Professional Documents
Culture Documents
6176 e 78097 e 11
6176 e 78097 e 11
Shamela.org ١
المحتو يات
٩ الفاتحة ١
مقدمة في فضل تعلم القرآن وتعليمه ومكانة أهله ٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١.١
الفضائل التي اجتمعت للقرآن الـكريم ١١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١.١.١
١١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الطر يقة المثلى لحفظ القرآن وفهم معانيه ١.٢
١٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مميزات تفسير الجلالين وخصائصه . . . ١.٣
١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مقدمات متعلقة بتفسير الجلالين . . . ١.٤
١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مقدمة محقق ومراجع تفسير الجلالين . ١.٤.١
١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أسباب عدم تفسير المحقق للقرآن وتوجهه لتحقيق الجلالين ١.٤.٢
١٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . اسم تحقيق تفسير الجلالين ومعناه . . . . . . . . . . . ١.٤.٣
١٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ترجمة مؤلفي تفسير الجلالين وتحديد ما فسره كل منهما . ١.٤.٤
١٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . اهتمام العلماء بتفسير الجلالين ومكانته عندهم . . . . . ١.٤.٥
١٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير سورة الفاتحة . . . . . . . . . . . . . . . . . ١.٥
١٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الأقوال في كون البسملة من الفاتحة أم لا . . . . . . . ١.٥.١
١٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مشروعية التعوذ قبل التلاوة وبيان معنى الاستعاذة . . . ١.٥.٢
١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أسماء سورة الفاتحة . . . . . . . . . . . . . . . . . ١.٥.٣
١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فضل سورة الفاتحة . . . . . . . . . . . . . . . . . ١.٥.٤
١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :الحمد لل ّٰه( . . . . . . . . . . . . . ١.٥.٥
١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :رب العالمين( . . . . . . . . . . . ١.٥.٦
١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :الرحمن الرحيم( . . . . . . . . . . ١.٥.٧
١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :مالك يوم الدين( . . . . . . . . . ١.٥.٨
١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :إياك نعبد وإياك نستعين( . . . . . . ١.٥.٩
١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين( ١.٥.١٠
استحباب قول آمين حين الفراغ من الفاتحة في الصلاة ٢٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١.٥.١١
٢
المحتو يات
٢٦ . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :في قلوبهم مرض فزادهم الل ّٰه مرضا( . . . . . . . . . . . ٣.٣
٢٦ . . . . . . . . . . . الفرق بين عذاب الكافرين وعذاب المنافقين . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.٣.١
٢٦ . . . . . . . . . . . الـكذب من الأسباب الموجبة للعذاب . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.٣.٢
٢٧ . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون( . ٣.٤
تفسير قوله تعالى) :ألا إنهم هم المفسدون ولـكن لا يشعرون( ٢٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.٥
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس( ٢٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.٦
تفسير قوله تعالى) :وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا( ٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.٧
تفسير قوله تعالى) :الل ّٰه يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون( ٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.٨
تفسير قوله تعالى) :أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى( ٣٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.٩
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :الل ّٰه يستهزئ بهم( والآية التي بعدها ٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.١٠
تفسير قوله تعالى) :مثلهم كمثل الذي استوقد نارا( ٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.١١
تفسير قوله تعالى) :صم بكم عمي فهم لا يرجعون( ٣٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.١٢
تفسير قوله تعالى) :أو كصيب من السماء فيه ظلمات( ٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.١٣
تفسير قوله تعالى) :يكاد البرق يخطف أبصارهم( ٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣.١٤
Shamela.org ٣
المحتو يات
الرد عل من يزعم أن آدم وحواء ورثا البشر ية الخطيئة ٤٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤.١٤.٧
Shamela.org ٤
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :ثم توليتم من بعد ذلك( ٦٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٦.١٤
تفسير قوله تعالى) :ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت( ٦٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٦.١٥
تفسير قوله تعالى) :فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها( ٦٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٦.١٦
Shamela.org ٥
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخـير منها أو مثلها( ٩٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.١
تفسير قوله تعالى) :ألم تعلم أن الل ّٰه له ملك السماوات والأرض( ٩٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.٢
تفسير قوله تعالى) :أم تريدون أن تسألوا رسولـكم كما سئل موسى من قبل( ٩٨ . . . . . . . . . . . . . . ٩.٣
تفسير قوله تعالى) :ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا( ٩٨ . . . . . . . . . . . . ٩.٤
تفسير قوله تعالى) :وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى( ٩٩ . . . . . . . . . . . . . . . ٩.٥
تفسير قوله تعالى) :بلى من أسلم وجهه لل ّٰه وهو محسن فله أجره( ١٠٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.٦
تفسير قوله تعالى) :وقالت اليهود ليست النصارى على شيء( ١٠٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.٧
تفسير قوله تعالى) :ومن أظلم ممن منع مساجد الل ّٰه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها( ١٠١ . . . . . . . . . ٩.٨
تفسير قوله تعالى) :ولل ّٰه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الل ّٰه( ١٠٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.٩
تفسير قوله تعالى) :وقالوا اتخذ الل ّٰه ولدا( ١٠٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.١٠
تفسير قوله تعالى) :بديع السماوات والأرض( ١٠٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.١١
حجج نفي الولد عن الل ّٰه تعالى ١٠٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.١١.١
الشبه التي جعلت اليهود والنصارى تنسب لل ّٰه الولد ١٠٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.١١.٢
١٠٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . خلق الل ّٰه المخلوقات بكلمة كن . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩.١١.٣
١٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الل ّٰه أو تأتينا آية( ٩.١٢
١٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا( . . . . . . . . ٩.١٣
١٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى( . . . . . ٩.١٤
Shamela.org ٦
المحتو يات
١٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك( ١٠.٧
١٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ومن يرغب عن ملة إبراهيم( . . . . . . . . ١٠.٨
١٢٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . معنى قوله تعالى) :ولقد اصطفيناه في الدنيا( . . . . . . . . . . ١٠.٨.١
١٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين( ١٠.٩
١٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ووصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب( . . . . . . ١٠.١٠
١٠.١٠.١وصية الأنبياء لبنهيم عند الموت ١٢٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت( ١٢٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٠.١١
١٠.١١.١الإسلام ملة الأنبياء قاطبة ١٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠.١١.٢عبر وفوائد من وصية إبراهيم و يعقوب لبنيهما ١٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :تلك أمة قد خلت( ١٢٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٠.١٢
Shamela.org ٧
المحتو يات
Shamela.org ٨
المحتو يات
Shamela.org ٩
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :كتب عليكم القتال وهو كره لـكم( ١٩٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦.١٤
١٦.١٤.١وقفة عند قوله تعالى) :كتب عليكم القتال وهو كره لـكم( ١٩٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه( ٢٠٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦.١٥
Shamela.org ١٠
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض( ٢٢٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.١
تفسير الشنقيطي لقوله تعالى) :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض( ٢٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.١.١
حكم التفضيل بين الرسل وذكر أفضلهم ٢٢٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.١.٢
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم( ٢٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٢
تفسير قوله تعالى) :الل ّٰه لا إله إلا هو الحي القيوم( ٢٣٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٣
تفسير القاسمي لآية الـكرسي ٢٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٣.١
تنبيه مهم في طبعة تفسير القاسمي ٢٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٣.٢
معنى قوله تعالى) :ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم( ٢٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٣.٣
فضل آية الـكرسي ٢٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٣.٤
تفسير قوله تعالى) :لا إكراه في الدين( ٢٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٤
تفسير القاسمي لقوله تعالى) :لا إكراه في الدين( ٢٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩.٤.١
Shamela.org ١١
المحتو يات
Shamela.org ١٢
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا( ٢٧٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.٨.٢
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :لا يتخذ المؤمنون( إلى قوله تعالى) :يوم تجد كل نفس( الآيات ٢٧٨ . . . . . . ٢٣.٨.٣
تفسير قوله تعالى) :قل إن كنتم تحبون الل ّٰه فاتبعوني يحببكم الل ّٰه( ٢٧٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.٩
تفسير قوله تعالى) :قل أطيعوا الل ّٰه والرسول( ٢٧٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.١٠
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم( ٢٧٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.١١
تفسير قوله تعالى) :ذر ية بعضها من بعض( ٢٨٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.١٢
تفسير قوله تعالى) :إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا( ٢٨٠ . . . . . . . . . . . . ٢٣.١٣
٢٨٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى( . ٢٣.١٤
٢٨٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :فتقبلها ربها بقبول حسن( . . . . . . . ٢٣.١٥
٢٨٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :هنالك دعا زكر يا ربه( . . . . . . . . . ٢٣.١٦
٢٨٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.١٦.١وقفة مع قوله تعالى) :هب لي ذر ية( . . . . . . . . . . .
٢٨٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب( ٢٣.١٧
تفسير قوله تعالى) :قال رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الـكبر( ٢٨٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.١٨
تفسير قوله تعالى) :قال رب اجعل لي آية( ٢٨٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٣.١٩
Shamela.org ١٣
المحتو يات
أقوال المفسرين في مسألة رفع المسيح إلى السماء وتوفي الل ّٰه تعالى له ٢٩٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٥.٧
تفسير قوله تعالى) :ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم( ٣٠٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٥.٨
٣٠٢ . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :إن مثل عيسى عند الل ّٰه كمثل آدم خلقه من تراب( ٢٥.٩
٣٠٣ . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :الحق من ربك فلا تكن من الممترين( . . . . . . ٢٥.١٠
٣٠٣ . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم( . . . ٢٥.١١
٣٠٣ . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٥.١١.١حقيقة المباهلة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٣٠٤ . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٥.١١.٢ذكر الآثار الواردة في المباهلة . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٣٠٥ . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٥.١١.٣حكم المباهلة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٢٥.١١.٤أنموذج للمباهلة ٣٠٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ١٤
المحتو يات
Shamela.org ١٥
المحتو يات
٢٨.١٣.١أقوال المفسرين في قوله تعالى) :كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم( ٣٤٠ . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ١٦
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى( ٣٦٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٠.٤
حكم الزواج بأكثر من أربع ٣٦٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٠.٤.١
حكم التسري بأكثر من واحدة والعدل بينهن ٣٦٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٠.٤.٢
تفسير قوله تعالى) :وآتوا النساء صدقاتهن نحلة( ٣٦٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٠.٥
حكم إسقاط المهر ابتداء ٣٦٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٠.٥.١
ثمرات الآية الـكريمة ٣٦٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٠.٥.٢
Shamela.org ١٧
المحتو يات
Shamela.org ١٨
المحتو يات
Shamela.org ١٩
المحتو يات
سبب نزول قوله تعالى) :فما لـكم في المنافقين فئتين والل ّٰه أركسهم( ٤٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.١.١
تفسير قوله تعالى) :ودوا لو تكفرون كما كفروا( ٤٢٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.٢
تفسير قوله تعالى) :إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق( ٤٢٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.٣
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :فما لـكم في المنافقين فما جعل الل ّٰه لـكم عليهم سبيلا( ٤٢٥ . . . . . . . . ٣٥.٤
تفسير قوله تعالى) :ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم( ٤٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.٥
أقوال المتقدمين من أهل التفسير في قوله تعالى) :ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ٤٢٧ . . . . . . . . . . ٣٥.٥.١
تفسير قوله تعالى) :وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا( ٤٢٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.٦
حكم قتل المؤمن لأخيه المؤمن خطأ ٤٢٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.٦.١
حكمة الإعتاق في القتل الخطأ ٤٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.٦.٢
مقدار دية المقتول ومن تدفع لهم وكيفية توز يعها عليهم ٤٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٥.٦.٣
Shamela.org ٢٠
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :ويستفتونك في النساء قل الل ّٰه يفتيكم فيهن( ٤٤٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.١
الأحكام المستنبطة من قوله تعالى) :ويستفتونك في النساء( ٤٤٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.١.١
تفسير قوله تعالى) :وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا( ٤٤٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٢
أقوال المفسرين في تفسير النشوز والإعراض والصلح بين الزوجين ٤٤٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٢.١
تفسير قوله تعالى) :ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء( ٤٥٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٣
شبهات وردود حول تعدد الزوجات ٤٥٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٣.١
تفسير قوله تعالى) :وإن يتفرقا يغن الل ّٰه كلا من سعته( ٤٥٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٤
تفسير قوله تعالى) :ولل ّٰه ما في السموات وما في الأرض وكفى بالل ّٰه وكيلا( ٤٥٣ . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٥
وجه تكرار قوله تعالى) :ولل ّٰه ما في السماوات وما في الأرض( الآيات ٤٥٣ . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٥.١
تفسير قوله تعالى) :إن يشأ يذهبكم أيها الناس( ٤٥٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٦
تفسير قوله تعالى) :من كان يريد ثواب الدنيا( ٤٥٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٣٨.٧
Shamela.org ٢١
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :فأما الذين آمنوا بالل ّٰه واعتصموا به( ٤٧١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٠.١٠
تفسير قوله تعالى) :يستفتونك قل الل ّٰه يفتيكم في الكلالة( ٤٧٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٠.١١
Shamela.org ٢٢
المحتو يات
الأحكام التفصيلية في قوله تعالى) :يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الـكفر( ٤٩٥ . . . . . . . . . ٤٢.١٥
الأحكام التفصيلية في قوله تعالى) :سماعون للـكذب أكالون للسحت( ٤٩٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٢.١٦
الأحكام التفصيلية في قوله تعالى) :وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الل ّٰه( ٤٩٨ . . . . . . . . . . ٤٢.١٧
الأحكام التفصيلية في قوله تعالى) :إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون( ٤٩٩ . . . . . . . . . . ٤٢.١٨
Shamela.org ٢٣
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :لقد كفر الذين قالوا إن الل ّٰه ثالث ثلاثة( ٥٢٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٤.٨
تفسير قوله تعالى) :أفلا يتوبون إلى الل ّٰه ويستغفرونه( ٥٢٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٤.٩
تفسير قوله تعالى) :ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل( ٥٢٨ . . . . . . . . . . . . . . ٤٤.١٠
تفسير قوله تعالى) :قل أتعبدون من دون الل ّٰه ما لا يملك لـكم ضرا ولا نفعا( ٥٢٩ . . . . . . . . . . . . . . ٤٤.١١
أقوال المفسرين في قوله تعالى) :لقد كفر الذين قالوا إن الل ّٰه هو المسيح( وما بعدها ٥٢٩ . . . . . . . . . . . ٤٤.١٢
٤٤.١٢.١تفسير قوله تعالى) :لقد كفر الذين قالوا إن الل ّٰه ثالث ثلاثة( ٥٣٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٤٤.١٢.٢تفسير قوله تعالى) :أفلا يتوبون إلى الل ّٰه ويستغفرونه( ٥٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٤٤.١٢.٣تفسير قوله تعالى) :ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل( ٥٣١ . . . . . . . . . . . . . .
