Professional Documents
Culture Documents
ِ
غير
صالح وال ُ
ٌ اْلول :يف الدنيا ال يراه أحدٌ أبد ًا؛ ال ٌّ
نبي وال القسم َّ
«وا ْع َل ُموا ٍ
مسلم َ :-
()1
ذلك؛ قال عليه الصالة والسالم -كما يف صحيح
َأن َأ َحد ًا مِنْ ُك ْم َل ْن َي َرى َرب ُه َحتى َي ُم َ
وت».
القسم الثان :رؤية الله عز وجل يف الدنيا يف المنام؛ وهذه ممكن ٌة ِ
كما ذكر ذلك شيخ اإلسالم رمحه اهلل يف عدة مواطن ،ومنه ُ
قول الن ِّبي ( )2
صىل اهلل عليه وسلم« :إني َرأ ْي ُت َر ِّبي فِي َأ ْح َس ِن ُص ْو َر ٍة» ؛ أي :رؤيا منا ٍم.
( )3
القسم الثالث :رؤية الله عز وجل يف اآلخرة ،وهذه تنقسم إىل ِ
قِسمين:
اْلول :يف أرض المحشر ،ويف أرض المحشر له حالين ِ
القسم َّ
اثنين:
( )1كتاب الفتن وأشراط الساعة ،باب ذكْر ابن صياد ،رقم ( ،)169من حديث
عمر بن ٍ
ثابت عن بعض أصحاب النبي صىل اهلل عليه وسلم.
( )2مجموع فتاوى شيخ اإلسالم (.)251/5( ،)390/3
( )3رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)22109من حديث معاذ بن جب ٍل رضي اهلل
عنه.
شرح العقيدة الواسطية 4
مسلم ،كتاب اإليمان ،باب إثبات رؤية المؤمنين يف اآلخرة رهبم سبحانه
ٌ ( )1رواه
ول الل ُه َت َب َار َك ٍ
صهيب رضي اهلل عنه ،ولفظهَ « :ي ُق ُ وتعاىل ،رقم ( ،)181من حديث
ون َش ْيئ ًا َأ ِزيدُ ك ُْم؟
َو َت َعا َلىُ :ت ِريدُ َ
وهنَا؟ َأ َل ْم ُتدْ ِخ ْلنَا ا ْل َجن َة َو ُتن َِّجنَا مِ ْن الن ِ
ار؟ ونَ :أ َل ْم ُت َب ِّي ْض ُو ُج َ
َف َي ُقو ُل َ
ابَ ،ف َما ُأ ْع ُطوا َش ْيئ ًا َأ َحب إِ َل ْي ِه ْم مِ ْن الن َظ ِر إِ َلى َر ِّب ِه ْم عز وجل، َق َالَ :في ْك ِش ُ ِ
ف ا ْلح َج َ َ
5 مقرر األسبوع العاشر
ٍ
أمور كلها عظيم ٌة وأعظمها هي الجنة ُيعطى أربعة
فمن دخل َ
الرؤية:
اْلولُ :ي َز ْح َزح عن النار.
اْلمر َّ
الجنة ،فالله يقولَ ﴿ :ف َم ْن ُز ْح ِز َح َع ِن الن ِ
ار واْلمر الثان :دخول َ
َو ُأ ْد ِخ َل ا ْل َجن َة َف َقدْ َف َاز﴾ [آل عمران.]185 :
واْلمر الثالث :يتقلبون يف رضوان الله ،قال عز وجلَ ﴿ :و ِر ْض َو ٌ
ان
مِ َن الل ِه َأ ْك َب ُر﴾ [التوبة.]٧2 :
واْلمر الرابع -وهو األعظم :-النظر لوجه الله العظيم ،فالله عز
وجل ال ُي ِري وجهه لعباده إال لمن رضي عنهم ،فمن تكرم وتفضل عليه
الجنة وأراه وجهه؛ فقد رضي عنه سبحانه وتعاىل،
الله عز وجل بدخوله َ
الجنة :لذة النظر إىل فال لذة أعظم من هذا النعيم العظيم ،فأرفع ٍ
نعيم يف َ
وجه الله الكريم سبحانه ،نسأل الله أن يرزقنا وإياكم النظر إىل وجهه
الكريم.
ول الل ِه صىل اهلل عليه وسلم﴿ :لِل ِذي َن َأ ْح َسنُوا ا ْل ُح ْسنَى َو ِز َيا َد ٌة﴾».
ُثم َت َال َر ُس ُ
شرح العقيدة الواسطية 6
الجنة ،واللبن ،والحور العين وغير ذلك ،فإذا كانت الحور العين
يف َ
مجيل ًة؛ فما ظنُّك بمن خلقها؟!
نور ،لذلك لما ُسئل النبي صىل اهلل عليه وسلم:
ووجهه سبحانه ٌ
ُور َأنى َأ َرا ُه» ،ففي الدنيا ال َيرى وجه الله أحدٌ ،
( )2
«ه ْل َر َأ ْي َت َرب َك؟ َق َال :ن ٌ
َ
وموسى عليه السالم لما أراد رؤية وجه الله يف الدنيا تجلى ربه للجبل
مسلم ،كتاب اإليمان ،باب تحريم الكبر وبيانه ،رقم ( ،)91من حديث
ٌ ( )1رواه
ٍ
مسعود رضي اهلل عنه. ابن
ُور َأنى َأ َرا ُه»َ ،وفِي
مسلم ،كتاب اإليمان ،باب يف قوله عليه السالم« :ن ٌ
ٌ ( )2رواه
ِِ
ذر رضي اهلل عنه.«ر َأ ْي ُت نُور ًا» ،رقم ( ،)1٧8من حديث أبي ٍّ
َق ْولهَ :
7 مقرر األسبوع العاشر
فجعله دك ًا وخر موسى َص ِعق ًا؛ لذلك قال الله يف إخباره عنهَ ﴿ :و َلما َجا َء
وسى ل ِ ِمي َقاتِنَا َوكَل َم ُه َر ُّب ُه َق َال َر ِّب َأ ِرنِي َأ ْن ُظ ْر إِ َل ْي َك َق َال َل ْن َت َرانِي﴾
ُم َ
[األعراف ،]143 :فقالَ ﴿ :ل ْن َت َرانِي﴾ يف الدنيا ،فلن يرى أحدٌ الرب سبحانه
يف الدنيا.
