﺎل ﻓ ﻲ أﺳ ﻤﺎء اﻟﺮﺟ ﺎل ،ﻟ ﺼﻔﻲ اﻟ ﺪﯾﻦ اﻟﯿﻤﻨ ﻲ ، ٣٢٦/١دﯾ ﻮان
اﻹﺳﻼم ،اﻟﻤﺆﻟﻒ :ﺷﻤﺲ اﻟ ﺪﯾﻦ اﻟﻐ ﺰي ، ١٥٥، ١٥٤/٣اﻻﻋ ﻼم ﻟﻠﺰرﻛﻠ ﻲ ، ٢٦/ ٦
ﻣﻌﺠﻢ اﻟﻤﺆﻟﻔﯿﻦ ﻟﻜﺤﺎﻟﺔ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ ، ٣٢/٩آداب اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وﻣﻨﺎﻗﺒﮫ ﻷﺑ ﻲ ﻣﺤﻤ ﺪ اﻟ ﺮازي
اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ .
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :آداب اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ وﻣﻨﺎﻗﺒﮫ ﻷﺑﻲ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮازي اﺑﻦ أﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ص ١٨ ، ١٧
ـ ١٠٧ـ
ﺣﺗﻰ إﻧﻬﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻌطﻲ اﻟﻣﻌﻠم .
ﺛم ﻗدﻣت ﺑﻪ إﻟﻰ ﻣﻛﺔ وﻫو اﺑن ﺳﻧﺗﯾن ،ﻓﺣﻔـظ اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم
ﻋﻠــﻰ إﺳــﻣﺎﻋﯾل ﺑــن ﻗــﺳطﻧطﯾن ،وﻟــم ﯾﺗﺟــﺎوز ﺑﻌــد اﻟــﺳﺑﻊ ﺳــﻧﯾن ﻣــن
ﻋﻣرﻩ ،ﺛم رﺣل إﻟﻰ ﻗﺑﯾﻠﺔ ﻫذﯾل ﺑﺎﻟﺑﺎدﯾﺔ ،وﻛﺎﻧوا ﻣن أﻓﺻﺢ اﻟﻌرب ،
ﻓﺳﻣﻊ ﻣﻧﻬم اﻟﻠﻐﺔ ،واﻟﺷﻌر ،وﺗﺑﺣر ﻓﻲ ﻛﻼم اﻟﻌرب .
ﺛــم رﺣــل إﻟــﻰ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ﻓﺄﺧــذ ﻋــن ﻋﻠﻣﺎﺋﻬــﺎ ،وﻫــو اﺑــن ﺛــﻼث
ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ،وﺣﻔظ ﻣوطﺄ ﻣﺎﻟك وﻗـرأ ﻋﻠﯾـﻪ ،وﻻزﻣـﻪ ﻣـن ﺳـﻧﺔ ١٦٣
ه ﺣﺗﻰ وﻓﺎﺗﻪ ﺳﻧﺔ ١٧٩ه.
ﺛم ﺣﻣـل إﻟـﻰ ﺑـﻼد اﻟﻌـراق ﺑـﺄﻣر ﻣـن اﻟﺧﻠﯾﻔـﺔ ﺳـﻧﺔ ١٨٤ه ،
ﺑﻌد اﺗﻬﺎﻣـﻪ ﺑﺎﻟﺗـﺷﯾﻊ ،ﻓﺗﻌـرض ﻟﺧطـر ﺷـدﯾد ،ﻟـوﻻ أن ﻗـﯾض اﷲ ﻟـﻪ
اﻟﻔﺿل ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ ﻓداﻓﻊ ﻋﻧﻪ ﺣﺗﻰ أﺛﺑت ﺑراءﺗﻪ .
وأﺛﻧـــﺎء وﺟـــودﻩ ﺑﺑﻐـــداد أﺧـــذ اﻟﻌﻠـــم ﻋـــن ﻣﺣﻣـــد ﺑـــن اﻟﺣـــﺳن
اﻟــﺷﯾﺑﺎﻧﻲ ،وﺗﻠﻘــﻲ ﺟﻣﯾــﻊ ﻣــﺻﻧﻔﺎﺗﻪ ،ودرس ﻣــذﻫب اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ دراﺳــﺔ
واﺳــﻌﺔ وﻣﺗﻌﻣﻘــﺔ .وﻟــﯾس ﻫــذا ﻓﺣــﺳب ﺑــل ﺗﻠﻘــﻲ ﻋﻠــم اﻟﺣــدﯾث ﻋــن
وﻛﯾﻊ ﺑن اﻟﺟراح ...وﻏﯾرﻩ ﻣن ﺣﻔﺎظ اﻟﺣدﯾث اﻟﻧﺑوي .
وﻗـد أﻗـﺎم اﻟـﺷﺎﻓﻌﻲ ﻣـدة ﺑﺑﻐـداد ،ﻋـﺎد ﺑﻌـدﻫﺎ إﻟـﻰ ﺑﻠـدﻩ ﻣﻛـﺔ ؛
ﻟﯾﻌﻘد ﺑﻬﺎ أول ﻣﺟﺎﻟﺳﻪ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺣرم اﻟﻣﻛﻲ ،ﺛم ﻋﺎد إﻟﻰ ﺑﻐـداد
وﻗــد ﺑﻠــﻎ ﻣــن اﻟﻌﻣــر ﺧﻣــس وأرﺑﻌــون ﺳــﻧﺔ ،وﻗــد اﺳــﺗوى ﻋﺎﻟﻣــﺎً ﻟــﻪ
ﻣﻧﻬﺟﻪ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣل ،وﻣذﻫﺑﻪ اﻟﺧﺎص ﺑﻪ ،وﻛﺎن ﻟﻪ أﺛرﻩ اﻟواﺿـﺢ ﻋﻠـﻰ
اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻌراق .
ﺛم ﻋﺎد إﻟﻰ ﻣﻛﺔ ،وﻟم ﯾﻣﻛث ﺑﻬﺎ طوﯾل ،ﺛم ﻋـﺎد إﻟـﻰ ﺑﻐـداد ،
ـ ١٠٨ـ
وﻧــﺷر ﺑﻬــﺎ ﻣذﻫﺑــﻪ ،وﺗــرك ﺑﻬــﺎ ﻋــددا ﻛﺑﯾـراً ﻣــن أﺻــﺣﺎﺑﻪ ﺗوﻟـوا ﺑﻌــدﻩ
ﻧﺷر اﻟﻣذﻫب اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ،ﺣﺗﻰ أﺻﺑﺣت ﻟﻬم ﻣدرﺳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬم داﺧل
اﻟﻣذﻫب اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ﻋرﻓت ﺑطرﯾﻘﺔ اﻟﻌراﻗﯾﯾن) .( ١
ﺛم ارﺗﺣـل اﻟـﺷﺎﻓﻌﻲ إﻟـﻰ ﻣـﺻر ﺳـﻧﺔ ١٩٩ﻫــ ،وﻓﯾﻬـﺎ ظﻬـــرت
ﻣواﻫب اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ وﻣﻘدرﺗﻪ اﻟﻛﻼﻣﯾﺔ ،ﻓﺄﻣﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺗﻼﻣــﯾذﻩ اﻟﻣﺻرﯾــﯾن
ﻛــــﺗﺑﻪ اﻟﺟدﯾـــدة اﻟﺗــﻲ ﯾﻌـــــﺑر ﻋﻧﻬــﺎ ) ﺑﺎﻟﻣـــذﻫب اﻟﺟدﯾــد ( وﯾﺟﻣﻌﻬـــﺎ
ﻛﺗﺎب " اﻷم " .
وﺳــﺑب اﻟﺗﻐﯾﯾــر ﻓــﻰ ﺑﻌــض أﻗواﻟــﻪ ﻓــﻰ ﻣــﺻر ) ﻣذﻫﺑــﻪ اﻟﺟدﯾــد
(ﻋﻧﻬــﺎ ﻓــﻰ اﻟﻌ ـراق ) ﻣذﻫﺑــﻪ اﻟﻘــدﯾم ( ،أﻧــﻪ ﻟﻣــﺎ ﻗــدم ﻣــﺻر وﺧــﺎﻟط
ﻋﻠﻣﺎءﻫــﺎ ،وﺳـــﻣﻊ ﻣــﺎ ﻋﻧـــدﻫم ﻣـــن اﻟﺣــدﯾث واﻟﻔﻘـــﻪ ،ورأى ﻋـــﺎدات
وأﻋــراف ﺗﺧـــﺎﻟف ﻣــﺎ ﺳـــﻣﻊ ورأى ﻓــﻰ اﻟﺣﺟـــﺎز واﻟﻌــراق ،ﺗﻐﯾـــر وﺟـــﻪ
اﻻﺟﺗﻬﺎد ﻋﻧدﻩ ﻓﻰ ﺑﻌض اﻟﻣﺳﺎﺋل) .( ٢
ﺷﻴﻮﺧﻪ :
ﺣﻔظ اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﻋﻠﻰ ﯾد إﺳﻣﺎﻋﯾل ﺑـن ﻗـﺳطﻧطﯾن
،وﻫو ﺷﯾﺦ أﻫل ﻣﻛﺔ ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻪ .
وأﺧذ اﻟﺣدﯾث ﻋن :ﺳﻔﯾﺎن ﺑن ﻋﯾﯾﻧﺔ إﻣﺎم أﻫل اﻟﺣدﯾث .
وأﺧذ اﻟﻔﻘـﻪ ﻋـن :ﻣـﺳﻠم ﺑـن ﺧﺎﻟـد اﻟزﻧﺟـﻲ ﻓـﻲ ﻣﻛـﺔ ،وأﺟـﺎزﻩ
ﻟﻠﻔﺗوى وﻫو اﺑن ﺧﻣس ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ،واﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ﺑن أﻧس ﺑﺎﻟﻣدﯾﻧـﺔ
،وﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﺣﺳن اﻟـﺷﯾﺑﺎﻧﻲ ﺻـﺎﺣب أﺑـﻲ ﺣﻧﯾﻔـﺔ ﺑﺑﻐـداد...وﻏﯾـرﻫم
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﺪﺧﻞ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻤﺬاھﺐ اﻻﺳﻼﻣﯿﺔ ،د /ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻌﺔ ص . ٢٢ ،٢١
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :أ د /رﺑﯿﻊ دردﯾﺮ ،اﻟﻤﺪﺧﻞ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ .
ـ ١٠٩ـ
ﻛﺛﯾر.
)(١
ﻗﺎل اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ":ﻛﺗﺑت ﻋن ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﺣﺳن وﻗر ﺑﻌﯾر"
ﺗـﻼﻣــﻴﺬﻩ :
ﻟﻺﻣﺎم اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ﺗﻼﻣﯾذ ُﻛـﺛر رووا ﻋﻧﻪ اﻟﺣدﯾث ،وأﺧذوا ﻋﻧﻪ
اﻟﻔﻘﻪ ،ﻣن أﻫل اﻟﻌراق ،وﻣﺻر ،ﻧذﻛر أﺷﻬـــرﻫم :
ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻮﻥ ) ﺭﻭﺍﺓ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ( :
١ـ أﺑو ﺛور ﺑن ﺧﺎﻟد اﻟﻛﻠﺑﻰ .ﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ )٢٤٠ﻫـ( .
٢ـــــ اﻹﻣـــﺎم اﻟﻛراﺑﯾـــﺳﻲ :أﺑـــو ﻋﻠـــﻲ اﻟﺣـــﺳﯾن ﺑـــن ﻋﻠـــﻰ ﺷـــﯾﺦ
اﻟﺑﺧــﺎري ،ﻛــﺎن أﺣﻔــظ أﺻــﺣﺎب اﻟــﺷﺎﻓﻌﻰ اﻟﻌ ـراﻗﯾﯾن ﻟﻠﻣــذﻫب .ﺗــوﻓﻰ
ﺳﻧﺔ )٢٤٥ﻫـ( .
٣ـ اﻹﻣــﺎم اﻟزﻋــﻔــــراﻧﻲ :اﻟﺣــﺳن ﺑــن ﻣﺣﻣــد ،وﻫــو أوﺛــق ﻣــن
روى ﻣذﻫﺑﻪ اﻟﻘدﯾم ﺳﻧﺔ )٢٦٠ﻫـ( .
ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ ﺍﳌﺼﺮﻳﻮﻥ ) ﺭﻭﺍﺓ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﺍﳉﺪﻳﺪ ( :
اﻟﺑــَوْﯾـــطﻲ :أﺑو ﯾﻌﻘوب ﯾوﺳف ﺑن ﯾﺣﯾﻰ اﻟﺑـوﯾطﻲ ،
١ــ اﻹﻣﺎم ُ
اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢٣١ﻫـ .
ـﻲ :إﺳــﻣﺎﻋﯾل ﺑــن ﯾﺣﯾــﻰ اﻟﻣزﻧــﻲ اﻟﻣــﺻري ، ٢ـ ــ اﻹﻣــﺎم ْ َ ِ
َاﻟﻣزﻧـ ﱢُ
اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢٦٤ه.
اﻟﻣـــ َر ِ ﱡ
ادي :اﻟرﺑﯾـﻊ ﺑـن ﺳـﻠﯾﻣﺎن اﻟﻣـرادي ،اﻟﻣﺗـوﻓﻰ ٣ـ اﻹﻣـﺎم ْ ُ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻣﺨﺘﺼﺮ ﺗﺎرﯾﺦ دﻣﺸﻖ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻨﻈﻮر اﻻﻧﺼﺎري . ٣٦٧/١٢
ـ ١١٠ـ
ﺳﻧﺔ ٢٧٠ﻫـ .
ﻗـــﺎل اﻟزﻋﻔراﻧـــﻰ " :ﻛــــﺎن أﺻـــﺣﺎب اﻟﺣـــدﯾث رﻗــــودا ﺣﺗـــﻰ ﺟــــﺎء
اﻟﺷﺎﻓﻌﻰ ﻓﺄﯾﻘﺿﻬم ﻓﺗﯾﻘظوا " .
ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻪ ﻭﻛﺘﺒﻪ :
أﻟف اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ أﻛﺛر ﻣن ﺛﻼﺛﯾن ﻛﺗﺎﺑﺎً ،اﻟﻛﺛﯾر ﻣﻧﻬﺎ وﺻل إﻟﯾﻧـﺎ ،
واﻟﺑﻌض ﻣﻧﻬﺎ ﻓﻘد ،وﻟم ﯾﺻل إﻟﯾﻧﺎ .
أﺷﻬر ﻛﺗﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ﻛﺗﺎب " اﻟرﺳﺎﻟﺔ " ﻓﻲ أﺻول اﻟﻔﻘـﻪ ،
وﻛﺗﺎب " اﻷم " ﻗﻲ اﻟﻔﻘﻪ .
وﻣـــن ﻣؤﻟﻔﺎﺗـــﻪ اﻟﻛﺛﯾـــرة " :اﻟﻣـــﺳﻧد" ﻓـــﻲ اﻟﺣـــدﯾث ،و " أﺣﻛـــﺎم
اﻟﻘـــرآن" ﻓـــﻲ اﻟﺗﻔـــﺳﯾر ،و " اﺧـــﺗﻼف اﻟﺣـــدﯾث" ،و" اﻟﻣﺑـــﺳوط " و "
اﻟﺣﺟــﺔ " ﻓﻲ اﻟﻔﻘـﻪ " ،ﻓﺿـﺎﺋل ﻗرﯾــش" و " أدب اﻟﻘﺎﺿﻲ .
ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ :
اﻻﻣــﺎم اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ ﻧﺎﺻــر اﻟﺣــدﯾث ،وﺳــﯾد اﻟﻔﻘﻬــﺎء ،وﺗــﺎج اﻟﻌﻠﻣــﺎء ،
ﺻﺎﺣب اﻟﺳﻧﺔ واﻷﺛر ،واﻟﻔﺿل واﻟﺧﯾر ،اﻟﻬﺎﺷﻣﻲ اﻟﻘرﺷﻲ ،ﻓﺻﯾﺢ
اﻟﻠــﺳﺎن ،ﺷــدﯾد اﻟﻣﻘــﺎم ،ﻛﻼﻣــﻪ ﻧظــم اﻟﺣﻛــم ،أﻓــﺿل أﻫــل زﻣﺎﻧــﻪ
ﺑﺷﻬﺎدة أﻗراﻧﻪ .
:ﻣﺎ رأﯾت ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﺣﺳن ﯾﻌظم أﺣداً
ﻣن أﻫل اﻟﻌﻠم إﻋظﺎﻣﻪ ﻟﻠﺷﺎﻓﻌﻲ " ) .( ١
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :وﻓﯿﺎت اﻷﻋﯿﺎن وأﻧﺒﺎء أﺑﻨﺎء اﻟﺰﻣﺎن ،ﻷﺑﻲ اﻟﻌﺒﺎس ﺷﻤﺲ اﻟﺪﯾﻦ
اﻟﺒﺮﻣﻜﻲ . ١٦٤/٤
ـ ١١١ـ
إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻘﯾض ﻟﻠﻧﺎس ﻓﻲ ﻛل رأس
ﺻـﻠﻰ ﱠ
اﻟﻠـﻪُ رﺳـول ﱠ ِ
اﻟﻠـﻪ ـــ َ ﱠ ﻋـن ُ ِ
ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻧﺔ ﻣـن ﯾﻌﻠﻣﻬـم اﻟـﺳﻧن ،وﯾﻧﻔـﻲ َ ْ َ
ﻋﻠﯾـ ِـﻪ َ َ ﱠ
ـﻠم ــــ اﻟﻛــذب .ﻓﻧظرﻧــﺎ ﻓــﺈذا ﻓــﻲ رأس اﻟﻣﺎﺋــﺔ ﻋﻣــر ﺑــن ﻋﺑــد
وﺳـ َ َ َْ
اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ــ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ــ " ) .( ١ اﻟﻌزﯾز ،وﻓﻲ رأس اﻟﻣﺎﺋﺗﯾن ّ ّ
ﱠ
وﺳـﻠم ـــ ﻓــﻲ ﺻـﻠﻰ اﻟﻠﱠــﻪُ َ ْ ِ
اﻟﻧﺑـﻲ ـــ َ ﱠ
ـت ﱠِ
ﻋﻠﯾـﻪ َ َ َ َ ّ َ : رأ َْﯾـ ُ
اﻟﻣﻧــﺎم ،ﻓــﺳﺄﻟﺗﻪ ﻋــن اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ ﻓﻘــﺎل ﻟــﻲ» :ﻣــن أراد ﻣﺣﺑﺗــﻲ وﺳــﻧﺗﻲ
ﻓﻌﻠﯾﻪ ﺑﻣﺣﻣد ﺑن إدرﯾس اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ اﻟﻣطﻠﺑﻲ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻧﻲ وأﻧﺎ ﻣﻧﻪ" ).(٢
ﻣﺣﻣد ﺑن إدرﯾس ﻓﻘد ﻣﺎت أﻓﺿل
ﻣﺎت ُ َ ﱠ
":إن َ َ
زﻣﺎﻧﻪ") .( ٣
أﻫل َ َ
ﺃﺳﺲ ﻭﺃﺻﻮﻝ ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ :
اﻷﺻـــول واﻷﺳـــس اﻟﺗـــﻲ اﻋﺗﻣـــد ﻋﻠﯾﻬـــﺎ اﻟـــﺷﺎﻓﻌﻲ ﻓـــﻲ اﺳـــﺗﻧﺑﺎط
اﻷﺣﻛـــﺎم اﻟـــﺷرﻋﯾﺔ ،ﻫـــﻲ :اﻟﻛﺗـــﺎب ،واﻟـــﺳﻧﺔ ،واﻹﺟﻣـــﺎع ،وأﻗـــوال
اﻟــﺻﺣﺎﺑﺔ ،واﻟﻘﯾــﺎس ،واﻻﺳﺗــﺻﺣﺎب " وﻓﯾﻬــﺎ ﺷــﻲء ﻣــن اﻟﺗﻔــﺻﯾل
ﺑﯾﺎﻧﻪ ﻛﺎﻟﺗﺎﻟﻲ :
١ـ ﺍﻟﺴﻨﺔ :ﻻ ﺷك ﻓﻲ ﺗﻣﺳك اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ﺑﺎﻟﺳﻧﺔ اﻟـﺻﺣﯾﺣﺔ ﺣﺗـﻰ
ﻓﻬـو ﻗـوﻟﻲ َ ٕوِان اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ َ ْ ِ
ﺣدﯾث َﻋن ﱠِ أﻧﻪ ﻗﺎل ":ﻛل ِ
ﻋﻠﯾﻪ َوﺳـﻠم َ ُ َ َ َ
ﻟم ﺗﺳﻣﻌوﻩ ﻣﻧﻲ " ) .( ٤
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺗﺎرﯾﺦ ﺑﻐﺪاد ﻟﻠﺨﻄﯿﺐ اﻟﺒﻐﺪادي . ٦٠/٢
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺗﮭﺬﯾﺐ اﻟﻜﻤﺎل .٣٧٥/٢٤
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ " :اﻻﻧﺘﻘﺎء ﻓﻲ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﺋﻤﺔ اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻷﺑﻲ ﻋﻤﺮ اﻟﻘﺮطﺒﻲ ص
. ٧٠
) ( ٤ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻣﺨﺘﺼﺮ اﻟﻤﺆﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﺮد إﻟ ﻰ اﻷﻣ ﺮ اﻷول اﻟﻤﺆﻟ ﻒ :أﺑ ﻮ اﻟﻘﺎﺳ ﻢ ﺷ ﮭﺎب
اﻟﺪﯾﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﻲ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ اﻟﻤﻌﺮوف ﺑﺄﺑﻲ ﺷﺎﻣﺔ ص . ٥٨
ـ ١١٢ـ
وﻟﻬـذا ﻗــدم اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ ﺧﺑــر اﻟواﺣــد ﻋﻠــﻰ اﻟﻘﯾــﺎس ،وﻟــم ﯾــﺷﺗرط
ﻓﯾﻪ ﻣﺎ اﺷﺗرطﻪ ﻏﯾرﻩ ﻟﻠﻌﻣل ﺑﻪ ،ﻣﺎ دام ﺧﺑـر اﻟواﺣـد ﺻـﺣﯾﺣﺎً ﻣﺗـﺻل
اﻹﺳﻧﺎد ،وﻟﻬذا ﻟم ﯾﻌﻣل ﺑﺎﻷﺣﺎدﯾـث ﻓﺎﻟﻣرﺳـﻠﺔ ﻻﻧﻘطـﺎع اﻟـﺳﻧد ،وﻟـم
ﯾﻘﺑل ﻣﻧﻬﺎ إﻻ ﻣراﺳﯾل ﺳﻌﯾد ﺑن اﻟﻣﺳﯾب) .( ١
٢ـــ ﺃﻗﻮﺍﻝ ﺍﻟـﺼﺤﺎﺑﺔ :ﯾـرى اﻟـﺷﺎﻓﻌﻲ أن أﻗـوال اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ ﻓﯾﻣـﺎ
اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﯾﻪ ﺣﺟﺔ أﻣﺎ إذا اﺧﺗﻠف اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺄﻟﺔ ،ﻓﯾﺣﺗﺎج اﻷﻣـر
إﻟﻰ اﻟﺗرﺟﯾﺢ ﺑﯾﻧﻬم ﺑدﻟﯾل آﺧر.
وﯾــرى اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ أﻧــﻪ إذا اﻧﻔــرد اﻟــﺻﺣﺎﺑﻲ ﺑﻘــول وﻟــم ﯾوﺟــد ﻓــﻲ
اﻟﻣـــﺳﺄﻟﺔ ﻧـــص ﻣـــن اﻟﻛﺗـــﺎب ،أو اﻟـــﺳﻧﺔ ،أن ﻫـــذا اﻟﻘـــول أوﻟـــﻰ ﻣـــن
اﻟﻘﯾﺎس.
ٕواذا ﻛــــﺎن ﻗــــول اﻟــــﺻﺣﺎﺑﻲ ﻓــــﻲ اﻷﻣــــور اﻟﺗــــﻲ ﻓﯾﻬــــﺎ ﻣﺟــــﺎل
ﻟﻼﺟﺗﻬــﺎد ،ﻓﻘــد رأى اﻹﻣــﺎم اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ أن ﻗــول اﻟــﺻﺣﺎﺑﻲ ﻟــﯾس ﺑﺣﺟــﺔ
ﻋﻠﻰ ﻏﯾرﻩ ﻣن اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن.
وﺳـطﺎ،
ً ﻣوﻗﻔـﺎ
ً ٣ـ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ :وﻗف اﻹﻣﺎم اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ﻣـن اﻟﻘﯾـﺎس
ﻓﻠم ﯾﺗﺷدد ﻓﯾﻪ ﺗﺷدد اﻹﻣﺎم ﻣﺎﻟك ،وﻟم ﯾﺗوﺳﻊ ﻓﯾـﻪ ﺗوﺳـﻊ اﻹﻣـﺎم أﺑـﻲ
ﺣﻧﯾﻔﺔ ،وﻣﻊ ﻫذا ﻓﻛﺎن اﻹﻣﺎم اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ﯾرى ﻟﻠﻘﯾـﺎس أﻫﻣﯾـﺔ ﻛﺑﯾـرة ﻓـﻲ
)(١
ﻓﻘﯿَ ﺎس ﺎل ْ َ " :
اﻷﺻ ﻞ ﻗُ ْﺮآن َوﺳ ﻨﺔ ﻓ ﺎن ﻟ ﻢ ﯾﻜ ﻦ َ ِ ـ وھﺬا ﻣﺎ ﺑﯿﻨﮫ اﻹﻣﺎم اﻟ ﺸﺎﻓﻌﻲ ﻗَ َ
اﻹﺳ َﻨﺎد ِ ْ
ﻣﻨ ﮫُ وﺻ ﱠﺢ ْ ِ ْ رﺳ ﻮل ﷲ ﺻ ﻠﻰ ﷲ َ َ ْ
ﻋﻠﯿ ِﮫ َوﺳ ﻠﻢ َ َ اﻟﺤﺪﯾﺚ َﻋ ﻦ َ ُاﺗﺼﻞ َ ِ وإذا ﱠ َ َْ ِ َ
ﻋﻠﯿﮭﻤﺎ َ ِ
اﺣﺘﻤ ﻞ وإذا ْ واﻟﺤ ِﺪﯾﺚ ﻋﻠ ﻰ َ
ظ ﺎھﺮه ِ َ ، اﻟﻤﻔ ﺮد ْ َ اﻟﺨﺒَ ﺮ ْ ُ ْﻓﮭ َﻮ ﺳ ﻨﺔ واﻹﺟﻤ ﺎع أﻛﺒ ﺮ ﻣ ﻦ ْ َ َ ُ
إﺳ َ ً
ﻨﺎدا اﻷﺣﺎدﯾ ﺚ أﺻ ﺤﮭﺎ ِ ْ َ
وإذا ﺗﻜﺎﻓ ﺄت ْ َ ِ ﻣﻨﮭ ﺎ ظ ﺎھﺮه أوﻻھ ﺎ ﺑِ ِﮫ ِ َ ،َ ْ
ﻓﻤ ﺎ أﺷ ﺒﮫ ِ َ َ
ﺎﻧﻲ َ ْ َ
اﻟﻤﻌ ِ
ﻣﻨﻘﻄﻊ ْاﺑﻦ ْاﻟﻤﺴﯿﺐ " ﯾﻨﻈﺮ " :اﻹﻧﺼﺎف ﻓ ﻲ ﺑﺸﻲء َﻣﺎ ﻋﺪا ُ ْ َ وﻟﯿﺲ ْ ُ ْ َ
اﻟﻤﻨﻘﻄﻊ ِ َ ْ أوﻻھﺎ َ ْ َ َ ،
ﺑﯿﺎن أﺳﺒﺎب اﻻﺧﺘﻼف ،ﻟﻮﻟﻲ ﷲ اﻟﺪھﻠﻮي ص . ٨٠
ـ ١١٣ـ
اﻟﻌﻣﻠﯾــﺔ اﻟﻔﻘﻬﯾــﺔ ،ﺣﺗــﻰ ﺟﻌﻠــﻪ ﻫــو واﻻﺟﺗﻬــﺎد ﺑﻣﻌﻧــﻰ واﺣــد ،وﻛــﺎن -
رﺣﻣﻪ اﷲ -ﯾﻘول :اﻻﺟﺗﻬﺎد اﻟﻘﯾﺎس.
٤ــ ﺍﻻﺳﺘﺼﺤﺎﺏ :وﻫو ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺛﺑوت أﻣر ﻓﻲ اﻟزﻣﺎن اﻟﺛـﺎﻧﻲ
ﺣﻛﻣــﺎ ﺑﺎﻟﺣــل ﻓــﻲ
،ﺑﻧــﺎء ﻋﻠــﻰ ﺛﺑوﺗــﻪ ﻓــﻲ اﻟزﻣــﺎن اﻷول ،ﻓــﺈذا ﻋرﻓﻧــﺎ ً
اﻟزﻣن اﻟﻣﺎﺿﻲ ،وﻟم ﯾظﻬر ﻟﻧﺎ ﻣﺎ ﯾدل ﻋﻠـﻰ ﻋدﻣـﻪ ،ﺣﻛﻣﻧـﺎ اﻵن ﻓـﻲ
ﺑﺎﻗﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻪ وﻫو اﻟﺣل .
اﻟزﻣﺎن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ زال ً
ﻫذﻩ ﻫﻲ اﻷدﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻹﻣﺎم اﻟـﺷﺎﻓﻌﻲ ـــ رﺣﻣـﻪ ﱠ
اﻟﻠـﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ــ ﺑﺎﻹﺿـﺎﻓﺔ إﻟـﻰ ﻣـﺎ ﻗـررﻩ ﻣـن ﻗواﻋـد ﻓـﻲ اﺳـﺗﻧﺑﺎط اﻷﺣﻛـﺎم ﻣـن
أﻟﻔﺎظ اﻟﻧﺻوص اﻟﺷرﻋﯾﺔ ،ﻛﻘواﻋد اﻟﻌﺎم واﻟﺧﺎص ،واﻟﻣﺟﻣل واﻟﻣﺑـﯾن،
واﻟﻣطﻠق واﻟﻣﻘﯾد ...اﻟﺦ.
وﻋﻠــﻰ اﻟﺟﺎﻧــب اﻵﺧــر ﻓﻘــد رﻓــض اﻹﻣــﺎم اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ رﺣﻣــﻪ اﻟﻠﱠــﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌض اﻷدﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎل ﺑﻬـﺎ ﻏﯾـرﻩ ﻣـن اﻷﺋﻣـﺔ ،ﺣﯾـث رأى اﻹﻣـﺎم
اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ــ رﺣﻣﻪ اﷲ ـــ أﻧﻬﺎ ﺿﻌﯾﻔﺔ ،ﻻ ﯾـﺻﺢ اﻻﺳـﺗدﻻل ﺑﻬـﺎ ،وﻫـﻲ
:اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳـﻠﺔ ،اﻻﺳﺗﺣـﺳﺎن ،ﻋﻣـل أﻫـل اﻟﻣدﯾﻧـﺔ ،ﺷـرع ﻣـن
ﻗﺑﻠﻧﺎ " ) .( ١
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﺪﺧﻞ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻤﺬاھﺐ اﻻﺳﻼﻣﯿﺔ ،د /ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻌﺔ ص . ٢٧ ، ٢٤
ـ ١١٤ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﳊﻨﺒﻠﻲ
ﻻ ﺑد ﻣن ذﻛر ﺗرﺟﻣﺔ ﻟﻺﻣﺎم أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑـل ﻣؤﺳـس اﻟﻣـذﻫب
،وﻣﻌرﻓــﺔ ﺷــﯾوﺧﻪ ،وﺗﻼﻣﯾــذﻩ أﻋــﻼم اﻟﻣــذﻫب ،وﻛﺗﺑــﻪ وﻣــﺻﻧﻔﺎﺗﻪ ،
وﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ،ﺛم ﻧﺑﯾن أﺻول وأﺳس اﻟﻣذﻫب .
)(١
ﺗﺮﲨﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﲪﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ
ﻧﺴﺒﻪ :
ﻫو :أﺣﻣد ﺑن ﻣﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ﺑن ﻫﻼل ﺑن أﺳـد اﻟـﺷﯾﺑﺎﻧﻲ ،
اﻟﻣروزي ،اﻟﺑﻐدادي ،ﻛﻧﯾﺗﻪ " أﺑو ﻋﺑد اﷲ".
وﻟـــد ﺑﺑﻐـــداد ﻓـــﻲ ﺷـــﻬر رﺑﯾـــﻊ اﻷول ﺳـــﻧﺔ ) ١٦٤ه ( أرﺑـــﻊ
وﺳـــﺗون وﻣﺎﺋـــﺔ ،وﺗـــوﻓﻰ رﺣﻣـــﻪ اﷲ ﯾـــوم اﻟﺟﻣﻌـــﺔ ﺳـــﻧﺔ ) ٢٤١ه(
أﺣدى وأرﺑﻌون وﻣﺎﺋﺗﯾن ﻣن اﻟﻬﺟرة .
ﻧﺸﺄﺗﻪ ﻭﻃﻠﺒﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ :
اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﻣروزي اﻷﺻل ،ﺧرج ﺑﻪ أﺑوﻩ ﻣن ﻣرو إﻟﻰ ﺑﻐداد
ﺣﻧﺑـل
،وﻫو ﻓﻲ ﺑطن أﻣﻪ ،وﻗﯾل وﻫو رﺿﯾﻊ ،واﻷول أﺻـﺢ ،ﺟـدﻩ َ ْ َ
وﻛـﺎن ﻣـن أﺑﻧـﺎء اﻟـدﻋوة ،وﻣـﺎت أﺑـوﻩ ﺷـﺎﺑﺎً
ْﺑن ﻫﻼل واﻟﻲ ﺳرﺧــسَ َ ،
َﺣﻣــد إذ ذاك طﻔــﻼً ) اﺑــن ﺛــﻼث
ـﺎن أ ْ َ
وﻛـ َ
ﻓــﻲ اﻟﺛﻼﺛــﯾن ،ﻓﻛﻔﻠﺗــﻪ أﻣــﻪ َ ،
) ( ١ـ ﯾﻨﻈ ﺮ ﻓ ﻲ ﺗﺮﺟﻤﺘ ﮫ ﻣ ﺎ ﯾﻠ ﻲ :ﺗ ﺎرﯾﺦ ﺑﻐ ﺪاد ﻷﺑ ﻲ ﺑﻜ ﺮ اﻟﺒﻐ ﺪادي ، ٩٠/٦ﺗ ﺎرﯾﺦ
دﻣﺸﻖ ﻻﺑ ﻦ ﻋ ﺴﺎﻛﺮ ٣٩/١وﻣ ﺎ ﺑﻌ ﺪھﺎ ،اﻟ ﻮﻓﻲ ﻟ ﺼﻼح اﻟ ﺪﯾﻦ اﻟ ﺼﻔﺪي ٢٢٥/٦وﻣ ﺎ
ﺑﻌ ﺪھﺎ ،طﺒﻘ ﺎت اﻟﻔﻘﮭ ﺎء ، ٩١/١طﺒﻘ ﺎت اﻟﺤﻨﺎﺑﻠ ﺔ ، ٤/١دﯾ ﻮان اﻹﺳ ﻼم ، ٣٩/١
أﻋ ﻼم اﻟﻤ ﻮﻗﻌﯿﻦ ﻻﺑ ﻦ اﻟﻘ ﯿﻢ ،٣٣: ٢ /١ﻣﻌﺠ ﻢ اﻟﻤ ﺆﻟﻔﯿﻦ ،٩٦/٢اﻟﻤ ﺪﺧﻞ ﻟﺪراﺳ ﺔ
اﻟﻤﺬاھﺐ اﻟﻔﻘﮭﯿﺔ ص . ١٩٤ ،١٩
ـ ١١٥ـ
ﺳﻧﯾن ( .
ﺣﻔــظ اﻟﻘـرآن ﺑﺑﻐــداد ﻓــﻲ ﺣداﺛﺗــﻪ ،وﻛــﺎن ﯾﺧﺗﻠــف إﻟــﻰ ﻣﺟﻠــس
اﻟﻘﺎﺿﻲ أﺑﻲ ﯾوﺳف ،ﺛم ﺗرك ذﻟك ،وﺳﻣﻊ اﻟﺣدﯾث ﻋن ﺷـﯾوخ ﺑﻐـداد
وﻫو اﺑن ﺳت ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ،ﺛم ﺧرج إﻟﻰ ﻣﻛﺔ وﺻﺣﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻣدﯾﻧﻲ ،
وﯾﺣﯾــﻰ ﺑــن ﻣﻌــﯾن ،ﺛــم ﺧرﺟ ـوا إﻟــﻰ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ،وارﺗﺣﻠ ـوا إﻟــﻰ ﺻــﻧﻌﺎء
ﺑﺎﻟﯾﻣن ،ﻓﺳﻣﻊ ﻣن ﻋﺑد اﻟـرزاق ـــ ﺻـﺎﺣب اﻟﻣـﺻﻧف ـــ وﻛﺗـب ﻋﻧـﻪ ،
ﺛم ﻋﺎدوا إﻟﻰ ﺑﻐداد ،وﺗﻧﻘل ﺑﯾن اﻟﺑﺻرة ،واﻟﻛوﻓﺔ ،وواﺳط .
ﺛــم ﺧــرج اﻷﻣــﺎم أﺣﻣــد إﻟــﻰ ﺑــﻼد اﻟـــﺷﺎم وﺣــدﻩ ،ﻓﺄﻓﺎدﺗــﻪ ﻫــذﻩ
اﻟرﺣﻼت ﻛـﺛـــﯾراً ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻪ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻓﻛﺗب ﻋن ﻋﻠﻣﺎء ﻫذا اﻟﻌﺻر .
ﺷﻴﻮﺧﻪ :
أﺧــذ اﻟﺣــدﯾث ﻋــن :ﻫــﺷﯾم ،ﺳــﻔﯾﺎن ﺑــن ﻋﯾﯾﻧــﺔ ،ووﻛﯾــﻊ ،
وﻋﺑد اﻟرزاق ،واﺑن ﻣﻬدي ،وﻏﯾرﻫم ﺧﻠق ﻛﺛﯾر .
وروى ﻋﻧـﻪ :ﺷـﯾﺧﻪ ﻋﺑـد اﻟــرزاق ،واﻟﺑﺧـﺎري ،وﻣـﺳﻠم ،وأﺑــو
داود ...وﻏﯾرﻫم.
وأﺧذ اﻟﻔﻘـﻪ ﻋـن :اﻹﻣـﺎم اﻟـﺷﺎﻓﻌﻲ ـــ رﺣﻣـﻪ اﷲ ـــ ،واﻟﻘﺎﺿـﻲ
أﺑﻲ ﯾوﺳف ﺻﺎﺣب أﺑﻲ ﺣﻧﯾﻔﺔ .
ﺗﻼﻣﻴﺬﻩ :
١ـ اﺑﻧﻪ ﺻﺎﻟﺢ ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢٦٦ﻫـ .
٢ـ اﺑﻧﻪ ﻋﺑد اﻟﻠــــــﻪ ،اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ٢٩٠ﻫــ .
٣ـ اﻹﻣﺎم أﺑو ﺑﻛر اﻷﺛرم ،أﺣﻣد ﺑن ﻫـﺎﻧﻲء ،اﻟﻣﺗـوﻓﻰ ﺳـﻧﺔ
٢٧٣ﻫـ .
ـ ١١٦ـ
٤ـ اﻹﻣــﺎم اﻟﻛرﻣــﺎﻧﻲ :ﺣــرب ﺑــن اﺳــﻣﺎﻋﯾل ،اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ
٢٨٠ﻫـ .
ي :أﺣﻣـد ﺑـن ﻣﺣﻣـد ﺑـن اﻟﺣﺟـﺎج ٥ـ اﻹﻣـﺎم أﺑـو ﺑﻛـر ْ َ ْ َ ِ
اﻟﻣـروز ﱢ
اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ )٢٧٥ﻫـ(
ﻫذا ﻣـن أﺷـﻬر ﻓﻘﻬـﺎء اﻟﻣـذﻫب اﻟﺣﻧﺑﻠـﻲ اﻹﻣﺎﻣـﺎن اﻟﺟﻠـﯾﻼن :
أﺣﻣـــد ﺗﻘـــﻰ اﻟـــدﯾن اﺑـــن ﺗﯾﻣﯾـــﺔ اﻟﻣﺗـــوﻓﻰ ﺳـــﻧﺔ )٧٢٨ﻫــــ( واﺑـــن ﻗـــﯾم
اﻟﺟوزﯾﺔ اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ )٧٥١ﻫـ( .
ﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻪ ﻭﻛﺘﺒﻪ :
ﻛﺎن اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﺷـدﯾد اﻟﻛراﻫـﺔ ﻟﺗـﺻﻧﯾف اﻟﻛﺗـب ،وﻛـﺎن ﯾﺣـب
ﺟـدا ،ﻓﻌﻠـم ﱠ
اﻟﻠـﻪ ﺗﺟرﯾد اﻟﺣدﯾث ،وﯾﻛرﻩ أن ﯾﻛﺗب ﻛﻼﻣـﻪ ،وﯾـﺷﺗد ﻋﻠﯾـﻪ ّ
ﺣﺳن ﻧﯾﺗﻪ ،وﻗﺻدﻩ ،ﻓﻛﺗب ﻣن ﻛﻼﻣﻪ وﻓﺗواﻩ أﻛﺛر ﻣن ﺛﻼﺛﯾن ﻛﺗﺎﺑﺎ .
وﺟﻣﻊ أﺑو ﺑﻛر أﺣﻣد اﻟﺧﻼل ﻧﺻوص اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﻓﻲ"اﻟﺟـﺎﻣﻊ
اﻟﻛﺑﯾر" ﻓﺑﻠﻎ ﻧﺣو ﻋﺷرﯾن ﻣﺟﻠداَ أو أﻛﺛر ،وروﯾت ﻓﺗﺎوﯾـﻪ وﻣـﺳﺎﺋﻠﻪ ،
وﺣدث ﺑﻬﺎ ﻗرﻧﺎً ﺑﻌد ﻗرن وﻫﺎك ﺑﻌﺿﺎً ﻣن ﻣؤﻟﻔﺎﺗﻪ :
" اﻟﻣﺳﻧد " ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث ،ﺟﻣﻊ ﻓﯾﻪ ﻧﺣو أرﺑﻌﯾن أﻟـف ﺣـدﯾث ،
وﻟﻪ ﻓﻲ أﺻـول اﻟﻔﻘـﻪ " اﻟﻧﺎﺳـﺦ واﻟﻣﻧـﺳوخ " وﻛﺗـﺎب " اﻟﻌﻠـل " ،وﻓـﻲ
اﻟﻔﻘﻪ ﻛﺗﺎب " اﻟﺻﻼة وﻣﺎ ﯾﻠزم ﻓﯾﻬﺎ " " اﻟﻣﻧﺎﺳك" و"اﻷﺷرﺑﺔ " ،وﻟـﻪ
ﻓﻲ اﻟﻌﻘﯾدة ﻛﺗﺎب" اﻟرد ﻋﻠﻰ اﻟزﻧﺎدﻗﺔ ﻓﯾﻣﺎ ادﻋت ﻣن ﻣﺗﺷﺎﺑﻪ اﻟﻘرآن "
و " ﻓﺿﺎﺋل اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ " .
ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ :
ﺣﺎﻓظــﺎ ﻟﻠــﺳﻧﺔ ،ﻣﺗﻘﻧــﺎً ورﻋــﺎً ِ َ ،
ﻓﻘﯾﻬــﺎً ، ﻛــﺎن ــــ رﺣﻣــﻪ اﷲ ـــــ َ ِ ً
َ َ
ـ ١١٧ـ
ﺑﺎدة اﻟداﺋﻣﺔ . اﻟﺧﻔﻲ ،ﻣواظﺑﺎً ﻋﻠﻰ ْ ِ
اﻟﻌ َ َ ﻣَ ِ
ﻼزﻣﺎً ﻟﻠورع ْ َ
ﻗﺎل أﺑو زرﻋﺔ " :ﻣﺎ رأﯾـت أﺣـداً أﺟﻣـﻊ ﻣـن أﺣﻣـد ﺑـن ﺣﻧﺑـل ،
وﻣﺎ رأﯾت أﺣدا أﻛﻣل ﻣﻧﻪ ،اﺟﺗﻣﻊ ﻓﯾﻪ زﻫد ،وﻓﻘﻪ ،وﻓﺿل . "...
ﱠ اﻟﻠﻪُ َ ْ ِ
وﺳـﻠم ـــ
ﻋﻠﯾﻪ َ َ َ ﺻﻠﻰ ﱠ َ ﻣﺣﻣد ــ َ ﱠ
ﺟل َوﻋﻼ أﻣﺔ ُ َ ﱠ ﺑﻪ أﻏﺎث اﷲ ّ
وذاك أَﻧـﻪ َﺛﺑــت ِﻓـﻲ اﻟﻣﺣﻧــﺔ ــــ ﻗـول ﺑﺧﻠــق اﻟﻘـرآن ــــ ،وﺑــذل َﻧﻔــﺳﻪ ﷲ
ََ َ
ﯾﻘﺗـدى
ﺣﺗﻰ ﺿـرب ﺑﺎﻟـﺳﯾﺎط ،ﻓﻌـﺻﻣﻪ اﷲ َ ،وﺟﻌﻠـﻪ ﻋﻠﻣـﺎ ْ َ ﻋز َوﺟل َ ﱠ
ِِ
ﺑﻪ ،وﻣﻠﺟﺄ ﯾﻠﺗﺟﻰ َِ ْ
إﻟﯾﻪ .
اﺑﺗﻠــﻲ ﻓــﻲ ﻋﻬــد اﻟﻣــﺄﻣون ،إذ دﻋــﺎﻩ اﻟﻣــﺄﻣون إﻟــﻰ اﻟﻘــول ﺑ ــ
"ﺧﻠـــق اﻟﻘـــرآن " ،وﻣـــﺎت ﻗﺑـــل أن ﯾﻧـــﺎظر أﺣﻣـــد ﺑـــن ﺣﻧﺑـــل ،وﺗـــوﻟﻰ
اﻟﻣﻌﺗــﺻم ﻓــﺳﺟن أﺣﻣــد اﺑــن ﺣﻧﺑــل ﺛﻣﺎﻧﯾــﺔ وﻋ ـﺷرﯾن ﺷــﻬ ًرا ،وﻋــذب
ﺑﺎﻟــﺿرب واﻹﯾــذاء ،ﻻﻣﺗﻧﺎﻋــﻪ ﻋــن اﻟﻘــول ﺑﺧﻠــق اﻟﻘـرآن ،وﻣــﺎ وﻫــن ،
وﻣـﺎ ﺿــﻌف ،ﺣﺗـﻰ ﻛــﺷف اﷲ ﻋﻧــﻪ ﻫـذﻩ اﻟﻐﻣــﺔ ،وأطﻠـق ﻣــن ﺳــﺟﻧﻪ
ﺳﻧﺔ ) ٢٢٠ﻫـ( ﻓﺣﻔظ اﷲ ﺑﻪ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻔﺗﻧـﺔ ،وﻟـم
ﯾﺻﺑﻪ ﺷر ﻓﻲ زﻣن اﻟواﺛق ﱠ
ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺑﻌد اﻟﻣﻌﺗﺻم .
وﻟﻣــﺎ ﺗــوﻟﻰ اﻟﻣﺗوﻛــل ـ ــ اﺑــن اﻟﻣﻌﺗــﺻم ــــ أﻛــرم اﻹﻣــﺎم أﺣﻣــد،
أﺣدا إﻻ ﺑﻣﺷورﺗﻪ ) .( ١
وﻗدﻣﻪ ،وﻣﻛث ﻣدة ﻻ ﯾوﻟﻰ ً
ﺃﺳﺲ ﻭﺃﺻﻮﻝ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﳊﻨﺎﺑﻠﺔ :
ﺑـــﯾن اﺑـــن اﻟﻘـــﯾم أﺳـــس و أﺻـــول اﻟﻣـــذﻫب اﻟﺣﻧﺑﻠـــﻲ ،وﻫـــﻲ
ﺧﻣﺳﺔ :
) ( ١ـ ﺑﺘﺼﺮف ﯾﺴﯿﺮ ﻧﻘﻼً ﻋﻦ أﻋﻼم ﻋﻦ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﻦ . ٢٩ ، ٢٨/١
ـ ١١٨ـ
١ــــ اﻷﺻــل اﻷول :ﻧــﺻوص اﻟﻛﺗــﺎب واﻟــﺳﻧﺔ ،ﻓــﺈذا وﺟــد ﻓــﻲ
اﻟﻣﺳﺎﺋﻠﺔ ﻧص ﻣن اﻟﻛﺗﺎب أو اﻟﺳﻧﺔ ﺑﻧﻰ اﻟﺣﻛـم ﻋﻠﯾـﻪ وأﻓﺗـﻰ ﺑﻣوﺟﺑـﻪ
ﻛﺎﺋﻧﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن.
،وﻟم ﯾﻠﺗﻔت إﻟﻰ ﻏﯾرﻩ ،وﻻ إﻟﻰ ﻣن ﺧﺎﻟﻔﻪ ً
٢ــ اﻷﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ :ﻓﺗﺎوى اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ،ﻓﺈذا وﺟد ﻟﺑﻌـﺿﻬم ﻓﺗـوى
ﻻ ﯾﻌرف ﻟﻪ ﻣﺧﺎﻟف ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻗﺎل ﺑﻪ وﻻ ﯾﺧرج ﻋﻧﻪ إﻟﻰ ﻏﯾرﻩ.
٣ــ اﻷﺻل اﻟﺛﺎﻟث :إذا اﺧﺗﻠف اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺗﺧﯾـر ﻣـن أﻗـواﻟﻬم ﻣـﺎ
ﻛﺎن أﻗرﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ.
٤ــ اﻷﺻل اﻟراﺑﻊ :اﻷﺧذ ﺑﺎﻟﻣرﺳـل واﻟﺣـدﯾث اﻟـﺿﻌﯾف إذا ﻟـم
ﯾﻛن ﻓﻲ اﻟﺑﺎب ﺷﻲء ﯾدﻓﻌﻪ ،وﻫو اﻟذي رﺟﺣﻪ ﻋﻠـﻰ اﻟﻘﯾـﺎس ،وﻟـﯾس
اﻟﻣـراد ﺑﺎﻟـﺿﻌﯾف ﻋﻧــدﻩ اﻟﺑﺎطـل ،وﻻ اﻟﻣﻧﻛـر ،وﻻ ﻣــﺎ ﻓـﻲ رواﯾﺗـﻪ ﻣــﺗﻬم
ﺑﺣﯾث ﻻ ﯾﺻﺢ اﻟﻌﻣل ﺑﻪ ،وﻋﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﻣـل ﺑﺎﻟﺣـدﯾث اﻟـﺿﻌﯾف ﺛـﻼث
رواﯾﺎت .
ﻫذا واﻟﺣﻧﺎﺑﻠﺔ ﺗوﺳﻌوا ﻓﻲ اﻟﻌﻣل ﺑﺄﺧﺑﺎر اﻵﺣﺎد ،وﻟم ﯾﺷﺗرطوا
ﻓـــﻲ ﺧﺑـــر اﻵﺣـــﺎد ﻣـــﺎ اﺷـــﺗرطﻪ ﻏﯾـــرﻫم ﻟﻠﻌﻣـــل ﺑـــﻪ ،ﻣـــﺎ دام اﻟﺣـــدﯾث
ﺻﺣﯾﺣﺎً ؛ وﻟذا ﻋﻣﻠوا ﺑﺎﻟﺣدﯾث اﻟﻣرﺳل.
اﻷﺻل اﻟﺧﺎﻣس :اﻟﻘﯾﺎس ﻟﻠﺿرورة ،ﻓﺈذا ﻟم ﯾﻛـن ﻋﻧـد اﻹﻣـﺎم
أﺣﻣـد ﻓــﻲ اﻟﻣــﺳﺄﻟﺔ ﻧــص ،وﻻ ﻗــول اﻟــﺻﺣﺎﺑﺔ أو واﺣــد ﻣــﻧﻬم ،وﻻ أﺛــر
ﻣرﺳــل ،أو ﺿــﻌﯾف ﺑﻧــﻰ اﻟﺣﻛــم ﻋﻠــﻰ اﻷﺻــل اﻟﺧــﺎﻣس وﻫــو اﻟﻘﯾــﺎس،
ﻓﺎﺳﺗﻌﻣﻠﻪ ﻟﻠﺿرورة.
ﻓﻬذﻩ اﻷﺻول اﻟﺧﻣﺳﺔ ﻣـن أﺻـول ﻓﺗﺎوﯾـﻪ ،وﻋﻠﯾﻬـﺎ ﻣـدارﻫﺎ ،
وﻗد ﯾﺗوﻗف ﻓﻲ اﻟﻔﺗوى ﻟﺗﻌﺎرض اﻷدﻟﺔ ﻋﻧدﻩ ،أو ﻻﺧـﺗﻼف اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ
ـ ١١٩ـ
ﻓﯾﻬﺎ ،أو ﻟﻌدم اطﻼﻋـﻪ ﻓﯾﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ أﺛـر ،أو ﻗـول أﺣـد ﻣـن اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ
واﻟﺗﺎﺑﻌﯾن.
وﻛــﺎن ﺷــدﯾد اﻟﻛراﻫــﺔ واﻟﻣﻧــﻊ ﻟﻺﻓﺗــﺎء ﺑﻣــﺳﺄﻟﺔ ﻟــﯾس ﻓﯾﻬــﺎ أﺛــر
ﻋــن اﻟــﺳﻠف ،ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎل ﻟــﺑﻌض أﺻــﺣﺎﺑﻪ :إﯾــﺎك أن ﺗــﺗﻛﻠم ﻓــﻲ ﻣــﺳﺄﻟﺔ
ﻟﯾس ﻟك ﻓﯾﻬﺎ إﻣﺎم .
ﻛﺎن ـــ رﺣﻣـﻪ اﷲ ـــ ﯾـﺳوغ اﺳـﺗﻔﺗﺎء ﻓﻘﻬـﺎء اﻟﺣـدﯾث ،وأﺻـﺣﺎب
ﻣﺎﻟك ،وﯾدل ﻋﻠﯾﻬم ،وﯾﻣﻧﻊ ﻣن اﺳﺗﻔﺗﺎء ﻣن ﯾﻌرض ﻋن اﻟﺣـدﯾث ،وﻻ
ﯾﺑﻧﻲ ﻣذﻫﺑﻪ ﻋﻠﯾﻪ ،وﻻ ﯾﺳوغ اﻟﻌﻣل ﺑﻔﺗﯾﺎﻩ ) .( ١
) ( ١ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :أﻋ ﻼم اﻟﻤ ﻮﻗﻌﯿﻦ ﻻﺑ ﻦ اﻟﻘ ﯿﻢ ،٣٣: ٢ /١اﻟﻤ ﺪﺧﻞ ﻟﺪراﺳ ﺔ اﻟﻤ ﺬاھﺐ
اﻟﻔﻘﮭﯿﺔ ص .١٩٤ ،١٩
ـ ١٢٠ـ
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻻﺳﻼﻣﻲ
ﺃﻭ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ
ﻭﻓﻴﻪ ﲤﻬﻴﺪ ﻭ ﻓﺼﻼﻥ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻻﻭﻝ :ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﳌﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ .
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﳌﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ .
ـ ١٢١ـ
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ
ﲤﻬﻴﺪ :
اﻷدﻟﺔ اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻟﯾﺳت ﻓﻲ ﻗوة واﺣدة ،ﺑل ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ
،واﻵﺧــر ﻣﺧﺗﻠــف ﻓﯾــﻪ ،وﻣﻧﻬــﺎ اﻟﻧﻘﻠــﻲ ،وﻣﻧﻬــﺎ اﻟﻌﻘﻠــﻲ ،....ﻓﻬــﻲ
ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻋدة أﻗﺳﺎم ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرات ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﺑﯾﺎن أﻫﻣﻬﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
ﺃ ـ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺣﺠﻴﺘﻬﺎ ،ﻭﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻋﺪﻣﻪ ﺇﱃ
: )(١
ﻗﺴﻤﲔ
٢ـ أدﻟﺔ ﻣﺧﺗﻠف ﻓﯾﻬﺎ . ١ـ أدﻟﺔ ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻬﺎ .
١ـ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﳌﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬـﺎ :ﻫـﻲ اﻟﺗـﻲ أﺟﻣـﻊ ﻋﻠـﻰ ﺣﺟﯾﺗﻬـﺎ ﺟﻣﻬـور
اﻷﺻوﻟﯾﯾن ،واﻟﻔﻘﻬﺎء ،واﻟﻣﺣدﺛﯾن ،واﻟﻣﻔﺳرﯾن .
وﻫــﻲ أرﺑﻌــﺔ :اﻟﻛﺗــﺎب ،واﻟــﺳﻧﺔ ،واﻹﺟﻣــﺎع ،واﻟﻘﯾــﺎس ،وﻻ
ﻋﺑرة ﺑﺧﻼف اﻟﻧظﺎم ﻣن اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ،وﺑﻌض اﻟﺧوارج ﻓﻲ اﻹﺟﻣﺎع ) ،(٢
واﻟــﺷﯾﻌﺔ اﻷﻣﺎﻣﯾــﺔ واﻟظﺎﻫرﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻘﯾــﺎس) ،( ٣وﻋﻠــﻰ ﻫــذﻩ اﻷرﺑﻌــﺔ
ﯾــدور ﻣــدار اﻷﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ ،وﻣــن ﻫــذﻩ اﻟﯾﻧــﺎﺑﯾﻊ اﻷرﺑﻌــﺔ ﺗــﺳﺗﻘﻰ
اﻷﺣﻛﺎم اﻹﻟﻬﯾﺔ .
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ ھﺬا اﻟﺘﻘﺴﯿﻢ :اﻹﺣﻜﺎم ﻟﻶﻣ ﺪي ، ٢١٧/١اﻹﺑﮭ ﺎج ﻻﺑ ﻦ اﻟ ﺴﺒﻜﻲ ، ٤١ /١
روﺿﺔ اﻟﻨﺎظﺮ ﻻﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ ص ،١٦٩اﻟﻤﺪﺧﻞ إﻟﻰ ﻣﺬھﺐ اﻹﻣﺎم أﺣﻤ ﺪ ﻻﺑ ﻦ ﺑ ﺪران ص
، ٢٨٩ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺴﻮل ﻟﻺﺳﻨﻮى ص .١٥
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻻﺑﻲ اﻟﺤﺴﯿﻦ اﻟﺒﺼﺮي ، ٤ / ٢ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺴﻮل ﻟﻺﺳﻨﻮى ص ١٦
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :اﻹﺣﻜ ﺎم ﻻﺑ ﻦ ﺣ ﺰم اﻟﻈ ﺎھﺮي ، ٩٢٩ / ٧ﻓﺮاﺋ ﺪ اﻷﺻ ﻮل ﻟﻠﻤﺮﺗ ﻀﻰ
اﻷﻧﺼﺎري . ٣٤٥/١
ـ ١٢٢ـ
٢ـ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﳌﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ :ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﻟم ﯾﺗﻔق ﺟﻣﻬور اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻋﻠﻰ
اﻻﺳﺗدﻻل ﺑﻬﺎ ) .( ١
وأﺷﻬرﻫﺎ ﺳﺑﻌﺔ ،وﻫﻲ :اﻻﺳﺗﺣـﺳﺎن ،اﻟﻣـﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳـﻠﺔ أو
اﻻﺳﺗﺻﻼح ،اﻻﺳﺗﺻﺣﺎب ،اﻟﻌرف ،ﻣـذﻫب اﻟـﺻﺣﺎﺑﻲ ،ﺷـرع ﻣـن
ﻗﺑﻠﻧــﺎ ،اﻟــذراﺋﻊ ،وﻏﯾــر ذﻟــك ﻣــن اﻷدﻟــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾظﻬــر ﻓﯾﻬــﺎ ﺑوﺿــوح
اﻻﺟﺗﻬﺎد واﻟرأي ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎوت ﻓﻲ اﻟﺧﻼف ﻓﯾﻬﺎ .
ﻭﺿﺎﺑﻂ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ :ﻫو أن اﻟدﻟﯾل إﻣﺎ وﺣـﻲ ،أو ﻏﯾـر
وﺣﻲ ،واﻟوﺣﻲ إﻣـﺎ ﻣﺗﻠـو أو ﻏﯾـر ﻣﺗﻠـو ،ﻓـﺈن ﻛـﺎن وﺣﯾـﺎً ﻣﺗﻠـواً ﻓﻬـو
اﻟﻘرآن ٕ ،وان ﻛﺎن وﺣﯾﺎً ﻏﯾر ﻣﺗﻠو ﻓﻬـو اﻟـﺳﻧﺔ ٕ ،وان ﻛـﺎن ﻏﯾـر وﺣـﻲ
وﻛﺎن رأي اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﻣن اﻷﻣﺔ ﻓﻬو اﻹﺟﻣﺎع ٕ ،وان ﻛﺎن إﻟﺣـﺎق أﻣـر
ﺑﺂﺧر ﻓﻲ ﺣﻛم ﻻﺷﺗراﻛﻬﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻬو اﻟﻘﯾﺎس ٕ ،وان ﻟم ﯾﻛن ﺷـﯾﺋﺎً
ﻣن ذﻟك ﻓﻬو اﻻﺳﺗدﻻل ،وﻫو ﻣﺗﻧوع إﻟﻰ أﻧواع ) .( ٢
وﻟﻬـذا ﻗــد درج اﻟﻣﺗﻘـدﻣون ﻣــن اﻷﺻـوﻟﯾﯾن ﻋﻠــﻰ ﺗﻧـﺎول اﻷدﻟــﺔ
اﻟﻣﺧﺗﻠــف ﻓﯾﻬـــﺎ ﻓـــﻲ ﻣﺑﺣـــث اﻻﺳــﺗدﻻل ،وﻫﻧـــﺎك ﯾﻌرﻓـــون اﻻﺳـــﺗدﻻل
اﺻطﻼﺣﺎً ﺑﺄﻧﻪ " :ﻋﺑﺎرة ﻋن دﻟﯾـل ﻻ ﯾﻛـون ﻧـﺻﺎً ،وﻻ إﺟﻣﺎﻋـﺎً ،وﻻ
ﻗﯾﺎﺳﺎً " ) .( ٣
ﺑﻘــــﻲ أن أﺷــــﯾر إﻟــــﻰ أن اﻷدﻟــــﺔ اﻟﻣﺗﻔــــق ﻋﻠﯾﻬــــﺎ ﻣرﺗﺑــــﺔ ﻓــــﻲ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻷدﻟﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻓﯿﮭﺎ د /ﺧﻠﯿﻔﺔ ﺑﺎﺑﻜﺮ ص . ٧
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :ﻛ ﺸﻒ اﻷﺳ ﺮار ﻟﻠﻨ ﺴﻔﻲ ، ١٤ / ١ﻧ ﺴﻤﺎت اﻷﺳ ﺤﺎر ص ،١٠ﻓ ﻮاﺗﺢ
اﻟﺮﺣﻤﻮت ، ٣ ، ٢ / ٢أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ د /وھﺒﺔ اﻟﺰﺣﯿﻠﻲ . ٤١٧/ ١
) ( ٣ـ اﻹﺣﻜﺎم ﻟﻶﻣﺪي . ١٦١ / ٤
ـ ١٢٣ـ
اﻻﺳﺗدﻻل ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :اﻟﻘرآن ،اﻟﺳﻧﺔ ،اﻹﺟﻣﺎع ،اﻟﻘﯾﺎس.
ﺏ ـ ﻳﻨﻘــﺴﻢ ﺍﻟــﺪﻟﻴﻞ ﻣــﻦ ﺣﻴــﺚ ﺍﻹﲨــﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻔــﺼﻴﻞ ﺇﱃ
)(١
ﻗﺴﻤﲔ
٢ـ دﻟﯾل ﺗﻔﺻﯾﻠﻲ . ١ـ دﻟﯾل إﺟﻣﺎﻟﻲ.
١ـ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﺍﻹﲨﺎﱄ :ﻫو اﻟذي ﻟم ﯾﻌﯾن ﻓﯾﻪ ﺷﻲء ﺧﺎص ،
أو ﻫو اﻟذي ﻟم ﯾﻌﯾن ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺟزﺋﯾﺔ ) .( ٢
واﻷدﻟﺔ اﻹﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﺗﺳﻣﻰ ﺑﺎﻷدﻟﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ ،وذﻟك ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻌﻠم ﻣـن
ﺣﯾـــث اﻟﺟﻣﻠـــﺔ ﻻ ﻣـــن ﺣﯾـــث اﻟﺗﻔـــﺻﯾل ،وﺗوﺻـــل ﺑﺎﻟـــذات إﻟـــﻰ ﺣﻛـــم
إﺟﻣﺎﻟﻲ .
ﻣﺜﺎﻝ ﺫﻟـﻚ :ﻛـون اﻟﻛﺗـﺎب ﺣﺟـﺔ ،وﻛـون ﻛـل ﻣـﺎ ﯾـﺄﻣر ﺑـﻪ
واﺟﺑﺎً ،وﻛل ﻣﺎ ﻧﻬﻰ ﻋﻧﻪ ﺣراﻣﺎً ...........وﻧﺣو ذﻟك ) .( ٣
واﻷدﻟﺔ اﻹﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻫﻲ ﻣﺟﺎل ﻋﻣل اﻷﺻوﻟﻲ ،ﺣﯾث ﯾﺑﺣث ﻓـﻲ
اﻟدﻟﯾل اﻟﻛﻠﻲ ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﻛﻠﯾﺔ .
٢ـ ﺍﻟـﺪﻟﻴﻞ ﺍﻟﺘﻔـﺼﻴﻠﻲ :ﻫـو اﻟـذي ﯾﺗﻌﻠـق ﺑﻣـﺳﺄﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ
ﺑﺧﺻوﺻﻬﺎ ،وﯾدل ﻋﻠﻰ ﺣﻛم ﻣﻌﯾن ،أو ﻫو اﻟﻣوﺻل إﻟﻰ اﻟﻔﻘﻪ).(٤
وﯾﻘﺎل ﻟﻪ :اﻟدﻟﯾل اﻟﺟزﺋﻲ ؛ ﻷﻧﻪ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻣﺳﺄﻟﺔ ﺟزﺋﯾﺔ ،ﻣﺛﺎل
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ ھﺬا اﻟﺘﻘﺴﯿﻢ :اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻷﺑﻲ اﻟﺤﺴﯿﻦ اﻟﺒﺼﺮي ، ٦/١اﻟﻐﯿﺚ اﻟﮭ ﺎﻣﻊ ١١/١
،اﻵﯾ ﺎت اﻟﺒﯿﻨ ﺎت ﻟﻠﻌﺒ ﺎدي ، ٥٢/١ﺣﺎﺷ ﯿﺔ اﻟﻌﻄ ﺎر ، ٤٦/١ﻧ ﺸﺮ اﻟﺒﻨ ﻮد ﻟﻠ ﺸﻨﻘﯿﻄﻲ
. ١٣/١
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻧﺸﺮ اﻟﺒﻨﻮد ﻟﻠﺸﻨﻘﯿﻄﻲ ، ١٣/١اﻟﻘﻄﻌﯿﺔ واﻟﻈﻨﯿﺔ ﻓﻲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ د/ﻋﺒ ﺪ
ﷲ رﺑﯿﻊ ص . ١٥
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻹﺑﮭﺎج ﻻﺑﻦ اﻟﺴﺒﻜﻲ ، ٢٣ / ١إﺟﺎﺑﺔ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﺷﺮح ﺑﻐﯿﺔ اﻵﻣﻞ ص .٢٦
) ( ٤ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻹﺑﮭﺎج ﻻﺑﻦ اﻟﺴﺒﻜﻲ ، ٢٠ / ١اﻟﻘﻄﻌﯿﺔ واﻟﻈﻨﯿﺔ ص . ١٦
ـ ١٢٤ـ
ﺗﻘﺗﻠُوْا ﱠ ْ ﱠ ِ
ق اﻟﻠﻪ ِإﻻﱠ ِ ْ َ
ﺑﺎﻟﺣ ﱢ ﺣرم ّ ُ
اﻟﻧﻔس اﻟﺗﻲ َ ﱠ َ
َ ذﻟك :ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ :و َﻻ َ ْ ُ
ﻓﻬذا دﻟﯾل ﺗﻔـﺻﯾﻠﻲ ﯾﺗﻌﻠـق ﺑﻣـﺳﺄﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ ﻣﺧـﺻوﺻﺔ ،وﻫـﻲ
ﻗﺗــل اﻟــﻧﻔس ،وﯾــدل ﻋﻠــﻰ ﺣﻛــم ﻣﻌــﯾن ،وﻫــو ﺣرﻣــﺔ ﻗﺗــل اﻟــﻧﻔس إﻻ
ﺑﺎﻟﺣق .
واﻷدﻟﺔ اﻟﺗﻔـﺻﯾﻠﯾﺔ ﻣﺟـﺎل ﻋﻣـل اﻟﻔﻘﯾـﻪ ،ﻓﺎﻟﻔﻘﯾـﻪ ﯾـﺳﺗدل ﻋﻠـﻰ
اﻟﺣﻛم اﻟذي ﯾرﯾد إﺛﺑﺎﺗﻪ ﺑدﻟﯾل ،وﻟﻛن ﻫـذا اﻟـدﻟﯾل ﺗﻔـﺻﯾﻠﻲ ،وﺧـﺎص
ﺑﻬــذا اﻟﺣﻛــم ﻓﻘــط ،وﻻ ﯾﻌــم ﺟﻣﻌــﺎً ﻣــن اﻟﻣــﺳﺎﺋل ﻛﻣــﺎ ﻫــو اﻟــﺷﺄن ﻓــﻲ
اﻟـــدﻟﯾل اﻹﺟﻣـــﺎﻟﻲ اﻟـــذي ﯾـــﺳﺗدل ﺑـــﻪ اﻷﺻـــوﻟﻲ ؛ ﻟـــذا ﻛـــﺎن أﺑﻠـــﻎ ﻓـــﻲ
اﻻﺣﺗﺟﺎج ﻣﻧﻪ ).( ١
واﻷدﻟﺔ اﻹﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ،واﻷدﻟـﺔ اﻟﺗﻔـﺻﯾﻠﯾﺔ ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ ﻋﻼﻗـﺔ وﺛﯾﻘـﺔ ؛
ﻷﻧـﻪ ﻻ ﺗﻐـﺎﯾر ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ ﺑﺎﻟـذات ﺑـل ﺑﺎﻻﻋﺗﺑـﺎر ،إذ ﻫﻣـﺎ ﺷـﻲء واﺣـد ﻟـﻪ
وﺟﻬﺗﺎن .
ﻟـﻪ )( ٢
اﻟﺻﻼةَ ِ
َﻗﯾﻣواْ ﱠ َ
وﺑﯾﺎن ذﻟك :أن ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ :وأ ُ
وﺟﻬﺔ إﺟﻣﺎﻟﯾﺔ ﻫﻲ ﻛوﻧﻪ أﻣراً ،ووﺟﻬﺔ ﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ ،وﻫﻲ ﻛون ﻣﺗﻌﻠﻘﻪ
ﺧﺎﺻﺎً ،وﻫﻲ :إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺻﻼة ،ﻓﺎﻷﺻوﻟﻲ ﯾﻌرف اﻟـدﻻﺋل ﻣـن اﻟﺟﻬـﺔ
(. )٣
اﻷوﻟﻰ ،واﻟﻔﻘﯾﻪ ﻣن اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻘﻄﻌﯿﺔ واﻟﻈﻨﯿﺔ ﻓﻲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ ص ١٦
) ( ٢ـ ﺳﻮرة اﻟﺒﻘﺮة ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ).(٤٣
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻐﯿﺚ اﻟﮭﺎﻣﻊ ،١١ / ١اﻵﯾﺎت اﻟﺒﯿﻨﺎت ،٥٢/ ١ﺣﺎﺷﯿﺔ اﻟﻌﻄﺎر . ٤٦ / ١
ـ ١٢٥ـ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﳌﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ :ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ .
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺍﻟﺴﻨﺔ .
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺍﻹﲨﺎﻉ .
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ :ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ .
ـ ١٢٦ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﻟـﻘـﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜـﺮﻳﻢ
اﻟﻛﻼم ﻋـن اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم ﯾﺗﻧـﺎول ﺑﯾـﺎن ﻣﻌﻧـﺎﻩ ،وﺧﺻﺎﺋـﺻﻪ ،
وﻣﺎ اﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﻪ ﻣن أﺣﻛﺎم ،وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
ً
ﺃﻭﻻ :ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ :
اﻟﻘـرآن ﻛﺗــﺎب اﷲ ﻏﻧــﻲ ﻋــن اﻟﺗﻌرﯾــف ،وﻣــﻊ ﻫــذا ﻓﻘــد اﻋﺗﻧــﻰ
اﻷﺻــوﻟﯾون ﺑوﺿــﻊ ﺗﻌرﯾــف ﺟــﺎﻣﻊ ﻣــﺎﻧﻊ ﻟــﻪ ،وﻣــن ﻫــذﻩ اﻟﺗﻌــﺎرﯾف
ﻗــوﻟﻬم " :أن اﻟﻘـرآن اﻟﻛــرﯾم ﻛــﻼم اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ اﻟﻣﻧــزل ﻋﻠــﻰ رﺳــوﻟﻪ ـ
ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ اﻟﻣﻛﺗــوب ﻓــﻲ اﻟﻣــﺻﺎﺣف ،اﻟﻣﻧﻘــول ﻧﻘــﻼً
ﻣﺗ ـواﺗراً ،اﻟﻣﺗﻌﺑــد ﺑﺗﻼوﺗــﻪ ،اﻟﻣﺗﺣــدى ﺑﺄﻗــﺻر ﺳــورة ﻣﻧــﻪ ،اﻟﻣﺑــدوء
ﺑﺳورة اﻟﻔﺎﺗﺣﺔ ،اﻟﻣﺧﺗﺗم ﺑﺳورة اﻟﻧﺎس " ) .( ١
ﻫذا واﻟﻛﺗﺎب واﻟﻘرآن ﻣﺗرادﻓﺎن ،وﻗﯾل :ﻣﺗﻐـﺎﯾران ،وﻫـذا ﻗـول
آﻧـﺎ ﻣردود ؛ ﻷﻧﻪ ورد ﺑﻘوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻛﺎﯾﺔ ﻋن اﻟﺟن ِ ﴿ :ﱠإﻧﺎ َ ِ ْ َ
ﺳﻣﻌﻧﺎ ﻗُْر ً
ُﻧـزل ِﻣـن
ﻛﺗﺎﺑـﺎ أ ِ َ ﻋﺟﺑﺎ ﴾ ) ، ( ٢وﻗﺎل ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ آﺧر ِ ﴿ :ﱠإﻧﺎ ِ َ ِ
ﺳﻣﻌﻧﺎ َ ً
َ ْ َ ًَ
ﻣوﺳــﻰ ﴾ ) ، ( ٣ﻓــدل ﻋﻠــﻰ ﺗرادﻓﻬﻣــﺎ ،وﻫــو أم اﻟــدﻻﺋل ،وﻓﯾــﻪ ِ
ﺑﻌــد ُ َ
َْ
اﻟﺑﯾﺎن ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻷﺣﻛﺎم .
واﷲ ـ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌـﺎﻟﻰ ـ أﻧـزل ﻛﺗﺎﺑـﻪ ﻫـدى ورﺣﻣـﺔ ﻟﻠﻌـﺎﻟﻣﯾن ،
ﻋﻠـﯾﻬم ِ ﱠ َﻧزﻟﻧـﺎ َ ْ َ ِ ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) أ َ ِ
إن ﯾﺗﻠـﻰ َ َ ْ ِ ْ
اﻟﻛﺗـﺎب ُ ْ َ
ﻋﻠﯾـك ْ َ َﯾﻛﻔﻬـم أ ﱠَﻧـﺎ أ َ ْ َ َ
َوﻟم َ ْ ِ ْ
َ ْ
) ( ١ـ اﻟﺘﺨﺼﯿﺺ ﺑﺎﻷدﻟﺔ اﻟﻤﻨﻔﺼﻠﺔ ﻋﻨﺪ اﻷﺻﻮﻟﯿﯿﻦ د /ﻋﺒﺪ اﻟﻨﻌﯿﻢ ﺣﻤﻮدة ص . ٥١
) ( ٢ـ ﺳﻮرة اﻟﺠﻦ ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) . ( ١
) ( ٣ـ ﺳﻮرة اﻷﺣﻘﺎف ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) . ( ٣٠
ـ ١٢٧ـ
،وﺗﺑﯾﺎﻧــﺎً ﻟﻛــل ﺷــﻲء ، ـون ()( ١
ﯾؤﻣﻧُـ َ وذﻛـ َـرى ِﻟﻘَـ ْ ٍ
ـوم ُ ْ ِ ﻟرﺣﻣـ ًـﺔ َ ِ ْ ِﻓــﻲ َذﻟِـ َ
ـك َ َ ْ َ
ﻛل َ ٍ اﻟﻛﺗﺎب ِ ْ َ ً
ﺗﺑﯾﺎﻧﺎ ﻟﱢ ُ ﱢ وﻧزﻟﻧﺎ َ ْ َ ِ
وﺑـﺷرى
ورﺣﻣـﺔ َ ُ ْ َ
وﻫـدى َ َ ْ َ ً
ﺷﻲء َ ُ ً
ْ ﻋﻠﯾك ْ َ َ ﻓﻘﺎل َ َ ) :ﱠ ْ َ َ
ِْ ُ ْ ِ ِ َ
ﻟﻠﻣﺳﻠﻣﯾن( ).( ٢
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ :
ﯾﺗﻣﯾز اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﺑﺎﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ :
١ـ ﺃﻥ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣﻌﺎﻧﻴﻪ ﻛﻼﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﷲ :
أي أن اﻟــﻧظم واﻟﻣﻌﻧـــﻰ ﻣـــن ﻋﻧـــد اﷲ ،ﻗـــﺎل ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ٕ َ :وِ ﱠاﻧـــﻪُ
َﻣــﯾن . ووظﯾﻔــﺔ اﻟرﺳــول ـ ـزل ِﺑـ ِـﻪ اﻟـ ﱡـروح ا ْﻷ ِ اﻟﻌـ َ ِ َ
ـﺎﻟﻣﯾن َﻧـ َ َ ََ ِ
ُ رب ْ َ
ﻟﺗﻧزﯾـ ُـل َ ﱢ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﺗﺑﻠﯾـﻎ ذﻟـك ﻟﻠﻧـﺎس ،وﺑﻬـذﻩ اﻟﺧﺎﺻـﯾﺔ ﯾﺧﺗﻠـف
اﻟﻘرآن ﻋن اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﻘدﺳﯾﺔ واﻟﻧﺑوﯾﺔ ،ﻷن ﻣﻌـﺎﻧﻲ اﻷﺣﺎدﯾـث إﻟﻬـﺎم
ﻣن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟرﺳوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ أﻣﺎ اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺑر
ﻋن ﺗﻠك اﻟﻣﻌـﺎﻧﻲ ﻓﻬـﻲ ﻣـن ﻋﻧـدﻩ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓـﺈن أﻣـر
ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ اﻟﺣدﯾث ﻟﻠﻣوﻟﻰ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﺳﻣﻰ اﻟﺣدﯾث ﻋﻧدﺋـذ ﺣـدﯾﺛﺎً
ﻗدﺳﯾﺎً ٕ ،وان أﻣر ﺑﺈﺿﺎﻓﺗﻪ إﻟﻰ ﻧﻔﺳﻪ ﺳﻣﻲ اﻟﺣدﯾث ﺣدﯾﺛﺎً ﻧﺑوﯾﺎً .
٢ـ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻧﺰﻝ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ :
ﻟﻌﻠﻛم َ ْ ِ ُ َ
ﺗﻌﻘﻠون . آﻧﺎ َ ِ ﱠ ﱠ
ﻋرﺑﯾﺎ َ ُ ْ َﻧزﻟ َﻧﺎﻩُ ﻗُْر ً َ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ِ :ﱠإﻧﺎ أ َ ْ
ـرﻓﻧﺎ ِﻓﯾـ ِـﻪ ِﻣـ َ
ـن وﺻـ ﱠ ْ َ آﻧــﺎ َ َ ِ
ﻋرﺑﯾــﺎ َ َ َﻧزﻟﻧــﺎﻩُ ﻗُ ْر ً وﻛـ َ ِ َ
ـذﻟك أ َ ْ َ ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ َ َ :
ذﻛ ًرا . ﻟﻬم ِ ْ ﯾﺗﻘون أ َْو ُ ْ ِ ُ
ﯾﺣدث َ ُ ْ
َْ ِ ِ ﱠ
ﻟﻌﻠﻬم َ ﱠ ُ َ
اﻟوﻋﯾد َ َ ُ ْ
اﻟﻘـرى آﻧـﺎ ِ ﱢ ِ َوﺣﯾﻧـﺎ َِ ْ َ ﻗـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ َ ِ َ َ َ
ﻟﺗﻧـذر أ ﱠُم ْ ُ َ
ﻋرﺑﯾـﺎ ُ َ إﻟﯾـك ﻗُْر ً َ َ وﻛـذﻟك أ ْ َ ْ َ
) ( ١ـ ﺳﻮرة اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) .( ٥١
) ( ٢ـ ﺳﻮرة اﻟﻨﺤﻞ ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ).( ٨٩
ـ ١٢٨ـ
وﻓرﯾق ِﻓﻲ ﻓرﯾق ِﻓﻲ ْ ﱠ ِ
اﻟﺟﻧﺔ َ َ ِ ٌ
َ
رﯾب ِ ِ
ﻓﯾﻪ َ ِ ٌ اﻟﺟﻣﻊ َﻻ َ ْ َ
ﯾوم ْ َ ْ ِ ِ
وﺗﻧذر َ ْ َ
ﺣوﻟﻬﺎ َ ُ َ
وﻣن َ ْ َ َ
ََْ
ﱠِ ِ
اﻟﺳﻌﯾر.
وﻣن ذﻟك ﯾﺗﺿﺢ أن اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﻛﻠﻪ ﻋرﺑﻲ ،ﻟﯾس ﻓﯾـﻪ ﻟﻔـظ
واﺣد ﻏﯾر ﻋرﺑﻲ ،ﻗﺎل اﻹﻣﺎم اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ " :ﻟﯾس ﻓﻲ ﻛﺗـﺎب اﷲ ﺷـﻲء
إﻻ ﺑﻠﺳﺎن اﻟﻌرب " ) .( ١
وﻟذا ﻻ ﯾﺻﺢ أن ﯾﻘﺎل ﻋن ﺗرﺟﻣﺔ ﺑﻌض آي اﻟﻘرآن إﻟﻰ ﻏﯾـر
اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﻗرآﻧــﺎً ،وﺣﺗــﻰ ﻻ ﻧﺣﺟــب ﻧــور اﻟﻘ ـرآن ﻋــن اﻟﻧــﺎس ،وﻧﺣــﺛﻬم
ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻣﺎن ﺑﻪ ،ﻟذا ﯾﺟب ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻣﺎء اﻷﻣـﺔ اﻟﻘﯾـﺎم ﺑﺗرﺟﻣـﺔ ﻣﻌـﺎﻧﻲ
اﻟﻘرآن ﺑﺻورة ﺗﺣﻣل ﻣﻌﻧـﻰ اﻟـﺷرح ،واﻟﺗوﺿـﯾﺢ ،واﻟﺗﻔـﺳﯾر ،ﻹﺑـﻼغ
اﻟدﻋوة ،وأداء اﻟرﺳﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﻠف ﺑﻬﺎ اﻟﻌرب إﻟﻰ اﻟﻧﺎس ﻛﺎﻓﺔ.
اﻟﻣﻌﺗﻣـد واﻟـذي ﻋﻠﯾـﻪ اﻟﻔﺗـوى أن اﻟﻌـﺎﺟز ﻋـن اﻟﻧطـق ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾـﺔ
ﻟﻌدم ﻋﻠﻣﻪ ﺑﻬﺎ ،ﯾﺟوز ﻟﻪ أن ﯾﻘرأ ﻓﻲ اﻟﺻﻼة ﺑﻠﺳﺎﻧﻪ ﻏﯾر اﻟﻌرﺑـﻲ ،
وذﻟــك إﻗﺎﻣــﺔ ﻟﻠﻣﻌﻧــﻰ ﻣﻘــﺎم اﻟــﻧظم ﻷﺟــل اﻟﻌــذر ﺣﺗــﻰ ﯾــﺗﻌﻠم اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ،
وﻟﻛن اﻷﻓﺿل ﻟﻪ اﻟﺗﺳﺑﯾﺢ واﻟﺗﻬﻠﯾل ﺑدﻻً ﻣن اﻟﻘراءة ﺑﻐﯾر اﻟﻌرﺑﯾﺔ ) .(٢
٣ـ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻧﻘﻞ ﺇﻟﻴﻨـﺎ ﺑﻄﺮﻳـﻖ ﺍﻟﺘـﻮﺍﺗﺮ ﻛﺘﺎﺑـﺔ ﰲ
ً
ﺍﳌﺼﺎﺣﻒ ﻭﺣﻔﻈﺎ ﰲ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ .
ﻟﻘد ﺗواﺗر اﻟﻘرآن إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﺟﯾﻼً ﺑﻌد ﺟﯾل ،ﺣﻔظـﻪ اﻟﻧﺑـﻲ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻲ ص . ٤٢
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﻠﺸﺮﻧﺒﺎﺻﻲ ص . ٣٩ ، ٣٨
ـ ١٢٩ـ
ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ وﻗرأﻩ ﻋﻠﻰ ﺟﺑرﯾل ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻗﺑل اﻧﺗﻘﺎﻟـﻪ ـ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم إﻟﻰ اﻟرﻓﯾق اﻷﻋﻠﻰ .
وﻣــن ﺑﻌــدﻩ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ ﺣﻔظــﻪ اﻟــﺻﺣﺎﺑﺔ ،
واﻟﺗـﺎﺑﻌون ،ﻋﻠــﻰ اﻟــرﻏم ﻣـن ﺟﻣﻌــﻪ ﻓــﻲ ﻣـﺻﺣف واﺣــد ،ﺑــل إن ﻣــن
اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ واﻟﺗﺎﺑﻌﯾن ﻣن ﻛﺎن ﯾرﺗل اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﺗرﺗﯾل اﻟﻧـﻲ
ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ وﻟﻘد ﺻـدق اﷲ اﻟﻌظـﯾم إذا ﯾﻘـول ﺳـﺑﺣﺎﻧﻪ :
إﻧﺎ ﻧﺣن ﻧزﻟﻧﺎ اﻟذﻛر ٕواﻧﺎ ﻟﻪ ﻟﺣﺎﻓظون .
وﻫـــذا اﻟﺗـــواﺗر ﺟﻌـــل اﻟﻘـــرآن ﻗطﻌـــﻲ اﻟـــﺳﻧد واﻟﺛﺑـــوت ،وﻋﻠﯾـــﻪ
ﻛﺎﻧــــت ﻛــــل اﻟﻘــــراءات اﻟﻣﻌﺗﺑــــرة ﻣﺗــــواﺗرة ،وﻻ ﻋﺑــــرة ﺑﻐﯾــــر اﻟﻘــــراءات
(. ) ١
اﻟﻣﺗواﺗرة
٤ـ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻌﺠﺰ ﳉﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ :
اﻟﻘـران اﻟﻛـرﯾم ﻣﻌﺟـزة اﻟرﺳـول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ وﻫـو
ﻣﻌﺟزة ﻣﻌﻧوﯾﺔ ،وﻟﯾس ﻣﻌﺟزة ﻣﺎدﯾﺔ ،ﻛﻌﺻﺎ ﻣوﺳﻰ ٕ ،واﺑراء اﻷﻛﻣـﻪ
،واﻷﺑرص ٕ ،واﺣﯾﺎء اﻟﻣوﺗﻰ ،وﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﻣﻌﺟزات اﻟﺗﻲ ﺗﺣس ،
وﺗﻧﺗﻬــﻲ ﻓــور ﺣــدوﺛﻬﺎ ،أﻣــﺎ اﻟﻣﻌﺟــزة اﻟﻣﻌﻧوﯾــﺔ ﻓﻬــﻲ ﺑﺎﻗﯾــﺔ ﺧﺎﻟــدة ،
ﺗﺣﻣل ﻣﻌﻬﺎ اﻹﻋﺟﺎز إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ،وﻗد ﺗﺣـدى اﻟﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ اﻟﻛﻔﺎر أن ﯾﺄﺗوا ﺑﻣﺛﻠـﻪ ﻓﻌﺟـزوا ،ﻗـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ ُ ) :ﻗـل ﱠ ِ ِ
ﻟـﺋن
ﯾﺄﺗون ِ ِ ْ ِ ِ ﯾﺄﺗُواْ ِ ِ ْ ِ اﻹﻧس َو ْ ِ ﱡ َْ ِ
ﺑﻣﺛﻠﻪ ﻫذا ْاﻟﻘُْر ِ
آن ﻻَ َ ْ ُ َ ﺑﻣﺛل َ َ ﻋﻠﻰ أَن َ ْاﻟﺟن َ َ اﺟﺗﻣﻌت ِ ُ
ََ
ظﻬﯾ ًرا ( .ﺛم ﺗﺣداﻫم ﺑـﺄن ﯾـﺄﺗوا ﺑﻌـﺷر ﺳـور ﺑﻌﺿﻬم ِ َ ْ ٍ
ﻟﺑﻌض َ ِ ﺎن َ ْ ُ ُ ْ
وﻟو َﻛ َ
َ َْ
ﻓـﺄﺗُواْ ِ َ ْ ِ
ﺑﻌـﺷر ﻗـل َ ْ
اﻓﺗـ َراﻩُ ُ ْ
ﯾﻘوﻟـون ْ َ
ﻣن ﻣﺛﻠـﻪ ﻓﻌﺟـزوا ،ﻗـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ ) :أ َْم َ ُ ُ َ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ ﻟﻺﻣﺎم ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻲ زھﺮة ص .٦٣ ، ٦٢
ـ ١٣٠ـ
ِ ﻣﺛﻠِـ ِـﻪ ْ َ ٍ
دون اﻟﻠّــﻪ ِإن ُﻛﻧـ ُ ْ
ـﺗم ـﺗطﻌﺗم ﱢﻣــن ُ ِ ادﻋ ـواْ َﻣـ ِـن ْ
اﺳـ َ َ ْ ُ ﻣﻔﺗرﯾــﺎت َو ْ ُ
ـور ﱢ ْ ُ َ َ ﺳـ َ ٍ
ُ
ﺻﺎدﻗﯾن ( .ﺛم ﺗﺣداﻫم ﺑﺄن ﺑﺄن ﯾﺄﺗوا ﺑﺳورة ﻣن ﻣﺛﻠﻪ ﻓﻌﺟـزوا ،ﻗـﺎل ِِ
َ
ﺑـﺳورٍة ﱢﻣـن
ﻓـﺄﺗُواْ ِ ُ َ ﻋﻠـﻰ َ ْ ِ َ
ﻋﺑـدﻧﺎ َ ْ ﻣﻣـﺎ َ ﱠ ْ َ
ﻧزﻟﻧـﺎ َ َ ﻛﻧﺗم ِﻓﻲ َ ْ ٍ
رﯾب ﱢ ﱠ ﺗﻌﺎﻟﻰ ٕ َ ) :وِان ُ ُ ْ
ﻛﻧﺗم َ ِ ِ َ
ﺻﺎدﻗﯾن(. إن ُ ْ ُ ْ
دون ّ ِ
اﻟﻠﻪ ِ ْ ﺷﻬداءﻛم ﱢﻣن ُ ِ
ادﻋواْ ُ َ َ ُ ﱢ ِْ ِ
ﻣﺛﻠﻪ َو ْ ُ
ﻫـــذا وﺗﺑـــدو وﺟـــوﻩ اﻷﻋﺟـــﺎز ﻓـــﻲ اﻟﻘـــرآن ﻛﺛﯾـــرة ،ﻧـــذﻛر ﻣﻧﻬـــﺎ
ﺑﻼﻏﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﺑﻬرت أرﺑﺎب اﻟﻔﺻﺎﺣﺔ و اﻟﺑﯾﺎن ٕ ،واﺧﺑﺎرﻩ ﺑوﻗـﺎﺋﻊ ﺗﺣـدث
ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ،وﻗـد ﺣـدﺛت ﻓﻌـﻼً ،ﻓـﺿﻼً ﻋـن إﺧﺑـﺎرﻩ ﺑوﻗـﺎﺋﻊ اﻷﻣـم
اﻟــﺳﺎﺑﻘﺔ ٕ ،واﺷــﺎرﺗﻪ إﻟــﻰ ﺑﻌــض اﻟﺣﻘــﺎﺋق اﻟﻛوﻧﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ أﺛﺑﺗﻬــﺎ اﻟﻌﻠــم
) ( ١
. وﻏﯾر ذﻟك ﻛﺛﯾر ﻣﻣﺎ أﻓردت ﻟﻪ اﻟﻣﺻﻧﻔﺎت ﻓﻲ ﻋﻠوم اﻟﻘرآن
ِ
أﺣﻛـﺎم ﻟﺟﻣﯾـﻊ اﻟﻌظﻣـﻰ ِ ﻫ ِ
ِ اﻟﻘﺎﻋـدةَ ُ َ
َ آن
ﺟﻌﻠت اﻟﻘُر َ اﻟﺧﺻﺎﺋص
ُ ذﻩ
ﺣﺟـﺔ اﷲ ﻋﻠـﻰ ِ ِ
ﺧﻠﻘـﻪ ﻣـﺎ وﻫـو ُ ﱠ ُ ٍ ٍ ِ
اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﱢ ِ
ﻋﺻر وﺑﯾﺋـﺔ َ ، ﻛل ﺷرﯾﻌﺔ
َ
ﺑﻘﯾت ﱡ
اﻟدﻧﯾﺎ. ِ
ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ :
اﺷﺗﻣل اﻟﻘرآن ﻋﻠﻰ أﺣﻛﺎم ﻛﺛﯾرة ،ﯾﻣﻛن ﺗﻘﺳﯾﻣﻬﺎ ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﺣـو
اﻟﺗﺎﻟﻲ:
اﻟﻘﺳم اﻷول :اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﯾدة :وذﻟك ﻛﺎﻹﯾﻣﺎن ﺑـﺎﷲ
،وﻣﻼﺋﻛﺗﻪ ،وﻛﺗﺑﻪ ،ورﺳـﻠﻪ ،واﻟﯾـوم اﻵﺧـر ،واﻟﻘـﺿﺎء ،واﻟﻘـدر ،
وﻏﯾر ذﻟـك ﻣـن اﻷﻣـور اﻟﻣﺗﻌﻠﻘـﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﯾـدة ،واﻟﺗـﻰ ﻣﺣـل دراﺳـﺗﻬﺎ ﻓـﻲ
ﻋﻠم اﻟﺗوﺣﯾد .
اﻟﻘ ﺳم اﻟﺛ ﺎﻧﻲ :اﻷﺣﻛ ﺎم اﻷﺧﻼﻗﯾ ﺔ واﻟ ﺳﻠوﻛﯾﺔ :وﻫــﻲ اﻟﺗــﻲ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻮﺟﯿﺰ ﻓﻲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر/ﻋﺒﺪ اﻟﻜﺮﯾﻢ زﯾﺪان ص .١٥٥ : ١٥٣
ـ ١٣١ـ
ِ
وﺗزﻛﯾﺗﻬــــﺎ ،ﻛﺎﻟــــﺻدق ،واﻟوﻓــــﺎء ﺑﺎﻟﻌﻬــــد ، ـــذﯾب اﻟـ ﱠ ِ
ـــﻧﻔس ﺗﺗﻌﻠــــق ﺑﺗﻬـ ِ
َ َ
ـق ﻫــذا اﻟﺟﺎﻧـ ِـب ، ـوب ﱠاﻟﺗــﻲ َ
ﯾرﺗﻛـ ُـز ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﺗﺣﻘﯾـ ُ اﻟﻘﻠـ ِ واﻟــﺻﺑر ،وأﻋﻣـ ِ
ـﺎل ُ
اﻟرﺿــﺎ
ـب و ﱢ
اﻟﺣـ ّ اﻟرﻫﺑـ ِـﺔ و ﱠ
اﻟﺗوﻛـ ِـل و ُ اﻟرﻏﺑـ ِـﺔ و ﱠ اﻟرﺟـ ِ
ـﺎء و ﱠ ﻛﻣﻌــﺎﻧﻲ :اﻟﺧـ ِ
ـوف و ﱠ
اﻟﺣزن ،وﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻲ ﻋﻧﻲ ﺑدراﺳﺗﻬﺎ اﻟﻔرح و ُ ِ وُ ِ
اﻟﺑﻐض و َ ِ
ﻋﻠم اﻷﺧﻼق .
اﻟﻘ ﺳم اﻟﺛﺎﻟ ث :اﻷﺣﻛ ﺎم اﻟﻌﻣﻠﯾ ﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘ ﺔ ﺑﺄﻓﻌ ﺎل وأﻗ وال
اﻟﻣﻛﻠﻔ ﯾن ،وﻫـــﻲ اﻟﻣﻘـــﺻودة ﺑــــ " ﺑﻌﻠـــم اﻟﻔﻘـــﻪ " واﻟﺗـــﻲ ﯾﻬـــدف ﻋﻠـــم
اﻷﺻول إﻟﻰ ﻣﻌرﻓﺗﻬﺎ واﻟوﺻول إﻟﯾﻬﺎ ،وﻫذا اﻟﻘﺳم ﻋﻠﻰ ﻧوﻋﯾن :
اﻟﻧوع اﻷول :اﻟﻌﺑﺎدات .
اﻟﻧوع اﻟﺛﺎﻧﻲ :ﻣﺎ ﻋدا اﻟﻌﺑﺎدات ،ﻛﻣﺳﺎﺋل اﻷﺣوال اﻟﺷﺧـﺻﯾﺔ
،واﻟﻣﻌـﺎﻣﻼت ،وﻫــﻲ اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﺗــﻲ ﺗــدﺧل ﻓــﻲ ﻧطــﺎق أﺣﻛــﺎم اﻟﻘــﺎﻧون
اﻟﺧﺎص واﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎم ،وﻫﻲ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻲ ﯾﻘﺻد ﺑﻬـﺎ ﺗﻧظـﯾم ﻋﻼﻗـﺔ
اﻟﻔرد ﺑﺎﻟﻔرد ،واﻟﻔرد ﺑﺎﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ،واﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﺑﺎﻟﺟﻣﺎﻋﺔ .
ﺩﻻﻟﺔ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ :
ــل ــﺔ ُ ِ َ ٌ
ﻣﻠزﻣــﺔ ﻻ ﺗﻘﺑـ ُ ﺣﺟـ ٌ
وﻫــو ُ ﱠــدم َ ، ــﻲ ﻛﻣــﺎ ﺗﻘـ ﱠآن ﻗطﻌـ ﱞ ورود اﻟﻘــر ِ
ُ ُ
ﻛوﻧـﻪ ﻣـن ﱠ ِ ِ ﺟﻬـﺔ ِ ِِ وﻻ ِ ُ ﱠ ﱡَ
ﻣﻧﺗﻬـﺎﻩُ
أوﻟـﻪ إﻟـﻰ ُ َ اﻻﺣﺗﻣـﺎل ﻣـن َ
ُ ﻋﻠﯾﻬـﺎ
َ ﯾرد اﻟﺗردد َ
ذﻟك . ﯾﺷك ﻓﻲ َ اﷲ ،ﻻ ُ َ ﱡ وﻣﻌﺎﻧﯾﻪ ﻛﻼم ِ
ِ ِِ
أﻟﻔﺎظﻪ ﺑﺟﻣﯾﻊ
ِ
َ
اﻟﺣﻛم ﱠ ﱢ ﻟﻛن َ َ
ﱠ ٌ َ ٌ ﱠ ُ
ﻗﺳﻣﯾن:
ِ ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ
ُ اﻟﺷرﻋﻲ إﻓﺎد ِة ُ ِدﻻﻟﺔ آﯾﺎﺗِ ِﮫ ﻋﻠﻰ َ ﱠ
ﺍﻷﻭﻝ :ﺩﻻﻟﺔ ﻗﻄﻌﻴﺔ :
ــدا ،وذﻟـــك ﯾﺣﺗﻣــل إﻻﱠ ً
ﻣﻌﻧـــﻰ واﺣـ ً ــظ ﻻ ُ ِ ُ اﻟﻠﻔـ ِ وذﻟــك ﻋﻧـــد ﻣﺟـ ِ
ــﻲء ﱠ َ
ﻛﺎﻟﻧــﺻوص اﻟﺗــﻲ ﺗﻌرﺿــت ﻟﺑﯾــﺎن أﻧــﺻﺑﺎء اﻟورﺛــﺔ ،وﻣﻘــﺎدﯾر اﻟﺣــدود
ﯾﻛـن
ﻟـم َ ُ ْ اﺟﻛـم ِ ْ
إن َ ْ ﺗـرك أ َْزَو ُ ُ ْ وﻟﻛم ِ ْ ُ
ﻧﺻف َﻣﺎ َ َ َ واﻟﻛﻔﺎرات ،ﻛﻘوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰْ ُ َ َ ) :
ـ ١٣٢ـ
اﺣدا ،وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﻣﻌﻧﻰ و ً ُِ
ﯾﺣﺗﻣل إﻻﱠ ً اﻟﻧﺻف ( ﻻ وﻟد ( ﻓﻠﻔظُ ) ﱢ ﻟﻬن َ َ ٌ
َُﱠ
ﻣﺋـﺔ ْ َ ٍ
ﺟﻠـدة ( ﻓﻠﻔـظُ ) ﻣﺎﺋـﺔ( ِ ﻓﺎﺟﻠدوا ُ ﱠ ِ ٍ ِ
اﻧﯾﺔ َواﻟﱠز ِاﻧﻲ َ ْ ِ ُ
) :اﻟﱠز ِ َ ُ
ﻣﻧﻬﻣﺎ َ َ َ
ﻛل َواﺣد ْ ُ َ
اﻟﻌدد ،ﻓﺗﻛون دﻻﻟﺗﻪ ﻗطﻌﯾﺔ .إﻻ ﻫذا َ َ َ ﯾﺣﺗﻣل ﱠ
ُ ﻻ
اﻷﻋداد ،و ِ ِ
اﻟﻣﻘﺎدﯾر َِ ِ
ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﻓﻬو ﱠ ُ
ﯾﺗﺻل آن َ ،ﻗﻠﯾل ﻓﻲ اﻟﻘر ِاﻟﻧﻣطُ ٌ وﻫذا ﱠ
ﻧﻘﺻﺎ ) .( ١
أو ً زﯾﺎدةً ﱠْ ﱠاﻟﺗﻲ ﻻ َ ِ ُ
ﺗﺣﺗﻣل َ
ٌ ﱠ
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺩﻻﻟﺔ ﻇﻨﻴﺔ :
وذﻟــك إذا ﻛــﺎن اﻟﻠﻔــظ ﯾﺣﺗﻣــل ﻋﻠــﻰ أﻛﺛــر ﻣــن ﻣﻌﻧــﻰ ،ﻓﯾﻛــون
ﺣﻣل ﻫذﻩ اﻟﻧﺻوص ﻋﻠﻰ أﺣد ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﺑـﺎب اﻟظـن ﻻ اﻟﻘطـﻊ
ِِ
أﻣﺛﻠﺗﻪ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ : واﻟﺟزم واﻟﯾﻘﯾن ،وﻣن
ِ
َﯾـدﯾﻬﻣﺎ ( ، اﻟـﺳﺎرق َو ﱠ ِ َ ُ
١ـ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ َ ) :و ﱠ ِ ُ
ﻓـﺎﻗطﻌوا أ ْ َ ُ َ
اﻟـﺳﺎرﻗﺔ َ ْ َ ُ
ـون
اﻟرﺳـ ِـﻎ ،ﻛﻣــﺎ ﯾﺣﺗﻣـ ُـل أن ﺗﻛـ َ
ـون إﻟــﻰ ﱡ ْ
اﻟﯾــد ( ﯾﺣﺗﻣـ ُـل أن ﺗﻛـ َ
ﻓﻠﻔــظُ ) َ
ﻣﻔﺳر ﻏﯾر ﻫذﻩ ﻧص ﱢ ٍ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﱟ اﻹﺑط ،و ﱠ ُ
اﻟﺗﻌﯾﯾن ِ إﻟﻰ ِ ِ
اﻟﻣرﻓق ٕ ،واﻟﻰ
ُ
ِ
اﻵﯾﺔ .
ﺗﺣرﯾر َ ٍ ﱠ
ﻛﻔﺎرِة
رﻗﺑﺔ ( ،ﻟﻔـظاﻟﯾﻣﯾن َ َ ُ ِ ْ َ ...) :
ِ ٢ـ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ َ
رﻗﺑــﺔ ﯾﺣﺗﻣـــل أن ﺗﻛــون اﻟرﻗﺑـــﺔ ﻣؤﻣﻧـــﺔ ،وﯾﺣﺗﻣــل أن ﺗﻛـــون ﻛـــﺎﻓرة ،
واﻟﺗﻘﯾﯾد ﻫﻧﺎ ﯾﺣﺗﺎج إﻟـﻰ دﻟﯾـل ،وﻣـن ﺛـم وﻗـﻊ ﻓﯾـﻪ اﻟﺧـﻼف ؛ ﻟدﻻﻟﺗـﻪ
اﻟظﻧﯾﺔ ) .( ٢
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺗﯿﺴﯿﺮ ﻋﻠﻢ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ ص . ٨٩ ، ٨٨
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻮﺟﯿﺰ ﻓﻲ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر /ﻋﺒ ﺪ اﻟﻜ ﺮﯾﻢ زﯾ ﺪان ص ١٦٠ ، ١٥٩
.
ـ ١٣٣ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟـﺜـﺎﻧﻲ
ﺍﻟــﺴــﻨـﺔ
اﻟﺳﻧﺔ ﻫﻲ اﻟﻣﺻدر اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻟﺗـﻲ ﺗـﺳﺗﻧﺑط
ﻣﻧﻬﺎ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ ،وﻫﻲ ﻣﺻدر ﻣﺳﺗﻘل ﺑذاﺗـﻪ ؛ ﻷﻧﻬـﺎ وﺣـﻲ ﻣـن
وﻣـﺎ َ ِ ُ
ﯾﻧطـق اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟرﺳوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻗﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ َ َ ) :
ﯾوﺣﻰ (
وﺣﻲ ُ َ إن ُ َ ِﱠ
اﻟﻬوى ِ ْ َِ
ﻫو إﻻ َ ْ ٌ ﻋن ْ ََ
وﻫــﻲ ﺗﺧﺗﻠــف ﻋــن اﻟﻘـرآن ﻓــﻲ أن ﻟﻔظﻬــﺎ ﻣــن ﻋﻧــد رﺳــول اﷲ
ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ﺑﯾﺎن ذﻟك .
واﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟﺳﻧﺔ ﻫﻧﺎ ﯾﻘﺗـﺿﻲ ﻣﻧـﺎ أن ﻧﺑـﯾن ﺗﻌرﯾﻔﻬـﺎ ﻟﻐـﺔ ،
واﺻــطﻼﺣﺎً ،وأﻗــﺳﺎﻣﻬﺎ ،وﻏﯾــر ذﻟــك ﻣــن اﻟﻣوﺿــوﻋﺎت اﻟﺗــﻲ ﺗﺗﻌﻠــق
ﺑﻬذا اﻟﻣﺻدر .
ً
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻟﻐﺔ ﻭﺍﺻﻄﻼﺣﺎ :
ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻟﻐﺔ :
اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﻣﻌﺗﺎدة ،ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ﺳﻧﺔ اﷲ اﻟﺗﻲ ﻗـد ﺧﻠـت (
أي :طرﯾﻘﺗﻪ وﻋﺎدﺗﻪ .
وﺳــﻣﺎﻫﺎ اﻟﻣــوﻟﻰ ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ ﻓــﻲ اﻟﻘـرآن ﺑﺎﻟﺣﻛﻣــﺔ ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎل أﺋﻣــﺔ
اﻟﺗﻔـــﺳﯾر ﻓـــﻲ ﻗوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ) وﯾﻌﻠﻣـــﻪ اﻟﻛﺗـــﺎب واﻟﺣﻛﻣـــﺔ ( إن اﻟﻣـــراد
ﺑﺎﻟﺣﻛﻣﺔ :اﻟﺳﻧﺔ .
و ﺗطﻠق اﻟـﺳﻧﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟطرﯾﻘـﺔ ﺣـﺳﻧﺔ ﻛﺎﻧـت أم ﻗﺑﯾﺣـﺔ ،ﻗـﺎل ـ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ " :ﻣـن ﺳـن ﺳـﻧﺔ ﺣـﺳﻧﺔ ﻓﻠـﻪ أﺟرﻫـﺎ ،وأﺟـر
ﻣن ﻋﻣل ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ،وﻣن ﺳن ﺳﻧﺔ ﺳـﯾﺋﺔ ﻓﻌﻠﯾـﻪ وزرﻫـﺎ ،
ـ ١٣٤ـ
ووزر ﻣن ﻋﻣل ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ( .
واﻟﺻواب :أن اﻟﺳﻧﺔ إذا أطﻠﻘت ﻋن اﻟﻘﯾد ،ﯾﻛون اﻟﻣراد ﺑﻬﺎ
اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺣﺳﻧﺔ ﻻ ﻏﯾر ) .( ١
ً
ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﺻﻄﻼﺣﺎ :
ﺗطﻠق اﻟﺳﻧﺔ :ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﺎﺑل اﻟﻘرآن .
وﺗطﻠق اﻟﺳﻧﺔ :ﻋﻠﻰ اﻟواﺟب ،واﻟﻣﻧدوب ،واﻟﻣﺑﺎح ،وﺗطﻠق
ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻘﺎﺑل اﻟﺑدﻋﺔ .
واﻟﺳﻧﺔ ﻓﻲ اﺻ طﻼح اﻟﻔﻘﮭ ﺎء :ﻣـﺎ ﻟـﯾس ﺑواﺟـب وﻻ ﻓـرض ،
وﻫو اﻟﻔﻌل اﻟذي دل ﺧطﺎب اﻟﺷﺎرع ﻋﻠﻰ طﻠﺑﻪ طﻠﺑﺎً ﻏﯾر ﺟﺎزم ،وﻫﻲ
ﺗرادف :اﻟﻣﻧدوب واﻟﻣﺳﺗﺣب .