٤٤.١٢.٤تفسير قوله تعالى) :قل أتعبدون من دون الل ّٰه ما لا يملك لـكم ضرا ولا نفعا( ٥٣٣ . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم( ٥٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٤.١٣
٤٤.١٣.١إفادة الآية النهي عن الغلو عموما في كل أحكام الدين ٥٣٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٤٤.١٣.٢النهي عن اتباع الأئمة المضلين ٥٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :لعن الذين كفروا من بني إسرائيل لبئس ما كانوا يفعلون( ٥٣٧ . . . . . . . . . . . . . ٤٤.١٤
تفسير قوله تعالى) :ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا( ٥٣٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٤.١٥
تفسير قوله تعالى) :ولو كانوا يؤمنون بالل ّٰه والنبي وما أنزل إليه( ٥٣٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٤.١٦
Shamela.org ٢٤
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم( ٥٥٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٥.٩
تفسير قوله تعالى) :أحل لـكم صيد البحر وطعامه( ٥٥٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٤٥.١٠
Shamela.org ٢٥
المحتو يات
Shamela.org ٢٦
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير( ٦٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٤
تفسير قوله تعالى) :قل أي شيء أكبر شهادة( ٦٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٥
إعجاز القرآن في بلاغته ٦٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٥.١
إطلاق لفظ شيء على الل ّٰه عز وجل ٦١٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٥.٢
الخلاف في المقصود بالشهادة في قوله تعالى) :قل أي شيء أكبر شهادة( ٦١٠ . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٥.٣
أحكام القرآن تعم جميع الخلق منذ نزوله إلى قيام الساعة ٦١١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٥.٤
وجوب التوحيد والبراءة من الشرك ٦١٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٥.٥
تفسير قوله تعالى) :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم( ٦١٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٦
تفسير قوله تعالى) :ومن أظلم ممن افترى على الل ّٰه كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون( ٦١٢ . . . . . . ٥٠.٧
الأسس التي يعرف بها صدق الرسول ٦١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٧.١
تفسير قوله تعالى) :و يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا( ٦١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٨
تفسير قوله تعالى) :ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والل ّٰه ربنا ما كنا مشركين( ٦١٤ . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٩
تفسير قوله تعالى) :انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون( ٦١٤ . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٠
تفسير قوله تعالى) :ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة( ٦١٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١١
تفسير قوله تعالى) :وهم ينهون عنه وينأون عنه( ٦١٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٢
تفسير قوله تعالى) :ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد( ٦١٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٣
تفسير قوله تعالى) :بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل وما نحن بمبعوثين( ٦١٧ . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٤
تفسير قوله تعالى) :ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق( ٦١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٥
تفسير قوله تعالى) :قد خسر الذين كذبوا بلقاء الل ّٰه( ٦١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٦
تفسير قوله تعالى) :وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو( ٦١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٧
تفسير قوله تبارك وتعالى) :قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك( ٦٢٠ . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٨
تفسير قوله تعالى) :ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا( ٦٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.١٩
تفسير قوله تعالى) :وإن كان كبر عليك إعراضهم( ٦٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٠.٢٠
Shamela.org ٢٧
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :قل أرأيتم إن أخذ الل ّٰه سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم( ٦٣٥ . . . . . . . . . . . . . . ٥١.٩
تفسير قوله تعالى) :قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الل ّٰه( ٦٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥١.١٠
تفسير قوله تعالى) :وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين( ٦٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥١.١١
تفسير قوله تعالى) :والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون( ٦٣٧ . . . . . . . . . . . . . . . ٥١.١٢
Shamela.org ٢٨
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالل ّٰه( ٦٦٦ . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.٢
تفسير قوله تعالى) :الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم( ٦٦٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.٣
٦٦٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه( . تفسير قوله تعالى: ٥٤.٤
٦٦٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )ووهبنا له إسحاق و يعقوب كلا هدينا( تفسير قوله تعالى: ٥٤.٥
٦٧١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )وزكر يا و يحيى فضلنا على العالمين( . . تفسير قوله تعالى: ٥٤.٦
٦٧٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )ومن آبائهم وذر ياتهم وإخوانهم( . . تفسير قوله تعالى: ٥٤.٧
تفسير قوله تعالى) :ذلك هدى الل ّٰه يهدي به من يشاء( ٦٧٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.٨
تفسير قوله تعالى) :أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة( ٦٧٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.٩
تفسير قوله تعالى) :أولئك الذين هدى الل ّٰه فبهداهم اقتده( ٦٧٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.١٠
٥٤.١٠.١حكم أخذ الأجرة على التعليم وتبليغ الدعوة ٦٧٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :وما قدروا الل ّٰه حق قدره( ٦٧٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.١١
تفسير قوله تعالى) :وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه( ٦٨٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.١٢
تفسير قوله تعالى) :ومن أظلم ممن افترى على الل ّٰه كذبا أو قال أوحي إلي( ٦٨١ . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.١٣
تفسير قوله تعالى) :ولقد جئتمونا فرادى( ٦٨٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٤.١٤
Shamela.org ٢٩
المحتو يات
ترك النهي عن المنكر إذا أدى إلى منكر أكبر ٧٠٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٦.٧.٢
تز يين الباطل وسهولته على النفس ٧٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٦.٧.٣
تفسير قوله تعالى) :وأقسموا بالل ّٰه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها( ٧٠٨ . . . . . . . . . . . . . . . ٥٦.٨
تفسير قوله تعالى) :ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة( ٧٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٦.٩
Shamela.org ٣٠
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين( ٧٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٨.١٢
تفسير قوله تعالى) :قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون( ٧٤٢ . . . . . . . . . . . . . . ٥٨.١٣
٥٨.١٣.١لطائف في قوله تعالى) :قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل( الآية ٧٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :وجعلوا لل ّٰه مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا( ٧٤٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٥٨.١٤
Shamela.org ٣١
المحتو يات
Shamela.org ٣٢
المحتو يات
Shamela.org ٣٣
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها( ٨٢٢ . . . . . . . . . . ٦٥.١٦
Shamela.org ٣٤
المحتو يات
Shamela.org ٣٥
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الل ّٰه والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون( ٨٧٧ . . . . . . . . ٦٩.٣
تفسير قوله تعالى) :واعلموا أنما أموالـكم وأولادكم فتنة وأن الل ّٰه عنده أجر عظيم( ٨٧٩ . . . . . . . . . . . . . ٦٩.٤
تفسير قوله عز وجل) :يا أيها الذين آمنوا إن ٺتقوا الل ّٰه يجعل لـكم فرقانا( ٨٨١ . . . . . . . . . . . . . . . . ٦٩.٥
تفسير قوله عز وجل) :وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك( ٨٨٢ . . . . . . . . . . . ٦٩.٦
تفسير قوله تعالى) :وإذا ٺتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا( ٨٨٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٦٩.٧
تفسير قوله تعالى) :وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء( ٨٨٦ . . . . ٦٩.٨
تفسير قوله تعالى) :وما كان الل ّٰه ليعذبهم وأنت فيهم( ٨٨٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٦٩.٩
تفسير قوله تعالى) :وما لهم ألا يعذبهم الل ّٰه وهم يصدون عن المسجد الحرام( ٨٨٨ . . . . . . . . . . . . . ٦٩.١٠
Shamela.org ٣٦
المحتو يات
Shamela.org ٣٧
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :يريدون أن يطفئوا نور الل ّٰه بأفواههم( ٩٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٣
تفسير قوله تعالى) :هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق( ٩٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٤
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل( ٩٣٥ . . . ٧٣.٥
تفسير قوله تعالى) :يوم يحمى عليها في نار جهنم( ٩٣٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٦
حكم كنز المال وحفظه مع تأدية زكاته وعدمها ٩٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٦.١
خلاف أبي ذر ومعاو ية رضي الل ّٰه عنهما في تفسير هذه الآية ٩٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٦.٢
الحكمة من تخصيص الجباه والجنوب والظهور لكانزي المال بالـكي ٩٣٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٦.٣
تفسير قوله تعالى) :إن عدة الشهور عند الل ّٰه اثنا عشر شهرا في كتاب الل ّٰه( ٩٣٩ . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٧
تفسير قوله تعالى) :إنما النسيء ز يادة في الـكفر( ٩٣٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٨
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا ما لـكم إذا قيل لـكم انفروا في سبيل الل ّٰه( ٩٤١ . . . . . . . . . . . . . ٧٣.٩
تفسير قوله تعالى) :إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم( ٩٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.١٠
٧٣.١٠.١حالات تأكيد الجهاد وتحوله إلى فرض عين ٩٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :إلا تنصروه فقد نصره الل ّٰه إذ أخرجه الذين كفروا( ٩٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٣.١١
٧٣.١١.١عقيدة الرافضة في أبي بكر والصحابة ٩٤٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٧٣.١١.٢فضائل أبي بكر الصديق رضي الل ّٰه عنه ٩٤٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٣٨
المحتو يات
Shamela.org ٣٩
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :فإن رجعك الل ّٰه إلى طائفة منهم( ٩٩٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٧.٣
تفسير قوله تعالى) :ولا تصل على أحد منهم مات أبدا( ٩٩١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٧.٤
تفسير قوله تعالى) :ولا تعجبك أموالهم وأولادهم( ٩٩٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٧.٥
تفسير قوله تعالى) :وإذا أنزلت سورة فهم لا يفقهون( ٩٩٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٧.٦
تفسير قوله تعالى) :رضوا بأن يكونوا مع الخوالف( ٩٩٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٧.٧
تفسير قوله تعالى) :لـكن الرسول والذين آمنوا معه( ٩٩٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٧٧.٨
Shamela.org ٤٠
المحتو يات
وجه استغفار إبراهيم لأبيه وحكم الاقتداء به في ذلك ١٠٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٣.١
حكم الدعاء والاستغفار للعصاة والفساق من المسلمين ١٠٢٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٣.٢
حكم الاستدلال بالآية على أن التأوه في الصلاة لا يبطلها ١٠٢٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٣.٣
المعنى اللغوي لكلمة )أواه( ١٠٢٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٣.٤
تفسير قوله تعالى) :وما كان الل ّٰه ليضل قوما بعد إذ هداهم( ١٠٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٤
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه له ملك السموات والأرض يحيي ويميت( ١٠٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٥
تفسير قوله تعالى) :لقد تاب الل ّٰه على النبي والمهاجرين والأنصار( ١٠٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٦
تفسير قوله تعالى) :وعلى الثلاثة الذين خلفوا إن الل ّٰه هو التواب الرحيم( ١٠٢٥ . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٧
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الل ّٰه وكونوا مع الصادقين( ١٠٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٨
حديث كعب بن مالك في توبة الل ّٰه على الثلاثة المخلفين ١٠٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٨.١
فوائد مستنبطة من قصة الثلاثة الذين خلفوا ١٠٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٠.٨.٢
Shamela.org ٤١
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء( ١٠٤٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨١.٢١
تفسير قوله تعالى) :والل ّٰه يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم( ١٠٤٥ . . . . . . . . . . ٨١.٢٢
Shamela.org ٤٢
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي( ١٠٦٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٣.١٣
تفسير قوله تعالى) :و يا قوم لا أسألـكم عليه مالا( ١٠٦٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٣.١٤
تفسير قوله تعالى) :ولا أقول لـكم عندي خزائن الل ّٰه( ١٠٦٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٣.١٥
تفسير قوله تعالى) :قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا( ١٠٦٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٣.١٦
تفسير قوله تعالى) :أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي( ١٠٦٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٣.١٧
Shamela.org ٤٣
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :وإلى ثمود أخاهم صالحا( ١٠٨٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١١
تفسير قوله تعالى) :قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا( ١٠٨٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٢
تفسير قوله تعالى) :قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي( ١٠٨٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٣
تفسير قوله تعالى) :و يا قوم هذه ناقة الل ّٰه لـكم آية( ١٠٨٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٤
تفسير قوله تعالى) :فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام( ١٠٨٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٥
تفسير قوله تعالى) :فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا( ١٠٨٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٦
تفسير قوله تعالى) :كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود( ١٠٩٠ . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٧
٨٥.١٧.١الكلام على التنقيب عن الآثار القديمة وأهدافه ١٠٩٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى( ١٠٩١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٨
تفسير قوله تعالى) :فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم( ١٠٩١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.١٩
تفسير قوله تعالى) :وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق( ١٠٩٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٢٠
تفسير قوله تعالى) :قالت يا و يلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا( ١٠٩٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٢١
تفسير قوله تعالى) :قالوا أتعجبين من أمر الل ّٰه( ١٠٩٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٢٢
تفسير قوله تعالى) :فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط( ١٠٩٣ . . . . . . . . . . ٨٥.٢٣
تفسير قوله تعالى) :إن إبراهيم لحليم أواه منيب( ١٠٩٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٢٤
١٠٩٤ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :يا إبراهيم أعرض عن هذا( . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٢٥
١٠٩٤ . . . . . . . . . . ما يستفاد من قوله تعالى) :ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى عذاب غير مردود( . ٨٥.٢٦
١٠٩٥ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم( . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٢٧
١٠٩٥ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :وجاءه قومه يهرعون إليه( . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٢٨
١٠٩٦ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق( . . . . . . . . . . . ٨٥.٢٩
١٠٩٦ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد( . . . . . . . . ٨٥.٣٠
١٠٩٧ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك( . . . . . . . . . . ٨٥.٣١
١٠٩٧ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها( . . . . . . . . . . . . . . ٨٥.٣٢
١٠٩٨ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد( . . . . . . . . . ٨٥.٣٣
Shamela.org ٤٤
المحتو يات
أقوال المفسرين في كون الرؤ يا سببا في اصطفاء يوسف عليه السلام ١١٠٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.٧.١
فوائد من تحذير يعقوب ليوسف من إظهار رؤ ياه لإخوته ١١٠٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.٧.٢
تفسير قوله تعالى) :لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين( ١١٠٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.٨
تفسير قوله تعالى) :إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة( ١١٠٦ . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.٩
تفسير قوله تعالى) :اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا( ١١٠٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١٠
تفسير قوله تعالى) :قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب( ١١٠٧ . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١١
تفسير قوله تعالى) :قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف لحافظون( ١١٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١٢
تفسير قوله تعالى) :قال إني ليحزنني أن تذهبوا به لخاسرون( ١١٠٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١٣
تفسير قوله تعالى) :فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب( ١١٠٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١٤
تفسير قوله تعالى) :وجاءوا أباهم عشاء يبكون( ١١٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١٥
١١٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا( ٨٦.١٦
١١٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١٦.١البكاء لا يدل على الصدق . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١١٠ . . . . . . . . . . . . . . . ٨٦.١٦.٢أهمية الر ياضة البدنية . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١١١ . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :وجاءوا على قميصه بدم كذب( . . . . . . . . . . ٨٦.١٧
Shamela.org ٤٥
المحتو يات
قوة عفة يوسف عليه السلام وحفظ الل ّٰه له ١١٢٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٣.١
تفسير قوله تعالى١١٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .: ٨٨.٤
تفسير قوله تعالى) :قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم( ١١٣٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٥
١١٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . )وكذلك مكنا ليوسف في الأرض وكانوا يتقون( . تفسير قوله تعالى: ٨٨.٦
١١٣٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . )ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا( . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ٨٨.٧
١١٣٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . )وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه( . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ٨٨.٨
١١٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . )فإن لم تأتوني به فلا كيل لـكم عندي ولا تقربون( تفسير قوله تعالى: ٨٨.٩
١١٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . )وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم( . . . . تفسير قوله تعالى: ٨٨.١٠
تفسير قوله تعالى) :فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل( ١١٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١١
تفسير قوله تعالى) :ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم( ١١٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٢
تفسير قوله تعالى) :قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الل ّٰه( ١١٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٣
تفسير قوله تعالى) :وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد( ١١٣٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٤
تفسير قوله تعالى) :ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم( ١١٣٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٥
١١٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . المسلمون أولى بالأنبياء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٥.١
١١٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . الحرب بين المسلمين واليهود . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٥.٢
١١٣٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . حياة الخضر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٥.٣
١١٣٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . اليهود يشتمون الأنبياء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٥.٤
١١٣٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . الحرب بين المسلمين ويهود إسرائيل . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٥.٥
١١٣٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه لسارقون( . ٨٨.١٦
١١٤٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون وأنابه زعيم( . . ٨٨.١٧
تفسير قوله تعالى) :قالوا تالل ّٰه لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين( ١١٤٠ . . . . . . . . . . . ٨٨.١٨
تفسير قوله تعالى) :قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين( ١١٤٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.١٩
تفسير قوله تعالى) :فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه( ١١٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٢٠
تفسير قوله تعالى) :قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل( ١١٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٢١
تفسير قوله تعالى) :قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا( ١١٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٢٢
تفسير قوله تعالى) :قال معاذ الل ّٰه أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده( ١١٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٢٣
تفسير قوله تعالى) :فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا( ١١٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٢٤
تفسير قوله تعالى) :ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق( ١١٤٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٨٨.٢٥
Shamela.org ٤٦
المحتو يات
Shamela.org ٤٧
المحتو يات
١١٧٩ . . . . . . . . إثبات إرادة حقيقية للجدار . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٢.١
١١٨٠ . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ما لم تسطع عليه صبرا( ٩٢.٣
١١٨١ . . . . . . . . فوائد من قصة موسى مع الخضر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤
١١٨١ . . . . . . . . فوائد مرتبة حسب سير القصة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.١
١١٨١ . . . . . . . . عدم نسبة الشر إلى الل ّٰه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٢
١١٨٢ . . . . . . . . فوائد بلاغية ولغو ية . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٣
١١٨٤ . . . . . . . . خصوصية الخضر في أفعاله . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٤
١١٨٤ . . . . . . . . ترجيح أن المذكور هو موسى بني إسرائيل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٥
ترجيح أن صاحب موسى هو الخضر ١١٨٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٦
١١٨٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٧نسب الخضر ودحض شبهة خلوده في الأرض
١١٨٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٨الأدلة على موت الخضر . . . . . . . . . .
