Professional Documents
Culture Documents
Aqidah Wasithiyyah 9
Aqidah Wasithiyyah 9
ٌ
رسول وصدِّ ٌيق؟ فإذا قيل :كيف هو مع هؤَلء الصفوة من خلقه،
نقول :معهم بنصره وتأييده لهم وكالءته وح ْفظه من األعداء لهم.
وأول اآلية﴿ :إ ََّل َتن ُْص ُرو ُه﴾ ،فمن مقتضيات المعية الخاصة:
َّ
النُّصرة ،والنُّصرة هنا يف اآلية أتت يف ثالثة مواضع:
األول :قوله ﴿ :إ ْذ َأ ْخ َر َج ُه ا َّلذي َن َك َف ُروا َثان َي ا ْثنَ ْين﴾ فال َّله
إذْ
الموضع َّ
لما أرادا الخروج.
نصرمها يف اإلخراج ،فلم يقتلومها َّ
والموضع الثاين :قوله﴿ :إ ْذ ُه َما في ال َغار﴾ أيض ًا ال َّله عز وجل
نصرمها إ ْذ مها يف الغار فلم ينهدم عليهما الغار ،ومل يسقط عليهما.
والموضع الثالث :إ ْذ َهاب الحزن عنهما؛ ﴿إ ْذ َي ُق ُ
ول ل َصاحبه ََل
َت ْح َز ْن﴾.
ففي هذه الثالثة﴿ :إ َّن ال َّله معنَا َف َأن َْز َل ال َّله سكينَ َته َع َليه و َأيدَ ه بجن ٍ
ُود ُ ْ َ َّ ُ ُ ُ َ َ ََ
الس ْف َلى َوكَل َم ُة ال َّله ه َي ال ُع ْل َيا َوال َّل ُه
َل ْم َت َر ْو َها َو َج َع َل كَل َم َة ا َّلذي َن َك َف ُروا ُّ
الخاصة:
َّ أن من مقتضيات المع َّية يم﴾ [التوبة]40 :؛ َّ
فدل عىل َّ َعز ٌيز َحك ٌ
والسكينة ،وقد ُينزل ال َّله عز وجل جند ًا من عنده لتثبيت ذلك
النُّصرةَّ ،
الشخص.
5 مقرر األسبوع التاسع
ٍ
مستو عىل عرشه بائن من خ ْلقه ،فهو مع خلقه سبحانه كما يليق فهو
بجالله وعظمته.
اصبِ ُروا إِ َّن ال َّل َه َم َع
﴿و ْ
ثم ذكر اآلية الثانية وهي قوله سبحانهَ ( :
َّ
الصابِرِ َ
ين﴾). َّ
بأن ال َّله عز وجل
فَّ ،
وص ٌ
ين﴾) هنا ْ اصبِ ُروا إِ َّن ال َّل َه َم َع َّ
الصابِرِ َ ﴿و ْ
( َ
مع َمن ح َّقق الصبر ،والصبر له ثالثة أقسا ٍم:
األول :الصبر عىل الطاعة؛ وهذا أفضلها ،مثل :الصبر عىل ِ
القسم َّ
طلب العلم ،والصبر عىل حفظ القرآن ،والصبر عىل الصلوات؛ َّ
ألن هذه
باختيار المرء ،فيصبر؛ لينال األجر.
ِ
والقسم الثاين :الصبر عن المعاصي ،مثلْ :
أن يصبر اإلنسان عن
حرم ال َّله ونحو ذلك.
السرقة ،وعن ُش ْرب الخمر ،وعن النَّظر إىل ما َّ
والقسم الثالث :الصبر عىل المصائب ،مثل :األمراض ،أو الوفاة ِ
ونحو ذلك.
فمن ح َّقق الصبر يف هذه المراتب الثالث :كان ال َّله عز وجل معه،
ومن ح َّققه وهو من أهل العلم :كان إمام ًا يف الدِّ ين؛ قال سبحانه:
ون ب َأ ْمرنَا َل َّما َص َب ُروا َوكَانُوا بآ َياتنَا ُيوقن َ
ُون﴾ ﴿و َج َع ْلنَا من ُْه ْم َأئ َّم ًة َي ْهدُ َ
َ
شرح العقيدة الواسطية 8
[السجدة ،]24 :قال شيخ اإلسالم رمحه اهلل« :وإنَّما ُتنال اإلمامة يف الدين:
بالعلم والصبر» .
( )1
والخاصة؛
َّ و ُق ْرب ال َّله عز وجل من خ ْلقه َل َينقسم كالمع َّية العا َّمة
قرب واحدٌ لعابديه وداعيه؛ لقول النبي صىل اهلل عليه وسلم:
وإنَّما هو ٌ
« َأ ْق َر ُب َما َي ُك ُ
ون ا ْل َع ْبدُ م ْن َر ِّبه َو ُه َو َساجدٌ » ،ولقول النبي صىل اهلل عليه
( )1
البخاري ،كتاب بدء الخ ْلق ،باب ذكر المالئكة ،رقم ( ،)3209من
ُّ ( )1رواه
حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 12
والفقرة الرابعة« :كيف شاء» أي :عىل الكيف َّية التي يشاؤها سبحانه؛
سواء من األوامر والنَّواهي أو غير ذلك ،أو يف الكالم مطلق ًا ،أو يف كيف َّيته
منادا ًة أو مناجا ًة.
