You are on page 1of 40

‫‪‬‬

‫الحمد لله رب العالمين والصالة والسالم على خاتم النبيين‬


‫محمد ‪ ‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫الله وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪‬‬
‫أما بعد؛‬

‫فإننا نحمد الله ‪ ‬على نعمة اإلسالم‪ ،‬وكتابتنا هذه بعنوان‪:‬‬


‫«قواعد وأحكام في الرؤى واألحالم»‪ ،‬والكتابة عن الرؤى وضوابطها‬
‫وأحكامها ذو أهمية بالغة خاصة في هذا الزمن الــذي اختلط فيه‬
‫الحق بالباطل‪ ،‬وتحدث في الرؤى وأولها من ليس أهال لذلك‪ ،‬وأهم‬
‫األسباب التي حثتنا على الكالم في هذا األمر المهم ‪-‬موضوع الرؤى‬
‫واألحالم‪.-‬‬

‫هناك أسباب شجعتنا على الكالم في هذا األمر المهم من خالل‬


‫‪6‬‬

‫هذه الكتابة‪ ،‬من هذه األسباب‪ :‬غلو البعض في تقدير الرؤيا‪ ،‬ورفعها‬
‫فوق مكانتها حتى يعتبرها البعض تشريعا‪ ،‬أو ينقض بها شرع الله‬
‫‪ ،‬فيحلل الحرام أو يحرم الحالل بناء على رؤيا رآها‪ ،‬أو يدعي‬
‫بها علم شيء من الغيب‪.‬‬

‫أيضا من األسباب التي دعتنا للكتابة في هذا الموضوع استهانة‬


‫بعضهم بالرؤى واألحــام‪ ،‬والتفريط في شأنها فال يراها شيئا بل‬
‫يقلل من قيمتها‪ ،‬ويعتبرها كالم عجائز وخرافات وأساطير‪ ،‬أيضا‬
‫من األسباب نتكلم عن هذا الموضوع تبيانا للمنهج الوسط فيها‪،‬‬
‫فال إفراط وال تفريط‪ ،‬فالرؤى ليست وحيا وتشريعا‪ ،‬كما أنها ليست‬
‫عبثا وتخليطا‪ ،‬بل منها ما هو حق‪ ،‬ومنها ما هو باطل‪ ،‬أيضا نتكلم‬
‫عن موضوع الرؤى واألحــام الرتباطها بواقع الناس‪ ،‬فكثيرا ما‬
‫يتحدث الناس عنها خاصة النساء‪ ،‬فمعرفة األحكام والقواعد التي‬
‫تتعلق بالرؤى واألحالم مما تدعو الحاجة لبيانه وإيضاحه‪ ،‬ومن هنا‬
‫تأتي هذه الكتابة‪.‬‬

‫إن منزلة الــرؤى في اإلســام عظيمة‪ ،‬وأي منزلة أعظم من‬


‫مجيئها في كتاب الله وسنة رسوله ‪ ،‬فها هو إبراهيم‬
‫‪7‬‬

‫‪ ‬يعزم على ذبح ابنه من أجل رؤيا رآها وهاهو إسماعيل‬


‫‪ ‬ينقاد لذلك‪،‬‬

‫قال الله ‪ K :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬


‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬
‫ﰓﰔﰕﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬
‫‪،]105-102:‬‬ ‫[الــصــافــات‬ ‫ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ‪J‬‬
‫إلى آخر هذه اآليات‪ ،‬كما نجد الرؤيا أيضا تشغل جزءا كبيرا من‬
‫سورة يوسف وما فيها من رؤيا يوسف ‪ ،‬ورؤيــا صاحبي‬
‫السجن‪ ،‬ورؤيا الملك وهكذا في سورة األنفال نجد رؤيا محمد‬
‫‪ ‬في غزوة بدر حينما رأى الكافرين قلة ليشجع الله‬
‫المؤمنين على قتالهم‪ ،‬وهكذا يتبين لنا منزلة الرؤى في االسالم ‪ ،‬و‬
‫ُي ْع َلم أن رؤيا األنبياء حق ووحي‪ ،‬فليست كرؤى سائر الناس‪ ،‬الرؤيا‬
‫ول‬‫«أ َّو ُل َما ُب ِدئَ بِ ِه َر ُس ُ‬
‫ممهدة لنزول الوحي تقول عائشة ‪َ :‬‬

‫اد َق ُة فِي الن َّْومِ‪َ ،‬فك َ‬


‫َان َاَل‬ ‫الله ‪ِ --‬من ا ْلوح ِي‪ :‬الرؤْ يا الص ِ‬
‫ُّ َ َّ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫يرى رؤْ يا إِ َّاَّل جاء ْ ِ‬
‫الص ْبحِ »[[[ ‪ ،‬إلى آخر الحديث‪ ،‬ويقول‬ ‫ت م ْث َل َف َل ِق ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ َ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)3‬‬


‫‪8‬‬

‫[[[‬
‫ين ُج ْز ًءا ِم ْن النُّ ُب َّو ِة»‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫«رؤْ َيا ا ْل ُم ْؤم ِن ُج ْز ٌء م ْن ستَّة َو َأ ْر َبع َ‬
‫‪ُ :‬‬
‫‪ ،‬وكانت الرؤيا جزءا من النبوة؛ ألن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران‬
‫وقلب األعيان واالطالع على شيء من علم الغيب‪ ،‬وال خالف بين‬
‫أهل الحق أن الرؤيا الصادقة حق‪ ،‬وأنها من الله ال ينكرها إال أهل‬
‫اإللحاد‪ ،‬وبعض أهل األهواء‪ ،‬قال الخطابي رحمه الله‪« :‬قيل معناه‬
‫أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة ال أنها جزء باق من النبوة‪ ،‬وقيل‬
‫المعنى أنها جزء من علم النبوة؛ ألن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق‬
‫وتعقب بقول مالك فيما حكاه بن عبد البر أنه سئل أيعبر الرؤيا كل‬
‫أحد فقال أبالنبوة يلعب؟ ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فال يلعب‬
‫بالنبوة‪ ،‬والجواب أنه لم يرد أنها نبوة باقية‪ ،‬وإنما أراد أنها لما‬
‫أشبهت النبوة من جهة االطالع على بعض الغيب ال ينبغي أن يتكلم‬
‫فيها بغير علم»[[[ ‪.‬‬

‫والمطالع ألحــاديــث النبي ‪ ‬يجد األحــاديــث في‬


‫الرؤيا والثناء عليها كثيرة‪ ،‬ويكفي في فضل الرؤى والثناء عليها‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)7017‬ومسلم (‪.)2263‬‬