١١٨٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.٩الخضر في اعتقاد أهل السنة . . . . . . . .
١١٩١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٢.٤.١٠من خرافات الصوفية في الخضر . . . . . . .
Shamela.org ٤٨
المحتو يات
١٢١٤ . . . . . . . . . . . . . . . )فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى( تفسير قوله تعالى: ٩٤.٨
١٢١٤ . . . . . . . . . . . . . . . )وما تلك بيمينك يا موسى( . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ٩٤.٩
١٢١٥ . . . . . . . . . . . . . . . )اذهب إلى فرعون إنه طغى( . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ٩٤.١٠
١٢١٥ . . . . . . . . . . . . . . . )قال رب اشرح لي صدري( . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ٩٤.١١
تفسير قوله تعالى) :قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى( ١٢١٦ . . . . . . . . . . . . ٩٤.١٢
تفسير قوله تعالى) :إذ تمشي أختك فتقول هل أدلـكم على من يكفله( ١٢١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٤.١٣
تفسير قوله تعالى) :وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا( ١٢١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٤.١٤
تفسير قوله تعالى) :فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى( ١٢٢١ . . . . . . . . . . . . . . ٩٤.١٥
تفسير قوله تعالى) :اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري( ١٢٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٤.١٦
Shamela.org ٤٩
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك( ١٢٥٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٣
تفسير قوله تعالى) :فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا( ١٢٥١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٤
تفسير قوله تعالى) :قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا( ١٢٥٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٥
تفسير قوله تعالى) :أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا( ١٢٥٤ . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٦
تفسير الشنقيطي لقوله تعالى) :أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا( ١٢٥٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٦.١
تفسير قوله تعالى) :ولقد قال لهم هارون من قبل( ١٢٥٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٧
فتوى الطرطوشي في رقص وتواجد الصوفية ١٢٥٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٧.١
تفسير قوله تعالى) :ألا ٺتبعن أفعصيت أمري( ١٢٥٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٨
تفسير قوله تعالى) :قال يابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي( ١٢٥٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٩٧.٩
Shamela.org ٥٠
المحتو يات
Shamela.org ٥١
المحتو يات
١٠٢.٧.٢معنى جعل كلمة التوحيد باقية في ذر ية إبراهيم عليه السلام ١٢٩٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٩٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هل استجاب الل ّٰه دعوة إبراهيم عليه السلام؟ . . . . . . . ١٠٢.٧.٣
١٢٩٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ترادف العقب والذر ية والبنين . . . . . . . . . . . . . ١٠٢.٧.٤
١٢٩٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :بل متعت هؤلاء وآبائهم خير مما يجمعون( ١٠٢.٨
١٣٠١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الرد على زعم واقتراحات الـكفار في هذه السورة . . . . . ١٠٢.٨.١
١٣٠٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بيان فساد قول الاشتراكيين في التسو ية بين الناس . . . . ١٠٢.٨.٢
Shamela.org ٥٢
المحتو يات
Shamela.org ٥٣
المحتو يات
١٠٦.١١تفسير قوله تعالى) :ولقد اخترناهم على علم على العالمين( ١٣٤٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٢تفسير قوله تعالى) :إن هؤلاء ليقولون١٣٤٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٣تفسير قوله تعالى) :فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين إنهم كانوا مجرمين( ١٣٥٠ . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٤تفسير قوله تعالى) :وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين( ١٣٥١ . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٥تفسير قوله تعالى) :إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين( ١٣٥١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٦تفسير قوله تعالى) :إن شجرة الزقوم طعام الأثيم( ١٣٥٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٧تفسير قوله تعالى) :إن المتقين في مقام أمين( ١٣٥٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٨تفسير قوله تعالى) :فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون( ١٣٥٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٠٦.١٩تفسير قوله تعالى) :فارتقب إنهم مرتقبون( ١٣٥٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٥٤
المحتو يات
Shamela.org ٥٥
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا( ١٤٠٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٢
تفسير قوله تعالى) :فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم( ١٤٠٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٣
تفسير قوله تعالى) :تدمر كل شيء بأمر ربها( ١٤٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٤
١١١.٤.١الفرق بين أمر الل ّٰه القدري والشرعي ١٤٠٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١١.٤.٢الهدي النبوي مع السحاب والمطر ١٤٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١١.٤.٣معنى قوله تعالى) :فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم( ١٤١٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه( ١٤١٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٥
١١١.٥.١حلول نقمة الل ّٰه بعاد لما جحدوا آياته ١٤١١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :ولقد أهلكنا ما حولـكم من القرى( ١٤١١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٦
تفسير قوله تعالى) :فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الل ّٰه قربانا آلهة( ١٤١٢ . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٧
تفسير قوله تعالى) :وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن( ١٤١٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٨
١١١.٨.١الربط الوثيق بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام في الشرع ١٤١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . عدم علم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم باستماع الجن لتلاوته ١١١.٨.٢
١٤١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إرهاصات ما قبل النبوة . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٨.٣
١٤١٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . استماع الجن للقرآن في وادي نخلة . . . . . . . . . ١١١.٨.٤
١٤١٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . من هواتف الجن قبل البعثة . . . . . . . . . . . . ١١١.٨.٥
١٤١٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . معنى صرف الجن إلى النبي . . . . . . . . . . . . ١١١.٨.٦
١٤١٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٨.٧رسل الل ّٰه إلى الجن . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى( . ١١١.٩
١٤١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٩.١دخول المؤمنين من الجن الجنة . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١١١.٩.٢كلام الشنقيطي في قوله تعالى) :يا قومنا أجيبوا داعي الل ّٰه وآمنوا به(
١١١.١٠تفسير قوله تعالى) :فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل( ١٤٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١١.١٠.١كلام الشنقيطي في المراد بأولي العزم من الرسل ١٤٢٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١١.١٠.٢معنى قوله تعالى) :كأنهم يوم يرون ما يوعدون( ١٤٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٥٦
المحتو يات
Shamela.org ٥٧
المحتو يات
١١٧.١.٢الآيات الواردة في بيان أن عمل الكافر يحبط في الآخرة و يجازى به في الدنيا ١٤٧٣ . . . . . . . . . . . . . .
١١٧.١.٣الأحاديث الواردة في بيان أن عمل الكافر يحبط في الآخرة وأنه يجازى به في الدنيا ١٤٧٤ . . . . . . . . . . .
١١٧.١.٤شبهة مدح اليهود والنصارى بما عندهم من صفات حميدة ١٤٧٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١٧.١.٥الأشياء التي تحبط أعمال العبد ١٤٧٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١١٧.١.٦الأحوال التي تحبط فيها الأعمال الصالحة ١٤٧٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٥٨
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الل ّٰه( ١٥١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٢٠.٧
ارتباط سورة محمد بما قبلها وما بعدها من السور ١٥٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٢٠.٨
Shamela.org ٥٩
المحتو يات
١٢٢.١.١٧من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم اقتران اسمه الشر يف باسم الل ّٰه تبارك وتعالى ١٥٤٠ . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.١٨من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أن الل ّٰه ذكر بعض أعضائه في القرآن ١٥٤١ . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.١٩من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم تحريم التكني بكنيته ١٥٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٠من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم تفضيل بناته وزوجاته على سائر نساء العالمين ١٥٤١ . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢١من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم تفضيل أصحابه على جميع العالمين سوى الأنبياء ١٥٤١ . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٢من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد ١٥٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٣من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أن الل ّٰه جعل أمته آخر الأمم وخيرها ١٥٤٤ . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٤من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أن الل ّٰه وضع عن أمته الإصر وأحل لهم كثيرا مما حرم على من قبلهم ١٥٤٤ .
١٢٢.١.٢٥من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أن عيسى عليه السلام سيصلي خلف رجل من أمته ١٥٤٦ . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٦من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أن أمته أقل أعمالا وأكثر أجرا ١٥٤٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٧من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الأرض ١٥٤٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٨من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أن الل ّٰه أعطاه المقام المحمود وجعل بيده لواء الحمد ١٥٤٧ . . . . . . . . . .
١٢٢.١.٢٩من خصائصه صلى الل ّٰه عليه وسلم أن كل سبب ونسب منقطع إلا سببه ونسبه ١٥٤٧ . . . . . . . . . . . . .
شبهات لابد من الرد عليها ١٥٤٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٢٢.٢
١٢٢.٢.١شبهة أن ذكر خصائص النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم من التفر يق بين الأنبياء ١٥٤٨ . . . . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.٢.٢شبهة أن الصلاة الإبراهيمية فيها تفضيل إبراهيم على محمد صلى الل ّٰه عليهما وسلم ١٥٤٨ . . . . . . . . . . . . .
١٢٢.٢.٣شبهة أحاديث النهي عن التفضيل بين الأنبياء ١٥٤٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٦٠
المحتو يات
١٢٣.٢.٩عدم دلالة قوله تعالى) :ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم( على وقوع المعاصي من الأنبياء ١٥٦٥
١٢٣.٢.١٠عدم دلالة قوله تعالى) :ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره( على وقوع المعاصي من الأنبياء١٥٦٥
١٢٣.٢.١١الرد على من يطعن في النبي عليه الصلاة والسلام من الملاحدة والحذر من مكرهم ١٥٦٥ . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٦١
المحتو يات
١٢٥.٢.١كلام ابن القيم حول السكينة وأنواعها وآثارها وأسبابها ١٥٨٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٥٨٧ . . . . . . . . . . . . . ١٢٥.٢.٢معنى قوله تعالى) :ولل ّٰه جنود السماوات والأرض( . . . . . . . . . . . .
١٥٨٨ . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار( ١٢٥.٣
١٥٨٩ . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :و يعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات( . . ١٢٥.٤
١٥٩٠ . . . . . . . . . . . . . ١٢٥.٤.١معنى ظن السوء في الآية . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٥٩٠ . . . . . . . . . . . . . ١٢٥.٤.٢كلام ابن القيم في بيان أن الظن السيء من أخلاق المنافقين والمشركين . . .
١٢٥.٤.٣حاجة المؤمن إلى الأمل وانتظار الفرج ١٥٩٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٦٢
المحتو يات
Shamela.org ٦٣
المحتو يات
Shamela.org ٦٤
المحتو يات
١٦٩٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . حديث) :وعدتم من حيث بدأتم( . . . . . . . . . ١٣٢.٤.٥
١٦٩٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فتح القسطنطينية ورومية . . . . . . . . . . . . . ١٣٢.٤.٦
١٦٩٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . من دلائل النبوة . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٢.٤.٧
١٦٩٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :محمد رسول الل ّٰه( . . . . . . . . . ١٣٢.٥
١٦٩٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . معنى قوله تعالى) :سيماهم في وجوههم من أثر السجود( ١٣٢.٥.١
١٦٩٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . شدة الصحابة على الكافرين ورحمتهم بالمؤمنين . . . . . . ١٣٢.٥.٢
١٦٩٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . معنى قوله تعالى) :ذلك مثلهم في التوراة( . . . . . . . ١٣٢.٥.٣
١٦٩٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . معنى قوله تعالى) :ومثلهم في الإنجيل كزرع( . . . . . ١٣٢.٥.٤
١٦٩٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هل يكفر الرافضة لغيظهم على الصحابة؟ . . . . . . . . ١٣٢.٥.٥
١٣٢.٥.٦معنى قوله تعالى) :وعد الل ّٰه الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما( ١٧٠٠ . . . . . . . . . .
Shamela.org ٦٥
المحتو يات
١٧١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كلام الزمخشري في الآية . . . . . . . . . ١٣٣.٨.٢
١٧١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . صفات الحجرات النبو ية . . . . . . . . . . ١٣٣.٨.٣
١٧١٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بيان تعظيم النبي في سياق سورة الحجرات . . . ١٣٣.٨.٤
١٧١٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . كراهة رفع الصوت عند القبر النبوي الشر يف ١٣٣.٨.٥
١٣٣.٨.٦تعدد أسباب النزول وبيان وجه ذلك ١٧١٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٦٦
المحتو يات
١٧٣٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن( ١٣٥.٢
١٧٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . النهي عن الظن السيئ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٥.٢.١
١٧٣٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . النهي عن التجسس . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٥.٢.٢
١٧٣٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . خطورة النميمة وتسجيل كلام الغير بغير علمه . . . . . . . . ١٣٥.٢.٣
١٧٣٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وجوب الستر ومعاملة الناس على الظاهر . . . . . . . . . . ١٣٥.٢.٤
١٧٣٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . معنى التجسس وأدلة تحريمه . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٥.٢.٥
١٧٤٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . التجسس من المسئول يفسد الرعية . . . . . . . . . . . . ١٣٥.٢.٦
١٧٤٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . من التجسس استماع حديث قوم وهم يكرهون ذلك . . . . ١٣٥.٢.٧
١٧٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . النهي عن الغيبة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٥.٢.٨
١٣٥.٢.٩كلام الزمخشري على قوله) :أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه( ١٧٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٣٥.٢.١٠بيان دلالات الآية على شناعة الغيبة ١٧٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى( ١٧٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٥.٣
Shamela.org ٦٧
المحتو يات
Shamela.org ٦٨
المحتو يات
١٧٧٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ألقيا في جهنم كل كفار عنيد( . . . . . . . . ١٣٩.٦
١٧٧٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :مناع للخير معتد مريب( . . . . . . . . . . . ١٣٩.٧
١٧٧٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٩.٧.١وقفة مع الجهاد الشيشاني ضد الروس . . . . . . . . . . . . . .
١٧٨١ . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد( . ١٣٩.٨
تفسير قوله تعالى) :ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد( ١٧٨١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٣٩.٩
١٣٩.٩.١نكتة حذف الواو من قوله) :قال قرينه ربنا ما أطغيته( ١٧٨٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٣٩.٩.٢الرد على المرجئة بآية) :ما يبدل القول لدي( ١٧٨٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٣٩.٩.٣معنى المبالغة في قوله) :بظلام( ونفي الظلم عن الل ّٰه ١٧٨٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٦٩
المحتو يات
Shamela.org ٧٠
المحتو يات
١٤٢.٤.١٣الوجه الثالث عشر :سبب عرض إبراهيم الأكل على ضيوفه ١٨١٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٤.١٤الوجه الرابع عشر :من كرم الضيافة عدم إظهار الريبة والخوف عند عدم أكل الضيوف ١٨١٨ . . . . . . . .
كلام ابن القيم في كتابه زاد المهاجر عن مدح الل ّٰه وثنائه على إبراهيم في سورة الذار يات وغيرها ١٨١٨ . . . . . ١٤٢.٥
١٤٢.٥.١إخبار الل ّٰه لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بقصة إبراهيم علم من أعلام النبوة وصدقها ١٨١٩ . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٢ثناء الل ّٰه على إبراهيم بوصف ضيفه بالمكرمين ١٨١٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٣الثناء على إبراهيم بكون تحيته للملائكة أكمل وأحسن من تحيتهم له ١٨٢٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٤أوجه المدح لإبراهيم في قوله) :قوم منكرون( ١٨٢٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٥وجه الثناء والمدح لإبراهيم في قوله) :فراغ إلى أهله( ١٨٢٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٦وجه الثناء والمدح لإبراهيم في قوله) :فجاء بعجل سمين( وتنوع ذلك ١٨٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٧وجه الثناء والمدح لإبراهيم في قوله) :فقربه إليهم فقال ألا تأكلون( ١٨٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٨حقيقة الغلام المبشر به في قوله تعالى) :وبشروه بغلام عليم( ١٨٢١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.٩ظهور ضعف المرأة من خلال قوله) :فصكت وجهها( ١٨٢٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.١٠وقفة مع أدب الاقتصار في الكلام على ما تؤدى به الحاجة ١٨٢٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٥.١١وقفة مع ضوابط كلام المرأة الأجنبية مع الرجل الأجنبي ١٨٢٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :قال فما خطبكم أيها المرسلون وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم( ١٨٢٤ . . . . . . . ١٤٢.٦
تفسير قوله تعالى) :وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون فنبذناهم في اليم وهو مليم( ١٨٢٤ . . . . . . . . . . . . ١٤٢.٧
تفسير قوله تعالى) :وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم إلا جعلته كالرميم( ١٨٢٥ . . . . . . . . . . . . . . ١٤٢.٨
تفسير قوله تعالى) :وفي ثمود إذ قيل لهم فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين( ١٨٢٥ . . . . . . . . . . . ١٤٢.٩
١٤٢.١٠تفسير قوله تعالى) :وقوم نوح من قبل( ١٨٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١١تفسير قوله تعالى) :والسماء بينيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون( ١٨٢٦ . . . . . . . .
