Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
إن الحمد هلل نحمده ونستعٌنه ونستؽفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن
سٌبات أعمالنا من ٌهده هللا فبل مضل له ،ومن ٌضلل فبل هادي له ،وأشهد أن ال إله
إال هللا وحده ال شرٌك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وعلى آله وصحبه
وسلم تسلٌما ً.
} [آل هللا َح َّ ُت َقا ِت ِه َوال َتمُو ُتنَّ إِالَّ َوأَ ْن ُت ْم مُسْ لِم َ
ُون ٌِن آ َم ُنوا ا َّتقُوا َّ َ { ٌَا أَ ٌُّ َها الَّذ َ
س َوا ِح َد ٍة َو َخلَ َ ِم ْن َها َز ْو َج َها عمرانٌَ { ]102:ا أَ ٌُّ َها ال َّناسُ ا َّتقُوا َر َّب ُك ْم الَّذِي َخلَ َق ُك ْم ِمنْ َن ْف ٍ
ان َعلَ ٌْ ُك ْم هللا َك َ ون ِب ِه َواألَرْ َحا َم إِنَّ َّ َ ث ِم ْن ُه َما ِر َجاالً َكثٌِراً َو ِن َسا ًء َوا َّتقُوا َّ َ
هللا الَّذِي َت َت َسا َءل ُ َ َو َب َّ
َرقٌِبا ً} [النساء.]1 :
هللا َوقُولُوا َق ْوالً َسدٌِداًٌُ ،صْ لِحْ لَ ُك ْم أَعْ َمالَ ُك ْم َو ٌَ ْؽ ِفرْ لَ ُك ْم ٌِن آ َم ُنوا ا َّتقُوا َّ َ { ٌَا أَ ٌُّ َها الَّذ َ
از َف ْوزاً َع ِ ٌما ً } [األحزاب .]70،71 :أما بعد: ُذ ُنو َب ُك ْم َو َمنْ ٌُطِ عْ َّ َ
هللا َو َرسُولَ ُه َف َق ْد َف َ
والتكفٌر إجماالً ،وتكفٌر المعٌن ،وبٌان فإن البحث فً موضوع الكفر وبٌانه
ير ،والبعد شروطه ،وموانعه ذو أهمٌة بالؽة .تكمن هذه األهمٌة فً وجوب الحذر من التكؾ
عنه ،فهو عبلمة شقاوة العبد فً الدنٌا واآلخرة .وهو أٌضا ً أع م الذنوب واآلثام ،وأشدها
خطراً ،وأع مها وقعا ً وأثراً ،وهو أخوؾ ما ٌخافه وٌحذره المإمنون وفً ذلك نصوص
ان َف َق ْد َح ِب َط َع َمل ُ ُه َوه َُو فًِ من الوحٌٌن متكاثرة جداً ..منها قوله تعالىَ { :و َمن ٌَ ْكفُرْ ِب ِ
اإلٌ َم ِ
ٌن}[المابدة ،]5 :وفً سورة النساء ٌقول عز وجلٌَ { :ا أَ ٌُّ َها الَّذ َ
ٌِن اآلخ َِر ِة م َِن ْال َخاسِ ِر َ
نز َل مِن َق ْب ُل َو َمن ِي أَ َب الَّذ َب الَّذِي َن َّز َل َعلَى َرسُولِ ِه َو ْال ِك َتا ِ اهلل َو َرسُولِ ِه َو ْال ِك َتا ِ آ َم ُنو ْا آ ِم ُنو ْا ِب َّ ِ
ضبلَالً َبعٌِداً } [النساء،]136 : ض َّل َ ٌَ ْكفُرْ ِب َّ ِ
اهلل َو َمبلَ ِب َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه َو ْال ٌَ ْو ِم اآلخ ِِر َف َق ْد َ
ٌل } ض َّل َس َوا َء الس َِّب ِ ان َف َق ْد َ
اإلٌ َم ِ وٌقول سبحانه فً سورة البقرةَ { :و َمن ٌَ َت َب َّد ِل ْال ُك ْف َر ِب ِ
[البقرة.]108 :
كذلك من أهمٌة طر مثل هذه الموضوع أن التكفٌر ٌنقل من الملة فً الدنٌا؛ فٌنال
أحكام الكفار .والكفر عاقبته فً اآلخرة خلود صاحبه فً النار ،ودوام عذاب جهنم علٌه
فٌها أبدا ،حٌث نص هللا على ذلك الخلود المإبد له فً عذابه فً ثبلثة مواضع من كتابه
3
المنزل:
1ـ وأول هذه المواضع الثبلثة ،فً آخر سورة النساء ،حٌث قال عز وجل{ :إِنَّ الَّذ َ
ٌِن
ٌِن َك َفرُو ْا َو َ لَمُو ْا لَ ْم ٌَ ُك ِن ضبلَالً َبعٌِداً ،إِنَّ الَّذ َ ضلُّو ْا َ ٌل َّ ِ
هللا َق ْد َ ص ُّدو ْا َعن َس ِب ِ َك َفرُو ْا َو َ
ك َعلَى َّ ِ
هللا ان َذلِ َ ٌِن فٌِ َها أَ َبداً َو َك َ َّ
هللا ُ لِ ٌَ ْؽف َِر لَ ُه ْم َوالَ لِ ٌَ ْه ِد ٌَ ُه ْم َط ِرٌقاً ،إِالَّ َط ِرٌ َ َج َه َّن َم َخالِد َ
ٌَسِ ٌراً} [النساء.]169–167 :
ك ال َّناسُ َع ِن السَّا َع ِة قُ ْل إِ َّن َما عِ ْل ُم َها 2ـ وفً آخر سورة األحزاب ٌقول سبحانهٌَ { :سْ ؤَل ُ َ
ٌن َوأَ َع َّد لَ ُه ْم َسعٌِراً، ك لَ َع َّل السَّا َع َة َت ُكونُ َق ِرٌباً ،إِنَّ َّ َ
هللا لَ َع َن ْال َكاف ِِر َ عِ ن َد َّ ِ
هللا َو َما ٌ ُْد ِرٌ َ
ون َولِ ٌّا ً َوال َنصِ ٌراً}[األحزاب.]65 –63 : ٌِن فٌِ َها أَ َبداً الَّ ٌَ ِج ُد َ َخالِد َ
ك ِب ِه أَ َحداً ،قُ ْل إِ ِّنً ال أَ ْم ِل ُ
ك لَ ُك ْم 3ـ وآخر سورة الجن { :قُ ْل إِ َّن َما أَ ْدعُو َربًِّ َوال أ ُ ْش ِر ُ
هللا أَ َح ٌد َولَنْ أَ ِج َد مِن ُدو ِن ِه م ُْل َت َحداً ،إِالَّ َببلؼا ً ٌرنًِ م َِن َّ ِضرّ اً َوال َر َشداً ،قُ ْل إِ ِّنً لَن ٌُ ِج َ َ
ار َج َه َّن َم َخالِد َ
ٌِن فٌِ َها ص َّ َ
هللا َو َرسُولَ ُه َفإِنَّ لَ ُه َن َ هللا َو ِر َساال ِت ِه َو َمن ٌَعْ ِ م َِّن َّ ِ
أَ َبداً}[الجن20 :ـ ]23وحدٌث الخلود ألهل الجنة بالجن ة ،وألهل النار فٌها ٌـذبح
الكبش فً صورة الموت حدٌث مشهور معروؾ ،فعن أبً سعٌد الخدري – رضً
هللا عنه – عن النبً – – قال:
"ٌإتى بالموت كهٌبة كبش أملح ،فٌنادي منا ٍدٌ :ا أهل الجنة ،فٌشرببون وٌن رون!
فٌقول :هل تعرفون هذا؟ فٌقولون :نعم! هذا الموت ،وكلهم قد رآه ،فٌُذبح ،ثم ٌقولٌ :ا أهل
الجنة خلود فبل موت ،وٌا أهل النار خلود فبل موت ،ثم قرأَ { :وأَن ِذرْ ُه ْم ٌَ ْو َم ْال َحسْ َر ِة إِ ْذ
}[مرٌم "]39 :متف علٌه وهذا لف قُضِ ًَ األَ ْم ُر َو ُه ْم فًِ َؼ ْفلَ ٍة َو ُه ْم ال ٌ ُْإ ِم ُن َ
ون
البخاري ( )مع ما رتب هللا على الكفر من العذاب الشدٌد والسعٌر السرمدي ،وسخطه
وعقوبته ما ٌضٌ هذا الم قام عن بسطه ،وتعداد ومقدار أنواعه المذكورة فً كبلمه تعالى
ضى ٌِن َك َفرُوا لَ ُه ْم َنا ُر َج َه َّن َم ال ٌُ ْق َالقرآن ،ومن ذلك قوله تعالى فً سورة فاطرَ { :والَّذ َ
ور}[فاطر.]36 : ك َنجْ ِزي ُك َّل َكفُ ٍَعلٌَ ِْه ْم َف ٌَمُو ُتوا َوال ٌ َُخ َّفؾُ َع ْنهُم مِّنْ َع َذ ِاب َها َك َذلِ َ
كذلك فإن الكفر قسٌم اإلٌمان فً مسابل األسماء واألحكام " ،وذلك فً اسم العبد فً
( )
أخرجه البخاري فً صحٌحه فً عدة مواضع منها ( )4730و( ،)6548وأخرجه مسلم فً صحٌحه كتاب الجنة
وصفة نعٌمها وأهلها ،باب النار ٌدخلها الجبارون (.)2849
4
الدنٌا هل هو مإمن أو كافر؟ ثم حكم ذلك المترتب علٌه فً اآلخرة :أمن أهل الجنة؟ أو
"مسابل من أهل النار؟ .ولو لم ٌكن من أهمٌة البحث هذا إال بٌان جبللة هذه المسؤلة:
األسماء واألحكام" ،لكفى بذلك ،وحسبك به!
وقد لفت إلى ذلك علماء اإلسبلم فً تصانٌفهم ومإلفاتهم فً موضوع اإلٌمان والرد
على المرجبة من جهة ،والرد على الوعٌدٌة من الخوارج والمعتزلة من جهة أخرى.
ولذا ٌقول شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة فً "الكٌبلنٌة" ( ) فً معرض بٌانه لموضوع الكفر
والتكفٌر وعبلقته بالهدى ،وأسبابه ودواعٌه ،ومنهج المبتدعة فٌه ،حٌث قال" :فصل :إذا
تبٌن ذلك فاعلم أن مسابل التكفٌر هً من مسابل األسماء واألحكام التً ٌتعل بها الوعد
والوعٌد فً الدار اآلخرة ،وتتعل بها المواالة والمعاداة ،والقتل والعصمة وؼٌر ذلك فً
الدار الدنٌا؛ فإن هللا سبحانه أوجب الجنة للمإمنٌن ،وحرم الجنة على الكافرٌن ،وهذا من
األحكام الكلٌة فً كل وقت ومكان" .اهـ.
وبنحو هذا ما لح ه الحاف بن رجب الحنبلً فً شرحه لحدٌث جبرٌل – علٌه
السبلم – فً بٌان اإلسبلم ،واإلٌمان ،واإلحسان حٌث ٌقول ( )" :وهذه المسابل ،أعنً
مسابل اإلٌمان ،والكفر والنفا ،مسابل ع ٌمة جداً؛ فإن هللا عز وجل عل بهذه األسماء
السعادة ،والشقاوة ،واستحقا الجنة والنار.
واالختبلؾ فً أسمابها أول اختبلؾ وقع فً هذه األمة ،وهو خبلؾ الخوارج
للصحابة ،حٌث أخرجوا عصاة الموحدٌن من اإلسبلم بالكلٌة ،وأدخلوهم فً دابرة الكفر،
وعاملوهم معاملة الكفار ،واستحلوا بذلك دماء المسلمٌن وأموالهم.
ثم حدث بعدهم خبلؾ المعتزلة وقولهم بالمنزلة بٌن المنزلتٌن .ثم حدث خبلؾ
المرجبة وقولهم :إن الفاس مإمن كامل اإلٌمان .وقد صنؾ العلماء قدٌما ً وحدٌثا ً فً هذه
المسابل تصانٌؾ متعددة" .واعتنوا بها عناٌة ع ٌمة ،فقدموا الرد على الجهمٌة والمعتزلة
فً انحرافهم فً اإلٌمان قبل الرد علٌهم فً انحرافهم فً األسماء والصفاتٌ ،جد هذا من
ٌطالع كتب السنة:لئلمام أحمد وابنه عبد هللا والخبلل وابن أبً عاصم..الخ.
5
ولما كان التكفٌر من أخطر األحكام وأع مها ،حٌث ٌترتب علٌه من اآلثار
الخطٌرة ،كإباحة دم المسلم وماله ،وتطلٌ زوجته ،وقطع التوارث بٌنه وبٌن أقربابه،
وتحرٌم دفنه مع المسلمٌن وقبل ذلك تحرٌم ؼسله والصبلة علٌه ،والدعاء له ،وما إلى
ذلك من أحكام تلح المرتد .جاء عنه – – أنه قال" :ومن رمى مإمنا بكفر فهو
الكفر على كقتله "( ) ،وقد جاءت األحكام الشرعٌة بالتحذٌر من التسرع فً إطبل
المسلم ،فعن عبد هللا بن عمر – رضً هللا عنهما – ،أن رسول هللا – ،– قال" :أٌما
رجل قال ألخٌهٌ :ا كافر فقد باء بها أحدهما"( ).
قال الشوكانً رحمه هللا" :اعلم أن الحكم على المسلم بخروجه من دٌن اإلسبلم،
ودخوله فً الكفر ال ٌنبؽً لمسلم ٌإمن باهلل والٌوم اآلخر أن ٌقدم علٌه إال ببرهان واضح
أوضح من شمس النهار"..ا هـ( ).
ولما كانت مسؤلة التكفٌر لٌست باألمر الهٌن ،احتاط الشرع فً إطبلقها احتٌاطا ً
ر ،وحتى ال تستباح أموال الناس وأعراضهم شدٌداً فؤوجب التثبت ،حتى ال ٌتهم مسلم بكؾ
ٌل َّ ِ
هللا َف َت َب ٌَّ ُنوا َوال ض َر ْب ُت ْم فًِ َس ِب ِ بمجرد ال ن والهوى ،قال تعالىٌَ { :ا أَ ٌُّ َها الَّذ َ
ٌِن آ َم ُنوا إِ َذا َ
}[النساء]94 : ض ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا
ون َع َر َت م ُْإمِنا ً َت ْب َت ُؽ ََتقُولُوا لِ َمنْ أَ ْل َقى إِلَ ٌْ ُك ُم السَّبل َم لَسْ َ
فحذرهم من التسرع فً التكفٌر ،وأمرهم بالتثبت فً ح من هرت منه عبلمات اإلسبلم
فً موطن لٌس أهله بمسلمٌن .ومما ٌدل على احتٌاط الشرع فً التكفٌر ،إٌجابه التحق
من وجود شروط التكفٌر وانتفاء موانعه ،فبل ٌجوز تكفٌر معٌن إال بعد التحق من ذلك
أكًاً بعٌدا عن التعصب والهوى ،وأناط حكم ذلك وإنفاذه بالعلماء والقضاة الحاكمٌن
تحققا ً د
بالشرٌعة .هذا طرؾ مهم من أهمٌة موضوع الكفر واإلٌمان ،والتبصر فٌهما وتعلم
مسابلهما وإدراك ذلك إدراكا ً جٌداً ،مع الحذر الشدٌد من االنزال فً مهاوي التكفٌر
والتبدٌع والتفسٌ ،أو الحكم على المعٌن بكمال إٌمان أو جنة أو نار ،إال من شهد له
النص الشرٌؾ من الوحٌٌن بذلك ،فهذه قاعدة أصٌلة من قواعد أهل السنة والجماعة؛ بل
ومن أصول عقابدهم.
( )
رواه البخاري (.)6105
( )
صحٌح البخاري ( ،)6103وصحٌح مسلم (.)60
( )
فتح القدٌر .27/2
6
فجاء هذا البحث – بقدر االستطاعة – حول تكفٌر المعٌِّن فً شرطه وموانعه ،وأهم
قواعده وضوابطه وكانت خطة البحث على النحو التالً:
المقدمة :وفٌها حمد هللا والثناء علٌه ،والتنوٌه بؤهمٌة الموضوع وخطره ،ومهماته.
التمهٌد :وفٌه مبحثان:
1ـ المبحث األول :التنوٌه بؤهم قواعد وضوابط التكفٌر ،والكفر وأنواعه.
2ـ المبحث الثانً :الفر بٌن التكفٌر المطل والتكفٌر المعٌن.
ثم الفصل األول :وٌتضمن شروط تكفٌر المعٌن.
وتضمن المباحث التالٌة:
1ـ المبحث األول :الشرط األول التكلٌؾ.
2ـ المبحث الثانً :الشرط الثانً العلم.
3ـ المبحث الثالث :الشرط الثالث القصد.
4ـ المبحث الرابع :الشرط الرابع االختٌار.
ثم الفصل الثانً :وتضمن موانع تكفٌر المعٌن.
وفٌه المباحث التالٌة:
1ـ المبحث األول :المانع األول عدم التكلٌؾ.
2ـ المبحث الثانً :المانع الثانً الجهل.
3ـ المبحث الثالث :المانع الثالث الخطؤ والتؤوٌل.
4ـ المبحث الرابع :المانع الرابع اإلكراه.
الخاتمة.
ثم فهرس المراجع.
هذا وما كان فٌه من صواب وح فمحض توفٌ هللا وهداٌته ،وما كان من ن ِّد قلم أو
سهو أو خطؤ وزلل فمن نفسً والشٌطان ،وأعوذ باهلل منه.
وأسؤل هللا عز وجل أن ٌتقبله عنده وٌدخره لنا ٌوم لقاه ،وٌجعله خالصا ً لوجهه،
مقربا ً للزلفى لدٌه ،وأن ٌنفع به ،وٌتقبله منا ،إنه سبحانه جواد كرٌم وصلى هللا على نبٌنا
محمد وآله صحبه أجمعٌن.
7
التمهٌد
المبحث األول
وفٌه قواعد مهمة فً التكفٌر ،والكفر وأنواعه
التكفٌر من المسابل الع ٌمة المهمة المتعلقة بالتعامل مع الناس ،والحكم علٌهم؛ ولذا
أولتها الشرٌعة عناٌة ع ٌمة واحتفى بها علماء المسلمٌن ،واعتنوا بالتنوٌه بها تؤصٌبلً
وتدلٌبلً وتعرٌفا ً وتمثٌبلً ،فمن خبلل استقراء العلماء النصوص الشرعٌة استنبطوا قواعد
فً التكفٌر ،وهذه القاعدة فً أصلها جنس تشمل عدة قواعد ،وضوابط البد من معرفتها
قبل ذكر أنواع الكفر بالقلب ،والقول ،والعمل ،حٌث ٌترتب على فهم هذه القواعد
والضوابط فهم موضوع الكفر والتكفٌر عند أهل السنة والجماعة ،واطراد قواعدهم
وأصولهم فٌه وعدم اضطرابها.
وهذه القواعد والضوابط هً كالتالً:
–1الكفر اصطبلح وحكم شرعً محض ،مرده إلى هللا فً كتابه ،وإلى رسوله – –
فً سنته الصحٌحة الثابتة عنه ،ولٌس مبناه على الهوى والتشهً وسوء ال ن أوفاسد
الفهم .فمن كفّرهم هللا أو كفّرهم رسوله – – عٌنا ً أو جنسا ً أو وصفا ً وجب وتعٌن
تكفٌرهم ،وما ال فبل ،ولٌس ألحد ابتداء تكفٌرهم دون مستند شرعً صحٌح
وصرٌح.
،وفرعون ، أ– فممن ُك ِّف َر فً النص الشرٌؾ وحٌا ً على سبٌل التعٌٌن :إبلٌس
وهامان ،وأبو جهل ،وأبو لهب ،وامرأته حمالة الحطب ،وأمٌة بن خلؾ،
ونحوهم.
