You are on page 1of 54

‫حتت إشراف الشيخ‬

‫شرح العقيدة الواسطية‬


‫مقرر األسبوع العاشر‬
‫﴿و ُجو ٌه ي ْومئِ ٍذ َن ِ‬
‫اض َر ٌة﴾) إىل قوله‪َ ( :‬ح ِ‬
‫اج ٌب َو ََل‬ ‫من قوله‪َ ( :‬و َق ْولِ ِه‪ُ :‬‬
‫َ َ‬
‫ُت ْر ُج ََمنٌ »)‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪2‬‬

‫اض َر ٌة * إِ َلى َر ِّبهَ ا َناظِ َر ٌة﴾‪.‬‬ ‫﴿و ُجو ٌه ي ْومئِ ٍذ َن ِ‬


‫َ َ‬ ‫َو َق ْولِ ِه‪ُ :‬‬
‫ك َي ْن ُظ ُرونَ ﴾‪.‬‬ ‫اْلرائِ ِ‬
‫﴿ع َلى ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ين َأ ْح َس ُنوا ا ْل ُح ْس َنى َو ِز َيا َد ٌة﴾‪.‬‬‫﴿لِ َّل ِذ َ‬
‫﴿ َلهُ ْم َما َي َشا ُءونَ فِيهَ ا َو َل َد ْي َنا َم ِز ٌيد﴾‪.‬‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ِّف رمحه اهلل يف االستدالل باآليات عىل‬ ‫هذه آخر ٍ‬
‫صفة ذكَرها المصن ُ‬
‫إثبات الصفات‪ ،‬وهي‪ :‬النظر إىل وجه الله الكريم‪.‬‬
‫ومن حس ِن تأليف المصن ِ‬
‫ِّف رمحه اهلل وبديع ترتيبه‪ْ :‬‬
‫أن جعل هذه‬ ‫ُ ْ‬
‫الصفة آخر الصفات التي ذكرها؛ ألن هذه الصفة ‪ -‬وهي صفة نظر العباد‬
‫الصفات السابقة التي ذكر ُتها‬
‫إن حق ْق َت ِّ‬
‫إىل الله ‪ -‬أعىل منزلة‪ ،‬كأنه يقول‪ْ :‬‬
‫لك؛ بإذن الله تنال أعىل الدرجات‪ ،‬وهي‪ :‬لذة النظر إىل وجه الله الكريم‪.‬‬
‫ورؤية الله عز وجل تنقسم إىل أقسا ٍم‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ِ‬
‫غير‬
‫صالح وال ُ‬
‫ٌ‬ ‫اْلول‪ :‬يف الدنيا ال يراه أحدٌ أبد ًا؛ ال ٌّ‬
‫نبي وال‬ ‫القسم َّ‬
‫«وا ْع َل ُموا‬ ‫ٍ‬
‫مسلم ‪َ :-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ذلك؛ قال عليه الصالة والسالم ‪ -‬كما يف صحيح‬
‫َأن َأ َحد ًا مِنْ ُك ْم َل ْن َي َرى َرب ُه َحتى َي ُم َ‬
‫وت»‪.‬‬
‫القسم الثان‪ :‬رؤية الله عز وجل يف الدنيا يف المنام؛ وهذه ممكن ٌة‬ ‫ِ‬

‫كما ذكر ذلك شيخ اإلسالم رمحه اهلل يف عدة مواطن‪ ،‬ومنه ُ‬
‫قول الن ِّبي‬ ‫( ‪)2‬‬

‫صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬إني َرأ ْي ُت َر ِّبي فِي َأ ْح َس ِن ُص ْو َر ٍة» ؛ أي‪ :‬رؤيا منا ٍم‪.‬‬
‫( ‪)3‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬رؤية الله عز وجل يف اآلخرة‪ ،‬وهذه تنقسم إىل‬ ‫ِ‬

‫قِسمين‪:‬‬
‫اْلول‪ :‬يف أرض المحشر‪ ،‬ويف أرض المحشر له حالين‬ ‫ِ‬
‫القسم َّ‬
‫اثنين‪:‬‬

‫(‪ )1‬كتاب الفتن وأشراط الساعة‪ ،‬باب ذكْر ابن صياد‪ ،‬رقم (‪ ،)169‬من حديث‬
‫عمر بن ٍ‬
‫ثابت عن بعض أصحاب النبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)251/5( ،)390/3‬‬
‫(‪ )3‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)22109‬من حديث معاذ بن جب ٍل رضي اهلل‬
‫عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪4‬‬

‫تلذ ٍذ وتن ُّع ٍم‪ ،‬وإنما‬ ‫الحالة ا ُ‬


‫ْلولى‪َ :‬يرى مجيع العباد ربهم ال رؤية ُّ‬
‫للحساب؛ وهذه ال نعيم فيها‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ -‬يف أرض المحشر ‪ :-‬عدم النظر يف المحشر نظر‬
‫رضى‪ ،‬وإنما نظر غضب للكفار؛ كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َال ُي َك ِّل ُم ُه ُم الل ُه‬ ‫ً‬
‫رضى؛ أي‪ :‬هم‬ ‫ً‬ ‫َو َال َينْ ُظ ُر إِ َل ْي ِه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة﴾ [آل عمران‪]٧٧ :‬؛ يعني‪ :‬نظر‬
‫يرون الله‪ ،‬والله عز وجل ال ينظر إليهم بنظر رضى؛ وإنما بنظر الغضب‪.‬‬
‫تلذذ وتن ُّع ٍم ألهل‬ ‫ِ‬
‫والقسم الثان يف اآلخرة‪ :‬يف الجنة‪ ،‬وهذا نظر ُّ‬
‫نعيم ألهل الجنة؛ كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ل ُه ْم َما َي َشا ُء َ‬
‫ون‬ ‫الجنة‪ ،‬وهو أعىل ٍ‬
‫يها َو َلدَ ْينَا َم ِزيدٌ ﴾ [ق‪ ،]35 :‬قال سبحانه‪﴿ :‬لِل ِذي َن َأ ْح َسنُوا ا ْل ُح ْسنَى﴾؛‬‫ِ‬
‫ف َ‬
‫أي‪ :‬الجنة‪َ ﴿ ،‬و ِز َيا َد ٌة﴾ [يونس‪]26 :‬؛ فسر الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫جه الل ِه ال َك ِريم ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫الزيادة‪ :‬بِالنْ َظ ِر إىل و ِ‬
‫َ‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب إثبات رؤية المؤمنين يف اآلخرة رهبم سبحانه‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ول الل ُه َت َب َار َك‬ ‫ٍ‬
‫صهيب رضي اهلل عنه‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬ي ُق ُ‬ ‫وتعاىل‪ ،‬رقم (‪ ،)181‬من حديث‬
‫ون َش ْيئ ًا َأ ِزيدُ ك ُْم؟‬
‫َو َت َعا َلى‪ُ :‬ت ِريدُ َ‬
‫وهنَا؟ َأ َل ْم ُتدْ ِخ ْلنَا ا ْل َجن َة َو ُتن َِّجنَا مِ ْن الن ِ‬
‫ار؟‬ ‫ون‪َ :‬أ َل ْم ُت َب ِّي ْض ُو ُج َ‬
‫َف َي ُقو ُل َ‬
‫اب‪َ ،‬ف َما ُأ ْع ُطوا َش ْيئ ًا َأ َحب إِ َل ْي ِه ْم مِ ْن الن َظ ِر إِ َلى َر ِّب ِه ْم عز وجل‪،‬‬ ‫َق َال‪َ :‬في ْك ِش ُ ِ‬
‫ف ا ْلح َج َ‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ٍ‬
‫أمور كلها عظيم ٌة وأعظمها هي‬ ‫الجنة ُيعطى أربعة‬
‫فمن دخل َ‬
‫الرؤية‪:‬‬
‫اْلول‪ُ :‬ي َز ْح َزح عن النار‪.‬‬
‫اْلمر َّ‬
‫الجنة‪ ،‬فالله يقول‪َ ﴿ :‬ف َم ْن ُز ْح ِز َح َع ِن الن ِ‬
‫ار‬ ‫واْلمر الثان‪ :‬دخول َ‬
‫َو ُأ ْد ِخ َل ا ْل َجن َة َف َقدْ َف َاز﴾ [آل عمران‪.]185 :‬‬
‫واْلمر الثالث‪ :‬يتقلبون يف رضوان الله‪ ،‬قال عز وجل‪َ ﴿ :‬و ِر ْض َو ٌ‬
‫ان‬
‫مِ َن الل ِه َأ ْك َب ُر﴾ [التوبة‪.]٧2 :‬‬
‫واْلمر الرابع ‪ -‬وهو األعظم ‪ :-‬النظر لوجه الله العظيم‪ ،‬فالله عز‬
‫وجل ال ُي ِري وجهه لعباده إال لمن رضي عنهم‪ ،‬فمن تكرم وتفضل عليه‬
‫الجنة وأراه وجهه؛ فقد رضي عنه سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫الله عز وجل بدخوله َ‬
‫الجنة‪ :‬لذة النظر إىل‬ ‫فال لذة أعظم من هذا النعيم العظيم‪ ،‬فأرفع ٍ‬
‫نعيم يف َ‬
‫وجه الله الكريم سبحانه‪ ،‬نسأل الله أن يرزقنا وإياكم النظر إىل وجهه‬
‫الكريم‪.‬‬

‫ول الل ِه صىل اهلل عليه وسلم‪﴿ :‬لِل ِذي َن َأ ْح َسنُوا ا ْل ُح ْسنَى َو ِز َيا َد ٌة﴾»‪.‬‬
‫ُثم َت َال َر ُس ُ‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪6‬‬

‫[التوبة‪:‬‬ ‫ان مِ َن الل ِه َأ ْك َب ُر﴾‬


‫فإذا قيل‪ :‬الله عز وجل يقول‪َ ﴿ :‬و ِر ْض َو ٌ‬
‫الجنة‪.‬‬
‫‪]٧2‬؛ يعني‪ :‬أكبر من دخولهم َ‬
‫الرضى؛ إ ْذ ال‬
‫فنقول‪ :‬إن النظر إىل وجه الله العظيم أعىل منزل ًة من ِّ‬
‫يراه أحدٌ سبحانه وتعاىل إال َم ْن رضي عنه سبحانه‪.‬‬
‫ووجه اللذة يف النظر إىل وجه الله الكريم يف ٍ‬
‫أمور‪:‬‬
‫مجيل؛ كما قال عليه الصالة والسالم‪« :‬إِن الل َه‬
‫اْلول‪ :‬ألن الله ٌ‬
‫اْلمر َّ‬
‫َج ِم ْي ٌل» ‪ ،‬وال شك أن مجال الله عز وجل أمجل مما خ َلقه من األهنار التي‬ ‫( ‪)1‬‬

‫الجنة‪ ،‬واللبن‪ ،‬والحور العين وغير ذلك‪ ،‬فإذا كانت الحور العين‬
‫يف َ‬
‫مجيل ًة؛ فما ظنُّك بمن خلقها؟!‬
‫نور‪ ،‬لذلك لما ُسئل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫ووجهه سبحانه ٌ‬
‫ُور َأنى َأ َرا ُه» ‪ ،‬ففي الدنيا ال َيرى وجه الله أحدٌ ‪،‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫«ه ْل َر َأ ْي َت َرب َك؟ َق َال‪ :‬ن ٌ‬
‫َ‬
‫وموسى عليه السالم لما أراد رؤية وجه الله يف الدنيا تجلى ربه للجبل‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب تحريم الكبر وبيانه‪ ،‬رقم (‪ ،)91‬من حديث‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ٍ‬
‫مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫ابن‬
‫ُور َأنى َأ َرا ُه»‪َ ،‬وفِي‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب يف قوله عليه السالم‪« :‬ن ٌ‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫ِِ‬
‫ذر رضي اهلل عنه‪.‬‬‫«ر َأ ْي ُت نُور ًا»‪ ،‬رقم (‪ ،)1٧8‬من حديث أبي ٍّ‬
‫َق ْوله‪َ :‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫فجعله دك ًا وخر موسى َص ِعق ًا؛ لذلك قال الله يف إخباره عنه‪َ ﴿ :‬و َلما َجا َء‬
‫وسى ل ِ ِمي َقاتِنَا َوكَل َم ُه َر ُّب ُه َق َال َر ِّب َأ ِرنِي َأ ْن ُظ ْر إِ َل ْي َك َق َال َل ْن َت َرانِي﴾‬
‫ُم َ‬
‫[األعراف‪ ،]143 :‬فقال‪َ ﴿ :‬ل ْن َت َرانِي﴾ يف الدنيا‪ ،‬فلن يرى أحدٌ الرب سبحانه‬
‫يف الدنيا‪.‬‬
‫رأيت الرب؛ نقول‪ :‬ال‪ ،‬غير صحيحٍ ‪ ،‬حتى النبي‬ ‫ُ‬ ‫فلو قال شخص‪:‬‬
‫محمد صىل اهلل عليه وسلم ما رأى ربه يف الدنيا‪ ،‬فلما ُسئِل‪َ :‬‬
‫«ه ْل َر َأ ْي َت‬
‫ِ‬
‫ف‬‫ُّور‪َ ،‬ل ْو ك ََش َف ُه ‪ -‬أي‪َ :‬ك َش َ‬ ‫ُور َأنى َأ َرا ُه»‪ ،‬و «ح َج ُاب ُه الن ُ‬ ‫َرب َك؟ َق َال‪ :‬ن ٌ‬
‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه مِ ْن َخ ْل ِق ِه» ‪،‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫الحجاب ‪َ -‬ألَ ْح َر َق ْت ُس ُب َح ُ‬
‫فالنفوس تتشوف إىل وجه الله؛ لجماله‪.‬‬
‫الرب العظيم‬
‫اْلمر الثان‪ :‬ألن النفوس المؤمنة تتشوف إىل رؤية هذا ِّ‬
‫الذي خ َلق هذا الكون‪ ،‬والذي يسعى المؤمن يف حياته إىل تحقيق رضاه‬
‫ومعرفة صفاته؛ كما قال سبحانه عن أهل الجنة‪﴿ :‬إِنا كُنا مِ ْن َق ْب ُل‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب يف قوله عليه السالم‪« :‬إِن الل ُه َال َينَا ُم»‪ ،‬وفِي‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه مِ ْن‬
‫ُّور َل ْو ك ََش َف ُه َألَ ْح َر َق ُس ُب َح ُ‬ ‫ِ‬
‫قوله‪« :‬ح َج ُاب ُه الن ُ‬
‫ِ‬

‫َخ ْل ِق ِه»‪ ،‬رقم (‪ ،)1٧9‬من حديث أبي موسى رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪8‬‬

