Professional Documents
Culture Documents
زيدان
د يوسف زيدان في كتاب عبد الكريم الجيلي فيلسوف الصوفية
ترجمة الشيخ العارف باهلل عبد الكريم الجيلي رضي هللا عنه
:حياة الشيخ عبد الكريم الجيلي
أما عن معاصری الجيلى من الصوفية ،فقد التقى بهم الجيلي في مدينة زبيد وفي غيرها من
المدن
فقد عرف الجيلى العديد من الشخصيات الصوفية في عصره ،وذكرهم في كتبه معترفا لهم
بحسن المعاشرة واألخوة في الطريق الروحي
بل نرى الجيلي يدعوهم « باالخوان » ،وهو تعبير صوفي أطلقه أهل الطريق على أصحابهم ،
الذين يسمونهم :إخوان التجريد
:وأول م اإلخوان ) الذين ذكرهم الجيلى هو
عماد الدين يحيى بن أبي القاسم األخ العارف الرباني ذو الفهم الثاقب والذكاء الباهر الراسب ،
،سبط الحسن بن علی ابن ابی طالب ويقول الجيلى أنه ألف كتابه م الكهف التونسي المغرب
والرقيم ) استجابة لطلب هذا األخ ،وإجابة على سؤاله )الجيلى الكهف والرقيم ممخطوط ) ورقة
(أب
( خواجه بهاء الدين محمد بن الشاه نقشبند ومن معاصري الجيلى الذين التقى بهم واستفاد منهم ،
ولد ، 717وتوفي 827هجرية ) وهو صاحب الطريقة النقشبندية في التصوف
الجيلي :حقيقة ( جمال الدين الملقب بالمجنون :الشيخ العارف ومن ذكرهم الجيلي أيضا ،
) الحقائق ص 47
،ويستشهد في كتاب م المناظر بالفقيه حسن بن أبي السرور ويذكر الجيلى أنه التقى في زبيد
)اإللهية ) ببعض عباراته الذوقية مالجيلى :المناظر االلهية ص 44
،الذي كان يحضر معه مجالس السماع في مسجد األخ الفقيه احمد الجبائي كما يذكر الجيلى و
)الجبرتي مالجيلي :الكهف والرقيم ،ورقة 11ب
ومما ال شك فيه ،أن الجيلى قد ارتبط بعالقة روحية مع اخوانه من أتباع الشيخ اسماعيل
،المتوفى 829هـ ) وهو محمد بن أبي القاسم المزجاجي ( الجبرتي ،ومن هؤالء المزجاجي
:مؤرخ يمني ألف في تاريخ التصوف كتابا بعنوان
"هداية السالك إلى أهدى المسالك"
وقطب الدين مزاحم بن احمد با ،ومحمد بن شافع ) المتوفی ( 815ومنهم أيضا احمد المعبيدي
وأحمد الرداد ،والشيخ عبد هللا بن عمر المسن ،مزاحم
إال أن عالقة الجيلي بالشيخ احمد الرداد كانت أقوى من عالقته مع غيره من معاصريه
إذ ال يذكر الجيلى في مؤلفاته أحد من تالمذة الجبرت ومريديه مثلما يذكر أحمد الرداد ،الذي
يتكرر ذكره كثيرا في كتابات الجيلى
وكان أحمد بن أبي بكر الرداد من كبار صوفية اليمن ،واكبر تالمذة الجبرتي على اإلطالق
،إذ يذكر الرداد بنفسه أن الجبرتي أذن وقد تولى الرداد المشيخة وشيخه الجبرتى على قيد الحياة
له بالمشيخة ،ونصبه شيخا على الصوفية « ليلة السبت 22من شعبان سنة 802بمسجده
المعروف بزبيد محضر جمع من الشيوخ والفقراء والمريدين » وبذلك يكون تنصيب الرداد
للمشيخة قبل وفاة شيخه بأربع سنوات
مما زاد من سطوة الصوفية ونصرتهم -كذلك تولى أحمد الرداد زمام القضاء العام ببالد اليمن
على الفقهاء المعادين لهم -وهكذا جمع الرداد بين التصوف والقضاء وترجع صلة الجيلي القوية
بالشيخ أحمد الرداد ،إلى أن الرداد كان أقرب إلى الجانب الفلسفي من التصوف
فقد ذكر « السخاوي » أن الرداد كانت لديه فضائل كثيرة ،لكنه كان يميل الى تصوف الفالسفة
)مالسخاوي :الضوء الالمع بأعيان القرن التاسع 260 / 1
وهذا الجانب الفلسفي من التصوف ،هو ما عنى به عبد الكريم الجيلي ?ا سنرى فيها بعد
وقد ترك الرداد عدة مؤلفات في التصوف ،فقد وضع شرحا لعبارة الصوفي اليمني ابن جميل
! التي تقول :څضنا بحرا وقف األنبياء على ساحله
:وإلى جانب هذا الشرح كانت للرداد عدة تاليف منها
عدة المسترشدين وعصمة أولي األلباب من الزيغ والزلل والشك واالرتياب -