8
–2التكفٌر حك ٌم شرعً محض من أحكام ا لشرٌعة له أسبابه ،وضوابطه ،وشروطه ،
وموانعه ،وآثاره ،شؤنه فً ذلك شؤن سابر األحكام الشرعٌة ،ولهذا فهو حكم شرعً
محض مرده إلى ذكره هللا وذكر رسوله فهو ح هلل – عز وجل – ،وح لرسوله
ومصطفاه علٌه الصبلة والسبلم.
قال شٌخ اإلسبلم فً مجموع الفتاوى ( )" :ألن الكفر حكم شرعً وإنما ٌثبت باألدلة
الشرعٌة"...ا.هـ .وقال رحمه هللا فً رده على البكري ( )" :فلهذا كان أهل العلم
والسنة ال ٌكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالؾ ٌكفرهم؛ ألن الكفر حكم شرعً
فلٌس لئلنسان أن ٌعاقب بمثله كمن كذب علٌك ،وزنى بؤهلك لٌس لك أن تكذب علٌه
وتزنً بؤهله؛ ألنَّ الكذب والزنا حرا ٌم لح هللا.
وكذلك التكفٌر ح هلل فبل ٌكفر إال من كفره هللا ورسوله وأٌضا ً فإن تكفٌر الشخص
المعٌن وجواز قتله موقوؾ على أن تبلؽه الحجة النبوٌة التً ٌكفر من خالفها وإال
فلٌس ك ُّل من جهل شٌبا من الدٌن ٌكفر"...ا.هـ.
( )
مجموع الفتاوى= البن تٌمٌة (.)78/17
( )
االستقامة والرد على البكري= البن تٌمٌة (.)381/1
9
صحٌحه من طرٌ أبً معمر عن عبد الوارث عن الحسٌن عن عبد هللا بن برٌدة
قال :حدثنً ٌحٌى بن ٌعمر أن أبا األســــود الدٌلـــــي حدثه عن أبً ذر – رضً هللا
عنه – أنه سمع النبً – ٌ – قول" :ال ٌرمً رج ٌل رجبلً بالفسو وال ٌرمٌه
بالكفر إال ارتدت علٌه إن لم ٌكن صاحبه كذلك"( ).
ولذا قال اإلمام ابن دقٌ العٌد رحمه هللا فً "إحكام األحكام"( )" :وهذا وعٌ ٌد ع ٌ ٌم
لمن ك َّفر أحداً من المسلمٌن ولٌس كذلك وهً ورطة ع ٌمة وقع فٌها خل كثٌر من
المتكلمٌن ومن المنسوبٌن إلى السنة وأهل الحدٌث لمَّا اختلفوا فً العقابد فؽل وا على
مخالفٌهم وحكموا بكفرهم وخر حجاب الهٌبة فً ذلك جماعة من الحشوٌة وهذا
الوعٌد الح بهم إذا لم ٌكن خصومهم كذلك"...ا.هـ.
وقال االمام الشوكانً – رحمه هللا – فً "السٌل الجرار "( ) ":اعلم أن الحكم على
الرجل المسلم بخروجه من دٌن اإلسبلم ودخوله فً الكفر ال ٌنبؽً لمسلم ٌإمن باهلل
والٌوم اآلخر أن ٌقدم علٌه إال ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت فً
األحادٌث الصحٌحة المروٌة من طرٌ جماعة من الصحابة (أن من قال ألخٌه ٌا
كافر فقد باء بها أحدهما) هكذا فً الصحٌح وفً لف آخر فً الصحٌحٌن وؼٌرهما :
" من دعا رجبل بالكفر أو قال عدو هللا ولٌس كذلك إال حار علٌه"( ) أي :رجع وفً
لف فً الصحٌح " :فقد كفر أحدهما " ففً هذه األحادٌث وما ورد موردها أع م
زاجر وأكبر واع عن التسرع فً التكفٌر"...ا.هـ.
3ـ أن الكفر كاإلٌمان له شعب كثٌرة ،فكما صح فً الصحٌحٌن من حدٌث أبً هرٌرة –
رضً هللا عنه – ٌرفعه إلى النبً – – أنه قال" :اإلٌمان بضع وسبعون شعبة،
أعبلها قول ال إله إال هللا ،وأدناها إماطة األذى عن الطرٌ ،والحٌاء شعبة من شعب
اإلٌمان"( ) .ترتٌب القواعد
10
) الحدٌث ،وهو فً مسلم (
وفً لف فً البخاري" :اإلٌمان بضع وستون شعبة"
أٌضا ً.
وكذلك الكفر له شعب وأنواع كثٌرة ،ضابطها ما سمً شرعا ً فً الوحٌٌن من كتاب
هللا وسنة رسوله كفراً ،دون تسمٌة ؼٌرهما.
ولذا ٌقرر هذا ابن القٌم –رحمه هللا– فً "كتاب الصبلة "( ) بتقرٌر نفٌس أسوقه
بطوله:
فصل :معرفة الصواب فً هذه المسؤلة مبنً على معرفة حقٌقة اإلٌمان والكفر ،ثم
ٌصح النفً واإلثبات بعد ذلك ،فالكفر واإلٌمان متقاببلن إذا زال أحدهما ،خلفه
اآلخر .ولما كان اإلٌمان أصبلً له شعب متعددة ،وكل شعبة منها تسمى إٌماناً،
فالصبلة من اإلٌمان ،وكذلك الزكاة والحج والصٌام ،واألعمال الباطنة كالحٌاة،
والتوكل ،والخشٌة من هللا ،واإلنابة إلٌه حتى تنتهً هذه الشعب إلى إماطة األذى عن
الطرٌ ،فإنه شعبة من شعب اإلٌمان ،وهذه الشعب منها ما ٌزول اإلٌمان بزوالها
كشعبة الشهادة ،ومنها ما ال ٌزول بزوالها كترك إماطة األذى عن الطرٌ ،وبٌنهما
شعب متفاوتة تفاوتا ً ع ٌماً ،منها ما ٌلح بشعبة الشهادة ،وٌكون إلٌها أقرب ،ومنها
ما ٌلح بشعبة إماطة األذى ،وٌكون إلٌها أقرب.
وكذلك الكفر ذو أصل وشعب ،فكما أن شعب اإلٌمان إٌمان ،فشعب الكفر كفر،
والحٌاء شعبة من اإلٌمان ،وقلة الحٌاء شعبة من شعب الكفر ،والصد شعبة من
شعب اإلٌمان ،والكذب شعبة من شعب الكفر ،والصبلة والزكاة والحج والصٌام من
شعب اإلٌمان ،وتركها من شعب الكفر ،والحكم بما أنزل هللا من شعب اإلٌمان،
والحكم بؽٌر ما أنزل هللا من شعب الكفر ،والمعاصً كلها من شعب الكفر ،كما أن
الطاعات كلها من شعب اإلٌمان.
شعب اإلٌمان قسمان :قولٌة وفعلٌة ،وكذلك شعب الكفر نوعان :قولٌة وفعلٌة .ومن و ُ
شعب اإلٌمان القولٌة :شعبة ٌوجب زوالها زوال اإلٌمان ،فكذلك من شعبه الفعلٌة ما
11
ٌوجب زوال اإلٌمان .وكذلك شعب الكفر القولٌة والفعلٌة ،فكما ٌكفر باإلتٌان بكلمة
الكفر اختٌاراً ،وهً شعبة من شعب الكفر ،فكذلك ٌكفر بفعل شعبة من شعبه
كالسجود للصنم ،واالستهانة بالمصحؾ ،فهذا أصل.
وههنا أصل آخر ،وهو أن حقٌقة اإلٌمان مركبة من قول وعمل .والقول قسمان :قول
القلب ،وهو االعتقاد ،وقول اللسان ،وهو التكلم بكلمة اإلسبلم .والعمل قسمان :عمل
القلب ،وهو نٌته وإخبلصه ،وعمل الجوارح ،فإذا زالت هذه األربعة ،زال اإلٌمان
بكماله ،وإذا زال تصدٌ القلب ،لم تنفع بقٌة األجزاء ،فإن تصدٌ القلب شرط فً
اعتقادها وكونها نافعة .وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصد ،فهذا موضع المعركة
بٌن المرجبة وأهل السنة ،فؤهل السنة مجمعون على زوال اإلٌمان ،وأنه ال ٌنفع
التصدٌ مع انتفاء عمل القلب ،وهو محبته وانقٌاده ،كما لم ٌنفع إبلٌس وفرعون
وقومه والٌهود والمشركٌن الذٌن كانوا ٌعتقدون صد الرسول ،بل وٌقرون به سراً
وجهراً وٌقولون :لٌس بكاذب ،ولكن ال نتبعه ،وال نإمن به.
وإذا كان اإلٌمان ٌزول بزوال عمل القلب ،فؽٌر مستنكر أن ٌزول بزوال أع م
أعمال الجوارح ،وال سٌما إذا كان ملزوما ً لعدم محبة القلب وانقٌاده الذي هو ملزوم
لعدم التصدٌ الجازم كما تقدم تقرٌره ،فإنه ٌلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة
الجوارح ،إذ لو أطاع القلب وانقاد ،أطاعت الجوارح ،وانقادت ،وٌلزم من عدم
طاعته وانقٌاده عدم التصدٌ المستلزم للطاعة ،وهو حقٌقة اإلٌمان .فإن اإلٌمان لٌس
مجرد التصدٌ ،كما تقدم بٌانه ،وإنما هو التصدٌ المستلزم للطاعة واالنقٌاد ،وهكذا
الهدى لٌس هو مجرد معرفة الح وتبٌنه ،بل هو معرفته المستلزمة التباعه ،والعمل
بموجبه ،وإن سمً األول هدى ،فلٌس هو الهدى التام المستلزم لبلهتداء ،كما أن
اعتقاد التصدٌ ،وإن سمً تصدٌقاً ،فلٌس هو التصدٌ المستلزم لئلٌمان ،فعلٌك
بمراجعة هذا األصل ومراعاته".اهـ.
4ـ ولما كان الكفر شعبا ً كثٌرة ،فإن هذه الشعب متفاوته ،الكفر فٌها دركات ،فمنها الكفر
األكبر ( َك َسبّ هللا ورسوله ودٌنه) ،ومنها الكفر األصؽر ،كسبّ المسلم وقتله
والنٌاحة ،كما أن الكفر األكبر ،شعبه متفاوتة أٌضا ً تفاوتا ً واضحا ً.وكل من نوعً
12
الكفر األكبر واألصؽر على مراتب بعضها أشد من بعض ،لذا ٌقول شٌخ االسبلم
ابن تٌمٌة كما فً الفتاوى( ):
واعلم أن الكفر بعضه أؼل من بعضه ،فالكافر المكذب أع م جرما ً من الكافر ؼٌر
المكذب ،فإنه جمع بٌن ترك اإلٌمان المؤمور به ،وبٌن التكذٌب المنهً عنه ،ومن
كفر وكذب وحارب هللا ورسوله والمإمنٌن بٌده أو لسانه ،أع م ممن اقتصر على
مجرد الكفر والتكذٌب ،ومن كفر وقتل وزنا وسر وصد وحارب كان أع م
جرما ً".
–5التفرٌ بٌن التكفٌر المطل باألوصاؾ والتكفٌر المعٌن(األعٌان) :وهذا هو مذهب
أهل السنة والجماعة.
وخالفت فر ٌ ،فؤما الخوارج فؤطلقوا التكفٌر ،وأما المرجبة فمنعوا منه فهما مابٌن
نقٌض ،وكذا ما وقع من بعض األفرا ِد من انحراؾ فً هذه القاعدة. ٍ طرفًْ
قال شٌخ اإلسبلم فً مجموع الفتاوى ( )" :فلٌس ألح ٍد أن ٌُكفر أحداً من المسلمٌن
وإن أخطؤ وؼلِط حتى تقام علٌه الحجة وتبٌن له المحجة.
ومن ثبت إٌمانه بٌقٌن لم ٌَ ُز ْل ذلك عنه بالشك بل ال ٌزول إال بعد إقامة الحجة وإزالة
الشبهة"ا.هـ.
وقال رحمه هللا فً مجموع الفتاوى ( )" :لكنَّ تكفٌر المطل ال ٌستلزم تكفٌر المعٌن
فإن بعض العلماء قد ٌتكلم فً مسؤلة باجتهاده فٌخطا فٌها فبل ٌُكفر وإن كان قد ٌُكفر
من قال ذلك القول إذا قامت علٌه الحجة المكفرة"...ا.هـ.
وقال رحمه هللا فً مجموع الفتاوى ( ) " :وكنت أُبٌن لهم أنما ُنقل لهم عن السلؾ
واألبمة من إطبل القول بتكفٌر من ٌقول كذا وكذا فهو أٌضا ح ٌ ،لكن ٌجب التفرٌ
بٌن اإلطبل والتعٌٌن وهذه أول مسؤلة تنازعت فٌها األمة من مسابل األصول الكبار
وهً مسؤلة (الوعٌد)"...ا.هـ.
13
–6أن الكفر نوعان:
كف ٌر أكبر مخرج عن الملة ،ومحبط للعمل ،وموجب للخلود فً النار ،وال ٌؽفر
لصاحبه ،وٌنفى عن صاحبه اسم اإلٌمان أصبلً وكماالً ،كالسحر وسب هللا أو
رسوله أو دٌنه أو كتابه أو اإلعراض عن دٌن هللا!!..
وكفر أصؽر ال ٌخرج من الملة وال ٌحبط العمل وال ٌوجب الخلود فً النار ،وهو
تحت مشٌبة هللا فً مؽفرته ،وال ٌنافً أصل اإلٌمان ،بل ٌنافً كماله الواجب ،وهو
حكم الكبابر من الذنوب ،كالنٌاحة على المٌت ،والطعن فً األنساب ،وقتال
المسلم ..الخ.
كما أن الشرك وال لم والفس والنفا نوعان أكبر ،وأصؽر.
وهذا األمر مشهور معروؾ بٌن العلماء قد تواردوا علٌه ،وال أ ن ذا علم ٌنكر ،أو
ٌتطر إلٌه شك فٌه .ومضى فً النقل الساب عن ابن القٌم فً كتابه الصبلة ما
ٌإٌده.
فبل بد من التمٌٌز بٌن الكفر األكبر (االعتقادى) ،والكفر األصؽر (العملً) :كما مٌز
العلماء بٌن الكفر األكبر (االعتقادى) والقابم على إنكار أصل من أصول الدٌن،
والكفر األصؽر(العملً) أى المعصٌة كقوله – " :– ال ٌزنى الزانً حٌن ٌزنى
وهو مإمن"( ) .فاألول ٌوجب الخروج من الملة ،والثانً ال ٌوجب ذلكٌ .قول بن
هللا ُ َفؤ ُ ْولَ ِب َ
ك عباس – رضً هللا عنه – فً تفسٌر قوله تعالَ { :و َمن لَّ ْم ٌَحْ ُكم ِب َما أَ َ
نز َل َّ
ُون}[المابدة" ]44 :كفر دون كفر" وٌقول ابن القٌم " :فؤما الكفر فنوعان: ُه ُم ْال َكا ِفر َ
كفر أكبر وكفر أصؽر .فالكفر األكبر :هو الموجب للخلود فً النار .واألصؽر:
موجب الستحقا الوعٌد دون الخلود"( ).
العذر بالجهل :كما قالوا بعدم تكفٌر من جهل أن قوله كفرٌ ،ودلٌل ذلك فً السنة –
" :– اللهم اهد قومً فإنهم ال ٌعلمون"( ) .نقل الذهبً فً الموق ة عن ابن تٌمٌة
"كنت أقول للجهمٌة من الحلولٌة والنفاه الذٌن نفوا أن هللا فو العرش لما وقعت
14
محنتهم ،أنا لو وافقتكم كنت كافراً ألنً أعلم أن قولكم كفر ،وأنتم عندي ال تكفرون
ألنكم جهال"( ) وكان هذا خطابا ً لعلمابهم وقضاتهم وشٌوخهم وأمرابهم .وٌقول ابن
القٌم" :أما أهل البدع الموافقون ألهل اإلسبلم ،ولكنهم مخالفون فً بعض األصول
كالرافضة والقدرٌة ونحوهم فهإالء أقسام :أحدهما الجاهل المقلد الذي ال بصٌرة له
فهذا ٌكفر وال ٌفس وال ترد شهادته إذا لم ٌكن قادراً على تعلم الهدى ،وحكمه حكم
المستضعفٌن الذٌن ال ٌستطٌعون حٌلة وال ٌهتدون سبٌبلً فؤولبك عسى هللا أن ٌؽفر
عنهم"( ).
–7أن هناك عبلقة بٌن الكفر األكبر والشرك األكبر ،وهً عبلقة عموم وخصوص،
فكل شرك كفر ،ولٌس كل كفر شركا ً.
فالذبح لؽٌر هللا ،والنذر له ،والخوؾ منه خوؾ عبادة ،شرك مع هللا فً تلك
العبادات ،وهو كفر أكبر مخرج عن الملة ،ومناقض لئلٌمان.
أما سب هللا ،ورسوله ،ودٌنه ،أو االستخفاؾ بشرعه أو بالمصحؾ ونحو ذلك فهو
كفر مخرج عن الملة ،وال ٌعد شركا ً فً االصطبلح.
وكذلك اإلعراض أو االستخفاؾ بشرعه أو بالمصحؾ ونحو ذلك فهو كفر مخرج
عن الملة ،وال ٌعد شركا ً فً االصطبلح.
وكذلك اإلعراض أو االستكبار أو الشك واالرتٌاب فهو كفر أكبر وال ٌسمى شركا ً.
ومن القواعد هنا أصل وهو أن المسلم قد تجتمع فٌه المادتان الكفر واإلسبلم ،والكفر
والنفا ،والشرك واإلٌمان ،وأنه تجتمع فٌه المادتان وال ٌكفر كفرً ا ٌنقل عن الملة
كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ولم ٌخالؾ فً ذلك إال أهل البدع.
–8التوقؾ فً تكفٌر المُعٌِّن ٌكون فً األشٌاء التً قد ٌخفى دلٌلها.
قال الشٌخ محمد بن إبراهٌم " :إن الذٌن توقفوا فً تكفٌر المعٌن فً األشٌاء التً قد
ٌخفى دلٌلها ،فبل ٌكفر حتى تقوم علٌه الحجة الرسالٌة من حٌث الثبوت والداللة…
وأما ما عُلم بالضرورة أن رسول هللا – – جاء به ،وخالفه – المعٌن – فهذا ٌكفر
) (
الموق ة للذهبً .184
) (
الطر الحكمٌة= البن القٌم ،ص.174
15
بمجرد ذلك وال ٌحتاج إلى تعرٌؾ سواء باألصول أو الفروع ما لم ٌكن حدٌث عهد
باإلسبلم"( )ا.هـ.
أي :أنَّ شرط توفر الشروط وانتقاء الموانع لٌس مطلقا ً بل هو فً المسابل التً ٌخفى
،كما قال شٌخ علمها على مثل ذلك المعٌَّن؛ ألن ما ٌُعلم بالضرورة أم ٌر نسبً
اإلسبلم فً "مجموع الفتاوى "( )" :فكون الشًء معلوما ً من الدٌن ضرورة أم ٌر
إضافً فحدٌث العهد باإلسبلم ومن نشؤ ببادٌة بعٌدة قد ال ٌعلم هذا بالكلٌة فضبلً عن
كونه ٌعلمه بالضرورة وكثٌ ٌر من العلماء ٌعلم بالضرورة أن النبً سجد للسهو
وقضى بالدٌة على العاقلة ،وقضى أنَّ الولد للفراش ،وؼٌر ذلك مما ٌعلمه الخاصة
بالضرورة وأكثر الناس ال ٌعلمه البتة"ا.هـ.
