You are on page 1of 21

‫كتاب معرفة للا‬

‫تأليف‬
‫اإلمام الهادي إلى الحق القويم‬
‫يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم‬
‫عليهم السالم‬

‫التوحيد ونفي التشبيه‬


‫العدل‬
‫أفعال العباد‬
‫الوعد والوعيد‬
‫اإليمان برسالة محمد صلى للا عليه وآله وسلم‬
‫إمامة علي عليه السالم‬
‫إمامة الحسنين عليهما السالم‬
‫إمامة أهل البيت عليهم السالم‪ ،‬وصفات اإلمام‬
‫[التوحيد ونفي التشبيه]‬
‫أول ما جيب على العبد أن يعلم أن هللا واحد أحد‪ ،‬صمد فرد‪ ،‬ليس له شبيه وال نظري‪ ،‬وال‬
‫عديل‪ ،‬وال تدركه األبصار يف الدنيا وال يف اآلخرة‪ ،‬وذلك أن ما وقع عليه البصر فمحدود‬
‫وخلف‪ ،‬وأن هللا‬ ‫ٌ‬ ‫أمام‬
‫وفوق وحتت‪ ،‬وميني ومشال‪ ،‬و ٌ‬ ‫وبعض‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ط به‪ ،‬له حكلٌّ‬‫ي حَمحا ٌ‬ ‫ضعيف‪ ،‬حَْم ِو ٌّ‬
‫ار َو ُه َو يُ ْد ِر ُك‬
‫صُ‬ ‫ال يوصف بشيء من ذلك‪ ،‬وهكذا قال ال شريك له‪{ :‬ال تُ ْد ِرُكهُ األَبْ َ‬
‫َح ٌد(‪َّ 1‬‬
‫)اَّللُ‬ ‫اْلَبِريُ} [األنعام‪ ،]103:‬وقال‪{ :‬قُ ْل ُه َو َّ‬
‫اَّللُ أ َ‬ ‫يف ْ‬ ‫ص َار َو ُه َو اللَّ ِط ُ‬ ‫األَبْ َ‬
‫َح ٌد(‪[ })4‬اإلخالص‪1:‬ـ‪،]4‬‬ ‫ِ‬
‫)وََلْ يَ ُك ْن لَهُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫الص َم ُد(‪ََ )2‬لْ يَل ْد َوََلْ يُولَ ْد(‪َ 3‬‬
‫َّ‬
‫{و ُه َو َم َع ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫والكفؤ فهو املثل والنظري والشبيه‪ ،‬وهللا سبحانه ليس كمثله شيء‪ ،‬وقال‪َ :‬‬
‫يد} [ق‪،]16:‬‬ ‫أَين ما ُك ْن تُم}[احلديد‪ ،]4:‬وقال‪{ :‬وََْنن أَقْرب إِلَي ِه ِمن حب ِل الْوِر ِ‬
‫َ ُ َ ُ ْ ْ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫اد ُس ُه ْم َوال أَ ْد ََن ِم ْن‬
‫وقال‪{ :‬ما ي ُكو ُن ِمن ََْنوى ثَالثٍَة إِالَّ ُهو رابِعهم وال ََخْس ٍة إِالَّ ُهو س ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُُ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫{وَما ُكنَّا‬ ‫ك َوال أَ ْكثَ َر إِالَّ ُه َو َم َع ُه ْم أَيْ َن َما َكانُوا}[اجملادلة‪ ،]7:‬وقال‪َ :‬‬ ‫َذلِ َ‬
‫ني} [األعراف‪ ،]7:‬يعين يف مجيع ذلك أن علمه َميط هبم‪ ،‬ال أنه داخل يف شيء من‬ ‫غَائِبِ َ‬
‫األشياء كدخول الشيء يف الشيء‪ ،‬وال خارج من األشياء ابئن عنها فيغىب عليه شيء من‬
‫أمورهم‪ ،‬بل هو العامل بنفسه‪ ،‬وأنه عز وجل شيء ال كاألشياء ؛ إذ األشياء من خلقه‬
‫اد ًة قُ ِل َّ‬ ‫وصنعه‪ ،‬وقال عز وجل‪{ :‬قُل أ ُّ ٍ‬
‫اَّللُ} [األنعام‪ ،]19:‬فذكر‬ ‫َي َش ْيء أَ ْك ََبُ َش َه َ‬ ‫ْ‬
‫سبحانه أنه شيء ؛ إلثبات الوجود ونفي العدم‪ ،‬والعدم ال شيء‪.‬‬
‫[العدل]‬
‫مث يحـ ْعلحم أنَّه عز وجل عدل يف مجيع أفعاله‪ ،‬انظر خللقه‪ ،‬رحيم بعباده‪ ،‬ال يكلفهم ما ال‬
‫ضِ‬
‫اع ْف َها‬ ‫سنَ ًة يُ َ‬ ‫يطيقون‪ ،‬وال يسأهلم ما ال جيدون‪ ،‬و{ال يَظْلِ ُم ِمثْ َق َ‬
‫ال َذ َّرٍة َوإِ ْن تَ ُ‬
‫ك َح َ‬
‫يما}[النساء‪ ،]40:‬وأنه مل خيلق الكفر وال اجلور وال الظلم‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫وي ْؤ ِ ِ‬
‫َج ًرا َعظ ً‬
‫ت م ْن لَ ُدنْهُ أ ْ‬ ‫َُ‬
‫أيمر هبا‪ ،‬وال يرضى لعباده الكفر‪ ،‬وال يظلم العباد‪ ،‬وال أيمر ابلفحشاء‪ ،‬وذلك أنه من فعل‬
‫شيئاً من ذلك‪ ،‬أو أراده أو رضي به‪ ،‬فليس حبكيم وال رحيم‪ ،‬وإن هللا لرؤوف رحيم‪ ،‬جواد‬
‫كرمي متفضل‪ ،‬وأنه مل حيل بينهم وبني اإلميان‪ ،‬بل أمرهم ابلطاعة‪ ،‬وهناهم عن املعصية‪،‬‬
‫وأابن هلم طريق الطاعة واملعصية‪ ،‬وهداهم النجدين‪ ،‬ومكنهم من العملني‪ ،‬مث قال‪{:‬فَ َم ْن‬
‫اء فَ لْيَ ْك ُف ْر} [الكهف‪ ،]29:‬وقال‪{ :‬فَ َما ََلُ ْم ال‬ ‫ِ‬
‫اء فَ لْيُ ْؤم ْن َوَم ْن َش َ‬
‫َش َ‬
‫َّلل َوالْيَ ْوِم‬
‫ي ْؤِمنُو َن} [االنشقاق‪ ،]20:‬وقال‪{ :‬وما َذا َعلَي ِهم لَو آمنُواْ ِِب َِّ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ف تَ ْك ُف ُرو َن} [آل‬ ‫اآلخ ِر} [النساء‪ ،]39:‬أو أيمرهم ابلكفر ؛ مث يقول‪َ :‬‬
‫{وَك ْي َ‬
‫ص َرفُو َن} [يونس‪]32:‬؟ أو‬ ‫ََن تُ ْ‬‫عمران‪]101:‬؟ أو يصرفهم عن اإلميان‪ ،‬مث يقول‪{ :‬فَأ َّ‬
‫اَّلل ِم ْن قَ ْب ُل‬
‫يقضي عليهم بقتل األنبياء صلى هللا عليهم ؛ مث يقول‪{ :‬فَلِم تَ ْقت لُو َن أَنْبِياء َِّ‬
‫ََ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫إِ ْن ُك ْن تُ ْم ُم ْؤمنِ َ‬
‫ني} [البقرة‪]91:‬؟‬

