You are on page 1of 2

‫فى الذكرى العاشرة لرحيل الدكتور أحمد العسال رحمه هللا‬

‫العسال ‪ ...‬العالم الرباني‬


‫د‪ .‬فتحى محمد‬
‫في مقبرة من مقابر مدينة ‪ 6‬أكتوبر‪ ،‬حطت رحال الداعية الكريم الراحل الحبيب الشيخ الدكتور أحمد العسال (رحمه هللا‬
‫تعالى)‪ ،‬الذي شيعته جماهير أهل العلم والدعوة‪ ،‬وكان من ترتيب القدر أن يصلي عليه صالة الجنازة أخوه وحبيبه ورفيق‬
‫دربه العالمة الدكتور يوسف القرضاوي‪.‬‬
‫رحل عن الدنيا وما رزق فيها الولد‪ ،‬ولكنه رزق محبة الناس‪ ،‬وكان أبناء الدعوة والعلم كلهم له ولد‪.‬‬
‫رحل عنا وهو اآلن بين يدي مواله‪ ،‬تلحقه دعوات الصالحين بالمغفرة والرحمة من رب غفور رحيم‪.‬‬
‫سمعت عنه الكثير‪ ،‬خاصة في أحاديث وذكريات العالمة الدكتور القرضاوي‪ ،‬فهو رفيق دربه في الدراسة والدعوة والعمل‪،‬‬
‫يوما لو التقيته‪ ،‬وسمعت منه ال عنه‪ ،‬وجلست إليه ونعمت بصحبته‪ ،‬فمجالسة العلماء نعمة تزكي العمر وتباركه‪.‬‬‫تمنيت ً‬
‫مرت السنون واأليام‪ ،‬وشاءت األقدار أن تجمعني بفضيلته في مقر مكتب االتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالقاهرة كونه‬
‫مؤسسا لالتحاد وعضو مجلس أمنائه‪ ...‬ورغم قصر الزمن الذي صحبت فيه فضيلته فإني أحببته بما يفوق هذا‬ ‫ً‬ ‫عضوا‬
‫ً‬
‫الزمن أضعاًفا كثيرة‪ ،‬وال تستطيع أمام تواضعه وصفائه وبساطته إال أن تحبه‪ ،‬وال أمام وقاره إال أن تكون ً‬
‫هادئا‪.‬‬
‫قال لنا أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا ‪ -‬الذي كان على رأس المشيعين ألخيه الدكتور العسال ‪ -‬ذات يوم فى إحدى‬
‫يوما فقال لي‪ :‬لقد أصبحت خريطة القرآن الكريم واضحة أمامي‪.‬‬
‫محاضراته بمشروع علماء المستقبل‪ :‬كنت أهاتفه ً‬
‫وحين كان االتحاد يبحث عمن يدرس مادة "منهج القرآن في التربية" للدارسين بمشروع علماء المستقبل‪ ،‬الذي أقامه‬
‫بانيا‪ ،‬رقيًقا‪ ،‬وقد بدأ أولى‬
‫آنيا‪ ،‬ر ً‬
‫االتحاد بالقاهرة‪ ،‬اجتمعت اآلراء على ذلكم الراحل الكريم‪ ،‬فقد كان (رحمه هللا) رجالً قر ً‬
‫محاضراته إال أنه لم يستطع االستمرار بسبب ظروفه الصحية‪ ،‬وأكملها استاذنا الدكتور العوا‪.‬‬
‫وصفته لي إحدى رائدات العمل الخيري ذات مرة فقالت‪" :‬هذا الرجل تذكرني رؤيته بالصحابي الجليل أبي بكر الصديق‬
‫وخلًُقا – ينطبق إلى حد كبير على الدكتور العسال"‪،‬‬
‫(رضي هللا عنه) فما جاءنا عنه في كتب السير والتراجم واألعالم – َخْلًقا ُ‬
‫فقلت لها‪" :‬وانا ارى هذا أيضا‪ ،‬نحسبه كذلك وهللا حسيبه‪ ،‬وال نزكيه على خالقه وبارئه‪ ،‬وما شهدنا إال بما علمنا‪".‬‬
‫تواصلت مع فضيلته في شهر مايو ‪2010‬م بخصوص السفر لحضور الجمعية العامة لالتحاد التي انعقدت بإسطنبول‪،‬‬
‫كثيرا؛ ألنه ال يعتذر إال حين ال يستطيع‪.‬‬
‫فاعتذر (رحمه هللا) لعدم قدرته على السفر‪ ،‬وتأثرت بذلك ً‬
‫التقيت فضيلته مرات عديدة بمكتب االتحاد بالقاهرة‪ ،‬وشرفت بزيارته في بيته‪ ،‬وحادثته عشرات المرات على الهاتف‪،‬‬
‫نور يشع يضيء لك الدرب‪ ،‬وحين تسمع‬
‫شعور باليقين‪ ،‬وكأن ًا‬
‫ًا‬ ‫وحين ترى محياه الباسم ووجهه المشرق المضيء تمتلئ‬