‫نَدْ ُعو ُه﴾ [الطور‪ ،]28 :‬فهم يتمن ْون أن الذي يعبدونه و ُي َص ُّلون له ْ‬
‫أن يروه‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫سيمر مع هذا الطريق؛ لخرج‬
‫ُّ‬ ‫فلو قيل‪ :‬إن الذي صنع القنبلة الذ ِّرية‬
‫بالرب‬
‫ِّ‬ ‫مجيع الناس ينظرون إليه يقولون‪ :‬ما هذا الرجل العظيم؟ فما ظنُّك‬
‫الكبير المتعال العظيم سبحانه وتعاىل!‬
‫السنة يثبتون النظر إىل وجه الله الكريم حقيق ًة‪.‬‬
‫وأهل ُّ‬
‫فإذا قيل‪ :‬لماذا ال يرى المؤمنون ربهم يف الدنيا؟‬
‫ُّور‪َ ،‬ل ْو‬ ‫ِ‬
‫الجواب‪ :‬ألن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ح َج ُاب ُه الن ُ‬
‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه مِ ْن َخ ْل ِق ِه» ‪ ،‬فلضعف‬
‫( ‪)1‬‬
‫ك ََش َف ُه َألَ ْح َر َق ْت ُس ُب َح ُ‬
‫المخلوقات؛ لو كشف الله عز وجل الحجاب يف الدنيا الحترقوا من نور‬
‫ونور هو مِ ْن نور الله؛ كما قال سبحانه‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضياء‬ ‫الله‪ ،‬فما يف الكون من‬
‫ض﴾ [النور‪ ،]35 :‬أي‪ :‬إن نور السموات‬ ‫﴿الله نُور السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫واألرض ‪ -‬من الشمس وغيرها ‪ -‬من نور الله فهي ُمنَو َر ٌة بنور الله‪ ،‬ويف‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه بالصفحة السابقة‪.‬‬


‫‪9‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫اآلخرة يعطي الله عز وجل المؤمنين قو ًة ال يحترقون إذا رأوا ربهم؛‬


‫وإنما يتلذذون بذلك‪.‬‬
‫يرون الله يف المحشر ويف‬ ‫ِ‬
‫وقد تواترت النصوص عىل أن المؤمنين ْ‬
‫الجنة‪ ،‬وقد كفر أهل ِ‬
‫العلم من َأنكر رؤية المؤمنين لله عز وجل‪.‬‬ ‫َ‬
‫وال يثبِت رؤية المؤمنين لله عز وجل إال أهل ُّ‬
‫السنة‪ ،‬فلما ساروا‬
‫عىل هذا الن ْهج العظيم ‪ -‬وهو إثبات النصوص ‪-‬؛ صاروا َأوىل الناس ْ‬
‫بأن‬
‫َيروا رهبم‪.‬‬
‫ومن َأنكروا الرؤية قالوا‪ :‬لو أثبتنا أن المؤمنين يرون الله؛ َل َل ِزم منه‬
‫صغير نَنظر له من مجيع الجهات‪ ،‬وهذا‬
‫ٌ‬ ‫اإلحاطة؛ يعني‪ :‬معناه أن الله‬
‫ينكِره العقل فضالً عن النصوص؛ فأنت ترى العمارة وال تحيط هبا!‬
‫حق‬
‫وترى السيارة وال تحيط برؤيتها من مجيع الجهات! فإذا كان هذا يف ِّ‬
‫صغير؛ فما ظنُّك بالله عز وجل‪ ،‬لكن من مل ي ِ‬
‫رد الل ُه هدايته يزول‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مخلوق‬
‫ُ‬
‫عنه عقل الفهم‪.‬‬
‫ِّف ساق هذه اآليات؛ لبيان أن الله ُي َرى يف اآلخرة‪ ،‬ومِ ْن‬
‫والمصن ُ‬
‫تصح عبارة‪ :‬سبحان من ال تراه العيون؛ وإنما يقال‪ :‬سبحان من‬
‫ُّ‬ ‫هذا‪ :‬ال‬
‫ال تراه العيون يف الدنيا‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪10‬‬

‫ِّف عىل ذلك أربع ٍ‬


‫آيات‪.‬‬ ‫وساق المصن ُ‬
‫ْلولى‪َ ( :‬و َق ْولِ ِه‪ُ ﴿ :‬و ُجو ٌه ي ْومئِ ٍذ َن ِ‬
‫اض َر ٌة * إِ َلى َر ِّبهَ ا‬ ‫فقال يف اآلية ا ُ‬
‫َ َ‬
‫َناظِ َر ٌة﴾)‪.‬‬
‫والحسن‪﴿( ،‬إِ َلى َر ِّبهَ ا‬ ‫(﴿ ُو ُجو ٌه ي ْومئِ ٍذ َن ِ‬
‫اض َر ٌة﴾) يعني‪ :‬من البهاء‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫َناظِ َر ٌة﴾) َتنظر إىل الله‪ ،‬فال َينظر إىل الله عز وجل إال من أعطاه الله‬
‫والحسن جزا ًء منه سبحانه للمؤمنين الذين عبدوه يف الدنيا‪.‬‬ ‫النضارة ُ‬
‫فقوله‪﴿( :‬إِ َلى َر ِّبهَ ا َناظِ َر ٌة﴾) من الن َظر وهو البصر‪ ،‬يرونه‬
‫بأبصارهم‪ ،‬فاآلية صريح ٌة يف رؤية المؤمنين لرهبم‪.‬‬
‫فج ِّم َلت هذه الوجوه ‪ -‬وجوه المؤمنين ‪-‬؛ ألهنا سترى أمر ًا عظيم ًا‬
‫ُ‬
‫مجيالً ُم ِبهج ًا يسعى الخ ْلق يف دنياهم أن ينالوا تلك النعمة العظيمة وهي‬
‫النظر إىل وجه الله الكريم؛ لذلك كان النبي صىل اهلل عليه وسلم يدعو‬
‫«و َأ ْس َأ ُل َك َلذ َة الن َظ ِر إِ َلى َو ْج ِه َك» ‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫ربه يقول‪َ :‬‬
‫اْلرائِ ِ‬
‫ك َي ْن ُظ ُرونَ ﴾)‪.‬‬ ‫واآلية الثانية قوله‪َ ﴿( :‬ع َلى ْ َ َ‬

‫(‪ )1‬رواه النسائي‪ ،‬كتاب السهو‪ ،‬نوع آخر‪ ،‬رقم (‪ ،)1305‬من حديث عمار بن‬
‫ياسر رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫هذا ِذك ُْر ٍ‬


‫نعيم َذ َ‬
‫كره الله عز وجل ألهل الجنة‪ ،‬ومل َيذكر الله عز‬
‫وجل ما الذي ينظرون إليه؛ وإنما قال‪َ ﴿( :‬ي ْن ُظ ُرونَ ﴾)‪ ،‬وأعظم ٍ‬
‫نظر ينظره‬
‫السنة (﴿ َع َلى‬
‫أهل الجنة‪ :‬هو النظر إىل وجه الله الكريم‪ ،‬ففسر أهل ُّ‬
‫اْلرائِ ِ‬
‫ك َي ْن ُظ ُرونَ ﴾) أي‪ :‬ينظرون إىل وجه الله الكريم‪ ،‬وأيض ًا ما يف الجنة‪،‬‬ ‫ْ ََ‬
‫وأمجل ما يف ذلك ُّ‬
‫وألذ‪ :‬النظر إىل وجه الله الكريم‪.‬‬
‫السرر المرتفعة المجملة بالشيء المنخل‬ ‫(﴿ ْ َ ِ ِ‬
‫اْل َرائك﴾) هي ُّ‬
‫الجميل‪.‬‬
‫ربهم وهم يف هذا النعيم العظيم‪ ،‬فينظرون‬
‫والمؤمنون َينظرون إىل ِّ‬
‫الله ووجوههم َن ِضر ٌة وقلوهبم مسرورةٌ‪.‬‬
‫بالسرور‪ ،‬ويف‬ ‫ٍ‬
‫يعني‪ :‬أنهم يرون ربهم يف أحسن حال‪ ،‬يف الباطن‪ُّ :‬‬
‫وب َهائِه‪ ،‬ويف أحسن هيئة‪ :‬عىل‬ ‫ٍ‬
‫أحسن حال يف الظاهر‪ :‬بنضارة الوجه َ‬
‫ٌ‬
‫ملوك وعليهم ال ُقبة العظيمة‪ ،‬ويرون ربهم عىل هذا‬ ‫األرائك كأنهم‬
‫أن يجعلنا وإياكم منهم‪.‬‬ ‫الحال‪ ،‬نسأل الله عز وجل ْ‬
‫ين َأ ْح َس ُنوا ا ْل ُح ْس َنى َو ِز َيا َد ٌة﴾)‪.‬‬ ‫واآلية الثالثة‪﴿( :‬لِ َّل ِذ َ‬
‫ين َأ ْحس ُنوا ا ْل ُحس َنى َو ِزيا َد ٌة﴾) يعني‪ :‬الذين ي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حسنون من أهل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫(﴿ل َّلذ َ َ‬
‫الجنة‪ ،‬بل لهم زياد ًة عىل دخول‬
‫الدنيا بالعمل الصالح واإليمان‪ :‬لهم َ‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪12‬‬

‫الجنة ‪ :-‬النظر إىل وجه الله الكريم‪.‬‬


‫الجنة ‪ -‬وهو أعظم مما يف َ‬
‫َ‬
‫فإذا قيل‪ :‬ما الدليل عىل أن الزيادة هي النظر إىل وجه الله الكريم؟‬
‫ٍ‬
‫مسلم ‪ -‬فسر هذه‬ ‫( ‪)1‬‬
‫نقول‪ :‬النبي صىل اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف صحيح‬
‫ِ‬
‫الزيادة بِالن َظ ِر إِىل َو ْجه الله العظيم‪ ،‬فإذا دخلوا َ‬
‫الجنة ومل َيروا وجه الله‪:‬‬
‫فلم يعطوا الزيادة ومل يكتمل نعيمهم فيها‪ ،‬فال يكتمل النعيم ‪ -‬بل أعظم‬
‫الجنة‪.‬‬
‫النعيم ‪ -‬إال برؤية الله يف َ‬
‫واآلية الرابعة‪َ ﴿( :‬لهُ ْم َما َي َشا ُءونَ فِيهَ ا َو َل َد ْي َنا َم ِز ٌيد﴾)‪.‬‬
‫ِ‬
‫الجنة من النعيم والحور العين‬ ‫(﴿ َلهُ ْم َما َي َشا ُءونَ فيهَ ا﴾) يعني‪ :‬يف َ‬
‫والجنات واألشجار والطيور ِ‬
‫والولدان المخلدين‪ ،‬وال يرون فيها شمس ًا‬ ‫َ‬
‫وال زمهرير ًا‪ ،‬فلهم كل ما يشتهون‪َ ﴿( ،‬و َل َد ْي َنا َم ِز ٌيد﴾) ف ُيع َط ْون أمجل ما‬
‫ت‬‫فألذ ما نظر ِ‬
‫الجنة‪ ،‬وهو رؤية وجه الله العظيم؛ ُّ‬
‫َ‬ ‫الجنة‪ ،‬وألذ ما يف َ‬
‫يف َ‬
‫العين هو إىل الله‪ ،‬وأمتع ما َس ِم َعتْه األُ ُذن هو القرآن العظيم‪ -‬كالم الله ‪-‬‬
‫‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص) عند قوله (فسر الن ُّبي صلى اهلل عليه وسلم الزيادة‪ :‬بِالنْ َظ ِر‬
‫جه اهللِ ال َك ِريم)‪.‬‬
‫إىل و ِ‬
‫َ‬
‫‪13‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ِّف؛ وإنما‬ ‫خامسة أيض ًا يف كتاب الله عز وجل مل َيذكرها المصن ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وآية‬
‫استنبطها الشافعي رمحه اهلل‪ ،‬وهي قوله تعاىل‪﴿ :‬كَال إِن ُه ْم َع ْن َر ِّب ِه ْم َي ْو َمئِ ٍذ‬
‫ون﴾ [المطففين‪]15 :‬؛ أي‪ :‬مِ ْن العذاب عىل الكفار أنهم ال َي َر ْون‬ ‫وب َ‬‫َل َم ْح ُج ُ‬
‫ربهم الذي خلقهم‪ ،‬وهذا من أشدِّ الحرمان‪.‬‬
‫ولهذا يجب عىل المسلِم أن ال َي َكل وال يمل من العمل الصالح؛‬
‫ألنه يسعى ويرجو النظر لوجه الله الكريم‪ ،‬فيصبِر عىل المكاره ِ‬
‫والف َتن‬ ‫َ ْ‬
‫ب عينيه‬ ‫ِ‬
‫وعىل طلب العلم‪ ،‬وعىل قيام الليل وتالوة القرآن‪ ،‬ويجعل ُن ْص َ‬
‫السعي جاهد ًا برؤية وجه الكريم‪ ،‬مع كثرة الدعاء بذلك أن الله ال يحرمه‬
‫لذة النظر إىل وجهه الكريم‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪14‬‬

‫اب ال َّل ِه َكثِ ٌير‪َ ،‬م ْن َت َدبَّ َر ال ُق ْرآنَ َطالِب ًا لِ ْلهُ َدى ِم ْن ُه؛‬
‫اب فِي كِ َت ِ‬
‫َو َه َذا ال َب ُ‬
‫َت َب َّي َن َل ُه َطرِ ُيق َ‬
‫الح ِّق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫اب) أي‪:‬‬‫لما اختتم المصنِّف رمحه اهلل آيات الصفات قال‪َ ( :‬و َه َذا ا ْل َب ُ‬
‫اب ال َّل ِه َت َعا َلى َكثِ ٌير) بل ال تكاد تخلو آية‬
‫باب األسماء والصفات‪( ،‬فِي كِ َت ِ‬
‫إال وفيها صف ٌة من صفات الله‪ ،‬مثل‪َ ﴿ :‬تب ْت َيدَ ا َأبِي َل َه ٍ‬
‫ب َو َتب﴾ [المسد‪:‬‬

‫‪]1‬؛ هذه فيها صف ٌة من صفات الله وهي الكالم‪ ،‬وأيض ًا ُأ ِخذ منها صفة‬
‫القوة‪ ،‬وكذا الله َأ ْخ َبر فيها أن أبا ٍ‬
‫لهب قد َتب وهلك‪ ،‬فال تخلو آية من‬
‫آيات الله من صفات الله عز وجل‪.‬‬
‫ومثالً‪ :‬األسماء التي يف أواخر سورة الحشر مل َيذكرها المصنِّف‪،‬‬
‫ِ‬
‫وس الس َال ُم‬ ‫وهي قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ه َو الل ُه الذي َال إِ َل َه إِال ُه َو ا ْل َملِ ُك ا ْل ُقدُّ ُ‬
‫ُون﴾‬ ‫ان الل ِه َعما ُي ْش ِرك َ‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِ ُن ا ْل ُم َه ْي ِم ُن ا ْل َع ِز ُيز ا ْل َجب ُار ا ْل ُم َت َك ِّب ُر ُس ْب َح َ‬
‫[الحشر‪.]23 :‬‬
‫ومتى يتبين لإلنسان آيات الصفات فيها؟ قال‪ :‬بأمرين‪:‬‬
‫اْلول‪ :‬قال‪َ ( :‬م ْن َت َدبَّ َر ا ْل ُق ْرآنَ ) يعني‪َ :‬عرف معانيه‪ ،‬وما ُّ‬
‫يدل‬ ‫اْلمر َّ‬
‫عليه‪ ،‬و َعمل به‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫َاب َأن َْز ْلنَا ُه‬ ‫ِ‬