١٤٢.١٢تفسير قوله تعالى) :ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلـكم تذكرون( ١٨٢٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٣تفسير قوله تعالى) :ففروا إلى الل ّٰه ولا تجعلوا مع الل ّٰه إلها آخر إني لـكم منه نذير مبين( ١٨٢٧ . . . . . . . . . .
١٤٢.١٤تفسير قوله تعالى) :كذلك ما أتى الذين من قبلهم أتواصوا به بل هم قوم طاغون( ١٨٢٧ . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٥تفسير قوله تعالى) :فتول عنهم فما أنت بملوم( ١٨٢٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٦تفسير قوله تعالى) :وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين( ١٨٣٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٦.١وقفة مع المتخاذلين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ١٨٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٧تفسير قوله تعالى) :وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون( ١٨٣٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٧.١القول الفصل في معنى قوله تعالى) :إلا ليعبدون( ١٨٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٨تفسير قوله تعالى) :ما أريد منهم من رزق إن الل ّٰه هو الرزاق ذو القوة المتين( ١٨٣٥ . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.١٩تفسير قوله تعالى) :فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم( ١٨٣٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٢.٢٠تفسير قوله تعالى) :فو يل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون( ١٨٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٧١
المحتو يات
Shamela.org ٧٢
المحتو يات
١٨٦٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٤٥.٣.١تفسير الإمام ابن القيم لقوله تعالى) :والنجم إذا هوى( .
١٨٦٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٤٥.٣.٢تفسير العلامة الشنقيطي لقوله تعالى) :والنجم إذا هوى(
١٨٦٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ما ضل صاحبكم وما غوى( . . . . ١٤٥.٤
١٨٧١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :وما ينطق عن الهوى. . . . . . . . ١٤٥.٥
١٤٥.٥.١بيان أن السنة وحي من الل ّٰه عز وجل ١٨٧١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٥.٥.٢الحجج على أن السنة وحي من عند الل ّٰه عز وجل ١٨٧٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٥.٥.٣الأدلة من القرآن على أن السنة وحي من الل ّٰه عز وجل ١٨٧٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٥.٥.٤الأدلة من السنة على أن السنة وحي ١٨٧٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٧٣
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :فلل ّٰه الآخرة والأولى( ١٨٩٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٤٧.٦
تفسير قوله تعالى) :وكم من ملك في السماوات لا يغني من الحق شيئا( ١٨٩٩ . . . . . . . . . . . . . . . . ١٤٧.٧
تفسير قوله تعالى) :فأعرض عن من تولى عن ذكرنا( ١٩٠٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٤٧.٨
تفسير قوله تعالى) :ذلك مبلغهم من العلم( ١٩٠١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٤٧.٩
١٤٧.٩.١التحذير من تحر يف النصوص الشرعية لخدمة الأمور الدنيو ية ١٩٠١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٧.١٠تفسير قوله تعالى) :ولل ّٰه ما في السماوات وما في الأرض( ١٩٠٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٧.١١تفسير قوله تعالى) :الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش( ١٩٠٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٧.١٢تفسير قوله تعالى) :أفرأيت الذي تولى ألا تزروازرة وزر أخرى( ١٩٠٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٧.١٣تفسير قوله تعالى) :وأن ليس للإنسان إلا ما سعى الجزاء الأوفى( ١٩٠٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٧.١٤تفسير العلامة الشنقيطي لقوله تعالى) :أفرأيت الذي تولى( ١٩٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٤٧.١٤.١تضمن الآيات لسبعة أمور يدل عليها القرآن ١٩٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٧٤
المحتو يات
Shamela.org ٧٥
المحتو يات
١٥١.٢.١كلام ابن القيم في السؤال المنفي في قوله) :فيومئذ لا يسأل عن ذنبه( والجمع بين الأقوال فيها١٩٦٤ . . . . . . .
١٥١.٢.٢كلام الشنقيطي في الجمع بين قوله) :فيومئذ لا يسأل عن ذنبه( وغيرها من الآيات التي ٺثبت السؤال ١٩٦٥ . . .
تفسير قوله تعالى) :يعرف المجرمون بسيماهم فبأي آلاء ربكما تكذبان( ١٩٦٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٥١.٣
١٥١.٣.١تفسير الشنقيطي لقوله تعالى) :يعرف المجرمون بسيماهم( ١٩٦٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون فبأي آلاء ربكما تكذبان( ١٩٦٨ . . . . . . . . . . . . ١٥١.٤
تفسير قوله تعالى) :ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان( ١٩٦٨ . . . . . . . . . . . . . . . ١٥١.٥
١٥١.٥.١تفسير الشنقيطي لقوله تعالى) :ولمن خاف مقام ربه( ١٩٦٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٥١.٥.٢أقوال العلماء والمفسرين في قوله تعالى) :ولمن خاف مقام ربه( ١٩٦٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٥١.٥.٣ترجيح ابن القيم بين الأقوال في قوله تعالى) :ولمن خاف مقام ربه( ١٩٧٠ . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٥١.٥.٤أوجه دخول الجن مع الإنس في التكليف والثواب والعقاب ١٩٧١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٩٧٢ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان( . . . . . . . . . . . . . ١٥١.٦
١٩٧٣ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :فيهما عينان تجر يان فبأي آلاء ربكما تكذبان( . . . . . . . . . ١٥١.٧
١٩٧٣ . . . . . . . . . . ١٥١.٧.١التفاوت بين الجنتين الأوليين والجنتين الأخر يين . . . . . . . . . . . . . . . .
١٩٧٣ . . . . . . . . . . ١٥١.٧.٢معنى قوله تعالى) :فيهما من كل فاكهة زوجان( والفرق بين ثمار الدنيا وثمار الآخرة
١٩٧٤ . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :متكئين على فرش بطائنها من استبرق( . . . . . . . . . . . . ١٥١.٨
Shamela.org ٧٦
المحتو يات
Shamela.org ٧٧
المحتو يات
Shamela.org ٧٨
المحتو يات
Shamela.org ٧٩
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم( ٢٠٦٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦١.٥
٢٠٦٨ . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لـكم تفسحوا في المجالس فافسحوا( ١٦١.٦
٢٠٧٠ . . . . . . . . . . . . حكم القيام للقادم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦١.٦.١
٢٠٧١ . . . . . . . . . . . . حكم المجازفة في المديح . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦١.٦.٢
٢٠٧٢ . . . . . . . . . . . . حكم المعانقة عند اللقاء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦١.٦.٣
٢٠٧٢ . . . . . . . . . . . . تفصيل ابن كثير في حكم القيام للقادم . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦١.٦.٤
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول( ٢٠٧٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦١.٧
تفسير قوله تعالى) :أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات( ٢٠٧٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦١.٨
١٦١.٨.١نقل عبارات السلف في معنى الآية ٢٠٧٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦١.٨.٢الكلام على نسخ الصدقة بين يدي المناجاة ٢٠٧٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٨٠
المحتو يات
٢١٠٢ . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم( ١٦٥.١
٢١٠٣ . . . . . . . . . . . ١٦٥.١.١الإيثار في حظوظ النفس لا في الطاعات . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٢١٠٤ . . . . . . . . . . . ١٦٥.١.٢المعاملة بالمال تكشف حقيقة الإنسان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٢١٠٥ . . . . . . . . . . . ١٦٥.١.٣خطورة الشح . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
٢١٠٦ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هل هذه الآية معطوفة على ما قبلها أم مقطوعة؟ ١٦٥.١.٤
٢١٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . المفاضلة بين مكة والمدينة . . . . . . . . . . ١٦٥.١.٥
٢١٠٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . من الصور المشرقة في الإيثار . . . . . . . . . ١٦٥.١.٦
٢١٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . مدح التنافس في الآخرة وذمه في أمور الدنيا . ١٦٥.١.٧
١٦٥.١.٨سخاء أم المؤمنين عائشة رضي الل ّٰه عنها ٢١٠٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٥.١.٩سخاء بعض الصحابة ٢١١٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٥.١.١٠حكم التصدق بجميع ما يملـكه الإنسان ٢١١٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٥.١.١١أعلى درجات الإيثار :الإيثار بالنفس ٢١١١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٥.١.١٢الفرق بين البخل والشح ٢١١٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان( ٢١١٣ . . . . ١٦٥.٢
١٦٥.٢.١تفسير سيد قطب لقوله تعالى) :للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا( ٢١١٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٥.٢.٢تفسير سيد قطب لقوله تعالى) :والذين تبوءوا الدار والإيمان( ٢١١٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٥.٢.٣تفسير سيد قطب لقوله تعالى) :والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا( ٢١١٦ . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٨١
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء( ٢١٣٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٢
١٦٧.٢.١لفظ )العدو( معناه وإطلاقه ٢١٣٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٧.٢.٢سبب تقديم قوله تعالى) :عدوي( على )عدوكم( ٢١٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٧.٢.٣بيان أنه ليس كل عداوة تقتضي المقاطعة وعدم الموالاة ٢١٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٦٧.٢.٤تفسير قوله تعالى) :تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم( ٢١٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :أن تؤمنوا بالل ّٰه ربكم( ٢١٣٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٣
تفسير قوله تعالى) :إن يثقفوكم يكونوا لـكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم( ٢١٣٦ . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٤
تفسير قوله تعالى) :لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة( ٢١٣٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٥
٢١٣٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . قصة حاطب بن أبي بلتعة مع المشركين . . . . . . ١٦٧.٥.١
٢١٣٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . منزلة الولاء والبراء في الدين . . . . . . . . . . . ١٦٧.٥.٢
٢١٣٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الاعتدال في الحكم على الأشخاص والمناهج . . . . . ١٦٧.٥.٣
٢١٤٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . الخوف على المال والولد لا يبيح التقية بإظهار الـكفر ١٦٧.٥.٤
٢١٤٠ . . . . . . . . . . . . . . . . أنواع الموالاة للناس . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٥.٥
٢١٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . إشكال وجواب . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٥.٦
٢١٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :قد كانت لـكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه( . ١٦٧.٦
٢١٤٤ . . . . . . . . . . . . . . . . بعض ضلال النصارى . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٦.١
٢١٤٥ . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا( . . . . . . . . . ١٦٧.٧
٢١٤٦ . . . . . . . . . . . . . . . . تصرف المسلمين السيئ وأثره على هذا الدين . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٧.١
تفسير قوله تعالى) :لقد كان لـكم فيهم أسوة حسنة( ٢١٤٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٨
تفسير قوله تعالى) :عسى الل ّٰه أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة( ٢١٤٧ . . . . . . . . . . . . . . ١٦٧.٩
Shamela.org ٨٢
المحتو يات
Shamela.org ٨٣
المحتو يات
١٧٠.٢.١٢البشارة بمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم في إنجيل برنابا ٢١٨٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٧٠.٢.١٣إسلام المايورقي بسبب البشارات ٢١٨٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٧٠.٢.١٤متخصص في الآداب اليونانية يفسر الفارقليط بأحمد ٢١٨٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٧٠.٢.١٥بشارات من كتب المجوس ٢١٨٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :ومن أظلم ممن افترى على الل ّٰه( ٢١٨٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٠.٣
تفسير قوله تعالى) :يريدون ليطفئوا نور الل ّٰه بأفواههم( ٢١٨٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٠.٤
تفسير قوله تعالى) :هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق( ٢١٨٨ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٠.٥
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا هل أدلـكم وبشر المؤمنين( ٢١٨٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٠.٦
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الل ّٰه( ٢١٨٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٠.٧
Shamela.org ٨٤
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل( ٢٢١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٣.٥
تفسير قوله تعالى :ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم ٢٢١٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٣.٦
تفسير قوله تعالى) :زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا( ٢٢١٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٧٣.٧
Shamela.org ٨٥
المحتو يات
Shamela.org ٨٦
المحتو يات
Shamela.org ٨٧
المحتو يات
Shamela.org ٨٨
المحتو يات
تفسير قوله تعالى) :فاصبر صبرا جميلا ثم ينجيه( ٢٢٩٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٨١.٤
تفسير قوله تعالى) :كلا إنها لظى وجمع فأوعى( ٢٣٠٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٨١.٥
تفسير قوله تعالى) :إن الإنسان خلق هلوعا منوعا( ٢٣٠٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٨١.٦
تفسير قوله تعالى) :إلا المصلين إن عذاب ربهم غير مأمون( ٢٣٠١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٨١.٧
تفسير قوله تعالى) :والذين هم لفروجهم حافظون فأولئك هم العادون( ٢٣٠٢ . . . . . . . . . . . . . . . . ١٨١.٨
تفسير قوله تعالى) :والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون بشهاداتهم قائمون( ٢٣٠٣ . . . . . . . . . . . . . . ١٨١.٩
١٨١.١٠تفسير قوله تعالى) :والذين هم على صلاتهم يحافظون مكرمون( ٢٣٠٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٨١.١١تفسير قوله تعالى) :فمال الذين كفروا قبلك مهطعين الذي كانوا يوعدون( ٢٣٠٣ . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٨٩
المحتو يات
١٨٣.١٠.١وجه وجود قبر الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم وصاحبيه في مسجده ٢٣٢٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٨٣.١٠.٢العلة في عدم ذكر الجن لعيسى عليه السلام في قولهم) :إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى …( ٢٣٢١ . . . . . .
Shamela.org ٩٠
المحتو يات
٢٣٤٠ . . . . . . . . . . . . . . . . . )وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا وجنات ألفافا( . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.٥
٢٣٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . )إن يوم الفصل كان ميقاتا فتأتون أفواجا( . . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.٦
٢٣٤١ . . . . . . . . . . . . . . . . . )وفتحت السماء فكانت سرابا( . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.٧
٢٣٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . )إن جهنم كانت مرصادا جزاء وفاقا( . . . . . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.٨
٢٣٤٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . )إنهم كانوا لا يرجون إلا عذابا( . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.٩
٢٣٤٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . )إن للمتقين مفازا عطاء حسابا( . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.١٠
٢٣٤٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . )رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن( . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.١١
٢٣٤٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . )يوم يقوم الروح والملائكة صفا( . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.١٢
٢٣٤٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . )ذلك اليوم الحق كنت ترابا( . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى: ١٨٦.١٣
Shamela.org ٩١
المحتو يات
٢٣٦١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين نضرة النعيم( تفسير قوله تعالى: ١٨٨.٩
٢٣٦٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )يسقون من رحيق مختوم( . . . . . . . . . ١٨٨.١٠تفسير قوله تعالى:
٢٣٦٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )وفي ذلك فليتنافس المتنافسون( . . . . . . ١٨٨.١١تفسير قوله تعالى:
٢٣٦٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون( . ١٨٨.١٢تفسير قوله تعالى:
١٨٨.١٣تفسير قوله تعالى) :إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون( ٢٣٦٣ . . . . . .
١٨٨.١٤تفسير قوله تعالى) :وإذا انقلبوا إلى أهلهم عليهم حافظين( ٢٣٦٥ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٨٨.١٥تفسير قوله تعالى) :فاليوم الذين آمنوا من الـكفار يضحكون ما كانوا يفعلون( ٢٣٦٥ . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٩٢
المحتو يات
Shamela.org ٩٣
المحتو يات
Shamela.org ٩٤
المحتو يات
١٩٧.٢.١كلام الشنقيطي في قوله تعالى) :لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم( ٢٤٣٠ . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير قوله تعالى) :ثم رددناه أسفل سافلين( إلى آخر السورة ٢٤٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ١٩٧.٣
١٩٧.٣.١الاختلاف حول معنى قوله تعالى) :ثم رددناه أسفل سافلين( ٢٤٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٩٧.٣.٢تفسير ابن جرير لهذه الآيات ٢٤٣١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٩٧.٣.٣تفسير النخعي وابن قتيبة لقوله تعالى) :فلهم أجر غير ممنون( ٢٤٣٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٩٧.٣.٤إيراد كلام ابن جرير حول هذه الآيات ،وما رجح في تفسيرها ٢٤٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
١٩٧.٣.٥إيراد كلام الشيخ عطية سالم في تتمة أضواء البيان ٢٤٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Shamela.org ٩٥
المحتو يات
٢٤٦١ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٠٠.٢.٣سبب نزول سورة الهمزة . . . . . . . . . . . . . .