‫[[[ نقله ابن حجر في فتح الباري (‪.)363/12‬‬
‫‪9‬‬

‫الصالِحِ ُج ْز ٌء ِم ْن ِست ٍَّة‬


‫الر ُج ِل َّ‬
‫الح َسنَ ُة من َّ‬
‫«الرؤْ َيا َ‬
‫قوله ‪ُّ :‬‬
‫ين ُج ْز ًءا ِم َن النُّ ُب َّو ِة »[[[ ‪ ،‬ففي فضل الرؤى واألحالم أحاديث‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْر َبع َ‬
‫كثيرة‪ ،‬هذه األحاديث هي موضوع هذه الكتابة‪ ،‬ومع هذا القدر‬
‫العظيم للرؤيا في اإلسالم فإن فيها من المنافع ما الله به عليم‪ ،‬فإذا‬
‫تأملنا رؤيا رسول الله ‪ ‬في غزوة بدر كم حصل بها من‬
‫منافع‪ ،‬واندفع بها من مضار‪ ،‬هكذا أيضا رؤيــاه ‪ ‬في‬
‫الفتح‪ ،‬كم حصل بها من زيادة إيمان وتم بها من كمال إيقان‪ ،‬وكانت‬
‫من آيات الله العظيمة‪ ،‬وتأمل رؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب‬
‫‪ ‬في األذان واإلقامة‪ ،‬وكيف صارت سببا لشرع هذه الشعيرة‬
‫العظيمة التي هي أعظم الشعائر الدينية‪ ،‬ومرائي األنبياء والصالحين‬
‫ال تحصى ما اشتملت عليه من المنافع المهمة والثمرات الطيبة‪،‬‬
‫وهي من جملة نعم الله ‪ ‬على عباده‪ ،‬ومن بشارات المؤمنين‬
‫وتنبيهات الغافلين‪ ،‬وفيها تذكرة للمعرضين‪ ،‬وإقامة الحجة على‬
‫المعاندين‪ ،‬وعلى كل حال فالرؤيا فيها من بديع الله ولطفه ما‬
‫يزيد المؤمن في إيمانه‪ ،‬وال خالف في هذا بين أهل العلم والحق‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)6983‬ومسلم (‪.)8‬‬


‫‪10‬‬

‫من أهل الرأي واألثر ال ينكر الرؤيا إال أهل اإللحاد وبعض أهل‬
‫األهواء‪ ،‬قال ابن عبد البر رحمه الله‪« :‬وعلم تأويل الرؤيا من علوم‬
‫األنبياء وأهل اإليمان‪ ،‬وحسبك بما أخبر الله من ذلك عن يوسف‬
‫‪ ،‬وما جاء في اآلثار الصحاح فيها عن النبي ‪،‬‬
‫وأجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء‬
‫المسلمين أهل السنة والجماعة على اإليمان بها وعلى أنها حكمة‬
‫يمن الله بها على من يشاء‪ ،‬وهي المبشرات الباقية بعد‬
‫بالغة ونعمة ّ‬
‫النبي ‪.[[[»‬‬

‫‪F F F F F‬‬

‫[[[ التمهيد (‪.)49/24‬‬


‫‪11‬‬

‫نظرا لما سبق في هذه المقدمة من أسباب الكالم عن الرؤى‬


‫ً‬
‫واألحالم‪ ،‬وأهمية الرؤى ومنزلة الرؤى في اإلسالم‪ ،‬سنتكلم في‬
‫هذه الكتابة عن أحكام الرؤى واألحالم من خالل النقاط التالية‪:‬‬

‫أسباب الكالم في هذه الكتابة ‪-‬المقدمة‪-‬‬

‫تعريف الرؤيا وأنواعها‬

‫الحلم والشيطان‬

‫منافع وفوائد الرؤيا‬

‫آداب المسلم إذا رأى رؤيا‬

‫ما هو موقفه من هذه الرؤيا‬

‫أيضا نذكر وصايا وتوجيهات لمن رأى رؤيا‬

‫وهكذا نذكر أهمية علم التعبير وعناية العلماء به‬

‫أقسام المعبرين للرؤى‬

‫الضوابط الشرعية في تأويل الرؤيا‬

‫منهج تعبير الرؤيا‬

‫وصايا وتوجيهات للمعبرين‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫تعريف الرؤيا وأنواعها وآدابها‪:‬‬


‫فالرؤيا لغة‪ :‬مصدر رأى في المنام رؤيا على وزن فعلة‪ ،‬وهي‬
‫ما رأيته في منامك ‪ ،‬والرؤيا في اصطالح العلماء عرفت بعدة‬
‫تعريفات‪ ،‬قال ابن القيم رحمه الله‪« :‬فالرؤيا أمثال مضروبة يضربها‬
‫الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب به من‬
‫‪ ،‬وقيل إن الرؤيا‪ :‬إدراك‬ ‫[[[‬
‫المثل على نظيره‪ ،‬ويعبر منه إلى شبهه»‬
‫أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله أعالما على ما كان أو يكون‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬الرؤى هي عبارة عن خياالت يخلقها الله تعالى في ذهن‬
‫النائم‪ ،‬فيراها ويعيش معها ويتأثر بها‪ ،‬وهي لغز عجيب وعالم‬
‫غريب‪ ،‬يدل على عظيم صنع الله وبديع خلقه وقدرته سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬قال القرطبي‪« :‬وقيل‪ :‬إن لله ملكا يعرض المرئيات على‬
‫المحل المدرك من النائم‪ ،‬فيمثل له صورا محسوسة؛ فتارة تكون‬
‫تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود‪ ،‬وتارة تكون لمعاني‬
‫‪.‬‬ ‫[[[‬
‫معقولة غير محسوسة‪ ،‬وفي الحالتين تكون مبشرة أو منذرة»‬

‫[[[ إعالم الموقعين (‪.)149/1‬‬


‫[[[ الجامع ألحكام القرآن (‪.)125/9‬‬
‫‪13‬‬

‫أما أنــواع الرؤية؛ فقد دلت السنة أن الرؤيا أنــواع‪ ،‬وليست‬


‫حد سواء‪ ،‬فمنها ما هو حق ومنها ما هو حديث نفس‪ ،‬ومنها‬ ‫على ٍ‬

‫ما هو تحزين من الشيطان للمسلم‪ ،‬وهذه األحاديث منها ما رواه‬


‫اإلمام أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي‬
‫ان َل ْم َت َكدْ ُرؤْ َيا ا ْل ُم ْس ِل ِم َتك ِْذ ُب‪،‬‬
‫‪ ‬قال‪« :‬إِ َذا ا ْقت ََر َب الز ََّم ُ‬
‫َو َأ ْصدَ ُقك ُْم ُرؤْ َيا َأ ْصدَ ُقك ُْم َح ِدي ًثا‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ا ْل ُم ْس ِل ِم ُج ْز ٌء ِم ْن َخ ْم ٍ‬
‫س‬
‫الصالِ َح ِة ُب ْش َرى ِم َن‬ ‫الرؤْ َيا َث َاَل َثةٌ‪َ :‬ف ُرؤْ َيا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُج ْز ًءا م َن النُّ ُب َّوة‪َ ،‬و ُّ‬
‫ِ‬
‫َو َأ ْر َبع َ‬
‫ان‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ِم َّما ُي َحدِّ ُ‬
‫ث ا ْل َم ْر ُء َن ْف َس ُه‪،‬‬ ‫ط ِ‬ ‫ين ِم َن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ِ‬
‫الله‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ت َْح ِز ٌ‬
‫َفإِ ْن َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما َيك َْر ُه َف ْل َي ُق ْم َف ْل ُي َص ِّل»[[[ ‪ ،‬هذا الحديث صحيح‬
‫بين فيه النبي ‪ ‬أنه في آخر الزمان ال تكاد رؤيا مسلم‬
‫تكذب‪ ،‬وبين أن أصدق هذه األمة رؤيا أصدقهم حديثا‪ ،‬وذكر لنا‬
‫أن رؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة‪ ،‬ثم بين‬
‫الصالِ َح ِة‬ ‫الرؤْ َيا َث َاَل َثةٌ‪َ :‬ف ُرؤْ َيا َّ‬
‫لنا أنواع الرؤيا‪ ،‬فقال ‪َ « :‬و ُّ‬
‫ث ا ْل َم ْر ُء‬‫ان‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ِم َّما ُي َحدِّ ُ‬ ‫ط ِ‬ ‫ين ِم َن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُب ْش َرى م َن الله‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ت َْح ِز ٌ‬