أﻣﺎ اﻟ ﺳﻧﺔ ﻋﻧ د اﻷﺻ وﻟﯾﯾن ﻓﮭ ﻲ :ﻛـل ﻣـﺎ ﺻـدر ﻋـن اﻟﻧﺑـﻲ ـ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻣن ﻗول أو ﻓﻌل أو ﺗﻘرﯾر ) .( ٢
وﻣن ﻫذا ﯾﺗﺿﺢ أن اﻟﺳﻧﺔ ﻋﻧـد اﻟﻔﻘﻬـﺎء أﺣـد ﻣﺗﻌﻠﻘـﺎت اﻟﺣﻛـم
اﻟﺷرﻋﻲ ،وﻫو اﻟﻧدب ،أﻣﺎ ﻋﻧد اﻷﺻوﻟﯾﯾن ﻓﯾﻪ ﻣـﺻدر ﻣـن ﻣـﺻﺎدر
اﻟﺗﺷرﯾﻊ .
ﺣﺠﻴﺔ ﺍﻟﺴﻨﺔ :
اﺗﻔــق ﻣــن ﯾﻌﺗــد ﺑــﻪ ﻣــن أﻫــل اﻟﻌﻠــم ﻋﻠــﻰ أن اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻣطﻬــرة
ﻣـــﺳﺗﻘﻠﺔ ﺑـــذاﺗﻬﺎ ،وﻣـــﺻدر ﻣـــن ﻣـــﺻﺎدر اﻟﺗـــﺷرﯾﻊ ،ﺗـــﺳﺗﻧﺑط ﻣﻧﻬـــﺎ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ـ ﻣﺎدة ﺳــﻨﻦ ـ ، ١٢٤٣ / ٣اﻟﻤﺼـﺒﺎح اﻟﻤـﻨﯿﺮ ـ ﻣﺎدة ﺳﻨﻦ
ـ . ٢٩٢/١
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﯿﻂ ﻟﻠﺰرﻛﺸﻲ ، ٢٣٦ / ٣إرﺷ ﺎد اﻟﻔﺤ ﻮل ﻟﻠ ﺸﻮﻛﺎﻧﻲ ٩٥ / ١
،ﺷﺮح اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻟﻤﻨﯿﺮ . ١٦٠ ، ١٥٩ / ٢
ـ ١٣٥ـ
اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ ،ﻓﻬﻲ ﻛﺎﻟﻘرآن ﻓﻲ ﺗﺣﻠﯾل اﻟﺣﻼل ،وﺗﺣرﯾم اﻟﺣـرام ،
وﻟــم ﯾﺧــﺎﻟف ﻓــﻲ ذﻟــك إﻻ ﻣــن ﺧــﺗم اﷲ ﻋﻠــﻰ ﻗﻠﺑــﻪ وأﻋﻣــﻰ ﺑــﺻﯾرﺗﻪ ،
وﺿل ﺳواء اﻟﺳﺑﯾل .
وﯾﺳﺗدل اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ك ،ﺑ ﺎﻟﻘرآن ،واﻟ ﺳﻧﺔ ،واﻹﺟﻣ ﺎع ،
واﻟﻣﻌﻘول :
ً
ﺃﻭﻻ :ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ :
وﻣــﺎ
اﻟﻘ ـرآن اﻟﻛــرﯾم ﻧــص ﻋﻠــﻰ ﺣﺟﯾــﺔ اﻟــﺳﻧﺔ ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ َ َ } :
ﻓـﺎﻧﺗﻬوا {) ، ( ١وﻗـﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ :
ﻋﻧـﻪ َ ْ َ ُ
ـﺎﻛم َ ْ ُ
ﻧﻬـ ُ ْ
وﻣـﺎ َ َ
ﻓﺧـذوﻩُ َ َ
اﻟرﺳـول َ ُ ُ
ﺗـﺎﻛم ﱠ ُ ُ آَ ُ ُ
ـول {) ، ( ٢وﻗــﺎل ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ } :ﻣـ ْـن ِ
ﯾطـ ِـﻊ اﻟرﺳـ َ َطﯾﻌ ـوا ﱠ ِ
َ ُ ـﻪ َو ﱠ ُ
اﻟﻠـ َ }أ ُ
َطﺎع ﱠ
اﻟﻠﻪ َ{ ) .( ٣ ﻓﻘد أ َ َ
اﻟرﺳول َ َ ْ
ﱠ ُ َ
ﻫذﻩ اﻵﯾﺎت ﺗدل ﻋﻠﻰ وﺟوب طﺎﻋـﺔ اﻟرﺳـول ،وﻋـدم ﻣﺧﺎﻟﻔﺗـﻪ
،ووﺟوب ﻣﺗﺎﺑﻌﺗﻪ ،واﻟﻌﻣل ﺑﻣﺎ ﯾﺄﻣر ﺑﻪ ،وﺗرك ﻣﺎ ﯾﻧﻬﻰ ﻋﻧﻪ ،ﻓدل
ذﻟك ﻋﻠﻰ أن اﻟﺳﻧﺔ ﺣﺟﺔ ﺗﺛﺑت ﺑﻬﺎ اﻷﺣﻛﺎم .
ً
ﺛﺎﻧﺒﺎ :ﺍﻟﺴﻨﺔ :
اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﺗﻲ ﺗدل ﻋﻠﻰ أن اﻟﺳﻧﺔ ﺣﺟﺔ ﻛﺛﯾرة ،أذﻛر ﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ
ﯾﻠﻲ:
١ـ ﻗوﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم " :ﺗرﻛـت ﻓـﯾﻛم ﺷـﯾﺋﯾن ﻟـن
ﺗﺿﻠوا ﺑﻌدﻫﻣﺎ :ﻛﺗﺎب اﷲ ،وﺳﻧﺗﻰ" ) .( ٤
ﻣﻌـﻪ
وﻣﺛﻠـﻪ َ َ ُ َﻻ ِﱢإﻧﻰ أ ِ ُ ِ
اﻟﻛﺗـﺎب َ ِ ْ َ ُ ٢ـ ﻗوﻟﻪ ـ ـ أ ﱠ ُ
ُوﺗﯾت ْ َ َ ﻗﺎل " :أ َ
َﻧﻪ َ َ
ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ٧ﺳﻮرة اﻟﺤﺸﺮ . )(١ـ
ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ٣٢ﺳﻮرة آل ﻋﻤﺮان . )(٢ـ
ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ٨٠ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء . )(٣ـ
أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺪار ﻗﻄﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﻨﻨﮫ ـ ، ٢٤٥ / ٤ﺑﻠﻔﻆ ﻣﻘﺎرب . )(٤ـ
ـ ١٣٦ـ
ﻓﻣــﺎ
آن َ َ ـﯾﻛم ِ َ
ﺑﻬـ َـذا ْاﻟﻘُ ـ ْر ِ َرﯾﻛﺗـ ِـﻪ َﯾﻘُـ ُ
ـول َﻋﻠَـ ْ ُ ْ
ـﺑﻌﺎن ﻋﻠَــﻰ أ ِ َ ِ
ﺷـ ْ َ ُ َ
رﺟـ ٌـل َ
ـك َ ُ
أَﻻَ ِ
ﯾوﺷـ ُُ
ﻓﺣرﻣوﻩُ أﻻ ٕوان ﻓﯾﻪ ِ ْ ٍ وﺟدﺗم ِ ِ ﻣن َ َ ٍ ِ ﱡ ﻓﯾﻪ ِ ْ
وﺟدﺗم ِ ِ
ﻣن َﺣ َرام َ َ ﱢ ُ وﻣﺎ َ َ ْ ُ ْﺣﻼل ﻓَﺄَﺣﻠوﻩُ َ َ َ َ ْ ُْ
ﻣﺎ ﺣرم رﺳول اﷲ ﻛﻣﺎ ﺣرم اﷲ " ) .( ١
٣ـ أن رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ و ﺳﻠم ـ ﻟﻣﺎ أراد أن ﯾﺑﻌث
ﻣﻌﺎذا إﻟﻰ اﻟﯾﻣن ،ﻗﺎل :ﻛﯾف ﺗﻘﺿﻲ إذا ﻋرض ﻟك اﻟﻘﺿﺎء ؟ ﻗـﺎل :
أﻗﺿﻲ ﺑﻛﺗﺎب اﷲ ﻋز و ﺟل ،ﻗﺎل :ﻓﺈن ﻟم ﺗﺟد ﻓﻲ ﻛﺗﺎب اﷲ ؟ ﻗﺎل
:ﻓﺑﺳﻧﺔ رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ و ﺳﻠم ـ ﻗﺎل :ﻓﺈن ﻟـم ﺗﺟـد ﻓـﻲ
ﺳﻧﺔ رﺳول اﷲ ،وﻻ ﻓﻲ ﻛﺗـﺎب اﷲ ؟ ﻗـﺎل :أﺟﺗﻬـد رأﯾـﻲ ،وﻻ آﻟـو ،
ﻓﺿرب رﺳـول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠـﻪ ﻋﻠﯾﻪ و ﺳﻠم ـ ﺻـدرﻩ ،وﻗـﺎل :اﻟﺣﻣـد
ﷲ اﻟذي وﻓق رﺳول اﷲ ﻟﻣﺎ ﯾرﺿﻲ رﺳول اﷲ " ) .( ٢
ﻓﻬذﻩ اﻷﺣﺎدﯾث وﻏﯾرﻫﺎ ﺗدل ﻋﻠـﻰ وﺟـوب اﻟﻌﻣـل ﺑﺎﻟـﺳﻧﺔ ،وأن
اﻷﺣﻛﺎم ﻛﻣﺎ ﺗﺛﺑت ﺑﺎﻟﻘرآن ﺗﺛﺑت ﺑﺎﻟﺳﻧﺔ .
ً
ﺛﺎﻟﺜﺎ :ﺍﻹﲨﺎﻉ :
أﺟﻣﻊ اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣن ﻟدن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳـﻠم ـ إﻟـﻰ
ﯾوﻣﻧﺎ ﻫذا ﻋﻠﻰ وﺟوب اﻟﻌﻣل ﺑﺎﻟﺳﻧﺔ ،وأﺧذ اﻷﺣﻛﺎم ﻣﻧﻬﺎ ،وﺿرورة
اﻟرﺟوع إﻟﯾﻬﺎ ،ﻷن اﻟﺳﻧﺔ وﺣﻲ ﻣن ﻋﻧد اﷲ .
ً
ﺭﺍﺑﻌﺎ :ﺍﳌﻌﻘﻮﻝ :
اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻹﺳـﻼم دﯾﻧـﺎً ،وﺑـﺎﻟﻘرآن ﻛﺗﺎﺑـﺎً ﻟﻬـذا اﻟـدﯾن ،ﯾوﺟﺑـﺎن
اﻟﻘــول ﺑﺣﺟﯾــﺔ اﻟــﺳﻧﺔ ٕ ،واﻻ ﻛﯾــف ﯾــﺻﻠﻲ اﻹﻧــﺳﺎن ،وﻛﯾــف ﯾﺣــﺞ ،
) ( ١ـ أﺧﺮﺟﮫ أﺑﻮ داود ـ ﺑﺎب ﻓﻲ ﻟﺰوم اﻟﺴﻨﺔ ـ ، ٣٢٨ / ٤ﺣﺪﯾﺚ رﻗﻢ . ٤٦٠٦
) ( ٢ـ أﺧﺮﺟﮫ أﺑﻮ داود ﻓﻲ ﺳﻨﻨﮫ ـ ﺑﺎب اﺟﺘﮭﺎد اﻟﺮأي ﻓﻲ اﻟﻘﻀﺎء ـ . ٣٣٠ / ٣
ـ ١٣٧ـ
وﻛﯾــف ﯾزﻛــﻲ ،ﻓﺣﯾــﺎة اﻟﻧــﺎس وﻓ ـراﺋض اﻹﺳــﻼم ﻻ ﺗﻘــوم إﻻ ﺑﺎﻋﺗﻣــﺎد
اﻟﺳﻧﺔ ،ﻓﻬﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد رﻛﻌﺎت اﻟﺻﻼة ،وﻣواﻗﯾﺗﻬﺎ ،وﻣﻘﺎدﯾر اﻟزﻛﺎة
وأﻧواﻋﻬــﺎ ،ﻓﺎﻟــﺷك ﻓــﻲ اﻟــﺳﻧﺔ ٕواﻧﻛــﺎر ﺣﺟﯾﺗﻬــﺎ ،ﺗﻘــوﺑض ﻟﻠــﺷرﯾﻌﺔ ،
وﺗﻌطﯾل ﻟﻠﺗﻛﺎﻟﯾف ) .( ١
ﺃﻗـﺴــﺎﻡ ﺍﻟـﺴـﻨﺔ :
ﺗﻧﻘــﺳم اﻟــﺳﻧﺔ إﻟــﻰ ﻋــدة أﻗــﺳﺎم ،وذﻟــك ﺑﺎﻋﺗﺑــﺎرات ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ،
ﺑﯾﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
أوﻻ :أﻗ ﺳﺎم اﻟ ﺳﻧﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑ ﺎر ﻣﺎھﯾﺗﮭ ﺎ :أي :ﺣﻘﯾﻘﺗﻬــــﺎ ،
ً
وﻛﻧﻬﻬﺎ ،وﺻدروﻫﺎ ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ .
ﺛﺎﻧﯾ ﺎ ً :أﻗ ﺳﺎم اﻟ ﺳﻧﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑ ﺎر اﻟ ﺳﻧد ،أي :اﻟـــرواة اﻟـــذﯾن
أﺳﻧدوا اﻟﺳﻧﺔ إﻟﻰ اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
وﺑﯾﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ:
ً
ﺃﻭﻻ :ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻣﺎﻫﻴﺘﻬﺎ :
ﺗﻧﻘﺳم اﻟﺳﻧﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻟﻣﺎﻫﯾﺔ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم :
ـ ﺳ ﻧﺔ ٢ـ ﺳﻧﺔ ﻓﻌﻠﯾﺔ ٣ . ١ـ ﺳﻧﺔ ﻗوﻟﯾﺔ
ﺗﻘرﯾرﯾﺔ
١ـ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻘﻮﻟﻴﺔ :
ﻛل ﻣـﺎ ﺻـدر ﻋـن اﻟﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻣـن أﻗـوال
ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،واﻷﻏراض اﻟﻣﺗﻌددة .
ﻣﺛﺎل ذﻟك :ﻗوﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ " :ﻣـن رأى ﻣـﻧﻛم
) ( ١ـ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼم د /ﻣﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ إﻣﺎم ص . ١٥٦
ـ ١٣٨ـ
ﻣﻧﻛراً ﻓﻠﯾﻐﯾرﻩ ﺑﯾدﻩ ،ﻓﺈن ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ ﻓﺑﻠﺳﺎﻧﻪ ،ﻓﺈن ﻟم ﯾـﺳﺗطﻊ ﻓﺑﻘﻠﺑـﻪ
،وذﻟك أﺿﻌف اﻷﯾﻣﺎن " ) .( ١
وﻗوﻟــﻪ ـ ـ " :اﻟﻣــﺳﻠم ﻣــن ﺳــﻠم اﻟﻣــﺳﻠﻣون ﻣــن ﻟــﺳﺎﻧﻪ
وﯾدﻩ ،واﻟﻣﻬﺎﺟر ﻣن ﻫﺟر ﻣﺎ ﻧﻬﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ .( ٢ ) (..
واﻟﺳﻧﺔ اﻟﻘوﻟﯾﺔ ﻛﺛﯾرة ﺟداً ،ﻏﯾر أن اﻟﻣﻘﺻود ﺑﻬﺎ ﻫﻧﺎ اﻷﻗـوال
اﻟﻣـراد ﺑﻬــﺎ ﺑﯾــﺎن اﻷﺣﻛــﺎم ،واﻟﺗــﺷرﯾﻌﺎت ،أﻣــﺎ إن ﻛﺎﻧــت ﻫــذﻩ اﻷﻗـوال
ﻓﻲ أﻣور دﻧﯾوﯾﺔ ﺑﺣﺗﻪ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺷرﯾﻊ ،وﻻ ﻣﺑﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ وﺣﻲ
،ﻓـــﻼ ﺗﻛـــون دﻟـــﯾﻼً ﻣـــن أدﻟـــﺔ اﻟﺗـــﺷرﯾﻊ ،وﻻ ﻣـــﺻدراً ﺗـــﺳﺗﻧﺑط ﻣﻧـــﻪ
اﻷﺣﻛﺎم.
ﻣﺛﺎل ذﻟك :ﻣﺎ روي ﻋـن ﻋﺎﺋـﺷﺔ وﺛﺎﺑـت ﻋـن أﻧـس أن رﺳـول
اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ و ﺳﻠم ــ ﻣـر ﺑﻘـوم ﯾﻠﻘﺣـون اﻟﻧﺧـل ،ﻓﻘـﺎل :ﻟـو
! ﻓﻣـر ﺑﻬـم ،ﻓﻘـﺎل : )(٣
ﻟم ﺗﻔﻌﻠـوا ﻟـﺻﻠﺢ ،ﻗـﺎل :ﻓﺧـرج ِ
ش◌ِـﯾـﺻﺎً
ﻣﺎ ﻟﻧﺧﻠﻛم ؟! ﻓﻘﺎﻟوا :ﻗﻠت ﻛذا وﻛذا،ﻗﺎل :أﻧﺗم أﻋﻠم ﺑﺄﻣور دﻧﯾﺎﻛم "
٢ـ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ :
ﻣﺎ ﺻدر ﻋن اﻟﻧﺑـﻲ ــ ـ ﻣـن ﻓﻌـل ،ﻣﺛـل ﻣـﺎ ﻧﻘـل ﻣـن ﺻـﻔﺔ
وﺿوﺋﻪ ،وﺻﻔﺔ ﺻﻼﺗﻪ ،ﺑﻬﯾﺄﺗﻬﺎ ،وأرﻛﺎﻧﻬﺎ ،وﺣﺟﻪ .
وأﻓﻌﺎﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻘﺻد ﺑﻪ اﻟﺗـﺷرﯾﻊ ،
)(١
ﺎن ـ ١
اﻹﯾﻤ ِ اﻟﻨﮭ ِﻰ َﻋ ِﻦ ْ ُ ْ َ
اﻟﻤﻨﻜ ِﺮ ِﻣ َﻦ ِ َ ﻮن ﱠ ْ
ﺑﯿﺎن َﻛ ْ ِ
ـ أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ـ ﺑﺎب َ َ ِ
،٥٠/ﺣﺪﯾﺚ رﻗﻢ . ١٨٦
) ( ٢ـ أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻓ ﻲ ﺻ ﺤﯿﮫ ـ ﺑ ﺎب اﻟﻤ ﺴﻠﻢ ﻣ ﻦ ﺳ ﻠﻢ اﻟﻤ ﺴﻠﻤﻮن ...ـ ، ١٣ / ١
ﺣﺪﯾﺚ رﻗﻢ . ١٠
) ( ٣ـ اﻟﺸﯿﺺ :ھﻮ اﻟﺘﻤﺮ اﻟﺮديء اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺸﺘﺪ ﻧﻮاه وﻻ ﯾﻘﻮى .
ـ ١٣٩ـ
وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﯾﻛون ﻛذﻟك ،وﺑﯾﺎن ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
أ ـ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺟﺑﻠﯾﺔ :وﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﻓﻌـﻠﻬﺎ اﻟﻧﺑـﻲ ـ ـ ﺑطﺑﯾﻌﺗﻪ ،
وﻛﺎﻧــت ﻣﻣــﺎ ﯾﺣﺗﺎﺟــﻪ اﻟﺑــﺷر ﻋــﺎدة ،ﻣــن ﺣرﻛــﺔ أو ﺳــﻛون أو ﻧــوم أو
أﻛل أو ﺷرب .
وذﻟك ﻣﺛل ﻣﺎ ﻧﻘل ﻋن اﻟرﺳـول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓـﻲ
طرﯾﻘﺔ ﻣﺷﯾﻪ ،وﻟﺑﺳﻪ اﻟﺟﺑﺔ اﻟﺷﺎﻣﯾﺔ ،وﻧﺣو ذﻟك .
وﻫـذﻩ اﻷﻓﻌـﺎل ﻻ ﺗـدﺧل ﻓـﻲ ﺑـﺎب اﻟﺗـﺷرﯾﻊ إﻻ ﺑﺎﻋﺗﺑـﺎر إﺑﺎﺣﺗﻬــﺎ
ﻓﻲ ﺣق اﻟﻣﻛﻠﻔﯾن ،وﻣﻊ ﻫذا ﻓﺈن اﻹﻗﺗداء ﺑﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳـﻠم
وﺗﺣـﺻﯾﻼ ﻟﻠﺛـواب ،إﻻ إذا ﻗـﺎم
ً ـ ﻓﻲ ﻫذا أﻣر ﺣﺳن ،إدراﻛﺎً ﻟﻸﺟر ،
اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ذﻟك .
ب ـ اﻷﻓﻌ ﺎل اﻟﺗ ﻲ ﺗ ﺻدر ﻋﻧ ﮫ ـ ﺻ ﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾ ﮫ وﺳ ﻠم ـ
ﺑﻣﻘﺗ ﺿﻰ اﻟﺧﺑ رة واﻟﺗﺟرﺑ ﺔ ﻓ ﻲ ﺷ ﺋون اﻟ دﻧﯾﺎ ،ﻛـــﺄﻣر اﻟزراﻋـــﺔ ،
واﻟﺻﻧﺎﻋﺔ ،واﻟﺗﺟﺎرة ،واﻟﺣروب .
وﻫـــذﻩ اﻷﻓﻌـــﺎل ﻻ ﺗﻌﺗﺑـــراً ﺗـــﺷرﯾﻌﺎً ﻟﻸﻣـــﺔ ،ﻷن ﻣﺑﻧﺎﻫـــﺎ ﻋﻠـــﻰ
اﻟﺗﺟرﺑــﺔ ﻻ اﻟــوﺣﻲ ،واﻟرﺳــول ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ ﻟــم ﯾﻠــزم
اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﺑﻬﺎ ،وﻟم ﯾﻌﺗﺑرﻫﺎ ﻣن ﻗﺑﯾل ﺗﺷرﯾﻊ اﻷﺣﻛﺎم .
ﯾ دل ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ك :ﻣـﺎ روي أن اﻟﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ
اﻟﺣﺑـﺎب ﺑـن
ﻓﻲ ﻣوﻗﻌﺔ ﺑدر ﻧزل أدﻧﻰ ﻣﺎء ﻣن ﻣﯾﺎﻩ ﺑـدر ،وﻫﻧـﺎ ﻗـﺎم ُ َ
اﻟﻣﻧذر ﻛﺧﺑﯾر ﻋﺳﻛرى ،وﻗﺎل :ﯾﺎ رﺳـول اﷲ ،أرأﯾـت ﻫـذا اﻟﻣﻧـزل ،
أﻣﻧزًﻻ أﻧزﻟﻛﻪ اﷲ ،ﻟﯾس ﻟﻧﺎ أن ﻧﺗﻘدﻣﻪ وﻻ ﻧﺗﺄﺧر ﻋﻧﻪ ؟ أم ﻫو اﻟرأي
واﻟﺣرب واﻟﻣﻛﯾدة ؟ ﻗﺎل ) :ﺑل ﻫو اﻟرأي واﻟﺣرب واﻟﻣﻛﯾـدة ( ،ﻗـﺎل :
ـ ١٤٠ـ
ﯾــﺎ رﺳــول اﷲ ،إن ﻫــذا ﻟــﯾس ﺑﻣﻧــزل ،ﻓــﺎﻧﻬض ﺑﺎﻟﻧــﺎس ﺣﺗــﻰ ﻧــﺄﺗﻲ
ﻧﺧـرب ــ ﻣـﺎ وراءﻩ
وﻧﻐـور ــ أي ُ َ ﱢ
أدﻧﻰ ﻣﺎء ﻣن اﻟﻘوم ـ ﻗـرﯾش ــ ﻓﻧﻧزﻟـﻪ ّ
ﺣوﺿﺎ ،ﻓﻧﻣﻸﻩ ﻣـﺎء ،ﺛـم ﻧﻘﺎﺗـلً اﻟﻘﻠب ـ اﻵﺑﺎر ـ ،ﺛم ﻧﺑﻧﻲ ﻋﻠﯾﻪ
ﻣن ُُ
اﻟﻘــوم ،ﻓﻧـــﺷرب وﻻ ﯾـــﺷرﺑون ،ﻓﻘـــﺎل رﺳـــول اﷲ ــــ ﺻـــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـــﻪ
وﺳﻠم ـ ) :ﻟﻘد أﺷرت ﺑﺎﻟرأي ( .
ﺟـ ـ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﮫ ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ـ :وھﻲ اﻟﺗﻲ
ﻻ ﯾﺷﺎرﻛﮫ ﻓﯾﮭﺎ أﺣد .
وذﻟــك ﻛﺎﺧﺗـــﺻﺎﺻﻪ ﺑوﺟـــوب اﻟـــﺿﺣﻰ ،واﻷﺿـــﺣﻰ ،واﻟـــوﺗر ،
واﻟﺗﻬﺟـد ﺑﺎﻟﻠﯾــل ،واﺧﺗـﺻﺎﺻﻪ ﺑﺈﺑﺎﺣــﺔ اﻟوﺻـﺎل ﻓــﻲ اﻟـﺻوم ،ودﺧــول
ﻣﻛـﺔ ﺑﻐﯾـر إﺣـرام ،واﻟزﯾـﺎدة ﻓــﻲ اﻟﻧﻛـﺎح ﻋﻠــﻰ أرﺑـﻊ ﻧــﺳوة ،إﻟـﻰ ﻏﯾــر
. )(١
ذﻟك ﻣن ﺧﺻﺎﺋﺻﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ
وﻫذﻩ اﻷﻓﻌـﺎل اﻟﺧﺎﺻـﺔ ﺑـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ واﻷﻣـﺔ ﻻ
ﯾﺻﺢ أن ﺗﺷﺎرﻛﻪ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻷﻓﻌﺎل اﺗﻔﺎﻗﺎً ) .( ٢
د ـ أﻣﺎ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺗﻲ ﻗﺻد ﺑﮭﺎ اﻟﺑﯾﺎن واﻟﺗﺷرﯾﻊ ،وﻛﺎﻧت ﻋﺎﻣﺔ
ﻟﮫ وﻷﻣﺗﮫ ،وذﻟك ﻛﺑﯾﺎن ﻫﯾﺋﺔ ﺻﻼﺗﻪ وأرﻛﺎﻧﻬﺎ ،ﺣﯾث ﻗﺎل ـ ﺻﻠﻰ اﷲ
ـ " :ﺻـــﻠوا ﻛﻣـــﺎ رأﯾﺗﻣـــوﻧﻲ أﺻـــﻠﻲ " ،وﺑﯾـــﺎن اﻟﺣـــﺞ ﻋﻠﯾـــﻪ وﺳـــﻠم
وﻣﻧﺎﺳـــﻛﻪ ،وذﻟــك ﺑﻘوﻟــﻪ " :ﺧــذوا ﻋﻧــﻲ ﻣﻧﺎﺳــﻛﻛم " وﻫــذﻩ اﻷﻓﻌـــــﺎل
دﻟﯾل ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق.
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺧﻼﺻﺔ اﻷﻓﻜﺎر ص ، ١٥٦إرﺷﺎد اﻟﻔﺤﻮل ﻟﻠﺸﻮﻛﺎﻧﻲ ، ١٤١ / ١أﺻﻮل
اﻟﻔﻘ ﮫ اﻟ ﺬي ﻻ ﯾ ﺴﻊ اﻟﻔﻘﯿ ﮫَ ﺟﮭﻠُ ﮫ ص ، ٨٥ﻣﻌ ﺎﻟﻢ أﺻ ﻮل اﻟﻔﻘ ﮫ ﻋﻨ ﺪ أھ ﻞ اﻟ ﺴﻨﺔ
واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ص . ١٢٧ / ١
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :إرﺷﺎد اﻟﻔﺤﻮل . ٤٥٢ / ١
ـ ١٤١ـ
٣ـ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺮﻳﺔ :
ﻣﺎ ﻧﻘل ﻣن ﺳـﻛوت اﻟﻧﺑـﻲ ـ ـ ﻋن ﻗول ﻗﯾـل ،أو ﻓﻌـل وﻗـﻊ
ﻓﻲ ﺣﺿرﺗﻪ ،أو ﻓﻲ ﻏﯾﺑﺗﻪ وﻋﻠم ﺑﻪ ،وﻟم ﯾﻧﻛرﻩ .
ﻓﻬـذا اﻟــﺳﻛوت ﯾـدل ﻋﻠــﻰ ﺟـواز اﻟﻔﻌــل ٕواﺑﺎﺣﺗـﻪ ؛ ﻷن اﻟﻧﺑــﻲ ـ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻻ ﯾﺳﻛت ﻋن ﺑﺎطل أو ﻣﻧﻛر .
وﻣن أﻣﺛﻠﺔ ذﻟك :ﻣـﺎ رواﻩ اﻟـﺷﯾﺧﺎن :ﻣـن أﻛـل اﻟـﺿب ﻋﻠـﻰ
ﻣﺎﺋدﺗﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻣن ﻏﯾـر إﻧﻛـﺎر ،وﻣـﺎ روﯾـﺎﻩ أﯾـﺿﺎً :
ﻣن رؤﯾﺗﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻟﻠﺣﺑﺷﺔ وﻫم ﯾﻠﻌﺑون ﺑﺎﻟﺣراب ﻓـﻲ
اﻟﻣـﺳﺟد ،وﺗﻣﻛــﯾن اﻟــﺳﯾدة ﻋﺎﺋــﺷﺔ ﻣـن اﻟﻧظــر إﻟــﯾﻬم ،وﺳــﻛوﺗﻪ ﻋــن
(. )١
ﻏﻧﺎء ﺟﺎرﯾﺗﯾن ﻛﺎﻧﺗﺎ ﺗﻐﻧﯾﺎن ﺑﻐﻧﺎء ﺣﻣﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﯾوم ﻋﯾد
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺴﻨﺪ :
ﯾﻘﺻد ﺑﺎﻟﺳﻧد :اﻟـراوي ﻟﻠـﺳﻧﺔ ،واﻟﻧﺎﻗـل ﻟﻬـﺎ ،وﻫـو ﻗـد ﯾﻛـون
واﺣداً ،وﻗد ﯾﻛون أﻛﺛر ﻣن ذﻟك .
ﺟﻣﻬـــور اﻷﺻــــوﻟﯾﯾن ﯾﻘــــﺳﻣون اﻟـــﺳﻧﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑــــﺎر اﻟــــﺳﻧد إﻟــــﻰ
ﻗﺳﻣﯾن :
٢ـ ﺳﻧﺔ آﺣﺎد . ١ـ ﺳﻧﺔ ﻣﺗواﺗرة .
أﻣﺎ اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ﻓﯾﻘﺳﻣون اﻟﺳﻧﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻟﺳﻧد إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم :
٣ـ ﺳﻧﺔ آﺣﺎد . ١ـ ﺳﻧﺔ ﻣﺗواﺗرة ٢ .ـ ﺳﻧﺔ ﻣﺷﮭورة .
وﻧﺑﯾن ھﻧﺎ أﻗﺳﺎم اﻟﺳﻧﺔ طﺑﻘﺎ ً ﻟﻣذھب اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ،وﷲ اﻟﻣﺳﺗﻌﺎن .
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺴﻊ اﻟﻔﻘﯿﮫ ﺟﮭﻠﮫ ص . ٧٢
ـ ١٤٢ـ
ﺃ ـ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﳌﺘﻮﺍﺗﺮﺓ :
ﯾﻘﺎل :ﺗو ِ
ﯾﺗﺑـﻊُ
ﺟـﺎءت ْ
ْ اﻟﺧﯾـل ،إذا
ُ اﺗرت
َ ﻟﻐﺔ :ﱠ ُ
اﻟﺗﺗﺎﺑﻊُ ، اﻟﺗﱠو ُ
اﺗر ُ ً
ﻣﺗﺗﺎﺑﻌﯾن .
َ ﺗﺗرى ،أي :وﺟﺎءوا َْ َ
ُ ﺑﻌﺿﺎ،
ﺑﻌﺿﻬﺎ ًُ
أي : )( ١
وﻣﻧـــﻪ ﻗوﻟــــﻪ ﺗﻌــــﺎﻟﻰ ) :ﺛـــم أرﺳــــﻠﻧﺎ رﺳــــﻠﻧﺎ ﺗﺗــــرا (
ﻣﺗﺗﺎﺑﻌﯾن .
واﻟﺳﻧﺔ اﻟﻣﺗواﺗرة اﺻطﻼﺣﺎ ً :ﻣﺎ رواﻫﺎ ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﺟﻣﻊ ﻋن ﺟﻣﻊ ،ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻋﺎدة ﺗواطؤﻫم ﻋﻠـﻰ اﻟﻛـذب
ﻓــﻲ اﻟﻌــﺻور اﻟﺛﻼﺛــﺔ ﻋــﺻر اﻟــﺻﺣﺎﺑﺔ ،وﻋــﺻر اﻟﺗــﺎﺑﻌﯾن ،وﺗــﺎﺑﻌﻲ
اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن .
(: )٢
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﳌﺘﻮﺍﺗﺮﺓ
١ـ أن ﯾﻛــون اﻟــرواة ﺟﻣﻌــﺎً ﻛﺛﯾ ـراً ،ﯾــﺳﺗﺣﯾل ﻋــﺎدة ﺗواطــؤﻫم
ﻋﻠـــﻰ اﻟﻛـــذب ؛ وذﻟـــك ﻟﻔـــرط ﻛﺛـــرﺗﻬم ،وﺿـــﺑطﻬم ،أو ﻟـــﺻﻼﺣﻬم ،
ودﯾﻧﻬم ،أو ﺗﺑﺎﻋد ﺑﻠداﻧﻬم وﺷﻬرﺗﻬم ﺑذﻟك .
ﻫذا وﻗد اﺧﺗﻠف ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌدد اﻟﻛﺛﯾر ،ﻋﻠﻰ أﻗوال ﻛﺛﯾرة ،ﻣﻧﻬﺎ :
أن أﻗل ﻋدد ﻟﻠﺗواﺗر أن ﯾروﯾﻪ اﺛﻧﺎن ؛ ﻷن أﻗل اﻟﺷﻬود اﺛﻧﺎن.
وﻗﯾل :أرﺑﻌﺔ ؛ اﻋﺗﺑﺎراً ﺑﺄﻋﻠﻰ اﻟﺷﻬﺎدات .
وﻗﯾل :ﺧﻣﺳﺔ ؛ ﻟﯾزﯾد ﻋﻠﻰ ﻋدد اﻟﺷﻬود .
ـــﻪ
ﻗوﻣـ ُ
ﻣوﺳـــﻰ َ ْ َ
اﺧﺗـــﺎر ُ َ
وﻗﯾـــل :ﺳـــﺑﻌون ؛ ﻟﻘوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ َ ) :و ْ َ َ
رﺟﻼ ِ ِ َ ِ َ
ﻟﻣﯾﻘﺎﺗﻧﺎ (. َِْ َ
ﺳﺑﻌﯾن َ ُ ً
) ( ١ـ ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ٤٤ﺳﻮرة اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن .
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ ﺷﺮوط اﻟﺘﻮاﺗﺮ :ﺗﯿﺴﯿﺮ ﻋﻠﻢ اﻷﺻﻮل ص . ١٦
ـ ١٤٣ـ
و ﻗﯾــل ﻏﯾـــر ذﻟــك ،واﻟـــﺻواب :أﻧــﻪ ﻻ ﯾـــﺷﺗرط ﻟﻠﺗــواﺗر ﻋـــدد
ﻣﻌــﯾن ،ﺑــل ﻣــﺎ ﯾﻔﯾــد اﻟﻌﻠــم واﻟﯾﻘــﯾن ﻋﻠــﻰ ﺣــﺳب اﻟﻌــﺎدة ،ﻣــﻊ ﺳــﻛون
اﻟﻧﻔس إﻟﯾﻬم .
٢ـ أن ﯾﻛون ﻫذا اﻟﺟﻣﻊ اﻟﻛﺛﯾـر ﻓـﻲ اﻟطﺑﻘـﺎت اﻟـﺛﻼث ،طﺑﻘـﺔ
اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ،وطﺑﻘﺔ اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن ،وطﺑﻘﺔ ﺗﺎﺑﻌﻲ اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن .
ٍ
ﺑﻌـض ﻋـن طرﯾـق أﺧـذ ِ ِ
ﺑﻌـﺿﻬم ﻋـن ٣ـ أن ﯾﻛون اﻟرواة ﻗـد ُ
ﺑﻪ ﱢ ُ
اﻻﺗﺻﺎل . ﯾﺛﺑت ِ
ﻣﻣﺎ ُ اﻟﺳﻣﺎعُ ،أو ﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻧﺎﻩُ ﱠ ِ ﱢ
اﻟﺣس ،أو ﱠ
ﻫذا واﻟﺗواﺗر ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻘوﻟﯾـﺔ ﻗﻠﯾـل ،أﻣـﺎ اﻟﺗـواﺗر ﻓـﻲ اﻟـﺳﻧﺔ
اﻟﻔﻌﻠﯾﺔ ﻓﻛﺛﯾر .
ﻣﺛ ﺎل اﻟﺗ واﺗر ﻓ ﻲ اﻟ ﺳﻧﺔ اﻟﻘوﻟﯾ ﺔ :ﻗوﻟــﻪ ـ ﺻــﻠﻰ اﻟﻠـــﻪ ﻋﻠﯾــﻪ
وﺳﻠم ـ " :أﺳـﺑﻐـوا اﻟوﺿـوء وﯾل ﻟﻸﻋـﻘـﺎب ﻣن اﻟـﻧﺎر " .
ﻣﺛ ﺎل اﻟﺗ واﺗر ﻓ ﻲ اﻟ ﺳﻧﺔ اﻟﻔﻌﻠﯾ ﺔ :ﻛﯾﻔﯾــﺔ اﻟوﺿــوء ،وﻛﯾﻔﯾــﺔ
اﻟﺻﻼة ،وﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺣﺞ ،وﻛﯾﻔﯾﺔ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺣدود .
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﳌﺘﻮﺍﺗﺮﺓ :
أ ـــ اﻟﻣﺗ واﺗر اﻟﻠﻔظ ﻲ :وﻫـــو ﻣــﺎ اﺗﻔـــق اﻟــرواة ﻋﻠـــﻰ ﻟﻔظـــﻪ ،
وﻣﻌﻧﺎﻩ .
ﻣﺛل ذﻟك :ﻗوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ " :ﻣـن ﻛـذب ﻋﻠـﻲ
)(١
ﻓﻘــد روى ﻫــذا اﻟﺣــدﯾث ﻋ ــن ﻣﺗﻌﻣــداً ﻓﻠﯾﺗﺑـوأ ﻣﻘﻌــدﻩ ﻣــن اﻟﻧــﺎر «
اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ أﻛﺛر ﻣن ﺳﺗﯾن ﺻﺣﺎﺑﯾﺎً .
) ( ١ـ أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ﺑﺸﺮح ﻓﺘﺢ اﻟﺒ ﺎري ـ ١ﺑ ﺎب اﻟﻨﯿﺎﺣ ﺔ ـ ، ٤٣٣ / ١
ﺣﺪﯾﺚ رﻗﻢ . ٣٣
ـ ١٤٤ـ
ب ـ اﻟﻣﺗواﺗر اﻟﻣﻌﻧوي :وﻫو ﻣﺎ اﺗﻔق اﻟرواة ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﺎﻩ دون
ﻟﻔظﻪ ﺣﺗﻰ أﺻﺑﺢ اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻣﻘطوﻋﺎً ﺑﻪ ٕ ،وان ﻛﺎن اﻟﻠﻔظ ﻟم ﯾﺑﻠﻎ درﺟـﺔ
اﻟﻘطﻊ .
ﻣﺛ ﺎل ذﻟ ك :اﻷﺣﺎدﯾـــث اﻟــــواردة ﻓــــﻲ اﻟﻧﯾـــﺔ ؛ ﻓــــﺈن ﻣﻌﻧﺎﻫــــﺎ
اﻟﻣﺷﺗرك ﺑﯾﻧﻬﺎ وﻫـو ) :أن اﻷﻋﻣـﺎل ﻣﺑﻧﺎﻫـﺎ واﻋﺗﺑﺎرﻫـﺎ ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﯾـﺔ (
ﻣﺗواﺗرٕ ،وان ﻛﺎﻧت أﻟﻔﺎظﻬﺎ ﻏﯾر ﻣﺗواﺗرة .
ﻗﺎل ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم " :إﻧﻣﺎ اﻷﻋﻣﺎل ﺑﺎﻟﻧﯾـﺎت ،وﻟﻛـل
)(١
،وﻗوﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ " :ﻻ ﻫﺟـرة اﻣـرئ ﻣـﺎ ﻧـوى "
)(٢
،وﻗوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ : ﺑﻌد اﻟﻔﺗﺢ وﻟﻛن ﺟﻬﺎد وﻧﯾﺔ "
" رب ﻗﺗﯾل ﺑﯾن اﻟﺻﻔﯾن اﷲ أﻋﻠم ﺑﻧﯾﺗﻪ " ) .( ٣
ﻣﺎ ﺗﻔﻴﺪﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﳌﺘﻮﺍﺗﺮﺓ :
اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻣﺗواﺗرة ﻣﻘطـوع ﺑﺛﺑوﺗﻬـﺎ ﻋـن اﻟﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
وﺳـﻠم ـ وﺗﻔﯾـد اﻟﻌﻠــم واﻟﯾﻘــﯾن ،وﻛﺎﻧــت ﻣـﺻدراً ﻣــن ﻣــﺻﺎدر اﻟﺗــﺷرﯾﻊ
ﻟﻺﺣﻛﺎم ﺑﻼ ﺧـﻼف ﺑـﯾن اﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن ،وﻛـﺎن ﻣﻧﻛرﻫـﺎ ﻛـﺎﻓر ،ﻷن اﻟﻛﻔـر
ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﺑﺈﻧﻛﺎر اﻟﻣﻘطوع ﺑﻪ ،ﻟذا ﺗﺛﺑت ﺑﻬﺎ أﻣور اﻟﻌﻘﯾدة .
ﺏ ـ ﺍﻟﺴـﻨـﺔ ﺍﻟـﻤﺸـﻬـﻮﺭﺓ :
ِﱞ
ﺻـﺣﺎﺑﻲ ﻋن ﱠ ﱢ
اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳــﻠم ــ ﻫﻲ ﱠاﻟﺗﻲ رو َ
اﻫﺎ ِ
) ( ١ـ أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ﺑﺸﺮح ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري ـ ﺑﺎب ﻛﯿﻒ ﺑ ﺪء اﻟ ﻮﺣﻲ ـ ٣/١
،رﻗﻢ ) ( ١
) ( ٢ـ أﺧﺮﺟ ﮫ اﻟﺒﺨ ﺎري ﻓ ﻲ ﺻ ﺤﯿﺤﮫ ﺑ ﺸﺮح ﻓ ﺘﺢ اﻟﺒ ﺎري ـ ﺑ ﺎب اﻟﺠﮭ ﺎد واﻟ ﺴﯿﺮ ـ
، ١٠٢٥/٣رﻗﻢ . ٢٦٣١
) ( ٣ـ أﺧﺮﺟﮫ اﻟﮭﯿﺜﻤﻲ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻤﻘﺼﺪ ﻓﻲ زواﺋﺪ اﻟﻤﺴﻨﺪ ـ . ٣٤٩٣ / ١
ـ ١٤٥ـ
اﺗر ﻓـﻲ وﻗـﻊ ﱠ
اﻟﺗـو ُُ ﺛم َ ﺣد اﻟﺗﱠو ِ
اﺗر ـ ،ﱠ ﯾﺑﻠﻎ ﱠ
ﻋدد ﻟم ُ ْ
اﺣد أو اﺛﻧﺎن ،ـ أي ٌ و ٌ
طﺑﻘﺔ ﱠ َ
اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن وﺗﺎﺑﻌﻲ اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن . ِ
وﻣـــن ﻫـــذا اﻟﺗﻌرﯾـــف ﻧـــدرك اﻟﻔـــرق ﺑـــﯾن اﻟـــﺳﻧﺔ اﻟﻣـــﺷﻬورة ،
واﻟﻣﺗـواﺗرة ،ﻓﺎﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻣﺗـواﺗرة ﯾروﯾﻬــﺎ ﻓــﻲ اﻟﻌــﺻور اﻟﺛﻼﺛــﺔ ـ ﻋــﺻر
اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ ،وﻋــﺻر اﻟﺗـﺎﺑﻌﯾن ،وﻋــﺻر ﺗــﺎﺑﻌﻲ اﻟﺗـﺎﺑﻌﯾن ـ ﺟﻣــﻊ ﻛﺑﯾــر
ﯾؤﻣن ﺗواطؤﻫم ﻋﻠﻰ اﻟﻛذب.
أﻣــﺎ اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻣــﺷﻬورة ﻓﺎﻟــذي ﯾروﯾﻬــﺎ ﻋــن اﻟﻧﺑــﻲ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻋدد ﻟم ﯾﺑﻠﻎ ﺣـد اﻟﺗـواﺗر ،ﺛـم ﺗـواﺗرت ﻓـﻲ
ﻋﺻر اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن وﺗﺎﺑﻌﻲ اﻟﺗﺎﺑﻌﯾن .
ﻣﺛ ﺎل اﻟ ﺳﻧﺔ اﻟﻣ ﺷﮭورة :ﻣــﺎ رواﻩ اﻟﺑﺧــﺎري وﻣــﺳﻠم ﻋــن ﻋﺑــد
اﷲ ﺑن ﻋﻣر ﻋن ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب ـ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻧﻬﻣﺎ ــ ﻗـﺎل :
ﺳﻣﻌت رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﯾﻘول :ﺑﻧﻲ اﻹﺳـﻼم
ﻋﻠــﻰ ﺧﻣــس :ﺷــﻬﺎدة أن ﻻ إﻟــﻪ إﻻ اﷲ ،وأن ﻣﺣﻣــداً رﺳــول اﷲ ،
ٕواﻗﺎم اﻟﺻﻼة ٕ ،واﯾﺗﺎء اﻟزﻛﺎة ،وﺣﺞ اﻟﺑﯾت ،وﺻوم رﻣﺿﺎن " ) .( ١
ﻣﺎ ﺗﻔﻴﺪﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﳌﺸﻬﻮﺭﺓ :
اﻟــــﺳﻧﺔ اﻟﻣــــﺷﻬورة ﻣﻘطــــوع ﺑﺛﺑوﺗﻬــــﺎ ،وﺻــــﺣﺔ ﻧــــﺳﺑﺗﻬﺎ إﻟــــﻰ
اﻟﺻﺣﺎﺑﻲ اﻟراوي ﻟﻬﺎ ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ،أﻣﺎ ﺛﺑوﺗﻬﺎ
ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻓﻣظﻧون .
وﻟﮭ ذا ﻗ ﺎل اﻟﺣﻧ ـﻔﯾﺔ :اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻣــﺷﻬورة ﺗﻔﯾــد اﻟظــن اﻟﻘــوي ،
) ( ١ـ أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ﺑ ﺸﺮح ﻓ ﺘﺢ اﻟﺒ ﺎري ـ ﺑ ﺎب اﻹﯾﻤ ﺎن وﻗ ﻮل اﻟﻨﺒ ﻲ ـ
ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ـ ) ﺑﻨﻲ اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﺧﻤﺲ ( ـ ، ١٢ / ١رﻗﻢ . ٨
ـ ١٤٦ـ
اﻟﻘرﯾب ﻣن اﻟﯾﻘﯾن ،وﻫو ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺑﻌﻠم اﻟطﻣﺄﻧﯾﻧﺔ .
واﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻣــﺷﻬورة ﻋﻧــد اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ ﺑﻣﻧزﻟــﺔ اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻣﺗ ـواﺗرة ﻣــن
ﺟﻬﺔ ﻟزوم ووﺟوب اﻟﻌﻣل ﺑﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ ﺗﺧﺻص اﻟﻌﺎم ،وﺗﻘﯾد اﻟﻣطﻠـق
،وﻫﻲ ﻣﺻدر ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻟﺗﺷرﯾﻊ ،ودﻟﯾل ﻣن أدﻟﺔ اﻷﺣﻛﺎم .
. )( ١
ﻫذا وﻣﻧﻛر اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻣﺷﻬورة ﯾﻌد ﻓﺎﺳﻘﺎً وﻻ ﯾﻛون ﻛﺎﻓراً
ﺝ ـ ﺳﻨﺔ ﺍﻵﺣﺎﺩ :
ﻣﺎ رواﻫﺎ ﻋن اﻟﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻋـدد ﻟـم ﯾﺑﻠـﻎ ﺣـد
اﻟﺗواﺗر ﻓﻲ اﻟﻌﺻور اﻟﺛﻼث .
ﺳــﻧﺔ اﻵﺣــﺎد ﻛﺛﯾــرة ﺟــداً ،ﺑــل ﻫــﻲ اﻟﻐﺎﻟــب ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ روي ﻋــن
اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻣن اﻷﺣﺎدﯾث .
ﻣﺎ ﺗﻔﻴﺪﻩ ﺳﻨﺔ ﺍﻵﺣﺎﺩ :
ﺳﻧﺔ اﻵﺣﺎد ﺗﻔﯾد اﻟظن وﻻ ﺗﻔﯾـد اﻟﯾﻘـﯾن واﻟﻘطـﻊ ،وذﻟـك ﻟﻣـﺎ ﻓﯾﻬـﺎ
ﻣن ﺷك ﻓﻲ ورودﻫﺎ ﻋن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .
ﺳﻧﺔ اﻵﺣﺎد ﻻ ﯾؤﺧذ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ أﻣور اﻟﻌﻘـﯾدة ـ ﺧﻼﻓﺎً ﻟﻠﺑﻌض ـ ﻷن
أﻣــور اﻟﻌﻘﯾــدة ﻻ ﺗﺑﻧــﻰ ﻋﻠــﻰ اﻟظــن وﻟــو ﻛــﺎن راﺟﺣــﺎً ﺑــل ﺗﺑﻧــﻲ ﻋﻠــﻰ
اﻟﯾﻘﯾن واﻟﻘطﻊ .
أﻣﺎ اﻷﺧذ ﺑﻬﺎ ﻓـﻲ اﻷﺣﻛـﺎم اﻟـﺷرﻋﯾﺔ ﻓﺎﻟﻌﻠﻣـﺎء ﯾﺣﺗﺟـون وﯾﻌﻣﻠـون
ﺑﻬﺎ ،وﻟﻛن ﺑﺷروط ﻟﻣﻌرﻓﺗﻬﺎ ﺗراﺟﻊ ﻛﺗب أﺻول اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ .
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﻮﺟﯿﺰ ﻓﻲ اﻷﺻﻮل . ١٦٩ ، ١٦٨
ـ ١٤٧ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟـﺜـﺎﻟﺚ
ﺍﻹﺟـﻤـﺎﻉ
ﻫـو اﻟـدﻟﯾل اﻟـذي ﯾﻠـﻲ اﻟﻧــﺻوص ﻓـﻲ اﻟﻘـوة واﻻﺣﺗﺟـﺎج ،ﻓﻬــو
اﻟﻣــﺻدر اﻟﺛﺎﻟــث ﻣــن ﻣــﺻﺎدر اﻟﺗــﺷرﯾﻊ ﺑﻌــد اﻟﻘ ـرآن واﻟــﺳﻧﺔ ،وﯾﻌــدﻩ
رﺟــﺎل اﻟﻔﻘــﻪ ﻣــﺻدراً ﺧــﺻﺑﺎً ﻻﺳــﺗﻧﺑﺎط اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾــﺔ ،وﺗطوﯾرﻫــﺎ ،
وﻣﺎ اﻟدﻋوة اﻟﯾوم إﻟﻰ اﻟﻔﻘﻪ واﻻﺟﺗﻬﺎد اﻟﺟﻣـﺎﻋﻲ إﻻ ﻣﺣﺎوﻟـﺔ ﻋـﺻرﯾﺔ
ﻟـــﺿﺑط اﻟﻣـــﻧﻬﺞ اﻟﻔﻘﻬــــﻲ ﺣﺗـــﻰ ﻻ ﯾـــﺳودﻩ اﻻﺿــــطراب ﻓـــﻲ اﻟﻔﻬــــم ،
(. )١
واﻟﻔوﺿﻰ ﻓﻲ اﻟﺗﺷرﯾﻊ
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻹﲨﺎﻉ :
ﺍﻹﲨﺎﻉ ﻟﻐﺔ :ﻟﻪ ﻣﻌﻧﯾﺎن :
اﻷول :اﻟﻌزم واﻟﺗﺻﻣﯾم ﻋﻠﻰ ﻓﻌل ﺷﻲء :ﺗﻘول أﺟﻣﻌت ﻋﻠـﻰ
ﻓﻌل ﻛذا ،أي ﻋزﻣت ﻋﻠﯾﻪ وﺻﻣﻣت ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﻪ .
وﺷرﻛﺎءﻛم {) .( ٢ ِ
َﻣرﻛم َ ُ َ َ َ ُ ْ
َﺟﻣﻌوا أ ْ َ ُ ْ
وﻣﻧﻪ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ } :ﻓَﺄ ْ ُ
اﻟﺛﺎﻧﻲ :اﻻﺗﻔﺎق :ﺗﻘـول أﺟﻣـﻊ اﻟﺣﺎﺿـرون ﻋﻠـﻰ ﻛـذا ،أي
اﺗﻔﻘوا ﻋﻠﯾﻪ .
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻹﲨﺎﻉ ﰲ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﲔ :
اﺗﻔﺎق اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﻣن أﻣﺔ ﻣﺣﻣد ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﺑﻌد
وﻓﺎﺗﻪ ،ﻓﻲ ﻋﺻر ﻣن اﻟﻌﺻور ﻋﻠﻰ أﻣر ﻣن اﻷﻣور اﻟﺷرﻋﯾﺔ .
ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ :
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ د /ﻣﺠﻤﺪ ﻛﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ إﻣﺎم ص . ١٦٤
) ( ٢ـ ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ٧١ﺳﻮرة ﯾﻮﻧﺲ .
ـ ١٤٨ـ
اﺗﻔ ﺎق :ﻣﻌﻧــﺎﻩ اﻻﺷــﺗراك ﻓــﻲ اﻟﻘــول واﻟﻔﻌــل واﻻﻋﺗﻘــﺎد ،وﻫــو
ﻟﻔظ ﻋﺎم ﯾﺷﻣل اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن وﻏﯾرﻫم.
اﺗﻔ ﺎق اﻟﻣﺟﺗﮭ دﯾن :ﯾﺧـــرج اﺗﻔـــﺎق ﻏﯾـــر اﻟﻣﺟﺗﻬـــدﯾن ﻛـــﺎﻟﻌوام
ﻓﺎﺗﻔﺎﻗﻬم ﻻ ﯾﻌد إﺟﻣﺎﻋﺎً .
اﻟﻣﺟﺗﮭدﯾن :ﺟﻣﻊ ﻣﺟﺗﻬد ،وﻫو :اﻟـذي ﯾﻌﻣـل اﻟﻔﻛـر وﯾﻣﻌـن
اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص واﻟﺷراﺋﻊ ﻟﻛﻲ ﯾﺳﺗﻧﺑط اﻟﺣﻛم اﻟﺷرﻋﻲ ﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻟم
ﯾرد ﻓﯾﻬﺎ ﻧص ﻣن اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ.
اﻟﻣﺟﺗﮭدﯾن ﻣ ن أﻣ ﺔ ﻣﺣﻣ د ـ ﺻ ﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾ ﮫ وﺳ ﻠم ـ :ﯾﺧـرج
اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﻣن اﻷﻣم اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﺳواء ﻋد اﺗﻔﺎﻗﻬم إﺟﻣﺎﻋﺎً أم ﻻ.
ﺑﻌ د وﻓﺎﺗ ﮫ :ﻗــﯾـــد ﻻ ﺑــد ﻣﻧــﻪ ﯾﺧــرج اﺗﻔــﺎق اﻟﻣﺟﺗﻬــدﯾن ﺣــﺎل
ﺣﯾﺎﺗﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳـﻠم ـ ﻻ ﯾﻧظـر إﻟﯾـﻪ ؛ ﻷﻧـﻪ ﻻ ﺣﺎﺟـﺔ إﻟﯾـﻪ ،
ﻣــﺎ دام اﻟرﺳــول ﻫــو اﻟﻣــﺻدر اﻟرﺋﯾــﺳﻲ ﻟﻠﺗــﺷرﯾﻊ ﻣوﺟــود ،ﻓــﻼ ﻋﺑــرة
ﺑﺎﺗﻔﺎق ﻫؤﻻء.
ﻓﻲ ﻋﺻر ﻣن اﻟﻌﺻور :ﻗﯾد ﻻزم ؛ ﻷن اﺗﻔﺎق اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﻟو
ﻟــم ﯾﻘﯾــد ﺑﻌــﺻر ﻣــن اﻟﻌــﺻور ﻟﻛــﺎن ﻣــﺳﺗﺣﯾﻼً ،ﻷﻧــﻪ ﯾﻠــزم ﻣــن ﻋــدم
ﺗﻘﯾﯾدﻩ ﺑﻌﺻر ﻣن اﻟﻌﺻور ،اﺟﺗﻣﺎﻋﻬم ﻣن وﻓﺎﺗـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
ـ إﻟـــﻰ أن ﯾـــرث اﷲ اﻷرض وﻣـــن ﻋﻠﯾﻬـــﺎ ،وﻫـــذا اﻹﺟﻣـــﺎع وﺳـــﻠم
ﻣﺳﺗﺣﯾﻼ .
ً
ﻋﻠﻰ أﻣر ﻣن اﻷﻣور اﻟ ﺷرﻋﯾﺔ :ﻗﯾـد أﺧـرج ﺑـﻪ اﻻﺗﻔـﺎق ﻋﻠـﻰ
اﻟﻣـﺳﺎﺋل اﻟﻠﻐوﯾـﺔ ،واﻟﻌﻘﻠﯾــﺔ ،واﻟدﻧﯾوﯾـﺔ ؛ ﻷن اﻹﺟﻣــﺎع اﻟـذي ﯾﺑﺣــث
ـ ١٤٩ـ
(. )١
ﻋﻧﻪ اﻷﺻوﻟﻲ ﻗﺎﺻر ﻋﻠﻰ اﻷﻣور اﻟﺷرﻋﯾﺔ
ﺣﺠﻴﺔ ﺍﻹﲨﺎﻉ :
إﺟﻣﺎع أﻫل ﻛل ﻋﺻر ﻣن اﻟﻌﺻور إﻟـﻰ ﻗﯾـﺎم اﻟـﺳﺎﻋﺔ ﺣﺟـﺔ ،
ودﻟﯾل ﺷرﻋﻲ ﯾﺟب اﻟﻌﻣل ﺑﻪ ؛ ﻷن اﻷدﻟﺔ اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺟﯾﺔ اﻹﺟﻣﺎع
ـﻠﺔ ﺑــﺎﻟﻣوﺟودﯾن ﻓــﻲ ﻛــل
ﺗﺗﻧــﺎول ﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻌــﺻور ،وﻛﻠﯾـ ُـﺔ اﻷﻣــﺔ ﺣﺎﺻـ ٌ
ﻋﺻر ،وﻫذا ﻣﺎ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺟﻣﻬور ،وﯾﺳﺗدﻟون ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺑﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
ﻟـﻪ
ﺗﺑـﯾن َ ُ ﻣن ِ
ﺑﻌد َﻣﺎ ََ ﱠ َ ﯾﺷﺎﻗق ﱠ َ ِ وﻣن ُ َ ِ ِ
اﻟرﺳول ْ َ ُْ ١ـ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ْ َ َ } :
ــوﻟﻰ ُ ِ ِ ــؤﻣﻧﯾن ُ ﱢ ِ
ِ
ــﻧم
ﺟﻬـ َ ﻧوﻟــﻪ َﻣــﺎ ﺗَـ َ ﱠ َ ْ
وﻧــﺻﻠﻪ َ َ ﱠ اﻟﻣـ ْ ِ َ َ ﻏﯾـــر َ ِ ِ
ﺳــﺑﯾل ْ ُ اﻟﻬــدى َ َ ﱠِ ْ
وﯾﺗﺑــﻊ َ ْ َ ُْ َ
وﺳﺎءت ِ
ﻣﺻﯾ ًرا { ) .( ٢ َ َ َْ َ
ووﺟ ﮫ اﻻﺳ ﺗدﻻل :أن اﷲ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ﺗوﻋـــد ﻣـــن ﺧـــﺎﻟف ﺳـــﺑﯾل
اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﺎﻟﻌذاب ،ﻓوﺟب اﺗﺑﺎع ﺳﺑﯾﻠﻬم ،وﻣﺎ ذاك إﻻ ﻷﻧﻪ ﺣﺟﺔ .
ﺷﻬداء وﺳطﺎ ِ َُ
ﻟﺗﻛوﻧُوا ُ َ َ َ ُﻣﺔ َ َ ً
ﺟﻌﻠﻧﺎﻛم أ ﱠ ً ٢ـ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ َ ِ َ َ َ } :
وﻛذﻟك َ َ ْ َ ُ ْ
ﻋﻠﻰ ﱠ ِ
اﻟﻧﺎس { ) .( ٣ ََ
وﺟﮫ اﻻﺳﺗدﻻل :أن اﷲ ﺟﻌل اﻷﻣـﺔ ﺷـﻬداء ﻋﻠـﻰ ﻏﯾرﻫـﺎ ﻣـن
اﻷﻣــم ،وﻫــذا ﯾــدل ﻋﻠــﻰ ﻗﺑــول ﻗــوﻟﻬم إذا اﺗﻔﻘ ـوا ؛ ﻷن اﻟــﺷﺎﻫد ﻗوﻟــﻪ
ﻣﻘﺑـول ،واﻟــﺷﻬﺎدة ﺗــﺷﻣل اﻟــﺷﻬﺎدة ﻋﻠـﻰ أﻋﻣــﺎل اﻟﻧــﺎس وأﺣﻛــﺎﻣﻬم ،
وﻣن ﺛم ﯾﻛون اﺗﻔﺎﻗﻬم ﺣﺟﺔ .
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ اﻟﺘﻌﺮﯾﻒ وﺷﺮﺣﮫ :اﻟﺘﺤﺒﯿﺮ ﺷﺮح اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ ، ١٥٢٣ : ١٥٢١ / ٤ﺷ ﺮح
اﻟﻜﻮﻛ ﺐ اﻟﻤﻨﯿ ﺮ ، ٢١٩ / ١رﻓ ﻊ اﻟﺤﺎﺟ ﺐ ﻋ ﻦ ﻣﺨﺘ ﺼﺮ اﺑ ﻦ اﻟﺤﺎﺟ ﺐ ، ١٣٥ / ٢
،١٣٧
) ( ٢ـ ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ١١٥ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء .
) ( ٣ـ أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﺪرك ـ ﻛﺘﺎب اﻟﻌﻠﻢ ـ ، ١٩٩ / ١ﺣﺪﯾﺚ رﻗﻢ . ٣٩١
ـ ١٥٠ـ
٣ـ ﻗوﻟــﻪ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ ـ » :ﺳــﺄﻟت رﺑــﻲ أن ﻻ
ﺗﺟﺗﻣﻊ أﻣﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺿـﻼﻟﺔ ﻓﺄﻋطﻧﯾﻬـﺎ « وﻓـﻲ ﻟﻔـظ ":إن اﷲ ﻻ ﯾﺟﻣـﻊ
ﻫذﻩ اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻼﻟﺔ أﺑداً ٕ ،وان ﯾد اﷲ ﻣﻊ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ ﻓﺎﺗﺑﻌوا اﻟﺳواد
اﻷﻋظم ﻓﺈﻧﻪ ﻣن ﺷذ ﺷذ ﻓﻲ اﻟﻧﺎر «) .( ١
وﺟ ﮫ اﻻﺳ ﺗدﻻل :أن اﷲ ﻋــﺻم اﻷﻣــﺔ ﻣــن أن ﺗﺟﺗﻣــﻊ ﻋﻠــﻰ
اﻟﺧطﺄ واﻟﺿﻼﻟﺔ ،ﻓﺛﺑت أن ﻣﺎ اﺟﺗﻣﻌت ﻋﻠﯾﻪ اﻷﻣﺔ ﺻواب ،واﻟﻣﻌﺗﺑر
ﻗوﻟــﻪ ﻓــﻲ أﻣــور اﻟــﺷرع ﻫــم اﻟﻌﻠﻣــﺎء اﻟﻣﺟﺗﻬــدون دون ﻏﯾــرﻫم ﻓﯾﻛــون
إﺟﻣﺎﻋﻬم ﻣﻌﺻوﻣﺎً ﻣن اﻟﺧطﺄ ،وﻫـذا ﺷـرف ﻋظـﯾم ﻟﻬـذﻩ اﻷﻣـﺔ ﻟـﯾس
(. )٢
ﻟﻐﯾرﻫﺎ ﻣن اﻷﻣم
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻻﲨﺎﻉ :
ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻷﻭﻝ :أن ﯾﺗﻔـق ﺟﻣﯾـﻊ اﻟﻣﺟﺗﻬـدﯾن ﻓـﻲ اﻟﻌﻠـم اﻟـذي
ﺗﻌﺗﺑر اﻟﻣﺳﺎﺋﻠﺔ ﻣن ﻣﺳﺎﺋﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﻛم ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ .
ﯾــﺷﺗرط ﻓــﻲ اﻹﺟﻣــﺎع وﻓــﻲ ﻛــل ﻓــن ﻣــن اﻟﻔﻧــون أن ﯾﻛــون ﻓﯾــﻪ
ﻗول ﻛل اﻟﻌﺎرﻓﯾن ﺑذﻟك اﻟﻔن ،ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻌﺻر ،ﻓﺈن ﻗول ﻏﯾرﻫم ﻓﯾـﻪ
ﯾﻛون ﺑﻼ دﻟﯾل ؛ ﻟﺟﻬﻠﻬم ﺑﻪ ﻓﯾﻛون ﺧطﺄ ،ﻓﯾﺷﺗرط ﻓﻲ اﻹﺟﻣﺎع ﻋﻠﻰ
اﻟﻣــﺳﺄﻟﺔ اﻟﻔﻘﻬﯾــﺔ ﻗــول ﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻔﻘﻬــﺎء ،واﻷﺻــوﻟﯾﺔ ﻗــول اﻷﺻــوﻟﯾﯾن
وﻫﻛذا ،وﻻ ﻋﺑرة ﺑﻘول اﻟﻌوام اﺗﻔﺎﻗﺎً ) . ( ٣
وھﻧ ﺎ ﯾﺛ ور اﻟﺗ ﺳﺎؤل ﻋ ن اﻟﺣﻛ م ﻟ و ﺧ ﺎﻟف واﺣ د ﻣ ن ھ ؤﻻء
) ( ١ـ ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ١١٥ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء .
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ ﺣﺠﯿﺔ اﻹﺟﻤﺎع وأدﻟﺔ ذﻟﻚ :أﺣﻜﺎم اﻟﻘ ﺮآن" ﻟﻠ ﺸﺎﻓﻌﻲ ص ، ٣٩و"اﻟﻔﻘﯿ ﮫ
واﻟﻤﺘﻔﻘ ﮫ ﻟﻠﺒﻐ ﺪادي ، ١٥٦ ،١٥٥/١و"روﺿ ﺔ اﻟﻨ ﺎظﺮ ، ٣٣٦ ، ٣٣٥ / ١ﻣﻌ ﺎﻟﻢ
أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ ﻋﻨﺪ أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻟﻠﺠﯿﺰاﻧﻲ ص ١٥٩وﻣﺎ ﺑﻌﺪھﺎ .
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻹﺑﮭﺎج ﺷﺮح اﻟﻤﻨﮭﺎج . ٣٨٣ / ٢
ـ ١٥١ـ
اﻟﻣﺟﺗﮭدﯾن ،ھل ﯾﺗﺣﻘق اﻹﺟﻣﺎع أم ﻻ ؟
ذھ ب اﻟﺟﻣﮭ ور إﻟــﻰ أﻧــﻪ ﻟــو ﺧــﺎﻟف واﺣــد ﻣــن اﻟﻣﺟﺗﻬــدﯾن ﻻ
ﯾﺗﺣﻘق اﻹﺟﻣﺎع ﻷن ﻣﺧﺎﻟﻔﺗﻪ ﻗﺎدﺣﺔ ﻓﻲ اﺟﻣﺎع اﻟﺑﺎﻗﯾن .
دﻟ ﯾﻠﮭم :أن اﻷدﻟــﺔ اﻟداﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻹﺟﻣــﺎع ﻛﻘوﻟــﻪ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾـــﻪ وﺳـــﻠم ـ ” ﻻ ﺗﺟﺗﻣـــﻊ أﻣﺗـــﻲ ﻋﻠـــﻰ ﺿـــﻼﻟﺔ ” أﻋﺗـــدت ﺑﻘـــول
اﻟﻣﺟﺗﻬــدﯾن ﺟﻣﯾﻌــﺎً ،ﻓﻠــو ﺧــﺎﻟف واﺣــد ﻣــﻧﻬم ﻟــم ﯾﻛــن اﻟﺑــﺎﻗﻲ ﺟﻣﯾــﻊ
اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﺑل ﺑﻌﺿﻬم .
وذھب اﺑن ﺟرﯾر اﻟطﺑري :إﻟﻰ أﻧﻪ ﻟو ﻛﺎن اﻟﻣﺧﺎﻟف أﻗل ﻣن
ﺛﻼﺛــﺔ ﻓــﻼ ﯾﻌﺗــد ﺑﻣﺧﺎﻟﻔﺗــﻪ وﯾﻌﺗﺑــر ﻗــول اﻟﺑــﺎﻗﯾن إﺟــــﻣﺎﻋﺎً ،وﯾﻛــــون
(. )١
ﺣﺟﺔ
دﻟ ﯾﻠﮭم :أن ﻗوﻟــﻪ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ” ﻻ ﺗﺟﺗﻣــﻊ
أﻣﺗـــﻲ ﻋﻠـــﻰ ﺿـــﻼﻟﺔ ” ﻛﻣـــﺎ ﯾـــﺻدق ﻋﻠـــﻰ اﻟﺟﻣـــــﯾﻊ ﯾـــﺻــــدق ﻋﻠـــﻰ
اﻟﻣﺟﻣوع ،أو ﻛﻣﺎ ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ اﻟﻛل ﯾﺻدق ﻋﻠﻰ اﻷﻛﺛر .
وﯾدل ﻋﻠﻰ ﻫذا أﯾﺿﺎً ﻗوﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ” ﻋﻠـﯾﻛم
ﺑﺎﻟـﺳواد اﻷﻋظـم ” ﻓﻘـد أﻣــر اﻟﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﺑﺈﺗﺑـﺎع
اﻟــﺳواد اﻷﻋظــم ،وﻫــو أﻛﺛــر اﻷﻣــﺔ ﻻ ﻛــل اﻷﻣــﺔ ،وﻋﻠﯾــﻪ ﻓــﺈن ﻗــول
اﻷﻛﺛر ﯾﻌد إﺟﻣﺎﻋﺎً ﻓﯾﻛون ﺣﺟﺔ .
ﻫــذا وﻣــﺎ ذﻫــب إﻟﯾــﻪ اﻟﺟﻣﻬــور ﻫــو اﻟــﺻﺣﯾﺢ ،وﻟﻛــن ذﻟــك ﻻ
ﯾﻣﻧﻊ أن ﯾﻛون ﻗول اﻷﻛﺛر ﻣن اﻟﻣرﺟﺣﺎت ﻋﻧد ﺗﻌﺎدل اﻷدﻟﺔ ﻓﻲ ﻧظـر
اﻟﻣﺟﺗﻬد ،ﻛﻣـﺎ أﻧـﻪ ﻣـن اﻟﻣرﺟﺣـﺎت ﻋﻧـد اﻟﻌـﺎﻣﻲ وﻣـن ﯾﻠﺣـق ﺑـﻪ ﻣـن
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺷﺮح اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻟﻤﻨﯿﺮ ، ٢٠٦ / ٢ﺗﯿﺴﯿﺮ اﻟﻮﺻﻮل ص . ٢٧١
ـ ١٥٢ـ
ﺻﻐﺎر طﻼب اﻟﻌﻠم ،وﻟﻬذا ﻓﻼ ﯾﺳﺗﻧﻛر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﺗﻬﯾﺑﻪ ﻣن ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ
ﻣذﻫب ﺟﻣﺎﻫﯾر اﻟﻌﻠﻣﺎء إﻻ إذا وﺟد ﻧﺻﺎً ﺻرﯾﺣﺎً واﺿﺣﺎً ﻋﻠـﻰ ﺧـﻼف
ﻗـــوﻟﻬم ،وﻣـــن اﻟﻧـــﺎدر ﺟـــداً أن ﯾوﺟـــد دﻟﯾـــل ﺻـــﺣﯾﺢ ﺻـــرﯾﺢ ﯾﺧﺎﻟﻔـــﻪ
(. )١
ﺟﻣﻬور اﻟﻌﻠﻣﺎء
ﺣﻜﻢ ﺍﳌﺨﺎﻟﻒ ﻟﻺﲨﺎﻉ :
ﯾﻛﺛــر ﻓــﻲ ﻛــﻼم اﻟﻌﻠﻣــﺎء ﺗﻛﻔﯾــر ﻣﺧــﺎﻟف اﻹﺟﻣــﺎع أو ﺗﻔـﺳﯾﻘﻪ ،
وﻟﻛن ذﻟك إﻧﻣﺎ ﯾﺣﻣل ﻋﻠﻰ اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺻرﯾﺢ اﻟﻣﻧﻘـول ﺑطرﯾـق اﻟﺗـواﺗر
واﻟﻘطﻊ ﻛﺎﻹﺟﻣﺎع ﻋﻠﻰ ﺣرﻣﺔ اﻟزﻧﺎ ،وﺗﺣرﯾم اﻟرﺑﺎ ،ووﺟوب اﻟﺣﺟﺎب
وﻓرﺿﯾﺗﻪ ،وﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻹﺟﻣﺎع ﻏﯾر ﻣوﺟود إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎﺋل دﻟت
ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﻧــﺻوص ﻗطﻌﯾـﺔ ،وﺣﯾﻧﺋــذ ﯾﻛــون ﺗﻛـﻔــﯾر اﻟﻣﺧــﺎﻟف أو ﺗﻔــﺳﯾﻘﻪ
ﻟﻣﺧﺎﻟﻔـــﺔ ﺗﻠـــك اﻟﻧـــﺻوص ﻻ ﻟﻣﺧﺎﻟﻔـــﺔ اﻹﺟﻣـــﺎع وﺣـــدﻩ ؛ وﻷﻧـــﻪ أﻧﻛـــر
ﻣﻌﻠوﻣﺎً ﻣن اﻟدﯾن ﺑﺎﻟﺿرورة .
وأﻣﺎ ﻣﺎ ﻋدا ذﻟك ﻣن اﻹﺟﻣﺎﻋﺎت ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻌدو أن ﺗﻛـون أدﻟـﺔ
ظﻧﯾﺔ ﻻ ﯾﻣﻛن ﻣﻌﻬﺎ ﺳﻣﺎع دﻋـوى ﺗﻛﻔﯾـر اﻟﻣﺧـﺎﻟف ﻟﻬـﺎ أو ﺗﻔـﺳﯾﻘﻪ ،
وﺑﺧﺎﺻﺔ ﺣﯾن ﯾﻛون ﻣﻌـﻪ دﻟﯾـل ﻣـن ﻋﻣـوم ﻛﺗـﺎب أو ﺳـﻧﺔ ،واﻟﺗﻛﻔﯾـر
واﻟﺣﻛم ﺑﺎﻟﻔﺳق ﻣن اﻷﻣور اﻟﺗﻲ ﯾﺟب أن ﻻ ﯾﺗﻌﺟل ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻣﻔﺗﻲ ؛ إذ
ﻻ ﯾﺳﺗﺣﻘﻬﺎ إﻻ ﻣن أﻧﻛر ﻣﺎ ﻋﻠم ﻣن اﻟدﯾن ﺑﺎﻟﺿرورة ،وﻗﺎﻣـت ﻋﻠﯾـﻪ
اﻟﺣﺟﺔ ،واﻧﻘطﻊ ﻋذرﻩ ،ﻛﻣﺎ ﻫو ﻣﻌﻠوم ﻓﻲ ﻣوﺿﻌﻪ ) .( ٢
ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :أن ﯾﻛون اﻹﺟﻣﺎع ﻣﺳــــﺗﻧداً إﻟـﻰ دﻟﯾـل ﻣـن
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺴﻊ اﻟﻔﻘﯿﮫ ﺟﮭﻠﮫ ص . ١٠١
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺴﻊ اﻟﻔﻘﯿﮫ ﺟﮭﻠﮫ ص . ١٠٢ ، ١٠١
ـ ١٥٣ـ
ﻛﺗﺎب اﻟﻠـــﻪ أو ﺳـﻧﺔ رﺳــوﻟﻪ ـ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم ـ أو ﻗﯾـﺎس ،أو
ﻣــﺻﻠﺣﺔ ﻣرﺳــﻠﺔ ،ﻓـــﺈذا ﻟــم ﯾــﺳﺗﻧد اﻹﺟـــﻣﺎع إﻟــﻰ دﻟﯾــل ﻟــم ﯾﻌــــﺗد ﺑــﻪ
ﻛدﻟﯾل .
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻹﺟـﻤـﺎﻉ :
ﯾﻧﻘﺳم اﻹﺟﻣﺎع إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن :
٢ـ اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺳﻛوﺗﻲ . ١ـ اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺻرﯾﺢ .
١ـ ﺍﻹﲨﺎﻉ ﺍﻟﺼﺮﻳﺢ :وﯾﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﻘوﻟﻲ ،أو اﻟﻧطﻘﻲ :وﻫـو
اﺗﻔـــﺎق ﺟﻣﯾــــﻊ اﻟﻣﺟﺗﻬــــدﯾن ﺑــــﺄﻗواﻟﻬم ،أو أﻓﻌــــﺎﻟﻬم ﻓــــﻲ ﻋــــﺻر ﻣــــن
اﻟﻌﺻور ﻋﻠﻰ ﺣﻛم ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ .
واﻹﺟﻣــﺎع اﻟــﺻرﯾﺢ ﺣﺟــﺔ ﻗطﻌﯾــﺔ ﺑﺎﺗﻔــﺎق اﻷﺻــوﻟﯾﯾن واﻟﻔﻘﻬــﺎء
اﻟذﯾن ﻗرروا أن اﻹﺟﻣﺎع ﺣﺟﺔ ﺷرﻋﯾﺔ ﺳواء وﻗﻊ ﻓﻲ ﻛـل اﻟﻌـﺻور أم
ﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ) .( ١
ھذا ...وﯾﻧﻘﺳم اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺻرﯾﺢ :
ب ـ ﺻرﯾﺢ ﻓﻌﻠﻰ أ وﻋﻣﻠﻲ . أ ـ ﺻرﯾﺢ ﻗوﻟﻲ .
١ـ اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺻرﯾﺢ اﻟﻘوﻟﻲ :اﺗﻔﺎق ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﻋﻠـﻰ
ﺣﻛـــم ﺷـــرﻋﻲ ﺑـــﺎﻟﻘول ٕواﺑـــداء اﻟـــرأي ﺻـــراﺣﺔ ﻋـــن طرﯾـــق اﻟﻔﺗـــوى أو
اﻟﻘﺿﺎء ،ﻛﺄن ﯾﻘوﻟوا ﻛﻠﻬم :ﻫذا ﺣﻼل ،أو :ﺣرام ،وﻧﺣو ذﻟك .
ب ـ اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺻرﯾﺢ اﻟﻔﻌﻠﻲ :اﺗﻔﺎق ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﻋﻠـﻰ
ﻋﻣـــل أو ﻓﻌـــل ﻓـــﻲ ﻣـــﺳﺄﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧـــﺔ دون ﺻـــدور أﻗـــوال أو إﺑـــداء آراء
ﻣﻧﻬم.
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ ﻟﻺﻣﺎم أﺑﻲ زھﺮة ص . ١٦٢
ـ ١٥٤ـ
وذﻟك ﻣﺛل :إﺟﻣـﺎﻋﻬم ﻋﻠـﻰ ﺟـواز اﻟﻣـﺳﺎﻗﺎة ،وﻫـﻲ :إﻋطـﺎء
اﻟﻧﺧﯾل واﻷﺷﺟﺎر ﻟﻣن ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ رﻋﺎﯾﺗﻬﺎ ﻣﻘﺎﺑل ﺟزء ﻣن اﻟﺛﻣر .
٢ـ ﺍﻹﲨﺎﻉ ﺍﻟـﺴﻜﻮﺗﻲ :وﻫـو أن ﯾﻘـول ﺑﻌـض اﻟﻣﺟﺗﻬـدﯾن
ﻗـوﻻ أو ﯾﻌﻣـل ﺑوﻓﻘﻬـﺎ ،وﯾـﺳﻛت اﻟﺑـﺎﻗون ﺑﻌـد اطﻼﻋﻬـم
ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ً
ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﻘول ﻣن ﻏﯾر إﻧﻛﺎر .
ذﻟـك
وﯾﻧﺗـﺷر َ ﻗـوﻻ ، ِ
اﻻﺟﺗﻬـﺎد ً ﺑﻌض ِ
أﻫل ﯾﻘول ُ ﻫو أن
َ َ وﻗﯾل َ :
ــﻧﻬم
ــﺳﻛﺗون وﻻ ﯾظﻬـ ُــر ﻣـ ُ
ــﺻر ﻓﯾـ ُ ُ ﻓـــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻬـــدﯾن ﻣـــن أﻫـ ِــل ذﻟـ َ
ــك اﻟﻌـ ِ
إﻧﻛﺎر.
اف وﻻ ٌ
اﻋﺗر ٌ
ﺣﺠﻴﺔ ﺍﻹﲨﺎﻉ ﺍﻟﺴﻜﻮﺗﻲ :
اﺧﺗﻠﻔُوا اﻷﺻوﻟﯾون ﻓﻲ ﻛـون اﻹﺟﻣـﺎع اﻟـﺳﻛوﺗﻲ ﺣﺟـﺔ أم ﻻ ،
ﻣذاﻫب : ٍ
ﺛﻼﺛﺔ وذﻟك ﻋﻠﻰ
َ
ﺍﳌـــﺬﻫﺐ ﺍﻷﻭﻝ :أن اﻹﺟﻣــﺎع اﻟـــﺳﻛوﺗﻲ ﻟـــﯾس ﺑُﺣﺟـــﺔ ،وﻻ
ـور
ُ ـ ﺟﻣﻬ ـول
ُ ـ ﻗو ، )(١
إﺟﻣﺎﻋــﺎ ،وﻫــو اﻟﻣــﺷﻬور ﻋــن اﻟــﺷﺎﻓﻲ
ً ـﺳﻣﻰ
ُﯾـ ﱠ
َِ
اﻟﺣﻧﺎﺑﻠﺔ . ﱠِ
اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ،و ِ
وﺑﻌض ﱠِ
اﻟﻣﺎﻟﻛﯾﺔ ، ﱠ ﱠِ
اﻟﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ،و
ﯾﻘـل ؟ وﻛﯾـف ﻧﺟـزم ﺑـﺄ ﱠن
ت ﻣﺎ ﻟْم َ ُ ْﺳـَﺎﻛـ ُ
ول اﻟـ ّ
ﻛﯾف ُﯾﻘـ ﱠ ُ
وﻗﺎﻟُـوا َ :
ﻣﻧﻌﻪ ﻣـﺎﻧﻊٌ
ُ ﯾﻛون
َ ﻓﺟﺎﺋز أن
ٌ ﺑﻠﻐﻪ
ﺛم ﻟو َ ُ اﻟﻘول ،ﱠ
ُ ﺑﻠﻐﻪ ذﻟك
اﻟﺳﺎﻛت ﻗد َ ُ
ﱠ َ
ﻷﻧـﻪ ِ
ﻟﻠﻘﺎﺋـل ،أو اﻟﺧـوف ﻣﻧـﻪ ،أو ﱠ ﻟﻬﯾﺑـﺔ
َ ﻛﺎن
رﺑﻣﺎ َ اض ،ﱠﻣن اﻻﻋﺗر ِ
ـون أﻧﻛـ َـرﻩُ
ـوز أن ﯾﻛـ َ ﯾـرى ﱠأﻧــﻪ ﻻ إﻧﻛـ َ
ـﺎر ﻓـﻲ ﻣوﺿـ ِـﻊ اﻻﺟﺗﻬــﺎد ،ﻛﻣـﺎ ﯾﺟـ ُ
ذﻟك وﻫذا ﯾﺳﻘط اﻻﺳﺗدﻻ ل ﺑﻪ ) .( ٢ ﯾﺑﻠﻐﻧﺎ ،أو ِ
ﻟﻐﯾر َ وﻟم ْ ُ ْ
) ( ١ـ وذﻟﻚ ﻷن اﻟﻤﺸﮭﻮر ﻋﻦ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻗﻮﻟﮫ " :ﻻ ﯾﻨﺴﺐ ﻟﺴﺎﻛﺖ ﻗﻮل " .
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺗﯿﺴﯿﺮ ﻋﻠﻢ اﻷﺻﻮل ص . ٣١
ـ ١٥٥ـ
ﺍﳌــﺬﻫﺐ ﺍﻟﺜــﺎﻧﻲ :أن اﻹﺟﻣــﺎع اﻟــﺳﻛوﺗﻲ ﱠ
ﺣﺟـ ٌـﺔ ﻗطﻌﯾــﺔ ،
واﺣﺗﺟوا ﺑﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
ﱡ اﻟﺣﻧﺎﺑﻠﺔ .
َ ﱠِ
اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ،و ِ
ﺑﻌض ﻗول
وﻫو ُ
اﻟرﺿـﺎ ، ﻋﻼﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﻣو ِ
اﻓﻘـﺔ و ﱢ ٌ ِ
اﻷﺻـل اﻟﺳﻛوت ﻓـﻲ
ﺑﺄن ﱡ َ ١ـ ﱠ
ﻓﯾﻛون ﻛﺎﻹﺟﻣﺎع اﻟﺻرﯾﺢ .
٢ـ أن ﺳﻛوت اﻟﻌﺎﻟم ﻋن ﻓﺗوى ﻏﯾرﻩ ﯾـدل ﻋﻠـﻰ ﻣواﻓﻘﺗـﻪ ﻋﻠـﻰ
ﻫــذﻩ اﻟﻔﺗــوى ؛ إذ ﻟــو ﻛــﺎن ﯾﻌﺗﻘــد ﺑطــﻼن ﺗﻠــك اﻟﻔﺗــوى ﻟﻣــﺎ ﺳــﻛت ﻋــن
اﻹﻧﻛﺎر؛ ﻷن اﻟﺳﻛوت ﻋن إﻧﻛﺎر اﻟﺑﺎطـل ﻣﺣـرم ﻻ ﯾﻘـدم ﻋﻠﯾـﻪ اﻟﻌﻠﻣـﺎء
اﻟﻣﺟﺗﻬدون ) .( ١
ظﻧﯾﺔ ،وﻫـذا ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :أن اﻹﺟﻣﺎع اﻟﺳﻛوﺗﻲ ﱠ ٌ
ﺣﺟﺔ ﱠ ٌ
ــض اﻟـ ﱠ ﱠ ِ
ــﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ،وﺑﻌـــض ــﺷﺎﻓﻌﻲ ﻓـــﻲ ﻗـــول ،وواﻓﻘـــﻪ ﺑﻌـ ِ
ﻣـــﺎ ﻋﻠﯾـــﻪ اﻟـ ﱠ ﱢ
ﱠِ
اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ.
رﺿــﺎ ـﺎل اﻟـو ِ ِ
ارد اﻟــدال ﻋﻠــﻰ َ ـﺄن اﻻﺣﺗﻣـ َ
ﺗدﻟوا ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ك :ﺑـ ﱠ
واﺳ ﱡ
ﯾﺟﻌل اﻟﺟـزم ﺑﻣو ِ ِ ِ
اﻟﻣﺟﺗﻬد َ ِ
اﻓﻘﺗـﻪ ﻋﻠـﻰ ﻣـﺎ ﻗﺎﻟـﻪ ﻏﯾـرﻩ ظﻧﯾـﺎ َ ُ وﻋدم ِرﺿﺎﻩُ
اﻟﻣوﺿـﻊ
ِ ﯾـﺳﻛت ﻓـﻲ
ُ اﻟﻌﺎﻟم ﻻ
َ أن
اﻷﺻل ﱠ
ُ ﻟﻣﺎ ﻛﺎن
ﻟﻛن ﱠوﻟﯾس ﻗطﻌﯾﺎً ْ ،
ذﻟك اﻟﻘول ﱠاﻟذي
اﻓق ﻋﻠﻰ َ أﻧﻪ ﻣو ٌ ذﻟك ﻋﻠﻰ ﱠ ُدل َ اﻟﺑﯾﺎن ،ﱠ
َ ﱠاﻟذي ﯾﻘﺗﺿﻲ
ﺑﻠﻐﻪ .
َُ
ـﺎع
ع ﻣـن اﻹﺟﻣـ ِ ﺗﺧـص ﻫــذا ﱠ
اﻟﻧـو َ ﱡ ِ
اﻟﻔﻘﻬـﺎء وطﺎﺋﻔـﺔ ﻣــن
ٌ ﻫـذا ...
ﻷن
ــدﻫم ،ﱠ
دون ﻣـــن ﺑﻌـ َ ُ
ــﺻﺣﺎﺑﺔ اﻟـــﺳﻛوﺗﻲ َ
وﺗﻌﺗﺑـــرﻩ ﺣﺟـــﺔ ﺑﺈﺟﻣـــﺎع اﻟـ ﱠ
َِ
اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ) . ( ٢ ﻣوﺿﻊ
ِ اﻟﺳﻛوت ﻓﻲ
اﻟﺷرﯾف ﻻ ﯾﻘﺗﺿﻲ ﱡ َ ﻣﻧﺻﺑﻬم ﱠ َ َُ
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺴﻊ اﻟﻔﻘﯿﮫ ﺟﮭﻠﮫ ص . ٩٢
) ( ٢ـ ھﺬا وھﻨﺎك ﻣﺬاھﺐ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻤﻌﺮﻓﺘﮭﺎ ﺗﺮاﺟﻊ ﻛﺘﺐ أﺻﻮل اﻟﻔﻘﮫ .
ـ ١٥٦ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺣﺠﻴﺘﻪ
ً
ﺃﻭﻻ :ﺗﻌـﺮﻳﻒ ﺍﻟﻘـﻴﺎﺱ
ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﻟﻐﺔ :
ﻣﺻدر " ﻗﺎﯾس " ﯾﻘﺎل :ﻗﺎﯾس ﯾﻘﺎﯾس ﻗﯾﺎﺳﺎً .
واﻟﻘﯾﺎس ﺗدور ﻣﺎدﺗﻪ ﺣول ﻣﻌﻧﻰ واﺣد ،ﻫو :اﻟﺗﻘدﯾر .
.
ﯾﻘﯾﺳﻪ ﻗﯾﺎﺳﺎً ِ ،إذا ﱠ
ﻗدرﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﺛﺎﻟﻪ ﻗﺎس اﻟﺷﻲء ُ َ ،ﺗﻘول َ :
وﺗﻘول :ﻗﺎس اﻟﺛوب ﺑﺎﻟذراع ،أي :ﻗدرﻩ ﺑﻪ .
واﻟﻘﯾﺎس :ﺗﻘدﯾر اﻟﺷﻲء ﺑﺎﻟﺷﻲء .
اﻟﻣﻘﯾﺎس :ﻣﺎ ِﻗﯾس ﺑﻪ ،أي ِ :
اﻟﻣﻘدار).( ١ و ِْ
َ
ﻫذا ﺧﻼﺻﺔ ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻘﯾـﺎس ﻋﻧـد أﻫـل اﻟﻠﻐـﺔ ،أﻣـﺎ اﻷﺻـوﻟﯾون
ﻓﻘد دﻗﻘوا اﻟﻧظر ﻓﻲ ﻓﻬم أﺷﯾﺎء ﻣن ﻛﻼم اﻟﻌرب ﻟم ﯾﺻل إﻟﯾﻬﺎ اﻟﻧﺣـﺎة
)( ٢
،ﻓﻘـــﺎﻟوا :اﻟﻘﯾـــﺎس ﻓـــﻲ اﻟﻠﻐـــﺔ ﻟـــﻪ ﻋـــدة ﻣﻌـــﺎﻧﻲ ،وﻻ اﻟﻠﻐوﯾـــون
ﻣﺗﻘﺎرﺑــــﺔ ،ﻣﻧﻬــــﺎ :اﻻﻋﺗﺑــــﺎر ،واﻟﺗــــﺳوﯾﺔ ،واﻟﺗﻣﺛﯾــــل ،واﻟﺗــــﺷﺑﯾﻪ ،
واﻟﻣﻣﺎﺛﻠﺔ واﻟﺗﻘدﯾر ،واﻹﺻﺎﺑﺔ ،وﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﺗؤول إﻟـﻰ ﺛﻼﺛـﺔ ﻣﻌـﺎن
ﻓﻘط ﻫﻲ :اﻟﺗﻘدﯾر ،واﻟﺗﺳوﯾﺔ ،واﻹﺻﺎﺑﺔ ).( ٣
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ـ ﺑﺎب اﻟﻘﺎف ـ ﻣﺎدة ﻗ ﯿﺲ ـ ، ٣٧٩٣/٥اﻟﻘ ﺎﻣﻮس اﻟﻤﺤ ﯿﻂ ـ ﻓ ﺼﻞ
اﻟﻘﺎف ﺑﺎب اﻟﺴﯿﻦ ـ ﻣﺎدة ﻗﺎﺳﮫ ـ :، ٢٥٣/٢ﻣﺨﺘﺎر اﻟﺼﺤﺎح ـ ﺑﺎب اﻟﻘﺎف ـ ﻣ ﺎدة ﻗ ﻮس ـ ص
٥٥٥
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :ﺑﺤ ﻮث ﻓ ﻲ اﻟﻘﯿ ﺎس أ .د /ﻣﺤﻤ ﺪ ﻣﺤﻤ ﻮد ﻣﺤﻤ ﺪ ﻓﺮﻏﻠ ﻲ ـ ص ، ٥٠ﻣﻄﺒﻌ ﺔ
اﻟﺠﺒﻼوي ـ ط /اﻷوﻟﻰ ١٤٠٣ھـ ١٩٨٣ ،م .
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﺑﺤﻮث ﻓﻲ اﻟﻘﯿﺎس أ .د /ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺮﻏﻠﻲ ـ ص. ٤٧
ـ ١٥٧ـ
ً
ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﺻﻄﻼﺣﺎ :
اﺧﺗﻠف اﻷﺻـوﻟﯾون اﺧﺗﻼﻓـﺎَ ﻛﺑﯾـراَ ﻓـﻲ ﺗﻌرﯾـف اﻟﻘﯾـﺎس ،وﻣـرد
اﺧـﺗﻼﻓﻬم ﻓـﻲ اﻟﺗﻌرﯾــف ﻫـل اﻟﻘﯾـﺎس دﻟﯾــل ﻧـﺻﺑﻪ وأﻗﺎﻣـﻪ اﻟــﺷﺎرع ،أم
ﻫو ﻣن ﻋﻣل اﻟﻣﺟﺗﻬد ؟
ﻓﻣـــن ﻗـــﺎل أن اﻟﻘﯾـــﺎس دﻟﯾـــل ﻣـــﺳﺗﻘل ﻧـــﺻﺑﻪ اﻟـــﺷﺎرع ﻓﻘـــﺎﻟوا
ٍ
ﻷﺻل ،ﻓﻲ ﻋﻠﺔ ﺣﻛﻣﻪ " ).( ١ ﻓرع
اﻟﻘﯾﺎس ﻫو " :ﻣﺳﺎواة ٍ
وأﻣﺎ ﻣن ﻗﺎل إن اﻟﻘﯾﺎس ﻣـن ﻋﻣـل اﻟﻣﺟﺗﻬـد وﻓﻌﻠـﻪ ﻓﻘ ﺎﻟوا " :
ﺣﻣــل ﻣﻌﻠــوم ﻋﻠــﻰ ﻣﻌﻠــوم ،ﻓــﻲ إﺛﺑــﺎت ﺣﻛــم ﻟﻬﻣــﺎ ،أو ﻧﻔﯾــﻪ ﻋﻧﻬﻣــﺎ
ﺑــــﺄﻣر ﺟــــﺎﻣﻊ ﺑﯾﻧﻬﻣــــﺎ ،ﻣــــن إﺛﺑــــﺎت ﺣﻛــــم ،أو ﺻــــﻔﺔ ،أو ﻧﻔﯾﻬﻣــــﺎ
ﻋﻧﻬﻣﺎ").( ٢
ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺍﳌﺨﺘﺎﺭ:
وﺑﻌــد ﻓــﺈن اﻟﻣﺧﺗــﺎر ﻫــو اﻟﺗﻌرﯾــف اﻷول ،وذﻟــك ﻷن اﻟﻘﯾــﺎس
ـﺎء ﻋﻠﯾــﻪ ﯾﻛــون دﻟــﯾﻼَ ﻣــﺳﺗﻘﻼَ ،وﺣﺟــﺔ إﻟﻬﯾــﺔ ﻣوﺿــوﻋﺔ ﻣــن ﻗﺑــل
ﺑﻧـ َ
اﻟﺷﺎرع ؛ ﻟﻣﻌرﻓﺔ أﺣﻛﺎﻣﻪ ،وﻟﯾس ﻓﻌﻼً ﻷﺣد ،ودور اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻣﺎ ﻫـو
إﻻ ﻛﺎﺷــف وﻣظﻬـــر ﻟﺛﺑـــوت ﺣﻛــم اﻷﺻـــل ﻟﻠﻔـــرع ﻻﺗﺣــﺎد ﻓـــﻲ اﻟﻌﻠـــﺔ ،
وﻟﯾس اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻣﺛﺑﺗﺎً ﻟﻠﺣﻛم ،وﻫو اﻟﺻواب .
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺣﺠــﻴﺔ ﺍﻟـﻘـﻴــﺎﺱ :
ﻻ ﺧـــﻼف ﺑـــﯾن اﻟﻌﻠﻣـــﺎء ﻋﻠـــﻰ أن اﻟﻘﯾـــﺎس ﺣﺟـــﺔ ﻓـــﻲ اﻷﻣـــور
اﻟدﻧﯾوﯾــﺔ ،ﻛﻣــﺎ ﻓــﻲ اﻷدوﯾــﺔ واﻷﻏذﯾــﺔ ،وﻛــذﻟك اﺗﻔﻘــوا ﻋﻠــﻰ ﺣﺟﯾــﺔ
) ( ١ـ ﻣﺨﺘﺼﺮ اﺑﻦ اﻟﺤﺎﺟﺐ ﻣﻊ ﺷﺮح اﻟﻌﻀﺪ . ٢٠٤/٢
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺒﺮھﺎن ، ٤٨٧/٢اﻟﻤﺤﺼﻮل ﻟﻠﺮازي ، ١٠٧١/٣اﻟﻤﻨﺨﻮل ص ، ٤٢٢
ـ ١٥٨ـ
اﻟﻘﯾــﺎس اﻟــﺻﺎدر ﻣﻧــﻪ ـــ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ )ٕ ،( ١واﻧﻣــﺎ وﻗــﻊ
اﻟﺧﻼف ﺑﯾﻧﻬم ﻓﻲ اﻟﻘﯾﺎس اﻟﺷرﻋﻲ وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﻷﻭﻝ :وﻋﻠﯾﻪ اﻟﺟﻣﻬور ﻣن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ،واﻟﺗﺎﺑﻌﯾن ،
واﻟﻔﻘﻬــﺎء ،واﻟﻣﺗﻛﻠﻣــﯾن ،وﺑﻌــض اﻟﻣﻌﺗزﻟــﺔ ،ﻗــﺎﻟوا :اﻟﻘﯾــﺎس ﺣﺟــﺔ
ﺗﺛﺑت ﺑﻪ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺷرﻋﯾﺔ ،ﻓﯾﺟب اﻟﻌﻣل ﺑﻪ .
ﺍﳌــﺬﻫﺐ ﺍﻟﺜــﺎﻧﻲ :وﻋﻠﯾــﻪ اﻟﻧظــﺎم ،واﻟــﺷﯾﻌﺔ ) ، ( ٢وﺑﻌــض
اﻟﻣﻌﺗزﻟــﺔ ،واﻟظﺎﻫرﯾــﺔ ،ﻗــﺎﻟوا :اﻟﻘﯾــﺎس ﻟــﯾس ﺑﺣﺟــﺔ ،واﻟﻌﻣــل ﺑــﻪ
ﺑﺎطل.
ﻫــذا وﻣــذﻫب اﻟﺟﻣﻬــور ﻫﻧــﺎ ﻫــو اﻟ ـراﺟﺢ واﻟﻣﺗﺑــﻊ ،وﻻ ﻋﺑــرة
ﺑﻐﯾـرﻩ ،وﻣــﺎ ذﻫـب إﻟﯾــﻪ أﺻـﺣﺎب اﻟﻣـذﻫب اﻟﺛـﺎﻧﻲ ﻟﺧﻠﯾــق ﺑـﺄن ﻻ ﯾﺄﺑــﻪ
ﻟﻪ ،وﻻ ﯾذﻛر .
وﻣـــﻊ ﻫـــذا ﻓﻘـــد ذﻛـــر اﻷﺻـــوﻟﯾون وﻏﯾـــرﻫم أدﻟـــﺔ ﻛـــل ﻣـــذﻫب
،ﻟﻣﻌرﻓﺗﻬﺎ ﺗراﺟﻊ ﻛﺗب أﺻول اﻟﻔﻘﻪ اﻷﺳﻼﻣﻲ ).( ٣
) ( ١ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :اﻟﻤﺤ ﺼﻮل ﻟﻠ ﺮازي ، ١٠٨٧ ، ١٠٨٦/٣ﺷ ﺮح اﻟﻠﻤ ﻊ ، ٧٥٧/٢اﻹﺣﻜ ﺎم
ﻟﻶﻣﺪي ، ١٠٥٣/٨ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺴﻮل ص ، ٣٠٥اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﯿﻂ . ١٦/٥
) ( ٢ـ وذﻟﻚ ﺧﻼﻓﺎ َ ﻟﻠﺰﯾﺪﯾﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﻗﺎﻟﻮا ﺑﺤﺠﯿ ﺔ اﻟﻘﯿ ﺎس اﻟ ﺬي وﻗ ﻊ اﻟ ﻨﺺ ﻋﻠ ﻰ ﻋﻠﺘ ﮫ ،واﻟ ﺬي
ﻗﻄﻊ ﻓﯿﮫ ﺑﻨﻔﻲ اﻟﻔﺎرق ،وھﺬا ﻣﺎ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻘﺎﺷﺎﻧﻲ ،واﻟﻨﮭﺮواﻧﻲ .
ﯾﻨﻈ ﺮ :اﻹﺑﮭ ﺎج ، ٧/٣ﻣﺨﺘ ﺼﺮ اﺑ ﻦ اﻟﺤﺎﺟ ﺐ وﺷ ﺮح اﻟﻌ ﻀﺪ ، ٢٥١/٢إرﺷ ﺎد اﻟﻔﺤ ﻮل
، ٥٨٤/٢ﺑﺤﻮث ﻓﻲ اﻟﻘﯿﺎس أ .د /ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺤﻤﻮد ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺮﻏﻠﻲ ـ ص . ٢٧٩ : ٢٧٦
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ :ﻗﻮاطﻊ اﻷدﻟﺔ ، ٧٢/٢اﻹﺣﻜﺎم ﻟﻶﻣﺪي ، ٦ ، ٥/٤اﻹﺑﮭﺎج ، ٧/٣ﻣﺨﺘﺼﺮ اﺑ ﻦ
اﻟﺤﺎﺟ ﺐ وﺷ ﺮح اﻟﻌ ﻀﺪ ،٢٥١/٢ﺗﯿ ﺴﯿﺮ اﻷﺻ ﻮل ، ١٧٥ ، ١٧٤/٥أﺻ ﻮل اﻟﺒ ﺰدوي ﻣ ﻊ
اﻟﻜ ﺸﻒ ، ٢٧٠/٢ﺗﻘ ﻮﯾﻢ اﻷدﻟ ﺔ ص ، ٢٦٠أﺻ ﻮل اﻟﺴﺮﺧ ﺴﻲ ، ١١٨/٢ﻣﯿ ﺰان اﻷﺻ ﻮل
ص ، ٥٥٦أﺻ ﻮل اﻟ ﺸﺎﺷﻲ ص ، ٣٠٨اﻟﻤﻌﺘﻤ ﺪ ،٢١٤/٢اﻹﺣﻜ ﺎم ﻻﺑ ﻦ ﺣ ﺰم ، ١٠٤٩/٨
ﺷ ﺮح اﻟﻠﻤ ﻊ ، ٧٦١ ، ٧٦٠/٢ﻣﺨﺘ ﺼﺮ اﺑ ﻦ اﻟﺤﺎﺟ ﺐ وﺷ ﺮح اﻟﻌ ﻀﺪ ، ٢٤٨/٢ﻣﯿ ﺰان
اﻷﺻ ﻮل ص ، ٥٥٧ ، ٥٥٦اﻟﻤ ﺴﻮدة ص ، ٣٦٧ﺷ ﺮح اﻟﻜﻮﻛ ﺐ اﻟﻤﻨﯿ ﺮ ، ٢١٤ : ٢١١
إرﺷﺎد اﻟﻔﺤﻮل ، ٥٨٤ ، ٥٨٣/٢آراء اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ اﻷﺻﻮﻟﯿﺔ ص . ٣٧٤ ، ٣٧٣
ـ ١٥٩ـ
ً
ﺛﺎﻟﺜﺎ :ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﻭﺷﺮﻭﻃﻪ :
ﺃ ـ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ :
اﻷرﻛﺎن ﺟﻣﻊ رﻛن ،واﻟرﻛن ﻫـو ﺟـزء اﻟـﺷﻲء اﻟـذي ﻻ ﯾﺗﺣﻘـق
اﻟﺷﻲء ﺑدوﻧﻪ ،وأرﻛﺎن اﻟﻘﯾﺎس اﻟﺗﻲ ﺑﻬﺎ ﯾﺗﺣﻘق أرﺑﻊ :
٢ـ ﺣﻛم اﻷﺻل . ١ـ اﻷﺻل .
٤ـ اﻟﻌﻠﺔ . ٣ـ اﻟﻔرع .
ﺗوﺿﯾﺢ ھذه اﻷرﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻣﺛﺎل اﻟﺗﺎﻟﻲ :
اﻟﺧﻣر ﺣرام ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺳﻛر ،واﻟﻧﺑﯾذ ﺣرام ﻗﯾﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻣر .
اﻷﺻل :ﻫو اﻟﺧﻣر ) اﻟﻣﻘﯾس ﻋﻠﯾﻪ (
ﺣﻛم اﻷﺻل :اﻟﺗﺣرﯾم .
اﻟﻌﻠﺔ :اﻹﺳﻛﺎر اﻟﻔرع :اﻟﻧﺑﯾذ ) اﻟﻣﻘﯾس ( .
ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ :
ﯾﻧﻘــﺳم اﻟﻘﯾــﺎس إﻟــﻰ ﻋــدة أﻗــﺳﺎم وذﻟــك ﺑﺎﻋﺗﺑــﺎرات ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ،
أﻫﻣﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
ً
ﺃﻭﻻ :ﺗﻘﺳﯾم اﻟﻘﯾﺎس ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻗوﺗﮫ وﺗﺑﺎدره إﻟﻰ اﻟﻔﮭم .
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺗﻘﺳﯾم اﻟﻘﯾﺎس ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر اﻗﺗﺿﺎء ﻋﻠﺔ اﻟﺣﻛم .
ً
ﺃﻭﻻ :ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﻗﻮﺗﻪ ﻭﺗﺒﺎﺩﺭﻩ ﺇﱃ ﺍﻟﻔﻬﻢ :
ﯾﻧﻘﺳم اﻟﻘﯾﺎس إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن :
٢ـ ﻗﻴﺎﺱ ﺧﻔﻲ ١ـ ﻗﻴﺎﺱ ﺟﻠﻲ .
ـ ١٦٠ـ
١ـ ﻗﻴﺎﺱ ﺟﻠﻲ :
ﻋرﻓﮫ اﻟﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ﺑﺄﻧﮫ :ﻣﺎ ﻧص ﻓﯾﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﺔ ﺣﻛم اﻷﺻل .
أو ﻗطﻊ ﻓﯾﻪ ﺑﻧﻔﻲ اﻟﻔﺎرق ﺑﯾن اﻷﺻل واﻟﻔرع .
وﻗﺎﻟوا :ﻣﺎ ﻋﻠم ﻣن ﻏﯾر ُﻣﻌﺎﻧﺎة وﻓﻛر) .( ١
و ﻋرﻓ ﮫ اﻟﺣﻧﻔﯾ ﺔ ﺑﺄﻧ ﮫ :اﻟﻘﯾــﺎس اﻟظـﺎﻫر اﻟــذي ﺗــﺳﺑق اﻷﻓﻬــﺎم
إﻟﯾﻪ ؛ ﻟظﻬور ﻋﻠﺗﻪ ) .( ٢
ﻣﺛﺎل ذﻟك :ﻗﯾﺎس ﺿرب اﻟواﻟدﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺄﻓﯾف ﻓﻲ اﻟﺗﺣـرﯾم ؛
ﻟﻌﻠﺔ اﻹﯾذاء ﻓﻲ ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ .
ﻓﻬﻧﺎ اﻟﻌﻠﺔ ظﺎﻫرة وﻫﻲ اﻹﯾذاء ﻓﻲ ﻛل ،ﻻ ﺗﺣﺗـﺎج إﻟـﻰ ﻣﻌﺎﻧـﺎة
ﻹدراﻛﻬــﺎ ،ﺑــل ﻫــﻲ ﻣــن اﻟوﺿــوح ﺑﺣﯾــث ﻻ ﺗﺣﺗــﺎج إﻟــﻰ إﻋﻣــﺎل ﻓﻛــر
وﻧظر ،وﺗﺳﺑق إﻟﯾﻬﺎ اﻷﻓﻬﺎم .