٢٤٦٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تفسير قوله تعالى) :و يل لكل همزة لمزة( . . . . . . . ٢٠٠.٣
٢٤٦٢ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٠٠.٣.١معنى كلمة )و يل( . . . . . . . . . . . . . . . .
٢٤٦٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ٢٠٠.٣.٢أقوال العلماء في معنى الهمزة اللمزة . . . . . . . . .
٢٤٦٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . نماذج من الهمز واللمز في العصر الحديث على الدين وأهله ٢٠٠.٤
Shamela.org ٩٦
المحتو يات
عن الكتاب
الكتاب :تفسير القرآن الـكريم
المؤلف :محمد أحمد إسماعيل المقدم
مصدر الكتاب :دروس صوتية قام بتفر يغها موقع الشبكة الإسلامية
http://www.islamweb.net
] الكتاب مرقم آليا ،ورقم الجزء هو رقم الدرس ٢٠٤ -درسا[
Shamela.org ٩٧
المحتو يات
عن المؤلف
هو الدكتور محمد أحمد إسماعيل المقدم ولد بالإسكندر ية عام ١٣٧١هـ ) ١٩٥٢م( وهو طبيب بشري متخصص في الصحة النفسية
وحاصل على ليسانس الشر يعة الإسلامية من جامعة الأزهـر.
شهاداته وعلمه :
-بكالور يوس الطب والجراحة -كلية الطب -جامعة الإسكندر ية.
-دبلوم الصحة النفسية -المعهد العالي للصحة العامة -جامعة الإسكندر ية.
-ليسانس الشر يعة الإسلامية -كلية الشر يعة -جامعة الأزهر.
-حاليا :دراسات عليا في الأمراض العصبية والنفسية.
-عضو الجمعية العالمية الإسلامية للصحة النفسية.
-نشأ في جماعة أنصار السنة المحمدية بالإسكندر ية منذ سنة ١٩٦٥م
-عمل بالدعوة الإسلامية السلفية منذ سنة ١٩٧٢م وضم إليها أغلب قيادات الدعوة السلفية فيما بعد .
-أسس "المدرسة السلفية" بالإسكندر ية سنة ١٩٧٧م .
-طاف محاضرا ً في الـكثير من محافظات مصر والعديد من البلاد العربية ,والأوروبية ,والولايات المتحدة الأمريكية.
أساتذته ومشايخه:
في القرآن الـكريم
-الشيخ /محمد عبد الحليم عبد الل ّٰه .
-الشيخ /محمد فريد النعمان .
-الشيخ /أسامة عبد الوهاب .
في الإجازات العامة
-العلامة المحدث /أبو محمد بديع الدين شاه الراشدي السندي المحمدي .
-فضيلة الشيخ /محمد الحسن الددو الشنقيطي.
-فضيلة الشيخ /عبد الل ّٰه بن صالح بن عبد الل ّٰه العبيد.
في طلب العلم
من علماء أنصار السنة المحمدية
-الشيخ /محمد سحنون.
-الشيخ /شاهين كاشف أبو راس.
-الشيخ /عبد العزيز بن راشد النجدي.
-الشيخ /عبد العزيز البرماوي.
-الأستاذ /محمد فتحي محمود.
-الشيخ /محمد علي عبد الرحيم.
-الأستاذ /عكاشة عبده.
-الأستاذ الدكتور /محمد شوقي.
-الأستاذ /البخاري عبده.
-من علماء الأزهر:
-الشيخ /إسماعيل حمدي,
-الشيخ /محمود عيد,
-الشيخ /أحمد المحلاوي.
Shamela.org ٩٨
المحتو يات
Shamela.org ٩٩
المحتو يات
بمصر ،والاسم الأخير هو الأصوب ،والموافق لمضمون الكتاب ،والل ّٰه أعلم؛ بل إن الاسم الأخير قد ُأثب ِتَ في أعلى جميع صفحات الطبعة
التي طُبِع َت باسم »ح ُرم َة أهل الع ِلم«!
-١٣الإجهاز على التلفاز ،طـ دار الصفوة بمصر .وللشيخ -حفظه الل ّٰه -محاضرات بهذا الاسم.
-١٤لماذا نصلي؟ طـ دار العقيدة بمصر .وطُب ِـ َع الكتاب باسم »الصلاة لماذا؟« ،طـ دار طيبة الخضراء بالسعودية ،وأثبت أيضًا هذا
الاسم في أسفل بعض صفحات الكتاب الأول »لماذا نصلي؟« والتي يُشار فيها إلى رقم الملزمة.
Shamela.org ١٠٠
المحتو يات
-١٥الأدب الضائع :بحث جامع في أحكام وآداب الاستئذان .طـ الدار العالمية بالإسكندر ية ،ودار طيبة الخضراء بالسعودية.
-١٦كيف نستقبل رمضان؟ يا باغي الخـير أقبل و يا باغي الشر أقصر .طـ دار الإيمان بالإسكندر ية.
-١٧آداب وأذكار الصباح والمساء .وهو كتيب مختصر من كتابه »النصيحة في الأذكار والأدعية الصحيحة« ،طـ دار العقيدة بمصر.
-١٨الهو ية أو الهاو ية ،طـ دار الصفوة بمصر .وهو في الأصل حوار أجرته إحدى المجلات مع الشيخ -كما يُعلَم من مقدمته.-
-١٩قصيدة "م ُثير الغرام إلى طيبة والبلد الحرام" /للإمام )الصنعاني( ،ضبطها وشرح غريب كلماتها :الشيخ )محمد بن أحمد إسماعيل
المق َ ّدم( ،طـ دار الإيمان بالإسكندر ية.
-٢٠المهدي وفقه أشراط الساعة .وهو الطبعة الأخيرة المطولة المزيدة لكتابه المختصر »المهدي حقيقة لا خ ُرافة« كما يُعلَم من "مقدمته".
طـ الدار العالمية بالإسكندر ية ،ودار بلنسية بالر ياض.
-٢١أدلة تحريم مصافحة المرأة الأجنبية .طـ دار الفرقان بمصر ودار الإيمان بالإسكندر ية.
-٢٢خ ُدعة هرمجدون .طـ دار بلنسية بالر ياض) .في أغلب ظني(.
وقد لمحتُ الكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب )الأخير( ،ولعله آخر كتاب طُب ِـع للشيخ ،والل ّٰه أع ْلَم.
-٢٣معركة السفور والحِجاب :مختصر الجزء الأول من »عودة الحجاب« .توز يع :دار الإيمان بالإسكندر ية ،مكتوب عليه "طبعة خاصة
بمصر" ،ضمن سلسلة :الحكمة والموعظة الحسنة ) .(١وهو -كما كُت ِب على غُلافَيه الخارجي والداخلي -اختصار للجزء الأول من كتابه
النفيس »عودة الحجاب« ،غير أنه لم يُش ِر إلى ذلك في المقدمة؛ بل يبدو هذه المقدمة هي نفسها مقدمة الجزء الأول من »عودة الحجاب«!
ولـكن حجم هذا الكتاب "المختصر" يؤكد بما لا يدع مجالا ًللشك بأنه اختصار للجزء الأول فعلاً.ومن الواضح أنه من اختصار شيخنا الحبيب
)محمد إسماعيل( -حفظه الل ّٰه تعالى -ومن صُنع يده.
وأما الطبعة الخاصة بالسعوديةفمن الواضح بأنها طبعة دار طيبة؛ لتشابه شكل غُلاف هذا الكتاب "المختصر" مع الجزء الأول من كتاب
»عودة الحجاب« الذي طبعته دار طيبة قديمًا -على شكل غُلاف.-
للأسف ممنوع الأن في مصر طباعة كتاب عودة الحجاب كاملا ًالثلاثة أجزاء ،إلا أن دار إبن الجوزي طبعت بفضل الل ّٰه الجزء الثاني
المسمى بالمرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية والجزء الثالث المسمى بأدلة الحجاب كل بمفرده ولا أثر للجزء الأول ,إلا أنه من أراد
الحصول على الثلاثة أجزاء كاملة يبحث عن طبعة السعودية لدار طيبة .
-وقد أعلنت دار الصفوة بمصر عن قرب طبع كتاب له بعنوان »السلفية منهج م ُلزِم لكل مسلم« ،وهو -في الأصل -محاضرة ماتعة للشيخ
-حفظه الل ّٰه تعالى ،-ولا أدري أطبع الكتاب أم لا.
-وقد ُأخبرت أن الشيخ -وفقه الل ّٰه وسدده -بصدد إعداد كتاب عن بعض الأحكام الطبية.
من أهم محاضراته
-تفسير كامل للقران الـكريم ,شرح فيه تفسيري " محاسن التأو يل " للقاسمي ,و" أضواء البيان " للشنقيطي ـ رحمهما الل ّٰه .
-شرح كتاب " منار السبيل " في الفقه الحنبلي) لم يكتمل بعد (.
-السلفية منهج ملزم لكل مسلم.
-المنهج العلمي " لمن تقرأ ؟ وماذا تقرأ؟ ".
-رجل لكل العصور "شيخ الإسلام ابن تيمية " .
-رحلة الإمام العائد أبي حامد الغزالي.
-دراسة في منهج جماعة التبليغ.
-المنهج عند سيد قطب.
-وقفة مع الجن.
Shamela.org ١٠١
المحتو يات
Shamela.org ١٠٢
الفاتحة ١
١الفاتحة
تفسير سورة الفاتحة
Shamela.org ١٠٣
الفاتحة ١
وقال صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :إن من إجلال الل ّٰه -يعني :من علامات تعظيم الل ّٰه سبحانه وتعالى وإجلاله -إكرام ذي الشيبة المسلم،
وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ،وإكرام ذي السلطان المقصد( رواه أبو داود عن أبي موسى رضي الل ّٰه تبارك وتعالى عنه.
قوله) :وحامل القرآن( يعني :وإكرام حامل القرآن.
قوله) :غير الغالي فيه( يعني :الذي لا يغلو في تعامله مع القرآن ،حتى يضيع غير ذلك من الواجبات عليه.
قوله) :والجافي عنه( وهو البعيد عن القرآن الهاجر للقرآن.
وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :خيركم من تعلم القرآن وعلمه( ،فدل على أن أشرف الوظائف الانشغال بتعليم القرآن وتعلمه؛ ومن أجل هذا
الحديث قعد الإمام الجليل أبو عبد الرحمن السلمي أربعين عاما ًيقرئ الناس القرآن بجامع الـكوفة مع جلالة قدره وكثرة علمه.
وسئل سفيان الثوري رحمه الل ّٰه تعالى أيهما أفضل الجهاد أم تعليم القرآن؟ فرجح تعليم القرآن في الثواب والفضل على الجهاد في سبيل
الل ّٰه تبارك وتعالى ،واستدل بقوله صلى الل ّٰه عليه وسلم) :خيركم من تعلم القرآن وعلمه(.
وعن عمرو بن العاص رضي الل ّٰه تبارك وتعالى عنه -كما في الحديث الذي رواه الحاكم( ،والل ّٰه أعلم بصحته.
وقال صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :يؤم القوم أكثرهم قرآناً ،فإن كانوا في القراءة واحدا ً فأقدمهم هجرة ،فإن كانوا في الهجرة واحدا ً
فأفقههم فقهاً ،فإن كانوا في الفقه واحدا ً فأكبرهم سناً( ،فهذا فيه رد على بعض الناس الذين حينما يختارون إمامهم في الصلاة يقدمون
السن على ما عداه من الاعتبارات ،وينبغي التقديم على الترتيب الذي دلنا عليه النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم) :يؤم القوم أكثرهم
قرآناً( ،وهذا في حالة عدم وجود إمام راتب للمسجد.
وكان القراء أصحاب مجلس عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه تبارك وتعالى عنه وأصحاب مشاورته.
ففضل الاشتغال بالقرآن الـكريم لا يدانيه فضل ،وكل من انتسب إلى الدعوة إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى عامة ،وإلى الدعوة السلفية بصفة
خاصة ،فينبغي أن يتميز باهتمامه بالقرآن العظيم ،ووجود علاقة خاصة بكلام الل ّٰه عز وجل.
قال النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :إن الل ّٰه يرفع بهذا الكتاب أقواما ًو يضع به آخرين(.
وقد ثبت في فضيلة حفظ كتاب الل ّٰه عز وجل قول النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :يقال لصحاب القرآن يوم القيامة :اقرأ وارتق ورتل
فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها(.
ومما يرغب في حفظ القرآن الـكريم كثرة الأحاديث في فضل ذلك ،ومنها :أن الل ّٰه تبارك وتعالى لا يحرق أو لا يعذب بالنار صدرا ً هو
وعاء للقرآن ،فإن ضم القلب كلام الل ّٰه تبارك وتعالى فيرجى من رحمة الل ّٰه تبارك وتعالى ألا يعذب بالنار هذا القلب الذي وعى القرآن
وتشرف به ،فالقرآن يغني صاحبه عن كل حسب ونسب ،وجاء في بعض التفاسير لقول النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :من لم يتغن
بالقرآن فليس منا( أن الإنسان إذا نال شرف القرآن فعليه أن يستغني به عما عداه ،عليه ألا ينزل إلى مرتبة التنافس مع الناس في
الدنيا ،وألا يذل نفسه وقد حمل القرآن الـكريم ،وأن يكون عزيزاً ،وهذا على أحد أوجه تفسير الحديث.
فالقرآن يغني صاحبه عن كل حسب ونسب ،و يكفي أنك إذا شرفت بنيل إجازة من القراء المشايخ فقد نلت شرفا ً عظيما ً جدا ً لا
يدانيه شرف ،و يكفي أنك ستكون في سلسلة تظل ٺتدرج من شيخك إلى شيخ شيخك ،إلى التابعين ،إلى الصحابة رضي الل ّٰه تبارك
وتعالى عنهم ،إلى النبي عليه الصلاة والسلام ،ثم إلى جبر يل عليه السلام ،ثم إلى رب العزة ،فكأنه حبل طرفه عندك والطرف الآخر
عند الل ّٰه عز وجل ،فهل يعلم أحد شرف ونسب أعظم من هذا النسب؟! طرف سلسلة الإسناد تبدأ به وتنتهي بالل ّٰه عز وجل! فالقرآن
يغني صاحبه عن كل حسب ونسب ،وشرف التفقه فيه فوق كل شرف ،ألا ترى أنه لا يصد واحدا ً من أهل القرآن عن إمامة
الناس في الصلاة ،حتى لو كان أعرابيا ًأو عبدا ً مملوكا ًأو حتى ولد زنا على قول الإمام أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني.
إذاً :شرف القرآن يرفع عنه كل وضيعة ،و يؤهله لإمامة الصلاة التي هي من الوظائف الشرعية الشر يفة.
Shamela.org ١٠٤
الفاتحة ١
كذلك القيام على خدمة المصحف الشر يف وتعليمه للناس هو فخر الفاخرين ،وشرف من يطلب الشرف ،والدليل على ذلك قوله صلى
الل ّٰه عليه وآله وسلم) :خيركم من تعلم القرآن وعلمه(.
وفي الحقيقة نحن مقصرون تقصيرا ً شديدا ً بالنسبة للاهتمام بتحفيظ القرآن ومدارسته ،وقد قال بعض السلف :عجبت لمن لم يحفظ القرآن
ولا يعلم تأو يله كيف يلتذ بتلاوته؟! أي :عجبت ممن يقرأ القرآن وهو لا يعرف تفسيره كيف يلتذ بتلاوته؟!
Shamela.org ١٠٥
الفاتحة ١
الذي سنجتهد إن شاء الل ّٰه في حفظه هو ربع حزب في كل أسبوع ،وأعتقد أن هذا أقل ما ينبغي ،فإذا حفظنا بمعدل ربع حزب في
كل أسبوع فإن شاء الل ّٰه بعد أربع إلى خمس سنوات يكون قد حفظ الإنسان القرآن كله.