رأيت الرب؛ نقول :ال ،غير صحيحٍ ،حتى النبي ُ فلو قال شخص:
محمد صىل اهلل عليه وسلم ما رأى ربه يف الدنيا ،فلما ُسئِلَ :
«ه ْل َر َأ ْي َت
ِ
فُّورَ ،ل ْو ك ََش َف ُه -أيَ :ك َش َ ُور َأنى َأ َرا ُه» ،و «ح َج ُاب ُه الن ُ َرب َك؟ َق َال :ن ٌ
ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه مِ ْن َخ ْل ِق ِه» ،
( )1
الحجاب َ -ألَ ْح َر َق ْت ُس ُب َح ُ
فالنفوس تتشوف إىل وجه الله؛ لجماله.
الرب العظيم
اْلمر الثان :ألن النفوس المؤمنة تتشوف إىل رؤية هذا ِّ
الذي خ َلق هذا الكون ،والذي يسعى المؤمن يف حياته إىل تحقيق رضاه
ومعرفة صفاته؛ كما قال سبحانه عن أهل الجنة﴿ :إِنا كُنا مِ ْن َق ْب ُل
مسلم ،كتاب اإليمان ،باب يف قوله عليه السالم« :إِن الل ُه َال َينَا ُم» ،وفِي ٌ ( )1رواه
ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه مِ ْن
ُّور َل ْو ك ََش َف ُه َألَ ْح َر َق ُس ُب َح ُ ِ
قوله« :ح َج ُاب ُه الن ُ
ِ
َخ ْل ِق ِه» ،رقم ( ،)1٧9من حديث أبي موسى رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 8
نَدْ ُعو ُه﴾ [الطور ،]28 :فهم يتمن ْون أن الذي يعبدونه و ُي َص ُّلون له ْ
أن يروه
وهكذا.
سيمر مع هذا الطريق؛ لخرج
ُّ فلو قيل :إن الذي صنع القنبلة الذ ِّرية
بالرب
ِّ مجيع الناس ينظرون إليه يقولون :ما هذا الرجل العظيم؟ فما ظنُّك
الكبير المتعال العظيم سبحانه وتعاىل!
السنة يثبتون النظر إىل وجه الله الكريم حقيق ًة.
وأهل ُّ
فإذا قيل :لماذا ال يرى المؤمنون ربهم يف الدنيا؟
ُّورَ ،ل ْو ِ
الجواب :ألن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :ح َج ُاب ُه الن ُ
ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه مِ ْن َخ ْل ِق ِه» ،فلضعف
( )1
ك ََش َف ُه َألَ ْح َر َق ْت ُس ُب َح ُ
المخلوقات؛ لو كشف الله عز وجل الحجاب يف الدنيا الحترقوا من نور
ونور هو مِ ْن نور الله؛ كما قال سبحانه:
ٍ ٍ
ضياء الله ،فما يف الكون من
ض﴾ [النور ،]35 :أي :إن نور السموات ﴿الله نُور السماو ِ
ات َو ْاألَ ْر ِ َ َ ُ ُ
واألرض -من الشمس وغيرها -من نور الله فهي ُمنَو َر ٌة بنور الله ،ويف
( )1رواه النسائي ،كتاب السهو ،نوع آخر ،رقم ( ،)1305من حديث عمار بن
ياسر رضي اهلل عنهما.
11 مقرر األسبوع العاشر
( )1سبق تخريجه (ص) عند قوله (فسر الن ُّبي صلى اهلل عليه وسلم الزيادة :بِالنْ َظ ِر
جه اهللِ ال َك ِريم).
إىل و ِ
َ
13 مقرر األسبوع العاشر
ِّف؛ وإنما خامسة أيض ًا يف كتاب الله عز وجل مل َيذكرها المصن ُ ٌ ٌ
وآية
استنبطها الشافعي رمحه اهلل ،وهي قوله تعاىل﴿ :كَال إِن ُه ْم َع ْن َر ِّب ِه ْم َي ْو َمئِ ٍذ
ون﴾ [المطففين]15 :؛ أي :مِ ْن العذاب عىل الكفار أنهم ال َي َر ْون وب ََل َم ْح ُج ُ
ربهم الذي خلقهم ،وهذا من أشدِّ الحرمان.
ولهذا يجب عىل المسلِم أن ال َي َكل وال يمل من العمل الصالح؛
ألنه يسعى ويرجو النظر لوجه الله الكريم ،فيصبِر عىل المكاره ِ
والف َتن َ ْ
ب عينيه ِ
وعىل طلب العلم ،وعىل قيام الليل وتالوة القرآن ،ويجعل ُن ْص َ
السعي جاهد ًا برؤية وجه الكريم ،مع كثرة الدعاء بذلك أن الله ال يحرمه
لذة النظر إىل وجهه الكريم.
شرح العقيدة الواسطية 14
اب ال َّل ِه َكثِ ٌيرَ ،م ْن َت َدبَّ َر ال ُق ْرآنَ َطالِب ًا لِ ْلهُ َدى ِم ْن ُه؛
اب فِي كِ َت ِ
َو َه َذا ال َب ُ
َت َب َّي َن َل ُه َطرِ ُيق َ
الح ِّق.
َّ
الشرح:
اب) أي:لما اختتم المصنِّف رمحه اهلل آيات الصفات قالَ ( :و َه َذا ا ْل َب ُ
اب ال َّل ِه َت َعا َلى َكثِ ٌير) بل ال تكاد تخلو آية
باب األسماء والصفات( ،فِي كِ َت ِ
إال وفيها صف ٌة من صفات الله ،مثلَ ﴿ :تب ْت َيدَ ا َأبِي َل َه ٍ
ب َو َتب﴾ [المسد:
]1؛ هذه فيها صف ٌة من صفات الله وهي الكالم ،وأيض ًا ُأ ِخذ منها صفة
القوة ،وكذا الله َأ ْخ َبر فيها أن أبا ٍ
لهب قد َتب وهلك ،فال تخلو آية من
آيات الله من صفات الله عز وجل.
