‫أيها المس لمون ‪ :‬اتق وا ربكم وتوب وا إليه ب الرجوع من معص يته إلى طاعته ‪،‬‬

‫الذنوب إلى التطهر منها ؛ فإن هللا‬ ‫ومن البعد عنه إلى التقرب إليه ‪ ،‬ومن رجس ّ‬
‫أن هللا أم ركم بالتوبة إليه في كتابه‬ ‫يحب التوابين ويحب المتطهّ رين ‪ .‬واعلم وا ّ‬
‫العزيز فقال سبحانه ‪:‬‬
‫س ى َر ُّب ُك ْم َأنْ يُ َكفِّ َر َع ْن ُك ْم َ‬
‫س يَِّئاتِ ُك ْم‬ ‫وحا َع َ‬
‫ص ً‬ ‫ين آ َمنُ وا تُوبُ وا ِإلَى هَّللا ِ ت َْوبَ ةً نَ ُ‬‫﴿ يَا َأ ُّي َها الَّ ِذ َ‬
‫ر ﴾ [التحريم‪]٨:‬‬‫ت ت َْج ِري ِمنْ ت َْحتِ َها اَأْل ْن َها ُ‬‫َويُ ْد ِخلَ ُك ْم َجنَّا ٍ‬
‫ون ﴾‬
‫[النور‪]٣١:‬‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وتُوبُوا ِإلَى هَّللا ِ َج ِمي ًعا َأ ُّيهَ ا ْل ُمْؤ ِمنُ َ‬
‫ون لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح َ‬
‫وروى مس لم في ص حيحه أن رس ول هللا ص لى هللا عليه وس لم ق ال ‪(( :‬يَا َأيُّ َها‬
‫وب فِي ا ْليَ ْو ِم ِإلَ ْي ِه ِماَئةَ َم َّر ٍة )) فالتوبة واجب ةٌ من‬ ‫اس تُوبُوا ِإلَى هَّللا ِ فَِإنِّي َأتُ ُ‬ ‫النَّ ُ‬
‫كل المعاصي والذنوب ألمر هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم بذلك ‪.‬‬
‫أيها المس لمون ‪ :‬إن لل ذنوب والمعاصي أض راراً كث يرة ؛ فهي س بب ل نزول‬
‫المصائب والعقوبات والقوارع ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ر ﴾ [الشورى‪]٣٠:‬‬ ‫سبَتْ َأ ْي ِدي ُك ْم َويَ ْعفُو عَنْ َكثِي ٍ‬ ‫صيبَ ٍة فَبِ َما َك َ‬ ‫﴿ َو َما َأ َ‬
‫صابَ ُك ْم ِمنْ ُم ِ‬
‫وهل في الدنيا واآلخرة شر وداء إال وسببه الذنوب والمعاصي !!‬
‫فما الذي أغرق في األرض جميعا ً حتى عال الماء رؤوس الجبال ؟‬
‫وما الذي سلَّط الرياح على قوم هود حتى ألقتهم موتى كأنهم أعج از نخل خاوية‬
‫؟‬
‫وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطَّعت قلوبهم في أجوافهم ؟‬
‫وما الذي قلَب قرية لوط فجعل عاليها سافلها ثم أتبعهم حجارة فأبادتهم ؟‬
‫وما الذي أغرق فرعون وقومه ؟‬
‫وما الذي خسف بقارون وماله وأهله ؟‬
‫إن السبب له ذا كله ‪ -‬يا عب اد هللا ‪ -‬إنما هو ال ّذنوب والمعاصي ‪ ،‬ق ال تع الى‪﴿ :‬‬ ‫ّ‬
‫الص ْي َحةُ َو ِم ْنهُ ْم َم ْن‬‫اص بًا َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َأ َخ َذ ْت هُ َّ‬ ‫فَ ُكاًّل َأ َخ ْذنَا بِ َذ ْنبِ ِه فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن َأرْ َس ْلنَا َعلَ ْي ِه َح ِ‬
‫ون ﴾‬ ‫ظلِ ُم َ‬ ‫ظلِ َمهُ ْم َولَ ِك ْن َك انُوا َأ ْنفُ َس هُ ْم يَ ْ‬
‫ان هَّللا ُ لِيَ ْ‬
‫ض َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َأ ْغ َر ْقنَا َو َما َك َ‬
‫َخ َس ْفنَا بِ ِه اَأْلرْ َ‬
‫[العنكبوت‪]٤٠:‬‬