ﯾـرﻩُ ذرٍة َ ْ
ﺧﯾـ ًرا َ َ ﯾﻌﻣـل ِ ْ َ َ
ﻣﺛﻘـﺎل َ ﱠ ﻓﻣـن َ ْ َ ْ
وﻣﻧﮫ أﯾﺿﺎ ً :ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ْ َ َ ) :
ذرٍة َ
ﺷـرا َﯾـ َـرﻩُ ( ،ﻓﯾﻘــﺎس ﻋﻠـﻰ ﻗﻠﯾــل اﻟﻌﻣــل ﻛﺛﯾــرﻩ ؛ ـﺎل َ ﱠ ﯾﻌﻣـ ْـل ِ ْ َ
ﻣﺛﻘـ َ وﻣـن َ ْ َ
ََْ
ﻓــﻼ ﯾﺟــوز أن ﯾﺟـــﺎزي ﻋﻠــﻰ ﻗﻠﯾـــل اﻟﻌﻣــل ،وﻻ ﯾﺟـــﺎزي ﻋﻠــﻰ ﻛﺛﯾـــرﻩ ،
وﯾﻌﺎﻗــب ﻋﻠــﻰ ﻗﻠﯾــل اﻟﻣﻌــﺻﯾﺔ وﻻ ﯾﻌﺎﻗــب ﻋﻠــﻰ ﻛﺑﯾرﻫــﺎ ،وﻫــذا ﻣﻌــﻰ
)(٣
. واﺿﺢ ﻻ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﺗﺄﻣل ٕواﻣﻌﺎن
) ( ١ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :اﻟﺒﺤ ﺮ اﻟﻤﺤ ﯿﻂ ﻟﻠﺰرﻛ ﺸﻲ ، ٣٣ / ٤اﻟﺘﺤﺒﯿ ﺮ ﺷ ﺮح اﻟﺘﺤﺮﯾ ﺮ ، ٢٦٨٦ / ٦
اﻟﻜﻮﻛﺐ اﻟﻤﻨﯿﺮ .٧٠ / ٢
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺘﻮﺿﯿﺢ ﺷﺮح اﻟﺘﻨﻘﯿﺢ . ٢٧١ / ٢
) ( ٣ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﯿﻂ ﻟﻠﺰرﻛﺸﻲ . ٣٤ ، ٣٣ / ٤
ـ ١٦١ـ
٢ـ ﻗﻴﺎﺱ ﺧﻔﻲ :
ﻋرﻓﮫ اﻟﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ﺑﺄﻧﮫ :ﻣﺎ ﻟم ﯾﻧص ﻓﯾﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﺔ ﺣﻛم اﻷﺻل .
أو ﻟم ﯾﻘطﻊ ﻓﯾﻪ ﺑﻧﻔﻲ اﻟﻔﺎرق ﺑﯾن اﻷﺻل واﻟﻔرع.
ﻫو :اﻟذي ﺗﻘرب ﻣﻧﻪ ﻫذﻩ اﻻﺣﺗﻣﺎﻻت ) .( ١
و ﻋرﻓﮫ اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ﺑﺄﻧ ﮫ :اﻟﻘﯾـﺎس ﻏﯾـر اﻟظـﺎﻫر اﻟـذي ﻻ ﺗـﺳﺑق
إﻟﯾﻪ اﻷﻓﻬﺎم ﻟﻌدم ظﻬور ﻋﻠﺗﻪ .
ﻣﺛ ﺎل ذﻟ ك :ﻗﯾــﺎس اﻟﻘﺗــل ﺑﺎﻟﻣﺛﻘــل ﻋﻠــﻰ اﻟﻘﺗــل ﺑﺎﻟﻣﺣــدد ﻓــﻲ
وﺟوب اﻟﻘﺻﺎص ﺑﻌﻠﺔ ﻗﺗل اﻟﻌﻣد اﻟﻌدوان ﻓﯾﻬﻣﺎ ٕ ،واﻧﻣـﺎ ﻛـﺎن اﻟﻘﯾـﺎس
ﺧﻔﯾــﺎ ﻷن اﻟﻔــﺎرق ﺑــﯾن اﻷﺻــل واﻟﻔــرع وﻫﻣــﺎ اﻟﻘﺗــل ﺑﺎﻟﻣﺣــدد واﻟﻘﺗــل
ﺑﺎﻟﻣﺛﻘل ﻟم ﯾرد ﻣن اﻟﺷﺎرع ﻣﺎ ﯾﻘطـﻊ ﺑﻧﻔـﻲ اﻟﻔـﺎرق ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ ،ﻟـذا ﻛـﺎن
ﻫذا اﻟﻔﺎرق ﻣؤﺛراً ﻓﻲ اﻟﺣﻛم ،ﻟذا ﻗـﺎل أﺑـو ﺣﻧﯾﻔـﺔ ﻻ ﯾﺟـب اﻟﻘـﺻﺎص
ﺑﺎﻟﻘﺗل اﻟﻣﺛﻘل ،ﻟوﺟود اﻟﻔﺎرق ﺑﯾن اﻟﻣﺣدد واﻟﻣﺛﻘل ) .( ٢
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻗﺘﻀﺎء ﻋﻠﺔ ﺍﳊﻜﻢ :
ﯾﻧﻘﺳم اﻟﻘﯾﺎس ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻋﻠﺔ اﻟﺣﻛم إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم :
١ـ اﻟﻘﯾﺎس اﻷوﻟﻰ .
٢ـ اﻟﻘﯾﺎس اﻟﻣﺳﺎوي .
٣ـ اﻟﻘﯾﺎس اﻷدﻧﻰ .
١ـ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻷﻭﱃ :
ﺗﻌرﯾﻔ ﮫ :ﻫــو ﻣــﺎ ﻛــﺎن اﻟﻔــرع ﻓﯾــﻪ أوﻟــﻰ ﺑــﺎﻟﺣﻛم ﻣــن اﻷﺻــل ،
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺘﻠﺨﯿﺺ ﻹﻣﺎم اﻟﺤﺮﻣﯿﻦ اﻟﺠﻮﯾﻨﻲ . ٢٣٤ / ٣
) ( ٢ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺰﺑﺪة ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻷﺻﻮل ص . ٢٨٩
ـ ١٦٢ـ
ﻟﻘوة اﻟﻌﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻔرع .
ﻣﺛﺎﻟﻪ :ﻗﯾﺎس اﻟﺿرب ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺄﻓﯾف ،ﺑﺟـﺎﻣﻊ اﻹﯾـذاء ﻓـﻲ ﻛـل
ﻣﻧﻬﻣــﺎ ،ﻓﺎﻹﯾــذاء أﺷــد وأﻗــوى ﻓــﻲ اﻟــﺿرب وﻫــو اﻟﻔــرع ﻣــن اﻟﺗــﺄﻓﯾف
وﻫو اﻷﺻل ،ﻟذا ﻛﺎن اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﺣرﯾم ﻫو اﻟﺿرب ﻟﻘوة اﻟﻌﻠﺔ ﻓﯾﻪ .
٢ـ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﳌﺴﺎﻭﻱ .
ﺗﻌرﯾﻔﮫ :ﻫو ﻣﺎ ﺗﺳﺎوى ﻓﯾﻪ اﻟﻔرع واﻷﺻل ﻓﻲ ﻋﻠﺔ اﻟﺣﻛم
ﻣﺛﺎﻟﮫ :ﻗﯾﺎس إﺣراق ﻣﺎل اﻟﯾﺗـﯾم ﻋﻠـﻰ أﻛﻠـﻪ ،ﺑﺟـﺎﻣﻊ اﻹﺗـﻼف
ﻓﻲ ﻛل ﻣـن أﻛﻠـﻪ ٕواﺣراﻗـﻪ ،واﻟﻌﻠـﺔ اﻟﻣوﺟـودة ﻓـﻲ اﻷﺻـل ﻫـﻲ ﻧﻔـﺳﻬﺎ
ﻣﺗﺣﻘﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻔرع ﺑﻼ ﻓرق .
٣ـ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺍﻷﺩﻧﻰ .
ﺗﻌرﯾﻔ ﮫ :وﻫـــو أن ﺗﻛـــون اﻟﻌﻠـــﺔ ﻓـــﻲ اﻟﻔـــرع أﻗـــل وﺿـــوﺣﺎً أو
أﺿﻌف ﻣن اﻷﺻل.
ﻣﺛﺎﻟﮫ :ﻗﯾﺎس اﻟﻧﺑﯾذ ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻣر ﻓـﻲ اﻟﺗﺣـرﯾم ﻟﻌﻠـﺔ اﻹﺳـﻛﺎر ،
ﻓﻬـذﻩ اﻟﻌﻠــﺔ أﻗــوي وأوﺿــﺢ ﻓــﻲ اﻟﺧﻣـر ﻋــن اﻟﻧﺑﯾــذ ،وﻣــﻊ ﻫــذا ﻓــﺻﻔﺔ
اﻹﺳﻛﺎر ﻓﻲ اﻻﺛﻧﯾن ﻣوﺟودة ) .( ١
) ( ١ـ ﯾﻨﻈﺮ :اﻟﺰﺑﺪة ﻣ ﻦ ﻋﻠ ﻢ اﻷﺻ ﻮل ص ، ٢٨٨ ، ٢٨٧اﻟ ﻮﺟﯿﺰ ﻓ ﻲ أﺻ ﻮل اﻟﻔﻘ ﮫ ص
. ٢١٩
ـ ١٦٣ـ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﳌﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ
وﻫــﻲ :اﻻﺳﺗﺣــﺳﺎن ،اﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳــﻠﺔ ،
ﺳــد اﻟــذراﺋﻊ ،اﻟﻌــرف ،ﻣــذﻫب اﻟــﺻﺣﺎﺑﻲ ،ﺷــرع
ﻣــن ﻗﺑﻠﻧــﺎ ،اﻻﺳﺗــﺻﺣﺎب ...اﻟــﺦ وﻧﺗــﺎول ﺑﻌــﺿﺎ
ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺷرح واﻟﺗﻔﺻﯾل ﻓﻲ اﻟﻣﺑﺎﺣث اﻵﺗﯾﺔ :
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻻﻭﻝ :ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ .
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﳌﺮﺳﻠﺔ .
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺳﺪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ .
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ :ﺍﻟﻌﺮﻑ .
ـ ١٦٤ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ
)(١
ﺍﻻﺳــﺘﺤـﺴــﺎﻥ
ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﻟﻐﺔ :ﻋد اﻟﺷﺊ ﺣـﺳﻧﺎً ،ﺳـواء أﻛـﺎن
ﺣﺳﯾﺎً ﻛﺎﺳﺗﺣﺳﺎن اﻟﺛوب ،أو ﻣﻌﻧوﯾﺎً ﻛﺎﺳﺗﺣﺳﺎن اﻟﺧﯾر .
ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﰲ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻷﺻﻮﻟﻴﲔ :ﻟﻪ ﻋـدة ﺗﻌرﯾﻔـﺎت ،
ﻧذﻛر ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
ﻫو ﻋدول اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻋن ﻗﯾﺎس ﺟﻠﻲ إﻟـﻰ ﻗﯾـﺎس
ﺧﻔﻲ .
ﻫو اﻟﻌدول ﻋن اﻟﺣﻛـم ﻓـﻲ ﻣـﺳﺄﻟﺔ ﺑﻣﺛـل ﻣـﺎ ﺣﻛـم ﺑـﻪ
ﻓﻲ ﻣﺛﻠﻬﺎ ،إﻟﻰ ﺧﻼﻓﻪ ؛ ﻟوﺟﻪ أﻗوى ﯾﻘﺗﺿﻲ ﻫذا اﻟﻌدول .
اﻷﺧذ ﺑﻣﺻﻠﺣﺔ ﺟزﺋﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل دﻟﯾل ﻛﻠﻲ .
ﻟو أن ﺷﺧﺻﺎً أوﻗف أرﺿﺎً زراﻋﯾﺔ ،وﻟم ﯾـذﻛر
ﻓــﻲ اﻟﻌﻘــد ﺣﻘــوق اﻻرﺗﻔــﺎق ـ ﻛﺣــق اﻟﻣــرور ،وﺣــق اﻟــﺷرب ،وﺣــق
اﻟﻣﺳﯾل ـ ﻓﻬل ﺗدﺧل ﻫذﻩ اﻟﺣﻘوق ﻓﻲ اﻟوﻗف وﻟـو ﻟـم ﯾـﻧص ﻋﻠﯾﻬـﺎ أم
ﻻ؟
اﻟﻘﯾــﺎس أن ﺣﻘــوق اﻻرﺗﻔــﺎق ﻻ ﺗــدﺧل ﻓــﻲ اﻟوﻗــف إﻻ ﺑــﺎﻟﻧص
ﻋﻠﯾﻬﺎ ،وذﻟك ﻗﯾﺎﺳﺎً ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾﻊ ،وﻫذا ﻣـﺎ ﯾﻘﺗـﺿﯾﻪ اﻟﻘﯾـﺎس اﻟﺟﻠـﻲ ،
واﻟــدﻟﯾل اﻟﻛﻠــﻲ ،ﻏﯾــر أن اﻟﻣﺟﺗﻬــد ﯾﻌــدل ﻋــن ﻫــذا اﻟﺣﻛــم وﯾﺗــرك ﻫــذا
) ( ١ـ ﯾﻧظر :أﺻول اﻟﻔﻘﮫ أ د /ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ١٢١ / ٢وﻣﺎ ﺑﻌدھﺎ .
ـ ١٦٥ـ
اﻟﻘﯾﺎس ،وﯾﺣﻛم ﺑدﺧول ﻫذﻩ اﻟﺣﻘوق ﻓﻲ اﻟوﻗف ﻗﯾﺎﺳﺎً ﻋﻠـﻰ اﻹﺟـﺎرة
ﺣﺗﻰ وﻟو ﻟم ﯾﻧص ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻘد وذﻟك اﺳﺗﺣﺳﺎﻧﺎً.
أن اﻟﻣﻘــﺻود ﻣــن اﻟوﻗــف ﻫــو اﻻﻧﺗﻔــﺎع
ﺑﺎﻷرض ،وﻫذا ﻻ ﯾﺗﺣﻘق ﻟﻬﺎ إﻻ ﺑﺎﻟري ،وﺑﺎﻟدﺧول إﻟﯾﻬﺎ ..اﻟﺦ .
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ :
اﻻﺳﺗﺣــﺳﺎن ﻻ ﯾﻛــون ﺑــﺎﻟﻬوى ٕ ،واﻧﻣــﺎ ﻻ ﺑــد وأن ﯾﻛــون ﺑﻧــﺎء
ﻋﻠـــﻰ دﻟﯾـــل ﯾﻘﺗـــﺿﯾﻪ ،وﯾـــﺳﺗﻧد إﻟﯾـــﻪ ،وذﻟـــك ﻛـــﺎﻟﻧص ،واﻹﺟﻣـــﺎع ،
واﻟﻌـرف ،...وﺑﻧــﺎء ﻋﻠــﻰ اﻟـدﻟﯾل اﻟــذي ﯾــﺳﺗﻧد إﻟﯾـﻪ اﻻﺳﺗﺣــﺳﺎن ﺗﻧــوع
ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
ﺃ – ﺍﻻﺳﺘﺤــﺴﺎﻥ ﺑــﺎﻟﻨﺺ :وﻫــو ﻋــدول اﻟﻣﺟﺗﻬــد ﻋــن ﺣﻛــم
اﻟﺷﺑﯾﻪ إﻟﻰ ﺣﻛم ﻣﺧﺎﻟف ﻟﻪ ،ﻟوﺟود ﻧص ﯾﻘﺗﺿﻰ ﻫذا اﻟﻌدول .
: ﻋﻘد اﻟﺳﻠم ،وﻫو :ﺑﯾﻊ آﺟل ﺑﺛﻣن ﻋﺎﺟل .
اﻟﻘﯾﺎس اﻟﺟﻠﻲ واﻟدﻟﯾل اﻟﺷرﻋﻲ اﻟﻌـﺎم ،وﻫـو ﻗوﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻟﺣﻛﯾم ﺑن ﺣزام " :ﻻ ﺗﺑﻊ ﻣﺎ ﻟﯾس ﻋﻧدك " ﯾﻘﺗﺿﻰ ﻋدم
ﺟواز اﻟﺳﻠم ؛ ﻷﻧﻪ ﺑﯾﻊ اﻟﻣﻌدوم.
وﻣﻊ ﻫذا ﻓﺈن اﻟﻣﺟﺗﻬـد ﯾﻌـدل ﻋـن ﻫـذا اﻟـدﻟﯾل اﻟﻌـﺎم ،وﯾﻘـول
ﺑﺟواز ﺑﯾﻊ اﻟﺳﻠم اﺳﺗﺣﺳﺎﻧﺎً ؛ ﻟورود دﻟﯾـل ﺟزﺋـﻲ ،وﻫـو ﻧـص ﻗوﻟـﻪ ـ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ " :ﻣن أﺳﻠف ﻣﻧﻛم ﻓﻠﯾﺳﻠف ﻓﻲ ﻛﯾل ﻣﻌﻠوم ،
ووزن ﻣﻌﻠوم ،إﻟﻰ أﺟل ﻣﻌﻠوم ".
ﺏ – ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺑﺎﻹﲨﺎﻉ :وﻫو ﻋدول اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻋن ﺣﻛم
اﻟﺷﺑﯾﻪ إﻟﻰ ﺣﻛم ﻣﺧﺎﻟف ﻟﻪ ،ﻟوﺟود إﺟﻣﺎع ﯾﻘﺗﺿﻰ ﻫذا اﻟﻌدول .
ـ ١٦٦ـ
:ﻋﻘد اﻻﺳﺗﺻﻧﺎع ،وﻫو اﻟذي ﯾﺗﻔق ﻓﯾﻪ اﻟﺻﺎﻧﻊ ﻣـﻊ
آﺧر ﻋﻠﻰ أن ﯾﺻﻧﻊ ﻟﻪ ﺷﯾﺋﺎً ﻓﻲ ﻧظﯾر ﻣﺑﻠﻎ ﻣن اﻟﻣﺎل .
اﻟﻘﯾـﺎس اﻟﺟﻠـﻲ واﻟـدﻟﯾل اﻟــﺷرﻋﻲ اﻟﻌـﺎم ،ﯾﻘﺗـﺿﻲ ﻋـدم ﺟـوازﻩ؛
ﻓﻬـــو ﻣـــن ﺑﯾـــﻊ اﻟﻣﻌـــدوم؛ ﻷن اﻟـــﺷﻲء اﻟﻣطﻠـــوب ﻏﯾـــر ﻣوﺟـــود وﻗـــت
اﻟﺗﻌﺎﻗد .
وﻟﻛن اﻟﻣﺟﺗﻬد ﯾﻌدل ﻋن ﻫذا اﻟدﻟﯾل اﻟﻌﺎم ،وﯾﻘول ﺑﺟواز ﻋﻘد
اﻻﺳﺗـــﺻﻧﺎع اﺳﺗﺣـــﺳﺎﻧﺎً ،ﻟوﺟـــود دﻟﯾـــل ﯾﻘﺗـــﺿﻲ ذﻟـــك ،وﻫـــو ﺗﻌﺎﻣـــل
اﻟﻧــﺎس ﺑــذﻟك ﻣﻧــذ زﻣــن ﺑﻌﯾــد ﻣــن ﻏﯾــر إﻧﻛــﺎر ﻣــن أﺣــد ،ﻓﻛــﺎن ﻫــذا
إﺟﻣﺎﻋﺎً ﻋﻠﻰ ﺟوازﻩ.
ﺝ – ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻌﺮﻑ :وﻫو ﻋدول اﻟﻣﺟﺗﻬـد ﻋـن ﺣﻛـم
اﻟﺷﺑﯾﻪ إﻟﻰ ﺣﻛم ﻣﺧﺎﻟف ﻟﻪ ،ﻟوﺟود ﻋرف ﺟرى ﺑـﯾن اﻟﻧـﺎس ﯾﻘﺗـﺿﻰ
ﻫذا اﻟﻌدول .
: ﻣن ﺣﻠف ﻻ ﯾﺄﻛل ﻟﺣﻣﺎً ﻓﺄﻛل ﺳﻣﻛﺎً ،ﻫل ﯾﺣﻧـث
أم ﻻ ؟
اﻟﻘﯾــﺎس أﻧــﻪ ﯾﺣﻧــث ؛ ﻷن اﻟﻘ ـرآن ﺳــﻣﺎﻩ ﻟﺣﻣــﺎً ،ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ "
وﻣن ﻛل ﺗﺄﻛﻠون ﻟﺣﻣﺎً طرﯾﺎً " .
وﻣــﻊ ﻫــذا ﻓــﺈن اﻟﻣﺟﺗﻬــد ﯾﻌــدل ﻋــن ﻫــذا اﻟــدﻟﯾل ،وﯾﻘــول ﻣــن
ﺣﻠف ﻻ ﯾﺄﻛل ﻟﺣﻣﺎً ﻓﺄﻛل ﺳﻣﻛﺎً ﻻ ﯾﺣﻧـث اﺳﺗﺣـﺳﺎﻧﺎً ،ﻟﺟرﯾـﺎن اﻟﻌـرف
اﻟﻌﺎم ﻋﻠﻰ أن اﻟﺳﻣك ﻟﯾس ﺑﻠﺣم .
ﺩ -ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺑﺎﳌﺼﻠﺤﺔ :وﻫو ﻋدول اﻟﻣﺟﺗﻬـد ﻋـن ﺣﻛـم
اﻟــﺷﺑﯾﻪ إﻟــﻰ ﺣﻛــم ﻣﺧــﺎﻟف ﻟــﻪ ،ﻟوﺟـود ﻣــﺻﻠﺣﺔ راﺟﺣــﺔ ﺗﻘﺗــﺿﻰ ﻫــذا
ـ ١٦٧ـ
اﻟﻌدول.
: ﺗﺿﻣﯾن اﻟﺻﻧﺎع .
: ﺗﻘﺗﺿﻲ ﻋدم ﺗﺿﻣﯾن اﻟﺻﻧﺎع ،وذﻟـك ﻷن
اﻟﺻﺎﻧﻊ أﻣﯾن ﻻ ﯾﺿﻣن إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻌدي ،واﻟﺗﻘﺻﯾر ﻓﻲ اﻟﺣﻔظ .
وﻣــﻊ ﻫــذا ﻓــﺈن اﻟﻣﺟﺗﻬــد ﯾﻌــدل ﻋــن ﻫــذﻩ اﻟﻘﺎﻋــدة إﻟــﻰ اﻟﻘــول
اﺳﺗﺣـﺳﺎﻧﺎ؛ وذﻟـك ﻟﻣـﺻﻠﺣﺔ راﺟﺣـﺔ ،وﻫـﻲ اﻟﺣﻔـﺎظ
ً ﺑﺗﺿﻣﯾن اﻟـﺻﻧﺎع
ﻋﻠﻰ أﻣوال اﻟﻧﺎس واﻟﺧوف ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﺿﯾﺎع .
ﻫـ -ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ :وﻫو أن ﯾﺧﺎﻟف اﻟﻣﺟﺗﻬد ﺣﻛم
ٍ
ﻣﻔـﺳدة ، ٍ
ﻣﺻﻠﺣﺔ أو دﻓﻊ ٍ
ﻣوﺟﺑﺔ ﻣن ﺟﻠب اﻟﻘﺎﻋدة ﻧظراً إﻟﻰ ﺿرورٍة
ﺣـرج ﻓـﻲ ﺑﻌـض
ﻣؤدﯾـﺎً إﻟـﻰ ٍ
اﻟﻘﯾﺎﺳـﻲ ّ
ّ وذﻟك ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻛون اطّراد اﻟﺣﻛـم
اﻟﻣﺳﺎﺋل .
ﻣﺳﺄﻟﺔ ﺗطﻬﯾر اﻵﺑﺎر إذا وﻗﻌت ﻓﯾﻬﺎ ﻧﺟﺎﺳــﺔ.
: ﺗﻘﺗﺿﻰ ﻋدم إﻣﻛﺎن ﺗطﻬﯾرﻫﺎ ﺑﻌد ﺗﻧﺟﯾـﺳﻬﺎ
؛ ﻷن اﻟﻧﺟﺎﺳﺔ ﺗﺻﯾب ﻛـل ﻣـﺎء اﻟﺑﺋـر ،ﻟﻛـن ﻋـدل ﻋـن ﻣﻘﺗـﺿﻰ ﻫـذا
اﻟﻘﺎﻋدة إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑطﻬﺎرة اﻵﺑﺎر اﺳﺗﺣﺳﺎﻧﺎً ،ﻟﻠﺿرورة وﻟرﻓـﻊ اﻟﺣـرج
واﻟﻣﺷﻘﺔ ﻋن اﻟﻧﺎس ،وذﻟك إذا ﻧزح ﻣﻧﻬﺎ ﻋدد ﻣﻌﯾن ﻣن اﻟدﻻء .
ﺣﺠﻴﺔ ﺍﻻﺳﺘﺤﺴﺎﻥ :
اﺧﺗﻠــف اﻷﺻــوﻟﯾون ﻓــﻲ ﺣﺟﯾــﺔ اﻟﻘﯾــﺎس ،وذﻟــك ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﺣــو
اﻟﺗﺎﻟﻲ :
ﺍﳌــــﺬﻫﺐ ﺍﻷﻭﻝ :وﻫــــو ﻟﺟﻣﻬــــور اﻷﺻــــوﻟﯾﯾن ،ﻗــــﺎﻟوا :
ـ ١٦٨ـ
اﻻﺳﺗﺣــﺳﺎن ﺣﺟــﺔ ﺷــرﻋﯾﺔ ،وﻣــﺻدر ﻣــن اﻟﻣــﺻﺎدر اﻟﺗــﻲ ﺗﺛﺑــت ﺑﻬــﺎ
اﻷﺣﻛﺎم .
١ـ إن اﻟﻌﻣــل ﺑﺎﻻﺳﺗﺣــﺳﺎن ﻓﯾــﻪ ﺗﺣﻘﯾــق ﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ اﻟﻧــﺎس ،
ودﻓﻊ اﻟﺣرج ﻋﻧﻬم ،وﻫذا ﻫدف ﻋﻣل اﻟﻣﺷرع ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻘﯾﻘﻪ .
٢ـ ﺑﺎﺳــﺗﻘراء اﻷﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ ﺛﺑــت أن اﻟــﺷﺎرع ﺧــﺎﻟف ﻓــﻲ
ﺑﻌـــﺿﻬﺎ ﻣﻘﺗـــﺿﻰ اﻟﻘﯾـــﺎس ،ﻟﻠﺣﺎﺟـــﺔ واﻟـــﺿرورة ،وﻓـــﻲ ﻫـــذا دﻻﻟـــﺔ
واﺿﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺟﯾﺔ اﻻﺳﺗﺣﺳﺎن .
ﺍﳌــــﺬﻫﺐ ﺍﻟﺜــــﺎﻧﻰ :وﻋﻠﯾــــﻪ ﺑﻌــــض اﻷﺻــــوﻟﯾﯾن ﻗــــﺎﻟوا :
اﻻﺳﺗﺣــﺳﺎن ﻟــﯾس ﺑﺣﺟــﺔ ﺷــرﻋﯾﺔ ،وﻗــد ﻧــﺳب ﻫــذا إﻟــﻰ اﻟــﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ،
ﺣﺗـﻰ ﻧﻘـل ﻋـن اﻹﻣـﺎم اﻟـﺷﺎﻓﻌﻲ ـ رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ أﻧـﻪ ﻗـﺎل " :ﻣـن
اﺳﺗﺣﺳن ﻓﻘد ﺷرع ".
١ـ أن اﷲ ﻋـز وﺟـل ﺷـرع أﺣﻛﺎﻣـﺎً ﻟﺟﻣﯾـﻊ اﻟوﻗـﺎﺋﻊ ،ﺑـﺎﻟﻧص
ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓـﻲ اﻟﻘـرآن واﻟـﺳﻧﺔ ،وﻣـﺎ ﻻ ﻧـص ﻟـﻪ ﻓﯾـﻪ أﻣرﻧـﺎ ﺑﻘﯾﺎﺳـﻪ ﻋﻠـﻲ
اﻟﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﻪ ،واﻟﻌﻣل ﺑﺎﻻﺳﺗﺣﺳﺎن ﻓﯾﻪ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻟﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟـﻧص
واﻟﻘﯾﺎس ،ﻓﻼ ﯾﻌﺗد ﺑﻪ ﺷرﻋﺎً.
٢ـ أن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻟم ﯾﻧﻘل ﻋﻧـﻪ أﻧـﻪ أﻓﺗـﻰ
أﺻﺣﺎﺑﻪ ﺑﺎﻻﺳﺗﺣﺳﺎن ،ﺑـل ﻛـﺎن ﯾﻧﺗظـر اﻟـوﺣﻲ ﻣـن اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ٕ ،واذا
ﻛﺎن اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻟـم ﯾﺳﺗﺣـﺳن ،ﻓﻛﯾـف ﯾﺳﺗﺣـﺳن
ﻏﯾرﻩ .
ـ ١٦٩ـ
٣ـ إن اﻻﺳﺗﺣــﺳﺎن ﻗــول ﺑــﺎﻟﻬوى ،واﻟﺗــﺷﻬﻲ ﺑــﺎﻟرأي ،وﻻ
ﺿﺎﺑط ﻟﻪ ،ﻷن ﻣﺑﻧﺎﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘول واﻷﻓﻬﺎم ،وﻫﻲ ﺗﺧﺗﻠـف ﺑـﺎﺧﺗﻼف
اﻷﺷﺧﺎص ،ﻓﻠو ﻛﺎن اﻻﺳﺗﺣﺳﺎن ﺣﺟﺔ ﻻﺧﺗﻠﻔت اﻷﺣﻛﺎم ﻓﻲ اﻟواﻗﻌـﺔ
اﻟواﺣدة ،وﻫذا ﻻ ﯾﺟوز .
ﺍﻟﱰﺟﻴﺢ :
ﻣﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﺗﺑﯾن ﻟﻧﺎ أن اﻟـراﺟﺢ ﻫـو اﻟﻣـذﻫب اﻷول ،وﺑﺗـدﻗﯾق
اﻟﻧظر ﻧﺟد أﻧﻪ ﻻ ﺧﻼ ﺑﯾن اﻟﻣذﻫﺑﯾن ،ﻓﺎﻟﺧﻼف ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻟﻔظﻲ ،وﻻ
)(١
. ﻣﺷﺎﺣﺔ ﻓﻲ اﻻﺻطﻼح
) ( ١ـ أول ﻣن أوﺿﺢ ﻓﻛرة اﻻﺳﺗﺣﺳﺎن وﻗﺎل ﺑﮭﺎ ھم اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ.
أﻣﺎ اﻟﻣﺎﻟﻛﯾﺔ واﻟﺣﻧﺎﺑﻠﺔ ﻓﻠم ﯾﻘوﻟوا ﺑﮭﺎ ﺗﺣت ھ ذا اﻻﺳ م اﻟﺧ ﺎص ﺑ ﮫ ،وإن ﻛ ﺎﻧوا ﯾﻌﻣﻠ ون ﺑ ﮫ
ﻓﻲ ﺗﻔرﯾﻌﺎﺗﮭم ﻟﻸﺣﻛﺎم ﺗﺣت أﺳﻣﺎء ﻣﺗﻌددة ﻛﻣﺎ ﺳﯾﺄﺗﻲ .
وأﻣ ﺎ اﻟ ﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ﻓﻘ د رﻓ ﺿوا اﻷﺧ ذ ﺑ ﮫ ،واﻋﺗﺑ روه ﺧروﺟ ﺎ ً ﻋﻠ ﻰ أﺣﻛ ﺎم اﻟ ﺷرﯾﻌﺔ،
ﺣﺗ ﻰ إن اﻟ ﺷﺎﻓﻌﻲ ﺛﺑ ت ﻋﻧ ﮫ ﻗوﻟ ﮫ) :ﻣ ن اﺳﺗﺣ ﺳن ﻓﻘ د ﺷ رع(.وﻟﻛ ن ﺗ دﺑر ھ ذا اﻻﺧ ﺗﻼف
واﻟﺗﺣﻘﯾ ق ﻓﯾ ﮫ ﻛﻔﯾ ل ﺑﺈزاﺣ ﺔ اﻟ ﺳﺗﺎر ﻋ ن ﺣﻘﯾﻘﺗ ﮫ ،وإذ ذاك ﯾﺗﺑ دى ﻟﻧ ﺎ أﻧ ﮫ ﻻ ﺧ ﻼف ﺑ ﯾن
اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ واﻟﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ﻓﻲ ﺣﺟﯾﺔ اﻻﺳﺗﺣﺳﺎن ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻷﻣر،وأن اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻟﻔظﻲ ﻓﻘط.
ذﻟك أن اﻻﺳﺗﺣﺳﺎن إن ﻛﺎن ﻣﻌﻧﺎه ﺗ رك اﻟﻘواﻋ د اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟ ﺷرﯾﻌﺔ ﻟﻠﮭ وى ﻓﮭ و
ﻣ ردود ﻋﻧ دھﻣﺎ ﻣ ن ﻏﯾ ر ﺧ ﻼف ،وإن ﻛ ﺎن ﻣﻌﻧ ﺎه ﺗ رك اﻟﻘواﻋ د اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ﻟﻠﻌﻣ ل ﺑﻧ ﺻوص
اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم و اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺷرﯾﻔﺔ واﻹﺟﻣﺎع ﻓذﻟك ﻣﺣل اﺗﻔﺎق ﺑﯾﻧﮭم ،ﻛﯾﻔﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ،ﻓﺎﻟﺣﻧﻔﯾﺔ
ﯾﺳﻣوﻧﮫ اﺳﺗﺣﺳﺎن اﻟﻧﺻوص أو اﺳﺗﺣﺳﺎن اﻹﺟﻣﺎع ،واﻟﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ﯾﺳﻣوﻧﮫ ﻗرآﻧ ﺎ أو ﺳ ﻧﺔ أو
إﺟﻣﺎﻋﺎ ً دون إﺿﺎﻓﺔ ﻟﻔظ اﻻﺳﺗﺣﺳﺎن إﻟﯾﮫ ،وإن ﻛﺎن ﺗرﻛﺎ ﻟﻠﻘواﻋد اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣن أﺟل اﻟﺿرورة
،ﻓﮭذا ﻣﺳﻠم أﯾﺿﺎ ﻋﻧدھﻣﺎ ،ﻷن اﻟﺿرورات ﺗﺑﯾﺢ اﻟﻣﺣظورات ﺑﺎﻻﺗﻔﺎق.
وإن ﻛﺎن ﺗرﻛﺎ ﻟﻠﻘﯾﺎس اﻟﺟﻠﻲ ﻟﻘﯾﺎس ﺧﻔﻲ أدق ﻣﻧﮫ ،ﻓﮭو ﻣﺣل اﺗﻔ ﺎق أﯾ ﺿﺎ ً ،ﻷﻧ ﮫ
ﺗرك ﻗﯾﺎس ﻣرﺟوح إﻟﻰ ﻗﯾﺎس راﺟﺢ ،ﻓﻠﯾس ﻓﯾﮫ ﺧروج ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾﺎس.
وﺑذﻟك ﻧﺳﺗطﯾﻊ أن ﻧﻘول إن اﻻﺳﺗﺣﺳﺎن ﺑﺎﻟﻘﯾود واﻟﺷروط اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻣﺣل اﺗﻔﺎق ﺑﯾن
اﻟﻣﺟﺗﮭدﯾن ﻋﻠﻰ ﺣﺟﯾﺗﮫ ،وإن ﻛﺎﻧوا اﺧﺗﻠﻔ وا ﻓ ﻲ ﺗ ﺳﻣﯾﺗﮫ ،ﻓ ﺈن ذﻟ ك اﺻ طﻼح وﻻ ﻣ ﺷﺎﺣﺔ
ﻓﻲ اﻻﺻطﻼح.
ـ ١٧٠ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ
)(١
ﺍﳌـﺼــﺎﻟـﺢ ﺍﻟـﻤﺮﺳـــﻠﺔ
: ﻫــﻲ اﻟﺗــﻲ ﻟــم ﯾــﺷﻬد ﻟﻬــﺎ دﻟﯾــل ﻣــن
اﻟﺷرع ﺑﺎﻻﻋﺗﺑﺎر أو اﻹﻟﻐﺎء.
ﺟﻣـﻊ اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم ﻓـﻰ ﻋﻬـد أﺑـﻰ ﺑﻛـر ،وﻋﻬــد
ﻋﺛﻣﺎن ـ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ـ ،اﺳﺗﺣداث اﻵذان اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺟﻣﻌﺔ
،ﺗﺣـــرﯾم اﻟﻧﻛـــﺎح ﻋﻠـــﻰ اﻟﻌـــﺎﺟز ﻋـــن اﻟـــوطء ،اﺗﺧـــﺎذ اﻟـــﺳﺟون ،
ﺿرب اﻟﻧﻘود .
ﺣﺠﻴﺔ ﺍﳌﺼﺎﱀ ﺍﳌﺮﺳﻠﺔ :
اﺗﻔق اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻷﻣـور اﻟﺗﻌﺑدﯾـﺔ اﻟﺧﺎﺻـﺔ ﯾﻘﺗـﺻر ﻓﯾﻬـﺎ
ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ورد ﺑــﻪ اﻟــﻧص وﻛﻣــﺎ ﻻ ﯾﻌﺗــد ﻓﯾﻬــﺎ ﺑﺎﻟﻘﯾــﺎس ﻻ ﯾــﺻﺢ اﻟﻌﻣــل
ﻓﯾﻬﺎ ﺑﻘﺎﻋدة اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳﻠﺔ أﻣﺎ اﻟﻣﻌﺎﻣﻼت ﻗد اﺧﺗﻠف اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻲ
اﻋﺗﺑﺎر اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻣرﺳﻠﺔ ﺣﺟﺔ ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣذﻫﺑﯾن :
ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﻷﻭﻝ :وﻫو ﻟﺟﻣﻬور اﻷﺻوﻟﯾﯾن ،ﻗﺎﻟوا :اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ
اﻟﻣرﺳﻠﺔ ﺣﺟﺔ وﻣﺻدر ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻟﺗﻲ ﺗﺛﺑت ﺑﻬـﺎ اﻷﺣﻛـﺎم ،ﻓﯾﻣـﺎ ﻻ
ﻧص ﻓﯾﻪ ،وﻻ إﺟﻣﺎع ،وﻻ ﻗﯾﺎس .
) ( ١ـ ﯾﻧظ ر ھ ذا اﻟﻣوﺿ وع ﻣ ﺎ ﯾﻠ ﻲ :اﻟﻣﺣ ﺻول ، ١٤٧١ / ٤اﻟﻣﺳﺗ ﺻﻔﻰ ص ، ١٧٦
اﻹﺣﻛ ﺎم ﻟﻶﻣ دي ،١٤٠ / ٤ﺷ رح ﺗﻧﻘ ﯾﺢ اﻟﻔ ﺻول ص ، ٤٤٦ﻣﺧﺗ ﺻر اﺑ ن اﻟﺣﺎﺟ ب ﻣ ﻊ
ﺷرح اﻟﻌﺿد ، ٢٤٢ / ٢ﺗﻘﺮﯾﺐ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﻋﻠﻢ اﻷﺻﻮل ﻻﺑﻦ ﺟﺰي ص ،١٣٥روﺿ ﺔ
اﻟﻨﺎظﺮ ص ، ٨٦ﺷﺮح ﻣﺨﺘﺼﺮ اﻟﺮوﺿﺔ ، ٢٠٦ / ٣اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﯿﻂ ،٧٦ / ٦أﺻول اﻟﻔﻘﮫ أ
د /ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ١٢٨وﻣﺎ ﺑﻌدھﺎ
ـ ١٧١ـ
-١أن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ واﻟﺗﺎﺑﻌﯾن واﻷﺋﻣﺔ اﻟﻣﺟﺗﻬدﯾن ﻛﺛﯾراً ﻣـﺎ ﻛـﺎﻧوا
ﯾﻔﺗـــون وﯾﻘـــﺿون ﺑﻣـــﺎ ﺑـــدا ﻟﻬـــم ﻓـــﻰ اﻟﺣـــوادث اﻟﺟدﯾـــدة ﺑﻧـــﺎء ﻋﻠـــﻰ
اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ،ﻷن اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻟم ﺗوﺿﻊ إﻻ ﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺑﺎد ،ﻓﻘد ﺟﻣﻊ أﺑو
ﺑﻛر ـ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ ـ ﺻﺣف اﻟﻘرآن اﻟﻣﺗﻔرﻗﺔ ،وﺣﺎرب ﻣﺎﻧﻌﻰ اﻟزﻛﺎة.
-٢إذا ﺻــــﺢ اﻟﻘﯾــــﺎس ﺑﻧــــﺎء ﻋﻠــــﻰ ﺗﻌﻠﯾــــل اﻟــــﺷﺎرع ﻟﻸﺣﻛــــﺎم
ﺑﺎﻷوﺻﺎف اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺻﺢ اﻟﺗﻌﻠﯾل ﺑﺎﻟﻣﺻﻠﺣﺔ أﯾﺿﺎً.
٣ـ أن اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳﻠﺔ ﻟو ﻟم ﺗﻛن ﺣﺟﺔ ﺗﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻷﺣﻛﺎم
،ﻟﺧﻼ ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟوﻗﺎﺋﻊ اﻟﻣﺗﺟددة ﻣن اﻷﺣﻛﺎم ،وﻫذا ﻻ ﯾﺗﻧﺎﺳب ﻣـﻊ
اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ اﻟﺻﺎﻟﺣﺔ ﻟﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن ،واﻟﺗﻲ ﻣـﺎ ﺟـﺎءت إﻻ
ﺗﺣﻘﯾق ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻧﺎس ﺑﺟﻠب اﻟﻧﻔﻊ ﻟﻬم ،ودﻓﻊ اﻟﺿرر ﻋﻧﻬم .
ﺍﳌﺬﻫﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :وﻫو ﻣﻧﺳوب إﻟﻰ اﻟـﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ،واﻟﺣﻧﻔﯾـﺔ ،
وﺑﻌــض اﻷﺻــوﻟﯾﯾن ،ﻗــﺎﻟوا :ﻻ ﯾﺟــوز ﺑﻧــﺎء اﻷﺣﻛــﺎم ﻋﻠــﻰ اﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ
اﻟﻣرﺳﻠﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳت ﺣﺟﺔ .
– ١إن اﻟﺷﺎرع اﻟﺣﻛﯾم راﻋﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﻓﯾﻣﺎ أﺗـﻰ ﺑـﻪ ﻣـن
ﻧــﺻوص ،ﻓــﺄي ﻣــﺻﻠﺣﺔ ﺧﺎﻟﯾــﺔ ﻣــن اﻋﺗﺑــﺎر اﻟــﺷﺎرع ،ﻫــﻲ ﻣــﺻﻠﺣﺔ
وﻫﻣﯾﺔ ﻻ ﯾﺻﺢ ﺑﻧﺎء اﻷﺣﻛﺎم ﻋﻠﯾﻬﺎ.
- ٢أن اﻋﺗﺑــﺎر اﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳــﻠﺔ ﺣﺟــﺔ ﻣــن ﺷــﺄﻧﻪ أن ﯾــؤدي
إﻟـــﻰ اﻟﻘـــول ﻓـــﻲ اﻟـــدﯾن ﺑـــﺎﻟﻬوى ،وﯾﻔـــﺗﺢ اﻟﺑـــﺎب ﻷﺻـــﺣﺎب اﻷﻫـــواء
ـ ١٧٢ـ
واﻷﻏراض اﻟﻔﺎﺳدة ﻣن اﻟوﻻة واﻟﻣﻔﺗﯾن ،أن ﯾدﺧﻠون ﻓﻲ اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻣﺎ
ﻟﯾس ﻣﻧﻬﺎ ﻟﺗﺣﻘﯾق أﻏراﺿﻬم .
ﻫــو اﻋﺗﺑــﺎر اﻟﻣــﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳــﻠﺔ دﻟــﯾﻼً ﺷــرﻋﯾﺎً ،ﻷن
اﻟﻌﻣل ﺑﻬﺎ ﯾﺗﻔق ﻣﻊ ﻣﻘﺻود اﻟﺷﺎرع ﻣن ﺷرع اﻷﺣﻛﺎم ،وﻫـو ﺗﺣﻘﯾـق
ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻧﺎس .
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﳌﺼﺎﱀ :
١ـ ﻋدم ورود ﻧص ﻣن اﻟﺷﺎرع ﻓﯾﻣﺎ ﯾراد اﻟﺑﺣث ﻋن ﺣﻛﻣﻪ.
٢ـ أن ﺗﻛون اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻣﻌﻘوﻟﺔ ﻓﻰ ذاﺗﻬﺎ ،ﺑﺣﯾـث ﻟـو ﻋرﺿـت
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘول اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ ﺗﻠﻘﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺑول.
٣ـ أن ﺗﻛــون اﻟﻣــﺻﻠﺣﺔ ﻛﻠﯾــﺔ ،أي :ﻋﺎﻣــﺔ وﻟﯾــﺳت ﺧﺎﺻــﺔ
ﺑﻔرد ﻣﻌﯾن .
٤ـ أن ﺗﻛون ﻣﻼﺋﻣﺔ ﻟﻣﻘﺎﺻد اﻟﺷﺎرع .
٥ـ أن ﻻ ﯾﺗﻌﺎرض اﻟﺣﻛم اﻟﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣرﺳـﻠﺔ ﻣـﻊ
ﺣﻛم أو ﻣﺑدأ ﺛﺑت ﺑﺎﻟﻧص أو اﻹﺟﻣﺎع ،أو اﻟﻘﯾﺎس اﻟﺻﺣﯾﺢ .
٦ـ أﻻ ﯾﻛون اﻟﻣﺷرع ﻗد أﻟﻐﻰ اﻋﺗﺑﺎر ﻫذﻩ اﻟﻣـﺻﻠﺣﺔ أو ﻧـص
ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟﻔﻬﺎ) .( ١
)(١
ـ ﯾﻨﻈ ﺮ :اﻹﺑﮭ ﺎج ، ١٧٨ / ٣ﺷ ﺮح اﻟﻤﻌﺘﻤ ﺪ ، ٥٧ / ١ﻣﻌ ﺮاج اﻟﻤﻨﮭ ﺎج ، ٢٣١ / ٢
، ٢٣٢ﺗﯿﺴﯿﺮ اﻟﻮﺻﻮل ﻻﺑﻦ إﻣﺎم اﻟﻜﺎﻣﻠﯿﺔ . ١٢٤ / ٦
ـ ١٧٣ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
)(١
ﺳـــــﺪ ﺍﻟـﺬﺭﺍﺋــــﻊ
اﻟذراﺋﻊ ﺟﻣﻊ ذرﯾﻌـﺔ ،واﻟذرﯾﻌـﺔ ﻫـﻰ اﻟـﺳﺑب
،واﻟوﺳﯾﻠﺔ ،واﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺗوﺻل ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣن اﻷﺷﯾﺎء .
: ﻫــﻲ اﻟوﺳــﺎﺋل واﻟطــرق اﻟﻣوﺻــﻠﺔ
إﻟﻰ ﻣـﺎ ﻫـو ﻣﻣﻧـوع ﺷـرﻋﺎً ؛ ﻻﺷـﺗﻣﺎﻟﻪ ﻋﻠـﻰ ﻣﻔـﺳدة ،أو إﻟـﻰ ﻣـﺎ ﻫـو
ﻣﺷروع ﻻﺷﺗﻣﺎﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺻﻠﺣﺔ .
: اﻟﻧظـر إﻟـﻰ اﻟﻣـرأة ﻣﻣﻧـوع ،ﻷﻧـﻪ ذرﯾﻌـﺔ ﺗﻔـﺿﻲ
إﻟﻰ اﻟوﻗوع ﻓﻲ اﻟزﻧﺎ .
وأﺧذ اﻷﺟرة ﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﻘرآن ﺟﺎﺋز ؛ ﻷﻧﻪ ذرﯾﻌـﺔ ﻟﺗـﺷﺟﯾﻊ اﻟﻧـﺎس
ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠم ﻛﺗﺎب اﷲ .
اﻟذرﯾﻌــﺔ ﺗﺄﺧــذ ﺣﻛــم ﻣــﺎ ﺗــؤدي إﻟﯾــﻪ .ﻓﻣــن
اﻟﻣﻘـرر ﻟـدى ﻋﻠﻣـﺎء اﻷﺻـول أن ﻟﻠوﺳـﺎﺋل ﺣﻛـم اﻟﻣﻘﺎﺻـد ،ﻓـﺈن ﻛــﺎن
اﻟﻣﻘﺻد اﻟذي أﻓﺿت إﻟﯾـﻪ اﻟذرﯾﻌـﺔ ﺣرﻣـﺎً ﻛﺎﻧـت اﻟذرﯾﻌـﺔ ﺣراﻣـﺎً ٕ ،وان
ﻛﺎن اﻟﻣﻘﺻد اﻟـذي أﻓـﺿت إﻟﯾـﻪ ﻓرﺿـﺎً أو ﻣﻧـدوﺑﺎً ﻛـﺎن اﻟذرﯾﻌـﺔ ﺗﺎﺑﻌـﺔ
ﻟﺣﻛﻣﻪ.
ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ :ﻗﺳم اﻟﻌﻠﻣﺎء اﻟذراﺋﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
: ﻣــﺎ ﯾــؤدى إﻟــﻰ ﻣﻔــﺳدة ﻣﻘطــوع ﺑﻬــﺎ ،وﻫــذا
اﻟﻘﺳم أﺟﻣﻌت اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺳدﱢﻩ وﻣﻧﻌﻪ .
) ( ١ـ ﯾﻧظر :أﺻول اﻟﻔﻘﮫ أ د /ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﻣﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ١٥١/٢وﻣﺎ ﺑﻌدھﺎ .
ـ ١٧٤ـ
:
١ـ ﺗﺣـرﯾم اﻟـﺷﺎرع ﱢ َ
اﻟطﯾـب ﻋﻠـﻰ ْ ُ ْ ِِ
اﻟﻣﺣـرم ؛ ﻟﻛوﻧـﻪ ﻣـن أﺳـﺑﺎب
دواﻋﻲ اﻟوطء ،ﻓﺗﺣرﯾﻣﻪ ﻣن ﺑﺎب ﺳ ﱢد اﻟذراﺋﻊ .
ــــرق ﺑـــــﯾن اﻷوﻻد ﻓـــــﻲ
٢ــــــ أﻣـــــرﻩ -ﻋﻠﯾـــــﻪ اﻟـــــﺳﻼم -أن ﯾﻔـ ﱠ
اﻟﻣـﺿﺎﺟﻊ ،ﻓـﻼ ﯾﻧـﺎم اﻟـذﻛر ﻣـﻊ اﻷﻧﺛـﻰ ﻓـﻲ ﻓـراش واﺣـد؛ ﻷن ذﻟـك ﻗــد
ﺑﺎﺑﺎ ﻣن ﺗﻠﺑﯾس إﺑﻠﯾس ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ ،ﻓﯾﺗﺣد اﻟﻔراش وﻫﻣﺎ ﻻ ﯾـﺷﻌران ﯾﻛون ً
ـﺑﻊ
ﺳـ ْ ِ َوﻻدﻛــم ِﺑﺎﻟـ ﱠ َ ِ
ـﺎء َ
وﻫـ ْـم أ َْﺑ َﻧـ ُ
ـﺻﻼة َ ُ ؛ ﻗــﺎل -ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺳﻼم ُ " :-ﻣـ ُـروا أ ْ َ َ ُ ْ
ـــﻧﻬم ِﻓــــﻲ
ﺑﯾـ َ ُ ْ
وﻓرﻗُــــوا َ ْ ـــﺎء َﻋـ ْ ٍ
ـــﺷرَ َ ،ﱢ ـــم أ َْﺑﻧَـ ُ
ﻋﻠﯾﻬــــﺎ َوﻫُـ ْ اﺿـ ِ ُ ُ ْ
ـــرﺑوﻫم َ َ ْ َ ِﺳـ ِ َ
ـــﻧﯾنَ ،و ْ
َْ َ ِ ِ
اﻟﻣﺿﺎﺟﻊ".
ﻗطﻌـﺎ ﻟذرﯾﻌـﺔ اﻟطﻣـﻊ
٣ـ ﻧﻬﻰ اﻟﻣرأة ﻋـن اﻟـﺳﻔر ﺑﻐﯾـر ﻣﺣـرم ؛ ً
ﻓﯾﻬﺎ ،واﻟﻔﺟور ﺑﻬﺎ.
٤ـ اظﻬﺎر اﻟﻧﺳﺎء ﻟﻠزﯾﻧﺔ ،اﻟﻣﻔﺿﯾﺔ إﻟﻰ اﻻﻓﺗﺗﺎن ﺑﻬﺎ .
ﻣــﺎ ﯾــؤدي إﻟــﻰ ﻣﻧــﺎﻓﻊ ﻣﻘطــوع ﺑﻬــﺎ ،وﻫــذا
اﻟﻘﺳم ﯾﻔﺗﺢ وﻻ ﯾﺳد ،وﯾﻛون ﻣﺷروﻋﺎً ،وﯾﺄﺧذ ﺣﻛم ﻣـﺎ ﯾﻔـﺿﻲ إﻟﯾـﻪ
،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣوﺻﻼً ﻟﻠواﺟب ،ﻛﺎﻧت اﻟذرﯾﻌﺔ واﺟﺑﺔ ،وﻫﻛذا .
:ﺟﻠـــب اﻟـــﺳﻠﻊ إﻟـــﻰ اﻷﺳـــواق ﻓـــﻲ وﻗـــت اﻟـــﺿﺎﺋﻘﺎت ،
ٕواﻋطﺎء ﺟﺎﺋزة ﻗﯾﻣﺔ ﻟﻣن ﯾﺣﺻل ﻋﻠﻰ أﻋﻠﻰ اﻟدرﺟﺎت ﻣن اﻟطﻼب .
: ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻏﺎﻟﺑﺎً ،وﻣﻔﺳدﺗﻪ ﻧـﺎدرة
اﻟوﻗوع ؛ ﻟذﻟك أﺟﻣﻌت اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻋدم ﻣﻧﻌـﻪ ،وأﻧـﻪ ذرﯾﻌـﺔ ﻻ ُﺗـﺳد ،
ـ ١٧٥ـ
ووﺳﯾﻠﺔ ﻻ ُﺗﺣﺳم .
ﺧـﺷﯾﺔ اﻟﺧﻣـر ،ﻓﺈﻧـﻪ ﻟـم ﯾﻘـل
َ :اﻟﻣﻧﻊ ﻣن زراﻋـﺔ اﻟﻌﻧـب
ﺑــﻪ أﺣــد ،واﻟﻧظــر إﻟــﻰ اﻟﺧطوﺑــﺔ ،وﻣــن ﻫــذا اﻟﻘﺑﯾــل رﻛــوب اﻟــﺳﯾﺎرات
واﻟطﺎﺋرات ﻓﻬﻰ وﺳﺎﺋل ﯾﻧﺗﻔﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎس اﻧﺗﻔﺎﻋﺎً ﻛﺛﯾراً.
ﻣﺧﺗﻠف ﻓﯾﻪ ﺑﯾن اﻟﺳ ﱢد واﻟﺗرك ،وذﻟـك ﻛﺑﯾـوع
اﻵﺟـﺎل ،وذﻟـك ﻛﺑﯾـﻊ رﺟـل ﻵﺧـر ﺳـﻠﻌﺔ ﺑــ ﻣﺎﺋـﺔ ﺟﻧﯾـﻪ إﻟـﻰ ﺷـﻬر ،ﺛـم
ﯾــﺷﺗرﯾﻬﺎ ﻣﻧــﻪ ﻧﻘــداً ﺑـــ ﺳــﺑﻌﯾن ﺟﻧﯾﻬـ ًـﺎ ،وﻛﺑﯾــﻊ اﻟــﺳﻠم ،وﻫــذا اﻟﻘــﺳم
ﻣﺧﺗﻠف ﻓﯾﻪ ،ﯾدور ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻊ واﻟﺟواز
ُ ﱢ ﱠ َ ّ ّ
ﺣﺠﻴﺔ ﺳﺪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ :
اﻟـذراﺋﻊ واﻟوﺳــﺎﺋل ﻣـﺻدر ﻣــن ﻣــﺻﺎدر اﻟﺗـﺷرﯾﻊ ،اﻟﺗــﻲ ﺗﻧﺑﻧــﻰ
ﻋﻠﯾﻬــﺎ اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾــﺔ ،وﻫــذا ﻣــﺎ ﻋﻠﯾــﻪ ﺟﻣﻬــور اﻷﺻــوﻟﯾﯾن ،وﻟــم
ﯾﻧﻛر ذﻟك إﻻ ﻧﻔر ﻗﻠﯾل ﻣﻧﻪ اﺑن ﺣزم اﻟظﺎﻫري .
:
١ـ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) :ﯾﺎ أﯾﻬﺎ اﻟـذﯾن آﻣﻧـوا ﻻ ﺗﻘوﻟـوا راﻋﻧـﺎ وﻗوﻟـوا
اﻧظرﻧﺎ واﺳﻣﻌوا ( .
: اﻟﻣــوﻟﻰ ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻧﻬــﻰ اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن أن
ﯾﻘوﻟـوا ﻟﻠﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ ) راﻋﻧـﺎ ( وﻫـﻲ ﻛﻠﻣـﺔ ﻣـﺷﺗﻘﺔ
ـ ١٧٦ـ
ﻣـن اﻟرﻋوﻧـﺔ ،ﺣﺗـﻰ ﻻ ﯾـﺳﺗﻌﻣﻠﻬﺎ اﻟﯾﻬـود ذرﯾﻌـﺔ ﻟـﺳب اﻟﻧﺑـﻲ ـ ﺻـﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﺑﻬذا اﻟﻠﻔظ .
٢ــــ ﻗوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ) وﻻ ﺗـــﺳﺑوا اﻟـــذﯾن ﯾـــدﻋون ﻣـــن دون اﷲ
ﻓﯾﺳﺑوا اﷲ ﻋدواً ﺑﻐﯾر ﻋﻠم (.
: أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻧﻬﻲ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻋن ﺳـب اﻷوﺛـﺎن
واﻷﺻــﻧﺎم ،ﺣﺗــﻰ ﻻ ﯾﺗﺧــذ ذﻟــك ذرﯾﻌــﺔ ﻟــﺳب اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،وﻓــﻲ ﻫــذا
دﻻﻟﺔ واﺿﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺟﯾﺔ اﻟذراﺋﻊ .
٣ـ ﻗوﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ـ " :إن ﻣـن أﻛﺑـر اﻟﻛﺑـﺎﺋر
أن ﯾﻠﻌــن اﻟرﺟــل واﻟدﯾــﻪ ،ﻗــﺎﻟوا ﯾــﺎ رﺳــول اﷲ :وﻛﯾــف ﯾﻠﻌــن اﻟرﺟــل
واﻟدﯾﻪ ،ﻗﺎل :ﯾﺳب اﻟرﺟل أﺑﺎ اﻟرﺟل ،ﻓﯾﺳب أﺑﺎﻩ وﯾﺳب أﻣﻪ " .
: اﻟرﺳــول ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ـ ﻧﻬــﻰ أن
ﯾﺳب اﻟرﺟل ﻏﯾرﻩ ،واﻋﺗﺑر ذﻟك ﻣن اﻛﺑر اﻟﻛﺑﺎﺋر ،ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻛون ذﻟـك
ذرﯾﻌﺔ ﻟﺳب اﻟواﻟدﯾن ،وﻫذا واﺿﺢ ﻓﻲ اﻟدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻟذراﺋﻊ ﺣﺟـﺔ
ﺗﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ .
٤ـ ﻗوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ) :دع ﻣﺎ ﯾرﯾﺑك إﻟﻰ ﻣـﺎ ﻻ
ﯾرﯾﺑك ( وﻗوﻟﻪ ) :اﺳﺗﻔت ﻗﻠﺑك ٕوان أﻓﺗـﺎك اﻟﻣﻔﺗـون وأﻓﺗـوك ( وﻗوﻟـﻪ
) :اﻟﺑر ﻣﺎ اطﻣﺄﻧت إﻟﯾﻪ اﻟﻧﻔس ،واﻷﺛم ﻣﺎ ﺣﺎك ﻓـﻲ ﺻـدرك وﻛرﻫـت
أن ﯾطﻠﻊ اﻟﻧﺎس ﻋﻠﯾﻪ (.
ﻫــذﻩ اﻷﺣﺎدﯾــث ﺗــدل ﻋﻠــﻰ أن ﻣــﺎ ﯾوﺻــل إﻟــﻰ
ـ ١٧٧ـ
اﻟﻣﻔﺳدة ﯾﺟب ﺗﺟﻧﺑﻪ ،وﻫذا ﺑﻌﯾﻧﻪ ﻫو اﻟﻣﻘﺻود ﺑﺳد اﻟذراﺋﻊ .
١ـ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) :وﻣﺎ ﻟﻬم ﺑﻪ ﻣن ﻋﻠم إن ﯾﺗﺑﻌـون إﻻ اﻟظـن
ٕوان اﻟظن ﻻ ﯾﻐﻧﻲ ﻣن اﻟﺣق ﺷﯾﺋﺎ ( .
أن اﻟﻌﻣل ﺑﺎﻟذراﺋﻊ ﻋﻣل ﺑﺎﻟظن ،واﻟظن ﻻ ﯾﻐﻧﻲ
ﻣن اﻟﺣق ﺷﯾﺋﺎً ﻛﻣﺎ أﺧﺑر اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
٢ـ اﻟﺣﻛــم ﺑﺗﺣــرﯾم ﺷــﻲء أو ﺗﺣﻠﯾﻠــﻪ ﻻ ﺑــد وأن ﯾﺑﻧــﻰ ﻋﻠــﻰ
اﻟﯾﻘـــﯾن واﻟﻘطـــﻊ ،واﻟﻌﻣـــل ﺑﺎﻟـــذراﺋﻊ ﺳـــداً وﻓﺗﺣـــﺎً ﻣـــن ﺑـــﺎب اﻟﺗﺣـــرﯾم
واﻟﺗﺣﻠﯾل ﺑﺎﻟظن ،وﻫـو ﻣﻣﻧـوع ﺷـرﻋﺎً ،وﻋﻠﯾـﻪ ﻻ ﺗﻛـون اﻟـذراﺋﻊ ﺣﺟـﺔ
ﺗﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ .
ﻣـﺎ ذﻫـب إﻟﯾـﻪ اﻟﺟﻣﻬـور ﻣـن أن اﻟـذراﺋﻊ ﺣﺟـﺔ ﺗﺛﺑـت
ﺑﻬــﺎ اﻷﺣﻛــﺎم ،أﻣــﺎ ﻣــﺎ ذﻫــب إﻟﯾــﻪ اﺑــن ﺣــزم اﻟظــﺎﻫري ﻓﻬــو ﺿــﻌﯾف
ﻣردود .
ـ ١٧٨ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
)(١
ﺍﻟﻌـــــــﺮﻑ
ا : اﻟﻣﻌروف أو اﻟﺟﻣﯾل.
ﻫــو ﻣــﺎ اﻋﺗــﺎدﻩ اﻟﻧــﺎس أو أﻛﺛــرﻫم ﻣــن أﻗــوال أو
أﻓﻌﺎل ،وﺗﻠﻘوﻩ ﺑﺎﻟﻘﺑول.
ﻣــﺎ اﺳــﺗﻘر ﻓــﻲ اﻟﻧﻔــوس ﻣــن ﺟﻬــﺔ اﻟﻌﻘــول ،وﺗﻠﻘﺗــﻪ
اﻟطﺑﺎع اﻟﺳﻠﻣﯾﺔ ﺑﺎﻟﻘﺑول.
ﻫذا واﻟﻌﺎدة ﺗرد ﻋﻧد اﻷﺻوﻟﯾﯾن ،وﺑﺧﺎﺻﺔ اﻟﻣﺗﻘـدﻣﯾن ﻣـﻧﻬم ـ
ﺑﻣﻌﻧــــﻰ ﯾــــرادف اﻟﻌــــرف ﺑــــل إن ﻣــــﺻطﻠﺢ اﻟﻌــــﺎدة ﻫــــو اﻟــــﺷﺎﺋﻊ ﻓــــﻲ
اﺳﺗﻌﻣﺎﻻﺗﻬم ،وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟـﺑﻌض ذﻛـر ﻓروﻗـﺎً ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ إﻻ أن
اﻷﺻوﻟﯾﯾن واﻟﻔﻘﻬﺎء ﺟﻣﯾﻌﺎً ﺗﺄﺗﻲ ﻋﻧدﻫم اﻟﻌـﺎدة ﺑﻣﻌﻧـﻰ ﯾـرادف اﻟﻌـرف
ﺑدﻻ ﻣن اﻟﻌرف أو اﺳﺗﺧدﻣوا اﻟﻣﺻطﻠﺣﯾن ﻣﻌﺎً .
ﺳواء اﺳﺗﺧدﻣوﻫﺎ ً
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻌﺮﻑ:
١ــ أن ﯾﻛـون اﻟﻌـرف اﻟﻣﻌﻣـول ﺑـﻪ ﻣطـرداً وﻏﺎﻟﺑـﺎً أى ﻣـﺳﺗﻣراً ﻻ
ﯾﺗﺧﻠف إﻻ ﻧﺎدراً.
)(١
ـ ﯾﻨﻈﺮ اﻟﻌﺮف وﺷﺮوطﮫ وأﻗﺴﺎﻣﮫ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :ﺟﺎﻣﻊ اﻷﺳ ﺮار ﻟﻠﻜ ﺎﻛﻲ ، ١٤٣٧ / ٥ﺷ ﺮح
ﻣﺨﺘﺼﺮ اﻟﻤﻨﺎر ص ، ١٨٤رﺳﺎﺋﻞ اﺑﻦ ﻋﺎﺑﺪﯾﻦ ، ١١٤ / ١أﺛﺮ اﻟﻌﺮف ﻓﻲ اﻟﺘﺸﺮﯾﻊ ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر
/اﻟﺴﯿﺪ ﺻﺎﻟﺢ ﻋﻮض ص ،١٣٦ﺗﺨﺼﯿﺺ اﻟﻨﺼﻮص ﺑﺎﻷدﻟﺔ اﻻﺟﺘﮭﺎدﯾﺔ ص ، ١١٤أﺻول
اﻟﻔﻘﮫ أ د /ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﻣﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ١٣٩/٢
ـ ١٧٩ـ
٢ــ أﻻ ﯾﻛــون اﻟﻌــرف ﻣﺧﺎﻟﻔــﺎً ﻟــﻧص ﻗطﻌــﻲ اﻟدﻻﻟــﺔ ﻣــن اﻟﻛﺗــﺎب
واﻟﺳﻧﺔ.
٣ـ أن ﯾﻛون اﻟﻌرف ﻣوﺟوداً ﻋﻧد إﻧﺷﺎء اﻟﺗﺻرف ،ﺑﺄن ﯾﻛـون
ﺳﺎﺑﻘﺎً أو ﻣﻘﺎرﻧﺎً ﻟﻪ.
ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﻑ :
أﻗﺳﺎم اﻟﻌرف ﻣﺗﻧوﻋﺔ وﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ،ﺑﯾﺎﻧﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
:
١ـ ﺍﻟﻌﺮﻑ ﺍﻟﻘـﻮﱄ :ﻫـو ﺗﻌـﺎرف اﻟﻧـﺎس ﻋﻠـﻰ إطـﻼق ﻟﻔـظ
ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻧﻰ ﺧﺎص ،ﺑﺣﯾث ﻻ ﯾﺗﺑﺎدر ﻋﻧد ﺳﻣﺎﻋﻪ ﻏﯾرﻩ.
: ﺗﻌـﺎرف اﻟﻧـﺎس إطـﻼق ﻟﻔـظ " اﻟوﻟـد" ﻋﻠـﻰ اﻻﺑـن
دون اﻟﺑﻧــت ،واﻟداﺑــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻔــرس ﻓــﻲ اﻟﻌ ـراق واﻟﺣﻣــﺎر ﻓــﻲ ﻣــﺻر
واﻟدرﻫم ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘد اﻟﻐﺎﻟب.
٢ـ ﺍﻟﻌــﺮﻑ ﺍﻟﻌﻤﻠــﻲ :ﻫــو ﻣــﺎ اﻋﺗــﺎد اﻟﻧــﺎس ﻓﻌﻠــﻪ ﻓــﻲ
ﺗﺻرﻓﺎﺗﻬم ،وﺳﺎروا ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻼﺗﻬم .
: ﺗﻌــﺎرف اﻟﻧــﺎس ﻋﻠــﻰ اﻟﺑﯾــﻊ ﺑﺎﻟﺗﻌــﺎطﻲ ﻣــن ﻏﯾــر
ﺻﯾﻐﺔ ﻟﻔظﯾﺔ ﺑﺎﻹﯾﺟﺎب واﻟﻘﺑول ،واﻋﺗﺑﺎر ﺗﻘدﯾم اﻟطﻌـﺎم ﻟﻠـﺿﯾف إذن
ﺑﺗﻧﺎوﻟﻪ ،وﻛﺗﻌﺎرﻓﻬم ﻋﻠﻰ أﻛل اﻟﺑر وﻟﺣم اﻟﺿﺄن.
ـ ١٨٠ـ
١ـ ﺍﻟﻌــﺮﻑ ﺍﻟﻌــﺎﻡ :ﻫــو ﻣــﺎ ﺗﻌــﺎرف ﻋﻠﯾــﻪ ﻋﺎﻣــﺔ اﻟﻧــﺎس
وﺧﺎﺻﺗﻬم ﺳواء أﻛﺎن ﻗوﻟﯾﺎً أو ﻓﻌﻠﯾﺎً .
: ﺗﻌــﺎرف اﻟﻧــﺎس ﻋﺎﻣــﺔ ﻋﻠــﻰ
اﺳﺗﻌﻣﺎل ﻟﻔظ اﻟطﻼق ﻓﻲ إﻧﻬﺎء راﺑطﺔ اﻟزوﺟﯾﺔ .
: ﺑﯾــﻊ اﻟﻣﻌﺎطــﺎة ،وﻋﻘــد
اﻻﺳﺗﺻﻧﺎع .
٢ـ ﺍﻟﻌـﺮﻑ ﺍﳋـﺎﺹ :ﻫـو ﻣـﺎ ﺗﻌـﺎرف ﻋﻠﯾـﻪ أﻫـل ﺑﻠـد دون
ﺳواﻫم ﻣن اﻟﺑﻠدان ،أو طﺎﺋﻔـﺔ أو ﻓﺋـﺔ دون ﺳـواﻫم ﻣـن اﻟطواﺋـف أو
اﻟﻔﺋﺎت.
ﺗﻌﺎرف أﻫل اﻟﻌـراق ﻋﻠـﻰ إطـﻼق ﻟﻔـظ " اﻟداﺑـﺔ "
ﻋﻠــﻰ اﻟﻔــرس ،وﻛﺎﺻــطﻼح ﻛــل طﺎﺋﻔــﺔ ﻣﺧــﺻوﺻﺔ ﻛــﺎﻟرﻓﻊ ﻟﻠﻧﺣــﺎة ،
واﻟﻔرق واﻟﺟﻣﻊ ﻟﻠﻧظﺎر.
١ـ ﺍﻟﻌﺮﻑ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ :ﻫو ﻣـﺎ ﺗﻌﺎرﻓـﻪ اﻟﻧـﺎس ،وﻟـم ﯾﺧـﺎﻟف
ﻧﺻﺎً ﺷرﻋﯾﺎً وﻻ إﺟﻣﺎﻋﺎً وﻻ ﯾﻔوت ﻣﺻﻠﺣﺔ وﻻ ﯾﺟﻠب ﻣﻔﺳدة .
ﺗﻌﺎرف اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ ﺗﻘـدﯾم ﺑﻌـض اﻟﻣﻬـر وﺗﺄﺟﯾـل
ﺑﻌﺿﻪ إﻟﻰ اﻟوﻓﺎة أو اﻟطﻼق .
٢ـ ﺍﻟﻌـﺮﻑ ﺍﻟﻔﺎﺳـﺪ :ﻫـو ﻣـﺎ ﺗﻌﺎرﻓـﻪ اﻟﻧـﺎس وﻛـﺎن ﻣﺧﺎﻟﻔـﺎً
ﻟﻧص ﺷرﻋﻲ ،أو ﻗﺎﻋدة ﻣن ﻗواﻋد اﻟﺷرﯾﻌﺔ .
ـ ١٨١ـ
: ﺗﻌــﺎرف اﻟﻧــﺎس ﻋﻠــﻰ اﻟﺗﻌﺎﻣــل ﺑــﺑﻌض اﻟﻌﻘــود
اﻟرﺑوﯾﺔ ،وﺗﻌﺎرف اﻟﻧﺎس ﻋﻠـﻰ اﺧـﺗﻼط اﻟﻧـﺳﺎء ﺑﺎﻟرﺟـﺎل ﻓـﻲ اﻟﺣﻔـﻼت
واﻷﻧدﯾﺔ ،وﺧروج اﻟﻧﺳﺎء وﻫن ﺳﺎﻓرات ﯾﻛﺷﻔن ﺑﻌض أﺟﺳﺎﻣﻬن ﻣﻣﺎ
ﯾﺣرم ﻛﺷﻔﻪ ﺷرﻋﺎً .
ﻓﻬــذﻩ أﻋ ـراف ﻓﺎﺳــدة ﻻ ﺗﻌﺗﺑــر ،وﯾﺟــب ﻣﺣﺎرﺑﺗﻬــﺎ ،واﻟﻘــﺿﺎء
ﻋﻠﯾﻬــﺎ ،وﻻ ﯾﺟـــوز ﻣراﻋﺎﺗﻬــﺎ ﻓـــﻲ اﺟﺗﻬــﺎد ،أو ﻓﺗـــوى ،أو ﻗـــﺿﺎء ،
ﺑﺧﻼف اﻟﻌرف اﻟﺻﺣﯾﺢ ﯾﺟب ﻣراﻋﺎﺗـﻪ ﻓـﻲ اﻻﺟﺗﻬـﺎد ،و اﻟﻔﺗـوى ،و
اﻟﻘﺿﺎء.
ﺗﻐﻴﲑ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺑﺘﻐﲑ ﺍﻟﻌﺮﻑ:
اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻣﺑﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌرف واﻟﻌﺎدة ﺗﺗﻐﯾر إذا ﺗﻐﯾرت اﻷﻋـراف
واﻟﻌــﺎدات وﻟــذﻟك ﻧﺟــد ﺑﻌــض اﻻﺧﺗﻼﻓــﺎت ﺑــﯾن اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﻓــﻰ اﻟﻣــذﻫب
اﻟواﺣـــد ﻣردﻫـــﺎ إﻟـــﻰ ﺗﻐﯾـــر اﻟﻌـــرف .وﯾﻘـــول اﻟﻔﻘﻬـــﺎء ﻋـــن ﻣﺛـــل ﻫـــذا
اﻻﺧﺗﻼف ،إﻧﻪ اﺧﺗﻼف ﻋﺻر وزﻣﺎن ﻻ اﺧﺗﻼف ﺣﺟﺔ وﺑرﻫﺎن.
واﻹﻣــﺎم اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ ﻋﻧــدﻣﺎ ﻧــزل ﺑﻣــﺻر ﺑﻌــد ﺗرﻛــﻪ اﻟﻌـراق ﻏﯾــر
ﺑﻌــض آراﺋــﻪ ﻓــﻰ اﻟﻣــﺳﺎﺋل اﻟﺗــﻲ ﯾﺧﺗﻠــف ﻓﯾﻬــﺎ ﻋــرف أﻫــل ﻣــﺻر ﻋــن
ﻋرف أﻫل اﻟﻌراق.
واﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ﺑﻧوا ﺑﻌض أﺣﻛﺎﻣﻬم ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯾـر اﻟﻌـرف .ﻛﺄﺧـذ اﻷﺟـرة
ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﯾم اﻟﻘـرآن ،ﻓﻘـد ﻛـﺎن اﻟﺣﻛـم ﻓـﻰ اﻟـﺳﺎﺑق اﻟﻣﻧـﻊ ،ﻷن اﻟﻌطـﺎء
ﯾﺟرى ﻟﻠﻣﻌﻠﻣﯾن ﻣن ﺑﯾت اﻟﻣﺎل ،ﻓﻠﻣﺎ اﻧﻘطﻊ اﻟﻌطﺎء أﻓﺗﻰ اﻟﻣﺗﺄﺧرون
ﺑﺟواز أﺧذ اﻷﺟرة ،ﻟﺋﻼ ﯾﻬﺟر اﻟﻘرآن.
ـ ١٨٢ـ
ﺣﺠﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﻑ :
ﯾرى ﺟﻣﻬور اﻷﺻوﻟﯾﯾن أن اﻟﻌرف ﯾﻌﺗﺑر دﻟﯾﻼً ﺷرﻋﯾﺎً ﻣـﺳﺗﻘﻼً
ﺑـﺷروطﻪ ،ﺧﻼﻓــﺎً ﻟﻣــن ﻻ ﯾﻌﺗﺑــرﻩ أﺻــﻼً ،وﺧﻼﻓــﺎً ﻟﻣــن ﯾــرى أﻧــﻪ دﻟﯾــل
دﻟﯾﻼ ﻣﺧﺻﺻﺎً ﻟﻠﻌﺎم .
ﺗﺎﺑﻊ ﻓﻘط ،أو أﻧﻪ ﻻ ﯾﻌﺗﺑر ً
:
١ـ ـ ﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ) :ﺧــذ اﻟﻌﻔــو وأﻣــر ﺑــﺎﻟﻌرف وأﻋــرض ﻋــن
اﻟﺟﺎﻫﻠﯾن ( .
ظــﺎﻫر اﻵﯾــﺔ ﯾــدل ﻋﻠــﻰ أن ﻛــل ﻣــﺎ ﻗــﺿﻰ ﺑــﻪ
اﻟﻌرف ﻣﺄﻣور ﺑﻪ وﻣﺣﻛم ،ﺣﯾث ﻻ ﻧص ،وﻻ إﺟﻣﺎع .
٢ـ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ) :وﻣـن ﻛـﺎن ﻏﻧﯾـﺎً ﻓﻠﯾـﺳﺗﻌﻔف ،وﻣـن ﻛـﺎن
ﻓﻘﯾراً ﻓﻠﯾﺄﻛل ﺑﺎﻟﻣﻌروف (.
أﺑﺎح اﷲ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ ــ ﻟـوﻟﻲ اﻟﯾﺗـﯾم ــــ أن ﯾﺄﺧـذ ﻣـن
ﻣﺎل اﻟﯾﺗﯾم ﻣﺎ ﯾﻛﻔﯾﻪ ﻟﺣﺎﺟﺗﻪ ﺑﺣﺳب اﻟﻌرف ،ﻣن ﻏﯾر أن ﯾﺳرف ﻓـﻲ
اﻷﺧذ.
٣ـ ﻗوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻟﻬﻧد ـــ زوﺟﺔ أﺑﻲ ﺳﻔﯾﺎن ـــ
رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ــــ ) :ﺧذي ﻣن ﻣﺎﻟﻪ ﺑﺎﻟﻣﻌروف ؛ ﻣﺎ ﯾﻛﻔﯾك وﯾﻛﻔﻲ
ِ
ﺑﻧﯾك ( .
: ﻓﺄﺟﺎز اﻟﻧﺑﻲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وﺳـﻠم ــــ ﻟﻠﻣـرأة
أن ﺗﺄﺧذ ﺧﻔﯾﺔ ﻣن ﻣﺎل زوﺟﻬﺎ إن ﻟم ﯾﻌطﻬﺎ ﻣـﺎ ﯾﻛﻔﯾﻬـﺎ ،وﻟﻛـن ﺗﺄﺧـذ
ﺑﻣﻘدار اﻟﻛﻔﺎف وﻓﻘﺎً ﻟﻣﺎ ﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧﺎس .
ـ ١٨٣ـ
٤ـ ﻗول ﻋﺑد اﷲ ﺑـن ﻣـﺳﻌود ـــــ رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧـﻪ ــــ " :ﻣـﺎ رآﻩ
اﻟﻣؤﻣﻧون ﺣﺳﻧﺎً ﻓﻬو ﻋﻧد اﷲ ﺣﺳن " .
أن أي أﻣر ﯾﺗﻌـﺎرف ﻋﻠـﻰ ﺣـﺳﻧﻪ اﻟﻣـﺳﻠﻣون ؛
ﻓﻬو ﺣﺳن ﻋﻧد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﻫـذا ...وﻻ ﯾﻔﻬـم ﻣﻣـﺎ ذﻛرﻧـﺎ ﺟـواز اﻟﻌﻣـل ﺑـﺎﻟﻌرف إذا ﺧــﺎﻟف
ﺣﻛﻣﺎً ﺷرﻋﯾﺎً ،ﻓﺈن اﻟﻌرف ﻻ ﯾﺗﻘدم ﻋﻠﻰ أدﻟﺔ اﻟﺷرع اﻟﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻬـﺎ ؛
ﻟﻛوﻧﻪ ﺗﺎﺑﻌﺎً ﻟﻬﺎ.
ـ ١٨٤ـ
)(١
اﻟﺗــﻲ اﻟﺣدﯾﺛــﺔ اﻋﺗﻣــد ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﻫــذا اﻟﺟــزء ﻣــن أﻫــم اﻟﻣراﺟــﻊ
اﻟﻣؤﻟف :
١ـ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ ﻟﻠﺷﯾﺦ أﺑو زﻫرة ـ دار اﻟﻔﻛر اﻟﻌرﺑﻲ .
٢ــ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ ﻟﻸﺳﺗﺎذ اﻟدﻛﺗور /ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر .
٣ـ اﻟزﺑدة ﻣن ﻋﻠم اﻷﺻول أ د /اﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز .
٤ـ اﻟﻣدﺧل إﻟﻰ ﻋﻠم أﺻول اﻟﻔﻘﻪ أ د /اﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز .
٥ـ اﻟوﺟﯾز ﻓﻲ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ أ د /ﻋﺑد اﻟﻛرﯾم زﯾدان .
٦ـ اﻟﻔﻛر اﻷﺻوﻟﻲ أ د /ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب اﺑراﻫﯾم اﺑو ﺳﻠﯾﻣﺎن .
٧ـ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ ﻟﻠﻣؤﻟﻔﺎن أ د /أﺣﻣد ﻓراج ﺣﺳﯾن
أ د /رﻣﺿﺎن اﻟﺷرﻧﺑﺎﺻﻲ
٨ــ ﺗﯾﺳﯾر أﺻول اﻟﻔﻘﻪ ﺗﺎﻟﯾف /ﻋﺑداﷲ ﺑن ﻋﺑدرﺑﻪ اﻟﺟدﯾﻊ .
٩ـ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ اﻻﺳﻼﻣﻲ أ د /ﻣﺣﻣد ﻛﻣﺎل اﻟدﯾن إﻣﺎم .
١٠ــ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ اﻟذي ﻻ ﯾﺳﻊ اﻟﻔﻘﯾﻪ ﺟﻬﻠـﻪ د /ﻋﯾـﺎض ﺑـن ﻧـﺎﻣﻲ
اﻟﺳﻠﻣﻲ .
١١ــ اﻟوﺟﯾز ﻓﻲ أﺻول اﻟﻔﻘﻪ ،ﻟﻠﻣؤﻟﻔﺎن أ د /رﺑﯾﻊ دردﯾر ﻣﺣﻣد
د /ﻋﺎدل ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﻟﻌﯾﺳوي .
) ( ١ـ ﻣﺎ ﻗدﻣﻧﺎه دراﺳﺔ ﻣﺧﺗﺻرة ﻋن أﻷدﻟ ﺔ اﻟ ﺷرﻋﯾﺔ ،وإذا ﻣ ﺎ أراد اﻟطﺎﻟ ب اﻟﻣزﯾ د ﻣ ن
اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻋﻠﯾﮫ اﻟرﺟوع واﻟﻧظر ﻓﻲ ھذه اﻟﻣراﺟﻊ اﻟﺣدﯾﺛﺔ ﻟﺳﮭوﻟﺔ أﻟﻔﺎظﮭﺎ ووﺿوح ﻣﻌﺎﻧﯾﮭﺎ.
ـ ١٨٥ـ
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﻭﻓﻴﻪ
ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﺳﺮﺓ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ :ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ .
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﻭﺍﳋﻠﻊ .
ﻭﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﳌﱰﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﻘﻀﺎء ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ
ـ ١٨٦ـ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ
ﲤﻬﻴﺪ ﰲ
ﺗﻌــﺮﻳﻒ ﺍﻟـﺰﻭﺍﺝ
ـ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻓﻰ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺏ :ـ
ﻣﻌﻧﺎﻩ اﻻﻗﺗران واﻻزدواج ،ﯾﻘـﺎل :زوج اﻟـﺷﺊ ﺑﺎﻟـﺷﺊ وزوﺟـﻪ
إﻟﯾﻪ :أى ﻗرﻧﻪ ﺑﻪ .وﻣﻧﻪ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ":وزوﺟﻧﺎﻫم ﺑﺣور ﻋﯾن ".
)(١
)(٢
أى ﻗرﻧﺎﻫم .وﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :اﺣﺷروا اﻟذﯾن ظﻠﻣوا وأزواﺟﻬـم " .
أى وﻗرﻧﺎءﻫم ،ﻓﻛل ﺷﯾﺋﯾن اﻗﺗرن أﺣدﻫﻣﺎ ﺑﺎﻵﺧر ﻫﻣﺎ زوﺟﺎن .
وﯾﻘـــﺎل ﻟﻠـــزواج ﻧﻛـــﺎح ،وﻣﻌﻧـــﺎﻩ ﻓـــﻰ اﻟﻠﻐـــﺔ :اﻟـــﺿم وﻗـــد ورد
اﺳــﺗﻌﻣﺎل ﻟﻔــظ اﻟﻧﻛــﺎح ﺑﻣﻌﻧــﻰ اﻟﻌﻘــد ،وﺑﻣﻌﻧــﻰ اﻟــوطء ،ﯾﻘــﺎل :ﻧﻛــﺢ
ﻓﻼن ﻓﻼﻧﺔ ،أى ﺗزوﺟﻬﺎ وﻋﻘد ﻋﻠﯾﻬﺎ ،وﯾﻘﺎل :ﻧﻛﺢ ﻓـﻼن زوﺟﺗـﻪ :
أى وطﺋﻬﺎ .وﻓﻰ ﻫذا اﻟﻣﻌﻧـﻰ ﺣـدﯾث اﻟرﺳـول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
وﺳﻠم} وﻟدت ﻣن ﻧﻛﺎح ﻻ ﻣن ﺳـﻔﺎح { .أى ﻣـن وطء ﺣـﻼل ،وﻟـﯾس
ﻣن وطء ﺣرام .
ـ ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻓﻰ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء :ـ
ﻓﺈن ﺗﻌﺎرﯾﻔﻬم ﺗﻛﺎد ﺗﺗﻔق ﻋﻠﻰ أﻧﻪ " :ﻋﻘد ﯾﻔﯾـد ِﺣـل اﺳـﺗﻣﺗﺎع
ﻛل ﻣن اﻟزوﺟﯾن ﺑﺎﻵﺧر ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﻪ اﻟﻣﺷروع " .
ﻓﻣــن أﻫــم أﻏراﺿــﻪ اﻟﻣﺗﻌــﺔ اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟــﺔ ﺑــﯾن اﻟــزوﺟﯾن ﺑــﺎﻟطرﯾق
) (١اﻟدﺧﺎن . ٥٤ :
) (٢اﻟﺻﺎﻓﺎت . ٢٢ :
ـ ١٨٧ـ
اﻟــﺷرﻋﻰ ،واﻷﺳــﻠوب اﻟﻘــوﯾم ٕ ،وان ﻛــﺎن ﻓﯾــﻪ ﻣﻌــﺎن دﯾﻧﯾــﺔ ،وﻏﺎﯾــﺎت
اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗﺗﺿﺢ ﻣن ﺑﯾﺎن ﺣﻛﻣﺗﻪ ﻓﻰ اﻵﺗﻰ :
ـ ﺍﳊﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ :ـ
١ـ ﺃﻧــﻪ ﺳــﺒﺐ ﺍﻟﺘﻮﺍﻟــﺪ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺳــﻞ ،وﺗﻛﺛﯾــر ﻋــدد اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن
اﻟﻣوﺣدﯾن ﻟﻠﻣوﻟﻰ ﻋز وﺟل ﻓﻰ أرﺿﻪ ،ﻋﻠـﻰ وﺟـﻪ ﯾزﯾـد ﻓـﻰ ﻋﻣراﻧﻬـﺎ
،وﺻﻼﺣﻬﺎ ،ﻓﻔﯾﻪ ﺣﻔظ اﻟﻧوع اﻹﻧﺳﺎﻧﻰ ﻋن اﻟﻬﻼك واﻻﻧﻘراض .
ﻓﻘد ﺟﺎء رﺟل إﻟﻰ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻓﻘـﺎل :
" إﻧﻰ أﺻﺑت اﻣرأة ذات ﺟﻣﺎل وﺣﺳب ٕواﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻠد أﻓﺄﺗزوﺟﻬﺎ ؟ ﻗﺎل :
ﻻ .ﺛــم أﺗــﺎﻩ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ ،ﻓﻧﻬــﺎﻩ ،ﺛــم أﺗــﺎﻩ اﻟﺛﺎﻟﺛــﺔ ﻓﻘــﺎل } :ﺗزوﺟــوا
)(١
اﻟودود اﻟوﻟود ﻓﺈﻧﻰ ﻣﻛﺎﺛر ﺑﻛم اﻷﻣم { .
وﻋـن أﻧـس ﺑـن ﻣﺎﻟـك ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﻗـﺎل :ﻛـﺎن رﺳـول اﷲ ـ
ﻧﻬﯾـﺎ
ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﯾﺄﻣرﻧـﺎ ﺑﺎﻟﺑـﺎءة وﯾﻧﻬـﻰ ﻋـن اﻟﺗﺑﺗـل ً
ﺷدﯾدا ،وﯾﻘول } :ﺗزوﺟوا اﻟوﻟود اﻟودود ﻓﺈﻧﻰ ﻣﻛـﺎﺛر ﺑﻛـم اﻷﻣـم ﯾـوم
ً
)(٢
اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ { .
٢ـ ﺃﻥ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺳﺒﺐ ﻟﺼﻴﺎﻧﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺎﺣﺸﺔ ،ﺑـﻪ ﺗـﺻﺎن
اﻷﻋ ـراض وﺗﺣﻔــظ اﻷﻧــﺳﺎب ،وﺑــﻪ ﺗﺣﻔــظ اﻷوﻻد ﻋــن اﻟﻬــﻼك ،
ﻓﺈﻧﻪ ﻟـوﻻ اﻟـزواج ﻻﺧﺗﻠطـت اﻟﻣﯾـﺎﻩ ،ﻓﺗـﺷﺗﺑﻪ اﻷﻧـﺳﺎب ،وﺗـﺿﯾﻊ
اﻷوﻻد ﻟﻌدم ﻣن ﯾدﻋﯾﻬﺎ ،ﻓﯾﻧﺗﺷر اﻟﻔﺳﺎد ،وﺗﻌـم اﻟﻔوﺿـﻰ ،وﻻ
) (١ﺳﻧن أﺑﻰ داود " ٢٢٠/٢ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب اﻟﻧﻬﻰ ﻋن ﺗزوﯾﺞ ﻣن ﻟم ﯾﻠد ﻣن اﻟﻧﺳﺎء " .
) (٢رواﻩ أﺣﻣد وﺻﺣﺣﻪ اﺑن ﺣﺑﺎن وﻟﻪ ﺷواﻫد ﻋﻧد أﺑﻰ داود واﻟﻧﺳﺎﺋﻰ واﺑن ﺣﺑﺎن ﻣن ﺣـدﯾث ﻣﻌﻘـل ﺑـن ﯾـﺳﺎر .
ﺳﺑل اﻟﺳﻼم ﻟﻠﺻﻧﻌﺎﻧﻰ . ١٣٧/٣
ـ ١٨٨ـ
)(١
ﯾﻣﺎرى ﻋﺎﻗل أن اﻟزواج ﻣﺎﻧﻊ ﻟذﻟك .
روى ﻋـن ﻋﺑـد اﷲ ﺑـن ﻣـﺳﻌود رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ﻗـﺎل :ﻗـﺎل ﻟﻧـﺎ
رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم } :ﯾـﺎ ﻣﻌـﺷر اﻟـﺷﺑﺎب
ﻣـــن اﺳـــﺗطﺎع ﻣـــﻧﻛم اﻟﺑـــﺎءة ﻓﻠﯾﺗـــزوج ،ﻓﺈﻧـــﻪ أﻏـــض ﻟﻠﺑـــﺻر ،
وأﺣـــﺻن ﻟﻠﻔـــرج ،وﻣـــن ﻟـــم ﯾـــﺳﺗطﻊ ﻓﻌﻠﯾـــﻪ ﺑﺎﻟـــﺻوم ﻓﺈﻧـــﻪ ﻟـــﻪ
)(٢
وﺟﺎء {
وأرﺷــد اﻟﻧﺑــﻰ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ ﻣــن رأى اﻣـرأة
ﻓﺗﺎﻗت ﻧﻔـﺳﻪ إﻟﯾﻬـﺎ أن ﯾـﺄﺗﻰ أﻫﻠـﻪ ﻓﻘـﺎل } :إن اﻟﻣـرأة إذا أﻗﺑﻠـت
أﻗﺑﻠت ﻓﻰ ﺻورة ﺷﯾطﺎن ،ﻓﺈذا رأى أﺣدﻛم اﻣرأة ﻓﺄﻋﺟﺑﺗﻪ ﻓﻠﯾﺄت
)(٣
أﻫﻠﻪ ،ﻓﺈن ﻣﻌﻬﺎ ﻣﺛل اﻟذى ﻣﻌﻬﺎ { .
٣ـ ﻭﻓﻰ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺗﺮﻭﻳﺢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ،ﻭﺇﻳﻨﺎﺳﻬﺎ ﺑﻣﺟﺎﻟـﺳﺔ اﻟزوﺟـﺔ ،
واﻟﻧظـــر إﻟﯾﻬـــﺎ ،وﻣﻼﻋﺑﺗﻬـــﺎ ،وﻫـــذا ﯾـــؤدى إﻟـــﻰ راﺣـــﺔ اﻟﻘﻠـــب ،
وﺗﻘوﯾﺗــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﺑــﺎدة ،ﻷن اﻟــﻧﻔس ﻛﺛﯾــرة اﻟﻧﻔــور ﻣــن اﻟﺣــق ،
ﻷﻧــﻪ ﻋﻠــﻰ ﺧــﻼف طﺑﻌﻬــﺎ ،ﻓﻠــو ﻛﻠﻔــت ﺑﺎﻟﻣداوﻣــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﺑــﺎدة
ﺑــﺎﻹﻛراﻩ ﻻﻧﺗﻛــﺳت وﺗرﻛــت ،أﻣــﺎ إذا روﺣــت ﻓــﻰ ﺑﻌــض اﻷوﻗــﺎت
ﻗوﯾت وﻧﺷطت .
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻫـو اﻟـذى ﺧﻠﻘﻛـم ﻣـن ﻧﻔـس واﺣـدة وﺟﻌـل ﻣﻧﻬـﺎ
) (١ﻛﺗﺎب اﻷﺳرار اﻹﻟﻬﯾﺔ ﻓﻰ اﻟﺣﻛم اﻟﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻟﻣؤﻟﻔﻪ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن راﺿﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح "
) (٢رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﺻوم " " ﺑﺎب اﻟﺻوم ﻟﻣن ﺧﻠف ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻪ اﻟﻌزوﺑﺔ " .
) (٣رواﻩ اﻟﺗرﻣـذى ﻓـﻰ " ﻛﺗـﺎب اﻟرﺿـﺎع " " ﺑـﺎب ﻣـﺎ ﺟــﺎء ﻓـﻰ اﻟرﺟـل ﯾـرى اﻟﻣـرأة ﺗﻌﺟﺑـﻪ " ، .وأﺑـو داود ﻓــﻰ "
ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب ﻣﺎ ﯾؤﻣر ﺑﻪ ﻣن ﻏض اﻟﺑﺻر " .
ـ ١٨٩ـ
)(١
زوﺟﻬﺎ ﻟﯾﺳﻛن إﻟﯾﻬﺎ " .
ﻗﺎل اﻟﻐزاﻟﻰ " :وﻓﻰ اﻻﺳﺗﺋﻧﺎس ﺑﺎﻟﻧﺳﺎء ﻣن اﻻﺳﺗراﺣﺔ ﻣـﺎ ﯾزﯾـل
اﻟﻛـرب وﯾـروح اﻟﻘﻠـب ،وﯾﻧﺑﻐـﻰ أن ﯾﻛـون ﻟﻧﻔـوس اﻟﻣﺗﻘـﯾن اﺳـﺗراﺣﺎت
ﺑﺎﻟﻣﺑﺎﺣﺎت ،وﻟذﻟك ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻟﯾﺳﻛن إﻟﯾﻬﺎ ".
٤ـ ﻭﻓﻰ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﳎﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﻨﻔﺲ ،ورﯾﺎﺿﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟرﻋﺎﯾﺔ واﻟوﻻﯾﺔ ،
واﻟﻘﯾـــﺎم ﺑﺣﻘـــوق اﻷﻫـــل ،واﻟـــﺻﺑر ﻋﻠـــﻰ أﺧﻼﻗﻬـــن ،واﺣﺗﻣـــﺎل اﻷذى
ﻣـــﻧﻬن ،واﻟـــﺳﻌﻰ ﻓـــﻰ إﺻـــﻼﺣﻬن ٕ ،وارﺷـــﺎدﻫن إﻟـــﻰ طرﯾـــق اﻟـــدﯾن ،
واﻻﺟﺗﻬــﺎد ﻓــﻰ ﻛــﺳب اﻟﺣــﻼل ﻷﺟﻠﻬــن ،واﻟﻘﯾــﺎم ﺑﺗرﺑﯾــﺔ اﻷوﻻد ،ﻓﻛــل
ﻫــذﻩ أﻋﻣــﺎل ﻋظﯾﻣــﺔ اﻟﻔــﺿل ،ﻓﺈﻧﻬــﺎ رﻋﺎﯾــﺔ ووﻻﯾــﺔ ،واﻷﻫــل واﻟوﻟــد
رﻋﯾـــﺔ وﻓـــﺿل اﻟرﻋﺎﯾـــﺔ ﻋظـــﯾم ،ﻓـــﻼ ﯾﻌﻘـــل أن ﯾﺗـــﺳﺎوى ﻣـــن اﺷـــﺗﻐل
ﺑﺈﺻــﻼح ﻧﻔــﺳﻪ وﻏﯾــرﻩ ،ﻛﻣــن اﺷــﺗﻐل ﺑﺈﺻــﻼح ﻧﻔــﺳﻪ ﻓﻘــط ،وﻻ ﻣــن
رﻓﻪ ﻧﻔـﺳﻪ وأراﺣﻬـﺎ ،ﻓﻣﻘﺎﺳـﺎة اﻷﻫـل واﻟوﻟـد
ﺻﺑر ﻋﻠﻰ اﻷذى ،ﻛﻣن َ
)(٢
ﺑﻣﻧزﻟﺔ اﻟﺟﻬﺎد ﻓﻰ ﺳﺑﯾل اﷲ .
٥ـ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺳﺒﺐ ﻟﺼﻴﺎﻧﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻋﻦ ﺍﳍـﻼﻙ ﺑﺎﻟﻧﻔﻘـﺔ واﻟـﺳﻛﻧﻰ
واﻟﻠﺑﺎس ﻓﺈن اﻟﻣرأة ﻋﺎﺟزة ﻋن اﻟﻛﺳب ﻻ ﺗﻘوى ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺄﺗﯾﻪ اﻟرﺟـﺎل
ﻣن ﺿروب اﻟﺳﻌﻰ ،وﺗﺣﻣل اﻟﻣﺷﺎق ﻓﻰ ﺳـﺑﯾل اﻟﺣـﺻول ﻋﻠـﻰ اﻟـزاد
،ﻓﻛﺎن ﻓﻰ اﻟزواج ﺻﯾﺎﻧﺔ ﻟﻬﺎ ﻟوﺟود ﻣن ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ ﺷﺋوﻧﻬﺎ ،وﺗدﺑﯾر
ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ .
) (١اﻷﻋراف . ١٨٩ :
) (٢اﻹﺣﯾﺎء ﻟﻠﻌزاﻟﻰ ١١٤/٤ـ . ١١٥
ـ ١٩٠ـ
٦ـ ﻭﺑﺎﻟﺰﻭﺍﺝ ﺗﻮﺛﻴﻖ ﺍﻟﺼﻼﺕ ﺑﲔ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻷﺳﺮ ﻭﺍﳉﻤﺎﻋﺎﺕ .
ـﺳﺑﺎ
ﻗـﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻫــو اﻟــذى ﺧﻠــق ﻣــن اﻟﻣــﺎء ﺑــﺷ ًرا ﻓﺟﻌﻠــﻪ ﻧـ ً
وﺻــﻬرا وﻛــﺎن رﺑــك ﻗــدﯾ ًرا " (١) .وﺑﺎﻟﺟﻣﻠــﺔ :ﻓــﺈن اﻟــزواج ﺳــﻧﺔ ﻣــن
ﺳﻧن اﻟﻔطرة ،وﺿرورة ﻣن ﺿرورات اﻟﺣﯾﺎة ،وﻫو ﻧﻌﻣﺔ ﻣن ﻧﻌم اﷲ
اﻟﻛﺑــرى ،ﻓﯾــﻪ ﻣــﺻﻠﺣﺔ اﻟﻔــرد وﻣــﺻﻠﺣﺔ اﻷﺳــرة ،وﻣــﺻﻠﺣﺔ اﻷﻣــﺔ ،
وﻓﯾﻪ اﻷﻧس واﻟﻣﺗﻌﺔ ،واﻟﻣودة واﻟرﺣﻣﺔ .
اﺟــﺎ
ﻗـﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻣــن آﯾﺎﺗــﻪ أن ﺧﻠـق ﻟﻛــم ﻣــن أﻧﻔــﺳﻛم أزو ً
ﻟﺗــﺳﻛﻧوا إﻟﯾﻬــﺎ وﺟﻌــل ﺑﯾــﻧﻛم ﻣــودة ورﺣﻣــﺔ إن ﻓــﻰ ذﻟــك ﻵﯾــﺎت ﻟﻘــوم
)(٢
ﯾﺗﻔﻛرون " .
ـ ﺩﻟﻴﻞ ﻣﺸﺮﻭﻋﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ :ـ
اﻷﺻل ﻓﻰ ﻣﺷروﻋﯾﺔ اﻟزواج اﻟﻛﺗﺎب ،واﻟﺳﻧﺔ ،واﻹﺟﻣﺎع :
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ :ـ
ﻓﻘوﻟـﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓﺄﻧﻛﺣوا ﻣﺎ طﺎب ﻟﻛم ﻣن اﻟﻧﺳﺎء ".
وﻗوﻟـﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وأﻧﻛﺣوا اﻷﯾﺎﻣﻰ ﻣﻧﻛم واﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻣن ﻋﺑـﺎدﻛم
ٕواﻣــﺎﺋﻛم " .ﻓــﺎﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻓــﻰ اﻵﯾﺗــﯾن ﯾــﺄﻣر ﺑــﺎﻟزواج ،وﯾــدﻋوا إﻟﯾــﻪ ،
واﻷﻣر ﺑﻪ ﯾظﻬر أﻫﻣﯾﺗـﻪ ﻟﻘﯾـﺎم اﻹﻧـﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﻔﺎﺿـﻠﺔ ،واﻟﺣﯾـﺎة اﻟﻌﻔﯾﻔـﺔ
اﻟطﺎﻫرة .
وﻟــذﻟك اﺧﺗﻠــف اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﻓــﻰ دﻻﻟــﺔ اﻷﻣــر اﻟـوارد ﻓــﻰ اﻵﯾﺗــﯾن ،
ﻓﻣــﻧﻬم ﻣـــن ﺣﻣﻠـــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟوﺟـــوب ،وﻣـــﻧﻬم ﻣــن ﺣﻣﻠـــﻪ ﻋﻠـــﻰ اﻟﻧـــدب
) (١اﻟﻔرﻗﺎن . ٥٤ :
) (٢اﻟروم . ٢١ :
ـ ١٩١ـ
واﻻﺳــﺗﺣﺑﺎب (١).وﻋﻠــﻰ ﻛــل ﺣــﺎل ﻓﻬــو ﻣــﺄﻣور ﺑــﻪ ،وﻣرﻏــب ﻓﯾــﻪ ﻓــﻰ
ﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼم .
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ :ـ
ﻓﻘد وردت أﺣﺎدﯾث ﻛﺛﯾرة ﻋن رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ
وﺳﻠم ـ ﻣﻧﻬﺎ :ـ
١ـ ﻗول اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ }:ﯾﺎ ﻣﻌﺷر اﻟﺷﺑﺎب ﻣـن
اﺳــﺗطﺎع ﻣــﻧﻛم اﻟﺑــﺎءة ﻓﻠﯾﺗــزوج ﻓﺈﻧــﻪ أﻏــض ﻟﻠﺑــﺻر وأﺣــﺻن ﻟﻠﻔــرج ،
)(٢
وﻣن ﻟم ﯾﺳﺗطﻊ ﻓﻌﻠﯾﻪ ﺑﺎﻟﺻوم ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻪ وﺟﺎء {
٢ـ وأﺧرج اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﻋن أﻧس ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ ـ ﻗﺎل :ﻛﺎن رﺳول
اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﯾـﺄﻣر ﺑﺎﻟﺑـﺎءة وﯾﻧﻬـﻰ ﻋـن اﻟﺗﺑﺗـل
ﺷدﯾدا وﯾﻘول } :ﺗزوﺟوا اﻟودود اﻟوﻟود إﻧﻰ ﻣﻛـﺎﺛر ﺑﻛـم اﻷﻧﺑﯾـﺎء
ً ﻧﻬﯾﺎ
ً
)(٣
ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ { .
ـ وروى اﻟﺑﺧﺎرى أن ﺛﻼﺛﺔ رﻫط ﺟﺎءوا إﻟـﻰ ﺑﯾـوت اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ٣
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﯾﺳﺄﻟون ﻋن ﻋﺑﺎدﺗﻪ ،ﻓﻠﻣﺎ أﺧﺑروا ﻛﺄﻧﻬم ﺗﻘﺎﻟوﻫﺎ ،
ﻓﻘـﺎﻟوا :أﯾـن ﻧﺣـن ﻣـن رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻗـد
ﻏﻔــر اﷲ ﻟــﻪ ﻣــﺎ ﺗﻘــدم ﻣــن ذﻧﺑــﻪ وﻣــﺎ ﺗــﺄﺧر ،ﻓﻘــﺎل أﺣــدﻫم :أﻣــﺎ أﻧــﺎ
أﺻــﻠﻰ اﻟﻠﯾــل أﺑـ ًـدا ،وﻗــﺎل اﻵﺧــر :أﻧــﺎ أﺻــوم اﻟــدﻫر وﻻ أﻓطــر ،وﻗــﺎل
ـ ﺑداﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻻﺑن رﺷد . ٢٣/٢ ) (١اﻟﺑداﺋﻊ ﻟﻠﻛﺎﺳﺎﻧﻰ . ٣٤٢/٢
ـ ﺳﺑل اﻟﺳﻼم ﻟﻠﺻﻧﻌﺎﻧﻰ . ٢٣٤/٣
) (٢ﺳﺑق ﺗﺧرﯾﺟﻪ .
) (٣ﺳﺑق ﺗﺧرﯾﺟﻪ .
ـ ١٩٢ـ
آﺧر :وأﻧﺎ اﻋﺗزل اﻟﻧﺳﺎء ﻓﻼ أﺗزوج .ﻓﺟﺎء إﻟـﯾﻬم اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻓﻘﺎل } :أﻧﺗم ﻗﻠﺗم ﻛذا وﻛذا أﻣﺎ واﷲ أﻧﻰ ﻷﺧـﺷﺎﻛم
ﷲ وأﺗﻘﺎﻛم ﻟﻪ ،ﻟﻛﻧﻰ أﺻوم وأﻓطر ،وأﺻـﻠﻰ وأرﻗـد ،وأﺗـزوج اﻟﻧـﺳﺎء
)(١
ﻓﻣن رﻏب ﻋن ﺳﻧﺗﻰ ﻓﻠﯾس ﻣﻧﻰ { .
وﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم } :ﻓﻠـﯾس ﻣﻧـﻰ { ،
أى ﻟﯾس ﻋﻠﻰ ﺳﻧﺗﻰ وطرﯾﻘﺗﻰ ،وﻟﯾس ﻣـن أﻫـل اﻟﺣﻧﯾﻔﯾـﺔ اﻟـﺳﻬﻠﺔ ،
ﺑل اﻟذى ﯾﺗﻌﯾن ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺳﺎن أن ﯾﻔطـر ﻟﯾﺗﻘـوى ﻋﻠـﻰ اﻟـﺻوم ،وﯾﻧـﺎم
)(٢
ﻟﯾﻘوى ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾﺎم ،وﯾﻧﻛﺢ اﻟﻧﺳﺎء ﻟﯾﻌف ﻧظرﻩ وﻓرﺟﻪ .
ﻓﻬذﻩ اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﻧﺑوﯾﺔ اﻟـﺷرﯾﻔﺔ ـ وﻏﯾرﻫـﺎ ﻛﺛﯾـر ـ ﺗﻔﯾـد ﺷـرﻋﯾﺔ
اﻟزواج ،وﺗﺑﯾن ﻓﺿﯾﻠﺗﻪ ،وﺗﺑرز أﻫﻣﯾﺗـﻪ ،وﺗـدﻋوا إﻟـﻰ اﻟﺗرﻏﯾـب ﻓﯾـﻪ
ﺣﺗﻰ ﻗﺎل اﺑن ﻗداﻣﺔ اﻟﺣﻧﺑﻠﻰ ﺑﻌد أن ﺳﺎق ﻫذﻩ اﻷﺣﺎدﯾث :
" ﻫــذا ﺣــث ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﻛــﺎح ﺷــدﯾد ووﻋﯾــد ﻋﻠــﻰ ﺗرﻛــﻪ ﯾﻘرﺑــﻪ إﻟــﻰ
اﻟوﺟوب واﻟﺗﺧﻠﻰ ﻣﻧﻪ إﻟﻰ اﻟﺗﺣرﯾم " .ﻛﻣـﺎ أﻧـﻪ ﻗـد ﺣﻛـﻰ إﺟﻣـﺎع أﻫـل
)(٣
اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ أن اﻟﻧﻛﺎح ﻣﺷروع .
ـ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﺍﻟﺸﺮﻋﻰ ﻟﻠﺰﻭﺍﺝ :ـ
ﻣﻌﺎ
ﻻ ﺧﻼف ﺑﯾن أﻫل اﻟﻌﻠم أن ﻓﻰ اﻟزواج ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟدﯾن واﻟدﻧﯾﺎ ً
) (١رواﻩ اﻟﺑﺧــﺎرى ﻓــﻰ " ﻛﺗــﺎب اﻟﻧﻛــﺎح " " ﺑــﺎب اﻟﺗرﻏﯾــب ﻓــﻰ اﻟﻧﻛــﺎح " .ـ ـ وﻣــﺳﻠم ﻓــﻰ " ﻛﺗــﺎب اﻟﻧﻛــﺎح " " ﺑــﺎب
اﺳﺗﺣﺑﺎب اﻟﻧﻛﺎح ﻟﻣن ﺗﺎﻗت ﻧﻔﺳﻪ " .