ومثالً :األسماء التي يف أواخر سورة الحشر مل َيذكرها المصنِّف،
ِ
وس الس َال ُم وهي قوله تعاىلُ ﴿ :ه َو الل ُه الذي َال إِ َل َه إِال ُه َو ا ْل َملِ ُك ا ْل ُقدُّ ُ
ُون﴾ ان الل ِه َعما ُي ْش ِرك َ ا ْل ُم ْؤمِ ُن ا ْل ُم َه ْي ِم ُن ا ْل َع ِز ُيز ا ْل َجب ُار ا ْل ُم َت َك ِّب ُر ُس ْب َح َ
[الحشر.]23 :
ومتى يتبين لإلنسان آيات الصفات فيها؟ قال :بأمرين:
اْلول :قالَ ( :م ْن َت َدبَّ َر ا ْل ُق ْرآنَ ) يعنيَ :عرف معانيه ،وما ُّ
يدل اْلمر َّ
عليه ،و َعمل به.
15 مقرر األسبوع العاشر
فإذا تحقق األمران -التالوة والتدبر مع صالح النية -؛ قالَ ( :ت َب َّي َن
َل ُه َطرِ ُيق ا ْل َح ِّق) يف الصفات وغيرها ،وقال يف موض ٍع آخر« :من فارق
الدليل ضل السبيل» ؛ يعني :ف َقد الطريق الصحيح ،فال يكون مهتدي ًا.
( )1
( )1مفتاح دار السعادة البن القيم ( ،)83/1المستدرك عىل مجموع فتاوى شيخ
اإلسالم (.)6/2
17 مقرر األسبوع العاشر
ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلمُ :ت َف ِّس ُر ال ُق ْرآنَ َ ،و ُت َب ِّي ُن ُهَ ،و َت ُد ُّل
ُثم سن َُّة َرس ِ
ُ َّ ُ
َع َل ْي ِهَ ،و ُت َع ِّب ُر َع ْن ُه.
الص َحاحِ ا َّلتِي َت َل َّق َ
اها اد ِ
يث ِّ ْل َح ِول بِ ِه َربَّ ُه ِ -م َن ا َ
س ُ
الر ُ
ف َّ َو َما َو َص َ
اإل َيَمنُ بِهَ ا َك َذلِ َك.
ب ِ الم ْعرِ َف ِة بِال َقب ِ
ول َ :-و َج َ ُ َأ ْه ُل َ
َّ
الشرح:
السنة ُيثبِتون ما
لما ذكر رمحه اهلل -يف مقدِّ مة الواسطية -أن أهل ُّ
ٍ
تحريف أثبت الله لن ْفسه وما َأثبته له رسوله صىل اهلل عليه وسلم من غير
ٍ
تكييف وال تمثيلٍ ،وينفون ما نفى الله عن ن ْفسه، وال تعطيلٍ ،ومن غير
وما نفاه عنه رسوله صىل اهلل عليه وسلم ،وذكر بعد ذلك اآليات يف
الصفات؛ شرع بعد ذلك يف ذكر أحاديث الصفات.
وحي ،وما سأذكره لكذكرت لك من اآليات فهي ٌ
ُ كأنه يقول :وما
وحي؛ فيجب عليك اإليمان هبما كالمها ،من الكِتاب
السنة هي أيض ًا ٌ
من ُّ
والسنة ،من آيات الله وصفاته وغيرمها.
ُّ
فالسنة ليست يف بِدْ ٍع من القول عن الكتابُّ ،
فالسنة دائر ٌة يف َف َلك ُّ
وحي من القرآن﴿ ،إِنا َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي َك ك ََما َأ ْو َح ْينَا إِ َلى ُنوحٍ
الكتاب ،فكالمها ٌ
وحي من القرآن ،وقال الله عز ٌ َوالنبِ ِّيي َن مِ ْن َب ْع ِد ِه﴾ [النساء]163 :؛ هذا
شرح العقيدة الواسطية 18
ِ
السنةَ ﴿ :و َما َينْط ُق َع ِن ا ْل َه َوى * إِ ْن ُه َو إِال َو ْح ٌي ُي َ
وحى﴾ وجل عن ُّ
[النجم.]4-3 :
النبي صىل اهلل عليه وسلم قوله سبحانه﴿ :لِل ِذي َن ُت َف ِّس ُر ال ُق ْرآنَ ) كما فسر ُّ
َأ ْح َسنُوا ا ْل ُح ْسنَى َو ِز َيا َد ٌة﴾ [يونس ،]26:ففسر الزيادة بالنظر إىل وجه الله
الكريم .
()1
( )1سبق تخريجه (ص) عند قوله (فسر الن ُّبي صلى اهلل عليه وسلم الزيادة :بِالنْ َظ ِر
جه اهللِ ال َك ِريم).
إىل و ِ
َ
19 مقرر األسبوع العاشر
يف صحيح مسلم والبخاري الذي ذكره المصنِّف ،فالقرآن بين أن الله ( )1
ٍ
وأخبار ٍ
جديدة (و ُت َع ِّب ُر َع ْن ُه) أي :تأيت بأحكا ٍم
والمنزلة الرابعة :قالَ :
ٍ
جديدة مل ُتذكر يف القرآن ،فأصل التعبير :هو النيابة عن الشيءُّ ،
والسنة
ٍ
السنة أن َيدخل المسجد برجله وحي تأيت بأحكا ٍم جديدة ،مثلُّ :
ٌ هنا
ٍ
جديدة؛ مثل :النبي عليه ٍ
وبأخبار اليمنى ،ومثل النوم عىل جنبه األيمن ،
( )1
السنة من الكتاب ُ ( -ت َف ِّس ُر ال ُق ْرآنَ َ ،و ُت َب ِّي ُن ُهَ ،و َت ُد ُّل
فلما بين لك منزلة ُّ
ِ
َع َل ْيهَ ،و ُت َع ِّب ُر َع ْن ُه) -؛ أيقنْ َت بذلك أن ُّ
السنة قرين ٌة للكتاب.
حتج بأحاديث
السنة :-أنه ال ُي ُّ
واْلمر الثان -مما ذكره يف مقدِّ مة ُّ
الحسن -كما هو
الصفات إال باألحاديث الصحيحة فقط ،والحديث َ
معلو ٌم َ -ق ِسيم الحديث الصحيح؛ أي :أن األحاديث الصحيحة
والحسنة تؤخذ يف الصفات ،أما الضعيفة فال.
َ
اد ِ
يث) يعني: ْل َح ِ
ول بِ ِه َربَّ ُه ِم َن ا َ
س ُ (و َما َو َص َ
الر ُ
ف َّ لذا قال رمحه اهللَ :
السنة التي فيها ذكْر صفات الله عز وجلُ ،يشترط يف األخذ بتلك
أن ُّ
األحاديث شرطان:
(الص َحاحِ ) فنأخذ الصفات من
اْلول :أشار إليه بقولهِّ :
الشرط َّ
األحاديث الصحيحة ،أما األحاديث التي مل تصح فال يؤخذ هبا يف
الصفات.