‫[أفعال العباد]‬
‫اَّللَ ََي ُْم ُر ِِبل َْع ْد ِل‬
‫وهللا عز وجل بريء من أفعال العباد‪ ،‬وذلك قوله تبارك وتعاىل‪{ :‬إِ َّن َّ‬
‫ش ِاء َوال ُْم ْن َك ِر َوالْبَ ْغ ِي يَ ِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ان َوإِيتَ ِاء ِذي الْ ُق ْرََب َويَ ْن َهى َع ِن الَْف ْح َ‬‫وا ِإل ْحس ِ‬
‫َ َ‬
‫ءَن‬
‫آِب َ‬ ‫تَ َذ َّكرو َن} [النحل‪ ،]90:‬وقال سبحانه‪{ :‬وإِذَا فَ علُوا فَ ِ‬
‫شةً قَالُوا َو َج ْد ََن َعلَْي َها َ‬ ‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اَّلل َما َال‬ ‫ش ِاء أَتَ ُقولُو َن َعلَى َِّ‬ ‫اَّللُ أ ََم َرََن ِِبَا قُ ْل إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ ال ََي ُْم ُر ِِبلْ َف ْح َ‬ ‫َو َّ‬
‫اَّللُ َما أَ ْش َرْكنَا َوال‬ ‫اء َّ‬ ‫تَ ْعلَمو َن} [األعراف‪ ،]28:‬مث قال‪{ :‬سي ُق ُ َّ ِ‬
‫ين أَ ْش َرُكوا لَ ْو َش َ‬ ‫ول الذ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ْسنَا قُ ْل َه ْل‬ ‫ك َك َّذب الَّ ِذ ِ ِ‬
‫ين م ْن قَ ْبل ِه ْم َح ََّّت ذَاقُوا ََب َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫آِب ُؤََن َوال َح َّرْمنَا ِم ْن َش ْي ٍء َك َذلِ َ‬
‫َ‬
‫ِع ْن َد ُك ْم ِم ْن ِعل ٍْم فَ تُ ْخ ِر ُجوهُ لَنَا إِ ْن تَتَّبِ ُعو َن إِالَّ الظَّ َّن َوإِ ْن أَنْ تُ ْم إِالَّ‬
‫صو َن} [األنعام‪ ،]148:‬فأكذهبم هللا يف قوهلم‪ ،‬ونفى عن نفسه ما نسبوه إليه بظلمهم‪.‬‬ ‫ََتْ ُر ُ‬
‫ون}[الذارايت‪ ،]56:‬فذكر أنه‬ ‫ت ا ْْلِ َّن وا ِإلنْس إِالَّ لِي ْعب ُد ِ‬
‫{وَما َخلَ ْق ُ‬
‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫وقال سبحانه‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫{وُك ُّل َش ْيء فَ َعلُوهُ‬
‫خلقهم للعبادة ال للمعصية‪ ،‬وكذلك نسب إليهم فعلهم حيث يقول‪َ :‬‬
‫الزبُ ِر} [القمر‪ ،]52:‬يقول‪ :‬فعلوه‪ ،‬ومل يقل‪ :‬فعله‪ ،‬بل نسبه إليهم إذ هم فعلوه‪.‬‬ ‫ِِف ُّ‬
‫{اَّللُ َخالِ ُق ُك ِل َش ْي ٍء} [الرعد‪ ،16:‬الزمر‪ ،]62:‬يقول‪ :‬هو‬ ‫وقال عز وجل يف فعله هو‪َّ :‬‬
‫{وََتْلُ ُقو َن‬
‫خالق كل شيء يكون منه‪ ،‬ومل يقل‪ :‬إنه خلق فعلهم‪ ،‬بل قال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫إِفْ ًكا} [العنكبوت‪ ،]17:‬يقول‪ :‬تصنعون وتقولون إفكاً‪ ،‬كما قال‪{ :‬تَت ِ‬
‫َّخ ُذو َن م ْنهُ‬
‫َس َك ًرا} [النحل‪ ،]67:‬يقول‪ :‬أنتم جتعلونه‪.‬‬
‫ني خللقه‬
‫وتبيني الكفر واإلميان من هللا عز وجل‪ ،‬وفعلح حهما من اآلدميني‪ ،‬ولوال أنه عز وجل بحَّ ح‬
‫ح‬
‫عرفهم بذلك‪،‬‬ ‫الكفر واإلميان؛ ما إذاً عرفوا احلق من الباطل‪ ،‬وال املعتدل من املائل‪ ،‬و لكن َّ‬
‫كما قال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب ـ صلوات هللا عليه ـ يف بعض مواعظه‪( :‬خلقنا وَل‬
‫نك شيئاً‪ ،‬وأخرجنا من بطون أمهاتنا ال نعلم شيئاً‪ ،‬فغذاَن بلطفه‪ ،‬وأحياَن برزقه‪،‬‬
‫وأطعمنا وسقاَن‪ ،‬وكفاَن وآواَن‪ ،‬ووضع عنا األقالم‪ ،‬وأزال عنا اآلاثم‪ ،‬فلم يكلفنا معرفة‬
‫العلَم‬
‫احلالل واحلرام‪ ،‬حَّت إذا أكمل لنا العقول‪ ،‬وسهل لنا السبيل‪ ،‬نصب لنا َ‬
‫والدليل‪ ،‬من مساء ورفعها‪ ،‬وأرض وضعها‪ ،‬ومشس أطلعها‪ ،‬ورتوق فتقها‪ ،‬وعجائب‬
‫خلقها‪ ،‬فعرفنا اْلري من الشر‪ ،‬والنفع من الضر‪ ،‬واحلسن من القبيح‪ ،‬والفاسد من‬
‫الصحيح‪ ،‬والكذب من الصدق‪ ،‬والباطل من احلق‪ ،‬أرسل إلينا الرسل‪ ،‬وأنزل علينا‬
‫الكتب‪ ،‬وبني لنا احلالل واحلرام‪ ،‬واحلدود واألحكام‪ ،‬فلما وصلت دعوته إلينا‪ ،‬وقامت‬
‫حجته علينا ؛ أمرَن وهناَن‪ ،‬وأنذرَن وحذرَن‪ ،‬ووعدَن وأوعدَن‪ ،‬فجعل ألهل طاعته‬
‫{م ْن‬
‫الثواب‪ ،‬وعلى أهل معصيته العقاب‪ ،‬جزاء وافق أعماَلم‪ ،‬ونكاالً بسوء فعاَلم‪َ ،‬‬
‫يد}[فصلت‪.)]46:‬‬ ‫ك بِظَالٍَّم لِلْعبِ ِ‬
‫اء فَ َعلَْي َها َوَما َربُّ َ‬ ‫َع ِمل ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َس َ‬
‫صاحلًا فَلنَ ْفسه َوَم ْن أ َ‬
‫َ َ‬
‫ي لَ ْوال أَ ْن َه َد َاَن َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫{وَما ُكنَّا لنَ ْهتَد َ‬
‫وتصديق ذلك يف كتاب هللا عز وجل‪ ،‬حيث يقول‪َ :‬‬
‫ت ُر ُس ُل َربِنَا ِِب ْحلَِق} [األعراف‪ ،]43:‬وقال النيب صلى هللا عليه وعلى أهل‬ ‫اء ْ‬
‫لََق ْد َج َ‬
‫بيته‪(( :‬صنفان من أميت ال تناَلم شفاعيت‪ ،‬قد لعنوا على لسان سبعني نبياً‪ :‬القدرية‬
‫واملرجئة‪ .‬قيل‪ :‬وما القدرية اي رسول هللا ؟ وما املرجئة ؟ فقال‪ :‬أما القدرية فهم الذي‬
‫يعملون املعاصي ويقولون‪ :‬إهنا من هللا قضى ِبا وقدرها علينا‪ .‬وأما املرجئة فهم الذين‬
‫يقولون‪ :‬اإلميان قول بال عمل)) مث قال صلى هللا عليه وآله‪(( :‬القدرية جموس هذه‬
‫األمة))‪.‬‬
‫[الوعد والوعيد]‬
‫مث جيب عليه أن يعلم أن وعده ووعيده حق‪ ،‬من أطاعه أدخله اجلنة‪ ،‬ومن عصاه أدخله‬
‫النار أبد األبد‪ ،‬ال ما يقول اجلاهلون من خروج املعذبني من العذاب املهني إىل دار املتقني‪،‬‬
‫ين فِ َيها أَبَ ًدا} [النساء‪.122 ،57:‬‬ ‫ِِ‬
‫وَمل املؤمنني‪ ،‬ويف ذلك ما يقول رب العاملني‪َ { :‬خالد َ‬
‫املائدة‪ .119 :‬التوبة‪ .100 ،22:‬األحزاب‪ .65 :‬التغابن‪ .9:‬الطالق‪ .11:‬اجلن‪.23:‬‬
‫ني ِم ْن َها} [املائدة‪ ،]37:‬ففي كل ذلك خيرب أنه من‬ ‫{وَما ُه ْم ِِبَا ِرِج َ‬
‫البينة‪ ،]8:‬ويقول‪َ :‬‬
‫دخل النار فهو مقيم فيها غري خارج منها‪ ،‬فنعوذ ابهلل من اجلهل والعمى‪ ،‬ونسأله العون‬
‫واهلدى‪ ،‬فإنه ويل كل النعماء‪ ،‬ودافع كل األسواء‪.‬‬
‫[اإلميان برسالة حممد صلى هللا عليه وآله وسلم]‬
‫مث جيب عليه أن يعلم أن َممداً بن عبدهللا بن عبد املطلب‪ ،‬عبد هللا ورسوله‪ ،‬وخريته من‬
‫خلقه‪ ،‬وصفوته من مجيع بريته‪ ،‬خامت النبيني ال نيب بعده‪ ،‬قد بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪ ،‬مث‬
‫قبضه هللا إليه محيداً مفقوداً‪ .‬فصلوات هللا عليه وعلى أهل بيته الطيبني وسلم‪.‬‬
‫[إمامة علي عليه السالم]‬
‫بن أيب طالب بن عبد املطلب‪ :‬أمريح املؤمنني‪ ،‬وسيّ حد‬ ‫علي ح‬ ‫مث جيب عليه أن يعلم أن َّ‬
‫أحق الناس مبقام رسول هللا‬ ‫ووصي رسول رب العاملني‪ ،‬ووز حيرهح‪ ،‬وقاضي دينه‪ ،‬و ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫املسلمني‪،‬‬
‫أقوم حهم أبمر هللا‬
‫أعلم حهم مبا جاء به َممد‪ ،‬و ح‬ ‫أفضل اخللق بعده‪ ،‬و ح‬ ‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬و ح‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُوا الذ َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬ ‫يف خلقه‪ ،‬وفيه ما يقول هللا تبارك وتعاىل‪{ :‬إِ ََّّنَا َولِيُّ ُك ُم َّ‬
‫اَّللُ َوَر ُسولُهُ َوالذ َ‬
‫الزَكا َة َو ُه ْم َراكِ ُعو َن} [املائدة‪ ،]55:‬فكان مؤيت الزكاة وهو راكع‬ ‫الصال َة َويُ ْؤتُو َن َّ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫ِ‬
‫يُق ُ‬
‫علي بن أيب طالب دون مجيع املسلمني‪.‬‬
‫ك الْم َق َّربو َن(‪ِ)ِ 11‬ف جن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّات‬ ‫َ‬ ‫السابِ ُقو َن(‪)10‬أُولَئ َ ُ ُ‬ ‫السابِ ُقو َن َّ‬