) (٢ﺳﺑل اﻟﺳﻼم ﻟﻠﺻﻧﻌﺎﻧﻰ . ٢٣٦/٣
) (٣اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٤٤٧/٦
ـ ١٩٣ـ
،إذ ﺑــﻪ اﻋﻔــﺎف اﻟــﻧﻔس وﺑﻌــدﻫﺎ ﻋــن اﻟﺣـرام ،وﺑــﻪ طﻠــب اﻟوﻟــد ﻟﯾــﺷد
أزر أﺑﯾﻪ ﻓﻰ اﻟﺣﯾﺎة ،ﻟﻛن ﻟﻣﺎ ﻛـﺎن ﯾﺗرﺗـب ﻋﻠـﻰ اﻟـزواج ﺗﺑﻌـﺎت ﻗـد ﻻ
ﺗﺗﯾﺳر ﻟﺟﻣﯾـﻊ اﻟﻧـﺎس ،ﻓـﺿﻼً ﻋـن ﺗﻔـﺎوت ﺣـﺎل اﻟﻣﻛﻠﻔـﯾن ﻣـن ﻧﺎﺣﯾـﺔ
اﻟرﻏﺑــﺔ ﻓﯾــﻪ ،ﻓـــﺈن اﻟــزواج ﻋﻧـــد اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﺗﻌﺗرﯾـــﻪ اﻷﺣﻛــﺎم اﻟﺗﻛﻠﯾﻔﯾـــﺔ
اﻣــﺎ ،أو
ـدوﺑﺎ ،أو ﺣر ً
اﺟﺑــﺎ ،أو ﻣﻧـ ًﻓرﺿــﺎ ،أو و ً
اﻟﺧﻣــﺳﺔ ﻓﯾﻛــون ً :
ﻣﻛروﻫﺎ :
ً
ً
١ـ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻓﺮﺿـﺎ :إذا ﻛـﺎن اﻹﻧـﺳﺎن ﻗـﺎد ًرا ﻣـن اﻟﻧﺎﺣﯾـﺔ اﻟﻣﺎﻟﯾـﺔ ،
وواﺛًﻘــﺎ ﻣــن إﻗﺎﻣــﺔ اﻟﻌــدل ﻓــﻰ ﻣﻌﺎﻣﻠــﺔ اﻟﻣـرأة ،وﺗﺎﻗــت ﻧﻔــﺳﻪ إﻟــﻰ
اﻟﻧـﺳﺎء ﺑﺣﯾــث ﻻ ﯾﻣﻛﻧــﻪ اﻟـﺻﺑر ﻋــﻧﻬن ،وﺗــﯾﻘن ﻣـن اﻟوﻗــوع ﻓــﻰ
اﻟزﻧﺎ إن ﻟم ﯾﺗزوج ،ﻓﺗرك اﻟزﻧﺎ أﻣـر ﻣﻔـروض ،واﻟوﺳـﯾﻠﺔ إﻟـﻰ
ﻓرﺿــﺎ ،ﻓﻣــﺎ ﻻ ﯾــﺗم اﻟﻔــرض إﻻ ﺑــﻪ ﯾﻛــون
ذﻟــك اﻟــزواج ،ﻓﯾﻛــون ً
ﻓرﺿﺎ .
ً
ً
٢ـ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻭﺍﺟﺒﺎ (١) :إذا ﻛﺎن اﻹﻧﺳﺎن ﻗـﺎد ًرا ﻣـن اﻟﻧﺎﺣﯾـﺔ اﻟﻣﺎﻟﯾـﺔ ،
اﺛﻘﺎ ﻣن إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻌـدل ﻓـﻰ ﻣﻌﺎﻣﻠـﺔ اﻟزوﺟـﺔ ،وﺗﺎﻗـت ﻧﻔـﺳﻪ إﻟـﻰ وو ً
اﻟﻧﺳﺎء ،ﻟﻛﻧﻪ ﯾﺧﺷﻰ أو ﯾﻐﻠب ﻋﻠﻰ ظﻧﻪ اﻟوﻗوع ﻓﻰ اﻟزﻧﺎ إن ﻟـم
ﯾﺗزوج .
ً
٣ـ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺣﺮﺍﻣﺎ :إذا ﺗﺣﻘق اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ظﻠم زوﺟﺗﻪ ﻟو ﺗـزوج ،
إﻣﺎ ﻟﻌدم اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ أﻋﺑﺎء اﻟزواج ﻣن اﻟﻣﻬر واﻟﻧﻔﻘـﺔ ،أو ﻋـدم
اﺳﺗطﺎﻋﺗﻪ اﻋﻔﺎف اﻟزوﺟﺔ ﻟﻌﺟـز أو ﻣـرض ﻋﻧـدﻩ ،ﻓـﺎﻟزواج ﻓـﻰ
) (١اﻟﻔرض واﻟواﺟب ﻋﻧد ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻟﻔظﺎن ﻣﺗرادﻓﺎن ﻟـﺷﺊ واﺣـد ،أﻣـﺎ ﻋﻧـد اﻷﺣﻧـﺎف ﻓـﺎﻟﻔرض :ﻫـو ﻣـﺎ
ﯾﺛﺑت ﺑدﻟﯾل ﻗطﻌﻰ ﻻ ﺷﺑﻬﺔ ﻓﯾﻪ ،واﻟواﺟب :ﻫو ﻣﺎ ﯾﺛﺑت ﺑدﻟﯾل ظﻧﻰ ﻓﯾﻪ ﺷﺑﻬﺔ .
ـ ١٩٤ـ
اﻣــﺎ ،ﻷﻧــﻪ ﺳــﯾؤدى إﻟــﻰ ظﻠــم
ﺣــق ﻣــن ﻛــﺎن ﻫــذا ﺣﺎﻟــﻪ ﯾﻛــون ﺣر ً
اﻟﻣرأة وﺑﺧﺳﻬﺎ ﺣﻘوﻗﻬﺎ ،وﻫذا أﻣر ﻣﺣرم ﺷر ًﻋﺎ ،وﻣﺎ ﯾؤدى إﻟﻰ
اﻣﺎ .
اﻟﺣرام ﯾﻛون ﺣر ً ً
٤ـ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﻜﺮﻭﻫﺎ :إذا ﻏﻠب ﻋﻠﻰ ظن اﻹﻧﺳﺎن اﻟوﻗوع ﻓﻰ اﻟظﻠم
إن ﺗزوج إﻣﺎ ﺑﺎﻟﻌﺟز ﻋن اﻹﻧﻔﺎق ،أو إﺳﺎءة اﻟﻌﺷرة ،أو ﻓﺗـور
اﻣـﺎ ،
ﻣﻛروﻫـﺎ ﻻ ﺣر ً
ً اﻟرﻏﺑﺔ ﻋﻧدﻩ ،ﻓﺎﻟزواج ﻟﻣن ﻫذا ﺣﺎﻟﻪ ﯾﻛـون
وذﻟك ﻟﻌدم ﻗطﯾﻌﺔ اﻟﻧﻬﻰ ووﺟود اﻟﺷﺑﻬﺔ ﻓﯾﻪ ،وﻫﻰ ﺧﺷﯾﺔ وﻗوع
اﻟظﻠم .
ً
٥ـ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻣﻨﺪﻭﺑﺎ :إذا ﻛﺎن اﻹﻧﺳﺎن ﻓـﻰ ﺣﺎﻟـﺔ اﻋﺗـدال ،
ﻓﻼ ﯾﻘﻊ ﻓﻰ اﻟزﻧـﺎ وﻻ ﯾﺧـﺷﺎﻩ ،إن ﻟـم ﯾﺗـزوج ،ﺛـم ﻫـو ﻓـﻰ ﺣﺎﻟـﺔ
ﯾــﺄﻣن ﻣﻌﻬــﺎ ﻣــن ظﻠــم اﻟﻐﯾــر ،وﻋﻠــﻰ ﺛﻘــﺔ ﻣــن إﻗﺎﻣــﺔ اﻟﻔــراﺋض
واﻟﺳﻧن ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﻻ ﯾﻘدح ﻓﯾﻪ .ﻓﺎﻟزواج ﻟﻣـن ﻫـذا ﺣﺎﻟـﻪ ﺣـﺳن
ﻣرﻏوب ،ﻟﻛن ﻻ ﯾـﺄﺛم ﺑﺗرﻛـﻪ ،وﻫـذﻩ ﻫـﻰ اﻟﺣﺎﻟـﺔ اﻟﻐﺎﻟﺑـﺔ ،وﻟﻬـذا
ﻧرى اﻟﻔﻘﻬﺎء ﯾذﻛرون ﺣﻛم اﻟزواج اﻟﺗﻛﻠﯾﻔﻰ وﯾﻘوﻟـون أﻧـﻪ :ﺳـﻧﺔ
ﺗﻘرﯾﺑﺎ ،أى أﻧﻪ
ً ،أو ﻣﺳﺗﺣب ،أو ﻣﻧدوب ،وﻛﻠﻬﺎ ﺑﻣﻌﻧﻰ واﺣد
ﯾﺛــﺎب ﻋﻠــﻰ ﻓﻌﻠــﻪ وﻻ ﯾﻌﺎﻗــب ﻋﻠــﻰ ﺗرﻛــﻪ ،أﻣــﺎ ﻣــﺎ ﻋــدا ﻫــذا ﻣــن
اﻷﺣﻛﺎم اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﻣﺗﻘدﻣﺔ ،ﻓﺈﻧﻬـﺎ أﻣـور ﻋﺎرﺿـﺔ ﻷﺳـﺑﺎب ﻧﻔـﺳﯾﺔ
وﻣﺎدﯾـﺔ ﺗرﺗﻔـﻊ ﺑــﺎﻟزواج إﻟـﻰ ﻣرﺗﺑــﺔ اﻟﻔرﺿـﯾﺔ وﺗﻧــزل ﺑـﻪ إﻟــﻰ درك
اﻟﺣرام ﺣﺳب اﻟظروف واﻷﺣوال .
ـ ١٩٥ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﳋﻄﺒــﺔ {
ﻣﻘﺪﻣـﺎﺕ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ } ِ
ـ اﻟﻐرض ﻣن اﻟزواج ﻫو اﻟﻌﺷرة اﻟطﯾﺑـﺔ اﻟداﺋﻣـﺔ ﺑـﯾن اﻟـزوﺟﯾن ،
طﻠﺑﺎ ﻟﻠذرﯾﺔ اﻟﺻﺎﻟﺣﺔ ،واﻟﺗﻌﺎون ﻓﻰ ﻣﺧﺗﻠف ﺷﺋون اﻟﺣﯾﺎة ،واﻟـﺳﯾر
ً
ﻓﻰ دروﺑﻬﺎ ،وﻣواﺟﻬﺔ ﺗﻛﺎﻟﯾﻔﻬﺎ ﺑروح ﻣن اﻟﺣب واﻟﻣودة ﺑﻐﯾﺔ اﻟﻧﺟﺎح
واﻟﻔﻼح ﻓﯾﻬﺎ .ﻟذﻟك ﯾﻧﺑﻐﻰ ﻟﻣرﯾـدى اﻟـزواج ﻣـن اﻟﺗﺑـﺻر ﻓـﻰ اﻷﻣـر ،
واﻟﺗروى ﻓﯾﻪ وأن ﯾﻛون ﻛل ﻣﻧﻬﻣـﺎ ﻋﻠـﻰ ﺑﯾﻧـﺔ ﻣـن أﻣـر اﻵﺧـر ،ﺣﺗـﻰ
إذا رأى ﻓﯾﻪ ﻣﺎ ﯾﺻﺑو إﻟﯾﻪ ،ورﻏب ﻓﻰ اﻟﻌـﯾش ﻣﻌـﻪ واﻻﺋﺗﻧـﺎس ﺑـﻪ ،
أﻗدم ﻋﻠﻰ اﻻرﺗﺑﺎط ﺑراﺑطﺔ اﻟرﺣﻣﺔ واﻟﻣودة وﻫو " اﻟـزواج " .
ﻓﻣـن أﺟــل ذﻟـك ﺷــرﻋت اﻟﺧطﺑـﺔ ﻓــﻰ اﻹﺳـﻼم ،وﻋﻧــﻰ اﻟﻔﻘﻬــﺎء
ﺑﺑﯾﺎن أﺣﻛﺎﻣﻬﺎ .
وﺳوف ﻧﺑﯾن ﻟك أﻫم ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻬﺎ ﻣن أﺣﻛﺎم :
ـ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﳋﻄﺒـﺔ :ـ
وﻫـذا )(١
اﻟﺧطﺑﺔ ـ ﺑﻛﺳر اﻟﺧﺎء ـ ﻫﻰ اﻟﺗﻣـﺎس اﻟﻧﻛـﺎح ﻣﻣـن ﯾﻌﺗﺑـر ﻣﻧـﻪ
اﻟطﻠب ﻗد ﯾﻛون ﻣن اﻟﻣرأة اﻟﻣـراد اﻟـزواج ﺑﻬـﺎ ،أو ﻣـن وﻟﯾﻬـﺎ ،وﻓـﻰ
ﺗﻌرﯾﺿﺎ .
ً ﺗﺻرﯾﺣﺎ ،وﻗد ﯾﻛون
ً ﻛﻠﯾﻬﻣﺎ ﻗد ﯾﻘﻊ
واﻟﻠﻔظ اﻟـﺻرﯾﺢ :ﻫـو اﻟﻠﻔـظ اﻟـذى ﻻ ﯾﺣﺗﻣـل ﻏﯾـر اﻟـزواج ﻛـﺄن ﯾﻘـول
اﻟرﺟل ﻟﻠﻣرأة :أرﯾد أن أﺗزوﺟك ،أو ﯾﺧﺎطب وﻟﯾﻬﺎ :أرﯾد اﻟزواج ﻣن
ﻓﻼﻧﺔ .أﻣــﺎ اﻟﺗﻌــرﯾض :ﻓﻬــو اﻟﻛــﻼم اﻟــذى ﯾﺣﺗﻣــل اﻟرﻏﺑــﺔ ﻓــﻰ اﻟــزواج
) (١ﺣﺎﺷﯾﺔ ﻗﻠﯾوﺑﻰ ﻣﻊ ﺷرح اﻟﻣﺣﻠﻰ . ٢١٣/٣
ـ ١٩٦ـ
وﻋـــدم اﻟرﻏﺑـــﺔ ﻓﯾـــﻪ ،إﻻ أن ﻗـــراﺋن اﻟﺣـــﺎل ﺗـــرﺟﺢ ﺣﻣﻠـــﻪ ﻋﻠـــﻰ ﻗـــﺻد
اﻟﺧطﺑﺔ ،ﻛﺄن ﯾﻘول رﺟـل ﻻﻣـرأة :أﻧـت ﺟﻣﯾﻠـﺔ ،أو ﻣـن ﯾﺟـد ﻣﺛﻠـك ،
)(١
أو رب راﻏب ﻓﯾك .وﻣﺎ أﺷﺑﻪ ذﻟك .
وﻣــن ﻫــذا اﻟﻘﺑﯾــل ﻣــﺎ روى أن " ﺳــﻛﯾﻧﺔ ﺑﻧــت ﺣﻧظﻠــﺔ " ﻗﺎﻟــت :
اﺳـﺗﺄذن ﻋﻠــﻰ ﻣﺣﻣـد ﺑــن ﻋﻠـﻰ ﺑــن اﻟﺣـﺳﯾن ،وﻟــم ﺗـﻧﻘض ﻋــدﺗﻰ ﻣــن
ﻣﻬﻠـك زوﺟـﻰ ،ﻓﻘـﺎل :ﻗـد ﻋرﻓـت ﻗراﺑﺗـﻰ ﻣـن رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ وﻗراﺑﺗﻰ ﻣن ﻋﻠﻰ ،وﻣوﺿﻌﻰ ﻣن اﻟﻌـرب ،ﻗﺎﻟـت :
ﻓﻘﻠـــت ﻟـــﻪ :ﻏﻔـــر اﷲ ﻟـــك ﯾـــﺎ أﺑـــﺎ ﺟﻌﻔـــر ،إﻧـــك رﺟـــل ﯾؤﺧـــذ ﻋﻧـــك ،
وﺗﺧطﺑﻧﻰ ﻓـﻰ ﻋـدﺗﻰ ؟ ﻓﻘـﺎل :إﻧﻣـﺎ أﺧﺑرﺗـك ﺑﻘراﺑﺗـﻰ ﻣـن رﺳـول اﷲ ـ
)(٢
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ وﻣن ﻋﻠﻰ .
ـ ﻣﺸـﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﳋﻄﺒﺔ :ـ
ﺛﺑﺗت ﻣﺷروﻋﯾﺔ اﻟﺧطﺑﺔ ﺑﻛﺗـﺎب اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ،وﺳـﻧﺔ رﺳـوﻟﻪ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ :
اﻟﻣﺗـوﻓﻰ ﻋﻧﻬـﺎ زوﺟﻬـﺎ " :وﻻ ﻓﻔﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ :ـ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓـﻰ ﺷـﺄن ُ
ﺟﻧﺎح ﻋﻠﯾﻛم ﻓﯾﻣﺎ ﻋرﺿﺗم ﺑﻪ ﻣن ﺧطﺑﺔ اﻟﻧﺳﺎء أو أﻛﻧﻧﺗم ﻓﻰ أﻧﻔﺳﻛم
اﻋـدوﻫن ِﺳـ ًرا إﻻ أن ﺗﻘوﻟـوا ﻗـوﻻً
ﻋﻠم اﷲ أﻧﻛم ﺳﺗذﻛروﻧﻬن وﻟﻛن ﻻ ﺗُو ِ ُ ُ َ
)(٣
ﻣﻌروﻓﺎ وﻻ ﺗﻌزﻣوا ﻋﻘدة اﻟﻧﻛﺎح ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻠﻎ اﻟﻛﺗﺎب أﺟﻠﻪ " .
ً
) (١اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٦٠٤/٦
) (٢رواﻩ اﻟدارﻗطﻧﻰ ﻧﯾل اﻷوطﺎر ١٠٨/٦دار اﻟﺣدﯾث .
) (٣اﻟﺑﻘرة . ٢٣٥
ـ ١٩٧ـ
ﻓﻬذﻩ اﻵﯾﺔ أﻓـﺎدت أﻧـﻪ ﻻ ﺟﻧـﺎح ﻓـﻰ اﻟﺗﻌـرﯾض ﻟﻠﻣﻌﺗـدات ﻋـدة
وﻓﺎة ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﺗدل ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻛﻧﻪ اﻟﻧﻔوس ﻣـن ﻗـﺻد اﻟـزواج ﺑﻬـن ،ﻛـﺄن
ﯾﻘــول اﻟرﺟــل ﻟﻠﻣ ـرأة وﻫــﻰ ﻓــﻰ ﻋــدﺗﻬﺎ ﻣــن وﻓــﺎة زوﺟﻬــﺎ :إﻧـ ِـك ﻋﻠــﻰ
ﻟﻛرﯾﻣــﺔ ٕ ،وان اﷲ ﻟــﺳﺎﺋق إﻟﯾــك ﺧﯾ ـ ًار ورزﻗًــﺎ ،أو ﯾﻌرﻓﻬــﺎ ﻣــن ﻧﻔــﺳﻪ
زوﺟﺎ ،ﻛﻣﺎ ﺣدث ﻣن ﻣﺣﻣد ﺑـن ﻋﻠـﻰ ﺑـن ﺑﺻﻔﺎت ﺗدﻋوﻫﺎ إﻟﻰ ﻗﺑوﻟﻪ ً
اﻟﺣﺳﯾن ﺣﯾﻧﻣﺎ دﺧل ﻋﻠﻰ ﺳﻛﯾﻧﺔ ﺑﻧت ﺣﻧظﻠﺔ ﻓﻰ اﻟﺣدﯾث اﻟذى ﻣـر ،
وﺣﯾـــث دل اﻟـــدﻟﯾل ﻋﻠـــﻰ ﺟـــواز اﻟﺗﻌـــرﯾض ﻓـــﻰ وﻗـــت ﻻ ﯾﺟـــوز ﻓﯾـــﻪ
اﻟﺗــﺻرﯾﺢ ﻟﺣﻛﻣــﺔ ﻟﻬــﺎ اﻋﺗﺑﺎرﻫــﺎ ﻟــدى اﻟــﺷﺎرع (١) .ﻓدﻻﻟﺗــﻪ ﻋﻠــﻰ ﺟ ـواز
ﻟﻠﻣﺷرع اﻟﺣﻛﯾم
ﻣﻘﺻودا ُ
ً اﻟﺗﺻرﯾﺢ ﺑﺎﻟﺧطﺑﺔ ﻓﻰ ﻏﯾر ﻫذا اﻟوﻗت ﯾﻛون
،وﻫو اﻟذى ﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻷﺣﻛﺎم .
ﺃﻣﺎ ﻓﻰ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻓﻘﺪ ﻭﺭﺩﺕ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻛﺜﲑﺓ ﻣﻨﻬﺎ :ـ
١ـ ﻣﺎ رواﻩ اﻹﻣﺎم ﻣﺳﻠم ﺑﺳﻧدﻩ ﻋن ﻧﺎﻓﻊ ﻋـن اﺑـن ﻋﻣـر ـ رﺿـﻰ اﷲ
ﻋﻧﻬﻣﺎ ـ أن اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻗـﺎل } :ﻻ ﯾﺑﯾـﻊ
اﻟرﺟل ﻋﻠﻰ ﺑﯾﻊ أﺧﯾﻪ ،وﻻ ﯾﺧطب ﻋﻠﻰ ﺧطﺑﺔ أﺧﯾﻪ إﻻ أن ﯾﺄذن
ﻟﻪ { .
٢ـ روى ﻋـن ﺟـﺎﺑر ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﻗـﺎل :ﺳـﻣﻌت رﺳـول اﷲ ـ
ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﯾﻘـول } :إذا ﺧطـب أﺣـدﻛم اﻟﻣـرأة
)(٢
ﻓﻘدر أن ﯾرى ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﯾدﻋوﻩ إﻟﻰ ﻧﻛﺎﺣﻬﺎ ﻓﻠﯾﻔﻌل .
) (١ﻟم ﯾﺟز اﻟﺗﺻرﯾﺢ ﺑﺧطﺑﺔ اﻟﻣﻌﺗدة ﻣن وﻓﺎة ﻓﻰ زﻣن اﻟﻌدة ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺣﺑس ﻧﻔﺳﻬﺎ ِﺣ ً
ـدادا ﻋﻠـﻰ زوﺟﻬـﺎ ،وﺣزﻧـﺎ
ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻼ ﯾﻧﺎﺳب وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺗﺻرﯾﺢ ﺑﺧطﺑﺗﻬﺎ .
) (٢رواﻩ أﺑو داود ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب ﻓﻰ اﻟرﺟل ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣرأة وﻫو ﯾرﯾد أن ﯾﺗزوﺟﻬﺎ ".
ـ ١٩٨ـ
٣ـ ﻗوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻟﻔﺎطﻣﺔ ﺑﻧت ﻗـﯾس وﻛﺎﻧـت ﻗـد
طﻠﻘت ﺛﻼث ﺗطﻠﯾﻘـﺎت } اﻋﺗـدى ﻋﻧـد اﺑـن أم ﻣﻛﺗـوم ﻓﺈﻧـﻪ رﺟـل أﻋﻣـﻰ
ُ ْ
ﺗﺿﻌﯾن ﺛﯾﺎﺑك ﻓﺈذا ﺣﻠﻠت ﻓﺂذﻧﯾﻧﻰ { .
ﻗــﺎل اﻟﻧــووى " :ﻓﯾــﻪ ﺟ ـواز اﻟﺗﻌــرﯾض ﺑﺧطﺑــﺔ اﻟﺑــﺎﺋن وﻫــو اﻟــﺻﺣﯾﺢ
ﻋﻧــدﻧﺎ " .ﻓﻬــذﻩ اﻷﺣﺎدﯾــث ﻓﯾﻬــﺎ دﻻﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻣــﺷروﻋﯾﺔ ﺧطﺑــﺔ اﻟرﺟــل
ﻟﻠﻣ ـرأة إذا أراد اﻟــزواج ﻣﻧﻬــﺎ واﻻﻗﺗ ـران ﺑﻬــﺎ ٕ ،وان ﻛــﺎن اﻟﺧطــﺎب ﻓﯾﻬــﺎ
ﺧﺎص ﺑﺎﻟرﺟﺎل ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﺷـر ًﻋﺎ ﻣـن ﺧطﺑـﺔ اﻟﻣـرأة ﻟﻠرﺟـل ،وﻫـو اﻟـذى
دﻟت ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻧﺔ وﺑﯾﺎﻧﻪ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻰ :
ـ ﺧﻄﺒﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻟﻠﺮﺟﻞ :ـ
زوﺟـﺎ ،
ﯾﺟوز ﺷر ًﻋﺎ ﻟﻠﻣرأة أن ﺗطﻠب ﻣن اﻟرﺟل أن ﯾﻛون ﻟﻬـﺎ ً
ﻛﻔﺋﺎ ﻟﻬﺎ ﻻﺳـﯾﻣﺎ إذا رﻏﺑـت
وﻻ ﻏﺿﺎﺿﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻰ ذﻟك ﻣﺎ داﻣت ﺗراﻩ ُ ً
ﻓﻰ ﺻﻼﺣﻪ وﺗﻘواﻩ ،واﻷﺻل ﻓﻰ ذﻟك :
١ـ ﻣﺎ رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى ﺑﺳﻧدﻩ ﻋن ﺛﺎﺑت اﻟﺑﻧـﺎﻧﻰ ﻗـﺎل :ﻛﻧـت ﻋﻧـد أﻧـس
وﻋﻧدﻩ اﺑﻧﺔ ﻟﻪ ،ﻗﺎل أﻧس :ﺟﺎءت اﻣـرأة إﻟـﻰ رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﺗﻌرض ﻋﻠﯾﻪ ﻧﻔﺳﻬﺎ ،ﻗﺎﻟت:ﯾﺎ رﺳول اﷲ :أﻟك ﺑـﻰ
ﺳـ ْوأ ََﺗﺎﻩ
ﺳـ ْوأ ََﺗﺎﻩ ،وا َ
ﺣﺎﺟﺔ ؟ ﻓﻘﺎﻟت ﺑﻧت أﻧس :ﻣﺎ أﻗـل ﺣﯾﺎﺋﻬـﺎ ،وا َ
،ﻗﺎل :ﻫﻰ ﺧﯾر ﻣﻧك رﻏﺑت ﻓﻰ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ
ﻓﻌرﺿت ﻋﻠﯾﻪ ﻧﻔﺳﻬﺎ .
ـ واﻟﺣﺎﻛم ﻓﻰ اﻟﻣﺳﺗدرك ١٦٥/٢وﻗﺎل ﺻﺣﯾﺢ ﻋﻠﻰ ﺷرط ﻣﺳﻠم .
ـ ﻣﺳﻧد اﻹﻣﺎم أﺣﻣد . ٣٣٤/٣
ـ ١٩٩ـ
ـﺿﺎ ﻋــن ﺳــﻬل ﺑــن ﺳــﻌد :أن اﻣ ـرأة ﻋرﺿــت
٢ـ وروى اﻟﺑﺧــﺎرى أﯾـ ً
ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ رﺟـل :ﯾـﺎ
رﺳول اﷲ زوﺟﻧﯾﻬﺎ ،ﻓﻘﺎل :ﻣﺎ ﻋﻧدك ؟ ﻗﺎل :ﻣﺎ ﻋﻧـدى ﺷـﺊ .ﻗـﺎل
ﺧﺎﺗﻣـﺎ ﻣـن ﺣدﯾـد ،ﻓـذﻫب ﺛـم رﺟـﻊ ﻓﻘـﺎل :ﻻ .
ً :اذﻫب ﻓﺎﻟﺗﻣس وﻟو
ﺧﺎﺗﻣﺎ ﻣن ﺣدﯾد ،وﻟﻛـن ﻫـذا إزارى وﻟﻬـﺎ ﻧـﺻﻔﻪ ،
ً ﺷﯾﺋﺎ وﻻ
ﻣﺎ وﺟدت ً
ﻗﺎل ﺳﻬل :وﻣﺎﻟﻪ رداء .ﻓﻘﺎل اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳـﻠم ـ :
وﻣﺎذا ﺗﺻﻧﻊ ﺑﺈزارك ؟ إن ﻟﺑﺳﺗﻪ ﻟم ﯾﻛن ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻣﻧﻪ ﺷﺊ ٕ ،وان ﻟﺑﺳﺗﻪ
ﻟم ﯾﻛن ﻋﻠﯾك ﻣﻧﻪ ﺷﺊ ،ﻓﺟﻠـس اﻟرﺟـل ﺣﺗـﻰ إذا طـﺎل ﻣﺟﻠـﺳﻪ ﻗـﺎم ،
ﻓرآﻩ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻓدﻋﺎﻩ أودﻋﻰ ﻟـﻪ ،ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ
:ﻣﺎذا ﻣﻌك ﻣـن اﻟﻘـرآن ؟ ﻓﻘـﺎل :ﻣﻌـﻰ ﺳـورة ﻛـذا وﺳـورة ﻛـذا ِ َُ ٍ
ﻟـﺳور
ﯾﻌددﻫﺎ ،ﻓﻘـﺎل اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ :أﻣﻠﻛﻧﺎﻛﻬـﺎ ﺑﻣـﺎ
ُ َُ
)(١
ﻣﻌك ﻣن اﻟﻘرآن .
ﻓﻔــﻰ اﻟﺣــدﯾﺛﯾن دﻟﯾــل ﻋﻠــﻰ ﺟ ـواز ﻋــرض اﻟﻣ ـرأة ﻧﻔــﺳﻬﺎ ﻋﻠــﻰ
اﻟرﺟل وﺗﻌرﯾﻔﻪ رﻏﺑﺗﻬﺎ ﻓﯾﻪ وأﻧﻪ ﻻ ﻏﺿﺎﺿﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻓﻰ ذﻟك .
ـ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﱃ ﺍﳌﺨﻄﻮﺑﺔ :ـ
ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﻣﻘﺻود اﻷﺻﻠﻰ ﻣن اﻟـزواج ﻫـو اﻟﻌـﺷرة اﻟداﺋﻣـﺔ اﻟﺗـﻰ
ﺗﻘــوم ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس ﻣﺗــﯾن ﻣــن اﻷﻟﻔــﺔ واﻟﻣــودة واﻟوﻓــﺎق أﺑــﺎح اﻟﻣــﺷرع
اﻟﻧظـر إﻟــﻰ اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ ،وﻧــدب إﻟﯾــﻪ ،ورﻏـب ﻓﯾــﻪ ،وذﻟــك ﻷن أذواق
اﻟﻧﺎس ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻣن ﻛﺎﻧت ﺟﻣﯾﻠﺔ ﻓﻰ ذوق ﺑﻌﺿﻬم ﻻ ﺗﻛون ﻛذﻟك ﻓﻰ
) (١ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺧﺎرى " ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب ﻋرض اﻟﻣرأة ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟرﺟل اﻟﺻﺎﻟﺢ " .
ـ ٢٠٠ـ
ذوق ﺑﻌض آﺧر ﻓﻼ ﯾﻛﻔﻰ ﻓﻰ ذﻟك اﻹﺧﺑﺎر أو اﻟوﺻف ،ﺑل ﻻﺑد ﻣن
اﻟرؤﯾـــﺔ واﻟﻘـــﺻد إﻟـــﻰ ﺗﻌـــرف اﻟﻣﻼﻣـــﺢ واﻟـــﺻﻔﺎت اﻟﺗـــﻰ ﯾﻬﻔـــوا إﻟﯾﻬـــﺎ
اﻹﻧﺳﺎن ﻓﯾﻣن ﺳﺗﻛون ﺷرﯾﻛﺔ ﻟﺣﯾﺎﺗﻪ ،وﻗد اﺗﻔق اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻋﻠﻰ ﺟواز
ﻧظر اﻟﺧﺎطب ﻟﻣن ﯾرﯾد اﻟزواج ﻣﻧﻬﺎ ،واﻷﺻل ﻓﻰ ﺟواز ذﻟـك ﻣـﺎ ورد
ﻋن اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻣن أﺣﺎدﯾث ﻣﻧﻬﺎ :
١ـ ﻣــﺎ روى أن اﻟﻣﻐﯾــرة ﺑــن ﺷــﻌﺑﺔ ﺧطـب اﻣـرأة ،ﻓﻘــﺎل ﻟــﻪ اﻟﻧﺑــﻰ ـ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ } :اﻧظر إﻟﯾﻬﺎ ﻓﺈﻧـﻪ أﺣـرى أن ﯾـؤدم
١.
) (
ﺑﯾﻧﻛﻣﺎ {
٢ـ وﻋـن أﺑـﻰ ﻫرﯾـرة ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﻗـﺎل :ﺧطـب رﺟـل اﻣـرأة ﻣـن
اﻷﻧﺻﺎر ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم } :اﻧظـر
ﺷﯾﺋﺎ { .
إﻟﯾﻬﺎ ﻓﺈن ﻓﻰ أﻋﯾن اﻷﻧﺻﺎر ً
)(٢
٣ـ وﻋـن ﺟـﺎﺑر ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﻗـﺎل :ﺳـﻣﻌت اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟــﻪ وﺳـﻠم ـ ﯾﻘـول } :إذا ﺧطــب أﺣـدﻛم اﻟﻣـرأة ﻓﻘــدر أن
ﯾرى ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﯾدﻋوﻩ إﻟﻰ ﻧﻛﺎﺣﻬﺎ ﻓﻠﯾﻔﻌل { .
٤ـ وﻋن ﻣﺣﻣد ﺑن ﻣﺳﻠﻣﺔ ﻗﺎل :ﺳﻣﻌت رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳـﻠم ـ ﯾﻘـول } :إذا أﻟﻘـﻰ اﷲ ﻋـز وﺟـل ﻓـﻰ ﻗﻠـب اﻣـرئ ﺧطﺑـﺔ
)(٣
اﻣرأة ﻓﻼ ﺑﺄس أن ﯾﻧظر إﻟﯾﻬﺎ { .
وﻗد اﺳﺗﺣﺳن اﻟﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ﺗﻔﺿﯾل رؤﯾﺔ اﻟﺧﺎطب ﻟﻠﻣﺧطوﺑﺔ ﻗﺑل ﺧطﺑﺗﻬﺎ
) (١أﺧرﺟﻪ اﻟﺗرﻣذى ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻰ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﺧطوﺑﺔ " .
ﺷﯾﺋﺎ :ﻓﻘﯾل :ﻋﻣش .وﻗﯾل :ﺻﻐر .
) (٢ﻗﺎل اﻟﻐزاﻟﻰ ﻓﻰ اﻹﺣﯾﺎء :اﺧﺗﻠف ﻓﻰ اﻟﻣراد ﺑﻘوﻟﻪ ً
ـ ﻧﯾل اﻷوطﺎر ١٠٩/٦وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ . ) (٣ﺳﺑل اﻟﺳﻼم . ١١٣/٣
ـ ٢٠١ـ
ﻋﻠﻰ ﻏﯾـر ﻋﻠـم ﻣﻧﻬـﺎ وﻣـن أﻫﻠﻬـﺎ (١) .وﻫـذا ﺣـﺳن ووﺟﯾـﻪ ﻓﯾـﻪ اﻟﺧﯾـر
ﻟﻠطرﻓﯾن ؛ ﻷن اﻟﺧﺎطب إذا أﻗدم ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﺑﺔ ﻓﻘد ﺣـﺻل اﻟﻣﻘـﺻود ،
ٕوان زﻫد ﻓﯾﻬﺎ ورﻏب ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻬو ﻟم ﯾﺟرح ﻛراﻣﺗﻬﺎ ،وﻟم ﯾؤذ ﺷﻌورﻫﺎ.
ﻛــذﻟك أﺑــﺎح اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﻟﻠﺧﺎطــب أن ﯾﻛــرر اﻟﻧظــر إﻟــﻰ اﻟﻣﺧطوﺑــﺔ
ﻟﯾﺗﺄﻣل ﻣﺣﺎﺳﻧﻬﺎ إذا ﻟم ﺗﻛف اﻟﻣرة اﻟواﺣدة ؛ ﻷن اﻟﻣﻘﺻود اﻟذى رﻣﻰ
إﻟﯾﻪ ﻻ ﯾﺣﺻل إﻻ ﺑذﻟك ،ﻓﻠو ﺣﺻل ﻟﻪ اﻟﻣﻘﺻود ﻣن ﻧظرة أو ﻧظرات
ﺣرم ﻋﻠﯾﻪ ﻣﺎ زاد ﻋﻠﻰ ذﻟك ؛ ﻷﻧﻪ ﻧظر أﺑﯾﺢ ﻟﻠﺿرورة ،ﻓوﺟب اﻟﺗﻘﯾد
ﺑﻣﺎ أﺑﯾﺢ ﻷﺟﻠﻪ ﻻ ﯾزﯾد ﻋﻠﯾﻪ .
وﻗـــد اﺷـــﺗرط اﻟﻔﻘﻬـــﺎء أن ﯾﻛـــون اﻟﻧظـــر إﻟـــﻰ اﻟﻣـــرأة ﺑﺣـــﺿرة
ﻣﺣﺎرﻣﻬﺎ ) ، (٢ﻷﻧﻬﺎ أﺟﻧﺑﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺎطب ،ﻓﻼ ﯾﺟوز اﻟﺧﻠوة ﺑﻬﺎ ﺣﯾث
)(٣
ﻟم ﯾرد اﻟﺷرع ﺑﻐﯾر إﺑﺎﺣﺔ اﻟﻧظر ﻓﺗﻛون اﻟﺧﻠوة ﻣﺣرﻣﺔ .
ـ ﺍﻟﺘﻮﻛﻴﻞ ﻓﻰ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﱃ ﺍﳌﺨﻄﻮﺑﺔ :ـ
ﻗد ﺗﻛون ﻫﻧﺎك ظروف ﺗﻣﻧﻊ اﻹﻧﺳﺎن ﻣن اﻟﻧظر إﻟﻰ ﻣـن ﯾرﯾـد
ﺧطﺑﺗﻬﺎ ﻛﺄن ﯾﻛون أﻋﻣـﻰ ،أو ﯾﻛـون ﻋﻠـﻰ ﺳـﻔر طوﯾـل ﻣـﺛﻼً ،أو ﻻ
ﯾﻛـــون ﻫـــذا وﻻ ذاك ﻟﻛﻧـــﻪ ﯾرﻏـــب ﻓـــﻰ ﺗوﻛﯾـــل ﻏﯾـــرﻩ ﻓـــﻰ اﻟﻧظـــر إﻟـــﻰ
اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ ؛ ﻟﯾﺣــﺻل ﻟـﻪ اﻟﻣﻘــﺻود ﻣـن اطﻣﺋﻧــﺎن ﻗﻠﺑـﻪ ﻓــﯾﻣن ﺳــﺗﻛون
) (١ﺳﺑل اﻟﺳﻼم . ١١٣/٣
) (٢وذﻟك إذا ذﻫب إﻟﻰ ﺧطﺑﺗﻬﺎ ﻓﻰ ﻣﻧزل أﻫﻠﻬﺎ .أﻣﺎ إذا ﻧظـر إﻟﯾﻬـﺎ وﻫـﻰ ﻓـﻰ اﻟطرﯾـق وﻛـﺎن ﻣﻘـﺻدﻩ ﻣـن وراء
اﻟﻧظـر اﻟوﺻـول إﻟـﻰ ﺧطﺑﺗﻬـﺎ ﻓﻘـد اﺳﺗﺣـﺳﻧﺎ ﻫﻧـﺎ ﻣــذﻫب اﻟـﺷﺎﻓﻌﯾﺔ .وﯾـرى اﻟﻣﺎﻟﻛﯾـﺔ ﻛ ارﻫـﺔ اﺳـﺗﻐﻔﺎل اﻟﻣـرأة ﺑــﺎﻟﻧظر
إﻟﯾﻬﺎ ﺑل ﻻﺑد ﻣن إذﻧﻬﺎ أو إذن وﻟﯾﻬﺎ .
ـ ﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻰ ﻣﻊ اﻟﺷرح اﻟﻛﺑﯾر . ٢١٥/٢
) (٣اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٥٥٣/٦
ـ ٢٠٢ـ
ﺷرﯾﻛﺔ ﻟﺣﯾﺎﺗﻪ ؛ وﻟﯾزول ﻣﺎ ﻋﻧـدﻩ ﻣـن ﻗﻠـق واﺿـطراب إذا اﻧـﺿم رأى
ﺗوﻛﯾـل رﺟـل أو اﻣـرأة )(١
ﻏﯾرﻩ إﻟـﻰ رأﯾـﻪ ،ﻟـذﻟك أﺟـﺎز ﻓﻘﻬـﺎء اﻟﻣﺎﻟﻛﯾـﺔ
ﻓﻰ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ ﺳـواء ﻛـﺎن ﻫـذا اﻟرﺟـل أو ﺗﻠـك اﻟﻣـرأة ﻣﻣـن
ﯾﺣل ﻟﻬﻣﺎ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﺧطوﺑﺔ أم ﻻ ،وﻗﺎﻟوا :إذا ﻛﺎن اﻟوﻛﯾـل رﺟـﻼً
ﻓــﻼ ﯾﺣــل ﻟــﻪ اﻟﻧظــر ﻣــن اﻟﻣﺧطوﺑــﺔ إﻻ وﺟﻬﻬــﺎ وﻛﻔﯾﻬــﺎ ﻷن ﻣــﺎ ﯾﺑــﺎح
ﻟﻠﻣوﻛل ﯾﺑﺎح ﻟﻠوﻛﯾل ،أﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻟوﻛﯾل اﻣرأة ﻓﻠﻬﺎ أن ﺗﻧظر إﻟﻰ ﻣـﺎ
زاد ﻋن اﻟوﺟﻪ واﻟﻛﻔﯾن ﻣـن ﺣﯾـث ﻛوﻧﻬـﺎ اﻣـرأة .ﻻ ﻣـن ﺣﯾـث ﻛوﻧﻬـﺎ
وﻛﯾﻠﺔ .
ـ ﻣﺎ ﻳﺒﺎﺡ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﳌﺨﻄﻮﺑﺔ :ـ
اﺧﺗﻠف اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺟوز اﻟﻧظر إﻟﯾﻪ ﻣن اﻟﻣﺧطوﺑﺔ :
ﺃ ـ ﻓﺠﻤﻬﻮﺭ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﯾﺟوز ﻟﻠﺧﺎطب أن ﯾﻧظر ﻣن ﻣﺧطوﺑﺗﻪ
وﺟﻬﻬــﺎ وﻛﻔﯾﻬــﺎ ﻓﻘ ـط ،ﻓــﻼ ﯾﺟــوز ﻧظــر ﻣــﺎ ﻋــدا ذﻟــك ﻣــن ﺟــﺳدﻫﺎ ،
واﺳﺗﻧدوا ﻓﻰ ذﻟك إﻟـﻰ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :وﻻ ﯾﺑـدﯾن زﯾﻧـﺗﻬن إﻻ ﻣـﺎ ظﻬـر
ﻣﻧﻬـﺎ " ) (٢ﻓﻘـد روى ﻋـن اﺑـن ﻋﺑـﺎس ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ ـ أﻧـﻪ ﻗـﺎل :
اﻟوﺟـﻪ وﺑطــن اﻟﻛـف ،ﻓــﻼ ﯾﺟــوز ﻟﻠﻣـرأة أن ﺗظﻬــر ﻣـﺎ ﻋــداﻫﻣﺎ ؛ ﻷﻧــﻪ
ﻋورة ﻓﻼ ﯾﺑﺎح اﻟﻧظر إﻟﯾـﻪ .وﻗـﺎﻟوا :إن اﻟﻧظـر ﻣﺣـرم أﺑـﯾﺢ ﻟﻠﺣﺎﺟـﺔ ـ
وﻫو إرادة اﻟزواج ﻣن اﻟﻣرأة اﻟﻣﻧظور إﻟﯾﻬﺎ ـ ﻓﯾﺧﺗص ﺑﻣﺎ ﺗدﻋوا إﻟﯾـﻪ
،وﻫو اﻟوﺟﻪ واﻟﻛﻔـﯾن ،ﻓﯾـﺳﺗدل ﺑﺎﻟوﺟـﻪ ﻋﻠـﻰ ﻣﻘـدار اﻟﺟﻣـﺎل وﺑﻌـض
) (١اﻟﺷرح اﻟﻛﺑﯾر وﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻰ ﻋﻠﯾﻪ . ٢١٥/٢
) (٢ﺳورة اﻟﻧور . ٣١ :
ـ ٢٠٣ـ
اﻷﺧﻼق ؛ ﻷﻧـﻪ ﯾـﺷف ﻋـن اﻟﺣﺎﻟـﺔ اﻟﻧﻔـﺳﯾﺔ ﻟﻺﻧـﺳﺎن ،وﻓـﻰ اﻟﺧﺑـر :
ﻣﺎ أﺳر ﻣؤﻣن ﻣن ﺳرﯾرة إﻻ أﺑداﻫﺎ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺻـﻔﺣﺎت وﺟﻬـﻪ وﻓﻠﺗـﺎت
ﻟﺳﺎﻧﻪ " .وﯾﺳﺗدل ﺑﺎﻟﻛﻔﯾن ﻋﻠﻰ ﺧﺻوﺑﺔ اﻟﺟﺳم أو ﻋدم ﺧﺻوﺑﺗﻪ .
ﺏ ـ ﻭﺃﺟﺎﺯ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻘدﻣﯾن ﻣﻊ اﻟوﺟﻪ واﻟﻛﻔﯾن .
ﺝ ـ ﻭﻓﻰ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻋﻨﺪ ﺍﳊﻨﺎﺑﻠﺔ :ﯾﻧظر اﻟﺧﺎطب إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾظﻬر ﻣـن اﻟﻣـرأة
ﻏﺎﻟﺑﺎ ،ﻛﺎﻟوﺟﻪ واﻟﻛﻔﯾن واﻟﻘدﻣﯾن واﻟرﻗﺑﺔ وﻏﯾر ذﻟك ﻣﻣـﺎ ﺗظﻬـرﻩ اﻟﻣـرأة
ً
وﻫﻰ ﻓﻰ ﻣﻧزﻟﻬﺎ .
وﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﺟﻣﻬور وﺟﯾﻪ ﻣﻌﻘول ﻓﯾﻪ ﻣـﺎ ﯾﺣﻔـظ ﻟﻠﻣـرأة ﻛراﻣﺗﻬـﺎ
وﺣﯾﺎﺋﻬــﺎ ،وﻫــو اﻟــذى ﺟــرى ﻋﻠﯾــﻪ ﻋــرف أﻫــل اﻹﯾﻣــﺎن ﻓــﻰ اﻟﺑﯾوﺗــﺎت
اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ اﻟﺗﻰ ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻣﺳك ﺑﺗﻌﺎﻟﯾم اﻹﺳﻼم .
ﻫذا وﻟم ﯾﺷﺗرط ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء ﺿرورة إذن اﻟﻣرأة ﻓﻰ اﻟﻧظـر
إﻟﯾﻬﺎ ﻷن اﻷﺣﺎدﯾث ظﺎﻫرﻫﺎ ﯾدل ﻋﻠﻰ ذﻟك .
ﻭﻋﻨـﺪ ﺍﳌﺎﻟﻜﻴــﺔ ﯾـﺷﺗرط إذن اﻟﻣـرأة ﻗﺑـل اﻟﻧظــر إﻟﯾﻬـﺎ ،وﻗـد ﻗــﺎﻟوا
ﺑﻛراﻫﺔ اﺳﺗﻐﻔﺎل اﻟﻣرأة ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﯾﻬﺎ ؛ ﻟﺋﻼ ﯾﺗطـرق أﻫـل اﻟﻔـﺳﺎد ﻟﻧظـر
)(١
. ﻣﺣﺎرم اﻟﻧﺎس ﺗﺣت ﺳﺗﺎر ﻗوﻟﻬم ﻧﺣن ﺧطﺎب
) (١راﺟﻊ أﻗوال اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻰ ﺣﻛم اﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﺧطوﺑﺔ ﻓﻰ :ـ
ـ اﻟﻣﻐن
ـ ﻧﻬﺎﯾﺔ اﻟﻣﺣﺗﺎج . ١٨٦/٦ ـ ﺑداﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻬد . ٣/٢ ى . ٥٥٢/٦
ـ ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺎرى . ٨٧ ، ٨٦/١١ ـ ﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻰ ﻣﻊ اﻟﺷرح اﻟﻛﺑﯾر . ٢١٥/٢
ـ اﻟﻣﻬذب ﻟﻠﺷﯾرازى . ٤٤/٢
ـ ٢٠٤ـ
وﻗد ﻣـر ﻗﻮﻝ ﺍﻟـﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﺑﺎﺳﺗﺣـﺳﺎن رؤﯾـﺔ اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ ﻋﻠـﻰ ﻏﯾـر
ﻋﻠم ﻣﻧﻬﺎ ﻗﺑل اﻟﺗﻘدم ﻟﺧطﺑﺗﻬﺎ ﻟﺋﻼ ﯾؤذى ﺷﻌورﻫﺎ إذا أﻋـرض ﻋﻧﻬـﺎ ،
وﻫــذا ﻓﯾــﻪ ﻣــن اﻟوﺟﺎﻫــﺔ ﻣــﺎ ﻻ ﯾﺧﻔــﻰ ٕ ،وان ﻛــﺎن ﻟﻣــﺎ ﻗﺎﻟــﻪ اﻟﻣﺎﻟﻛﯾــﺔ
وﺟﺎﻫﺗﻪ ﻓﻰ ﺑﻌض اﻷﺣوال .
ـ ﻧﻈﺮ ﺍﳌﺨﻄﻮﺑﺔ ﺇﱃ ﺍﳋﺎﻃﺐ :ـ
ﻛﻣﺎ ﯾﺣق ﻟﻠرﺟل أن ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﺧطوﺑﺔ ﻗﺑل اﻻﻗﺗران ﺑﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ
ﯾﺟــوز ﺷــر ًﻋﺎ ﻟﻠﻣ ـرأة أن ﺗﻧظــر إﻟــﻰ ﻣــن ﺟــﺎء ﯾﺧطﺑﻬــﺎ ،ﻛﻣــﺎ أن ﻟﻬــﺎ
اﻟﺣق ﻓﻰ اﻟﺗﺣرى ﻋﻧﻪ ،واﻟﺗﻌـرف ﻋﻠـﻰ ﺣﺎﻟـﻪ وﻣزاﯾـﺎﻩ ،ﻷﻧـﻪ ﯾﻌﺟﺑﻬـﺎ
ﻣﻧﻪ ﻣﺎ ﯾﻌﺟﺑﻪ ﻣﻧﻬﺎ ،وﻟذﻟك ﻗﺎل ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ
ـ ":ﻻ ﺗزوﺟوا ﺑﻧﺎﺗﻛم ﻣن اﻟرﺟل اﻟدﻣﯾم ﻓﺈﻧﻪ ﯾﻌﺟﺑﻬن ﻣﻧﻬم ﻣـﺎ ﯾﻌﺟـﺑﻬم
ﻣﻧﻬن " .
وﻧظر اﻟﻣرأة إﻟﻰ اﻟرﺟل واﻟﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ أوﻟﻰ ﻣن ﻧظر اﻟرﺟل
إﻟﻰ اﻟﻣرأة ؛ وﻷن اﻟرﺟل ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼص ﻣﻧﻬـﺎ ﺑـﺎﻟطﻼق ﻟـو ظﻬـر
ﻓﯾﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﺣﻣﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻓراﻗﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻟﻣرأة ﻓﻼ ﺗﻣﻠك اﻟطﻼق ﻓـﺄﻧﻰ ﯾﻛـون
ﻟﻬﺎ اﻟﺧﻼص ؟ ﻟذﻟك ﻛﺎﻧت ﺣﻛﻣﺔ اﻟﻧظر ﻓﻰ ﺟﺎﻧﺑﻬﺎ أﻗوى ﻟﻣﺎ ﻟرﻏﺑﺗﻬـﺎ
)(١
. ﻣن اﺳﺗﻘرار ﻓﻰ اﻟﺣﯾﺎة اﻟزوﺟﯾﺔ
وﻣﻣﺎ ﯾﺟـدر ﻣﻼﺣظﺗـﻪ أن ﻧظـر اﻟرﺟـل إﻟـﻰ اﻟﻣـرأة ،وﻧظـر اﻟﻣـرأة
إﻟﻰ اﻟرﺟل ﻣﻘﯾد ﺑﺎﻟﺣﺎﺟﺔ اﻟداﻋﯾـﺔ إﻟﯾـﻪ وﻫـو ﻗـﺻد اﻟﺧطﺑـﺔ ،أﻣـﺎ ﻣـن
ﻏﯾـــر ﺣﺎﺟـــﺔ إﻟﯾـــﻪ ،ﻓـــﺎﻟﻧظر ﺣـــرام ﻟﻘوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ " :ﻗـــل ﻟﻠﻣـــؤﻣﻧﯾن
ﯾﻐﺿوا ﻣـن أﺑـﺻﺎرﻫم وﯾﺣﻔظـوا ﻓـروﺟﻬم ذﻟـك أزﻛـﻰ ﻟﻬـم إن اﷲ ﺧﺑﯾـر
ـ ﻛﺷﺎف اﻟﻘﻧﺎع . ١٠/٥ ) (١اﻧظر :اﻟﻣﻬذب ﻟﻠﺷﯾرازى . ٤٤/٢
ـ ٢٠٥ـ
ﯾﺻﻧﻌون * وﻗـل ﻟﻠﻣؤﻣﻧـﺎت ﯾﻐﺿـﺿن ﻣـن أﺑـﺻﺎرﻫن وﯾﺣﻔظـن ﺑﻣﺎ
)(١
ﻓروﺟﻬن ...اﻵﯾﺔ "
وﻣﻣﺎ ﺳـﺑق أن وﻗﻔـت ﻋﻠﯾـﻪ ﻣـن أﺣﻛـﺎم ﯾﺗﺑـﯾن ﻟـك ﻣـدى اﻟﻣـﺳﻠك
اﻟذى ﺳﻠﻛﻪ اﻹﺳﻼم ﻓﻰ إﺑﺎﺣﺔ رؤﯾﺔ اﻟﺧﺎطب ﻟﻣﺧطوﺑﺗﻪ ،واﻟﻣﺧطوﺑﺔ
ﻟﺧﺎطﺑﻬﺎ ﻟﻠﻌﻣل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘرار ﻋﻘد ﻟـﻪ أﻫﻣﯾﺗـﻪ وﺧطـرﻩ ـ وأﻧـت ﺗـرى أن
ذﻟــك أﻗــوم طرﯾــق ،وأﻋــدل ﻣﻧﻬــﺎج ﻻ ﯾﻣــﺎرى ﻓــﻰ ﺻــﺣﺗﻪ إﻻ ﻣﺟــﺎدل
ﻋﻧﯾـــد ،ﻓﻬـــو طرﯾـــق وﺳـــط ﺑـــﯾن إﻓـــراط اﻟﻣﻐـــﺎﻟﯾن اﻟﻣﺗـــﺷددﯾن اﻟـــذﯾن
ﯾﻣﻧﻌـــون رؤﯾـــﺔ اﻟﺧﺎطـــب ﻟﻣﺧطوﺑﺗـــﻪ إﻟـــﻰ أن ﯾـــﺗم اﻟـــزواج .وﺗﻔـــرﯾط
اﻟﻣﺳرﻓﯾن اﻟﻣﺗﻬﺎوﻧﯾن اﻟذﯾن ﯾـرون أن ﻟﻠﺧﺎطـب اﻟﺣـق ﻓـﻰ اﺻـطﺣﺎب
ﻣﺧطوﺑﺗـﻪ ﻓـﻰ أى وﻗـت ﺷـﺎء ﻣـن ﻟﯾـل أو ﻧﻬـﺎر ،ﺳـ ًرا وﻋﻼﻧﯾـﺔ ،ﻓــﻰ
اﻟﺷوارع واﻟطرﻗﺎت ،واﻟﺣداﺋق واﻟﻣﺗﻧزﻫﺎت ،ﺑـدﻋوى ﺗـﺳﻬﯾل اﻟﺗﻌـﺎرف
ﺑﯾن اﻟﺧﺎطب وﻣﺧطوﺑﺗﻪ ،وﻓﻰ ذﻟك ﻛﺷف ﻟﻠﺣﺟب واﻷﺳـﺗﺎر ،وﺗﺧـط
)(٢
ﻟﻠﺣواﺟز واﻟﻣواﻧﻊ اﻟﺗﻰ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﻣﺷرع ﻟﺣﻔظ اﻟﺣرﻣﺎت واﻟﺣدود .
ﻓـــﻼ ﯾﺧﻔـــﻰ ﻋﻠـــﻰ أﺣـــد ﻣـــدى اﻟـــﺷر واﻟـــﺑﻼء اﻟﺣﺎﺻـــل ﻓـــﻰ ﻛﻠﺗـــﺎ
اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن إن ﺗم اﻟزواج ﻋﻠـﻰ اﻟﺣﺎﻟـﺔ اﻷوﻟـﻰ ﻓظﻬـر ﻟﻠرﺟـل ﻓـﻰ زوﺟﺗـﻪ
ﺑﻌد اﻻﻗﺗران ﺑﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﯾرﻏب ﻓﯾﻪ ،أو ﻟـم ﯾـﺗم ﻓـﻰ اﻟﺣﺎﻟـﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾـﺔ ﺑﻌـد
أن ﺳﺎءت ﺳﻣﻌﺔ اﻟﻔﺗﺎة ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻟﺧروج ﻏﯾر اﻟﻣﺷروع ،أو ﺑﺎرت
ﺗﺟﺎرﺗﻬـــﺎ إن ﺣـــدث ﻣـــﺎ وراء ذﻟـــك ،ﻓﺗﻬـــوى اﻟﻔﺗـــﺎة ﻓـــﻰ ﻣﻬـــﺎوى
اﻟﻔﺳﺎد ،وﺗﺣﯾﺎ ﺣﯾﺎة اﻟﺣﯾرة واﻟﯾﺄس وﺳﺎﻋﺗﻬﺎ ﯾﻛون اﻟﻧدم وﻧﺗﻣﻧﻰ أن
) (١اﻟﻣؤﻣﻧون ٣٠ :ـ . ٣١
) (٢اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ د /أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﻋراﺑﻰ ص . ٣٠
ـ ٢٠٦ـ
ﻟو ﺗﻣﺳﻛﻧﺎ ﺑﺄﺣﻛﺎم اﻟﺷرع ﻟﻧﺣﯾﺎ ﺣﯾﺎة اﻟطﻬﺎرة واﻟﻧﻘـﺎء ،ﻓـﺳﺑﺣﺎن ﻣـن
ﺷرع ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻣﺎ ﯾﺣﻔظ ﺷرﻓﻪ وﻛراﻣﺗﻪ ،ووﻗﺎرﻩ وﻋﻔﺗﻪ .
ـ ﺷـﺮﻭﻁ ﺟﻮﺍﺯ ﺍﳋﻄﺒﺔ :ـ
ﯾﺷﺗرط ﻓﻰ اﻟﻣرأة ﻟﺟواز ﺧطﺑﺗﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺷروط :ـ
ً ً
١ـ ﺃﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﳏﺮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳋﺎﻃﺐ ﲢﺮﳝـﺎ ﻣﺆﺑـﺪﺍ
ﻛــــﺎﻷم ،واﻟﺑﻧــــت واﻷﺧــــت ،واﻟﻌﻣــــﺔ واﻟﺧﺎﻟــــﺔ ..أو ﺗﺣرﯾ ًﻣــــﺎ ﻣؤﻗﺗًــــﺎ
ﺗﺣرﯾﻣـﺎ
ً ﻛﺎﻟﻣرﺗدة واﻟﻣﺷرﻛﺔ وزوﺟﺔ اﻟﻐﯾر ،ﻟﻛن ﯾﻼﺣظ أن اﻟﻣﺣرﻣـﺔ
ﺗﺣرﯾﻣــﺎ ﻣؤﻗﺗًــﺎ ﻓﺗﺣــل
ً ﻣؤﺑـ ًـدا ﻻ ﯾﺟــوز ﺧطﺑﺗﻬــﺎ ﺑﺣــﺎل ،أﻣــﺎ اﻟﻣﺣرﻣــﺔ
ﺧطﺑﺗﻬﺎ إذا زال اﻟوﺻف اﻟﻣوﺟب ﻟﻠﺗﺣرﯾم ،ﻛﺄن رﺟﻌت اﻟﻣرﺗـدة إﻟـﻰ
دﯾــــن اﻹﺳــــﻼم ،أو أﺳــــﻠﻣت اﻟﻣــــﺷرﻛﺔ ،أو طﻠﻘــــت زوﺟــــﺔ اﻟﻐﯾــــر
وﺧرﺟت ﻣن ﻋدﺗﻬﺎ ،ﻓﺣﯾﻧﺋذ ﯾﺟوز ﺧطﺑﺗﻬن .
٢ـ ﺃﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﺍﳌﺮﺍﺩ ﺧﻄﺒﺘﻬﺎ ﻣﻌﺘﺪﺓ .
ﻭﺍﳌﻌﺘﺪﺍﺕ ﻓﻰ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺿﺮﺏ :
ﺃ ـ ﺍﳌﻌﺘﺪﺓ ﻣﻦ ﻃﻼﻕ ﺭﺟﻌﻰ :
ــﺿﺎ ؛ ﻷﻧﻬـــﺎ ﻓـــﻰ
ــﺻرﯾﺣﺎ وﻻ ﺗﻌرﯾـ ً
ً وﻫـــذﻩ ﻻ ﯾﺟـــوز ﺧطﺑﺗﻬـــﺎ ﺗـ
ﻣﻌﻧــﻰ اﻟزوﺟــﺔ ،ﻛﻣــﺎ أﻧﻬــﺎ ﻣﺟﻔــوة ﺑــﺎﻟطﻼق ﻓﻘــد ﺗﻛــذب ﻓــﻰ اﻧﻘــﺿﺎء
اﻧﺗﻘﺎﻣﺎ ﻣن ﻣطﻠﻘﻬﺎ .
ً ﻋدﺗﻬﺎ
ﺏ ـ ﺍﳌﻌﺘﺪﺓ ﻣﻦ ﻭﻓﺎﺓ :
وﻫذﻩ ﯾﺣرم اﻟﺗﺻرﯾﺢ ﺑﺧطﺑﺗﻬﺎ أﺛﻧﺎء اﻟﻌدة ؛ ﻷن اﻟﺗﺻرﯾﺢ ﻗد
ﺣرﺻـﺎ ﻋﻠـﻰ اﻟـزواج ،ﻓـﺿﻼً
ً ﯾدﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻛذب ﻓـﻰ اﻧﻘـﺿﺎء ﻋـدﺗﻬﺎ
ـ ٢٠٧ـ
ﻋن ﻣراﻋﺎة اﻟﺣداد ،وﺣﺎﻟﺔ اﻟﺣزن اﻟﺗﻰ ﺗﻌﯾﺷﻬﺎ ﺑﺳﺑب اﻟوﻓﺎة ،ﻟﻛن
ـﺿﺎ ﻟﻣــﺎ ورد ﺑــﻪ اﻟﻘ ـرآن ﻓــﻰ ﺷــﺄﻧﻬﺎ ﺣﯾــث ﻗــﺎل
ﯾﺟــوز ﺧطﺑﺗﻬــﺎ ﺗﻌرﯾـ ً
اﺟـﺎ ﯾﺗرﺑـﺻن ﺑﺄﻧﻔـﺳﻬن ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :واﻟـذﯾن ﯾﺗوﻓـون ﻣـﻧﻛم وﯾـذرون أزو ً
أرﺑﻌﺔ أﺷﻬر وﻋﺷرا ﻓﺈذا ﺑﻠﻐن أﺟﻠﻬن ﻓﻼ ﺟﻧﺎح ﻋﻠﯾﻛم ﻓﯾﻣﺎ ﻓﻌﻠن ﻓﻰ
أﻧﻔﺳﻬن ﺑﺎﻟﻣﻌروف واﷲ ﺑﻣﺎ ﺗﻌﻣﻠون ﺧﺑﯾر * وﻻ ﺟﻧـﺎح ﻋﻠـﯾﻛم ﻓﯾﻣـﺎ
ﻋرﺿﺗم ﺑـﻪ ﻣـن ﺧطﺑـﺔ اﻟﻧـﺳﺎء أو أﻛﻧﻧـﺗم ﻓـﻰ أﻧﻔـﺳﻛم ﻋﻠـم اﷲ أﻧﻛـم
)(١
ﻣﻌروﻓﺎ "
ً ﺳﺗذﻛروﻧﻬن وﻟﻛن ﻻ ﺗواﻋدوﻫن ﺳ ًرا إﻻ أن ﺗﻘوﻟوا ﻗوﻻ
ﺝ ـ ﺍﳌﻌﺘﺪﺓ ﻣﻦ ﻃﻼﻕ ﺑﺎﺋﻦ :
وﻫـــذﻩ ﻗـــد اﺗﻔـــق اﻟﻔﻘﻬـــﺎء ﻋﻠـــﻰ ﻋـــدم ﺟـــواز اﻟﺗـــﺻرﯾﺢ
ﺑﺎﺋﻧﺎ ﺑﯾﻧوﻧﺔ ﺻـﻐرى أو ﻛﺑـرى ،واﺧﺗﻠﻔـوا
ﺑﺧطﺑﺗﻬﺎ ﺳواء ﻛﺎن طﻼﻗﻬﺎ ً
ﻓﻰ ﺟواز ﺧطﺑﺗﻬﺎ ﺑطرﯾق اﻟﺗﻌرﯾض :
ﺗﻌرﯾﺿﺎ ﻟﻌﻣوم
ً إﻟﻰ ﺟواز ﺧطﺑﺗﻬﺎ )(٢
ﻓﺬﻫﺐ ﲨﻬﻮﺭ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء
ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻻ ﺟﻧﺎح ﻋﻠﯾﻛم ﻓﯾﻣﺎ ﻋرﺿﺗم ﺑﻪ ﻣن ﺧطﺑﺔ اﻟﻧـﺳﺎء "
.ﺣﯾث ﻟم ﺗﻔرق اﻵﯾﺔ ﺑﯾن ﻣﻌﺗدة وﻣﻌﺗدة .
ﺗﻌرﯾـﺿﺎ ؛ وذﻟـك
ً ﻭﺫﻫﺐ ﺍﳊﻨﻔﻴﺔ ) (٣إﻟﻰ ﻋـدم ﺟـواز ﺧطﺑﺗﻬـﺎ
ﺑﺎﺋﻧـﺎ
ﻣراﻋﺎة ﻟﺣق اﻟزوج اﻟﻣطﻠق ،ﺣﯾث ﯾﺟـوز ﻟـﻪ إذا ﻛـﺎن اﻟطـﻼق ً
ﺑﯾﻧوﻧﺔ ﺻـﻐرى أن ﯾرﺟـﻊ إﻟﯾﻬـﺎ ﺑﻌﻘـد وﻣﻬـر ﺟدﯾـدﯾن ﺑﺈذﻧﻬـﺎ ورﺿـﺎﻫﺎ
ــﺿﺎ ﺗـــﺿﯾﯾﻊ ﻋﻠـــﻰ اﻟﻣطﻠـــق ﻓرﺻـــﺔ
ــﺻرﯾﺣﺎ أو ﺗﻌرﯾـ ً
ً وﻓـــﻰ ﺧطﺑﺗﻬـــﺎ ﺗـ
) (١اﻟﺑﻘرة ٢٣٤ :ـ . ٢٣٥
) (٢ﻛﺷﺎف اﻟﻘﻧﺎع . ١٨/٥ـ ﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻰ ﻣﻊ اﻟﺷرح اﻟﻛﺑﯾر . ٢١٩/٢ـ اﻟﻣﻬذب . ٤٧/٢
) (٣ﻣﺟﻣﻊ اﻷﻧﻬر . ٤٧٢/١
ـ ٢٠٨ـ
اﻟرﺟــوع إﻟﯾﻬــﺎ ﺛﺎﻧﯾــﺔ ،إذ أﻧﻬــﺎ ﻗــد ﺗــرﻛن إﻟــﻰ اﻟﺧﺎطــب اﻟﺟدﯾــد ﻓﺗﻘــﻊ
اﻟﻌـــداوة ،واﻟﺑﻐـــﺿﺎء ﺑـــﯾن ﻣطﻠﻘﻬـــﺎ وﺧﺎطﺑﻬـــﺎ ،وذﻟـــك ﻣﻣـــﺎ ﺗﻌﻣــــل
اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻋﻠﻰ درءﻩ ،ﻓﺿﻼً ﻋـن أﻧﻬـﺎ ﻗـد ﺗﻛـذب ﻓـﻰ اﻧﻘـﺿﺎء ﻋـدﺗﻬﺎ
طﻣﻌــــﺎ ﻓــــﻰ اﻟﺧﺎطــــب اﻟﺟدﯾــــد وﻧﻛﺎﯾــــﺔ ﻓــــﻰ زوﺟﻬــــﺎ اﻟــــذى أوﺣــــﺷﻬﺎ
ً
ﺑﺎﻟطﻼق.
وﺟﻣﻠــﺔ اﻟﻘــول :أن اﻟﺗـــﺻرﯾﺢ ﺑﺎﻟﺧطﺑــﺔ ﺣـــرام ﻟﺟﻣﯾــﻊ اﻟﻣﻌﺗـــدات ،
واﻟﺗﻌــرﯾض ﺟــﺎﺋز ﻟﻠﻣﺗــوﻓﻰ ﻋﻧﻬــﺎ زوﺟﻬــﺎ ،وﺣ ـرام ﻓــﻰ اﻟﻣﻌﺗــدة ﻣــن
طﻼق رﺟﻌﻰ ،وﻣﺧﺗﻠف ﻓﯾﻪ ﻓﻰ اﻟﻣﻌﺗدة ﻣن طﻼق ﺑﺎﺋن .
٣ـ ﺃﻻ ﺗ ﻜـﻮﻥ ﺍﳌـﺮﺃﺓ ﳐﻄﻮﺑـﺔ ﻟﻠﻐـﲑ ،وذﻟـك ﻷن ﺧطﺑـﺔ
اﻟﻣﺧطوﺑﺔ ﺣرام ﺷر ًﻋﺎ ﻟﻘوﻟﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم } :اﻟﻣؤﻣن
أﺧو اﻟﻣؤﻣن ﻓﻼ ﯾﺣـل ﻟﻠﻣـؤﻣن أن ﯾﺑﺗـﺎع ﻋﻠـﻰ ﺑﯾـﻊ أﺧﯾـﻪ وﻻ ﯾﺧطـب
وﻟﻣﺎ روى ﻋن اﺑن ﻋﻣـر رﺿـﻰ )(١
ﻋﻠﻰ ﺧطﺑﺔ أﺧﯾﻪ ﺣﺗﻰ ﯾذر { .
اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ أﻧـﻪ ﻗـﺎل :ﻧﻬـﻰ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم أن
ﯾﺑﯾﻊ ﺑﻌﺿﻛم ﻋﻠﻰ ﺑﯾﻊ ﺑﻌـض ،وﻻ ﯾﺧطـب اﻟرﺟـل ﻋﻠـﻰ ﺧطﺑـﺔ أﺧﯾـﻪ
)(٢
اﻟﺧﺎطب . ﺣﺗﻰ ﯾﺗرك اﻟﺧﺎطب ﻗﺑﻠﻪ أو ﯾﺄذن ﻟﻪ
ﻓﺎﻟﻧﻬﻰ ﻓﻰ ﻫذا اﻟﺣدﯾث واﻟذى ﻗﺑﻠـﻪ ﯾـدل ﻋﻠـﻰ ﺗﺣـرﯾم اﻟﺧطﺑـﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﺑﺔ طﺎﻟﻣﺎ رﺿﯾت اﻟﻣﺧطوﺑﺔ ﺑﺎﻟﺧﺎطب اﻷول ورﻛﻧت إﻟﯾﻪ ؛
) (١رواﻩ ﻣﺳﻠم وأﺣﻣد ﻧﯾل اﻷوطﺎر . ٧/٦
) (٢رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى :ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺎرى . ١٨٩/٩
ـ ٢٠٩ـ
ﻷن اﻟﻧﻬﻰ أﺻﻠﻪ اﻟﺗﺣرﯾم إﻻ ﻟدﻟﯾل ﯾـﺻرﻓﻪ ﻋﻧـﻪ ،وﻟـم ﯾوﺟـد اﻟـدﻟﯾل
)(١
اﻟﺻﺎرف ﻟﻠﻧﻬﻰ ﻋن اﻟﺗﺣرﯾم
ـ ﺷﺮﻭﻁ ﲢﺮﻳﻢ ﺍﳋﻄﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳋﻄﺒﺔ :ـ
ــروطﺎ ﻟﺗﺣـــرﯾم
وﻗـــد اﺳـــﺗﻧﺗﺞ اﻟﻔﻘﻬـــﺎء ﻣـــن اﻷﺣﺎدﯾـــث اﻟـــواردة ﺷـ ً
اﻟﺧطﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺧطﺑﺔ ﻫﻰ :
١ـ أن ﺗﻛون ﺧطﺑﺔ اﻟﺧﺎطب اﻷول ﺟﺎﺋزة ،ﻓﻠو ﻛﺎﻧت ﻣﺣرﻣﺔ ﻛﺧطﺑﺔ
اﻟﻣرأة ﻓﻰ ﻋـدﺗﻬﺎ ،ﻓﺈﻧـﻪ ﯾﺟـوز ﻟﻠﺧﺎطـب اﻟﺛـﺎﻧﻰ أن ﯾﺧطﺑﻬـﺎ ﺑﻌـد
اﻧﻘﺿﺎء ﻋدﺗﻬﺎ ؛ ﻷن اﻟﺧﺎطب اﻷول ﺑﺗﻘدﻣـﻪ ﻟﺧطﺑـﺔ ﻏﯾـر ﺟـﺎﺋزة
أﺻﺑﺣت ﺧطﺑﺗﻪ ﻛﻼ ﺧطﺑﺔ ﻓﻠم ﯾﺛﺑت ﻟﻪ ﺑﺧطﺑﺗﻪ ﺣق .
ـ أن ﯾﻌﻠـــم اﻟﺧﺎطـــب اﻟﺛـــﺎﻧﻰ ﺑﺣـــدوث اﻟﺧطﺑـــﺔ اﻷوﻟـــﻰ ،ورﺿـــﺎ ٢
اﻟﻣﺧطوﺑﺔ ورﻛوﻧﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺧﺎطب اﻷول ،أﻣﺎ إذا ﻟم ﯾﻌﻠم ،أو ﻟم
ﺗــرض اﻟﻣﺧطوﺑــﺔ ﺑﺎﻟﺧﺎطــب اﻷول ﺑــﺄن ﻟــم ﯾواﻓﻘﻬــﺎ أﻣــرﻩ ،أو ﻟــم
ﯾﻌﻠم رﺿﺎﻫﺎ ﻣن ﻋدﻣﻪ ﺟﺎزت ﺧطﺑﺔ اﻟﺛﺎﻧﻰ ﻟﻬﺎ .
٣ـ أﻻ ﯾﻛون اﻟﺧﺎطب اﻷول ﻗد ﺗرك ﺧطﺑﺗﻪ ،أو أذن ﻟﻠﺧﺎطب اﻟﺛﺎﻧﻰ
ﻓــﺈن ﺗــرك أو أذن زال اﻟﺗﺣــرﯾم ،وﻗــد اﺷــﺗرط اﻟﻔﻘﻬــﺎء أﻻ ﯾﻛــون
إذﻧﻪ ﺑﺳﺑب اﻟﺧوف أو اﻟﺣﯾﺎء ٕ ،واﻻ ﻛﺎن اﻹذن ﻓﻰ ﺣﻛم اﻟﻌدم .
ـ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﳋﻄﺒﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﻭﻝ ﻋﻨﻬﺎ :ـ
اﺟــﺎ
إذا ﺧطــب رﺟــل اﻣ ـرأة وﺗﻣــت اﻟﺧطﺑــﺔ ﻓــﻼ ﯾﻌﺗﺑــر ذﻟــك زو ً
ﻋﯾﺎ وﻻ ﯾﺗرﺗــب ﻋﻠﯾــﻪ ﺷــﺊ ﻣــن أﺣﻛــﺎم اﻟــزواج ٕ ،واﻧﻣــﺎ ﯾﻛــون ذﻟــك
ﺷــر ً
) (١وﻗد ادﻋﻰ اﻟﻧووى اﻹﺟﻣﺎع ﻋﻠﻰ أن اﻟﻧﻬﻰ ﻟﻠﺗﺣرﯾم .ﺳﺑل اﻟﺳﻼم . ١١٤/٣
ـ ٢١٠ـ
وﻋدا ﺑﺎﻟزواج ﻓﻘط وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻰ ﯾﺣق ﻟﻛل ﻣـن اﻟرﺟـل واﻟﻣـرأة اﻟرﺟـوع ﻋـن
ً
ﻗوﻟﻪ ؛ ﻷﻧﻪ ﯾﺳﺗﻌﻣل ﺧﺎﻟص ﺣﻘﻪ وﻻ ﺳﺑﯾل ﻷﺣد ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻰ ذﻟك .
ﻏﯾر أن ﺟواز اﻟﻌدول ﻋن اﻟﺧطﺑـﺔ ﻣﻘﯾـد ﺑوﺟـود ﻣﺑـرر ﻣﻌﻘـول ،ﻛـﺄن
ﯾﻛون ﻫﻧﺎك ﻣﺻﻠﺣﺔ ﻣﺣﻘﻘﺔ ﺗﺑرر ﻫذا اﻟﻌدول ،ﻓﺈن ﻟم ﯾوﺟـد اﻟﻣﺑـرر
ﻛــرﻩ اﻟﻌــدول ﻟﻣــﺎ ﻓﯾــﻪ ﻣــن ﺧﻠــف اﻟوﻋــد اﻟــذى ﻫــو ﺧــﺻﻠﺔ ﻣــن ﺧــﺻﺎل
اﻟﻣﻧﺎﻓﻘﯾن ،واﻟرﺳـول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﯾﻘـول } :ﺛـﻼث
ﻣن ﻛن ﻓﯾﻪ ﻓﻬو ﻣﻧﺎﻓق ٕوان ﺻـﺎم وﺻـﻠﻰ وزﻋـم أﻧـﻪ ﻣـﺳﻠم :ﻣـن إذا
)(١
ﺣدث ﻛذب ٕ ،واذا وﻋد أﺧﻠف ٕ ،واذا أؤﺗﻣن ﺧﺎن { .
ـ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻌﺪﻭﻝ ﻋﻦ ﺍﳋﻄﺒﺔ :ـ
ﺟــرى اﻟﻌــرف ﺑــﺄن ﯾﻘــدم اﻟﺧﺎطــب ﻫــداﯾﺎ إﻟــﻰ اﻟﻣﺧطوﺑــﺔ ،وﻗــد
ﯾدﻓﻊ ﻟﻬﺎ ﺟزًءا ﻣن اﻟﻣﻬر اﻟﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻰ ﻓﺗرة اﻟﺧطﺑﺔ ،وﻗد ﯾﺣـدث
أن ﺗﻘدم اﻟﻣﺧطوﺑﺔ ﻫداﯾﺎ إﻟﻰ ﺧﺎطﺑﻬﺎ ،ﻓﻠو ﺣدث وﻋدل أﺣدﻫﻣﺎ ﻋـن
اﻟﺧطﺑﺔ ،ﻓﻣﺎ ﻫو أﺛر ﻫذا اﻟﻌدول ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗدم ﻣن ﻣﻬر أو ﻫداﯾﺎ ؟.
ـ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤﻬﺮ :ـ
ﯾﺗﻔق اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻋﻠﻰ أن ﻣﺎ ﻗدﻣـﻪ اﻟﺧﺎطـب إﻟـﻰ ﻣﺧطوﺑﺗـﻪ ﻋﻠـﻰ
ﺣﻛﻣـﺎ ﻣــن
أﻧـﻪ ﻣﻬـر ﯾﻛــون ﻟـﻪ اﻟﺣـق ﻓــﻰ اﺳـﺗردادﻩ ؛ ﻷن اﻟﻣﻬـر ﯾﻌــد ً
أﺣﻛﺎم اﻟزواج ،ﻓﺈذا ﻟم ﯾﺗم اﻟـزواج ﻓـﻼ ﯾﺗرﺗـب ﻋﻠﯾـﻪ أﺣﻛﺎﻣـﻪ ،وﻋﻠـﻰ
ﺑﺎﻗﯾــﺎ ،أو ﻣﺛﻠـﻪ أو ﻗﯾﻣﺗــﻪ إن
اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ ردﻩ ﻟﻠﺧﺎطـب ﺑﻌﯾﻧــﻪ إن ﻛـﺎن ً
ﻛﺎن ﻗد ﻫﻠك أو اﺳﺗﻬﻠك .
) (١اﻹﺣﺳﺎن ﺑﺗرﺗﯾب ﺻﺣﯾﺢ ﺑن ﺣﺑﺎن ٢٣٧/١ﺣدﯾث رﻗم . ٢٥٧
ـ ٢١١ـ
ـ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻬﺪﺍﻳﺎ :ـ
اﺧﺗﻠف اﻟرأى ﺑﺷﺄﻧﻬﺎ :
١ـ ﺫﻫــﺐ ﺍﳊﻨﻔﻴــﺔ إﻟــﻰ أن اﻟﻬــداﯾﺎ ﺗﺄﺧــذ ﺣﻛــم اﻟﻬﺑــﺔ ،
وﺗطﺑــق ﻋﻠﯾﻬــﺎ أﺣﻛﺎﻣﻬــﺎ وﻣﻘﺗــﺿﻰ ذﻟــك :أن اﻟﺧﺎطــب ﻟــﻪ اﻟﺣــق ﻓــﻰ
اﺳﺗرداد اﻟﻬداﯾﺎ ﻣﺎ داﻣت ﺑﺎﻗﯾﺔ أﻣﺎ إذا ﻫﻠﻛـت أو اﺳـﺗﻬﻠﻛت أو ﺣـﺻل
أى ﻣــﺎﻧﻊ ﻣــن ﻣواﻧــﻊ اﻟرﺟــوع ﻓــﻰ اﻟﻬﺑــﺔ ) (١ﻓﻠــﯾس ﻟﻠﺧﺎطــب أن ﯾــﺳﺗرد
ﺑــدل اﻟﻬــداﯾﺎ وﻻ ﻗﯾﻣﺗﻬــﺎ .ﯾــﺳﺗوى ﻓــﻰ ﻫــذا اﻟﺣﻛــم ﻛــون اﻟﻌــدول ﻣــن
ﻣﻌـــﺎ ،أو ﻣـــن ﺟﺎﻧـــب اﻟرﺟـــل وﺣـــدﻩ أو ﻣـــن ﺟﺎﻧـــب اﻟﻣـــرأة
ﺟﺎﻧﺑﻬﻣـــﺎ ً
)(٢
وﺣدﻫﺎ.
٢ـ ﻭﺍﳌﻔﱴ ﺑﻪ ﻓﻰ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﳌﺎﻟﻜﻴﺔ :إذا ﻛﺎن اﻟﻌدول ﻋن
اﻟﺧطﺑــﺔ ﻣــن ﺟﻬــﺔ اﻟﺧﺎطــب ﻓﻠــﯾس ﻟــﻪ اﻟﺣــق ﻓــﻰ اﺳــﺗرداد ﺷــﺊ ﻣﻣــﺎ
أﻫــداﻩ ﻟﻣﺧطوﺑﺗــﻪ أﻣــﺎ إذا ﻛــﺎن اﻟﻌــدول ﻣــن ﺟﻬــﺔ اﻟﻣﺧطوﺑــﺔ ﻛــﺎن ﻟــﻪ
ﺑﺎﻗﯾــﺎ ،أو ﻗﯾﻣﺗــﻪ أو ﻣﺛﻠــﻪ إن
اﻟﺣــق ﻓــﻰ اﺳــﺗرداد ﻣــﺎ أﻫــداﻩ إن ﻛــﺎن ً
ﻫﻠك أو اﺳﺗﻬﻠك ،إﻻ إذا ﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﺷرط أو ﻋرف ﯾﻘﺿﻰ ﺑﻐﯾـر ذﻟـك
ﻓﯾﻌﻣل ﺑﻪ ،ﻓﺎﻟﻣﻌﺗﻣد ﻋﻧدﻫم أن اﻟﺷرط ﻣﻌﺗﺑر واﻟﻌرف ﻣﺣﻛـم إن ﻛـﺎن
)(٣
ﺛﻣﺔ ﺷرط أو ﻋرف.
) (١ﻣواﻧﻊ اﻟرﺟوع ﻓﻰ اﻟﻬﺑﺔ ﻫﻰ :
٢ـ ﻣوت اﻟواﻫب أو اﻟﻣوﻫوب ﻟﻪ . ١ـ زﯾﺎدة اﻟﻣوﻫوب .
٤ـ ﺧروج اﻟﻣوﻫوب ﻋن ﻣﻠك اﻟﻣوﻫوب ﻟﻪ . ٣ـ ﺗﻌوﯾض اﻟواﻫب ﻋن اﻟﻬﺑﺔ .
٥ـ ﻗﯾﺎم اﻟزوﺟﯾﺔ ﺑﯾن اﻟواﻫب واﻟﻣوﻫوب ﻟﻪ ﺣﺎل اﻟﻬﺑﺔ ٦ .ـ اﻟﻘراﺑﺔ اﻟﻣﺣرﻣﯾﺔ .
٧ـ ﻫﻼك اﻟﻣوﻫوب أو اﺳﺗﻬﻼﻛﻪ .
ـ ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر . ٤٨/٢ ) (٢ﺣﺎﺷﯾﺔ اﺑن ﻋﺎﺑدﯾن . ٣٧٤/٢
) (٣اﻟﺷرح اﻟﻛﺑﯾر ﻟﻠدردﯾر وﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻰ ﻋﻠﯾﻪ . ٢١٩/٢
ـ ٢١٢ـ
٣ـ ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ :اﻟﻬداﯾﺎ اﻟﻣﺟردة ﻋن ﻗﺻد اﻟزواج ﺑﺄن
ﻛﺎﻧت ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﺗودد واﻟﺗﺣﺎب ﻻ ﯾرﺟﻊ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺧﺎطب ،ﻛﻣﺎ ﻟو ﻗدم
إﻧﺳﺎن ﻫدﯾﺔ ﻵﺧر ﺑﻘﺻد اﻟود واﻟﻣﺣﺑﺔ ،ﺛم ﺑﻌد ﻓﺗرة ﺧطب اﺑﻧﺗﻪ ﻫذا
اﻟﺷﺧص أو أﺧﺗﻪ ﺛم ﺣدث ﻋدول ﻋن اﻟﺧطﺑﺔ ﻓﻼ ﯾرﺟﻊ ﻋﻠﯾﻬم ﺑﺷﺊ
ﻣﻣﺎ أﻫداﻩ ؛ ﻷﻧﻪ ﻗد أﺑﺎح ﻟﻬم أن ﯾﺳﺗﻬﻠﻛوا ﻣﺎﻟﻪ ﺑدون ﻋوض .
أﻣـﺎ إذا ﻛــﺎن اﻟﺧﺎطــب ﻗـد دﻓﻌﻬــﺎ ﺑﻘــﺻد اﻟـزواج ﺑــﺄن ﺻــرح ﺑــذﻟك ،أو
ﻛﺎﻧت ﻧﯾﺗـﻪ أن ﻣـﺎ أﻫـداﻩ ﺟـزء ﻣـن اﻟﻣﻬـر ﻓﻠـﻪ اﻟرﺟـوع ﺑﻣـﺎ أﻫـداﻩ ﺑـﺄن
ﻗﺎﺋﻣــﺎ ،أو ﻗﯾﻣﺗــﻪ إن ﻫﻠــك أو اﺳــﺗﻬﻠك ؛ وذﻟــك
ﯾﺄﺧــذﻩ ﺑﻌﯾﻧــﻪ إن ﻛــﺎن ً
ﻷﻧــﻪ ﻟــم ﯾــﺻرح أن ﻣــﺎ ﺑﻌﺛــﻪ ﻫدﯾــﺔ ،وﻧﻔــﺳﻪ ﻟــم ﺗطــب ﺑــﻪ إﻻ ﻋﻠــﻰ
أﺳﺎس أن اﻟزواج ﺳﯾﺗم ) (١وﻗد ﺑﯾن رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
وﺳﻠم ـ أن ﻣﺎل اﻟﻣﺳﻠم ﻻ ﯾﺣل إﻻ إذا طﺎﺑـت ﻧﻔـس ﺻـﺎﺣﺑﻪ ﻓﻘـﺎل } :
ﻻ ﯾﺣل ﻣﺎل اﻣرئ ﻣﺳﻠم إﻻ ﺑطﯾب ﻧﻔس ﻣﻧﻪ { .
٤ـ ﻭﻋﻨﺪ ﺍﳊﻨﺎﺑﻠﺔ :إن ﻛـﺎن اﻟﻌـدول ﻣـن ﺟﻬـﺔ اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ
ﻓﻣــن ﺣــق اﻟﺧﺎطــب اﻟرﺟــوع ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﺑﻣــﺎ أﻫــداﻩ إﻟﯾﻬــﺎ ،أﻣــﺎ إذا ﻛــﺎن
اﻟﻌــدول ﻣﻧــﻪ ،أو ﻛــﺎن ﻟــﺳﺑب ﺧــﺎرﺟﻰ ﻛﻣــوت اﻟﻣﺧطوﺑــﺔ ﻓــﻼ رﺟــوع
ﻋﻠﯾﻬــﺎ وﻻ ﻋﻠــﻰ وﻟﯾﻬــﺎ .وﺑﻌــض اﻟﺣﻧﺎﺑﻠــﺔ ﯾــرى ﻋــدم اﻟرﺟــوع ﻣطﻠﻘًــﺎ
ﺳـــواء ﺣـــﺻل ﻋـــوض ﻋﻧﻬـــﺎ ﺑـــﺄن ﺗـــم اﻟـــزواج ،أو ﻟـــم ﯾﺣـــﺻل ﻋﻠـــﻰ
)(٢
اﻟﻌوض ﺑﺄن ﻟم ﯾﺗم وﺣدث ﻋدول ﻋن اﻟزواج .
ـ ﻣواﻫب اﻟﺟﻠﯾل ﻟﻠﺣطﺎب ٤١٧/٣ـ . ٤١٨
) (١اﻟﻔﺗﺎوى اﻟﻛﺑرى ﻻﺑن ﺣﺟر . ١١٣ ، ١١١/٤
ـ اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٨٨٢/٥ ) (٢ﻣطﺎﻟب أوﻟﻰ اﻟﻧﻬﻰ . ٢١٤/٥
ـ أﺣﻛﺎم اﻷﺳرة " دراﺳﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ " " اﻟﺟزء اﻷول .أ .د /ﻣﺣﻣد ﺑﻠﺗﺎﺟﻰ .
ـ ٢١٣ـ
ورأى اﻟﻣﺎﻟﻛﯾﺔ ﻫﻧـﺎ أوﻓـق وأﻋـدل ﻣـن ﻏﯾـرﻩ ؛ ﻧظـ ًرا ﻟﻣـﺎ ﯾﺗﻣﯾـز ﺑـﻪ ﻣـن
ﻋداﻟــﺔ واﺗــﺳﺎق ﻣــﻊ اﻟﻘﺎﻋــدة اﻟــﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻣﻌروﻓــﺔ "ﻻ ﺿــرر وﻻ ﺿـرار"
ﻓﻼ ﯾﺟﻣﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺧطوﺑﺔ اﺳﺗرداد ﻣﺎ ﻗدم ﻟﻬﺎ ،وأﻟم اﻹﻋـراض ﻋﻧﻬـﺎ
إن ﻛــﺎن اﻟﻌــدول ﻣــن ﺟﺎﻧــب اﻟﺧﺎطــب ،وﻻ ﯾﺗــﺿرر اﻟﺧﺎطــب ﺑــﺿﯾﺎع
ﻣﺎﻟﻪ وﻓوات اﻟﺧطﺑﺔ إن ﻛﺎن اﻟﻌدول ﻣن ﺟﺎﻧب اﻟﻣﺧطوﺑﺔ .وﻟرﺟﺣﺎن
ﻣــذﻫب اﻟﻣﺎﻟﻛﯾــﺔ ﻓﻘــد ﺣــﺻﻠت ﻣﺣــﺎوﻻت ﺗــﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻻﻟﺗــزام اﻟﻌﻣــل ﺑــﻪ
ﻷوﻟوﯾﺗﻪ ،وﻛﺎن ذﻟك ﻣن اﻟﻠﺟﻧﺔ اﻟﺗﻰ أﻟﻔت أواﺧر ﻋـﺎم ١٩١٤م ﻣـن
ﻛﺑـــﺎر ﻋﻠﻣـــﺎء اﻟﻣـــذاﻫب اﻷرﺑﻌـــﺔ واﻟﻠﺟﻧـــﺔ اﻟﺗـــﻰ أﻟﻔﻬـــﺎ اﻟﻣﻛﺗـــب اﻟﻔﻧـــﻰ
ﻟــرﺋﯾس ﻣﺟﻠــس اﻟــوزراء ﻋــﺎم ١٩٥٦م ،ﻓﻘــد ﺟــﺎء ﻓــﻰ اﻟﻔﻘــرة اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ
وﻟﻠﻣﻬـ ِـدى أن
ﻣــن اﻟﻣــﺎدة رﻗــم ١٧ﻣــن اﻟﻣــﺷروع اﻷﺧﯾــر ﻣــﺎ ﻧــﺻﻪ ْ ُ ":
ﻋﯾﻧــﺎ .أو ﻗﯾﻣﺗﻬــﺎ ﻧﻘـ ًـدا وﻗــت اﻟــﺷراء إذا
ﯾرﺟــﻊ ﺑﻣــﺎ ﻗدﻣــﻪ ﻣــن ﻫــداﯾﺎ ً
ﻫﻠﻛـت أو اﺳـﺗﻬﻠﻛت وذﻟـك إذا ﻛـﺎن اﻟﻌـدول ﻣـن ﺟﺎﻧـب اﻟطـرف اﻵﺧـر
ﺷﯾﺋﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﻌدول ﻣن ﺟﺎﻧﺑﻪ " .
وﻟﯾس ﻟﻪ أن ﯾﺳﺗرد ً
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﻟﻸﺧـذ ﺑﻣـذﻫب اﻟﻣﺎﻟﻛﯾـﺔ ،ﻓﺈﻧـﻪ ﻻ زال
اﻟﻌﻣل ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣذﻫب اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ﻓﻰ ﻣﺻر .
ـ ﺗﻌﻮﻳﺾ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺍﻟﻨﺎﺟﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺪﻭﻝ :ـ
ﻗــد ﯾﺣــدث ﺑــﺳﺑب اﻟﻌــدول ﻋــن اﻟﺧطﺑــﺔ ﺿــرر ﻣــﺎدى ﻛﺧــﺳﺎرة
ﻣﺎﻟﯾﺔ ـ وﻫو اﻟﻐﺎﻟب ـ أو ﺿـرر أدﺑـﻰ ﯾﺗﻌﻠـق ﺑﺎﻟـﺳﻣﻌﺔ واﻟـﺷرف ـ وﻫـو
اﻟــﺷﺎﺋﻊ اﻵن ﻟﻠﺧــروج ﻋــن ﺗﻌــﺎﻟﯾم اﻹﺳــﻼم ـ ﻓﻬــل ﯾﺣــق ﻟﻣــن ﻟﺣﻘــﻪ
اﻟﺿرر أن ﯾطﺎﻟب ﺑﺗﻌوﯾﺿﻪ ﻋﻧﻪ ؟ .
ـ ٢١٤ـ
ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻧﻘﻮﻝ :ـ
أ ـ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﺿﺮﺍﺭ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ اﻟﺗﻰ ﺗﻣس اﻟـﺳﻣﻌﺔ واﻟـﺷرف ﻻ
ﻣﺣل ﻟﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳـﻼﻣﻰ ؛ ﻷن ﺳـﺑب ﻫـذﻩ اﻷﺿـرار ﻫـو ﻣﺧﺎﻟﻔـﺔ
أﺣﻛﺎم اﻟﺷرع واﻟﺧروج ﻋﻠـﻰ ﺣـدودﻩ ،واﻟﺟـرى وراء اﻟﺗﻘﻠﯾـد اﻟﻣﻣﻘـوت
واﻟﻌرف اﻟﻔﺎﺳد ﻣن ﺧروج اﻟﻣﺧطوﺑﺔ ﻣﻊ ﺧﺎطﺑﻬﺎ إﻟﻰ اﻷﻣﺎﻛن اﻟﻌﺎﻣـﺔ
ﺑﻌﯾدا ﻋن أﻋـﯾن اﻟﻧـﺎس ،ﺑﻣـﺎ
ﻣن اﻟﺣداﺋق واﻟﻣﺗﻧزﻫﺎت ،واﻟﺧﻠوة ﺑﻬﺎ ً
ﻏﺎﻟﺑﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺣﻣد ﻋﻘﺑﺎﻩ ،ﻓﺎﻟﻣﺷرع اﻹﺳﻼﻣﻰ ﻗد ﻧﻬﻰ ﻋنﯾؤدى ً
ﻛل ذﻟك ،واﺷﺗرط ﻟرؤﯾﺔ اﻟﻣﺧطوﺑﺔ أﻻ ﯾﻛوﻧﺎ ﻓﻰ ﺧﻠوة ،وﺷـرع أﺣﻛـﺎم
اﻟﺧطﺑــﺔ ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس ﯾﺣﻔــظ ﻟﻛــل إﻧــﺳﺎن وﻗــﺎرﻩ واﺣﺗراﻣــﻪ ،وﺳــﻣﻌﺗﻪ
ﺳﺑﺑﺎ ﻟﺗﻌوﯾض ﻣن ﻧﺎﻟﻪوﺷرﻓﻪ ،ﻓﻼ ﯾﻛون اﻟﺧروج ﻋن أﺣﻛﺎم اﻟﺷرع ً
ﺿرر ﺑﺳﺑب اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﯾوﺟد ﻗﺎﻧون ﯾﺣﻣﻰ اﻟﻣﺧﺎﻟﻔـﺔ ،ﻓـﺄﻧﻰ
ﯾﻛون ﻟذﻟك ﺳﻧد ﻓﻰ ﺷرع أﺣﻛم اﻟﺣﺎﻛﻣﯾن .
ب ـ ﺃﻣﺎ ﺍﻷﺿﺮﺍﺭ ﺍﳌﺎﺩﻳﺔ ،ﻛـﺄن ﯾطﻠـب اﻟﺧﺎطـب ﻣـن اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ
ﺟﻬﺎ ًزا ﻣن ﻧوع ﺧﺎص وﻗﺎﻣت ﺑﺷراﺋﻪ ﻓﻌـﻼً ،أو ﺗطﻠـب اﻟﻣﺧطوﺑـﺔ ﻣـن
اﻟﺧﺎطــب إﻋــداد ﻣــﺳﻛن ﻣﻌــﯾن ﺑﻣواﺻــﻔﺎت ﺧﺎﺻــﺔ ﻓﻘــﺎم ﺑﺈﻋــدادﻩ ،ﺛــم
ﯾﻌدل أﺣدﻫﻣﺎ ﻋن اﻟﺧطﺑﺔ ،ﻓﻔـﻰ ﻫـذﻩ اﻟﺣﺎﻟـﺔ ﯾﺣﻛـم ﺑـﺎﻟﺗﻌوﯾض ﻋﻠـﻰ
اﻟطرف اﻟﻌﺎدل ﻋﻠﻰ أﺳـﺎس أﻧـﻪ ﻗـد ﻏـرر ﺑـﺻﺎﺣﺑﻪ وﺧدﻋـﻪ ،ﻻ ﻋﻠـﻰ
أﺳــﺎس اﻟﻌــدول ؛ ﻷﻧــﻪ ﺣــق وﻻ ﺳــﺑﯾل إﻟــﻰ إﻟ ـزام ﻣــن ﯾــﺳﺗﻌﻣل ﺣﻘ ـﻪ
ﻓﻘﻬـــﺎ " :أن اﻟﺗﻐرﯾـــر ﯾوﺟـــب اﻟـــﺿﻣﺎن " ،
ﺑﺗﻌـــوﯾض ،وﻣـــن اﻟﻣﻘـــرر ً
)(١
" ﻻ ﺿرر وﻻ ﺿرار " " ،اﻟﺿرر ﯾزال".
) (١اﻧظر :ﻋﻘد اﻟزواج وآﺛﺎرﻩ ﻟﻠﺷﯾﺦ ﻣﺣﻣد أﺑو زﻫرة ص . ٦٧
ـ ٢١٥ـ
ـ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺸﺒﻜﺔ :ـ
ﺟرى اﻟﻌرف ﺑﯾن اﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ ﺗﻘـدﯾم اﻟﺧﺎطـب ﻟﻣﺧطوﺑﺗـﻪ ﻫدﯾـﺔ ﻋﯾﻧﯾـﺔ
ﻣن اﻟذﻫب أو اﻟﻔﺿﺔ ﻗﺑل ﻋﻘـد اﻟﻘـران ﺗـﺳﻣﻰ ﻓـﻰ ﻋرﻓﻧـﺎ " ﺑﺎﻟـﺷﺑﻛﺔ "
ـرورﯾﺎ ﻻ ﯾﻣﻛــن
وﻗــد ﻓــﺷﺎ ﻫــذا اﻷﻣــر ﺑــﯾن اﻟﻧــﺎس ﺣﺗــﻰ ﺻــﺎر أﻣـ ًرا ﺿـ ً
اﻗﺗﻼﻋــﻪ ﻣــن اﻟواﻗــﻊ اﻟﺟــﺎرى ﺑﯾــﻧﻬم ،وﻻ ﻧزﻋــﻪ ﻣــن أﻓﺋــدﺗﻬم ،ﻓﻬــم ﻻ
ﯾﺗﻧﺎزﻟون ﻋﻧﻪ ﺑﺣﺎل .واﻟﺷﺑﻛﺔ ﻣـن اﻟﻣﺑﺎﺣـﺎت ﯾﺟـوز ﻓﻌﻠﻬـﺎ ـ إن ﻛﺎﻧـت
ﻓــﻰ اﻹطــﺎر اﻟــﺷرﻋﻰ ـ ﻛﻣــﺎ ﯾﺟــوز ﺗرﻛﻬــﺎ ،وﺣﻛﻣﻬــﺎ ﯾرﺟــﻊ ﻓﯾــﻪ إﻟــﻰ
اﻟﻌرف اﻟﺳﺎﺋد ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﯾﻌﺗﺑرﻫﺎ ﺟزًءا ﻣن اﻟﻣﻬر أﺧذت ﺣﻛﻣﻪ ٕ ،وان
ﻛﺎن ﯾﻌﺗﺑرﻫﺎ ﻣن اﻟﻬداﯾﺎ أﻟﺣﻘت ﺑﺣﻛﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺎ ﺳﺑق .
ـ ٢١٦ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ
ﺃﺭﻛﺎﻥ ﻋﻘـﺪ ﺍﻟـﺰﻭﺍﺝ
ـ رﻛن ﻋﻘـد اﻟـزواج ﻫـو ﺻـﯾﻐﺗﻪ اﻟﺗـﻰ ﯾﺗﺣﻘـق ﺑﻬـﺎ وﺟـودﻩ ،وﻫـﻰ
ﺗﺗــﺄﻟف ﻣــن اﻹﯾﺟــﺎب واﻟﻘﺑــول ) (١واﻹﯾﺟــﺎب ﻫــو ﻣــﺎ ﺻــدر أوﻻ ﻣــن أﺣــد
اﻟﻌﺎﻗدﯾن ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ إرادة إﻧﺷﺎء ﻋﻘد اﻟـزواج ورﺿـﺎﻩ ﺑـﻪ ،واﻟﻘﺑـول
ﺛﺎﻧﯾﺎ ﻣن اﻟﻌﺎﻗد اﻵﺧر ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣواﻓﻘﺗﻪ ورﺿـﺎﻩ ﺑﻣـﺎ
ﻫو ﻣﺎ ﺻدر ً
أوﺟﺑﻪ اﻷول .ﯾﺳﺗوى ﻓـﻰ ذﻟـك أن ﯾﻛـون اﻹﯾﺟـﺎب ﻣـن ﺟﺎﻧـب اﻟـزوج
أو ﻣن ﯾﻘوم ﻣﻘﺎﻣﻪ ﻣن اﻟوﻟﻰ أو اﻟوﻛﯾل ،واﻟﻘﺑول ﻣن ﺟﺎﻧب اﻟزوﺟﺔ
أو ﻣـــن ﯾﻘـــوم ﻣﻘﺎﻣﻬـــﺎ ﻣـــن اﻟـــوﻟﻰ أو اﻟوﻛﯾـــل ،واﻟﻌﻛـــس ﺑـــﺄن ﯾﻛـــون
اﻹﯾﺟﺎب ﻣن ﺟﺎﻧب اﻟزوﺟﺔ أو وﻟﯾﻬﺎ أو وﻛﯾﻠﻬـﺎ ،واﻟﻘﺑـول ﻣـن ﺟﺎﻧـب
اﻟزوج أووﻟﯾﻪ او وﻛﯾﻠﻪ
ـ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻌﺒﲑ ﻋﻦ ﺍﻹﳚﺎﺏ ﻭﺍﻟﻘﺒﻮﻝ :ـ
ﯾﺗﺣﻘق اﻹﯾﺟﺎب واﻟﻘﺑول ﻓﻰ ﻋﻘد اﻟزواج ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋل اﻵﺗﯾﺔ :ـ
ﺃ ـ ﺍﻟﻌﺒــﺎﺭﺓ :ـ
وﻫﻰ ﺗﻠﻔظ اﻟﻣوﺟب ﺑﺎﻹﯾﺟﺎب ،واﻟﻘﺎﺑل ﺑﺎﻟﻘﺑول ،وﻫﻰ اﻷﺻـل
ﻓﻰ اﻧﻌﻘﺎد اﻟﻌﻘد ﻓﻼ ﯾﺻﺢ ﻋﻘد اﻟزواج ﺑﻐﯾر اﻟﻌﺑـﺎرة ﻣـﻊ اﻟﻘـدرة ﻋﻠﯾﻬـﺎ
ﯾﺳﺗوى ﻓﻰ ذﻟك ﻋﺑﺎرة اﻷﺻﯾل أو اﻟوﻟﻰ أو اﻟوﻛﯾل .
) (١ﻫذا ﻋﻧد اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ،أﻣﺎ ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬـﺎء ﻓﯾـرون أن أرﻛـﺎن ﻋﻘـد اﻟـزواج ﻫـﻰ اﻟﻌﺎﻗـدان واﻟﻣﻌﻘـود ﻋﻠﯾـﻪ وﺻـﯾﻐﺔ
اﻟﻌﻘد اﻟﻣﻛوﻧﺔ ﻣن اﻹﯾﺟـﺎب واﻟﻘﺑـول .واﻟـﺳﺑب اﻟـذى أدى ﺑﺎﻷﺣﻧـﺎف إﻟـﻰ أﻧﻬـم ﯾـرون أن اﻟـﺻﯾﻐﺔ ﻫـﻰ رﻛـن اﻟﻌﻘـد
ﻟﻔظﺎ ﻷﻧﻬﻣﺎ ﻣوﺟودان ﺿرورة .
ﻓﻘط ،ﻫو أن وﺟودﻫﺎ ﯾﺳﺗﻠزم وﺟود اﻟﻌﺎﻗدﯾن واﻟﻣﻌﻘود ﻋﻠﯾﻪ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟذﻛرﻫﻣﺎ ً
ـ ٢١٧ـ
ﺏ ـ ﺍﻹﺷــﺎﺭﺓ :ـ
وﻫﻰ ﺗﻛون ﻓﻰ ﺣق ﻣن ﻻ ﯾﺣﺳن اﻟﻌﺑﺎرة ﻛﺎﻷﺧرس ،ﻓﺈﺷـﺎرﺗﻪ
اﻟﻣﻔﻬﻣﺔ ﻛﺎﻓﯾﺔ ﻓـﻰ اﻧﻌﻘـﺎد اﻟـزواج إذا ﻟـم ﯾﻛـن ﯾﺣـﺳن اﻟﻛﺗﺎﺑـﺔ ﺑﺎﺗﻔـﺎق
اﻟﻔﻘﻬــﺎء .أﻣــﺎ إذا ﻛــﺎن ﯾﺣــﺳن اﻟﻛﺗﺎﺑــﺔ ﻓﻔــﻰ اﻧﻌﻘــﺎد اﻟــزواج ﺑﺈﺷــﺎرﺗﻪ
اﻟﻣﻔﻬﻣﺔ رواﯾﺗﺎن :
اﻷوﻟﻰ :اﻧﻌﻘﺎد اﻟزواج ﺑﺎﻹﺷﺎرة ؛ ﻷن اﻟﻣﻘﺻود ﺣﺎﺻل ﺑﻬـﺎ ﻛﺎﻟﻛﺗﺎﺑـﺔ
ﺑﻼ ﻓرق ﻓﻰ اﻟدﻻﻟﺔ .
اﻟﺛﺎﻧﯾـــﺔ :ﻋــدم اﻧﻌﻘــﺎد اﻟــزواج ﺑﻬــﺎ ؛ ﻷن دﻻﻟــﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻣ ـراد
أظﻬــــر وأﻗــــوى ﻣــــن دﻻﻟــــﺔ اﻹﺷــــﺎرة ،وﻫــــذﻩ اﻟرواﯾــــﺔ ﻫــــﻰ
اﻟﻣﻌﺗﻣــدة ﻓــﻰ اﻟﻣــذﻫب اﻟﺣﻧﻔــﻰ وﻋﻠﯾﻬــﺎ ﯾﺟــرى اﻟﻌﻣــل ﻓــﻰ
اﻟﻣﺣﺎﻛم ،ﻷﻧﻬﺎ أرﺟﺢ وأﺣوط .