‫[[[ رواه مسلم (‪ ،)2263‬والترمذي (‪ ،)2270‬وأبــو داود‬


‫(‪ ،)5019‬وأحمد (‪.)7642‬‬
‫‪14‬‬

‫َن ْف َس ُه» هذه ثالثة أنواع للرؤيا بينها النبي ‪ ،‬ثم قال‪َ « :‬فإِ ْن‬
‫َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما َيك َْر ُه َف ْل َي ُق ْم َف ْل ُي َص ِّل»‪ ،‬إذا رأى في منامه حلما أو رؤيا‬
‫يكرهها فليقم من نومه وليتوضأ وليصلي‪ ،‬حديث ٍ‬
‫ثان أيضا عن أبي‬
‫هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪« :‬الرؤيا ثالث‪ :‬فبشرى من‬
‫الله‪ ،‬وحديث النَّفس‪ ،‬وتَخويف من َّ‬
‫الشيطان‪ ،‬فإن رأى أحدكم رؤيا‬
‫يقصه على أحد‪،‬‬
‫فليقصها‪ ،‬إن شاء‪ ،‬وإن رأى شيئا يكرهه‪ ،‬فال ُّ‬
‫َّ‬ ‫تعجبه‬
‫وليقم يصلي»[[[ ‪ ،‬إ ًذا بين النبي ‪ ‬أنواع الرؤيا قال‪« :‬الرؤيا‬
‫ثالث‪ :‬فبشرى من الله‪ ،‬وحديث النَّفس‪ ،‬وتَخويف من َّ‬
‫الشيطان»‪،‬‬
‫والحديث الثالث حديث عوف بن مالك ‪ ‬عن رسول الله‬
‫‪ ‬قال‪« :‬الرؤيا ثالثة‪ :‬منها تهويل من الشيطان ليحزن ابن‬
‫يهم به الرجل في يقظته فرآه في منامه‪ ،‬ومنها جزء من‬
‫آدم‪ ،‬ومنها ما ّ‬
‫ستة وأربعين جزءا من النبوة»[[[‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمد في المسند وابن ماجه‪ ،‬وصححه األلباني في‬


‫السلسلة الصحيحة (‪.)1341‬‬
‫[[[ رواه ابن ماجه وابن حبان‪ ،‬وحسن إسناده الحافظ ابن حجر‬
‫في فتح الباري (‪ ،)407/12‬واأللباني في السلسلة الصحيحة‬
‫‪15‬‬

‫هذه األحاديث الثالثة دلت على أن الرؤيا ثالثة أنواع‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬رؤيا الحق وهي المنتظمة التي ال تخليط فيها‪ ،‬وقد‬
‫سماها في رواية أخرى في البخاري‪« :‬الرؤْ يا الص ِ‬
‫اد َقةُ» وفي أخرى‬ ‫ُّ َ َّ‬
‫الصالِ َحةُ»وفي رواية اإلمام أحمد‪:‬‬
‫«الرؤْ َيا َّ‬
‫أيضا في الصحيحين‪ُّ :‬‬
‫«رؤْ َية ُب ْش َرى»‪،‬‬ ‫«الرؤْ َيا َ‬
‫الح َسنَةُ» وفي رواية في الصحيحين أيضا‪ُ :‬‬ ‫ُّ‬
‫وهي التي يحصل بها التنبيه على أمر في اليقظة صحيح‪ ،‬هذا النوع‬
‫األول الرؤيا الحق‪.‬‬

‫النوع الثاني من أنواع الرؤى التي بينتها هذه األحاديث رؤيا‬


‫حديث نفس‪ ،‬حديث النفس هي التي تكون عما يحدث به اإلنسان‬
‫نفسه‪ ،‬أو يكون مهتما به ومشغوال به في حال اليقظة‪ ،‬فإذا نام رأى‬
‫ذلك في منامه ‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬رؤيا من الشيطان‪ ،‬وهي رؤية تحزين وتهويل‬


‫وتخويف‪ ،‬يدخل كل ذلك الشيطان على اإلنسان في نومه ليشوش‬
‫يقظته‪ ،‬إ ًذا الحلم والشيطان فيستغل الشيطان المسلم في نومه خاص ًة‬
‫إذا نام ولم يراعي آداب النوم ولم يذكر الله ‪ ،‬فيوسوس له في‬

‫(‪.)1870‬‬
‫‪16‬‬

‫نومه ويتلعب به بطرق مختلفة‪ ،‬من هذه الطرق‪ :‬أن يريه في النوم ما‬
‫يحزنه كأن يرى نفسه مرتكبا لمحرمات وعظائم‪ ،‬أو أنه يتكلم في‬
‫الله ورسله بما يسوء‪ ،‬أو ينكر شيئا من الغيب ونحو ذلك‪ ،‬وقصد‬
‫الشيطان من ذلك تشكيكه في دينه‪ ،‬وزرع النفاق وعدم الثقة فيه‪،‬‬
‫وهذا من عداوة الشيطان لبني آدم أن يريه في نومه ما يحزنه‪ ،‬أيضا‬
‫من تالعب الشيطان بالمسلم في نومه أن يريه في المنام ما يسبب‬
‫الفرقة بينه وبين المؤمنين‪ ،‬ويلبس عليهم كأن يرى في منامه ما‬
‫يخالف له األحكام الشرعية الثابتة‪ ،‬أو يرى من يحكم على بعض‬
‫المسلمين بالكفر‪ ،‬أو يرى مالئكة تأمره بفعل المعاصي‪ ،‬أو يرى‬
‫نفسه أنه أصلح الناس وأفضلهم أو أنه مهدي زمانه ونحو ذلك‪ ،‬إ ًذا‬
‫هذا أيضا من تالعب الشيطان في المنام عن طريق الحلم‪ ،‬ولذلك‬
‫إذا رأى اإلنسان ذلك فليعلم يقينا أن ذلك من الشيطان للتفريق‬
‫بين المؤمنين وإفساد الدين‪ ،‬وعليه أن يتبع سنة سيد المرسلين‬
‫‪ ‬في الرؤيا المكروهة‪ ،‬ال يحدث بذلك أحد بل ينساه‬
‫وكأنه لم يكن‪ ،‬ويتبع هدي النبي ‪ ‬في الرؤيا المكروهة‪،‬‬
‫االستعاذة بالله من شر هذه الرؤيا‪ ،‬التفل عن يساره ثالثا لطرد‬
‫‪17‬‬

‫الشيطان‪ ،‬االستعاذة بالله من الشيطان الرجيم‪ ،‬أن يتحول عن جنبه‬


‫الذي كان عليه تفاؤال بتحول حاله إلى األحسن‪ ،‬أن يقوم ويتوضأ‬
‫ويصلي ليطمئن قلبه‪ ،‬أيضا أن ال يحدث بها أحدا‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪18‬‬