‫‪Maka masing-masing (mereka itu) Kami siksa disebabkan dosanya, maka di‬‬
‫‪antara mereka ada yang Kami timpakan kepadanya hujan batu kerikil dan di‬‬
‫‪antara mereka ada yang ditimpa suara keras yang mengguntur, dan di antara‬‬
‫‪mereka ada yang Kami benamkan ke dalam bumi, dan di antara mereka ada‬‬
‫‪yang Kami tenggelamkan, dan Allah sekali-kali tidak hendak menganiaya‬‬
‫‪mereka, akan tetapi merekalah yang menganiaya diri mereka sendiri.‬‬

‫‪1‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬ليس أح ٌد معصوم من الذنوب إال من عصم هللا ‪ ،‬ففي صحيح‬
‫مسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه ق ال ق ال رس ول هللا ص لى هللا عليه وس لم‬
‫ون هَّللا َ فَيَ ْغفِ ُر لَ ُه ْم ))‬
‫ستَ ْغفِ ُر َ‬ ‫ب هَّللا ُ بِ ُك ْم َولَ َجا َء بِقَ ْو ٍم يُ ْذنِبُ َ‬
‫ون فَيَ ْ‬ ‫((لَ ْو لَ ْم تُ ْذنِبُوا لَ َذ َه َ‬
‫وروى الترمذي وابن ماجة عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ‪ :‬ق ال رس ول‬
‫ون )) فل ذا‬ ‫ين التَّ َّوابُ َ‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم (( ُك ُّل بَنِي آ َد َم َخطَّا ٌء َو َخ ْي ُر ا ْل َخطَّاِئ َ‬
‫فتح هللا باب التوبة لعباده ووعد بالقبول ‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و ُه َو الَّ ِذي يَ ْقبَ ُل التَّ ْوبَ ةَ عَنْ‬
‫ون ﴾ [الشورى‪ ، ]٢٥:‬وقال صلى هللا عليه وس لم‬ ‫ت َويَ ْعلَ ُم َما تَ ْف َعلُ َ‬
‫سيَِّئا ِ‬‫ِعبَا ِد ِه َويَ ْعفُو َع ِن ال َّ‬
‫س طُ يَ َدهُ بِالنَّ َه ا ِر‬ ‫س ي ُء النَّ َه ا ِر َويَ ْب ُ‬ ‫سطُ يَ َدهُ بِاللَّ ْي ِل لِيَتُ َ‬
‫وب ُم ِ‬ ‫((ِإنَّ هَّللا َ َع َّز َو َج َّل يَ ْب ُ‬
‫ها )) صحيح مسلم رقم ‪.)322 /13( 4954‬‬ ‫س ِمنْ َم ْغ ِربِ َ‬ ‫ش ْم ُ‬‫سي ُء اللَّ ْي ِل َحتَّى تَ ْطلُ َع ال َّ‬ ‫وب ُم ِ‬‫لِيَتُ َ‬
‫إن التوبة هي الرج وع من المعص ية إلى الطاعة ‪ ،‬وال بد من‬ ‫أيها المسلمون ‪ّ :‬‬
‫التوبة من ثالثة شروط إن فُقِد أحدها لم تصح التوبة ‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن يقلع عن المعصية إقالعا ً تاما ‪ ،‬وعالمته مفارقة الذنب فورا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬الندم على فعلها ‪ ،‬وعالمته وقوع الحزن على ما فات ‪.‬‬
‫والث الث ‪ :‬الع زم أن ال يع ود إلى المعص ية أب دا ‪ ،‬وعالمته الت دارك لما ف ات‬
‫وإصالح ما هو آت ‪.‬‬
‫فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي زاد على ذلك ش رطا ً رابع وهو ‪ :‬أن ي برأ‬
‫إلى هللا من هذا الحق وذلك بر ِّده إلى صاحبه أو استحالله منه ‪.‬‬
‫ف إن ك ان الماضي تفريطا في عب اد ٍة قض اها ‪ ،‬أو مظلم ٍة أداها ‪ ،‬أو خطيئة ال‬