وقد يستبعد بعض الناس الزمن و يقول :خمس سنوات أو أربع سنوات هذا كثير! فنقول :ربما حاول شخص منذ عشر سنوات وهو
إلى الآن لم يفعل شيئا ًيذكر ،ومعلوم أن الأيام تجري والزمان يجري ،وطالب العلم يستثنى من كراهة طول الأمل ،بل يستحب لطالب
العلم طول الأمل؛ لأنه لولا طول الأمل لما أقدم أحد على حفظ القرآن ،ولا على حفظ كتب السنة ،ولا على طلب العلم الشرعي
الشر يف ،فطول الأمل يباح لطالب العلم؛ من أجل تحصيل الفضائل ،وتحصيل هذه العلوم العظيمة.
نرجو من الإخوة ألا يخيبوا ظننا فيهم ،فكل واحد لا يبعد نفسه عن هذه القافلة إن شاء الل ّٰه تبارك وتعالى.
Shamela.org ١٠٦
الفاتحة ١
Shamela.org ١٠٧
الفاتحة ١
يقول كنعان :من ذلك قول أحدهم في تفسير قول الل ّٰه تبارك وتعالى} :لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ{ ]البقرة :[٢٥٦:ولـكنه رغم ذلك ترك
للناس حر ية اختيار الإله الذي يرضونه مصدرا ً لنظام حياتهم! انظر كيف فهم معنى) :لا إكراه في الدين(! فجعل معناها أن الل ّٰه
سبحانه وتعالى ترك للناس حر ية اختيار الإله الذي يرضونه مصدراًَ لنظام حياتهم ،بل ترك لهم حر ية الـكفر والإلحاد في الل ّٰه تبارك
وتعالى ،ولكل إنسان أن يختار الإله الذي يعجبه! هذا الكلام فيه هدم للإسلام ،وكل دين الإسلام يتحطم بمثل هذا التفسير المنحرف،
وهذا عدوان على كتاب الل ّٰه وليس تفسيرا ً لكتاب الل ّٰه تبارك وتعالى.
ن ال َ ّذ ِي َ
ن هذا نموذج من نماذج التحر يف الشديد في كلام الل ّٰه ،ومثله ما حصل من بعض المعاصرين أيضا ًمثلا ًفي تفسير قوله تعالى}ِ :إ َ ّ
ْف عَلَيْه ِ ْم و َلا ه ُ ْم
خو ٌ
جر ُه ُ ْم عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم و َلا َ
ل صَالِ حاً فَلَه ُ ْم أَ ْ ن ب َِالل ّه ِ و َال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ و َعَم ِ َ َالن ّصَار َى و َ
َالصّ ابئِِينَ م َنْ آم َ َ ن ه َاد ُوا و َ
آم َن ُوا و َال َ ّذ ِي َ
يح ْزَنُونَ{ ]البقرة [٦٢:يقول :كل هؤلاء يمكن أن يدخلوا الجنة! واستدل بهذه الآية على أن الأديان كلها سواسية ،فما دام أن اليهودي
َ
أو النصراني يؤمن بالل ّٰه واليوم الآخر فقد يدخل الجنة! ثم يقول كنعان :وكأنه هو المفسر الذي لم يفسر قوله تعالى} :و َقَاتِلُوه ُ ْم ح ََت ّى لا
ن كُل ّه ُ ل َِل ّهِ( ]الأنفال.[٣٩:
تَكُونَ فِت ْن َة ٌ و َيَكُونَ الد ِّي ُ
)فتنة( يعني :شرك ،والمعنى حتى لا يبقى في الأرض شرك.
وإعراب )فتنة( فاعل ،ولفظة )تكون( هنا تامة وليست ناقصة أو ناسخة ،ففتنة فاعل لتكون.
ومعناها :أي حاربوا المشركين حتى لا يبقى على وجه الأرض شرك ،وهذا هو الهدف الأسمى من رسالة الإسلام ،ومن الجهاد في
سبيل الل ّٰه تبارك وتعالى.
يقول أيضاً :ومن هذه النماذج تفسير أحدهم الأكل من الشجرة في قوله تعالى} :وَك ُلا مِنْهَا{ ]البقرة [٣٥:بقوله :إن الأكل هو العلاقة
الزوجية بين آدم وحواء عليهما السلام من وطء وغيره ،فهذا هو المقصود بالأكل من الشجرة! إلى غير ذلك من الأقوال التي قيلت
بدافع من التسرع والعجلة وعدم التحقيق ،وأحيانا ًبدافع التشوف إلى التجديد ،وإنه لمنزلق خطير.
يقول :فلم أشأ أن أنشئ تفسيرا ً جديداً؛ لأن تفاسير القرآن الـكريم كثيرة جدا ً ولل ّٰه الحمد ،وقد أخذ بعضها عن بعض ،بل الذي ينقصنا
هو القراءة الدقيقة الواعية لتلك التفاسير ،والرجوع في فهم النص القرآني إلى مصادره الموثوقة؛ لـكي لا يقول أحد في كتاب الل ّٰه برأيه.
إذاً :هذا هو السبب الأول الذي منع المحقق من تصنيف مصنف مستقل في التفسير.
السبب الثاني :يقول :إن أي تفسير جديد لم يحقق الغاية التي نسعى إليها ألا وهي تبصير المسلمين بكتاب الل ّٰه تعالى ،ومساعدتهم على فهم
آياته ،وتنبيههم إلى ما في هذا التفسير وأمثاله من روايات وأقوال لا يجوز اعتقاد مضمونها؛ لأن التفسير الجديد لن ينتشر بين أيدي
الناس على النحو الذي بلغه تفسير الجلالين ،من حيث الشهرة وثقة الناس فيه.
فمهما ألف معاصر في التفسير فهل سيقبل عليه الناس كإقبالهم على تفسير الجلالين؟ لا ،إذا ً نستثمر شهرة هذا التفسير ،وإقبال الناس
عليه ،بأن نقوم بتصحيحه ،فنستفيد مما فيه ،ونتجنب ما فيه من الأخطاء.
قال كنعان :فلدينا عدد من التفاسير الحديثة لا يعرفها أكثر الناس ،فيكون إصلاح هذا التفسير الواسع الانتشار مع إبقائه على نحو
ما هو عليه الآن بهامش المصحف الشر يف أكثر فائدة وأعم نفعاً ،بل نراه واجبا ًوجوب كفاية ،لذلك قمنا بهذا الواجب بفضل الل ّٰه
تعالى وتوفيقه.
Shamela.org ١٠٨
الفاتحة ١
يعني :القر هو البرد ،ومعنى أقر الل ّٰه عينه يعني :أبرد الل ّٰه دمعته؛ لأن العرب عندهم أن الدموع نوعان :دموع ساخنة.
ودموع باردة.
فما الفرق بينهما؟ دموع الفرح تكون باردة ،ودموع الحزن تكون حارة ساخنة.
يقول هنا :أقر الل ّٰه عينه ،يعني :أبرد الل ّٰه دمعته ،فهذا التعبير مقصود به أن يكون مسروراً ،حتى إنه من شدة سروره يبكي دموعا ًباردة.
وقال الأصمعي :أقر الل ّٰه عينه ،أي :أبرد الل ّٰه دمعته؛ لأن دمعة السرور باردة ،ودمعة الحزن حارة ،وأقر :مشتق من القرور ،والقرور
هو الماء البارد ،وقال غير الأصمعي :معنى أقر الل ّٰه عينك أي :صادفت ما يرضيك فتقر عينك من النظر إليه.
وقال أبو طالب :معنى أقر الل ّٰه عينه ،يعني :أنام الل ّٰه عينه ،والمعنى :صادف سرورا ً أذهب سهره فنام.
وقال عمرو بن كلثوم :بيوم كريهة ضربا ً وطعنا ً أقر به مواليك العيونا يعني :نامت عيونهم لما ظفروا بما أرادوا منه ،هذا معنى :قرة
العينين.
Shamela.org ١٠٩
الفاتحة ١
ميعاد الكليم -أي :في أربعين يوماً ،-وجعلته وسيلة للفوز بجنات النعيم ،وهو في الحقيقة مستفاد من الكتاب المكمل ،وعليه في الآي
المتشابهة الاعتماد والمعول ،رحم الل ّٰه امرأ ً نظر بعين الإنصاف إليه ،ووقف فيه على خطأ فأطلعني عليه ،وقد قلت :حمدت الل ّٰه ربي
إذ هداني لما أديت مع عجزي وضعفي فمن لي بالخطا فأرد عنه ومن لي بالقبول ولو بحرف.
قوله) :فمن لي بالخطأ فأرد عنه( يعني :من يبحث لي عن خطأ فينصحني وأرجع عنه.
قوله) :ومن لي بالقبول ولو بحرف( يعني :من يضمن لي أن يقبل الل ّٰه مني حتى ولو حرفا ًواحدا ً مما كتبت.
ثم قال :هذا لم يكن قط في خلدي أن أتعرض لذلك؛ لعلمي بالعجز عن الخوض في هذه المسالك ،وعسى الل ّٰه أن ينفع به نفعا ً جما ً
-وفعلا ً نفع الل ّٰه به نفعا ً جماً ،-و يفتح به قلوبا ً غلفا ً وأعينا ً عميا ً وآذانا ً صماً ،وكأني بمن اعتاد المطولات وقد أضرب عن هذه التكملة
وأصلها حتما ً -يعني :أن بعض الناس سيعرض عن هذا التفسير؛ لأنه متعود على المطولات ،مثل تفسير ابن جرير والقرطبي وغيرها
من المطولات ،فيصرفه عنه الحجم ،دون أن يلتفت إلى المعاني العظيمة المركزة في هذا التفسير -فعدل إلى صريح العناد ولم يتوجه إلى
دقائقها فهماً ،ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ،رزقنا الل ّٰه به هداية إلى سبيل الحق وتوفيقا ً واطلاعا ً على دقائق كلماته
وتحقيقاً ،وجعلنا به من الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحـين وحسن أولئك رفيقاً.
Shamela.org ١١٠
الفاتحة ١
وحاشية للشيخ سعد الل ّٰه بن غلام القندهاري ،سماها )كشف المحجوبين عن خدي تفسير الجلالين(.
وحاشية للشيخ مصطفى الدومي ،سماها )ضوء النيرين لفهم تفسير الجلالين(.
ثم قال كنعان :وأخيرا ً كتابنا المختصر الذي سميناه )قرة العينين على تفسير الجلالين(.
ثم ذكر في المقدمة كلاما ً مفصلا ً في منهجه وعمله في هذا التحقيق ،وذكر لماذا لم يتوسع ولم يفصل في موضوع التفسير العلمي ،وهو
الاتجاه الحديث من التفسير للقرآن الذي يسمى :التفسير العلمي! وليس معنى هذا أن ما عداه ليس علمياً ،لا ،بل التفسير العلمي بمعنى:
المعاصر للعلوم الحديثة ،كعلوم الطب والتشريح والفضاء وهذه العلوم الطبيعية الحديثة ،وهو محاولة لـكشف وجوه الإعجاز العلمي في
القرآن الـكريم ،وقد طعن القاضي كنعان على هذا المنهج ،وهو منهج ربط القرآن بالاكتشافات العلمية التي هي بعد في مرحلة النظر ية
التي يمكن أن يثبت فشلها إلى غير ذلك من المآخذ.
Shamela.org ١١١
الفاتحة ١
ومم اشتقت كلمة شيطان؟ اشتقت من مادة شطن بمعنى :بَعُد َ ،يقال :شطنت داري من دارك ،يعني :بعدت داري من دارك،
و يقول الشاعر :نأت بسعاد عنك نوىً شطون فبانت والفؤاد بها رهين نوىً :يعني :رحل وسافر ،وشطون يعني :بعيد ،بمعنى أن سعاد
رحلت إلى مكان بعيد.
والرهين :فعيل بمعنى :مفعول ،كما تقول :كف خضيب أي :مخضوب ،ولحية دهين أي :مدهونة ،ورجل لعين أي :ملعون ،وكذلك
الرجيم المقصود به :الملعون المشتوم ،فكل مشتوم بقول رديء أو سب يطلق عليه لفظ المرجوم ،والرجم هو الرمي بقول أو بفعل ،وله
شاهد من القرآن وهو قوله عز وجل} :لئَ ِ ْن ل َ ْم تَنتَه ِ ل َأَ ْرجُمَن ّكَ{ ]مريم [٤٦:يعني :لأرمينك ،وهذا من الرمي بالقول.
وسمي الشيطان رجيما ًلأن الل ّٰه طرده من سماواته ،ورجمه بالشهب والـكواكب.
Shamela.org ١١٢
الفاتحة ١
Shamela.org ١١٣
البقرة ][2 - 1 ٢
Shamela.org ١١٤
البقرة ][2 - 1 ٢
أما أسماؤها فتسمى :البقرة ،وتسمى فسطاط القرآن؛ لعظمها وبهائها وكثرة أحكامها ومواعظها ،تعلمها عمر رضي الل ّٰه تبارك وتعالى عنه
بفقهها وما تحتوي عليه من الإيمان والعلم والعمل في اثنتي عشرة سنة ،أما ابنه عبد الل ّٰه فقد تعلمها في ثمان سنين.
يقول الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الل ّٰه تعالى :سمعت بعض أشياخي يقول :في سورة البقرة ألف أمر ،وألف نهي ،وألف حكم ،وألف
خبر.
Shamela.org ١١٥
البقرة ][2 - 1 ٢
قال الل ّٰه تعالى} :آلم{ ]البقرة ،[١:فسرها الإمام السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى بأصح تفسير وأوجز تفسير ،فقال] :الل ّٰه أعلم بمراده بذلك[.
و يقول القاضي كنعان] :ليس لهذه الأحرف المنزلة في أوائل بعض السور معنى ً مستقل بالفهم بالنسبة إلينا ،بل إنها نزلت متقطعة
وتقرأ كذلك ،فهي سر الل ّٰه تعالى في القرآن كما قال أبو بكر الصديق رضي الل ّٰه تعالى عنه) :نؤمن بها ونقرؤها كما نزلت( ،ولـكن ذلك لا
يمنع منا التماس الحكمة من نزولها هكذا ،فهي تشير إلى الحروف الهجائية العربية التي بها نزلت آيات القرآن تعجيزا ً للعرب؛ لأنهم زعموا
أن محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم يأتي بالقرآن من عنده ،وهم يعلمون أنه أمي لم يتعلم القراءة ولا الكتابة ،فلو كان زعمهم هذا صحيحا ًلكانوا
هم أقدر على الإتيان بمثله ،بل بأحسن منه؛ لأنهم أهل اللغة ،لـكنهم عجزوا وبهتوا مع قيام التحدي إلى الآن ،ولو استطاعوا لفعلوا:
ض َظه ِير ًا{ ]الإسراء ،[[٨٨:فهذا
ن لا ي َأْ تُونَ بِمِثْلِه ِ و َلَو ْ ك َانَ بَعْضُه ُ ْم لِبَعْ ٍ نس و َالْج ُِنّ عَلَى أَ ْن ي َأْ تُوا بِمِث ْ ِ
ل هَذ َا الْقُر ْآ ِ الإ ُ
َت ِ
}قُلْ لئَِنِ اجْ تَمَع ِ
خلاصة الكلام.
وبعض العلماء جمع جميع الحروف المقطعة في أوائل السور ،وحذف المكرر منها ،يعني :جمع )الم( مع )حم( مع )عسق( مع )طه(،
ثم حذف المكرر ثم كون منها جملة ،وهذه الجملة التي ذكرها هي) :نص حكيم قاطع له سر( ،ولـكن هذا في مجال الحجاج العلمي لا يعتبر
دليلا ًعلمياً.
وبعض العلماء يقول :هذه أسماء للسور ،وبعضهم يقول :هي من أسماء الل ّٰه تبارك وتعالى ،لـكن اختيار الإمام السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى
هنا هو أفضل ما يقال) :الل ّٰه أعلم بمراده بذلك( ،لـكن كما ذكرنا بعض العلماء أشار إلى أن هذه إشارة إلى إعجاز القرآن ،واستدلوا بأن
ك الْكِتَابُ لا ر َي ْبَ ف ِيه ِ هُدًى لِل ْم َُت ّق ِينَ{
أغلب سور القرآن التي تبدأ بالحروف المقطعة يليها مباشرة ذكر القرآن الـكريم ،مثل} :الم * ذَل ِ َ
]البقرة ،[٢ - ١:وهكذا.