وقال – رحمه هللا – فً "درء التعارض"( )" :وكذلك كون العلم ضرورٌا ً ون رٌا ً ،
حال
شخص وفً ٍ ٍ واالعتقاد قطعٌا ً و نٌا ً أمو ٌر نسبٌة فقد ٌكون الشًء قطعٌا ً عند
حال أخرى مجهول فضبلً عن أنْ ٌكون م نونا ً وقد ٌكون الشًء آخر وفً ٍ وهو عند ٍ
حال أخرى"ا.هـ. آخر وفً ٍ لشخص َ ٍ حال ون رٌا ً لشخص وفً ٍ ٍ ضرورٌا ً
فما قد ٌكون معلوم بالضرورة عند العالم قد ال ٌكون معلوما ً عند طالب العلم ،وما قد
، ٌكون معلوما ً بالضرورة عند طالب العلم قد ال ٌكون معلوما ً عند عامة الناس
وهكذا...
–9الرضى بالكفر كفر.
من رضً بالكفر ،وحسَّنه أو أقر بشرعٌته من ؼٌر إكراه ورضٌه أن ٌكون أو ؾ
ٌسود فهو كافر اهراً وباطنا ً.
ومن األدلة على هذه القاعدة قوله تعالىَ { :و َق ْد َن َّز َل َعلَ ٌْ ُك ْم فًِ ْال ِك َتا ِ
ب أَنْ إِ َذا َس ِمعْ ُت ْم
ث َؼٌ ِْر ِه.... هللا ٌُ َك َف ُر ِب َها َوٌُسْ َته َْزأ ُ ِب َها َفبلَ َت ْق ُع ُدو ْا َم َع ُه ْم َح َّتى ٌَ ُخوضُو ْا فًِ َحدٌِ ٍ
ت ِّآ ٌَا ِ
} [النساء.]140:
قال شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة" :تؽٌٌر المنكر ٌكون تارة بالقلب ،وتارة باللسان ،وتارة
) (
فتاوى الشٌخ ابن إبراهٌم .184/11
) (
مجموع الفتاوى (.)118/13
) (
درء تعارض العقل والنقل= البن تٌمٌة (.)304/3
16
بالٌد ،فؤما القلب فٌجب بكل حال ،إذ ال ضرر فً فعله ،ومن لم ٌفعله فلٌس هو
بمإمن"( ).
" :إن معنى اآلٌة على وقال الشٌخ سلٌمان بن عبد هللا بن محمد بن عبد الوهاب
اهرها ،وهو أن الرجل إذا سمع آٌات هللا ٌكفر بها وٌستهزأ بها فجلس عند الكافرٌن
المستهزبٌن من ؼٌر إكراه وال إنكار وال قٌام عنهم حتى ٌخوضوا فً حدٌث ؼٌره
فهو كافر مثلهم ،وإن لم ٌفعل فعلهم ألن ذلك ٌتضمن الرضى بالكفر ،والرضى
بالكفر كفر .وبهذه اآلٌة ونحوها استدل العلماء على أن الراضً بالذنب كفاعله ،فإن
ادعى أنه ٌكره ذلك بقلبه لم ٌقبل منه ،ألن الحكم على ال اهر وهو قد أ هر الكفر
فٌكون كافراً( ).
الرضى مقرُّ ه القلب وهو أمر باطن ال سبٌل لنا إلى معرفته والحكم علٌه إال من ؾ
خبلل قرابن لف ٌة وعملٌة اهرة على الجوارح تدل علٌه ،فمن أتى بشًء منها كان
داالً على حقٌقة باطنه وما و َّقر فً القلب ،وأع مه اإلقرار واالعتراؾ والتصرٌح!
وكذا الجلوس فً مجالس الكفر ،واالستهزاء بالدٌن .اآلٌة السابقة قال القرطبً فً
التفسٌر" :ألن من لم ٌجتنبهم فقد رضً فعلهم والرضى بالكفر كفر" ....الخ( ).
واالستهزاء بالدٌن وهو على سبٌل المثال الخوض واللعب والبلمباالة واالستهتار.
قال أبو بكر بن العربً " :فإن الهزل بالكفر كفر ال خبلؾ فٌه بٌن األمة"( ).
–10التوقؾ فً عدم تكفٌر المعٌن – حتى تتوفر الشروط وتنتفً الموانع – اآلتً بٌانها
بٌقٌن أو
ٍ إن شاء هللا فً الفصلٌن :األول والثانً .و إنما ٌكون ذلك فٌمن ثبت إسبلمه
ج ُِهل حاله ،وأما من ثبت كفره فبل ٌتوقؾ فٌه.
–11أن الكفر ،كما ورد فً موارده المعتبرة فً نصوص الوحٌٌن الشرٌفٌن :كتاب هللا
وسنة رسوله – ٌ ،– رد على صورتٌن:
أ– معرَّ فا ً بااللؾ والبلم ،فالمراد به الكفر المعهود أو المستؽر فً الكفر وهو
) (
مجموع الفتاوى (.)226/28
) (
تٌسٌر العزٌز الحمٌد ص .353
) (
الجامع ألحكام القرآن= للقرطبً (.)418/5
) (
أحكام القرآن= البن العربً (.)197/8
17
المخرج من الملة.
ب– وٌؤتً منكراً ؼٌر معرَّ ؾ ال باأللؾ والبلم وال باإلضافة والتخصٌص .فبل ٌعد
بالصورة الثانٌة كفراً أكبر ،بل األصل فٌه أنه كفر أصؽر ال ٌخرج من الملة.
ومثل الفر بٌن تلك الصورتٌن للف ة الكفر ،كذلك هناك فر بٌن االسم المطل
للكفر ،وبٌن مطل اسم الكفر ،كما قلنا سابقاً ،والمطلب العاشر فً الفر بٌن اإلٌمان
المطل ومطل اإلٌمان .وهذا المعنى هو ما قرره الشٌخ أبو العباس ابن تٌمٌة فً
كتابه "اقتضاء الصراط المستقٌم" ( ) حٌث ٌقول " :وروى مسلم فً صحٌحه عن
األعمش عن أبً صالح عن أبً هرٌرة – رضً هللا عنه – قال :قال رسول هللا –
" :– اثنتان فً الناس هما بهم كفر" ( ) .أي :هاتان الخصلتان هما كفر قابم
بالناس ،ففً الخصلتٌن كفر ،حٌث كانتا من أعمال الكفار ،وهما قابمتان بالناس ،لكن
لٌس كل من قام به شعبة من شعب الكفر ٌصٌر كافراً الكفر المطل ،حتى تقوم به
حقٌقة الكفر.
كما أنه لٌس كل من قام به شعبة من شعب اإلٌمان ٌصٌر مإمناً ،حتى ٌقوم به
ـــــ ر بٌن الكفر المعرؾ بالبلم ،كما فً قوله – " :– لٌس أصــــل اإلٌمان وؾ
بٌن العبد وبٌن الكفر أو الشرك إال ترك الصبلة"( ) .وبٌن كفر منكر فً اإلثبات.
وفر أٌضا ً بٌن معنى االسم المطل إذا قٌل كافر ،أو مإمن ،وبٌن المعنى المطل
لبلسم فً جمٌع موارده ،كما فً قوله" :ال ترجعوا بعدي كفاراً ٌضرب بعضكم
رقاب بعض".
فقولهٌ":ضرب بعضكم رقاب بعض" تفسٌر الكفار فً هذا الموضع ،وهإالء ٌسمون
كفاراً تسمٌة مقٌدة ،وال ٌدخلون فً االسم المطل إذا قٌل :كافر ،ومإمن.
كما أن قوله – تعالى –( :من ماء داف ) سمى المنً ماء تسمٌة مقٌدة ،ولم ٌدخل فً
االسم المطل حٌث قالَ { :فلَ ْم َت ِج ُدو ْا َما ًء َف َت ٌَ َّممُو ْا} [النساء.]43 :
12ـ أن الزم المذهب لٌس ببلزم :كما قرر العلماء أن الكفر الذى ٌلزم من مذهب أو قول
18
معٌن ال ٌوجب التكفٌر إال إذا أ ُدرك ذلك اللزوم صاحب المذهب أو القول ،ال شٌخ
اإلسبلم ابن تٌمٌة – رحمه هللا –" :فبلزم المذهب لٌس بمذهب ،إال أن ٌلتزمه
صاحب المذهب ،فخل كثٌر من الناس ٌنفون ألفا ا ً أو ٌثبتونها ،بل ٌنفون معانً أو
ٌثبتونها ،وٌكون ذلك مستلزما ً ألمور هً كفر ،وهم ال ٌعلمون بالمبلزمة "( ) .وقال
فً موضع آخر ..." :ولو كان الزم المذهب مذهبا ً للزم تكفٌر كل من قال عن
االستواء وؼٌره من الصفات أنه مجاز لٌس بحقٌقة؛ فإن الزم هذا القول ٌقتضً أن
ال ٌكون شًء من أسمابه وصفاته حقٌقة"( ).
–13أن أهل السنة والجماعة ٌع مون لف التكفٌر جداً ،وٌجعلونه حقا ً هلل ولرسوله –
– فقط فبل ٌجوز وال ٌسوغ عندهم تكفٌر أحد إال من كفّره هللا ُ أو كفّره رسولُه.
ولذا ٌقول الطحاوي فً عقٌدته المشهورة المتداولة":وال نكفر أحداً من أهل القبلة
بذنب ما لم ٌستحله .وال نقول :ال ٌضر مع اإلٌمان ذنب لمن عمله".
وكذا قرره ابن تٌمٌه فً عقٌدته الواسطٌة المتلقاة بالقبول حٌث ٌقول:
"فصل :من أصول أهل السنة أن الدٌن واإلٌمان قول وعمل :قول القلب واللسان،
وعمل القلب واللسان والجوارح ،وأن اإلٌمان ٌزٌد بالطاعة وٌنقص بالمعصٌة.
"وهم مع ذلك ال ٌكفرون أهل القبلة بمطل المعاصً والكبابر ،كما ٌفعله الخوارج،
بل األخوّ ة االٌمانٌة ثابتة مع المعاصً ."..إلى آخر الفصل.
" وإنما أهل البدع واألهواء هم الذٌن شعارهم تكفٌر من خالفهم ،فضبلً عن لمزهم
وتعٌٌرهم .لذا ٌقول – رحمه هللا – فً" :الكٌبلنٌة"( ):
"لٌس ألحد أن ٌكفر أحداً من المسلمٌن وإن أخطؤ وؼلط حتى تقام علٌه الحجة وتبٌن
له المحجة ،ومن ثبت إسبلمه بٌقٌن لم ٌَ ُز ْل ذلك عنه بالشك ،بل ال ٌزول إال بعد إقامة
الحجة وإزالة الشبهة.
فصل :وأما تكفٌر قابل هذا القول فهو مبنً على أصل ال بد من التنبٌه علٌه ،فإنه
بسبب عدم ضبطه اضطربت األمة اضطرابا ً كثٌراً فً تكفٌر أهل البدع واألهواء،
19
كما اضطربوا قدٌما ً وحدٌثا ً فً سلب اإلٌمان عن أهل الفجور والكبابر.
صار كثٌر من أهل البدع مثل الخوارج والقدرٌة والجهمٌة والممثلة ٌعتقدون اعتقاداً
هو ضبلل ٌرونه هو الح ،وٌرون كفر من خالفهم فً ذلك ،فٌصٌر منهم َشوبٌ
قوي من أهل الكتاب فً كفرهم بالح و لمهم للخل ،ولعل أكثر هإالء المكفرٌن
ٌك ِّفر ب "المقالة" التً ال تفهم حقٌقتها وال تعرؾ حجتها.
وبإزاء هإالء المكفرٌن بالباطل أقوام ال ٌعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما
ٌجب ،أو ٌعرفون بعضه وٌجهلون بعضه ،وما عرفوه منه قد ال ٌبٌنونه للناس بل
ٌكتمونه ،وال ٌنهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة ،وال ٌذمون أهل البدع
وٌعاقبونهم ،بل لعلهم ٌذمون الكبلم فً السنة وأصول الدٌن ذما ً مطلقا ً ال ٌفرقون فٌه
بٌن ما دل علٌه الكتاب والسنة واإلجماع ،وما ٌقوله أهل البدع والفرقة ،أو ٌقرون
الجمٌع على مناهجهم المختلفة ،كما ٌقرّ العلماء فً مواضع االجتهاد التً ٌسوغ فٌها
النزاع ،وهذه الطرٌقة قد تؽلب على كثٌر من المرجبة وبعض المتفقهة والمتصوفة
والمتفلسفة ،كما تؽلب األولى على كثٌر من أهل األهواء والكبلم ،وكلتا هاتٌن
الطرٌقتٌن منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة.
والمقصود أن المبتدعة ،على تنوع مشاربهم وتباٌن أصولهم ومناهجهمٌ ،روج
عندهم تكفٌر مخالفٌهم عند أدنى مخالفة ،فً حٌن ٌتحرج أهل السنة والجماعة من
تكفٌر المخالؾ حرجا شدٌداً ،ألن التكفٌر حكم شرعً ،وهو ح هلل ولرسوله –
– ،وهو خطٌر فً اآلثم دنٌا وعاقبة ،ولذا فهم ال ٌإاخذون بلوازم األقوال فً التكفٌر
حتى ٌكون الكفر صرٌحا ً ال لبس فٌه ،كما ال ٌعولون فً التكفٌر على ال نون
واألوهام واألهواء ،وإنما المعول علٌه عنهم األمر البواح الذي لهم فٌه من هللا
سلطان وحجة اهرة وبرهان.
–14أن أهل السنة الجماعة ٌفرقون بٌن الكفر المطل والكفر المعٌن ،فهم ٌقرون بالكفر
األكبر مطلقا ً على ؼٌر معٌنٌن ،ولهم شروط وضوابط وتورع ودٌانة فً إٌقاعه على
المعٌنٌن ،فإنهم ٌرون كفر المعٌن ٌقع علٌه بنفسه ،وأهم هذه الشروط فً إٌقاع الكفر
األكبر علٌه :بلوغ الحجة علٌه ،واندفاع الشبهة عنه ،وممن اعتنى بهذه المسؤلة
20
تفصٌبلً أبمة الدعوة النجدٌة من الشٌخ محمد بن عبد الوهاب ،فؤبناإه وتبلمٌذهم،
فإنهم أجلوها وحققوها تحقٌقا ً ال تكاد تجده عند ؼٌرهم ،وٌضٌ المقام فً الواقع عن
تتبع كبلمهم وجمعه هنا فالحمد هلل.
واجبة فً المقدور علٌه ،وال تجب فً الممتنع ٌ تنبٌه :هذه الضوابط فً تكفٌر المعٌن
وال المحارب ،أي :البد أنْ نفر بٌن أمرٌن :بٌن الحكم بتكفٌر المعٌن وبٌن إقامة
أحكام الردة على ذلك المعٌن ،فبل ٌلزم من عدم إقامة أحكام الردة عدم تكفٌر المعٌن.
مثال ذلك من الواقع :من انتسب إلى اإلسبلم ولكن ثبت ٌقٌنا ً أنه كافر وهو ؼٌر
مقدور على إقامة األحكام الشرعٌة المترتبة علٌه ،فبل ٌلزم ٍ مقدور علٌه ،أي :ؼٌ ُر
من ذلك عدم تكفٌره.
وأما المحارب ففر ٌ ُُ بٌن أن ٌؽزوا المسلمون بلده فهذا ُت َبلَّ ُػ له الحجة؛ ألن القصد
من الجهاد تبلٌ ُػ الدٌن ،وأما إنْ ؼزا المحارب ببلد المسلمٌن فبل تجب إقامة الحجة
علٌه بل الواجب دفعه إجماعا ً كما نقله ؼٌر واحد من أهل العلم وهذا فً جهاد الدفع.
وهنا أمر مهم ال بد من التفطن له وهو أن ثمة فرقا ً بٌن مراحل ثبلث فً الكفر
المخرج عن الملة والموجب للردة ،وهً:
–1تعٌٌن أن هذا الجرم هو من الكفر األكبر ،بالدالبل الشرعٌة.
–2ثم مرحلة تكفٌر المعٌن المواقع لهذا الجرم ،باجتماع الشروط فٌه وانتفاء الموانع
ً
أصالة. عنه وهو مناط بالقضاة الشرعٌٌن
–3ثم مرحلة ثالثة بعدم القطع له بعد الموت بالخلود فً النار ،مع إجراء أحكام
الكفر علٌه فً أحكام الدنٌا ،وهللا أعلم.
–15أحكام الكفر فً الدنٌا تجُرى على ال اهر .فمن أ هر الكفر–وتوفرت فٌه الشروط
وانتفت الموانع– فإنه ٌُ َك َّفرُ ،وأما عن باطنه فعلمه عند هللا تعالى.
وصلى هللا على نبٌنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
21
المبحث الثانً
الفر بٌن التكفٌر المطل والتكفٌر المُعٌَّن
هذه المسؤلة أصل ع ٌم من أصول التكفٌرٌ ،جب التؤنً بها وفهمها الفهم الصحٌح
لببل تزل بها األفهام والعقول ،وكثٌر من التكفٌرٌٌن والخابضٌن فً التكفٌر لم ٌفطنوا
للفر بٌن التكفٌر المطل والتكفٌر المُعٌَّن ،وقد فر العلماء المحققون بٌن تكفٌر المطل
وبٌن تكفٌر القابل أو المُعٌَّن ،وهو فر ٌ ع ٌم من فتح هللا علٌه وتؤمل فً األدلة ،ثم سبر
كبلم أهل العلم فً هذ ا الم وضوع اتضحت له المسؤلة وتجلَّت ،وسلم من الوقوع فً خطؤ
المجازفة والخلط بإذن هللا.
ومما جاء من األدلة الشرعٌة ما ٌستنبط من هدي نبً هللا محمد – – لما فر
بٌن اللعن العام ولعن المعٌن ،ما رواه البخاري فً صحٌحه عن عمر أمٌر المإمنٌن –
رضً هللا عنه – أن رجبلً كان على عهد النبً وكان اسمه عبد هللا ،وكان ٌلقب حماراً،
وكان ٌُضحك النبً – ،– وكان النبً قد جلده فً الشراب ،فؤُتى به ٌوماً ،فؤمر بجلده،
– « :– ال تلعنه، فقال رجل من القوم :اللهم العنه ،ما أكثر ما ٌإتى به ،فقال النبً
فوهللا ما علمت إال أنه ٌحب هللا ورسوله»( ).
ولهذا قال شٌخ اإلسبلم ا بن تٌمٌة – رحمه هللا –" :فنهى عن لعنه مع إصراره على
الشرب ،لكونه ٌحب هللا ورسوله مع أنه لعن فً الخمر عشرة...ولكن لعن المطل ال
ٌستلزم لعن المعٌن ،الذي قام به ما ٌمنع لحو اللعنة به ،وكذلك التكفٌر المطل والوعٌد
وانتفاء المطل ،ولهذا كان الوعٌد المطل فً الكتاب والسنة مشروطا ً بثبوت شروط،
موانع"( ).
وكان هدي السلؾ الصالح مثاالً ٌُهتدى ،ومنهج ٌُترسح وإلٌك موقؾ اإلمام المبجل
أحمد ابن حنبل من الجهمٌة والخبلفة الذٌن حملوا الناس على القول بخل القرآن وامتحنوا
ي عرؾ عنه– العلماء من أجله ودعوا إلى هذه البدعة ،ومع فتواه بؤن هذا القول كفر،لم ُ
) (
صحٌح البخاري رقم ( )6780وان ر :فتح الباري (.)80–76/12
) (
مجموع الفتاوى (.329/10
22
رحمه هللا تعالى– أنه كفر أحداً بعٌنه ،بل نقل عنه عدم تكفٌر الخلٌفة الذي تقلد هذه البدعة
وعذبه وسجنه من أجل صبره على الح ومخالفته إٌاه! فنقل عنه قوله ل مبعوث الخلٌفة
المعتصم إلٌه "أرى طاعته فً العسر والٌسر والمنشط والمكره واألثر ،وإنً آلسؾ عن
تخلفً عن صبلة الجماعة"( ).