اها َأ ْه ُل ا ْل َم ْعرِ َف ِة بِا ْل َقب ِ
ول) والشرط الثان :أشار إليه بقوله( :ا َّلتِي َت َل َّق َ
ُ
أي :ال يكون فيه عل ٌة قادح ٌة قد تخفى عىل بعض الناس -أي :يف السند
.-
23 مقرر األسبوع العاشر
والصفة الثانية :صفة النزول لله عز وجل كما يليق بجالله وعظمته.
وهي من الصفات الفعلية؛ أي :أنه يفعل هذا النُّزول إذا شاءهُّ ،
وكل
فع ٍل لله سبحانه وتعاىل متع ِّل ٌق بمشيئته :فهو صف ٌة فعلي ٌة.
25 مقرر األسبوع العاشر
لهم» .
()3
السنة: ٍ
وهل يخلو منه العرش أو ال يخلو؟ ثالثة أقوال ألهل ُّ
اْلول :أن العرش يخلو منه .
( )4
القول َّ
( )1كتاب الحج ،باب يف فضل الحج والعمرة ،ويوم عرفة ،رقم ( ،)1348من
حديث عائشة رضي اهلل عنها.
( )2هو :أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري المالكي،
ُولد سنة (368هـ) ،وتويف سنة (463هـ) .ترتيب المدارك لليحصبي (،)12٧/8
شجرة النور الزكية البن سامل مخلوف (.)1٧6/1
( )3التمهيد البن عبد البر (.)120/1
( )4وممن قال هبذا القول ابن منده رمحه اهلل .مجموع فتاوى شيخ اإلسالم
(.)380/5
شرح العقيدة الواسطية 26
والنبي صىل اهلل عليه وسلم أخبرنا بذلك ،ونحن نؤمن به إيمان ًا
جازم ًا ال مِ ْر َية فيه ،مثل النبي صىل اهلل عليه وسلم أخبرنا بأن الله قِ َب َل َو ْج ِه
مصل ،وأخبر النبي ٍّ ا ْل ُم َص ِّلي ،وكم ُم َص ٍّل يص ِّلي ،فالله قبل وجه كل ()1
صىل اهلل عليه وسلم أنه «إِ َذا َق َال ا ْل َع ْبدُ ﴿ :ا ْل َح ْمدُ لِل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾َ ،ق َال
واحدة يف الصالة: ٍ ٍ
لحظة الل ُه َت َعا َلىَ :ح ِمدَ نِي َع ْب ِدي» ،فكم من قائ ٍل يف
( )2
الحمد لله ،فنحن نؤمن بأن الله يقول لكل مص ِّلي :محدين عبدي وهكذا.
الس ََم ِء ُّ
الد ْن َيا) ُّ
يدل عىل أن النزول هنا ليس هو نزول رمحته؛ (إِ َلى َّ
ألن الرمحة َتنزل يف الثلث األخير ويف غير الثلث األخير.
وال يجوز ْ
أن نقول :إن المراد بالنُّزول هنا نزول أمره؛ ألن أمر الله
كل حين ،وليس يف السماء الدنيا؛ كما قال سبحانه: عز وجل َينزل يف ِّ
ض ُثم َي ْع ُر ُج إِ َل ْي ِه﴾ [السجدة.]5 : ﴿يدَ بر ْاألَمر مِن السم ِ
اء إِ َلى ْاألَ ْر ِ َ ُ ِّ ُ ْ َ َ
اآلخرِ) الليل يبدأ باال ِّتفاق من غروب ين يب َقى ُث ُل ُث ال َّلي ِل ِ ِ
ْ (ح َ َ ْ
الشمس ،وينتهي شرع ًا بطلوع الفجر ،و َف َلكِي ًا ينتهي بطلوع الشمس.
أن تعرف متى ثلث الليل ،فنقول :هذا يختلف بين أردت ْ
َ وإذا
أردت
َ وبلد من حيث طول الليل وقِ َص ُره ،وإذا
بلد ٍالشتاء والصيف ،وبين ٍ
ْ
أن تعلم ذلك فانظر متى تغرب الشمس ومتى تطلع الشمس ،ثم اقسمها
ٍ
ثالثة. عىل
فمثالً :تغرب الشمس الساعة السادسة ،وتطلع الشمس الساعة
السادسة صباح ًا؛ هذه اثنتا عشرة ساع ًة ،تقسمها عىل ثالثة؛ هذا ثلث
الليل األول أربع ساعات؛ يعني :الساعة العاشرة ينتهي ثلث الليل
األول ،والثلث الثاين أربع ساعات أيض ًا -اثنا عشر تقسيم ثالثة يساوي
أربعة -؛ يعني :الساعة الثانية ينتهي الثلث الثاين ،ثم بعد ذلك بعد الساعة
الثانية يبدأ الثلث اآلخر من الليل.
29 مقرر األسبوع العاشر
( َم ْن َي ْس َأ ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه؟) هذا فيه إثبات صفة ال َك َرم لله عز وجل؛ إ ْذ
َي ْع ِر ُض ُّ
الرب عز وجل مكارمه عىل عباده.
اس َأ ُلوا
كثير ،والله قالَ ﴿ :و ْ يدل عىل أن فضل الله عز وجل ٌ وهذا ُّ
حميدُ ﴾ [الحج:
الله مِن َف ْضلِ ِه﴾ [النساء ،]32 :وقال﴿ :وإِن الله َلهو ا ْل َغنِي ا ْل ِ
ُّ َ َ َُ َ َ ْ
يد﴾ [البروج ،]8 :وقالَ ﴿ :فإِن َر ِّبي ،]64وقال عن نفسه﴿ :ا ْلع ِز ِيز ا ْلح ِم ِ
َ َ
ِ
يم﴾ [النمل]40 :؛ إنه كثير ال َب ْذل سبحانه. َغن ٌّي ك َِر ٌ
ثم َأ ْض َيق منه فقالَ ( :م ْن َي ْس َت ْغ ِف ُرنِي َف َأ ْغ ِف َر َل ُه؟) هذا فيه إثبات صفة
المغفرة لله عز وجل.