‫منافع وفوائد الرؤيا‪:‬‬


‫قد تخفى على كثير من الناس‪ ،‬فالرؤيا الصادقة من الله فيها‬
‫منافع جمة‪ ،‬الرؤيا الصادقة من الله‪ ،‬الرؤيا الصالحة‪ ،‬الرؤيا الحسنة‬
‫فيها منافع كثيرة أنها تثبيت من الله ‪ ‬للمؤمنين‪ ،‬ولذلك جاء‬
‫في الحديث الصحيح الذي مر معنا أنه ال يبقى في آخر الزمان إال‬
‫ِ‬
‫الصال َح ُة َي َر َ‬
‫اها‬ ‫«الرؤْ َيا َّ‬
‫المبشرات فقالوا‪ :‬ما هي يا رسول الله؟ قال‪ُّ :‬‬
‫الر ُج ُل َأ ْو ت َُرى َل ُه» ‪ ،‬وأنه في أخر الزمان ال تكاد رؤيا المؤمن تكذب‬
‫َّ‬
‫كما مر معنا‪ ،‬حيث أشد ما يكون المؤمن إلى تثبيت الله تعالى له في‬
‫هذا العصر الذي ّ‬
‫قل فيه المعينون‪ ،‬وكثر فيه المخالفون والمناوئون‪،‬‬
‫يريه الله ‪ ‬هذه الرؤيا الصادقة لتثبيته‪ ،‬وهذه عظيمة‪ ،‬أيضا من‬
‫المنافع أن هذه الرؤيا الصادقة من الله فاتحة خير في أمور كثيرة‪،‬‬
‫فمن المسلمين من يهتدي للحق بسبب هذه الرؤيا‪ ،‬كما حصل‬
‫للفضيل بن عياض ومالك بن دينار وجمع من الناس قديما وحديثا‪،‬‬
‫ومنهم من يزداد إيمانا ويقوى إيمانه بسبب هذه الرؤيا الصادقة‪،‬‬
‫كما حصل لعبد الله ابن عمر في رؤياه المشهورة التي عبرها النبي‬
‫َان ُي َص ِّلي ِم َن ال َّل ْي ِل‪،‬‬ ‫‪ ‬فقال‪« :‬نِعم الرج ُل عبدُ ِ‬
‫الله َل ْو ك َ‬ ‫ْ َ َّ ُ َ ْ‬
‫‪19‬‬

‫ك‪َ ،‬اَل َينَا ُم ِم َن ال َّل ْي ِل إِ َّاَّل َق ِل ً‬


‫ياًل»[[[ ‪ ،‬أيضا من‬ ‫الله‪َ ،‬ب ْعدَ َذلِ َ‬
‫َان عبدُ ِ‬
‫َفك َ َ ْ‬
‫فوائد الرؤيا الصادقة أنها فاتحة خير في أمور الدنيا‪ ،‬كالداللة على‬
‫الرزق أو على العالج أو على العائن واألمثلة لذلك أكثر من أن‬
‫تحصى‪ ،‬وكم من مريض رأى من أصابه بالعين بذاته أو رأى رمزا‬
‫يدل عليه فأخذ من أثره فشفاه الله ‪.‬‬

‫إذا تكررت الرؤيا واألحــام عند المسلم فهناك حاالت عند‬


‫الناس‪ ،‬من هذه الحاالت اهتمام صاحبها باألمر إذا اهتم اإلنسان‬
‫بشيء ما أشغله في واقعه فإنه كثيرا ما يراه في منامه‪ ،‬والمرجع ذلك‬
‫هم القلب فان كان مشتغال بالدين واإليمان رأى ما يناسب ذلك‪،‬‬
‫ّ‬
‫كصحابة رسول الله ‪ ‬الذين يحدثونه برؤاهم كل يوم‪،‬‬
‫وإن كان هذا المسلم مشغوال بدنيا كزواج أو دراسة أو تجارة فإنه‬
‫غالبا ما يرى أو يحلم أو يحدث نفسه بما يناسب ذلك في المنام‬
‫فتتكرر الرؤى واألحالم عنده‪.‬‬

‫أيضا من الحاالت في تكرر الــرؤى العجز عدم التمكن من‬


‫الشيء‪ ،‬فإذا أغلقت أمام اإلنسان األبواب في أمر ما رأى في منامه‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)1121‬‬


‫‪20‬‬

‫فتحا له أو بديال عنه‪ ،‬ولذا تكثر الرؤى واألحالم لدى المساجين‬


‫كما حصل للمسجونين مع يوسف ‪ ‬لعل هذه الرؤى تكون‬
‫تطمينا وتثبيتا‪.‬‬

‫أيضا من حاالت تكرر الرؤى التطلع للمجهول والغيب الذي‬


‫أخفاه الله ‪ ‬لحكمته عن اإلنسان ألن اإلنسان بطبعه يتطلع‬
‫لمعرفة الغيب فإن كان منحرفا اتجه للعرافين والكهنة والمنجمين‬
‫وغيرهم‪ ،‬نسي أن الله ‪ ‬ال يقبل له صالة أربعين يوما بذهابه‬
‫لهؤالء‪ ،‬أما المؤمن فإنه يتطلع إلى الرؤيا التي قد يفتح الله بها شيئا‬
‫من ذلك‪ ،‬ينظر إليها أنها بشارة بخير أو تحذير من شر‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪21‬‬

‫آداب المسلم إذا رأى رؤيا‪:‬‬


‫بين لنا النبي ‪ ‬جملة من اآلداب التي تشرع للمسلم‬
‫حينما يرى رؤيا سواء كانت رؤيا صالحة محبوبة‪ ،‬أو كانت رؤيا‬
‫مكروهة‪ ،‬ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله‪« :‬فحاصل ما‬
‫ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثالثة أشياء أن يحمد الله عليها وأن‬
‫يستبشر بها وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وحاصل‬
‫ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء‪ :‬أن يتعوذ بالله من‬
‫شرها ومن شر الشيطان وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثالثا‬
‫وال يذكرها ألحد أصال‪ ،‬ووقع عند المصنف‪ -‬البخاري‪ -‬في باب‬
‫القيد في المنام عن أبي هريرة خامسة وهي الصالة ‪...‬وزاد مسلم‬
‫سادسة وهي التحول»[[[ ‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬

‫[[[ فتح الباري (‪.)370/12‬‬


‫‪22‬‬

‫آداب الرؤى المحبوبة وآداب الرؤى المكروهة‪:‬‬


‫بنا ًء على األدلة التي مرت معنا نلخصها فيما يلي‪:‬‬

‫آداب الرؤيا الصالحة‪:‬‬

‫األدب األول‪ :‬أن يحمد الله عليها‪ ،‬ودل على ذلك ما رواه‬
‫البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله ‪‬‬
‫يقول‪« :‬إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها‪ ،‬فإنما هي من الله‪ ،‬فليحمد‬
‫الله عليها وليحدث بها‪ ،‬وإذا رأى غير ذلك مما يكره‪ ،‬فإنما هي من‬
‫الشيطان‪ ،‬فليستعذ من شرها‪ ،‬وال يذكرها ألحد‪ ،‬فإنها ال تضره»[[[‪،‬‬
‫إ ًذا هذا األدب األول من آداب الرؤيا الصالحة أن يحمد الله عليها‪.‬‬