تفسير قوله تعالى) :ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين( ٢.٣
تفسير قوله تعالى) :ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين(
قال الل ّٰه تعالى) :ذلك الكتاب( يعني :هذا الكتاب وهو القرآن الـكريم ،فيستعمل )ذلك( للإشارة للبعيد ،ويستعمل )هذا( في الإشارة
ك الْكِتَابُ ( ،فأشار إليه بالبعيد؟ السبب أن )ذلك( إلى القريب ،فالقرآن هنا قريب ،فما السبب في أن الل ّٰه سبحانه وتعالى قال) :ذَل ِ َ
تساوي )هذا( ،ومعهود في لغة العرب التقارب بين هذا وذلك ،يعني :أنه يذكر ذلك في موضع هذا وهذا في موضع ذلك ،مثلا ًقوله
ك حُ َ ج ّتُنَا آتَي ْنَاه َا ِإ ب ْر َاه ِيم َ{ ]الأنعام،[٨٣: ك عَالِم ُالْغَي ِ
ْب و َال َش ّه َادَة ِ{ ]السجدة ،[٦:ذلك بمعنى :هذا ،كذلك في قوله} :و َتِل ْ َ تبارك وتعالى} :ذَل ِ َ
الل ّه ِ نَت ْلُوه َا عَلَي ْ َ
ك ب ِالْحَقّ ِ{ ]البقرة [٢٥٢:بمعنى :هذه؛ لأنها قريبة. ك آي َاتُ َ
)تلك( بمعنى :هذه ،كذلك قوله} :تِل ْ َ
كذلك العكس يستعمل هذا مكان ذلك كقول النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في تنبئه في ركوب بعض الصحابة البحر المجاهدين
في سبيل الل ّٰه) :يركبون ثبج هذا البحر( والمقصود :ذلك البحر ،فهنا استعمل )هذا( مكان )ذلك(.
ك الْكِتَابُ { ]البقرة [٢:يعني :هذا الكتاب.
إذاً :قوله تعالى} :ذَل ِ َ
ومن قال) :ذلك( إشارة للبعيد على الأصل قالوا :هذه إشارة إلى بعد درجته وعلو منزلته في الهداية والشرف.
Shamela.org ١١٦
البقرة ][2 - 1 ٢
وقوله} :و َأَ َمّا ثَمُود ُ فَهَدَي ْنَاه ُ ْم فَاسْ تَح َُب ّوا الْعَم َى عَلَى ال ْهُد َى{ ]فصلت) ،[١٧:هديناهم( بمعنى :بينا وأوضحنا وأرشدنا.
ل قَو ْ ٍم ه َادٍ{ ]الرعد [٧:يعني :يبېن ويرشد و يوضح و يفهم و يجادل عن الحق ،فمعنى هذا
كذلك قوله تبارك وتعالى في سورة الرعد} :و َلِك ُ ّ ِ
النوع من الهدى :هداية الضال باعتبار أنه ُأرشد إلى الحق ،سواء ً حصل له الاهتداء أم لم يحصل.
النوع الآخر من الهدى :هداية التوفيق والتسديد ،وهو خلق الل ّٰه تبارك وتعالى الاهتداء في قلب العبد ،فالإنسان قد يرى الحق ثم لا
Shamela.org ١١٧
البقرة ][20 - 8 ٣
يوفقه الل ّٰه سبحانه لاتباعه كاليهود والنصارى الذين عرفوا الرسول عليه الصلاة والسلام كما يعرفون أبناءهم ،و يعرفون أنه رسول من
عند الل ّٰه ،كما كان يعرف أبو طالب أنه رسول من عند الل ّٰه ،وكما كان يعرف فرعون أن موسى رسول من عند الل ّٰه قطعا ًبلا شك في
هذا ،لـكن هؤلاء جحدوا واستكبروا وعاندوا.
ففرعون هداه موسى من حيث البيان والإرشاد والتوضيح ،لـكن هل وفقه الل ّٰه باتباع الحق؟! هل غرس في قلبه إرادة ذلك الحق
وسدده وصوبه؟! لا ،فهذه الهداية فضل من الل ّٰه سبحانه وتعالى يختص بها عباده الصالحـين.
الل ّه ُ
ن هَد َى َ ك ال َ ّذ ِي َإذاً :النوع الآخر من الهدى :هو خلق الل ّٰه سبحانه وتعالى الاهتداء في قلب العبد ،يقول تبارك وتعالىُ } :أوْلَئ ِ َ
ل{ الل ّه ُ فَمَا لَه ُ م ِنْ م ُضِ ّ ٍ فَبِهُد َاهُم ُ اق ْتَدِه ِ{ ]الأنعام ،[٩٠:وقال تعالى}ِ :إ َن ّ َ
ك لا تَهْدِي م َنْ أَ حْ بَب ْتَ { ]القصص ،[٥٦:وقال تعالى} :وَم َنْ يَهْدِ َ
]الزمر.[٣٧:
قوله تعالى} :هُدًى لِل ْم َُت ّق ِينَ{ ]البقرة [٢:فيه اختصاص للمؤمنين بالهداية الخاصة التي هي البيان والإرشاد والتوفيق والتسديد ،وخلق
حب الحق والانقياد إليه في قلب هذا العبد ،وهذا محض فضل من الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وما مفهوم المخالفة لهذه الآية؟ مفهوم المخالفة
أن هذا القرآن ليس هدىً لغير المتقين ،وإنما هو هدىً للمتقين ،فغير المتقين ليس هذا القرآن هدىً لهم ،وهناك آيات في القرآن الـكريم
جعَل ْنَاه ُ قُر ْآن ًا أَ عْجَم ًِي ّا لَق َالُوا لَو ْلا ف ُِّصل َ ْ
ت تؤكد هذا المعنى الذي استنبطناه من مفهوم قوله} :هُدًى لِل ْم َُت ّق ِينَ{ ]البقرة ،[٢:كقوله تعالى} :و َلَو ْ َ
ن بَع ِيدٍ{ ن لا يُؤْم ِن ُونَ فِي آذ َانِه ِ ْم و َق ْر ٌ و َه ُو َ عَلَيْه ِ ْم ع َم ًى ُأوْلَئ ِ َ
ك يُنَاد َ ْونَ م ِنْ مَك َا ٍ شف َاء ٌ و َال َ ّذ ِي َ يٌ وَع َرَ بِيّ ٌ قُلْ ه ُو َ ل َِل ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا هُدًى و َ ِ آي َاتُه ُ أَ أَ عْجَمِ ّ
]فصلت.[٤٤:
ظالِمِينَ ِإ َلّا َ
خسَار ًا{ ]الإسراء.[٨٢: شف َاء ٌ وَرَحْم َة ٌ لِل ْمُؤْم ِنِينَ و َلا يَز ِيد ُ ال َ ّ
ن م َا ه ُو َ ِ
ن الْقُر ْآ ِ
ل مِ َ
وقال تعالى} :و َنُنَز ِّ ُ
و يقول تبارك وتعالى أيضاً}ِ :إ َن ّمَا أَ ن ْتَ م ُنذِر ُ م َنْ َ
يخْشَاه َا{ ]النازعات ،[٤٥:فهل الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم أنذر من يخشى الساعة
فقط أم أنذر جميع الناس؟ أنذر جميع الناس ،لـكن لما كان الذين ينتفعون بإنذاره هم المؤمنون المتقون ،عبر بذلك في قوله تعالى}ِ :إ َن ّمَا
ْب{ ]يس ،[١١:مع أنه كان نذيرا ً
ن ب ِالْغَي ِ خشِيَ َ
الر ّحْم َ َ ن ا َت ّب َ َع الذِّك ْر َ و َ َ
يخْشَاه َا{ ]النازعات ،[٤٥:وبقوله تعالى}ِ :إ َن ّمَا تُنذِر ُ م َ ِ
أَ ن ْتَ م ُنذِر ُ م َنْ َ
للعالمين صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
ض ف َزَادَتْه ُ ْم رِجْ سًا ِإلَى رِجْ سِه ِ ْم وَم َاتُوا و َه ُ ْم ك َاف ِر ُونَ{ ]التوبة.[١٢٥ - ١٢٤: * و َأَ َمّا ال َ ّذ ِي َ
ن فِي قُلُو بِه ِ ْم م َرَ ٌ
كفْرًا{ ]المائدة ،[٦٤:فهؤلاء الـكفار كلما ازداد نزول القرآن
طغْيَان ًا و َ ُ
ك ُ
ك م ِنْ ر َب ِّ َ ن كَث ِير ًا مِنْه ُ ْم م َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَي ْ َ و يقول تعالى} :و َلَيَز ِيد َ َ ّ
ازدادوا طغيانا ًوكفراً ،فليس هو -بهذا المعنى -هداية لهؤلاء ،إنما هو هداية فقط للمتقين.
والهداية هنا ليست بالمعنى الأول للهداية وإنما هي هداية خلق إرادة الحق والتوفيق إليه وتسديده ،فالقرآن في نفسه هدى لـكن لا يناله
إلا الأبرار كالدواء الموضوع في الصيدلية ،بعض الناس يأخذه وينتفع به والبعض الآخر يعرض عنه ،وبالتالي لا يكون سببا ًفي شفائه،
ويتضاعف مرضه ،فهل إعراض هؤلاء عن التداوي بالدواء يقدح في أنه دواء وشفاء؟ لا يقدح ،لـكن الذي يتعاطاه هو الذي ينتفع
اس ق َ ْد ج َاءَتْك ُ ْم مَوْعِظَة ٌ به ،فلذلك القرآن هو هدى حتى للـكفار ،لـكن لا يناله ولا ينتفع به إلا الأبرار ،يقول تبارك وتعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الن ّ ُ
شف َاء لم َِا فِي ُ
الصّ د ُورِ و َهُدًى وَرَحْم َة ٌ لِل ْمُؤْم ِنِينَ{ ]يونس.[٥٧: م ِنْ ر َبِّك ُ ْم و َ ِ ٌ
}هُدًى لِل ْم َُت ّق ِينَ{ ]البقرة ،[٢:والمتقون هم الصائرون إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي؛ لاتقائهم بذلك النار.
Shamela.org ١١٨
البقرة ][20 - 8 ٣
تفسير قوله تعالى) :ومن الناس من يقول آمنا بالل ّٰه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين( ٣.١
تفسير قوله تعالى) :ومن الناس من يقول آمنا بالل ّٰه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين(
ل آم ََن ّا ب َِالل ّه ِ و َب ِال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ وَم َا ه ُ ْم بِمُؤْم ِنِينَ{ ]البقرة.[٨: س م َنْ يَق ُو ُ ن َ
الن ّا ِ يقول الل ّٰه تبارك وتعالى} :وَم ِ َ
الناس هنا المقصود بهم المنافقون ،وكلمة الناس أصلها :أناس ،لـكن حذفت الهمزة تخفيفاً ،وإذا دخلت )أل( على كلمة أناس فإنه
يلزم أن تحذف هذه الهمزة ،فلا يقال :الأناس ،ولـكن يقال :الناس ،فحذف الهمزة مع لام التعر يف كاللازم.
وسموا ناسا ًلظهورهم ،ولأنهم من المخلوقات التي يؤنس بها؛ بعكس الجن ،فإنهم سموا جنا ًلاجتنانهم واختفائهم ،ومادة )جن( تأتي في
كل ما خفي ،يقول عز وجل} :فَلَم ّا ج ََنّ عَلَيْه ِ َ
الل ّيْلُ{ ]الأنعام ،[٧٦:والجنين في بطن أمه مستتر ،والمجنون هو من غاب عقله واستتر؛
والجنة غائبة عنا لا ترى الآن.
إذا ً الجن سموا بالجن لاجتنانهم ،والإنس سموا إنساً؛ لأنهم يؤنسون ويشاهدون.
وقيل :سموا إنسا ًمن ال ُأنس ،وهو ضد الوحشة ،والقول الأول أولى.
ل آم ََن ّا ب َِالل ّه ِ و َب ِال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ(( يعني :يوم القيامة؛ لأنه آخر الأيام. س م َنْ يَق ُو ُ ن َ
الن ّا ِ قوله تعالى)) :وَم ِ َ
قوله)) :وَم َا ه ُ ْم بِمُؤْم ِنِينَ(( جمع المؤمنين مراعاة لمعنى كلمة )م َنْ ( في قوله) :ومن الناس من يقول( وأفرد الفعل )يقول( مراعاة للفظ
)من(.
تفسير قوله تعالى) :يخادعون الل ّٰه والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون( ٣.٢
تفسير قوله تعالى) :يخادعون الل ّٰه والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون(
يخْدَع ُونَ ِإ َلّا أَ نف ُسَه ُ ْم وَم َا يَشْع ُر ُونَ{ ]البقرة.[٩: الل ّه َ و َال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا وَم َا َ قال الل ّٰه تعالى} :يُخَادِع ُونَ َ
)المخادعة( بوزن المفاعلة ،وهي استعمال الخدع من الجانبېن ،وهذه المخادعة هي إظهار الخـير واستبطان الشر.
الل ّهَ{
ل فَق َ ْد أَ طَاعَ َ
الر ّسُو َ ومخادعة المنافقين للٰه سبحانه وتعالى هي مخادعة رسوله صلى اللٰه عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله تعالى} :م َنْ يُط ِ
ِـع َ ّ ّ
]النساء.[٨٠:
وهذه المخادعة تتمثل في أنهم يظهرون الإيمان والمحبة ،ويبطنون الـكفر والعداوة ،من أجل إجراء أحكام الإسلام عليهم ،وحقن دمائهم
وتحصين أموالهم وغير ذلك ،لـكن عاقبتهم وخيمة ،فقد فضحهم الل ّٰه في الدنيا بالوحي؛ وفي الآخرة يكونون في الدرك الأسفل من النار.
والفرق بين خداع المنافقين وبين خداع الل ّٰه سبحانه وتعالى والمؤمنين لهم أن خداع المنافقين لا ينجح ولا يكون له مفعول ولا أثر إلا
على أنفسهم ،فيعود وبال هذا الخداع على أنفسهم بإهلاكها وإشقائها ،أما خداع الل ّٰه سبحانه وتعالى فإنه يؤثر فيهم أبلغ التأثير ،كما قال
الل ّه ُ و ََالل ّه ُ خَي ْر ُ ال ْمَاكِر ِينَ{ ]آل عمران.[٥٤:
تبارك وتعالى} :وَم َك َر ُوا وَم َك َر َ َ
الل ّه َ و َال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا{ ]البقرة [٩:بإظهار خلاف ما أبطنوه من الـكفر؛ ليدفعوا عنهم يقول الإمام السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى} :يُخَادِع ُونَ َ
أحكامه الدنيو ية.
فالمنافقون يظهرون الإسلام ليدفعوا أحكام الـكفر عنهم ،كالقتل والأسر وضرب الجز ية عليهم.
يخْدَع ُونَ ِإ َلّا أَ نف ُسَهُمْ(( وفي القراءة الأخرى) :وما يخادعون إلا أَ نْف ُسَهُمْ( يقول السيوطي :لأن وبال خداعهم راجع
قوله)) :وَم َا َ
إليهم ،فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الل ّٰه نبيه على ما أبطنوه ،و يعاقبون في الآخرة.
قوله) :وما يشعرون( يعني :وما يعلمون خداعهم لأنفسهم ،والمخادعة هنا من واحد.
Shamela.org ١١٩
البقرة ][20 - 8 ٣
فالإمام السيوطي يرجح أن المخادعة هنا ليست مفاعلة تقتضي خداعا ً من الجانبېن ،وإنما هي من جانب واحد كقولك :عاقبت اللص،
فهل المعاقبة هنا من الطرفين؟ لا ،فهذه الصيغة تقتضي وقوع المعاقبة من طرف واحد.
ثم يقول :وذكر الل ّٰه فيها تحسين ،وفي قراءة) :وما يخادعون(.
وهنا قاعدة لا بد أن نستصحبها :فحينما يعبر الإمامان الجلالان عن القراءة ،فإذا قال أحدهما) :في قراءة( ،فهذه العبارة يشير بها كل
من الجلالين إلى أن القراءة سبعية أو من القراءات العشر ،أما القراءة الشاذة ،فيوهنان الإشارة إليها بقولهما) :ق ُرئ( بصيغة المجهول.
فتكون إشارة إلى أن هذه قراءة شاذة؛ ولذلك أضاف القاضي كنعان في هذه الطبعة بعد كلمة )قرئ( كلمة :شذوذاً؛ حتى لا ينسى
القارئ هذا المعنى.