وهذا ترسُّم من اإلمام أحمد رحمه هللا لما جاء فً الصحٌحٌن من حدٌث ابن عمر –
رضً هللا عنهما – مرفوعا ً" :على المرء المسلم السمع والطاعة ،فٌما أحب وكره ،إال أن
ٌإمر بمعصٌة ،فإن أمر بمعصٌة فبل سمع وال طاعة"( ).
وأٌضًا فو ذلك دعا للخلٌفة وؼٌره ،ممن آذاه :بضربه وسجنه وتسبب فً افتتان
الناس وصدهم عن الح ،واستؽفر لهم وحللهم مما فعلوه به من ال لم والدعاء إلى القول
بخل القرآن الذي هو "كفر" إذ لوا كانوا مرتدٌن لم ٌجز االستؽفار لهم ؟! فإن االستؽفار
للكفار ال ٌجوز بنص كتاب هللا وسنة رسوله – – وإجماع المسلمٌن! فتؤمل.
كذلك فإن اإلمام أحمد – رحمه هللا – وقد نقل عنه من وجوه كثٌرة التصرٌح :تكفٌر
أمثال "الجهمٌة" وهم :المعطلة لصفات الرحمن! ألن قولهم:صرٌح فً مناقضة ما جاء به
رسول هللا من القرآن والسنة ،أطل وهو وؼٌره من علماء السنة المعتبرٌن هذه
العمومات ،إال أنه –رحمه هللا–لم ٌشتهر عنه – تكفٌر أعٌانهم.
قال شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة –رحمه هللا–" :وهذه األقوال واألعمال منه ومن ؼٌره من
األبمة صرٌحة فً أنهم لم ٌكفروا المُعٌِّنٌن من الجهمٌة الذٌن كانوا ٌقولون :القرآن
مخلو ،وأن هللا ال ٌرى فً اآلخرة .وقد نقل عن أحمد ما ٌدل على أنه كفر به قوما ً
معٌنٌن ،فؤما أن ٌذكر عنه فً المسؤلة رواٌتان ففٌه ن ر؟ أو ٌحمل األمر على التفصٌل،
فٌقال :من كفر بعٌنه فلقٌام الدلٌل على أنه وجدت فٌه شروط التكفٌر وانتفت موانعه ،ومن
بعٌن فبلنتفاء ذلك فً حقه،هذا مع إطبل قوله بالتكفٌر على سبٌل العموم"( ). لم ٌكفر ه
علم ورسوخ فً الدٌن وحسن استدالل وقوة ن ٍر فً وما كان هذا إال لما آتاهم هللا من ٍ
ً
وخشٌة من أن األدلة من الوحٌٌن ،الكتاب والسنة ،ولعلمهم بآثار ذلك من استحبلل للدم،
) (
مجموع الفتاوى .507/7
) (
رواه البخاري فً صححٌه رقم ( ،)2955ومسلم فً صحٌحه رقم (.)1839
) (
مجموع الفتاوى (.)489–487 /12
23
ٌؤتً هذا المكفر أو ذاك ٌوم القٌامة بٌن ٌدي أحكم الحاكٌن وأرحم الراحمٌن من ٌعلم
خابنة األعٌن وما تخفً الصدور ،ثم ٌقولٌ:ا رب سل هذا فٌما كفرنً أو ٌقول فٌما قتلنً
أو استحل قتلً؟ أو فٌما استحل عرضً؟ أو لم بدعَّنً أو فسقنً.
وٌقول شٌخنا ابن عثٌمٌن – رحمه هللا – فً مسؤلة "اللعن"" :لما ذكر المإلؾ رحمه
هللا تعالى – ٌعنً اإلمام النووي فً كتابه "رٌاض الصالحٌن" – تحرٌم لعن المعٌن ،وأنه
ال ٌجوز أن تلعن شخصا ً معٌنا ً ولو كان كافرا مادام حٌا ،ألنك ال تدري فلعل هللا أن ٌهدٌه
فٌعود إلى اإلسبلم إن كان مرتداً أو ٌسلم إن كان كافراً أصلٌا ً..إلى أن قال :ألن هناك فرقا ً
بٌن المعٌن وبٌن العام ،فٌجوز أن تلعن أصحاب المعاصً على سبٌل العموم إذا كان ذلك
ال ٌخص شخصا ً بعٌنه"( ).
وال شك أن إطبل الكفر على المعٌنٌن مثل هذا ،بل أع م وأشد من مجرد لعنه،
فاللعن دعاء أو إخبار ،فما كان دعاء فهو فً حكم القبول أو عدمه عند المدعو سبحانه،
وما كان من إخبار فهو من علم الؽٌب بؤنه مبعد مطرود من رحمة هللا.
وعلى كل حال فقد كان السلؾ الصالح ،والعلماء المحققون من بعدهم السابرون على
منهجهم ٌتحرجون من إٌقاع التكفٌر على المُعٌِّنٌن حتى ٌقوم الدلٌل الصحٌح الصرٌح على
ودٌانة وحذراً من العواقب ،فلله درهم ،ونحن مطالبون بذلك ً تكفٌرهم ،كل هذا ورعا ً
أٌضاً ،فالواجب الحذر واالنتباه الشدٌد وهللا المستعان.
) (
شرح رٌاض الصالحٌن (.)156/4
24
الفصل األول
شروط تكفٌر المُعٌَّن
ك الخبلؾ الكبٌر الواقع فً تنزٌل وهذا البحث هو زبدة الحدٌث عن التكفٌر ،ومح ُّ
أحكام التكفٌر على األشخاص واألعٌان .إذ الكبلم فً التكفٌر المطل ،وهو بالضرورة
– – فً ؼٌر المُعٌن ،حٌث ُتعلم بؤوصاؾ الكفر األكبر التً حكم بها هللا ورسوله
الوحٌٌن الشرٌفٌن :القرآن الكرٌم والسنة الصحٌحة؛ إذ علمنا بؤن التكفٌر حكم شرعً
– – كما جاء فً أدلة محض ،فمرده إلى الشرع الشرٌؾ ،فهو ح هلل ولرسوله
الوحٌٌن ولهذا فالقاعدة الشرعٌة المتف علٌها:
أن من ك َّفره هللا سبحانه ورسوله – – جنسًا كالٌهود والنصارى والمشركٌن،
نكفره.
ومن ك َّفره هللا ورسوله – – عٌ ًنا كإبلٌس وفرعون وأبً جهل ،فنكفرهم.
ومن كفرهم هللا ورسوله – – وص ًفا كالمستهزئ باهلل ورسوله وكتابه ودٌنه،
نكفرهم .كما سب التنوٌه به.
فٌدور األمر فً التكفٌر المطل – ؼٌر المعٌن – على داللة كبلم هللا القرآن وسنة
رسوله – – خٌر البٌان على أن هذا القول أو الفعل أو االعتقاد كفر ،ثم ٌؤتً دور
العلماء فً تقرٌر ذلك واستنباط من خبلل استقراء أدلة الوحٌٌن الشرٌفٌن وتنزٌلهما على
الناس.
وهذا فً الحقٌقة دو ٌر وعم ٌل ٌقع على صنفٌن من المكلفٌن ،وهما:
1ـ القضاة الشرعٌون الذٌن ٌحكمون بشرع هللا على األعٌان.
2ـ العلماء الراسخون الذٌن قد ال تكون لهم والٌة قضاء ونحوه ،فبما عندهم من علم
– – على وعقل وإدراك لمقاصد الشرٌعة ،لهم إنزال أحكام هللا ورسوله
المعٌنٌن ،وهذا ما تقرر عند عامة الفقهاء باجتماع الشروط وانتفاء الموانع ،أي
بالنسبة للمعٌِّنٌن .وبهذا نخلً أنفسنا من تبعة التكفٌر المعٌن ،إذا علمنا أهله ورجاله
المختصٌن به ،كما سب ،ومن عُوفً فلٌحمد هللا ،فإن العافٌة ال ٌعدلها شًء!
25
وفً هذا قال الشٌخ محمد عثٌمٌن – رحمه هللا –" :وعلى هذا فٌجب قبل الحكم على
المسلم بكفر أو فس ؛ أن ٌن ر فً أمرٌن:
أحدهما :داللة الكتاب والسنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفس .
الثانً :انطبا هذا الحكم على القابل المعٌن أو الفاعل المعٌن بحٌث تتم شروط التكفٌر أو
التفسٌ فً حقه وتنتفً الموانع".) (.
وقال اإلمام الشافعً – رحمه هللا –" :هلل تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر
بها نبٌه أمته ،وال ٌسع أحداً من خل هللا قامت علٌه الحجة ردها ،ألن القرآن نزل بها،
وصح عن رسول هللا – – القول بها فٌما روى عنه العدول؛ فإن خالؾ ذلك بعد ثبوت
الحجة علٌه فهو كافر ،فؤما قبل ثبوت الحجة علٌه فمعذور بالجهل ،ألن علم ذلك ال ٌقدر
بالعقل ،وال بالرإٌة والقلب والفكر ،وال نكفر بالجهل أحداً إال بعد انتهاء الخبر إلٌه".
انتهى( ).
وقال ابن العربً المالكً – رحمه هللا –" :فالجاهل والمخطا من هذه األمة ولو عمل
من الكفر والشرك ما ٌكون صاحبه مشركا ً وكافراً؛ فإنه ٌعذر بالجهل والخطؤ ،حتى ٌتبٌن
له الحجة التً ٌكفر تاركها بٌانا ً واضحا ً ما ٌلتبس على مثله"( ).
وقال الشٌخ ابن تٌمٌة – رحمه هللا –" :فهذا الكبلم ٌمهد أصلٌن ع ٌمٌن:
أحدهما :أن العلم واإلٌمان والهدى فٌما جاء به الرسول ،وأن خبلؾ ذلك كفر على
اإلطبل ،فنفً الصفات كفر ،والتكذٌب بؤن هللا ٌرى فً اآلخرة ،أو أنه على
العرش ،أو أن القرآن كبلمه ،أو أنه كلم موسى ،أو أنه اتخذ إبراهٌم خلٌبل كفر،
وكذلك ما كان فً معنى ذلك ،وهذا معنى كبلم أبمة السنة وأهل الحدٌث.
واألصل الثانً :أن التكفٌر العام – كالوعٌد العام– ٌجب القول بإطبلقه وعمومه.
وأما الحكم على المعٌن بؤنه كافر ،أو مشهود له بالنار ،فهذا ٌقؾ على الدلٌل المعٌن؛
) (
مجموع فتاوى ورسابل الشٌخ ابن عثٌمٌن ()343/3
) (
عزاه الحاف ابن حجر قً الفتح ،407/13وابن جماعة فً إٌضاح الدلٌل؛ ل "مناقب الشافعً" البن أبً حاتم،
بإسناد صحٌح عنه.
) (
أحكام القرآن البن العربً .317/2وان ر القاسمً فً محاسن التؤوٌل (.)1307/5
26
فإن الحكم ٌقؾ على ثبوت شروطه ،وانتفاء موانعه"( ).
وقال – رحمه هللا – " :فإن نصوص "الوعٌد" التً فً الكتاب والسنة ،ونصوص
األبمة بالتكفٌر والتفسٌ ونحو ذلك؛ ال ٌستلزم ثبوت موجبها فً ح المعٌن؛ إال إذا
وجدت الشروط وانتفت الموانع ،ال فر فً ذلك بٌن األصول والفروع .هذا فً عذاب
اآلخرة فإن المستح للوعٌد من عذاب هللا ولعنته وؼضبه فً الدار اآلخرة خالد فً النار
أو ؼٌر خالد ،وأسماء هذا الضرب من الكفر والفس ٌدخل فً هذه "القاعدة" سواء كان
بسبب بدعة اعتقادٌة أو عبادٌة أو بسبب فجور فً الدنٌا وهو الفس باألعمال.
فؤما أحكام الدنٌا فكذلك أٌضا؛ فإن جهاد الكفار ٌجب أن ٌكون مسبوقا بدعوتهم؛ إذ ال
عذاب إال على من بلؽته الرسالة وكذلك عقوبة الفسا ال تثبت إال بعد قٌام الحجة"( ).
هذا ومجمل كبلم العلماء المحققٌن ٌتلخص فً أن شروط التكفٌر أربعة:
–1التكلٌؾ وضده عدم التكلٌؾ من جنون أو صؽر ،كما سٌؤتً بٌانه إن شاء هللا فً
الموانع.
–2العلم وضده الجهل ،ومعرفة نوع الجهل وقدره وأثره هو دور العلماء!
–3القصد وضده الخطؤ وٌلح به التؤوٌل ،كما سٌؤتً فً الموانع – إن شاء هللا –.
–4االختٌار وضده اإلكراه ،كما سٌؤتً فً الموانع إن شاء هللا.
) (
مجموع الفتاوى ()498–497/12
ً
مجموع الفتاوى ( .)372/10والنقول عنه فً هذا الصدد كثٌرة ،وان ر مثبل أٌضًا مجموع الفتاوى ( ،354/3 ) (
)165/35 ،501 – 500/28 ،345/23 ،524– 523 ،498 – 497 ،488 – 487/12 ،619/7
27
المبحث األول
الشرط األول :التكلٌؾ
وح ُّد التكلٌؾ الدٌنً فً أحكام الشرٌعة مما بسطه العلماء الفقهاء فً كتب الفروع
الفقهٌة ( ) ،وما قرره األصولٌون فً كتب األصول فً مباحث التكلٌؾ والعوارض
األلهٌة ( )ٌ ،تناول جمٌع األحكام التكلٌفٌة والعقوبات والجزاءات علٌها دنٌا وأخرى
وحدود التكلٌؾ ٌدور على أمرٌن هما أصبل التكلٌؾ:
–1العقل ،بؤن ٌكون المكلؾ عاقبلً مدركا ً ألفعاله وأقواله ومحاسب علٌها ،وهذا ٌخرج
الجنون واإلؼماء والسفه والسكر فً بعض الجوانب األلهٌة دون اإلتبلفات فً حقو
الخل ،واألمراض النفسٌة التً لها حكم الجنون كالوسواس القهري وحاالت
االكتباب المتقدمة وانفصام الشخصٌة...الخ كل هذا ملح بالجنون بحسب حال
صاحبها.
ت أَ ٌْ َما ُن ُك ْم
ٌِن َملَ َك ْ { ٌَا أَ ٌُّ َها الَّذ َ
ٌِن آ َم ُنوا ِل ٌَسْ َتؤْذِن ُك ُم الَّذ َ واألصل فً هذا قوله تعالى:
ٌِن لَ ْم ٌَبْل ُ ُؽوا ْالحُل ُ َم}[النور.]58 :
َوالَّذ َ
وقول النبً – " :– رفع القلم عن ثبلثة :عن الصؽٌر حتى ٌكبر ،وعن المجنون
حتى ٌفٌ – وفً رواٌةٌ :عقل – وعن النابم حتى ٌستٌق "( ).
–2البلوغ :وعبلماته فً الذكور ثبلثة ،وتزٌد اإلناث بعبلمة رابعة:
أ – إنزال المنً شهوة بلذة للذكر واألنثى.
ب – إنبات شعر العانة للذكر واألنثى.
ج – بلوغ خمس عشرة سنة للذكر واألنثى ،وهو الحد األعلى للبلوغ.
د – وتزٌد المرأة بنزول الحٌض علٌها.
) (
ان ر المؽنً ،136/2والشرح الكبٌر ،526/1والمجموع ،246/1وبدابع الصنابع ،163/1والبٌان والتحصٌل
.289/8
) (
ان ر شرح التلوٌح على التوضٌح ،348/2وشرح أصول السرخسً ،215/2والروضة البن قدامة ص ،369
وتٌسٌر التحرٌر ،258/2وشرح الروضة للطوفً .156/3
) (
سنن أبً داود برقم 4402وهو حدٌث صحٌح علٌه العلم عند عامة أهل العلم.
28
وعلٌه فبل بد من شرابط التكفٌر للمُعٌَّن أن ٌكون مكل ًفا أي :بالؽا ً عاقبلً فٌإاخذ فٌما
وقع فٌه من تكفٌر ،وسٌؤتً لهذا مزٌد بٌان وتمثٌل فً موانع التكفٌر إن شاء هللا.
وهذا الحكم المتعل بالتكلٌؾ فً البلوغ والعقل تدور علٌه أحكام الشرٌعة وال سٌما
أركان الدٌن وأصول اإلٌمان .فمن وقع فً الكفر األكبر وهو صؽٌر لم ٌبلػ أو مجنون لم
ٌعقل فبل نكفر عٌنا ً وإنما ٌحكم على تصرفه بؤنه كفر أكبر دون مقارقه ،وهو ٌُعذر بما
ٌتؤدب مثله.
29
المبحث الثانً
الشرط الثانً :العلم
المراد به المعرفة بالكفر األكبر قوالً أو فعبلً أو اعتقاداً ،فٌصدر عنه الكفر األكبر
وهو عالم به ،ؼٌر جاهل أي خالً من العلم به ،وذلك بؤن ٌتمكن من العلم بدٌن هللا،
وٌستطٌع العمل به .ووسٌلة هذا العلم هو قٌام الحجة التً أقامها هللا عز وجل ببعثة الرسل
ث علٌهم الصبلة والسبلم ،وبإنزال الكتب كما قال تعالىَ { :و َما ُك َّنا ُم َع ِّذ ِب َ
ٌن َح َّتى َن ْب َع َ
َرسُوالً}[اإلسراء .]15 :وما رواه مسلم( ) عن أبً هرٌرة عن رسول هللا – – أنه
قال" :والذي نفس محم ٍد بٌده ال ٌسمع بً أح ٌد من هذه األمة ٌهودي وال نصرانً ثم ٌموت
ُ
أرسلت به إال كان من أصحاب النار". ولم ٌإمن بالذي
قال شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة ( )" :ومن جالسنً ٌعلم ذلك منً أ ِّنً من أع م الناس
عن أنْ ٌنسب معٌن إلى تكفٌر وتفسٌ ومعصٌة إال إذا عُلم أنه قد قامت علٌه الحجة
الرسالٌة التً من خالفها كان كافراً تارة وفاسقا ً أخرى وعاصٌا ً أخرى"ا.هـ.
وقٌام الحجة ،بالعلم بما أنزله هللا ،أما من كان ؼٌر مستعد للعلم لكونه حدٌث العهد
باإلسبلم أو نشؤته بمكان بعٌد عن أسباب العلم كالبوادي ومجاهل الؽابات أو عجمته فً
عدم فهمه األمر الشرعً ..أو أشباهه ذلك فكلها قوادح فً هذا العلم ،وبالتالً قوادح فً
تحقٌ هذا الشرط ،وٌعرؾ ذلك العلماء والقضاة الشرعٌون المناط بهم تحقٌ وصؾ
الكفر ،وإنزاله حكما ً على الم ُعٌِّنٌن.
قال الشٌخ محمد بن عبد الوهاب كما فً الرسابل الشخصٌة ( )" :فإنَّ الذي لم تقم
علٌه الحجة هو الذي حدٌث عهد باإلسبلم والذي نشؤ ببادٌة بعٌدة أو ٌكون ذلك فً مسؤلة
خفٌة مثل الصرؾ والعطؾ فبل ٌكفر حتى ٌُعرَّ ؾُ ،وأما أصول الدٌن التً أوضحها هللا
وأحكمها فً كتابه فإن حجة هللا هو القرآن فمن بلؽه القرآن فقد بلؽته الحجة ،ولكن أصل
) (
صحٌح مسلم برقم (.)153
) (
فً مجموع الفتاوى (.)229/3
) (
الرسابل الشخصٌة ،ضمن مجموعة مإلفات الشٌخ (.)244/1
30
اإلشكال أنكم لم تفرقوا بٌن قٌام الحجة وبٌن فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقٌن من
{أَ ْم َتحْ َسبُ أَنَّ أَ ْك َث َر ُه ْم المسلمٌن لم ٌفهموا حجة هللا مع قٌامها علٌهم كما قال تعالى:
ض ُّل َس ِبٌبلً}[الفرقان"...]44 :ا.هـ.ون إِنْ ُه ْم إِالَّ َكاألَ ْن َع ِام َب ْل ُه ْم أَ َ
ُون أَ ْو ٌَعْ قِل ُ َ
ٌَسْ َمع َ
وقال أٌضا ً رحمه هللا فً الرسابل الشخصٌة ( )" :بؤنَّ المعٌن ال ٌُكفر إال إذا قامت
علٌه الحجة فإذا كان المعٌن ٌكفر إذا قامت علٌه الحجة فمن المعلوم أنَّ قٌامها لٌس معناه
فهم أبً بكر – رضً هللا عنه – بل إذا بلؽه كبلم هللا أنْ ٌفهم كبلم هللا ورسوله مث َل ِ
ورسوله وخبل من شًء ٌعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم علٌهم الحجة
بالقرآن"...ا.هـ.