‫األدب الثاني‪ :‬أن يستبشر بها‪ ،‬ودل على ذلك ما رواه مسلم‬
‫«الرؤْ َيا‬
‫عن أبي قتادة ‪ ‬عن رسول الله ‪ ‬أنه قال‪ُّ :‬‬
‫ط ِ‬
‫ان‪َ ،‬ف َم ْن َر َأى ُرؤْ َيا َف َكرِ َه‬ ‫الس ْو ُء ِم َن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫الرؤْ َيا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصال َح ُة م َن الله‪َ ،‬و ُّ‬ ‫َّ‬
‫ط ِ‬
‫ان‪َ ،‬اَل ت َُض ُّر ُه‬ ‫الله ِم َن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ار ِه‪ ،‬و ْلي َتعو ْذ بِ ِ‬
‫ث َع ْن َي َس ِ َ َ َ َّ‬ ‫ِمن َْها َش ْيئًا َف ْل َي ْن ُف ْ‬
‫َو َاَل ُيخْ بِ ْر بِ َها َأ َحدً ا‪َ ،‬فإِ ْن َر َأى ُرؤْ َيا َح َس َنةً‪َ ،‬ف ْل ُي ْب ِش ْر َو َاَل ُيخْ بِ ْر إِ َّاَّل َم ْن‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)6638‬‬


‫‪23‬‬

‫إ ًذا األدب الثاني أن يستبشر بالرؤيا الصالحة‪.‬‬ ‫ب»‬ ‫ِ‬


‫[[[‬
‫ُيح ُّ‬
‫األدب الثالث‪ :‬أن يتحدث بها إذا أراد يجوز له أن يتحدث بالرؤيا‬
‫الصالحة لكن لمن يحب لمن يثق به‪ ،‬دون من يكره‪ ،‬دل على ذلك ما‬
‫الرؤْ َيا ت ُْمرِ ُضنِي‪،‬‬ ‫في الصحيحين عن أبي سلمة قال‪« :‬إِ ْن ُكن ُ‬
‫ْت َأَلَ َرى ُّ‬
‫الرؤْ َيا َفت ُْمرِ ُضنِي‪َ ،‬حتَّى‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َل ِق ُ‬
‫يت َأ َبا َقتَا َدةَ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬و َأنَا ُكن ُ‬
‫ْت َأَلَ َرى ُّ‬
‫الصالِ َح ُة ِم َن‬‫«الرؤْ َيا َّ‬
‫ول‪ُّ :‬‬ ‫الله َص َّلى الل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َي ُق ُ‬
‫ول ِ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫َس ِم ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫ث بِ َها إِ َّاَّل َم ْن ُيح ُّ‬‫ب‪َ ،‬ف َاَل ُي َحدِّ ْ‬ ‫الله‪َ ،‬فإِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما ُيح ُّ‬
‫ط ِ‬
‫ان‬ ‫الله ِم ْن َش ِّر َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ار ِه َث َاَل ًثا و ْلي َتعو ْذ بِ ِ‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫َر َأى َما َيك َْر ُه َف ْل َي ْت ُف ْل َع ْن َي َس ِ‬

‫ث بِ َها َأ َحدً ا َفإِن ََّها َل ْن ت َُض َّر ُه»[[[ إ ًذا األدب الثالث‬
‫َو َش ِّر َها‪َ ،‬و َاَل ُي َحدِّ ْ‬
‫أن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره‪ ،‬والدليل ما جاء في‬
‫ِ‬
‫هذا الحديث الذي في الصحيحين‪َ «:‬فإِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما ُيح ُّ‬
‫ب‪َ ،‬ف َاَل‬
‫ِ‬
‫ب» هذه ثالثة آداب للرؤية الصالحة المحبوبة‪.‬‬ ‫ث بِ َها إِ َّاَّل َم ْن ُيح ُّ‬
‫ُي َحدِّ ْ‬

‫وهناك ستة آداب عند الرؤية المكروهة جاءت عليها األدلة‪:‬‬

‫األدب األول‪ :‬أن يتعوذ بالله من شرها‪ ،‬وقد مر قبل قليل حديث‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)2261‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)7044‬ومسلم (‪.)2261‬‬
‫‪24‬‬

‫أبي قتادة ‪ ‬في الصحيحين قال ‪ ‬أثناء الحديث‬


‫الله ِم ْن َش ِّر‬
‫ار ِه َث َاَل ًثا و ْلي َتعو ْذ بِ ِ‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫« َوإِ ْن َر َأى َما َيك َْر ُه َف ْل َي ْت ُف ْل َع ْن َي َس ِ‬

‫ث بِ َها َأ َحدً ا َفإِن ََّها َل ْن ت َُض َّر ُه»‪.‬‬ ‫ط ِ‬


‫ان َو َش ِّر َها‪َ ،‬و َاَل ُي َحدِّ ْ‬ ‫الش ْي َ‬
‫َّ‬

‫األدب الثاني من آداب الرؤية المكروهة‪ :‬التعوذ من شر الشيطان‬


‫مر معنا قبل‬
‫ثالثا أيضا حديث أبي قتادة في صحيح البخاري الذي ّ‬
‫قليل‪« :‬فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثالثا‪ ،‬وليتعوذ من‬
‫الشيطان فإنّها ال تضره»‪.‬‬

‫األدب الثالث من آداب الرؤية المكروهة‪ :‬النفث أو التفل أو‬


‫البصق عن يساره ثالثا‪ ،‬وأيضا دليله وحديث أبي قتادة أيضا الذي مر‬
‫معنا قبل قليل‪« :‬فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره»‪،‬‬
‫وفي لفظ‪« :‬فليتفل عن يساره ثالثا»‪ ،‬وجاء أيضا في لفظ آخر في‬
‫ار ِه َث َاَل ًثا»‪.‬‬
‫حديث جابر‪َ « :‬ف ْل َي ْب ُص ْق َع ْن َي َس ِ‬

‫األدب الرابع من آداب الرؤية المكروهة‪ :‬عدم ذكرها ألحد‬


‫أبدا ال لمحب وال لغيره‪ ،‬ال يجوز له أن يتكلم فيها نهائيا الرؤيا‬
‫المكروهة‪ ،‬دل عليه حديث أبي سعيد الخدري الذي مر معنا قبل‬
‫قليل‪ ،‬قال ‪َ « :‬و َاَل ُيخْ بِ ْر بِ َها َأ َحــدً ا » هذا نهي صريح‪،‬‬
‫‪25‬‬

‫وهكذا في حديث أبي قتادة قال ‪« :‬فليستعذ من شرها‪،‬‬


‫ث بِ َها َأ َحدً ا‬
‫«و َاَل ُي َحدِّ ْ‬
‫وال يذكرها ألحد‪ ،‬فإنها ال تضره»‪ ،‬وفي لفظ‪َ :‬‬
‫َفإِن ََّها َل ْن ت َُض َّر ُه» هذا األدب الرابع من آداب الرؤيا المكروهة عدم‬
‫ذكرها ألحد أبدا‪.‬‬

‫األدب الخامس‪ :‬الصالة بعد الرؤيا‪ ،‬و مر معنا في حديث أبي‬


‫هريرة في الصحيحين‪َ « :‬فإِ ْن َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما َيك َْر ُه َف ْل َي ُق ْم َف ْل ُي َص ّل»‪.‬‬