ﺝ ـ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑــﺔ :ـ
ﻏﺎﺋﺑــﺎ
ﻗــرر اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ أﻧــﻪ ﻓــﻰ ﺣﺎﻟــﺔ ﻣــﺎ إذا ﻛ ـﺎن أﺣــد اﻟﻌﺎﻗــدﯾن ً
ﻣﻛﺗوﺑـــﺎ ﻓﯾـــﻪ ﺻـــﯾﻐﺔ
ً ﻛﺗﺎﺑـــﺎ إﻟـــﻰ اﻟطـــرف اﻵﺧـــر
ﯾﺟـــوز ﻟـــﻪ أن ﯾرﺳـــل ً
اﻹﯾﺟــﺎب ﻛــﺄن ﯾﻛﺗــب رﺟــل ﻻﻣـرأة :ﺗزوﺟﺗــك .ﻓــﺈذا وﺻــل اﻟﻛﺗــﺎب إﻟــﻰ
اﻟﻣ ـرأة وأﺣــﺿرت ﺷــﺎﻫدﯾن وﻗ ـرأت ذﻟــك أﻣﺎﻣﻬﻣــﺎ ﺛــم ﻗﺎﻟــت :أﺷــﻬدﻛم
ﻋﻠﻰ ذﻟك وﻋﻠـﻰ أﻧـﻰ ﻗﺑﻠـت اﻟـزواج ﻣﻧـﻪ ﺗـم ﻋﻘـد اﻟـزواج ﺣﯾﻧﺋـذ وﻛـﺎن
ﺻﺣﯾﺣﺎ .
ً اﺟﺎ
زو ً
وﯾﻼﺣــظ أن ﻫــذا اﻹﺷــﻬﺎد ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﺟــﺎء ﻓــﻰ اﻟﻛﺗــﺎب إﻧﻣــﺎ ﻫــو
ﻻﻧﻌﻘــﺎد اﻟﻌﻘــد وﺻــﺣﺗﻪ ،ﻟﻛﻧــﻪ ﻏﯾــر ﻛــﺎف ﻋﻧــد اﻹﻧﻛــﺎر ،ﻓﻘــد ﯾﻧﻛــر
ـ ٢١٨ـ
ِ
اﻟﻣرﺳــل أن اﻟﻛﺗــﺎب ﻛﺗﺎﺑــﻪ ﻓﺣﯾﻧﺋــذ ﻻﺑــد ﻣــن اﻟﺗﺛﺑــت ﺑﺎﻹﺷــﻬﺎد ﻋﻠــﻰ
ُ
ﺻدور اﻟﻛﺗﺎب ﻣﻧﻪ .
ﺩ ـ ﺍﻟﺮﺳــﻮﻝ :ـ
رﺳوﻻ ﯾﺣﻣل إﯾﺟﺎﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻣرأة ﻋﻠﻰ أﻧـﻪ ﯾرﯾـد
ً إذا أرﺳل اﻟرﺟل
اﻟــزواج ﻣﻧﻬــﺎ ،وﺑﻠــﻎ اﻟرﺳــول ﻫــذا اﻹﯾﺟــﺎب ،ﻓﻘﺑﻠــت اﻟﻣ ـرأة ﺑﺣــﺿرة
ﺷـــﺎﻫدﯾن ﺳـــﻣﻌﺎ ﻛـــﻼم اﻟرﺳـــول وﻗﺑوﻟﻬـــﺎ ،ﺗـــم ﻋﻘـــد اﻟـــزواج واﻋﺗﺑـــر
اﻹﯾﺟﺎب ﻣن اﻟﻣرﺳل ﺣﺎﺻﻼً ﻓﻰ ﻣﺟﻠس اﻟﻘﺑول .
ﻓﺈذا رﻓﺿت اﻟﻣرأة وﻟم ﺗﻘﺑل اﻟزواج ﻓﻰ ﻣﺟﻠـس ﺗﺑﻠﯾـﻎ اﻟرﺳـﺎﻟﺔ
ﺛــم ﻗﺑﻠــت ﺑﻌــد ذﻟــك ﻓــﻰ ﻣﺟﻠــس آﺧــر ﻻ ﯾﻧﻌﻘــد اﻟــزواج ،ﻟﻌــدم اﺗــﺻﺎل
اﻟﻘﺑول ﺑﺎﻹﯾﺟﺎب ﻓﻰ اﻟﻣﺟﻠس ،وﻷن ﻛﻼم اﻟرﺳول ﻗـد ﺗﻼﺷـﻰ ﺑﻣﺟـرد
)(١
إﯾﺟﺎﺑﺎ ﯾرد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻘﺑول.
ً ﺗﺑﻠﯾﻐﻪ ﻓﻠم ﯾﻌد ﻫﻧﺎك
ـ ﺃﻭﺻﺎﻑ ﺻﻴﻐﺔ ﻋﻘﺪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ :ـ
ﺻــﯾﻐﺔ ﻋﻘــد اﻟــزواج ﻗــد ﺗﻛــون ﻣﻧــﺷﺋﺔ ﻟــﻪ ﻓــﻰ اﻟﺣــﺎل ،ﻣرﺗﺑــﺔ
ﻷﺣﻛﺎﻣــﻪ وآﺛــﺎرﻩ إﺛــر ﺗﻣﺎﻣــﻪ ﻣﺑﺎﺷــرة وﺑــدون ﺗــﺄﺧﯾر ـ وﻫــو ﻣــﺎ ﯾﻌــرف
ﺑــﺎﻟﺗﻧﺟﯾز ـ وﻗــد ﺗﻛــون ﻣﻌﻠﻘــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺷــرط أو ﻣــﺿﺎﻓﺔ إﻟــﻰ أﺟــل ،أو
ﻣﻘﯾدة ﺑﺎﻟﺷرط ،وﻟﻛل ﺣﻛم ٕواﻟﯾك اﻟﺑﯾﺎن :
ـ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﳌﻨﺠﺰ ﻭﺣﻜﻤﻪ :ـ
اﻟﻌﻘد اﻟﻣﻧﺟز :ﻫو ﻣﺎ ﺻدرت ﺻﯾﻐﺔ اﻟزواج ﻓﯾﻪ ﻣطﻠﻘـﺔ ﻏﯾـر
ﻣﻘﯾدة ﺑﺷﺊ أﺻـﻼً ،ﻛﻣـﺎ ﻟـو ﻗـﺎل رﺟـل ﻻﻣـرأة :زوﺟﯾﻧـﻰ ﻧﻔـﺳك ﻋﻠـﻰ
) (١اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻟﻠﺷﯾﺦ اﻟذﻫﺑﻰ ص . ٦٠ ، ٥٩
ـ ٢١٩ـ
ﻣﻬر ﻗدرﻩ ﻛذا ،ﻓﺗﻘول :ﻗﺑﻠت .
ﻣﻧﺗﺟﺎ ﻷﺣﻛﺎﻣﻪ وآﺛﺎرﻩ ﻓﻰ اﻟﺣﺎل ،
ﺻﺣﯾﺣﺎ ًً ﻭﺣﻜﻤﻪ :أﻧﻪ ﯾﻘﻊ
ﻣﺳﺗوﻓﯾﺎ ﻟﻠﺷروط اﻟﻣﻧـوط ﺑﻬـﺎ ﺻـﺣﺗﻪ ،واﻟﺗـﻰ ﺳـﺗﺄﺗﻰ ﻓﯾﻣـﺎ
ً ﻣﺗﻰ ﻛﺎن
ﺑﻌد .
ـ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﳌﻌﻠﻖ ﻭﺣﻜﻤﻪ :ـ
ﺍﻟﺘﻌﻠﻴـــﻖ :ﻫـــو رﺑـــط ﺣـــﺻول ﻣـــﺿﻣون ﺟﻣﻠـــﺔ ﺑﺣـــﺻول
ﻣﺿﻣون ﺟﻣﻠﺔ أﺧرى ﺑﺄداة ﻣن أدوات اﻟﺷرط ،ﻛﺄن ﯾﻘول ﻟـك رﺟـل :
إن ﻧﺟﺣـــت ﻓـــﻰ اﻻﻣﺗﺣــــﺎن زوﺟﺗـــك اﺑﻧﺗـــﻰ ،ﻓــــﺈن ﻫـــذا اﻟﻘـــول رﺑــــط
ﻟﻣــﺿﻣون اﻟﺟﻣﻠــﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ )وﻫــو اﻟــزواج( ﺑﻣــﺿﻣون اﻟﺟﻣﻠــﺔ اﻷوﻟــﻰ
)وﻫو اﻟﻧﺟﺎح( ﺑﺄداة ﻣن أدوات اﻟﺷرط وﻫﻰ )إن( ﻓﻰ اﻟﻣﺛﺎل اﻟﻣذﻛور.
ﻭﺣﻜﻢ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﳌﻌﻠﻖ ﳜﺘﻠﻒ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﳌﻌﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ :
ﻓﺈذا ﻋﻠق ﻋﻠﻰ ﺷرط ﻣﻌدوم ﻓﻰ اﻟﺣﺎل ﻟﻛﻧﻪ ﻣﺣﻘق اﻟوﻗوع ﻛﺄن
ﯾﻘـول رﺟـل ﻻﻣـرأة :ﺗزوﺟﺗــك إن ﺟـﺎء اﻟـﺻﯾف .ﻓﺗﻘـول :ﻗﺑﻠــت .أو
ﻣﺣﺗﻣل اﻟوﻗوع ﻛﻘوﻟﻪ :ﺗزوﺟﺗـك إن ﻧﺟﺣـت ﻓـﻰ اﻻﻣﺗﺣـﺎن آﺧـر اﻟﻌـﺎم
ﻓﺗﻘول :ﻗﺑﻠت .أو ﻣﺳﺗﺣﯾل اﻟوﻗوع ﻛﻘوﻟﻪ :ﺗزوﺟﺗك إن دﺧل اﻟﺟﻣل
ﻓﻰ ﺳم اﻟﺧﯾﺎط .
ﻓﺎﻟزواج ﻓﻰ ﺟﻣﯾﻊ ﻫذﻩ اﻟﺻور ﺑﺎطل ﻏﯾر ﻣﻧﻌﻘد ﻻ ﻓـﻰ اﻟﺣـﺎل
.وﻻ ﻋﻧـد ﺗﺣﻘـق اﻟـﺷرط اﻟﻣﻣﻛـن ،ﻷن اﻟـزواج ﻣـن ﻋﻘـود اﻟﺗﻣﻠﯾﻛــﺎت
اﻟﺗــﻰ ﻻ ﺗﻘﺑــل اﻟﺗﻌﻠﯾــق ،وﻷن اﻟﺗﻌﻠﯾــق ﯾﻧــﺎﻓﻰ اﻟﻣﻘــﺻود ﻣــن ﻋﻘــد ﻟــﻪ
ﺧطرﻩ وﻣﻛﺎﻧﺗﻪ ﻛﺎﻟزواج .
ـ ٢٢٠ـ
أﻣﺎ إذا ﻋﻠق اﻟزواج ﻋﻠـﻰ أﻣـر ﻛـﺎﺋن ـ أى ﻣوﺟـود ﻓـﻰ اﻟﺣـﺎل ـ
ﻛﻘوﻟﻪ :ﺗزوﺟﺗك إن ﻛﻧت ﻧﺎﺟﺣﺔ ﻓﻰ اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻣﺎﺿـﯾﺔ .ﻓﺗﻘـول اﻟﻣـرأة
:ﻗﺑﻠــت .وﻛﺎﻧــت ﻧﺎﺟﺣــﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌــل ،أو ﻛــﺎن ﻣﻌﻠﻘًــﺎ ﻋﻠــﻰ ﺷــرط ﯾﻣﻛــن
ﺗﺣﻘﯾﻘﻪ ﻓﻰ اﻟﺣﺎل ﻛﺄن ﯾﻘول ﻟﻬﺎ :ﺗزوﺟﺗك إن رﺿﻰ أﺑوك .ﻓﻘﺎﻟت :
ﻗﺑﻠــت ،وﻗــﺎل أﺑوﻫــﺎ ﻓــﻰ اﻟﻣﺟﻠــس رﺿــﯾت ،اﻧﻌﻘــد اﻟــزواج وﺻــﺢ إن
ﺗــوﻓرت ﻓﯾــﻪ ﺷــروط اﻟــﺻﺣﺔ ،ﻷن اﻟﺗﻌﻠﯾــق ﻫﻧــﺎ ﺗﻌﻠﯾــق ﻓــﻰ اﻟــﺻورة
ﺗﻧﺟﯾز ﻓﻰ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ.
ـ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﳌﻀﺎﻑ ﻭﺣﻜﻤﻪ :ـ
ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﳌﻀﺎﻑ :ﻫو اﻟذى ﺗﻛون ﺻـﯾﻐﺗﻪ داﻟـﺔ ﻋﻠـﻰ إﻧـﺷﺎﺋﻪ
ﻣن وﻗت ﺻدورﻩ ﻣن اﻟﻌﺎﻗد ﻣﻊ ﺗﺄﺧر آﺛﺎرﻩ إﻟﻰ زﻣﺎن ﻣﺳﺗﻘﺑل ﯾﺿﺎف
إﻟﯾﻪ .ﻛـﺄن ﯾﻘـول رﺟـل ﻻﻣـرأة :ﺗزوﺟﺗـك أول اﻟـﺷﻬر اﻟﻘـﺎدم ،أو أول
اﻟﺳﻧﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻓﺗﻘول :ﻗﺑﻠت .
وﺣﻛم ﻫـذا اﻟـزوج أﻧـﻪ ﻻ ﯾﻧﻌﻘـد ﻻ ﻓـﻰ اﻟﺣـﺎل ،وﻻ ﻋﻧـد ﺣﻠـول
اﻟوﻗت اﻟﻣﺿﺎف إﻟﯾﻪ ،ﻷن ﻋﻘد اﻟزواج ﻣن ﻋﻘـود اﻟﺗﻣﻠﯾﻛـﺎت اﻟﺗـﻰ ﻻ
ﺗﻘﺑــل اﻹﺿــﺎﻓﺔ ،ﻛﻣــﺎ أﻧــﻪ ﻋﻘــد وﺿــﻊ ﻟﯾﻔﯾــد ﺣﻛﻣــﻪ ﻓــﻰ اﻟﺣــﺎل ،ﻓــﻼ
ﺗﺗراﺧﻰ أﺣﻛﺎﻣﻪ وآﺛﺎرﻩ إﻟﻰ زﻣﺎن ﻣـﺳﺗﻘﺑل ،ﻓـذﻟك ﯾﺗﻧـﺎﻓﻰ ﻣـﻊ اﻟﺣﻛﻣـﺔ
اﻟﺗﻰ ﺷرع ﻷﺟﻠﻬﺎ .
ـ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﺍﳌﻘﻴﺪ ﺑﺎﻟﺸﺮﻁ ﻭﺣﻜﻤﻪ :ـ
اﻟﺗﻘﯾﯾد ﺑﺎﻟﺷرط :ﻫو اﻟﺗزام أﻣر ﻟم ﯾوﺟد ﻓﻰ أﻣر ﻗد وﺟد ،ﻛﺄن ﯾﻘول
رﺟل ﻻﻣرأة :ﺗزوﺟﺗك ﺑﺷرط أﻻ أﻧﻔق ﻋﻠﯾك ،أو ﺑﺷرط أﻻ أﺧـرج ﺑـك
ﻣــن اﻟﺑﻠــد ،أو ﺗــﺷﺗرط ﻫــﻰ ﻋﻠﯾــﻪ أﺧــذ ﻛﻔﯾــل ﺑﻣﻬرﻫــﺎ ،أو أن ﯾطﻠــق
ـ ٢٢١ـ
ﺿرﺗﻬﺎ ،أو أﻻ ﯾﺗزوج ﻋﻠﯾﻬﺎ إﻟﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﺷروط .
ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﳌﻘﻴﺪ ﺑﺎﻟﺸﺮﻁ :ـ
ﯾﺧﺗﻠــف ﺑــﺎﺧﺗﻼف ﻧــوع اﻟــﺷرط اﻟﻣﻘﯾــد ﺑــﻪ ،وﻫــذﻩ اﻟــﺷروط ﻻ
ﺗﺧﻠو ﻋن أﻧواع ﺛﻼﺛﺔ :ـ
ً
١ـ ﺷﺮﻭﻁ ﳚﺐ ﺍﻟﻮﻓﺎء ﺑﻬﺎ ﺍﺗﻔﺎﻗﺎ ،وﻫﻰ اﻟﺗﻰ ﻻ ﺗﺧﺎﻟف ﻣﺎ ﺷرﻋﻪ
ﺳـﻧﻪُ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻛـﺄناﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ،وﻻ ﻣـﺎ َ
ﯾﻛون اﻟﺷرط ﯾﻘﺗﺿﯾﻪ اﻟﻌﻘد ،ﻛﺎﺷﺗراط اﻟﻣـرأة ﻓـﻰ ﻋﻘـد اﻟـزواج إﻧﻔـﺎق
اﻟزوج ﻋﻠﯾﻬﺎ ،أو ﯾﻼﺋم اﻟﻌﻘد ﻛﺎﺷﺗراطﻬﺎ أﺧذ ﻛﻔﯾل ﺑﻣﻬرﻫﺎ ،أو ﻛـﺎن
اﻟﺷرط ﻗد ورد ﺑﻪ اﻟﺷرع ﻛﺎﺷﺗراط اﻟزوج ﺗطﻠﯾﻘﻬﺎ ﻣﺗﻰ ﺷﺎء ،أو ﻛﺎن
اﻟﺷرط ﺟرى ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻌرف ﻛﺎﺷﺗراط اﻟﻣرأة ﺗﻌﺟﯾل اﻟﻣﻬر .
ﻓﻔــﻰ ﻫــذﻩ اﻟــﺻور ﻛﻠﻬــﺎ ﯾﻧﻌﻘــد اﻟــزواج وﯾــﺻﺢ اﻟــﺷرط ،وﯾﻠــزم
اﻟوﻓــﺎء ﺑــﻪ ﻟﻘــول اﻟﻧﺑــﻰ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ } إن أﺣــق
اﻟﺷروط أن ﯾوﻓﻰ ﺑﻪ ﻣﺎ اﺳﺗﺣﻠﻠﺗم ﺑﻪ اﻟﻔروج { ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ
)(١
ً
٢ـ ﺷﺮﻭﻁ ﻻ ﳚﺐ ﺍﻟﻮﻓﺎء ﺑﻬﺎ ﺍﺗﻔﺎﻗﺎ ،وﻫﻰ اﻟﺷروط اﻟﺗﻰ ورد ﻣن
اﻟــــﺷﺎرع اﻟﻧﻬــــﻰ ﻋﻧﻬــــﺎ ،أو اﻟﺗــــﻰ ﺗﻧــــﺎﻗض ﻣﻘﺗــــﺿﻰ اﻟﻌﻘــــد وﺗﺧــــل
ﺑﺎﻟﻣﻘﺻود ﻣﻧﻪ ،ﻛﺄن ﯾﺷﺗرط اﻟرﺟل أﻻ ﯾﻧﻔق ﻋﻠﯾﻬﺎ ،أو أﻻ ﻣﻬر ﻟﻬﺎ
،أو ﺗﺷﺗرط اﻟﻣرأة أن ﯾطﻠق ﺿرﺗﻬﺎ ،وﻛﺎﺷـﺗراط اﻟﺗـوارث ﺑـﯾن اﻟـزوج
اﻟﻣﺳﻠم واﻟزوﺟﺔ اﻟﻛﺗﺎﺑﯾﺔ .
ﻓﻔﻰ ﻛل ﻫذﻩ اﻟـﺻور ﯾﺑطـل اﻟـﺷرط وﯾـﺻﺢ اﻟﻌﻘـد ﻟﻘوﻟـﻪ ﺻـﻠﻰ
) (١ﺳﺑل اﻟﺳﻼم ﻟﻠﺻﻧﻌﺎﻧﻰ ٢٦٤/٣ﺣدﯾث رﻗم " ٩٣٣ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " .
ـ ٢٢٢ـ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم } :ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣن ﺷرط ﻟﯾس ﻓـﻰ ﻛﺗـﺎب اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ
ﻓﻬو ﺑﺎطل ٕوان ﻛـﺎن ﻣﺎﺋـﺔ ﺷـرط {) (١وﻟﻘوﻟـﻪ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم }:
اﻣﺎ أو ﺣرم ﺣﻼﻻً { .
ﺷرطﺎ أﺣل ﺣر ً
ً اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻋﻧد ﺷروطﻬم إﻻ
٣ـ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﺧﺘﻠﻒ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ ﺍﻟﻔﻘﻬـﺎء .وﻫـﻰ ﺷـروط ﻟـم ﯾـرد ﻓﯾﻬـﺎ
أﻣــر وﻻ ﻧﻬــﻰ ،ﻓﻬــﻰ ﻻ ﺗﻧــﺎﻓﻰ اﻟﻌﻘــد ،وﻻ ﯾﻘﺗــﺿﯾﻬﺎ ﺑــل ﺧﺎرﺟــﺔ ﻋــن
ﻣﻌﻧــﻰ اﻟﻌﻘــد وﻣﻼﺑــﺳﺎﺗﻪ اﻟــﺷرﻋﯾﺔ ﻛﺎﺷــﺗراط اﻟزوﺟــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟــزوج أﻻ
ﯾــﺳﺎﻓر ﺑﻬــﺎ ،أو أﻻ ﯾﺗــزوج ﻋﻠﯾﻬــﺎ ،أو أن ﺗﺑﻘــﻰ ﻓــﻰ ﻣﻧــزل أﺑﯾﻬــﺎ ..
وﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﺷروط اﻟﺗـﻰ ﺗراﻫـﺎ اﻟﻣـرأة ﻓـﻰ ﺻـﺎﻟﺣﻬﺎ وﻟـم ﯾـﺄﻣر اﷲ
ﺑﻬﺎ وﻟم ﯾﻧﻪ ﻋﻧﻬﺎ.
ﻭﺣﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﺧﺘﻠﻒ ﺑﺸﺄﻧﻬﺎ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء :ـ
ﻓﻤﺬﻫﺐ ﺍﳉﻤﻬﻮﺭ ﻣـﻦ ﺍﻟﻔﻘﻬـﺎء :أن اﻟـﺷرط ﺑﺎطـل ﻻ ﯾﻠـزم
اﻟوﻓﺎء ﺑﻪ واﻟﻌﻘد ﺻﺣﯾﺢ ﻻ ﻏﺑﺎر ﻋﻠﯾﻪ ،وذﻟك ﻟﻘوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
وآﻟﻪ وﺳﻠم } ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣن ﺷرط ﻟﯾس ﻓﻰ ﻛﺗﺎب اﷲ ﻓﻬو ﺑﺎطل { وﻗوﻟﻪ
ـرطﺎ أﺣــل
ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺻﻼة واﻟــﺳﻼم }:اﻟﻣــﺳﻠﻣون ﻋﻧــد ﺷــروطﻬم إﻻ ﺷـ ً
اﻣﺎ أو ﺣرم ﺣﻼﻻً { .
ﺣر ً
ﻭﻣﺬﻫﺐ ﺍﳊﻨﺎﺑﻠﺔ :أن اﻟﺷرط ﻻزم ﯾﺟب اﻟوﻓﺎء ﺑﻪ ،وﻟﻠﻣرأة ﺧﯾﺎر
اﻟﻔــﺳﺦ إن ﻟــم ﯾــوف ﻟﻬــﺎ ﻣــﺎ اﺷــﺗرطت ؛ ﻷﻧﻬــﺎ ﻟــم ﺗــرض ﺑــﺎﻟزواج إﻻ
ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟوﻓﺎء ﺑﺎﻟﺷرط .وذﻟك ﻟﻘوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳـﻠم
} إن أﺣــق اﻟــﺷروط أن ﯾــوﻓﻰ ﺑــﻪ ﻣــﺎ اﺳــﺗﺣﻠﻠﺗم ﺑــﻪ اﻟﻔــروج { وروى
) (١ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ ـ ﺳﺑل اﻟﺳﻼم ٢٠/٣ﺣدﯾث رﻗم " ٧٤٣ﻛﺗﺎب اﻟﺑﯾوع " .
ـ ٢٢٣ـ
اﻷﺷرم ﺑﺈﺳﻧﺎدﻩ :أن رﺟﻼً ﺗزوج اﻣرأة وﺷرط ﻟﻬﺎ دارﻫـﺎ ﺛـم أراد ﻧﻘﻠﻬـﺎ
ﻓﺧﺎﺻــﻣوﻩ إﻟــﻰ ﻋﻣــر ﺑــن اﻟﺧطــﺎب ـ رﺿــﻰ اﷲ ﻋﻧــﻪ ـ ﻓﻘــﺎل " :ﻟﻬــﺎ
ﺷرطﻬﺎ ﻣﻘﺎطﻊ اﻟﺣﻘوق ﻋﻧد اﻟﺷروط " ؛ وﻷﻧﻪ ﺷـرط ﻟﻬـﺎ ﻣﻧﻔﻌـﺔ ﻓﯾـﻪ
ﻻزﻣــﺎ ﻛﻣــﺎ ﻟــو ﺷــرطت ﻋﻠﯾــﻪ
ﻻ ﯾﻣﻧــﻊ اﻟﻣﻘــﺻود ﻣــن اﻟﻧﻛــﺎح ،ﻓﻛــﺎن ً
)(١
زﯾﺎدة ﻓﻰ اﻟﻣﻬر أو ﻏﯾر ﻧﻘد اﻟﺑﻠد .
وﻗــد اﻗﺗــرح اﻷﺧــذ ﺑﻣــذﻫب اﻟﺣﻧﺎﺑﻠــﺔ ﻓــﻰ ﻣــﺷروع ﺳــﻧﺔ ١٩٢٦م ﺣﯾــث
ﺟﺎء ﻓﻰ اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ ﻣﻧﻪ ﻣﺎ ﻧﺻﻪ :
ـرطﺎ ﻓﯾــﻪ ﻣﻧﻔﻌــﺔ ﻟﻬــﺎ وﻻ
" إذا اﺷــﺗرطت اﻟزوﺟــﺔ ﻓــﻰ ﻋﻘــد اﻟــزواج ﺷـ ً
ﯾﻧﺎﻓﻰ ﻣﻘﺎﺻد اﻟﻧﻛﺎح ﻛﺄن ﻻ ﯾﺗزوج ﻋﻠﯾﻬﺎ أو أن ﯾطﻠق ﺿرﺗﻬﺎ أو أﻻ
ﯾﻧﻘﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﻠد آﺧر ﺻﺢ اﻟﺷرط وﻟزم وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺣق ﻓﺳﺦ اﻟـزواج إذا
ﻟم ﯾف ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺷروط " .
وورد ﺑﺎﻟﻣذﻛرة اﻟﺗﻔـﺳﯾرﯾﺔ أن ﻫـذا اﻟﺣﻛـم ﻣـﺄﺧوذ ﻣـن ﻣـذﻫب اﻟﺣﻧﺎﺑﻠـﺔ
ﻟـم ﻧﺟـد أﻧﻬـم ﯾﻘوﻟـون ﺑـﺻﺣﺔ ﺷـرط )(٢
وﺑﺎﻟرﺟوع إﻟﻰ ﻣـذﻫب اﻟﺣﻧﺎﺑﻠـﺔ
اﻟﻣرأة إذا اﺷـﺗرطت ﻋﻠـﻰ اﻟـزوج طـﻼق ﺿـرﺗﻬﺎ ،ﻓﻘـد ﺟـﺎء ﻓـﻰ ﻛﺗـﺎب
اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ ﻣﺎ ﻧﺻﻪ :
" ﻓﺈن ﺷرطت ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾطﻠـق ﺿـرﺗﻬﺎ ﻟـم ﯾـﺻﺢ اﻟـﺷرط ﻟﻣـﺎ روى أﺑـو
ﻫرﯾـرة ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﻗـﺎل " :ﻧﻬـﻰ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
ـ ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر ﻻﺑن اﻟﻬﻣﺎم . ٣٨٧/٢ ) (١اﻧظر :اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٥٤٨/٦
ـ اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻟﻠذﻫﺑﻰ ص . ٦٥
) (٢وﻛﺎن رﺟوﻋﻧﺎ ﻓﻰ ذﻟك إﻟﻰ ﻛﺗـﺎب اﻟﻣﻐﻧـﻰ ﻻﺑـن ﻗداﻣـﺔ .رﺑﻣـﺎ ﯾﻛـون اﻟﻣﻘـﻧن ﻗـد اطﻠـﻊ ﻋﻠـﻰ رواﯾـﺔ ﻓـﻰ ﻛﺗـﺎب
آﺧر ﻣن ﻛﺗب اﻟﺣﻧﺎﺑﻠﺔ ﺗﻘول ﺑﺻﺣﺔ ﺷرط اﻟﻣرأة طﻼق ﺿرﺗﻬﺎ .وﻋﻠﻰ ﻛل ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧرى ﻋدم ﺻﺣﺔ ﻫذا اﻟﺷرط ﻟﻘوة
ﻣﺎ اﺳﺗﻧد إﻟﯾﻪ اﺑن ﻗداﻣﺔ وﻫو ﻣن ﻓﻘﻬﺎء اﻟﺣﻧﺎﺑﻠﺔ .
ـ ٢٢٤ـ
وﺳﻠم ـ أن ﺗـﺷﺗرط اﻟﻣـرأة طـﻼق أﺧﺗﻬـﺎ " وﻓـﻰ ﻟﻔـظ :أن اﻟﻧﺑـﻰ ﺻـﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ﻗـﺎل } :ﻻ ﺗـﺳﺄل اﻟﻣـرأة طـﻼق أﺧﺗﻬـﺎ ﻟﺗـﻧﻛﺢ {،
واﻟﻧﻬـــﻰ ﯾﻘﺗـــﺿﻰ ﻓـــﺳﺎد اﻟﻣﻧﻬـــﻰ ﻋﻧـــﻪ ،وﻷﻧﻬـــﺎ ﺷـــرطت ﻓـــﺳﺦ ﻋﻘـــدﻩ
ٕواﺑطﺎل ﺣﻘﻪ وﺣق اﻣرأﺗﻪ ﻓﻠم ﯾﺻﺢ ﻛﻣﺎ ﻟو ﺷرطت ﻋﻠﯾﻪ ﻓﺳﺦ ﺑﯾﻌﻪ .
وأﻛﺛر ﻣـن ذﻟـك وﺟـدﻧﺎ اﺑـن ﻗداﻣـﺔ ﯾﺑطـل ﻗـول ﻣـن ﻗـﺎل ﺑـذﻟك .وﺑـذﻟك
ﯾﺑطل ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻰ اﻟﻣﺷروع اﻟﻣﻘﺗرح ﻓﻰ ﺧﺻوص ﻫذﻩ اﻟﺟزﺋﯾﺔ ؛ ﻷﻧﻪ
ﻟم ﯾﺻﺢ ﻋن أﺣد ﻣن اﻟﻔﻘﻬﺎء اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﻣرأة ﻟﻬﺎ أن ﺗﺷﺗرط طﻼق
ﺿرﺗﻬﺎ ؛ ﻟﻣﺎ ﻓﯾـﻪ ﻣـن ﻣﺧﺎﻟﻔـﺔ ﺻـرﯾﺣﺔ ﻟﺣـدﯾث رﺳـول اﷲ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ،وﻟذﻟك أﺛﻧـﻰ ﻛﺛﯾـر ﻣـن اﻟﻣﻔﻛـرﯾن ﻋﻠـﻰ أوﻟـﻰ اﻷﻣـر
ﺣﯾث ﻟم ﯾﺄﺧذوا ﺑﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﻣـﺷروع اﻟﻣﻘﺗـرح ﻓـﻰ ﻫـذا اﻟﺧـﺻوص ،
وﻣن ﻫﻧﺎ ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧرى أن اﻟﻌﻣل ﺑﻣذﻫب اﻟﺟﻣﻬور أوﻟﻰ ،ﻟﻣﺎ ﻓـﻰ اﻷﺧـذ
ﺑــﻪ ﻣــن اﻟﺣﻔــﺎظ ﻋﻠــﻰ اﻟﺣﯾــﺎة اﻟزوﺟﯾــﺔ ﻣــن اﻻﻧﻬﯾــﺎر واﻟﻔــﺷل ﻟﻣﺟــرد
رﻏﺑـــﺎت ﻋﺎرﺿـــﺔ ﺗﺧﺗﻠـــف ﺑـــﺎﺧﺗﻼف اﻷﻋـــﺻﺎر واﻷﻣـــﺻﺎر ؛ ﻷن ﻣــــﺎ
ﯾﺳﺗﺣﺳﻧﻪ اﻟﻣرء ﻓﻰ ﯾوﻣـﻪ ﻗـد ﻻ ﯾﻛـون ﻛـذﻟك ﻓـﻰ ﻏـدﻩ ؛ وﻷن اﻟﺑﻘـﺎء
ﻋﻠﻰ ﻋﻘد ﺗم أﻓﺿل ﻣـن ﻓـﺻﻣﻪ ،ﻓـذﻟك ﻣـﺎ ﯾﺗﻔـق ﻣـﻊ ﻣﻘﺎﺻـد اﻟـﺷرع
ٕواﺣﺎطﺗﻪ ﻟﻌﻘد اﻟزواج ﺑﺎﻟﻘدﺳﯾﺔ واﻹﺟﻼل .
ـ ٢٢٥ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺷـﺮﻭﻁ ﻋﻘـﺪ ﺍﻟـﺰﻭﺍﺝ
ـ ﻟﻠـزواج ﺷـروط اﺷـﺗرطﻬﺎ اﻟﻣـﺷرع اﻹﺳـﻼﻣﻰ ﺗـﺳﻣﻰ اﻟـﺷروط
اﻟﺷرﻋﯾﺔ وﻟﻪ ﺷروط وﺿﻌﯾﺔ اﺷﺗرطﻬﺎ اﻟﻣﺷرع اﻟوﺿـﻌﻰ ﻟﺗوﺛﯾـق ﻋﻘـد
اﻟزواج ﻋﻧـد إﺟراﺋـﻪ ،وﻟـﺳﻣﺎع دﻋـوى اﻟزوﺟﯾـﺔ ﻋﻧـد اﻹﻧﻛـﺎر وﺗـﺳﻣﻰ
ﺑﺎﻟﺷروط اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ إﻟﯾك ﺑﯾﺎﻧﻬﻣﺎ:
ﺍﳌﻄﻠﺐ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﻟﺸـﺮﻭﻁ ﺍﻟﺸـﺮﻋﻴﺔ
ﯾرى ﻓﻘﻬﺎء اﻟﻣذﻫب اﻟﺣﻧﻔﻰ أن ﺷروط ﻋﻘد اﻟزواج أرﺑﻌـﺔ ﻫـﻰ
)(١
:ﺷروط اﻧﻌﻘﺎد ،وﺷروط ﺻﺣﺔ ،وﺷروط ﻧﻔﺎذ ،وﺷروط ﻟزوم .
ـ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻻﻧﻌﻘﺎﺩ :ـ
ﺷــروط اﻻﻧﻌﻘــﺎد :ﻫــﻰ اﻟــﺷروط اﻟﺗــﻰ ﯾﻠــزم ﺗوﻓرﻫــﺎ ﻓــﻰ أرﻛــﺎن اﻟﻌﻘــد
ﺑﺣﯾــث ﻟــو ﺗﺧﻠﻔــت ﻛﻠﻬــﺎ أو ﺑﻌــﺿﻬﺎ ﻛــﺎن اﻟﻌﻘــد ﺑــﺎطﻼً ﻻ وﺟــود ﻟــﻪ ،
) (١أﻣﺎ ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻼ ﯾرون ﻫذا اﻟﺗﻘﺳﯾم ،إﻧﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠون اﻟـﺷروط ﻛﻠﻬـﺎ ﺷـروط ﺻـﺣﺔ إذا وﺟـدت
ﺻﺣﯾﺣﺎ ٕ ،واذا ﻓﻘدت ﻛﻠﻬﺎ أو واﺣد ﻣﻧﻬﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﻘد ﻏﯾر ﺻﺣﯾﺢ وﺳﻣﻰ ﺑﺎﻟﻌﻘد اﻟﺑﺎطل
ً وﺟد اﻟﻌﻘد وﻛﺎن
أو اﻟﻔﺎﺳد ،أﻣﺎ ﻋﻠﻰ رأى ﻓﻘﻬﺎء اﻟﻣذﻫب اﻟﺣﻧﻔﻰ ﻓﺈﻧﻪ ﯾوﺟد ﻓرق ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ،ﻓﺎﻟزواج اﻟﺑﺎطل ﻋﻧدﻫم ﻫو ﻣﺎ
ﺗﺧﻠف ﻓﯾﻪ ﺷرط اﻻﻧﻌﻘﺎد ،واﻟزواج اﻟﻔﺎﺳد ﻣﺎ ﺗﺧﻠف ﻓﯾﻪ ﺷرط اﻟﺻﺣﺔ ﻣﻊ ﺗﺣﻘق ﺷروط اﻻﻧﻌﻘﺎد ﻓﯾﻪ .
وﻓﻰ ﻧظرى أن ﻣذﻫب اﻷﺣﻧﺎف ﻣن اﻟﻘول ﺑﺎﻟﺗﻔرﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﺑﺎطل واﻟﻔﺎﺳد أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﻘﺑول ؛ وذﻟك
ﺧﻼﻓﺎ ﻟﻠزواج اﻟﺑﺎطل ﻛﺛﺑوت اﻟﻧﺳب ،ووﺟوب
ً ﻧظًار ﻟﻶﺛﺎر اﻟﺗﻰ ﺗﺗرﺗب ﻋﻠﻰ اﻟزواج اﻟﻔﺎﺳد ﺑﻌد اﻟدﺧول
ﻣﻬر اﻟﻣﺛل ﻋﻧد ﻋدم اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ .
ـ ٢٢٦ـ
وﻫذﻩ اﻟﺷروط ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻗد ،وﻣﻧﻬﺎ ﻣـﺎ ﯾرﺟـﻊ إﻟـﻰ ﻧﻔـس
اﻟﻌﻘد ،وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ اﻟزوﺟﯾن:
ﻓﺎﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﱴ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﱃ ﺍﻟﻌﺎﻗﺪ ﻫﻰ :ـ
١ـ اﻷﻫﻠﯾﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻣﺑﺎﺷرة اﻟﻌﻘد :ﺑﺄن ﯾﻛـون اﻟﻌﺎﻗـد ﻋـﺎﻗﻼً ﻣﻣﯾـ ًاز ،
ﻣﻌﺗوﻫﺎ ،أو ﻛﺎن ﺻﻐﯾ ًرا ﻏﯾر ﻣﻣﯾز وﻫو ﻣن ً ﻣﺟﻧوﻧﺎ أو
ً ﻓﺈن ﻛﺎن
ﻛﺎن دون اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ﻣن ﻋﻣرﻩ ﻛﺎﻧت ﻋﺑﺎرﺗﻪ ﻣﻠﻐﺎة ﻻ أﺛر ﻟﻬﺎ وﯾﻘﻊ
زواﺟﻪ ﺑﺎطﻼً .
٢ـ أن ﯾﻔﻬـم ﻛـل ﻣـن اﻟﻌﺎﻗــدﯾن ﻛـﻼم اﻵﺧـر وﻣـﺎ ﯾﻘـﺻد إﻟﯾـﻪ ﻣــن أن
اﻟﻣراد ﺑﻪ ﻋﻘد اﻟزواج .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﱴ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﱃ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﻘﺪ ﻓﻬﻰ :ـ
١ـ اﺗﺣــﺎد ﻣﺟﻠــس اﻹﯾﺟــﺎب واﻟﻘﺑــول ٕوان طــﺎل ،ﺑــﺷرط أﻻ ﯾﻔــﺻل
ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻣﺎ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟرﻓض واﻹﻋراض ﻋن اﻟﻘﺑـول ،وﯾﻧﺑﻐـﻰ أن
ﯾراﻋﻰ اﻟﻌرف ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻌد ﻓﺎﺻﻼً وﻣﺎ ﻻ ﯾﻌد ﻓﺎﺻﻼً .
٢ـ ﻣواﻓﻘــﺔ اﻟﻘﺑــول ﻟﻺﯾﺟــﺎب ﺑــﺄن ﯾﺗﻼﻗﯾــﺎ ﻋﻠــﻰ ﻣﻘــﺻد واﺣــد ،ﻛــﺄن
ﺟﻧﯾﻬـــﺎ
ً ﯾﻘـــول رﺟـــل ﻻﻣـــرأة :ﺗزوﺟﺗـــك ﻋﻠـــﻰ ﻣﻬـــر ﻗـــدرﻩ ٥٠٠٠
ﻓﺗﻘــول :ﻗﺑﻠــت .ﻓــﺈن ﺗﺧﺎﻟﻔــﺎ ﺑــﺄن ورد اﻟﻘﺑــول ﻋﻠــﻰ ﺧــﻼف ﻣــﺎ
ﺗــــﺿﻣﻧﻪ اﻹﯾﺟــــﺎب وﻗــــﻊ اﻟﻌﻘــــد ﺑــــﺎطﻼً ،اﻟﻠﻬــــم إﻻ إذا ﻛﺎﻧــــت
اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ إﻟﻰ ﺧﯾر ﻓﻼ ﺗﻣﻧﻊ ﻣن اﻧﻌﻘﺎد اﻟﻌﻘد وﻗﯾﺎﻣﻪ ﻛﺄن ﯾﻘول :
ﺗزوﺟﺗـــك ب ٥٠٠٠ﺟﻧﯾـــﻪ ﻓﺗﻘـــول :ﻗﺑﻠـــت ب ٣٠٠٠ﺟﻧﯾـــﻪ ،
ﻓﺎﻟﻌﻘد ﺻﺣﯾﺢ ؛ ﻟﻣواﻓﻘﺔ اﻹﯾﺟﺎب ﻟﻠﻘﺑول ﻓﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ .
ـ ٢٢٧ـ
٣ـ ﻋدم رﺟوع اﻟﻣوﺟب ﻋن اﻹﯾﺟـﺎب ﻗﺑـل اﻟﻘﺑـول ؛ ﻷن اﻟرﺟـوع ﻋـن
اﻹﯾﺟﺎب ﻗﺑل اﻟﻘﺑول ﯾﺑطﻠﻪ ،ﻓﺈذا ورد اﻟﻘﺑول ﺑﻌد ذﻟك ورد ﻋﻠـﻰ
ﻏﯾر ﺷﺊ ﻓﯾﻌد ﻟﻐ ًوا ﻻ أﺛر ﻟﻪ .
٤ـ أن ﺗﻛون اﻟﺻﯾﻐﺔ ﺻﯾﻐﺔ ﺗﻧﺟﯾز ،ﻓـﺈن ﻛـﺎن ﻓـﻰ اﻟـﺻﯾﻐﺔ ﻣـﺎ ﯾﻔﯾـد
اﻟﺗﻌﻠﯾق أو اﻹﺿﺎﻓﺔ ﺑطل اﻟﻌﻘد ﻛﻣﺎ ﻣر .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﱴ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﱃ ﺍﻟﺰﻭﺟﲔ ﻓﻬﻰ :ـ
ﻣﻌﯾﻧﺎ ﺑﺎﻹﺷﺎرة إﻟﯾﻪ أو ﺑﺗﺳﻣﯾﺗﻪ ﺗﺳﻣﯾﺔ ﻧﺎﻓﯾﺔ ١ـ أن ﯾﻛون ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ ً
ﻟﻠﺟﻬﺎﻟــﺔ ،ﻓــﻼ ﯾــﺻﺢ اﻟــزواج إن ﻗــﺎل اﻟــوﻟﻰ " :زوﺟﺗــك ﺑﻧﺗــﻰ "
وﻟـــﻪ ﺑﻧـــت ﻏﯾرﻫـــﺎ ﺣﺗـــﻰ ﯾﻣﯾزﻫـــﺎ ﺑﺎﺳـــﻣﻬﺎ ﻛﻔﺎطﻣـــﺔ ،او ﺻـــﻔﺔ ﻻ
ﯾـﺷﺎرﻛﻬﺎ ﻓﯾﻬـﺎ ﻏﯾرﻫـﺎ ﻣـن ﺑﻧﺎﺗـﻪ ﻛـﺎﻟﻛﺑرى أو اﻟطوﯾﻠـﺔ ،أو إﺷـﺎرة
إﻟﯾﻬــﺎ أن ﻛﺎﻧــت ﺣﺎﺿــرة :ﻛﻬــذﻩ ،وﻛــذﻟك اﻟﺣــﺎل ﺑﺎﻟﻧــﺳﺑﺔ ﻟﻠــزوج
ﻣﻌﯾﻧﺎ ﻓﻼ ﯾﺻﺢ ﻧﻛﺎح ﻏﯾر ﻣﻌﯾن .
ﻓﻼﺑد أن ﯾﻛون ً
ﻣﺳﻠﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧت اﻟزوﺟﺔ ﻣﺳﻠﻣﺔ ،ﻓﻠو ﻋﻘد ﻏﯾر
ً ٢ـ أن ﯾﻛون اﻟزوج
اﻟﻣﺳﻠم ﻋﻠﻰ ﻣﺳﻠﻣﺔ ﻛﺎن اﻟﻌﻘد ﺑﺎطﻼً .
٣ـ أن ﺗﻛون اﻟﻣرأة ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣﺣرﻣﺎت ﻋﻠـﻰ اﻟـزوج ﻛـﺎﻷم ،واﻷﺧـت
واﻟﻌﻣــﺔ واﻟﺧﺎﻟــﺔ ،ﻓﻣــن ﻋﻘــد ﻋﻠــﻰ واﺣــدة ﻣــن ﻫــؤﻻء وﻗــﻊ اﻟﻌﻘــد
ﺑﺎطﻼً .
ـ ﺷﺮﻭﻁ ﺻﺤﺔ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ :ـ
ـﺎﻟﺣﺎ
ﺷــروط اﻟــﺻﺣﺔ :ﻫــﻰ اﻟــﺷروط اﻟﺗــﻰ إذا ﺗﺣﻘﻘــت ﻛــﺎن اﻟﻌﻘــد ﺻـ ً
ﻟﺗرﺗﯾــب آﺛــﺎرﻩ ﻋﻠﯾــﻪ ٕ ،واذا اﻧﻌــدﻣت ﻓﺎﻟﻌﻘــد ﻏﯾــر ﺻــﺎﻟﺢ ﻟﺗرﺗــب آﺛــﺎرﻩ
ﻓﺎﺳدا .وﻫذﻩ اﻟﺷروط ﻫﻰ :ـ
ً ﻋﻠﯾﻪ وﯾﺳﻣﻰ ﺣﯾﻧﺋذ
ـ ٢٢٨ـ
ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻷﻭﻝ :ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ :ـ
اﺧــﺗص ﻋﻘــد اﻟــزواج دون ﻏﯾــرﻩ ﻣــن ﺳــﺎﺋر اﻟﻌﻘــود ﺑﺈﻋﻼﻧــﻪ ﻟﻠﻧــﺎس
واﻹﺷﻬﺎد ﻋﻠﯾﻪ ؛ وذﻟـك ﻟﻣـﺎ ﻟـﻪ ﻣـن ﺧطـر وﺷـﺄن ،وﻟﻣـﺎ ﯾﺗرﺗـب ﻋﻠـﻰ
ﻋدم إﻋﻼﻧـﻪ واﻹﺷـﻬﺎد ﻋﻠﯾـﻪ ﻣـن اﻟرﯾـب وﺳـوء اﻟظـن إذا رأى اﻟﻧـﺎس
أن ﻓﻼﻧًـــﺎ ﯾﺗـــردد ﻋﻠـــﻰ ﻓﻼﻧـــﺔ إن ﻟـــم ﯾﻌﻠﻧـــﺎ ذﻟـــك اﻟـــزواج ،ﻓﻛـــﺎن ﻓـــﻰ
ـﻛﺎﺗﺎ
وﻗطﻌــﺎ ﻟﻠــﺷﺑﻬﺎت ٕ ،واﺳـ ً
ً ﻣﻧﻌــﺎ ﻟﻠظﻧــون ،
اﻟــﺷﻬﺎدة ﻋﻠﯾــﻪ ٕواﻋﻼﻧــﻪ ً
ﻷﻟﺳﻧﺔ اﻟﺳوء .
ﺁﺭﺍء ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻰ ﺍﺷﱰﺍﻁ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ :ـ
اﺧﺗﻠف اﻟﻔﻘﻬـﺎء ﻓـﻰ اﺷـﺗراط اﻟـﺷﻬﺎدة ﻋﻠـﻰ ﻋﻘـد اﻟـزواج ﻋﻠـﻰ
اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻰ :
ﺍﻟﺮﺃﻯ ﺍﻷﻭﻝ :
وﻫو ﻟﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء ) (١وﯾرون أن اﻟﺷﻬﺎدة ﻻﺑد ﻣﻧﻬﺎ ﻟﺻﺣﺔ
ﻋﻘد اﻟـزواج وذﻟـك ﻟﻘوﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ } :ﻻ ﻧﻛـﺎح
إﻻ ﺑوﻟﻰ وﺷﺎﻫدى ﻋدل { .رواﻩ أﺣﻣد واﻟدارﻗطﻧﻰ واﻟﺑﯾﻬﻘﻰ .
وﻗﺎﻟوا :إن ﻋﻘد اﻟزواج ﻛﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻪ ﺣق اﻟﻣﺗﻌﺎﻗـدﯾن ،ﻓﺈﻧـﻪ ﯾﺗﻌﻠـق
أﯾﺿﺎ ﺣق ﻏﯾـر اﻟﻣﺗﻌﺎﻗـدﯾن وﻫـو اﻟوﻟـد اﻟـذى ﯾـﺄﺗﻰ ﺛﻣـرة ﻣـن ﺛﻣـﺎر
ﺑﻪ ً
ﻋﻘد اﻟزواج ،ﻓﻛﺎﻧت اﻟﺷﻬﺎدة ﻻﺑد ﻣﻧﻬﺎ ﻓـﻰ ﻋﻘـد اﻟـزواج ؛ ﻷن اﻷب
ﻗد ﯾﺟﺣد وﻟدﻩ ﻓﯾؤدى إﻟﻰ ﺿﯾﺎع ﻧﺳﺑﻪ .
) (١اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٨/٧ـ ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر ﻻﺑن اﻟﻬﻣﺎم . ٣٥١/٢ـ ﻣﻐﻧﻰ اﻟﻣﺣﺗﺎج . ١٤٤/٣
ـ ٢٢٩ـ
ﺍﻟﺮﺃﻯ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ـ
ﺷــرطﺎ ﻓــﻰ ﺻــﺣﺔ
ً ذﻫــب اﻟﻣﺎﻟﻛﯾــﺔ ) (١إﻟــﻰ أن اﻟــﺷﻬﺎدة ﻟﯾــﺳت
اﻟزواج ٕواﻧﻣﺎ ﯾﻛﻔﻰ ﻟﺻﺣﺗﻪ ﻣطﻠق اﻹﻋﻼن ﻟﻘوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ
وﺳﻠم } :أﻋﻠﻧوا اﻟﻧﻛﺎح وﻟو ﺑﺎﻟدﻓوف { .
وﻗﺎﻟوا :ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﺣرام ﻫذا اﻟﻔﻌل ـ وﻫو اﺗﺻﺎل اﻟرﺟل ﺑﺎﻟﻣرأة ﻻ ﯾﻛون
إﻻ ﺳ ًرا ،ﻓﺎﻟﺣﻼل ﻻ ﯾﻛون إﻻ ﺑﺿدﻩ وﯾﻛﻔﻰ ﻓﻰ ذﻟك ﻣﺟرد اﻹﻋﻼن ،
أﻣﺎ اﻟﺷﻬﺎدة ﻓﻬﻰ ﻣﻧدوﺑﺔ ﻓﻘط ﻋﻧد اﻟﻌﻘـد وواﺟﺑـﺔ ﻋﻧـد اﻟـدﺧول ،ﻓـﺈن
وﺟدت اﻟﺷﻬﺎدة ﺣﺎل اﻟﻌﻘد ﻓﻘد ﺣﺻل اﻟواﺟب واﻟﻣﻧدوب ٕ ،وان وﺟدت
ﺑﻌد ﺗﻣﺎم اﻟﻌﻘد وﻗﺑل اﻟدﺧول ﺣﺻل اﻟواﺟب وﻓﺎت اﻟﻣﻧدوب .
ودﻓﻌـﺎ
ﺣﻔظـﺎ ﻟﻠﺣﻘـوق ً ،
ً ﻭﺍﻟﺮﺃﻯ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﺍﺟﺢ ؛ وذﻟـك
اﺣﺗﯾﺎطـﺎ ﻟﻌـرض اﻟﻣـرأة وﺳـﻣﻌﺗﻬﺎ ،وﻟـذﻟك ﺟـرى ﻋﻠﯾـﻪ
ً ﻟﻠرﯾب واﻟـﺷك و
ﻋﻣل اﻟﻣﺣﺎﻛم .
ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺍﻟﻮﱃ ﻟﻠﻌﻘﺪ :ـ
ﯾــﺷﺗرط ﻟــﺻﺣﺔ ﻋﻘــد اﻟــزواج أن ﯾﺗــوﻻﻩ وﻟــﻰ اﻟزوﺟــﺔ ﻛﺑﯾــرة أو
ﺻﻐﯾرة ﻋﺎﻗﻠﺔ أو ﻏﯾر ﻋﺎﻗﻠﺔ ،ﻓـﺈن ﺗوﻟﺗـﻪ ﻫـﻰ أو وﻛﯾﻠﻬـﺎ دون اﻟـوﻟﻰ
ﻓﺎﺳدا .وﻫذا اﻟﺷرط ﻋﻧد ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء . ً وﻗﻊ اﻟﻌﻘد
ـرطﺎ ﻟــزواج اﻟﻛﺑﯾــرة اﻟﻌﺎﻗﻠـﺔ ؛
أﻣــﺎ اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ ﻓــﻼ ﯾــرون اﻟــوﻟﻰ ﺷـ ً
ﻷن اﻟﻣﺷرع اﻋﺗﺑر إذﻧﻬﺎ ورأﯾﻬﺎ ﻓﺗﻛون أﺣق ﺑﻧﻔﺳﻬﺎ .
) (١ﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺷرح اﻟﻛﺑﯾر . ٢١٦/٢ـ اﻟﻛﺎﻓﻰ ﻻﺑن ﻋﺑد اﻟﺑر ص . ٢٢٩
ـ ٢٣٠ـ
ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻘﺪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﺄﺑﻴـﺪ ﻻ
ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﺄﻗﻴﺖ.:
ﻓﺎﺳـدا ؛ ﻷﻧـﻪ ﺑﺎﻟﺗﺄﻗﯾـت ﯾﻔـوت
ً ﻣؤﻗﺗﺎ ﺑﻣدة ﻛﺎن اﻟﻌﻘـد
ً ﻓﺈن ﻛﺎن
اﻟﻣﻘﺻود اﻷﺻﻠﻰ ﻣن اﻟزواج ،وﻫو اﻻﺳﺗﻘرار ودوام اﻟﻌﺷرة ﻣن أﺟل
اﻟﺗﻧﺎﺳــل وﺗرﺑﯾــﺔ اﻷوﻻد ،وﻋﻠــﻰ ﻫــذا ﻓــﻼ ﯾــﺻﺢ اﻟــزواج اﻟﻣؤﻗــت وﻻ
ﻧﻛﺎح اﻟﻣﺗﻌﺔ.
ـ ﺷﺮﻭﻁ ﻧﻔﺎﺫ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ :ـ
ﺷــروط ﻧﻔــﺎذ اﻟــزواج :ﻫــﻰ اﻟــﺷروط اﻟﺗــﻰ إذا ﺗﺣﻘﻘــت ﺗرﺗــب
ﻋﻠﯾﻬــﺎ أﺛــر اﻟﻌﻘــد ٕ ،واذا ﺗﺧﻠﻔــت ﻓــﻼ ﺗﻧﻔــذ أﺣﻛــﺎم اﻟﻌﻘــد ﺑــدوﻧﻬﺎ وﯾظــل
ﻣوﻗوﻓﺎ ﺣﺗﻰ ﺗﺗواﻓر ﻫذﻩ اﻟﺷروط ﻓﺗﻛون اﻹﺟﺎزة واﻟﻧﻔﺎذ . ً اﻟﻌﻘد
وﻫذﻩ اﻟﺷروط ﻫﻰ :ـ
١ـ أن ﯾﻛون ﻛل ﻣـن اﻟـزوﺟﯾن ﻛﺎﻣـل اﻷﻫﻠﯾـﺔ إذا ﺑﺎﺷـر اﻟﻌﻘـد ﺑﻧﻔـﺳﻪ
أو وﻛل ﺑﻪ ﻏﯾرﻩ .وﺗﻣﺎم اﻷﻫﻠﯾـﺔ ﺑﺎﻟﺣرﯾـﺔ واﻟﺑﻠـوغ واﻟﻌﻘـل ،ﻓـﺈذا
ﻧﺎﻓـذا ،أﻣـﺎ
ﺗوﻟﻰ اﻟﻌﻘد أو وﻛل ﺑﻪ اﻟﺣر اﻟﺑﺎﻟﻎ اﻟﻌﺎﻗل وﻗﻊ اﻟﻌﻘـد ً
إذا ﻛﺎن اﻟﻣﺑﺎﺷر ﻟﻠﻌﻘـد أو ﻣـن وﻛـل ﺑـﻪ ﻫـو اﻟﻌﺑـد أو اﻟـﺻﺑﻰ أو
اﻟﻣﻌﺗــوﻩ ﻛــﺎن اﻟــزواج ﺣﯾﻧﺋــذ ﻣوﻗوﻓًــﺎ ﻋﻠــﻰ إﺟــﺎزة ﻣــن ﻟــﻪ اﻟوﻻﯾــﺔ
ﻋﻠﯾﻪ .
٢ـ أﻻ ﯾﺧﺎﻟف اﻟوﻛﯾل أﻣر ﻣوﻛﻠـﻪ ،ﻓﻠـو وﻛﻠـﻪ ﻓـﻰ زواج اﻣـرأة ﻣﻌﯾﻧـﺔ
أو وﻛﻠﺗﻪ ﻓﻰ زواج ﺷﺧص ﻣﻌﯾن ﻓزوﺟﻪ ﻣن ﻏﯾرﻫﺎ ،أو زوﺟﻬـﺎ
ﻣوﻗوﻓﺎ ﻋﻠﻰ إﺟﺎزة اﻟﻣوﻛل .
ً ﻣن ﻏﯾرﻩ ،ﻛﺎن اﻟﻌﻘد
ـ ٢٣١ـ
ﻣوﻗوﻓــﺎ ﻫــﻰ اﻟﻣﺧﺎﻟﻔــﺔ
ً وﯾﻼﺣــظ أن اﻟﻣﺧﺎﻟﻔــﺔ اﻟﺗــﻰ ﺗﺟﻌــل اﻟﻌﻘــد
اﻟﺗـﻰ ﺗـﺿر ﺑﺎﻟﻣوﻛـل ،أﻣـﺎ اﻟﻣﺧﺎﻟﻔـﺔ اﻟﺗـﻰ ﻻ ﺗـﺿر ﻓﯾﻛـون اﻟﻌﻘــد
ﻧﺎﻓذا ﻛﻣﺎ ﻟو ﻗـﺎل اﻟﻣوﻛـل :وﻛﻠﺗـك ﻓـﻰ ﺗزوﯾﺟـﻰ ﻣـن ﻓﻼﻧـﺔ
ﻣﻌﻬﺎ ً
وﻣﻬرﻫﺎ أﻟﻔﺎن ﻓزوﺟﻪ ﺑﻬﺎ ﺑﺄﻟف ﻓﻘط .ﻓﺎﻟﻌﻘـد ﺻـﺣﯾﺢ ﻧﺎﻓـذ ﻋﻠـﻰ
طرﻓﯾﻪ .
وﻟﯾﺎ أﺑﻌد ﻣﻊ وﺟود وﻟﻰ أﻗرب :ﻓﺈذا ﺑﺎﺷر اﻟﻌﻘـد
٣ـ أﻻ ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻗد ً
اﻟوﻟﻰ اﻷﺑﻌد ﻣﻊ وﺟود اﻷﻗرب ﻻ ﯾﻧﻔذ اﻟﻌﻘد إﻻ إذا أﺟﺎزﻩ ﺻﺎﺣب
اﻟﺣق وﻫو اﻟوﻟﻰ اﻷﻗرب .
ﻓـﺿوﻟﯾﺎ :ﻓـﺈذا ﺑﺎﺷـر اﻟﻌﻘـد أﺻـﯾل
ً ٤ـ أﻻ ﯾﻛون اﻟﻌﺎﻗدان أو أﺣـدﻫﻣﺎ
وﻓــﺿوﻟﻰ ﺗوﻗــف اﻟﻌﻘــد ﻋﻠــﻰ إﺟــﺎزة ﺻــﺎﺣب اﻟﺣــق ،وﻛــذﻟك إذا
ﺑﺎﺷرﻩ ﻓﺿوﻟﯾﺎن ﺗوﻗف ﻋﻠﻰ إﺟﺎزة ﻣن ﻟﻪ اﻟﺣق ﻣن اﻟطرﻓﯾن .
ـ ﺷﺮﻭﻁ ﻟﺰﻭﻡ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ :ـ
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﻠﺰﻭﻡ :ﻫﻰ اﻟﺷروط اﻟﺗـﻰ ﯾﺗوﻗـف ﻋﻠﯾﻬـﺎ دوام آﺛـﺎر
اﻟﻌﻘــد اﻟــﺷرﻋﯾﺔ وﺑﻘﺎؤﻫــﺎ دون اﻋﺗ ـراض ﻷﺣــد .وﺑــدوﻧﻬﺎ ﯾﻛــون ﻷﺣــد
اﻟﻌﺎﻗدﯾن ﺣق ﻓﺳﺦ اﻟﻌﻘد .
وﺗﺄﺗﻰ ﻫذﻩ اﻟﺷروط ﻓﻰ اﻟﻣرﺗﺑـﺔ اﻷﺧﯾـرة ﻟـﺷروط اﻟـزواج ﺣﯾـث
أوﻻ أن ﯾﺳﺑق ﺷرط اﻟﻠزوم ﺗﺣﻘق ﺷرط اﻻﻧﻌﻘﺎد واﻟﺻﺣﺔ واﻟﻧﻔﺎذ.
ﯾﻠزم ً
وﻫذﻩ اﻟﺷروط ﻫﻰ :ـ
١ـ أن ﯾﻛون اﻟﻣزوج ﻟﻔﺎﻗد اﻷﻫﻠﯾﺔ أو ﻟﻧﺎﻗﺻﻬﺎ ﻫـو اﻷﺻـل أو اﻟﻔـرع
ﻓﺈذا زوج اﻟﻣﺟﻧون أو اﻟﻣﺟﻧوﻧﺔ أو اﻟﻣﻌﺗوﻩ أو اﻟﻣﻌﺗوﻫﺔ أﺻﻠﻬﻣﺎ
ـ ٢٣٢ـ
ﻻزﻣــﺎ ؛ ﻷن ﻋطــف
أو ﻓرﻋﻬﻣــﺎ ﻓــﺎﻟزواج ﻓــﻰ ﻫــذﻩ اﻟﺣﺎﻟــﺔ ﯾﻛــون ً
اﻷﺻل واﻟﻔرع وﺣرﺻﻬﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣـﺻﻠﺣﺔ ﻣـن ﻟﻬﻣـﺎ اﻟوﻻﯾـﺔ ﻋﻠـﯾﻬم
أﺷد ﺑﻛﺛﯾر ﻣن ﺑﺎﻗﻰ اﻷوﻟﯾـﺎء ،ﻓـﻼ ﺗﻛـون اﻟﺗﻬﻣـﺔ ﻣوﺟﻬـﺔ إﻟـﯾﻬم
ﻣن ﻗرﯾب أو ﺑﻌﯾـد ،ﻓﻬـو ﯾﺧﺗـﺎر اﻷﺣـﺳن واﻷﻓـﺿل ﻟﻣـن ﯾزوﺟـﻪ
ﻣن ﻓﺎﻗد اﻷﻫﻠﯾﺔ أو ﻧﺎﻗﺻﻬﺎ .
أﻣــﺎ إذا ﻛــﺎن اﻟﻣــزوج ﻫــو ﻏﯾــر اﻷﺻــل وﻏﯾــر اﻟﻔــرع ﻓــﻼ ﯾﻛــون
ﻻزﻣﺎ ،وﻟﻠﻣﺟﻧون واﻟﻣﻌﺗوﻩ ﺑﻌـد اﻹﻓﺎﻗـﺔ اﻟﺧﯾـﺎر ﻓـﻰ ﺑﻘـﺎء
اﻟزواج ً
اﻟزواج أو ﻓﺳﺧﻪ .وﻛذﻟك إذا زوج رﺟل أﺧﺗـﻪ اﻟـﺻﻐﯾرة أو أﺧـﺎﻩ
اﻟــﺻﻐﯾر ،ﻓــﺈن ﻟﻬﻣــﺎ اﻟﺣــق ﺑﻌــد اﻟﺑﻠــوغ ﻓــﻰ طﻠــب ﻓــﺳﺦ اﻟــزواج.
وﻫذا ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﻋﻧد اﻟﻔﻘﻬﺎء ﺑﺧﯾﺎر اﻟﺑﻠوغ .
ﻛﻔﺋــﺎ ﻟﻠزوﺟــﺔ إذا ﻛﺎﻧــت ﺑﺎﻟﻐــﺔ ﻋﺎﻗﻠــﺔ رﺷــﯾدة
٢ـ أن ﯾﻛــون اﻟــزوج ً
وزوﺟت ﻧﻔﺳﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻛﺎن اﻟزوج ﻏﯾـر ﻛـفء وﻟﻬـﺎ وﻟـﻰ ﻋﺎﺻـب
ﻟــم ﯾــرض ﺑﻬــذا اﻟــزواج ﻛــﺎن ﻟــﻪ اﻟﺣــق ﻓــﻰ اﻻﻋﺗـراض ﻋﻠــﻰ ﻫــذا
اﻟزواج ورﻓـﻊ اﻷﻣـر إﻟـﻰ اﻟﻘـﺿﺎء ﻟﯾﻔـﺳﺦ ﻫـذا اﻟـزواج ﺑﻧـﺎء ﻋﻠـﻰ
)(١
اﻟرواﯾﺔ اﻟظﺎﻫرة ﻓﻰ ﻣذﻫب أﺑﻰ ﺣﻧﯾﻔﺔ ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ
وﺣـق اﻻﻋﺗـراض ﻣــﺷروط ﺑﻌــدم اﻟــﺳﻛوت ﻋﻠــﻰ اﻟــزواج ﺣﺗــﻰ ﺗﻠــد
اﻟﻣ ـرأة ،أو ﯾظﻬــر ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﻋﻼﻣــﺎت اﻟﺣﻣــل ،ﻓــﺈذا ﺳــﻛت اﻟــوﻟﻰ
اﻟﻌﺎﺻـب ﻋــن اﻟﻣطﺎﻟﺑــﺔ ﺑﻔــﺳﺦ ﻫــذا اﻟــزواج ﻏﯾــر اﻟﻣﺗﻛــﺎﻓﺊ ﺣﺗــﻰ
ظﻬــرت ﻋﻼﻣــﺎت اﻟﺣﻣــل ﻋﻠــﻰ اﻟﻣ ـرأة اﻟﺗــﻰ زوﺟــت ﻧﻔــﺳﻬﺎ ﺑﻐﯾــر
) (١أﻣﺎ ﻋﻠﻰ رواﯾﺔ اﻟﺣﺳن ﺑن زﯾﺎد ﻋن اﻹﻣﺎم أﺑﻰ ﺣﻧﯾﻔﺔ ﻓﻼ ﯾـﺻﺢ اﻟﻌﻘـد ﻋﻧـد ﻓﻘـد اﻟﻛﻔـﺎءة ،ﻷﻧﻬـﺎ ﻣـن ﺷـروط
اﻟﺻﺣﺔ ﻻ ﻣن ﺷروط اﻟﻠزوم .
ـ ٢٣٣ـ
ﻛــفء وﻫــﻰ ﺗﺣــت وﻻﯾﺗــﻪ ﻓــﻼ ﺣــق ﻟــﻪ ﻓــﻰ اﻻﻋﺗـراض واﻟﻣطﺎﻟﺑــﺔ
ﺣرﺻــﺎ ﻋﻠــﻰ ﻣــﺻﻠﺣﺔ
ً ﺑﺎﻟﻔــﺳﺦ وﻛــذﻟك إذا وﻟــدت ﻣــن ﺑــﺎب أوﻟــﻰ
)(١
اﻟوﻟد .
٣ـ أﻻ ﯾﻘـل اﻟﻣﻬـر اﻟـذى زوﺟـت اﻟﺑﺎﻟﻐـﺔ اﻟﻌﺎﻗﻠـﺔ اﻟرﺷـﯾدة ﻧﻔـﺳﻬﺎ ﺑـﻪ
ﻋن ﻣﻬر اﻟﻣﺛل ،ﻓﺈذا زوﺟـت ﻧﻔـﺳﻬﺎ ﺑﺄﻗـل ﻣـن ﻣﻬـر اﻟﻣﺛـل ﻛـﺎن
ﻟﻸوﻟﯾﺎء ﺣق طﻠب ﻓﺳﺦ اﻟﻌﻘد ،ﻷﻧﻬم ﯾﻌﯾرون ﺑﻘﻠﺔ اﻟﻣﻬر .
ﺧﺎﻟﯾــﺎ ﻣــن اﻟﺗﻐرﯾــر ﺑﺎﻟﻧــﺳﺑﺔ ﻟﻛﻔــﺎءة اﻟــزوج ﻓــﺈذا
٤ـ أن ﯾﻛــون اﻟﻌﻘــد ً
أﺧﺑر اﻟزوج ﻋن ﻧﺳب ﯾﻧﺎﺳب ﻧـﺳب أﺳـرة اﻟﻣـرأة وﻋﻘـد ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،
ﺛم ﺗﺑﯾن أن ﻧﺳﺑﻪ دون ﻧﺳﺑﻬﺎ ﺟﺎز ﻟﻠﻣرأة أن ﺗطﺎﻟـب ﺑﻔـﺳﺦ ﻫـذا
اﻟﻌﻘد ﻧظ ًرا ﻟﻣﺎ ﺣﺻل ﻓﯾﻪ ﻣن ﺗﻐرﯾر .
ﺧﺎﻟﯾﺎ ﻣن اﻟﻌﯾـوب اﻟﻣﺑﯾﺣـﺔ ﻟطﻠـب اﻟﻔرﻗـﺔ :وﻫـﻰ
٥ـ أن ﯾﻛون اﻟزوج ً
اﻟﻌﯾــوب اﻟﻣــﺳﺗﺣﻛﻣﺔ اﻟﺗــﻰ ﯾﻧــﺎل اﻟﻣ ـرأة ﺑــﺳﺑﺑﻬﺎ ﺿــرر واﺿــﺢ ،
ﻛﻌﯾــب اﻟﺟـــب واﻟﻌﻧـــﺔ واﻟﺧـــﺻﺎء ،ﻓــﺈذا ﺗزوﺟـــت اﻟﻣـــرأة ووﺟـــدت
زوﺟﻬﺎ ﻛذﻟك ﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﻟﺣق ﻓﻰ رﻓـﻊ أﻣرﻫـﺎ إﻟـﻰ اﻟﻘـﺿﺎء ﻣطﺎﻟﺑـﺔ
ﺑﻔــﺳﺦ اﻟﻌﻘــد وﻟﻠﻘﺎﺿــﻰ أن ﯾﺟﯾﺑﻬــﺎ إﻟــﻰ طﻠﺑﻬــﺎ إذا ﺗﺣﻘــق ﻣــن
وﺟود اﻟﻌﯾب .
ﻫذﻩ ﻫﻰ أﻧواع اﻟﺷروط اﻟـﺷرﻋﯾﺔ اﻟﺗـﻰ ﺗـﺷﺗرط ﻟﻌﻘـد اﻟـزواج ﻓـﺈذا
ﻻزﻣــﺎ ،
ـﺣﯾﺣﺎ ،ﻧﺎﻓـ ًـذا ً ،
ﻣــﺎ ﺗ ـواﻓرت ﺟﻣﯾﻌﻬــﺎ ﻛــﺎن اﻟﻌﻘــد ﻣﻧﻌﻘـ ًـدا ،ﺻـ ً
ﻟﯾس ﻷﺣد أن ﯾﻌﺗرض ﻋﻠﯾﻪ .
) (١اﻷﺳرة وأﺣﻛﺎﻣﻬﺎ ﻓﻰ اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ د /ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻰ ﻣﺣﺟوب ص . ١٤٥
ـ ٢٣٤ـ
ﺍﳌﻄﻠﺐ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ
ﺍﻟﺸـﺮﻭﻁ ﺍﻟﻘـﺎﻧﻮﻧﻴﺔ
ـروطﺎ ﻗﺎﻧوﻧﯾـﺔ ﻹﺟـراء ﻋﻘـد اﻟــزواج
ــ اﺷـﺗرط اﻟﻣـﺷرع اﻟوﺿـﻌﻰ ﺷـ ً
رﺳﻣﯾﺎ وﻟﺳﻣﺎع دﻋوى اﻟزوﺟﯾﺔ أﻣﺎم اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻟﻣﺻرﯾﺔ .
ً
وﻫذﻩ اﻟﺷروط اﻟﺗﻰ اﺷـﺗرطﻬﺎ اﻟﻣـﺷرع اﻟوﺿـﻌﻰ ﻻ ﺗـدﺧل ﻓـﻰ أى
ﻧــوع ﻣــن أﻧـواع اﻟــﺷروط اﻟﺗــﻰ ﺳــﺑق اﻟﺣــدﯾث ﻋﻧﻬــﺎ ،إﻧﻣــﺎ ﻫــﻰ ﻗﯾــود
ﻗﺎﻧوﻧﯾــﺔ وﺿــﻌت ﻷﺳــﺑﺎب اﻗﺗــﺿﺗﻬﺎ ﻻ ﯾﺗرﺗــب ﻋﻠــﻰ ﻓﻘــداﻧﻬﺎ أى ﺣﻛــم
ﺷــرﻋﻰ ٕ ،واﻧﻣــﺎ ﯾﺗرﺗــب ﻋﻠــﻰ ﺗﺧﻠﻔﻬــﺎ أﺛــر ﻗــﺎﻧوﻧﻰ ﻓﺣــﺳب ﻻ ﺷــﺄن ﻟــﻪ
ﺣﻛﻣــﺎ
ﺑـﺎﻟﺣﻛم اﻟــﺷرﻋﻰ ﻷن اﻟﻣــﺷرع اﻟوﺿــﻌﻰ ﻻ ﯾﺣـق ﻟــﻪ أن ﯾﻧــﺷﺊ ً
اﻣﺎ .
دﯾﻧﯾﺎ ﯾﺣل ﺣﻼﻻً أو ﯾﺣرم ﺣر ًً
واﻟــﺷروط اﻟﺗــﻰ اﺷــﺗرطﻬﺎ اﻟﻣــﺷرع اﻟوﺿــﻌﻰ ﻹﺟـراء ﻋﻘــد اﻟــزواج
ﺷرطﯾن ﻫﻣﺎ :
ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻷﻭﻝ :
أﻻ ﯾﻘل ﺳن اﻟزوﺟﺔ ﻋن ﺛﻣﺎﻧﻰ ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ﻫﻼﻟﯾـﺔ ،وأﻻ ﯾﻘـل
ﺳن اﻟزوج ﻋن ﺛﻣﺎﻧﻰ ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ ﻫﻼﻟﯾﺔ وﻗت اﻟﻌﻘد .
ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :
أن ﯾﻛﺗب اﻟﻣوظف اﻟﻣﺧﺗص ﺑﺈﺟراء ﻋﻘد اﻟزواج ﻫذا اﻟﻌﻘد ﻓﻰ
وﺛﯾﻘﺔ رﺳﻣﯾﺔ ﺧﺻﺻﺗﻬﺎ اﻟدوﻟﺔ ﻟﻬذا اﻹﺟراء .
وﻗــد أوﺟــب اﻟﻘــﺎﻧون ﻋﻠــﻰ اﻟﻣوظــف اﻟﻣﺧــﺗص أن ﯾﻣﺗﻧــﻊ ﻋــن
ـﻣﯾﺎ إذا ﺗﺑــﯾن ﻟــﻪ أن ﺳــن أﺣــد اﻟــزوﺟﯾن وﻗــت
ﺗﺣرﯾـر ﻋﻘــد اﻟــزواج رﺳـ ً
ﻗﺎﻧوﻧﺎ .
ً اﻟﻌﻘد ﯾﻘل ﻋن اﻟﺳن اﻟﻣﺣددة
ـ ٢٣٥ـ
أﯾﺿﺎ أﻻ ﯾﺻﺎدق ﻋﻠﻰ زواج ﺳﺎﺑق إﻻ إذا ﻛـﺎن اﻟزوﺟـﺎن وﯾﺟب ﻋﻠﯾﻪ ً
ﻗد ﺑﻠﻐﺎ اﻟﺳن اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾـﺔ وﻗـت اﻟﻣـﺻﺎدﻗﺔ ﻋﻠـﻰ ﻋﻘـد اﻟـزواج .وﯾﻘـﺻد
ﺑﺎﻟﻣـــﺻﺎدﻗﺔ :ﻣطﺎﻟﺑـــﺔ اﻟـــزوﺟﯾن ﻟﻠﻣوظـــف اﻟﻣﺧـــﺗص ﺑﺗـــﺳﺟﯾل ﻋﻘـــد
زواﺟﻬﻣﺎ اﻟذى ﻋﻘد ﻗﺑـل ذﻟـك وﻟـم ﯾـﺳﺟل ﻓـﻰ وﺛﯾﻘـﺔ رﺳـﻣﯾﺔ وﯾرﻏﺑـﺎن
رﺳﻣﯾﺎ .
ً ﻓﻰ إﺛﺑﺎﺗﻪ
ـ ٢٣٦ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ
ﺣﻘـﻮﻕ ﺍﻟـﺰﻭﺍﺝ ﻭﻭﺍﺟﺒـﺎﺗﻪ
ﻻزﻣــﺎ ﺗرﺗﺑــت ﻋﻠﯾــﻪ آﺛــﺎرﻩ
ـﺣﯾﺣﺎ ً
ـ ـ ﻋﻘــد اﻟــزواج ﻣﺗــﻰ اﻧﻌﻘــد ﺻـ ً
اﻟﺷرﻋﯾﺔ :وﻫﻰ ﻣـﺎ ﯾﻧـﺗﺞ ﻋﻧـﻪ ﻣـن ﺣﻘـوق ﺗﺧـص اﻟزوﺟـﺔ ،وﺣﻘـوق
ﺗﺧص اﻟزوج ،وﺣﻘوق ﻣﺷﺗرﻛﺔ ﺑﯾن اﻟزوج واﻟزوﺟﺔ .
ﺍﳌﻄﻠﺐ ﺍﻷﻭﻝ
ﺣﻘـﻮﻕ ﺍﻟﺰﻭﺟـﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟـﺰﻭﺝ
ـ ﺣﻘوق اﻟزوﺟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟزوج ﻫو اﻟﻣﻬـر واﻟﻧﻔﻘـﺔ ،وﻋـدم اﻹﺿـرار ﺑﻬـﺎ
واﻟﻌدل ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺑﯾن اﻟزوﺟﺎت اﻷﺧرﯾﺎت إن ﻛﺎن اﻟزوج ﻣﺗﻌدد اﻟزوﺟﺎت
،وﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻰ ﺑﯾﺎن ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻬﺎ ﻣن أﺣﻛﺎم :
ﺍﻟﻔﺮﻉ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﳌﻬــﺮ
ـ ﺗﻌﺮﻳﻔــﻪ :ـ
ﺍﳌﻬﺮ ﻓﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ :ﺻداق اﻟﻣرأة ،واﻟﺟﻣﻊ ) ﻣﻬور ( ﯾﻘـﺎل :
ﻣﻬرﺗﻬـﺎ إذا أﻋطﯾﺗﻬـﺎ اﻟﻣﻬـر أو ﻗطﻌﺗــﻪ ﻟﻬـﺎ ﻓﻬـﻰ ﻣﻣﻬـورة ،وأﻣﻬرﺗﻬــﺎ
)(١
ـ ﺑﺎﻷﻟف ـ إذا زوﺟﺗﻬﺎ ﻣن رﺟل ﻋﻠﻰ ﻣﻬر ﻓﻬﻰ ﻣﻣﻬرة .
) (١اﻟﻣﺻﺑﺎح اﻟﻣﻧﯾر ﻟﻠﻔﯾوﻣﻰ ص ٢٢٣ط .ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻟﺑﻧﺎن .
ـ ٢٣٧ـ
ﻭﻓﻰ ﺍﻻﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﺸﺮﻋﻰ :ﻫو اﻟﻌوض اﻟﻣﺳﺗﺣق ﻓـﻰ ﻋﻘـد
ﺑﺳﺑب ﻋﻘد اﻟزواج اﻟﺻﺣﯾﺢ ،أو ﺑﺳﺑب اﻟدﺧول ﻓﻰ اﻟزواج )(١
اﻟﻧﻛﺎح
اﻟﻔﺎﺳد .
واﻟﻣﻬــر ﻟــﻪ أﺳــﻣﺎء ﻣﺗﻌــددة ﻣﻧﻬــﺎ :اﻟــﺻداق ،واﻷﺟــر ،واﻟﻔرﯾــﺿﺔ،
)(٢
واﻟﻣﻬر ،واﻟﻌﻼﺋق ،واﻟﻧﺣﻠﺔ ،واﻟﻌﻘر ،واﻟﺣﺑﺎء .
ـ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺑﻪ :ـ
اﻷﺻــل ﻓــﻰ وﺟــوب اﻟﻣﻬــر ﻓــﻰ اﻟــزواج :اﻟﻛﺗــﺎب ،واﻟــﺳﻧﺔ ،
واﻹﺟﻣﺎع .
ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻜﺘـﺎﺏ :ـ
)(٣
١ـ ﻓﻘوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وآﺗوا اﻟﻧﺳﺎء ﺻدﻗﺎﺗﻬن ﻧﺣﻠﺔ " .
ﻓﻘد دﻟت ﻫـذﻩ اﻵﯾـﺔ اﻟﻛرﯾﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ أن اﻟﻣﻬـر واﺟـب ﻟﻠﻧـﺳﺎء ﻋﻠـﻰ
)(٤
اﻷزواج ،وﻫو أﻣر ﻣﺟﻣﻊ ﻋﻠﯾﻪ ﺑﯾن اﻟﻌﻠﻣﺎء .
)(٥
". ٢ـ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ":ﻓﻣﺎ اﺳﺗﻣﺗﻌﺗم ﺑﻪ ﻣﻧﻬن ﻓﺂﺗوﻫن أﺟورﻫن ﻓرﯾﺿﺔ
ﻓﻘد دﻟت ﻫذﻩ اﻵﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ وﺟـوب اﻟﻣﻬـر ﻟﻠﻣـرأة ﺣﯾـث ﻋﺑـر ﻋﻧـﻪ
ﯾﻌطــﻰ )(٦
اﻟﻣـوﻟﻰ ﻋــز وﺟــل " ﺑـﺎﻷﺟر " ﻷﻧــﻪ ﻓــﻰ ﻣﻘﺎﺑﻠـﺔ ﻣﻧﻔﻌــﺔ .
) (١اﻟﺣﺎوى اﻟﻛﺑﯾر ﻟﻠﻣﺎوردى . ٣٩٣/٩
ـ اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٦٧٩/٦ ) (٢اﻟﺣﺎوى ﻟﻠﻣﺎوردى . ٣٩٣/٩
) (٣اﻟﻧﺳﺎء . ٤ :
) (٤ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر ﻟﻠﺷوﻛﺎﻧﻰ . ٥٣١/١
) (٥اﻟﻧﺳﺎء . ٢٤ :
) (٦اﻟﺣﺎوى ﻟﻠﻣﺎوردى . ٣٩١/٩
ـ ٢٣٨ـ
ﻟﻬﺎ ﻓرﯾﺿﺔ ﻣن اﷲ واﺟﺑﺔ ،وﻫذا ﻋﻠﻰ رأى ﻣن ﯾرى ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء
)(١
ﺑﺄن اﻟﻣﻘﺻود ﺑﺎﻻﺳﺗﻣﺗﺎع ﻓﻰ اﻵﯾﺔ ﻫو اﻟﻧﻛﺎح اﻟﺷرﻋﻰ .
٣ـ وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻣن ﻟم ﯾـﺳﺗطﻊ ﻣـﻧﻛم طـوﻻً أن ﯾـﻧﻛﺢ اﻟﻣﺣـﺻﻧﺎت
)(٢
اﻟﻣؤﻣﻧﺎت ﻓﻣﺎ ﻣﻠﻛت أﯾﻣﺎﻧﻛم ﻣن ﻓﺗﯾﺎﺗﻛم اﻟﻣؤﻣﻧﺎت " .
واﻟطول ﻫو اﻟﻣﺎل ،واﻟﻣﻘﺻود ﺑﻪ ﻓﻰ اﻵﯾﺔ اﻟﻣﻬر .
٤ـ وﻗـــﺎل ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ٕ " :وان أردﺗـــم اﺳـــﺗﺑدال زوج ﻣﻛـــﺎن زوج وآﺗﯾـــﺗم
)(٣
ﺷﯾﺋﺎ " .
إﺣداﻫن ﻗﻧطﺎ ًرا ﻓﻼ ﺗﺄﺧذوا ﻣﻧﻪ ً
ﻓﺎﻵﯾﺔ ﺗدل ﻋﻠﻰ ﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻣﻬر ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗدل ﻋﻠﻰ ﺣرﻣﺔ اﺳﺗرﺟﺎع
ﺷﺊ ﻣن اﻟﻣﻬر ﺑﻌد ﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟﻣرأة ﻟﻪ ﺑﻣﻘﺗـﺿﻰ ﻋﻘـد اﻟـزواج ﺣﺗـﻰ
وﻟو ﺑﻠﻎ ﻣن اﻟﻛﺛرة ﻣﺎ ﺑﻠـﻎ .ﻓـذﻛر اﻟﻘﻧطـﺎر ﻓـﻰ اﻵﯾـﺔ ﺟـﺎء ﻋﻠـﻰ
)(٤
طرﯾق اﻟﻣﺑﺎﻟﻐﺔ .
ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ :ـ
١ـ ﻣﺎ روى ﻋن ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن اﻟﺑﯾﻠﻣﺎﻧﻰ ﻋن ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻋﻣر أن
) (١ﺣﯾث وﻗﻊ ﺧﻼف ﺑﯾن أﻫل اﻟﻌﻠم ﻓﻰ ﻣﻌﻧﻰ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓﻣﺎ اﺳﺗﻣﺗﻌﺗم ﺑﻪ ﻣﻧﻬن ﻓﺂﺗوﻫن أﺟورﻫن " .ﻓﻘـﺎل
اﻟﺣﺳن وﻣﺟﺎﻫد وﻏﯾرﻫﻣﺎ :اﻟﻣﻌﻧﻰ ﻓﻣﺎ اﻧﺗﻔﻌﺗم وﺗﻠذذﺗم ﺑﺎﻟﺟﻣﺎع ﻣن اﻟﻧﺳﺎء ﺑﺎﻟﻧﻛﺎح اﻟـﺷرﻋﻰ ) ﻓـﺂﺗوﻫن أﺟـورﻫن (
أى ﻣﻬورﻫن .أى ﻣﻬورﻫن .وﻗﺎل اﻟﺟﻣﻬور :إن اﻟﻣراد ﺑﻬذﻩ اﻵﯾﺔ ﻧﻛﺎح اﻟﻣﺗﻌﺔ اﻟذى ﻛﺎن ﻓﻰ ﺻـدر اﻹﺳـﻼم ،
وﯾؤﯾد ذﻟك ﻗراءة أﺑﻰ ﺑـن ﻛﻌـب واﺑـن ﻋﺑـﺎس وﺳـﻌﯾد ﺑـن ﺟﺑﯾـر " ﻓﻣـﺎ اﺳـﺗﻣﺗﻌﺗم ﺑـﻪ ﻣـﻧﻬن إﻟـﻰ أﺟـل ﻣـﺳﻣﻰ ﻓـﺂﺗوﻫن
أﺟورﻫن " ﺛم ﻧﻬﻰ ﻋﻧﻬﺎ اﻟﻧﺑﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ﻛﻣﺎ ﺻﺢ ذﻟك ﻣن ﺣدﯾث ﻋﻠﻰ ﻗﺎل :ﻧﻬـﻰ اﻟﻧﺑـﻰ ﺻـﻠﻰ
اﻧظـر اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋن ﻧﻛﺎح اﻟﻣﺗﻌﺔ وﻋن ﻟﺣوم اﻟﺣﻣر اﻷﻫﻠﯾﺔ ﯾوم ﺧﯾﺑر ،وﻫو ﻓﻰ اﻟﺻﺣﯾﺣﯾن وﻏﯾرﻫﻣﺎ .
:ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر ﻟﻠﺷوﻛﺎﻧﻰ . ٥٦٦/١
) (٢اﻟﻧﺳﺎء . ٢٤ :
) (٣اﻟﻧﺳﺎء . ٢٠ :
) (٤وﻟﻠﻌﻠﻣـﺎء ﻓـﻰ ﺗﻘـدﯾر اﻟﻘﻧطــﺎر أﻗـوال أﺻـﺣﻬﺎ أﻧــﻪ اﻟﻣـﺎل اﻟﻛﺛﯾـر وذﻛـرﻩ ﻓـﻰ اﻵﯾـﺔ ﻋﻠــﻰ طرﯾـق اﻟﻣﺑﺎﻟﻐـﺔ اﻧظــر
اﻟﺣﺎوى اﻟﻛﺑﯾر . ٣٩١/٩
ـ ٢٣٩ـ
اﻟﻧﺑﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ﻗﺎل } :أدوا اﻟﻌﻼﺋـق { ،ﻗـﺎﻟوا
ﯾـــــﺎ رﺳـــــول اﷲ ،وﻣـــــﺎ اﻟﻌﻼﺋـــــق ؟ ﻗـــــﺎل :ﻣـــــﺎ ﺗراﺿـــــﻰ ﻋﻠﯾـــــﻪ
)(١
اﻷﻫﻠون".
٢ـ وروى ﻋـن ﺳـﻬل ﺑـن ﺳـﻌد اﻟـﺳﺎﻋدى أن رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻗﺎل ﻟرﺟل ﺧطب ﻣﻧﻪ اﻟﻣرأة اﻟﺗﻰ ﺑذﻟت ﻧﻔـﺳﻬﺎ
ﺧﺎﺗﻣﺎ ﻣن ﺣدﯾد { .
)(٢
ً ﻟﻪ } :اﻟﺗﻣس وﻟو
٣ـ وروى ﻋﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم أﻧـﻪ ﻗـﺎل } :ﻣـن اﺳـﺗﺣل
)(٣
ﺑدرﻫﻣﯾن ﻓﻘد اﺳﺗﺣل { .
٤ـ وأﺧرج أﺑو داود واﻟﺣـﺎﻛم وﺻـﺣﺣﻪ ﻣـن ﺣـدﯾث اﺑـن ﻋﺑـﺎس رﺿـﻰ
ﻋﻠﯾـﺎ
اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ " أن اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻣﻧـﻊ ً
ﺷـﯾﺋﺎ ،وﻟﻣـﺎ
أن ﯾدﺧل ﺑﻔﺎطﻣﺔ ـ رﺿﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ـ ﺣﺗﻰ ﯾﻌطﯾﻬﺎ ً
ﻓﺄﻋطﺎﻩ إﯾﺎﻫﺎ . )(٤
ﻗﺎل ﻣﺎ ﻋﻧدى ﺷﺊ ﻗﺎل :ﻓﺄﯾن درﻋك اﻟﺣطﻣﯾﺔ
٥ـ وﻓﻰ ﺻﺣﯾﺢ ﻣـﺳﻠم ﻋـن أﺑـﻰ ﻫرﯾـرة رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ﻗـﺎل " :ﺟـﺎء
رﺟــل إﻟــﻰ اﻟﻧﺑــﻰ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ وﻗــﺎل :إﻧــﻰ
ﺗزوﺟت اﻣرأة ﻣن اﻷﻧﺻﺎر ﻓﻘﺎل ﻟﻪ رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
ﺷـﯾﺋﺎ ،
وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻫـل ﻧظـرت إﻟﯾﻬـﺎ ﻓـﺈن ﻓـﻰ ﻋﯾـون اﻷﻧـﺻﺎر ً
ﻗـﺎل :ﻗـد ﻧظـرت إﻟﯾﻬــﺎ .ﻗـﺎل :ﻋﻠـﻰ ﻛــم ﺗزوﺟﺗﻬـﺎ ،ﻗـﺎل :ﻋﻠــﻰ
) (١اﻟﺳﻧن اﻟﻛﺑرى ﻟﻠﺑﯾﻬﻘﻰ ٢٣٩/٧ﻧﻘﻼً ﻋن ﻋﻣل اﻟﻣﺣﻘق ﻟﻛﺗﺎب اﻟﺣﺎوى ﻟﻠﻣﺎوردى .
) (٢رواﻩ ﻣﺳﻠم ﻓﻰ ﺻﺣﯾﺣﻪ " ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب اﻟﺻداق وﺟواز ﻛوﻧﻪ ﺗﻌﻠﯾم ﻗرآن ...إﻟﺦ " .
ـ اﻟدر اﻟﻣﻧﺛور ﻟﻠﺳﯾوطﻰ . ١٢٠/٢ ) (٣اﻟﺳﻧن اﻟﻛﺑرى ﻟﻠﺑﯾﻬﻘﻰ . ٢٣٨/٧
) (٤درﻋك اﻟﺣطﻣﯾﺔ :ﻫﻰ اﻟﺗﻰ ﺗﺣطم اﻟﺳﯾوف أى ﺗﻛﺳرﻫﺎ ،وﻗﯾل :ﻫﻰ اﻟﻌرﯾﺿﺔ اﻟﺛﻘﯾﻠﺔ ،وﻗﯾل :ﻫﻰ ﻣﻧﺳوﺑﺔ
إﻟﻰ ﺑطن ﻣن ﻋﺑد ﻋﺑد اﻟﻘﯾس ﯾﻘﺎل ﻟﻬﺎ ﺣﻛﻣﺔ ﺑﻧت ﻣﺣﺎرب ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﻣﻠون اﻟدروع .
ـ ٢٤٠ـ
أرﺑـﻊ أواق ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻋﻠـﻰ
أرﺑﻊ أواق ﻛﺄﻧﻣﺎ ﺗﻧﺣﺗون اﻟﻔﺿﺔ ﻣن ﻋرض ﻫذا اﻟﺟﺑل ﻣﺎ ﻋﻧـدﻧﺎ
ﻣﺎ ﻧﻌطﯾك وﻟﻛن ﻋـﺳﻰ أن ﻧﺑﻌﺛـك ﻓـﻰ ﺑﻌـث ﺗـﺻﯾب ﻣﻧـﻪ .ﻗـﺎل :
)(١
ﻓﺑﻌث ﺑﻌﺛًﺎ إﻟﻰ ﺑﻧﻰ ﻋﺑس ﺑﻌث ذﻟك اﻟرﺟل ﻓﯾﻬم " .
أﯾﺿﺎ :ﻋن أﺑـﻰ ﺳـﻠﻣﺔ ﺑـن ﻋﺑـد اﻟـرﺣﻣن أﻧـﻪ
٦ـ وﻓﻰ ﺻﺣﯾﺢ ﻣﺳﻠم ً
ﻗﺎل :ﺳﺄﻟت ﻋﺎﺋﺷﺔ زوج اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻛم
ﻛـﺎن ﺻـداق رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻗﺎﻟـت :
ﻛﺎن ﺻداﻗﻪ ﻷزواﺟﻪ ﺛﻧﺗﻰ ﻋﺷرة أوﻗﯾﺔ وﻧﺷﺎ .ﻗﺎﻟت :أﺗدرى ﻣﺎ
اﻟﻧش ؟ ﻗﺎل :ﻗﻠت :ﻻ .ﻗﺎﻟـت :ﻧـﺻف أوﻗﯾـﺔ ﻓﺗﻠـك ﺧﻣـﺳﻣﺎﺋﺔ
درﻫــم ﻓﻬــذا ﺻــداق رﺳــول اﷲ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ
)(٢
ﻷزواﺟﻪ " .
أﯾﺿﺎ :ﻋن ﻗﺗﺎدة ﻋن أﻧس ﺑن ﻣﺎﻟك أن ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن أﺑـن
وﻓﯾﻪ ً
ﻋوف ﺗزوج ﻋﻠﻰ ﻋﻬد رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ
ﻋﻠﻰ وزن ﻧواة ﻣن ذﻫب .ﻓﻘﺎل ﻟﻪ رﺳول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
)(٣
وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ أو ﻟم وﻟو ﺑﺷﺎة .
وﺑﺎﻟﺟﻣﻠــﺔ ﻓــﺈن اﻟﻣﻬــر واﺟــب ،وﺑــﻪ ﯾﺗﺣﻘــق اﻟﺗﻣﯾﯾــز ﺑــﯾن اﻟﻧﻛــﺎح
واﻟﺳﻔﺎح وﻫذا ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :أن ﺗﺑﺗﻐوا ﺑﺄﻣواﻟﻛم ﻣﺣـﺻﻧﯾن ﻏﯾـر
)(٤
ﻣﺳﺎﻓﺣﯾن " .
) (١ﺻﺣﯾﺢ ﻣﺳﻠم " ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب اﻟﺻداق ...إﻟﺦ " .
) (٢ﺻﺣﯾﺢ ﻣﺳﻠم " ﻛﺘﺎب اﻟﻨﻜﺎح " " ﺑﺎب اﻟﺼﺪاق وﺟﻮاز ﻛﻮﻧﮫ ﺗﻌﻠﯿﻢ ﻗﺮآن ...إﻟﺦ " .
) (٣اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق .
) (٤اﻟﻧﺳﺎء . ٢٤ :
ـ ٢٤١ـ
ﻛﻣﺎأﻧـﻪ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ﻟـم ﯾـﺳوغ ﻧﻛﺎًﺣـﺎ ﺑـدون ﻣﻬــر
)(١
أﺻﻼً .
وﻟذﻟك أﺟﻣﻌت اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺷروﻋﯾﺔ اﻟﺻداق ﻓﻰ اﻟﻧﻛﺎح .
ـ ﺍﳌﻬﺮ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻌﻘـﺪ :ـ
ـرطﺎ ﻣــن
رﻛﻧــﺎ ﻣــن أرﻛــﺎن ﻋﻘــد اﻟــزواج ،وﻻ ﺷـ ً
اﻟﻣﻬــر ﻻ ﯾﻌــد ً
ﺷـروط ﺻــﺣﺗﻪ ،ﻓﯾــﺻﺢ اﻟﻌﻘـد ﺑــدون ﺗــﺳﻣﯾﺔ ﻟـﻪ ،وﯾــﺻﺎر إﻟــﻰ ﻣﻬــر
اﻟﻣﺛل ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد .
ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻝ ﺍﳊﻖ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﱃ :
" ﻻ ﺟﻧﺎح ﻋﻠﯾﻛم إن طﻠﻘﺗم اﻟﻧﺳﺎء ﻣﺎ ﻟم ﺗﻣﺳوﻫن أو ﺗﻔرﺿـوا
)(٢
ﻟﻬن ﻓرﯾﺿﺔ وﻣﺗﻌوﻫن ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺳﻊ ﻗدرﻩ وﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺗر ﻗدرﻩ " .
ﻓﻬذﻩ اﻵﯾﺔ اﻟﻛرﯾﻣﺔ دﻟت ﻋﻠﻰ ﺻﺣﺔ اﻟطﻼق ﻗﺑل اﻟدﺧول ﻋﻠـﻰ اﻟـرﻏم
ﻣن ﻋدم ﺗﺳﻣﯾﺔ اﻟﻣﻬر ،وﻣﻌﻠوم أﻧﻪ ﻻ طﻼق إﻻ ﺑﻌد زواج ﺻﺣﯾﺢ ،
رﻛﻧـﺎ
ﻓدل ذﻟك ﻋﻠﻰ ﺻﺣﺔ اﻟزواج ﺑدون ذﻛر اﻟﻣﻬر ،ﻓﻠو ﻛﺎن اﻟﻣﻬـر ً
ﺷرطﺎ ﻓﻰ اﻟﻌﻘد ﻟﻣﺎ ﺻﺢ ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫو ﺣﻛم ﻣن أﺣﻛﺎﻣﻪ ،وأﺛـر ﻣـن
ً أو
آﺛﺎرﻩ .
ً
ﻭﻗﺪ ﺩﻟﺖ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ :
ﻗوﻣـﺎ أﺗـوا ﻋﺑـد اﷲ
ﻓﻘد روى اﻟﺷﻌﺑﻰ ﻋن ﻋﻠﻘﻣﺔ ﺑن ﻗـﯾس أن ً
ﺑــن ﻣــﺳﻌود ﻓﻘــﺎﻟوا ﻟــﻪ :إن رﺟــﻼً ﻣﻧــﺎ ﺗــزوج اﻣ ـرأة وﻟــم ﯾﻔــرض ﻟﻬــﺎ
ﺻداﻗﺎ ،وﻟم ﯾﺟﻣﻌﻬﺎ إﻟﯾﻪ ﺣﺗﻰ ﻣﺎت ،ﻓﻘﺎل ﻟﻬم ﻋﺑد اﷲ ـ رﺿـﻰ اﷲ
ً
) (١اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٦٧٩/٦
) (٢اﻟﺑﻘرة . ٢٣٦ :
ـ ٢٤٢ـ
ﻋﻧـﻪ ـ ﻣـﺎ ﺳـﺋﻠت ﻋـن ﺷـﺊ ﻣﻧـذ ﻓﺎرﻗـت رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ أﺷـد ﻋﻠـﻰ ﻣـن ﻫـذا ﻓـﺄﺗوا ﻏﯾـرى ،ﻗـﺎل :ﻓـﺎﺧﺗﻠﻔوا إﻟﯾــﻪ
ﻓﯾﻬﺎ ﺷﻬ ًرا ﺛم ﻗﺎﻟوا ﻟﻪ :ﻓﻰ آﺧر ذﻟـك ﻣـن ﻧـﺳﺄل إذا ﻟـم ﻧـﺳﺄﻟك وأﻧـت
آﺧﯾﺔ ) (١أﺻﺣﺎب ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ﻓـﻰ ﻫـذا اﻟﺑﻠـد وﻻ
ﻧﺟد ﻏﯾرك ﻓﻘﺎل :ﺳﺄﻗول ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺟﻬـد رأﯾـﻰ ﻓـﺈن ﻛـﺎن ﺻـو ًاﺑﺎ ﻓﻣـن اﷲ
وﺣــدﻩ ﻻ ﺷــرﯾك ﻟــﻪ ٕ ،وان ﻛــﺎن ﺧطـﺄً ﻓﻣﻧــﻰ واﷲ ورﺳــوﻟﻪ ﻣﻧــﻪ ﺑــرئ ،
ﺻـداﻗﺎ ﻛـﺻداق ﻧـﺳﺎﺋﻬﺎ ﻻ وﻛـس وﻻ ﺷـطط ،وﻟﻬـﺎ
ً أرى أن أﺟﻌل ﻟﻬﺎ
اﻟﻣﯾ ـراث ،وﻋﻠﯾﻬــﺎ اﻟﻌــدة أرﺑﻌــﺔ أﺷــﻬر وﻋــﺷرا ،ﻗــﺎل :وذﻟــك ﺑــﺳﻣﻊ
ﻧﺎس ﻣن أﺷﺟﻊ ﻓﻘﺎﻣوا ﻓﻘﺎﻟوا ﻧﺷﻬد أﻧك ﻗﺿﯾت ﺑﻣﺛل اﻟذى ﻗـﺿﻰ ﺑـﻪ
رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓـﻰ اﻣـرأة ﻣﻧـﺎ ﯾﻘـﺎل ﻟﻬـﺎ :
ﺑــروع ﺑﻧــت واﺷــق .ﻓﻣــﺎ رؤى ﻋﺑــد اﷲ ﻓــرح ﺑــﺷﺊ ﻣــﺎ ﻓــرح ﯾوﻣﺋــذ إﻻ
ﺑﺈﺳﻼﻣﻪ .ﺛم ﻗﺎل :اﻟﻠﻬـم إن ﻛـﺎن ﺻـو ًاﺑﺎ ﻓﻣﻧـك وﺣـدك ﻻ ﺷـرﯾك ﻟـك
)(٢
ٕوان ﻛﺎن ﺧطﺄً ﻓﻣﻧﻰ وﻣن اﻟﺷﯾطﺎن واﷲ ورﺳوﻟﻪ ﻣﻧﻪ ﺑرئ " .
ﻓﻔــﻰ اﻟﺣــدﯾث دﻻﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ أن ﺑــروع ﺑﻧــت واﺷــق ﺗزوﺟــت ﺑﻐﯾــر
ﻣﻬــر ﻓﺣﻛــم ﻟﻬــﺎ رﺳــول اﷲ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ ﺑﻣﻬــر
ﻧﺳﺎﺋﻬﺎ واﻟﻣﯾراث .
وﯾروى أن أﺑﺎ طﻠﺣﺔ اﻷﻧﺻﺎرى ﺗزوج أم ﺳﻠﯾم ﻋﻠﻰ ﻏﯾـر ﻣﻬـر
) (١اﻵﺧﯾـﺔ :ﻋـود أو ﺣﺑـل ﯾـدﻓن طرﻓـﺎﻩ ﻓـﻰ اﻷرض أو اﻟﺣـﺎﺋط وﯾﺑﻘـﻰ وﺳـطﻪ ﺑـﺎرًاز ﻛـﺎﻟﻌروة وﺗـﺷد ﻓﯾـﻪ اﻟداﺑــﺔ .
واﻟﻣراد ﺑﻪ ﻓﻰ اﻟﺣدﯾث :اﻟﺑﻘﯾﺔ .اﻟﻘﺎﻣوس اﻟﻣﺣﯾط . ٢٩٩/٤
ـ ﺳﻧن اﺑن ﻣﺎﺟﺔ ٦٠٩/١رﻗم . ١٨٩١ ) (٢ﺳﻧن اﻟﺗرﻣذى ٣٠٦/٢وﻗﺎل ﺣﺳن ﺻﺣﯾﺢ .
ـ ﺳﻧن اﻟﺑﯾﻬﻘﻰ . ٢٤٥/٧
ـ ٢٤٣ـ
)(١
ﻓﺄﻣﺿﻰ رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻧﻛﺎﺣﻪ .
وﯾﺷﻬد ﻟﺻﺣﺔ ﻋﻘد اﻟزواج ﻣن ﻏﯾر ﺗﺳﻣﯾﺔ ﻣﻬر ﻣـﺎ روى ﻋـن ﻋﻘﺑـﺔ
ﺑـن ﻋـﺎﻣر أن رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻗـﺎل ﻟرﺟـل :
أﺗرﺿــﻰ أن أزوﺟــك ﻓﻼﻧــﺔ ؟ ﻗــﺎل :ﻧﻌــم .ﻗــﺎل ﻟﻠﻣ ـرأة :أﺗرﺿــﯾن أن
ﻓﻼﻧﺎ ؟ ﻗﺎﻟت :ﻧﻌم .ﻓزوج أﺣدﻫﻣﺎ ﺻﺎﺣﺑﻪ ﻓدﺧل اﻟرﺟـل ﺑﻬـﺎ
أزوﺟك ً
ﺷـﯾﺋﺎ وﻛـﺎن ﻣﻣـن ﺷـﻬد اﻟﺣدﯾﺑﯾـﺔ
ﺻداﻗﺎ ،وﻟم ﯾﻌطﻬﺎ ً
ً وﻟم ﯾﻔرض ﻟﻬﺎ
وﻟـﻪ ﺳﻬم ﺑﺧﯾﺑر ﻓﻠﻣﺎ ﺣﺿرﺗﻪ اﻟوﻓﺎة ﻗﺎل :إن رﺳول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﺻـداﻗﺎ وﻟـم
ً ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ زوﺟﻧـﻰ زوﺟﺗـﻰ ﻓﻼﻧـﺔ وﻟـم أﻓـرض ﻟﻬـﺎ
ــﯾﺋﺎ ٕ ،واﻧـــﻰ أﺷـــﻬدﻛم أﻧــﻰ أﻋطﯾﺗﻬـــﺎ ﻋـــن ﺻـــداﻗﻬﺎ ﺳـــﻬﻣﻰ
أﻋطﻬــﺎ ﺷـ ً
)(٢
ﺑﺧﯾﺑر ﻓﺄﺧذت ﺳﻬﻣﻪ ﻓﺑﺎﻋﺗﻪ ﺑﻣﺎﺋﺔ أﻟف " .
ﻓﻬــذا دﻟﯾــل ﺻــرﯾﺢ ﻋﻠــﻰ ﺻــﺣﺔ اﻟــزواج ﻣــن ﻏﯾــر ذﻛــر ﻟﻠﻣﻬــر
ﯾؤﯾـدﻩ إن اﻟﻣﻘـﺻود ﻣــن ﻋﻘـد اﻟﻧﻛـﺎح اﻟﺗواﺻــل واﻷﻟﻔـﺔ ،واﻟﻣﻬـر ﻓﯾــﻪ
ﺗﺑﻊ ﻟﻣﻘﺻودﻩ
ـ ﺷـﺮﻭﻁ ﺍﳌﻬﺮ :ـ
ﺻﺣﯾﺣﺎ ﻣن اﻟوﺟﻬﺔ اﻟﺷرﻋﯾﺔ أن
ً ﯾﺷﺗرط ﻓﻰ اﻟﻣﻬر ﻟﻛﻰ ﯾﻛون
)(٣
ﻠوﻣﺎ ،أو ﻣﻧﻔﻌﺔ ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﻣﻘوﻣﺔ ﺑﺎﻟﻣﺎل .