ٍ
«بصوت مسموعٍ». والفقرة الخامسة:
ف مسموعٍ». والفقرة السادسة« :بحر ٍ
ْ
اس ُك ْن َأن َ
ْت َو َز ْو ُج َك ا ْل َجنَّ َة﴾ ألن ال َّله نادى آدم فقالَ :
﴿و َيا آ َد ُم ْ َّ
الش َج َرة َو َأ ُق ْل َل ُك َما إ َّن
[األعراف ،]19 :وقالَ ﴿ :أ َل ْم َأن َْه ُك َما َع ْن ت ْل ُك َما َّ
ألن آدمبصوت؛ َّ ٍ فدل عىل أنَّهان َل ُك َما عَدُ ٌّو ُمبي ٌن﴾ [األعراف]22 :؛ َّ الش ْي َط َ
َّ
وألن ال َّله ََل َم آدم عىل عصيانه َّ بصوت؛ مل يسمعه آدم، ٍ سم َعه ،ولو مل يكن
بعد أمره سبحانه له.
﴿وا ْت ُل َما ُأوح َي
كلمات؛ قال تعاىلَ :
ٌ بأن كالم ال َّله
وجاء النَّص أيض ًا َّ
إ َل ْي َك م ْن كتَاب َر ِّب َك ََل ُم َبدِّ َل ل َكل َماته﴾ [الكهفَّ ،]27 :
ودل أيض ًا عىل أنَّه
أن ﴿وإ َذا ُأنْز َل ْت ُس َ
ورةٌ﴾ [التوبة ،]86 :وسيأيت بإذن ال َّله إثبات َّ سورة؛ قالَ :
منز ٌل.
القرآن َّ
13 مقرر األسبوع التاسع
وجاء يف كيف َّية صفة كالم ال َّله« :ك ََأ َّن ُه س ْلس َل ٌة»؛ أي :حديد ٌةَ « ،ع َلى
صوت ،حتى ٌ ان» :حجر أم َلس َ « ،ينْ ُف ُذ ُه ْم َذل َك» ؛ يعني :له ص ْفو ٍ
()3 ( )2
َ َ
المالئكة م ْن صوت ال َّله عز وجل ُيغشى عليهم« ،فيكون َّأول َمن ُيفيق
جبر ُيل عليه السالم» .
()4
الترمذي ،أبواب فضائل القرآن ،باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن
ُّ ( )1رواه
ٍ
مسعود رضي اهلل عنه. ماله من األجر ،رقم ( ،)2910من حديث ابن
( )2غريب الحديث َلبن الجوزي (.)596/1
البخاري ،كتاب تفسير القرآن ،باب قول ال َّله تعاىلَ ﴿ :حتَّى إ َذا ُف ِّز َع َع ْن
ُّ ( )3رواه
ُق ُلوبه ْم َقا ُلوا َما َذا َق َال َر ُّب ُك ْم َقا ُلوا ا ْل َح َّق َو ُه َو ا ْل َعل ُّي ا ْل َكب ُير﴾ ،رقم ( ،)4800من
الس َماء؛ َض َر َبت حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه ،ولفظه« :إ َذا َق َضى ال َّل ُه األَ ْم َر في َّ
المالَئ َك ُة ب َأجنحتها ُخ ْضعان ًا ل َقوله ،ك ََأ َّنه س ْلس َل ٌة َع َلى ص ْفو ٍ
انَ ،فإ َذا ُف ِّز َع َع ْن ُق ُلوبه ْم َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ
َقا ُلواَ :ما َذا َق َال َر ُّب ُك ْم؟ َقا ُلوا ل َّلذي َق َالَ :
الح َّقَ ،و ُه َو ال َعل ُّي ال َكب ُير».
السنَّة ،باب ذكْر الكالم والصوت والشخص وغير ٍ
عاصم يف ُّ ( )4رواه ابن أبي
شرح العقيدة الواسطية 14
َف َأ ْستَج َ
يب َل ُه؟ »...الحديث .
()2
ٍ
ركعة ،وإنه إذا مسلم ،كتاب الصالة ،باب وجوب قراءة الفاتحة يف كل ( )1رواه
ٌ
مل ُيحسن الفاتحة ،وَل أمكنه تع ّلمها قرأ ما َّ
تيسر له من غيرها ،رقم ( ،)395من
حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
البخاري ،كتاب التهجد ،باب الدعاء يف الصالة من آخر ال َّليل ،رقم
ُّ ( )2رواه
ومسلم ،كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب الترغيب يف الدعاء
ٌ (،)1145
والذكر يف آخر ال َّليل ،واإلجابة فيه ،رقم ( ،)758من حديث أبي هريرة رضي اهلل
ِّ
شرح العقيدة الواسطية 16
عنه.