‫{و َّ‬
‫وفيه يقول هللا سبحانه‪َ :‬‬
‫الن َِّع ِيم(‪[})12‬الواقعة‪10:‬ـ‪ ،]12‬فكان السابق إىل ربه غري مسبوق‪ ،‬وفيه يقول هللا عز‬
‫ف‬ ‫َح ُّق أَ ْن يُتَّبَ َع أ ََّم ْن ال يَ ِه ِدي إِالَّ أَ ْن يُ ْه َدى فَ َما لَ ُك ْم َك ْي َ‬ ‫ِ‬
‫وجل‪{ :‬أَفَ َم ْن يَ ْهدي إِ ََل ا ْحلَِق أ َ‬
‫ََتْ ُك ُمو َن} [يونس‪ ،]35:‬فكان اهلادي إىل احلق غري مهدي‪ ،‬والداعي إىل الصراط السوي‪،‬‬
‫والسالك طريق الرسول الزكي‪ ،‬ومن سبق إىل هللا‪ ،‬وكان اهلادي إىل غامض أحكام كتاب‬
‫هللا ؛ فهو أحق ابإلمامة؛ ألن أسبقهم أهداهم‪ ،‬وأهداهم أتقاهم‪ ،‬وأتقاهم خريهم‪ ،‬وخريححهم‬
‫بكل خ ٍري أوالهم‪ ،‬وما جاء له من الذكر اجلميل يف واضح التنـزيل ؛ فكثري غري قليل‪.‬‬
‫ك َوإِ ْن ََلْ‬ ‫ك ِم ْن َربِ َ‬
‫ول بَلِ ْغ َما أُنْ ِز َل إِلَْي َ‬
‫الر ُس ُ‬
‫{اي أَيُّ َها َّ‬ ‫وفيه أنزل هللا على رسوله بغدير خم‪َ :‬‬
‫َّاس} [املائدة‪ ،]67:‬فوقف صلى هللا عليه‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫ص ُم َ‬ ‫اَّلل ي ْع ِ‬
‫ت ِر َسالَتَهُ َو َُّ َ‬‫تَ ْف َع ْل فَ َما بَلَّغْ َ‬
‫وآله وسلم وقطع سريه‪ ،‬ومل يستجز أن يتقدم خطوة حىت ينفذ ما عزم عليه يف علي‪ ،‬فحـنحـحزحل‬
‫حتت الدوحة مكانه‪ ،‬ومجع الناس‪ ،‬مث قال‪((:‬أيها الناس‪ ،‬ألست أوَل بكم من أنفسكم ؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى اي رسول هللا‪ .‬فقال‪ :‬اللهم اشهد‪ ،‬مث قال‪ :‬اللهم اشهد‪ ،‬فمن كنت مواله‬
‫فعلي مواله‪ ،‬اللهم وال من وااله‪ ،‬وعاد من عاداه‪ ،‬وانصر من نصره‪ ،‬واخذل من‬ ‫ٌّ‬
‫خذله))‪ ،‬والناس كلهم جمتمعون يسمعون كالم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬وهو‬
‫رافع بيد علي حىت أبصر بياض آابطهما وهو ينادي هبذا القول‪.‬‬
‫((علي مين ِِبَْن ِزلة هارون من موسى‪ ،‬إالَّ أنه ال نيب‬
‫ٌّ‬ ‫وفيه يقول صلى هللا عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫بعدي))‪ ،‬ويقول‪(( :‬علي مع احلق‪ ،‬واحلق معه))‪ ،‬ويقول‪(( :‬أَن مدينة العلم وعلي ِبِبا‪،‬‬
‫فمن أراد املدينة فليأهتا من ِبِبا))‪ ،‬وقال‪(( :‬احلسن واحلسني سيدا شباب أهل اْلنة‪،‬‬
‫وأبومها خري منهما))‪ ،‬وقال‪((:‬أنت أخي اي علي ِف الدنيا واآلخرة))‪ ،‬وقال‪(( :‬علي‬
‫أقضى اْللق وأعلمهم))‪.‬‬
‫[إمامة احلسنني عليهما السالم]‬
‫احلسني‪ :‬ابنا رسول هللا ـ صلى هللا عليه وآله وسلم ـ ‪،‬‬ ‫احلسن و ح‬ ‫ح‬ ‫مث جيب عليه أن يعلم أن‬
‫ضةٌ واليتهما‪ ،‬وفيهما ويف جدمها وأبيهما‬ ‫وحبيباه‪ ،‬وأهنما إماما حع ْد ٍل‪ ،‬واجبةٌ طاعتحـ حهما‪ ،‬حم ْف ححَت ح‬
‫اج َها‬ ‫ِ‬ ‫وأمهما يقول هللا تبارك وتعاىل‪{:‬إِ َّن األَبْ َر َار يَ ْش َربُو َن ِم ْن َكأ ٍ‬
‫ْس َكا َن م َز ُ‬
‫اء َّاَتَ َذ إِ ََل َربِ ِه َسبِيالً} [اإلنسان‪،]29:‬‬‫ورا} [اإلنسان‪ ،]5:‬إىل قوله‪{ :‬فَ َم ْن َش َ‬ ‫َكافُ ً‬
‫وفيهما ما يقول رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪(( :‬كل بين أنثى ينتمون إَل أبيهم‪،‬‬
‫إال ابين فاطمة فأَن أبومها وعصبتهما))‪.‬‬
‫فهما ابناه وولداه بفرض هللا وحكمه‪ ،‬ويف ذلك ما يقول هللا سبحانه يف إبراهيم اخلليل‬
‫ارو َن َوَك َذلِ َ‬ ‫ِِ‬ ‫صلى هللا عليه‪ِ :‬‬
‫ك‬ ‫وسى َو َه ُ‬
‫ف َوُم َ‬
‫وس َ‬ ‫{وم ْن ذُ ِريَّته َد ُاو َد َو ُسلَْي َما َن َوأَيُّ َ‬
‫وب َويُ ُ‬ ‫َ‬
‫اس ُكلٌّ ِم َن‬ ‫ِ‬
‫يسى َوإلْيَ َ‬
‫ِ‬
‫ني(‪َ )84‬وَزَك ِرَّاي َوََْي ََي َوع َ‬
‫ِ‬
‫ََْن ِزي ال ُْم ْحسنِ َ‬
‫ني(‪[ })85‬األنعام‪84:‬ـ‪ ،]85‬فذكر أن عيسى من ذرية إبراهيم‪ ،‬كما موسى‬ ‫الصاحلِِ َ‬
‫َّ‬
‫وهارون من ذريته‪ ،‬وإمنا جعله ولده وذريته بوالدة مرمي‪ ،‬وكان سواء عنده يف معىن الوالدة‬
‫والقرابة‪ ،‬والدة االبن ووالدة البنت ؛ إذ قد أجرى عيسى وموسى جمرى واحداً من إبراهيم‬
‫صلى هللا عليه‪ .‬وفيهما ويف أبيهما وأمهما ما يقول هللا تبارك وتعاىل لرسوله صلى هللا عليه‬
‫اء ََن‬ ‫ِ‬
‫سَ‬ ‫اء ُك ْم َون َ‬
‫اء ََن َوأَبْ نَ َ‬
‫وآله ؛ إذ أمره ابملباهلة للنصارى؛ فقال له‪{ :‬فَ ُق ْل تَ َعالَ ْوا نَ ْدعُ أَبْ نَ َ‬
‫ِ‬ ‫ونِساء ُكم وأَنْ ُفسنَا وأَنْ ُفس ُكم ُمثَّ نَب ت ِهل فَ نَجعل لَعنَ َة َِّ‬
‫ني} [آل‬ ‫اَّلل َعلَى الْ َكاذبِ َ‬ ‫َْ ْ ْ َ ْ ْ‬ ‫َ ََ ْ َ َ َ َ ْ‬
‫عمران‪ ،]61:‬فحضر صلى هللا عليه وآله بعلي وفاطمة واحلسن واحلسني صلى هللا عليهم‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫[إمامة أهل البيت عليهم السالم‪ ،‬وصفات اإلمام]‬
‫مث جيب عليه أن يعلم أن اإلمامة ال جتوز إالَّ يف ولد احلسن واحلسني ؛ بتفضيل هللا هلما‪،‬‬
‫ِ ِ‬ ‫وجعله ذلك فيهما‪ ،‬ويف ذريتهما‪ ،‬حيث يقول تبارك وتعاىل‪ِ ِ :‬‬
‫يم َربُّهُ‬ ‫{وإذ ابْ تَ لَى إبْ َراه َ‬ ‫َ‬
‫ال َع ْه ِدي‬ ‫ال ال يَنَ ُ‬ ‫ال َوِم ْن ذُ ِريَِّيت قَ َ‬ ‫ك لِلن ِ‬
‫َّاس إِ َم ًاما قَ َ‬ ‫اعلُ َ‬ ‫ال إِِّن ج ِ‬
‫َ‬ ‫ات فَأَََتَُّه َّن قَ َ‬‫بِ َكلِم ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ني} [البقرة‪.]124:‬‬ ‫الظَّال ِم َ‬
‫فكانت النبوة واإلمامة والوصية وامللك يف ولد إبراهيم صلى هللا عليه‪ ،‬إىل أن بعث هللا‬
‫َممداً صلى هللا عليه وعلى آله فأفضت النبوة إليه‪ ،‬وختم هللا األنبياء به‪ ،‬وجعله خامت‬
‫اَّلل وب رَكاتُهُ َعلَْي ُكم أ َْهل الْب ْي ِ‬ ‫ِ‬
‫ت} [هود‪،]73:‬‬ ‫ْ َ َ‬ ‫{ر ْْحَةُ َّ َ َ َ‬ ‫النبيني وسيد املرسلني‪ ،‬وقال‪َ :‬‬
‫َّاس َعلَى َما‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫َي‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َم‬ ‫أ‬ ‫{‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫]‪،‬‬ ‫‪28‬‬ ‫[الزخرف‪:‬‬ ‫}‬ ‫وقال‪{ :‬وجعلَها َكلِمةً ِبقِيةً ِِف َع ِقبِ ِ‬
‫ه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ َ َ َ َ‬
‫اه ْم ُملْ ًكا‬ ‫اب َوا ْحلِ ْك َمةَ َو َءاتَ ْي نَ ُ‬ ‫ِ‬
‫يم الْكتَ َ‬
‫ضلِ ِه فَ َق ْد ءاتَي نَا ء َ ِ ِ‬
‫ال إبْ َراه َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫اَّللُ ِم ْن فَ ْ‬ ‫َء َاَت ُه ُم َّ‬
‫َع ِظيما} [النساء‪ ،]54:‬وقال موسى صلى هللا عليه لقومه‪{ :‬اي قَ وِم اذْ ُكروا نِعم َة َِّ‬
‫اَّلل‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ً‬
‫َح ًدا ِم َن‬ ‫ِ‬
‫اء َو َج َعلَ ُك ْم ُملُوًكا َو َء َاَت ُك ْم َما ََلْ يُ ْؤت أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْي ُك ْم إِ ْذ َج َع َل في ُك ْم أَنْبيَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب َوا ْحلُ ْك َم َوالنُّبُ َّوَة‬ ‫يل الْكتَ َ‬ ‫{ولََق ْد َءاتَ ْي نَا بَِين إ ْس َرائ َ‬
‫ني} [املائدة‪ ،]20:‬وقال‪َ :‬‬ ‫ال َْعالَ ِم َ‬
‫ني} [اجلاثية‪ ،]16:‬وقال‪{ :‬إِ َّن َّ‬ ‫اه ْم َعلَى ال َْعالَ ِم َ‬ ‫ات َوفَ َّ‬ ‫اهم ِمن الطَّيِب ِ‬
‫اَّللَ‬ ‫ضلْنَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َوَرَزقْنَ ُ ْ َ‬
‫ض َها ِم ْن‬ ‫ني(‪ )33‬ذُ ِريَّةً بَ ْع ُ‬ ‫ال إِب ر ِاهيم وء َ ِ‬