ﻣﺗﻘوﻣﺎ ﻣﻌ ً
ً ﻣﺎﻻ
ﯾﻛون ً
) (١اﻟﺣﺎوى ﻟﻠﻣﺎوردى . ٣٩٤/٩
ـداﻗﺎ ﺣﺗــﻰ ﻣــﺎت " ﺣــدﯾث رﻗــم )( ٢١١٧
) (٢أﺧرﺟــﻪ أﺑــو داود ﻓــﻰ " اﻟﻧﻛــﺎح " " ﺑــﺎب ﻓــﯾﻣن ﺗــزوج وﻟــم ﯾــﺳم ﺻـ ً
. ٣٢٠/٢
ـ ﻣﻐﻧﻰ اﻟﻣﺣﺗﺎج ﻟﻠﺷرﺑﯾﻧﻰ . ٢٢٠/٢ ) (٣اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ ٦٨٢/٦ـ . ٦٨٣
ـ ﺣﺎﺷﯾﺔ اﺑن ﻋﺎﺑدﯾن ١٠١/٣ـ . ١٠٢ ـ ﻣﺟﻣﻊ اﻷﻧﻬر ﻟداﻣﺎد . ٣٥٤/١
ـ ﺷرح ﻣﻧﺗﻬﻰ اﻹرادات ﻟﻠﺑﻬوﺗﻰ . ٦٣/٣ ـ اﻟﻛﺎﻓﻰ ﻻﺑن ﻋﺑد اﻟﺑر ص . ٢٤٩
ـ اﻟﻣﺣﻠﻰ ﻻﺑن ﺣزم . ٤٩٤/٦ ـ اﻟﻠﻣﻌﺔ اﻟدﻣﺷﻘﯾﺔ ﻟﻠﻌﺎﻣﻠﻰ . ٣٤١/٥
ـ ٢٤٤ـ
ﻧﻘــودا ذﻫﺑﯾـــﺔ أو
ً وﺑﻧــﺎء ﻋﻠــﻰ ذﻟــك :ﯾـــﺻﺢ أن ﯾﻛــون اﻟﻣﻬــر
ﻋرﺿــﺎ ﻣــن ﻋــروض اﻟﺗﺟــﺎرة
ً ﻓــﺿﯾﺔ أو ﻣﻌدﻧﯾــﺔ ،وﯾــﺻﺢ أن ﯾﻛــون
ﻛﺎﻷﻗﻣﺷﺔ اﻟﺻوﻓﯾﺔ أو اﻟﺣرﯾرﯾﺔ أو ﻏﯾرﻫﺎ .
ﺣﻠﯾﺎ ﻣن ذﻫـب أو ﻓـﺿﺔ ،أو أﺣﺟـﺎر ﻛرﯾﻣـﺔ
وﯾﺻﺢ أن ﯾﻛون ً
أو ﻣﻌﺎدن ﻧﻔﯾﺳﺔ ﻟﻬﺎ ﻗﯾﻣﺔ ﻣﺎﻟﯾﺔ .
وﯾـﺻﺢ أن ﯾﻛـون ﺣﯾو ًاﻧــﺎ ﻟـﻪ ﻗﯾﻣـﺔ ﻣﺎﻟﯾــﺔ ﻛﺑـر ﻫـذا اﻟﺣﯾـوان أم
ﺻــﻐر ﻛﻣــﺎ ﯾــﺻﺢ أن ﯾﻛــون ﻣــن اﻟﻣﻛــﯾﻼت أو اﻟﻣوزوﻧــﺎت اﻟﺗــﻰ ﺗﻘــوم
ﺑﺎﻟﻣﺎل .
ﻣﺗﻘوﻣــﺎ ،وﻛـل ﻣـﺎ ﻛــﺎن
ً ﻓﻛـل ﺷـﺊ ﻣـن اﻟﻣــذﻛورات ﯾـﺳﻣﻰ ﻣـﺎﻻً
ﻛذﻟك ﯾﺻﻠﺢ ﻷن ﯾﻛون ﻣﻬ ًرا .
ﻛــذﻟك ﯾــﺻﺢ أن ﯾﻛــون اﻟﻣﻬــر ﻣﻧﻔﻌــﺔ ﻣﻌﻠوﻣــﺔ ﺗﻘــوم ﺑﺎﻟﻣــﺎل ،
ﻛــﺄن ﯾﻛــون ﺳــﻛﻧﻰ دار ﻣـــدة ﻣﻌﻠوﻣــﺔ ،أو زراﻋــﺔ أرض ،أو رﻛـــوب
ﺳﯾﺎرة وﻣﺎ أﺷﺑﻪ ذﻟك ﻣن ﻛل ﻣﻧﻔﻌﺔ ﺗﻘﺎﺑل ﺑﻣﺎل .
دﯾﻧــﺎ ﻟﻺﻧــﺳﺎن ﻋﻠــﻰ آﺧــر ،ﻓﻠــو
ﻛــذﻟك ﯾــﺻﺢ أن ﯾﻛــون اﻟﻣﻬــر ً
ﺗزوﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﻣﺳﺔ آﻻف دﯾن ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻓﻼن ﺻـﺣت اﻟﺗـﺳﻣﯾﺔ ،ﻷن
اﻟــدﯾن ﻣــﺎل ،وﻟﻠزوﺟــﺔ اﻟﺧﯾــﺎر ﺑــﯾن أن ﺗﺄﺧــذﻩ ﻣــن اﻟــزوج ،أو ﻣﻣــن
ﻋﻠﯾﻪ اﻟدﯾن .
ﻓﻛل ﻣﺎ ﻟﻪ ﻗﯾﻣﺔ ﻓﻰ ﻧظر اﻟﺷﺎرع ﯾﺻﺢ أن ﯾﺳﻣﻰ ﻣﻬ ًار .
وﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓـﻼ ﯾـﺻﺢ أن ﯾﻛـون ﻣﻬـ ًرا ﻣـﺎ ﻻ ﻗﯾﻣـﺔ ﻟـﻪ ﻓـﻰ
ذاﺗﻪ أو ﻓﻰ ﺣـق اﻟﻣـﺳﻠم ،ﻛـﺎﻟﺧﻣر واﻟﺧﻧزﯾـر ،ﻓـﺈن ﻛـل ﻣﻧﻬﻣـﺎ ﻟـﯾس
ﺑﻣﺎل ﻓﻰ ﺣـق اﻟﻣـﺳﻠم وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻰ ﻻ ﯾـﺻﺢ أن ﯾﻛـون ﻣﻬـ ًرا ،ﻓﻠـو ﺳـﻣﻰ
ـ ٢٤٥ـ
ﺷﯾﺋﺎ ﻣن ذﻟك ﻓـﻰ اﻟﻌﻘـد ،ﻛﺎﻧـت اﻟﺗـﺳﻣﯾﺔ ﺑﺎطﻠـﺔ ،وﯾـﺻﺎر إﻟـﻰ ﻣﻬـر
ً
اﻟﻣﺛل ،ﻷن اﻟﺑﺿﻊ ﻣﻔوت ﺑﺎﻟﻌﻘد ،ﻓﻠم ﺗﻘدر اﻟﻣرأة ﻋﻠﻰ اﺳﺗرﺟﺎﻋﻪ ،
ﻓوﺟب أن ﺗﻌدل إﻟﻰ ﻗﯾﻣﺗﻪ وﻫو ﻣﻬر اﻟﻣﺛل .
ﻣﺟﻬـوﻻ ﺟﻬﺎﻟـﺔ ﻓﺎﺣـﺷﺔ
ً ﻛذﻟك ﻻ ﯾﺻﻠﺢ أن ﯾﻛون ﻣﻬ ًرا ﻣﺎ ﻛﺎن
ﺗؤدى إﻟﻰ اﻟﻧزاع ﻋﻧد ﺗﺳﻠﯾﻣﻪ ﺣﺗﻰ وﻟو ﻛﺎن ﻟﻪ ﻗﯾﻣﺔ ،ﻛـﺄن ﯾـﺻدﻗﻬﺎ
ﺑﯾﺗﺎ دون ﺑﯾﺎن ﻧوﻋﻪ وﻣﻛﺎﻧﻪ وﻣﺳﺎﺣﺗﻪ ،ﻻﺧﺗﻼف اﻟﺑﯾوت ﻣـن ﻧﺎﺣﯾـﺔ
ً
اﻟﺗﺄﺳﯾس واﻟﺗﻛﺎﻟﯾف ،وﻛل ذﻟك ﻣﺟﻬول ﯾؤدى إﻟـﻰ اﻟﻧـزاع ﻓـﻼ ﯾـﺻﻠﺢ
أن ﯾﻛون ﻣﻬ ًار .
ﻓﺈذا ﻛﺎﻧت اﻟﺟﻬﺎﻟﺔ ﯾﺳﯾرة ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻐﺗﻔر ،ﻷن اﻟزواج ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ
اﻟﺗوﺳﻌﺔ ﻓﻰ اﻟﻣﻬر ﻓﻼ ﯾﺑطل ﻣﻊ اﻟﺟﻬﺎﻟﺔ اﻟﯾﺳﯾرة ،ﻛﺄن ﯾﺗـزوج اﻣـرأة
أردﺑــﺎ ﻣــن اﻟﻘﻣــﺢ دون ﺑﯾــﺎن ﻧوﻋــﻪ ،ﻷن أﻧ ـواع اﻟﻘﻣــﺢ
ﻋﻠــﻰ ﺛﻼﺛــﯾن ً
ﻣﺗﻌــددة ،واﻟﺗﻔــﺎوت ﺑــﯾن أﻧواﻋــﻪ ﯾــﺳﯾر ﻻ ﯾــؤدى إﻟــﻰ اﻟﻣﻧﺎزﻋــﺔ ﻋﻧــد
اﻟﺗــﺳﻠﯾم ،وﻟﻠزوﺟــﺔ اﻟوﺳــط ﻓــﻰ ﻣﺛــل ﻫــذﻩ اﻟﺣﺎﻟــﺔ دون إﺿ ـرار ﺑﺄﺣــد
اﻟزوﺟﯾن .
ﻛذﻟك إذا ﻛﺎﻧت اﻟﻣﻧﻔﻌﺔ ﻻ ﺗﻘﺎﺑل ﺑﻣﺎل ﻓﻼ ﺗـﺻﻠﺢ أن ﺗﻛـون ﻣﻬـ ًار
،ﻛﻣـــن ﯾﺗـــزوج اﻣـــرأة وﯾﺟﻌـــل ﻣﻬرﻫـــﺎ طـــﻼق زوﺟﺗـــﻪ اﻷوﻟـــﻰ ،أو أﻻ
ﯾﺗــزوج ﻋﻠﯾﻬــﺎ ،او ﯾﺟﻌــل ﻣﻬرﻫــﺎ أن ﺗﻌــﯾش ﻓــﻰ ﺑﯾــت أﻫﻠﻬــﺎ ،ﻓﻬــذﻩ
)(١
اﻟﻣﻧﺎﻓﻊ ﻟﻠزوﺟﺔ ﻻ ﺗﻘوم ﺑﻣﺎل ،ﻓﻼ ﺗﺻﺢ أن ﺗﻛون ﻣﻬ ًار .
) (١اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ د /ﻣﺣﻣود ﻣﺣﻣد اﻟطﻧطﺎوى ص ١٩٢ـ . ١٩٣
ـ ٢٤٦ـ
ﺍﻟﻔﺮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
ﺍﻟﻨﻔﻘــﺔ
ـ اﻟﻧﻔﻘﺔ ﻫﻰ اﻟﺣق اﻟﺛﺎﻧﻰ ﻣن ﺣﻘوق اﻟزوﺟﺔ ﻋﻠﻰ زوﺟﻬﺎ .
ﻭﺍﻟﻨﻔﻘﺔ ﻟﻐﺔ :اﺳم ﻣن اﻹﻧﻔﺎق ﯾطﻠق ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﻧﻔﻘﻪ اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠـﻰ
)(١
ﻧﻔﺳﻪ وذوﯾﻪ ﺳواء ﻛﺎﻧت ﻣن اﻟﻧﻘود أم ﻣن ﻏﯾرﻫﺎ .
ﻭﻓﻰ ﺍﻻﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﻔﻘﻬﻰ :
ﻓﺗطﻠــق ﻧﻔﻘــﺔ اﻟزوﺟﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻛــل ﻣــﺎ ﯾﻠــزم اﻟزوﺟــﺔ ﻣــن طﻌــﺎم
وﻛـــــﺳوة وﺧدﻣـــــﺔ وﺳـــــﺎﺋر أدوات اﻟﺑﯾـــــت اﻟﻼزﻣـــــﺔ ﻟﻠﻣﻌﯾـــــﺷﺔ ﺣـــــﺳب
اﻟﻣﺗﻌﺎرف.
١٣١ـ ﺃﺩﻟﺔ ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ :ـ
اﺗﻔــق اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﻋﻠــﻰ وﺟــوب ﻧﻔﻘــﺔ اﻟزوﺟــﺔ ﻋﻠــﻰ زوﺟﻬــﺎ ﻣــن
اﻟﻘرآن واﻟﺳﻧﺔ واﻹﺟﻣﺎع واﻟﻣﻌﻘول :
١ـ ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ :ـ
ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗد ﻋﻠﻣﻧـﺎ ﻣـﺎ ﻓرﺿـﻧﺎ ﻋﻠـﯾﻬم ﻓـﻰ أزواﺟﻬـم وﻣـﺎ
)(٢
ﻣﻠﻛت أﯾﻣﺎﻧﻬم " .
ﻓــﺎﷲ ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻗــد ﻓــرض ﺑﻬــذﻩ اﻵﯾــﺔ اﻟﻣﺑﺎرﻛــﺔ ﻋﻠــﻰ
اﻷزواج ﻓراﺋض ﻟزوﺟﺎﺗﻬم ،وﻣﺎ ﻣﻠﻛت أﯾﻣﺎﻧﻬم .
) (١اﻧظر ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب ﻻﺑن ﻣﻧظور ﻣﺎدة :ﻧﻔق .
) (٢اﻷﺣزاب . ٥٠ :
ـ ٢٤٧ـ
وﻫــذﻩ اﻟﻔـراﺋض ﻗــد ﺑﯾﻧﻬــﺎ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،ﻓــﻰ ﻣواﺿــﻊ أﺧــرى ﻣــن
ﻛﺗﺎﺑﻪ اﻟﻌزﯾز ،وﻋﻠﻰ ﻟﺳﺎن ﻧﺑﯾﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ وﻣـن
ﺟﻣﻠﺗﻬﺎ اﻟﻧﻔﻘﺔ .
ﻓﻘــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﻟﯾﻧﻔــق ذو ﺳــﻌﺔ ﻣــن ﺳــﻌﺗﻪ وﻣــن ﻗــدر ﻋﻠﯾــﻪ
ﻧﻔـﺳﺎ إﻻ ﻣـﺎ آﺗﺎﻫـﺎ ﺳـﯾﺟﻌل
رزﻗﻪ ﻓﻠﯾﻧﻔق ﻣﻣـﺎ ءاﺗـﺎﻩ اﷲ ﻻ ﯾﻛﻠـف اﷲ ً
)(١
اﷲ ﺑﻌد ﻋﺳر ﯾﺳ ًرا " .
ﻓﻬذا أﻣر ﻣـن اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﺑﺎﻹﻧﻔـﺎق ،واﻷﻣـر ﻟﻠوﺟـوب ،ﻓﻛﺎﻧـت
اﻟﻧﻔﻘﺔ واﺟﺑﺔ .
)(٢
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻋﺎﺷروﻫن ﺑﺎﻟﻣﻌروف " .
ﻓﻬـذا أﻣــر ﻟـﻸزواج ﺑﻣﻌﺎﺷــرة اﻟﻧــﺳﺎء ﺑـﺎﻟﻣﻌروف ،وﻣــن ﺟﻣﻠــﺔ
اﻟﻣﻌروف اﻟﻧﻔﻘﺔ ،ﻓﺗدﺧل ﻓﻰ اﻟﻣﺄﻣور ﺑﻪ ،واﻟﻣـﺄﻣور ﺑـﻪ واﺟـب ﻋﻧـد
ﻋدم اﻟﻘرﯾﻧﺔ اﻟﺻﺎرﻓﺔ ﻋن إﻓﺎدة اﻟوﺟوب ،وﻟم ﺗوﺟد اﻟﻘرﯾﻧﺔ ،ﻓﻛﺎﻧت
اﻟﻧﻔﻘﺔ واﺟﺑﺔ ﺑدﻻﻟﺔ اﻵﯾﺔ .
)(٣
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ":وﻋﻠﻰ اﻟﻣوﻟود ﻟﻪ رزﻗﻬن وﻛﺳوﺗﻬن ﺑﺎﻟﻣﻌروف"
ﻓــﺎﻟﻣوﻟود ﻟــﻪ ﻫــو اﻟــزوج ،ﻓﻬــو ﻣﺧﺎطــب ﺑﻣﻘﺗــﺿﻰ ﻫــذﻩ اﻵﯾــﺔ ﺑﻧﻔﻘــﺔ
زوﺟﺎﺗﻪ وأوﻻدﻩ .
٢ـ ﺍﻟﺴـــﻨﺔ :ـ
وردت أﺣﺎدﯾث ﺗدل ﻋﻠﻰ وﺟوب ﻧﻔﻘﺔ اﻟزوﺟﺔ ﻋﻠﻰ زوﺟﻬﺎ ﻣﻧﻬﺎ :
) (١اﻟطﻼق . ٧ :
) (٢اﻟﻧﺳﺎء . ١٩ :
) (٣اﻟﺑﻘرة . ٢٣٣ :
ـ ٢٤٨ـ
أ ـ ﻣـﺎ رواﻩ ﻣـﺳﻠم وﻏﯾـرﻩ ﻣـن ﺣـدﯾث ﺟـﺎﺑر ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ ﻓـﻰ
ﺧطﺑﺔ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓـﻰ ﺣﺟـﺔ اﻟـوداع ـ
وﻓﯾﻬﺎ } :ﻓﺎﺗﻘوا اﷲ ﻓﻰ اﻟﻧﺳﺎء .ﻓﺈﻧﻛم أﺧذﺗﻣوﻫن ﺑﺄﻣﺎﻧﺔ اﷲ
،واﺳــﺗﺣﻠﻠﺗم ﻓــروﺟﻬن ﺑﻛﻠﻣــﺔ اﷲ ،وﻟﻛــم ﻋﻠــﯾﻬن أﻻ ﯾــوطﺋن
ـرﺑﺎ
ﻓرﺷــﻛم أﺣــد ﺗﻛرﻫوﻧــﻪ ،ﻓــﺈن ﻓﻌﻠــن ذﻟــك ،ﻓﺎﺿــرﺑوﻫن ﺿـ ً
ﻏﯾر ﻣﺑرح ،وﻟﻬن ﻋﻠﯾﻛم رزﻗﻬـن ،وﻛـﺳوﺗﻬن ﺑـﺎﻟﻣﻌروف { .
)(١
ب ـ ﻣـﺎ رواﻩ اﻟﺑﺧـﺎرى وﻣـﺳﻠم وﻏﯾرﻫﻣـﺎ ،ﻣـن ﺣـدﯾث ﻋﺎﺋـﺷﺔ ـ رﺿـﻰ
ﻫﻧـدا ﺑﻧـت ﻋﺗﺑـﺔ ،ﻗﺎﻟـت :ﯾـﺎ رﺳـول اﷲ :إن
اﷲ ﻋﻧﻬـﺎ ـ ) أن ً
أﺑﺎ ﺳﻔﯾﺎن رﺟل ﺷﺣﯾﺢ وﻟﯾس ﯾﻌطﯾﻧﻰ ﻣـﺎ ﯾﻛﻔﯾﻧـﻰ ووﻟـدى إﻻ ﻣـﺎ
أﺧـــذت ﻣﻧـــﻪ وﻫـــو ﻻ ﯾﻌﻠـــم .ﻓﻘـــﺎل } :ﺧـــذى ﻣـــﺎ ﯾﻛﻔﯾـــك ووﻟـــدك
)(٢
ﺑﺎﻟﻣﻌروف {
ﻓـﺎﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻗـد أذن ﻟﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ ﺳـﺑﯾل
اﻹﺑﺎﺣﺔ أن ﺗﺄﺧذ ﻛﻔﺎﯾﺗﻬﺎ ﻣن ﻣﺎل زوﺟﻬـﺎ ﺑـدون إذﻧـﻪ ﺑـﺎﻟﻣﻌروف
،وﻫذا ﯾﺷﻌر ﺑﺄن ﻣﺎ ﯾﻛﻔﯾﻬﺎ ﻫﻰ وأوﻻدﻫﺎ ﻣن اﻟﻧﻔﻘـﺔ ﺣـق واﺟـب
زوﺟﻬﺎ . ﻋﻠﻰ
) (١أﺧرﺟﻪ ﻣﺳﻠم ﻓﻰ ﺻﺣﯾﺣﻪ " ﻛﺗﺎب اﻟﺣﺞ " " ﺑﺎب ﺣﺟﺔ اﻟﻧﺑﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم " ،ورواﻩ أﺑـو داود
ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﻣﻧﺎﺳك " " ﺑﺎب ﺻﻔﺔ ﺣﺟﺔ اﻟﻧﺑﻰ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم " ،واﺑن ﻣﺎﺟﻪ ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﻣﻧﺎﺳك " "
ﺑﺎب ﺣﺟﺔ اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم " .
) (٢أﺧرﺟﻪ اﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ ﺻﺣﯾﺣﻪ " ﻛﺗﺎب اﻟﺑﯾوع " " ﺑﺎب ﻣن أﺟرى أﻣر اﻷﻣﺻﺎر ﻋﻠـﻰ ﻣـﺎ ﯾﺗﻌـﺎرﻓون ﺑﯾـﻧﻬم " .
وﻣﺳﻠم ﻓﻰ ﺻﺣﯾﺣﻪ " ﻛﺗﺎب اﻷﻗﺿﯾﺔ " " ﺑﺎب ﻗﺿﯾﺔ ﻫﻧد " .وأﺑو داود ﻓﻰ ﺳـﻧﻧﻪ " ﻛﺗـﺎب اﻟﺑﯾـوع " " ﺑـﺎب اﻟرﺟـل
ﯾﺄﺧــذ ﺣﻘــﻪ ﻣــن ﺗﺣــت ﯾــدﻩ " .واﺑــن ﻣﺎﺟــﺔ ﻓــﻰ ﺳــﻧﻧﻪ " ﻛﺗــﺎب اﻟﺗﺟــﺎرات " " ﺑــﺎب ﻣــﺎ ﻟﻠﻣ ـرأة ﻣــن ﻣــﺎل زوﺟﻬــﺎ " .
واﻟﻧﺳﺎﺋﻰ ﻓﻰ ﺳﻧﻧﻪ " ﻛﺗﺎب آداب اﻟﻘﺿﺎء " " ﺑﺎب ﻗﺿﺎء اﻟﺣﺎﻛم ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺎﻟب إذا ﻋرﻓﻪ " .
ـ ٢٤٩ـ
٣ـ ﺍﻹﲨـــﺎﻉ :ـ
أﺟﻣﻊ أﻫل اﻟﻌﻠم ﻋﻠﻰ وﺟوب ﻧﻔﻘـﺔ اﻟزوﺟـﺎت ﻋﻠـﻰ أزواﺟﻬـن اﻟﺑـﺎﻟﻐﯾن
)(١
إﻻ اﻟﻧﺎﺷزات ﻣﻧﻬن .
٤ـ ﺍﳌﻌﻘـــﻮﻝ :ـ
إن اﻟﻧﻔﻘﺔ ﺗﺟـب ﺟـزاء اﻻﺣﺗﺑـﺎس ،واﻟزوﺟـﺔ ﻣﺣﺑوﺳـﺔ ﻟـﺻﺎﻟﺢ
ﻣﺣﺑوﺳﺎ ﺑﺣق ﺷﺧص .ﻛﺎﻧـت ﻧﻔﻘﺗـﻪ واﺟﺑـﺔ ﻋﻠﯾـﻪ ً اﻟزوج ،وﻣن ﻛﺎن
،ﻟﻌـــدم ﺗﻔرﻏـــﻪ ﻟﺣﺎﺟـــﺔ ﻧﻔـــﺳﻪ .ﻓوﺟﺑـــت اﻟﻧﻔﻘـــﺔ ﻋﻠـــﻰ اﻟـــزوج ﻧظﯾـــر
)(٢
. اﺣﺗﺑﺎس اﻟزوﺟﺔ وﺗﻔرﻏﻬﺎ ﻹﺳﻌﺎد زوﺟﻬﺎ
ـ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ :ـ
اﺗﻔـــق اﻟﻔﻘﻬـــﺎء ﻋﻠـــﻰ أن اﻟﻧﻔﻘـــﺔ اﻟواﺟﺑـــﺔ ﻟﻠزوﺟـــﺔ ﻫـــﻰ ﻧﻔﻘـــﺔ
اﻟﻛﻔﺎﯾﺔ ﺑﻼ إﺳراف وﻻ ﺗﻘﺗﯾر ،وﻟﻛن اﺧﺗﻠﻔـوا ﻓـﻰ ﻛﯾﻔﯾـﺔ ﺗﻘـدﯾرﻫﺎ ﻋﻠـﻰ
أﻗوال ﺛﻼﺛﺔ :
ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻷﻭﻝ :ـ أﻧﻪ ﯾراﻋﻰ ﻓﻰ ﺗﻘدﯾرﻫﺎ ﺣﺎل اﻟزوج ) ، (٣ﻓﺗﺟب
ﻧﻔﻘــﺔ اﻹﯾـــﺳﺎر إن ﻛـــﺎن ﻣوﺳـــ ًرا ،وﻧﻔﻘــﺔ اﻹﻋـــﺳﺎر إن ﻛـــﺎن ﻣﻌـــﺳ ًار ،
ﻣﺗوﺳـطﺎ ،وذﻟـك ﻷن اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم ﻗـد ﺻـرح ً وﻧﻔﻘـﺔ اﻟوﺳـط إن ﻛـﺎن
ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﺣﺎل اﻟـزوج ﻓﻘـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ﻟﯾﻧﻔـق ذو ﺳـﻌﺔ ﻣـن ﺳـﻌﺗﻪ وﻣـن
ﻧﻔﺳﺎ إﻻ ﻣﺎ آﺗﺎﻫﺎ".
ﻗدر ﻋﻠﯾﻪ رزﻗﻪ ﻓﻠﯾﻧﻔق ﻣﻣﺎ آﺗﺎﻩ اﷲ ﻻ ﯾﻛﻠف اﷲ ً
) (١اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ١٩٥/٨
) (٢اﻧظر :ﻣﺟﻣﻊ اﻷﻧﻬر ﻟداﻣﺎد . ٤٨٥/١
ـ روﺿﺔ اﻟطﺎﻟﺑﯾن ﻟﻠﻧووى . ٤٠/٩ ) (٣اﻟﺑداﺋﻊ ﻟﻠﻛﺎﺳﺎﻧﻰ . ٢٤/٤
ـ ٢٥٠ـ
ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ـ أﻧﻪ ﯾراﻋﻰ ﻓﻰ ﺗﻘدﯾرﻫﺎ ﺣﺎل اﻟزوﺟﺔ وﺣدﻫﺎ
ﻓــﻰ ﯾــﺳرﻫﺎ وﻋــﺳرﻫﺎ ،ﻓﻠﻬــﺎ ﻧﻔﻘــﺔ اﻟﯾــﺳﺎر إن ﻛﺎﻧــت ﻣوﺳــرة اﻟﺣــﺎل ،
وﻧﻔﻘﺔ اﻹﻋﺳﺎر إن ﻛﺎﻧـت ﻣﻌـﺳرة ،وﻧﻔﻘـﺔ اﻟوﺳـط إن ﻛﺎﻧـت ﻣﺗوﺳـطﺔ
) ، (١ﯾدل ﻋﻠﻰ ذﻟك :ﻣﺎ رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى ﻋن ﻋﺎﺋﺷﺔ ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬـﺎ ـ
ﻫﻧدا زوﺟـﺔ أﺑـﻰ ﺳـﻔﯾﺎن ﻗﺎﻟـت ﻟرﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
أن ً
وﺳﻠم ـ :إن أﺑﺎ ﺳﻔﯾﺎن رﺟل ﺷﺣﯾﺢ ﻟﯾس ﯾﻌطﯾﻧﻰ ﻣـﺎ ﯾﻛﻔﯾﻧـﻰ ووﻟـدى
إﻻ ﻣــﺎ أﺧــذت ﻣﻧــﻪ وﻫــو ﻻ ﯾﻌﻠــم .ﻓﻘــﺎل } :ﺧــذى ﻣــﺎ ﯾﻛﻔﯾــك ووﻟــدك
ﺑﺎﻟﻣﻌروف { ﻓﻔﻲ اﻟﺣدﯾث دﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣراﻋﺎة ﺣﺎل زوﺟـﺔ أﺑـﻰ ﺳـﻔﯾﺎن
ٕواﻻ ﻟﻣﺎ ﺳوغ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺄﺧذ ﻫﻰ وﺑﻧﯾﻬﺎ ﻛﻔﺎﯾﺗﻬﺎ .
ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ـ أﻧﻬﺎ ﺗﻘدر ﺑﺣﺎﻟﻬﻣـﺎ ً
ﻣﻌـﺎ ) اﻟـزوج واﻟزوﺟـﺔ
() (٢ﻓﺈن ﻛﺎﻧﺎ ﻣوﺳرﯾن وﺟﺑت ﻧﻔﻘﺔ اﻟﯾﺳﺎر ٕ ،وان ﻛﺎﻧﺎ ﻣﻌـﺳرﯾن ﻓﻧﻔﻘـﺔ
اﻹﻋــﺳﺎر ٕ ،وان ﻛﺎﻧــﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔــﯾن أﺣــدﻫﻣﺎ ﻣوﺳــر واﻵﺧــر ﻣﻌــﺳر ﻓﻧﻔﻘــﺔ
اﻟوﺳط ،وﻫﻰ دون ﻧﻔﻘﺔ اﻟﻣوﺳر وﻓوق ﻧﻔﻘﺔ اﻟﻣﻌﺳر .
ﻭﺍﺳﺘﺪﻟﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ :ﺑﺄدﻟﺔ اﻟﻔرﯾق اﻷول واﻟﺛﺎﻧﻰ ،وﻗﺎﻟوا
:أن اﻵﯾﺔ دﻟت ﻋﻠﻰ اﻋﺗﺑﺎر ﺣﺎل اﻟـزوج ،واﻟﺣـدﯾث دل ﻋﻠـﻰ اﻋﺗﺑـﺎر
ﺣــﺎل اﻟزوﺟــﺔ وﺣﯾــث دﻟــت اﻷدﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻋﺗﺑــﺎر ﺣﺎﻟــﻪ وﺣﺎﻟﻬــﺎ ﻓﻛــﺄن
ﻣﻌﺎ أﻣر ﻣﻘﺻود ﻟﻠﻣﺷرع .
اﻋﺗﺑﺎر ﺣﺎﻟﻬﻣﺎ ً
ﻭﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﺮﺍﺟﺢ :ﻫو اﻷول اﻟذى ﯾرى اﻋﺗﺑﺎر ﺣﺎل اﻟـزوج ،
ﻟﻘــوة دﻟﯾﻠــﻪ ﺛــم إن اﻻﺳــﺗدﻻل ﺑﺣــدﯾث ﻫﻧــد زوج أﺑــﻰ ﺳــﻔﯾﺎن ﻻ دﻻﻟــﺔ
ـ اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٥٦٤/٧ ) (١ﺣﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻟﻠﺷﺎﺷﻰ . ١٠٣٥/٣
) (٢ﺑداﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻬد ﻻﺑن رﺷد . ٩٤/٢ـ اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٥٦٤/٧
ـ ٢٥١ـ
ﻓﯾـﻪ ﻋﻠـﻰ اﻋﺗﺑـﺎر ﺣـﺎل اﻟزوﺟــﺔ ﻓـﻰ ﺗﻘـدﯾر اﻟﻧﻔﻘـﺔ ،ﻷن اﻟﺣــدﯾث وارد
ﻓﻰ ﻣورد ﻣﻧـﻊ اﻟـزوج زوﺟﺗـﻪ ﻣـﺎ وﺟـب ﻟﻬـﺎ ،أو إذا دﻓـﻊ ﻟﻬـﺎ ﻣـﺎ ﻫـو
أﻗل ﻣـن ﻛﻔﺎﯾﺗﻬـﺎ ،ﻓﺄﺑـﺎن اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻟﻬـﺎ
أن ﺗﺄﺧذ ﻣن ﻣﺎﻟﻪ ﻣﺎ ﯾﺟب ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﺣﺎﻟـﻪ ،أو ﻣـﺎ ﯾﻔـﻰ اﻟواﺟـب
ﻋﻠﯾﻪ ،وﻟﯾس ﻓﯾﻪ دﻻﻟﺔ أﻛﺛر ﻣن ذﻟك .
وﻟرﺟﺣـــﺎن اﻟﻘـــول اﻷول أﺧـــذ ﺑـــﻪ اﻟﻘـــﺎﻧون رﻗـــم ١٠٠ﻟـــﺳﻧﺔ
١٩٨٥م ﻓــﻰ اﻟﻣــﺎدة ١٦ﻣﻧــﻪ ﺣﯾــث ﻧــﺻت ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ " :ﺗﻘــدر ﻧﻔﻘــﺔ
اﻟزوﺟﯾﺔ ﺑﺣﺳب ﺣﺎل اﻟزوﺟﺔ وﻗت اﺳﺗﺣﻘﺎﻗﻬﺎ ﯾﺳ ًرا أو ﻋﺳ ًرا ﻋﻠﻰ أﻻ
ﺗﻘل اﻟﻧﻔﻘﺔ ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌﺳر ﻋن اﻟﻘدر اﻟذى ﯾﻔﻰ ﻟﺣﺎﺟﺗﻬﺎ اﻟـﺿرورﯾﺔ
...إﻟﺦ .
ـ ٢٥٢ـ
ﺍﻟﻔﺮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻓﻰ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ
ـ طﻠب اﻟﻣـﺷرع اﻟﺣﻛـﯾم ﻣـن اﻟرﺟـل أن ﯾﻛـون ﻋـﺎدﻻً ﻓـﻰ ﺗوﻓﯾـﺔ
اﻟﻣـــرأة ﺣﻘوﻗﻬـــﺎ اﻟواﺟﺑـــﺔ ﻋﻠﯾـــﻪ ﻣـــن اﻟﻧﻔﻘـــﺔ ،واﻟﻛـــﺳوة ،واﻟـــﺳﻛﻧﻰ ،
ـﯾﺋﺎ ﻣــن ﺣﻘوﻗﻬـﺎ ،وﻻ ﯾﺟــور ﻋﻠـﻰ ﺣــق ﻟﻬــﺎ
واﻟﻣﻬـر ،ﻓــﻼ ﯾﺑﺧـﺳﻬﺎ ﺷـ ً
ﻋﻧــدﻩ ،ﻛﻣــﺎ دﻟــت ﻋﻠــﻰ ذﻟــك ﻧــﺻوص اﻟﻛﺗــﺎب اﻟﻛــرﯾم ،وﺳــﻧﺔ اﻟﻧﺑــﻰ
اﻟﻌظﯾم ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ
ﻓﻔﻲ اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻛرﯾم .ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :وﻋﻠﻰ اﻟﻣوﻟود ﻟﻪ رزﻗﻬـن
)(١
وﻛﺳوﺗﻬن ﺑﺎﻟﻣﻌروف " .
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻗـد ﻋﻠﻣﻧـﺎ ﻣـﺎ ﻓرﺿـﻧﺎ ﻋﻠـﯾﻬم ﻓـﻰ أزواﺟﻬـم وﻣـﺎ
)(٢
ﻣﻠﻛت إﯾﻣﺎﻧﻬم " .
ﻓﻬــذا إﺧﺑــﺎر ﻣــن اﻟﺣــق ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻋﻣــﺎ أوﺟﺑــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻷزواج ﻣــن ﺣﻘــوق
اﻟﻧﺳﺎء ﻣن اﻟﻧﻔﻘﺔ واﻟﻣﻬر وﺳﺎﺋر اﻟﺣﻘوق .
وﯾﻘــول اﻟﺣــق ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻟﻬــن ﻣﺛــل اﻟــذى ﻋﻠــﯾﻬن ﺑــﺎﻟﻣﻌروف
" ).(٣ وﻟﻠرﺟﺎل ﻋﻠﯾﻬن درﺟﺔ
وﯾﻘول اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ } :اﺗﻘـوا اﷲ ﻓـﻰ
) (١اﻟﺑﻘرة . ٢٣٣ :
) (٢اﻷﺣزاب . ٥٠ :
) (٣اﻟﺑﻘرة . ٢٢٨ :
ـ ٢٥٣ـ
اﻟﻧــﺳﺎء ،ﻓــﺈﻧﻬن ﻋـوان ﻋﻧــدﻛم ،أﺧــذﺗﻣوﻫن ﺑﺄﻣﺎﻧــﺔ اﷲ ،واﺳــﺗﺣﻠﻠﺗم
)(١
ﻓروﺟﻬن ﺑﻛﻠﻣﺔ اﷲ ،وﻟﻬن ﻋﻠﯾﻛم رزﻗﻬن وﻛﺳوﺗﻬن ﺑﺎﻟﻣﻌروف "
ﻓﻘــد ﺑــﯾن ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺻﻼة واﻟــﺳﻼم أن ﻣــن ﺗﻘــوى اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ أن
ﯾﻛـون اﻟرﺟــل ﻋــﺎدﻻً ﻓــﻰ إﯾﻔــﺎء اﻟﻣـرأة ﺣﻘوﻗﻬــﺎ ،ﺑـوازع ﻣــن داﺧﻠــﻪ أن
ذﻣﺗﻪ ﻗد أﺻﺑﺣت ﺑرﯾﺋﺔ ﻣﻣﺎ طﻠـب ﻣﻧـﻪ ﻛـذﻟك ﯾﻧﺑﻐـﻰ أن ﯾﻛـون اﻟرﺟـل
ﻋﺎدﻻً ﻓﻰ إﻋﻔـﺎف زوﺟﺗـﻪ ،ﻓـﻼ ﯾﻣﺗﻧـﻊ ﻋﻧﻬـﺎ ﺣـﯾن ﯾﻠﺣـظ رﻏﺑﺗﻬـﺎ ﻓﯾـﻪ
وﻟﻪ ﻗدرة ﻋﻠﯾﻪ ،ﻓﺈن إﻋﻔﺎﻓﻬﺎ ﻣطﻠـوب ﻣﻧـﻪ ،وﻟﻬـﺎ ﻓﯾـﻪ ﻣﺛـل ﻣطﻠوﺑـﻪ
ﻣﻧﻬﺎ .وﻟذﻟك ﻗرر ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء أﻧﻪ ﻻ ﯾﺟوز ﻟﻠرﺟل أن ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻋن
وطء زوﺟﺗـﻪ إﻻ ﺑﻌـذر ﺷـرﻋﻰ ـ ﻛﻣـرض وﻧﺣـوﻩ ـ وﺣـدود أﻗـﺻﻰ ﻣـدة
ﯾﻣﻛــن أن ﯾﻣﺗﻧــﻊ ﻓﯾﻬــﺎ اﻟرﺟــل ﻋــن وطء اﻟزوﺟــﺔ ﻫــﻰ أرﺑﻌــﺔ أﺷــﻬر أو
)(٢
أﻛﺛر ﻣﻧﻬﺎ ﻗﻠﯾﻼً .
وﺛﺑـت ﻓـﻰ اﻟـﺳﻧﺔ اﻟـﺻﺣﯾﺣﺔ أن اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ
وﺳـﻠم ـ ﻗـﺎل ﻟﻌﺑـد اﷲ ﺑـن ﻋﻣـرو ﺑـن اﻟﻌـﺎص ﻋﻧـدﻣﺎ ﻋﻠـم أﻧـﻪ ﯾـﺻوم
اﻟﻧﻬــﺎر وﯾﻘــوم اﻟﻠﯾــل } :ﻓــﻼ ﺗﻔﻌــل ،ﺻــم وأﻓطــر ،وﻗــم وﻧــم ،ﻓــﺈن
ﻟﺟـــﺳدك ﻋﻠﯾـــك ﺣﻘًـــﺎ ٕ ،وان ﻟﻌﯾﻧﯾـــك ﻋﻠﯾـــك ﺣﻘًـــﺎٕ ،وان ﻟزوﺟـــك ﻋﻠﯾـــك
)(٣
ﺣﻘﺎ(
ً
) (١ﺳﺑق ﺗﺧرﯾﺟﻪ .
ـ ﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻰ . ٢١٥/٢ ) (٢اﻧظر :اﻟﻣﺑﺳوط ﻟﻠﺳرﺧﺳﻰ . ٢١٢/٥
ـ ﻛﺷﺎف اﻟﻘﻧﺎع ﻟﻠﺑﻬوﺗﻰ . ٢٨٦/٢ ـ اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٣٠/٧
) (٣أﺧرﺟﻪ اﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﻧﻛﺎح " " ﺑﺎب ﻟزوﺟك ﻋﻠﯾك ﺣق " .
ـ وأﺧرﺟﻪ ﻣﺳﻠم ٨١٥/٢ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟﺻﯾﺎم " .
ـ ٢٥٤ـ
وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ :ﻓﻌﻠﯾﻪ أن ﯾﺣـﺳن ﻋـﺷرﺗﻬﺎ وﯾﻛـون ﺣـﺳن اﻷﺧـﻼق
ﻓﻰ ﻣﻌﺎﻣﻠﺗﻬﺎ ،ﻟﯾس ﺑﻔظ وﻻ ﻏﻠـﯾظ ،وﻟـﻪ ﻓـﻰ رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ أﺳـوة ﺣـﺳﻧﺔ ،ﻓﻌـن ﻋﺎﺋـﺷﺔ ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬـﺎ ـ
ﻗﺎﻟــت :ﻗــﺎل رﺳــول اﷲ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ } :ﺧﯾــرﻛم
ﺧﯾرﻛم ﻷﻫﻠﻪ وأﻧﺎ ﺧﯾـرﻛم ﻷﻫﻠـﻰ { وأﺧـرج أﺣﻣـد واﻟﺗرﻣـذى وﺻـﺣﺣﻪ .
ﻗـﺎل رﺳـول اﷲ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ } :أﻛﻣـل اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن
)(١
ﺧﻠﻘﺎ ،وﺧﯾﺎرﻛم ﺧﯾﺎرﻛم ﻟﻧﺳﺎﺋﻬم { .
إﯾﻣﺎﻧﺎ أﺣﺳﻧﻬم ً
ً
ٕواذا ﻛﺎن اﻟزوج ﻣﺗﻌدد اﻟزوﺟﺎت ،ﻓﻘد أوﺟـب اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﻋﻠﯾـﻪ
أن ﯾـــﺳوى ﺑﯾـــﻧﻬن ﻓﯾﻣـــﺎ ﯾـــﺳﺗطﯾﻌﻪ ،وﯾـــدﺧل ﺗﺣـــت ﻗدرﺗـــﻪ أﻣـــﺎ ﻣـــﺎ ﻻ
اﺳـﺗطﺎﻋﺔ ﻟـﻪ ﻋﻠﯾـﻪ ﻛﺎﻟﻣﯾـل اﻟﻘﻠﺑــﻰ واﻟﻣﺣﺑـﺔ ﻟواﺣـدة دون أﺧـرى ﻓﻬــذا
ﻏﯾــر ﻣطﺎﻟــب ﺑﺎﻟﻣــﺳﺎواة ﻓﯾــﻪ ،ﻓــﻼ ﺗﻛﻠــف ﻧﻔــس إﻻ وﺳــﻌﻬﺎ .ﻓﯾﺟــب
ﺣﻘـﺎ
ﻋﻠﻰ اﻟزوج أن ﯾﻌﺎﻣل ﻛل زوﺟﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺣﺳﻧﺔ ﻻ ﯾﻬﺿم ﻟﻬﺎ ً
،وﻻ ﯾؤذى ﻟﻬﺎ ﺷﻌوًرا ،ﻻ ﻓﻰ ﻧﻔس ،وﻻ ﻓـﻰ ﻣـﺎل ،ﻓﻘـد أﻣـرﻩ اﷲ
ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻣﻠــﺔ ﺑــﺎﻟﻣﻌروف ﻓﻘــﺎل " :وﻋﺎﺷــروﻫن ﺑــﺎﻟﻣﻌروف " وﻣــن
اﻟﻣﻌﺎﺷرة ﺑﺎﻟﻣﻌروف أن ﯾﺳوى ﺑﯾﻧﻬن ﻓﻰ اﻟﻧﻔﻘﺔ واﻟﻛﺳوة واﻟﻣﺑﯾت
) (١اﻟﺗرﻣذى " ( ١١٦٢ ) ٤٥٧/٣ﻛﺗﺎب اﻟرﺿﺎع " .ﻣﺳﻧد اﻹﻣﺎم أﺣﻣد . ٤٧٢/٢
ـ ٢٥٥ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﳋﺎﻣﺲ
ﺣﻘـﻮﻕ ﺍﻟـﺰﻭﺝ ﻋﻠﻰ ﺯﻭﺟﺘـﻪ
ﺟﻌــل اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻟﻠــزوج ﺣﻘوﻗًــﺎ ﻋﻠــﻰ زوﺟﺗــﻪ ،ﻣﺛــل ﻣﺎﻟﻬـﺎ ﻣــن
ﺣﻘوق ﻋﻠﯾﻪ ،وﺗﺗﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﺣﻘوق ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻰ :
ً
ﺃﻭﻻ :ﺣﻖ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻓﻰ ﻣﻨﺰﻝ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ :ـ
ـ ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟزوﺟﺔ أن ﺗطﯾـﻊ زوﺟﻬـﺎ ﻓـﻰ ﻏﯾـر ﻣﻌـﺻﯾﺔ ،أﻣـﺎ
ﻣﺎ ﻧﻬﻰ اﷲ ﻋﻧﻪ ورﺳوﻟﻪ ﻓﻼ طﺎﻋﺔ ﻟﻪ ،ﻷﻧﻪ ﻻ طﺎﻋـﺔ ﻟﻣﺧﻠـوق ﻓـﻰ
ﻣﻌــﺻﯾﺔ اﻟﺧــﺎﻟق ،وﻻ ﺷــك أن طﺎﻋــﺔ اﻟﻣـرأة ﻟزوﺟﻬــﺎ ﺳــﺑﯾل ﻻﺳــﺗﻘرار
اﻷﻣن واﻷﻣﺎن ،واﻟراﺣﺔ واﻻطﻣﺋﻧﺎن ﻓﻰ ﺑﯾت اﻟزوﺟﯾﺔ .
واﻷﺻــل ﻓــﻰ وﺟـــوب طﺎﻋــﺔ اﻟﻣــرأة ﻟزوﺟﻬـــﺎ ،واﻣﺗﺛﺎﻟﻬــﺎ أﻣـــرﻩ
وﻧﻬﯾــﻪ ﻓــﻰ اﻟﺣــدود اﻟﻣــﺷروﻋﺔ ،ﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻟﻬــن ﻣﺛــل اﻟــذى
)(١
ﻋﻠﯾﻬن ﺑﺎﻟﻣﻌروف وﻟﻠرﺟﺎل ﻋﻠﯾﻬن درﺟﺔ " .
ﻓدﻻﻟﺔ اﻵﯾﺔ واﺿﺣﺔ أن ﻟﻠزوﺟﺎت ﻣن اﻟﺣﻘوق ﻣﺛل ﻣﺎ ﻋﻠﯾﻬن
ﻣن اﻟواﺟﺑﺎت ،وأن ﻟﻸزواج ﻋﻠﯾﻬن درﺟﺔ ،وﻫذﻩ اﻟدرﺟـﺔ ﻫـﻰ درﺟـﺔ
اﻟرﯾﺎﺳـــﺔ ﻓـــﻰ اﻟﺑﯾـــت واﻟﻘواﻣـــﺔ ﻋﻠـــﻰ ﺷـــﺋون اﻟزوﺟـــﺔ ورﻋﺎﯾﺗﻬﺎ،وﻫـــذﻩ
اﻟﻘواﻣــﺔ أﺛﺑﺗﻬــﺎ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﺑﻘوﻟــﻪ ":اﻟرﺟــﺎل ﻗواﻣــون ﻋﻠــﻰ اﻟﻧــﺳﺎء ﺑﻣــﺎ
) (١اﻟﺑﻘرة . ٢٢٨ :
ـ ٢٥٦ـ
)(١
ﻓﺿل اﷲ ﺑﻌﺿﻬم ﻋﻠﻰ ﺑﻌض،وﺑﻣﺎ أﻧﻔﻘوا ﻣن أﻣواﻟﻬم " .
ﻋﻠﻰ أن اﻷﻣر اﻟـذى ﯾﻧﺑﻐـﻰ اﻟﺗﻧﺑﯾـﻪ ﻋﻠﯾـﻪ ،وﻟﻔـت اﻟﻧظـر إﻟﯾـﻪ
ﻫو أن ﻫذﻩ اﻟرﯾﺎﺳﺔ اﻟﺗﻰ أﺛﺑﺗﻬﺎ اﻟﺷرع ﻟﻠرﺟل ﻟﯾﺳت رﯾﺎﺳﺔ ﺗﺳﻠط أو
اﺳﺗﺑداد إﻧﻣﺎ ﻫﻰ رﺋﺎﺳﺔ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﻣودة واﻟﻣﺣﺑﺔ وﺗﺑـﺎدل اﻵراء ﻓـﻰ
ﻧطــﺎق ﻣــﺎ ﺷــرع اﷲ ،وﻟــﯾس ﻣــن اﻟﻌﯾــب أن ﺗﺧــﺿﻊ اﻟﻣ ـرأة ﻟزوﺟﻬــﺎ
وﺗﻛــون ﻓــﻰ طﺎﻋﺗــﻪ إﻧﻣــﺎ اﻟﻌﯾــب ﻓــﻰ ﺧروﺟﻬــﺎ ﻋــن طﺎﻋﺗــﻪ ،وﻟــﯾس
اﻣﺗﻬﺎﻧﺎ واﺣﺗﻘﺎ ًار ﻟﻠﻣرأة أن ﯾﻛون ﺳﻠطﺎن اﻟرﺟل ﻋﻠﯾﻬﺎ ،إﻧﻣﺎ اﻻﻣﺗﻬﺎن
ً
واﻻﺣﺗﻘــﺎر ﻓــﻰ ﺧروﺟﻬــﺎ ﻋــن ﺳــﻠطﺎﻧﻪ ،وﺳــﯾرﻫﺎ وراء أﻫواﺋﻬــﺎ ،ﻷن
اﻟذى أﻟزﻣﻬﺎ ﺑذﻟك اﻟﺷرع اﻟﺣﻛﯾم وﻗد ورد ﻓﻰ ﺗﻌظـﯾم ﻫـذا اﻟﺣـق ﻛﺛﯾـر
ﻣن اﻷﺣﺎدﯾث ﻣﻧﻬﺎ :
ـ ﻣﺎ رواﻩ اﺑن ﻣﺎﺟﻪ واﻟﺗرﻣذى أن اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ
وﺳﻠم ـ ﻗﺎل } :أﯾﻣﺎ اﻣرأة ﻣﺎﺗت وزوﺟﻬﺎ ر ٍ
اض ﻋﻧﻬﺎ دﺧﻠت اﻟﺟﻧﺔ {.
ــ وروى اﻹﻣــﺎم أﺣﻣــد ﻗوﻟــﻪ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم }:إذا
ﺻـــﻠت اﻟﻣـــرأة ﺧﻣـــﺳﻬﺎ وﺻـــﺎﻣت ﺷـــﻬرﻫﺎ ،وﺣﻔظـــت ﻓرﺟﻬﺎ،وأطﺎﻋـــت
)(٢
زوﺟﻬﺎ ﻗﯾل ﻟﻬﺎ ادﺧﻠﻰ ﻣن أى أﺑواب اﻟﺟﻧﺔ ﺷﺋت {.
ـ وروى أﺑو ﯾﻌﻠﻰ واﻟﺑزار ﻋن أﻧـس ﻗـﺎل :أﺗـت اﻟﻧـﺳﺎء رﺳـول
اﷲ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ ﻓﻘﻠــن :ﯾــﺎ رﺳــول اﷲ :ذﻫــب
) (١اﻟﻧﺳﺎء . ٣٤ :
) (٢ذﻛرﻩ اﺑن اﻟﺟوزى ﻓﻰ ﻛﺗﺎﺑﻪ " أﺣﻛﺎم اﻟﻧﺳﺎء ص ١٠٨ :طﺑﻊ دار اﻟﻣﻧﺎر .اﻟﻘﺎﻫرة .
ـ ٢٥٧ـ
اﻟرﺟﺎل ﺑﺎﻟﻔـﺿل ﺑﺎﻟﺟﻬـﺎد ﻓـﻰ ﺳـﺑﯾل اﷲ ﻓﻣـﺎ ﻟﻧـﺎ ﻋﻣـل ﻧـدرك ﺑـﻪ ﻋﻣـل
اﻟﺟﻬﺎد ﻓﻰ ﺳﺑﯾل اﷲ .ﻓﻘﺎل } :ﻣﻬﻧﺔ إﺣداﻛن ﻓـﻰ ﺑﯾﺗﻬـﺎ ﺗـدرك ﻋﻣـل
اﻟﻣﺟﺎﻫدﯾن ﻓﻰ ﺳﺑﯾل اﷲ { .
وروى اﻟﺗرﻣذى ﻗوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم } :ﻟـو ﻛﻧـت
)(١
أﺣدا أن ﯾﺳﺟد ﻷﺣد ﻷﻣرت اﻟﻣرأة أن ﺗﺳﺟد ﻟزوﺟﻬﺎ { .
آﻣ ًار ً
ٕواذا ﻣرض أﺑوﻫﺎ وﻟﯾس ﻟﻪ ﻣن ﯾﻣرﺿﻪ ﻏﯾرﻫـﺎ ﻛـﺎن ﻟﻬـﺎ اﻟﺣـق
ﻓﻰ أن ﺗـذﻫب إﻟﯾـﻪ ﻟﺗﻘـوم ﻋﻠـﻰ ﺗﻣرﯾـﺿﻪ وﻟـو ﺑﻐﯾـر رﺿـﺎ اﻟـزوج ،وﻻ
ﺗﻌــد ﺑــذﻟك ﺧﺎرﺟــﺔ ﻋــن طﺎﻋﺗــﻪ ،ﻷن ﺣــق اﻟواﻟــدﯾن ﻣﻘــدم ﻋﻠــﻰ ﺣــق
اﻟزوج ﻋﻧد اﻟﺗﻌﺎرض .
وﻣن ﺣق اﻟزوج ﻋﻠﻰ زوﺟﺗـﻪ أن ﻻ ﺗـﺳﻣﺢ ٍ
ﻷﺣـد ﺑـدﺧول ﺑﯾﺗـﻪ
ﺑﻐﯾر إذﻧﻪ إﻻ ﻷﺑوﯾﻬﺎ وﻣﺣﺎرﻣﻬﺎ اﻣﺗﺛﺎﻻً ﻷﻣـر اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ
وآﻟﻪ وﺳـﻠم ـ ﺣﯾـث ﯾﻘـول } :ﻻ ﯾﺣـل ﻻﻣـرأة ﺗـؤﻣن ﺑـﺎﷲ أن ﺗـﺄذن ﻓـﻰ
أﺣـدا ،
ﺑﯾت زوﺟﻬـﺎ وﻫـو ﻛـﺎرﻩ ،وﻻ ﺗﺧـرج وﻫـو ﻛـﺎرﻩ ،وﻻ ﺗطﯾـﻊ ﻓﯾـﻪ ً
وﻻ ﺗﻌﺗزل ﻓراﺷﻪ ،وﻻ ﺗﺿرﺑﻪ { .
وﻣن ﺣﻘـﻪ ﻋﻠﯾﻬـﺎ أن ﺗﺣـﺳن ﻋـﺷرﺗﻪ ،وﺗرﻋـﻰ وﻟـدﻩ ،وﺗﺣﻔـظ
ﺳرﻩ ،وﺗﺻون ﻣﺎﻟﻪ ،وﺗﺣﯾط ﻧﻔﺳﻬﺎ ﺑﺳﯾﺎج ﻣن اﻟطﻬر واﻟﻌﻔـﺔ ،ﻓـﻼ
ﺗﺧــرج ﻣﺗزﯾﻧــﺔ ،وﻻ ﻣﺗﻌطــرة ،وﻻ ﻛﺎﺷــﻔﺔ ﻋــن ﺷــﺊ ﻣﻣــﺎ أوﺟــب اﷲ
ﺳﺗرﻩ ،ﻓذاك ﯾﺷﯾن وﻻ ﯾـزﯾن وﯾﻛﻔـﻰ ﻣـﺎ ورد ﻓﯾـﻪ ﻣـن ﺗرﻫﯾـب .ﯾﻘـول
) (١أﺧرﺟﻪ اﻟﺗرﻣذى ﻓﻰ ﺟﺎﻣﻌﻪ ﺑرﻗم . ١١٥٩
ـ ٢٥٨ـ
ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ﻓﯾﻣــﺎ رواﻩ ﻣــﺳﻠم وﻏﯾــرﻩ } :ﺻــﻧﻔﺎن ﻣــن
أﻫل اﻟﻧـﺎر ﻟـم أرﻫﻣـﺎ :ﻧـﺳﺎء ﻛﺎﺳـﯾﺎت ﻋﺎرﯾـﺎت ﻣـﺎﺋﻼت ﻣﻣـﯾﻼت ﻋﻠـﻰ
روؤﺳــﻬن أﻣﺛــﺎل أﺳــﻧﻣﺔ اﻟﺑﺧــت اﻟﻣﺎﺋﻠــﺔ ﻻ ﯾــدﺧﻠن اﻟﺟﻧــﺔ وﻻ ﯾﺟــدن
رﯾﺣﻬﺎ ٕ ،وان رﯾﺣﻬﺎ ﻟﯾوﺟد ﻣن ﻣـﺳﯾرة ﻛـذا وﻛـذا ،وﻗـوم ﻣﻌﻬـم ﺳـﯾﺎط
ﻛﺄذﻧﺎب اﻟﺑﻘر ﯾﺿرﺑون ﺑﻬﺎ اﻟﻧﺎس { .
وأﺧرج اﻟﺣﺎﻛم ﻋن أﺑﻰ ﻣوﺳﻰ اﻷﺷﻌرى ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ أن
رﺳـــول اﷲ ـ ﺻـــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـــﻪ وآﻟـــﻪ وﺳـــﻠم ـ ﻗـــﺎل } :أﯾﻣـــﺎ اﻣـــرأة
اﺳﺗﻌطرت ﻓﺧرﺟت ﻋﻠﻰ ﻗوم ﻟﯾﺟدوا رﯾﺣﻬﺎ ﻓﻬﻰ زاﻧﯾﺔ { .
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﻭﻻﻳﺔ ﺍﻟﺘﺄﺩﻳﺐ :ـ
ـ ﻟﻠزوج ﻋﻠﻰ زوﺟﺗﻪ وﻻﯾﺔ اﻟﺗﺄدﯾب ،إن ﺧرﺟت ﻋن ﺻواﺑﻬﺎ ،
وﺣﺎدت ﻋن رﺷدﻫﺎ ،وﺧﺎﻟﻔﺗﻪ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺟب ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻣن طﺎﻋﺔ ،وﻗد ﺑﯾن
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ طرﯾﻘـﺔ اﻟﺗﺄدﯾـب ﻓﻘـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :واﻟﻼﺗـﻰ ﺗﺧـﺎﻓون ﻧـﺷوزﻫن
ﻓﻌظوﻫن واﻫﺟروﻫن ﻓﻰ اﻟﻣﺿﺎﺟﻊ واﺿـرﺑوﻫن ﻓـﺈن أطﻌـﻧﻛم ﻓـﻼ ﺗﺑﻐـوا
)(١ ﻋﻠﯾﻬن ﺳﺑﯾﻼً " .
ﻓــﺈذا رأى اﻟــزوج ﻣﺧﺎﻟﻔــﺔ ﻣــن زوﺟﺗــﻪ ،واﻧﺣراﻓًــﺎ ﻋــن طﺎﻋﺗــﻪ
أوﻻ ﻫو اﻟﻣوﻋظﺔ اﻟﺣـﺳﻧﺔ ،واﻟﻛﻠﻣـﺔ اﻟطﯾﺑـﺔ ،ﻓـﺈن ﻟـم
ﻓﺳﺑﯾل اﻟﻌﻼج ً
ﯾﻔد ذﻟك ﻟﺟﺄ إﻟﻰ وﺳﯾﻠﺔ أﺧرى وﻫﻰ ﻫﺟرﻫﺎ ﻓﻰ اﻟﻣﺿﺎﺟﻊ ﻫﺟ ًار ﺟﻣﯾﻼً
ﻏﯾر ﻣـوﺣش ،ﺑـﺄن ﯾوﻟﯾﻬـﺎ ظﻬـرﻩ ،أو ﯾﻧـﺎم ﻓـﻰ ﻓـراش وﺣـدﻩ ،وﻣـدة
) (١اﻟﻧﺳﺎء . ٣٥ :
ـ ٢٥٩ـ
اﻟﻬﺟــر اﻟﻣﺑﺎﺣــﺔ ﻓــﻰ اﻹﺳــﻼم ﻗــد ﺣــددﻫﺎ اﻟﻔﻘﻬــﺎء ﺑﺄرﺑﻌــﺔ أﺷــﻬر وﻫــﻰ
أﻗﺻﻰ ﻣدة ﻻ ﯾﺟوز ﻟﻠـزوج أن ﯾزﯾـد ﻓـﻰ اﻟﻬﺟـر ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،ﻓـﺈن ﻟـم ﯾﻔـد
ﺿرﺑﺎ ﻏﯾر ﻣﺑرح وﻻ ﻣﺷﯾن ،وﻓـﻰ ذﻟـك ﯾﻘـول
اﻟﻬﺟر ﻓﻠﻪ أن ﯾﺿرﺑﻬﺎ ً
اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ } :وﻻ ﺗـﺿرب اﻟوﺟـﻪ وﻻ ﺗﻘـﺑﺢ
وﻻ ﺗﻬﺟر إﻻ ﻓﻰ اﻟﺑﯾت { .
ﻓﻠو ﺗﻌدى اﻟـزوج ﺣـدﻩ ،وﺗﺟـﺎوز ﺣﻘـﻪ ،ﻓـﺿرب زوﺟﺗـﻪ ﺑﻐﯾـر
ـﺷﯾﻧﺎ ،ﻛــﺎن ﻟﻬــﺎ أن
أﻟﯾﻣــﺎ أو ﻣـ ً
ـرﺑﺎ ً
ﺣــق ،أو ﺿــرﺑﻬﺎ ﺑﺣــق وﻟﻛــن ﺿـ ً
ﺗرﻓﻊ اﻷﻣر إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺿﻰ ،وﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﺿﻰ إذا ﺛﺑت ﻟدﯾﻪ ﺗﺟـﺎوز اﻟـزوج
ﻛﺎﻓﯾـﺎ ﻟزﺟـرﻩ ﻋـن ﻣﻌـﺎودة ﻣـﺎ ارﺗﻛـب ﻣـﻊ
ﻟﺣدودﻩ ،أن ﯾﻌـزرﻩ ﺑﻣـﺎ ﯾـراﻩ ً
زوﺟﺗﻪ دون أن ﯾﻛـون ﻟـﻪ ﺣـق ﻓـﻰ إﯾﻘـﺎع اﻟطـﻼق ﺟﺑـ ًرا ﻋـن اﻟـزوج ،
ﻟﻠﺿرر .وﻫذا ﻣﺎ ﯾراﻩ اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ .
واﻟﻣﺎﻟﻛﯾــــﺔ ﯾــــرون أن ﻟﻠزوﺟــــﺔ اﻟﺣــــق ﻓــــﻰ طﻠــــب اﻟﺗﻔرﯾــــق ،
وﻟﻠﻘﺎﺿﻰ إذا ﺛﺑت ﻟدﯾﻪ ﺻﺣﺔ دﻋواﻫﺎ إﯾﻘﺎع اﻟطﻼق ﺟﺑ ًرا ﻋﻠﻰ اﻟـزوج
طﻠﻘــﺔ واﺣــدة ﺑﺎﺋﻧــﺔ ،وذﻟــك ﺑــﺳﺑب اﻟــﺿرر اﻟــذى ﻧﺎﻟﻬــﺎ ﻣــن ﺗﺟــﺎوز
اﻟــزوج ﻟــﺳﻠطﺗﻪ اﻟﻣــﺷروﻋﺔ ،وﻋﻠــﻰ ﻫــذا ﯾﺟــرى اﻟﻌﻣــل ﻓــﻰ اﻟﻘــﺿﺎء
)(١ اﻟﻣﺻرى .
) (١اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻟﻠذﻫﺑﻰ ص . ٢٣٤ ، ٢٣٣
ـ ٢٦٠ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ
ﺍﳊﻘﻮﻕ ﺍﳌﺸﱰﻛﺔ ﺑﲔ ﺍﻟﺰﻭﺟﲔ
ـ ﯾﻧﺗﺞ ﻋـن ﻋﻘـد اﻟـزواج ﺣﻘـوق ﻣـﺷﺗرﻛﺔ ﺑـﯾن اﻟـزوﺟﯾن ﯾﻣﻛـن
إﺟﻣﺎﻟﻬﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻰ :
١ـ ﺣـل اﺳـﺗﻣﺗﺎع ﻛـل ﻣـن اﻟـزوﺟﯾن ﺑـﺎﻵﺧر ﻋﻠـﻰ اﻟوﺟـﻪ اﻟﻣـﺷروع ،
ﻷن ﻫذا أﻣر ﺗدﻋو إﻟﯾﻪ اﻟﻔطرة ،وﯾﺗوﻗف ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺗﻧﺎﺳـل ،ﻓـﻼ ﯾﻣﺗﻧـﻊ
أﺣد اﻟزوﺟﯾن ﻋن اﻵﺧر إﻻ إذا ﻛﺎن ﻫﻧﺎك ﻣﺎﻧﻊ ﺷرﻋﻰ .
٢ـ ﺣﺳن اﻟﻣﻌﺎﺷرة ،ﻓﺎﻟﺣﯾﺎة اﻟزوﺟﯾـﺔ ﻻ ﺗﻛـون ﻣـﺳﺗﻘرة ،وﻻ ﺗﻌـرف
طرﯾــق اﻟــﺳﻌﺎدة إﻻ ﺑــﺄن ﯾﺣــﺳن ﻛــل ﻣــن اﻟــزوﺟﯾن ﻋــﺷرة ﺻــﺎﺣﺑﻪ ،
ﻓﺑذﻟك ﯾﺳﺗﺗب اﻷﻣن ،وﯾﺳود اﻟوﺋﺎم .
٣ـ ﺣرﻣﺔ اﻟﻣﺻﺎﻫرة .
٤ـ ﺛﺑــوت اﻟﻧــﺳب ،ﻷن اﻟوﻟــد ﺛﻣــرة اﻟــزواج ،ﻓﻬــو ﺣــق ﻟﻛــل ﻣــن
اﻟزوﺟﯾن ﻋﻠﻰ رأى ﺑﻌض اﻟﻔﻘﻬﺎء ،وﻗﯾل :أﻧـﻪ ﺣـق ﻟﻠـزوج ﻓﻘـط ﻣـن
ﺣﯾث ﻫو أﺛر ﻣن آﺛﺎر اﻟﻌﻘد ،ﻷن ﺛﺑوت اﻟﻧﺳب ﻣـن اﻷم ﯾﺛﺑـت ﺣﺗـﻰ
وﻟو ﻛﺎن ﻣن ﺳﻔﺎح .
٥ـ ﺛﺑـوت اﻟﺗـوارث ﺑـﯾن اﻟـزوج واﻟزوﺟــﺔ ،ﻓﺄﯾﻬﻣـﺎ ﻣــﺎت ورﺛـﻪ اﻵﺧــر
ﺑﻣﻘــدار ﻣــﺎ ﻓــرض اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ وﺑﯾﻧــﻪ ﻓــﻰ ﻛﺗﺎﺑــﻪ ﻓﻘــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :وﻟﻛــم
ﻧﺻف ﻣﺎ ﺗرك أزواﺟﻛم إن ﻟم ﯾﻛن ﻟﻬـن وﻟـد ﻓـﺈن ﻛـﺎن ﻟﻬـن وﻟـد ﻓﻠﻛـم
اﻟرﺑـﻊ ﻣﻣـﺎ ﺗـرﻛن ﻣـن ﺑﻌـد وﺻـﯾﺔ ﯾوﺻـﯾن ﺑﻬـﺎ أو دﯾـن ،وﻟﻬـن اﻟرﺑــﻊ
ﻣﻣــﺎ ﺗــرﻛﺗم إن ﻟــم ﯾﻛــن ﻟﻛــم وﻟــد ﻓــﺈن ﻛــﺎن ﻟﻛــم وﻟــد ﻓﻠﻬــن اﻟــﺛﻣن ﻣﻣــﺎ
ﺗرﻛﺗم ﻣن ﺑﻌد وﺻﯾﺔ ﺗوﺻون ﺑﻬﺎ أو دﯾن " .
ـ ٢٦١ـ
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ
) ﺍﻟﻄﻼﻕ ــ ﺍﳋﻠﻊ (
ﻭﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﳌﱰﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﻘﻀﺎء
ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ
ـ ٢٦٢ـ
ﲤﻬﻴــــﺪ
اﻟــزواج ﻓــﻰ اﻹﺳــﻼم ﯾﻘــوم ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس ﺣﯾــﺎة ﻣــﺷﺗرﻛﺔ ،ﺑــﯾن
زوﺟــﯾن ﯾــﺷﻌر ﻛــل ﻣﻧﻬﻣــﺎ أﻧــﻪ ﺳــﻌﯾد ﺑــﺎﻵﺧر ،ﺗــﺳﻛن إﻟﯾــﻪ ﻧﻔــﺳﻪ ،
ﻣﻌـﺎ ﻣﺣﺑـﺔ وﻣـودة ،وﯾـﺳودﻫﻣﺎ اﻟﺗﻔـﺎﻫم
وﯾطﻣﺋن ﻟﻪ ﻗﻠﺑﻪ ،وﺗﻐﻣرﻫﻣـﺎ ً
واﻟوﺋﺎم .
واﻟﺣﯾﺎة اﻟﺗﻰ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻷﺳـﺎس ﺟـدﯾرة ﺑﺎﻹﺑﻘـﺎء ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،
واﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ رواﺑطﻬﺎ وﻣﻘﺎوﻣﺔ أﺳﺑﺎب اﻟﻔﺳﺎد ﻓﯾﻬﺎ .
ﺑﯾد أن اﻟﻧﻔوس اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻋرﺿـﺔ ﻟﻸﺧطـﺎء اﻟﺗـﻰ ﺗﺑـدل ﻋواطـف
اﻷﻟﻔﺔ واﻟﻣودة ،وﺗوﻟد اﻟﺧﺻوﻣﺔ واﻟﺷﻘﺎق ﻓﻰ اﻟﺣﯾﺎة اﻟزوﺟﯾﺔ .
ﻓــــﺈذا وﻗــــﻊ اﻟﻧــــزاع ﺑــــﯾن اﻟــــزوﺟﯾن وﺟــــب ﻋﻠﯾﻬﻣــــﺎ أن ﯾﺑــــﺎدرا
ﺑﻣﻌﺎﻟﺟﺗﻪ ٕ ،وازاﻟﺔ أﺳﺑﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟطرق اﻟﺗﻰ ﺣددﻫﺎ اﻟﺷرع اﻟﺣﻛﯾم .
ﻓﺈﻥ ﻛ ﺎﻥ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ،ﻓﺄﻣر اﻹﺻﻼح
ﻣوﻛــــول إﻟــــﻰ اﻟــــزوج ،ﯾﻘــــوم ﺑﻧــــﺻﺣﻬﺎ ﺑﺣﻛﻣــــﺔ وﻣوﻋظــــﺔ ﺣــــﺳﻧﺔ ،
وﯾرﺷـــدﻫﺎ إﻟـــﻰ اﻟـــﺻواب ﺑرﻓـــق وﻟـــﯾن إن ﻛﺎﻧـــت ﻣﻣـــﺎ ﯾﻛﻔﯾﻬـــﺎ اﻟﻧـــﺻﺢ
ﺑـﺎﻟﻘول ٕ ،واﻻ ﻫﺟرﻫـﺎ ﻓـﻰ اﻟﻣـﺿﺟﻊ ﺣﺗــﻰ ﺗﻌـود إﻟـﻰ رﺷـدﻫﺎ ،ﻓـﺈن ﻟــم
ﯾﻛــن ﻟﻠــوﻋظ واﻟﻬﺟــر ﺗــﺄﺛﯾر ﻓــﻰ اﺳــﺗﻘﺎﻣﺔ ﺳــﻠوﻛﻬﺎ ﻟﺟــﺄ إﻟــﻰ اﻟﺗﺄدﯾــب
اﻟﺑــدﻧﻰ اﻟﺧﻔﯾــف ﻟﻌﻠﻬــﺎ ﺗﻌــود إﻟــﻰ ﺻ ـواﺑﻬﺎ ،وﻫــذا ﻫــو آﺧــر وﺳــﺎﺋل
اﻹﺻﻼح اﻟﺗﻰ ﺑﯾﻧﻬﺎ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم .
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :واﻟﻼﺗـﻰ ﺗﺧـﺎﻓون ﻧـﺷوزﻫن ﻓﻌظـوﻫن واﻫﺟـروﻫن
ﻓﻰ اﻟﻣﺿﺎﺟﻊ واﺿرﺑوﻫن ،ﻓﺈن أطﻌﻧﻛم ﻓﻼ ﺗﺑﻐوا ﻋﻠﯾﻬن ﺳﺑﯾﻼً " .
ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺰﻭﺝ ،ﻋﺎﻟﺟﺗﻪ اﻟزوﺟﺔ
ـ ٢٦٣ـ
ﺑــﺎﻟرﻓق واﻟﻠــﯾن ﺑــﺎﻟطرق اﻟﻣﻣﻛﻧــﺔ ﻟﻬــﺎ ،ﻣــن اﻟﻌﻣــل ﻋﻠــﻰ ﻛــﺳب ﻗﻠﺑــﻪ
ﺑوﺳﺎﺋل اﻟﺗرﺿﯾﺔ ،واﻟﺗﻧـﺎزل ﻋـن اﻟرﻏﺑـﺎت اﻟﻣطﻠوﺑـﺔ ﻟﻬـﺎ ،واﻻﻋﺗـذار
ـﺑﺑﺎ ﻓــﻰ اﻟﻧـزاع ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ،وﻗــد أرﺷــد إﻟــﻰ ﻫــذا
ﻋﻣــﺎ ﺑــدر ﻣﻧﻬــﺎ وﻛــﺎن ﺳـ ً
اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم .ﻗـﺎل ﺗﻌـﺎﻟﻰ ٕ " :وان اﻣـرأة ﺧﺎﻓـت ﻣـن ﺑﻌﻠﻬـﺎ ﻧـﺷوًزا أو
ﺻـﻠﺣﺎ واﻟـﺻﻠﺢ ﺧﯾـر ،
ً اﺿﺎ ﻓـﻼ ﺟﻧـﺎح ﻋﻠﯾﻬﻣـﺎ أن ﯾـﺻﻠﺣﺎ ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ
إﻋر ً
وأﺣﺿرت اﻷﻧﻔس اﻟﺷﺢ ٕوان ﺗﺣﺳﻧوا وﺗﺗﻘوا ﻓﺈن اﷲ ﻛﺎن ﺑﻣﺎ ﺗﻌﻣﻠون
ﺧﺑﯾ ًرا " .
ﻓﺈذا اﺷﺗد اﻟﻧزاع ،وﺻﻌب ﻋﻼﺟﻪ ﻣن ﻗﺑل اﻟـزوﺟﯾن ،ﻓﺣﯾﻧﺋـذ
ﯾﺄﻣرﻧــﺎ اﻟﺣــق ﺗﺑــﺎرك وﺗﻌــﺎﻟﻰ أن ﻧﺧﺗـــﺎر ﺣﻛﻣــﯾن ﻣــن أﻫﻠﻬﻣــﺎ ﻟﯾﻘوﻣـــﺎ
ﺑﻣﻬﻣﺔ اﻹﺻﻼح وﺗﻘرﯾب وﺟﻬﺎت اﻟﻧظر ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ .
ﺣﻛﻣــﺎ ﻣــن
ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ ٕ " :وان ﺧﻔــﺗم ﺷــﻘﺎق ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ،ﻓــﺎﺑﻌﺛوا ً
إﺻﻼﺣﺎ ،ﯾوﻓق اﷲ ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ " .
ً وﺣﻛﻣﺎ ﻣن أﻫﻠﻬﺎ إن ﯾرﯾداً أﻫﻠﻪ
ﻓﺈذا اﺳﺗﺣﺎل اﻟﺗﻔﺎﻫم ،واﺳـﺗﺣﻛم اﻟـﺷﻘﺎق ،وﻟـم ﯾﻌـد ﻣـن أﻣـل
ﻓــﻰ اﻹﺻــﻼح ﻟﻔــﺳﺎد اﻟﻌــﺷرة ،وﺗﻧــﺎﻓر اﻟﻘﻠــوب ﻓﺧﯾــر ﻋــﻼج ﻟﻬــذا ﻫــو
اﻟﻔـراق " (١).ﻓﺈﻣـﺳﺎك ﺑﻣﻌـروف أو ﺗـﺳرﯾﺢ ﺑﺈﺣـﺳﺎن " .ﺣﺗـﻰ ﯾــﺗﻣﻛن
ﻛــل واﺣــد ﻣــن اﻟــزوﺟﯾن ﻣــن ﺗﺟرﺑــﺔ ﺣﯾــﺎة ﺟدﯾــدة ﯾــﺳﯾر ﻓﯾﻬــﺎ ﻋﻬــد
اﻟزوﺟﯾﺔ ﻟﻠﺣﻛﻣﺔ اﻟﺗﻰ ﺷرع ﻷﺟﻠﻬﺎ ﻣن اﻟﻣودة واﻟوﻓﺎق .واﻵﺛﺎر
وﻫﻧــــﺎ ﺳــــﻧﺗﻌرض ﺑﻌــــض ﻓــــرق اﻟــــزواج ) اﻟطــــﻼق واﻟﺧﻠــــﻊ (
واﻵﺛﺎراﻟﻣﺗرﺗﺑﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟك .
) (١ﺑﺗﺻرف ﯾﺳﯾر ﻣن } ﻛﺗﺎب ﻣﻧﺎﻫﺞ اﻟﺷرﯾﻌﺔ { ﻟﻠﺷﯾﺦ أﺣﻣد ﻣﺣﯾﻰ اﻟدﯾن اﻟﻌﺟوز ص ٢٧٣
وﻣﺎ ﺑﻌدﻫﺎ .اﻟﺟزء اﻟﺛﺎﻧﻰ .
ـ ٢٦٤ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻷﻭﻝ
ﺍﻟﻄﻼﻕ
ﺗﻌﺮﻳﻔــﻪ :ـ
ﻣﻌﻧوﯾﺎ ،ﯾﻘﺎل
ً ﺣﺳﯾﺎ ﻛﺎن أم
ً ﺍﻟﻄﻼﻕ ﻟﻐﺔ :رﻓﻊ اﻟﻘﯾد ﻣطﻠﻘًﺎ ،
:طﻠﻘــت اﻷﺳــﯾر ﻣــن ﻗﯾــدﻩ وأطﻠﻘﺗــﻪ أى رﻓﻌــت اﻟﻘﯾــد ﻋﻧــﻪ ،وأطﻠﻘــت
اﻟﻘول إذا أرﺳﻠﺗﻪ ﻣن ﻏﯾر ﻗﯾد وﻻ ﺷرط ،وأطﻠﻘـت اﻟﺑﯾﻧـﺔ إذا ﺷـﻬدت
(١). ﻣن ﻏﯾر ﺗﻘﯾﯾد ﺑﺗﺎرﯾﺦ
ﻛﻣﺎ ﯾﻘـﺎل :طﻠـق اﻟرﺟـل زوﺟﺗـﻪ ،وأطﻠـق زوﺟﺗـﻪ إذا رﻓـﻊ ﻗﯾـد
اﻟــزواج اﻟﻣﻌﻧــوى ،إﻻ أن اﻟﻌــرف ﻗــﺻر اﺳــﺗﻌﻣﺎل ﻟﻔــظ اﻟطــﻼق وﻣــﺎ
اﺷـــﺗق ﻣﻧـــﻪ ﻋﻠـــﻰ رﻓـــﻊ اﻟﻘﯾـــد اﻟﻣﻌﻧـــوى ،ﻛﻣـــﺎ ﺧـــص اﺳـــﺗﻌﻣﺎل ﻟﻔـــظ
اﻹطﻼق ﺑرﻓﻊ اﻟﻘﯾد اﻟﺣﺳﻰ .
وﻫذا اﻟﻔرق ﻫو أﺳﺎس اﻟﻘول :ﺑﺄن ﻛﻠﻣﺔ اﻟطﻼق ﻣن اﻷﻟﻔﺎظ
اﻟــﺻرﯾﺣﺔ ﻓﯾــﻪ ﯾﻘــﻊ ﺑﻬــﺎ ﻣــن ﻏﯾــر ﺣﺎﺟــﺔ إﻟــﻰ ﻧﯾــﺔ ،ﺑﺧــﻼف ﻛﻠﻣــﺔ
(٢). اﻹطﻼق ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣن اﻟﻛﻧﺎﯾﺎت اﻟﺗﻰ ﻻ ﯾﻘﻊ ﺑﻬﺎ اﻟطﻼق إﻻ ﺑﺎﻟﻧﯾﺔ
ﻭﻓﻰ ﺍﺻﻄﻼﺡ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎء :ﻫو رﻓـﻊ اﻟﻘﯾـد اﻟﺛﺎﺑـت ﺑﺎﻟﻧﻛـﺎح ﻓـﻰ
(٣). اﻟﺣﺎل أو اﻟﻣﺂل ﺑﻠﻔظ ﻣﺧﺻوص
) (١اﻟﻣﺻﺑﺎح اﻟﻣﻧﯾر ﻟﻠﻔﯾوﻣﻰ ص . ١٤٣
) (٢ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر ﻻﺑن اﻟﻬﻣﺎم٣٢٥/٣
) (٣اﻟﺑﺣر اﻟراﺋق ﻻﺑن ﻧﺟﯾم . ٢٥٢/٣
ـ ٢٦٥ـ
ﺑﺎﺋﻧــﺎ ،
ﻓﯾرﺗﻔــﻊ اﻟﻧﻛــﺎح ﺑــﺎﻟطﻼق ﻓــﻰ اﻟﺣــﺎل إن ﻛــﺎن اﻟطــﻼق ً
رﺟﻌﯾـﺎ ،وﯾﻘـﺻد " ﺑـﺎﻟﻠﻔظ
ً وﯾرﺗﻔﻊ اﻟﻧﻛﺎح ﺑﻪ ﻣﺳﺗﻘﺑﻼً إن ﻛﺎن اﻟطـﻼق
اﻟﻣﺧـــﺻوص " ﻓـــﻰ اﻟﺗﻌرﯾـــف :ﻣـــﺎ دل ﻋﻠـــﻰ اﻟطـــﻼق ﻣـــن اﻷﻟﻔــــﺎظ
اﻟــﺻرﯾﺣﺔ أو اﻟﻛﻧﺎﺋﯾــﺔ ،ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ ﻻ ﯾﻠــزم ﻛــون اﻟﻠﻔــظ اﻟﻣﺧــﺻوص
ﻣﻧطوﻗﺎ ﺑﻪ ،ﺑل ﻫو ﺷﺎﻣل ﻛل ﻣﺎ ﯾﻔﯾد ﻣﻌﻧﺎﻩ ﻣن إﺷﺎرة أو ﻛﺗﺎﺑﺔ ﻛﻣـﺎ
ً
ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻷﺧرس .
وﺑﻬذا اﻟﻘﯾد ﻓـﻰ اﻟﺗﻌرﯾـف ﯾﺧـرج اﻟﻔـﺳﺦ ،ﻷﻧـﻪ ﻻ ﯾﻛـون ﺑﻠﻔـظ
ﻣﺧﺻوص ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أﻧﻪ ﯾﺣل راﺑطﺔ اﻟزوﺟﯾﺔ ﻓﻰ اﻟﺣﺎل .
ﺩﻟﻴﻞ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻄﻼﻕ :ـ
دل ﻋﻠﻰ ﺷرﻋﯾﺔ اﻟطﻼق :اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ واﻹﺟﻣﺎع واﻟﻌﻘل .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻜﺘــﺎﺏ :ـ
ﻓﻘوﻟﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :اﻟطـﻼق ﻣرﺗـﺎن ﻓﺈﻣـﺳﺎك ﺑﻣﻌـروف أو ﺗـﺳرﯾﺢ
(١). ﺑﺈﺣﺳﺎن "
وﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﯾــﺎ أﯾﻬــﺎ اﻟﻧﺑــﻰ إذا طﻠﻘــﺗم اﻟﻧــﺳﺎء ﻓطﻠﻘــوﻫن
(٢). ﻟﻌدﺗﻬن وأﺣﺻوا اﻟﻌدة "
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺴــﻨﺔ :ـ
ﻓﻣﺎ روى أن اﺑن ﻋﻣر ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ ـ طﻠـق اﻣرأﺗـﻪ وﻫـﻰ
ﺣﺎﺋض ،ﻓﺳﺄل ﻋﻣر اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـ ﻋن ذﻟـك .ﻓﻘـﺎل
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٢٩
) (٢ﺳورة اﻟطﻼق ـ اﻵﯾﺔ . ١
ـ ٢٦٦ـ
ﻟﻪ } ﻣرﻩ ﻓﻠﯾراﺟﻌﻬﺎ ،ﺛم ﻟﯾﺗرﻛﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﺗطﻬر ،ﺛم ﺗﺣﯾض ،ﺛـم ﺗطﻬـر
،ﺛم إن ﺷﺎء أﻣﺳك ﺑﻌد ٕ ،وان ﺷﺎء طﻠق ﻗﺑل أن ﯾﻣس ،ﻓﺗﻠك اﻟﻌدة
اﻟﺗﻰ أﻣر اﷲ أن ﯾطﻠق ﻟﻬﺎ اﻟﻧﺳﺎء { (١).
وﻗـــﺎل ﺻـــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـــﻪ وآﻟـــﻪ وﺳـــﻠم } :ﻛـــل طـــﻼق ﺟـــﺎﺋز إﻻ
طﻼق اﻟﻣﻌﺗوﻩ واﻟﺻﺑﻰ { .
وﻋﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم أﻧﻪ ﻗﺎل } :أﺑﻐـض اﻟﺣـﻼل إﻟـﻰ اﷲ
(٢). اﻟطﻼق {
وورد أن اﻟﻧﺑﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟـﺳﻼم طﻠـق ﺣﻔـﺻﺔ رﺿـﻰ اﷲ
ﻋﻧﻬﺎ ،ﺛم أﻣرﻩ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄن ﯾراﺟﻌﻬﺎ .
ﻛﻣﺎ طﻠق ﻋﻣر ﺑن اﻟﺧطﺎب رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ أم ﻋﺎﺻـم ،وﻋﺑـد
اﻟــرﺣﻣن ﺑــن ﻋــوف طﻠــق ﺗﻣﺎﺿــر زوﺟﺗــﻪ وﻟــم ﯾﻧﻛــر ﻋﻠــﯾﻬم أﺣــد ﻣــن
إﺟﻣﺎﻋﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺷروﻋﯾﺗﻪ .
ً اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﻓﻛﺎن ذﻟك
ﻛﻣﺎ أن اﻟﻌﻘـل ﯾﺣﻛـم ﺑـﺄن اﻟـزوج ﯾﻣﻠـك ﺑﻘـﺎء اﻟﻧﻛـﺎح ،ﻓﯾﺟـوز
ﻟﻪ أن ﯾزﯾﻠﻪ ،ﺛم إن ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻧﻛﺎح ﻗد ﺗﻧﻘﻠب ﻣﻔﺎﺳد ،واﻟﺗواﻓق ﺑﯾن
اﻟــــزوﺟﯾن ﻗــــد ﯾــــﺻﯾر ﺗﻧــــﺎﻓ ًرا ،واﻟﻌــــﺷرة ﺑــــﺎﻟﻣودة ﻗــــد ﺗــــﺻﯾر ﻋــــداوة
) (١رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ } ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق { " ﺑﺎب وﺑﻌوﻟﺗﻬن أﺣق ﺑردﻫن ، :وﻣﺳﻠم ﻓﻰ } ﻛﺗـﺎب
اﻟطﻼق { " ﺑﺎب ﺗﺣرﯾم طﻼق اﻟﺣﺎﺋض ﺑﻐﯾر رﺿﺎﻫﺎ ..إﻟﺦ " .
) (٢رواﻩ أﺑو داود ﻓﻰ } ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق { " ﺑﺎب ﻓﻰ ﻛراﻫﯾﺔ اﻟطﻼق " ،واﺑن ﻣﺎﺟﺔ ﻓﻰ } ﻛﺗـﺎب
اﻟطﻼق { ﺣدﯾث رﻗم . ٢٠١٨
ـ ٢٦٧ـ
ﻣﺳﺗﺣﻛﻣﺔ ﻓﯾﺗرﺗب ﻋﻠـﻰ اﻟﺑﻘـﺎء وﺳـط ﻫـذا اﻟﺟـو ﻣﻔﺎﺳـد ﻻ ﺗﻘـف ﻋﻧـد
ﺣد .ﻓﯾﻛون ﻣن اﻟﺣﻛﻣﺔ وﺟود اﻟطﻼق ﻟﺗﻼﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﻔﺎﺳد .
ﺍﻟﻮﺻﻒ ﺍﻟﺸﺮﻋﻰ ﻟﻠﻄﻼﻕ :ـ
اﻟطــــﻼق ﻛﺗــــﺻرف ﯾﺑﺎﺷــــرﻩ اﻟــــزوج ﺗﻌﺗرﯾــــﻪ اﻷﺣﻛــــﺎم اﻟﺗﻛﻠﯾﻔﯾــــﺔ
اﻟﺧﻣﺳﺔ :ـ
ً
١ـ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻭﺍﺟﺒﺎ
ﻛﻣﺎ ﻓﻰ طﻼق اﻟﻣوﻟﻰ ﺑﻌد اﻟﺗرﺑص إذا أﺑﻰ اﻟﻔﯾﺋﺔ ،وطﻼق اﻟﺣﻛﻣـﯾن
ﻓﻰ اﻟﺷﻘﺎق إذا رأﯾﺎ ذﻟك .
ً
٢ـ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﺪﻭﺑﺎ
ﻋﻧــد ﺗﻔــرﯾط اﻟﻣــرأة ﻓــﻰ ﺣﻘــوق اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ اﻟواﺟﺑــﺔ ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﻣﺛــل
اﻟﺻﻼة وﻧﺣوﻫﺎ ،وﻻ ﯾﻣﻛﻧﻪ ـ أى اﻟزوج ـ إﺟﺑﺎرﻫﺎ ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،ﻛﻣـﺎ ﯾﻧـدب
اﻟطـــﻼق ﻓـــﻰ ﺣـــﺎل اﻟـــﺷﻘﺎق ،وﻓـــﻰ اﻟﺣـــﺎل اﻟﺗـــﻰ ﺗﺧـــرج اﻟﻣـــرأة إﻟـــﻰ
اﻟﻣﺧﺎﻟﻌﺔ ﻟﺗزﯾل ﻋﻧﻬﺎ اﻟﺿرر .
ً
٣ـ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺣﺮﺍﻣﺎ ،
إذا أوﻗﻌﻪ اﻟزوج ﻓﻰ ﺣﺎل اﻟﺣﯾض ،أو ﻓﻰ طﻬر ﺟﺎﻣﻌﻬﺎ ﻓﯾـﻪ .
ﻓﻘد أﺟﻣﻊ اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﻣﺻﺎر ،وﻛل اﻷﻋـﺻﺎر ﻋﻠـﻰ ﺗﺣرﯾﻣـﻪ
ـ ٢٦٨ـ
،وﯾﺳﻣﻰ طﻼق اﻟﺑدﻋﺔ ،ﻷن اﻟﻣطﻠق ﺧﺎﻟف اﻟﺳﻧﺔ ،وﺗرك أﻣـر اﷲ
. ")(١ ﺗﻌﺎﻟﻰ ورﺳوﻟﻪ ،ﻓﻘﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻓطﻠﻘوﻫن ﻟﻌدﺗﻬن
وﻗﺎل اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓـﻰ ﺣـدﯾث اﺑـن ﻋﻣـر
} ٕوان ﺷــﺎء طﻠــق ﻗﺑــل أن ﯾﻣــس ﻓﺗﻠــك اﻟﻌــدة اﻟﺗــﻰ أﻣــر اﷲ أن ﯾطﻠــق
ﻟﻬﺎ اﻟﻧﺳﺎء { .وﻷﻧﻪ إذا طﻠق ﻓﻰ اﻟﺣـﯾض طـول اﻟﻌـدة ﻋﻠﯾﻬـﺎ ،ﻓـﺈن
اﻟﺣﯾــﺿﺔ اﻟﺗــﻰ طﻠــق ﻓﯾﻬــﺎ ﻻ ﺗﺣــﺳب ﻣــن ﻋــدﺗﻬﺎ ،وﻻ اﻟطﻬــر اﻟــذى
ﺑﻌدﻫﺎ ﻋﻧد ﻣـن ﯾﺟﻌـل اﻹﻗـراء اﻟﺣـﯾض ٕ ،واذا طﻠـق ﻓـﻰ طﻬـر أﺻـﺎﺑﻬﺎ
ﻓﯾـﻪ ﻟـم ﯾـﺄﻣن أن ﺗﻛــون ﺣـﺎﻣﻼً ﻓﯾﻧـدم ،وﺗﻛــون ﻣرﺗﺎﺑـﺔ ﻻ ﺗـدرى أﺗﻌﺗــد
ﺑﺎﻟﺣﻣل أو اﻹﻗراء ؟ وﻫذا ﻓﯾﻪ ﻣن اﻟﺿرر ﻣﺎ ﻻ ﯾﺧﻔﻰ وﻫو ﻣرﻓوع ﻓﻰ
اﻟﺗﺷرﯾﻊ .
ً
٤ـ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﻣﻜﺮﻭﻫﺎ
إذا ﻟم ﯾﻛن ﻫﻧﺎك ﺣﺎﺟﺔ ﺗدﻋو إﻟﯾـﻪ ،ﻗـﺎل اﻟـﺻﻧﻌﺎﻧﻰ :واﻟﻣﻛـروﻩ
اﻟواﻗﻊ ﺑﻐﯾر ﺳﺑب ﻣﻊ اﺳﺗﻘﺎﻣﺔ اﻟﺣﺎل وﻫذا ﻫـو اﻟﻘـﺳم اﻟﻣﺑﻐـوض ﻣـﻊ
ﺣﻠﻪ ).(٢
اﻣـﺎ ،
وﯾرى ﺑﻌض اﻟﻔﻘﻬﺎء أن اﻟطـﻼق ﻓـﻰ ﻫـذﻩ اﻟﺣﺎﻟـﺔ ﯾﻛـون ﺣر ً
ﻷن اﻟطﻼق ﻣن ﻏﯾر ﺣﺎﺟﺔ إﻟﯾﻪ ﻓﯾﻪ ﺿرر ﺑﻧﻔﺳﻪ وزوﺟﺗـﻪ ٕ ،واﻋـدام
) (١ﺳورة اﻟطﻼق ـ اﻵﯾﺔ. ١
) (٢ﺳﺑل اﻟﺳﻼم . ٣٥٦/٣
ـ ٢٦٩ـ
اﻣـﺎ ﻛـﺈﺗﻼف
ﻟﻠﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺣﺎﺻﻠﺔ ﻟﻬﻣﺎ ﻣـن ﻏﯾـر ﺣﺎﺟـﺔ إﻟﯾـﻪ ﻓﯾﻛـون ﺣر ً
اﻟﻣﺎل )(١
ً
٥ـ ﻭﻳﻜـﻮﻥ ﻣﺒﺎﺣـﺎ ﻋﻧـد اﻟﺣﺎﺟـﺔ إﻟﯾـﻪ ﻟـﺳوء ﺧﻠـق اﻟﻣـرأة ،وﺳـوء
دﻓﻌــﺎ
ﻋــﺷرﺗﻬﺎ ،واﻟﺗــﺿرر ﺑﻬــﺎ ﻣــن ﻏﯾــر ﺣــﺻول اﻟﻐــرض ﺑﻬــﺎ ً
(٢). ﻟﻠﺿرر ﻋن ﻧﻔﺳﻪ
ﺻﺎﺣﺐ ﺍﳊﻖ ﻓﻰ ﺇﺑﻘﺎﻉ ﺍﻟﻄﻼﻕ :ـ
ﺟﻌل اﻟﺷﺎرع اﻟﺣﻛـﯾم اﻟطـﻼق ﻓـﻰ ﯾـد اﻟـزوج دون اﻟﻣـرأة ،ﻷن
اﻟﻣرأة ﺗﻣﻠﻛﻬﺎ اﻟﻌﺎطﻔﺔ وﺗﻠك ﻣزﯾﺗﻬﺎ وﻓﺿﯾﻠﺗﻬﺎ ،واﻟﻌﺎطﻔﺔ إذا ﺳﯾطرت
ﻋﻠــﻰ اﻷﻣــور اﻟﺧطﯾــرة ﻗــد ﺗــﺿر ،وﻣﻌﻠــوم أن اﻟطــﻼق ﻣــن أﺧطــر ﻣــﺎ
ﯾﻛــون ﺑــﯾن اﻟرﺟــل واﻟﻣ ـرأة ،ﻓﻘــد ﺗﻐــﺿب اﻟﻣ ـرأة ﻟﺣظــﺔ ﻣــﺎ ﻓــﺗظن أن
ﺻﻔﺎء ﺣﯾﺎﺗﻬﺎ ﻗد أﺻﺎﺑﻪ ﻛدر ﻻ ﺑﻘـﺎء ﻣﻌـﻪ ،وأن اﻟﺑﯾـت ﺻـﺎر أﺿـﯾق
ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻬﺎ ﻣن ﺳم اﻟﺧﯾـﺎط ،ﻓﻠـو ﺟﻌـل اﻟطـﻼق ﻓـﻰ ﯾـدﻫﺎ ﻣـﺎ ﻧظـرت
ﻓﻰ ﻋواﻗﺑﻪ ﻓﻰ ﻣﺛل ﻫـذﻩ اﻷﺣـوال اﻟﺛـﺎﺋرة ،أﻣـﺎ اﻟرﺟـل ﻓﺈﻧـﻪ ﺑﻣـﺎ أﻧﻔـق
ﻓﻰ ﺳﺑﯾل ﻫذا اﻟزواج ﻣن ﻣـﺎل ،وﺑﻣـﺎ أﻟﻘـﻰ ﻋﻠﯾـﻪ ﻣـن ﺗﺑﻌـﺎت ،وﺑﻣـﺎ
ﻟﻪ ﻣن ﺣرص ﻋﻠﻰ أوﻻدﻩ اﻟذﯾن ﯾﻧـﺳﺑون إﻟﯾـﻪ ،وﺑﻣـﺎ ﯾﻌﻘـب اﻟطـﻼق
ﻣن ﻋواﻗب وﺧﯾﻣﺔ ﻛل ذﻟـك ﯾﺟﻌﻠـﻪ ﯾﻔﻛـر ﻗﺑـل اﻹﻗـدام ﻋﻠﯾـﻪ ،وﯾـوازن
ﺑــﯾن اﻟﺗﺑﻌــﺎت اﻟﻣﺗرﺗﺑــﺔ ﻋﻠﯾــﻪ ،واﻟﺣﺎﺟــﺔ اﻟداﻓﻌــﺔ إﻟﯾــﻪ .ﻓــﺈن رﺟﺣــت
) (١اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٩٧/٧
) (٢اﻧظر اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٩٨ ، ٩٧ ، ٩٦/٧
ـ ٢٧٠ـ
اﻷوﻟــﻰ ﻋﻠــﻰ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ أﺑﻘــﻰ أﻫﻠــﻪ ٕ ،وان رﺟﺣــت اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻷوﻟــﻰ
طﻠق" )(١
ﻣطﻠﻘـﺎ
ً وﺣق اﻟطﻼق ٕوان ﺛﺑت ﻟﻠرﺟل وﺣدﻩ ،إﻻ أﻧـﻪ ﻟـم ﯾﺛﺑـت
ﻋن اﻟﻘﯾد إذ اﻷﺻل ﻓﯾﻪ اﻟﻣﻧـﻊ ،وﯾﺑـﺎح ﻟﻠـﺿرورة وﻫـو اﻟـرأى اﻟـراﺟﺢ
ﻓـﻰ اﻟﻔﻘـﻪ (٢).وﻧظـ ًرا ﻟﻣـﺎ ورد ﻣـن أﺣﺎدﯾـث ﻋـن اﻟرﺳـول ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳـﻠم ـ ﺗـدل ﻋﻠـﻰ ذﻟـك ،ﻛﻘوﻟـﻪ } أﺑﻐـض اﻟﺣـﻼل إﻟـﻰ اﷲ
اﻟطﻼق { .
وﻗوﻟــﻪ ـ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وآﻟــﻪ وﺳــﻠم ـ } أﯾﻣــﺎ اﻣ ـرأة ﺳــﺄﻟت
(٣). طﻼﻗﺎ ﻓﻰ ﻏﯾر ﺑﺄس ﺣرم ﻋﻠﯾﻬﺎ راﺋﺣﺔ اﻟﺟﻧﺔ {
زوﺟﻬﺎ ً
ﻫﺬﺍ ﻭﱂ ﲢﺮﻡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﳌﺮﺃﺓ ﻣـﻦ ﺣـﻖ ﺍﻟﻄـﻼﻕ ،
ﻓﺄﺟـــﺎزت ﻟﻬـــﺎ أن ﺗـــﺷﺗرط ﻟﻧﻔـــﺳﻬﺎ ﻋﻧـــد اﻟﻌﻘـــد ﻋﻠﯾﻬـــﺎ أن ﯾﻛـــون أﻣـــر
طﻼﻗﻬﺎ ﺑﯾدﻫﺎ ،ﻛﻣﺎ ﺟﻌﻠت ﻟﻬﺎ طﻠب اﻟطﻼق ﻣن زوﺟﻬﺎ ﻟدى اﻟﻘﺿﺎء
إذا ﻣﺎ أﻣﺳﻛﻬﺎ زوﺟﻬﺎ إﺿرا ًرا ،ﻛﻣـﺎ ﺧوﻟﺗﻬـﺎ اﻟﺣـق ﻓـﻰ طﻠـب اﻟطـﻼق
ﻣن زوﺟﻬﺎ ﻧظﯾر ﻣﺑﻠﻎ ﻣن اﻟﻣﺎل ﯾﻌوﺿﻪ ﻋﻣﺎ دﻓﻌﻪ ﻣن ﺻداق ﻟﻬﺎ .
وﻟﻌل ﻫذا ﻣﻣﺎ ﯾدل دﻻﻟﺔ واﺿﺣﺔ ﻋﻠـﻰ أن اﻟﻣـﺷرع اﻟﺣﻛـﯾم ﻟـم
) (١اﻟزواج واﻟطﻼق ﻓﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻷدﯾﺎن ﻟﻠﺷﯾﺦ اﻟﻣراﻏﻰ ص . ٢٢٠
) (٢اﻧظــر ﺑــداﺋﻊ اﻟــﺻﻧﺎﺋﻊ ﻟﻠﻛﺎﺳــﺎﻧﻰ اﻟﺣﻧﻔــﻰ ٥/٣ﻓﻔﯾــﻪ :اﻷﺻــل ﻫــو اﻟﺣظــر واﻟﻛ ارﻫــﺔ إﻻ أﻧــﻪ
رﺧﺻﺔ ﻟﻠﺗﺄدﯾب ،واﻧظر ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر ﻻﺑن اﻟﻬﻣﺎم ٣٢٧/٣ﻓﯾﻪ " واﻷﺻﺢ ﺣظرﻩ إﻻ ﻟﺣﺎﺟﺔ "
) (٣رواﻩ أﺑو داود ﻓﻰ } ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق { " ﺑﺎب ﻓﻰ اﻟﺧﻠﻊ " ،واﺑـن ﻣﺎﺟـﺔ ﻓـﻰ } ﻛﺗـﺎب اﻟطـﻼق
{ " ﺑﺎب ﻓﻰ ﻛراﻫﯾﺔ اﻟﺧﻠﻊ " .
ـ ٢٧١ـ
ﯾﺟﻌل اﻟطﻼق ﺑﯾد اﻟرﺟل ﻟﯾﻛون أداة ﺗﺳﻠط ،أو ﻣﺻدر ﻗوة ﯾﻘوى ﺑﻬﺎ
ﻋﻠﻰ ﻣن ﻫﻰ أﺿﻌف ﻣﻧﻪ ،إﻧﻣﺎ ﺟﻌﻠﻪ أداة ﺗﻘوﯾم ٕواﺻﻼح ﯾﻠﺟﺄ إﻟﯾﻬﺎ
إن ﻟم ﯾﻛن ﻟﻬﺎ ﺑدﯾل .
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﳌﻄﻠﻖ :
ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ اﻟﻣطﻠق ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
ً
١ــ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﻄﻠﻖ ﺑﺎﻟﻐﺎ :ﻓﻼ ﯾﺻﺢ طﻼق اﻟﺻﺑﻲ ﻣﻣﯾـزاً أو
ﻏﯾر ﻣﻣﯾزاً ،ﻣراﻫﻘﺎً أو ﻏﯾر ﻣراﻫـق ؛ ﻷن اﻟطـﻼق ﺿـرر ﻣﺣـض ﻓـﻼ
ﯾﻣﻠﻛﻪ اﻟﺻﺑﻲ ،وﻻ ﯾﻣﻠﻛﻪ وﻟﯾﻪ) .( ١
اﻟﻠـﻪُ َ ْ ِ
ﻋﻠﯾـﻪ َ َ ﱠ
ﻠم ـــ
وﺳـ َ ﺻـﱠﻠﻰ ﱠ َ : ﻗـول ﱠِ ﱢ
اﻟﻧﺑـﻲ ـــ َ
ﺣﺗﻰ َْ ِ ﺛﻼﺛﺔ :ﻋن ﱠ ِ ِ
ﻋن َ َ َ ٍ
ﺣﺗﻰ وﻋن ﱠ ِ ﱢ
اﻟﺻﺑﻲ َ ﱠ ﯾﺳﺗﯾﻘظَ ِ َ َ ،
اﻟﻧﺎﺋم َ ﱠ َ ْ اﻟﻘﻠم َ ْ " ُِ َ
رﻓﻊ ْ ََ ُ
ﺣﺗﻰ ِ ِ
ﯾﻌﻘل " ) .( ٢ اﻟﻣﺟﻧون َ ﱠ َ ْ
وﻋن ْ َ ْ ُ ِ
ﯾﺣﺗﻠم ِ َ َ ،
ََْ َ
ً
٢ــ ﺍﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﻄﻠﻖ ﻋﺎﻗﻼ :ﻓﻼ ﯾﺻﺢ طـﻼق اﻟﻣﺟﻧـون ﻟﻧﻌـدام
أﻫﻠﯾــﺔ اﻷداء ،وﻟﻠﺣــدﯾث اﻟــﺳﺎﺑق ،وﻫــذا ﻓــﻲ اﻟﺟﻧــون اﻟﻣطﺑــق ،أﻣــﺎ
اﻟﺟﻧون اﻟﻣﺗﻘطﻊ ـ ﻫو اﻟذي ﯾﻐﯾـب ﻓﺗـرة ﻋـن ﺻـﺎﺣﺑﻪ ﺛـم ﯾﻌـود إﻟﯾـﻪ ـــ
ﻋﻘـل ﱠ َ َ روي ﻋـن اﻹﻣـﺎم أﺣﻣـد ﻗـﺎل َ ِ ":
١
اﻟطـﻼق إذا َ َ ( ــ وﺧﺎﻟف ﻓـﻲ ذﻟـك ﺑﻌـض اﻟﺣﻧﺎﺑﻠـﺔ ، )
وﻫـو
اﻟﻌـﺷرَ ُ َ ، ﯾﻘـﻊُ ِ ُ ِ
ﻟـدون ْ َ ْ ِ ﻋﻠـﻰ أ ﱠَﻧـﻪُ ﻻَ َ َ
ﯾـدل َ َ
وﻫـذا َ ُ
ﻋﺷرَة،
اﺛﻧﺗﻲ َ ْ َ ﺑﯾن َ ْ ٍ ِ
َ ََ ﻋﺷر َإﻟﻰ ْ َ َ ْ طﻼﻗﻪُ َﻣﺎ َ ْ َ
ﺟﺎز َ َ ََُ
اﻟوﺻـﯾﺔَ ِ َ َ َ ،
ﻓﻛـذﻟك وﺻـﺣﺔ ْ ِ ﱠ ِاﻟـﺻﻼة و ﱢ َ ِ ِ ِ
اﻟـﺻﯾﺎم َ ﱠ َ
ِ اﻟﻌـﺷر َﺣـ ﱡد ﱠ ْ ِ
ﻋﻠـﻰ ﱠ َ َ
اﻟـﺿربََ َن ْ َ ْ َ ﺑﻛـرِ ،ﻷ◌ ﱠ ِ
اﺧﺗﯾﺎر أ َِﺑﻲ َ ْ ٍ
ْ َُ
ﻋطـﺎء: اﻟﻣﺳﯾبَ ِ :
ﺑن ْ ُ َ ﱢ ِ وﻋن ِ ِ
ﺳﻌﯾد ْ ِ
وﻗـﺎل َ َ ٌطﻼﻗـﻪَ َ ،
ﺟـﺎز َ َ ُ ُ
رﻣﺿﺎن َ َ
وﺻﺎم َ َ َ َ
اﻟﺻﻼةَ َ َ َ
َﺣﺻﻰ ﱠ َ إذا أ ْ َ ﻫذاَ ْ َ َ ، ََ
ﻋﻘــل َ ِ
وﻗــﺎل
رﻣــﺿﺎن َ َ
وﺻــﺎم َ َ َ َ
اﻟــﺻﻼةَ َ َ َ
وﺣﻔــظَ ﱠ َ إذا َ َ َاﻟﺣــﺳنَ ِ :
وﻋــن ْ َ َ ِ
ﺳﺎء َ َ ِاﻟﻧــ َ َ َن ُ ِ َ
ﯾــﺻﯾب ﱢ ﺑﻠــﻎَ أ ْ َِ
إذا َ َ
ﻋﺷرةَ " ﯾﻧظر :اﻟﻣﻐﻧﻲ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٣١٥ :٣١٢/٧ اﺛﻧﺗﻲ َ ْ َ
ﺟﺎوز ْ َ َ ْ
إذا َ َ َ إﺳﺣﺎقَ ِ :
َِْ ُ
) ( ٢ــ أﺧرﺟﻪ أﺑو داوود ﻓﻲ ﺳﻧﻧﻪ ـ ﺑﺎب ﻓﻲ اﻟﻣﺟﻧون ـ ، ١٤١/٤رﻗم . ٤٤٠١
ـ ٢٧٢ـ
ﻓطﻼﻗﻪ ﻣﻧوط ﺑﺣﺎﻟﻪ ،ﻓـﺈن طﻠـق ﻓـﻲ ﺣـﺎل اﻹﻓﺎﻗـﺔ وﻗـﻊ طﻼﻗـﻪ ﻟﻛﻣـﺎل
اﻷﻫﻠﯾﺔ ٕ ،وان طﻼق ﺣﺎل اﻟﺟﻧون ﻓﻼ ﯾﻘﻊ ﻻﻧﻌدام أﻫﻠﯾﺗﻪ .