لذلك من األعمال الفاضلة يف آخر الليل كثرة االستغفار.
الجنة فقال:
والله عز وجل ذكر أن االستغفار من أوصاف أهل َ
﴿ َوا ْل ُم ْس َت ْغ ِف ِري َن بِ ْاألَ ْس َح ِ
ار﴾ [آل عمران ،]1٧ :ف َيشفع للشخص ْ
أن إذا قام
الليل ْ
أن يختم قيام الليل باالستغفار حتى يطلع الفجر؛ فهذه من أعمال
الجنة. رجى هبا ْ
أن يدخلوا َ الجنة التي ُي َ
أهل َ
وإضاف ًة إىل ذلك :قيام الليل من مك ِّفرات الذنوب؛ كما قال النبي
شرح العقيدة الواسطية 32
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)22068من حديث معاذ بن جبل رضي اهلل
عنه.
والسنة فيها ،باب ما جاء يف قيام الليل،
( )2رواه ابن ماجه ،كتاب إقامة الصالةُّ ،
رقم (.)1334
33 مقرر األسبوع العاشر
َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلمَ « :ل َّل ُه َأ َش ُّد َف َرح ًا بِ َت ْو َب ِة َع ْب ِد ِهِ ،م ْن َأ َح ِد ُك ْم
يث ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه.
الح ِد َ
اح َلتِ ِهَ »...
بِر ِ
َ
َّ
الشرح:
الفرح لله عز
ذكر المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة َ
وجل ،والفرح معلو ٌم ،والله عز وجل يفرح َف َرح ًا يليق بجالله وعظمته.
فقولهَ ( :ل َّل ُه َأ َش ُّد َف َرح ًا) فيه إثبات الفرح لله ،بل أشد َف َرحٍ ُي َ
عرف،
ٍ
نقص يف العقل وفرحه سبحانه ليس كفرح المخلوقين مما َي ْع َت ِر ِيهم من
وخف ٍة يف الحركة أثناء ذلك ونحو ذلك ،وإنما ُيث َبت له جل وعال كما يليق
ِ
بجالله وعظمته.
وال يجوز ْ
أن ُي َؤول هذا الفرح بغيره ،كالثواب مثالً وغير ذلك من
التأويالت الباطلة.
اح َلتِ ِه) و َف َر ُح ُه سبحانه بتوبة عبده
قال( :بِ َت ْوب ِة َعب ِد ِهِ ،م ْن َأ َح ِد ُكم بِر ِ
ْ َ َ ْ
وتفض ٍل وإنعا ٍم ،ومحبته جلُّ ٍ
إحسان حاجة؛ وإنما فرح ٍ التائب ليس َف َرح
غني عن عبادة العابدين وتوبة التائبين ،قال وعال للطاعة ،فهو سبحانه ٌّ
اد ِه ا ْل ُك ْف َر َوإِ ْن
جل وعال﴿ :إِ ْن َت ْك ُفروا َفإِن الله َغنِي َعنْ ُكم و َال ير َضى ل ِ ِعب ِ
َ ْ َ َْ َ ٌّ ُ
اس َأ ْنت ُُم ا ْل ُف َق َرا ُء إِ َلى
َت ْش ُك ُروا َي ْر َض ُه َل ُك ْم﴾ [الزمر ،]٧ :وقالَ ﴿ :يا َأ ُّي َها الن ُ
شرح العقيدة الواسطية 34
الل ِه َوالل ُه ُه َو ا ْل َغن ِ ُّي ا ْل َح ِميدُ ﴾ [فاطر ،]15 :فالعباد محتاجون لرهبم ،والله
غني عن عبادة العباد ،وغني أيض ًا سبحانه عن توبة التائب من
عز وجل ٌّ
ٍ
إحسان وإنعا ٍم. تكر ٌم من الله عز وجل وفرح
الذنوب؛ وإنما هذا ُّ
مسلم رمحه اهلل يف الحديث ذلك الر ُجل عىل صفتين: ٌ وذكر اإلمام
ْلولىَ « :لل ُه َأ َشدُّ َف َرح ًا بِت َْو َب ِة َع ْب ِد ِه ا ْل ُم ْؤمِ ِن مِ ْن َر ُج ٍل فِي الصفة ا ُ
ِ ٍ ِ ٍ َأ ْر ٍ
ض َد ِّوية َم ْهل َكةَ ،م َع ُه َراح َل ُت ُه َع َل ْي َها َط َعا ُم ُه َو َش َر ُاب ُهَ ،فنَا َم َف ْ
اس َت ْي َق َظ َو َقدْ
َذ َه َب ْت َف َط َل َب َها َحتى َأ ْد َر َك ُه ا ْل َع َط ُشُ ،ثم َق َالَ :أ ْر ِج ُع إِ َلى َم َكانِ َي ال ِذي ُكن ُْت
اس َت ْي َق َظ َو ِعنْدَ ُه
وتَ ،ف ْ اع ِد ِه ل ِ َي ُم َ
وتَ ،فو َضع ر ْأسه َع َلى س ِ
َ فيه َف َأنَا ُم َحتى َأ ُم َ َ َ َ َ ُ
ِ ِ
اح َل ُت ُه َو َع َل ْي َها َزا ُد ُه َو َط َعا ُم ُه َو َش َر ُاب ُهَ ،فالل ُه َأ َشدُّ َف َرح ًا بِت َْو َب ِة ا ْل َع ْب ِد ا ْل ُم ْؤمِ ِن
ر ِ
َ
اد ِه» ،فالله عز وجل أشدُّ فرح ًا من ذلك الرجل الذي ( )1
اح َلتِ ِه و َز ِ
َ
مِن َه َذا بِر ِ
َ ْ
َف ِر َح بوجود راحلته التي عليها متاعه ،من طعامه وشرابه.