‫األدب السادس من آداب الرؤيا المكروهة‪ :‬التحول عن جنبه‬


‫الذي كان عليه إذا كان ينام على جنبه األيمن أو على ظهره أو على‬
‫جنبه األيسر يغير يتحول عن جنبه الذي كان عليه‪ ،‬دل على ذلك‬
‫«و ْل َيت ََح َّو ْل َع ْن َجنْبِ ِه ا َّل ِذي‬
‫حديث جابر عند مسلم قال ‪َ :‬‬
‫َان َع َل ْي ِه»‪.‬‬
‫ك َ‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪26‬‬

‫موقف المسلم إذا رأى رؤيا‪:‬‬


‫ال ينبغي لإلنسان أن يشغل نفسه بالرؤى لكن إذا حصلت له رؤيا‬
‫حسنة أمكنه تعبيرها فإنه يعبرها وإن لم يعبرها ووثق في أحد وسأله‬
‫عبرها له‪ ،‬وإن كان فيها شيء ال يعجبه فيأخذ باآلداب التي أرشد‬
‫إليها رسول الله ‪ ‬آداب الرؤيا المكروهة التي مرت معنا‬
‫قبل قليل‪ ،‬أما أن يشتغل أو يشغل المسلم نفسه بالرؤى وبتعبيرها‬
‫فإنه قد يشتغل بذلك عن غيره مما هو أهم منه‪ ،‬والعلماء ما كانوا‬
‫يحرصون على االشتغال بالرؤى هذا يحتاج إلى وقت‪ ،‬ليبحث ويقرأ‬
‫عن فالن وعن فالن‪ ،‬أما بعض المعبرين المعاصرين الذين تصدروا‬
‫للتعبير فسوقهم رائجة الناس يشغلونهم أكثر مما يشغلون العلماء‬
‫في مسائل الدين وفي مسائل الفقه وفي األمور التي يحتاجون إليها‬
‫في أمور دينهم‪ ،‬فينبغي للمسلم أن ال يشغل نفسه بالرؤى هذا هو‬
‫الموقف الصحيح للمسلم‪ ،‬إذا رأى رؤيا‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪27‬‬

‫وصايا وتوجيهات للرائي للرؤيا‪:‬‬


‫خالصة ما سبق ال تقص الرؤيا إال على عالم بالشريعة‪ ،‬الرؤيا‬
‫الصالحة الرؤيا الحسنة ال تقصها إال على عالم بالشرع‪ ،‬أو ناصح‪،‬‬
‫ودل على ذلك ما رواه الدارمي والترمذي بسند صحيح عن أبي‬
‫الرؤْ َيا إِ َّاَّل َع َلى َعالِمٍ‪،‬‬
‫هريرة عن النبي ‪ ‬قال‪َ « :‬اَل ُت َق ُّص ُّ‬
‫َأو ن ِ‬
‫َاصحٍ »[[[ ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫من الوصايا والتوجيهات أيضا للرائي‪ :‬الحذر من الكذب في‬
‫الرؤيا‪ ،‬احذر أن تكذب في الرؤيا‪ ،‬تقول‪ :‬رأيت في المنام ورأيت‬
‫وأنت كاذب هذا من كبائر الذنوب‪ ،‬والدليل ما رواه البخاري عن‬
‫ابن عباس قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪ ‬يقول‪« :‬من تح ّلم‬
‫بحل ٍم لم يره ك ّلف أن يعقد بين شعيرتين‪ ،‬ولن َيفعل»[[[ ‪ ،‬إ ًذا الحذر‬
‫ُ‬
‫من الكذب في الرؤيا‪ ،‬أيضا من الوصايا والتوجيهات للرائي‪ :‬عدم‬
‫قص الرؤيا المخيفة على أحد قد مر معنا حديث أبي قتادة في‬
‫الصحيحين‪ ،‬أيضا من الوصايا للرائي أن يكون صادقا في كالمه‬

‫[[[ صححه األلباني في صحيح سنن الترمذي (‪.)2396‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪.)6635‬‬
‫‪28‬‬

‫ويحذر من الكذب‪ ،‬كذلك يحرص على أن يقص الرائي الرؤيا‬


‫على المعبر بنفسه ال يوكل أحدا أن يسأل ال هو بنفسه يقص الرؤيا‬
‫الصالحة على المعبر بنفسه‪ ،‬لذكر التفاصيل ليسهل على المعبر أن‬
‫يعبر هذه الرؤيا‪ ،‬أيضا من الوصايا والتوجيهات للرائي أن يقص‬
‫جميع ما رآه على المعبر ال يترك منه شيئا ألهمية ذلك في تعبير‬
‫الرؤيا‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪29‬‬

‫أهمية علم التعبير وعناية العلماء به‪:‬‬


‫علم التعبير في الشريعة له أهمية بالغة كما أشرنا في أول الكتابة‪،‬‬
‫وكذلك أيضا ذكر الله ‪ ‬في كتابه هذا العلم ‪-‬علم التعبير‪ -‬مما‬
‫يدل على عناية اإلسالم بعلم التعبير تعبير الرؤى‪ ،‬كذلك بين لنا‬
‫رسول الله ‪ ‬آدابا وأحكاما للرؤى كما مر معنا‪ ،‬وهكذا‬
‫وردت أخبار عن صحابة النبي ‪ ‬مما يدل على اهتمامهم‬
‫بهذا العلم وعنايتهم بأحكامه‪ ،‬وما يتضمنه من الحكم واألحكام‬
‫والمعاني‪ ،‬ولذلك كما جاء في الصحيحين من حديث سمرة بن‬
‫مما يكثر أن‬
‫جندب ‪ ‬قــال‪« :‬كــان رســول الله ‪ّ ‬‬
‫فيقص عليه من‬
‫ّ‬ ‫يقول ألصحابه‪« :‬هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا» قال‪:‬‬
‫شاء الله أن يقص»[[[ ‪.‬‬

‫إ ًذا اعتنى اإلسالم بعلم التعبير‪ ،‬ولذلك العلماء اعتنوا بذلك‪،‬‬


‫«إن ِر َجاال ِم ْن َأ ْص َح ِ‬
‫اب‬ ‫ويقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنه‪ّ :‬‬
‫ول ِ‬
‫الله‬ ‫الله ‪ –  -‬كانوا ير ْو َن الرؤْ يا َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬ ‫ول ِ‬
‫رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُ‬
‫ول‬‫الله ‪َ -  -‬ف َي ُق ُ‬ ‫ول ِ‬ ‫‪َ -  -‬في ُق ُّصون ََها َع َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)7047‬ومسلم (‪.)2275‬‬