ب ٌفهمه فهمًا كلٌا ً إجمالٌا ً ٌقوم معه العلم وإنما معنى فهم الحجة أنْ ٌُخاطب بخطا ٍ
بلسان عربً ال ٌفهمه ،ونقرأ علٌه ٍ الكلً الواجب ،وعلٌه فبل ٌصح أن ُنخاطب األعجمً
القرآن وهو ال ٌفهمه ثم نقول :قد قامت علٌه الحجة ،فبلبد أن ٌفهم فهم الصحٌح البلب
شرعًا ولذا جاءت اآلٌة بالسماع الذي هو وسٌلة للفهم المطلوب فلم ٌقل النبً – – فً
الحدٌث الساب :ال ٌفهم ،بل قال :ال ٌسمع بً ...وكذلك قول هللا تعالىَ { :وإِنْ أَ َح ٌد م َِن
هللا }[التوبة .]6 :ولهذا ال ٌشترط كما فهم ك َفؤ َ ِجرْ هُ َح َّتى ٌَسْ َم َع َكبل َم َّ ِ ٌِن اسْ َت َج َ
ار َ ْال ُم ْش ِرك َ
الحجة ،وإنما ٌكفً فهم أصلها ومعناها الكلً.
وعلماء الدعوة اإلصبلحٌة عُنوا بهذه المسؤلة فً كبلم علمابها قال الشٌخ إبراهٌم بن
عبداللطٌؾ فً إجماع أهل السنة النبوٌة على تكفٌر المعطلة الجهمٌة فً معرض كبلمه
عن الحُجة( )" :فهمها نو ٌع وبلوؼها نو ٌع آخر ،فقد تقوم الحجة على من لم ٌفهمها"ا.هـ
أي الفهم التام الكامل ،حٌث ٌكفً فهم أصل الحجة ،وهللا أعلم.
) (
الرسابل الشخصٌة (.)220/1
) (
فتاوى الشٌخ إبراهٌم (.)159/1
31
المبحث الثالث
الشرط الثالث :القصد
ومفهومه أن ٌرٌد قوالً أو فعبلً أو عقٌد ًة مرٌداً لها بنٌة وعزمه متعمداً لها فً قلبه أو
ْس َعلَ ٌْ ُك ْم ُج َنا ٌح فٌِ َما أَ ْخ َطؤْ ُتم ِب ِه َولَكِن قوله أو فعله .لقول هللا تعالى فً آٌة األحزابَ { :ولٌَ َ
هللا ُ َؼفُوراً رَّ حٌِما ً}[األحزاب.]5 : ان ََّت قُلُو ُب ُك ْم َو َك َمَّا َت َع َّمد ْ
وهذا الشرط باعتبار القصد مراد لذاته فً إٌقاع التكفٌر وأحكامه ولوازمه على
المُعٌَّنٌن.
فالمقارؾ للكفر األكبر قوالً أو فعبلً أو اعتقاداً – قد قصده وتعمَّده – ؼٌر متصؾ
بحال ضد ذلك من الخطؤ أو التؤوٌل أو نحوهما مما سٌؤتً له مزٌد إٌضاح فً موانع ٍ
التكفٌر – إن شاء هللا –.
ان ْ ُ قال – تعالى –َ { :من َك َف َر ِب َّ ِ
اهلل مِن َبعْ ِد إٌ َما ِن ِه إِالَّ َمنْ أ ْك ِر َه َو َق ْل ُب ُه مُط َمبِنٌّ ِب ِ
اإلٌ َم ِ
هللا َولَ ُه ْم َع َذابٌ َع ِ ٌ ٌم}[النحل.]106 : ضبٌ م َِّن َّ ِ ص ْدراً َف َعلٌَ ِْه ْم َؼ َ َولَكِن مَّن َش َر َح ِب ْال ُك ْف ِر َ
هذه اآلٌة بٌَّن هللا تعالى فٌها أنَّ من كفر باهلل من بعد إٌمانه فعلٌه ؼضب من هللا وله
عذاب ع ٌم ألنه استحب الحٌاة الدنٌا على اآلخرة ،وٌشمل ذلك – :من كفر باهلل جاداً
وقاصداً– وٌشمل من كفر باهلل هازالً أو العبا ً أو ساخراً ،وٌشمل من كفر باهلل خائضاً وال
ٌستثن من الكفر إال من ِ ٌشمل من كفر باهلل مكرها ً واطمبن قلبه بالكفر .ألن هللا تعالى لم
قارؾ الكفر مكرها ً واطمبن قلبه باإلٌمان؛ وبٌَّن هللا سبحانه أن ما عدا هذا الصنؾ من
الناس فإنه ٌكون كافراً ألنه مستحبٌ للحٌاة الدنٌا على اآلخرة؛ فمن كفر باهلل قاصداً فقد
استحب الحٌاة الدنٌا على اآلخرة؛ ومن كفر هازالً فقد استحب الحٌاة الدنٌا على اآلخرة؛
ومن كفر خائضاً فقد استحب الحٌاة الدنٌا على اآلخرة؛ ومن كفر مُكرها ً واطمبن قلبه
بالكفر فقد استحب الحٌاة الدنٌا على اآلخرة؛ قال تعالىَ { :ذلِ َ
ك ِبؤ َ َّن ُه ُم اسْ َت َحبُّوا ْال َح ٌَا َة ال ُّد ْن ٌَا
ٌن}[النحل.]107 : هللاَ ال ٌَ ْهدِي ْال َق ْو َم ْال َكاف ِِر ََعلَى االخ َِر ِة َوأَنَّ َّ
وعن أبً عبٌدة بن محمد بن عمار بن ٌاسر ،قال أخذ المشركون عمار بن ٌاسر
ٌعذبوه فقاربوه فً بعض ما أرادوا به ،فشكا ذلك إلى رسول هللا – – فقال رسول هللا
32
– " :– كٌؾ تجد قلبك ؟ قال عمار :مطمبنا باإلٌمان ،قال رسو ل هللا :فإن عادوا
فعد"( ) ولهذا اتف العلماء على أن المكره على الكفر ٌجوز له أن ٌوالً إبقاء لمهجته .
وٌقول ابن كثٌر فً تفسٌره" :وٌجوز له أن ٌؤبى كما كان ببلل –رضً هللا عنه –ٌؤبى
علٌهم ذلك ،واألفضل واألولى أن ٌثبت المسلم على دٌنه ،ولو أفضى إلى قتله "( ) .وهذه
حالة العزٌمة واألفضل واألولى حال الرخصة والمندوحة والجواز .وهللا أعلم.
) (
فتح الباري= البن حجر العسقبلنً .327/12
) (
تفسٌر القرآن الع ٌم= البن كثٌر آلٌة النحل .226/3
33
المبحث الرابع
الشرط الرابع :االختٌار
وهو أن ٌفعل أمراً أو ٌقوله أو ٌعتقده بإرادته ورؼبته من ؼٌر إجبار صحٌح معتبر
شرعا ً علٌه ،وضده اإلكراه ،وهو مانع من موانع التكفٌر وسٌؤتً له مزٌد بٌان وتمثٌل
وتفصٌل فً الفصل القادم إن شاء هللا.
وموضوع االختٌار له عبلقة بمسؤلة القضاء والقدر وأشهر المذاهب فٌها ثبلثة ،وهً
إجماالً:
1ـ فمذهب السلؾ الصالح :أهل السنة والجماعة على أن العبد المكلؾ من الجن واألنس
مختار ألفعاله – ٌشمل القول واالعتقاد والفعل – ؼٌر مجبور علٌها ،وإنما ر َّؼبته
وحذرته من الشر وشٌَّنته له ،دون إجبار ٌقع علٌه فً وحثته علٌهَّ ، الشرٌعة بالخٌر َّ
جمٌع أعماله.
2ـ ومذهب الجهمٌة الجبرٌة :أن العباد مجبورون على أعمالهم ؼٌر مختارٌن لها البتة،
بل هم كالرٌشة فً مهب الرٌاح ،وكالمٌت بٌن ٌدي مؽسله ٌقلبه كٌفما شاء.
وقرٌب من هذا مذهب األشاعرة القابلٌن ببدعة الكسب ،على ما عرؾ فً
موضعه( ).
3ـ ومذهب المعتزلة القدرٌة :أن العباد هم الخالقون أفعالهم بقدرتهم ،وال قدرة هلل علٌها
ال إراد ًة وال خلقا ً عند عامتهم – جمهورهم – وال علم هلل بها وال كتابة لها فً التقدٌر
الساب فً اللوح المحفو عند ؼبلتهم.
) (
ان ر ابن الحنبلً والرد على األشاعرة ،374/1والقضاء والقدر= للمحمود ،275وشفاء العلٌل= البن القٌم 194/2
وما بعدها.
34
الفصل الثانً
موانع تكفٌر المعٌن
المبحث األول :المانع األول :عدم التكلٌؾ
ؼٌر المكلؾ؛ كالصبً والمجنون إذا وقع فً الكفر ،ال ٌقع علٌه الكفر؛ وذلك لقوله –
" :– رفع القلم عن ثبلثة :عن النابم حتى ٌستٌق ،وعن المبتلى حتى ٌبرأ ،وعن الصؽٌر
حتى ٌكبر"وفً رواٌة" :وعن المجنون حتى ٌعقل"( ).
قال ابن المنذر – رحمه هللا –" :وأجمعوا أن المجنون إذا ارتد فً حال جنونه أنه
مسلم على ما كان قبل ذلك"( ).
وقال ابن قدامة فً "المؽنً" ( )" :إن الردة ال تصح إال من عاقل فؤما من ال عقل له
كالطفل الذي ال عقل له والمجنون ،ومن زال عقله بإؼماء أو نوم أو مرض أو شرب
دواء ٌباح شربه؛ فبل تصح ردته وال حكم بكبلمه بؽٌر خبلؾ ...ثم نقل كبلم ابن المنذر
فً "اإلجماع".
وقال – رحمه هللا –" :وال تصح ردة المجنون وال إسبلمه ألنه ال قول له.) ("...
وقال النووي فً "روضة الطالبٌن" ( )" :فبل تصح ردة صبً وال مجنون ،ومن ارتد
ثم جن فبل ٌقتل فً جنونه".
وبهذا ٌتبٌن أن التكلٌؾ شرط فً تكفٌر المعٌن ،وعدمه مانع منه.
) (
أخرجه أحمد ( ،)116/6وأبو داود ( ،)4398والنسابً ( ،)3432وابن ماجه ( ،)2042وصححه ابن حبان
والحاكم وؼٌرهما ،وهو صحٌح ان ر تخرٌجه فً "البدر المنٌر" ()225/3
) (
اإلجماع ( ص ،128دار المسلم)
) (
المؽنً البن قدامة (.)73/10
) (
المؽنً (.)100/10
) (
روضة الطالبٌن (.)71/10
35
المبحث الثانً
المانع الثانً :الجهل
ومفهومه هو خلو النفس من العلم ،والمراد به العلم بؤن ما وقع منه ،قوالً أو اعتقاداً
أو عمبلً كفر مخرج من الملة وألجل إقامة الحجة بالعلم بعث هللا سبحانه الرسل علٌهم
ث َرسُوالً}[اإلسراء.]15 : الصبلة والسبلمَ { :و َما ُك َّنا ُم َع ِّذ ِب َ
ٌن َح َّتى َن ْب َع َ
أما السنة النبوٌة فقد جاءت أحادٌث كثٌرة تدل على أن الجهل:
ففً سنن ابن ماجه عن حذٌفة بن الٌمان – رضً هللا عنه – ،قال :قال رسول هللا –
ٌ" :– درس اإلسبلم كما ٌدرس وش ًُ الثوب حتى ال ٌدرى ما صٌام ،وال صبلة ،وال
نسك ،وال صدقة ،ولٌُسرى على كتاب هللا عز وجل فً لٌلة فبل ٌبقى فً األرض منه آٌة،
وتبقى طوابؾ من الناس الشٌخ الكبٌر والعجوز ٌقولون :أدركنا آباءنا على هذه الكلمة ال
إله إال هللا فنحن نقولها ،فقال له صلة :ما تؽنً عنهم ال إله إال هللا ،وهم ال ٌدرون ما
صبلة ،وال صٌام ،وال نسك ،وال صدقة ،فؤع ادها علٌه الصبلة والسبلم ثبلثاً ،كل ذلك
ٌعرض عنه حذٌفة ،ثم أقبل علٌه فً الثالثة ،فقالٌ :ا صلة تنجٌهم من النار ثبلثا " فهإالء
نجوا من النار ولم ٌعرفوا من اإلسبلم إال الشهادة ،لما جهلوا ما سواها من شعابر الدٌن
وأركانه ،وهذا ٌدل أن الجهل هو عذرهم المانع من تكفٌرهم.
فمن ٌجهل هذه األحكام كمن هو منقطع فً مكان لٌس لدٌه أسباب التعلم؛ كمن نشؤ فً
بادٌة بعٌدة أو كان حدٌث عهد بكفر ،أما من عاش بٌن المسلمٌنٌ ،حضر صلواتهم وٌسمع
خطبهم ،ثم ٌجهل شٌبا من أصول الدٌن أو أمراً معلوما ً منه بالضرورة فبل ٌعذر بجهله،
ألنه متسبب فً وجود جهله وعدم إزالته.
فعن أبً هرٌرة – رضً هللا عنه – عن النبً – ،– قال" :كان رجل ٌسرؾ
مت فؤحرقونً ثم اطحنونً ثم ذرونً فً على نفسه فلما حضره الموت ،قال لبنٌه :إذا أنا ُّ
الرٌح ،فو هللا لبن قدر علً ربً لٌعذبنً عذابا ما عذبه أحدا ،فلما مات فعل به ذلك فؤمر
هللا األرض فقال اجمعً ما فٌك منه ،ففعلت ،فإذا هو قابم ،فقال ما حملك على ما صنعت؟
قالٌ :ا رب خشٌتك فؽفر له "( ) ،فهذا رجل جهل كمال قدرة هللا جبل وعبل – وعند
) (
رواه البخاري برقم (.)3481
36
بعض العلماء جهل القدرة – فً بعثه بعد موته ف ن أنه إذا أحر ونثر رماده فً البر
والبحر فإن هللا ال ٌقدر على جمعه ،وال شك أن الشك فً قدرة هللا جبل وعبل ،والشك فً
البعث كفر ،قد فعله جاهبلً وؼفر هللا له.
هذا وٌجب أن تعلم أن العذر بالجهل ٌُعتبر ح :
أ– َمن كان حدٌث عهد بكفر ،أما من عاش بٌن المسلمٌنٌ ،حضر صلواتهم وٌسمع
خطبهم ،ثم ٌجهل شٌبا من أصول الدٌن أو أمراً معلوما ً منه بالضرورة فبل ٌعذر
بجهله ،ألنه متسبب فً وجود جهله وعدم إزالته .ومدار الحكم على هذا وأمثاله
معرفة كل بحال عٌنه.
حال هو م نة أن ٌجهل هذه األحكام ك َمن نشؤ فً بادٌة بعٌدة. ب– َمن كان فً مح ٍّل أو ٍ
ومن نقول العلماء فً هذا الصدد ما قاله القرافً فً "الفرو "( )..." :ألنَّ القاعدة
الشرعٌة دلت على أن كل جهل ٌمكن المكلؾ رفعه ال ٌكون حجة للجاهل السٌما مع طول
الزمان واستمرار األٌام فإنَّ الذي ال ٌُعلم الٌوم ٌُعلم فً ؼ ٍد وال ٌلزم من تؤخٌر ما ٌتوقؾ
على هذا العلم فسا ٌد فبل ٌكون عذراً"ا.هـ.
العذر بالجهل المعتبر عند أهل العلم ما لم ٌلحقه تقصٌر من الجاهل أو تفرٌط.
وقال البعلً فً قواعده ( )" :جاهل الحكم هل هو معذو ٌر أم ال؟" ،ثم قال" :فإذا قلنا
ٌُعذر فإنما محله إذا لم ٌُقصِّر وٌُفرِّ ط فً تعلم الحكم أما إذا قصر أو فرَّ ط فبل ٌعذر جزما ً"
أ هـ.
فٌُعتبر الجهل مانعا ً لمن كان عنده أصل اإل ٌمان لكن خفٌت علٌه بعض المسابل التً
قد تخفى أو ُتشكل على مثله ،مما ٌحددها البقة بهذا الجاهل أنه بهذا أهل العلم .وعلٌه
فلٌس كل جهل ٌُ َّدعى ٌُصد ،وإنما دور العلماء والقضاة الن ر الصحٌح فً اعتباره
وتحققه؟!
وقال الشٌخ إبراهٌم بن عبد اللطٌؾ كما فً "إجماع أهل السنة النبوٌة على تكفٌر
جهل ٌكون عذراً لصاحبه فهإالء جُهال المقلدٌن ألهل ٍ المعطلة الجهمٌة"( )" :ولٌس ك ُّل
) (
الفرو = للقرافً (.)448/4
) (
قواعد= (.)58/1
) (
(.)116/1
37
الكفر كفا ٌر بإجماع األمة ،اللهم إال من كان منهم عاجزاً عن بلوغ الح ومعرفته ال ٌتمكن
بحال مع محبته له ،وإرادته ،وطلبه ،وعدم المرشد إلٌه ،أو من كان حدٌث عه ٍد ٍ منه
باإلسبلم ،أو من نشؤ ببادٌ ٍة بعٌد ٍة فهذا الذي ذكر أهل العلم أنه معذورٌ؛ ألن الحجة لم تقم
،وأما التموٌه علٌه ،فبل ٌكفر الشخص المعٌن حتى ٌعْ ِر َ
ؾ وتقوم علٌه الحجة بالبٌان
والمؽالطة من بعض هإالء بؤنَّ شٌخ اإلسبلم توقؾ فً تكفٌر المعٌن الجاهل فهو من
التلبٌس والتموٌه على خفافٌش البصابر ،فإنما المقصود به فً مساب َل مخصوص ٍة قد ٌخفى
دلٌلها على بعض الناس كما فً مسابل القدر واإلرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل األهواء
فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرٌة ،من ر ِّد أدلة الكتاب والسنة المتواترة فٌكون القول
المتضمن لر ِّد بعض النصوص كفراً وال ٌُحكم على قابله بالكفر الحتمال وجود مانع ٌمنع
كالجهل وعدم العلم بنفس النص أو بداللته؛ فإن الشرابع ال تلزم إال بعد بلوؼها، ِ منه،
ناس ُ
ولذلك ذكرها فً الكبلم على بدع أهل األهواء وقد نصَّ على هذا ،فقال فً تكفٌر أ ٍ
من أعٌان المتكلمٌن بعد أن قرر هذه المسؤلة ،قال :وهذا إذا كان فً المسابل الخفٌة فقد
ٌقال بعدم الكفر ،وأما ما ٌقع منهم فً المسابل ال اهرة الجلٌَّة أو ما ٌُعلم من الدٌن
بالضرورة فهذا ال ٌتوقؾ فً كفر قابله".