‫وهذا هو المقصود من إنزال القرآن؛ قال سبحانه‪﴿ :‬كت ٌ‬
‫إِ َل ْي َك ُم َب َار ٌك﴾ لماذا؟ ﴿ل ِ َيدب ُروا آ َياتِ ِه﴾ [ص‪ ،]29 :‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬أ َف َل ْم‬
‫ت َآبا َء ُه ُم ْاألَولِي َن﴾ [المؤمنون‪.]68 :‬‬
‫يدبروا ا ْل َقو َل َأم جاء ُهم ما َلم ي ْأ ِ‬
‫ْ ْ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫اْلمر الثان‪ :‬صالح النِّية يف تالوة القرآن؛ لذلك قال‪َ ( :‬طالِب ًا لِ ْلهُ َدى‬
‫هداية هو القرآن؛‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سبب‬ ‫ِم ْن ُه) يعني‪ :‬طالب ًا الهداية من القرآن؛ ألن أعظم‬
‫دى﴾ [الجاثية‪]11 :‬؛ فمن ص ُلحت ني ُته يف البحث‬ ‫قال جل وعال‪َ ﴿ :‬ه َذا ُه ً‬
‫عن الصواب؛ وفقه الله‪ ،‬قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َم ْن ُي ْؤمِ ْن بِالل ِه﴾؛ يعني‪:‬‬
‫ُي َصدِّ ُقه ويتبع طريق اإليمان؛ ﴿ َي ْه ِد َق ْل َب ُه﴾ [التغابن‪.]11 :‬‬
‫فمن أسباب الهداية‪ :‬إصالح النية‪ ،‬وإال فالقرآن العظيم َأخبر الله‬
‫عز وجل بأن الله يهدي به كثير ًا من الناس‪ ،‬وأيض ًا َي ِض ُّل به كثير من‬
‫الناس‪ ،‬قال سبحانه‪ُ ﴿ :‬ي ِض ُّل بِ ِه كَثِير ًا َو َي ْه ِدي بِ ِه كَثِير ًا﴾ [البقرة‪]26 :‬؛ ألن‬
‫من أضله القرآن مل ُيصلِح نيته‪ ،‬ولو أصلح نيته؛ َل َهدَ اه القرآن‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪16‬‬

‫فإذا تحقق األمران ‪ -‬التالوة والتدبر مع صالح النية ‪-‬؛ قال‪َ ( :‬ت َب َّي َن‬
‫َل ُه َطرِ ُيق ا ْل َح ِّق) يف الصفات وغيرها‪ ،‬وقال يف موض ٍع آخر‪« :‬من فارق‬
‫الدليل ضل السبيل» ؛ يعني‪ :‬ف َقد الطريق الصحيح‪ ،‬فال يكون مهتدي ًا‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫فيجب علينا اإلكثار من تالوة القرآن العظيم وقراءة التفسير‪،‬‬


‫والدعاء بأن الله يهدينا؛ فالقرآن هو سبب الثبات‪ ،‬والهداية‪ ،‬ودخول‬
‫الجنة‪ ،‬ورضا الله عز وجل عن العبد‪.‬‬
‫َ‬
‫الصفات يف كِتاب‬
‫ِّف رمحه اهلل قد انتهى من ذكْر ِّ‬
‫وهبذا يكون المصن ُ‬
‫الله سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويليه بعد ذلك الصفات يف ُسنة الن ِّبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬مفتاح دار السعادة البن القيم (‪ ،)83/1‬المستدرك عىل مجموع فتاوى شيخ‬
‫اإلسالم (‪.)6/2‬‬
‫‪17‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬ت َف ِّس ُر ال ُق ْرآنَ ‪َ ،‬و ُت َب ِّي ُن ُه‪َ ،‬و َت ُد ُّل‬
‫ُثم سن َُّة َرس ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُت َع ِّب ُر َع ْن ُه‪.‬‬
‫الص َحاحِ ا َّلتِي َت َل َّق َ‬
‫اها‬ ‫اد ِ‬
‫يث ِّ‬ ‫ْل َح ِ‬‫ول بِ ِه َربَّ ُه ‪ِ -‬م َن ا َ‬
‫س ُ‬
‫الر ُ‬
‫ف َّ‬ ‫َو َما َو َص َ‬
‫اإل َيَمنُ بِهَ ا َك َذلِ َك‪.‬‬
‫ب ِ‬ ‫الم ْعرِ َف ِة بِال َقب ِ‬
‫ول ‪َ :-‬و َج َ‬ ‫ُ‬ ‫َأ ْه ُل َ‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫السنة ُيثبِتون ما‬
‫لما ذكر رمحه اهلل ‪ -‬يف مقدِّ مة الواسطية ‪ -‬أن أهل ُّ‬
‫ٍ‬
‫تحريف‬ ‫أثبت الله لن ْفسه وما َأثبته له رسوله صىل اهلل عليه وسلم من غير‬
‫ٍ‬
‫تكييف وال تمثيلٍ‪ ،‬وينفون ما نفى الله عن ن ْفسه‪،‬‬ ‫وال تعطيلٍ‪ ،‬ومن غير‬
‫وما نفاه عنه رسوله صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وذكر بعد ذلك اآليات يف‬
‫الصفات؛ شرع بعد ذلك يف ذكر أحاديث الصفات‪.‬‬
‫وحي‪ ،‬وما سأذكره لك‬‫ذكرت لك من اآليات فهي ٌ‬
‫ُ‬ ‫كأنه يقول‪ :‬وما‬
‫وحي؛ فيجب عليك اإليمان هبما كالمها‪ ،‬من الكِتاب‬
‫السنة هي أيض ًا ٌ‬
‫من ُّ‬
‫والسنة‪ ،‬من آيات الله وصفاته وغيرمها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫فالسنة ليست يف بِدْ ٍع من القول عن الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫فالسنة دائر ٌة يف َف َلك‬ ‫ُّ‬
‫وحي من القرآن‪﴿ ،‬إِنا َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي َك ك ََما َأ ْو َح ْينَا إِ َلى ُنوحٍ‬
‫الكتاب‪ ،‬فكالمها ٌ‬
‫وحي من القرآن‪ ،‬وقال الله عز‬ ‫ٌ‬ ‫َوالنبِ ِّيي َن مِ ْن َب ْع ِد ِه﴾ [النساء‪]163 :‬؛ هذا‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪18‬‬

‫ِ‬
‫السنة‪َ ﴿ :‬و َما َينْط ُق َع ِن ا ْل َه َوى * إِ ْن ُه َو إِال َو ْح ٌي ُي َ‬
‫وحى﴾‬ ‫وجل عن ُّ‬
‫[النجم‪.]4-3 :‬‬

‫ووضع المصنِّف رمحه اهلل مقدِّ م ًة قبل ذكْر أحاديث الصفات‬


‫َ‬
‫مشتمل ًة عىل أمرين‪:‬‬
‫السنة من القرآن العظيم‪ ،‬وبين أن لها أربع‬
‫اْلول‪ :‬منزلة ُّ‬
‫اْلمر َّ‬
‫منازل‪:‬‬
‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫ْلولى‪ :‬قال‪ُ ( :‬ثم سن َُّة َرس ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫المنزلة ا ُ‬

‫النبي صىل اهلل عليه وسلم قوله سبحانه‪﴿ :‬لِل ِذي َن‬ ‫ُت َف ِّس ُر ال ُق ْرآنَ ) كما فسر ُّ‬
‫َأ ْح َسنُوا ا ْل ُح ْسنَى َو ِز َيا َد ٌة﴾ [يونس‪ ،]26:‬ففسر الزيادة بالنظر إىل وجه الله‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومراتب تفسير القرآن أربع ٌة‪:‬‬


‫المرتبة ا ُ‬
‫ْلولى‪ :‬تفسير القرآن بالقرآن‪.‬‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫والمرتبة الثانية‪ :‬تفسيره ُّ‬
‫والمرتبة الثالثة‪ :‬تفسيره بأقوال الصحابة‪.‬‬

‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص) عند قوله (فسر الن ُّبي صلى اهلل عليه وسلم الزيادة‪ :‬بِالنْ َظ ِر‬
‫جه اهللِ ال َك ِريم)‪.‬‬
‫إىل و ِ‬
‫َ‬
‫‪19‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫والمرتبة الرابعة‪ :‬تفسيره بأقوال السلف‪.‬‬

‫السنة ُت َب ِّين ما كان َ‬


‫مجمالً من‬ ‫(و ُت َب ِّي ُن ُه) أي‪ :‬أن ُّ‬‫والمنزلة الثانية‪ :‬قال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنة ببيان‬
‫يموا الص َال َة﴾ [البقرة‪ :]43 :‬أتت ُّ‬ ‫القرآن‪ ،‬مثل‪ :‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َأق ُ‬
‫عدد الركعات‪ ،‬وما يقال بعد الرفع من الركوع‪ ،‬وكقوله‪َ ﴿ :‬وآ ُتوا الزكَا َة﴾‬
‫األنص َبة وغير ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫السنة‬
‫[البقرة‪]43:‬؛ بينت ُّ‬
‫ِ‬
‫تدل عىل القرآن‪ ،‬قال‬ ‫(و َت ُد ُّل َع َل ْيه) ُّ‬
‫فالسنة ُّ‬ ‫والمنزلة الثالثة‪ :‬قال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫والسنة‬
‫اع الل َه» ‪ ،‬فالقرآن ُّ‬
‫( ‪)1‬‬
‫الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َأ َطا َعني َف َقدْ َأ َط َ‬
‫فالسنة تقول‪َ « :‬م ْن َأ َطا َعنِي َف َقدْ‬ ‫ِ‬
‫ليسا متبايِنَ ْين؛ وإنما مها م ْش َكا ٌة واحدةٌ‪ُّ ،‬‬
‫الل َه﴾ [النساء‪:‬‬ ‫اع‬ ‫اع الل َه»‪ ،‬والقرآن يقول‪َ ﴿ :‬م ْن ُيطِ ِع الر ُس َ‬
‫ول َف َقدْ َأ َط َ‬ ‫َأ َط َ‬
‫‪.]80‬‬
‫السنة عىل ما جاء به القرآن العظيم‪ :‬الحديث الذي‬
‫فمثالً‪ :‬مما دلت ُّ‬

‫اب َق ْو ِل اهللِ َت َعا َلى ﴿ َأطِي ُعوا الل َه َو َأطِي ُعوا‬


‫البخاري‪ ،‬كتاب األحكام‪َ ،‬ب ُ‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب‬ ‫ٌ‬ ‫ول َو ُأولِي األَ ْم ِر مِنْ ُك ْم﴾‪ ،‬رقم (‪،)٧13٧‬‬‫الر ُس َ‬
‫وجوب طاعة األمراء يف غير معصية‪ ،‬وتحريمها يف المعصية‪ ،‬رقم (‪ ،)1835‬من‬
‫حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪20‬‬

‫يف صحيح مسلم والبخاري الذي ذكره المصنِّف‪ ،‬فالقرآن بين أن الله‬ ‫( ‪)1‬‬

‫العيل وأنه َي ِنزل إىل الس َماء‬


‫والسنة دلت عىل أن الله هو ُّ‬
‫هو العيل العظيم‪ُّ ،‬‬
‫الدُّ نيا‪.‬‬
‫َان َس ِميع ًا َب ِصير ًا﴾ [النساء‪]58 :‬؛ جاءت‬
‫ولما قال الله‪﴿ :‬إِن الل َه ك َ‬
‫السنة ودلت عىل ذلك؛ حيث وضع النبي صىل اهلل عليه وسلم أصبع‬
‫ُّ‬
‫الدعاء ‪ -‬يعني السبابة ‪ -‬عىل سمعه وعىل بصره ؛ إثبات ًا لتلك الصفة‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫ٍ‬
‫وأخبار‬ ‫ٍ‬
‫جديدة‬ ‫(و ُت َع ِّب ُر َع ْن ُه) أي‪ :‬تأيت بأحكا ٍم‬
‫والمنزلة الرابعة‪ :‬قال‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫جديدة مل ُتذكر يف القرآن‪ ،‬فأصل التعبير‪ :‬هو النيابة عن الشيء‪ُّ ،‬‬
‫والسنة‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب التهجد‪ ،‬باب الدعاء يف الصالة من آخر الليل‪ ،‬رقم‬


‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب الترغيب يف الدعاء‬
‫ٌ‬ ‫(‪،)1145‬‬
‫والذكر يف آخر الليل‪ ،‬واإلجابة فيه‪ ،‬رقم (‪ ،)٧58‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل‬ ‫ِّ‬
‫اء الدُّ ْنيا كُل َلي َل ٍة ِحين يب َقى ُث ُل ُث اللي ِل ِ‬
‫اآلخ ُر‪،‬‬ ‫عنه‪ ،‬ولفظه‪« :‬ي ِنز ُل ربنَا إِ َلى السم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ‬
‫يب َل ُه؟ َم ْن َي ْس َأ ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه؟ َم ْن َي ْس َت ْغ ِف ُرنِي َف َأ ْغ ِف َر َل ُه؟»‪.‬‬ ‫ول‪ :‬م ْن َيدْ ُعونِي َف َأست ِ‬
‫َج َ‬ ‫ْ‬ ‫َف َي ُق ُ َ‬
‫(‪ )2‬رواه الحاكم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬رقم (‪ ،)63/٧5/1‬من حديث أبي هريرة‬
‫َان َس ِميع ًا‬
‫ول الل ِه صىل اهلل عليه وسلم‪﴿ :‬إِن الل َه ك َ‬ ‫رضي اهلل عنه‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬ق َر َأ َر ُس ُ‬
‫ب ِصير ًا﴾؛ َفو َضع إِصبع َة الدُّ َع ِ‬
‫اء َع َلى َع ْينَ ْي ِه َوإِ ْب َها َم ْي ِه َع َلى ُأ ُذ َن ْي ِه»‪.‬‬ ‫َ َ ْ ََ‬ ‫َ‬
‫‪21‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ٍ‬
‫السنة أن َيدخل المسجد برجله‬ ‫وحي تأيت بأحكا ٍم جديدة‪ ،‬مثل‪ُّ :‬‬
‫ٌ‬ ‫هنا‬
‫ٍ‬
‫جديدة؛ مثل‪ :‬النبي عليه‬ ‫ٍ‬
‫وبأخبار‬ ‫اليمنى‪ ،‬ومثل النوم عىل جنبه األيمن ‪،‬‬
‫( ‪)1‬‬

‫رج ٌل‪َ :‬يا َخ ْي َر‬


‫الصالة والسالم قال عن إبراهيم عليه السالم لما قال له ُ‬
‫يم عليه‬ ‫ِ‬ ‫ول الل ِه صىل اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ذ َ‬
‫اك إِ ْب َراه ُ‬ ‫ا ْل َب ِري ِة!‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫السالم» ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وحي‪ ،‬ومن انفرد بالكتاب عن‬


‫والسنة قرينان‪ ،‬وكالمها ٌ‬
‫فالكتاب ُّ‬
‫بالسنة عن الكتاب أيض ًا َضل‪ ،‬ومن اتبعهما‬ ‫السنة َضل‪ ،‬ومن انفرد ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ول﴾ [آل عمران‪،]32 :‬‬ ‫اهتدى؛ لذلك قال الله‪ُ ﴿ :‬ق ْل َأطِي ُعوا الل َه َوالر ُس َ‬
‫ول َف ُأو َلئِ َك َم َع ال ِذي َن َأ ْن َع َم الل ُه َع َل ْي ِه ْم مِ َن‬
‫وقال‪َ ﴿ :‬و َم ْن ُيطِ ِع الل َه َوالر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َهدَ اء َوالصالحي َن َو َح ُس َن ُأو َلئ َ‬
‫ك َرفيق ًا﴾ [النساء‪:‬‬ ‫النبِ ِّيي َن َو ِّ‬
‫الصدِّ يقي َن َو ُّ‬
‫‪.]69‬‬