وﻻ ﯾــﺻﺢ طــﻼق اﻟﻣﻌﺗــوﻩ ) ( ١؛ ﻷﻧﻌــدام اﻹدراك ،ﻓــﺎﻟﻣﻌﺗوﻩ ﻻ
ﯾـــدرك اﻟﻣـــﺻﻠﺣﺔ ﻣـــن اﻟطـــﻼق ،وﻫـــﻲ ﻣﻧـــﺎط ﻛـــل اﻟﺗـــﺻرﻓﺎت وﺷـــرط
ﻟﺻﺣﺗﻬﺎ .
وﯾﻠﺣــق ﺑــﺎﻟﻣﺟﻧون اﻟﻧــﺎﺋم ،واﻟﻣﻐﻣــﻰ ﻋﻠﯾــﻪ ،واﻟﻣــدﻫوش) ،( ٢
وذﻟك ﻻﻧﻌدام اﻫﻠﯾﺔ اﻵداء ﻟدﯾﻬم .
ﱠ اﻟﻠﻪُ َ ْ ِ
ﻋـن
اﻟﻘﻠـم َ ْ ِ
وﺳـﻠم – " ُرﻓـﻊَ ْ ََ ُ
ﻋﻠﯾـﻪ َ َ َ ﺻﻠﻰ ﱠ َ اﻟﻧﺑﻲ َ -ﱠ
و ﻟﺣدﯾث ﱠِ ﱢ
وﻋـ ِـن ِ وﻋـن ﱠ ِ ﱢ ﺣﺗـﻰ ﯾـ َْ ِ ﻋـن ﱠ ِ ِ َ ٍََ
اﻟـﺻﺑﻲ َﺣﺗﱠــﻰ َ ْ َ َ
ﯾﺣـﺗﻠم َ َ ، ـﺳﺗﯾﻘظَ ِ َ َ ،
اﻟﻧـﺎﺋم َ ﱠ َ ْ ﺛﻼﺛـﺔِ َ :
ﺣﺗﻰ ِ
اﻟﻣﺟﻧون َ ﱠ َ ْ
ﯾﻌﻘل ". َْ ُْ ِ
ً ً
٣ــ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﳌﻄﻠﻖ ﻗﺎﺻﺪﺍ ،ﳐﺘﺎﺭﺍ ﻟﻠﻄﻼﻕ :
واﻟﻣراد ﺑذﻟك :أن ﯾﻘﺻد اﻟﻣطﻠـق اﻟﻠﻔـظ اﻟﻣوﺟـب ﻟﻠطـﻼق ﻣـن
ﻏﯾر إﺟﺑﺎر وﻻ إﻛراﻩ .
وذﻟِـ َ
ــك ــﺎزل َ َ ، اﻟﻬـ ِ ﺻـ ﱠ ِ
ــﺣﺔ طَـ َ ِ
ــﻼق ْ َ
اﻟﻔﻘﻬـــﺎء ﻋﻠَـــﻰ ِ
ــق ْ ُ َ َ ُ َ َوﻗَـ ِــد ﱠ
اﺗﻔَـ َ
)(١
ــدﻫن ِﺟـ ﱞ
ــد، ــﻼث ِﺟـ ﱡ ُ ﱠ ﻋﻠﯾـ ِ
ــﻪ َ َ ﱠ
ــﻠم " :-ﺛَـ َ ٌ ﺻـ ﱠــﻠﻰ اﻟﻠﱠـــﻪُ َ َ ْ ــدﯾث ﱠِ ِﻟﺣـ ِ ِ
وﺳـ َ ــﻲ َ -اﻟﻧﺑـ ﱢ َ
اﻟرﺟﻌﺔ " . اﻟﻧﻛﺎح َو ﱠ َ ُ
اﻟطﻼق َو ﱠ ْ َ ُ ﺟد :ﱢ َ ُ وﻫزﻟﻬن ِ ﱞ
َ َْ ُ ُ ﱠ
١
( ــ اﻟﻣﻌﺗوﻩ :ﻫو اﻟﻘﻠﯾل اﻟﻔﻬم ،اﻟﻣﺧﺗﻠط اﻟﻛﻼم ،اﻟﻔﺎﺳد اﻟﺗدﺑﯾر ،ﻟﻛن ﻻ ﯾﺿرب وﻻ ﯾﺷﺗم )
ﺑﺧﻼف اﻟﻣﺟﻧون ﯾﻧظر :ﺣﺎﺷﯾﺔ اﺑن ﻋﺎﺑدﯾن .٢٤٣ / ٣
) ( ٢ـــ اﻟﻣــدﻫوش :ﻫـو ﻣــن ﻏﻠـب اﻟﺧﻠــل ﻓـﻲ أﻗواﻟــﻪ وأﻓﻌﺎﻟـﻪ اﻟﺧﺎرﺟــﺔ ﻋـن ﻋﺎدﺗــﻪ ﺑــﺳﺑب
ﻏﺿب اﻋﺗراﻩ .ﯾﻧظر :ﺣﺎﺷﯾﺔ اﺑن ﻋﺎﺑدﯾن .٢٤٤ / ٣
ـ ٢٧٣ـ
ﻟﻠﻔظ ﻋن ﻗﺻد واﺧﺗﯾﺎر ،وﻫوﯾﻌﻠم أن ﻫذا اﻟﻬﺎزل أﺗﻰ ﺑﺎ ِﱠ ْ ِ
َوﻷَن ْ َ ِ
اﻟطﻼق ِ ِ ِ اﻟﺷﺎرعُ ِ ِ
ﻓﯾﻘﻊُ ﱠ َ ُ ُ ُ
ﺑوﺟودﻩ ﻣطﻠﻘﺎً) .( ٢ وﻗوعَ ﱠ َ ِ
اﻟطﻼقَ َ َ ، ﺑﻪ ُ ُ رﺑطَ ﱠ ِ اﻟﻠﻔظ َ َ
وﻣــﻊ ﻫــذا ﻓﻘــد وﻗــﻊ ﺧــﻼف اﻟﻌﻠﻣــﺎء ﻓــﻲ طــﻼق ،واﻟــﺳﻛران ،
واﻟﻐﺿﺑﺎن ،واﻟﻣﻛرﻩ .
ﺃﻭﻻ :ﻃﻼﻕ ﺍﻟﺴﻜﺮﺍﻥ :
اﻟﺳﻛر :ﻫو ﻋﺎرض ﯾذﻫب اﻟﻌﻘل ،ﻓﺗرة ﻣن اﻟزﻣن ،ﻓﻼ ﯾﻌﻠـم
ﻣﺎ ﯾﻘول ،وﻻ ﯾدري ﻣﺎ ﯾﻔﻌل .
ﻫذا وﻻ ﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻓﻲ ﻋـدم وﻗـوع طـﻼق اﻟـﺳﻛران إذا
ﺳﻛر ﺑـﺷﻲء ﻣﺑـﺎح ،ﻛـﺑﻌض اﻷدوﯾـﺔ ﻏﯾﺑـت ﻋﻘﻠـﻪ ،أو ﺗﻧـﺎول ﺷـراﺑﺎً
وﻫو ﻻ ﯾﻌﻠم أﻧﻪ ﻣـﺳﻛر ؛ وذﻟـك ﻟﻌـدم اﻟﻘـﺻد ،ﻓﺗﻛـون ﻋﺑﺎرﺗـﻪ ﻟﻐـو ،
وﻻ أﺛر ﻟﻬﺎ .
أﻣﺎ ﻟو ﺳﻛر ﺑﺳﺑب ﻣﺣرم ﻛﻣـﺎ ﻟـو ﺗﻧـﺎول اﻟﺧﻣـر ﻣﺧﺗـﺎراً ،ﻓﻘـد
اﺧﺗﻠف اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻲ وﻗوع طﻼﻗﻪ ،إﻟﻰ ﻣذﻫﺑﯾن :
وﻋﻠﯾﻪ اﻟﺟﻣﻬور ،ﻗﺎﻟوا :ﯾﻘﻊ طﻼق اﻟﺳﻛران.
ﻣﺟﺎ ًاز ،ﻛﺎن ﯾﻘول ﻋﻠﯾﻪ َ ِ َ ً
ﺣﻘﯾﻘﺔ أ َْو َ َ ﯾدل َ َ ْ ِ ﯾرد ِ ِ
ﺑﻪ َﻣﺎ َ ُ وﻟم َ ِ ْ ﻗﺻد ﱠ ْ
اﻟﻠﻔظَ ْ َ َ ، ﻣن َ َ َ
) ( ١ـ اﻟﻬﺎزل ﻫَو َ ْ
ﻟزوﺟﺗﻪ ﻻﻋﺑﺎ :اﻧت طﺎﻟق .
) ( ٢ـ ﻧﻘل ﻫذا اﻻﺟﻣـﺎع اﻟﺧطـﺎﺑﻲ ﻓـﻲ ﻣﻌـﺎﻟم اﻟـﺳﻧن ، ٢٤٣/٣ﻗـﺎل " :اﺗﻔـق ﻋﺎﻣـﺔ أﻫـل
اﻟﻌﻠـم ﻋﻠـﻰ أن ﺻـرﯾﺢ ﻟﻔــظ اﻟطـﻼق إذا ﺟـرى ﻋﻠــﻰ ﻟـﺳﺎن اﻟﺑـﺎﻟﻎ اﻟﻌﺎﻗــل ﻓﺈﻧـﻪ ﻣؤاﺧـذ ﺑــﻪ وﻻ
ﯾﻧﻔﻌﻪ أن ﯾﻘول ﻛﻧت ﻻﻋﺑﺎً أو ﻫﺎزﻻً أو ﻟم أﻧو ﺑﻪ طﻼﻗﺎً أو ﻣﺎ أﺷﺑﻪ ذﻟك ﻣن اﻷﻣور" .
وﻛـذا واﺑـن اﻟﻣﻧــذر ،ذﻛـر اﻟـﺑﻌض ﺧﻼﻓــﺎ ﻓـﻲ طﻼﻗﻬـؤ ،ﯾﻧظــر :ﻛـﺷﺎف اﻟﻘﻧــﺎع ، ٢٤٦/٥
اﻟﻣﻐﻧﻲ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٤٦٥/٨
ـ ٢٧٤ـ
١ــ أن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﺟﻌﻠوا اﻟﺳﻛران ﻛﺎﻟﺻﺎﺣﻲ ﻓﻲ ﺣد اﻟﻘذف .
٢ــ أن اﻟﺳﻛران ﻟﻣﺎ ﺗﻧﺎول اﻟﻣﺳﻛر ﺑﺎﺧﺗﯾﺎرﻩ ،ﯾﻛون ﻗـد ﺗـﺳﺑب
ﻓﻲ ﻏﯾﺎب ﻋﻘﻠﻪ ﺑﻣﺣض اﺧﺗﯾـﺎرﻩ ،ﻓﯾﻘـﻊ طﻼﻗـﻪ ﻋﻘﺎﺑـﺎً وزﺟـراً ﻟـﻪ ﻋـن
ارﺗﻛﺎب ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺻﯾﺔ .
وﻫو ﻗول ﻟﻠﺣﻧﻔﯾﺔ ،ورواﯾﺔ ﻋن اﻟـﺷﺎﻓﻌﯾﺔ ،
ﻗﺎﻟوا :ﻻ ﯾﻘﻊ طﻼق اﻟﺳﻛران .
١ــ اﻟﻘﯾــﺎس ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﺟﻧــون ؛ واﻟﺟــﺎﻣﻊ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ﻏﯾــﺎب اﻟﻌﻘــل ،
ﻓﻛﻣﺎ أن اﻟﻣﺟﻧون ﻻ ﯾﻘﻊ طﻼﻗﻪ ﻟﻐﯾﺎب اﻟﻌﻘل ﻓﻛذا اﻟﺳﻛران .
٢ـ ﻻ ﻓرق ﺑـﯾن ﻏﯾـﺎب اﻟﻌﻘـل ﺑﻣﻌـﺻﯾﺔ أو ﻏﯾرﻫـﺎ ؛ ﻻن اﻟﻌﺑـرة
ﻓــﻲ اﻟـــطﻼق ﺑﺎﻟﻘــﺻد واﻻﺧﺗﯾــﺎر ،واﻟــﺳـﻛران ﻻ ﻗــــﺻد ﻟــﻪ وﻻ اﺧــــﺗﯾﺎر
ﻓﻼ ﺑﻘﻊ طﻼﻗﻪ ) .( ١
ﻫو اﻟﻣذﻫب اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻘﺎﺋل ﺑﻌدم وﻗوع اﻟطﻼق .
وﻫذا ﻣﺎ أﺧـذ ﺑـﻪ اﻟﻘـﺎﻧون اﻟﻣـﺻري ﻓـﻲ ﻗـﺎﻧون رﻗـم ٢٥ﻟـﺳﻧﺔ
١٩٢٩م ﺣﯾـــث ﺟـــﺎء ﻓـــﻲ اﻟﻣـــﺎدة اﻷوﻟـــﻰ ﻣﻧـــﻪ ) ....ﻻ ﯾﻘـــﻊ طـــﻼق
اﻟﺳﻛران ( .
) ( ١ـــــ ﯾﻧظــــر :رد اﻟﻣﺣﺗـــﺎر ،٢٤٠ ، ٢٣٩ / ٣ﺣﺎﺷــــﯾﺔ اﻟدﺳـــوﻗﻲ ،٣٦٥ / ٢ﻣﻐﻧــــﻲ
اﻟﻣﺣﺗﺎج ،٢٧٩ / ٣اﻟﻣﻐﻧﻲ .١١٥ ، ١١٤ / ٧
ـ ٢٧٥ـ
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﻃﻼﻕ ﺍﻟﻐﻀﺒﺎﻥ :
ﻻ ﺧـــــﻼف ﺑـــــﯾن اﻟﻔﻘﻬـــــﺎء ﻋﻠـــــﻰ أن اﻟﻐـــــﺿب ) ( ١إذا وﺻـــــل
ﺑﺎﻻﻧﺳﺎن إﻟﻰ ﺣﺎﻟـﺔ ﻻ ﯾـدري ﻣﻌﻬـﺎ ﻣـﺎ ﯾﻔﻌـل وﻣـﺎ ﯾﻘـول ،ﺣﺎﻟـﺔ ﯾﻐﻠـب
ﻋﻠﯾﻪ ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺧﻠل واﻹﺿطراب اﻟﻌﺻﺑﻲ ،وﯾـﺳد ﻋﻠﯾـﻪ طرﯾـق اﻟـوﻋﻲ ،
ﻓﺄن طﻼﻗﻪ ﻻ ﯾﻘﻊ ؛ ﻻﻧﻌدام اﻟﻘﺻد واﻹرادة واﻻﺧﺗﯾﺎر .
: ﻗول اﻟﻧﺑﻲ ــ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ـــ " :
ﻻ طﻼق وﻻ ﻋﺗﺎق ﻓﻲ إﻏﻼق " ) .( ٢واﻻﻏﻼق ﻫو اﻟﻐﺿب اﻟﺷدﯾد.
أﻣﺎ إذا ظل اﻻﻧﺳﺎن ﻓﻲ وﻋﻲ ٕوادراك ﯾدري ﻣﻌـﻪ ﻣـﺎ ﯾﻔﻌـل وﻣـﺎ
ﯾﻘول ﻓﯾﻘﻊ طﻼﻗﻪ ؛ ﻷن اﻟﻐـﺿب ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻟﺣﺎﻟـﺔ وارد وﻣﻌﻠـوم ؛ ﻷن
اﻹﻧﺳﺎن ﻻ ﯾطﻠق إﻻ وﻫو ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﻐﺿب واﻟﺣزن اﻟﺷدﯾد.
ﻛﻣﺎ أﻧﻪ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻣـن اﻟﻐـﺿب ﻣﻛﻠـف وﻣـﺳﺋول ﻋـن ﻣـﺎ
. )(٣
ﯾﺻدر ﻣﻧﻪ ﻣن ﻗﺗل ،وﺳرﻗﺔ ،ﻓﻛذا اﻟطﻼق
ﻧـﺳﺎن ِ َإذا يِ َ ،
ﺗﺣـل ِ ْ زن ْ ِ ْ ِ اﻟﻌـﺻﺑﻲِ َ َ ، ﻣن ِ ْ ِ
اﻻﺿط َر ِ ﺣﺎﻟﺔ ِ ْ
ﺑﺎﻹ ْ َ ِ اﻟﻔﻛـر ﱢ اﻟﺗـ َوا ُ ِ
وﻋـدم ﱠ اب ْ َ َ ِ ﱢ َ اﻟﻐﺿبٌ َ َ :
) ( ١ــ ْ َ َ ُ
ﻏﯾرِِﻩ. َﺣد ِ ْ َ َِ
ﺑﺎﻟﻛﻼم أ َْو َ ْ ﻋدا َ َ ْ ِ
ﻋﻠﯾﻪ أ َ ٌ ََ
) ( ٢ــ أﺧرﺟﻪ أﺑو داود ﻓﻲ ﺳﻧﻧﻪ ـ ـ ﻛﺗـﺎب اﻟطـﻼق ـ ﺑـﺎب ﻓـﻲ اﻟطـﻼق ﻋﻠـﻰ ﻏﻠـط
. ٢٥٨ / ٢
) ( ٣ــ وﻓﻲ اﻟﻣـﺳﺄﻟﺔ ﺗﻔـﺻﯾل ﯾﻧظـر :ﺣﺎﺷـﯾﺔ اﺑـن اﻟﻌﺎﺑـدﯾن ،٢٤٣ / ٣واﻟدﺳـوﻗﻲ
،٣٦٦ / ٢وﺣﺎﺷـ ـ ـ ــﯾﺔ اﻟﺟﻣـ ـ ـ ــل ،٣٢٤ / ٤وﻛـ ـ ـ ــﺷﺎف اﻟﻘﻧـ ـ ـ ــﺎع ،٢٣٥ / ٥اﻟﻔﻘـ ـ ـ ــﻪ
اﻻﺳﻼﻣﻲ وأدﻟﺗﻪ ،د /وﻫﺑﺔ اﻟزﺣﯾﻠﻲ . ٦٨٨٢ / ٩
ـ ٢٧٦ـ
ً
ﺛﺎﻟﺜﺎ :ﻃﻼﻕ ﺍﳌﻜﺮﻩ ) :( ١
اﺧﺗﻠف اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻲ طﻼق اﻟﻣﻛرﻩ ) ( ٢ﻋﻠﻰ ﻣذﻫﺑﯾن :
وﻋﻠﯾﻪ ﺟﻣﻬور اﻟﻔﻘﻬﺎء ،ﻗﺎﻟوا :طﻼق اﻟﻣﻛـرﻩ
ﻻ ﯾﻘﻊ ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﻧﻌدم اﻹرادة واﻟﻘﺻد .
واﺳــﺗدﻟوا ﻋــل ذﻟــك ﺑﻘوﻟــﻪ ــــ ﺻــﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾــﻪ وﺳــﻠم ــــ ِ ) :ﱠ
إن
ﻋﻠﯾﻪ (. وﻣﺎ ْ ُ ْ ِ
اﺳﺗﻛرُﻫوا َ َ ْ اﻟﺧطَﺄَ َو ﱢ ْ َ َ ﻋن أ ﱠ ِ ﱠَ
اﻟﻧﺳﯾﺎن َ َ ُﻣﺗﻲ ْ َ وﺿﻊَ َ ْ
اﻟﻠﻪ َ َ
ﻓﻬذا اﻟﺣدﯾث ﯾدل ﻋﻠﻰ أن َﻣﺎ ﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ اﻷﻛراﻩ ﻣن اﻷﺣﻛﺎم
َ ََ
ﻋن اﻟﻣﻛﻠف وﻻ ﯾؤاﺧذ ﺑﻪ ،وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻘﻊ طﻼﻗﻪ.
ﻣرﻓوع َ ْ
َواﻵﺛﺎم ِ َ ْ ُ
ﱠ
ﺗﻛﻠـم ﻋـن َ ْ ِ ِ دﻓﻊ ﱠ ﱢ اﻟﻣﻛرﻩَ َ ْ ِ ُ
ﻋـﯾن َﻣـﺎ ََ َ
ﻧﻔـﺳﻪ َ ،ﻻ َ ْ َ اﻟﺷر َ ْ ﯾﻘﺻد َ ْ َ ﻛﻣﺎ أَ ﱠن ْ ُ ْ َ
اﻟﻘﺻد َو ِ ْ ِ َ ِ
اﻻﺧﺗﯾﺎر ـــ اﻟطـﻼق ـــ ﻫذا ْ َ ِ
ْ ﻣﺿطر َإﻟﻰ َ َ
ﻬو ُ ْ َﱞ ِﺑﻪ وﻫو اﻟطﻼق ،ﻓ َُ
ِ
ﺷر ًﻋﺎ ) .( ٣
ﻗﺻدﻩ اﻟطﻼق َ ْ
ﻓﯾﻔﺳد َ ْ ُ
ََ ْ ُ ُ
وﻋﻠﯾـﻪ اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ ،ﻗـﺎﻟوا :طــﻼق اﻟﻣﻛـرﻩ ﯾﻘــﻊ ؛
ﻣﺑﺎﺷرﺗﻪُ َ ْﻟو ُِ َ
ﺗرك ﯾﺧﺗﺎر ُ َ َ َ َ ﻗول أ َْو ِ ْ ٍ ﯾرﺿﺎﻩُ ِ ْ
ﻣن َ ْ ٍ ﺣﻣل ْ َ ْ ِ
ﻓﻌلَ ،وﻻَ َ ْ َ ُ ﻋﻠﻰ َﻣﺎ ﻻَ َ ْ َ
اﻟﻐﯾر َ َ ) ( ١ـ اﻹﻛراﻩ ْ َ :
َداة ﻣرِ َ ٍ
ٍ ﻋﻠﻰ ﱠ َ ِ
ﻫﺑـﺔ .ﯾﻧظـر :اﻟﺗﻘرﯾـر واﻟﺗﺣﺑﯾـر ، ٢٠٦ / ٢ اﻟطﻼق ِﺑـﺄ َ ُ ْ ﺣﻣل ﱠ ْ ِ
اﻟزوج َ َ وﻧﻔﺳﻪ .أو َ ْ
ََْ َ ُ
اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ اﻟﻛوﯾﺗﯾﺔ . ١٧ /١٩
) ( ٢ــ اﻟﻣـراد ﺑـﺎﻹﻛراﻩ ﻫﻧـﺎ اﻻﻛـراﻩ اﻟﻣﻠﺟـﻲء وﻫـو ﻣـﺎ ﻻ ﯾـﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻣﻛﻠـف دﻓﻌـﻪ ،ﻛــﺎﻹﻛراﻩ
ﺑﺎﻟﻘﺗل وﻗطﻊ ﻋﺿو ...اﻟﺦ .
) ( ٣ــ ﯾظر :اﻟﻣﺟﻣوع ﺷرح اﻟﻣﻬذب ، ٦٧ ،٦٦/ ١٧ﻣﻐﻧﻲ اﻟﻣﺣﺗﺎج / ٣
،٢٨٩ﺷرح ﻣﺧﺗﺻر ﺧﻠﯾل ﻟﻠﺧرﺷﻲ ، ٣٣/٤ﺣﺎﺷﯾﺔ اﻟدﺳوﻗﻲ ،٣٦٧ / ٢
اﻟﻣﻐﻧﻲ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ .١١٨ / ٧
ـ ٢٧٧ـ
ﻷن اﻹﻛــــراﻩ ﯾﻌــــدم رﺿــــﺎﻩ وﻻ ﯾﻔــــﺳد اﺧﺗﯾــــﺎرﻩ ،أي :اﺧﺗــــﺎر اﻟــــﺗﻠﻔظ
ﺑﺎﻟطﻼق ﻓﯾﺣﺎﺳب ﻋﻠﯾﻪ وﯾﻘﻊ ٕ ،وان ﻟم ﯾرﺗﺿﻲ اﻟﻣﻌﻧﻰ .
زوﺟﻬـﺎ ﻛﺎﻧت ُْ ِ
ض َْ َ َ ﺗﺑﻐــ ُ اﻣ َرأَةً َ َ ْ
َن ْ
ﺑﻣﺎ روي أ ﱠ
ـﻪ ، ـدرِﻩ ،ﺛُـ ﱠـم َ ﱠ َ ْ
ﺣرﻛﺗـ ُ ﺻـ ْ ِ ﻓوﺟدﺗـ ُ ِ
ـﺳت َﻋﻠَــﻰ َ
وﺟﻠَـ َ ْ
ـﻔرةً َ َ ،ﺷـ ْ َ
ـذت َ
َﺧـ َ ْ
ﻧﺎﺋﻣــﺎ ،ﻓَﺄ َ
ـﻪ َ ً ََ َ َ ْ
ــﺎﻟﻰ أن ﻻ ﺗﻌـ َ ــدﻫﺎ اﻟﻠﱠـ َ ﺛﻼﺛًـــﺎ ،أ َْو َﻷ ْ َ َ ﱠ ــتَ ُ ِ :ﱢ َ ِ
ــﻪ َ َ ﻓﻧﺎﺷـ َ َ
ــك َ َ َ ،
َذﺑﺣﻧـ َ ﻟﺗطﻠﻘﻧـــﻲ ََ ﻓﻘﺎﻟَـ ْ
ََ
ﺻـ ﱠـﻠﻰ ﱠ ـول ﱠ ِ رﺳـ ِ
ـﻪ
اﻟﻠـ ُ اﻟﻠــﻪ ــــ َ ـﺎء إﻟَــﻰ َ ُ
ﺛﻼﺛًــﺎ ،ﺛُـ ﱠم َﺟـ َ ـت َ َﱠ َ َ
ﻓطﻠﻘﻬــﺎ ََ ﺗﻔﻌــل ،ﻓَﺄ ََﺑـ ْ
ﱠ اﻟﻠـﻪُ َ ْ ِ ﻋن َ ِ َ َ َْ ِ ﱠ
وﺳـﻠم ـــ :
ﻋﻠﯾـﻪ َ َ َ ﺻـﻠﱠﻰ ﱠ َ ﻓﻘﺎل :ــ َ
ذﻟك َ َ َ ، وﺳﻠم ــ َﻓﺳــَﺄ ََﻟﻪُ َ ْ
ﻋﻠﯾﻪ َ َ َ
ﻗﯾﻠوﻟﺔ ِﻓﻲ ﱠ َ ِ
اﻟطﻼق ( . ) َﻻ َْ ُ َ َ
ﻛﻣـــﺎ أن اﻟﻣﻛـــرﻩ ﻣﻛﻠـــف ،أوﻗـــﻊ اﻟطـــﻼق ﻓـــﻲ ﻣﺣﻠـــﻪ ،ﻓﯾﻘـــﻊ
ﻛﺎﻟطﺎﺋﻊ ) .( ١
: ﻫـو ﻣـذﻫب اﻟﺟﻣﻬــور اﻟﻘﺎﺋـل ﺑـﺄن طـﻼق اﻟﻣﻛــرﻩ ﻻ
ﯾﻘــﻊ ،وﻫــو ﻣــﺎ أﺧــذ ﺑــﻪ ﻗــﺎﻧون اﻷﺣ ـوال اﻟﺷﺧــﺻﯾﺔ رﻗــم ٢٥ﻟــﺳﻧﺔ
، ١٩٢٩وﺟرى ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻌﻣل ﺑﺎﻟﻣﺣﺎﻛم .
ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺑﻠﻔﻆ ﺍﻟﺜﻼﺙ :ـ
ﻣﺗﻌـددا ﺣﺗـﻰ إذا
ً ﻣن رﺣﻣﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌﺑﺎدﻩ أن ﺟﻌل اﻟطـﻼق
أوﻗﻌﻪ اﻟﻣطﻠق ﻣرة وﻧدم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺣﺻل ﻣﻧﻪ أﻣﻛﻧﻪ اﻟرﺟوع إﻟﻰ زوﺟﺗﻪ
ورﻓﻘﺎ .
ﺛﻼﺛﺎ رﺣﻣﺔ ً
ﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﺟﻌﻠﻪ ً
) ( ١ــ ﯾﻧظر :اﻟﻣﺑﺳوط ﻟﻠﺳرﺧﺳﻲ ،١٧٧/٦اﻹﺧﺗﯾﺎر ﻟﺗﻌﻠﯾل اﻟﻣﺧﺗﺎر .١٢٤/٣
وﻣﻐﻧﻲ اﻟﻣﺣﺗﺎج ،٢٨٩ / ٣واﻟدﺳوﻗﻲ ،٣٦٧ / ٢واﻟﻣﻐﻧﻲ .١١٨ / ٧
ـ ٢٧٨ـ
ﻟﻛن ﻗد ﯾﺣدث وﯾﺟﻣﻊ اﻟرﺟل ﻛـل ﻣـﺎ ﯾﻣﻠﻛـﻪ ﻣـن ﻣـرات اﻟطـﻼق
ﺛﻼﺛـﺎ ،أو أﻧـت طـﺎﻟق
ﻓﻰ ﻟﻔظ واﺣد ﻛﺄن ﯾﻘـول ﻟزوﺟﺗـﻪ :أﻧـت طـﺎﻟق ً
ﺛﻼث ﺗطﻠﯾﻘﺎت ،أو ﯾﻘوﻟﻬﺎ ﻣﺗﺗﺎﺑﻌﺎت ﻓﻰ ﻣﺟﻠس واﺣد .أﻧت طﺎﻟق ،
أﻧت طﺎﻟق ،أﻧت طﺎﻟق .
وﻗد اﺧﺗﻠف اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻰ ﺣﻛم اﻟطﻼق ﻋﻠـﻰ ﻫـذﻩ اﻟـﺻورة ﻋﻠـﻰ
اﻟوﺟﻪ اﻵﺗﻰ :ـ
. ١ــ ﺫﻫــﺐ ﺍﳉﻤﻬــﻮﺭ إﻟــﻰ وﻗــوع اﻟــﺛﻼث ،وأن زوﺟﺗــﻪ ﺗﺑــﯾن ﻣﻧــﻪ
زوﺟـﺎ ﻏﯾـرﻩ .وﺳـﻧدﻫم ﻓـﻰ ذﻟـك
ﺑﯾﻧوﻧﺔ ﻛﺑرى ﻓﻼ ﺗﺣـل ﻟـﻪ ﺣﺗـﻰ ﺗـﻧﻛﺢ ً
ﻣﺎ ﯾﺄﺗﻰ :
ﻣـﺎ أﺧرﺟــﻪ ﻋﺑــد اﻟـرازق ﻓــﻰ ﻣــﺻﻧﻔﻪ ﻋـن ﻋﺑــﺎدة ﺑــن اﻟــﺻﺎﻣت
ﻗـﺎل :طﻠـق ﺟـدى اﻣـرأة ﻟـﻪ أﻟـف ﺗطﻠﯾﻘـﺔ ،ﻓﺎﻧطﻠﻘـت ﻓـﺳﺄﻟت اﻟﻧﺑـﻰ ـ
ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ ﻓﻘﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم } :ﻣـﺎ
اﺗﻘﻰ اﷲ ﺟدك ،أﻣﺎ ﺛﻼث ﻓﻠﻪ وأﻣﺎ ﺗﺳﻌﻣﺎﺋﺔ وﺳﺑﻊ وﺗـﺳﻌون ﻓﻌـدوان
وظﻠم ،إن ﺷﺎء اﷲ ﻋذﺑﻪ ٕ ،وان ﺷﺎء ﻏﻔر ﻟﻪ { .
ﻣﺧرﺟـﺎ ﺑﺎﻧــت
ً وﻓـﻰ رواﯾـﺔ } :إن أﺑــﺎك ﻟـم ﯾﺗـق اﷲ ﻓﯾﺟﻌــل ﻟـﻪ
ﻣﻧــﻪ ﺑـــﺛﻼث ﻋﻠـــﻰ ﻏﯾــر اﻟـــﺳﻧﺔ وﺗـــﺳﻌﻣﺎﺋﺔ وﺳــﺑﻊ وﺗـــﺳﻌون إﺛـــم ﻓـــﻰ
{)(١ ﻋﻧﻘﻪ
وﻫﻧـﺎك ﻓﺗـﺎوى روﯾــت ﻋـن ﻓﻘﻬــﺎء اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ ﺗؤﯾــد وﻗـوع اﻟــﺛﻼث
ﺑﺎﻟﻛﻠﻣﺔ اﻟواﺣدة .
) (١ﻧﯾل اﻷوطﺎر ﻟﻠﺷوﻛﺎﻧﻰ . ٢٣٢/٦
ـ ٢٧٩ـ
ﻓـــروى أﺑـــو داود ﻋـــن ﻣﺟﺎﻫـــد ﻗـــﺎل :ﻛﻧـــت ﻋﻧـــد اﺑـــن ﻋﺑـــﺎس
ﻓﺟــﺎءﻩ رﺟــل ﻓﻘــﺎل إﻧــﻪ طﻠــق اﻣرأﺗــﻪ ﺛ ـﻼث ،ﻓــﺳﻛت ﺣﺗــﻰ ظﻧﻧــت أﻧــﻪ
رادﻫﺎ إﻟﯾﻪ .ﺛم ﻗﺎل :ﯾﻧطﻠق أﺣدﻛم ﻓﯾرﻛب اﻟﺣﻣوﻗﺔ ﺛـم ﯾﻘـول ﯾـﺎ اﺑـن
ﻋﺑــﺎس ﯾــﺎ اﺑــن ﻋﺑــﺎس ٕ ،وان اﷲ ﻗــﺎل " :وﻣــن ﯾﺗــق اﷲ ﯾﺟﻌــل ﻟــﻪ
ﻣﺧرﺟــﺎ ﻋــﺻﯾت رﺑــك ﻓﺑﺎﻧــت
ً ﻣﺧرﺟــﺎ " ٕواﻧــك ﻟــم ﺗﺗــق اﷲ ﻓﻠــم أﺟــد ﻟــك
ً
ﻣﻧك اﻣرأﺗك .
٢ـ ﻭﺫﻫﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻹﻣﺎﻣﻴﺔ ﻭﺑﻌـﺾ ﺍﻟﺰﻳﺪﻳـﺔ ﻭﻛﺜـﲑ ﻣـﻦ ﺍﳌﺘـﺄﺧﺮﻳﻦ
ﻣﻨﻬﻢ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﻛﺜﲑ ﻣﻦ ﺍﶈﻘﻘﲔ إﻟـﻰ أن ﻣـن طﻠـق
ﺛﻼﺛًــﺎ ﺑﻛﻠﻣــﺔ واﺣــدة أو ﻣﺗﻛــرًرا ﻓــﻰ ﻛﻠﻣــﺎت ﻓــﻰ ﻣﺟﻠــس واﺣــد ﯾﻘــﻊ ﺑــﻪ
واﺣدة رﺟﻌﯾﺔ ﻓﻘط وﻗـد روى ﻫـذا اﻟﻘـول ﻋـن اﺑـن ﻋﺑـﺎس وﻋﻠـﻰ واﺑـن
ﻣﺳﻌود وﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن ﻋوف واﻟزﺑﯾر ﺑن اﻟﻌوام .
ﻭﺳﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ :ـ
ﻗوﻟـــﻪ ﺗﻌـــﺎﻟﻰ ":اﻟطـــﻼق ﻣرﺗـــﺎن ﻓﺈﻣـــﺳﺎك ﺑﻣﻌـــروف أو ﺗـــﺳرﯾﺢ
ﻓﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﯾن ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻵﯾﺔ أن اﻟطﻼق ﻣرة ﺑﻌـد ﻣـرة "(١). ﺑﺈﺣﺳﺎن
،ﻓـﺈن اﻟﻌـرب ﻓـﻰ ﻟﻐﺗﻬـﺎ ﻻ ﺗﻌﻘـل وﻗـوع اﻟﻣـرﺗﯾن إﻻ ﻣﺗﻌـﺎﻗﺑﺗﯾن ،وﻫــذا
ﯾــدل ﻋﻠــﻰ أن اﻟﻣطﻠــق إذا ﺟﻣﻌﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻟﻔــظ واﺣــد ﻓﺈﻧﻣــﺎ اﻟﻣــراد ﻫــذا
اﻟﻣﻌﻧﻰ .
وﻣن اﻟﺳﻧﺔ ﻣﺎ أﺧرﺟﻪ اﻹﻣﺎم أﺣﻣد ﻋن اﺑن ﻋﺑـﺎس رﺿـﻰ اﷲ
ﺛﻼﺛﺎ ﻓﻰ ﻣﺟﻠـس واﺣـد ،
ﻋﻧﻬﻣﺎ ﻗﺎل :طﻠق رﻛﺎﻧﺔ ﺑن ﻋﺑد اﷲ اﻣرأﺗﻪ ً
ﺷدﯾدا ،ﻓﺳﺄﻟﻪ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳـﻠم
ً ﺣزﻧﺎ
ﻓﺣزن ﻋﻠﯾﻬﺎ ً
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٩
ـ ٢٨٠ـ
ﺛﻼﺛـﺎ ﻓـﻰ ﻣﺟﻠـس واﺣـد ،ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ
ــ ﻛﯾـف طﻠﻘﺗﻬـﺎ ؟ ﻗـﺎل ً
وﻫـذا اﻟﺣـدﯾث (١). ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ } :إﻧﻣﺎ ﺗﻠك واﺣدة ﻓﺎرﺗﺟﻌﻬﺎ {
ﻧﺻﺎ ﻓﻰ ﻣﺣل اﻟﻧزاع .
ﯾﻌﺗﺑر ً
وﻗد روى ﻣﺳﻠم ﻋن اﺑن ﻋﺑـﺎس رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ ﻗـﺎل :ﻛـﺎن
اﻟطﻼق ﻋﻠﻰ ﻋﻬد رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم وأﺑـﻰ ﺑﻛـر
وﺳـــﻧﺗﯾن ﻣـــن ﺧﻼﻓـــﺔ ﻋﻣـــر طـــﻼق اﻟـــﺛﻼث واﺣـــدة ،ﻓﻘـــﺎل ﻋﻣـــر ﺑـــن
اﻟﺧطﺎب " :إن اﻟﻧﺎس ﻗـد اﺳـﺗﻌﺟﻠوا ﻓـﻰ أﻣـر ﻛـﺎن ﻟﻬـم ﻓﯾـﻪ أﻧـﺎة ﻓﻠـو
وﻫـــذا ﻣـــﺎ ﯾﺗﻌﻠـــق ﺑـــﺎﻟﻘول (٢). أﻣـــﺿﯾﻧﺎﻩ ﻋﻠـــﯾﻬم ،ﻓﺄﻣـــﺿﺎﻩ ﻋﻠـــﯾﻬم "
اﻟﺛﺎﻧﻰ ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وﻗد رأﯾت ﺳﻧدﻩ .
ﺛﻼﺛـﺎ ﻓـﻰ ﻟﻔـظ
٣ـ ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﻓﯾـرى أﺻـﺣﺎﺑﻪ أن ﻣـن طﻠـق ً
واﺣد ﻻ ﯾﻘﻊ ﺑﻪ ﺷـﺊ أﺻـﻼً .ذﻫـب إﻟـﻰ ذﻟـك ﺑﻌـض اﻹﻣﺎﻣﯾـﺔ وﺑﻌـض
اﻟزﯾدﯾــﺔ واﻹﺑﺎﺿــﯾﺔ ٕ ،واﻟﯾــﻪ ذﻫــب ﺑﻌــض أﻫــل اﻟظــﺎﻫر ﻛــﺎﺑن ﺣــزم :
ﻭﺩﻟﻴﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ :ـ
ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ " :اﻟطﻼق ﻣرﺗﺎن " ﻓﻬذا ﻫو اﻟﻣـﺷروع وﻣـﺎ ﻋـداﻩ
ﻻ ﯾﻘﻊ ﻷﻧﻪ ﺧﺎﻟف ﻣﺎ ﺷرﻋﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﻫذﻩ ﻫﻰ أﻗوال اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻓﻰ ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وأدﻟﺗﻬم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟوا
) (١رواﻩ أﺑـــو داود ﻓـــﻰ " ﻛﺗـ ــﺎب اﻟطـــﻼق " " ﺑـ ــﺎب ﻧـــﺳﺦ اﻟﻣراﺟﻌـــﺔ ﺑﻌـ ــد اﻟﺗطﻠﯾﻘـــﺎت اﻟـ ــﺛﻼث "
واﻟﺗرﻣذى ﻓـﻰ " ﻛﺗـﺎب اﻟطـﻼق " " ﺑـﺎب ﻣـﺎ ﺟـﺎء ﻓـﻰ اﻟرﺟـل ﯾطﻠـق اﻣ أرﺗـﻪ اﻟﺑﺗـﺔ " ،واﻧظـر ﺳـﺑل
اﻟﺳﻼم ، ٣٦٤/٣ﻧﯾل اﻷوطﺎر . ٢٣٢/٦
) (٢رواﻩ ﻣﺳﻠم ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق " " ﺑﺎب طﻼق اﻟﺛﻼث " .
ـ ٢٨١ـ
وﺑـﺎﻟﻧظر واﻟﺗﺄﻣــل ﻓﯾﻬـﺎ ﻧﻣﯾــل إﻟـﻰ ﺗــرﺟﯾﺢ اﻟـرأى اﻟﻘﺎﺋــل ﺑوﻗـوع اﻟطــﻼق
اﻟﺛﻼث ﺑﻛﻠﻣﺔ واﺣدة ،واﺣدة رﺟﻌﯾﺔ ،ﻷن ﻣﻧﺎط اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ
وﻣدارﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ وﻣن ﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻧـﺎس أن ﯾﺄﺧـذوا ﺑﻬـذا اﻟﻘـول .
وﻫذا اﻟﻘول ﻫو ﻣﺎ رﺟﺣﻪ اﺑن اﻟﻘـﯾم وﻛﺛﯾـر ﻣـن اﻟﺑـﺎﺣﺛﯾن اﻟﻣﻌﺎﺻـرﯾن
ﯾﻘول اﺑن اﻟﻘﯾم :ـ
) إن ﻫــذا اﻟﻘــول ـ أى وﻗــوع اﻟطــﻼق واﺣــدة ـ ﻗــد دل ﻋﻠﯾــﻪ
اﻟﻛﺗــﺎب واﻟــﺳﻧﺔ واﻟﻘﯾــﺎس واﻹﺟﻣــﺎع اﻟﻘــدﯾم وﻟــم ﯾﺣــدث ﺑﻌــدﻩ إﺟﻣــﺎع
ﯾﺑطﻠﻪ ،وﻟﻛن رأى أﻣﯾر اﻟﻣؤﻣﻧﯾن ﻋﻣر ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧـﻪ ـ أن اﻟﻧـﺎس
ﻗد اﺳﺗﻬﺎﻧوا ﺑﺄﻣر اﻟطﻼق وﻛﺛر ﻣـﻧﻬم إﯾﻘﺎﻋـﻪ ﺟﻣﻠـﺔ واﺣـدة ﻓـرأى ﻣـن
(١). اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ﻋﻘوﺑﺗﻬم ﺑﺈﻣﺿﺎﺋﻪ ﻋﻠﯾﻬم (
وﯾﻘول اﻷﺳﺗﺎذ اﻟﻣراﻏﻰ ﺷﯾﺦ اﻷزﻫر ﺳﺎﺑًﻘﺎ :ـ
) .. ..ﻓﺎﻟﻣــــﺳﺄﻟﺔ ﺧﻼﻓﯾــــﺔ ،ودﻋــــوى اﻹﺟﻣــــﺎع ﻓﯾﻬــــﺎ ﻏﯾــــر
ﺻﺣﯾﺣﺔ واﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ﺑوﻗوع اﻟطﻠﻘﺔ اﻟواﺣدة أﺋﻣﺔ ﯾﺟوز ﺗﻘﻠﯾـدﻫم واﻟـدﻟﯾل
ﺧروﺟــﺎ ﻋﻠــﻰ
ً ﯾﻧــﺻرﻫم ـ ﻓــﺎﻟﻘول ﺑﻬــذا ـ ﻛﻣــﺎ ﻓــﻰ اﻟﻘــﺎﻧون ـ ﻻ ﯾﻌــد
اﻟدﯾن().(٢
وﻣن ﻗول ﺑﻌﺿﻬم ﻓﻰ ذﻟك :ـ
) وأﻧــك ﻟــو ﻗطﻌــت اﻟﻧظــر ﻋــن ﻛــل ﻣــﺎ ورد ﻓــﻰ اﻟﻣــﺳﺄﻟﺔ ﻣــن
ﻧﺻوص ،واﺳﺗﻘﺑﻠﺗﻬﺎ اﺳﺗﻘﺑﺎﻻً ﻣﻧظوًرا ﻓﯾـﻪ اﻵﺛـﺎر اﻟﻣﺗرﺗﺑـﺔ ﻋﻠـﻰ ﻛـل
ـﺣﺎ ،أن اﻟﻘــول ﺑوﻗوﻋﻬــﺎ واﺣــدة أﻗــل
ﻣــن اﻟﻔرﺿــﯾن :ﯾﺗﺑــﯾن ﻟــك واﺿـ ً
) (١أﻋﻼم اﻟﻣوﻗﻌﯾن ﻻﺑن اﻟﻘﯾم . ٤٧/٣
) (٢ﻣﺷروع اﻟزواج واﻟطﻼق ص ٨٥ﻧﻘﻼً ﻋن اﻟﻛﺑﯾﺳﻰ ﻓﻰ اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ .
ـ ٢٨٢ـ
ﺛﻼﺛـﺎ .واﻟﻘﺎﻋـدة اﻟﻣﺣﻛﻣـﺔ ﻓـﻰ ﻣﺛـل ﻫـذا
ﻣﻔﺳدة ﻣـن اﻟﻘـول ﺑوﻗوﻋﻬـﺎ ً
اﻟـﺷرﯾﻌﺔ :أن ﯾرﺗﻛـب أﺧـف ﻋﻧد ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻌﻠﻣـﺎء ـ وﻛﻣـﺎ ﺗﻘـﺿﻰ ﺑـﻪ
(١). ﻓﺳﺎدا (
ً اﻟﺿررﯾن وأﻗﻠﻬﻣﺎ
وﺑــﺎﻟرأى اﻟــذى رﺟﺣﻧــﺎﻩ أﺧــذ اﻟﻘــﺎﻧون رﻗــم ٢٥ﻟــﺳﻧﺔ ١٩٢٩م ﺣﯾــث
ﻟﻔظـﺎ
ﻧص ﻓﻰ ﻣﺎدﺗﻪ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺄﺗﻰ ) :اﻟطﻼق اﻟﻣﻘﺗـرن ﺑﻌـدد ً
أو إﺷﺎرة ﻻ ﯾﻘﻊ إﻻ واﺣدة (
.ﺃﻗﺴﺎﻡ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭ ﺇﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻌﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﺇﻣﻜﺎﻧﻬﺎ :ـ
ﯾﻧﻘــﺳم اﻟطــﻼق ﻣــن ﺣﯾــث إﻣﻛــﺎن اﻟرﺟﻌــﺔ وﻋــدم إﻣﻛﺎﻧﻬــﺎ إﻟــﻰ
طﻼق رﺟﻌﻰ وطﻼق ﺑﺎﺋن :ـ
ﻓﺎﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺮﺟﻌﻰ :ـ
ﻫـو اﻟطـﻼق اﻟـذى ﯾﻣﻛـن ﻟﻠـزوج ﻣﻌـﻪ ﻣراﺟﻌـﺔ زوﺟﺗـﻪ ـ ﺑﻌـد وﻗوﻋـﻪ ـ
ﺑدون رﺿﺎﻫﺎ ،وﺑدون ﻋﻘد وﻣﻬر ﺟدﯾدﯾن ﻣﺎ داﻣت ﻓﻰ اﻟﻌدة .
ً
ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺭﺟﻌﻴﺎ ﻓﻰ ﺍﳊﺎﻻﺕ ﺍﻵﺗﻴﺔ :ـ
١ـ إذا ﻛﺎن اﻟطﻼق ﺑﻌد اﻟدﺧول اﻟﺣﻘﯾﻘﻰ .
٢ـ إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟطﻼق ﻓﻰ ﻣﻘﺎﺑل ﻣـﺎل ﺗدﻓﻌـﻪ اﻟزوﺟـﺔ ﻟزوﺟﻬـﺎ ﻣﻘﺎﺑـل
طﻼﻗﻬﺎ ﻣﻧﻪ.
ﻣﻛﻣﻼ ﻟﻠﺛﻼث .
٣ـ إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟطﻼق ً
) (١ﻣﻘﺎرﻧﺔ اﻟﻣذاﻫب ﻟﻠﺳﺎﯾس وﺷﻠﺗوت ص . ١٤٤
ـ ٢٨٣ـ
٤ـ إذا ﻟم ﯾﻛن اﻟطﻼق ﺑواﺳطﺔ اﻟﻘﺿﺎء ،وﯾﺳﺗﺛﻧﻰ ﻣن ذﻟك اﻟطـﻼق
رﺟﻌﯾـﺎ ،ﻷن ﻗـدرة
ً اﻟذى ﯾوﻗﻌﻪ اﻟﻘﺎﺿﻰ ﻟﻌدم اﻹﻧﻔﺎق ﻓﺈﻧﻪ ﯾﻛـون
اﻟــزوج ﻋﻠــﻰ اﻹﻧﻔــﺎق ﻣﺗوﻗﻌــﺔ ﻓــﻰ أى وﻗــت ،وﻛــذﻟك ﻓــﺈن ﻋــودة
اﻟــزوج اﻟﻣﺗﻌﻧــت إﻟــﻰ اﻹﻧﻔــﺎق ﻋﻠــﻰ زوﺟﺗــﻪ ﯾرﺟــﻰ ﺣــﺻوﻟﻬﺎ ﺑــﯾن
ﻋــﺷﯾﺔ وﺿــﺣﺎﻫﺎ .وﻛــذﻟك ﯾــﺳﺗﺛﻧﻰ اﻟطــﻼق ﺑــﺳﺑب اﻹﯾــﻼء ﻓﺈﻧــﻪ
رﺟﻌﯾﺎ ،وذﻟـك ﻹﻋطـﺎء اﻟـزوج ﻓرﺻـﺔ ﻟﻠﻌـودة إﻟـﻰ ﻣﻌﺎﺷـرة
ً ﯾﻛون
اﻟزوﺟﺔ ورﻓﻊ اﻟﺿرر ﻋﻧﻬﺎ (١).
ﺣﻜﻤــﻪ :ـ
وﺣﻛــم اﻟطــﻼق اﻟرﺟﻌــﻰ :أﻧــﻪ ﻻ ﯾزﯾــل اﻟﻌــﺻﻣﺔ وﻻ ﯾزﯾــل ﺣــل
اﻟزوﺟـﺔ ﻟزوﺟﻬــﺎ ،ﺑــل ﻟــﻪ ﻣراﺟﻌﺗﻬــﺎ واﻻﺳــﺗﻣﺗﺎع ﺑﻬــﺎ طﺎﻟﻣــﺎ أن اﻟﻌــدة
ﺑﺎﻗﯾﺔ ﻟم ﺗﻧﺗﻪ ﺑﻌد .
ﻛــذﻟك ﻻ ﯾﻣﻧــﻊ اﻟﺗ ـوارث ﺑــﯾن اﻟــزوﺟﯾن إذا ﻣــﺎت أﺣــدﻫﻣﺎ ﻓــﻰ
اﻟﻌـدة ،ﻛﻣــﺎ ﻻ ﯾﺣـل ﺑــﻪ ﻣؤﺟــل اﻟﻣﻬـر ،وﻛــل ﻏﺎﯾــﺔ ﻫـذا اﻟطــﻼق أﻧــﻪ
ﯾﻧﻘص ﻋدد اﻟطﻠﻘﺎت اﻟﺗﻰ ﯾﻣﻠﻛﻬﺎ اﻟزوج ﻋﻠﻰ زوﺟﺗﻪ .
وﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻰ ﺗﻔﺻﯾل ﻣﻧﺎﺳب ﻟﺑﻌض أﺣﻛﺎم اﻟرﺟﻌﺔ :
) (١د /ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻰ ﻣﺣﺟوب ) اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ( ص . ٣٨٩
ـ ٢٨٤ـ
ﺍﻟﺮﺟﻌــﺔ
رﺟﻌـﺎ ورﺟﻌـﻪ :إذا أﻋـﺎدﻩ
ﺍﻟﺮﺟﻌﺔ ﻟﻐﺔ :ﻣﺻدر رﺟﻌﻪ ﯾرﺟﻌـﻪ ً
وردﻩ ،ﯾﻘﺎل :رﺟﻌت اﻷﻣر إﻟﻰ أواﺋﻠﻪ إذا رددﺗﻪ إﻟﻰ اﺑﺗداﺋﻪ .
ﻭﻓﻰ ﺍﻟﺸﺮﻉ :ﻫﻰ رد اﻟزوﺟﺔ إﻟﻰ زوﺟﻬﺎ ٕواﻋﺎدﺗﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺣﺎﻟﺔ
اﻟﺗﻰ ﻛﺎﻧت ﻋﻠﯾﻬﺎ )(١
ﻭﻫﻰ ﻣـﺸﺮﻭﻋﺔ ﺑﻘوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :وﺑﻌـوﻟﺗﻬن أﺣـق ﺑـردﻫن ﻓـﻰ
(٢). إﺻﻼﺣﺎ "
ً ذﻟك إن أرادوا
واﻟﻣراد ﺑﻪ اﻟرﺟﻌﺔ ﻋﻧد ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎء وأﻫل اﻟﺗﻔﺳﯾر ) (٣وﺑﻣﺎ
روى ﻋـن اﺑـن ﻋﻣـر ـ رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬﻣـﺎ ـ ﻣـن أﻧـﻪ طﻠـق زوﺟﺗـﻪ وﻫـﻰ
ﻛﻣﺎ ﯾراﺟﻌﻬﺎ)(٤ ﺣﺎﺋض ﻓﺄﻣرﻩ اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ أن
روى أﻧﻪ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ﻟﻣـﺎ طﻠـق ﺣﻔـﺻﺔ ﺟـﺎءﻩ ﺟﺑرﯾـل ﻋﻠﯾـﻪ
اﻟﺳﻼم ﻓﻘﺎل } :راﺟﻊ ﺣﻔﺻﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺻـواﻣﺔ ،ﻗواﻣـﺔ ٕ ،واﻧﻬـﺎ زوﺟﺗـك
ﻓﻰ اﻟﺟﻧﺔ { .
وأﺟﻣﻊ أﺋﻣﺔ اﻟدﯾن ﻋﻠﻰ أن ﻣن طﻠق زوﺟﺗﻪ دون اﻟﺛﻼث ﻛـﺎن
) (١اﻻﺧﺗﯾﺎر ﻟﻠﻣوﺻﻠﻰ . ١٤٧/٣
) (٢ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٢٨
) (٣اﻟﻣﻐﻧﻰ ﻻﺑن ﻗداﻣﺔ . ٢٧٣/٧
) (٤رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى " ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق " " ﺑﺎب وﺑﻌوﻟﺗﻬن أﺣـق ﺑـردﻫن " وﻣـﺳﻠم " ﻛﺗـﺎب اﻟطـﻼق "
" ﺑــﺎب ﺗﺣ ـرﯾم طــﻼق اﻟﺣــﺎﺋض " ،وأﺑــو داود " ﻛﺗــﺎب اﻟطــﻼق " " ﺑــﺎب ﻓــﻰ طــﻼق اﻟــﺳﻧﺔ " ،
واﻟﺗرﻣذى " ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق " " ﺑﺎب ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻰ طﻼق اﻟﺳﻧﺔ " .
ـ ٢٨٥ـ
ﻟﻪ ﺣق اﻟﻣراﺟﻌـﺔ أﺛﻧـﺎء اﻟﻌـدة .ﻟـم ﯾﺧـﺎﻟف ﻓـﻰ ذﻟـك أﺣـد .ذﻛـرﻩ اﺑـن
اﻟﻣﻧذر(١).
وﻗـﺎل اﻟـﺻﻧﻌﺎﻧﻰ " :وﻗـد أﺟﻣـﻊ اﻟﻌﻠﻣـﺎء ﻋﻠـﻰ أن اﻟـزوج ﯾﻣﻠــك
رﺟﻌـﺔ زوﺟﺗــﻪ ﻓــﻰ اﻟطــﻼق اﻟرﺟﻌــﻰ ﻣــﺎ داﻣــت اﻟﻌــدة ﻣــن ﻏﯾــر اﻋﺗﺑــﺎر
رﺿـــﺎﻫﺎ ورﺿـــﺎ وﻟﯾﻬـــﺎ إذا ﻛـــﺎن اﻟطـــﻼق ﺑﻌـــد اﻟﻣـــﺳﯾس وﻛـــﺎن اﻟﺣﻛـــم
ﻋﻠﯾﻪ(٢). ﻣﺟﻣﻌﺎ
ً ﺑﺻﺣﺔ اﻟرﺟﻌﺔ
ﻣﺎ ﺗﺘﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺟﻌﺔ :ـ
ﺗﺗم اﻟرﺟﻌﺔ ﺑﺄﺣد أﻣرﯾن :ـ
ً
ﺍﻷﻭﻝ :ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺻﺮﳛﺎ ﺃﻭ ﻛﻨﺎﻳﺔ :ـ
ﻓﺎﻟﺼﺮﻳﺢ ﻛﺄن ﯾﻘـول اﻟﻣطﻠـق :راﺟﻌـت زوﺟﺗـﻰ ،أو رددﺗﻬـﺎ ،
أو أﻣﺳﻛﺗﻬﺎ .ﻣن ﻛل ﻟﻔظ ﻻ ﯾﺣﺗﻣل ﺳوى اﻟرﺟﻌﺔ .
ﻭﺍﻟﻜﻨﺎﻳﺔ :ﻛﺄن ﯾﺗﻠﻔظ ﺑﻣﺎ ﯾﺣﺗﻣل اﻟرﺟﻌﺔ وﻏﯾرﻫﺎ ﻛﻘوﻟﻪ :أﻧت
زوﺟﺗﻰ أو أﻧت ﻋﻧدى ﻛﻣﺎ ﻛﻧت .
واﻟرﺟﻌﺔ ﺗـﺗم ﺑـﺎﻟﻘول اﻟـﺻرﯾﺢ وأن ﻟـم ﯾﻧوﻫـﺎ ،أﻣـﺎ اﻟﻛﻧﺎﯾـﺔ ﻓـﻼ
ﺗﺣـــﺻل ﺑﻬـــﺎ اﻟرﺟﻌـــﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻧﯾـــﺔ أو دﻻﻟـــﺔ اﻟﺣـــﺎل ،ﻷن ﻗوﻟـــﻪ :أﻧـــت
زوﺟﺗﻰ ،وأﻧت ﻋﻧدى ﻛﻣﺎ ﻛﻧت ﯾﺣﺗﻣل اﻟرﺟﻌﺔ ،وﯾﺣﺗﻣل أﻧﻬﺎ ﺑﻣﻧزﻟﺔ
اﻣرأﺗﻪ ﻣن اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ ﺑﻬﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﺑﻌد اﻟطﻼق ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻗﺑﻠﻪ .
) (١اﻟﻣﻐﻧﻰ . ٢٧٣/٧
) (٢ﺳﺑل اﻟﺳﻼم ٣٧٩/٣ـ . ٣٨٠
ـ ٢٨٦ـ
ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ :ﺍﻟﻔﻌﻞ :ـ
ﻓﻌﻼ ﯾوﺟب ﺣرﻣﺔ اﻟﻣﺻﺎﻫرة ﻛﺎﻟوطء ودواﻋﯾﻪ
ﺑﺄن ﯾﻔﻌل اﻟزوج ً
ﻛﺎﻟﻘﺑﻠــﺔ واﻟﻠﻣــس ﺑــﺷﻬوة ،أو ﺗﻔﻌــل ﻫــﻰ ﻣﻌــﻪ ذﻟــك وﻻ ﯾﻣﻧﻌﻬــﺎ ﻣﻧــﻪ ،
ﻓﺻدور ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻷﻓﻌﺎل ﯾدل ﻋﻠﻰ رﻏﺑﺔ اﻟزوج ﻓـﻰ إﻣـﺳﺎك زوﺟﺗـﻪ ،
ﻫذا ﻋﻧد اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ .
وﻋﻧد اﻟﺷﺎﻓﻌﯾﺔ :ﻻ ﺗﺻﺢ اﻟرﺟﻌﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻘول ﻓﻘط ،أﻣـﺎ اﻟﻔﻌـل
ﻣطﻠﻘﺎ ﺳواء أﻛﺎن ﻣن اﻟـزوج أو ﻣـن اﻟزوﺟـﺔ
ً ﻓﻼ ﺗﺣﺻل ﺑﻪ اﻟﻣراﺟﻌﺔ
،ﻷن اﻟرﺟﻌﺔ إﻋـﺎدة ﻟﻠـزواج اﻟـذى أزاﻟـﻪ اﻟطـﻼق ،واﻹﻋـﺎدة ﻻ ﺗﻛـون
ﺑﺎﻟﻔﻌل .
واﻟراﺟﺢ ﻣذﻫب اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ وﻋﻠﯾﻪ ﯾﺟرى اﻟﻌﻣل ﻓﻰ اﻟﻣﺣﺎﻛم .
ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺮﺟﻌﺔ :ـ
ﯾﺷﺗرط ﻟﺻﺣﺔ اﻟرﺟﻌﺔ اﻟﺷروط اﻵﺗﯾﺔ :ـ
رﺟﻌﯾﺎ ،ﻓﻼ ﻣراﺟﻌﺔ ﺑﻌد طﻼق ﺑﺎﺋن .
ً ١ـ أن ﯾﻛون اﻟطﻼق
٢ـ أن ﺗﻛون ﻓﻰ ﻣدة اﻟﻌدة ،ﻓﺈن اﻧﺗﻬت اﻟﻌدة ﺑﻼ ﻣراﺟﻌﺔ ﺳﻘط ﺣق
اﻟزوج ﻓﯾﻬﺎ ،وﺑﺎﻧت اﻟزوﺟﺔ .
٣ـ أن ﺗﻛـون ﻣﻧﺟـزة ﻏﯾـر ﻣﻌﻠﻘـﺔ ﻋﻠـﻰ ﺣـﺻول أﻣـر ﻓـﻰ اﻟﻣـﺳﺗﻘﺑل ،
وﻻ ﻣـــﺿﺎﻓﺔ إﻟـــﻰ زﻣـــﺎن ﻣـــﺳﺗﻘﺑل ،ﻓﻠـــو ﻗـــﺎل :إذا ﺟـــﺎء ﻏـــد ﻓﻘـــد
ﻓﻼﻧﺎ ﻓﻘد راﺟﻌﺗك ،ﻻ ﺗﺻﺢ اﻟرﺟﻌـﺔ ،ﻷن
راﺟﻌﺗك ،أو إذا ﻛﻠﻣت ً
اﻟرﺟﻌﺔ اﺳﺗداﻣﺔ ﻟﻣﻠك اﻟﻧﻛﺎح ﻓﻛﺎﻧت ﻛﺈﻧﺷﺎﺋﻪ ،واﻟزواج ﻻ ﯾﺣﺗﻣـل
اﻟﺗﻌﻠﯾق وﻻ اﻹﺿﺎﻓﺔ اﺑﺗداء ﻓﻼ ﯾﺣﺗﻣﻠﻬﺎ ﺑﻘﺎء .
ـ ٢٨٧ـ
ﺍﻟﻄـﻼﻕ ﺍﻟﺒـﺎﺋﻦ
ﯾﻧﻘــﺳم اﻟطــﻼق اﻟﺑــﺎﺋن إﻟــﻰ ﻗــﺳﻣﯾن :ﺑــﺎﺋن ﺑﯾﻧوﻧــﺔ ﺻــﻐرى ،
وﺑﺎﺋن ﺑﯾﻧوﻧﺔ ﻛﺑرى .
ﻓﺎﻟﺒﺎﺋﻦ ﺑﻴﻨﻮﻧﺔ ﺻﻐﺮﻯ :ـ
ﻫــو اﻟــذى ﻻ ﯾﻣﻠــك اﻟــزوج ﺑﻌــدﻩ إﻋــﺎدة زوﺟﺗــﻪ إﻻ ﺑرﺿــﺎﻫﺎ ،
زوﺟﺎ آﺧر .
وﺑﻌﻘد وﻣﻬر ﺟدﯾدﯾن ،دون ﺗوﻗف ﻋﻠﻰ أن ﺗﻧﻛﺢ ﺑﻌدﻩ ً
ﻭﺍﻟﺒﺎﺋﻦ ﺑﻴﻨﻮﻧﺔ ﻛﱪﻯ :ـ
ﻫــو اﻟــذى ﻻ ﯾﻣﻠــك اﻟــزوج ﺑﻌــدﻩ إﻋــﺎدة زوﺟﺗــﻪ إﻻ ﺑرﺿــﺎﻫﺎ ،
ﺻـﺣﯾﺣﺎ وﯾـدﺧل
ً ﻧﻛﺎﺣـﺎ
زوﺟـﺎ آﺧـر ً
وﺑﻌﻘد وﻣﻬر ﺟدﯾدﯾن ﺑﻌد أن ﺗﻧﻛﺢ ً
ﺣﻘﯾﻘﯾـﺎ ﺛـم ﯾﻣـوت ﻋﻧﻬـﺎ أو ﯾطﻠﻘﻬـﺎ وﺗﻧﻘـﺿﻰ
ً ﺑﻬﺎ اﻟزوج اﻟﺛﺎﻧﻰ دﺧـوﻻً
ﻋدﺗﻬﺎ ﻣﻧﻪ .
ً
ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺑﺎﺋﻨﺎ ﺑﻴﻨﻮﻧﺔ ﺻﻐﺮﻯ ﻋﻨﺪ ﺍﳊﻨﻔﻴﺔ ﻓﻰ ﺍﳊﺎﻻﺕ ﺍﻵﺗﻴﺔ :ـ
١ـ إذا اﻧﺗﻬت اﻟﻌدة ﻣن اﻟطﻼق اﻟرﺟﻌﻰ وﻟم ﯾراﺟﻊ اﻟزوج زوﺟﺗﻪ .
٢ـ إذا طﻠﻘــت اﻟزوﺟــﺔ ﻗﺑــل اﻟــدﺧول اﻟﺣﻘﯾﻘــﻰ ،ﻷﻧــﻪ ﻻ ﻋــدة ﻋﻠﯾﻬــﺎ
ﺑﺎﺋﻧــﺎ ،وﻛــذﻟك
ﺣﯾﻧﺋــذ وﺣﯾــث ﻻ ﻋــدة ﻓــﻼ ﻣراﺟﻌــﺔ ﻓﯾﻘــﻊ اﻟطــﻼق ً
اﻟطــﻼق ﺑﻌــد اﻟﺧﻠــوة اﻟــﺻﺣﯾﺣﺔ اﻟﻣﺟــردة ﻋــن اﻟــدﺧول ﻓﺈﻧــﻪ ﯾﻘــﻊ
أﯾﺿﺎ .
ﺑﺎﺋﻧﺎ ً
ً
)(١
٣ـ إذا ﻛﺎن اﻟطﻼق ﻓﻰ ﻣﻘﺎﺑل ﻣﺎل ﺗﻔﺗدى ﺑﻪ اﻟزوﺟﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ .
) (١ﻋﻠـﻰ اﻟـرﻏم ﻣـن أن اﻟﻣـرأة ﺗﻌﺗـد ﺑﻌـدﻩ ـ ﻋﻧـد اﻟﺣﻧﻔﯾـﺔ ـ ﻷن اﻟﻌـدة ﻓـﻰ ﻫـذﻩ اﻟﺣﺎﻟـﺔ ﻟﻼﺣﺗﯾـﺎط
ﻓﻘط .
ـ ٢٨٨ـ
ـوﻓﺎ ﺑﻣـﺎ ﯾﻔﯾــد ﻣﻌﻧــﻰ اﻟــﺷدة أو
ﻣﻘروﻧــﺎ أو ﻣوﺻـ ً
ً ٤ـ إذا ﻛـﺎن اﻟطــﻼق
اﻻﻧﻔﺻﺎل اﻟﺗﺎم ﻣﺛـل :أﻧـت طـﺎﻟق طﻠﻘـﺔ ﺷـدﯾدة ،أو ﻗوﯾـﺔ ،أو
ﺑﺎﺋﻧﺔ ،أو أﺷد اﻟطـﻼق ،أو أﻛﺑـر اﻟطـﻼق .ﻓﻬـذﻩ ﻛﻠﻬـﺎ أﻟﻔـﺎظ
ﺻرﯾﺣﺔ ﻻ ﯾﺗوﻗف وﻗوع اﻟطﻼق ﻣﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﯾﺔ .
٥ـ إذا ﻛﺎن اﻟطﻼق ﺑﻠﻔظ ﻣن أﻟﻔﺎظ اﻟﻛﻧﺎﯾﺎت اﻟﺗﻰ ﺗﻔﯾـد ﻣﻌﻧـﻰ اﻟـﺷدة
واﻻﻧﻔــﺻﺎل اﻟﺗــﺎم ،ﻧﺣــو :أﻧــت ﺗﺑــﺔ أو ﺧﻠﯾــﺔ ،أو ﺣﺑﻠــك ﻋﻠــﻰ
ﻏﺎرﺑك ،أو اﻟﺣﻘﻰ ﺑﺄﻫﻠك ،أو ﺗﻘﻧﻌﻰ ،أو وﻫﺑﺗك ﻷﻫﻠـك .ﻓﻛـل
ﻫذﻩ اﻷﻟﻔﺎظ ﯾﻘﻊ ﺑﻬﺎ طﻼق ﺑﺎﺋن طﻠﻘﺔ واﺣدة إن ﻧواﻫﺎ اﻟﻣطﻠق،
أو دل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺣﺎﻟﻪ وﻗت اﻟﺗﻠﻔظ ﺑﻬﺎ .
وﻗد أﻓﺗﻰ اﻟﻣﺗﺄﺧرون ﻣن اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ﺑوﻗوع اﻟطﻼق اﻟﺑﺎﺋن إذا ﻗـﺎل
اﻟرﺟل ﻟزوﺟﺗﻪ :أﻧت ﻋﻠﻰ ﺣرام " ﺑدﻻﻟﺔ اﻟﻌرف ﺑﻼ ﻧﯾﺔ " .
ﺑﺎﺋﻧﺎ ﺑﯾﻧوﻧﺔ ﻛﺑرى ﻋﻧد اﻟﺣﻧﻔﯾﺔ ﻓﻰ اﻟﺣﺎﻻت اﻵﺗﯾﺔ :ـ
وﯾﻛون اﻟطﻼق ً
ﻣﻛﻣﻼ ﻟﻠﺛﻼث .
ً ١ـ إذا ﻛﺎن اﻟطﻼق
٢ـ إذا ﻛــﺎن اﻟطــﻼق ﺑﻠﻔــظ ذﻛــر ﻣﻌــﻪ ﻋــدد اﻟــﺛﻼث دﻓﻌــﺔ واﺣــدة أو
ﻣﺗﺗﺎﺑﻌـــﺔ وﻗـــد ﻋرﻓﻧـــﺎك ﻓﯾﻣـــﺎ ﻣـــﺿﻰ ﻣوﻗـــف اﻟﻔﻘﻬـــﺎء ﻣـــن ﻫـــذﻩ
اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ وﻣﺎ رﺟﺣﻧﺎﻩ ﺑﺻددﻫﺎ .
ﺃﻣﺎ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﳌﺎﻟﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ :ـ
ﺑﺎﺋﻧـﺎ
رﺟﻌﯾﺎ إﻻ ﻓـﻰ ﺣـﺎﻻت ﺛـﻼث ﯾﻛـون ً
ً ﻓﻛل طﻼق ﻋﻧدﻫم ﯾﻛون
وﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻻت ﻫﻰ :ـ
١ـ اﻟطﻼق اﻟﻣﻛﻣل ﻟﻠﺛﻼث .
ـ ٢٨٩ـ
٢ـ اﻟطﻼق ﻗﺑل اﻟدﺧول اﻟﺣﻘﯾﻘﻰ .
٣ـ اﻟطﻼق ﻋﻠﻰ ﻣﺎل .
ﺑﺎﺋﻧـﺎ ﺑﯾﻧوﻧـﺔ ﺻـﻐرى ،
ﻓﺎﻟطﻼق ﻓﻰ اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن اﻷﺧﯾـرﺗﯾن ﯾﻛـون ً
ﺑﺎﺋﻧﺎ ﺑﯾﻧوﻧﺔ ﻛﺑرى .
وﻓﻰ اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻷوﻟﻰ ﯾﻛون ً
وﻗـــد ﺧـــﺎﻟف اﻟﻣﺎﻟﻛﯾـــﺔ واﻟـــﺷﺎﻓﻌﯾﺔ اﻟﺣﻧﻔﯾـــﺔ ﻓـــﻰ ﺣـــﺎﻻت أرﺑـــﻊ
رﺟﻌﯾــﺎ ﻓــﻰ ﺣــﯾن أن اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ اﻋﺗﺑروﻫــﺎ ﻣــن اﻟطــﻼق
ً اﻋﺗﺑروﻫــﺎ طﻼﻗًــﺎ
اﻟﺑﺎﺋن وﻫﻰ :
١ـ اﻟطﻼق اﻟﻣوﺻوف ﺑﻣﺎ ﯾﻔﯾد اﻟﺑﯾﻧوﻧﺔ .
٢ـ اﻟطﻼق اﻟﻣﻘﺗرن ﺑﺻﯾﻐﺔ اﻓﻌل اﻟﺗﻔﺿﯾل اﻟداﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾﻧوﻧﺔ .
٣ـ اﻟطﻼق اﻟﻣﺷﺑﻪ ﺑﻣﺎ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾﻧوﻧﺔ ﻛﺎﻧت طﺎﻟق ﻛﺎﻟﺟﺑل .
)(١
٤ـ اﻟطﻼق ﺑﺄﻟﻔﺎظ اﻟﻛﻧﺎﯾﺎت .
ﺟﺎرﯾـﺎ ﻋﻠـﻰ ﻣـذﻫب اﻟﺣﻧﻔﯾـﺔ
ﻫذا ،وﻗـد ﻛـﺎن اﻟﻌﻣـل ﻓـﻰ ﻣـﺻر ً
إﻟـــﻰ أن ﺻـــدر اﻟﻘـــﺎﻧون رﻗـــم ٢٥ﻟـــﺳﻧﺔ ١٩٢٩م ﻓـــﻧص ﻓـــﻰ اﻟﻣـــﺎدة
اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻣﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺄﺗﻰ :ـ
رﺟﻌﯾــﺎ إﻻ اﻟﻣﻛﻣــل ﻟﻠــﺛﻼث ،واﻟطــﻼق ﻗﺑــلً ) ﻛــل طــﻼق ﯾﻘــﻊ
ﺋﻧــﺎ ﻓــﻰ ﻫــذا
اﻟــدﺧول واﻟطــﻼق ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎل ( ،وﻣــﺎ ﻧــص ﻋﻠــﻰ ﻛوﻧــﻪ ﺑﺎ ً
اﻟﻘﺎﻧون ،واﻟﻘﺎﻧون رﻗم ٢٥ﻟﺳﻧﺔ ١٩٢٠م .
) (١اﻧظـر :اﻟـزواج واﻟطـﻼق ﻓـﻰ اﻹﺳـﻼم د /ﺑـدران أﺑـو اﻟﻌﯾﻧـﯾن ص ٣٥٧ـ ، ٣٥٩اﻷﺣـوال
اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ﻟﻠذﻫﺑﻰ . ٢٧٩ ، ٢٧٨
ـ ٢٩٠ـ
ﺑﺎﺋﻧــﺎ ﻓــﻰ ﻫــذا اﻟﻘــﺎﻧون ﻫــو اﻟﺗطﻠﯾــق
واﻟــذى ﻧــص ﻋﻠــﻰ ﻛوﻧــﻪ ً
ﺑﺳﺑب اﻟﺷﻘﺎق ﺑﯾن اﻟزوﺟﯾن واﻟﺗطﻠﯾق ﺑﺳﺑب ﻏﯾﺑﺔ اﻟزوج ،واﻟﺗطﻠﯾق
ﺑﺳﺑب ﺣﺑس اﻟزوج .
ﺑﺎﺋﻧـــﺎ ﻓـــﻰ اﻟﻘـــﺎﻧون رﻗـــم ٢٥ﻟـــﺳﻧﺔ
واﻟـــذى ﻧـــص ﻋﻠـــﻰ ﻛوﻧـــﻪ ً
١٩٢٠م ﻫو اﻟﺗﻔرﯾق ﺑﺳﺑب اﻟﻌﯾب .
وﻗد ﺟﺎء ﺑﺎﻟﻣذﻛرة اﻹﯾﺿﺎﺣﯾﺔ أن ﻫذﻩ اﻟﻣﺎدة أﺧذت ﻣن ﻣذﻫب
رﺟﻌﯾـﺎ إﻻ
ً ﻣﺎﻟك واﻟﺷﺎﻓﻌﻰ ،ﻓﺈن اﻷﺻل ﻓﻰ اﻟطﻼق ﻋﻧـدﻫم أن ﯾﻛـون
ﻣــﺎ اﺳــﺗﺛﻧﻰ ،ﻷن اﻟــﺷﺎرع أﻋطــﻰ اﻟﻣطﻠــق ﺣــق ﻣراﺟﻌــﺔ زوﺟﺗــﻪ ﺑﻌــد
" وﺑﻌوﻟﺗﻬن أﺣق ﺑـردﻫن ﻓـﻰ ذﻟـك إن أرادوا اﻟطﻼق ﺑﻘوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
ﻓﺈن اﻵﯾـﺔ ﺻـرﯾﺣﺔ ﻓـﻰ أن اﻟـزوج أﺣـق ﺑـرد زوﺟﺗـﻪ ﻓـﻰ إﺻﻼﺣﺎ "
ً
)(١
ﻛل طـﻼق إن أراد ،وﻻ ﯾﺧـرج ﻋـن ﻫـذا اﻟﻌﻣـوم إﻻ ﻣـﺎ اﺳـﺗﺛﻧﻰ ﺑـﻧص
آﺧــر ،وﻟــم ﯾــﺳﺗﺛن إﻻ اﻟطــﻼق ﻗﺑــل اﻟــدﺧول ،واﻟطــﻼق ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎل ،
واﻟطﻼق اﻟﻣﻛﻣل ﻟﻠﺛﻼث .
وأﺷﺎرت اﻟﻣذﻛرة إﻟﻰ أن اﻟﺗﻔرﯾـق ﺑـﺎﻟطﻼق ﺑـﺳﺑب اﻟﻠﻌـﺎن ،أو
اﻟﻌﻧﺔ وﻣﺎ ﻓﻰ ﺣﻛﻣﻬﺎ ،أو إﺑﺎء اﻟزوج ﻋـن اﻟـدﺧول ﻓـﻰ اﻹﺳـﻼم ﻋﻧـد
إﺳــﻼم زوﺟﺗــﻪ ﯾﺑﻘــﻰ اﻟﺣﻛــم ﻓﯾــﻪ ﻋﻠــﻰ ﻣــذﻫب اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ ،أى إﻧــﻪ ﯾﻘــﻊ
ﺑﺎﺋﻧﺎ .
ً
أﻣﺎ اﻟطﻼق ﺑﺳﺑب اﻹﯾﻼء ﻓﻠم ﺗﺷر اﻟﻣذﻛرة إﻟﯾﻪ ،وﯾظﻬر أﻧـﻪ
رﺟﻌﯾــﺎ ،ﻷﻧــﻪ ﻟــﯾس ﻣــن أﻧــواع اﻟطــﻼق اﻟﻣــﺳﺗﺛﻧﺎﻩ ،ﻛﻣــﺎ أن
ً ﯾﻌﺗﺑــر
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٢٨
ـ ٢٩١ـ
اﻟﻣـــذﻛرة اﻹﯾـــﺿﺎﺣﯾﺔ ذﻛـــرت اﻟﺣـــﺎﻻت اﻟﺗـــﻰ ﯾﺑﻘـــﻰ اﻟﻌﻣـــل ﻓﯾﻬـــﺎ ﻋﻠـــﻰ
ﻣﻘﺗﺿﻰ ﻣذﻫب أﺑﻰ ﺣﻧﯾﻔﺔ وﻟم ﺗذﻛر ﻣـن ﺑﯾﻧﻬـﺎ اﻹﯾـﻼء ﻓﯾﻛـون داﺧـﻼً
ﺗﺣت ﻋﻣوم اﻟطﻼق اﻟرﺟﻌﻰ.
ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺒﺎﺋﻦ :ـ
ﻋرﻓﻧﺎك أن اﻟطﻼق اﻟﺑـﺎﺋن ﯾﻧﻘـﺳم إﻟـﻰ ﻗـﺳﻣﯾن :ﺑـﺎﺋن ﺑﯾﻧوﻧـﺔ
ﺻــﻐرى ،وﺑــﺎﺋن ﺑﯾﻧوﻧــﺔ ﻛﺑــرى ،وﻟﻛــل ﻣﻧﻬﻣــﺎ أﺣﻛــﺎم ﺗﺗﻌﻠــق ﺑــﻪ إﻟﯾــك
ﺑﯾﺎﻧﻬﺎ :
ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺒﺎﺋﻦ ﺑﻴﻨﻮﻧﺔ ﺻﻐﺮﻯ :ـ
١ـ ﯾزﯾل اﻟﻣﻠك وﻻ ﯾزﯾل اﻟﺣل ،وﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ زوال اﻟﻣﻠك أﻧﻪ ﻻ ﯾﺣل
ﻷﺣــد اﻟــزوﺟﯾن اﻻﺳــﺗﻣﺗﺎع ﺑــﺎﻵﺧر أو اﻟﺧﻠــوة ﺑــﻪ ،وﺗﻛــون ﻣﻧــﻪ
ﺑﻣﻧزﻟــﺔ اﻟﻣـــرأة اﻷﺟﻧﺑﯾــﺔ ،وﯾﺗرﺗـــب ﻋﻠــﻰ ﻋـــدم زوال اﻟﺣـــل :أن
ﻟﻠزوج أن ﯾﻌﻘد ﻋﻠﻰ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻣرة أﺧرى أﺛﻧﺎء ﻋدﺗﻬﺎ ﻣﻧﻪ أو ﺑﻌد
اﻧﻘﺿﺎء اﻟﻌدة ﺑﻌﻘد وﻣﻬر ﺟدﯾدﯾن .
٢ـ ﯾﺣل ﺑﻪ ﻣؤﺧر اﻟﺻداق اﻟﻣؤﺟل إﻟـﻰ أﻗـرب اﻷﺟﻠـﯾن ) اﻟطـﻼق أو
اﻟوﻓﺎة (
٣ـ ﯾﻧﻘص ﺑﻪ ﻋدد اﻟطﻠﻘﺎت اﻟﺗﻰ ﯾﻣﻠﻛﻬﺎ اﻟزوج ﻋﻠﻰ زوﺟﺗﻪ .
٤ـ ﯾﻣﻧﻊ اﻟﺗوارث ﺑﯾن اﻟزوﺟﯾن ،ﻓﺈذا ﻣﺎت أﺣدﻫﻣﺎ وﻟو ﻓـﻰ اﻟﻌـدة ﻻ
ﯾرﺛﻪ اﻵﺧـر ،ﺳـواء ﻛـﺎن اﻟطـﻼق ﻓـﻰ ﺣـﺎل اﻟـﺻﺣﺔ أو ﻓـﻰ ﺣـﺎل
اﻟﻣـرض إﻻ إذا ﻗـﺻد اﻟـزوج ﺑطـﻼق زوﺟﺗـﻪ وﻫـو ﻣـرﯾض ﻣـرض
ـ ٢٩٢ـ
اﻟﻣـــوت ﺣرﻣﺎﻧﻬـــﺎ ﻣـــن أن ﺗـــرث ﻣﻧـــﻪ ،ﻓﺈﻧﻬـــﺎ ﺗرﺛـــﻪ ﻣﻌﺎﻣﻠـــﺔ ﻟـــﻪ
)(١
ﺑﻧﻘﯾض ﻗﺻدﻩ .
ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﺍﻟﺒﺎﺋﻦ ﺑﻴﻨﻮﻧﺔ ﻛﱪﻯ :ـ
ﻣﻌـﺎ ،ﻓـﻼ ﯾﺑﻘـﻰ ﻟﻠزوﺟﯾـﺔ أﺛـر ﺳـوى اﻟﻌـدة ١ـ إﻧﻪ ﯾزﯾل اﻟﻣﻠك واﻟﺣل ً
وﻣـــﺎ ﯾﺗﻌﻠـــق ﺑﻬـــﺎ ،وﺗﻌـــد اﻟزوﺟـــﺔ ﻣـــن اﻟﻣﺣرﻣـــﺎت ﻋﻠـــﻰ اﻟـــزوج
زوﺟــﺎ آﺧــر ﻏﯾــرﻩ ﻓﯾــدﺧل ﺑﻬــﺎ دﺧــوﻻً
ﺗﺣرﯾﻣــﺎ ﻣؤﻗﺗًــﺎ ﺣﺗــﻰ ﺗﺗــزوج ً
ً
ﺣﻘﯾﻘﯾﺎ ﺛم ﯾطﻠﻘﻬﺎ أو ﯾﻣوت ﻋﻧﻬـﺎ وﺗﻧﻘـﺿﻰ ﻋـدﺗﻬﺎ ﻣﻧـﻪ ،وذﻟـك ً
ﻟﻘوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ " :ﻓــﺈن طﻠﻘﻬــﺎ ﻓــﻼ ﺗﺣــل ﻟــﻪ ﻣــن ﺑﻌــد ﺣﺗــﻰ ﺗــﻧﻛﺢ
زوﺟﺎ ﻏﯾـرﻩ ،ﻓـﺈن طﻠﻘﻬـﺎ ﻓـﻼ ﺟﻧـﺎح ﻋﻠﯾﻬﻣـﺎ أن ﯾﺗراﺟﻌـﺎ إن ظﻧـﺎ
ً
أن ﯾﻘﯾﻣﺎ ﺣدود اﷲ " .
٢ـ ﯾﺣل ﺑﻬـذا اﻟطـﻼق ﻣؤﺟـل اﻟﻣﻬـر .ﻛﻣـﺎ ﺗﻘـدم ﻓـﻰ أﺣﻛـﺎم اﻟﺑﯾﻧوﻧـﺔ
اﻟﺻﻐرى .
٣ـ ﯾﻣﻧﻊ اﻟﺗوارث ﺑﯾن اﻟزوﺟﯾن ،إﻻ اﻟﻣطﻠق ﻓﻰ ﻣرض اﻟﻣوت اﻟـذى
ﻗﺎﻣت ﻗرﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻗﺻد ﺑطﻼﻗﻪ ﺣرﻣـﺎن اﻟزوﺟـﺔ ﻣـن اﻟﻣﯾـراث
ﻓﺗرث ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﻟﻪ ﺑﻧﻘﯾض اﻟﻘﺻد .
) (١وﻟﻠﻔﻘﻬﺎء ﻓﻰ ﻫـذﻩ اﻟﻣـﺳﺄﻟﺔ أﻗـوال ﻣﻔـﺻﻠﺔ ﻓـﻰ ﻋﻠـم اﻟﻣﯾـراث اﻟـذى ﺳﻧدرﺳـﻪ ﻓـﻰ اﻟـﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛـﺔ
إن ﺷﺎء اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
ـ ٢٩٣ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜـﺎﻧﻰ
ﺍﳋــﻠﻊ
ﺗﻌﺮﻳﻔــﻪ :ـ
ﺍﳋﻠـﻊ ﻟﻐـﺔ :اﻟﻧــزع واﻹ زاﻟـﺔ .ﯾﻘـﺎل :ﺧﻠـﻊ اﻟرﺟـل ﺛوﺑــﻪ أى
ﺧﻠﻌﺎ أى أزال زوﺟﯾﺗﻬﺎ).(١ ﻧزﻋﻪ ،وﺧﻠﻊ ﻓﻼن زوﺟﺗﻪ ً
ﻭﺍﳌﻌـــﲎ ﺍﻟـــﺸﺮﻋﻰ :راﺟـــﻊ ﻟﻠﻣﻌﻧـــﻰ اﻟﻠﻐـــوى ،ﻓﻬـــو ﻓـــﻰ
اﺻطﻼح اﻟﻔﻘﻬﺎء ﯾﻌﻧﻰ :إزاﻟﺔ ﻣﻠك اﻟﻧﻛـﺎح ﺑﺑـدل ،ﺑﻠﻔـظ اﻟﺧﻠـﻊ ،وﻣـﺎ
)(٢
ﻓﻰ ﻣﻌﻧﺎﻩ
ﻭﺍﻷﺻﻞ ﻓﻰ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﳋﻠﻊ :
ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ " :ﻓﺈن ﺧﻔﺗم أﻻ ﯾﻘﯾﻣﺎ ﺣدود اﷲ ﻓﻼ ﺟﻧﺎح ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ
ﻓﯾﻣﺎ اﻓﺗدت ﺑﻪ ﺗﻠك ﺣدود اﷲ ﻓﻼ ﺗﻌﺗدوﻫﺎ وﻣن ﯾﺗﻌد ﺣدود اﷲ ﻓﺄوﻟﺋك
ﻫم اﻟظﺎﻟﻣون " ).(٣
ﻓﻘد أﺑﺎﺣت اﻵﯾﺔ ﻟﻠزوﺟﺔ أن ﺗﻔﺗدى ﻧﻔﺳﻬﺎ ﺑﻣﺎل ﺗﻌطﯾﻪ ﻟﻠـزوج
،وأﺑﺎﺣت ﻟﻠزوج ﻗﺑوﻟﻪ ،وذﻟك إن ﺧﺎﻓﺎ ﻋـدم اﻟﻘﯾـﺎم ﺑﺣﻘـوق اﻟزوﺟﯾـﺔ
ﻋﻠﻰ ﻧﺣو ﻣﺎ ﺷرع اﷲ .
ﻭﻓﻰ ﺍﻟﺴﻨﺔ :ﻣﺎ رواﻩ اﻟﺑﺧﺎرى وﻏﯾرﻩ ﻋـن اﺑـن ﻋﺑـﺎس :أن
اﻣرأة ﺛﺎﺑت ﺑن ﻗﯾس أﺗت اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ ﻓﻘﺎﻟـت
) (١ﻟﺳﺎن اﻟﻌرب ﻻﺑن ﻣﻧظور . ٧٦/٨
) (٢ﺷرح ﻓﺗﺢ اﻟﻘدﯾر ﻻﺑن اﻟﻬﻣﺎم . ١٩٩/٣
) (٣ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٢٩
ـ ٢٩٤ـ
:واﷲ ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻣﺎ أﻋﺗب ﻋﻠﻰ ﺛﺎﺑـت ﻓـﻰ ﺧﻠـق وﻻ دﯾـن ،وﻟﻛﻧـﻰ
أﻛرﻩ اﻟﻛﻔر ﻓﻰ اﻹﺳﻼم ) أى ﺗﻛرﻩ اﻟﺗﻘﺻﯾر ﻓﻰ ﺣﻘﻪ ( ﻓﻘﺎل ﻟﻬﺎ اﻟﻧﺑـﻰ
ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟـﻪ وﺳـﻠم ـ أﺗـردﯾن ﻋﻠﯾـﻪ ﺣدﯾﻘﺗـﻪ ؟ ﻗﺎﻟـت :ﻧﻌـم .
ﻓﻘﺎل رﺳول اﷲ ـ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وآﻟﻪ وﺳﻠم ـ } أﻗﺑل اﻟﺣدﯾﻘﺔ وطﻠﻘﻬﺎ
ﺗطﻠﯾﻘﺔ {).(١
ﺷــﺮﻭﻃﻪ :ـ
ﯾﻠزم ﻟﺗﺣﻘق اﻟﺧﻠﻊ ﺗواﻓر اﻟﺷروط اﻵﺗﯾﺔ :ـ
١ـ أن ﯾﻛون ﺑﻠﻔـظ اﻟﺧﻠـﻊ أو ﻣـﺎ ﻓـﻰ ﻣﻌﻧـﺎﻩ ﻛـﺎﻹﺑراء واﻻﻓﺗـداء ،ﻟﻛـﻰ
ﯾﺗﻣﯾز ﻋن اﻟطﻼق ﻟﺗﻐﺎﯾر اﻷﺣﻛﺎم ﻓﻰ ﻛل ﻣﻧﻬﻣﺎ .ﻓﻠو ﻛﺎن ﺑﻠﻔظ
اﻟطــﻼق ،ﻛﻣــﺎ ﻟــو ﻗﺎﻟــت اﻟزوﺟــﺔ :طﻠﻘﻧــﻰ ﻋﻠــﻰ ﺧﻣــﺳﺔ آﻻف
ﺧﻠﻌﺎ .
طﻼﻗﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎل ﻻ ً ﺟﻧﯾﻪ ﻓطﻠﻘﻬﺎ ﻛﺎن ً
٢ـ أن ﯾﻘــﻊ اﻟﺧﻠــﻊ ﺣــﺎل ﻗﯾــﺎم ﻣﻠــك اﻟﻣﺗﻌــﺔ .وذﻟــك ﯾﻛــون ﺣــﺎل ﻗﯾــﺎم
ﺣﻛﻣــﺎ
اﻟزوﺟﯾــﺔ ﺣﻘﯾﻘــﺔ ﻛﻣــﺎ إذا ﻛﺎﻧــت اﻟزوﺟــﺔ ﻏﯾـر ﻣطﻠﻘــﺔ ،أو ً
ﻓﺎﺳـدا
ً رﺟﻌﯾﺎ أﺛﻧﺎء اﻟﻌدة .أﻣـﺎ إذا ﻛـﺎن اﻟـزواج
ً ﻛﻣﺎ ﻓﻰ اﻟﻣطﻠﻘﺔ
ﺑﺎﺋﻧﺎ ﻓﻼ ﯾﻠﺣﻘﻬﺎ اﻟﺧﻠﻊ .طﻼﻗﺎ ً
،أو ﻛﺎﻧت اﻟﻣرأة ﻣطﻠﻘﺔ ً
ـ أن ﺗﻘﺑـــل اﻟزوﺟـــﺔ ،ﻷن اﻟﺧﻠـــﻊ ﻣـــن ﺟﺎﻧـــب اﻟﻣـــرأة ﻣﻌﺎوﺿـــﺔ ٣
واﻟﻣﻌﺎوﺿـﺎت ﯾﻠـزم ﻓﯾﻬـﺎ ﻗﺑـول اﻟﻣﻠﺗـزم ـ ﻓـﺈن ﻛﺎﻧـت اﻟزوﺟـﺔ ﻫـﻰ
اﻟﺑﺎدﺋــﺔ ﺑــﺎﻟﻘول ﻛــﺎن ذﻟــك دﻻﻟــﺔ اﻟﻘﺑــول ٕ ،وان ﻛــﺎن اﻟــزوج ﻫــو
) (١أﺧرﺟﻪ اﻟﺑﺧﺎرى ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟطـﻼق " " ﺑـﺎب اﻟﺧﻠـﻊ " .وأﺑـو داود ﻓـﻰ " ﻛﺗـﺎب اﻟطـﻼق " "
" ﺑﺎب ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻰ اﻟﺧﻠﻊ " .وﻣﺎﻟك ﻓـﻰ اﻟﻣوطـﺄ ﻓـﻰ " ﻛﺗـﺎب اﻟطـﻼق " .واﺑـن ﻣﺎﺟـﺔ ﻓـﻰ
ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق " " ﺑﺎب اﻟﻣﺧﺎﻟﻌﺔ ﺗﺄﺧذ ﻣﺎ أﻋطﺎﻫﺎ " .
ـ ٢٩٥ـ
اﻟﺑــﺎدئ ﻓﻼﺑــد ﻣــن رد اﻟزوﺟــﺔ وﻗﺑوﻟﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻣﺟﻠــس اﻹﯾﺟــﺎب ﻻ
ﺑﻌدﻩ .
ﺣﻜﻢ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﺒﺪﻝ ﻓﻰ ﺍﳋﻠﻊ :ـ
ﻟﻠزوج ـ ﻗﻀﺎء ــ اﻟﺣـق ﻓـﻰ أﺧـذ ﻣـﺎ ﺗﻔﺗـدى ﺑـﻪ اﻟزوﺟـﺔ ﻧﻔـﺳﻬﺎ
ﻧظﯾر طﻼﻗﻬﺎ ﻗل اﻟﻣﺎل أو ﻛﺛر طﺎﻟﻣﺎ ﺗم اﻻﺗﻔـﺎق ﻋﻠﯾـﻪ ،واﻟﺗزﻣـت ﺑـﻪ
اﻟزوﺟــﺔ وﻛﺎﻧــت ﻣــن أﻫــل اﻻﻟﺗ ـزام ﯾــﺳﺗوى ﻓــﻰ ذﻟــك أن ﺗﻛــون اﻟﻔرﻗــﺔ
ﺑﺳﺑب ﻣن أﺣدﻫﻣﺎ أو ﻣن أﯾﻬﻣﺎ .
أﻣﺎ ﻣن ﻧﺎﺣﯾﺔ ﺍﻟﺪﻳﺎﻧﺔ ﻓﺎﻟﺣﻛم ﯾﺧﺗﻠف :ـ
ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﻭﺣﺪﻩ ،ﻓﻼ ﯾﺣل ﻟـﻪ أن
ـﯾﺋﺎ ﻧظﯾــر طﻼﻗﻬــﺎ ﻟﻘوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ٕ " :وان أردﺗــم اﺳــﺗﺑدال
ﯾﺄﺧــذ ﻣﻧﻬــﺎ ﺷـ ً
ﺷـﯾﺋﺎ أﺗﺄﺧذوﻧـﻪ
زوج ﻣﻛﺎن زوج وأﺗﯾﺗم إﺣداﻫن ﻗﻧطﺎ ًرا ﻓﻼ ﺗﺄﺧذوا ﻣﻧﻪ ً
ﻣﺑﯾﻧـﺎ * وﻛﯾـف ﺗﺄﺧذوﻧـﻪ وﻗـد أﻓـﺿﻰ ﺑﻌـﺿﻛم إﻟـﻰ ﺑﻌـض اﺛﻣـﺎ ً
ﺑﻬﺗﺎﻧﺎ ٕو ً
ً
وأﺧــذن ﻣــﻧﻛم ﻣﯾﺛﺎﻗًــﺎ ﻏﻠﯾظًــﺎ " (١).وﻣﺛــل ذﻟــك :ﻣــﺎ ﻟــو أﻣــﺳك اﻟــزوج
ﻣـﺳﯾﺋﺎ ﻣﻌﺎﻣﻠﺗﻬـﺎ ﻟﯾـدﻓﻌﻬﺎ إﻟـﻰ اﻓﺗـداء ﻧﻔـﺳﻬﺎ ﻣﻧـﻪ ، ً زوﺟﺗﻪ ﻛﺎرًﻫﺎ ﻟﻬـﺎ
ﻋوﺿــــﺎ ﻋــــن طﻼﻗﻬـــﺎ ﻟﻘوﻟــــﻪ ﺗﻌــــﺎﻟﻰ " :وﻻ
ً ﻓـــﻼ ﯾﺣــــل ﻟــــﻪ أن ﯾﺄﺧـــذ
ﺗﻣﺳﻛوﻫن ﺿرا ًار ﻟﺗﻌﺗدوا وﻣن ﯾﻔﻌل ذﻟك ﻓﻘد ظﻠم ﻧﻔﺳﻪ " .
)(٢
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺰﻭﺟـﺔ ﻫـﻰ ﺍﻟﻜﺎﺭﻫـﺔ ﺟـﺎز ﻟﻠـزوج أﺧـذ اﻟﺑـدل ﻓـﻰ
ﻣﻘﺎﺑل ﺧﻼﺻﻬﺎ ﻣﻧﻪ ﺑﺷرط أﻻ ﯾزﯾد ﻫذا اﻟﺑدل ﻋﻠﻰ ﻣﺎ أﻋطﺎﻩ ﻟﻬﺎ ﻣـن
) (١ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء ـ اﻵﯾﺔ . ٢١ ، ٢٠
) (٢ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٣٠
ـ ٢٩٦ـ
ﺻداق وذﻟك ﻟﺣدﯾث اﻣرأة ﺛﺎﺑت ﺑن ﻗﯾس اﻟذى ﻣر .
وﻛــذﻟك اﻟﺣــﺎل ﻓﯾﻣــﺎ ﻟــو ﻛﺎﻧ ـت اﻟﻛراﻫﯾــﺔ ﻣــن اﻟﺟــﺎﻧﺑﯾن ،ﻓﺈﻧــﻪ ﯾﺟــوز
ﻟﻠزوج أﺧذ اﻟﺑدل ﻟﻘوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ " :ﻓـﺈن ﺧﻔـﺗم أﻻ ﯾﻘﯾﻣـﺎ ﺣـدود اﷲ ﻓـﻼ
)(١
ﺟﻧﺎح ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ ﻓﯾﻣﺎ اﻓﺗدت ﺑﻪ " .
ﺁﺛـﺎﺭ ﺍﳋـﻠﻊ :ـ
إذا ﺗـم اﻻﺗﻔـﺎق ﻋﻠـﻰ اﻟﺧﻠـﻊ ـ ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﺣـو اﻟـذى ذﻛرﻧـﺎﻩ ـ ﺗرﺗـب ﻋﻠﯾـﻪ
اﻵﺛﺎر اﻵﺗﯾﺔ :ـ
١ـ وﻗوع اﻟﺧﻠﻊ طﻠﻘﺔ ﺑﺎﺋﻧﺔ ،ﻷن اﻟزوﺟـﺔ إﻧﻣـﺎ ﻗﺑﻠـت دﻓـﻊ اﻟﺑـدل ﻓـﻰ
ﻣﻘﺎﺑل أن ﺗﺗﺧﻠص ﻣن زوﺟﻬﺎ اﻟذى ﺧﺎﻟﻌﻬﺎ ،وﻻ ﯾﺗﺣﻘق ذﻟك إذا
رﺟﻌﯾﺎ .
ً ﻛﺎن اﻟطﻼق
٢ـ ﯾﺟب ﻋﻠـﻰ اﻟزوﺟـﺔ أن ﺗـؤدى ﻟزوﺟﻬـﺎ اﻟﺑـدل اﻟﻣﺗﻔـق ﻋﻠﯾـﻪ ،ﻷن
اﻟزوج ﻋﻠق طﻼﻗﻬﺎ ﻋﻠـﻰ ﻗﺑـول اﻟﺑـدل ،وﻗـد رﺿـﯾت ﺑـﻪ ﻓﯾﻠزﻣﻬـﺎ
دﻓﻌﻪ وﺗﺷﻐل ﺑﻪ ذﻣﺗﻬﺎ .
٣ـ ﺗﺳﻘط ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣﻘوق اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ ﻟﻛل ﻣن اﻟزوﺟﯾن ﻗﺑل اﻵﺧر
ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟزواج اﻟذى ﺣﺻل اﻟﺧﻠﻊ ﻣﻧﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﺎﻧت اﻟزوﺟﺔ ﻟـم
ﺗﻘـﺑض اﻟﻣﻬــر ﺳــﻘط ﺑــﺎﻟﺧﻠﻊ ﺳـواء ﻛــﺎن ﻗﺑــل اﻟــدﺧول أو ﺑﻌــدﻩ ،
أﯾﺿﺎ ﺑﺎﻟﺧﻠﻊ .
ٕواذا ﻛﺎﻧت ﻟﻬﺎ ﻧﻔﻘﺔ ﻣﺎﺿﯾﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺳﻘط ً
أﻣـــﺎ اﻟﺣﻘـــوق اﻟﺗـــﻰ ﻷﺣـــد اﻟـــزوﺟﯾن ﻋﻠـــﻰ اﻵﺧـــر وﻻ ﺻـــﻠﺔ ﻟﻬـــﺎ
ﺑﺎﻟزوﺟﯾﺔ اﻟﺗﻰ وﻗﻊ اﻟﺧﻠﻊ ﻣﻧﻬﺎ ﻛﻣؤﺧر ﻣﻬر ﻣن زواج ﺳﺎﺑق ،وأﺟرة
) (١ﺳورة اﻟﺑﻘرة ـ اﻵﯾﺔ . ٢٢٩
ـ ٢٩٧ـ
دار ،أو دﯾن ﻗرض ﻻ ﺗﺳﻘط .ﻛذﻟك ﻻ ﺗﺳﻘط ﺑﻪ ﻧﻔﻘﺔ اﻟﻌدة ،ﻷﻧﻬﺎ
ﻟم ﺗﻛن ﺛﺎﺑﺗﺔ وﻗت اﻟﺧﻠﻊ وﻻ ﻧﻔﻘﺔ ﺣﺿﺎﻧﺔ اﻟطﻔل وﻻ أﺟرة إرﺿـﺎﻋﻪ ،
ﻷن ذﻟك ﺣق اﻟطﻔـل ﻻ ﺣـق اﻟزوﺟـﺔ ،ﻫـذا ﻫـو ﻣـذﻫب إﺑـﻰ ﺣﻧﯾﻔـﺔ .
ﺑــﻼ ﻓــرق ﻋﻧــدﻩ ﺑــﯾن وﻗــوع اﻟﺧﻠــﻊ ﺑﻠﻔظــﻪ أو ﺑﻠﻔــظ اﻟﻣﺑــﺎرأة ﻷن ﻛــل
ﻣﻧﻬﻣﺎ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼص اﻟﻛﻠﻰ ﻣن اﻟزوﺟﯾﺔ وﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻬﺎ .
وﻗﺎل ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﺣـﺳن :ﻻ ﯾـﺳﻘط ﺑـﺎﻟﺧﻠﻊ ﺳـوى ﻣـﺎ وﻗـﻊ ﻋﻠﯾـﻪ
اﻻﺗﻔﺎق ﻣن اﻟﺣﻘـوق أﻣـﺎ ﻣـﺎ ﻋـدا ذﻟـك ﻓـﻼ ﯾـﺳﻘط ،ﯾـﺳﺗوى ﻓـﻰ ذﻟـك
وﻗوﻋﻪ ﺑﻠﻔظ اﻟﺧﻠﻊ أو ﺑﻠﻔـظ اﻟﻣﺑـﺎرأة ،ﻷن اﻟﺣﻘـوق ﻻ ﺗـﺳﻘط إﻻ ﺑﻣـﺎ
ﺻـرﯾﺣﺎ ﻓـﻰ
ً ﻗطﻌﺎ ،واﻟﺧﻠﻊ ﻛﯾﻔﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻔظﻪ ﻟـﯾس
ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺳﻘوطﻬﺎ ً
إﺳﻘﺎط اﻟﺣﻘوق اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ ﻓﻼ ﺗﺳﻘط ﺑﻪ .
أﻣــﺎ أﺑــو ﯾوﺳــف :ﻓﻘــد واﻓــق أﺑــﺎ ﺣﻧﯾﻔــﺔ إذا ﻛــﺎن اﻟﺧﻠــﻊ ﺑﻠﻔــظ
اﻟﻣﺑﺎرأة وواﻓق رأى ﻣﺣﻣد إذا ﻛﺎن ﺑﻠﻔظ اﻟﺧﻠﻊ .
وﻋﻧدى أن رأى ﻣﺣﻣد ﺑن اﻟﺣﺳن رأى ﺳدﯾد اﻷوﻟﻰ أن ﯾﺄﺧذ ﺑـﻪ
،ﻷن اﻟﺣــق ﻣﺗــﻰ ﺛﺑــت ﻻ ﯾــﺳﻘط إﻻ ﺑﺈﺳــﻘﺎطﻪ ﺻـراﺣﺔ ،أو ﺑﻣــﺎ ﯾــدل
ﻋﻠﻰ إﺳـﻘﺎطﻪ ﻣـن ﻏﯾـر اﺣﺗﻣـﺎل ،وﻟﻔـظ اﻟﺧﻠـﻊ واﻟﻣﺑـﺎرأة ﻓﯾـﻪ اﺣﺗﻣـﺎل
ﺳـــﻘوط اﻟﺣﻘـــوق ،واﺣﺗﻣـــﺎل ﻋـــدم اﻟـــﺳﻘوط ،ﻓـــﻼ ﯾـــﺻﺢ أن ﯾﻛـــون
ﻣﺳﻘطﺎ.
ً
ﺍﳋﻠﻊ ﻓﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺭﻗﻢ ١ﻟﺴﻨﺔ ٢٠٠٠ﻡ :ـ
أﺟﻣﻊ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻟزوﺟﺔ إذا ﻛرﻫت اﻟﺑﻘﺎء ﻣـﻊ زوﺟﻬـﺎ ،
واﺗﻔﻘت ﻣﻌﻪ ﻋﻠـﻰ طﻼﻗﻬـﺎ ﻓـﻰ ﻣﻘﺎﺑـل ﺗﻌوﯾـﺿﻪ ﻋـن ﻫـذا اﻟطـﻼق ﺑـﺄن
ﺗﺗﻧﺎزل ﻋن ﺣﻘوﻗﻬﺎ اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻧﺎﺷﺋﺔ ﻋن ﻋﻘـد اﻟـزواج ،وﻛﺎﻧـت ﺑﺎﻟﻐـﺔ
ـ ٢٩٨ـ
ﻋﺎﻗﻠﺔ رﺷﯾدة ،ورﺿﻰ اﻟزوج ﺑذﻟك ،ﻓﺈﻧﻪ ﯾﻘـﻊ اﻟﺧﻠـﻊ ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ وﯾﻌﺗﺑـر
طﻠﻘﺔ ﺑﺎﺋﻧﺔ .
أﻣﺎ إذا طﻠﺑت اﻟزوﺟﺔ اﻟﻛﺎرﻫﺔ اﻟﺧﻠﻊ ﻣن زوﺟﻬﺎ ورﻓض ،ﻓﺈن
اﻟﺧﻠﻊ ﻻ ﯾﺗم وﻓﻘًﺎ ﻟﻠرأى اﻟراﺟﺢ ﻓﻰ اﻟﻣذﻫب اﻟﺣﻧﻔﻰ .