جهل عذراً
ٍ إلى قوله – رحمه هللا –" :وهإالء األؼبٌاء أجملوا القضٌة وجعلوا ُك َّل
ولم ٌفصلوا وجعلوا المسابل ال اهرة الجلٌَّة وما ٌعلم من الدٌن بالضرورة كالمسابل
الخفٌة التً قد ٌخفى دلٌلها على بعض الناس وكذلك من كان بٌن أ هر المسلمٌن كمن نشؤ
ببادٌ ٍة بعٌد ٍة ،أو كان حدٌث عه ٍد باإلسبلم فضلوا وأضلوا كثٌراً وضلوا عن سواء السبٌل"
أ.هـ.
هذا وقد تقدم قول اإلمام الشافعً – رحمه هللا – ..." :فإن خالؾ ذلك بعد ثبوت
الحجة علٌه فهو كافر ،فؤما قبل ثبوت الحجة علٌه فمعذور بالجهل؛ ألن علم ذلك ال ٌقدر
بالعقل ،وال بالرإٌة والقلب والفكر ،وال نكفر بالجهل أحداً إال بعد انتهاء الخبر إلٌه".
وكذلك تقدم قول ابن العربً" :فالجاهل والمخطا من هذه األمة ولو عمل من الكفر
والشرك ما ٌكون صاحبه مشركا ً أو كافراً؛ فإنه ٌعذر بالجهل والخطؤ ،حتى ٌتبٌن له
الحجة التً ٌكفر تاركها بٌانا ً واضحا ً ما ٌلتبس على مثله".
38
وقال شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة – رحمه هللا –..." :واألصل الثانً :أن المقالة تكون
كفراً :كجحد وجوب الصبلة والزكاة والصٌام والحج ،وتحلٌل الزنا والخمر والمٌسر
ونكاح ذوات المحارم ،ثم القابل بها قد ٌكون بحٌث لم ٌبلؽه الخطاب وكذا ال ٌكفر به
جاحده؛ كمن هو حدٌث عهد باإلسبلم أو نشؤ ببادٌة بعٌدة لم تبلؽه شرابع اإلسبلم ،فهذا ال
ٌحكم بكفره بجحد شًء مما أنزل على الرسول إذا لم ٌعلم أنه أنزل على الرسول.) ( "...
فالشٌخ رحمه هللا ٌإكد ما أجمع علٌه العلماء أنه ال ٌكفر أحد بجهله إذا لم ٌعلم بهذا األمر
المُك َّفر.
وقال – رحمه هللا– :فإذا رأٌت إماما قد ؼل على قابل مقالته أو كفره فٌها فبل ٌعتبر
هذا حكما عاما فً كل من قالها إال إذا حصل فٌه الشرط الذي ٌستح به التؽلٌ علٌه
والتكفٌر له؛ فإن من جحد شٌبا من الشرابع ال اهرة وكان حدٌث العهد باإلسبلم أو ناشبا
ببلد جهل ال ٌكفر حتى تبلؽه الحجة النبوٌة .وكذلك العكس إذا رأٌت المقالة المخطبة قد
صدرت من إمام قدٌم فاؼتفرت؛ لعدم بلوغ الحجة له؛ فبل ٌؽتفر لمن بلؽته الحجة ما اؼتفر
لؤلول فلهذا ٌبدع من بلؽته أحادٌث عذاب القبر ونحوها إذا أنكر ذلك وال تبدع عابشة
ونحوها ممن لم ٌعرؾ بؤن الموتى ٌسمعون فً قبورهم؛ فهذا أصل ع ٌم فتدبره فإنه
نافع.) (.
هذا وشٌخ اإلسبلم من أكثر من رأٌت من العلماء والمحققٌن عناٌة بهذا الشرط ومانعه
"العلم وضده الجهل" فً موضوع تكفٌر المعٌن.
( )
: وقال ابن القٌم – رحمه هللا – عند كبلمه عن اعتبار النٌات والمقاصد فً األلفا
"وكذلك لو نط بكلمة الكفر من ال ٌعلم معناها لم ٌكفر "...إلى وله " :وقد تقدم أن الذي
قال لما وجد راحلته "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطؤ من شدة الفرح لم ٌكفر بذلك وإن
أتى بصرٌح الكفر؛ لكونه لم ٌرده ،والمكره على كلمة الكفر أتى بصرٌح كلمته ولم ٌكفر
لعدم إرادته بخبلؾ المستهزئ والهازل؛ فإنه ٌلزمه الطبل والكفر وإن كان هازال؛ ألنه
) (
مجموع الفتاوى ( .)354/3
) (
،180/12 ،407/11 ،617/7 ،354 ،354 ،230/3 مجموع الفتاوى ( ،)354/3وان ر مجموع الفتاوى (
.23/37 ،165/35 ،135/33 ،33/20
) (
فً ص (.)76 – 75/3
39
قاصد للتكلم باللف وهزله ال ٌكون عذرا له بخبلؾ المكره والمخطا والناسً فإنه معذور
مؤمور بما ٌقوله ،أو مؤذون له فٌه ،والهازل ؼٌر مؤذون له فً الهزل بكلمة الكفر
والعقود؛ فهو متكلم باللف مرٌد له ولم ٌصرفه عن معناه إكراه وال خطؤ وال نسٌان وال
جهل .والهزل لم ٌجعله هللا ورسوله عذرا صارفا بل صاحبه أح بالعقوبة أال ترى أن هللا
تعالى عذر المكره فً تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمبنا باإلٌمان ولم ٌعذر الهازل بل
قال َ { :ولَبِن َسؤ َ ْل َت ُه ْم لَ ٌَقُولُنَّ إِ َّن َما ُك َّنا َن ُخوضُ َو َن ْل َعبُ قُ ْل أَ ِب َّ ِ
اهلل َوآ ٌَا ِت ِه َو َرسُولِ ِه ُكن ُت ْم
ون ،الَ َتعْ َت ِذرُو ْا َق ْد َك َفرْ ُتم َبعْ َد إٌِ َما ِن ُك ْم }[التوبة ]66–65 :وكذلك رفع المإاخذة َتسْ َته ِْزإُ َ
عن المخطا والناسً .انتهى( ).
وقال ابن عثٌمٌن – رحمه هللا –" :ومن أهم الشروط – أي :شروط تكفٌر المعٌن –
أن ٌكون عالما ً بمخالفته التً أوجبت كفره لقوله – تعالى –َ { :و َمن ٌُ َشا ِق ِ الرَّ سُو َل مِن
ٌِن ُن َولِّ ِه َما َت َولَّى َو ُنصْ لِ ِه َج َه َّن َم َو َس ْ
اءت ٌل ْالم ُْإ ِمن َ
َبعْ ِد َما َت َبٌ ََّن لَ ُه ْال ُهدَى َو ٌَ َّت ِبعْ َؼٌ َْر َس ِب ِ
مَصِ ٌراً}[النساء ]115 :فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن ٌتبٌن
الهدى له"( ) .والتبٌٌِّن إنما ٌكون بالعلم.
وقال" :ومن الموانع أن ٌؽل علٌه فكره وقصده ،بحٌث ال ٌدري ما ٌقول لشدة فرح
أو حزن أو ؼضب أو خوؾ أو نحو ذلك ،لقوله – تعالى – َ { :ولٌَ َ
ْس َعلَ ٌْ ُك ْم ُج َنا ٌح فٌِ َما
هللا ُ َؼفُوراً رَّ حٌِما ً }[األحزاب ]5 :وفً صحٌح ان َّ أَ ْخ َطؤْ ُتم ِب ِه َولَكِن مَّا َت َع َّمد ْ
َت قُلُو ُب ُك ْم َو َك َ
مسلم( ) عن أنس بن مالك – رضً هللا عنه – أن النبً – ،– قال" :هلل أشد فرحا ً
بتوبة عبده حٌن ٌتوب إلٌه من أحدكم كان على راحلته بؤرض فبلة ،فانفلتت منه وعلٌها
طعامه وشرابه ،فؤٌس منها ،فؤتى شجرة فاضطجع فً لها قد أٌس من راحلته ،فبٌنما هو
كذلك إذا بها قابمة عنده ،فؤخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح :اللهم أنت عبدي ،وأنا
ربك ،أخطؤ من شدة الفرح"( ).
) (
وان ر "مدارج السالكٌن" (.)209/1
) (
مجموع الفتاوى والرسابل (.)343/3
) (
صحٌح مسلم (.)2104
) (
مجموع الفتاوى والرسابل (.)43/7
40
المبحث الثالث
المانع الثالث :الخطؤ والتؤوٌل
ؼٌر ما قصد ،وهو باختصار :انتفاء القصد فالخطؤ :وهو أن ٌقصد شٌبا ً فٌصادؾ َ
كمن ٌرٌد رمً صٌ ٍد فٌصٌب إنساناً ،أو كمن ٌرٌد رمً كتاب كفر فٌرمً كتاب هللا ج َّل
{ َولٌَ َ
ْس َعلَ ٌْ ُك ْم ُج َنا ٌح فٌِ َما وعبل ،واألدلة على العذر بالخطؤ كثٌرة منها قوله تعالى:
َت قُلُو ُب ُكم }[األحزاب ]5 :ومن األحادٌث المشهورة فً العذر أَ ْخ َطؤْ ُت ْم ِب ِه َولَ ِكنْ َما َت َع َّمد ْ
بالخطؤ ،قوله" : :إن هللا وضع عن أمتً الخطؤ والنسٌان وما استكرهوا علٌه"( ).
وهذه األدلة عامة فً العذر من عموم الخطؤ وثمة دلٌل خاص ٌدل على العذر من
الخطؤ فً مسابل الكفر ،وهو ما رواه مسلم عن أنس بن مالك – رضً هللا عنه – ،قال:
قال رسول هللا – " :– هلل أشد فرحا بتوبة عبده حٌن ٌتوب إلٌه من أحدكم كان على
راحلته بؤرض فبلة فانفلتت منه وعلٌها طعامه وشرابه ،فؤٌس منها فؤتى شجرة فاضطجع
فً لها قد أٌس من راحلته ،فبٌنا هو كذلك إذا هو بها قابمة عنده ،فؤخذ بخطامها ثم قال
من شدة الفرح :اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطؤ من شدة الفرح( ).
فهذا قال كلمة هً كفر باالتفا ،لكنه لما لم ٌقصدها بنٌته ،وإنما صدرت منه خطاء
بسبب شدة الفرح ،لم ٌإاخذ علٌها .فصار بهذا الخطؤ ضد القصد مانعا ً من تكفٌر هذا
وأمثاله ،وهللا أعلم.
وقال" :ومن الموانع أٌضا ً أن ٌكون له شبهة تؤوٌل فً المكفر بحٌث ٌ ن أنه على
ح ؛ ألن هذا لم ٌتعمد اإلثم والمخالفة فٌكون داخبلً فً قوله – تعالى –َ { :ولٌَ َ
ْس َعلَ ٌْ ُك ْم
َت قُلُو ُب ُك ْم}[األحزاب .]5 :وألن هذا ؼاٌة جهده فٌكون ُج َنا ٌح فٌِ َما أَ ْخ َطؤْ ُتم ِب ِه َولَكِن مَّا َت َع َّمد ْ
هللا ُ َن ْفسا ً إِالَّ وُ سْ َع َها}[البقرة.]286 :
داخبلً فً قوله –تعالى–{الَ ٌُ َكلِّؾُ َّ
تنبٌه:
العلماء – رحمهم هللا – فر َّقوا بٌن من أتى الكفر وهو ال ٌعلم أو ال ٌ ن أنه كفر
) (
صحٌح ابن ماجة ( )1677وصححه األلبانً.
) (
رواه مسلم فً صحٌحه (.)2747
41
مخرج من الملة؛ بل ربما نه معصٌة أو كبٌرة ،وبٌن الجاهل أصبلً بكونه كفر مخرج
من الملة.
قال شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة – رحمه هللا –" :وهإالء الصنؾ الذٌن كفروا بعد
إسبلمهم ؼٌر الذٌن كفروا بعد إٌمانهم فإن هإالء حلفوا باهلل ما قالوا ،وقد قالوا كلمة الكفر
التً كفروا بها بعد إسبلمهم وهموا بما لم ٌنالوا وهو ٌدل على أنهم سعوا فً ذلك ،فلم
ٌصلوا إلى مقصودهم؛ فإنه لم ٌقل :هموا بما لم ٌفعلوا لكن {بما لم ٌنالوا } فصدر منهم
قول وفعل قال تعالىَ { :ولَبِن َسؤ َ ْل َت ُه ْم لَ ٌَقُولُنَّ إِ َّن َما ُك َّنا َن ُخوضُ َو َن ْل َعبُ }[التوبة]65 :
فاعترفوا واعتذروا؛ ولهذا قٌل{ :الَ َتعْ َت ِذرُو ْا َق ْد َك َفرْ ُتم َبعْ َد إٌِ َما ِن ُك ْم إِن َّنعْ ؾُ َعن َطآ ِب َف ٍة
ٌِن }[التوبة ]66 :فدل على أنهم لم ٌكونوا عند أنفسهم مِّن ُك ْم ُن َع ِّذبْ َطآ ِب َف ًة ِبؤ َ َّن ُه ْم َكا ُنو ْا مُجْ ِرم َ
قد أتوا كفرا ،بل نوا أن ذلك لٌس بكفر ،فبٌن أن االستهزاء باهلل وآٌاته ورسوله كفر
ٌكفر به صاحبه بعد إٌمانه ،فدل على أنه كان عندهم إٌمان ضعٌؾ ،ففعلوا هذا المحرم
الذي عرفوا أنه محرم ،ولكن لم ٌ نوه كفرا ،وكان كفرا كفروا به؛ فإنهم لم ٌعتقدوا
جوازه.) ("...
وقال شٌخنا محمد ابن عثٌمٌن – رحمه هللا –..." :الجاهل بما ٌترتب على المخالفة
ؼٌر معذور إذا كان عالمًا بؤن فعله مخالؾ للشرع كما تقدم دلٌله ،وبناء على ذلك فإن
تارك الصبلة ال ٌخفى علٌه أنه واقع فً المخالفة إذا كان ناش ًبا بٌن المسلمٌن فٌكون كافرً ا
وإن جهل أن الترك كفر .نعم إذا كان ناش ًبا فً ببلد ال ٌرون كفر تارك الصبلة وكان هذا
الرأي هو الرأي المشهور السابد بٌنهم ،فإنه ال ٌكفر لتقلٌده ألهل العلم فً بلده ،كما ال ٌؤثم
– تعالى : بفعل محرم ٌرى علماء بلده أنه ؼٌر محرم؛ ألن فرض العامً التقلٌد لقوله
ُون} .وهللا الموف "( ). { َفاسْ ؤَلُوا أَهْ َل ِّ
الذ ْك ِر إِنْ ُك ْن ُت ْم ال َتعْ لَم َ
أما التؤوٌل :وهو ملح بالخطؤ لنوع اشتراك بٌنهما ،وقد ٌشترك أٌضا ً بالجهل،
واألمر
واسع بحمد هللا وحقٌقة التؤوٌل :وضع الدلٌل الشرعً من كتاب أو سنة فً ؼٌر
) مجموع الفتاوى والرسابل ( ،)138 /2وقد سب فً الشروط نقل أول كبلمه! (
42
موضعه سواء باجتهاد أو بشبهة أو سوء فهم...الخ .فٌرتكب الكفر األكبر والذي ال ٌراه
هو فً نفسه كذلك .وهذا المانع من التكفٌر إنما ٌختص بؤهل االجتهاد دون ؼٌرهم من
المتقولٌن على هللا بالجهل والهوى ،وذلك أن المجتهد قد ٌترك مقتضى دلٌل بدلٌل آخر
ْس َعلَى ٌراه أقوى منه ،كمن اعتقد من الصحابة ِح َّل الخمر مستدالً بقوله – تعالى –{ :لٌَ َ
ت ُث َّم
ت ُج َنا ٌح فٌِ َما َط ِعمُوا إِ َذا َما ا َّت َق ْوا َوآ َم ُنوا َو َعمِلُوا الصَّال َِحا ِ ٌِن آ َم ُنوا َو َعمِلُوا الصَّال َِحا ِ الَّذ َ
ٌِن }[المابدة ]93 :فلما رفع أمرهم إلى ا َّت َق ْوا َوآ َم ُنوا ُث َّم ا َّت َق ْوا َوأَحْ َس ُنوا َو َّ
هللا ُ ٌُحِبُّ ْالمُحْ سِ ن َ
عمر بن الخطاب وتشاور الصحابة فٌهم ،اتف عمر وعلً وؼٌرهما من علماء الصحابة
– رضً هللا عنهم – على أنهم إن أقروا بالتحرٌم جلدوا ،وإن أصروا على االستحبلل
قتلوا .فلم ٌكفرهم الصحابة – رضً هللا عنهم – من أول وهلة لتؤوٌلهم ،بل أجمعوا على
أن ٌبٌنوا لهم خطؤ استداللهم فإن أصروا قتلوا ردة ،فلما استبان للمتؤولٌن خطؤ استداللهم
رجعوا وتابوا.
سابػ فً الشرع واللؽة والتؤوٌل المعتبر فً هذا المقام هو ما كان له وجه
العربٌة ،أما إن كان ال ٌعتمد على شًء من القرابن الشرعٌة أو اللؽوٌة فهو ؼٌر
أو ٌكون بؽرض الهوى والتحلل من معتبر شرعا كتؤوٌبلت الباطنٌة ونحوهم
الدٌانة ،فهذا ٌُعرؾ فً مجالس الحكم الشرعً فً القضاء والحكم على األعٌان.
والتؤوٌل نوعان:
1ـ التؤوٌل المانع :هو التؤوٌل الذي له وجه إما فً الشرع أو فً اللؽة ،كتؤوٌل األشاعرة
والمتكلمٌن لٌد هللا عز وجل بالقدرة ،أو االستواء باالستٌبلء وأمثالهما بنا ًء على شبة
عندهم فبل ٌكفرون به ،وإنما ٌضللون وٌبدعون حتى تقوم الحجة قٌاما ً صحٌحا ً ٌزول
من هذا العذر!
2ـ وأما التؤوٌل ؼٌر السابػ :فهو التؤوٌل الذي لٌس له مُسوِّ ٌغ فً الشرع أو فً اللؽة،
تعالى –: وٌكون صادراً عن محض رأي وهوى .مثاله :تؤوٌل الرافضة لقوله –
{ َب ْل ٌَدَاهُ َم ْبسُو َط َتان} بالحسن والحسٌن أو تؤوٌل ؼبلتهم الباطنٌة لقوله – تعالى –:
ٌِن }[التٌن ]2–1 :بؤنها علً وفاطمة والحسن ور سِ ٌن َ ُ الز ٌْ ُت ِ
ونَ ،وط ِ { َوال ِّت ِ
ٌن َو َّ
بالكفر.
ِ ُإثر فً الحكم
مقبول ،وؼٌر م ٍ
ٍ والحسٌن!! وهو باطل ؼٌ ُر
43
)" :وكذلك ال خبلؾ (
قال ابن الوزٌر فً كتابه إٌثار الح على الخل فً رد الخبلفات
فً كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجمٌع وتستر باسم التؤوٌل فٌما ال ٌمكن تؤوٌله،
كالمبلحدة فً تؤوٌل جمٌع األسماء الحسنى بل جمٌع القرآن والشرابع والمعا ِد األخروي من
البعث والقٌامة والجنة والنار"ا.هـ.
وقد نق َل العبدري فً التاج واإلكلٌل لمختصر خلٌل ( ) عن ابن أبً الربٌع قوله:
ُراح ال ٌُقبل"...ا.هـ.
"ألنَّ ادعاءه للتؤوٌل فً لف ٍ ص ٍ
وهً تدلنا على مبلػ حرص الشرع على وجوب التحق من وقوع الكفر من فاعله،
حتى ال ٌسفك دم معصوم بالتهمة والشك ،وفً ذكر هذه الموانع درس لمن ٌمارسون
التكفٌر دون اعتبار لتوافر شروط التكفٌر وانتفاء موانعه ،وال ٌعنً ذكر تلك الموانع أن
نتهٌب من تكفٌر من كفره هللا ورسوله لثبوت وصؾ الكفر فً حقه بتوافر شروط التكفٌر
وانتفاء موانعه ،فإن كبل طرفً قصد األمور ذمٌم ،ولكن الواجب هو التثبت والتؤكد.