الشهاب الثاقب في الرد على بعض أولى المناصب -
السلطان المبين والبرهان المستبين في ظهور الحجة على كفر أهل السماع من أولياء هللا -
المقربين
تلخيص القواعد الوفية في أصل حكم خرقة الصوفية -
وقد كتب الرداد مؤلفاته في شجاعة تامة وحرية فكرية كاملة ،لما كان له من سلطة القضاء
األكبر آنذاك
كذلك ترك الرداد ديوان شعر على لسان الصوفية
وتوفي أحمد الرداد سنة 821هجرية
:ثالثا أسلوب الشيخ عبد الكريم الجيلي ومؤلفاته
سأنشئ روايات إلى الحق أسندت …… وأضرت أمثاال لما أنا واضع
وأوضح بالمعقول سر حقيقة …… لمن ?ان ذو قلب إلى الحق راجع
يتميز االسلوب الصوفي ،خاصة عند الصوفية المتأخرين -ومن بينهم الجيلي -بعدة خصائص
،أهمها طابع اإلستغالق وااللتزام بالرمزية الدقيقة
ويرجع ذلك إلى عدة أمور ،منها أن الصوفية كما يقول القشيري مالرسالة القشيرية )178 / 1
قصدوا إلى استعمال األلفاظ التي يكشفون بها عن معانيهم ألنفسهم ،غيرة منهم على أسرارهم أن
تشيع في غير أهلها
وبذلك يكون الكالم بلغة الرمز واالصطالح ،أداة يعبر بها الصوفية عن أحوالهم الخوانهم في
في الوقت نفسه الفتنة وإساءة الفهم من قبل العامة والفقهاء الطريق أو لمريديهم ،وتجنبهم
يقال عنه أنه أخطأ فالفقيه إذا لم يوفق في أحدى فتاواه ،
!كفر؟ إنه في عبارة قيل غلط أما الصوفي ،فإن
وإذا كان الرمز عند الصوفية ،هو أسلوب عام للكتابة والكالم عن األحوال الروحية التي
يعايشونها
فإن الصوفية قد وجدوا مثال لالحتذاء في « القرآن الكريم » يتيح لهم األخذ باألسلوب الرمزی
فالقرآن جاء ليخاطب ?ل البشر ،وضرب هللا تعالى فيه للناس األمثال ،ليأخذ منه السامع على
قدر حاله وعلمه
وذلك ما نجده في أسلوب كبار الصوفية ،الذين ال يفتأون يحذرون المطالع في كتاباتهم من
الوقوع في حقهم واالنكار عليهم اذا التبس عليه معنى من المعاني ،ويدعونه إلى الصبر على
كالمهم وعباراتهم الرمزية ،حتى يفتح هللا على المطالع ،بهذه المعاني التي قصدوا اليها
كما كان للصوفية في رسول هللا أسوة حسنة ،حين تأثروا بكالمه ونهجوا نهجه ،لذلك فإن اتجاه
الصوفية للرمز ومختصر الكالم ،إنما نجد له صدى في قوله صلى هللا عليه وسلم " :يا أيها
" الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ،واختصر لي الكالم اختصارا
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية البن حجر العسقالني وله شواهد كثيرة في (
الصحيح في صحيح البخاري 32,85 , 29/9 , 34/4
وفي صحيح مسلم - 62/2وفتح الباري - 247/13وسنن الدارقطني - 144/4كما ذكره ابن
كثير فى البداية والنهاية -198/1أورده أبو يعلى ،والبيهقى فى شعب اإليمان عن عمر
) الدارقطني عن ابن عباس
ولهذه األسباب ،إلى جانب بعض المحن التي لقيها الصوفية االوائل عند استخدامهم اللغة العادية
في التعبير لجأ الصوفية الستخدام الرمز واالصطالحات الخاصة التي يتعارفون على مدلوالتها ،
حتى أننا نجد اصطالحات رمزية تكون خاصة بصوفي بعينه أو بمدرسة صوفية بخصوصها
:وقد استخدم الجيلي بعض المصطلحات الخاصة في مؤلفاته ،فانظر إليه حين يقول
الشيء ) يقتضي الجمع ،و م األنموذج ) يقتضى العزة ،و م الرقيم ) يقتضى الذلة (
وكل من هؤالء مستقل في عالمه ،سابح في فلكه ،فمتى ?سوت الرقيم شيئا من حلل األنموذج ،
لم تره فيه ،لظهوره بما ليس له
)ونعني بالرقيم هنا :العبد ،وباالنموذج :قطب العجائب الخماإلنسان الكامل 11 / 1
ومن هنا ،يقتضي النظر في كتابات الصوفية ،الرجوع في احيان كثيرة الى كتب المصطلحات
الصوفية مثل م التعرف للكالباذي ،الرسالة للقشيري ،اصطالح الصوفية الشيخ األكبر البن