البخاري ،كتاب التوحيد ،باب كالم الرب عز وجل يوم القيامة مع
ُّ ( )1رواه
ومسلم ،كتاب الزكاة ،باب الحث عىل الصدقة
ٌ األنبياء وغيرهم ،رقم (،)7512
ولو بشق تمرة ،أو كلمة طيبة وأهنا حجاب من النار ،رقم ( ،)1016من حديث
ٍ
حاتم رضي اهلل عنه. عدي بن
17 مقرر األسبوع التاسع
المعتصم ،وكذا الواثق بال َّله ،ومل َت ُزل المحنة َّإَل يف عهد المتو ِّكل عىل
()3 ()2
( )1هو :أبو العباس ،عبد ال َّله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي ابن أبي
جعفر المنصور العباسي ،ولد سنة (170هـ) ،وتويف سنة (218هـ) .سير أعالم
النبالء للذهبي (.)272/10
( )2هو :أبو إسحاق محمد ابن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن المنصور
العباسي ،ولد سنة (180هـ) ،وتويف سنة (227هـ) .سير أعالم النبالء للذهبي
(.)290/10
( )3هو :أبو جعفر ،وأبو القاسم هارون ابن المعتصم بال َّله أبي إسحاق محمد
بن هارون الرشيد ابن المهدي محمد بن المنصور العباسي ،البغدادي ،ولد سنة
(196هـ) ،وتويف سنة (232هـ) .سير أعالم النبالء للذهبي (.)306/10
شرح العقيدة الواسطية 18
إن ال َّله ؛ يعني :ثالثة خلفاء من الدولة الع َّباسية فتنوا النَّاس َّ
وعذبوهم ْ ()1
أثبتوا هذه الصفة ،وكذا يف عصر شيخ اإلسالم حصلت فتن ٌة عظيم ٌة
بسبب هذه الصفة وغيرها.
ف َأ َك َث َر المصن ُ
ِّف رمحه اهلل من األد َّلة يف صفة الكالم؛ لكثرة
والمنَافحين والمجادلين يف إثبات صفة الكالم م ْن األشاعرة،
المخالفين ُ
والما ُتريد َّية ،والمعتزلة ،والجهمية.
أن ال َّله عز وجل يتك َّلم ،-
األول -يف إثبات َّ
وبدأ رمحه اهلل بالنوع َّ
آيات ،وجاء إثبات الكالم يف اآليات التي سيسوقها فذكر لهذا النوع سبع ٍ
( )1هو :أبو الفضل جعفر ابن المعتصم بال َّله محمد ابن الرشيد هارون بن
المهدي بن المنصور القرشي ،العباسي ،البغدادي ،ولد سنة ( ،)205وقتل سنة
(247هـ) .سير أعالم النبالء للذهبي (.)30/12
19 مقرر األسبوع التاسع
( )1رواه البيهقي يف الشعب ،باب اإليمان بالمالئكة ،رقم ( ،)166من حديث
ٍ
مسعود موقوف ًا. ابن
شرح العقيدة الواسطية 20
فهذه اآلية فيها إثبات الكالم ل َّله سبحانه وتعاىل؛ إذ تك َّلم سبحانه
الرب عز وجل وبين موسى
فسمعه موسى ،لذلك َج َرت محاورات بين ِّ
عليه السالم.
اف َأ ْن ُي َك ِّذ ُبون * َو َيض ُيق
ففي سورة الشعراءَ ﴿ :ق َال َر ِّب إنِّي َأ َخ ُ
ْب َف َأ َخ ُ
اف َصدْ ري َو ََل َينْ َطل ُق ل َساني َف َأ ْرس ْل إ َلى َه ُار َ
ون * َو َل ُه ْم َع َل َّي َذن ٌ
ربه ،وقال ال َّله﴿ :ك ََّال َأ ْن َي ْق ُت ُلون﴾ [الشعراء]13 - 12 :؛ هذا موسى يك ِّلم َّ
ول َر ِّب ون * َف ْأت َيا ف ْر َع ْو َن َف ُق َ
وَل إنَّا َر ُس ُ َفا ْذ َه َبا بآ َياتنَا إنَّا َم َع ُك ْم ُم ْستَم ُع َ
ا ْل َعا َلمي َن * َأ ْن َأ ْرس ْل َم َعنَا َبني إ ْس َرائ َيل﴾ [الشعراء ،]17 - 15 :فهنا ال َّله تك َّلم
وموسى عليه السالم سمع كالم ال َّله ،فأجابه موسى عليه السالم.
مسموعَّ ،
ودل أن كالم ال َّله
ودل عىل َّ ٍ
بصوتَّ ، أن كالم ال َّله
فدل عىل َّ َّ
ٌ
أن ال َّله يتك َّلم متى شاء؛ فك َّلم موسى
ودل عىل َّ ٍ
بحروفَّ ، أن كالم ال َّله
عىل َّ
لما شاء ،ويتك َّلم بما شاء؛ لما شاء ،وك َّلم -يف اآلية َّ
السابقة -عيسى َّ َّ
فأمر موسى بما أمر به ،وأمر عيسى بما أمر به سبحانه وتعاىل.
واآلية السادسة قوله سبحانهِ :
(﴿م ْنهُ ْم َم ْن َك َّل َم ال َّل ُه﴾).
ساقها رمحه اهلل إلثبات أن ال َّله ك َّلم بعض الرسل.