وهذه بعض النقول عن العلماء تحق إعذار العلماء عن التكفٌر بمانع التؤوٌل ،وال
سٌما فً الخوارج أول فر التكفٌر وسفك الدماء عند المسلمٌن.
قال فً المؽنً ( )" :وإن استحل قتل المعصومٌن وأخذ أموالهم بؽٌر شبهة وال
فكذلك –ٌعنً ٌكون كافراً – وإن كان بتؤوٌل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم
ٌحكموا بكفرهم مع استحبللهم دماء المسلمٌن ،وأموالهم ،وفعلهم ذلك متقربٌن به إلى هللا
– تعالى – إلى أن قال– :وقد عرؾ من مذهب الخوارج تكفٌر كثٌر من الصحابة ومن
بعدهم واستحبلل دمابهم ،وأموالهم ،واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم ،ومع هذا لم ٌحكم
الفقهاء بكفرهم لتؤوٌلهم ،وكذلك ٌخرج فً كل محرم استحل بتؤوٌل مثل هذا".
وقال شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة ( ) "مجموع الفتاوى" " :وبدعة الخوارج إنما هً من
سوء فهمهم للقرآن ،لم ٌقصدوا معارضته ،لكن فهموا منه ما لم ٌدل علٌه ،ف نوا أنه
ٌوجب تكفٌر أرباب الذنوب".
) (
إٌثار الح على الخل فً رد الخبلفات (.)377/1
) (
التاج واإلكلٌل (.)285/6
) (
المؽنً= الموف ابن قدامة ( .)131/8
) (
مجموع الفتاوى ( .)30/13
44
وقال أٌضا ً" :فإن الخوارج خالفوا السنة التً أمر القرآن باتباعها وكفروا المإمنٌن
الذٌن أمر القرآن بمواالتهم ..وصاروا ٌتبعون المتشابه من القرآن فٌتؤولونه على ؼٌر
تؤوٌله من ؼٌر معرفة منهم بمعناه وال رسوخ فً العلم ،وال اتباع للسنة ،وال مراجعة
لجماعة المسلمٌن الذٌن ٌفهمون القرآن"( ).
وقال أٌضا ً من المجموع المذكور" :فإن األبمة متفقون على ذم الخوارج وتضلٌلهم،
وإنما تنازعوا فً تكفٌرهم على قولٌن مشهورٌن" ( ) .لكنه ذكر فً موضع آخر من
الفتاوى "أنه لم ٌكن فً الصحابة من ٌكفرهم ال علً بن أبً طالب وال ؼٌره ،بل حكموا
فٌهم بحكمهم فً المسلمٌن ال المٌن المعتدٌن كما ذكرت اآلثار عنهم بذلك فً ؼٌر هذا
الموضع"( ).
وذكر فً موضع آخر أٌضا ً" :أن هذا هو المنصوص عن األبمة كؤحمد وؼٌره"( ).
وقال أٌضا ً " :والخوارج المارقون الذٌن أمر النبً ،– – ،بقتالهم قاتلهم أمٌر
المإمنٌن علً بن أبً طالب أحد الخلفاء الراشدٌن ،واتف على قتالهم أبمة الدٌن من
الصحابة والتابعٌن ،ومن بعدهم ،ولم ٌكفرهم علً بن أبً طالب ،وسعد بن أبً وقاص،
وؼٌرهما من الصحابة ،بل جعلوهم مسلمٌن مع قتالهم ،ولم ٌقاتلهم علً حتى سفكوا الدم
الحرام ،وأؼاروا على أموال المسلمٌن فقاتلهم لدفع لمهم وبؽٌهم ،ال ألنهم كفار .ولهذا لم
ٌسب حرٌمهم ،ولم ٌؽنم أموالهم ،وإذا كان هإالء الذي ثبت ضبللهم بالنص ،واإلجماع،
لم ٌكفروا مع أمر هللا ورسوله ،– – ،بقتالهم فكٌؾ بالطوابؾ المختلفٌن الذٌن اشتبه
علٌهم الح فً مسابل ؼلط فٌها من هو أعلم منهم ،فبل ٌحل ألحد من هذه الطوابؾ أن
ٌكفر األخرى ،وال تستحل دمها ومالها ،وإن كانت فٌها بدعة محققة ،فكٌؾ إذا كانت
المكفرة لها مبتدعة أٌضاً ،وقد تكون بدعة هإالء أؼل ،والؽالب أنهم جمٌعا ً جهال بحقاب
ما ٌختلفون فٌه" .إلى أن قال" :وإذا كان المسلم متؤوالً فً القتال ،أو التكفٌر لم ٌكفر
) (
مجموع الفتاوى ( .)210/13
) (
مجموع الفتاوى .518/28
) (
مجموع الفتاوى .217/7
) (
مجموع الفتاوى () 518/28
45
بذلك"( ).
إلى أن قال( )" :وقد اختلؾ العلماء فً خطاب هللا ورسوله هل ٌثبت حكمه فً ح
العبٌد قبل الببلغ على ثبلثة أقوال فً مذهب أحمد وؼٌره .والصحٌح ما دل علٌه القرآن
ث َرسُوالً }[اإلسراء .]15 :وقوله: ٌن َح َّتى َن ْب َع َفً قوله –تعالى –َ { :و َما ُك َّنا ُم َع ِّذ ِب َ
هللا حُجَّ ٌة َبعْ َد الرُّ س ُِل }[النساء.]165 :
اس َعلَى َّ ِ ون لِل َّن ِ ٌن لِ َببلَّ ٌَ ُك َ {رُّ ُسبلً ُّم َب ِّش ِر َ
ٌن َومُنذ ِِر َ
وفً الصحٌحٌن عن النبً" :– – ،ما أحد أحب إلٌه العذر من هللا ،من أجل ذلك أرسل
الرسل مبشرٌن ومنذرٌن"( ).
والحاصل أن الجاهل معذور بما ٌقوله أو ٌفعله مما ٌكون كفراً ،كما ٌكون معذوراً بما
ٌقوله أو ٌفعله مما ٌكون فسقاً ،وذلك باألدلة من الكتاب والسنة ،واالعتبار ،وأقوال أهل
العلم"( ).
) (
مجموع الفتاوى .282/3
) (
مجموع الفتاوى .288/3
) (
صحٌح البخاري برقم ،7416وصحٌح مسلم برقم .1499
) (
،42/7 ،342 /3 ،140 – 124/2 ( .)138– 136/2وان ر "مجموع الفتاوى والرسابل للشٌخ ابن عثٌمٌن (
.) 744/10
46
المبحث الرابع
المانع الرابع :اإلكراه
وهو إلزام الؽٌر بما ال ٌرٌد ه ذلك المُلزم ،فٌفعل أو ٌقول ما ٌملٌه علٌه من ألزمه
وأكرهه ،وال بد أن نعلم أن اإلكراه ٌكون باألقوال ،وٌكون بالفعل فقط فبل إكراه باالعتقاد،
فربما ٌُكره على قول الكفر كما أكره المشركون عماراً – رضً هللا عنه – وؼٌره على
قول الكفر ،وٌكون اإلكراه بالفعل كالسجود لؽٌر هللا أو الذبح لؽٌر ،قال – تعالى –َ { :منْ
ان َولَ ِكنْ َمنْ َش َر َح ِب ْال ُك ْف ِر َ
ص ْدراً اهلل ِمنْ َبعْ ِد إٌِ َما ِن ِه إِال َمنْ أ ُ ْكر َه َو َق ْل ُب ُه م ْ
ُط َمبِنٌّ ِباإلٌ َم ِ َك َف َر ِب َّ ِ
ِ
هللا َو َل ُه ْم َع َذابٌ َع ِ ٌ ٌم }[النحل ،]106 :هذا و قد ذكر العلماء شروط اً ضبٌ م َِن َّ ِ َف َع َلٌ ِْه ْم َؼ َ
ٌتحق بها وجود وصؾ اإلكراه المعتبر شرعا ً وه ي:
المكره عاجزاً عن الذب عن نفسه بالمقاومة أو الهرب أو باالستؽاثة ونحو َ –1أن ٌكون
ذلك.
المكره وقوع الوعٌد ،إن لم ٌفعل ما ٌطلب منه.َ –2أن ٌؽلب على ن
المكره قادراً على تحقٌ ما هُدد به ،ألن اإلكراه ال ٌتحق إال بالقدرة ،فإن
ِ –3أن ٌكون
لم ٌكن قادرا لم ٌكن لئلكراه اعتبار.
–4أن ٌكون التهدٌد بما ٌإ ِّدي عادة كالقتل والقطع والحبس والضرب ونحو ذلك بما ال
طاقة له به وهو المُسمى عند األصولٌٌن باإلكراه الملجا!
–5أن ٌ هر إسبلمه وإٌمانه إذا زال عنه اإلكراه قوالً أو فعبلً.
واإلكراه حكم األخذ به رخصة :كفعل عمار بن ٌاسر – رضً هللا عنه ما – فقد
أخرج الحاكم فً مستدركه والبٌهقً فً الكبرى( ) ،عن أبً عبٌدة بن محمد بن عمار بن
ٌاسر عن أبٌه قال :أخذ المشركون عمار بن ٌاسر فلم ٌتركوه حتى سبَّ النبً – ،–
وذكر آلهتهم بخٌر ثم تركوه فلما أتى رسول هللا – – قال" :ما وراءك؟" ،قال :شر ٌا
ُ
وذكرت آلهتهم بخٌر .قال" :كٌؾ تجد قلبك؟" قال: ركت حتى ُ
نلت منك رسول هللا ،ما ُت ُ
) (
مستدرك= للحاكم ( ،)3362سنن الكبرى= للبٌهقً (.)16673
47
مطمبن باإلٌمان .قال" :إنْ عادوا فع ُْد" ،قال الحاكم :هذا حدٌث صحٌح على شرط
الشٌخٌن ولم ٌخرجاه.
عزٌمة :كما صنع عبد هللا بن حذافة السهمً – رضً هللا عنه –، أما عدم األخذ به ؾ
( )
ت الروم عبد هللا بن أسر ِ
وهً كما رواها ابن الجوزي ،بسنده إلى ابن عباس قالَ :
حذافة السهمً صاحب رسول هللا – ،– فقال له الطاؼٌة :تنصَّر وإال ألقٌتك فً النقرة
النحاس ،فقال :ما أفعل ؟ .فدعا بنقرة من نحاس فمُلبت زٌتا ً وأُؼلٌت ودعا رجبلً من
المسلمٌن فعرض علٌه النصرانٌة فؤبى فؤلقاه فً النقرة فإذا ع امه تلوح ،فقال لعبد هللا
ابن حذافة :تنصَّرْ وإال ألقٌتك ،قال :ما أفعل ،فؤمر أن ٌُلقى فً النقرة فكتفوه فبكى ،فقالوا:
قد جزع ،قد بكى ،قال :ردوه ،فقال :ال ت ّنن أنً بكٌت جزعاً؛ ولكن بكٌت إذ لٌس لً إال
نفسٌ واحدة ٌُفعل بها هذا فً هللا – عز وجل – ،كنت أحب أن ٌكون لً أنفسٌ عدد ك َّل
شعر ٍة فًَّ ،ثم ُتسلط علًَّ فتفعل بً هذا ،قال :فؤعجبه وأحبَّ أنْ ٌُطلقه ،فقال :ق ِّب ْل رأسً
وأُطلقك ،قال :ما أفعل ؟ ،قال :تنصَّر وأُزوجك ابنتً وأُقاسمك ملكً ،قال :ما أفعل ؟،
قال :قبِّل رأسً وأُطل معك ثمانٌن من المسلمٌن ،قال :أما هذا فنعم ،فقبل رأسه فؤطلقه
وثمانٌن معه .فلما قدموا على عمر قام إلٌه عمر فقبَّل رأسه ،وكان أصحاب رسول هللا –
رأس عِ ْل ٍج.
َ ٌُ – مازحون عبد هللا وٌقولون :ق َب ْل َ
ت
وقال الموف أبو محمد ابن قدامة( )" :وروى األثرم عن أبً عبد هللا– ٌعنً اإلمام
أحمد – أنه سُبل عن الرجل ٌُإمر فٌعرض على الكفر وٌكره علٌه ،أله أن ٌرتد؟ فكرهه
كراهة شدٌدة ،وقال :ما ٌُشبه هذا عندي الذٌن أُنزلت فٌهم اآلٌة من أصحاب النبً – ً
– ،أولبك كانوا ٌُرادون على الكلمة ثم ٌتركون ٌعملون ما شاءوا ،وهإالء ٌرٌدونهم على
اإلقامة على الكفر وترك دٌنهم"ا.هـ.
وقال اإلمام الشافعً – رحمه هللا – فً "األم"( )" :ولو أن رجبلً أسره العدو فؤكرهه
على الكفر لم تبن منه امرأته ولم ٌحكم علٌه بشًء من حكم المرتد؛ قد أكره بعض من
) (
فً كتابٌه "الثبات عند الممات " (،)53/1وفً "المنت م " ( ،)320/4وان ر تارٌخ األمم والملوك= البن جرٌر
.396/2
) (
المؽنً= البن قدامة (.)31/9
) (
"األم"=للشافعً (.)175 /6
48
أسلم فً عهد النبً – – على الكفر فقاله ،ثم جـــاء إلى النبً – – فذكــر له ما
عذب به؛ فنزل فٌه هذا ولم ٌؤمره النبً – – باجتناب زوجته وال بشًء مما على
المرتد" .انتهى.
قال اإلمام البؽوي – رحمه هللا – فً تفسٌره ( )" :وأجمع العلماء على أن من أكره
على كلمة الكفر؛ ٌجوز له أن ٌقول بلسانه؛ وإذا قال بلسانه ؼٌر معتقد ال ٌكون كفراً ،وإن
أبى أن ٌقول حتى قتل كان أفضل".
وقال القرطبً – رحمه هللا – فً تفسٌره( )" :أجمع أهل العلم على أن من أكره على
الكفر حتى خشً على نفسه القتل ،أنه ال إثم علٌه إن كفر وقلبه مطمبن باإلٌمان ،وال تبٌن
منه زوجته وال ٌحكم علٌه بحكم الكفر ،هذا قول مالك والكوفٌٌن والشافعً ،ؼٌر محمد بن
الحسن فإنه قال :إذا أ هر الشرك كان مرتدا فً ال اهر ،وفٌما بٌنه وبٌن هللا تعالى على
اإلسبلم ،وتبٌن منه امرأته وال ٌصلى علٌه إن مات ،وال ٌرث أباه إن مات مسلما.
وهذا قول ٌرده الكتاب والسنة ،قال هللا – تعالى – { :إِالَّ َمنْ أ ُ ْكر َه َو َق ْل ُب ُه م ْ
ُط َمبِنٌّ ِ
هللا َولَ ُه ْم َع َذابٌ َع ِ ٌ ٌم }[النحل: ضبٌ م َِّن َّ ِ ان َولَكِن مَّن َش َر َح ِب ْال ُك ْف ِر َ
ص ْدراً َف َعلٌَ ِْه ْم َؼ َ اإلٌ َم ِ
ِب ِ
.]106وقال { :إِالَّ أَن َت َّتقُو ْا ِم ْن ُه ْم ُت َقا ًة }[آل عمران ،]28 :وقال{ :إِنَّ الَّذ َ
ٌِن َت َو َّفا ُه ُم
ض َق ْال َو ْا أَلَ ْم َت ُكنْ أَرْ ضُ ٌِن فًِ األَرْ ِ ْال َمآل ِب َك ُة َ ا ِلمًِ أَ ْنفُسِ ِه ْم َقالُو ْا فٌِ َم ُكن ُت ْم َقالُو ْا ُك َّنا مُسْ َتضْ َعف َ
اءت مَصِ ٌراً}[النساء.]97 : ك َمؤْ َوا ُه ْم َج َه َّن ُم َو َس ْ هللا َواسِ َع ًة َف ُت َها ِجرُو ْا فٌِ َها َفؤ ُ ْولَ ِب َ
َّ ِ
ُون حٌِلَ ًة َوالَ ٌَ ْه َت ُد َ
ون َان الَ ٌَسْ َتطِ ٌع َ ال َوال ِّن َسا ِء َو ْال ِو ْلد ِ
ٌِن م َِن الرِّ َج ِ وقال{ :إِالَّ ْالمُسْ َتضْ َعف َ
َس ِبٌبلً}[النساء.]98 :
فعذر هللا المستضعفٌن الذٌن ٌمتنعون من ترك ما أمر هللا به ،والمكره ال ٌكون إال
مستضعفا ؼٌر ممتنع من فعل ما أمر به ،قاله البخاري .انتهى.
وقال ابن القٌم – رحمه هللا – فً "إعبلم الموقعٌن" ( )" :وهللا سبحانه وتعالى رفع
المإاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مكرها ً لمّا لم ٌقصد معناها وال نواها؛ فكذلك المتكلم
بالطبل والعتا والوقؾ والٌمٌن والنذر مكرها ال ٌلزمه شًء من ذلك؛ لعدم نٌته
) (
تفسٌر البؽوي (.)46 /5
) (
أحكام القرآن=للقرطبً (.)182 /10
) (
إعبلم الموقعٌن=البن القٌم ()64 – 63 /3
49
وقصده ،وقد أتى باللف الصرٌح؛ فعلم أن اللف إنما ٌوجب معناه لقصد المتكلم به ،وهللا
تعالى رفع المإاخذة عمن حدث نفسه بؤمر بؽٌر تلف أو عمل ،كما رفعها عمن تلف
باللف من ؼٌر قصد لمعناه وال إرادة ،ولهذا ال ٌكفر من جرى على لسانه لف الكفر سبقا
من ؼٌر قصد لفرح أو دهش وؼٌر ذلك ،كما فً حدٌث الفرح اإللهً بتوبة العبد،
وضرب مثل ذلك بمن فقد راحلته علٌها طعامه وشرابه فً األرض المهلكة ،فؤٌس منها
ثم وجدها فقال :اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطؤ من شدة الفرح " ،ولم ٌإاخذ بذلك....
" .اه ـ.
قال ابن عثٌمٌن – رحمه هللا –" :ومن الموانع أن ٌقع ما ٌوجب الكفر أو الفس بؽٌر
إرادة منه ،ولذلك صور منها :أن ٌكره على ذلك فٌفعله لداعً اإلكراه ال اطمبنانا ً به ،فبل
ان ْ ُ ٌكفر حٌنبذ ،لقوله تعالىَ { :من َك َف َر ِب َّ ِ
اهلل مِن َبعْ ِد إٌ َما ِن ِه إِالَّ َمنْ أ ْك ِر َه َو َق ْل ُب ُه مُط َمبِنٌّ ِب ِ
اإلٌ َم ِ
هللا َولَ ُه ْم َع َذابٌ َع ِ ٌ ٌم}[النحل.]106 : ضبٌ م َِّن َّ ِ َولَكِن مَّن َش َر َح ِب ْال ُك ْف ِر َ
ص ْدراً َف َعلٌَ ِْه ْم َؼ َ
ومنها أن ٌؽل علٌه فكره ،فبل ٌدري ما ٌقول لشدة فرح أو حزن أو خوؾ أو نحو
ذلك؛ ودلٌله ما ثبت فً صحٌح مسلم عن أنس بن مالك – رضً هللا عنه –قال ،قال
رسول هللا" :– – ،هلل أشد فرحا ً بتوبة عبده حتى ٌتوب إلٌه من أحدكم كان على
راحلته بؤرض فبلة فانفلتت منه وعلٌها طعامه وشرابه فؤٌس منها فؤتى شجرة فاضطجع
فً لها قد أٌس من راحلته فبٌنما هو كذلك إذا هو بها قابمة عنده فؤخذ بخطامها ثم قال
من شدة الفرح :اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطؤ من شدة الفرح"( ).