‫‪30‬‬
‫ول ِ‬
‫الله ‪َ -  -‬ما َشا َء الل ُه»‬ ‫يها َر ُس ُ‬‫ِ‬
‫‪ ،‬وهكذا أخبار‬ ‫[[[‬
‫ف َ‬
‫كثيرة تدل على أهمية هذا العلم لذلك العلماء اعتنوا بهذا العلم‪،‬‬
‫وقال الحافظ‪« :‬وفيه أن االهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل‬
‫تعبيرها واستحباب ذلك بعد صالة الصبح ألنه الوقت الذي يكون‬
‫والنبي ‪ ‬كان يحرص على تعليم‬ ‫[[[‬
‫فيه البال مجتمعا»‬
‫أصحابه أحكام الرؤيا ألنها إن كانت صادقة تكون من الله وهي من‬
‫أجزاء النبوة‪ ،‬والتصديق بها حق وفيها من بديع حكمة الله ‪‬‬
‫ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه وطاعته‪ ،‬والرؤيا من عجائب صنع‬
‫الله ‪ ‬وبديع تكوينه‪ ،‬قال أبو الوليد الباجي رحمه الله‪« :‬ولذلك‬
‫كان يقول‪« :‬إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إال الرؤيا الصالحة» حضا‬
‫لهم على تعليمها‪ ،‬واالهتبال بها ليبقى لهم بعده جزء من النبوة‪،‬‬
‫يدخل عليهم بها مسرة ويحضهم على مصلحة ويزجرهم بها عن‬
‫معصيته»[[[‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)7028‬‬


‫[[[ فتح الباري (‪.)446/12‬‬
‫[[[ المنتقى شرح الموطأ (‪.)276/7‬‬
‫‪31‬‬

‫أقسام المعبرين‪:‬‬
‫أقسام المعبرين خمسة‪ ،‬الذين يعبرون الرؤى خمسة أقسام‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬قسم اعتمد في تعبيره على انتقاء بعض الرموز من‬
‫هذه الرؤيا‪ ،‬انتقاء بعض الرموز‪ ،‬فيعبر الرؤيا وهذا فيه اعتداء على‬
‫حال الرائي؛ ألن الرؤيا واقع متكامل ال يتجزأ ال بد أن يعرف جميع‬
‫تفاصيل الرؤيا‪ ،‬جميع الرموز لهذه الرؤيا‪ ،‬فهذا القسم على خطأ‬
‫اعتمد في تعبيره على النزعة االنتقائية لبعض الرموز فقط‪.‬‬

‫القسم الثاني من أقسام المعبرين‪ :‬قسم اعتمد في تعبيره على‬


‫النزعة التوافقية لكتب التعبير السابقة‪ ،‬يقيس على ما سبق‪ ،‬ما وجد‬
‫في الكتب السابقة في تعبير الرؤى‪ ،‬أيضا في هذا اعتداء على الرائي‬
‫فكل جيل يختلف واقعه عن غيره هذا القسم الثاني أيضا على خطأ‪.‬‬

‫القسم الثالث من أقسام المعبرين‪ :‬قسم اعتمد في تعبيره على‬


‫النزعة اإللهامية فقط‪ ،‬اإللهام جعلها خاصة على المعبر‪ ،‬وهذا‬
‫مخالف لما عليه سلفنا الصالح وأئمة اإلسالم‪ ،‬ولم يرد عليه دليل‬
‫وال اطردت به عادة‪ ،‬يعتمد على إلهامه ما يقع في قلبه لتعبير هذه‬
‫‪32‬‬

‫الرؤيا‪ ،‬وهذا أيضا قسم على خطأ هذه ثالثة أقسام‪.‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬قسم اعتمد في تعبيره على النزعة النفسية فقط‬


‫كعلماء النفس ومن وافقهم‪ ،‬أهمل الجوانب األخرى الواردة في‬
‫السنة كالرؤيا الصادقة والحلم الشيطاني‪ ،‬أهملها اعتمد على علم‬
‫النفس‪ ،‬أيضا هذا على خطأ‪.‬‬

‫القسم الخامس‪ :‬وهو الذي وافق الحق والصواب من المعبرين‪،‬‬


‫قسم اعتمد في تعبيره على النزعة التكاملية من جمع للرموز كلها‬
‫ومعرفة حال الرائي‪ ،‬هذا القسم هو الصحيح الذي عليه الدليل‬
‫الشرعي وموافقة علماء األمــة‪ ،‬وهــذا الــذي أردنــاه هنا‪ ،‬فالرؤى‬
‫لغة مصورة لو أحسن فك رموزها ومفرداتها‪ ،‬وتم ربطها بالواقع‬
‫الرائي ألصبحت خطًا صالحًا لحل كثير من مشاكل‬
‫المعاش لهذا ّ‬
‫الحياة‪ ،‬أو االستعداد لها‪ ،‬وألصبحت مصدرا من مصادر المعرفة‬
‫واإللهام‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪33‬‬

‫الضوابط الشرعية الصحيحة في تأويل الرؤيا‪:‬‬


‫بما أن الرؤيا الصادقة نوعان النوع األول ‪:‬ظاهر ال يحتاج إلى‬
‫تأويل يقع كرؤيا األنبياء والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬ومثال‬
‫ذلك رؤيا نبي الله إبراهيم ‪ ‬في ذبح إسماعيل رؤيا صالحة‬
‫ظاهرة‪ ،‬ال تحتاج إلى تأويل‪ ،‬النوع الثاني‪ :‬قسم يحتاج إلى تأويل‬
‫وتعبير؛ ألنها أمثال يضربها الملك ليستدل الرائي بما ضرب له من‬
‫مثل‪ ،‬هذا كثير الوقوع ومثاله ما روي عن النبي ‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫ار ُع ْق َب َة ْب ِن َرافِعٍ‪َ ،‬ف ُأتِينَا‬
‫يما َي َرى النَّائِ ُم‪ ،‬ك ََأنَّا فِي َد ِ‬‫ٍ ِ‬
‫ات َل ْي َلة‪ ،‬ف َ‬ ‫«ر َأ ْي ُ‬
‫ت َذ َ‬ ‫َ‬
‫اق َب َة فِي‬‫ت الر ْفع َة َلنَا فِي الدُّ ْنيا‪ ،‬وا ْلع ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫اب‪َ ،‬ف َأ َّو ْل ُ ِّ َ‬ ‫ب ِم ْن ُر َط ِ‬
‫ب ا ْب ِن َط ٍ‬ ‫بِ ُر َط ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪.‬‬ ‫[[[‬
‫ْاآْلخ َرة‪َ ،‬و َأ َّن دينَنَا َقدْ َط َ‬
‫اب»‬

‫أول هذه الرؤيا؛ ألنها تحتاج إلى تأويل‬


‫فالنبي ‪ّ ‬‬
‫وتعبير‪ ،‬فأخذ من رافع الرفعة عقبة ابن رافع أخذ من هذا االسم‬
‫هذا رمز أخذ به النبي ‪ ‬من هذه الرؤيا رافع فأخذ منها‬
‫الرفعة‪ ،‬ومن عقبة العاقبة عقبة ابن رافع العاقبة الرفعة والعاقبة ومن‬
‫رطب ابن طاب طيب الدين‪ ،‬فأي تأويل للرؤيا بغير هذا الضابط فهو‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)2770‬‬


‫‪34‬‬

‫مردود بهذا النص‪ ،‬إ ًذا قسم من أقسام الرؤيا الصادقة يحتاج إلى‬
‫وتعبير؛ ألنها أمثال يضربها الملك ليستدل بها الرائي بما ضرب له‬
‫من المثل‪ ،‬وهذا الدليل فالنبي ‪ ‬رأى فيما يرى النائم‪« :‬‬
‫ب ِم ْن ُر َط ِ‬
‫ب ا ْب ِن َط ٍ‬
‫اب» فع ّبر هذه‬ ‫ار ُع ْق َب َة ْب ِن َرافِعٍ‪َ ،‬ف ُأتِينَا بِ ُر َط ٍ‬
‫ك ََأنَّا فِي َد ِ‬