‫ول الل ِه صىل اهلل‬


‫َان َر ُس ُ‬
‫عازب رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪« :‬ك َ‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )1‬كما يف حديث البراء بن‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب‬
‫ُّ‬ ‫اش ِه نَا َم َع َلى ِش ِّق ِه األَ ْي َم ِن»‪ .‬رواه‬
‫عليه وسلم إِ َذا َأوى إِ َلى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الدعوات‪ ،‬باب النوم عىل الشق األيمن‪ ،‬رقم (‪.)6315‬‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب من فضائل إبراهيم الخليل صىل اهلل عليه‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫وسلم‪ ،)2369( ،‬من حديث ٍ‬
‫أنس رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪22‬‬

‫السنة من الكتاب ‪ُ ( -‬ت َف ِّس ُر ال ُق ْرآنَ ‪َ ،‬و ُت َب ِّي ُن ُه‪َ ،‬و َت ُد ُّل‬
‫فلما بين لك منزلة ُّ‬
‫ِ‬
‫َع َل ْيه‪َ ،‬و ُت َع ِّب ُر َع ْن ُه) ‪-‬؛ أيقنْ َت بذلك أن ُّ‬
‫السنة قرين ٌة للكتاب‪.‬‬
‫حتج بأحاديث‬
‫السنة ‪ :-‬أنه ال ُي ُّ‬
‫واْلمر الثان ‪ -‬مما ذكره يف مقدِّ مة ُّ‬
‫الحسن ‪ -‬كما هو‬
‫الصفات إال باألحاديث الصحيحة فقط‪ ،‬والحديث َ‬
‫معلو ٌم ‪َ -‬ق ِسيم الحديث الصحيح؛ أي‪ :‬أن األحاديث الصحيحة‬
‫والحسنة تؤخذ يف الصفات‪ ،‬أما الضعيفة فال‪.‬‬
‫َ‬
‫اد ِ‬
‫يث) يعني‪:‬‬ ‫ْل َح ِ‬
‫ول بِ ِه َربَّ ُه ِم َن ا َ‬
‫س ُ‬ ‫(و َما َو َص َ‬
‫الر ُ‬
‫ف َّ‬ ‫لذا قال رمحه اهلل‪َ :‬‬
‫السنة التي فيها ذكْر صفات الله عز وجل‪ُ ،‬يشترط يف األخذ بتلك‬
‫أن ُّ‬
‫األحاديث شرطان‪:‬‬
‫(الص َحاحِ ) فنأخذ الصفات من‬
‫اْلول‪ :‬أشار إليه بقوله‪ِّ :‬‬
‫الشرط َّ‬
‫األحاديث الصحيحة‪ ،‬أما األحاديث التي مل تصح فال يؤخذ هبا يف‬
‫الصفات‪.‬‬
‫اها َأ ْه ُل ا ْل َم ْعرِ َف ِة بِا ْل َقب ِ‬
‫ول)‬ ‫والشرط الثان‪ :‬أشار إليه بقوله‪( :‬ا َّلتِي َت َل َّق َ‬
‫ُ‬
‫أي‪ :‬ال يكون فيه عل ٌة قادح ٌة قد تخفى عىل بعض الناس ‪ -‬أي‪ :‬يف السند‬
‫‪.-‬‬
‫‪23‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ؤخذ ما فيه من غير ٍ‬


‫نظر إىل إسناده؛ ألنه قد تواتر‬ ‫فالقرآن الكريم ُي َ‬
‫السنة النبوية فتحتاج أن ننظر إىل السنَد وتحتاج أن ننظر إىل‬
‫إلينا‪ ،‬أما ُّ‬
‫المتن‪.‬‬
‫اإل َيَمنُ بِهَ ا َك َذلِ َك) أي‪ :‬كما وجب اإليمان بالقرآن‪.‬‬
‫(و َج َب ِ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫تكييف‬ ‫ٍ‬
‫تحريف وال تعطيلٍ‪ ،‬ومن غير‬ ‫واإليمان هبا‪ :‬يكون من غير‬
‫وال تمثيلٍ‪.‬‬
‫ِّف رمحه اهلل أربعة عشر حديث ًا فيها تلك الصفات‪،‬‬
‫وساق المصن ُ‬
‫وهذه األحاديث تنقسم إىل قِسمين‪:‬‬
‫ِ‬
‫القسم اْلول‪ :‬منها ما مل ِ‬
‫يأت به القرآن‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِّف؛ ليكون طالب‬ ‫ِ‬
‫والقسم الثان‪ :‬ما أتى به القرآن وساقه المصن ُ‬
‫والسنة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلم معه دليالن اثنان؛ من الكتاب ُّ‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪24‬‬

‫الد ْن َيا ُك َّل َل ْي َل ٍة‬


‫الس ََم ِء ُّ‬
‫م ْث ُل َق ْوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ي ْن ِز ُل َر ُّب َنا إِ َلى َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين يب َقى ُث ُل ُث ال َّلي ِل ِ‬
‫اآلخ ُر‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ح َ َْ‬
‫يب َل ُه؟‬ ‫س َت ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ج َ‬ ‫َم ْن َي ْد ُعوني َفأ ْ‬
‫َم ْن َي ْس َأ ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه؟‬
‫َم ْن َي ْس َت ْغ ِف ُرنِي َف َأ ْغ ِف َر َل ُه؟» ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ِّف رمحه اهلل هنا يذكر األحاديث التي فيها إثبات صفات‬
‫بدأ المصن ُ‬
‫الله عز وجل‪ ،‬ففي هذا الحديث العظيم ذكَر النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ٍ‬
‫صفات‪.‬‬ ‫عدة‬
‫الد ْن َيا ُك َّل َل ْي َل ٍة ِح َ‬
‫ين َي ْب َقى ُث ُل ُث ال َّل ْي ِل‬ ‫الس ََم ِء ُّ‬
‫فقوله‪َ ( :‬ي ْن ِز ُل َر ُّب َنا إِ َلى َّ‬
‫ِ‬
‫اآلخرِ) فيه إثبات صفتين‪:‬‬
‫ْلولى‪ :‬صفة العلو لله؛ ألن قوله‪َ ( :‬ي ْن ِز ُل) دل أنه يف العلو‪.‬‬
‫الصفة ا ُ‬

‫والصفة الثانية‪ :‬صفة النزول لله عز وجل كما يليق بجالله وعظمته‪.‬‬
‫وهي من الصفات الفعلية؛ أي‪ :‬أنه يفعل هذا النُّزول إذا شاءه‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬
‫فع ٍل لله سبحانه وتعاىل متع ِّل ٌق بمشيئته‪ :‬فهو صف ٌة فعلي ٌة‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫الخ َب ِرية؛ أي‪ :‬لو مل يأتنا ٌ‬


‫خبر‬ ‫ونقول أيض ًا‪ :‬إنه من الصفات الفعلية َ‬
‫السنة كهذا الحديث؛ مل نَعلم أن الله َينزل إىل السماء الدنيا‪.‬‬ ‫من ُّ‬
‫يه َع ْبد ًا مِ ْن‬
‫مسلم ‪« :‬ما مِن يو ٍم َأ ْك َثر مِن َأ ْن يعتِ َق الله فِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ ُْ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويف صحيح‬
‫ول‪َ :‬ما َأ َرا َد‬‫اهي بِ ِه ْم ا ْل َم َالئِ َك َة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ار مِن يو ِم َعر َف َة‪ ،‬وإِنه َليدْ نُو ُثم يب ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫الن ِ ْ َ ْ َ‬
‫َه ُؤ َال ِء؟» قال ابن عبد البر رمحه اهلل ‪« :‬مل يب ِ‬
‫اه هبم المالئكة؛ إال ليغفر‬ ‫َُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫( ‪)2‬‬

‫لهم» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫السنة‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وهل يخلو منه العرش أو ال يخلو؟ ثالثة أقوال ألهل ُّ‬
‫اْلول‪ :‬أن العرش يخلو منه ‪.‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫القول َّ‬

‫(‪ )1‬كتاب الحج‪ ،‬باب يف فضل الحج والعمرة‪ ،‬ويوم عرفة‪ ،‬رقم (‪ ،)1348‬من‬
‫حديث عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري المالكي‪،‬‬
‫ُولد سنة (‪368‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪463‬هـ)‪ .‬ترتيب المدارك لليحصبي (‪،)12٧/8‬‬
‫شجرة النور الزكية البن سامل مخلوف (‪.)1٧6/1‬‬
‫(‪ )3‬التمهيد البن عبد البر (‪.)120/1‬‬
‫(‪ )4‬وممن قال هبذا القول ابن منده رمحه اهلل‪ .‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم‬
‫(‪.)380/5‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪26‬‬

‫والقول الثان‪ :‬ال يخلو‪ ،‬وإليه ذهب شيخ اإلسالم ‪.‬‬


‫(‪)1‬‬

‫َص فيه‪ ،‬وإىل هذا‬


‫والقول الثالث‪ :‬السكوت عن مثل ذلك؛ لعدم ن ٍّ‬
‫ذهب الشيخ محمد بن إبراهيم رمحه اهلل ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫مبتدع؛ ألنهما قوالن‬


‫ٌ‬ ‫ومن قال‪ :‬إنه يخلو أو ال يخلو ال نقول‪ :‬إنه‬

‫السنة‪ ،‬وإنما نقول‪ :‬األَوىل السكوت عن ذلك؛ لعدم ورود ن ٍّ‬


‫َص فيه‬ ‫ألهل ُّ‬
‫يب ِّين ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دقيقة فيها ٌ‬
‫ثلث من الليل اآلخر‪ ،‬فهل‬ ‫وإذا قيل‪ :‬إن األرض يف ِّ‬
‫كل‬
‫حين؟!‬ ‫معنى ذلك‪ :‬أن الله عز وجل َينزل إىل السماء الدنيا يف كل ٍ‬

‫يع ا ْل َب ِص ُير﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫نقول‪ :‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ل ْي َس كَم ْثلِه َش ْي ٌء َو ُه َو السم ُ‬
‫[الشورى‪ ،]11 :‬وسبب اللبس يف هذا‪ :‬إذا َأدخل اإلنسان عقله ومثل صفات‬
‫الخالق بالمخلوق‪.‬‬
‫وإذا آمن المرء هبذا النزول كما يليق بجالل الله وعظمته؛ يزول عنه‬
‫الم َت َعال‪.‬‬
‫الل ْبس‪ ،‬فهو سبحانه ينزل وهو الكبير ُ‬

‫(‪ )1‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪.)131/5‬‬


‫(‪ )2‬فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (‪.)212/1‬‬
‫‪27‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫والنبي صىل اهلل عليه وسلم أخبرنا بذلك‪ ،‬ونحن نؤمن به إيمان ًا‬
‫جازم ًا ال مِ ْر َية فيه‪ ،‬مثل النبي صىل اهلل عليه وسلم أخبرنا بأن الله قِ َب َل َو ْج ِه‬
‫مصل‪ ،‬وأخبر النبي‬ ‫ٍّ‬ ‫ا ْل ُم َص ِّلي ‪ ،‬وكم ُم َص ٍّل يص ِّلي‪ ،‬فالله قبل وجه كل‬ ‫(‪)1‬‬

‫صىل اهلل عليه وسلم أنه «إِ َذا َق َال ا ْل َع ْبدُ ‪﴿ :‬ا ْل َح ْمدُ لِل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾‪َ ،‬ق َال‬
‫واحدة يف الصالة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لحظة‬ ‫الل ُه َت َعا َلى‪َ :‬ح ِمدَ نِي َع ْب ِدي» ‪ ،‬فكم من قائ ٍل يف‬
‫( ‪)2‬‬

‫الحمد لله‪ ،‬فنحن نؤمن بأن الله يقول لكل مص ِّلي‪ :‬محدين عبدي وهكذا‪.‬‬
‫الس ََم ِء ُّ‬
‫الد ْن َيا) ُّ‬
‫يدل عىل أن النزول هنا ليس هو نزول رمحته؛‬ ‫(إِ َلى َّ‬
‫ألن الرمحة َتنزل يف الثلث األخير ويف غير الثلث األخير‪.‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب حك البزاق باليد من المسجد‪ ،‬رقم‬


‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب النهي عن البصاق يف‬
‫ٌ‬ ‫(‪،)406‬‬
‫المسجد يف الصالة وغيرها‪ ،‬رقم (‪ ،)54٧‬من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪،‬‬
‫َان َأ َحدُ ك ُْم ُي َص ِّلي َف َال َي ْب ُص ْق قِ َب َل َو ْج ِه ِه‪َ ،‬فإِن الل َه قِ َب َل َو ْج ِه ِه إِ َذا‬
‫ولفظه‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫َصلى»‪.‬‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب وجوب قراءة الفاتحة يف كل ركعة‪ ،‬وإنه إذا‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫مل يحسن الفاتحة‪ ،‬وال أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها‪ ،‬رقم (‪ ،)395‬من‬
‫حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪28‬‬

‫وال يجوز ْ‬
‫أن نقول‪ :‬إن المراد بالنُّزول هنا نزول أمره؛ ألن أمر الله‬
‫كل حين‪ ،‬وليس يف السماء الدنيا؛ كما قال سبحانه‪:‬‬ ‫عز وجل َينزل يف ِّ‬
‫ض ُثم َي ْع ُر ُج إِ َل ْي ِه﴾ [السجدة‪.]5 :‬‬ ‫﴿يدَ بر ْاألَمر مِن السم ِ‬
‫اء إِ َلى ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ ُ ْ َ َ‬
‫اآلخرِ) الليل يبدأ باال ِّتفاق من غروب‬ ‫ين يب َقى ُث ُل ُث ال َّلي ِل ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫(ح َ َ ْ‬
‫الشمس‪ ،‬وينتهي شرع ًا بطلوع الفجر‪ ،‬و َف َلكِي ًا ينتهي بطلوع الشمس‪.‬‬
‫أن تعرف متى ثلث الليل‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا يختلف بين‬ ‫أردت ْ‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫أردت‬
‫َ‬ ‫وبلد من حيث طول الليل وقِ َص ُره‪ ،‬وإذا‬
‫بلد ٍ‬‫الشتاء والصيف‪ ،‬وبين ٍ‬

‫ْ‬
‫أن تعلم ذلك فانظر متى تغرب الشمس ومتى تطلع الشمس‪ ،‬ثم اقسمها‬
‫ٍ‬
‫ثالثة‪.‬‬ ‫عىل‬
‫فمثالً‪ :‬تغرب الشمس الساعة السادسة‪ ،‬وتطلع الشمس الساعة‬
‫السادسة صباح ًا؛ هذه اثنتا عشرة ساع ًة‪ ،‬تقسمها عىل ثالثة؛ هذا ثلث‬
‫الليل األول أربع ساعات؛ يعني‪ :‬الساعة العاشرة ينتهي ثلث الليل‬
‫األول‪ ،‬والثلث الثاين أربع ساعات أيض ًا ‪ -‬اثنا عشر تقسيم ثالثة يساوي‬
‫أربعة ‪-‬؛ يعني‪ :‬الساعة الثانية ينتهي الثلث الثاين‪ ،‬ثم بعد ذلك بعد الساعة‬
‫الثانية يبدأ الثلث اآلخر من الليل‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫العلم يرى أن تقسيمه من غروب الشمس إىل طلوع‬ ‫وبعض أهل ِ‬