‫ال ع ْم َرا َن َعلَى ال َْعالَ ِم َ‬ ‫وحا َو َء َ ْ َ َ َ َ‬ ‫اد َم َونُ ً‬ ‫اصطََفى َء َ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل َِمس ِ‬ ‫بَ ْع ٍ‬
‫يم(‪[ })34‬آل عمران‪33:‬ـ‪ ،]34‬فكانت النبوة يف إبراهيم مث أفضت‬ ‫يع َعل ٌ‬‫ض َو َُّ ٌ‬
‫إىل إمساعيل‪ ،‬مث إىل إسحاق‪ ،‬مث إىل ابنه يعقوب‪ ،‬مث إىل ابنه يوسف‪ ،‬مث يف بين إسرائيل ـ‬
‫وهو يعقوب ـ األول فاألول‪ ،‬حىت كان آخرهم عيسى صلى هللا عليهم أمجعني‪ ،‬مث حول هللا‬
‫اَّلل} [الفتح‪ ،]29:‬مث‬ ‫ول َِّ‬ ‫{حمَ َّم ٌد َر ُس ُ‬
‫النبوة إىل َممد خامت النبيني‪ ،‬فقال سبحانه‪ُ :‬‬
‫ول فَ ُخ ُذوهُ َوَما َهنَا ُك ْم َع ْنهُ فَانْ تَ ُهوا} [احلشر‪ ،]7:‬وقال النيب‬
‫الر ُس ُ‬
‫{وَما َء َاَت ُك ُم َّ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫صلى هللا عليه وآله‪(( :‬إّن َترك فيكم الثقلني ما إن َتسكتم ِبما لن تضلوا من بعدي‬
‫أبداً‪ :‬كتاب هللا وعرتيت أهل بييت‪ ،‬إن اللطيف اْلبري نبأّن أهنما لن يفرتقا حَّت يردا علي‬
‫الر ْجس أ َْهل الْب ْي ِ‬
‫ت َويُطَ ِه َرُك ْم‬ ‫احلوض))‪ ،‬وقال سبحانه‪{ :‬إِ ََّّنَا ي ِري ُد َّ ِ ِ‬
‫ب َع ْن ُك ُم ِ َ َ َ‬ ‫اَّللُ ليُ ْذه َ‬ ‫ُ‬
‫َّاس َعلَى‬ ‫ريا} [األحزاب‪ ،]33:‬فبني األمر سبحانه فيهم وأوضحه‪{ ،‬لِئَال يَ ُكو َن لِلن ِ‬ ‫تَطْ ِه ً‬
‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫يما} [النساء‪ ،]165:‬وَممد من ولد إمساعيل‬ ‫اَّللُ َع ِز ًيزا َحك ً‬
‫الر ُس ِل َوَكا َن َّ‬
‫اَّلل ُح َّجةٌ بَ ْع َد ُّ‬
‫بن إبراهيم‪ ،‬وكذلك ذريته‪.‬‬
‫اد ََن}‪ ،‬فورثة الكتاب‪َ :‬ممد‪،‬‬ ‫اصطََفي نَا ِمن ِعب ِ‬ ‫ْكتَ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ْ ْ ْ َ‬ ‫اب الذ َ‬ ‫{مثَّ أ َْوَرثْ نَا ال َ‬
‫مث قال سبحانه‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫وعلي‪ ،‬واحلسن‪ ،‬واحلسني‪ ،‬ومن أولدوه من األخيار‪ ،‬مث قال يف ولدهم‪{ :‬فَ ِم ْن ُه ْم ظَاَلٌ‬
‫لِنَ ْف ِس ِه} [فاطر‪ ،]32:‬ففيهم إذ كانوا بشراً ما يف الناس‪.‬‬
‫َّ ِ‬
‫ار} [هود‪ ،]113:‬كما قال يف ولد‬ ‫س ُك ُم النَّ ُ‬
‫ين ظَلَ ُموا فَ تَ َم َّ‬ ‫{وال تَ ْرَكنُوا إِ ََل الذ َ‬
‫وقال‪َ :‬‬
‫{وِم ْن ذُ ِريَّتِ ِه َما ُْحم ِس ٌن َوظَ ِاَلٌ لِنَ ْف ِس ِه‬ ‫إبراهيم وإسحاق صلى هللا عليهما‪َ :‬‬
‫ني} [الصافات‪.]113:‬‬ ‫ُمبِ ٌ‬
‫{وِم ْن‬
‫وكان فيما بني هللا عز وجل خلليله إبراهيم صلى هللا عليه ؛ إذ قال إبراهيم‪َ :‬‬
‫اَّلل َعلَى‬ ‫ال َع ْه ِدي الظَّالِ ِمني}‪ ،‬مث قال‪{ :‬أَال لَعنَةُ َِّ‬ ‫ذُ ِريَِّيت} فقال له ربه‪{ :‬ال يَنَ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اَّللُ فَأُولَئِ َ‬ ‫ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫{وَم ْن ََلْ ََْي ُك ْم ِِبَا أَنْ َز َل َّ‬ ‫ني} [هود‪ ،]18:‬وقال‪َ :‬‬ ‫الظَّال ِم َ‬
‫اس ُقو َن}[املائدة‪.]47:‬‬ ‫الْ َكافِرو َن} [املائدة‪ ،]44:‬و {الظَّالِمو َن} [املائدة‪ ،]45:‬و {الْ َف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأن اإلمام من بعد احلسن واحلسني من ذريتهما من سار بسريهتما‪ ،‬وكان مثلهما‪ ،‬واحتذى‬
‫حبذومها‪ ،‬فكان ورعاً تقياً‪ ،‬صحيحاً نقياً‪ ،‬ويف أمر هللا سبحانه جماهداً‪ ،‬ويف حطام الدنيا‬
‫زاهداً‪ ،‬وكان فهماً ملا حيتاج إليه‪ ،‬عاملاً بتفسري ما يرد عليه‪ ،‬شجاعاً كمياً‪ ،‬بذوالً سخياً‪،‬‬
‫رؤوفاً ابلرعية‪ ،‬متعطفاً متحنناً حليماً‪ ،‬مساوايً هلم بنفسه‪ ،‬مشاوراً هلم يف أمره‪ ،‬غري مستأثر‬
‫عليهم‪ ،‬وال حاكم بغري حكم هللا فيهم‪ ،‬قائماً شاهراً لنفسه‪ ،‬رافعاً لرايته جمتهداً‪ ،‬مفرقاً‬
‫للدعاة يف البالد‪ ،‬غري مقصر يف أتليف العباد‪ ،‬خميفاً للظاملني‪ ،‬مؤمناً للمؤمنني‪ ،‬ال أيمن‬
‫الفاسقني وال أيمنونه‪ ،‬بل يطلبهم ويطلبونه‪ ،‬قد ابينهم وابينوه‪ ،‬وانصبهم وانصبوه‪ ،‬فهم له‬
‫خائفون‪ ،‬وعلى إهالكه جاهدون‪ ،‬يبغيهم الغوائل‪ ،‬ويدعو إىل جهادهم القبائل‪ ،‬متشرداً‬
‫عنهم‪ ،‬خائفاً منهم‪ ،‬ال يردعه عن أمور هللا وال مينعه عن االجتهاد عليهم كثرة اإلرجاف‪،‬‬
‫مشري مشمر‪ ،‬جمتهد غري مقصر‪.‬‬
‫فمن كان كذلك من ذرية احلسن واحلسني فهو اإلمام املفَتضة طاعته‪ ،‬الواجبة على األمة‬
‫نصرته‪ ،‬مثل من قام من ذريتهما من األئمة الطاهرين‪ ،‬الصابرين هلل احملتسبني‪ ،‬مثل زيد بن‬
‫علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب([‪ )]1‬رضي هللا عنه إمام املتقني‪ ،‬والقائم حبجة رب‬
‫العاملني‪ ،‬ومثل ابنه حيىي([‪ )]2‬احملتذي بفعله‪ ،‬ومثل َممد بن عبدهللا بن احلسن بن احلسن بن‬
‫علي بن أيب طالب([‪ ،)]3‬الذي جاء فيه اخلرب عن رسول هللا صلى هللا عليه وعلى آله‪ ،‬أنه‬
‫خرج ذات يوم إىل ابب املدينة‪ ،‬فوقف يف موضع ومعه مجاعة من أصحابه‪ ،‬فقال‬
‫هلم‪(( :‬أال إنه سيقتل ِف هذا املوضع رجل من ولدي‪ ،‬امسه كامسي‪ ،‬واسم أبيه كاسم أيب‪،‬‬
‫يسيل دمه من هاهنا إَل أحجار الزيت‪ ،‬وهو النفس الزكية‪ ،‬على قاتله ثلث عذاب‬
‫أهل النار))‪.‬‬
‫ومثل أخويه إبراهيم([‪ )]4‬وحيىي([‪ )]5‬ابين عبدهللا‪ ،‬ومثل احلسني بن علي بن احلسن بن‬
‫احلسن بن احلسن بن علي بن أيب طالب([‪ ،)]6‬وهو صاحب فخ‪ ،‬ومثل‬
‫َممد([‪ )]7‬والقاسم([‪ )]8‬ابين إبراهيم بن إمساعيل بن إبراهيم بن احلسن بن احلسن بن علي‬
‫بن أيب طالب‪ ،‬فمن كان كذلك من ذرية احلسن واحلسني فهو إمام جلميع املسلمني‪ ،‬ال‬
‫يسعهم عصيانه‪ ،‬وال حيل هلم خذالنه‪ ،‬بل جيب عليهم مواالته وطاعته‪ ،‬ويعذب هللا من‬
‫خذله‪ ،‬ويثيب من نصره‪ ،‬ويتوىل من يتواله‪ ،‬ويعادي من عاداه‪.‬‬
‫ومما روى احلسني بن علي بن أيب طالب عليهم السالم‪ ،‬قال‪ :‬أخربين أيب‪ ،‬قال‪ :‬قال جدي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وآله‪ ،‬قال‪(( :‬إنه سيخرج منا رجل يقال له زيد‪ ،‬فينتهب ملك‬
‫السلطان‪ ،‬فيقتل‪ ،‬مث يصعد بروحه إَل السماء الدنيا‪ ،‬فيقول له النبيون‪ :‬جزى هللا نبيك‬
‫عنا أفضل اْلزاء كما شهد لنا ِبلبالغ‪ ،‬وأقول أَن‪ :‬أقررت عيين اي بين‪ ،‬وأديت عين‪ ،‬مث‬
‫يذهب بروحه من مساء إَل مساء حَّت ينتهي به إَل هللا عز وجل([‪ ،)]9‬وجييء أصحابه يوم‬
‫القيامة يتخللون أعناق الناس َبيديهم أمثال الطوامري([‪ ،)]10‬فيقال‪ :‬هؤالء خلف‬
‫اْللف‪ ،‬ودعاة احلق إَل رب العاملني))‪.‬‬
‫وفيه‪ ،‬عن َممد بن احلنفية‪ ،‬أنه قال‪(( :‬سيصلب منا رجل يقال له زيد يف هذا املوضع ـ‬
‫اس ـ‪ ،‬مل يسبقه األولون وال اآلخرون فضالً))‪.‬‬ ‫يعين موضعاً ابلكوفة يقال له الْ حكنح ح‬
‫وفيه‪ ،‬عن َممد بن علي بن احلسني ابقر العلم‪ ،‬أن قوماً وفدوا إليه فقالوا‪ :‬اي ابن رسول‬
‫هللا‪ ،‬إن أخاك زيداً فينا‪ ،‬وهو يسألنا البيعة‪ ،‬أفنبايعه ؟ فقال هلم َممد‪ :‬ابيعوه‪ ،‬فإنه اليوم‬
‫أفضلنا‪.‬‬
‫وعنه أيضاً‪ :‬أنه اجتمع زيد وَممد يف جملس فتحدثوا‪ ،‬مث قام زيد فمضى‪ ،‬فأتبعه َممد‬
‫بصره‪ ،‬مث قال‪ :‬لقد أجنبت أمك اي زيد‪.‬‬
‫وفيه ما قال جعفر بن َممد الصادق ـ رمحة هللا عليه ـ لَّ َّما أراد زيد اخلروج إىل الكوفة من‬