23 مقرر األسبوع التاسع
ٍ
عظيم َان عنْدَ ال َّله وجيه ًا﴾ [األحزاب]69 :؛ أي :ذا ٍ
جاه ﴿وك َ
َ عن موسىَ :
ٍ
رفيعة. ٍ
ومكانة
السنَّة :بما فقولهِ :
(﴿م ْنهُ ْم َم ْن َك َّل َم ال َّل ُه﴾) فيه ٌ
بيان ل َما ذكره أهل ُّ
السنَّة :إذا شاء؛بيان ل َما ذكره أهل ُّ شاء؛ فال َّله يك ِّلمهم بما شاء ،وكذا فيه ٌ
َاب ب ُق َّو ٍة﴾
فال َّله شاء أن يك ِّلم يحيى عليه السالم؛ ﴿ َيا َي ْح َيى ُخذ ا ْلكت َ
[مريم ،]12 :وك َّلم زكريا؛ ﴿ َيا َزكَر َّيا إنَّا ُن َب ِّش ُر َك﴾ [مريم ]7 :وهكذا.
سى لِ ِمي َقاتِ َنا َو َك َّل َم ُه
(﴿و َل ََّم َجا َء ُمو َ
واآلية السابعة قوله سبحانهَ :
َر ُّب ُه﴾).
أن المتك ِّلم يف اآلية التي قبل
ساقها المصنِّف رمحه اهلل لتأكيد َّ
فال َّله عز وجل نادى موسى ،وموسى بعيدٌ عنه ،ثم َّ
لما َق ُر َب موسى من
لما (﴿و َق َّر ْب َنا ُه َن ِ
ج ّي ًا﴾) َّ ربه ناجاه ،والمناجاة للقريب؛ لذلك قال سبحانهَ :
ِّ
27 مقرر األسبوع التاسع
أن ال َّله ُينادي و ُيناجي و َيتك َّلم بمط َلق الكالم اج ْينَاه؛ َّ
فدل عىل َّ َق ُر َب منَّا َن َ
سبحانه وتعاىل ،وهذا من كمال وتمام صفاته.
(﴿وإِ ْذ َنا َدى رب َك موسى َأ ِن ا ْئ ِ
ت ا ْل َق ْو َم َ واآلية الثانية قوله:
ُ َ َ ُّ
ال َّظالِ ِم َ
ين﴾).
هذه أيض ًا يف مناداة موسى عليه السالم.
تدل عىل الكيفية التي شاءها ال َّله وهي:
سى﴾) ُّ (﴿وإِ ْذ َنا َدى َر ُّب َك ُمو َ
َ
ُّ
وتدل تدل عىل أ َّنه ك َّلمه بما شاء؛ ت ا ْل َق ْو َم ال َّظالِ ِم َ
ين﴾) ُّ (﴿أ ِن ا ْئ ِ
مناداةًَ ،
ُّ
وتدل عىل أنه عىل أنَّه يتك َّلم إذا شاء ،فال َّله شاء أن يك ِّلم موسى اآلن،
رف مسموعين؛ وإَل مل يؤمر موسى باَلمتثال؛ ﴿ َأن ائْت بصوت وح ٍ ٍ
َ
ا ْل َق ْو َم ال َّظالمي َن * َق ْو َم ف ْر َع ْو َن َأ ََل َي َّت ُق َ
ون﴾ ،فسمعه موسى فقالَ ﴿ :ر ِّب
اف َأ ْن ُي َك ِّذ ُبون﴾ [الشعراء.]12-10 :
إنِّي َأ َخ ُ
الش َج َر ِة
(﴿و َنا َد ُاه ََم َر ُّبهُ ََم َأ َل ْم َأ ْنهَ ُك ََم َع ْن تِ ْل ُك ََم َّ
واآلية الثالثة قولهَ :
َو َأ ُق ْل َل ُك ََم إِ َّن َّ
الش ْي َطانَ َل ُك ََم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ
ين﴾).
ٍ
وجوه: تدل عىل إثبات الكالم ل َّله من عدَّ ة
هذه اآلية العظيمة ُّ
أن ال َّله تك َّلم إذا شاء، (﴿و َنا َد ُاه ََم َر ُّبهُ ََم﴾) ُّ
تدل َّ األول :قولهَ :
الوجه َّ
وكيف شاء -بالمناداة .-
شرح العقيدة الواسطية 28
وتدل عىل أنَّه تك َّلم بما شاء إذا شاء. رف مسموعينُّ ، بصوت وح ٍ
ٍ أنه
َ
أن ال َّله تك َّلم يف
تدل عىل َّ (﴿و َأ ُق ْل َل ُك ََم﴾) ُّ الوجه الثالث :قولهَ :
الماضي.
تدل أنَّه ين﴾) ُّ الش ْي َطانَ َل ُك ََم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ والوجه الرابع :قوله﴿( :إِ َّن َّ
رف مسموعين ،وبما شاء. بصوت وح ٍ
ٍ تك َّلم
َ
ين ُك ْن ُت ْمول َأ ْي َن ُش َر َكائِ َي ا َّل ِذ َادهي ِْم َف َي ُق ُ(﴿وي ْوم ي َن ِ
واآلية الرابعة قولهُ َ َ َ :
َت ْز ُع ُمونَ ﴾).
أن ال َّله عز وجل يك ِّلم خ ْلقه يف المحشر. ذكرها لبيان َّ
أن ال َّله عز وجل يتك َّلم يوم القيامة ادهي ِْم﴾) فيها إثبات َّ (﴿وي ْوم ي َن ِ
ََ َ ُ
ول َأ ْي َن ُش َر َكائِ َي ا َّل ِذ َ
ين ُك ْن ُت ْم َت ْز ُع ُمونَ ﴾). و ُينادي المشركينَ ﴿( ،ف َي ُق ُ
أن ال َّله عز وجل يتك َّلم متى شاء ،فتك َّلم من قبل ،ويتك َّلم َّ
فدل عىل َّ
اآلن بما شاء ،وسيتك َّلم يوم القيامة.