‫ٍ‬
‫ساعة‪.‬‬ ‫الفجر‪ ،‬وال َفرق بينهما عىل هذا التقسيم تقريب ًا نصف‬
‫قال‪ُ ( :‬ك َّل َلي َل ٍة) وهذا من فضل الله عز وجل أنه ينزل كل ٍ‬
‫ليلة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وعظيم يجب عىل المسلِم أن يغتنمه‪ ،‬وهو ْ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫كبير‬
‫فضل ٌ‬‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫يتدارك ذلك الزمن العظيم الفاضل؛ ألنه لحظات‪ ،‬ثم بعد ذلك ُي َض ِّيع‬
‫المسلم تلك الساعات الفاضلة‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬ف َي ُق ُ‬
‫ول) فيه إثبات صفة الكالم لله عز وجل كما يليق بجالله‬
‫وعظمته‪.‬‬
‫يب َل ُه؟) هذا االستفهام للت ْش ِويق؛ يعني‪:‬‬ ‫س َت ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ج َ‬ ‫( َم ْن َي ْد ُعوني َفأ ْ‬
‫يشوقهم لعبادته ومسألته واستغفاره‪.‬‬‫ادعوين‪ِّ ،‬‬
‫أنواع‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫والله عز وجل نِ َعمه عىل عباده‬
‫سؤال؛ كنعمة العقل‬ ‫ٍ‬ ‫اْلول‪ :‬نعم ٌة يعطيهم الله إياها من غير‬
‫النوع َّ‬
‫اه َر ًة َو َباطِنَ ًة﴾‬
‫مثالً‪ ،‬ودليله‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬و َأسب َغ َع َلي ُكم نِعمه َظ ِ‬
‫ْ ْ ََُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ٍ‬
‫سؤال‪.‬‬ ‫[لقمان‪ ،]20:‬من غير‬
‫والنوع الثان‪ :‬نعم ٌة يعطيهم الله عز وجل إياها إذا سألوه؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫﴿ َوآ َتاك ُْم مِ ْن ك ُِّل َما َس َأ ْلت ُُمو ُه﴾ [إبراهيم‪.]34:‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪30‬‬

‫يب َل ُه؟)‬ ‫س َت ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬


‫ج َ‬ ‫والنوع الثالث‪ :‬من َك َر ِم الله يقول‪َ ( :‬م ْن َي ْد ُعوني َفأ ْ‬
‫أي‪ :‬من يريد مني شيئ ًا؛ يعني‪ :‬سبحانه وتعاىل ُي ِّ‬
‫شوق عباده ألن يطلبوا منه‬
‫ما يريدون‪ ،‬وهو الكريم‪.‬‬
‫يب َل ُه؟) والمراد بالدعاء هنا‪ :‬دعاء‬ ‫س َت ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ج َ‬ ‫لذا قال‪َ ( :‬م ْن َي ْد ُعوني َفأ ْ‬
‫العبادة ودعاء المسألة‪ ،‬دعاء العبادة؛ يعني‪ :‬مثل الصلوات‪ ،‬أي‪َ :‬من هذا‬
‫الذي قام الليل؟ ِألَ ْق َبل صالته‪ ،‬فأنا أستجيب له‪ ،‬ويدخل فيه أيض ًا دعاء‬
‫رب – مثالً ‪ -‬اغفر يل؟ فأغفر له‪.‬‬
‫المسألة؛ أي‪َ :‬من هذا الذي يقول يا ِّ‬
‫يب َل ُه؟) دل عىل أن الله يسمع‪ ،‬فاسأل وإذا‬ ‫س َت ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ج َ‬ ‫( َم ْن َي ْد ُعوني َفأ ْ‬
‫أن َس ِم َعك سبحانه وتعاىل‪ ،‬ففيه‬
‫سألت هو يعطيك‪ ،‬وال يعطيك إال بعد ْ‬
‫إثبات الس ْمع لله‪.‬‬
‫أمر أقل منه‪ ،‬وأضيق منه‪ ،‬فقال‪َ ( :‬م ْن َي ْس َأ ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه؟)‬
‫ثم تدرج إىل ٍ‬

‫بالسؤال هنا؛ أي‪ :‬الطلب من الله عز وجل؛‬


‫هنا دعاء المسألة‪ ،‬والمراد ُّ‬
‫من األمور األُ ْخ َر ِوية أو من األمور الدنيوية‪ ،‬مثل‪ :‬اللهم ِّ‬
‫زوجني؛ هذا‬
‫ٍ‬
‫مسألة‪ ،‬اللهم أدخلني‬ ‫ٍ‬
‫مسألة‪ ،‬اللهم ارزقني العلم النافع؛ هذا دعاء‬ ‫دعاء‬
‫ٍ‬
‫مسألة‪.‬‬ ‫الجنة؛ هذا دعاء‬
‫َ‬
‫‪31‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫( َم ْن َي ْس َأ ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه؟) هذا فيه إثبات صفة ال َك َرم لله عز وجل؛ إ ْذ‬

‫َي ْع ِر ُض ُّ‬
‫الرب عز وجل مكارمه عىل عباده‪.‬‬
‫اس َأ ُلوا‬
‫كثير‪ ،‬والله قال‪َ ﴿ :‬و ْ‬ ‫يدل عىل أن فضل الله عز وجل ٌ‬ ‫وهذا ُّ‬
‫حميدُ ﴾ [الحج‪:‬‬
‫الله مِن َف ْضلِ ِه﴾ [النساء‪ ،]32 :‬وقال‪﴿ :‬وإِن الله َلهو ا ْل َغنِي ا ْل ِ‬
‫ُّ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫يد﴾ [البروج‪ ،]8 :‬وقال‪َ ﴿ :‬فإِن َر ِّبي‬ ‫‪ ،]64‬وقال عن نفسه‪﴿ :‬ا ْلع ِز ِيز ا ْلح ِم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يم﴾ [النمل‪]40 :‬؛ إنه كثير ال َب ْذل سبحانه‪.‬‬ ‫َغن ٌّي ك َِر ٌ‬
‫ثم َأ ْض َيق منه فقال‪َ ( :‬م ْن َي ْس َت ْغ ِف ُرنِي َف َأ ْغ ِف َر َل ُه؟) هذا فيه إثبات صفة‬
‫المغفرة لله عز وجل‪.‬‬
‫لذلك من األعمال الفاضلة يف آخر الليل كثرة االستغفار‪.‬‬
‫الجنة فقال‪:‬‬
‫والله عز وجل ذكر أن االستغفار من أوصاف أهل َ‬
‫﴿ َوا ْل ُم ْس َت ْغ ِف ِري َن بِ ْاألَ ْس َح ِ‬
‫ار﴾ [آل عمران‪ ،]1٧ :‬ف َيشفع للشخص ْ‬
‫أن إذا قام‬
‫الليل ْ‬
‫أن يختم قيام الليل باالستغفار حتى يطلع الفجر؛ فهذه من أعمال‬
‫الجنة‪.‬‬ ‫رجى هبا ْ‬
‫أن يدخلوا َ‬ ‫الجنة التي ُي َ‬
‫أهل َ‬
‫وإضاف ًة إىل ذلك‪ :‬قيام الليل من مك ِّفرات الذنوب؛ كما قال النبي‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪32‬‬

‫صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬وقِيام ا ْلعب ِد فِي جو ِ‬


‫ف الل ْي ِل ُي َك ِّف ُر ا ْل َخ َطا َيا» ‪ ،‬وقال‬
‫( ‪)1‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ ُ َْ‬
‫«و َص ُّلوا بِالل ْي ِل‬
‫سال ٍم‪َ :‬‬
‫صىل اهلل عليه وسلم يف الحديث لعبد الله بن َ‬
‫والن ِ‬
‫الجنة‬ ‫اس ن َيا ٌم‪َ ،‬تدْ ُخ ُلوا ا ْل َجن َة بِ َس َال ٍم» ‪ ،‬فقيام الليل من أسباب دخول َ‬
‫( ‪)2‬‬
‫َ ُ‬
‫برمحة الله عز وجل‪.‬‬
‫فيس ُّن للمسلِم أن يتعرض لنفحات الله يف هذه الساعات الفاضلة‪،‬‬
‫والليل أفضل من النهار‪ ،‬ولو مل يأتك من فضيلة الليل إال نزول الله عز‬
‫وجل يف آخره؛ لكفى بالليل َش َرف ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)22068‬من حديث معاذ بن جبل رضي اهلل‬
‫عنه‪.‬‬
‫والسنة فيها‪ ،‬باب ما جاء يف قيام الليل‪،‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه‪ ،‬كتاب إقامة الصالة‪ُّ ،‬‬
‫رقم (‪.)1334‬‬
‫‪33‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ل َّل ُه َأ َش ُّد َف َرح ًا بِ َت ْو َب ِة َع ْب ِد ِه‪ِ ،‬م ْن َأ َح ِد ُك ْم‬
‫يث ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫الح ِد َ‬
‫اح َلتِ ِه‪َ »...‬‬
‫بِر ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫الفرح لله عز‬
‫ذكر المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة َ‬
‫وجل‪ ،‬والفرح معلو ٌم‪ ،‬والله عز وجل يفرح َف َرح ًا يليق بجالله وعظمته‪.‬‬

‫فقوله‪َ ( :‬ل َّل ُه َأ َش ُّد َف َرح ًا) فيه إثبات الفرح لله‪ ،‬بل أشد َف َرحٍ ُي َ‬
‫عرف‪،‬‬
‫ٍ‬
‫نقص يف العقل‬ ‫وفرحه سبحانه ليس كفرح المخلوقين مما َي ْع َت ِر ِيهم من‬
‫وخف ٍة يف الحركة أثناء ذلك ونحو ذلك‪ ،‬وإنما ُيث َبت له جل وعال كما يليق‬
‫ِ‬

‫بجالله وعظمته‪.‬‬
‫وال يجوز ْ‬
‫أن ُي َؤول هذا الفرح بغيره‪ ،‬كالثواب مثالً وغير ذلك من‬
‫التأويالت الباطلة‪.‬‬
‫اح َلتِ ِه) و َف َر ُح ُه سبحانه بتوبة عبده‬
‫قال‪( :‬بِ َت ْوب ِة َعب ِد ِه‪ِ ،‬م ْن َأ َح ِد ُكم بِر ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫وتفض ٍل وإنعا ٍم‪ ،‬ومحبته جل‬‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫إحسان‬ ‫حاجة؛ وإنما فرح‬ ‫ٍ‬ ‫التائب ليس َف َرح‬
‫غني عن عبادة العابدين وتوبة التائبين‪ ،‬قال‬ ‫وعال للطاعة‪ ،‬فهو سبحانه ٌّ‬
‫اد ِه ا ْل ُك ْف َر َوإِ ْن‬
‫جل وعال‪﴿ :‬إِ ْن َت ْك ُفروا َفإِن الله َغنِي َعنْ ُكم و َال ير َضى ل ِ ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َ ٌّ‬ ‫ُ‬
‫اس َأ ْنت ُُم ا ْل ُف َق َرا ُء إِ َلى‬
‫َت ْش ُك ُروا َي ْر َض ُه َل ُك ْم﴾ [الزمر‪ ،]٧ :‬وقال‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪34‬‬

‫الل ِه َوالل ُه ُه َو ا ْل َغن ِ ُّي ا ْل َح ِميدُ ﴾ [فاطر‪ ،]15 :‬فالعباد محتاجون لرهبم‪ ،‬والله‬
‫غني عن عبادة العباد‪ ،‬وغني أيض ًا سبحانه عن توبة التائب من‬
‫عز وجل ٌّ‬
‫ٍ‬
‫إحسان وإنعا ٍم‪.‬‬ ‫تكر ٌم من الله عز وجل وفرح‬
‫الذنوب؛ وإنما هذا ُّ‬
‫مسلم رمحه اهلل يف الحديث ذلك الر ُجل عىل صفتين‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وذكر اإلمام‬
‫ْلولى‪َ « :‬لل ُه َأ َشدُّ َف َرح ًا بِت َْو َب ِة َع ْب ِد ِه ا ْل ُم ْؤمِ ِن مِ ْن َر ُج ٍل فِي‬ ‫الصفة ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫َأ ْر ٍ‬
‫ض َد ِّوية َم ْهل َكة‪َ ،‬م َع ُه َراح َل ُت ُه َع َل ْي َها َط َعا ُم ُه َو َش َر ُاب ُه‪َ ،‬فنَا َم َف ْ‬
‫اس َت ْي َق َظ َو َقدْ‬
‫َذ َه َب ْت َف َط َل َب َها َحتى َأ ْد َر َك ُه ا ْل َع َط ُش‪ُ ،‬ثم َق َال‪َ :‬أ ْر ِج ُع إِ َلى َم َكانِ َي ال ِذي ُكن ُْت‬
‫اس َت ْي َق َظ َو ِعنْدَ ُه‬
‫وت‪َ ،‬ف ْ‬ ‫اع ِد ِه ل ِ َي ُم َ‬
‫وت‪َ ،‬فو َضع ر ْأسه َع َلى س ِ‬
‫َ‬ ‫فيه َف َأنَا ُم َحتى َأ ُم َ َ َ َ َ ُ‬
‫ِ ِ‬

‫اح َل ُت ُه َو َع َل ْي َها َزا ُد ُه َو َط َعا ُم ُه َو َش َر ُاب ُه‪َ ،‬فالل ُه َأ َشدُّ َف َرح ًا بِت َْو َب ِة ا ْل َع ْب ِد ا ْل ُم ْؤمِ ِن‬
‫ر ِ‬
‫َ‬
‫اد ِه» ‪ ،‬فالله عز وجل أشدُّ فرح ًا من ذلك الرجل الذي‬ ‫( ‪)1‬‬
‫اح َلتِ ِه و َز ِ‬
‫َ‬
‫مِن َه َذا بِر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َف ِر َح بوجود راحلته التي عليها متاعه‪ ،‬من طعامه وشرابه‪.‬‬
‫ُوب إِ َل ْي ِه مِ ْن‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫والصفة الثانية‪َ « :‬لل ُه َأ َشدُّ َف َرح ًا بِت َْو َبة َع ْبده حي َن َيت ُ‬
‫ض َف َال ٍة‪َ ،‬فا ْن َف َلت َْت مِنْ ُه‪َ ،‬و َع َل ْي َها َط َعا ُم ُه‬
‫اح َلتِ ِه بِ َأ ْر ِ‬
‫َان َع َلى ر ِ‬
‫َ‬ ‫َأ َح ِدك ُْم ك َ‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب التوبة‪ ،‬باب يف الحض عىل التوبة والفرح هبا‪ ،‬رقم‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ٍ‬
‫مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫(‪ ،)2٧44‬من حديث ابن‬
‫‪35‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫اح َلتِ ِه‪،‬‬


‫اض َطجع فِي ظِ ِّلها َقدْ َأيِس مِن ر ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َو َش َر ُاب ُه‪َ ،‬ف َأيِ َس من َْها‪َ ،‬ف َأ َتى َش َج َر ًة َف ْ َ َ‬
‫خ َطامِ َها‪ُ ،‬ثم َق َال مِ ْن ِشد ِة‬
‫َفبينَا ُهو ك ََذل ِ َك إِ َذا ُهو بِها َقائِم ًة ِعنْدَ ه‪َ ،‬ف َأ َخ َذ بِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ْت َع ْب ِدي‪َ ،‬و َأ َنا َر ُّب َك‪َ ،‬أ ْخ َط َأ مِ ْن ِشد ِة ا ْل َف َرحِ » ؛ فدل عىل‬
‫(‪)1‬‬
‫ا ْل َف َرحِ ‪ :‬الل ُهم َأن َ‬
‫أن اإلنسان إذا أخطأ من شدة الفرح ال يؤاخذ بذلك الفعل‪.‬‬
‫وهذا الحديث ُّ‬
‫يدل عىل أن العبد إذا أذنب يجب عليه أن يتوب‪ْ ،‬‬
‫وأن‬
‫ُيقبِل عىل الله بعد ِّ‬
‫كل ذن ٍ‬
‫ْب‪ ،‬فإن فعل ذلك نال تلك المرتبة العظيمة بفرح‬
‫الله عز وجل بتوبته‪.‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب التوبة‪ ،‬باب يف الحض عىل التوبة والفرح هبا‪ ،‬رقم‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫(‪ ،)2٧4٧‬من حديث ٍ‬
‫أنس رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪36‬‬