) (
مجموع لفتاوى والرسابل (.)343/3
50
الخاتمة
الحمد هلل رب العالمٌن الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد هذا التطواف فً البحث
وفً فصوله ومباحثه نخلص إلى عدد من النتائج.
أهمها :أن تكفٌر المعٌن ٌخضع عند العلماء لشروط ال بد من اجتماعها وموانع ال بد
من انتفاءها حتى نحكم على المعٌن المقارؾ للكفر قوالً أو عمبلً أو اعتقاداً بؤنه كافر
بعٌنه خارج عن ملة اإلسبلم ،وهً باختصار:
–1العلم ومانعه الجهل.
–2التكلٌؾ ومانعه عدم التكلٌؾ.
–3االختٌار ومانعه اإلكراه.
–4القصد ومانع الخطؤ وألح العلماء به التؤوٌل.
وتبٌن من كبلم أهل العلم الدابر على األدلة الشرعٌة أن هناك فرقا ً بٌن التكفٌر
المطل وتكفٌر تارك الصبلة مطلقا ً وتكفٌر الٌهود والنصارى مطلقا ً وأشباه ذلك وبٌن
التكفٌر المعٌن وذلك بالحكم على فبلن ابن فبلن بعٌنه أنه كافر.
هذا وقد اشتمل البحث على ذكر خمسة عشر قاعدة وضابطا ً بشًء من التفصٌل،
ٌجب مراعاتها فً هذا الباب المهم والخطٌر "الكفر والتكفٌر".
موصٌا ً الباحثٌن وأهل العلم أن ٌولوا هذه القضٌة العناٌة البلبقة بها من البحث
والدراسة ،والتفسٌر والتبٌٌن؛ قٌاما ً بالواجب ،وبراءة للذمة ونصحا ً للدٌن واألمة إذ
العجالة لن تستطٌع أن تلم بؤطراؾ الموضوع وهللا ولً التوفٌ والحمد هلل أوالً ،وآخراً،
و اهراً ،وباطناً ،وعلى كل حال وصلى هللا وسلم على نبٌنا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعٌن.
51
فهرس المراجع
52
التذكرة فً أحوال الموتى وأمور اآلخرة ،أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبً بكر بن فرح
القرطبً ،تحقٌ أحمد حجازي السقا ،دار الباز.1402 ،
تفسٌر البٌضاوي لبٌضاوي ط دار الفكر بٌروت.
تفسٌر الجبللٌن لجبلل الدٌن محمد بن أحمد المحلً وجبلل الدٌن عبدالرحمن بن أبً بكر
السٌوطً ط 1دار الحدٌث – القاهرة.
تفسٌر القرآن الع ٌم إلسماعٌل بن عمر بن كثٌر الدمشقً أبو الفداء ط دار الفكر بٌروت
1401هـ
تفسٌر القرآن لعبد الرزا بن همام الصنعان ط 1مكتبة الرشد – الرٌاض1410 ،هـ تحقٌ :
د .مصطفى مسلم محمد.
تفسٌر مجاهد لمجاهد بن جبر المخزومً التابعً أبو الحجاج ط المنشورات العلمٌة –بٌروت
تحقٌ :عبدالرحمن الطاهر محمد السورتً.
تلخٌص الحبٌر فً أحادٌث الرافعً الكبٌر ألحمد بن علً بن حجر أبو الفضل العسقبلنً
المدٌنة المنورة 1964 – 1384 ،تحقٌ :السٌد عبدهللا هاشم الٌمانً المدنً.
التمهٌد لما فً الموطؤ من المعانً واألسانٌد ألبي عمر ٌوسؾ بن عبد هللا بن عبد البر
النمري ط وزارة عموم األوقاؾ والشإون اإلسبلمٌة – المؽرب 1387 ،تحقٌ :مصطفى
بن أحمد العلوي،محمد عبد الكبٌر البكري.
التنبٌه والرد على أهل األهواء والبدع ،اإلمام أبو الحسٌن محمد بن أحمد الملطً.
توحٌد الخال ،عبد المجٌد الزندانً ،مإسسة الكتب الثقافٌة ،بٌروت ،ط.1408 1
التوحٌد الذي هو ح هللا على العبٌد لشٌخ اإلسبلم محمد بن عبد الوهاب.
التوحٌد ومعرفة أسماء هللا عز وجل على االتفا والتفرد ،اإلمام ابن منده ،تحقٌ د .علً
الفقٌهً ،نشر الجامعة اإلسبلمٌة.
التوحٌد ،عبد المجٌد الزندانً ،مإسسة الكتب الثقافٌةن بٌروت ،ط.1408 ،1
جامع البٌان عن تؤوٌل آي القرآن لمحمد بن جرٌر بن ٌزٌد بن خالد الطبري أبو جعفر ط
دار الفكر بٌروت .1405
الجامع الصحٌح المختصر لمحمد بن إسماعٌل أبو عبدهللا البخاري الجعفً ط 3دار ابن
كثًر ،الٌمامة – بٌروت 1987 – 1407 ،تحقٌ :د .مصطفى دٌب البؽا.
الجامع الصحٌح سنن الترمذي لمحمد بن عٌسى أبو عٌسى الترمذي السلمً ط دار إحٌاء
التراث العربً – بٌروت تحقٌ :أحمد محمد شاكر وآخرون.
53
جامع العلوم والحكم لحاف ابن رجب نشر مإسسة الرسالة طبعة األولى.
الجامع ألحكام القرآن لحمد بن أحمد بن أبً بكر بن فرح القرطبً أبو عبد هللا ط دار الشعب
القاهرة.
الجواب الصحٌح لمن بدل دٌن المسٌح لشٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة ،تقدٌم علً السٌد صبح
المدنً.
حادي األرواح إلى ببلد األفراح ،اإلمام ابن قٌم الجوزٌة ،تحقٌ د .السٌد الجمٌلً ،دار
الكتاب العربً ،ط.1407 3
حاشٌة ابن القٌم على سنن أبً داود ألبً عبد هللا شمس الدٌن محمد بن أبً بكر بن أٌوب
ابن القٌم ط 2دار الكتب العلمٌة بٌروت.
حاشٌة ابن القٌم على سنن أبً داود ألبً عبد هللا شمس الدٌن محمد بن أبً بكر بن أٌوب
ابن القٌم ط 2دار الكتب العلمٌة بٌروت.
حاشٌة السندي على النسابً لنور الدٌن بن عبد الهادي أبو الحسن السندي ط 2مكتب
المطبوعات اإلسبلمٌة – حلب 1986 – 1406 ،تحقٌ :عبد الفتاح أبو ؼدة.
حاشٌة السندي على النسابً لنور الدٌن بن عبدالهادي أبو الحسن السندي ،ط 2مكتب
المطبوعات اإلسبلمٌة – حلب 1986 – 1406 ،تحقٌ :عبدالفتاح أبو ؼدة.
حلٌة األولٌاء وطبقات األصفٌاء ألبي نعٌم أحمد بن عبد هللا األصبهانً ط 4دار الكتاب
العربً – بٌروت.1405 ،
دالبل التوحٌد ،محمد حمال الدٌن القاسمً ،تقدٌم ومراجعة محمد حجازي ،مكتبة الثقافة
الدٌنٌة ،القاهرة ،ط.1406 1
الدٌباج شرح صحٌح مسلم بن الحجاج لعبدالرحمن ابن أبً بكر أبو الفضل السٌوطً ط دار
ابن عفان الخبر ،السعودٌة 1416ـ /1996تحقٌ :أبو إسحا الحوٌنً األثري.
روح المعانً فً تفسٌر القرآن الع ٌم والسبع المثانً لحمود األلوسً أبو الفضل دار إحٌاء
التراث العربً – بٌروت.
زاد المسٌر فً علم التفسٌر لعبد الرحمن بن علً بن محمد الجوزي 3المكتب اإلسبلمً –
بٌروت 1404هـ.
زاد المعاد لئلمام ابن قٌم الجوزٌة.
السلسلة الصحٌحة لمحمد ناصر الدٌن األلبانً ط مكتبة المعارؾ – الرٌاض.
السلسلة الضعٌفة لمحمد ناصر الدٌن األلبانً ط مكتبة المعارؾ – الرٌاض.
54
سنن ابن ماجه لمحمد بن ٌزٌد أبو عبدهللا القزوٌنً ط دار الفكر – بٌروت تحقٌ :محمد
فإاد عبد الباقً.
سنن أبً داود لسلٌمان بن األشعث أبو داود السجستانً األزدي ط دار الفكر تحقٌ :محمد
محًٌ الدٌن عبد الحمٌد.
ط مكتبة دار سنن البٌهقً الكبرى أل حمد بن الحسٌن بن علً بن موسى أبو بكر البٌهقً
الباز – مكة المكرمة 1994 – 1414 ،تحقٌ :محمد عبد القادر عطا.
سنن الدارقطنً لعلً بن عمر أبو الحسن الدارقطنً البؽدادي ط دار المعرفة – بٌروت،
1966 – 1386تحقٌ :السٌد عبد هللا هاشم ٌمانً المدنً.
سنن الدارمً المإلؾ :عبدهللا بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمً ط 1دار الكتاب العربً –
بٌروت1407 ،م .تحقٌ :فواز أحمد زمرلً ،خالد السبع العلمً.
سنن النسابً الكبرى ألحمد بن شعٌب أبو عبد الرحمن النسابً ط 1دار الكتب العلمٌة –
بٌروت 1991 – 1411 ،تحقٌ :د.عبد الؽفار سلٌمان البنداري ،سٌد كسروي حسن.
سنن سعٌد بن منصور لسعٌد بن منصور ط 1دار الصمٌعً ،الرٌاض 1414هـ تحقٌ د.
سعد بن عبد هللا بن عبد العزٌز آل حمٌد.
شرح السٌوطً لسنن النسابً لعبدالرحمن ابن أبً بكر أبو الفضل السٌوطً ،ط 2مكتب
المطبوعات اإلسبلمٌة – حلب 1986 – 1406 ،تحقٌ :عبدالفتاح أبو ؼدة.
شرح السٌوطً لسنن النسابً لعبدالرحمن ابن أبً بكر أبو الفضل السٌوطً ط 2مكتب
المطبوعات اإلسبلمٌة – حلب 1986 – 1406 ،تحقٌ :عبد الفتاح أبو ؼدة.
شرح العقٌدة الطحاوٌة لئلمام ابن أبً العز.
شرح العقٌدة الواسطٌة لشٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة.
شرح سنن ابن ماجه للسٌوطً ،عبدالؽنً ،فخر الحسن الدهلوي ط قدٌمً كتب خانة –
كراتشً.
شرح سنن ابن ماجه للسٌوطً ،عبدالؽنً ،فخر الحسن الدهلوي ط قدٌمً كتب خانة –
كراتشً.
شرح صحٌح مسلم بن الحجاج ألبي زكرٌا ٌحٌى بن شرؾ بن مري النووي ط 2دار إحٌاء
التراث العربً – بٌروت.1392 ،
شرح معانً اآلثار أل حمد بن محمد بن سبلمة بن عبدالملك بن سلمة أبو جعفر الطحاوي ط
1دار الكتب العلمٌة – بٌروت 1399 ،تحقٌ :محمد زهري النجار.
55
الشرح واإلبانة على أصول الدٌانة ،اإلمام عبٌد هللا محمد بن بطة العكبري ،تحقٌ د .رضا
نعسان ،المكتبة الفٌصلٌة.
الشرٌعة ،اإلمام أبو بكر محمد بن الحسٌن اآلجري ،تحقٌ الولٌد بن محمد بن نبٌه سٌؾ
النصر ،مإسسة قرطبة ،ط.1417 ،1
شعب اإلٌمان ألبي بكر أحمد بن الحسٌن البٌهقً ط 1دار الكتب العلمٌة – بٌروت1410 ،
تحقٌ :محمد السعٌد بسٌونً زؼلول.
شفاء العلٌل فً مسابل القضاء والقدر والتعلٌل لئلمام ابن قٌم الجوزٌة.
الصارم المسلول على شاتم الرسول لشٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة ،تحقٌ محمد محًٌ الدٌن عبد
الحمٌد.
صحٌح ابن حبان بترتٌب ابن بلبان لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التمٌمً البستً ط2
مإسسة الرسالة – بٌروت 1993 – 1414 ،تحقٌ :شعٌب األرنإوط.
ط المكتب صحٌح ابن خزٌمة لمحمد بن إسحا بن خزٌمة أبو بكر السلمً النٌسابوري
اإلسبلمً – بٌروت 1970 – 1390 ،تحقٌ :د .محمد مصطفى األع مً.
صحٌح الترؼٌب والترهٌب لمحمد ناصر الدٌن األلبانً ط 5مكتبة المعارؾ – الرٌاض.
ط دار إحٌاء التراث صحٌح مسلم لمسلم بن الحجاج أبو الحسٌن القشٌري النٌسابوري
العربً – بٌروت تحقٌ :محمد فإاد عبد الباقً.
صحٌح وضعٌؾ الجامع الصؽٌر وزٌادته لمحمد ناصر الدٌن األلبانً ط المكتب اإلسبلمً.
ضعٌؾ الترؼٌب والترهٌب لمحمد ناصر الدٌن األلبانً ط مكتبة المعارؾ – الرٌاض.
بلل الجنة فً تخرٌج السنة البن أبً عاصم لمحمد ناصر الدٌن األلبانً ط 3المكتب
اإلسبلمً – بٌروت.1993–1413 ،
العبودٌة لشٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة ،تحقٌ خالد عبد اللطٌؾ العلمً ،دار الكتاب العربً ،ط،1
.1407
عقٌدة المإمن ،أبو بكر الجزابري ،دار الكتب السلفٌة ،القاهرة.
عمدة القارئ شرح صحٌح البخاري لبدر الدٌن محمود بن أحمد العٌنً ط دار إحٌاء التراث
العربً بٌروت.
عون المعبود شرح سنن أبً داود لمحمد شمس الح الع ٌم آبادي أبو الطٌب ط 2دار
الكتب العلمٌة – بٌروت.1415 ،
فتح الباري شرح صحٌح البخاري ألحمد بن علً بن حجر أبو الفضل العسقبلنً الشافعً ط
56
دار المعرفة – بٌروت.1379 ،
فتح القدٌر الجامع بٌن فنً الرواٌة والدراٌة من علم التفسٌر لمحمد بن علً الشوكاني ط دار
الفكر بٌروت.
الفتوى الحموٌة لشٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة ،تقدٌم محمد عبد الرزا حمزة ،مطبعة المدنً.
الفوابد لئلمام ابن قٌم الجوزٌة.
فٌض القدٌر شرح الجامع الصؽٌر لعبد الرإوؾ المناوي ط 1المكتبة التجارٌة الكبرى –
مصر.1356 ،
القول المفٌد فً شرح كتاب التوحٌد للشٌخ محمد الصالح العثمٌن.
الكواشؾ الجلٌة فً شرح معانً العقٌدة الواسطٌة للشٌخ عبد العزٌز السلمان.
ط 2مكتب المطبوعات المجتبى من السنن ألحمد بن شعٌب أبو عبد الرحمن النسابً
اإلسبلمٌة – حلب 1986 – 1406 ،تحقٌ :عبدالفتاح أبو ؼدة
مجمع الزوابد ومنبع الفوابد لنور الدٌن علً بن أبً بكر الهٌثمً ط دار الفكر ،بٌروت –
.1412
مجموع فتاوى شٌخ اإلسبلم ابن تٌمٌة طبعة الثانٌة الملك فهد.
المستدرك على الصحٌحٌن لمحمد بن عبدهللا أبو عبدهللا الحاكم النٌسابوري ط 1دار الكتب
العلمٌة – بٌروت 1990 – 1411تحقٌ :مصطفى عبد القادر عطا.
ط دار مسند أبً داود الطٌالسً لسلٌمان بن داود أبو داود الفارسً البصري الطٌالسً
المعرفة – بٌروت.
ط 1دار المؤمون مسند أبً ٌعلى ألحمد بن علً بن المثنى أبو ٌعلى الموصلً التمٌمً
للتراث – دمش 1984 – 1404 ،تحقٌ :حسٌن سلٌم أسد.
مسند إسحا بن راهوٌه إلسحا بن إبراهٌم بن مخلد بن راهوٌه الحن لً ط 1مكتبة
اإلٌمان – المدٌنة المنورة 1991 – 1412 ،تحقٌ :د .عبد الؽفور بن عبد الح البلوشً.
مسند اإلمام أحمد بن حنبل ألحمد بن حنبل أبو عبدهللا الشٌبانً ط مإسسة قرطبة – القاهرة
مسند البزار ألبً بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخال البزار ط مإسسة العلوم القرآن ،مكتبة
العلوم والحكم – بٌروت ،المدٌنة 1409هـ.
مسند الحمٌدي لعبدهللا بن الزبٌر أبو بكر الحمٌدي ط دار الكتب العلمٌة ،مكتبة المتنبً –
بٌروت ،القاهرة تحقٌ :حبٌب الرحمن األع مً.
مسند الشافعً لمحمد بن إدرٌس أبو عبد هللا الشافعً ط دار الكتب العلمٌة – بٌروت.
57
مشكاة المصابٌح لمحمد بن عبد هللا الخطٌب التبرٌزي ط 3المكتب اإلسبلمً – بٌروت ،
1985 – 1405تحقٌ :تحقٌ محمد ناصر الدٌن األلبانً.
2دار مصباح الزجاجة فً زوابد ابن ماجة ألحمد بن أبً بكر بن إسماعٌل الكتانً ط
العربٌة بٌروت 1403 ،هـ تحقٌ :محمد المنتقى الكشناوي.
مصنؾ عبد الرزا ألبي بكر عبد الرزا بن همام الصنعانً ط 2المكتب اإلسبلمً –
بٌروت 1403 ،تحقٌ :حبٌب الرحمن األع مً.
المصنؾ فً األحادٌث واآلثار ألبي بكر عبد هللا بن محمد بن أبً شٌبة الكوفً ط 1مكتبة
الرشد – الرٌاض 1409 ،تحقٌ :كمال ٌوسؾ الحوت.
معالم التنزٌل لحسٌن بن مسعود الفراء البؽوي أبو محمد ط دار المعرفة بٌروت.
معانً القرآن الكرٌم للنحاس ط 1جامعة أم القرى – مكة الم كرمة 1409 ،هـ تحقٌ :
محمد علً الصابونً.
الملل والنحل ،أبو الفتح محمد بن عبد الكرٌم الشهرستانً ،تحقٌ محمد سٌد كٌبلنً،
.1387
مناهل العرفان فً علوم القرآن لمحمد عبدالع ٌم الزرقانً ط 1دار الفكر – بٌروت،
1996م تحقٌ :مكتب البحوث والدراسات.
موطؤ اإلمام مالك لمالك بن أنس أبو عبدا هلل األصبحً ط دار إحٌاء التراث العربً – مصر
تحقٌ :محمد فإاد عبد الباقً.
الناسخ والمنسوخ فً القرآن الكرٌم لعلً بن أحمد بن سعٌد بن حزم ال اهري أبو محمد ط
1دار الكتب العلمٌة ،بٌروت 1406هـ تحقٌ :د .عبد الؽفار سلٌمان.
الناسخ والمنسوخ ألبً عبٌد القاسم بن سبلم البؽدادي.
الناسخ والمنسوخ ألحمد بن محمد بن إسماعٌل المرادي النحاس أبو جعفر ط 1مكتبة الفبلح
الكوٌت 1408هـ.
النهاٌة فً ؼرٌب الحدٌث البن األثٌر.
الوجٌز فً تفسٌر الكتاب العزٌز لعلً بن أحمد الواحدي ط 1دار القلم ،الدار الشامٌة دمش ،
بٌروت 1415هـ.
الوالء والبراء فً اإلسبلم ،محمد بن سعٌد القحطانً ،تقدٌم عبدالرزا عفٌفً ،دار طٌبة،
ط.1409 3
58