وكالمه يوم القيامة :منه ما هو ندا ٌء.
ومن كالمه يف المحشر أيض ًا :أنَّه بالكالم المط َلق؛ كما يف
الس َم َوات َي ْو َم ا ْلق َيا َمةُ ،ث َّم َي ْأ ُخ ُذ ُه َّن ب َيده
الحديثَ « :ي ْطوي ال َّل ُه عز وجل َّ
29 مقرر األسبوع التاسع
ولَ :أنَا ا ْل َمل ُك» ،فيتك َّلم ويقولَ « :أنَا ا ْل َمل ُك» سبحانه
()1 ا ْل ُي ْمنَىُ ،ث َّم َي ُق ُ
وتعاىل.
ول َما َذا َأ َج ْب ُت ُم (﴿وي ْوم ي َن ِ
ادهي ِْم َف َي ُق ُ واآلية الخامسة قوله:
ََ َ ُ
سلِ َ
ين﴾). ا ْل ُم ْر َ
أن ال َّله عز وجل يك ِّلم خ ْلقه يف المحشر. ذكرها كذلك لبيان َّ
بصوت وح ٍ
رف ٍ ول﴾) ادهي ِْم﴾) كيف شاءَ ﴿( ،ف َي ُق ُ (﴿وي ْوم ي َن ِ
َ ََ َ ُ
نجى،
ين﴾) فمن آمن واتبع رسوله َ سلِ َ
مسموعينَ ﴿( :ما َذا َأ َج ْب ُت ُم ا ْل ُم ْر َ
ومن كفر ُز َّج عىل قفاه.
فهذه اآليات العظيمة تدل عىل إثبات الكالم ل َّله عز وجل بالفقرات
الس ِّت السابقة.
ِّ
أن ال َّله عز وجل يتك َّلم بكال ٍم حقيقي مسموعٍ ،ويف هذا
فد َّلت عىل َّ
إعمال للنصوص ،وفيه طاع ٌة ل َّله سبحانه وتعاىل؛ إ ْذ أثبتنا من اآليات ما
ٌ
( )1
ال َّله؛ لذلك النبي صىل اهلل عليه وسلم يقولَ « :ي ْر َف ُع الق ْس َط َو َي ْخف ُض ُه»
سبحانه﴿ ،إن ََّما َأ ْم ُر ُه إ َذا َأ َرا َد َش ْيئ ًا َأ ْن َي ُق َ
ول َل ُه ُك ْن َف َي ُك ُ
ون﴾ [يس.]82:
يدبر الكون أخرس؟! -تعاىل ال َّله عن ذلك فكيف يقولون َّ
أن الذي ِّ
-؛ يعني :المالئكة يتك َّلمون ،والرسل يتك َّلمون ،والذي خ َلقهم ما
يتك َّلم؟!
فإذا قيل :لماذا يقولون هذا الكالم؟
دائم ًا -حتى يتن َّقصون الخ ْلق ،-و َيطعنون حتى يف ذات ِّ
الرب عز وجل؛
﴿و َقا َلت ال َي ُهو ُد َيدُ ال َّله َم ْغ ُلو َل ٌة﴾ [المائدة﴿ ،]64 :إ َّن ال َّل َه َفق ٌير َون َْح ُن
َ
،]116 [البقرة: ﴿و َقا ُلوا ا َّت َخ َذ ال َّل ُه َو َلد ًا﴾
َ ،]181 [آل عمران: َأ ْغن َيا ُء﴾
ن ال َّله﴾ [التوبة: ﴿ َو َقا َلت ا ْل َي ُهو ُد ُع َز ْي ٌر ْاب ُن ال َّله َو َقا َلت الن ََّص َارى ا ْل َمس ُ
يح ْاب ُ
،]30وهكذا.
مسلم ،كتاب اإليمان ،باب يف قوله عليه السالم« :إ َّن ال َّل ُه ََل َينَا ُم» ،وفي
ٌ ( )1رواه
ُّور َل ْو ك ََش َف ُه َألَ ْح َر َق ُس ُب َح ُ
ات َو ْجهه َما ا ْنت ََهى إ َل ْيه َب َص ُر ُه م ْن قوله« :ح َج ُاب ُه الن ُ
َخ ْلقه» ،رقم ( ،)179من حديث أبي موسى رضي اهلل عنه.
شرح العقيدة الواسطية 32
ٍ
الصدُ ور م َن ا ْل ُقرآن ،و َيفت َُح يح في َلي َلة َفت َْأ ُخ َذ َجم َ
يع َما في ُّ ال َّله َ -ت ْسري ر ٌ
يها كت ََاب ًة؛ فتشريف ًا لمقام القرآنَ :ل يبقى ف َف َال َيجدُ َ
ون ف َ الم َصاح َ
النَّاس َ
ذلك القرآن عندهم؛ ل َت ْركهم.
ٍ
ومسلم -؛ البخاري
ِّ
()2
وكذا يف آخر الزمان ُتهدَ م ال َك ْع َبة -كما يف
لعدم وجود من يص ِّلي إليها ،إلعراض الناس عنها.