‫‪1‬‬
‫صوته تشعر بالدفء والرحمة والحنان‪ ،‬وحين تتأمل تواضعه تستحيي من نفسك؛ حيث يقوم على خدمة ضيفه وإن كان فى‬
‫عمر أحد أبنائه‪ ،‬وحين رأيت ذلك‪ ،‬قلت في نفسي‪ :‬هذه أخالق علماء اآلخرة‪ ،‬وذكرني صنيعه ذاك بصنيع اإلمام الشافعي‬
‫ومخففا عنه‪ :‬ال يروعنك ما ترى مني؛ فإنما خدمة‬
‫ً‬ ‫وملطفا‬
‫ً‬ ‫مؤنسا‬
‫مع أحد ضيفانه وهو يقوم على خدمته بنفسه ويقول لضيفه ً‬
‫الضيف واجبة‪.‬‬
‫نفسا‪ ،‬أو هذا‬
‫وفهما‪ ،‬أو تكتسب خلًقا‪ ،‬أو تزكو ً‬
‫علما ً‬
‫وفي صحبة العلماء ولقائهم تتحقق لك فوائد جمة‪ ،‬منها أن تزداد ً‬
‫كله وغيره‪ ،‬كما أنك في معيتهم تبصر الدنيا على حقيقتها‪ ،‬فتصرف همتك إلى آخرتك وما ُيرضي هللا عنك‪.‬‬
‫وفي صحبة الدكتور العسال‪ ،‬كانت لي معه بعض المواقف أرويها وأذكرها رغبة في تعميم نفعها وفائدتها‪ ،‬دون تعليق‬
‫مني‪ ،‬وأترك للقارئ الكريم أن يستفيد منها على النحو الذي يرتضيه لنفسه‪.‬‬
‫طي السجادة‪ :‬بعد أن صلى بنا فضيلته صالة المغرب بمكتب االتحاد ذات يوم‪ ،‬أخذت السجادة وطويتها على وجهها‪،‬‬
‫مازحا‪ :‬لم يرد فيها نص يا أستاذنا‪ .‬فقال‪ :‬ولكننا مأمورون بحفظها ونظافتها‪ ،‬وطيها‬
‫فقال لي‪ :‬اجعلها على ظهرها‪ ،‬فقلت له ً‬
‫على هذا النحو يحقق لها الحفظ والنظافة المطلوبين‪.‬‬
‫دعوة مدخني السجائر‪ :‬كنت في زيارته في بيته‪ ،‬وحان وقت صالة الظهر‪ ،‬فتركت لفضيلته الخيار إما الصالة في‬
‫المسجد وإما في البيت مراعاة لكبر سنه وحالته الصحية‪ ،‬ولكنه آثر الصالة في المسجد في جماعة‪ ،‬وشرفت بوضعه يده‬
‫على ذراعي‪ ،‬واتجهنا صوب المسجد‪ ،‬وفي الطريق وجدنا عماالً للبناء يدخنون السجائر‪ ،‬فبدأهم بالسالم‪ ،‬ثم ثنى بدعوتهم‬
‫معقبا‪ :‬نقوم بواجبنا نحوهم‪..‬‬
‫ً‬ ‫للصالة والبعد عن التدخين في تلطف وحنان ورفق‪ ،‬ثم واصل سيره إلى المسجد‪ ،‬وقال لي‬
‫واجب الدعوة واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬حتى ال نسأل عنهم يوم القيامة‪.‬‬
‫يوما ألذكره بموعد محاضرته في مقر االتحاد‪ ،‬فقال لي‪ :‬أنا في‬
‫تعال‪ ..‬صيف معنا في اإلسكندرية‪ :‬اتصلت بفضيلته ً‬
‫َ‬
‫اإلسكندرية أستجم بعض الوقت‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أستاذنا حين تذهبون إلى اإلسكندرية خذونا نصيف معكم‪ .‬فقال لي‪ :‬تعال‪،‬‬
‫شديدا‪ .‬فقلت له‪ :‬أنا أمزح فقط‪ .‬فقال‪ :‬ولكني أدعوك أخوة ومحبة وليس مجاملة‪ ،‬أما تق أر قول هللا تعالى في‬
‫ترحيبا ً‬
‫ً‬ ‫ورحب‬
‫سورة النور في البيوت التي ندخلها بغير جناح‪" :‬أو صديقكم"؛ فشكرت له ذلك‪ ،‬ودعوت هللا له بالبركة في وقته وعمره وماله‪،‬‬
‫وعند أول لقاء بفضيلته بعد ذلك جدد الدعوة مرة أخرى‪ ،‬ووصف لي عنوان مصيفه في اإلسكندرية‪.‬‬
‫أبادلك أخوة ومحبة‪:‬‬
‫يوما فسارعت بعد تحيته وقلت له‪ :‬علمتني أن أتصل بكم أخوة ومحبة فقط‪ .‬فقال لي‪ :‬وأنا أبادلك أخوة‬
‫اتصلت بفضيلته ً‬
‫ومحبة‪ ،‬فسررت بذلك‪ ،‬ولم أتحدث في شيء آخر‪ ،‬واستحييت أن أفاتحه فيما يخص محاضراته بمقر االتحاد‪.‬‬
‫نية المرء خير من عمله‪:‬‬
‫أنشأ االتحاد مكتبة لطالب العلم‪ ،‬وتبرع عدد من العلماء ببعض الكتب‪ ،‬وطلب الدكتور العسال قائمة بأهم الكتب الشرعية‬
‫التي تنقص المكتبة ليوفرها‪ ،‬فأعددنا له قائمة بذلك؛ إال ان القدر لم يمهله ليفى بما وعد‪ ،‬فقلت‪ :‬سبحان هللا نال األجر بالنية‪،‬‬
‫ونية المرء خير من عمله‪.‬‬
‫غفر هللا لنا وألستاذنا الكريم‪ ،‬ورحمه رحمة واسعة‪ ،‬ونفعنا هللا بعلمائنا‪ ،‬ووفقنا إلى التأدب معهم ومعرفة فضلهم‪ ،‬وجمعنا‬
‫بهم في مستقر رحمته ودار كرامته‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪2‬‬

You might also like