‫ت وجب غرامة ح زن إذ تعاطاها ‪ ،‬فتوب وا إلى هللا جميعا أيها المس لمون وال‬
‫تس وفوا بالتوبة ‪ ،‬واعلم وا أن التوبة تجبُّ ما قبلها من ال ذنوب مهما عظمت ‪،‬‬
‫واعلموا أن هللا تواب رحيم ‪.‬‬
‫وب‬ ‫س ِه ْم اَل تَ ْقنَطُوا ِمنْ َر ْح َم ِة هَّللا ِ ِإنَّ هَّللا َ يَ ْغفِ ُر ُّ‬
‫الذنُ َ‬ ‫س َرفُوا َعلَى َأ ْنفُ ِ‬ ‫ين َأ ْ‬ ‫﴿ قُ ْل يَا ِعبَا ِد َ‬
‫ي الَّ ِذ َ‬
‫َج ِمي ًعا ِإنَّهُ ُه َو ا ْل َغفُو ُر ال َّر ِحي ُم ﴾ [الزمر‪. ]٥٣:‬‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن الكريم ونفع ني وإي اكم بما فيه من اآلي ات وال ذكر‬
‫الحكيم ‪ .‬أق ول ق ولي ه ذا وأس تغفر هللا لي ولكم ولس ائر المس لمين من كل ذنب‬
‫فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ‪.‬‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫أيها الناس اتقوا هللا وأطيعوه وامتثل وا أم ره وال تعص وه ‪ ،‬وب ادروا بالتوبة إليه‬
‫قبل أن يغلق ب اب التوبة ‪ ،‬ف إن هللا ال يقبل توبة عب ده إذا غرغر بروحه ق ال‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫ض َر َأ َح َد ُه ُم ا ْل َم ْوتُ قَا َل ِإنِّي تُ ْبتُ اآْل َن‬
‫ت َحتَّى ِإ َذا َح َ‬
‫سيَِّئا ِ‬
‫ون ال َّ‬ ‫ت التَّ ْوبَةُ لِلَّ ِذ َ‬
‫ين يَ ْع َملُ َ‬ ‫س ِ‬‫﴿ َولَ ْي َ‬
‫﴾ [النساء‪]١٨:‬‬

‫ولن يقبل هللا توبة عباده إذا طلعت الشمس من مغربها قال صلى هللا عليه وس لم‬
‫ب ‪ ،‬فَ ِإ َذا طَلَ َعتْ طُبِ َع‬ ‫س ِمنْ ا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫الش ْم ُ‬‫‪(( :‬اَل ت ََزا ُل التَّ ْوبَةُ َم ْقبُولَةً َحتَّى تَ ْطلُ َع َّ‬
‫ب بِ َما فِي ِه ))‬ ‫َعلَى ُك ِّل قَ ْل ٍ‬
‫فتوب وا إلى هللا جميع ا ً أيها المس لمون وأك ثروا من األعم ال الص الحة الخالصة‬
‫لوجه هللا المطابقة لس نة رس وله ص لى هللا عليه وس لم ‪ ،‬ف الكيِّس من دان نفسه‬
‫وعمل لما بعد الموت ‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على هللا األماني ‪.‬‬

‫حممد صلى اهلل عليه وسلم فقد‬ ‫والسراج املنري ٍ‬ ‫وصلوا وسلِّموا على البشري النذير ِّ‬
‫أمركم اهلل بذلك يف كتابه العزيز بعد أن أخرب سبحانه أنه ومالئكته يصلّون عليه فقال‬
‫صلُّوا‬ ‫ين آ َمنُوا َ‬ ‫ون َعلَى النَّبِ ِّي يَا َأيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫ُصلُّ َ‬ ‫سبحانه وتعاىل ‪ِ ﴿ :‬إ َّن هَّللا َ َو َماَل ِئ َكتَهُ ي َ‬
‫َعلَ ْي ِه َو َسلِّ ُموا تَ ْسلِيما ً ﴾ [األحزاب‪ ، ]٥٦:‬وبنَّي صلى اهلل عليه وسلم فضل الصالة عليه‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َع ْشًرا )) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صلَّى َعلَ َّي َواح َد ًة َ‬