ٍ
مسعود رضي ال َّله عنه ( )1رواه الحاكم ( ،)8538/549/4من حديث ابن
آن َب ْي َن َأ ْظ ُهرك ُْم ُيوش ُك َأ ْن ُي ْر َف َعَ ،ف َقا ُلواَ :ك ْي َ
ف َو َقدْ «وإ َّن َه َذا ا ْل ُق ْر َ
موقوف ًا ،ولفظهَ :
َأ ْث َب َت ُه ال َّل ُه في ُق ُلوبنَاَ ،و َأ ْث َب ْتنَا ُه في َم َصاحفنَا؟ َق َالُ :ي ْس َرى َع َل ْيه َل ْي َل ًة َف ُي ْذ َه ُ
ب ب َما في
ٌ
مخلوق؛ والذي دعاهم إىل هذا :لنفي وذهب المعتزلة إىل َّ
أن القرآن
إن القران كالم ال َّله؛ ألثبتوا صفة الكالم ل َّله،
صفة الكالم ل َّله؛ فلو قالواَّ :
وهم ينفون صفة الكالم.
بأن القرآن هو كالم ال َّله عز وجل - :حتى
ولما جاءت النصوص َّ
َّ
مخلوق ،ويتر َّتب عىل هذا القول
ٌ مخرج ًا – قالوا َّ
بأن القرآن يجدوا لهم َ
ٍ
محاذير: عدة
تكذيب للقرآن العظيم؛ ألن ال َّله يقول﴿ :إنَّا
ٌ األول :فيه
المحذور َّ
َأن َْز ْلنَا ُه﴾ [الدخان ،]3 :واإلنزال معلو ٌم يف لغة العرب :بأنَّه من أعىل إىل
أسفل.
أن مجيع صفات ال َّله مخلوق ٌة -تعاىل
والمحذور الثاينُ :يبنى عليه َّ
ٌ
منفصل ٌ
مخلوق ٌ
منفصل عنه ،وكالمه ٌ
مخلوق ال َّله عن ذلك -؛ ْ
فسمعه
ٌ
ومنفصل عنه ،وهكذا. ٌ
مخلوق عنه ،والعلم
أن يكون مكان الميت من البالء ،رقم ( ،)2909من حديث أبي هريرة رضي اهلل
الس َو ْي َق َت ْين م َن َ
الح َب َشة». عنه ،ولفظهُ « :ي َخ ِّر ُب ال َك ْع َب َة ُذو ُّ
37 مقرر األسبوع التاسع
مواف ٌق للفطرة ،فأتى القرآن العظيم يف نسق آياته وترتيبه ومعانيه موافق
ل َما يف القلب ،فالقلب يتع َّطش له ،فإذا سمع ذلكَّ :
يتحرك القلب له.
حمى :ال َّله قالَ ﴿( :ف َأ ِج ْر ُه
كافر لو اعتصم بالمسلمين ل ُي َ رجل ٌ فهنا ٌ
َح َّتى َي ْس َم َع َك َال َم ال َّل ِه﴾) ألنَّه سوف يؤ ِّثر عليه كالم ال َّله عز وجل.
وإذا كان القرآن يؤثر يف المشركين؛ فمن باب َأوىل ْ
أن يسعى
اإلنسان المسلم يف تأثيره عىل قلبه ،وال َّله عز وجل ذ َّم من مل ِّ
يحرك القرآن
آن َع َلى َج َب ٍل َل َر َأ ْي َت ُه َخاشع ًا
العظيم قلبه؛ قال سبحانهَ ﴿ :ل ْو َأن َْز ْلنَا َه َذا ا ْل ُق ْر َ
ُمت ََصدِّ ع ًا م ْن َخ ْش َية ال َّله َوت ْل َك ْاألَ ْم َث ُال ن َْضر ُب َها للنَّاس َل َع َّل ُه ْم َي َت َف َّك ُر َ
ون﴾
[الحشر.]21 :
أن تعرف -كما قال ابن القيم رمحه اهلل -مح َّبتك ل َّله:
( )1 أردت ْ
َ وإذا
تتلذذ بسماع كالم ال َّله؛
فاختبر نفسك يف سماعك لكالم ال َّله ،إذا كنت َّ
فهذا عالمة مح َّبتك ل َّله.
أحب زوجته مثالً ،ويف بداية الخطوبة -بعد
َّ أن شخص ًا
لذلك لو َّ
العقد عليها -قد ُيك ِّلمها كثير ًا يتمتَّع بكالمها وألفاظها ،لماذا؟ لوجود
تحب ْ
أن تسمع ُّ الرجل الذي َل ُتح ُّبه؛ َل
المح َّبة يف قلبه لها ،وكذلك ُ
صوته أصالً.
لذة اإليمان بإذن ال َّله ،ومح َّبة ال َّله:
والمسلم الصادق الذي يجد َّ
يتلذذ به؛ فهو بإذن ال َّله أمار ٌة من
ليختبر نفسه يف سماع كالم ال َّله ،إذا كان َّ
أمارات مح َّبتك ل َّله سبحانه.
﴿و َق ْد َكانَ َفرِ ٌيق ِم ْنهُ ْم َي ْس َم ُعونَ َك َال َم ال َّل ِه ُث َّم ُي َح ِّر ُفو َن ُه
واآلية الثانيةَ ( :
ِم ْن َب ْع ِد َما َع َق ُلو ُه َو ُه ْم َي ْع َل ُمونَ ﴾).