‫املدينة ؛ قال له جعفر‪ :‬أان معك اي عم‪ .‬فقال له زيد‪ :‬أو ما علمت اي ابن أخي أن قائمنا‬
‫لقاعدان وقاعدان لقائمنا‪ ،‬فإذا خرجت أان وأنت فمن خيلفنا يف حرمنا‪ ،‬فتخلف جعفر أبمر‬
‫عمه زيد‪.‬‬
‫وعن جعفر أيضاً ملا أراد حيىي بن زيد اللحوق إىل أبيه‪ ،‬قال له ابن عمه جعفر‪ :‬أقرئه عين‬
‫السالم‪ ،‬وقل له‪ :‬فإين أسأل هللا أن ينصرك ويبقيك‪ ،‬وال يرينا فيك مكروهاً‪ ،‬وإن كنت أزعم‬
‫أين عليك إمام فأان مشرك‪.‬‬
‫{وَم ْن‬
‫وعنه أيضاً ملا جاءه خرب قتل أيب قرة الصقيل بني يدي زيد بن علي‪ ،‬تال هذه اآلية‪َ :‬‬
‫َج ُرهُ َعلَى‬‫ت فَ َق ْد َوقَ َع أ ْ‬ ‫اَّلل َوَر ُسولِ ِه ُمثَّ يُ ْد ِرْكهُ ال َْم ْو ُ‬
‫اجرا إِ ََل َِّ‬‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ََيْ ُر ْج م ْن بَ ْيته ُم َه ً‬
‫اَّلل} [النساء‪ ،]100:‬رحم هللا أاب قرة‪.‬‬ ‫َِّ‬
‫ص َدقُوا َما‬
‫ال َ‬ ‫وعنه أيضاً ملا جاءه خرب قتل محزة بني يدي زيد بن علي تال هذه اآلية‪ِ { :‬ر َج ٌ‬
‫ضى ََْنبَهُ َوِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْن تَ ِظ ُر َوَما بَ َّدلُوا‬ ‫اَّللَ َعلَْي ِه فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن قَ َ‬
‫اه ُدوا َّ‬‫َع َ‬
‫تَ ْب ِديالً} [األحزاب‪.]32:‬‬
‫وعنه ملا جاءه قتل عمه زيد وأصحابه‪ ،‬قال‪ :‬ذهب وهللا زيد بن علي كما ذهب علي بن‬
‫أيب طالب واحلسن واحلسني وأصحاهبم شهداء إىل اجلنة‪ ،‬التابع هلم مؤمن‪ ،‬والشاك فيهم‬
‫ضال‪ ،‬والراد عليهم كافر‪.‬‬
‫قوم كانوا ابيعوا زيد بن علي‪ ،‬فحـلَّ َّما بلغهم أن سلطان الكوفة‬ ‫ٍ‬
‫وإمنا َّفرق بني زيد وجعف ٍر ٌ‬
‫يطلب من ابيع زيداً ويعاقبهم‪ ،‬خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه خماف ًة من‬
‫هذا السلطان‪ ،‬مث مل يدروا ِِبح حيتجون على من المهم وعاب عليهم فعلهم‪ ،‬فقالوا ابلوصية‬
‫حينئذ‪ ،‬فقالوا‪ :‬كانت الوصية من علي بن احلسني إىل ابنه َممد‪ ،‬ومن َممد إىل جعفر‪،‬‬
‫ليموهوا به على الناس‪ ،‬فضلوا وأضلوا كثرياً‪ ،‬وضلوا عن سواء السبيل‪ ،‬اتبعوا أهواء أنفسهم‪،‬‬
‫وآثروا الدنيا على اآلخرة‪ ،‬وتبعهم على قوهلم من أحب البقاء وكره اجلهاد يف سبيل هللا‪.‬‬
‫مث جاء قوم من بعد أولئك فوجدوا كالماً مرسوماً يف كتب ودفاتر‪ ،‬فأخذوا بذلك على غري‬
‫متييز وال برهان‪ ،‬بل كابروا عقوهلم‪ ،‬ونسبوا فعلهم هذا إىل األخيار منهم؛ من ولد رسول هللا‬
‫عليه وعليهم السالم‪ ،‬كما نسبت احلشوية ما روت من أابطيلها وزور أقاويلها إىل رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬ليثبت هلم ابطلهم على من اختذوه مأكلة هلم‪ ،‬وجعلوهم خدماً‬
‫ِ‬
‫ْف َوِرثُوا الْكتَ َ‬
‫اب‬ ‫ف ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم َخل ٌ‬ ‫وخوالً‪ ،‬كما قال هللا عز وجل يف أشباههم‪{:‬فَ َخلَ َ‬
‫ض ِمثْ لُهُ ََيْ ُخ ُذوهُ أَََلْ يُ ْؤ َخ ْذ‬
‫ض َه َذا األَ ْد ََن َويَ ُقولُو َن َسيُ ْغ َف ُر لَنَا َوإِ ْن ََيْهتِِ ْم َع َر ٌ‬‫ََيْ ُخ ُذو َن َع َر َ‬
‫اَّلل إِالَّ ا ْحلَ َّق َو َد َر ُسوا َما فِ ِيه}[األعراف‪.]169:‬‬ ‫اب أَ ْن ال ي ُقولُوا َعلَى َِّ‬ ‫ْكتَ ِ‬‫َعلَي ِهم ِميثَا ُق ال ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫وكذلك هؤالء الذين رفضوا زيد بن علي وتركوه‪ ،‬مث مل يرضوا مبا أتوا من الكبائر؛ حىت نسبوا‬
‫ذلك إىل املصطفني من آل الرسول؛ فلما كان فعلهم على ما ذكران‪ ،‬مساهم حينئذ زيد‬
‫روافض‪ ،‬ورفع يديه فقال‪ :‬اللهم اجعل لعنتك ولعنة آابئي وأجدادي ولعنيت على هؤالء‬
‫الذين رفضوين‪ ،‬وخرجوا من بيعيت‪ ،‬كما رفض أهل حروراء علي بن أيب طالب عليه السالم‬
‫حىت حاربوه‪.‬‬
‫فهذا كان خرب من رفض زيد بن علي وخرج من بيعته‪.‬‬
‫وروي عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله‪ ،‬أنه قال لعلي بن أيب طالب‪(( :‬اي علي‪ ،‬إنه‬
‫سيخرج قوم ِف آخر الزمان‪َ ،‬لم نبز يعرفون به‪ ،‬يقال َلم‪ :‬الرافضة‪ ،‬فإن أدركتهم‬
‫فاقتلهم‪ ،‬فإهنم مشركون‪ ،‬فهم لعمري شر اْللق واْلليقة))‪.‬‬
‫وأما الوصية فكل من قال إبمامة أمري املؤمنني ووصيته‪ ،‬فهو يقول ابلوصية‪ ،‬على أن هللا عز‬
‫وجل أوصى خبلقه على لسان النيب إىل علي بن أيب طالب واحلسن واحلسني‪ ،‬وإىل األخيار‬
‫من ذرية احلسن واحلسني‪ ،‬أوهلم علي بن احلسني وآخرهم املهدي‪ ،‬مث األئمة فيما بينهما‪.‬‬
‫وذلك أن تثبيت اإلمامة عند أهل احلق يف هؤالء األئمة من هللا عز وجل على لسان رسول‬
‫ني فيه صفات‬ ‫ت هللا فيه اإلمامة‪ ،‬واختاره واصطفاه‪ ،‬وبحَّ ح‬
‫هللا صلى هللا عليه وآله‪ ،‬فمن ثبَّ ح‬
‫اإلمام فهو إمام عندهم مستوجب لإلمامة‪ ،‬لقول النيب صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬إذ‬
‫يقول‪(( :‬من أمر ِبملعروف وهنى عن املنكر من ذرييت فهو خليفة هللا ِف أرضه‪ ،‬وخليفة‬
‫كتابه‪ ،‬وخليفة رسوله))‪ ،‬قال‪(( :‬من ذرييت))‪ ،‬فولد احلسن واحلسني من ذرية النيب صلى‬
‫هللا عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫مث قال‪(( :‬عليكم َبهل بييت‪ ،‬فإهنم لن َيرجوكم من ِبب هدى‪ ،‬ولن يدخلوكم ِف ِبب‬
‫ردى))‪ ،‬وقال‪(( :‬مثل أهل بييت فيكم كسفينة نوح‪ ،‬من ركبها َنا‪ ،‬ومن َتلف عنها‬
‫غرق وهوى))‪ ،‬وقال‪((:‬النجوم أمان ألهل السماء‪ ،‬وأهل بييت أمان ألهل األرض‪ ،‬فإذا‬
‫ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون‪ ،‬وإذا ذهب أهل بييت من‬
‫األرض أتى أهل األرض ما يوعدون)) يعين يف مجيع ذلك‪ :‬الصاحلني من ولده‪ ،‬وقال‬
‫صلى هللا عليه وعلى أهل بيته‪(( :‬من مسع واعيتنا أهل البيت فلم ينصره َل يقبل هللا له‬
‫توبة حَّت تلفحه جهنم)) مث قال‪(( :‬من مات ال يعرف إمامه مات ميتة جاهلية))‪.‬‬
‫وهللا عز وجل قد جعل األمر والنهي يف خيار آل َممد عليه وعلى آله السالم‪ ،‬وزواه عن‬
‫ظامليهم وظاملي غريهم‪ ،‬ومكن أهل احلق منهم وأجازه هلم‪ ،‬وذلك قوله تبارك‬
‫الزَكا َة وأَمروا ِِبلْمعر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وف‬ ‫َ ُْ‬ ‫الصال َة َوآتَ ُوا َّ َ َ ُ‬
‫ض أَقَ ُاموا َّ‬ ‫ين إِ ْن َم َّكن ُ‬
‫َّاه ْم ِِف األ َْر ِ‬ ‫وتعاىل‪{ :‬الذ َ‬
‫آمنُوا ِم ْن ُك ْم‬ ‫ين َ‬
‫َّلل َعاقِبةُ األُموِر} [احلج‪ ،]41:‬مث قال‪{ :‬و َع َد َّ َّ ِ‬
‫اَّللُ الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬
‫َو َهنَْوا َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َو َّ َ ُ‬
‫ين ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم َولَيُ َم ِكنَ َّن ََلُ ْم‬ ‫ض َكما استَ ْخلَ َ َّ ِ‬
‫ف الذ َ‬ ‫َّه ْم ِِف األ َْر ِ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫احل ِ‬
‫ات لَيَ ْستَ ْخل َفن ُ‬
‫و َع ِملُوا َّ ِ‬
‫الص َ‬ ‫َ‬
‫َّه ْم ِم ْن بَ ْع ِد َخ ْوفِ ِه ْم أ َْمنًا يَ ْعبُ ُدونَِين ال يُ ْش ِرُكو َن ِيب َش ْي ئًا‬ ‫ِ‬
‫ضى ََلُ ْم َولَيُ بَدلَن ُ‬ ‫ِدينَ ُه ُم الَّ ِذي ْارتَ َ‬
‫اس ُقو َن} [النور‪ ،]55:‬وقال سبحانه لرسله‪{ :‬فَأ َْو َحى‬ ‫ك ُهم الْ َف ِ‬ ‫ومن َك َفر ب ْع َد ذَلِ َ ِ‬