‫الرؤيا الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في اآلخرة وأن ديننا قد طاب‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪35‬‬

‫منهج تعبير الرؤيا‪:‬‬


‫فالمعبر إذا أراد أن يعبر الرؤيا على وجهها الصحيح يلزمه‬
‫معرفة أدوات التعبير للرؤى فمن ال يملك هذه األدوات فإنه ال‬
‫يحسن التعبير؛ ألن فاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬تعبير الرؤيا علم ومهارة‬
‫تكتسب‪ ،‬وما اإللهام في التعبير إال إحدى المهارات المكتسبة‬
‫نتيجة تجربة‪ ،‬فإذا أردت تعبيرا موفقا عليك أن تتعلم قواعد الرؤيا‬
‫أوال‪ ،‬ثم تكتسب مهاراتها وتطبيقاتها الحقا‪ ،‬أما كيفية التعبير فبعد‬
‫سماعك تفاصيل الرؤيا من الرائي الجأ إلى الله وجل واطلب منه‬
‫التوفيق واإلعانة والتسديد في تعبير هذه الرؤيا‪ ،‬وضع يدك على‬
‫رموز هذه الرؤيا المهمة المرتبطة بواقع وحال الرائي‪ ،‬ثم اجمع‬
‫وألف بين باقي الرموز األخرى دون ما إهمال لبعض الرموز خذ‬
‫بجميع الرموز األخرى‪ ،‬كأنما تنظمها نظما بوضع تصور خاص‪،‬‬
‫أضف لذلك ما ينقدح في ذهنك من معنى عام يربطها جميعا‪،‬‬
‫واحملها على الفعل قدر اإلمكان وطبق قواعد الرؤيا المذكورة في‬
‫هذه الكتابة التي مرت معنا‪ ،‬فإن أشكل عليك تعبير هذه الرؤيا فقل‪:‬‬
‫الله أعلم فهي نصف العلم‪ ،‬ال يلزمك تأويل كل رؤيا فالرؤيا مثل‬
‫‪36‬‬

‫الفتوى اجتهد‪ ،‬وخذ بأسبابها وبقواعد الفتوى وبقواعد الرؤيا‪ ،‬ثم‬


‫عبر فإذا لم تسطع أن تصل إلى التعبير أشكلت عليه قل‪ :‬الله أعلم‬
‫كالمفتي‪ ،‬إن تبين لك تأويلها فقلت بسم الله‪ ،‬ثم ادع لصاحبها قل‬
‫له‪ :‬خيرا أعطيت وشرا كفيت‪ ،‬ثم أول هذه الرؤيا دون جزم‪ ،‬ال تجزم‬
‫بأنها حق قل‪ :‬إن صدقت رؤياك فهي كذا وكذا والله أعلم‪.‬‬

‫‪F F F F F‬‬
‫‪37‬‬

‫تنبيهات ووصايا للمعبرين‪:‬‬


‫نختم هذه الكتابة أيضا بتنبيهات ووصايا للمعبرين لمن تصدر‬
‫لتعبير الرؤى‪ ،‬هذه وصايا مهمة نختم بها هذه الكتابة‪ ،‬من الوصايا‬
‫والتوجيهات للمعبرين‪ :‬الحذر من اإلقدام على التعبير من غير دراية‬
‫ومن غير علم ألصول وقواعد التعبير‪« ،‬قيل لمالك رحمه الله أيعبر‬
‫الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب‪ ،‬وقال مالك‪ :‬ال يعبر الرؤيا إال‬
‫من يحسنها‪ ،‬فإن رأى خيرا أخبر به وإن رأى مكروها فليقل خيرا‬
‫أو ليصمت‪ ،‬قي‪:‬ل فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه‬
‫لقول من قال‪ :‬إنها على ما أولت عليه فقال‪ :‬ال ثم قال‪ :‬الرؤيا جزء‬
‫‪.‬‬ ‫[[[‬
‫من النبوة فال يتالعب بالنبوة»‬

‫إ ًذا من الوصايا والتوجيهات للمعبرين الحذر من اإلقدام على‬


‫التعبير من غير دراية ومن غير علم ألصوله‪ ،‬ومن الوصايا‪ :‬الحذر‬
‫من االعتماد على كتب تفسير األحالم والقواميس التي وضعت لها‪،‬‬
‫حينما يقوم بتعبير رؤى الناس‪ ،‬ال يرجع إلى كتب تفسير األحالم‪.‬‬

‫[[[ أورده ابن عبد البر في التمهيد (‪ ،)288/1‬والزرقاني في‬


‫شرح الموطأ (‪ ،)148/4‬وابن حجر في فتح الباري (‪.)363/12‬‬
‫‪38‬‬

‫من الوصايا‪ :‬الحذر من أن يكون هدف المعبر تحصيل المال‬


‫وجمعه‪ ،‬من الوصايا‪ :‬البد من استيعاب جميع الرؤيا حينما يقصها‬
‫عليك الرائي‪ ،‬عدم االستعجال في تعبير الرؤيا‪ ،‬مراعاة اختالف‬
‫هيئات الناس في التعبير‪ ،‬الستر على حال الرائي‪ ،‬أن ال يعجب‬
‫المعبر بنفسه‪ ،‬عدم التكلف في تعبير الرؤيا‪ ،‬هذه وصايا وتوجيهات‬
‫للمعبرين ختمنا بها هذه الكتابة فيما يتعلق بقواعد وأحكام في‬
‫الرؤى واألحالم‪.‬‬

‫نسأل الله ‪ ‬أن يفقهنا في ديننا‪ ،‬كما نسأله ‪ ‬أن يحفظ‬


‫بالدنا دولة اإلمارات وبالد المسلمين من كل سوء وفتنة‪ ،‬كما نسأله‬
‫‪ ‬أن يوفق والة أمورنا لكل خير‪ ،‬وأن يرزقهم البطانة الصالحة‪،‬‬
‫اللهم فقهنا في ديننا‪ ،‬اللهم أحينا على اإلسالم وأمتنا عليه‪ ،‬اللهم‬
‫إنا نسألك حسن الخاتمة‪ ،‬اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف‬
‫والغنى‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار‪،‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله على محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أسباب الكالم في هذه الكتابة ‪-‬المقدمة‪5........................................... -‬‬

‫تعريف الرؤيا وأنواعها وآدابها ‪12................................................................‬‬

‫منافع وفوائد الرؤيا‪18.....................................................................................‬‬

‫آداب المسلم إذا رأى رؤيا‪21..........................................................................‬‬

‫آداب الرؤى المحبوبة وآداب الرؤى المكروهة ‪22...................................‬‬

‫موقف المسلم إذا رأى رؤيا‪26......................................................................‬‬

‫وصايا وتوجيهات للرائي للرؤيا ‪27..............................................................‬‬

‫أهمية علم التعبير وعناية العلماء به‪29.................................................‬‬

‫أقسام المعبرين ‪31...........................................................................................‬‬

‫الضوابط الشرعية الصحيحة في تأويل الرؤيا ‪33..................................‬‬

‫منهج تعبير الرؤيا ‪35........................................................................................‬‬

‫تنبيهات ووصايا للمعبرين‪37.......................................................................‬‬

‫فهرس‪39...............................................................................................................‬‬

You might also like