ألن َّأول اآلية: (﴿و َق ْد َكانَ َفرِ ٌيق ِم ْنهُ ْم﴾) يعني :من أهل الكتاب؛ َّ َ
ون ك ََال َم ال َّله﴾ ون َأ ْن ُي ْؤمنُوا َل ُك ْم َو َقدْ ك َ
َان َفر ٌيق من ُْه ْم َي ْس َم ُع َ ﴿ َأ َف َت ْط َم ُع َ
بصوتَ ﴿( ،ك َال َم ال َّل ِه﴾)ٍ [البقرة ،]75 :فقولهَ ﴿( :ي ْس َم ُعونَ ﴾) َّ
دل عىل أنَّه
المفسرون كابن جرير ال َّطبري،
ِّ فأضاف الكالم هنا إليه سبحانه ،ومل َيذكر
أن المقصود من كالم ال َّله هنا هو
والسيوطي -يف الدُّ ر المنثور َّ :-
ُّ
أن التوراة كالم ال َّله
القرآن ،وإنَّما يقولون :التوراة ،وعليه نُثبت أيض ًا َّ
()1
ال َّله.
45 مقرر األسبوع التاسع
﴿و َه َذا كِ َت ٌ
اب َأ ْن َز ْل َنا ُه ُم َب َار ٌك﴾. َو َق ْولِ ِهَ :
اشع ًا ُم َت َص ِّدع ًا ِم ْن َخ ْش َي ِة
﴿ َل ْو َأ ْن َز ْل َنا َه َذا ا ْل ُقرآنَ َع َلى َجب ٍل َلر َأي َت ُه َخ ِ
َ َ ْ ْ
ال َّل ِه﴾.
﴿وإِ َذا َبدَّ ْل َنا آ َي ًة َم َكانَ آ َي ٍة َوال َّل ُه َأ ْع َل ُم بِ ََم ُي َن ِّز ُل َقا ُلوا إِن َََّم َأ ْن َت ُم ْف َترٍ َب ْل
َ
س ِم ْن َر ِّب َك بِا ْل َح ِّق لِ ُي َث ِّب َت ا َّل ِذ َ
ين وح ا ْل ُق ُد ِ َأ ْك َث ُر ُه ْم ََل َي ْع َل ُمونَ * ُق ْل َن َّز َل ُه ُر ُ
ين * َو َل َق ْد َن ْع َل ُم َأنَّهُ ْم َي ُقو ُلونَ إِن َََّم ُي َع ِّل ُم ُه َب َش ٌر دى َو ُب ْش َرى لِ ْل ُم ْسلِ ِم َ آ َم ُنوا َو ُه ً
ين﴾. ح ُدونَ إِ َل ْي ِه َأ ْع َج ِم ٌّي َو َه َذا لِ َسانٌ َع َربِ ٌّي ُمبِ ٌ لِسانُ ا َّل ِذي ي ْل ِ
ُ َ
َّ
الشرح:
منز ٌل، ِّف رمحه اهلل هنا ثالث آيات؛ إلثباتَّ :
أن القرآن َّ ساق المصن ُ
ٍ
مخلوق. وأنَّه غير
ٌ
مخلوق؟ منز ٌل ،وإنَّه
وال َفرق بين قولنا :إنَّه َّ
تصديق بالقرآن العظيم ،كما
ٌ منز ً
َل؛ فهذا األول :أنَّه إذا قلناَّ :
األمر َّ
يف هذه اآليات وما سيأيت.
مخلوق؛ فمعنى ذلكَّ :
أن صفة الكالم ٌ واألمر الثاين :إذا قلنا :أنَّه
جعلناها َع ْين ًا قائم ًة بنفسها ،مثالً أنت تتك َّلم ،فهل صفة الكالم خارج ٌة -
شرح العقيدة الواسطية 46
ألن ال َّله ما أمر هبا؛ وإنَّما وجدنا هذه مخلوق ًة ،قد يكون ٌ
بشر كتبها َّ
وهكذا.
الص َال َة ﴿و َأق ُ
يموا َّ إن ال َّله هو الذي تك َّلم به وقال لناَ :
لك ْن إذا قلناَّ :
الزكَاةَ﴾ [البقرة]43 :؛ فنقولَ :ل تخالف كالم ال َّله ،وَل تخالف
َوآ ُتوا َّ
ٍ
مخلوق. نواهي ال َّله؛ َّ
فدل عىل أنَّه غير
مخلوقَ :ل َلزم منه َّ
أن ٌ المنزل
َّ أن كالم ال َّله
واألمر الرابع :لو قلناَّ :
مجيع صفات ال َّله مخلوق ٌة.
فمثالً :لو قلنا :القدرة مخلوق ٌة ،والحكمة مخلوق ٌة ،والخبرة
حليم ،هل الحلم
ٌ مخلوق ٌة؛ وهذا غير صحيحٍ َ ،ل ُيمكن ،مثالً أنت
ٌ
منفصل عنك؟ واإلبصار ٌ
منفصل عنك؟ والكرم ٌ
منفصل عنك؟ والعلم
ٌ
منفصل عنك؟ َل.