ُوب إِ َل ْي ِه مِ ْن ِ ِ ِ ِ
والصفة الثانيةَ « :لل ُه َأ َشدُّ َف َرح ًا بِت َْو َبة َع ْبده حي َن َيت ُ
ض َف َال ٍةَ ،فا ْن َف َلت َْت مِنْ ُهَ ،و َع َل ْي َها َط َعا ُم ُه
اح َلتِ ِه بِ َأ ْر ِ
َان َع َلى ر ِ
َ َأ َح ِدك ُْم ك َ
مسلم ،كتاب التوبة ،باب يف الحض عىل التوبة والفرح هبا ،رقم
ٌ ( )1رواه
ٍ
مسعود رضي اهلل عنه. ( ،)2٧44من حديث ابن
35 مقرر األسبوع العاشر
مسلم ،كتاب التوبة ،باب يف الحض عىل التوبة والفرح هبا ،رقم
ٌ ( )1رواه
( ،)2٧4٧من حديث ٍ
أنس رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 36
َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلمَ « :ي ْض َح ُك ال َّل ُه إِ َلى َر ُج َل ْي ِن َي ْق ُت ُل َأ َح ُد ُه ََم
الجن ََّة» ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه.
اآلخ َر ،كِ ََل ُه ََم َي ْد ُخ ُل َ
َ
َّ
الشرح:
ساق المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة الضحك لله
عز وجل عىل ما يليق بجالله وعظمته َض ِ
حك ًا حقيقي ًا ،ال كضحك
المخلوقين.
وجاء أيض ًا حديث آخر يف إثبات صفة الضحك ،يف األنصاري
الذي استضاف ضيف ًا فأطفأ المصباح ليأكل الضيف ،و َتظاهر هو وامرأته
باألكل معه ،فقال النبي صىل اهلل عليه وسلمَ « :ض ِ
ح َك الل ُه الل ْي َل َةَ ،أ ْو ُّ
البخاري .
ُّ ب مِ ْن َف َعال ِ ُك َما» رواه
( )1
َع ِ
ج َ
(و َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلمَ :ي ْض َح ُك ال َّل ُه) فيه إثبات قال رمحه اهللَ :
حك لله سبحانه وتعاىل ،وهي من الصفات الفعلية ،ف َيضحك صفة الض ِ
وكل ٍ
صفة متع ِّلق ٌة بالمشيئة :فهي صف ٌة فعلي ٌة. إذا شاءُّ ،
ون َع َلى َأ ْن ُف ِس ِه ْم َو َل ْو ك َ
َان بِ ِه ْم اب ﴿ َو ُي ْؤثِ ُر َ
( )1كتاب مناقب األنصارَ ،ب ُ
اص ٌة﴾ ،رقم ( ،)3٧98من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
َخ َص َ
37 مقرر األسبوع العاشر
وحشي ف َق َتل ُم َس ْيلِ َمة الكذاب ،ثم مات رضي اهلل عنه عىل اإلسالم،
ٌّ أسلم
واسع.
ٌ وفضل الله
الجنةْ ،
ووحشي كالمها يف َ
ٌّ فحمزة
فالله عز وجل يضحك للرجلين يقتل أحدمها اآلخر ،ثم يتوب الله
الجنة.
عىل اآلخر ف ُيقتل؛ فكالمها يدخل َ
ح َك الله منه؛ قال الن ُّبي وجاء أيض ًا يف صحيح البخاري نوع َض ِ
ٌ ( )1
العب ِ
اد َو َي ْب َقى َر ُج ٌل َب ْي َن ِ ِ ِ
صىل اهلل عليه وسلمُ « :ثم َي ْف ُر ُغ الل ُه م َن ال َق َضاء َب ْي َن َ
ار،الجن َة ُ -م ْقبِ ٌل بِ َو ْج ِه ِه قِ َب َل الن ِ آخ ُر َأ ْه ِل الن ِ
ار ُد ُخو ً
ال َ
ار -و ُهو ِ ِ
الجنة َوالن ِ َ َ
َ
يح َها َو َأ ْح َر َقنِي ِ
ار؛ َقدْ َق َش َبني ِر ُ ف َو ْج ِهي َع ِن الن ِ اص ِر ْ
ولَ :يا َر ِّب! ْ َف َي ُق ُ
ول:ولَ :ه ْل َع َس ْي َت إِ ْن ُف ِع َل َذل ِ َك بِ َك َأ ْن َت ْس َأ َل َغ ْي َر َذل ِ َك؟ َف َي ُق ُ
َاؤ َهاَ ،ف َي ُق ُ
َذك ُ
ف الل ُه َو ْج َه ُه َع ِن اقَ ،ف َي ْص ِر ُ َال َو ِعزتِ َكَ ،ف ُي ْعطِي الل َه ما َي َشاء مِ ْن َع ْه ٍد َومِي َث ٍ
ُ َ
الن ِ
ار.
الجن ِة َر َأى َب ْه َجت ََها َس َك َت َما َشا َء الل ُه َأ ْن َي ْس ُك َت، ِ
َفإِ َذا َأ ْق َب َل بِه َع َلى َ
الجن ِةَ ،ف َي ُق ُ
ول الل ُه َل ُهَ :أ َل ْي َس َقدْ َأ ْع َط ْي َت اب َ ُثم َق َالَ :يا َر ِّب! َقدِّ ْمنِي ِعنْدَ َب ِ
ولَ :يا َر ِّب! َال اق َأ ْن َال َت ْس َأ َل َغ ْي َر ال ِذي ُكن َْت َس َأ ْل َت؟ َف َي ُق ُ العهود و ِ
المي َث َ ُُ َ َ
يت َذل ِ َك َأ ْن َال َت ْس َأ َل ولَ :ف َما َع َس ْي َت إِ ْن ُأ ْعطِ َُون َأ ْش َقى َخ ْل ِق َكَ ،ف َي ُق ُ
َأك ُ
ولَ :ال َو ِعزتِ َكَ ،ال َأ ْس َأ ُل َغ ْي َر َذل ِ َكَ ،ف ُي ْعطِي َرب ُه َما َشا َء مِ ْن َع ْه ٍدَغ ْي َر ُه؟ َف َي ُق ُ
اق. َومِي َث ٍ
اد ِه َو ُق ْر ِ
ب وط ِعب ِ
َ
ج َب رب َنا ِم ْن ُق ُن ِ َو َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلمَ :
«ع ِ َ ُّ
ِغ َيرِ ِه.
ين َقنِطِ َ
ينَ ،ف َي َظ ُّل َي ْض َح ُك؛ َي ْع َل ُم َأ َّن َف َر َج ُك ْم َقرِ ٌ
يب» َي ْن ُظ ُر إِ َل ْي ُك ْم َأ ِزلِ َ
َح ِد ٌ
يث َح َس ٌن.
َّ
الشرح:
ساق المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة ال َع َجب لله
ٍ
وصفات أخرى.