‫َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ي ْض َح ُك ال َّل ُه إِ َلى َر ُج َل ْي ِن َي ْق ُت ُل َأ َح ُد ُه ََم‬
‫الجن ََّة» ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫اآلخ َر‪ ،‬كِ ََل ُه ََم َي ْد ُخ ُل َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ساق المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة الضحك لله‬
‫عز وجل عىل ما يليق بجالله وعظمته َض ِ‬
‫حك ًا حقيقي ًا‪ ،‬ال كضحك‬
‫المخلوقين‪.‬‬
‫وجاء أيض ًا حديث آخر يف إثبات صفة الضحك‪ ،‬يف األنصاري‬
‫الذي استضاف ضيف ًا فأطفأ المصباح ليأكل الضيف‪ ،‬و َتظاهر هو وامرأته‬
‫باألكل معه‪ ،‬فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ض ِ‬
‫ح َك الل ُه الل ْي َل َة‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ُّ‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ب مِ ْن َف َعال ِ ُك َما» رواه‬
‫( ‪)1‬‬
‫َع ِ‬
‫ج َ‬
‫(و َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ي ْض َح ُك ال َّل ُه) فيه إثبات‬ ‫قال رمحه اهلل‪َ :‬‬
‫حك لله سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهي من الصفات الفعلية‪ ،‬ف َيضحك‬ ‫صفة الض ِ‬
‫وكل ٍ‬
‫صفة متع ِّلق ٌة بالمشيئة‪ :‬فهي صف ٌة فعلي ٌة‪.‬‬ ‫إذا شاء‪ُّ ،‬‬

‫ون َع َلى َأ ْن ُف ِس ِه ْم َو َل ْو ك َ‬
‫َان بِ ِه ْم‬ ‫اب ﴿ َو ُي ْؤثِ ُر َ‬
‫(‪ )1‬كتاب مناقب األنصار‪َ ،‬ب ُ‬
‫اص ٌة﴾‪ ،‬رقم (‪ ،)3٧98‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫َخ َص َ‬
‫‪37‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫اآلخ َر‪ ،‬كِ ََل ُه ََم َي ْد ُخ ُل َ‬


‫الجن ََّة) وقد‬ ‫وقوله‪( :‬إِ َلى َر ُج َل ْي ِن َي ْق ُت ُل َأ َح ُد ُه ََم َ‬
‫بين الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف رواية الصحيح ‪ -‬كيف يكون هذا؟‬
‫( ‪)1‬‬

‫ُوب الل ُه َع َلى ا ْل َقاتِ ِل َف ُي ْسلِ ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قال‪ُ « :‬ي َقات ُل َه َذا في َسبِي ِل الله َف ُي ْقت َُل‪ُ ،‬ثم َيت ُ‬
‫َف ُي ْست َْش َهدُ »‪ ،‬فكالمها يدخل َ‬
‫الجنة‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬‫لوح ِش ٍّي بن َح ْر ٍ‬
‫ب رضي اهلل عنه حين َقتل محزة‬ ‫مثل‪ :‬ما حصل ْ‬
‫وحشي كافر ًا‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫ٌّ‬ ‫فوحشي َق َتل محزة حين كان‬
‫ٌّ‬ ‫رضي اهلل عنه ‪،‬‬ ‫( ‪)3‬‬

‫وحشي ف َق َتل ُم َس ْيلِ َمة الكذاب‪ ،‬ثم مات رضي اهلل عنه عىل اإلسالم‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫أسلم‬
‫واسع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وفضل الله‬
‫الجنة‪ْ ،‬‬
‫ووحشي كالمها يف َ‬
‫ٌّ‬ ‫فحمزة‬

‫والسير‪ ،‬باب الكافر َيقتل المسلم ثم ُيسلم‬


‫البخاري‪ ،‬كتاب الجهاد ِّ‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫فيسدد بعد ويقتل‪ ،‬رقم (‪ ،)2826‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬وحشي بن حرب الحبشي‪َ ،‬أ ُبو دسمة‪ ،‬أسلم بعد أخذ الطائف‪ ،‬وشهد‬
‫اليمامة‪ ،‬ورمى مسيلمة بحربته التي قتل هبا محزة‪ .‬االستيعاب البن عبد البر‬
‫(‪ ،)1564/4‬أسد الغابة البن األثير (‪.)662/4‬‬
‫(‪ )3‬هو‪ :‬محزة بن َع ْبد المطلب بن هاشم‪ ،‬عم النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬أسلم‬
‫يف السنة الثانية من المبعث‪ ،‬وقيل يف السنة السادسة‪ ،‬استشهد يف ٍ‬
‫أحد‪ .‬االستيعاب‬
‫البن عبد البر (‪.)369/1‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪38‬‬

‫فالله عز وجل يضحك للرجلين يقتل أحدمها اآلخر‪ ،‬ثم يتوب الله‬
‫الجنة‪.‬‬
‫عىل اآلخر ف ُيقتل؛ فكالمها يدخل َ‬
‫ح َك الله منه؛ قال الن ُّبي‬ ‫وجاء أيض ًا يف صحيح البخاري نوع َض ِ‬
‫ٌ‬ ‫( ‪)1‬‬

‫العب ِ‬
‫اد َو َي ْب َقى َر ُج ٌل َب ْي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ُ « :‬ثم َي ْف ُر ُغ الل ُه م َن ال َق َضاء َب ْي َن َ‬
‫ار‪،‬‬‫الجن َة ‪ُ -‬م ْقبِ ٌل بِ َو ْج ِه ِه قِ َب َل الن ِ‬ ‫آخ ُر َأ ْه ِل الن ِ‬
‫ار ُد ُخو ً‬
‫ال َ‬
‫ار ‪ -‬و ُهو ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنة َوالن ِ َ َ‬
‫َ‬
‫يح َها َو َأ ْح َر َقنِي‬ ‫ِ‬
‫ار؛ َقدْ َق َش َبني ِر ُ‬ ‫ف َو ْج ِهي َع ِن الن ِ‬ ‫اص ِر ْ‬
‫ول‪َ :‬يا َر ِّب! ْ‬ ‫َف َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬‫ول‪َ :‬ه ْل َع َس ْي َت إِ ْن ُف ِع َل َذل ِ َك بِ َك َأ ْن َت ْس َأ َل َغ ْي َر َذل ِ َك؟ َف َي ُق ُ‬
‫َاؤ َها‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫َذك ُ‬
‫ف الل ُه َو ْج َه ُه َع ِن‬ ‫اق‪َ ،‬ف َي ْص ِر ُ‬ ‫َال َو ِعزتِ َك‪َ ،‬ف ُي ْعطِي الل َه ما َي َشاء مِ ْن َع ْه ٍد َومِي َث ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الن ِ‬
‫ار‪.‬‬
‫الجن ِة َر َأى َب ْه َجت ََها َس َك َت َما َشا َء الل ُه َأ ْن َي ْس ُك َت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َفإِ َذا َأ ْق َب َل بِه َع َلى َ‬
‫الجن ِة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول الل ُه َل ُه‪َ :‬أ َل ْي َس َقدْ َأ ْع َط ْي َت‬ ‫اب َ‬ ‫ُثم َق َال‪َ :‬يا َر ِّب! َقدِّ ْمنِي ِعنْدَ َب ِ‬

‫ول‪َ :‬يا َر ِّب! َال‬ ‫اق َأ ْن َال َت ْس َأ َل َغ ْي َر ال ِذي ُكن َْت َس َأ ْل َت؟ َف َي ُق ُ‬ ‫العهود و ِ‬
‫المي َث َ‬ ‫ُُ َ َ‬
‫يت َذل ِ َك َأ ْن َال َت ْس َأ َل‬ ‫ول‪َ :‬ف َما َع َس ْي َت إِ ْن ُأ ْعطِ َ‬‫ُون َأ ْش َقى َخ ْل ِق َك‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫َأك ُ‬

‫َاض َر ٌة * إِ َلى َر ِّب َها نَاظِ َر ٌة﴾‪،‬‬


‫(‪ )1‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬وجوه يومئِ ٍذ ن ِ‬
‫ُ ُ ٌَْ َ‬
‫رقم (‪ ،)٧43٧‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ول‪َ :‬ال َو ِعزتِ َك‪َ ،‬ال َأ ْس َأ ُل َغ ْي َر َذل ِ َك‪َ ،‬ف ُي ْعطِي َرب ُه َما َشا َء مِ ْن َع ْه ٍد‬‫َغ ْي َر ُه؟ َف َي ُق ُ‬
‫اق‪.‬‬ ‫َومِي َث ٍ‬

‫يها مِ َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الجنة‪َ ،‬فإِ َذا َب َل َغ َب َاب َها‪َ ،‬ف َر َأى َز ْه َر َت َها‪َ ،‬و َما ف َ‬
‫اب َ‬ ‫َف ُي َقدِّ ُم ُه إِ َلى َب ِ‬

‫ول‪َ :‬يا َر ِّب َأ ْد ِخ ْلنِي‬ ‫الس ُر ِ‬


‫ور‪َ ،‬ف َي ْس ُك ُت َما َشا َء الل ُه َأ ْن َي ْس ُك َت‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫الن ْض َرة َو ُّ‬
‫ول الل ُه‪َ :‬و ْي َح َك َيا ْاب َن آ َد َم‪َ ،‬ما َأ ْغدَ َر َك‪َ ،‬أ َل ْي َس َقدْ َأ ْع َط ْي َت ال ُع ُهو َد‬
‫الجن َة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫َ‬
‫ول‪َ :‬يا َر ِّب! َال َت ْج َع ْلنِي‬ ‫يت؟ َف َي ُق ُ‬ ‫اق‪َ ،‬أ ْن َال َت ْس َأ َل َغ ْي َر ال ِذي ُأ ْعطِ َ‬ ‫و ِ‬
‫المي َث َ‬ ‫َ‬
‫الجن ِة»؛‬‫ول َ‬ ‫َأ ْش َقى َخ ْل ِق َك‪َ ،‬ف َي ْض َح ُك الل ُه عز وجل مِنْ ُه‪ُ ،‬ثم َي ْأ َذ ُن َل ُه فِي ُد ُخ ِ‬
‫ح ِ‬
‫ك لله عز وجل عىل ما يليق بجالله وعظمته‪.‬‬ ‫ففيه إثبات صفة الض ِ‬

‫الرب سبحانه وتعاىل َيضحك من أفعال بعض عباده؛‬


‫ُّ‬ ‫فإذا كان‬
‫عظيم يضحك‪َ ،‬يفرح‪َ ،‬يرحم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فيتعلق القلب بالله عز وجل؛ ألن الله‬
‫ِ‬
‫ب سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫َيل ُطف‪ُ ،‬يح ُّ‬
‫ب و ُي َح ُّ‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪40‬‬

‫اد ِه َو ُق ْر ِ‬
‫ب‬ ‫وط ِعب ِ‬
‫َ‬
‫ج َب رب َنا ِم ْن ُق ُن ِ‬ ‫َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫«ع ِ َ ُّ‬
‫ِغ َيرِ ِه‪.‬‬
‫ين َقنِطِ َ‬
‫ين‪َ ،‬ف َي َظ ُّل َي ْض َح ُك؛ َي ْع َل ُم َأ َّن َف َر َج ُك ْم َقرِ ٌ‬
‫يب»‬ ‫َي ْن ُظ ُر إِ َل ْي ُك ْم َأ ِزلِ َ‬
‫َح ِد ٌ‬
‫يث َح َس ٌن‪.‬‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ساق المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة ال َع َجب لله‬
‫ٍ‬
‫وصفات أخرى‪.‬‬
‫ج َب َر ُّب َنا) فيه إثبات صفة‬ ‫(و َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫«ع ِ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫ب‪.‬‬
‫ب؛ وإنما هنا ال َع َج ُ‬
‫ال َع َجب لله كما يليق بجالله وعظمته‪ ،‬وليس ال ُع ْج ُ‬
‫والسنة‪:‬‬
‫وقد جاء إثبات صفة ال َع َجب يف الكتاب ُّ‬
‫‪41‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫فمن الكتاب‪ :‬يف قراءة محزة والكسائي وخ َل ٍ‬


‫ف يف سورة‬ ‫( ‪)3‬‬ ‫( ‪)2‬‬ ‫( ‪)1‬‬

‫الصافات‪َ ﴿ :‬ب ْل َع ْجبِ ُت َو َي ْس َخ َر ُو َن﴾‪.‬‬


‫السنة‪ :‬هذا الحديث الذي ساقه المصنِّف‪ ،‬وكذا يف الحديث‬ ‫ومن ُّ‬
‫ب َر ُّبنَا مِ ْن‬ ‫الذي رواه اإلمام أمحد ؛ يقول النبي صىل اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ع ِ‬
‫ج َ‬ ‫( ‪)4‬‬

‫ون إِ َلى ا ْل َجن ِة فِي الس َال ِسلِ»‪.‬‬


‫َق ْو ٍم ُي َقا ُد َ‬
‫(ع ِ‬
‫ج َب َر ُّب َنا) وهذا ال َعجب معلو ٌم‪ ،‬وليس ك َعجب‬ ‫وقوله‪َ :‬‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬أبو عمارة محزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل اإلمام‪ ،‬الكويف‪ ،‬ولد‬
‫سنة (‪80‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪156‬هـ)‪ .‬معرفة القراء الكبار عىل الطبقات واألعصار‬
‫للذهبي (ص ‪.)111‬‬
‫(‪ )2‬هو‪ :‬أبو الحسن عيل بن محزة الكسائي اإلمام األسدي‪ ،‬ولد سنة (‪120‬هـ)‪،‬‬
‫وتويف سنة (‪189‬هـ)‪ .‬معرفة القراء الكبار عىل الطبقات واألعصار للذهبي (ص‬
‫‪.)120‬‬
‫(‪ )3‬هو‪ :‬أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب‪ ،‬وقيل ابن طالب بن غراب‪،‬‬
‫البغدادي المقرئ البزار‪ ،‬ولد سنة (‪150‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة (‪229‬هـ)‪ .‬معرفة القراء‬
‫الكبار عىل الطبقات واألعصار للذهبي (ص ‪.)208‬‬
‫(‪ )4‬يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)8013‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪42‬‬

‫ضعف؛ بل كما يليق بجالله وعظمته‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫المخلوقين الذي فيه‬


‫ب ِغ َيرِ ِه) أي‪ :‬تغ ُّير‬ ‫اد ِه) القنوط أشد اليأس‪َ ،‬‬
‫(و ُق ْر ِ‬ ‫وط ِعب ِ‬
‫َ‬
‫(م ْن ُق ُن ِ‬
‫قال‪ِ :‬‬

‫حالهم‪.‬‬
‫الرجل‬
‫ين) ُ‬ ‫(أ ِزلِ َ‬
‫( َي ْن ُظ ُر إ َل ْي ُك ْم) فيه إثبات صفة النظر لله عز وجل‪َ ،‬‬