فإذا كان هذا منتفي عن الخالق والمخلوق؛ َّ
دل عىل أنَّه غير صحيحٍ
وأن القرآن العظيم الذي هو كالم ال َّله َل يمكن
أن صفات ال َّله مخلوق ٌةَّ ،
َّ
أن يكون مخلوق ًا ،فلو قلنا :أنَّه مخلوق؛ لكانت صفاته مخلوقة.
ْ
وقد يجد طالب العلم يف بعض الكتب وبعض اإلجازات يف القرآن
السنَد قول« :عن ُأ َبي عن النبي صىل اهلل عليه وسلم عن جبريل عن
يف َّ
شرح العقيدة الواسطية 48
ال َّلوح المحفوظ» فيتو َّقفون هنا؛ لنفي الكالم عن ال َّله ،فال يثبتون أن
﴿و َه َذا كِ َت ٌ
اب َأ ْن َز ْل َنا ُه ُم َب َار ٌك﴾). قال رمحه اهللَ ( :و َق ْولِ ِهَ :
اب﴾) أي :القرآن العظيمَ ،
(﴿أ ْن َز ْل َنا ُه﴾) والنزول من (﴿و َه َذا كِ َت ٌ
َ
ٍ
مخلوق ،كما منزل من عند ال َّله ،وأنَّه غير فدل عىل أنه َّ العلو إىل السفل؛ َّ
قال سبحانه﴿ :إنَّا َأن َْز ْلنَا ُه في َل ْي َلة ا ْل َقدْ ر﴾ [القدر ،]1 :وقال﴿ :إنَّا َأن َْز ْلنَا ُه في
َل ْي َل ٍة ُم َب َارك ٍَة﴾ [الدخان.]3 :
ٍ
مسعود رضي اهلل عنه ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال: ( )1كما يف حديث ابن
49 مقرر األسبوع التاسع
مخلوق ،وأنه من عند ٍ منز ٌل غير أن القرآن َّ دل عىل َّ (﴿ َل ْو َأ ْن َز ْل َنا﴾) َّ
ال َّله.
(﴿ه َذا ا ْل ُق ْرآنَ َع َلى َج َب ٍل َل َر َأ ْي َت ُه﴾) لو جعل ال َّله فيك بصر ًا ُيبصر ما
َ
اشع ًا﴾) يعني :متذ ِّلالً ل َّلهُ ﴿( ،م َت َص ِّدع ًا ِم ْن
(﴿خ ِ
َ يحدث يف الجمادات،
َخ ْش َي ِة ال َّل ِه﴾) ومن شدة خشيته يتصدَّ ع من خشية ال َّله ،وإذا كان الجبل
يتصدَّ ع ،بل َيهبط من خشية ال َّله؛ فق ْلب ابن آدم َأوىل؛ ألنه ُأنزل عىل ابن
الترمذي،
ّ « َم ْن َق َر َأ َح ْرف ًا م ْن كتَاب ال َّله َف َل ُه به َح َسنَ ٌةَ ،وا ْل َح َسنَ ُة ب َع ْشر َأ ْم َثال َها» .رواه
أبواب فضائل القرآن ،باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من األجر ،رقم
(.)2910
شرح العقيدة الواسطية 50
قرآن أفضل من هذا القرآن ،والتقدير اآلخرَ :ل َما أتاهم ٌّ
نبي أفضل أتاهم ٌ
من هذا النبي صىل اهلل عليه وسلم.
(﴿وإِ َذا َبدَّ ْل َنا آ َي ًة َم َكانَ آ َي ٍة َوال َّل ُه َأ ْع َل ُم بِ ََم ُي َن ِّز ُل﴾) من اآليات؛ َ
(﴿ َقا ُلوا إِن َََّم َأ ْن َت ُم ْف َترٍ َب ْل َأ ْك َث ُر ُه ْم ََل َي ْع َل ُمونَ * ُق ْل َن َّز َل ُه ُر ُ
وح ا ْل ُق ُد ِ
س﴾)
دليل عىل َّ
أن جبريل عليه جبريل عليه السالمِ ،
(﴿م ْن َر ِّب َك بِا ْل َح ِّق﴾) هذا ٌ
منز ٌل من ال َّله ،كما قال السالم تل َّقاه من رب العالمين؛ َّ
فدل عىل َّ
أن القرآن َّ
السنَّة« :منه بدأ».
أهل ُّ
ومن عجائب هذا القرآن :أنه ليس له مقدِّ م ٌة ،وليس له خاتم ٌة ،بل
َّأوله وآخره يف اإلعجاز سواء.
أن من الحكمة يف إنزاله :تثبيت قلوب وذكَر ال َّله يف هذه اآلية َّ
منز ٌل،
السنَّة والجماعة يف القرآن :أنه َّ مما َسبقَّ :
أن عقيدة أهل ُّ فتب َّين َّ
مخلوق ،منه بدأ ،وإليه يعود؛ ومع وضوح هذا األمر -وهو أ َّنه ٍ غير
ٍ
كثيرة ممن ٍ
أعداد ٍ
مخلوق ،وأ َّنه من ال َّله -إَل أنه خفي عىل منز ٌل ،غير
َّ
منز ٌل،
يدَّ عي العلم من المعتزلة والجهمية ،فنفوا أنَّه من ال َّله ،ونفوا أنه َّ
مخلوق؛ كل ذلك لنفي صفة الكالم عن ال َّله
ٌ وجعلوا شبه ًة يف قلوهبم أنه
َ
-تعاىل ال َّله عن ذلك .-