ووﻓﻘﺎ ﻟﻠﻣذﻫب اﻟﻣﺎﻟﻛﻰ ﻓﺈن اﻟزوﺟﺔ اﻟﻛﺎرﻫـﺔ ﺗـﺳﺗطﯾﻊ أن ﺗﻠﺟـﺄ
ً
وﻋﻠــﻰ )(١
إﻟــﻰ اﻟﻘــﺿﺎء ﻓــﻰ ﻫــذﻩ اﻟﺣﺎﻟــﺔ طﺎﻟﺑــﺔ ﻣﻧــﻪ اﻟﺣﻛــم ﺑــﺎﻟﺧﻠﻊ
اﻟﻘﺎﺿﻰ أن ﯾﺟﯾﺑﻬﺎ إﻟﻰ طﻠﺑﻬﺎ ﺑﻌد اﺗﺑﺎع اﻟﺧطوات اﻵﺗﯾﺔ :ـ
وﺣﻛﻣـﺎ ﻣــن
ً ﺣﻛﻣـﺎ ﻣـن أﻫـل اﻟرﺟـل ،
ﯾﺑﻌـث اﻟﻘﺎﺿـﻰ ﺣﻛﻣـﯾن ً ،
أﻫل اﻟﻣرأة ،وﯾﻛوﻧﺎ ﻣن أﻫل اﻟﻌداﻟﺔ وﺣـﺳن اﻟﻧظـر واﻟﺑـﺻر ﺑﺎﻟﻔﻘـﻪ ،
ﻓــﺈن ﻟــم ﯾﻛــن ﻓــﻰ أﻫﻠﻬﻣــﺎ ﻣــن ﻫــذا ﺣﺎﻟــﺔ ،ﺑﻌــث اﻟﻘﺎﺿــﻰ ﻣــن ﻏﯾــر
ـ وﻻ ﯾﺑﻌـث ﻣـن ﻏﯾـر أﻫﻠﻬﻣـﺎ ﺣﺗـﻰ ﯾﻌـدم )(٢
أﻫﻠﻬﻣـﺎ ﻋـدﻟﯾن ﻋـﺎﻟﻣﯾن
ذﻟك ﻓﻰ أﻫﻠﻬﻣﺎ ـ وأﻣرﻫﻣﺎ ﺑﺎﻹﺻﻼح ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ،وﻋﻠﯾﻬﻣـﺎ أن ﯾـﺳﻌﯾﺎ ﻓـﻰ
اﻹﺻﻼح ﺟﻬدﻫﻣﺎ ،ﻓﺈن ﻟم ﯾﺳﺗطﯾﻌﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ ـ أى اﻟﺣﻛﻣـﯾن ـ إن
رأﯾــﺎ أن ﯾﻔرﻗــﺎ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ﻓرﻗــﺎ ٕ ،وان رأﯾــﺎ أن ﯾﺟﻣﻌــﺎ ﺟﻣﻌــﺎ ،وﺗﻔرﯾﻘﻬﻣــﺎ
ﺑﺎﺋﻧﺎ ﺑﻐﯾر ﺷـﺊ ﯾؤﺧـذ ﻣـنطﻼﻗﺎ ً
ﺟﺎﺋز ﻋﻠﻰ اﻟزوﺟﯾن ،وﯾﻛون اﻟﻔراق ً
اﻟزوﺟﺔ إن ﻛﺎن اﻟظﻠم ﻣن ﺟﺎﻧـب اﻟـزوج ٕ .وان ﻛـﺎن اﻟظﻠـم ﻣـن ﺟﺎﻧـب
) (١اﻷﺳرة وﻗﺎﻧون اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ رﻗم ١٠٠ﻟﺳﻧﺔ ١٩٨٥م أ.د /ﻋﺑد اﻟﻧﺎﺻر اﻟﻌطﺎر
ص ١٩٨ـ . ١٩٩
) (٢وﻫــذا إذا ﻟــم ﯾــدر اﻟﻘﺎﺿــﻰ ﻣﻣــن اﻹﺳــﺎءة ﻣﻧﻬﻣــﺎ وﻟــم ﯾﻘــف ﻋﻠــﻰ ﺣﻘﯾﻘــﺔ أﻣرﻫﻣــﺎ ،وأﻣــﺎ إن
ﻋرف اﻟظﺎﻟم ﻣﻧﻬﻣﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺄﺧذ ﻣﻧﻪ اﻟﺣق ﻟﺻﺎﺣﺑﻪ وﯾﺟﺑر ﻋﻠﻰ إزاﻟﺔ اﻟﺿرر .
ـ ٢٩٩ـ
اﻟزوﺟﺔ أﺧذا ﻣن اﻟزوﺟﺔ ﻣﺎ رأﯾﺎﻩ ﻟﻠزوج ،وﻛﺎن ﺧﻠﻌﺎ وﻓرﻗـﺎ ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ ،
واﻟﺗطﻠﯾﻘﺔ ﺑﺎﺋﻧﺔ ﻓﻰ ذﻟك .
وﻗد ﺳﺎر ﻓﻰ ﻓﻠﻛـﻪ )(١
ﻣﺎ ﻗررﻧﺎﻩ ﻫو ﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟﻣذﻫب اﻟﻣﺎﻟﻛﻰ
ﻗـــﺎﻧون اﻷﺣـــوال اﻟﺷﺧـــﺻﯾﺔ رﻗـــم ١ﻟـــﺳﻧﺔ ٢٠٠٠م اﻟﺧـــﺎص ﺑﺗﻧظـــﯾم
ﺑﻌــض أوﺿــﺎع ٕواﺟ ـراءات اﻟﺗﻘﺎﺿــﻰ ﻓــﻰ ﻣــﺳﺎﺋل اﻷﺣ ـوال اﻟﺷﺧــﺻﯾﺔ
ﺣﯾث ﻧص ﻓﻰ اﻟﻣﺎدة ] [٢٠ﻣﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺄﺗﻰ :ﻟﻠزوﺟﯾن أن ﯾﺗراﺿﯾﺎ
ﻓﯾﻣــﺎ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ﻋﻠــﻰ اﻟﺧﻠــﻊ ،ﻓــﺈن ﻟــم ﯾﺗراﺿــﯾﺎ ﻋﻠﯾــﻪ وأﻗﺎﻣــت اﻟزوﺟــﺔ
دﻋواﻫــﺎ ﺑطﻠﺑــﻪ واﻓﺗــدت ﻧﻔــﺳﻬﺎ وﺧﺎﻟﻌــت زوﺟﻬــﺎ ﺑﺎﻟﺗﻧــﺎزل ﻋــن ﺟﻣﯾــﻊ
ﺣﻘوﻗﻬــﺎ اﻟﻣﺎﻟﯾــﺔ اﻟــﺷرﻋﯾﺔ وردت ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺻداق اﻟــذى أﻋطــﺎﻩ ﻟﻬــﺎ ،
ﺣﻛﻣت اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﺑﺗطﻠﯾﻘﻬﺎ ﻋﻠﯾﻪ
وﻻ ﺗﺣﻛــم اﻟﻣﺣﻛﻣــﺔ ﺑــﺎﻟﺗطﻠﯾق ﻟﻠﺧﻠــﻊ إﻻ ﺑﻌــد ﻣﺣﺎوﻟــﺔ اﻟــﺻﻠﺢ
) (١ﻧﻘﻠﻧــﺎﻩ ﻣــن ﻛﺗــﺎب اﻟﻛــﺎﻓﻰ ﻓــﻰ ﻓﻘــﻪ أﻫــل اﻟﻣدﯾﻧــﺔ اﻟﻣــﺎﻟﻛﻰ ﻻﺑــن ﻋﺑــد اﻟﺑــر اﻟﻧﻣــرى ص ٢٧٨
وﻓـﻰ اﻟﻣدوﻧـﺔ " ٥/٥ﻗـﺎل ﻣﺎﻟــك :اﻷﻣـر اﻟـذى ﯾﻛــون ﻓﯾـﻪ اﻟﺣﻛﻣـﺎن ،إﻧﻣـﺎ ذﻟــك إذا ﻓـﺗﺢ ﻣـﺎ ﺑــﯾن
اﻟرﺟــل واﻟﻣ ـرأة ،ﺣﺗــﻰ ﻻ ﯾﺛﺑﺗــﻪ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ﺑﯾﻧــﺔ ،وﻻ ﯾــﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾــﺗﺧﻠص إﻟــﻰ أﻣرﻫﻣــﺎ .ﻓــﺈذا ﺑﻠﻐــﺎ
ذﻟك ﺑﻌث اﻟوﻟﻰ رﺟﻼً ﻣـن أﻫﻠﻬـﺎ ،ورﺟـﻼً ﻣـن أﻫﻠـﻪ ﻋـدﻟﯾن ،ﻓﻧظـ ار ﻓـﻰ أﻣرﻫﻣـﺎ واﺟﺗﻬـدا ،ﻓـﺈن
اﺳ ـﺗطﺎﻋﺎ اﻟــﺻﻠﺢ أﺻــﻠﺣﺎ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ٕ ،واﻻ ﻓرﻗــﺎ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ،ﺛــم ﯾﺟــوز ﻓراﻗﻬﻣــﺎ ) أى اﻟﺣﻛﻣــﯾن ( دون
ﺧﻠﻌﺎ ﻓﻌﻼ " .
اﻹﻣﺎم ٕ ،وان ﻛﺎن رأﯾﺎ أن ﯾﺄﺧذا ﻣن ﻣﺎﻟﻬﺎ ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ً
ﻧﻘــﻼً ﻋــن اﺳــﺗﺎذﻧﺎ اﻟــدﻛﺗور ﻋﺑــد اﻟﻧﺎﺻــر اﻟﻌطــﺎر ﻓــﻰ ﻣرﺟﻌــﻪ اﻟــﺳﺎﺑق ص ١٩٩وﻗــد
ﻓﻬـم ﻣــن ﻫـذا اﻟــﻧص أن ﺗطﻠﯾـق اﻟﺣﻛﻣــﺎن ﯾﻛـون ﺧﻠ ًﻌـﺎ وﻻ ﯾﺗوﻗـف ﻋﻠــﻰ رﺿـﺎ اﻟــزوج .وأﯾـد ذﻟــك
ﺑﻧﻘل آﺧر ﻋن اﺑن رﺷد ﻣن ﻛﺗﺎﺑﻪ " ﺑداﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻬـد ١١٧/٢ط .دار اﻟﻛﺗـب اﻟﻌﻠﻣﯾـﺔ " :واﻟﻔﻘـﻪ
أن اﻟﻔداء إﻧﻣﺎ ﺟﻌل ﻟﻠﻣرأة ﻓﻰ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﺎ ﺑﻌـد اﻟرﺟـل ﻓﺈﻧـﻪ ﻟﻣـﺎ ﺟﻌـل اﻟطـﻼق ﺑﯾـد اﻟرﺟـل إذا ﻓـرك
اﻟﻣرأة ..ﺟﻌل اﻟﺧﻠﻊ ﺑﯾد اﻟﻣرأة إذا ﻓرﻛت اﻟرﺟل " .
ـ ٣٠٠ـ
ﺑــﯾن اﻟــزوﺟﯾن ،وﻧــدﺑﻬﺎ ﻟﺣﻛﻣــﯾن ﻟﻣ ـواﻻة ﻣــﺳﺎﻋﻰ اﻟــﺻﻠﺢ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ،
ﺧــﻼل ﻣــدة ﻻ ﺗﺗﺟــﺎوز ﺛﻼﺛــﺔ أﺷــﻬر ،وﻋﻠــﻰ اﻟوﺟــﻪ اﻟﻣﺑــﯾن ﺑــﺎﻟﻔﻘرة
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻣن اﻟﻣﺎدة ] [١٨واﻟﻔﻘرﺗﯾن اﻷوﻟـﻰ واﻟﺛﺎﻧﯾـﺔ ﻣـن اﻟﻣـﺎدة ][١٩
)(١
ﻣن ﻫذا اﻟﻘﺎﻧون .
وﺑﻌد أن ﺗﻘرر اﻟزوﺟﺔ ﺻراﺣﺔ أﻧﻬﺎ ﺗـﺑﻐض اﻟﺣﯾـﺎة ﻣـﻊ زوﺟﻬـﺎ
،وأﻧﻪ ﻻ ﺳﺑﯾل ﻻﺳـﺗﻣرار اﻟﺣﯾـﺎة اﻟزوﺟﯾـﺔ ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ ،وﺗﺧـﺷﻰ أﻻ ﺗﻘـﯾم
ﺣدود اﷲ ﺑﺳﺑب ﻫذا اﻟﺑﻐض.
وﻻ ﯾــﺻﺢ أن ﯾﻛــون ﻣﻘﺎﺑــل اﻟﺧﻠــﻊ إﺳــﻘﺎط ﺣــﺿﺎﻧﺔ اﻟــﺻﻐﺎر ،
أو ﻧﻔﻘﺗﻬم أو أى ﺣق ﻣن ﺣﻘوﻗﻬم .
) (١ﺗﻘول اﻟﻣﺎدة ] [١٨ﻓﻰ ﻓﻘرﺗﻬﺎ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ " :وﻓﻰ دﻋـﺎوى اﻟطـﻼق واﻟﺗطﻠﯾـق ﻻ ﯾﺣﻛـم ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ إﻻ
ﺑﻌـد أن ﺗﺑــذل اﻟﻣﺣﻛﻣــﺔ ﺟﻬـ ًـدا ﻓـﻰ ﻣﺣﺎوﻟــﺔ اﻟــﺻﻠﺢ ﺑــﯾن اﻟــزوﺟﯾن وﺗﻌﺟـز ﻋــن ذﻟــك ،ﻓــﺈن ﻛــﺎن
ﻟﻠزوﺟﯾن وﻟد ﺗﻠﺗـزم اﻟﻣﺣﻛﻣـﺔ ﺑﻌـرض اﻟـﺻﻠﺢ ﻣـرﺗﯾن ﻋﻠـﻰ اﻷﻗـل ﺗﻔـﺻل ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ ﻣـدة ﻻ ﺗﻘـل ﻋـن
ﯾوﻣﺎ .
وﻣﺎ وﻻ ﺗزﯾد ﻋن ﺳﺗﯾن ً ﺛﻼﺛﯾن ﯾ ً
وﺗﻘــول اﻟﻣــﺎدة ] " : [١٩ﻓــﻰ دﻋــﺎوى اﻟﺗطﻠﯾــق اﻟﺗــﻰ ﯾوﺟــب ﻓﯾﻬــﺎ اﻟﻘــﺎﻧون ﻧــدب ﺣﻛﻣــﯾن
ﯾﺟـب ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺣﻛﻣـﺔ أن ﺗﻛﻠـف ﻛـﻼ ﻣـن اﻟـزوﺟﯾن ﺑﺗـﺳﻣﯾﺔ ﺣﻛـم ﻣـن أﻫﻠـﻪ ـ ﻗـدر اﻹﻣﻛـﺎن ـ ﻓـﻰ
اﻟﺟﻠﺳﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻛﺛر ،ﻓﺈن ﺗﻘـﺎﻋس أﯾﻬﻣـﺎ ﻋـن ﺗﻌﯾـﯾن ﺣﻛﻣـﻪ أو ﺗﺧﻠـف ﻋـن ﺣـﺿور ﻫـذﻩ
ﺣﻛﻣﺎ ﻋﻧﻪ .
اﻟﺟﻠﺳﺔ ﻋﯾﻧت اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ً
وﻋﻠـﻰ اﻟﺣﻛﻣــﯾن اﻟﻣﺛــول أﻣـﺎم اﻟﻣﺣﻛﻣــﺔ ﻓــﻰ اﻟﺟﻠـﺳﺔ اﻟﺗﺎﻟﯾــﺔ ﻟﺗﻌﯾﯾﻧﻬﻣــﺎ ﻟﯾﻘـر ار ﻣــﺎ ﺧﻠــﺻﺎ
إﻟﯾ ــﻪ ﻣ ًﻌ ــﺎ ،ﻓ ــﺈن اﺧﺗﻠ ــف أو ﺗﺧﻠ ــف أﯾﻬﻣ ــﺎ ﻋ ــن اﻟﺣ ــﺿور ﺗ ــﺳﻣﻊ اﻟﻣﺣﻛﻣ ــﺔ أﻗواﻟﻬﻣ ــﺎ أو أﻗـ ـوال
اﻟﺣﺎﺿر ﻣﻧﻬﻣﺎ ﺑﻌد ﺣﻠف اﻟﯾﻣﯾن .
وﻟﻠﻣﺣﻛﻣــﺔ أن ﺗﺄﺧــذ ﺑﻣــﺎ اﻧﺗﻬــﻰ إﻟﯾــﻪ اﻟﺣﻛﻣ ـﺎن أو ﺑــﺄﻗوال أﯾﻬﻣــﺎ ،أو ﺑﻐﯾــر ذﻟــك ﻣﻣــﺎ
ﺗﺳﺗﻔﺗﯾﻪ ﻣن أوراق اﻟدﻋوى " .
ـ ٣٠١ـ
وﯾﻘﻊ ﺑﺎﻟﺧﻠﻊ ﻓﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻷﺣوال طﻼق ﺑﺎﺋن .
وﯾﻛـون اﻟﺣﻛـم ـ ﻓـﻰ ﺟﻣﯾـﻊ اﻷﺣـوال ـ ﻏﯾـر ﻗﺎﺑـل ﻟﻠطﻌـن ﻋﻠﯾـﻪ
ﺑﺄى طرﯾق ﻣن طرق اﻟطﻌن ( .
ﻫــذا ﻫــو ﺣﻛــم اﻟﻘــﺎﻧون وﻫــو ﻓﯾﻣــﺎ ذﻫــب إﻟﯾــﻪ ﯾﺗﻔــق ﻣــﻊ آراء
وﻫو أن اﻟﻣرأة ﺗﺧﺎﻟﻊ زوﺟﻬﺎ إذا ﻛرﻫـت اﻟﻌـﺷرة ﻣـﻊ )(١
ﺑﻌض اﻟﻔﻘﻬﺎء
زوﺟﻬــــﺎ ،واﺳــــﺗﺣﺎﻟﺔ اﻟﺣﯾــــﺎة اﻟزوﺟﯾــــﺔ ﺑﯾﻧﻬﻣــــﺎ ،ﻻﻧﻌــــدام اﻟﻣــــودة ،
وﻣﺧﺎﻓـــﺔ أﻻ ﯾﻘﯾﻣـــﺎ ﺣـــدود اﷲ ﺑـــﺳﺑب ﻋـــدم اﻟﻔـــراق ،ﻓـــﺈذا ﻟـــم ﯾـــرض
اﻟـــزوج ،ﻓﻠﻬـــﺎ أن ﺗرﻓـــﻊ أﻣرﻫـــﺎ ﻟﻠﻘﺎﺿـــﻰ ،وﻟﻠﻘﺎﺿـــﻰ أن ﯾﺟﯾﺑﻬـــﺎ إﻟـــﻰ
طﻠﺑﻬﺎ ﺑﻌد اﺳﺗﻧﻔﺎذ ﻣﺳﺎﻋﻰ اﻟﺻﻠﺢ ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ،وﻫـذا ﻻ ﺷـك أﻓـﺿل ﻣـن
اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎة ﻻ ﻓﺎﺋدة ﻣن وراﺋﻬﺎ إﻻ اﻟﺷﻘﺎء ،وﻣﻌﻠوم أن اﻟزواج
ﻣــﺎ ﺷــرع إﻻ ﻟﻠﻣــودة واﻟرﺣﻣــﺔ ،واﻟــﺳﻌﺎدة واﻟﻬﻧــﺎء ،ﻓــﺈذا ﻓﺎﺗــت ﻫــذﻩ
اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻓـﻼ ﺧﯾـر ﻓـﻰ ﺑﻘﺎﺋـﻪ ،وﻻ ﺳـﺑﯾل إﻻ اﻟﺧـﻼص " .وﻟﻬـذا اﺗﺟـﻪ
ﺑﻌض اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻛﺎﻟﺣﺳن اﻟﺑﺻرى وﺑﻌض اﻟﺷﯾﻌﺔ إﻟﻰ وﺟوب اﺳـﺗﺟﺎﺑﺔ
اﻟﻣ ـرأة إﻟــﻰ طﻠﺑﻬــﺎ ﺧــﺷﯾﺔ وﻗوﻋﻬــﺎ ﻓــﻰ ﻣﻌــﺻﯾﺔ اﷲ ،ﺑــﺳﺑب ﺑﻐــﺿﻬﺎ
ﻟزوﺟﻬــﺎ وﻣﺑﺎدﻟــﺔ اﻟــزوج إﯾﺎﻫــﺎ اﻹﺳــﺎءة ﺑﺎﻹﺳــﺎءة ،ﻷﻧـﻪ ﺑﻬــذا ﯾﺗﺑــدل
) (١ذﻛــر اﻟ ـرازى ﻓــﻰ ﺗﻔــﺳﯾرﻩ ﺧﻼﻓًــﺎ ﺣــول ﺳــﻠطﺔ اﻟﺣﻛﻣــﯾن ،ﻫــل ﯾﺟــوز ﻟﻬﻣــﺎ ﺗﻧﻔﯾــذ أﻣــر ﯾﻠــزم
اﻟزوﺟﯾن دون إذﻧﻬﻣﺎ ؟ ﻣﺛل أن ﯾطﻠق ﺣﻛم اﻟرﺟل أو ﯾﻔﺗدى ﺣﻛم اﻟﻣرأة ﺑﺷﺊ ﻣن ﻣﺎﻟﻬﺎ ؟ .
ﻗــﺎل " :ﻟﻠــﺷﺎﻓﻌﻰ ﻓﯾــﻪ ﻗــوﻻن :أﺣـدﻫﻣﺎ ﯾﺟــوز ،وﺑــﻪ ﻗــﺎل ﻣﺎﻟــك واﺳــﺣق ،واﻟﺛــﺎﻧﻰ ﻻ
ﯾﺟوز وﻫو ﻗول أﺑﻰ ﺣﻧﯾﻔﺔ ،وﻋﻠﻰ ﻫذا ﻫو وﻛﺎﻟﺔ ﻛﺳﺎﺋر اﻟوﻛﺎﻻت ...إﻟﺦ " .
ﺗﻔﺳﯾر اﻟرازى ٩٣/١٠ﻧﻘﻼ ﻋن اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﻸﺳﺗﺎذ ﻣﺣﻣد اﻟﻣﺑﺎرك .
ـ ٣٠٢ـ
اﻟــﺳﻛن ﺷــﻘﺎءا ،واﻟﻣــودة ﻧﻘﻣــﺔ ،واﻟرﺣﻣــﺔ ﻋــذاﺑﺎ ،وﺗﻧﺗﻔــﻰ ﻣــﻊ ﻫــذا
)(١
اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻣن ﺷرﻋﯾﺔ اﻟزواج " .
وﻣـﻊ اﻟﺗــﺳﻠﯾم ﺑﺈﻋطـﺎء اﻟﻣـرأة ﺣــق اﻟﻣطﺎﻟﺑـﺔ ﺑﺎﻟﻣﺧﺎﻟﻌــﺔ ﻗــﺿﺎء
ﻓـﺈن ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﻗﺑــل اﺳـﺗﻌﻣﺎﻟﻬﺎ ﻟﻬــذا اﻟﺣـق أن ﺗـﺿﻊ ﻧــﺻب ﻋﯾﻧﯾﻬـﺎ ﻗــول
اﻟﻧﺑـﻰ ـ ﺻـﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾـﻪ وآﻟـﻪ وﺳــﻠم ـ } :أﯾﻣـﺎ اﻣـرأة ﺳـﺄﻟت زوﺟﻬــﺎ
)(٢
طﻼﻗﺎ ﻓﻰ ﻏﯾر ﺑﺄس ﺣرم ﻋﻠﯾﻬﺎ راﺋﺣﺔ اﻟﺟﻧﺔ { .
ً
ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﺍﳌﻮﺟﻪ ﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﳋﻠﻊ :
أﺣﻛﺎم اﻟﺧﻠﻊ اﻟواردة ﺑﻘﺎﻧون اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ،ﻟم ﯾﺧﻠو ﻣن
اﻟﻌﯾوب واﻻﻧﺗﻘﺎدات أﻫﻣﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
١ــ أن ﻗﺎﻧون اﻟﺧﻠﻊ ﻟم ﯾﺷﺗرط رﺿﻰ اﻟزوج ﺑﺎﻟﺧﻠﻊ ،ﻣـﻊ أن اﻷﺻـل
ﻓﻲ اﻟﺧﻠﻊ أن ﯾﺗم ﺑﺎﻟﺗراﺿﻲ ﺑﯾن اﻟزوﺟﯾن .
٢ــ ﻗﺎﻧون اﻟﺧﻠﻊ ﯾﺣرم اﻟزوج ﻣن ﺿﻣﺎﻧﺔ ﺣق اﻟدﻓﺎع ،اﻟﻣﻛﻔوﻟـﺔ ﻟـﻪ
دﺳﺗورﯾﺎً ،ﻷن اﻟﻘﺎﻧون أوﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ إﯾﻘﺎع اﻟﺧﻠﻊ ﻣﺗﻰ
طﻠﺑﺗﻪ اﻟزوﺟﺔ ﺣﺗﻰ وﻟو ﻛﺎن ﺗﺣﻘﯾﻘـﺎً ﻟرﻏﺑـﺔ ﺷﺧـﺻﯾﺔ أو ﻧـزوة
ﻋﺎﺑرة ،أو ﻛﺎن إدﻋﺎء اﻟﺑﻐض واﻟﻛرﻩ ﻛﺎذﺑﺎً .
١
) ( ﺑﺣوث ﻓﻰ ﻓرق اﻟﻧﻛﺎح د /اﻟﻣرﺳﻰ ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز اﻟﺳﻣﺎﺣﻰ .
٢
) ( أﺧرﺟﻪ أﺑو داود ﻓﻰ " ﻛﺗﺎب اﻟطﻼق " " ﺑﺎب ﻓﻰ ﻛراﻫﯾﺔ اﻟطﻼق " ،واﺑن ﻣﺎﺟﺔ ﻓﻰ "ﻛﺗـﺎب اﻟطـﻼق" ﺣـدﯾث
رﻗم " ٢٠٥٥ﺑﺎب ﻛراﻫﯾﺔ اﻟﺧﻠﻊ " وأﺧرﺟﻪ اﻟﺣﺎﻛم ﻓﻰ اﻟﻣﺳﺗدرك ٢٠٠/٢وﻗﺎل ﺻﺣﯾﺢ ﻋﻠﻰ ﺷـرط اﻟـﺷﯾﺧﯾن .
ﻧﻘﻼً ﻋن دﻻﺋل اﻷﺣﻛﺎم ﻻﺑن ﺷداد ﺑﺗﺣﻘﯾق اﻟﺷﯾﺦ ﻣﺣﻣد ﺑن ﯾﺣﯾﻰ اﻟﻧﺟﯾﻣﻰ .
ـ ٣٠٣ـ
٢ـ ﻟﯾس ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ ﺳﻠطﺔ ﺗﻘدﯾرﯾﺔ ﻓﻲ اﯾﻘـﺎع اﻟﺧﻠـﻊ أو ﻋدﻣـﻪ ،وذﻟـك
ﻣﺗﻰ أﺻرت اﻟزوﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ طﻠﺑﻬـﺎ اﻟﺧﻠـﻊ ،ﺣﺗـﻰ ﻟـو ﺛﺑـت أﻧﻬـﺎ
ﻣﺗﻌﺳﻔﺔ ﻓﻲ طﻠﺑﻬﺎ ﻛﻣﺎ ﻟو أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗذﻛر ﺳﺑﺑﺎً ﺗﻘﺗﻧﻊ ﺑﻪ ﻋداﻟـﺔ
اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ،وﯾﻛﻔﯾﻬﺎ أن ﺗﻘول :أﺧﺎف أﻻ أﻗﯾم ﺣدود اﷲ .
٤ـ اﻟﺣﻛم اﻟذي ﺗﺻدرﻩ اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﺑﺎﻟﺧﻠﻊ ﻻ ﯾﻘﺑل اﻟطﻌن ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺄي
طرﯾق ﻣن طرق اﻟطﻌن اﻟﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻗﺎﻧوﻧﺎ ﺳواء
ﺑﺎﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ أو اﻻﺳﺗﺋﻧﺎف أو إﻟﺗﻣﺎس إﻋﺎدة اﻟﻧظر أو اﻟﻧﻘض ،
ﺣﺗﻰ وﻟو ﻛﺎن اﻟﺣﻛم ﺑﺎطﻼ ،ﻣﻊ أن اﻷﺻل ﻓﻲ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺗﻲ
ﺗﻔﺻل ﺑﺻﻔﺔ اﺑﺗداﺋﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧزاع اﻟﻣوﺿوﻋﻲ ﻫو ﺟواز
اﺳﺗﺋﻧﺎﻓﻬﺎ ،إذ ﯾﻌﺗﺑر ﻧظر اﻟﻧزاع ﻋﻠﻰ درﺟﺗﯾن ﺿﻣﺎﻧﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ
ﻟﻠﺗﻘﺎﺿﻲ ،وذﻟك ﻟﻣراﻗﺑﺔ ﺳﻼﻣﺗﻬﺎ وﺗﻘوﯾم اﻋوﺟﺎﺟﻬﺎ.
٥ـ اﻟﺧﻠـﻊ اﻟـذي ﯾوﻗﻌـﻪ اﻟﻘﺎﺿـﻲ ﯾﻘـﻊ طﻼﻗـﺎ ﺑﺎﺋﻧـﺎً ،وﻻ ﯾﺟـوز ﻟﻠـزوج
ﻣراﺟﻌﺔ زوﺟﺗﻪ إﻻ ﺑﻌﻘد وﻣﻬر ﺟدﯾدﯾن ،وﺑرﺿﺎﻫﺎ .
أﻣﺎ ﻟو ﻛﺎﻧت اﻟطﻠﻘﺔ اﻟﺗﻲ أوﻗﻌﻬﺎ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑـﺎﻟﺧﻠﻊ ﻫـﻲ اﻟطﻠﻘـﺔ
اﻟﻣﻛﻣﻠﺔ ﻟﻠﺛﻼث ﻓﻼ ﺗﺣل ﻟﻠزوج ﺣﺗﻰ ﺗﻧﺣﻛﺢ رﺟﻼ ﻏﯾرﻩ .
٦ــ اﻟﻣدد اﻟﻣﺣددة ﻟﻠﺣﻛﻣﯾن ،وﻻ ﻧﻬﺎء اﺟراءات اﻟﺧﻠﻊ ،ﻟﯾﺳت ﻛﺎﻓﯾﺔ
ﻟﻠـــﺻﻠﺢ ﺑـــﯾن اﻟـــزوﺟﯾن ،وﻟﻠﺣﻔـــﺎظ ﻋﻠـــﻰ اﻹﺳـــر ﻣـــن اﻟﺗﻔﻛـــك
واﻻﻧﻬﯾﺎر.
ـ ٣٠٤ـ
ﺍﳌﺒﺤﺚ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ
ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﳌﱰﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﻧﻘﻀﺎء ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ
) ﻣﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﻄﻼﻕ (
ﻣﺷﻛﻼت اﻟطﻼق ﺗﺗﻣﺛل داﺋﻣ ﺎ ً ﻓ ﻲ رﻏﺑ ﺔ اﻟﻣطﻠﻘ ﺔ ﻓ ﻲ اﻻﻧﺗﻘ ﺎم
ﻣن اﻟﻣطﻠق ،واﻟﻌﻣل ﻋﻠﻰ إذﻻﻟﮫ ﺑﻛﺎﻓﺔ اﻟطرق ،ورﻏﺑﺔ اﻟﻣطﻠق ﻓ ﻲ
ﺗﻌذﯾب اﻟﻣطﻠﻘﺔ ،واﻟﺗﻧﻛﯾل ﺑﮭﺎ ﻋﻧد ﻣﺣﺎوﻻﺗﮭﺎ اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ ﺣﻘﮭ ﺎ ،
وﻧﺳﺗﻌرض اﻵن أھم اﻟدﻋوى اﻟﺗﻲ ﺗرﻓﻌﮭﺎ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ،ﻣﺳﺑوﻗﺔ ﺑﺈﻧذار
اﻟطﺎﻋﺔ ﻣن اﻟزوج ،ﺛم اﻟدﻋﺎوى اﻟﺗﻲ ﯾرﻓﻌﮭ ﺎ اﻟﻣطﻠ ق ،وذﻟ ك ﻋﻠ ﻰ
اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﻌﻬﺎ ﺍﳌﻄﻠﻘﺔ :
١ـ دﻋوى اﻟﻧﻔﻘﺔ .
٢ـ دﻋوى اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ .
٣ـ دﻋوى روﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾر .
٤ـ دﻋوى اﻟﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﺎﺳﺗﻼم أﻋﯾﺎن اﻟﺟﮭﺎز .
ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ ﺍﳌﻄﻠﻖ :
١ـ دﻋوى اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ .
٢ـ دﻋوى رؤﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾر .
ـ ٣٠٥ـ
ً
ﺃﻭﻻ :ﺇﻧﺬﺍﺭ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ :
اﻟطﺎﻋﺔ ﻣن ﺣﻘ وق اﻟ زوج ﻋﻠ ﻰ زوﺟﺗ ﮫ ،وﻟﻛ ن ﯾﻠﺟ ﺄ اﻟ زوج
إﻟﻰ ﺗﻌذﯾب زوﺟﺗﮫ ﻗﺑل إﯾﻘﺎﻋﮫ اﻟطﻼق ﻋن طرﯾ ق ﺗﮭدﯾ دھﺎ ﺑ ﺿرورة
اﻟﻌودة إﻟﻰ اﻟﻣﻧزل ،اﻟذي ھو ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﮭﺎ ،ﻣﻛﺎن ﻟﻠﺷﻘﺎء ،وﻣﻧ زﻻ
ﻣن ﻣﻧﺎزل اﻟﺟﺣﯾم .
ﻣﻌﲎ ﺇﻧﺬﺍﺭ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ :أن ﺗدﺧل اﻟزوﺟﺔ ﻓﻲ طﺎﻋﺔ زوﺟﮭﺎ ﺑﺄن
ﺗﻘﯾم ﻣﻌﮫ ،وأن ﺗﻧﺗﻘ ل ﻣﻌ ﮫ إﻟ ﻰ أي ﻣﻛ ﺎن ﯾﻔ ﺿل اﻹﻗﺎﻣ ﺔ ﻓﯾ ﮫ ،وﻻ
ﺗﺧرج ﻣﻧﮫ إﻻ ﺑﺄذﻧﮫ .
وﺣﻣﺎﯾ ﺔ ﻣ ن اﻟﻣ ﺷرع ﻟﻠﻣ رأة أﻋطﺎھ ﺎ اﻟﺣ ق ﻓ ﻲ أن ﺗﻌﺗ رض
ﻋﻠﻰ ھذا اﻹﻧذار ﺑﺈﻗﺎﻣﺔ دﻋوى ﺑﺎﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾ ﮫ ﺗرﻓ ﻊ ﺧ ﻼل ﺛﻼﺛ ﯾن
ﯾوﻣﺎ ً ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻧذار ،وﺗﺑ ﯾن اﻷوﺟ ﮫ اﻟ ﺷرﻋﯾﺔ اﻟﺗ ﻲ ﺗ ﺳﺗﻧد إﻟﯾﮭ ﺎ
ﻓﻲ اﻣﺗﻧﺎﻋﮭﺎ ﻋن طﺎﻋﺗﮫ ،وﻓﻲ ھذا ﺣﻔﺎظﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺣﻘﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻧﻔﻘﺔ .
ﺷﺮﻭﻁ ﺇﻧﺬﺍﺭ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ :
١ـ أن ﺗﻛ ون اﻟﻣ رأة ﻗ د اﺳ ﺗوﻓت ﻋﺎﺟ ل ﻣﮭرھ ﺎ ،ﻓ ﻼ ﺗﺟﺑ ر
اﻟﻣرأة ﻋﻠﻰ اﻟدﺧول ﻓﻲ طﺎﻋﺔ زوﺟﮭﺎ ﻗﺑل أن ﺗﺳﺗوﻓﻲ ﻋﺎﺟل ﻣﮭرھﺎ،
وﻟو دﺧل ﺑﮭﺎ اﻟزوج ﺑرﺿﺎھﺎ .
٢ـ أن ﯾﻛون اﻟزوج أﻣﯾﻧﺎ ً ﻋﻠﻰ زوﺟﺗﮫ ،وﻣﺎﻟﮭﺎ .
٣ـ أن ﯾﻛون اﻟزوج ﻗد أﻋد ﻟﮭﺎ ﻣﺳﻛﻧﺎ ً ﺷرﻋﯾﺎ ً .
٤ـ أن ﺗﻛون اﻟزوﺟﺔ ﻣﻣﺗﻧﻌﺔ ﺑﻼ ﻣﺳوغ ﺷرﻋﻲ .
ـ ٣٠٦ـ
ﻭ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﳌﺴﻜﻦ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
ً
ﻣﺳﺗﻘﻼ . أ ـ أن ﯾﻛون اﻟﻣﺳﻛن
ب ـ أن ﯾﻛ ون ﻻﺋﻘ ﺎ ً ﺑﺣ ﺎل اﻟ زوﺟﯾن ،وﯾﻐﻠ ق ﻋﻠ ﻰ اﻟزوﺟ ﺔ
ﻟﯾﺻون ﻧﻔﺳﮭﺎ وﻣﺗﺎﻋﮭﺎ وﻣﺎﻟﮭﺎ .
ج ـ أن ﯾﻛ ون ﻣ ﺷﺗﻣﻼ ﻋﻠ ﻰ ﻛ ل ﻣ ﺎ ﯾﻠ زم ﻟﻠ ﺳﻛﻧﻰ ﻣ ن ﻓ راش
وأﺳﺎس .
د ـ أن ﯾﻛ ون ﻛﺎﻣ ل اﻟﻣراﻓ ق ،ﻣ ن أدوات اﻟﻼزﻣ ﺔ ﻟﻠ ﺷﺋون
اﻟﻣﻧزﻟﯾﺔ .
ھ ـ ـ أن ﯾﻛ ون ﺧﺎﻟﯾ ﺎ ﻣ ن ﺳ ﻛﻧﻰ ﻣ ن ﺗﺗ ﺿرر اﻟزوﺟ ﺔ ﻣ ن
وﺟودھم ﻓﯾﮫ ،ﺳواء ﻛﺎﻧوا ﻣن اﻷھل أم ﻣن ﻏﯾرھم .
و ـ أن ﯾﻛون ﻟﮫ ﺟﯾران ﺻﺎﻟﺣﯾن .
وﻣن ھ ذا ﯾﺗ ﺿﺢ أن اﺷ ﺗراط اﻟﻣ ﺷرع ﻟ ذﻟك ﻛﻠ ﮫ ،ﻓﯾ ﮫ ﺣﻔ ﺎظ
ﻋﻠ ﻰ ﻛراﻣ ﺔ اﻟﻣ رأة ﻣ ن إذﻻل اﻟ زوج ﻟﮭ ﺎ ؛ ﻟﺗﻌ ﯾش ﺣﯾ ﺎة ﻛرﯾﻣ ﺔ
ﻣطﻣﺋﻧﺔ .
ﻫﺬﺍ ﻭﺇﺫﺍ ﺗﻮﺍﻓﺮﺕ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟـﺸﺮﻭﻁ ﻭﺍﻣﺘﻨﻌـﺖ ﺍﻟﺰﻭﺟـﺔ ﻋـﻦ
ً
ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﰲ ﻃﺎﻋﺔ ﺯﻭﺟﻬﺎ ،ﻫﻞ ﺗﻨﻔﺬ ﺟﱪﻳﺎ ) ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ( ؟؟؟.
اﻟﺗﻧﻔﯾ ذ اﻟﺟﺑ ري ﻟ ﯾس ﻟ ﮫ ﺳ ﻧد ﺷ رﻋﻲ ،ﺑ ل ﻧظ ﺎم اﺑﺗدﻋ ﮫ
اﻟﻣﻣﺎﻟﯾ ك ﺑﻣ ﺻر ،إﻣﻌﺎﻧ ﺎ ً ﻓ ﻲ إذﻻل اﻟﻣ رأة ،وظ ل ﻗﺎﺋﻣ ﺎ ً إﻟ ﻰ ﻋﮭ د
ـ ٣٠٧ـ
ﻗرﯾب ،ﻓﻠﻣﺎ ﻛﺛرت اﻟﻧداءات ﺑﺄن اﻟﺗﻧﻔﯾذ اﻟﺟﺑري ﻋﺑر اﻟﺷرطﺔ ﯾﺗﻧﺎﻓﻰ
ﻣ ﻊ ﻣ ﺎ ﺑﻧ ﻲ ﻋﻠﯾ ﮫ اﻟ زواج ﻣ ن اﻟوﺋ ﺎم واﻟﺗﻌ ﺎطف ،اﺳ ﺗﺟﺎب وزﯾ ر
اﻟﻌدل ﻟﮭذه اﻟﻧداءات اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻓﺄﺻدر ﻓﻲ ﺳﻧﺔ ١٩٦٧م ﻗرارا ﺑﺈﻟﻐﺎء
ﺗﻧﻔﯾذ ﺣﻛم اﻟطﺎﻋﺔ ﻋن طرﯾق اﻟﺷرطﺔ .
وھذا ﺗدﺧل آﺧر ﻣ ن اﻟﻣ ﺷرع ﻓ ﻲ اﻟﺣﻔ ﺎظ ﻋﻠ ﻰ ﺣرﯾ ﺔ اﻟﻣ رأة
ورﻏﺑﺗﮭﺎ ﻓﻲ أن ﺗﻛون ﺑﻌﯾداً ﻋن ھذا اﻟزوج اﻟذي ﻛرھت اﻟﺣﯾ ﺎة ﻣﻌ ﮫ
،ﻓﻼ ﺗﺧﺷﻰ ﺷﯾﺋﺎ ً وإن ھددھﺎ اﻟزوج ﺑﺈﻧذار وإﻋﻼن اﻟطﺎﻋﺔ .
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺩﻋﻮﻯ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ :
إذا وﻗﻊ اﻟطﻼق ﺳﺎرﻋت اﻟﻣرأة ﻟﻠﺣﻔ ﺎظ ﻋﻠ ﻰ ﺣﻘﮭ ﺎ إﻟ ﻰ رﻓ ﻊ
دﻋوى اﻟﻧﻔﻘﺔ ،واﻟﺗﻲ ﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻵﺗﻲ :
١ـ ﻧﻔﻘﺔ اﻟﻌدة .
٢ـ ﻧﻔﻘﺔ اﻟﻣﺗﻌﺔ .
٣ـ ﻧﻔﻘﺔ اﻟﺻﻐﯾر .
١ـ ﻧﻔﻘﺔ ﺍﻟﻌﺪﺓ :
اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻟﮭﺎ اﻟﻧﻔﻘﺔ إذا ﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﻓﺗرة اﻟﻌدة ،ﻷﻧﮭ ﺎ ﺗﻛ ون ﻓ ﻲ
ﺣﻛم اﻟزوﺟﺔ ،وﻟﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻣطﻠﻘﮭﺎ ﺷرﻋﺎ ً ﻣﺎ ﻟﻠزوﺟﺔ ﻋﻠﻰ زوﺟﮭﺎ ﻣ ن
ﺑﻌ ض اﻟﺣﻘ وق ،وﻣﻧﮭ ﺎ اﻟﻧﻔﻘ ﺔ ،وذﻟ ك ﺟ زاء اﻻﺣﺗﺑ ﺎس اﻟﺣﻘﯾﻘ ﻲ
واﻟﺣﻛﻣﻲ .
وﺗﺷﻣل اﻟﻧﻔﻘﺔ " اﻟﻣﺄﻛل ،واﻟﻣﻠﺑس ،واﻟﺳﻛﻧﻰ " .
ـ ٣٠٨ـ
واﻟﺟ ﺎري ﻋﻠﯾ ﮫ اﻟﻌﻣ ل ﻓ ﻲ ﻣ ﺻر أن اﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﯾﻔ رض ﻋﻠ ﻰ
اﻟﻣطﻠق ﻣﺑﻠﻐﺎ ً ﻣن اﻟﻧﻘود ﯾﻣﺛل ھذه اﻟﻧﻔﻘﺔ ﺷﮭرﯾﺎ ً .
وﻧﻔﻘﺔ اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﺗﻛون دﯾﻧﺎ ً ﻓﻲ ذﻣﺔ اﻟزوج ﻻ ﺗﺳﻘط إﻻ ﺑ ﺎﻷداء
أو اﻹﺑراء .
وﻣن ھذا ﺗظﮭر ﻋظﻣﺔ ھذا اﻟﺗﺷرﯾﻊ ﻓﻲ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠ ﻰ اﻟط رف
اﻟﺿﻌﯾف وھو اﻟﻣطﻠﻘﺔ ،ﻓﺄوﺟب ﻟﮭﺎ ﻣﺎ ﻟﻠزوﺟﺔ ﺧﻼل ﻓﺗ رة اﻟﻌ دة ،
ﺣﺗﻰ ﻻ ﺗﻛون ﺑﻌ د اﻧﻛ ﺳﺎرھﺎ ﻋﺑ ﺄ ﻋﻠ ﻰ أﺣ د ﺣﺗ ﻰ وﻟ و ﻛ ﺎﻧوا أھﻠﮭ ﺎ ،
ﻓرﺑﻣﺎ أﻗﺑل اﻟزوج ﻋﻠﻰ زوﺟﺗﮫ ﻓراﺟﻌﮭﺎ ،واﺳﺗﻘر ﺑﮭﻣ ﺎ اﻟﻣﻘ ﺎم ﻋﻠ ﻰ
أﺣﺳن ﺣﺎل .
ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ :
ﺟرى ﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻓﻲ ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗﻘدﯾر اﻟﻧﻔﻘﺔ .
اﻟﺑﻌض ﻗﺎل :ﺗﻘدر ﺑﺣﺎل اﻟزوج .
واﻟﺑﻌض ﯾرى :ﺗﻘدر ﺑﺣﺎل اﻟزوﺟﺔ .
وﻗﯾل :ﺗﻘدر ﺑﺣﺎﻟﮭﻣﺎ ﻣﻌﺎ ً .
واﻟﻣﻌﻣول ﺑﮫ ﻓ ﻲ ﻣﺣ ﺎﻛم اﻷﺣ وال اﻟﺷﺧ ﺻﯾﺔ أن اﻟﻧﻔﻘ ﺔ ﺗﻘ در
ﺑﺣﺎل اﻟزوج ﯾﺳراً و ﻋﺳراً ،ﻣﮭﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺣﺎﻟﺔ اﻟزوﺟﺔ .
ودﻟﯾل ذﻟك ﻗوﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ) :ﻟﯾﻧﻔق ذو ﺳﻌﺔ ﻣن ﺳﻌﺗﮫ وﻣن ﻗدر
ﻋﻠﯾﮫ رزﻗﮫ ﻓﻠﯾﻧﻔق ﻣﻣﺎ آﺗﺎه ﷲ ﻻ ﯾﻛﻠف ﷲ ﻧﻔﺳﺎ ً إﻻ وﺳﻌﮭﺎ ( ).( ١
) ( ١ـ ﻣﻦ اﻵﯾﺔ ) ( ٧ﺳﻮرة اﻟﻄﻼق .
ـ ٣٠٩ـ
وﺗﻘ دﯾر اﻟﻣ ﺷرع اﻟﻧﻔﻘ ﺔ ﺑﺣ ﺎل اﻟ زوج ھﻧ ﺎ ﻟ ﯾس ﻓﯾ ﮫ إﺟﺣ ﺎف
ﻟﺣق اﻟﻣرأة ،ﻷن اﻟﻣرأة إن ﻛﺎﻧت ﻏﻧﯾﺔ ﻗﺎدرة ﻓﻠﯾﺳت ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟ ﻰ
ً
ﺣﺎﻻ ﻣﻧﮫ ، ﻧﻔﻘﺔ اﻟرﺟل اﻟﻔﻘﯾر ،وإن ﻛﺎﻧت ﻓﻘﯾرة ﻓﺣﺎﻟﮭﺎ ﻟﯾس أﺣﺳن
ﻓﺗﻛون اﻟﻧﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻗدر طﺎﻗﺗﮫ.
ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺰﻭﺝ :
ﯾﺛب ﺣﺎل اﻟزوج ﺑواﺳطﺔ ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :
١ـ إﻗرار اﻟزوج .
٢ـ اﻟﺗﺣري ﻋن طرﯾق ﻗﻠم اﻟﻛﺗﺎب ﺑﺎﻟطرﯾق اﻹداري .
٣ـ ﺷ ﮭﺎدة اﻻﺳﺗﻛ ﺷﺎف ) .وھ ﻲ أن ﯾ ﺷﮭد رﺟ ﻼن
ﺑﺣﺎل اﻟزوج ﻏﻧﻲ أو ﻓﻘﯾر ،وﯾﺟوز ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ أن ﯾﺳﺗﺣﻠﻔﮭم ﺑﺎ (.
واﺛﺑﺎت ﺣﺎل اﻟزوج ﺑﮭذه اﻟﺻور ﻓﯾﮫ إﻋﻔﺎء ﻟﻠﻣرأة ﻣن ﻣ ﺷﻘﺔ
ﺗﺗﺑﻊ اﻟرﺟل ،ﻣﻊ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﻛﯾﺎﻧﮭﺎ ،وﻛراﻣﺗﮭﺎ ﻣﻊ ﺻﯾﺎﻧﺔ ﺣﻘﮭﺎ .
٢ـ ﻧﻔﻘﺔ ﺍﳌﺘﻌﺔ :
وھﻲ :ﻧﻔﻘﺔ ﯾﻌطﯾﮭﺎ اﻟزوج ﻟﻣطﻠﻘﺗﮫ زﯾﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﺻداق .
وذﻟك ﻧظﯾر ﻣﺎ ﯾﺻﯾب اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻣن اﻟﺣﺳرة و آﻻﻻم ،إذا ﻛﺎن
ﺗطﻠﯾﻘﮭﺎ ﺑﺳﺑب ﻻ ﯾﻌود إﻟﯾﮭﺎ .
دﻟﯾ ل ذﻟ ك ﻗوﻟ ﮫ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ " :وﻟﻠﻣطﻠﻘ ﺎت ﻣﺗ ﺎع ﺑ ﺎﻟﻣﻌروف ﺣﻘ ﺎ ً
ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺗﻘﯾن " .
ـ ٣١٠ـ
وﺗﻘ در ﺑﻧﻔﻘ ﺔ ﺳ ﻧﺗﯾن ﻋﻠ ﻰ اﻷﻗ ل ،وﯾﺟ وز ﻟﻠﻘﺎﺿ ﻲ أن ﯾزﯾ د
ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻣﻊ ﻣراﻋﺎة ﺣﺎل اﻟزوج ﯾﺳراً وﻋﺳراً .
وھﻧﺎ ﺗظﮭر أﯾﺿﺎ ً ﻋظﻣﺔ ھذا اﻟﺗﺷرﯾﻊ ﻓﻲ ﻣراﻋﺎة ﺣﺎل اﻟﻣ رأة
،وﻣراﻋﺎة ﺣﺎﻟﺗﮭﺎ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ،ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﺗﺧﻔﯾف ﻋﻧﮭﺎ ﺑﺄن ﺟﻌل ﻟﮭﺎ
ﻧﻔﻘﺔ ﻣﺗﻌﺔ ،رﺑﻣﺎ ﺗﻛون ﻋوﺿﺎ ً ﻟﮭﺎ ﻋﻣﺎ أﺻﺎﺑﮭﺎ ﻣن أﻟم وﺣﺳرة .
٣ـ ﻧﻔﻘﺔ ﺍﻟﺼﻐﲑ :
ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺷﻛﻼت ﻧﻔﻘﺔ اﻟﺻﻐﯾر ﻟﺗﺟﺳد ﻣﻌﺎﻧﺎة ﻛﺑﯾرة ﻟدى اﻷﺑﻧﺎء،
ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻛون اﻷﺑﻧﺎء ﻓﻲ ﻛﻧف اﻷﺳرة ﻓﮭم ﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎ ﯾﺗﻣﺗﻌون ﺑﺎﻷﺟواء
اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻟطﯾﺑﺔ ،وﻟﻛن ﺑﻌد اﻟطﻼق ﻗد ﯾﻧ ﺷﺄ اﻟ ﺻراع ﺑ ﯾن اﻟط رﻓﯾن ،
وﯾﻌﺗﻘ د اﻷب أن ھ ذه اﻟﻧﻔﻘ ﺔ ﺗ ﺳﺗﻔﯾد ﻣﻧﮭ ﺎ اﻷم ﻓﯾﺣ ﺎول ﺑﻛ ل وﺳ ﯾﻠﺔ
اﻟﺗﮭرب ﻣن دﻓﻌﮭﺎ أو ﺗﻘﻠﯾﻠﮭﺎ ،واﺗﺧﺎذھ ﺎ وﺳ ﯾﻠﺔ ﻟﻠ ﺿﻐط ﻹﺟﺑ ﺎر اﻷم
ﻋﻠﻰ اﻷﻧﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻧﺎء ﻣن ﻣﺎﻟﮭﺎ اﻟﺧﺎص ،ھذا ﻣن ﺟﺎﻧب .
وﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر ،ﻗد ﯾﻠﺟﺄ ﺑﻌض اﻷﻣﮭﺎت ﺑﺻﻔﺗﮭن ﺣﺎﺿﻧﺎت
ﻟﻸﺑﻧﺎء إﻟ ﻰ اﺳ ﺗﻐﻼل ھ ذا اﻟوﺿ ﻊ ،وﺗﻛﺑﯾ د اﻷب ﻣﺑ ﺎﻟﻎ ﻛﺑﯾ رة ،ﻣﻣ ﺎ
ﯾزﯾد اﻟﮭوة ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ،وﯾﻛون أﺛره اﻟﺳﯾﺊ ﻛﺑﯾراً ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻧﺎء .
وﻋﻠ ﻰ ﻛ ل ﻓ ﺈن اﻷﺻ ول اﻟ ﺷرﻋﯾﺔ اﻟﺧﺎﻟ دة ﺗﻘ ﺿﻲ ﻋﻠ ﻰ ﻣ ر
اﻷزﻣ ﺎن ﺑوﺟ وب ﻧﻔﻘ ﺔ اﻟ ﺻﻐﯾر ﻋﻠ ﻰ أﺑﯾ ﮫ ﻣ ن ﺗ ﺎرﯾﺦ ﻣ ﯾﻼده ﺣﺗ ﻰ
ﺗﺎرﯾﺦ ﺑﻠوﻏﮫ .
وﺗﺳﺗﻣر اﻟﻧﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻷب إذا ﺑﻠﻎ اﻟوﻟ د ﻣرﯾ ﺿﺎ ً أو ﻏﯾ ر ﻗ ﺎدر
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣل ،أو ﻛﺎن طﺎﻟب ﻋﻠم .
ـ ٣١١ـ
أﻣﺎ اﻷﻧﺛﻰ ﻓﺗﺟب ﻟﮭﺎ اﻟﻧﻔﻘﺔ ﺣﺗﻰ ﺗﺗزوج .
ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ) :وﻋﻠ ﻰ اﻟﻣوﻟ ود ﻟ ﮫ رزﻗﮭ ن وﻛ ﺳوﺗﮭن
ﺑﺎﻟﻣﻌروف ( .
وروى اﻟﺑﺧﺎري أن ھﻧد ﺑﻧت ﻋﺗﺑﺔ زوﺟﺔ أﺑﻲ ﺳ ﻔﯾﺎن ﻗﺎﻟ ت :
ﯾ ﺎ رﺳ ول ﷲ إن أﺑ ﺎ ﺳ ﻔﯾﺎن رﺟ ل ﺷ ﺣﯾﺢ ،ﻻ ﯾﻌطﯾﻧ ﻲ ﻣ ﺎ ﯾﻛﻔﯾﻧ ﻲ
ووﻟدي إﻻ ﻣﺎ أﺧذت ﻣﻧﮫ وھو ﻻ ﯾﻌﻠم ،ﻓﻘﺎل ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ـ
" ﺧذي ﻣﺎ ﯾﻛﻔﯾك ووﻟدك ﺑﺎﻟﻣﻌروف ") .( ١
وﻣن ھذا ﯾﺗﺿﺢ أن اﻟﺷﺎرع اﻟﺣﻛ ﯾم أﻋﻔ ﻰ اﻟﻣ رأة ﻣ ن واﺟ ب
اﻟﻧﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻐﯾر ،وأﻟﻘﺎھﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗق اﻟرﺟل ،وﺟﻌل اﻟﻣرأة ﻏﯾر
ﻣﺳﺋوﻟﺔ ﻋن ذﻟك ﻟﺗﻧﻌم ﺑﺣﯾﺎة ﻛرﯾﻣﺔ ،ﺑﻌﯾدة ﻋن اﻟﻣﺷﺎق واﻟﺻﻌﺎب ،
ﺣﺗ ﻰ وإن ﺧرﺟ ت اﻟﻣ رأة ﻟﻠﻌﻣ ل ﻓﺈﻧﮭ ﺎ ﺗﻛ ون ﻓ ﻲ ﺣ ل ﻣ ن اﻹﻧﻔ ﺎق
أﯾﺿﺎ ً.
وﻣﻊ ھذا ﻓﻘد ﺟﻌﻠﮭﺎ أﻣﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎل اﻟرﺟل وھﻲ ﻋﻧ ده ،ﻓ ﻼ
ﯾﺟوز ﻟﻠﻣ رأة أن ﺗﺄﺧ ذ ﻣ ن ﻣ ﺎل زوﺟﮭ ﺎ ﺷ ﯾﺋﺎ ً إﻻ ﺑﺈذﻧ ﮫ ،إﻻ إذا ﻛ ﺎن
ﯾﻘﺻر ﻓﻲ اﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﯾﮭﺎ ،ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺟوز ﻟﮭﺎ أن ﺗﺄﺧذ ﻣﺎ ﯾﻛﻔﯾﮭ ﺎ وﯾﻛﻔ ﻲ
أوﻻدھ ﺎ ﺑ ﺎﻟﻣﻌروف ،ﻛﻣ ﺎ ﻗ ﺎل اﻟﻧﺑ ﻲ ـ ﺻ ﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾ ﮫ وﺳ ﻠم ـ ﻟﮭﻧ د
ﺑﻧ ت ﻋﺗﺑ ﺔ ﻟﻣ ﺎ ﺷ ﻛت إﻟﯾ ﮫ ﺗﻘ ﺻﯾر زوﺟﮭ ﺎ أﺑ ﻲ ﺳ ﻔﯾﺎن ﻓ ﻲ اﻹﻧﻔ ﺎق
ﻋﻠﯾﮭ ﺎ وﻋﻠ ﻰ أوﻻدھ ﺎ ،ﻓﻘ ﺎل ﻟﮭ ﺎ ) :ﺧ ذي ﻣ ﺎ ﯾﻛﻔﯾ ك ووﻟ دك
) ( ١ـ أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ـ ﺑ ﺎب إذا ﻟ ﻢ ﯾﻨﻔ ﻖ اﻟﺮﺟ ﻞ ﻓﻠﻠﻤ ﺮاة أن ﺗﺄﺧ ﺬ
ﺑﻐﯿﺮ ﻋﻠﻤﮫ ﻣﺎ ﯾﻜﻔﯿﮭﺎ ووﻟﺪھﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺮوف ـ ﺣﺪﯾﺚ رﻗﻢ . ٥٠٤٩
ـ ٣١٢ـ
ﺑﺎﻟﻣﻌروف ( وﻟﯾس ﻟذﻟك ﻛﻔﺎرة إذا ﻛﺎن اﻟواﻗﻊ ھو ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ،أﻣﺎ إن
ﻛﺎن اﻷﺧذ ﺑﻐﯾر ﺗﻘﺻﯾر ﻣﻧﮫ ،ﻓﻌﻠﯾﮭﺎ أن ﺗرد ﻣﺎ أﺧذت إﻟﻰ ﻣﺎﻟﮫ وﻟو
ﺑﻐﯾر ﻋﻠﻣﮫ ،إذا ﻛﺎﻧت ﺗﺧﺷﻰ إذا أﻋﻠﻣﺗﮫ أن ﯾﺗﻛدر أو ﯾﻐﺿب ﻋﻠﯾﮭﺎ .
ﻭﺍﳌﺮﺍﺩ ﺑﺎﳌﻌﺮﻭﻑ :ﻣﺎ ﯾﻛون ﺑﯾن اﻟﻐﻧﻰ واﻟﺳﻌﺔ ،وﺑﯾن اﻟﻔﻘ ر
واﻟﺷدة ،وھو ﻻ ﯾﺧﻔﻰ ﻋﻠﻰ ﻣن ﻟﮫ ﺧﺑره ﺑﺄﺣوال اﻟﻧﺎس ﻓﻲ ﻣﺻره
وﻋﺻره.
وھﻧ ﺎ ﻧﻼﺣ ظ أن اﻟ ﺷﺎرع اﻟﺣﻛ ﯾم إذن ﻟﻠﻣ رأة ﺣ ﺎل ﺗﻘ ﺻﯾر
زوﺟﮭ ﺎ ﻓ ﻲ اﻹﻧﻔ ﺎق ﻋﻠﯾﮭ ﺎ وﻋﻠ ﻰ وﻟ دھﺎ أن ﺗﺄﺧ ذ ﻣﻧ ﮫ ﻣ ﺎ ﯾﻛﻔﯾﮭ ﺎ
ووﻟدھﺎ ،وﻓﻲ ھذا ﺣﻣﺎﯾﺔ ﻟﮭﺎ ﻣ ن اﻻﻧﺣ راف ،وﻟوﻟ دھﺎ ﻣ ن اﻟﺗ ﺷرد
واﻟﺿﯾﺎع .
ً
ﺛﺎﻧﻴﺎ :ﺩﻋﻮﻯ ﺍﳊﻀﺎﻧﺔ
ﺍﳊــﻀﺎﻧﺔ " :ﺗرﺑﯾ ﺔ اﻟطﻔ ل ،واﻟﻘﯾ ﺎم ﻋﻠ ﻰ ﺷ ﺋوﻧﮫ ﻓ ﻲ ﺳ ن
ﻣﻌﯾﻧﺔ ،ﻣﻣن ﻟﮫ اﻟﺣق ﻓﻲ ﺗرﺑﯾﺗﮫ " .
ھ ذا واﻟﻧ ﺳﺎء أﻗ در ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ك ﻣ ن اﻟرﺟ ﺎل ﻓ ﻲ اﻟﻘﯾ ﺎم ﺑﮭ ذه
اﻟﻣﮭﻣﺔ ؛ ﻓﺎﻷم أﻛﺛر ﺷﻔﻘﺔ ،وأوﻓر ﺣﻧﺎﻧﺎ ً ،وأﺑﻠﻎ ﻋطﻔﺎ َ .
ﻭﺍﻟــﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠــﻰ ﺫﻟــﻚ :ﻣ ﺎ روي ﻋ ن ﻋﺑ د ﷲ ﺑ ن ﻋﻣ رو أن
اﻣ رأة ﻗﺎﻟ ت :ﯾ ﺎ رﺳ ول ﷲ إن اﺑﻧ ﻲ ھ ذا ﻛ ﺎن ﺑطﻧ ﻲ ﻟ ﮫ وﻋ ﺎء ،
وﺛدﯾﻲ ﻟﮫ ﺳﻘﺎء ،وﺣﺟري ﻟ ﮫ ﺣ واء ،وان أﺑ ﺎه طﻠﻘﻧ ﻲ ،وأراد أن
ـ ٣١٣ـ
ﯾﻧزﻋﮫ ﻣﻧﻲ ؟ ﻓﻘﺎل ﻟﮭﺎ رﺳول ﷲ ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳ ﻠم ـ ' :أﻧ ت
أﺣق ﺑﮫ ﻣﺎ ﻟم ﺗﻧﻛﺣﻲ ' ).( ١
● ـ وﻋﻣ ر ﺑ ن اﻟﺧط ﺎب ﻟﻣ ﺎ ﺗﻧ ﺎزع ﻣ ﻊ زوﺟﺗ ﮫ أم ﺟﻣﯾ ل ﻓ ﻲ
اﺑﻧﮭﻣﺎ ﻋﺎﺻم ،واﺧﺗﺻﻣﺎ إﻟﻰ أﺑﻲ ﺑﻛر ـ رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮫ ـ ﻗﺎل ﻟﮫ " :
رﯾﺣﮭﺎ وﻣﺳﮭﺎ ﺧﯾر ﻣن اﻟﺷﮭد ﻋﻧدك ﯾﺎ ﻋﻣر " ).( ٢
)( ٣
ﺃﻗﺪﺭ ﲝﻀﺎﻧﺔ ﺍﻟﺼﻐﲑ ﺃﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺇﻃﻼﻗﻪ ﺑﻞ ﻭﻛﻮﻥ ﺍﻷﻡ
ﺑﺸﺮﻭﻁ :
١ـ أن ﺗﻛون ﺑﺎﻟﻐﺔ ،ﻋﺎﻗﻠﺔ ،ﻗﺎدرة ﻟﯾﺳت ﻣﺳﻧﺔ وﻻ ﻣرﯾﺿﺔ .
٢ـ أن ﺗﻛ ون أﻣﯾﻧ ﺔ ،ﺑﻣﻌﻧ ﻰ :أن ﻻ ﺗﻛ ون ﺳ ﯾﺋﺔ اﻟ ﺳﻣﻌﺔ ،وأن ﻻ
ﺗﻛﺛر اﻟﺧروج ﻣن اﻟﻣﻧزل .
٣ـ أن ﻻ ﺗﻛون ﻣﺗزوﺟﺔ .
٤ـ أن ﻻ ﺗﻘﯾم ﺑﺎﻟ ﺻﻐﯾر ﻓ ﻲ ﺑﯾ ت ﯾﺑﻐ ﺿوﻧﮫ وﯾﻛرھوﻧ ﮫ ،ﻓﮭ ذا ﯾ ؤﺛر
ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾر .
ﻓﺈﺫﺍ ﱂ ﺗﺘﻮﺍﻓﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ،ﻛـﺎﻥ ﺍﻷﺏ ﺃﻭﱃ ﺑﺎﳊـﻀﺎﻧﺔ ﻣـﻦ
) ( ١ـ أﺧﺮﺟﮫ أﺑ ﻮ داود ﻓ ﻲ ﺳ ﻨﻨﮫ ـ ﻛﺘ ﺐ اﻟﺤ ﻀﺎﻧﺔ ـ ﺑ ﺎب ﻣ ﻦ أﺣ ﻖ ﺑﺎﻟﻮﻟ ﺪ ـ /٢
،٢٥١رﻗﻢ .٢٢٧٨
) ( ٢ـ أورده اﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﺪراﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺨﺮﯾﺞ أﺣﺎدﯾﺚ اﻟﮭﺪاﯾﺔ ـ . ٨١ / ٢
) ( ٣ـ ﺗﺮﺗﯿﺐ اﻟﺤﺎﺿﻨﺎت ﯾﺒﺪأ ﺑــ ـ اﻷم ،ﺛ ﻢ أم اﻷم ،ﺛ ﻢ أم اﻷب .....ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨﺤ ﻮ
اﻟﻤﻘﺮر ﺑﻘﺎﻧﻮن اﻷﺣﻮال اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ .
ـ ٣١٤ـ
ً
ﺍﻷﻡ ،ﻭﺑﺸﺮﻭﻁ ﺃﻳﻀﺎ :
١ـ أن ﯾﻛون ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ ﺗرﺑﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾر .
٢ـ أن ﯾﻛون أﻣﯾﻧﺎ ً ﻋﻠﻰ أﺧﻼق اﻟﺻﻐﯾر .
٣ـ أن ﯾﻛون ﻣﺗﺣداً ﻣﻊ اﻟﺻﻐﯾر ﻓﻲ اﻟدﯾن .
ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺜﻮﺭ ﺍﻟﺘـﺴﺎﺅﻝ ﺣـﻮﻝ ﺍﺧـﺘﻼﻑ ﺍﻟـﺪﻳﻦ ﻫـﻞ ﳝﻨـﻊ ﻣـﻦ
ﺍﳊﻀﺎﻧﺔ ﺃﻡ ﻻ ؟
اﺧﺗﻠف اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻓﻲ ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺣو اﻟﺗﺎﻟﻲ :
ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﻭﺍﳊﻨﺎﺑﻠﺔ ﻗﺎﻟوا :اﺧﺗﻼف اﻟدﯾن ﯾﻣﻧﻊ ﻣن اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ .
ﻠم ﻧﺎن َ ﱠأﻧ ُﮫ َ ْ
أﺳ َ َ واﺳﺗدﻟوا ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺑﻣﺎ روي ﻋ ن َراﻓِ ِﻊ ْﺑ ِن ﺳِ َ ٍ
ت: ﻓﻘﺎﻟَ ِاﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻ ﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾ ﮫ وﺳ ﻠم ـ َ َ ت ﱠِ ﱠ ﺗﺳﻠ َِم َ َ َ
ﻓﺄﺗ ِ اﻣرأﺗﮫ َ ْ
أن ُ ْ ت ْ َ َُ ُ َ ََ
وأﺑ ِ
اﺑﻧﺗِ ﻰَ َ .
ﻓﻘ ﺎلَ َﻟ ُﮫ اﻟ ﱠﻧﺑِ ﱡﻰ ـ ﺻ ﻠﻰ وﻗﺎلَ َراﻓ ٌِﻊ ْ َ ﯾم َْأو ﺷِ ْ ُ ُ
ﺑﮭﮫ َ َ اﺑﻧﺗِﻰ َوھ َِﻰ َﻓطِ ٌ
َْ
ﻟﮭ ﺎ » اﻗﻌ دي َﻧﺎﺣ َِﯾ ًﺔ «. اﻗﻌ ْد َﻧﺎﺣ َِﯾ ًﺔ «َ َ .
وﻗ ﺎلَ َ َ ﷲ ﻋﻠﯾ ﮫ وﺳ ﻠم ـ ُ ْ » :
ت اﻟ ﱠ ِ ﱠ ُ
ﺻﺑﯾﺔ ﻓﻣﺎﻟَ ِادﻋواھ ﺎ «َ َ .
ﺑﯾﻧﮭﻣ ﺎ ُﺛ ﱠم َﻗ ﺎلَ َ َ ُ ْ » : وأﻗﻌد ﱠ ِ ﱠ َ
اﻟﺻﺑﯾﺔ َ ْ َ ُ َ َﻗﺎلَ َ َ ْ َ َ :
ﻟﻠﮭم أھدھﺎ «.اﻟﻧﺑﻰ ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ـ » :ا ﱠ ُ ﱠ ﻓﻘﺎلَ ﱠ ِ ﱡأﻣﮭﺎ َ َ ، َِإﻟﻰ ُ ﱢ َ
ﻓﺄﺧذھﺎ" ).( ١
أﺑﯾﮭﺎ َ َ َ َ َ
اﻟﺻﺑﯾﺔ َِإﻟﻰ َ ِ َ
ت ﱠ ِﱠ ُ ََ َ
ﻓﻣﺎﻟ ِ
) ( ١ـ أﺧﺮﺟ ﮫ أﺑ ﻮ داود ﻓ ﻲ ﺳ ﻨﻨﮫ ـ ﺑ ﺎب إذا أﺳ ﻠﻢ أﺣ ﺪ اﻟﻮاﻟ ﺪﯾﻦ ﻣ ﻊ ﻣ ﻦ ﯾﻜ ﻮن
اﻟﻮﻟﺪ ـ ، ١٤٠ / ٢ﺣﺪﯾﺚ رﻗﻢ . ٢٢٤٦
ـ ٣١٥ـ
ﺍﳊﻨﻔﻴﺔ ﻭﺍﳌﺎﻟﻜﻴﺔ ،ﻗﺎﻟوا :ﯾﺻﺢ ﻛون اﻟﺣﺎﺿﻧﺔ ﻛﺗﺎﺑﯾﺔ أو ﻏﯾر
ﻛﺗﺎﺑﯾﺔ ،ﺳواء أﻛﺎﻧ ت أﻣ ﺎ ً أم ﻏﯾرھ ﺎ ،ﻷن ﻣﻧ ﺎط اﻟﺣ ﺿﺎﻧﺔ اﻟ ﺷﻔﻘﺔ ،
وھﻲ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟدﯾن .
وھ ذا ...واﻟﻣﻌﻣ ول ﺑ ﮫ ﻓ ﻲ ﻣﺣ ﺎﻛم ﻣ ﺻر أﻧ ﮫ ﯾﺑﻘ ﻰ ﻋﻧ د
اﻟﺣﺎﺿﻧﺔ إﻟﻰ أن ﯾﻌﻘل اﻷدﯾﺎن ،ﺑﺑﻠوﻏﮫ ﺳن اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ ،أو ﯾﺗ ﺿﺢ أن
ﻓﻲ ﺑﻘﺎﺋ ﮫ ﻣﻌﮭ ﺎ ﺧط راً ﻋﻠ ﻰ دﯾﻧ ﮫ ،ﺑ ﺄن ﺑ دأت ﺗﻌﻠﻣ ﮫ أﻣ ور دﯾﻧﮭ ﺎ أو
وده ﻋﻠ ﻰ ﺷ رب اﻟﺧﻣ ر ،وأﻛ ل ﻟﺣ م
ﺗ ذھب ﺑ ﮫ إﻟ ﻰ ﻣﻌﺎﺑ دھﺎ ،أو ﺗﻌ ﱢ
اﻟﺧﻧزﯾر .
ﻣﺪﺓ ﺍﳊﻀﺎﻧﺔ
ﻣ دة اﻟﺣ ﺿﺎﻧﺔ ﻋﻧ د اﻟ ﺳﺎدة اﻟﺣﻧﻔﯾ ﺔ ﺗﺑ دأ ﻣ ن ﺗ ﺎرﯾﺦ اﻟ وﻻة
وﺗﻧﺗﮭﻲ ﺑﺎﺳﺗﻐﻧﺎء اﻟﺻﻐﯾر ﻋن ﺧدﻣﺔ اﻟﻧﺳﺎء .
ﻣﻨﺎﻁ ﺍﻻﺳﺘﻐﻨﺎء :ﯾﻌﺗﺑر اﻟﺻﻐﯾر ﻣﺳﺗﻐﻧﯾﺎ ً ﻋن اﻟﻧﺳﺎء إذا ﻛﺎن
ﯾ ﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻘﯾ ﺎم ﻣﻧﻔ رداً ﺑﺎﺣﺗﯾﺎﺟﺎﺗ ﮫ ،ﯾﺄﻛ ل وﺣ ده ،وﯾرﺗ دي ﻣﻼﺑ ﺳﮫ
ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﺣد .
ﺑ ﺳﺑﻊ ﺳ ﻧﯾن ،وﻗﯾ ل :ﺑﺗ ﺳﻊ
ﺳﻧﯾن .
ﺑﺈﺣدى ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ .
وھذا ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻌﻣوﻻَ ﺑﮫ ﻓﻲ ﻗﺎﻧون اﻷﺣوال اﻟﺷﺧﺻﯾﺔ ،وﻟﻛن
ـ ٣١٦ـ
ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻟواﻗﻊ ﻻ ﯾؤﯾد ذﻟك ،ﺗم ﺗﻌدﯾل اﻟﻘﺎﻧون ،ﺣﯾ ث ﻧ ﺻت اﻟﻣ ﺎدة
٢٠ﻣن ﻗﺎﻧون ١٠٠ﻟﺳﻧﺔ ١٩٨٥م ﻋﻠﻰ أﻧﮫ " :ﯾﻧﺗﮭﻲ ﺣق اﻟﻧﺳﺎء
ﻓﻲ ﺣﺿﺎﻧﺔ اﻟﺻﻐﺎر ﺑﺑﻠوغ اﻟ ﺻﻐﯾر ﺳ ن اﻟﻌﺎﺷ رة ،وﺑﻠ وغ اﻟ ﺻﻐﯾرة
ﺳن اﺛﻧﺗﻲ ﻋﺷرة ﺳﻧﺔ "
وﻟ ﯾس ھ ذا ﻓﺣ ﺳب ﺑ ل ﯾﺣ وز ﻟﻠﻘﺎﺿ ﻲ ﺑﻌ د ھ ذه اﻟ ﺳن إﺑﻘ ﺎء
اﻟﺻﻐﯾر ﺣﺗﻰ ﺳ ن اﻟﺧﺎﻣ ﺳﺔ ﻋ ﺷر ،واﻟ ﺻﻐﯾرة ﺣﺗ ﻰ ﺗﺗ زوج ﻓ ﻲ ﯾ د
اﻟﺣﺎﺿﻧﺔ إذا ﺗﺑﯾن أن ﻣﺻﻠﺣﺗﮭﺎ ﺗﻘﺗﺿﻲ ذﻟك " .
وﻓﻲ ھذا ﻟﻣﺣﺔ ﻧﺑﯾﻠ ﺔ ﻣ ن اﻟﻣ ﺷرع ﻓ ﻲ ﻣراﻋ ﺎة ﺣ ﺎل اﻟ ﺻﻐﯾر
واﻷم ﻣﻌﺎ ً ،ﻓﻼ ﯾﻧزع اﻟﺻﻐﯾر ﻣن رﻋﺎﯾﺔ أﻣ ﮫ ﺣﺗ ﻰ ﯾ ﺻﯾر ﺷ ﺎﺑﺎ ً ﻗوﯾ ﺎ ً
ﯾﺳﺗﻐﻧﻲ ﺗﻣﺎﻣﺎ ً ﻋن ﺻﺣﺑﺔ اﻟﻧ ﺳﺎء ،وﻻ ﺗﻧ زع اﻟ ﺻﻐﯾرة ﻣ ن أﺣ ﺿﺎن
أﻣﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﺗﺗزوج ،ﻓﺗﻛون ﻗرﯾﺑﺔ ﻣن أن ﺗﺻﯾر أﻣﺎ ً ،ﻗد ﻛﻣل ﻧﺿﺟﮭﺎ
،وﺻﺢ ﻋﻘﻠﮭﺎ ،واﺳﺗﻘﺎﻣﺔ ﻋﺎطﻔﺗﮭﺎ .
وﻟﻛن ﺗم ﺗﻌدﯾل ھذا اﻟﻘﺎﻧون ﺑﺎﻟﻘﺎﻧون رﻗم ) ( ٤ﻟﺳﻧﺔ ٢٠٠٥
م ﻟﯾﺻﺑﺢ ﺳن اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ إﻟ ﻰ ﺧﻣ س ﻋ ﺷرة ﺳ ﻧﺔ ،ﻻ ﻓ رق ﻓ ﻲ ذﻟ ك
ﺑﯾن اﻟذﻛر واﻷﻧﺛ ﻰ ،إﻋﻣ ً
ﺎﻻ ﻟﻣﺑ ﺎدئ اﺗﻔﺎﻗﯾ ﺔ اﻟطﻔ ل ) ( crcﺛ م ﯾﻘ وم
اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﺗﺧﯾﯾر اﻟﺻﻐﯾر اﻟﺑﺎﻟﻎ اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻋﺷر ﻣن اﻟﻌﻣر اﻟﺑﻘﺎء ﻓﻲ ﯾد
اﻟﺣﺎﺿﻧﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠذﻛور إﻟﻰ أن ﯾﺑﻠ ﻎ ﺳ ن اﻟرﺷ د ) ( ٢١ﺳ ﻧﺔ ﻣ ن
اﻟﻌﻣر ،وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻺﻧﺎث ﺣﺗﻰ اﻟزواج .
وﺑﻌد ﺑﻠوغ اﻟﺻﻐﯾر ﺳن اﻟرﺷد ﻻ ﺣ ﺿﺎﻧﺔ ،وھ ذا أﻣ ر ﺧطﯾ ر
ﻋﻠﯾﮫ ﻣن اﻟﻣﺂﺧذ اﻟﻛﺛﯾر .
ـ ٣١٧ـ
ﻫــﺬﺍ ...ﻭﺍﻧــﻀﻤﺎﻡ ﺍﻟــﺼﻐﲑ ﻟﻠﻮﺍﻟــﺪ " ﺍﻷﺏ " ﺃﻭ ﻭﱄ ﺍﻟــﻨﻔﺲ ،
ﺑﺸﺮﻭﻁ :
١ـ أن ﯾﻛون اﻟﺻﻐﯾر ﻗد ﺑﻠﻎ أﻗﺻﻰ ﺳن اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ .
٢ـ أن ﯾﻛون ﻗد اﺳﺗﻐﻧﻰ ﻋن ﺧدﻣﺔ اﻟﻧﺳﺎء .
٣ـ أن ﯾﻛون ﻗﺎدراً ﻋﻠﻰ ﺗدﺑﯾر ﺷﺋوﻧﮫ ،ﺳ ﻠﯾم اﻟﻌﻘ ل واﻟﺟ ﺳم
ﺧﺎﻟﯾﺎ ً ﻣن اﻷﻣراض .
ھذا وﺣﻔﺎظﺎ ً ﻋﻠﻰ ﺣق اﻟﺻﻐﯾر ذﻛراً ﻛﺎن أم أﻧﺛﻲ ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ
ﺟﻌل ھذا اﻟﺣق ﺧﺎﻟﺻﺎ ً ﻟﮫ ،ﻓﻼ ﯾﺟوز ﻟﻸم أن ﺗﺗﻧﺎزل ﻋﻧﮫ ،ﻷن اﻟﺣق
ﻓﻲ اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ ﻣﻘرر ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﺻﻐﯾر ،وﻟﯾس ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﺣﺎﺿﻧﺔ .
ً
ﺛﺎﻟﺜﺎ :ﺩﻋﻮﻯ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻟﺼﻐﲑ
اﻟرؤﯾﺔ ﺗﻛون ﻟﻠطرف ﻏﯾر اﻟﺣﺎﺿن ،وﻋﺎدة ﻣ ﺎ ﯾﻛ ون اﻷب ،
وﻏﺎﻟﺑﺎ ً ﻣﺎ ﺗرﻓض اﻷم إﻋطﺎءه اﻷﺑﻧﺎء أو ﺗﻣﻛﻧﮫ ﻣن اﻟرؤﯾﺔ ،وأﺣﯾﺎﻧﺎ ً
ﯾﻛ ون اﻟﻌﻛ س ،ﻓﺗﻌ ﺎﻧﻲ اﻷم أﺷ د اﻟﻣﻌﺎﻧ ﺎة ﻟرؤﯾ ﺔ ﻷﺑﻧﺎﺋﮭ ﺎ ،ﻧظ راً
ﻟﺧراب اﻟذﻣم ،وﺳوء اﻟﺧﻠق ،وﺿﻌف اﻟدﯾن ،ورﻏﺑﺔ اﻷب ﻓﻲ أن
ﯾﺣﺗرق ﻗﻠﺑﮭﺎ ﻋﻠﻰ أطﻔﺎﻟﮭﺎ ،رﻏﺑﺔ ﻣﻧﮫ ﻓﻲ إذﻻﻟﮭﺎ ،وﻟو اﺗﺑﻊ اﻟﻧﺎس
ﻣﻧﮭﺞ ﷲ ﻻﺳﺗﻘر اﻟﺣﺎل ،وﺳﺎد اﻟﺣب واﻟوﺋﺎم .
واﻵن ﻧوﻟﻲ اﻟوﺟ ﮫ ﺷ طر اﻟﻔﻘﮭ ﺎء ﻟﻧﺟ د أﻧ ﮫ ﻗ د اﻧﻌﻘ د إﺟﻣ ﺎع
اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻣﻧﻊ أﺣد اﻷﺑوﯾن ـ أو اﻟﺟدﯾن ﻋﻧد وﻓﺎة اﻷﺑوﯾن ـ
ـ ٣١٨ـ
ﻣن زﯾﺎرة اﻟوﻟد ﻟدى اﻷﺧر .
ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ " :ﻻ ﺗﺿﺎر واﻟدة ﺑوﻟدھﺎ وﻻ ﻣوﻟود ﻟﮫ ﺑوﻟده ".
وﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ) :وأوﻟوا اﻷرﺣﺎم ﺑﻌﺿﮭم أوﻟﻰ ﺑﺑﻌض ﻓﻲ ﻛﺗﺎب
ﷲ (.
ھذا ووﺿﻊ اﻟﻌﻠﻣﺎء ﺑﻌض اﻟﺿواﺑط اﻟﺗﻲ ﺗﺣﻛم ھذا اﻷﻣ ر ﺑﻣ ﺎ
ﻻ ﯾﺳﺑب ﺿﯾﻘﺎ أو ﺣرﺟﺎ ﻷﺣدھﻣﺎ ،ﺗظﮭر ﻣن أﻗوال اﻟﻔﻘﮭﺎء .
" ﯾﺣ ﺳن ﺑ ﺎﻷم أن ﺗﺗﺣ رى اﻷوﻗ ﺎت اﻟﺗ ﻲ ﻻ
ﯾﻛون ﻓﯾﮭﺎ اﻷب ﺑﺎﻟﻣﻧزل ".
" : ﯾﺟ در ﺑ ﺎﻷب أن ﯾﺗﺣ رى اﻷوﻗ ﺎت اﻟﻣﻧﺎﺳ ﺑﺔ
ﻟﻠزﯾﺎرة ،وﻣﻘﺗﺿﻰ ذﻟك أن ﯾﻣﻧﻊ ﻣن اﻟزﯾ ﺎرة ﻟ ﯾﻼً ؛ ﻟﻣ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟزﯾ ﺎرة
ﻣن اﻟرﯾﺑﺔ " .
وﻣن ھذا ﯾﺗﺿﺢ أن ﻓﻘﮭﺎء اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻋﻧ د ﻗ ﺎﻟوا ھ ذا
أرادوا ﺑﺎﻟﻣرأة أن ﺗﻛون ﺑﻌﯾدة ﻋن ﻣﺣل اﻟرﯾﺑﺔ ،واﻟظن اﻟﺳﯾﺊ وﻛذا
اﻷب ،ﺧﺎﺻﺔ وإﻧﮫ ﻛﺎن ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ ﻣن اﻟود ﻣﺎ ﯾدﻋوا اﻟﻧﺎس إﻟﻰ إﺷﺎﻋﺔ
اﻟﻛذب واﻟﻔﺟور .
ﻓﱰﺍﺕ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ :
ﯾرى ﺑﻌض اﻟﻔﻘﮭﺎء أن اﻟرؤﯾﺔ ﺗﻛ ون ﻛ ل أﺳ ﺑوع ﺑﺎﻟﻧ ﺳﺑﺔ ﻷم
اﻟﺻﻐﯾر .
:إﻟﻰ أن اﻟرؤﯾ ﺔ ﺗﻛ ون ﻛ ل ﯾ وم إذا ﻛ ﺎن ﻣﻧ زل
ـ ٣١٩ـ
اﻟﺻﻐﯾر ﻗرﯾﺑ ﺎ ً ﻣ ن ﻣﻧ زل اﻷم ،وھ ذا ﺣﻘﯾﻘ ﺔ أرﻓ ق ﺑ ﺎﻷم ؛ ﻟ ذا ﯾﻘ ول
)( ١
ﻋن َوﻟَد َِھﺎ «
ﺗوﻟﮫ َواﻟ َِدةٌ َ ْ
اﻟرﺳول ـ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ـ " :ﻻَ ُ َ ﱠ ُ
أي ﻻ ﺗﻌزل ﻋﻧﮫ .
أﻣﺎ ﻣﺎ ﺟرى ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻌﻣل ﺑﻣﺣ ﺎﻛم اﻷﺣ وال اﻟﺷﺧ ﺻﯾﺔ ﻓﮭ و أن
ﻟﻸم اﻟﺣق ﻓﻲ رؤﯾﺔ اﻟﺻﻐﯾر ﻛل أﺳ ﺑوع ﻣ رة ،وﻟﻣ دة ﺛ ﻼث ﺳ ﺎﻋﺎت
ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ،وﻛذا اﻷب ،وذﻟك ﻋﻣﻼً ﺑﺎﻟراﺟﺢ ﻓﻲ اﻟﻣذھب اﻟﺣﻧﻔﻲ .
وﯾﻛ ون ذﻟ ك ﻓ ﻲ وﻗ ت ﻣﻧﺎﺳ ب ،وﻣﻛ ﺎن ﻣﻧﺎﺳ ب ،ﻛ ﺎﻟﻧوادي
اﻟرﯾﺎﺿ ﯾﺔ ،وﻣراﻛ ز اﻟ ﺷﺑﺎب ،واﻟﺣ داﺋق اﻟﻌﺎﻣ ﺔ ،ودور رﻋﺎﯾ ﺔ
اﻷﻣوﻣﺔ واﻟطﻔوﻟﺔ ..اﻟﺦ ،وﻻ ﺗﻛون ﻓﻲ ﻣراﻛز اﻟﺷرطﺔ ،واﻷﻣﺎﻛن
اﻟﻣﮭﺟورة ؛ ﺣﻔﺎظﺎ ً ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻠﺻﻐﯾر .
وھﻧ ﺎ ﻧﻧ وه أن اﻟرؤﯾ ﺔ ﻻ ﺗﻛ ون ﻗﮭ راً ،ﻓ ﺈن اﻣﺗﻧ ﻊ ﻣ ن ﺑﯾ ده
اﻟﺣﺿﺎﻧﺔ اﻧذره اﻟﻘﺎﺿﻲ ،ﻓﺈن ﺗﻛرر ذﻟك ﻧﻘ ل اﻟﻘﺎﺿ ﻲ اﻟﺣ ﺿﺎﻧﺔ إﻟ ﻰ
ﻣن ﯾﻠﯾﮫ .
ھذا واﻵن ﯾطﺎﻟب ﻣن ﻟﮭم ﺣق اﻟرؤﯾﺔ ﻋن ﺗﻛ ون زﯾ ﺎرة ﻟﻣ دة
ﺛﻣﺎن وأرﺑﻌﯾن ﺳﺎﻋﺔ ً
ﺑدﻻ ﻣﻣﺎ ھو ﻣﻘ رر اﻵن ،ﻟ ذا ﻧرﺟ و أن ﯾﺗ دﺧل
أوﻟو اﻟﻧﮭﻰ ﻟﺗﻘرﯾر اﻷﻗرب إﻟﻰ اﻟ ﺻواب ،وﯾﺣﻘ ق اﻟرﺣﻣ ﺔ ﺑ ﺎﻷب أو
اﻷم .
)(١
ـ أﺧﺮﺟ ﮫ اﻟﺒﯿﮭﻘ ﻲ ﻓ ﻲ اﻟ ﺴﻨﻦ اﻟﻜﺒ ﺮى ـ ﻛﺘ ﺎب اﻟﺤ ﻀﺎﻧﺔ ـ ﺑ ﺎب ُ ﱢ
اﻷم َﺗﺘَ َ ﱠ ُ
ﺰوج
ﺟﺪﺗِ ِﮫ ـ ، ٥ / ٨ﺣ ﺪﯾﺚ رﻗ ﻢ وﯾﻨﺘﻘِ ُﻞ ِإﻟَ ﻰ َ ﱠ ﻀﺎﻧﺔ ْ َ
اﻟﻮﻟَ ِﺪ َ َ ْ َ ﺴﻘﻂُ َ ﱡ َ
ﺣﻘﮭ ﺎ ِﻣ ْﻦ َﺣ َ َ ِ َﻓﯿَ ْ ُ
.١٥٥٤٥
ـ ٣٢٠ـ
ً
ﻭﺃﺧﲑﺍ :ﺩﻋﻮﻯ ﺍﳌﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﺳﺘﻼﻡ ﺃﻋﻴﺎﻥ ﺍﳉﻬﺎﺯ
ﻻ ﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﻌﻠﻣﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻟزوج ﻋﻠﯾﮫ ﯾﻌد ﻣﻧزل اﻟزوﺟﯾﺔ
،وﻣ ﺎ ﯾﺣﺗﺎﺟ ﮫ ﻣ ن ﻓ رش وﻣﺗ ﺎع وأدوات وأﺛ ﺎث وﻏﯾرھ ﺎ ﻣ ن
ﻣﺳﺗﻠزﻣﺎت اﻟﺳﻛن ،إذ أن ذﻟك ﻣن واﺟﺑﺎت اﻟزوج ﺷرﻋﺎ ً .
أﻣ ﺎ اﻟزوﺟ ﺔ ﻓ ﻼ ﯾﺟ ب ﻋﻠﯾﮭ ﺎ ﺷ ﻲء ﻣ ن ﻣ ﺳﺗﻠزﻣﺎت ﻣﻧ زل
اﻟزوﺟﯾﺔ ﻻ ھﻲ وﻻ أﺑﯾﮭﺎ ،وﻻ ﺗﺟﺑر ﻋﻠﻰ إﻋداده ﺳواء ﻛﺎﻧ ت ﺑﻛ راً
أم ﺛﯾﺑﺎً ،وھذا ھو اﻟﻣﻘرر ﻣن ﻣﺻﺎدر اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ .
وﻣ ﻊ ھ ذا ﻓﻘ د ﺟ رت ﻋ ﺎدات اﻟﻧ ﺎس ﻣﻧ ذ اﻟﻘ دم ﻋﻠ ﻰ أن ﺗ زف
اﻟﻣرأة إﻟﻰ زوﺟﮭﺎ ﺑﺟﮭﺎز ،ﺑل إن أھ ل اﻟزوﺟ ﺔ ﯾﻧﻔﻘ ون أﺣﯾﺎﻧ ﺎ ً أﻛﺛ ر
ﻣن ﻣﮭرھﺎ ﻓﻲ إﻋداد اﻟﺟﮭﺎز ،وﺷراء ﺣﻠﻲ وﻣﻼﺑس اﻟزوﺟﯾﺔ .
وإذا أﺣﺿرت اﻟﻣرأة ﻋﻧ د زﻓﺎﻓﮭ ﺎ ﺟﮭ ﺎزاً إﻟ ﻰ ﻣﻧ زل اﻟزوﺟﯾ ﺔ
ﻛﺎﻧ ت ﻣﺗﺑرﻋ ﺔ ،وﻛ ﺎن اﻟﺟﮭ ﺎز ﻣﻠﻛ ﺎ ً ﻟﮭ ﺎ ،وﻛ ﺎن ﻟﮭ ﺎ اﻟﺣ ق ﻓ ﻲ
اﺳﺗرداده ﺑﻌﯾﻧﮫ ،وإن ھﻠك أو اﺳﺗﮭﻠك ﻓﻲ ﯾد اﻟزوج ﻛﺎن ﺿﺎﻣﻧﺎ ً ﻟﮫ ؛
ﻷن اﻟزوج ﯾﻘﺑﺿﮫ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻷﻣﺎﻧﺔ.
وإذا طوﻟ ب اﻟ زوج ﺑ ﮫ واﻣﺗﻧ ﻊ ﻋ ن ﺗ ﺳﻠﯾﻣﮫ ﻛ ﺎن ﺿ ﺎﻣﻧﺎ ً ،
وﺻﺎر ﻓﻲ ﺣﻛم اﻟﻐﺎﺻب ﺷرﻋﺎ ً وﻗﺎﻧوﻧ ﺎ ً ،وﻋﻧ د إذن ﺗﻛ ون اﻟﻣطﺎﻟﺑ ﺔ
ﺑطرﯾق رﺳﻣﻲ ،ﻣن ﺧﻼل إﻋﻼﻧﮫ ﺑدﻋوى اﺳﺗرداد أﻋﯾﺎن اﻟﺟﮭﺎز .
وﻗد ﺟرى اﻟﻌرف ﻋﻠﻰ أن ﯾﻘوم اﻟزوج ﺑﻛﺗﺎﺑﺔ ﻣ ﺎ ﯾ ﺳﻣﻰ ﺑ ـ "
اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ " وﺗﺷﺗﻣل ﻋﻠﻰ ﻛل ﻣﺎ أﺣﺿرﺗﮫ اﻟزوﺟﺔ ﻣن اﻟﺟﮭﺎز ،وﺗﻛون
ھذه اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻣزﯾﻠﺔ ﺑﺗوﻗﯾﻊ اﻟزوج .
ـ ٣٢١ـ
ھذا واﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟﻣﺧﺗﺻﺔ ﺑﻧظر دﻋوى اﺳﺗرداد أﻋﯾﺎن اﻟﺟﮭ ﺎز
ھﻲ ﻣﺣﻛﻣﺔ اﻷﺳرة ،واﻟﺣﻛم ﯾﻛ ون ﻧﮭﺎﺋﯾ ﺎ ً أو اﺑﺗ داﺋﯾﺎ ً وﻓﻘ ﺎ ً ﻟﻸﺻ ول
واﻟﻘواﻋد اﻟﻣﺑﯾﻧﺔ ﺑﻘﺎﻧون اﻟﻣراﻓﻌﺎت اﻟﻣدﻧﯾﺔ .
وﻗ د ﺗﻠﺟ ﺄ اﻟزوﺟ ﺔ إﻟ ﻰ رﻓ ﻊ دﻋ وى ﺗﺑدﯾ د أﻋﯾ ﺎن اﻟﺟﮭ ﺎز ،
وﻋﻧدﺋذ ﺗﻛون اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟﻣﺧﺗﺻﺔ ھﻲ ﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟﺟﻧﺢ .
وﺗﻠﺟﺄ اﻟﻣرأة ﻟﮭذه اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ رﻏﺑﺔ ﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻣط ﺎردة اﻟ زوج ،
وﺗﮭدﯾده ﺑﺎﻟﺣﺑس ،وﻟﻠﻣﺣﻛﻣﺔ أن ﺗﺟﯾﺑﮭﺎ إﻟﻰ طﻠﺑﮭﺎ ﻣﺗ ﻰ ﺑ دد اﻟ زوج
أﻋﯾﺎن اﻟﺟﮭﺎز ،ﻓﺈن ﺣﻛﻣت اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﺑذﻟك ﻛﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻣرأة أن ﺗرﻓ ﻊ
ً
ﻓﺿﻼ ﻋن اﻟﺗﻌوﯾض . دﻋوى أﺧرى ﻟﻠﻣطﺎﻟﺑﺔ ﺑﻘﺎﺋﻣﺔ أﻋﯾﺎن اﻟﺟﮭﺎز
أﻣ ﺎ إن أﺣ ﺿر اﻟ زوج أﻋﯾ ﺎن اﻟﺟﮭ ﺎز ﻋﻠ ﻰ ﯾ د ﻣﺣ ﺿر ،
واﻣﺗﻧﻌت اﻟزوﺟﺔ ﻋن اﻻﺳﺗﻼم ﻷﻣ ر ﻣ ﺎ ،ﻛ ﺎن ﻋﻠ ﻰ اﻟﻣﺣ ﺿر إﯾ داع
ھذه اﻷﻋﯾﺎن ﻟدى اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﻟﺗﻘرر ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧت ھﻲ اﻷﻋﯾﺎن اﻟﻣ ذﻛورة
ﺑﺎﻟﻘﺎﺋﻣﺔ أم ﻻ ؟
وﻣ ن ھ ذا ﻛﻠ ﮫ ﻧ رى ﻣ دى اﻟﺣﻣﺎﯾ ﺔ اﻟﺗ ﻲ ﻗررھ ﺎ اﻟﻣ ﺷرع ﻓ ﻲ
ﻗ ﺎﻧون اﻷﺣ وال اﻟﺷﺧ ﺻﯾﺔ ﻟﻠﻣ رأة ﻣراﻋﯾ ﺎ ً ﻓ ﻲ ذﻟ ك أﻧﮭ ﺎ اﻟط رف
اﻟﺿﻌﯾف ،وﻣراﻋﯾﺎً ﻣﺷﺎﻋر اﻟﺣﺳرة واﻷﻟم ﻟدﯾﮭﺎ ،وﺣﺎﻟﺗﮭﺎ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ
اﻟﻣﺣطﻣﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ ھذه اﻟﻣﺷﻛﻼت اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻐل اﻟﻔﻛر واﻟﺑﺎل .
وﻣ ن ﺧ ﻼل ﻣ ﺎ ﺳ ﺑق ﺑ ﺎن ﻟﻠﺟﻣﯾ ﻊ أن اﻟﺗ ﺷرﯾﻊ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ
اﻟﺣﻧﯾف ﺑﻠﻎ ﺣداً ﻋظﯾﻣﺎ ً ﻣن اﻟﺗط ور ،ﻓﮭ و ﻻ ﯾﺗﻌ ﺎرض ﻣ ﻊ ﻣ ﺎ اﺗﻔ ق
ﻋﻠﯾﮫ أﺻﺣﺎب اﻟﻌﻘول اﻟﺳﻠﯾﻣﺔ ،واﻷﻓﻛﺎر اﻟﻣﺳﺗﻘﯾﻣﺔ ﻣﻣ ﺎ ﯾﺟﻌ ل ﻣﻧ ﮫ
ﺗﺷرﯾﻌﺎ ً ﺻﺎﻟﺣﺎ ً ﻟﻛل زﻣﺎن وﻣﻛﺎن .وﷲ اﻟﻣوﻓق ،،،واﻟﺣﻣد .
ـ ٣٢٢ـ
ﻓﻬﺮﺱ ﺍﳌﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻡ
ﺍﳌﻮﺿﻮﻉ
رﻗﻢ
اﻟﺼﻔﺤﺔ
٣ ﺗﻘﺪﻳﻢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ﺍﻟﻘـــﺴﻢ ﺍﻷﻭﻝ :ﻣﺎﻫﯾـــﺔ اﻟﺗـــﺷرﯾﻊ اﻻﺳـــﻼﻣﻲ وأﻫداﻓـــﻪ وﻣﺑﺎدﺋـــﻪ وﺧﺻﺎﺋـــﺻﻪ
٤
وﻣدارﺳﻪ اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ ..................................................
٧ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ :اﻟﺗﻌرﯾف ﺑﺎﻟﺷرﯾﻌﺔ واﻟﻔﻘﻪ..........................................
١٨ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :أﻫداف اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻻﺳﻼﻣﻲ ...............................
٣٦ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :اﻟﻣﺑﺎديء اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺗﺷرﯾﻊ اﻻﺳﻼﻣﻲ .....................
٥٣ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ :ﺧﺻﺎﺋص اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻻﺳﻼﻣﻲ...............................
٨٧ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﳋﺎﻣﺲ :اﻟﻣدارس اﻟﻔﻘﻬﯾﺔ ................................
١٢١ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :اﻷدﻟﺔ اﻟﺷرﻋﯾﺔ ....................................
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ :اﻷدﻟﺔ اﻟﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻬﺎ ١٢٥ ....................................
ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :اﻷدﻟﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠف ﻋﻠﯾﻬﺎ١٦٣ ..................................
١٨٥ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :ﺑﻌض اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﺳرة............................
١٨٦ .................................................................... ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ :اﻟزواج
٢٦٤ ............................................................... ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ :اﻟطﻼق
٢٩٣ ...................................................................................... اﻟﺧﻠﻊ
٣٠٤ ....................................... اﻵﺛﺎر اﻟﻣﺗرﺗﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻧﻘﺿﺎء اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟزوﺟﯾﺔ
ﻓﻬﺮﺱ ﺍﳌﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻡ ٣٢٢ ...............................................
ـ ٣٢٣ـ
ـ ٣٢٤ـ
You might also like
- أُمة إقرأ لابد أن تقرأDocument229 pagesأُمة إقرأ لابد أن تقرأBashir M. AliNo ratings yet
- التضحية والفداء في الإسلامDocument107 pagesالتضحية والفداء في الإسلامbesan83% (6)
- التضحية والفداء في الإسلام PDFDocument107 pagesالتضحية والفداء في الإسلام PDFadibabqoriNo ratings yet
- مفاهيم يجب ان تصحح - Mafahim Karya Prof.Dr. al-MalikiDocument275 pagesمفاهيم يجب ان تصحح - Mafahim Karya Prof.Dr. al-MalikiAndy SyamilNo ratings yet
- تعريف واقسام المعاوضةDocument151 pagesتعريف واقسام المعاوضةjo joNo ratings yet
- حركة الجهاد والفتح الإسلامي في عهد الدولة الأمويةDocument302 pagesحركة الجهاد والفتح الإسلامي في عهد الدولة الأمويةaboali100% (19)
- أسرار الوفاق بين الحضارة اليهودية الماسونية والدولة السبئية الرافضيةDocument12 pagesأسرار الوفاق بين الحضارة اليهودية الماسونية والدولة السبئية الرافضيةsimo doumiNo ratings yet
- Manhaj Qurtubi Terhadap QiraatDocument327 pagesManhaj Qurtubi Terhadap QiraatMuhammad Fairuz A. AdiNo ratings yet
- 3085Document489 pages3085m.lucifer2025No ratings yet
- Kamal Fara7Document30 pagesKamal Fara7Med Asr boutaieb100% (2)
- إقتضاء الصراط المستقيمDocument888 pagesإقتضاء الصراط المستقيمadil1984No ratings yet
- PART 1 Quran WordsDocument293 pagesPART 1 Quran WordsBaitul AmanNo ratings yet
- الرسالة السلامية PDFDocument27 pagesالرسالة السلامية PDFOsamaatifNo ratings yet
- سيرة صلاح الدين الأيوبيDocument232 pagesسيرة صلاح الدين الأيوبيabrar shibanNo ratings yet
- كتاب الصيامDocument147 pagesكتاب الصيامZaydi LibraryNo ratings yet
- 0 1683277590Document133 pages0 1683277590fakhri hujazNo ratings yet
- 7aqaeq PDFDocument327 pages7aqaeq PDFAnonymous heudrulA7No ratings yet
- الثقافة الاسلامية الطبعة الجديدة (0) - 231217 - 201436Document321 pagesالثقافة الاسلامية الطبعة الجديدة (0) - 231217 - 201436Alaa programmingNo ratings yet
- فتح الجليل في التفويض والتأويلDocument17 pagesفتح الجليل في التفويض والتأويلIdris AlfassiNo ratings yet
- اﻟﻄﺮق اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﺨﺮﻳﺞ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ - elibraryDocument109 pagesاﻟﻄﺮق اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﺨﺮﻳﺞ اﻷﺣﺎدﻳﺚ اﻟﻨﺒﻮﻳﺔ - elibraryIzzuddeen BadriNo ratings yet
- Ind 10030Document34 pagesInd 10030Mohamed ShafiuNo ratings yet
- الفطرة 22Document10 pagesالفطرة 22Emad HassanNo ratings yet
- آداب المـفـســــــرDocument4 pagesآداب المـفـســــــرAdjie CorleoneNo ratings yet
- Ar Islamic Tolerance in Dealing With Non-MuslimsDocument33 pagesAr Islamic Tolerance in Dealing With Non-Muslimsdid94317No ratings yet
- 'للتنشئة العقدية للطفل المسلم المنهج الإسلاميDocument54 pages'للتنشئة العقدية للطفل المسلم المنهج الإسلاميadamsympathicoNo ratings yet
- أثر الإمام مالك في الإستواء PDFDocument61 pagesأثر الإمام مالك في الإستواء PDFYoucefGMANo ratings yet
- 2687Document510 pages2687ماجد البيضانيNo ratings yet
- NafahatAqdassiyya PDFDocument493 pagesNafahatAqdassiyya PDFWessam Azhar IskanderNo ratings yet
- Eanayat AlislamDocument186 pagesEanayat AlislamRakhmad AdiNo ratings yet
- NafahatAqdassiyya PDFDocument493 pagesNafahatAqdassiyya PDFWessam Azhar IskanderNo ratings yet
- ملامح التفسير التربوي للقرآن الكريمDocument43 pagesملامح التفسير التربوي للقرآن الكريمmasumiiumNo ratings yet
- عبد الله عزام..التآمر العالميDocument131 pagesعبد الله عزام..التآمر العالميMohanadNo ratings yet
- استشهاد عثمان رضي الله عنه ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري دراسة نقدية 3Document240 pagesاستشهاد عثمان رضي الله عنه ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري دراسة نقدية 3Brenda DavisNo ratings yet
- المدخل المفصل إلى الفقه الحنفيDocument502 pagesالمدخل المفصل إلى الفقه الحنفيahmadashaq23No ratings yet
- مطبوعة العقيدةDocument39 pagesمطبوعة العقيدةmaktabat nadjibNo ratings yet
- أخلاقيات المهنة 2Document125 pagesأخلاقيات المهنة 2٤٦. محمد فبريانشاهNo ratings yet
- أخلاقيات المهنةDocument125 pagesأخلاقيات المهنةAAR100% (2)
- الإلمام - نسخة النشر الإلكترونيDocument144 pagesالإلمام - نسخة النشر الإلكترونيZaydi LibraryNo ratings yet
- تبصرة النفوس بضلالات العيد شريفي ومحمد علي فركوس - لأم حاتم الجزائريةDocument72 pagesتبصرة النفوس بضلالات العيد شريفي ومحمد علي فركوس - لأم حاتم الجزائريةkhamis faridNo ratings yet
- Kitab Atthoriq Assawiy PDFDocument384 pagesKitab Atthoriq Assawiy PDFRahmatullah MajidNo ratings yet
- السلوك الاجتماعيDocument249 pagesالسلوك الاجتماعيhopeNo ratings yet
- السنن الإلهية الفاعلة وأثرها في التطور الإقتصادي في القرآن الكريمDocument562 pagesالسنن الإلهية الفاعلة وأثرها في التطور الإقتصادي في القرآن الكريمhNo ratings yet
- تبسيط العقائد الإسلاميةDocument170 pagesتبسيط العقائد الإسلاميةbesan100% (6)
- مسائل الفقهية دار الإفتاء الاردنيةDocument176 pagesمسائل الفقهية دار الإفتاء الاردنيةMohd hafiz OsmanNo ratings yet
- دررالألفاظ العوالي في الرد على الموجان والحواليDocument181 pagesدررالألفاظ العوالي في الرد على الموجان والحواليHafid ZentarNo ratings yet
- Manazel Al 2a5raDocument310 pagesManazel Al 2a5raMhmd RhNo ratings yet
- sahifah_alsajadiahDocument309 pagessahifah_alsajadiahbasimNo ratings yet
- صفحات مطوية من التصوف الإسلامي لأحمد حسن الردايدةDocument199 pagesصفحات مطوية من التصوف الإسلامي لأحمد حسن الردايدةmohammedNo ratings yet
- الحوض والميزان والصراط بين أهل السنة والمخالفين - رس PDFDocument276 pagesالحوض والميزان والصراط بين أهل السنة والمخالفين - رس PDFأبو يعلى البيضاوي غفر الله له ولوالديهNo ratings yet
- جامع الإمام زيد بن علي عليه السلامDocument714 pagesجامع الإمام زيد بن علي عليه السلامZaydi LibraryNo ratings yet
- 4f1d3007-394b-4545-94e2-955259a9c82aDocument229 pages4f1d3007-394b-4545-94e2-955259a9c82aangelinamorenaNo ratings yet
- Ijtihad Khulafaru RasyidimDocument147 pagesIjtihad Khulafaru RasyidimAgam SidroeNo ratings yet
- شعر فاروق جويدة 4Document54 pagesشعر فاروق جويدة 4Nader HasanNo ratings yet
- تنزيه الدعوة السلفيةDocument102 pagesتنزيه الدعوة السلفيةMmNo ratings yet
- تنزيه الدعوة السلفيةDocument102 pagesتنزيه الدعوة السلفيةMmNo ratings yet
- الميكروبات وكرامات الشهداءDocument143 pagesالميكروبات وكرامات الشهداءapi-26003218100% (1)
- edfb44e6-c6f0-4dfb-b345-fcda17fcbb85Document320 pagesedfb44e6-c6f0-4dfb-b345-fcda17fcbb85Zoro MakNo ratings yet
- قاعدة الاحتياط واثرها في فقه الاسرةDocument115 pagesقاعدة الاحتياط واثرها في فقه الاسرةBe OptimisticNo ratings yet
- تحقيق عقد الدرر في شرح المختصر من نخبة الفكر - للعلامة الألوسي - إسلام محمود دربالةDocument482 pagesتحقيق عقد الدرر في شرح المختصر من نخبة الفكر - للعلامة الألوسي - إسلام محمود دربالةابي مشعلNo ratings yet