‫ك فَأُولَئ َ ُ‬ ‫ََ ْ َ َ‬
‫ك لِ َم ْن َخ َ‬
‫اف‬ ‫ض ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ني(‪َ )13‬ولَنُ ْسكنَ نَّ ُك ُم األ َْر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِلَْي ِه ْم َرُِّبُ ْم لَنُ ْهل َك َّن الظَّال ِم َ‬
‫ال‬
‫يد(‪[ })14‬إبراهيم‪13:‬ـ‪ ،]14‬وقوله إلبراهيم صلى هللا عليه‪{ :‬ال يَنَ ُ‬ ‫اف و ِع ِ‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫م َق ِ‬
‫ام‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ني}[البقرة‪ ،]124:‬وعلى هذا النحو قال تبارك وتعاىل‪{ :‬قُ ِل اللَّ ُه َّم َمالِ َ‬ ‫ِ‬
‫َع ْهدي الظَّال ِم َ‬
‫ِ‬
‫شاءُ}[آل عمران‪ ،]26:‬يعين األنبياء ومن تبعهم من األئمة‬ ‫ْك َم ْن تَ َ‬ ‫ْك تُ ْؤِيت ال ُْمل َ‬ ‫الْمل ِ‬
‫ُ‬
‫اَّلل وُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫ني} [التوبة‪ ،]119:‬وكقول إبراهيم عليه‬ ‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫الصادقني‪ ،‬كقوله‪{ :‬اتَّ ُقوا ََّ َ‬
‫شاءُ} [آل‬ ‫ْك ِِمَّ ْن تَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السالم‪{ :‬فَ َم ْن تَب َع ِين فَِإنَّهُ م ِين} [إبراهيم‪ ،]36:‬مث قال‪َ :‬‬
‫{وتَنْ ِزعُ ال ُْمل َ‬
‫عمران‪ ،]26:‬فقد نزع امللك من الفراعنة واجلبابرة‪ ،‬وإمنا امللك هو األمر والنهي‪ ،‬ال املال‬
‫َح ُّق‬
‫ْك َعلَْي نَا َوََْن ُن أ َ‬‫ََن يَ ُكو ُن لَهُ ال ُْمل ُ‬ ‫والسعة واجلدة‪ ،‬كما قال عز وجل عندما قالوا‪{ :‬أ َّ‬
‫ادهُ بَ ْسطَ ًة ِِف ال ِْعل ِْم‬
‫اصطََفاهُ َعلَْي ُك ْم َوَز َ‬‫اَّللَ ْ‬ ‫ال إِ َّن َّ‬ ‫ت َس َع ًة ِمن الْم ِ‬
‫ال قَ َ‬ ‫ْك ِم ْنهُ َوََلْ يُ ْؤ َ‬
‫ِِبلْمل ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ني عز وجل يف هذه اآلية أن‬ ‫شاءُ} [البقرة‪ ،]247:‬فقد بحَّ ح‬ ‫َوا ْْلِ ْس ِم َو َّ‬
‫اَّللُ يُ ْؤِيت ُملْ َكهُ َم ْن يَ َ‬
‫شاءُ} [آل عمران‪ ،]26:‬فقد‬ ‫{وتُِع ُّز َم ْن تَ َ‬
‫امللك هو األمر والنهي‪ ،‬ال سعة املال‪ ،‬مث قال‪َ :‬‬
‫أعز األنبياءح ومن تبعهم من األئمة الصادقني وأوليائهم الصاحلني‪ ،‬وذلك قوله‬ ‫َّ‬
‫َّلل ال ِْع َّزةُ ولِرسولِ ِه ولِل ِ‬‫سبحانه‪{ :‬وَِِّ‬
‫ني} [املنافقون‪ ،]8:‬واملؤمن ال ميلك من متاع الدنيا‬ ‫ْم ْؤمنِ َ‬
‫ََُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫{وتُ ِذ ُّل َم ْن‬
‫شيئاً‪ ،‬فسماه هللا عزيزاً ؛ إذ فعله ذلك يوصله إىل دار العز أبد األبد‪ ،‬مث قال‪َ :‬‬
‫شاءُ} [آل عمران‪ ،]26:‬فقد أذل الفراعنة ومن تبعهم من الظاملني ؛ ألهنم معتدون غري‬ ‫تَ َ‬
‫َمقني‪.‬‬
‫فكل من كان يف يده أمر وهني‪ ،‬وكان فعله خمالفاً للكتاب والسنة فهو فرعون من‬
‫الفراعنة‪ ،‬وكل عامل متمرد فهو إبليس من األابلسة‪ ،‬وكل من عصى الرمحن من سائر الناس‬
‫س َوا ْْلِ ِن} [األنعام‪ ،]112:‬مث‬
‫ني ا ِإلنْ ِ‬ ‫ِ‬
‫فهو شيطان من الشياطني‪ ،‬وذلك قوله‪َ { :‬شيَاط َ‬
‫قال‪ِ :‬‬
‫{م َن ا ْْلِن َِّة َوالن ِ‬
‫َّاس} [الناس‪.]6:‬‬
‫والظامل وإن اتسع يف هذه الدنيا من مال غريه‪ ،‬وأكثر من مظامل الناس‪ ،‬ووقع عند اجلاهل‬
‫أنه عزيز‪ ،‬فهو عند هللا عز وجل وعند أوليائه ذليل ؛ ألن فعله ذلك يورده إىل دار الذل أبد‬
‫س ال ِْم َه ُ‬
‫اد} [آل‬ ‫ئ‬
‫ْ‬‫اه ْم َج َهنَّم وبِ‬‫ْو‬ ‫أ‬‫م‬ ‫مث‬
‫َّ‬‫ُ‬ ‫يل‬‫األبد‪ ،‬كما قال هللا عز وجل‪{:‬متاعٌ قَلِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ََ‬
‫عمران‪.]197:‬‬
‫وقال النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف األمراء الظاملني‪(( :‬طعمة قليلة وندامة طويلة))‪،‬‬
‫وفعل هؤالء الظاملني وأمرهم وسلطنتهم؛ إمنا تقوم أبعواهنم الذين يتبعوهنم‪ ،‬ويعينوهنم على‬
‫ظلمهم‪ ،‬وإذا تفرق األعوان منهم وأسلموهم مل تقم هلم دولة‪ ،‬وال تثبت هلم راية‪ ،‬فمىت كثرت‬
‫مجاعتهم تقووا هبم على ابطلهم‪ ،‬واستضعفوا املستضعفني من خلق هللا‪ ،‬وأمهل هلم رهبم‬
‫وتركهم‪ ،‬ومل ححيحل بينهم وبني من يظلموهنم ؛ إذ كلٌّ ظامل‪ ،‬القوي واملستضعف‪ ،‬وذلك قوله‬
‫ضا ِِبَا َكانُوا يَ ْك ِسبُو َن} [األنعام‪،]129:‬‬ ‫ِ‬ ‫{وَك َذلِ َ‬
‫ض الظَّال ِم َ‬
‫ني بَ ْع ً‬ ‫ك نُ َوِّل بَ ْع َ‬ ‫عز وجل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫وقال‪{ :‬أَََل تَر أ َََّن أَرسلْنَا َّ ِ‬
‫ني َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫ين تَ ُؤزُُّه ْم أَزًّا} [مرمي‪ ،]83:‬يقول‪:‬‬ ‫الشيَاط َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬
‫يد} [اإلسراء‪،]50:‬‬‫ْس َش ِد ٍ‬
‫ُوّل ََب ٍ‬ ‫خليناهم عليهم‪ ،‬كما قال‪{ :‬بَ َعثْ نَا َعلَْي ُك ْم ِعبَ ً‬
‫ادا لَنَا أ ِ‬
‫وكما قال النيب صلى هللا عليه وآله‪(( :‬لتأمرن ِبملعروف ولتنهن عن املنكر‪ ،‬أو ليسلطن‬
‫خيارُكم فال يستجاب َلم‪ ،‬حَّت‬
‫هللا عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب‪ ،‬مث يدعو ُ‬
‫إذا بلغ الكتاب أجله كان هللا املنتصر لنفسه‪ ،‬فيقول‪ :‬ما منعكم إذ رأيتموّن أُعصى أن‬
‫ال تغضبوا ِف))‪.‬‬
‫فمن هذه اجلهة ترك الظاملني ومل أيخذهم؛ ألن الرعية يف ظلمهم وتظاملهم فيما بينهم‬
‫أصناف‪ :‬فقوم يقولون على هللا ابجلرب والتشبيه‪ ،‬وينفون عنه العدل والتوحيد‪ ،‬وينسبون إليه‬
‫عز وجل أفعال العباد‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن هذا الذي نزل هبم بقضاء وقح حد ٍر‪ ،‬ولوال أن هللا قضى‬
‫عليهم هبذا الظلم الذي نزل هبم من هؤالء الظاملني ما إذاً قدر الظامل أن يظلمهم‪ ،‬غري أن‬
‫َّر عليهم عند هللا على يدي هذا الظامل‪ ،‬فإذا كانت معرفتهم هذه املعرفة‪،‬‬ ‫هذا الظلم حم حقد ٌ‬
‫وكان معبودهم الذي يزعمون أهنم يعبدونه هذا فعله هبم؛ فمىت يصل هؤالء إىل معرفة‬
‫اخلالق‪ ،‬ومىت يدعونه ويستعينون به على ظاملهم ؟ إمنا هم يدعون هذا الذي يزعمون أنه‬
‫قضى عليهم هبذا الظلم وقدره‪ ،‬وهلذا يصلون‪ ،‬وله يصومون وحيجون‪ ،‬وبه يف مجيع ما يحـْن ِزحل‬
‫هبم من الظلم واجلور واملصائب يف املال والولد والبدن يستغيثون به على دفع هذه املضار‬
‫والبلوى اليت نزلت هبم‪.‬‬
‫فهم يبعدون صورة مصورة‪ ،‬وعلى هذا النحو أسلمهم رهبم‪ ،‬وتركهم من التوفيق والتسديد‪،‬‬
‫وخذهلم ومل ينصرهم على ظاملهم‪ ،‬وكيف ينصرهم على ظاملهم وهو الْ حم حق ِّد حر هلذا الظامل عليهم‬
‫الذي نزل هبم ؟ فهو الذي يدعونه بزعمهم‪.‬‬
‫أما إهنم لو أنصفوا عقوهلم‪ ،‬وعرفوا هللا عز وجل حق معرفته‪ ،‬ونفوا عنه ظلم عباده‪ ،‬كما‬
‫حينئذ على‬ ‫ٍ‬ ‫نفاه عز وجل عن نفسه‪ ،‬مث أمروا ابملعروف وهنوا عن املنكر‪ ،‬ودعوا رهبم‬
‫ظاملهم ؛ إذاً الستجاب هلم دعوهتم‪ ،‬وكشف ما هبم من الظلم واجلور‪ ،‬وذلك قوله عز‬
‫{وَكا َن َح ًّقا َعلَْي نَا نَ ْ‬
‫ص ُر‬ ‫وجل‪{ :‬ا ْدعُ ِوّن أ ْ ِ‬
‫ب لَ ُك ْم} [غافر‪ ،]60:‬وقال‪َ :‬‬ ‫َستَج ْ‬
‫ِ‬ ‫ني} [الروم‪َ { ،]47:‬ك َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ني} [يونس‪.]103:‬‬ ‫ك َح ًّقا َعلَْي نَا نُ ْن ِج ال ُْم ْؤمنِ َ‬ ‫ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫اَلوامش‬

‫([‪ )]1‬هو اإلمام أبو احلسني زيد بن علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب عليهم السالم‪ ،‬فاتح ابب اجلهاد واالجتهاد ‪ ،‬والغاضب هلل يف األرض‪ ،‬مولده‪75 :‬هـ‪،‬‬

‫على أصح األقوال‪ ،‬دعا إىل هللا يف زمن هشام بن عبدامللك األموي‪ ،‬وابيعه مجهور أهل الكوفة وكثري من فقهائها‪ ،‬وأنفذ الدعاة إىل البلدان ‪ ،‬واستجاب له عامل من‬

‫الناس ‪ ،‬وكان وعد أصحابه للظهور ليلة األربعاء أول ليلة من صفر عام ‪122‬هـ‪ ،‬وأحوج إىل الظهور قبل ذلك لوقوف يوسف بن عمر على أمره‪ ،‬فظهر ليلة األربعاء‬

‫لسبع بقني من احملرم ‪ ،‬ومل ِ‬


‫يف له إال عدد يسري ممن كان ابيعه ‪ ،‬فقاتل عليه السالم حىت أصيب بسهم يف جبينه عشية اجلمعة خلمس بقني من احملرم سنة ‪122‬هـ‬

‫فد ّل عليه يوسف بن عمر فأخرجه وصلبه يف الكناسة ‪ ،‬وبقي مصلوابً سنة وأشهراً‪ ،‬وقيل سنتني‪ ،‬مث‬
‫حجري املاء عليه تعمية لقربه‪ ،‬ح‬
‫على األصح‪ ،‬فدفن يف مكان وأ ْ‬

‫أححرق جسده الشريف وذروه يف الفرات‪ ،‬وإليه تنسب الفرقة الزيدية‪ ،‬وبسبب رفضه مسيت الفرقة الرافضة رافضة‪ ،‬لرفضهم له‪ ،‬قال اإلمام عبدهللا بن احلسن عليه‬

‫السالم‪ ( :‬العلم بيننا وبني الناس علي بن أيب طالب‪ ،‬والعلم بيننا وبني الشيعة زيد بن علي)‪.‬‬

‫وله عليه السالم يف حال صلبه الكرامات العجيبة املشهورة‪.‬‬

‫انظر ترمجته يف التحف شرح الزلف ط‪.63/3/‬‬


‫([‪ )]2‬هو اإلمام أبو طالب حيىي بن اإلمام زيد بن علي عليهم السالم‪ ،‬مولده عليه السالم سنة ‪97‬هـ على األرجح‪ ،‬وكان أبوه عليه السالم قد أوصاه حني حرمي‬

‫بقتال الظاملني وأعداء الدين‪ ،‬فخرج من الكوفة فدخل خراسان‪ ،‬وانتهى إىل بلخ‪ ،‬وكان قد أخذه نصر بن سيار فقيّده وحبسه‪ ،‬وكتب إىل يوسف بن عمر أبمره‬

‫وكتب يوس ف إىل الوليد بن يزيد بذلك‪ ،‬فكتب الوليد أيمره ابإلفراج عنه‪ ،‬وترك التعرض له وألصحابه‪ ،‬فخرج من عنده إىل بيهق‪ ،‬وأظهر الدعوة هناك‪ ،‬ووقعت له مع‬

‫اجليوش األموية وقعات إىل أن اجتمع عليه اجليوش الذين أنفذهم نصر بن سيار لقتاله‪ ،‬فقاتلهم عليه السالم ثالثة أايم حىت قحتل أصحابه وأتته نشابة يف جبهته‪ ،‬وكان‬

‫قتْله عليه السالم يف شهر رمضان عشية اجلمعة ‪126‬هـ‪ ،‬وعمره ‪28‬سنة‪ ،‬وصلب على ابب مدينة اجلوزجان‪ ،‬فبقي إىل أن ظهر أبو مسلم فأنزله وغسله وكفنه أبمبري‬

‫‪ ،‬وقيل يف قرية تقابلها‪ ،‬ومشهده معروف جبوزجان مزور‪.‬‬

‫انظر ترمجته يف التحف شرح الزلف ط‪.76/3/‬‬

‫([‪ )]3‬هو اإلمام املهدي أبو القاسم َممد بن أيب األئمة عبدهللا الكامل احملض بن احلسن بن احلسن السبط عليهم السالم‪ ،‬ورد فيه عن النيب صلى هللا عليه وآله‬

‫وسلم أنه خرج ذات يوم إىل ابب املدينة فقال‪(( :‬أال وإنه سيقتل ِف هذا املوضع رجل من أوالدي امسه كامسي واسم أبيه كاسم أيب يسيل دمه من هاهنا إَل‬

‫أحجار الزيت‪ ،‬وهو النفس الزكية‪ ،‬على قاتله ثلث عذاب أهل النار))‪.‬‬

‫وكان قوايً شجاعاً إذا حمححل على األعداء مسعت فيهم قصفة كأجيج النار ‪.‬‬

‫ظهر عليه السالم ابملدينة لليلتني بقيتا من مجادى اآلخرة سنة ‪145‬هـ‪ ،‬وروي يف غرة رجب ‪ ،‬وخرج منها إىل مكة ‪ ،‬ووجه أخاه إبراهيم عليه السالم إىل البصرة‪.‬‬