ج َب َر ُّب َنا) فيه إثبات صفة (و َق ْولِ ِه صلى اهلل عليه وسلمَ :
«ع ِ قالَ :
ب.
ب؛ وإنما هنا ال َع َج ُ
ال َع َجب لله كما يليق بجالله وعظمته ،وليس ال ُع ْج ُ
والسنة:
وقد جاء إثبات صفة ال َع َجب يف الكتاب ُّ
41 مقرر األسبوع العاشر
( )1هو :أبو عمارة محزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل اإلمام ،الكويف ،ولد
سنة (80هـ) ،وتويف سنة (156هـ) .معرفة القراء الكبار عىل الطبقات واألعصار
للذهبي (ص .)111
( )2هو :أبو الحسن عيل بن محزة الكسائي اإلمام األسدي ،ولد سنة (120هـ)،
وتويف سنة (189هـ) .معرفة القراء الكبار عىل الطبقات واألعصار للذهبي (ص
.)120
( )3هو :أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب ،وقيل ابن طالب بن غراب،
البغدادي المقرئ البزار ،ولد سنة (150هـ) ،وتويف سنة (229هـ) .معرفة القراء
الكبار عىل الطبقات واألعصار للذهبي (ص .)208
( )4يف المسند ،رقم ( ،)8013من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 42
حالهم.
الرجل
ين) ُ (أ ِزلِ َ
( َي ْن ُظ ُر إ َل ْي ُك ْم) فيه إثبات صفة النظر لله عز وجلَ ،
األزل أي :الضعيف؛ يعنيَ :ينظر إليهم وهم ضعفاء محتاجونَ ( ،قنِطِ َ
ين) ِ
وال َي ْقنَط؛ فإن ال ُقنُوط كما قال سبحانه﴿ :إِن ُه َال َي ْي َأ ُس مِ ْن َر ْوحِ الل ِه إِال
ون﴾ [يوسف ،]8٧ :وقال إبراهيم عليه السالمَ ﴿ :و َم ْن َي ْقن َُط ا ْل َق ْو ُم ا ْل َكافِ ُر َ
43 مقرر األسبوع العاشر
َّ
الشرح:
ساق المصنِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ إلثبات صفة ال َقدَ ِم لله عز
وجل.
بمعنى
ً وجاء يف الحديث« :ال َقدَ م» ،وجاءِّ :
«الر ْجل» ،وكالمها ( )1
ٍ
واحد.
ٍ
عباس رضي اهلل عنهما عن الكرسي« :موضع َقدَ َم ِي وقال ابن
الرمحن» ،فالقدمان من صفات الله سبحانه وتعاىل الذاتية الخبرية ،ومها ( )2
ول َه ْل مِن م ِز ٍ
يد﴾، البخاري ،كتاب تفسير القرآن ،باب قوله تعاىلَ ﴿ :و َت ُق ُ ( )1رواه
ْ َ ُّ
رقم ( ،)4850من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه ،ولفظهَ « :ف َأما الن ُارَ :ف َال َت ْمتَلِ ُئ
ض». ولَ :ق ْط َق ْط َق ْطَ ،ف ُهنَال ِ َك َت ْمتَلِ ُئ َو ُي ْز َوى َب ْع ُض َها إِ َلى َب ْع ٍ
َحتى َي َض َع ِر ْج َل ُه َف َت ُق ُ
( )2رواه الطبراين يف الكبير ،رقم (.)12404/39/12
45 مقرر األسبوع العاشر
ُّ
ويدل أيض ًا عىل كمال عدل الله سبحانه؛ إ ْذ مل يخلق أحد ًا إىل النار
الجنة الجنة يبقى فيها فضا ٌء فينشئ الله
ليمألها ،فإن الجنة إذا َدخل أهل َ
عز وجل أقوام ًا َيخلقهم يوم القيامة مل َيعملوا خير ًا ُّ
قط ف ُيدخلهم الجنة،
أما النار فال ينشئ لها أحد ًا؛ لئال ُي َع ِّذب سبحانه وتعاىل أحد ًا مل يستحقها،
وهذا من كمال عدْ له.
امتألت؛ ألن الله عز وجل ُ ول َق ْطَ ،ق ْط) يعني :يكفيني فقد ( َف َت ُق ُ
ْت رحمتِي َأرحم بِ َك من َأ َشاء مِن ِعب ِ ِ
ادي» ،ووعد ُ ْ َ َ ْ ْ َ ُ َوعَدَ الجنة فقالَ « :أن َ ْ َ
ك من َأ َشاء مِن ِعب ِ ِ النار وقال لهاَ « :أن ِ
ادي» ،ووعد ُ ْ َ عذ ُب بِ َ ْ ْت َع َذابِي ُأ ِّ
احدَ ٍة مِنْ ُك َما مِ ْل ُؤ َها» ،فوعد
( )1
االثنتين بقوله سبحانه وتعاىل« :ل ُك ِّل و ِ
َ
أن َيمأل الجنة ،ووعد سبحانه ْ
أن َيمأل النار. سبحانه ْ
ول َه ْل مِن م ِز ٍ
يد﴾، البخاري ،كتاب تفسير القرآن ،باب قوله تعاىلَ ﴿ :و َت ُق ُ ( )1رواه
ْ َ ُّ
الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،باب النار يدخلها
ومسلم ،كتاب َ
ٌ رقم (،)4850
والجنة يدخلها الضعفاء ،رقم ( ،)2846من حديث أبي هريرة رضي
َ الجبارون
اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 48
تزاحم أهل النار -والعياذ بالله -يف النار؛ ألنهم ُيل َقون
فيدل عىل ُ
ون إِ َلى ن ِ
َار َج َهن َم َدع ًا﴾ [الطورُ :]13 :ي ْل َق ْون فيها؛ قال سبحانهَ ﴿ :ي ْو َم ُيدَ ُّع َ
فيها إلقا ًء.
الجنة فال يزدمحون فيها؛ وإنما ألهلها ال ُق ُصور ،واألهنار،
أما أهل َ
رف المجوفة ،واألشجار التي يسير فيها الراكب تحت ظ ِّلها مئة عا ٍم
وال ُغ ُ
ما َيقطعها ،ففيها فسح ٌة كبير ٌة ألهلها.