العربی ،اصطالحات الصوفية للقاشاني ،ألفاظ الصوفية ومعانيها للدكتور حسن الشرقاوى الخ
)
حتى يمكن االقتراب من المعنى الذي قصد إليه المتصوف ،حتى ال يبدو الكالم وكأنه ال ضابط
له
لكن األمر األهم من ذلك كله ،والذي ينبغي علينا مراعاته عند مطالعة تأليف الصوفية حتى
يمكن أن تنكشف لنا معانيها
الذوق فالعمل الصوفي في النهاية هو عمل فني ،مفعم بالرموز وااليحاءات والتلويحات :هو
التي ال تنكشف إال بضرب من التذوق واالستشفاف
فلقد تكلم الصوفية عن معان شاهدوها حين انفتحت عيون قلوبهم ،وانطبقت عيون رؤوسهم م
كما تقول عبارة النفري ) ومن هنا كان علينا أن ننظر إلى كلماتهم بعين القلب
فإذا نظرنا في مؤلفات الجيلى ،وجدناه -كغيره من الصوفية -يؤثر االشارة على العبارة ،
والتلويح على التصريح ،فلكل كلمة « عباراتها واشاراتها وتصريحها وكنايتها وتقديمها
) وتأخيرها » مالكهف والرقيم م مخطوط ) ورقة 3أ
:وكذلك نجد الجيلي مولعا بضرب األمثال الرمزية لما يريد أن يقول
في معرض كالمه عن الحق والخلق ) الماء والثلج ( فنجد مثال
الذي يقول الحديث الشريف إن النبي رأى جبريل على هيئته الخ ) دُحية ( ومثال
وطريق األمثال الرمزية ،نجده عند غير الجيلي من صوفية اإلسالم الكبار كالشيخ األكبر ابن
العربي الحاتمي و السهروردي اإلشراقي
فوق المكان مكانة اإلمكان ……. ياسيد الرسل الكرام ومن له
انت الكريم فخذ فىل بك نسبة …… .عبد الكريم أنا المحب الفان
نفس كل ما هو واضع
ي تطلبن …… وتأنف
ي فالمعال
ي ومذ كنت طفال
…… عىل أن ل فوق الطباق صوامع ه لم تزل
ول همة كانت وها ي
ياذا الجبرتي الجبور طبيبه يا ابن ابراهيم يا بحر الندى ……
صباغة طبع المحب حبيبه …… العبدك الجيلي منك عناية
عبد الكريم ومنك يرجى انت الكريم بغير شك وهو ذا ……
طبيبه
كال وليس سواكم مطلوبه ما حب قلبي قط شيئا غيركم ……
)االنسان الكامل ،ج ،۲ص (۱9 - ۱8
والجيلى ال يعتبر مبالغا في هذه العبارات التي استخدمها إلظهار
حبه وتقديره لشيخه الجبرتي ،ألنه -كما نعرف -اغفل ذكر اي
شيء يتصل بأسرته في كتبه التي وصلتنا ،على حين أنه ال يكاد
يخلو كتاب .
من كتبه ،من اشارة او عبارة تتعلق بشيخه الجبرتي .
وقد أشار الجبلي في كتابه الحالي ( المناظر االلهية ) إلى شيخه
الجبرتي ،في سياق عرضه لمنظر ( التالمت ) ،وهذا شيء
غريب ،أن يورد الجيلي شيخه الجبرتي في سياق هذا المنظر :
ألن التالمت غير المالمة .
فهو يعد المالمتية :أدباء امناء ،وهم اصحاب مداراة الناس ،مع
حفظ بواطنهم مع الحق .
اما اصحاب منظر ( التالمت ) فهم من لم يتمكنوا من حفظ
بواطنهم ،فظهر أثرها على ظواهرهم ،فالمهم الناس على ذلك .
وهو يعتبر الجبرتي واحدا من هؤالء أصحاب منظر التالمت .،
وهو يعبر عن ذلك في حديثه عن:
آفة هذا المنظر ،فيقول:
«آفة هذا المنظر :ظهور حكم ذلك التجلي الذي تغربوا به عن
الناس ،فبرز حكم بواطنهم على أجسامهم ،حتى صدر منهم ما
صدر ،مما أوجب المالمة عليهم ،فهم ضعفاء لظهور اثر ذلك في
ظواهرهم به ولهذا نزلوا عن درجة األمانة ،التي اختص بها
المالمتية :األمناء ،األدباء ،الخلفاء ،الذين هم محل نظر هللا
تعالى من هذا العالم .
وإن صدقت فراستی ،فمنهم سيدي الشيخ شرف الدين اسماعيل بن
ابراهيم الجبرتي ،
وكثر العلماء والفقهاء بها ،سواء من ابنائها الخلص ،أو من
الوافدين عليها.
وشجع ملوك بني رسول العلم والعلماء ،بل كان منهم من شارك
بنفسه في حركة التأليف والكتابة:
كالملك المؤيد هزبر الدين داود بن يوسف الرسولي ،
الذي كانت خزانته تشتمل على مائة ألف مجلد ،
وكان على صلة دائمة طيبة
بالشيخ
تقي الدين بن دقيق العيد(47) .