‫ووجه إليه أبو جعفر الدوانيقي عيسى بن َممد بن علي بن عبدهللا بن عباس وحاربه إىل أن قحتل يف شهر رمضان الكرمي سنة ‪145‬هـ‪ ،‬وقيل سنة ‪146‬هـ‪.‬‬

‫انظر ترمجته يف التحف شرح الزلف ط‪.77/3/‬‬

‫([‪ )]4‬هو اإلمام أبو احلسن إبراهيم بن عبدهللا بن احلسن بن احلسن السبط عليهم السالم‪ ،‬دعا بعد قتل أخيه سنة ‪145‬هـ‪ ،‬وابيعته املعتزلة مع الزيدية‪ ،‬وكاد أن‬

‫يقضي على آخر اجليوش العباسية فأاته سهم غائر فأصاب جبينه وذلك يوم االثنني يف أول ذي احلجة سنة ‪145‬هـ‪ .‬انظر ترمجته يف التحف شرح الزلف ط‪.97/3/‬‬

‫([‪ )]5‬هو اإلمام أبو احلسني حيىي بن عبدهللا بن احلسن بن احلسن السبط ـ عليهم السالم ـ دعا عليه السالم بعد قتل اإلمام احلسني بن علي الفخي‪ ،‬وكان يف‬

‫الوقعة اليت قحتل فيها‪ ،‬وأحصيب ذلك اليوم‪ ،‬وخرج عليه السالم بعدها إىل اليمن‪ ،‬فدخل صنعاء‪ ،‬وأقام فيها شهوراً‪ ،‬وأخذ عنه علماء اليمن ‪ ،‬وجال البلدان فدخل بالد‬

‫السودان ووصل بالد الَتك واستقبله ملكها وأسلم على يديه سراً‪ ،‬وملا استقر يف بالد الديلم ضاقت على هارون األرض مبا رحبت‪ ،‬فسعى حبيل مذكورة يف كتب‬

‫التاريخ إىل أن استقدمه إليه‪ ،‬فسمه بعد أن أعطاه أماانً فيه أميان مغلظة‪ ،‬وتويف يف حبسه ببغداد‪ .‬انظر ترمجته يف التحف شرح الزلف ط‪.112/3/‬‬

‫([‪ )]6‬هو اإلمام أبو عبدهللا احلسني بن علي بن احلسن بن احلسن بن احلسن بن علي بن أيب طالب عليهم السالم‪ ،‬كان عليه السالم شجاعاً شخياً ‪ ،‬ظهر ابملدينة‬

‫ليلة السبت يف إحدى عشرة بقيت من ذي القعدة سنة ‪169‬هـ‪ ،‬وقيل سنة ‪168‬هـ‪ ،‬وابيعه مجاعة من أهل بيته وكثري من الشيعة‪ ،‬وخرج إىل مكة ومعه من تبعه وهم‬

‫زهاء ثالمثائة ‪ ،‬فلما صاروا بفخ لقيتهم اجليوش العباسية والتقوا يف يوم الَتوية ‪ ،‬وثبت عليه السالم يف أصحابه يقاتلهم حىت قحتل‪ ،‬وكان له يوم قحتِل إحدى وأربعون‬

‫سنة‪ ،‬وقد كان الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم صلى يف املوضع الذي قحتل فيه وبكى‪ ،‬وأخرب أصحابه فقال‪((:‬أخَبّن جَبيل َبن رجالً من ولدي يقتل ِبذا املكان‬

‫ِف عصبة من املؤمنني أجر كل شهيد معه أجر شهيدين))‪.‬‬

‫انظر ترمجته يف التحف شرح الزلف ط‪.108/3/‬‬


‫([‪ )]7‬هو اإلمام أبو القاسم َممد بن إبراهيم بن إمساعيل الديباج بن إبراهيم الشبه بن احلسن الرضا بن احلسن السبط بن الوصي علي بن أيب طالب عليهم السالم‪،‬‬

‫دعا يف الكوفة سنة ‪ 199‬هـ يف شهر مجادى األوىل‪ ،‬بعث أخاه اإلمام القاسم بن إبراهيم إىل مصر وزيد بن الكاظم بن جعفر إىل البصرة‪.‬‬

‫روى علماء أهل البيت عليهم السالم عن اإلمام زيد بن علي أنه قال‪ ( :‬يبايع لرجل منا عند قصر الغرتني سنة ‪199‬هـ يف عشر من مجادى األوىل يباهي هللا به‬

‫املالئكة)‪.‬‬

‫قحتل يف أايمه عليه السالم وأايم اإلمام َممد بن َممد بن زيد من جنود العباسية مائتا ألف ومخسون ألفاً‪ ،‬وتويف عليه السالم شهيداً سنة ‪199‬هـ‪ ،‬لليلة خلت من‬

‫رجب وعمره ‪ 26‬سنة‪ .‬انظر ترمجته يف التحف شرح الزلف ط‪.144/3/‬‬

‫([‪ )]8‬هو اإلمام أبو َممد جنم آل الرسول وإمام املعقول واملنقول القاسم بن إبراهيم بن إمساعيل بن إبراهيم بن احلسن بن احلسن السبط صلوات هللا عليهم وسالمه‪.‬‬

‫قام ملا مسع مبوت أخيه اإلمام َممد بن إبراهيم مبصر سنة ‪199‬هـ‪ ،‬ولبث يف دعائه اخللق إىل هللا إىل سنة ‪246‬هـ‪ ،‬ورد فيه عن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أنه‬

‫قال‪(( :‬اي فاطمة إن منك هادايً ومهدايً ومستلب الرِبعيتني‪ ،‬لو كان بعدي نيب لكان إايه))‪ .‬له املؤلفات العظيمة والكثرية ‪ّ ،‬‬
‫وخترج عليه كثري من أصحابه العلماء‪،‬‬

‫وتويف عليه السالم وله ‪ 77‬سنة يف الرس اليت انتقل إليها آخر أايمه‪ ،‬وهي أرض اشَتاها عليه السالم وراء جبل أسود ابلقرب من ذي احلليفة‪ .‬انظر ترمجته يف التحف‬

‫شرح الزلف ط‪.145/3/‬‬

‫([‪ )]9‬إن هللا سبحانه وتعاىل منـزه عن املكان‪ ،‬واملعىن ‪:‬حىت ينتهي به إىل املكان الذي جعله هللا تعاىل مقراً ألرواح الشهداء ممن كان مثله‪ ،‬وذلك مثل قول إبراهيم‬

‫ذاهب إَل َريب َسيَ ْهدين))‪ ،‬فالذهاب إىل هللا تعاىل ليس على حقيقته‪ ،‬ألنه ـ صلوات هللا تعاىل عليه وعلى آله ـ حمل يربح‬
‫ٌ‬ ‫اخلليل صلوات هللا تعاىل عليه وعلى آله ((إّن‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وإمنا معناه يف ذهابه إىل حربِِّه‪ :‬توجهه إليه بعبادته‪ ،‬وتشاغله عن سواه"‪ ،‬وكذلك قوله تعاىل {إِل َْي ِه يَ ْ‬
‫ح‬ ‫ص َع ُد الْ َكل ُم الطَّي ُ‬
‫ب َوال َْع َم ُل الصَّال ُ‬ ‫حال ذهابه‪َّ ،" ،‬‬
‫األرض ح‬
‫ح‬

‫ت‬
‫توج حه ْ‬
‫تعبدت به‪ ،‬ولتصعد أبعمال العباد إليه‪ ،‬وإمنا ح‬
‫ْ‬ ‫يَ ْرفَ عُهُ}‪ ،‬فمعناها‪ :‬أن املالئكة ـ عليهم الصالة والسالم ـ"تح ْ‬
‫ص حع حد أبعمال العباد إىل املوضع من السماء اليت‬

‫اهيم إىل حربِِّه‪ ،‬مبعىن توجهه بعبادته إليه" كما قال اإلمام جنم آل الرسول القاسم بن إبراهيم بن إمساعيل بن إبراهيم بن احلسن بن‬
‫بتلك العبادة إىل هللا كما ذهب إبر ح‬
‫العمل الصالِ حح‬
‫الطيب و ح‬
‫ح‬ ‫القول‬
‫أن ح‬ ‫الرضي ـ عليه السالم ـ يف تلخيص البيان يف تفسريها‪ :‬وإمنا املراد‪َّ :‬‬
‫احلسن بن علي بن أيب طالب ـ عليهم السالم ـ‪ ،‬وقال الشريف َّ‬

‫متقبالن عند هللا عز وجل‪ ،‬واصالن إليه سبحانه مبعىن أهنما يبلغان رضاه‪ ،‬ويناالن زلفاه‪ ،‬وأنَّه تعاىل ال يضيعهما‪ ،‬وال يهمل اجلزاء عليهما‪ ،‬وهذا كقول القائل لغريه‪:‬‬

‫قد تحـحرقَّى إىل األمري ما فعلته‪ ،‬أي بلغه ذلك على وجهه‪ ،‬وعرفه على حقيقته‪ ،‬وليس يريد به االرتقاء الذي هو االرتفاع‪ ،‬وضده االخنفاض‪.‬‬

‫ِ‬
‫كم‬ ‫ووج ه آخر‪ :‬قيل إن معىن ذلك‪ :‬صعود األقوال واألعمال إىل حيث ال ميحْلك احلكم فيه إالَّ هللا تعاىل كما يقال‪ :‬ارتفع ح‬
‫أمر القوم إىل القاضي‪ ،‬إذا انتهوا إىل أن ححي ح‬
‫خصامهم"‪ ،‬واحلمد هلل الواحد العدل‪.‬‬ ‫بينهم‪ ،‬ويـ ْف ِ‬
‫ص حل‬
‫ح‬ ‫ح‬
‫([‪ )]10‬الطوامري مجع طحومار‪ ،‬وهي الصحيفة‪ ،‬متت من القاموس‪.‬‬

You might also like