‫األزل أي‪ :‬الضعيف؛ يعني‪َ :‬ينظر إليهم وهم ضعفاء محتاجون‪َ ( ،‬قنِطِ َ‬
‫ين)‬ ‫ِ‬

‫يعني‪ :‬يائسين من ال َف َرج‪.‬‬


‫قال‪َ ( :‬في َظ ُّل ي ْض َح ُك) هذا فيه إثبات صفة الض ِ‬
‫حك لله عز وجل‪،‬‬ ‫َ َ‬
‫وهو من الصفات الفعلِية‪.‬‬
‫(ي ْع َلم) فيه إثبات صفة ِ‬
‫العلم لله عز وجل؛ كما قال سبحانه‪﴿ :‬إِن‬ ‫َ ُ‬
‫ٍ ِ‬
‫يم﴾ [األنفال‪.]٧5 :‬‬ ‫الل َه بِ ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫( َي ْع َل ُم َأ َّن َف َر َج ُك ْم َقرِ ٌ‬
‫يب) فيه إثبات صفة الرمحة لله عز وجل؛ فهو‬
‫ُي َف ِّرج الكروب‪.‬‬
‫فيجب عىل المسلم أن ال يقنط من الله عز وجل وأن ال ييأس‪ ،‬بل‬
‫ج َئ إليه كثير ًا‬ ‫يحسن الظن بالله سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن ُي َع ِّلق قلبه به‪ ،‬وأن َي ْل َت ِ‬

‫وال َي ْقنَط؛ فإن ال ُقنُوط كما قال سبحانه‪﴿ :‬إِن ُه َال َي ْي َأ ُس مِ ْن َر ْوحِ الل ِه إِال‬
‫ون﴾ [يوسف‪ ،]8٧ :‬وقال إبراهيم عليه السالم‪َ ﴿ :‬و َم ْن َي ْقن َُط‬ ‫ا ْل َق ْو ُم ا ْل َكافِ ُر َ‬
‫‪43‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫مِ ْن َر ْح َم ِة َر ِّب ِه إِال الضا ُّل َ‬


‫ون﴾ [الحجر‪.]56 :‬‬
‫حسن الظن بالله حتى ولو توالت عليه الكروب‬ ‫أما المؤمن فهو ي ِ‬
‫ُ‬
‫التحول والخروج من‬ ‫ُّ‬ ‫ُك ْرب ًة بعد ُك ْر ٍبة‪ ،‬واشتد عليه الحال‪ ،‬واستبعد ُق ْرب‬
‫ذلك الحال؛ يجب أن يتعلق بالله‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬إِن َم َع ا ْل ُع ْس ِر ُي ْسر ًا﴾‬
‫ِ ِ‬
‫يب َد ْع َو َة‬‫يب ُأ ِج ُ‬
‫[الشرح‪ ،]6 :‬وقال‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َس َأ َل َك ع َبادي َعنِّي َفإِنِّي َق ِر ٌ‬
‫ب‬ ‫َج ْ‬ ‫ان﴾ [البقرة‪ ،]186 :‬وقال‪َ ﴿ :‬و َق َال رب ُكم ا ْد ُعونِي َأست ِ‬ ‫الدا ِع إِ َذا د َع ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ ُّ ُ‬
‫َل ُك ْم﴾ [غافر‪.]60 :‬‬
‫لذلك الشخص يتعلق به حتى ولو أحاطت به الكروب من كل‬
‫ٍ‬
‫جانب‪ ،‬فال أقوى من الله‪ ،‬وال أعز من الله‪ ،‬وال أكبر من الله‪ ،‬وال أعظم‬
‫من الله‪ ،‬فهو الملك الصمد القوي الجبار المهيمن‪ ،‬بيده مقاليد‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬فيجب عىل العبد أن يع ِّلق قلبه بالله‪ ،‬وأن ال ييأس‪،‬‬
‫فليس اليأس من صفات المؤمنين‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪44‬‬

‫«َل َت َز ُال َجهَ ن َُّم ُي ْل َقى فِيهَ ا‪َ ،‬و َت ُق ُ‬


‫ول‪َ :‬ه ْل‬ ‫َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫يد؟‬ ‫ِم ْن م ِز ٍ‬
‫َ‬
‫العز َِّة فِيهَ ا َق َد َم ُه ‪َ -‬وفِي ِر َوا َي ٍة‪َ :‬ع َل ْيهَ ا َق َد َم ُه ‪.-‬‬
‫َحتى ي َض َع ر ُّب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ول‪َ :‬ق ْط‪َ ،‬ق ْط» ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪.‬‬ ‫َف َي ْن َز ِوي َب ْع ُضهَ ا إِ َلى َب ْع ٍ‬
‫ض‪َ ،‬ف َت ُق ُ‬

‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ساق المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة ال َقدَ ِم لله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫بمعنى‬
‫ً‬ ‫وجاء يف الحديث‪« :‬ال َقدَ م»‪ ،‬وجاء‪ِّ :‬‬
‫«الر ْجل» ‪ ،‬وكالمها‬ ‫( ‪)1‬‬

‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عباس رضي اهلل عنهما عن الكرسي‪« :‬موضع َقدَ َم ِي‬ ‫وقال ابن‬
‫الرمحن» ‪ ،‬فالقدمان من صفات الله سبحانه وتعاىل الذاتية الخبرية‪ ،‬ومها‬ ‫( ‪)2‬‬

‫أن تقول‪ِ :‬رجالن‪.‬‬


‫ويصح ْ‬
‫ُّ‬ ‫قدمان‪،‬‬

‫ول َه ْل مِن م ِز ٍ‬
‫يد﴾‪،‬‬ ‫البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َت ُق ُ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ْ َ‬ ‫ُّ‬
‫رقم (‪ ،)4850‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬ف َأما الن ُار‪َ :‬ف َال َت ْمتَلِ ُئ‬
‫ض»‪.‬‬ ‫ول‪َ :‬ق ْط َق ْط َق ْط‪َ ،‬ف ُهنَال ِ َك َت ْمتَلِ ُئ َو ُي ْز َوى َب ْع ُض َها إِ َلى َب ْع ٍ‬
‫َحتى َي َض َع ِر ْج َل ُه َف َت ُق ُ‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراين يف الكبير‪ ،‬رقم (‪.)12404/39/12‬‬
‫‪45‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫(و َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬


‫«َل َت َز ُال َجهَ ن َُّم ُي ْل َقى‬ ‫قال رمحه اهلل‪َ :‬‬
‫فِيهَ ا) ‪ -‬والعياذ بالله ‪-‬؛ يعني‪ :‬أن أهل جهنم ال يدخلوهنا مكرمِين؛ وإنما‬
‫ِ‬
‫يها‬‫ُيل َق ْو َن فيها إلقا ًء ‪ -‬يؤخذون ف ُيل َق ْون ‪-‬؛ قال سبحانه‪﴿ :‬إِ َذا ُأ ْل ُقوا ف َ‬
‫ور﴾ [الملك‪َ ﴿ ،]٧:‬وإِ َذا ُأ ْل ُقوا مِن َْها َم َكان ًا َض ِّيق ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسم ُعوا َل َها َش ِهيق ًا َوه َي َت ُف ُ‬
‫يها َف ْو ٌج َس َأ َل ُه ْم َخ َز َنت َُها َأ َل ْم َي ْأتِ ُك ْم‬‫ِ ِ‬
‫ُم َقرني َن﴾ [الفرقان‪﴿ ،]13:‬كُل َما ُأ ْلق َي ف َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫مجاعات إليها؛ قال‬ ‫الجنة فإهنم ُي َسا ُقون وفد ًا‬ ‫ِ‬
‫نَذ ٌير﴾ [الملك‪ ،]8:‬أما أهل َ‬
‫سبحانه‪َ ﴿ :‬ي ْو َم ن َْح ُش ُر ا ْل ُمت ِقي َن إِ َلى الر ْح َم ِن َو ْفد ًا﴾ [مريم‪.]85:‬‬
‫يدل عىل وجود جهنم اليوم‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫قوله‪ََ ( :‬ل َت َز ُال َجهَ ن َُّم) هذا ُّ‬
‫يدل عىل أن من الناس من ُي َعذب اآلن يف جهنم ‪ -‬والعياذ‬ ‫( ُي ْل َقى فِيهَ ا) ُّ‬
‫«واط َل ْع ُت فِي الن ِ‬
‫ار َف َر َأ ْي ُت‬ ‫بِالله ‪-‬؛ كما قال الن ُّبي صىل اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫ِ‬

‫َأ ْك َث َر َأ ْهلِ َها الن َِّسا َء» ‪.‬‬


‫( ‪)1‬‬

‫الجنة والنار‪ ،‬رقم (‪ ،)6546‬من‬


‫الرقاق‪ ،‬باب صفة َ‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب ِّ‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫الجنة الفقراء‬
‫الرقاق‪ ،‬باب أكثر أهل َ‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب ِّ‬
‫ٌ‬ ‫حديث عمران رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عباس‬ ‫وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء‪ ،‬رقم (‪ ،)2٧3٧‬من حديث ابن‬
‫رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪46‬‬

‫يد؟) االستفهام هنا للطلب؛ يعني‪ :‬أعطوين‬ ‫ول‪َ :‬ه ْل ِم ْن م ِز ٍ‬ ‫(و َت ُق ُ‬


‫َ‬
‫َ‬
‫شيء؛ فالنار مجا ٌد وتتكلم‬ ‫ٍ‬ ‫يدل عىل قدرة الله عىل كل‬ ‫أيض ًا زيادة‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يد؟)‪.‬‬ ‫وتقول‪َ ( :‬ه ْل ِم ْن م ِز ٍ‬
‫َ‬
‫العز َِّة فِيهَ ا َق َد َم ُه) قوله‪( :‬فِيهَ ا)‪َ :‬فس َر ْت ُه‬
‫(حتى ي َض َع ر ُّب ِ‬
‫َ‬ ‫وقوله‪َ َّ َ :‬‬
‫الرواية الثانية التي ساقها المصنِّف رمحه اهلل بقوله‪َ ( :‬وفِي ِر َوا َي ٍة‪َ :‬ع َل ْيهَ ا‬
‫َق َد َم ُه) يعني أن (فِي) بمعنى‪ :‬عىل؛ كما قال سبحانه عن فرعون‪:‬‬
‫﴿ َو َألُ َص ِّل َبن ُك ْم فِي ُج ُذو ِع الن ْخ ِل﴾ [طه‪]٧1:‬؛ يعني‪ :‬عىل جذوع النخل‪،‬‬
‫العز َِّة فِيهَ ا) أي‪ :‬عليها‪َ ( ،‬ر ُّب) أي‪ :‬صاحب‪.‬‬
‫فهنا‪َ ( :‬حتى ي َض َع ر ُّب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫( َوفِي ِر َوا َي ٍة‪َ :‬ع َل ْيهَ ا َق َد َم ُه) ساق المصنِّف هذه الرواية؛ لئال َي َت َوهم‬
‫المستمع بأن َقدَ َم الله تدخل النار‪.‬‬
‫العزة‬ ‫العز َِّة فِيهَ ا َق َد َم ُه) هذا ُّ‬
‫يدل عىل إثبات صفة ِ‬ ‫( َحتى ي َض َع ر ُّب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ويدل عىل إثبات ال َقدَ ِم لله كما يليق بجالله وعظمته‪.‬‬ ‫لله‪ُّ ،‬‬
‫(وفِي ِر َوا َي ٍة‪َ :‬ع َل ْيهَ ا َق َد َم ُه ‪َ -‬ف َي ْن َز ِوي َب ْع ُضهَ ا إِ َلى َب ْع ٍ‬
‫ض) يعني‪:‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫دليل عىل قوة الله‬ ‫ٍ‬
‫بعض ‪ -‬والعياذ بالله ‪ ،-‬ويف هذا ٌ‬ ‫ينضم بعضها عىل‬
‫سبحانه؛ إ ْذ َبو ْضع القدم عليها ا ْن َز َوت‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ُّ‬
‫ويدل أيض ًا عىل كمال عدل الله سبحانه؛ إ ْذ مل يخلق أحد ًا إىل النار‬
‫الجنة الجنة يبقى فيها فضا ٌء فينشئ الله‬
‫ليمألها‪ ،‬فإن الجنة إذا َدخل أهل َ‬
‫عز وجل أقوام ًا َيخلقهم يوم القيامة مل َيعملوا خير ًا ُّ‬
‫قط ف ُيدخلهم الجنة‪،‬‬
‫أما النار فال ينشئ لها أحد ًا؛ لئال ُي َع ِّذب سبحانه وتعاىل أحد ًا مل يستحقها‪،‬‬
‫وهذا من كمال عدْ له‪.‬‬
‫امتألت؛ ألن الله عز وجل‬ ‫ُ‬ ‫ول َق ْط‪َ ،‬ق ْط) يعني‪ :‬يكفيني فقد‬ ‫( َف َت ُق ُ‬
‫ْت رحمتِي َأرحم بِ َك من َأ َشاء مِن ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫ادي»‪ ،‬ووعد‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َوعَدَ الجنة فقال‪َ « :‬أن َ ْ َ‬
‫ك من َأ َشاء مِن ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫النار وقال لها‪َ « :‬أن ِ‬
‫ادي»‪ ،‬ووعد‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫عذ ُب بِ َ ْ‬ ‫ْت َع َذابِي ُأ ِّ‬
‫احدَ ٍة مِنْ ُك َما مِ ْل ُؤ َها» ‪ ،‬فوعد‬
‫( ‪)1‬‬
‫االثنتين بقوله سبحانه وتعاىل‪« :‬ل ُك ِّل و ِ‬
‫َ‬
‫أن َيمأل الجنة‪ ،‬ووعد سبحانه ْ‬
‫أن َيمأل النار‪.‬‬ ‫سبحانه ْ‬

‫ول َه ْل مِن م ِز ٍ‬
‫يد﴾‪،‬‬ ‫البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َت ُق ُ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ْ َ‬ ‫ُّ‬
‫الجنة وصفة نعيمها وأهلها‪ ،‬باب النار يدخلها‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب َ‬
‫ٌ‬ ‫رقم (‪،)4850‬‬
‫والجنة يدخلها الضعفاء‪ ،‬رقم (‪ ،)2846‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫َ‬ ‫الجبارون‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪48‬‬

‫تزاحم أهل النار ‪ -‬والعياذ بالله ‪ -‬يف النار؛ ألنهم ُيل َقون‬
‫فيدل عىل ُ‬
‫ون إِ َلى ن ِ‬
‫َار َج َهن َم َدع ًا﴾ [الطور‪ُ :]13 :‬ي ْل َق ْون‬ ‫فيها؛ قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ي ْو َم ُيدَ ُّع َ‬
‫فيها إلقا ًء‪.‬‬
‫الجنة فال يزدمحون فيها؛ وإنما ألهلها ال ُق ُصور‪ ،‬واألهنار‪،‬‬
‫أما أهل َ‬
‫رف المجوفة‪ ،‬واألشجار التي يسير فيها الراكب تحت ظ ِّلها مئة عا ٍم‬
‫وال ُغ ُ‬
‫ما َيقطعها‪ ،‬ففيها فسح ٌة كبير ٌة ألهلها‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ويدل هذا أيض ًا عىل وجوب الفرار إىل الله عز وجل‪ ،‬والحذر من‬
‫وليهرب‬
‫ُ‬ ‫الوقوع يف السيئات؛ إ ْذ النار واسع ٌة‪ُّ ،‬‬
‫فكل من طغى فالنار َت َس ُعه‪،‬‬
‫اإلنسان إىل الله عز وجل بعمل الصالحات‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ي ُق ُ‬