‫بقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪َ (( :‬م ْن َ‬
‫اللهم ص ‪Rِّ R R‬ل وس ‪RR R‬لم وب ‪RR R‬ارك على عب ‪RR R‬دك ورس ‪RR R‬ولك نبينا حممد ص‪RR R‬احب املق ‪RR R‬ام احملم ‪RR R‬ود‬
‫الراش‪RR R‬دين اهلاديني امله‪RR R‬ديني أيب بكر وعمر‬ ‫وارض اللهم عن خلف‪RR R‬اءه ّ‬ ‫ِ‬ ‫واحلوض املورود‬
‫ص‪R R R‬حابة أمجعني ‪ ،‬ومن تبعهم بإحس ‪RR R‬ان إىل ي ‪RR R‬وم‬ ‫وعثم ‪RR R‬ان وعلي ‪ ،‬وارض اللهم عن ال ّ‬
‫الدين ‪ ،‬وعنا معهم مبنك وكرمك وإحسانك يا أكرم األكرمني‪.‬‬
‫ودمر أع‪RR‬داء ال‪RR‬دين ‪ ،‬واحم‬‫وأذل الش‪RR‬رك واملش‪RR‬ركني ‪ِّ ،‬‬
‫اللهم أعز اإلس‪RR‬الم واملس‪RR‬لمني ‪ّ ،‬‬
‫ح‪RR R R‬وزة اإلس‪RR R R‬الم يا رب الع‪RR R R‬املني ‪ .‬اللهم آمنا يف أوطاننا وأص‪RR R R‬لح أئمتنا ووالة أمورنا‬
‫اللهم أبرم هلذه األمة أمر ر ْش ٍد يُ ُّ‬
‫عز‬ ‫باحلق وبه يعدلون ‪ّ .‬‬ ‫واجعلهم هدا ًة مهتدين يقولون ّ‬
‫فيه أهل طاعتك وي‪RR R‬ذل فيه أهل معص‪RR R‬يتك وي‪RR R‬ؤمر فيه ب‪RR R‬املعروف ويُنهى فيه عن املنكر‬
‫‪3‬‬
‫إنّك على كل ش‪RR R‬يء ق‪RR R‬دير ‪ .‬اللهم اغفر للمس‪RR R‬لمني واملس‪RR R‬لمات واملؤم‪RR R‬نني واملؤمن‪RR R‬ات‬
‫األحي‪RR R R R R‬اء منهم واألم‪RR R R R R‬وات ‪ .‬اللهم اغفر ذن‪RR R R R R‬وب املذنبني وتب على الت ‪RR R R‬ائبني واكتب‬
‫الصحة والعافية للحجاج واملعتمرين واملقيمني واملسافرين من املسلمني ‪.‬‬
‫اللهم أحسن عاقبتنا يف األم‪RR‬ور كلها وأجرنا من خ‪RR‬زي ال ‪RR‬دنيا وع‪RR‬ذاب‪ R‬اآلخ ‪RR‬رة ‪ .‬اللهم‬
‫أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا اليت فيها معاشنا ‪ ،‬وأصلح لنا‬
‫آخرتنا اليت إليها معادنا ‪ ،‬واجعل احلياة زيادة لنا يف كل خري واملوت راحة لنا من ك‪Rِّ R‬ل‬
‫شر ‪ .‬ربنا اغفر لنا وإلخواننا ال ‪RR R R R‬ذين س ‪RR R R R‬بقونا باإلميان وال جتعل يف قلوبنا غال لل ‪RR R R‬ذين‬
‫آمن ‪RR‬وا ربنا إنك رؤوف رحيم ‪ .‬ربنا ال ت ‪RR‬زغ قلوبنا بعد إذ ه ‪RR‬ديتنا وهب لنا من ل ‪RR‬دنك‬
‫رمحة إنك أنت الوه‪RR R‬اب ‪ .‬ربنا آتنا يف ال‪RR R‬دنيا حس‪RR R‬نة ويف اآلخ‪RR R‬رة حس‪RR R‬نة وقنا ع‪RR R‬ذاب‬
‫النار‪.‬‬
‫ان َوِإيتَ ا ِء ِذي ْالقُ رْ بَى َويَ ْنهَى َع ِن‬ ‫ْأ‬
‫عب‪RR R R‬اد اهلل ‪ِ ﴿ :‬إ َّن هَّللا َ يَ ُم ُر بِ ْال َع ْد ِل َواِإْل حْ َس ِ‬
‫ُون ﴾ ف‪RR‬اذكروا اهلل العلي العظيم اجلليل‬ ‫ْالفَحْ َشا ِء َو ْال ُم ْن َك ِر َو ْالبَ ْغ ِي يَ ِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّكر َ‬
‫ُون ﴾‬ ‫يذكركم ‪ ،‬واشكروه على نعمه يزدكم ﴿ َولَ ِذ ْك ُر هَّللا ِ َأ ْكبَ ُر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َما تَصْ نَع َ‬
‫‪.‬‬

‫‪4‬‬