ُّ
ويدل هذا أيض ًا عىل وجوب الفرار إىل الله عز وجل ،والحذر من
وليهرب
ُ الوقوع يف السيئات؛ إ ْذ النار واسع ٌةُّ ،
فكل من طغى فالنار َت َس ُعه،
اإلنسان إىل الله عز وجل بعمل الصالحات.
49 مقرر األسبوع العاشر
ت :إِ َّن ال َّل َه َي ْأ ُم ُر َك َأنْ ُت ْخرِ َج ِم ْن ُذ ِّر َّيتِ َك َب ْعث ًا إِ َلى ادي بِ َص ْو ٍ َفي َن ِ
ُ
َّار» ُم َّت َف ٌق َع َل ْي ِه.
الن ِ
ٍ ِ
( َف ُي َنادي بِ َص ْوت) هذا ٌ
نوع من أنواع الكالم ،وهو :النِّداء ،ويكون
مسموع ،ويف
ٌ صوت
ٌ هذا للبعيد ،وهذا ُّ
يدل عىل أن كالم الله عز وجل له
صريح عىل من نفى الكالم عن الله عز وجل ،تعاىل الله َعن َذلك. ٌ هذا ر ٌّد
(إِ َّن ال َّل َه َي ْأ ُم ُر َك َأنْ ُت ْخرِ َج ِم ْن ُذ ِّر َّيتِ َك) أقوام ًا ( َب ْعث ًا إِ َلى النَّار) أي:
ُيبع ُثون إىل النار ُي ْل َق ْون فيها؛ فذلك قوله سبحانهَ ﴿ :ي ْوم ًا َي ْج َع ُل ا ْل ِو ْلدَ َ
ان
ِشيب ًا﴾ [المزمل.]1٧ :
ار؟وتتمة الحديثَ « :ق َالَ :يا َر ِّب! َو َما ب ْع ُث الن ِ
َ
فُ ،أ َرا ُه َق َال :تِ ْس ُع مِ َئ ٍة َوتِ ْس َع ًة َوتِ ْسعي َن -من النار َق َال :مِن كُل َأ ْل ٍ
ْ
ِ ِ ٍِ
وواحدٌ يف الجنة َ -فحينَئذ َت َض ُع ا ْل َحام ِل َح ْم َل َهاَ ﴿ ،و َت َرى الن َ
اس ُس َك َارى
اب الل ِه َش ِديدٌ ﴾» ،فهنا َي ِشيب الشعر؛ حتى
( )1
ِ
َو َما ُه ْم بِ ُس َك َارى َو َلكن َع َذ َ
الول ِيد الصغير -من َه ْول ذلك األمر؛ ألن الناجين من النار شعر الولد َ -
ون» . ئة تِ ْس َع ٌة َوتِ ْس ُع َ
()2
لفظ« :مِن ك ُِّل مِ ٍ
ْ
قل ٌة جد ًا ،ويف ٍ
ٍ
خطر ،وقد يكون ممن ُيب َعث إىل ويف هذا ُّ
يدل عىل أن اإلنسان يف
النار وال َيشعر؛ لكثرة المبعوثين إىل النار.
وقوله( :إِ َّن ال َّل َه َي ْأ ُم ُر َك) هنا الصيغة من باب التعظيمْ ،
وإن كان
المتك ِّلم هو الله :فهو أبلغ من ْ
أن يقول« :إ ِّني آ ُمرك» ،ومثل قول األمير:
«األمير يقول لك :اخرج»؛ هذا أبلغ من ْ
أن يقول األمير« :أنا أقول لك:
اخرج».
ٍ ِ ِ ِِ
ثم قال رمحه اهللَ ( :و َق ْولهَ « :ما م ْن ُك ْم م ْن َأ َحد َّإَل َ
س ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُهَ ،ل ْي َس
َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه َح ِ
اج ٌب َو ََل ُت ْر ُج ََمنٌ »).
(إَل
كافرَّ ، (و َق ْولِ ِه« :ما ِم ْن ُكم ِم ْن َأ َح ٍد) أي ٍ
مسلم أو ٌ
ٌ أحد سواء ْ َ َ
س ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُهَ ،ل ْي َس َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه َح ِ
اج ٌب َو ََل ُت ْر ُج ََمنٌ ») يعني :ليس بينه وبينه َ
ان»؛ أي :ليس أحدٌ بينهما ي َتر ِجم كالم الله من ٍ
لغة ويصح « َت ْر َج َم ٌ ٌ
وسيط،
ُ ْ ُّ
لغة ،بل إن الله سبحانه وتعاىل ال تخفى عليه ال ُّلغات وال األصوات؛ إىل ٍ
يدل عىل قدرة الله وعظمته ،فمع كثرة الخالئق؛ الله وهذا الحديث ُّ
ٍ
عز وجل يك ِّلم كل واحد ،ومع كثرهتم الله قال سبحانهَ ﴿ :والل ُه َس ِر ُ
يع
اب﴾ [البقرة ،]202 :فيك ِّلمهم ويحاسبهم ،وحسابه سبحانه وتعاىل ا ْل ِ
ح َس ِ
سريع.
ٌ
ب َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة، ِ
والرسول صىل اهلل عليه وسلم قالَ « :م ْن ُحوس َ
باس ُف ُي َح َ ُع ِّذ َب» ،فقالت عائشةَ :أ َل ْي َس َقدْ َق َال الل ُه عز وجلَ ﴿ :ف َس ْو َ
اك ا ْل َع ْر ُضَ ،م ْن نُوقِ َش
حساب ،إِنما َذ ِ ِ ِ ِ
ح َساب ًا َيسير ًا﴾؟ َف َق َالَ « :ل ْي َس َذاك ا ْل َ ُ َ
ِ
يدل عىل عظمة الله؛ فمع كثرة اب َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ُع ِّذ َب» ،وهذا ُّ
()1
ِ
ا ْلح َس َ
الجنة ،ومن
الجنة دخل َ
الخالئق يكلمهم ويحاسبهم ،فمن كان من أهل َ
كان من أهل النار دخل النار.
ويف هذا الحديث إثبات صفة الكالم لله عز وجل ،فالله تكلم
ويتكلم وسيتكلم يوم القيامة ،فما مِنا من ٍ
أحد إال سيكلمه ربه ،وكالمه
كيف شاء متى شاء وبما شاء ،كال ٌم يليق بجالله وعظمته.
وإذا َعلم العبد أن الله سيك ِّلمه؛ وجب عليه إنقاذ نفسه ،والفرار