‫ول ال َّل ُه‪َ :‬يا آ َد ُم‪.‬‬
‫س ْع َد ْي َك‪.‬‬ ‫ول‪َ :‬ل َّب ْي َك َو َ‬‫َف َي ُق ُ‬

‫ت‪ :‬إِ َّن ال َّل َه َي ْأ ُم ُر َك َأنْ ُت ْخرِ َج ِم ْن ُذ ِّر َّيتِ َك َب ْعث ًا إِ َلى‬ ‫ادي بِ َص ْو ٍ‬ ‫َفي َن ِ‬
‫ُ‬
‫َّار» ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫الن ِ‬

‫س ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُه‪َ ،‬ل ْي َس َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه‬ ‫إَل‬


‫َّ‬ ‫َو َق ْولِ ِه‪« :‬ما ِم ْن ُكم ِم ْن َأ َح ٍ‬
‫د‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب َو ََل ُت ْر ُج ََمنٌ »‪.‬‬ ‫َح ِ‬
‫اج ٌ‬
‫َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫ِّف رمحه اهلل هنا حديثين؛ إلثبات‪ :‬صفة الكالم لله عز‬
‫ساق المصن ُ‬
‫وجل عىل ما يليق بجالل الله وعظمته‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬و َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ي ُق ُ‬
‫ول ال َّل ُه‪َ :‬يا آ َد ُم‪.‬‬
‫س ْع َد ْي َك‪.‬‬ ‫َف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ل َّب ْي َك َو َ‬
‫ت‪ :‬إِ َّن ال َّل َه َي ْأ ُم ُر َك َأنْ ُت ْخرِ َج ِم ْن ُذ ِّر َّيتِ َك َب ْعث ًا إِ َلى الن ِ‬
‫َّار»‬ ‫ادي بِ َص ْو ٍ‬ ‫َفي َن ِ‬
‫ُ‬
‫ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه)‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬ي ُق ُ‬
‫ول ال َّل ُه) هذا فيه ٌ‬
‫دليل عىل أن الله يتكلم؛ ألن النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم وصف ربه بأنه ( َي ُق ُ‬
‫ول) أي‪ :‬يتكلم‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪50‬‬

‫( َيا آ َد َم) وهذا الكالم يوم القيامة؛ ُّ‬


‫فيدل عىل أن الله عز وجل تكلم‬
‫ويتكلم وسيتكلم سبحانه وتعاىل‪ ،‬متى شاء إذا شاء بما شاء‪ ،‬وهذا يف‬
‫المحشر‪.‬‬
‫نصوص أخرى كثيرة بأن الله يتكلم أيض ًا يف الدنيا‪ ،‬فهو‬ ‫ٌ‬ ‫وجاءت‬
‫يتكلم متى شاء‪ ،‬إذا شاء‪ ،‬بما شاء؛ قال سبحانه‪﴿ :‬كُل َي ْو ٍم ُه َو فِي َش ْأ ٍن﴾‬
‫ون﴾‬‫ول َل ُه ُك ْن َف َي ُك ُ‬ ‫[الرمحن‪﴿ ،]29 :‬إِن َما َق ْو ُلنَا ل ِ َش ْي ٍء إِ َذا َأ َر ْدنَا ُه َأ ْن َن ُق َ‬
‫[النحل‪.]40:‬‬
‫ٍ‬
‫وحرف؛‬ ‫ٍ‬
‫بصوت‬ ‫( َف َي ُق ُ‬
‫ول) آدم؛ هذا ُّ‬
‫يدل عىل أن كالم الله عز وجل‬
‫يب طلبك هذا‪ ،‬ولو‬ ‫ألن آدم سمعه فيجيب آدم فيقول‪َ ( :‬ل َّب ْي َك) أي‪ُ :‬أ ِج ُ‬
‫ٍ‬
‫إجابة‪.‬‬ ‫أج ْب ُتك؛ يعني‪ :‬إجاب ًة بعد‬
‫أمرتني مرة ثانية َ‬
‫ٍ‬
‫سعادة؛‬ ‫إجابتك سعاد ًة بعد‬ ‫س ْع َد ْي َك) يعني‪ :‬أنا سعيدٌ بتلبية‬
‫َ‬ ‫(و َ‬
‫َ‬
‫سعادة وأنا أمتثل أ ْم َرك يا رب‪.‬‬‫ٍ‬ ‫يعني‪ :‬ما أعظمها من‬

‫س ْع َد ْي َك)‪ :‬أي‪ :‬يا ِّ‬


‫رب! ساعدين عىل امتثال هذا األمر‬ ‫وقيل معنى ( َو َ‬
‫مساعدة‪ ،‬وكال المعنيين صحيحان‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مساعد ًة بعد‬
‫‪51‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫( َف ُي َنادي بِ َص ْوت) هذا ٌ‬
‫نوع من أنواع الكالم‪ ،‬وهو‪ :‬النِّداء‪ ،‬ويكون‬
‫مسموع‪ ،‬ويف‬
‫ٌ‬ ‫صوت‬
‫ٌ‬ ‫هذا للبعيد‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل عىل أن كالم الله عز وجل له‬
‫صريح عىل من نفى الكالم عن الله عز وجل‪ ،‬تعاىل الله َعن َذلك‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫هذا ر ٌّد‬
‫(إِ َّن ال َّل َه َي ْأ ُم ُر َك َأنْ ُت ْخرِ َج ِم ْن ُذ ِّر َّيتِ َك) أقوام ًا ( َب ْعث ًا إِ َلى النَّار) أي‪:‬‬
‫ُيبع ُثون إىل النار ُي ْل َق ْون فيها؛ فذلك قوله سبحانه‪َ ﴿ :‬ي ْوم ًا َي ْج َع ُل ا ْل ِو ْلدَ َ‬
‫ان‬
‫ِشيب ًا﴾ [المزمل‪.]1٧ :‬‬
‫ار؟‬‫وتتمة الحديث‪َ « :‬ق َال‪َ :‬يا َر ِّب! َو َما ب ْع ُث الن ِ‬
‫َ‬
‫ف‪ُ ،‬أ َرا ُه َق َال‪ :‬تِ ْس ُع مِ َئ ٍة َوتِ ْس َع ًة َوتِ ْسعي َن ‪ -‬من النار‬ ‫َق َال‪ :‬مِن كُل َأ ْل ٍ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫وواحدٌ يف الجنة ‪َ -‬فحينَئذ َت َض ُع ا ْل َحام ِل َح ْم َل َها‪َ ﴿ ،‬و َت َرى الن َ‬
‫اس ُس َك َارى‬
‫اب الل ِه َش ِديدٌ ﴾» ‪ ،‬فهنا َي ِشيب الشعر؛ حتى‬
‫( ‪)1‬‬
‫ِ‬
‫َو َما ُه ْم بِ ُس َك َارى َو َلكن َع َذ َ‬
‫الول ِيد الصغير ‪ -‬من َه ْول ذلك األمر؛ ألن الناجين من النار‬ ‫شعر الولد ‪َ -‬‬
‫ون» ‪.‬‬ ‫ئة تِ ْس َع ٌة َوتِ ْس ُع َ‬
‫(‪)2‬‬
‫لفظ‪« :‬مِن ك ُِّل مِ ٍ‬
‫ْ‬
‫قل ٌة جد ًا‪ ،‬ويف ٍ‬

‫اس ُس َك َارى﴾‪ ،‬رقم‬


‫اب ﴿ َو َت َرى الن َ‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪َ ،‬ب ُ‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫الخدري رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سعيد‬ ‫(‪ ،)4٧41‬من حديث أبي‬
‫ِّ‬
‫الرقاق‪ ،‬باب‪ :‬كيف الحشر‪ ،‬رقم (‪ ،)6529‬من حديث‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب ِّ‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪52‬‬

‫ٍ‬
‫خطر‪ ،‬وقد يكون ممن ُيب َعث إىل‬ ‫ويف هذا ُّ‬
‫يدل عىل أن اإلنسان يف‬
‫النار وال َيشعر؛ لكثرة المبعوثين إىل النار‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬إِ َّن ال َّل َه َي ْأ ُم ُر َك) هنا الصيغة من باب التعظيم‪ْ ،‬‬
‫وإن كان‬
‫المتك ِّلم هو الله‪ :‬فهو أبلغ من ْ‬
‫أن يقول‪« :‬إ ِّني آ ُمرك»‪ ،‬ومثل قول األمير‪:‬‬
‫«األمير يقول لك‪ :‬اخرج»؛ هذا أبلغ من ْ‬
‫أن يقول األمير‪« :‬أنا أقول لك‪:‬‬
‫اخرج»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ثم قال رمحه اهلل‪َ ( :‬و َق ْوله‪َ « :‬ما م ْن ُك ْم م ْن َأ َحد َّإَل َ‬
‫س ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُه‪َ ،‬ل ْي َس‬
‫َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه َح ِ‬
‫اج ٌب َو ََل ُت ْر ُج ََمنٌ »)‪.‬‬
‫(إَل‬
‫كافر‪َّ ،‬‬ ‫(و َق ْولِ ِه‪« :‬ما ِم ْن ُكم ِم ْن َأ َح ٍد) أي ٍ‬
‫مسلم أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أحد سواء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُه‪َ ،‬ل ْي َس َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه َح ِ‬
‫اج ٌب َو ََل ُت ْر ُج ََمنٌ ») يعني‪ :‬ليس بينه وبينه‬ ‫َ‬
‫ان»؛ أي‪ :‬ليس أحدٌ بينهما ي َتر ِجم كالم الله من ٍ‬
‫لغة‬ ‫ويصح « َت ْر َج َم ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وسيط‪،‬‬
‫ُ ْ‬ ‫ُّ‬
‫لغة‪ ،‬بل إن الله سبحانه وتعاىل ال تخفى عليه ال ُّلغات وال األصوات؛‬ ‫إىل ٍ‬

‫ألنه سبحانه وتعاىل هو الذي خلقها‪.‬‬


‫فعلت كذا وكذا‪ ،‬والعبد يجيب‪ ،‬وقد‬
‫َ‬ ‫فالله يك ِّلم العبد فيقول له‪:‬‬
‫ُينكِر العبد ف ُيختَم عىل لسانه‪ ،‬وتتكلم جوارحه‪ ،‬وحين تنطق الجوارح‬
‫قامت الحجة أشد عليه‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫مقرر األسبوع العاشر‬

‫يدل عىل قدرة الله وعظمته‪ ،‬فمع كثرة الخالئق؛ الله‬ ‫وهذا الحديث ُّ‬
‫ٍ‬
‫عز وجل يك ِّلم كل واحد‪ ،‬ومع كثرهتم الله قال سبحانه‪َ ﴿ :‬والل ُه َس ِر ُ‬
‫يع‬
‫اب﴾ [البقرة‪ ،]202 :‬فيك ِّلمهم ويحاسبهم‪ ،‬وحسابه سبحانه وتعاىل‬ ‫ا ْل ِ‬
‫ح َس ِ‬

‫سريع‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ب َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والرسول صىل اهلل عليه وسلم قال‪َ « :‬م ْن ُحوس َ‬
‫ب‬‫اس ُ‬‫ف ُي َح َ‬ ‫ُع ِّذ َب»‪ ،‬فقالت عائشة‪َ :‬أ َل ْي َس َقدْ َق َال الل ُه عز وجل‪َ ﴿ :‬ف َس ْو َ‬
‫اك ا ْل َع ْر ُض‪َ ،‬م ْن نُوقِ َش‬
‫حساب‪ ،‬إِنما َذ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ح َساب ًا َيسير ًا﴾؟ َف َق َال‪َ « :‬ل ْي َس َذاك ا ْل َ ُ َ‬
‫ِ‬

‫يدل عىل عظمة الله؛ فمع كثرة‬ ‫اب َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ُع ِّذ َب» ‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ‬
‫ا ْلح َس َ‬
‫الجنة‪ ،‬ومن‬
‫الجنة دخل َ‬
‫الخالئق يكلمهم ويحاسبهم‪ ،‬فمن كان من أهل َ‬
‫كان من أهل النار دخل النار‪.‬‬
‫ويف هذا الحديث إثبات صفة الكالم لله عز وجل‪ ،‬فالله تكلم‬
‫ويتكلم وسيتكلم يوم القيامة‪ ،‬فما مِنا من ٍ‬
‫أحد إال سيكلمه ربه‪ ،‬وكالمه‬
‫كيف شاء متى شاء وبما شاء‪ ،‬كال ٌم يليق بجالله وعظمته‪.‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب‪ :‬من نوقش الحساب عذب‪ ،‬رقم‬


‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫الجنة وصفة نعيمها وأهلها‪ ،‬باب إثبات الحساب‪ ،‬رقم‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب َ‬
‫ٌ‬ ‫(‪،)653٧‬‬
‫(‪ ،)28٧6‬من حديث عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫شرح العقيدة الواسطية‬ ‫‪54‬‬

‫وإذا َعلم العبد أن الله سيك ِّلمه؛ وجب عليه إنقاذ نفسه‪ ،‬والفرار‬

‫والنجاة هبا من َه ْول ذلك السؤال الذي سوف َي ْس َأله ربه َ‬


‫الح َكم ال َعدْ ل‬
‫الذي سوف يحاسبه عىل أفعاله‪ ،‬وليستيقظ العبد وليسارع إىل فعل‬
‫الحسنات‪ ،‬واالبتعاد عن السيئات؛ لئال ُتكتب عليه‪ ،‬واعلم أن الفرار من‬
‫الذنْب أ ْي َسر من طلب التوبة بعد الذنْب‪.‬‬
‫الحجة عىل البشر؛ ألن يوم القيامة َيشهد عىل‬ ‫وهذا فيه كمال إقامة ُ‬
‫الصحف؛ قال سبحانه‪﴿ :‬ا ْق َر ْأ كِت ََاب َك َك َفى بِنَ ْف ِس َك‬‫أعمال العباد ما يف ُّ‬
‫ا ْل َي ْو َم َع َل ْي َك َح ِسيب ًا﴾ [اإلسراء‪ ،]14 :‬و َيشهد عليه المالئكة‪ ،‬فإذا جحد ذلك‬
‫أن َتنطق فتنطق؛ كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬حتى إِ َذا‬ ‫يأمر الله عز وجل الجوارح ْ‬
‫ون‬‫وها َش ِهدَ َع َل ْي ِه ْم َس ْم ُع ُه ْم َو َأ ْب َص ُار ُه ْم َو ُج ُلو ُد ُه ْم بِ َما كَانُوا َي ْع َم ُل َ‬
‫َما َجا ُء َ‬
‫ود ِه ْم ل ِ َم َش ِهدْ ُت ْم َع َل ْينَا َقا ُلوا َأ ْن َط َقنَا الل ُه ال ِذي َأ ْن َط َق كُل َش ْي ٍء‬
‫* و َقا ُلوا لِج ُل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ون﴾ [فصلت‪ ،]21 - 20 :‬ثم الله عز وجل‬ ‫َو ُه َو َخ َل َق ُك ْم َأو َل َمر ٍة َوإِ َل ْي ِه ُت ْر َج ُع َ‬
‫يقرر العبد بذنوبه‪.‬‬
‫ِّ‬

You might also like