تفسير قوله تعالى) :في قلوبهم مرض فزادهم الل ّٰه مرضا( ٣.٣
تفسير قوله تعالى) :في قلوبهم مرض فزادهم الل ّٰه مرضاً(
َاب أَ ل ِيم ٌ بِمَا ك َانُوا يَكْذِبُونَ{ ]البقرة.[١٠:
الل ّه ُ م َرَضًا و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
ض ف َزَاد َهُم ُ َ
يقول تبارك وتعالى} :فِي قُلُو بِه ِ ْم م َرَ ٌ
المرض هو :السقم ،وسبب هذا المرض ضعف يقينهم وضعف دينهم ،وكما توصف قلوب المنافقين بالمرض والسقم ،توصف قلوب
ْب سَل ٍِيم{ ]الشعراء.[٨٩ - ٨٨: ل و َلا بَن ُونَ * ِإ َلّا م َنْ أَ تَى َ
الل ّه َ بِق َل ٍ المؤمنين بالسلامة ،كما قال تبارك وتعالى} :يَوْم َ لا يَنْف َ ُع م َا ٌ
ك لا ِإلَى
أو المقصود من قوله) :في قلوبهم مرض( مرض الشك ومرض التردد؛ لأن المنافق متردد ،كما قال تعالى} :مُذ َبْذ َبِينَ بَيْنَ ذَل ِ َ
ه َؤ ُلاء ِ و َلا ِإلَى ه َؤ ُلاءِ{ ]النساء ،[١٤٣:وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام واصفا ًالمنافقين) :مثل المنافق كمثل الشاة العائرة
بين الغنمين :تَع ِير إلى هذا مرة ،وإلى هذا مرة( ،والعائرة هي :المترددة.
فالمرض هنا المراد به التردد ،فهم لا يعرفون اليقين ولا الجزم ،فمرض قلوبهم هو :التردد والشك؛ لأن سمة المنافق التردد؛ ولأن المر يض
متردد بين الحياة والموت.
الل ّه ُ م َرَضًا(( يعني :فزادهم مرضا ًآخر من حقد وحسد وغل بإعلاء كلمة دينه ونصرة رسوله والمؤمنين ،فبالتالي ازداد
قوله)) :ف َزَاد َهُم ُ َ
المرض الذي في قلوبهم.
Shamela.org ١٢٠
البقرة ][20 - 8 ٣
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون( ٣.٤
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون(
ن م ُصْ لِحُونَ{ ]البقرة ،[١١:هذه بداية نهيهم عن المنكر ،ثم ثنى ض قَالُوا ِإ َن ّمَا َ
نح ْ ُ سد ُوا فِي الأَ ْر ِ
ل لَه ُ ْم لا ت ُ ْف ِ
قال تبارك وتعالى} :و َِإذ َا ق ِي َ
سد ُوا فِي الأَ ْرضِ(( فهذا نهي عن المنكر،
ل لَه ُ ْم لا ت ُ ْف ِ
بعد ذلك بأمرهم بالمعروف؛ كي تتم النصيحة ،ففي هذه الآية قال)) :و َِإذ َا ق ِي َ
اس{ ]البقرة [١٣:وهذا أمر بالمعروف. ن َ
الن ّ ُ ل لَه ُ ْم آم ِن ُوا كَمَا آم َ َ
وفي الآية الثانية قال} :و َِإذ َا ق ِي َ
سد ُوا فِي الأَ ْرضِ((
ل لَه ُ ْم لا ت ُ ْف ِ
وهنا شَرَعَ تبارك وتعالى في تعديد بعض مساوئهم المتفرعة والنابعة عن نفاقهم وكفرهم ،فقال)) :و َِإذ َا ق ِي َ
ك الْحَر ْثَ
سد َ ف ِيهَا و َيُه ْل ِ َ
ض لِي ُ ْف ِ والفساد في الأرض مثل :تهييج الحروب وإثارة الفتن ،كما قال عز وجل} :و َِإذ َا تَو َلَ ّى َ
سع َى فِي الأَ ْر ِ
يح ُ ّ
ِب الْفَسَاد َ{ ]البقرة [٢٠٥:ومعنى إفساد المنافقين في الأرض :أنهم يمالئون الـكفار على المسلمين ،و يفشون أسرار ل و ََالل ّه ُ لا ُ
س َو ََالن ّ ْ
المسلمين للـكفار ،و يغرون الـكفار بقتال المسلمين ،و يجرئونهم على نصب الحرب للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم والمؤمنين؛ لطمعهم في الغلبة
عليهم.
سد ُوا فِي الأَ ْرضِ(( يعني :بما تفعلونه من تهييج الحروب وتأليب الكافرين على المؤمنين.
ل لَه ُ ْم لا ت ُ ْف ِ
قوله)) :و َِإذ َا ق ِي َ
ن م ُصْ لِحُونَ(( يعني :هم تصوروا إفسادهم في صورة الإصلاح؛ لأن في قلوبهم مرضاً. ))قَالُوا ِإ َن ّمَا َ
نح ْ ُ
وإذا مرض قلب الإنسان تنقلب عنده القيم وتنعكس عنده المواز يين ،مثل المنافقين رأوا فسادهم إصلاحاً ،وزين لهم هذا الإفساد
حسَنًا{ ]فاطر [٨:فهذا تز يين ،وكما قال
ن لَه ُ سُوء ُ ع َمَلِه ِ ف َرَآه ُ َ
ن م ُصْ لِحُونَ(( كقوله تعالى} :أَ فَم َنْ ز ُي ِ ّ َ فحسبوه إصلاحاً)) ،قَالُوا ِإ َن ّمَا َ
نح ْ ُ
صنْع ًا{ ]الـكهف.[١٠٤: يحْسَب ُونَ أَ َ ّنه ُ ْم ُ
يحْسِن ُونَ ُ تبارك وتعالى} :و َه ُ ْم َ
Shamela.org ١٢١
البقرة ][20 - 8 ٣
ن م ُصْ لِحُونَ(( يعني :بين المؤمنين وأهل الكتاب ،وقوله تعالى عنهم}ِ :إ ْن أَ رَدْن َا ِإ َلّا ِإحْ سَان ًا و َتَو ْف ِيق ًا{ ))إ َن ّمَا َ
نح ْ ُ قال بعض المفسرين :قولهِ :
]النساء [٦٢:أي :نحن مصلحون بين المؤمنين وبين أهل الكتاب ،فنحن نداري الفر يقين ونريد الإصلاح بينهما.
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس( ٣.٦
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس(
سفَه َاء ُ أَ لا ِإ َ ّنه ُ ْم هُم ُ ال ُ ّ
سفَه َاء ُ و َلـَكِنْ لا يَعْلَم ُونَ{ ]البقرة[١٣: ن ال ُ ّ
ن كَمَا آم َ َ
اس قَالُوا أَ نُؤْم ِ ُ ن َ
الن ّ ُ ل لَه ُ ْم آم ِن ُوا كَمَا آم َ َ
يقول تبارك وتعالى} :و َِإذ َا ق ِي َ
سد ُوا فِي الأَ ْرضِ(( ]البقرة.[١١:
ل لَه ُ ْم آم ِن ُوا(( يعني :هذا أمر بالمعروف بعد نهيهم عن المنكر في قوله)) :لا ت ُ ْف ِ
قوله)) :و َِإذ َا ق ِي َ
قوله) :كما آمن الناس( يعني :كما آمن الناس الـكم ّل وهم المؤمنون؛ لأن المؤمنين هم الناس في الحقيقة ،فالمقصود بالناس هنا هم
المؤمنون.
قوله)) :قَالُوا أَ نُؤْمِنُ(( هذا استفهام فيه معنى الإنكار ،أي :هم يستنكرون على من يأمرهم بذلك ،و يقولون) :أنؤمن كما آمن السفهاء(
فسموا المؤمنين الـكم ّل سفهاء! والسفه :هو خفة وسخافة في الرأي يورثهما قصور العقل ،وقلة المعرفة بمواضع المصالح والمضار ،وقد
وصف الل ّٰه تبارك وتعالى النساء والصبيان )بالسفهاء( بهذا الاعتبار؛ لعدم إحسانهم تقدير عواقب الأمور وميزانها بالميزان الصحيح
الل ّه ُ لـَك ُ ْم ق ِيَام ًا{ ]النساء.[٥:
ل َ جع َ َ حيث قال عز وجل} :و َلا تُؤ ْتُوا ال ُ ّ
سفَه َاء َ أَ مْوَالـَكُم ُ َال ّتِي َ
إذاً :هؤلاء المنافقون كانوا في يسار وسعة عيش ،وكانوا في ر ياسة وجاه ،وكان أكثر المؤمنين فقراء ،منهم الموالي :كـ صهيب وبلال
وخباب رضي الل ّٰه تعالى عنهم أجمعين فدعوهم سفهاء؛ تحقيرا ً لشأن هؤلاء الصحابة؛ لأنهم ضعفاء ،وقد ذكر أبو سفيان لـ هرقل حينما
سأله) :أضعفاء الناس اتبعوه أم وجهاؤهم وأشرافهم؟ فقال :بل ضعفاؤهم اتبعوه ،فقال :كذلك أتباع الأنبياء(.
اس(( أي :الصحابة أو المؤمنون. ن َ
الن ّ ُ ل لَه ُ ْم آم ِن ُوا كَمَا آم َ َ
الشاهد هنا أن قوله)) :و َِإذ َا ق ِي َ
ن ال ُ ّ
سفَه َاءُ(( يعني :الفقراء الضعفاء كـ صهيب وبلال وخباب وغيرهم ،نحن لا نفعل كفعلهم ،فقال الل ّٰه ن كَمَا آم َ َ
قوله)) :قَالُوا أَ نُؤْم ِ ُ
Shamela.org ١٢٢
البقرة ][20 - 8 ٣
تبارك وتعالى ردا ً عليهم وذبا ً عن هؤلاء المؤمنين)) :أَ لا ِإ َ ّنه ُ ْم هُم ُ ال ُ ّ
سفَه َاء ُ و َلـَكِنْ لا يَعْلَم ُونَ(( يعني :لا يعلمون ذلك ،فكأن السفاهة
كلها منحصرة فيهم هم ،لا في غيرهم ،ولا تخرج عنهم.
تفسير قوله تعالى) :وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا( ٣.٧
تفسير قوله تعالى) :وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا(
ستَهْزِئُونَ{ ]البقرة.[١٤:
ن مُ ْ ن آم َن ُوا قَالُوا آم ََن ّا و َِإذ َا خ َلَو ْا ِإلَى شَيَاطِينِه ِ ْم قَالُوا ِإ َن ّا مَعَك ُ ْم ِإ َن ّمَا َ
نح ْ ُ يقول تبارك وتعالى} :و َِإذ َا لَق ُوا ال َ ّذ ِي َ
)لقوا( أصلها لقيوا ،فحذفت الضمة للاستثقال ،ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع الواو ،ثم ضمت القاف للمناسبة ،فأصلها لقي فصارت
لقوا.
ن آم َن ُوا قَالُوا آم ََن ّا(( يعني :أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة نفاقا ًومصانعة وت َ َ
قي ّة ،وليشركوهم فيما أصابوه قوله)) :و َِإذ َا لَق ُوا ال َ ّذ ِي َ
من الخـير ومن المغنم.
ستَهْزِئُونَ((
ن مُ ْ قوله)) :و َِإذ َا خ َلَو ْا ِإلَى شَيَاطِينِهِمْ(( يعني :إذا خلوا منهم ورجعوا إلى شياطينهم وجلسائهم)) :قَالُوا ِإ َن ّا مَعَك ُ ْم ِإ َن ّمَا َ
نح ْ ُ
يقال :خلوت بفلان أو خلوت إلى فلان ،يعني :انفردت معه ،وخلا تكون بمعنى مضى في تفسير آخر ،ومنه قولنا :القرون الخالية،
يعني :السالفة والماضية.
قوله)) :و َِإذ َا خ َلَو ْا ِإلَى شَيَاطِينِهِمْ(( يعني :إلى أصحابهم أولي التمرد والعناد ،والشيطان يكون من الإنس و يكون من الجن ،والدليل قوله
تفسير قوله تعالى) :الل ّٰه يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون( ٣.٨
تفسير قوله تعالى) :الل ّٰه يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون(
}الل ّه ُ ي َ ْستَهْزِئ ُ بِه ِ ْم و َيَم ُ ّده ُ ْم فِي ُ
طغْيَانِه ِ ْم يَعْمَه ُونَ{ ]البقرة.[١٥: يقول عز وجلَ :
)الل ّه ُ ي َ ْستَهْزِئ ُ بِهِمْ( يعني :الل ّٰه سبحانه وتعالى يسخر بهم.
َ
قوله} :و َيَم ُ ّدهُمْ{ يعني :يزيدهم على وجه الإملاء والاستدراج والترك لهم في عتوهم وتمردهم ،كما قال تعالى} :و َنُق َل ِّبُ أَ ف ْئِدَتَه ُ ْم و َأَ بْصَار َه ُ ْم
طغْيَانِه ِ ْم يَعْمَه ُونَ{ ]الأنعام.[١١٠: كَمَا ل َ ْم يُؤْم ِن ُوا بِه ِ أَ َ ّو َ
ل م َ َّرة ٍ و َنَذَر ُه ُ ْم فِي ُ
والطغيان هو :مجاوزة الحد ،والشاهد من القرآن قوله تعالى}ِ :إ َن ّا ل َم ّا َطغ َى ال ْمَاء ُ حَمَل ْنَاك ُ ْم فِي الْجا َرِ يَة ِ{ ]الحاقة [١١:ومنه أيضا ً كلمة
الطاغوت.
}الل ّه ُ ي َ ْستَهْزِئ ُ بِهِمْ{ ذكر الل ّٰه سبحانه أنه يستهزئ بهم ،لـكن لم يبېن هنا تفاصيل هذا الاستهزاء ،وقد بينه في سورة الحديد في قوله قولهَ :
Shamela.org ١٢٣
البقرة ][20 - 8 ٣
ن
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ خ َالِد ِي َ
تجْرِي م ِنْ َ ات ي َ ْسع َى نُور ُه ُ ْم بَيْنَ أَ يْدِيه ِ ْم و َب ِأَ يْمَانِه ِ ْم بُشْر َاكُم ُ ال ْيَوْم َ ج ََن ّ ٌ
ات َ تبارك وتعالى} :يَوْم َ ت َر َى ال ْمُؤْم ِنِينَ و َال ْمُؤْم ِن َ ِ
ل ا ْرجِع ُوا وَر َاءَك ُ ْم فَالْتم َِس ُوا نُور ًا
ن آم َن ُوا انْظ ُر ُون َا نَقْتَب ِْس م ِنْ نُورِك ُ ْم ق ِي َ
ل ال ْمُنَافِق ُونَ و َال ْمُنَافِق َاتُ ل َِل ّذ ِي َ
ك ه ُو َ الْفَوْز ُ الْعَظ ِيم ُ * يَوْم َ يَق ُو ُ
ف ِيهَا ذَل ِ َ
الر ّحْم َة ُ وَظَاه ِرُه ُ م ِنْ ق ِبَلِه ِ الْعَذ َابُ { ]الحديد [١٣ - ١٢:فهذا هو استهزاء الل ّٰه تبارك وتعالى بهم َاب ب َاطِن ُه ُ ف ِيه ِ َ
ف َضُر ِبَ بَيْنَه ُ ْم بِس ُو ٍر لَه ُ ب ٌ
جزاء وفاقاً ،والجزاء من جنس العمل.
قوله} :و َيَم ُ ّده ُ ْم فِي ُ
طغْيَانِه ِ ْم يَعْمَه ُونَ{ العمه بالهاء مثل العمى؛ لـكن الفرق أن العمى عام في البصر وفي الرأي ،أي :العمى في البصيرة
وفي البصر ،أما العمه فهو خاص بالرأي ،وهو التحير والتردد لا يدري أين يتوجه؛ ولذلك يقول} :و َيَم ُ ّده ُ ْم فِي ُ
طغْيَانِه ِ ْم يَعْمَه ُونَ{ أي:
يزيدهم حيرة وترددا ً وضلالاً.
قوله) :في طغيانهم( فيه إشارة إلى أن هذا الطغيان غمرهم دنس ُه وعلاهم رجس ُه ،حتى غرقوا في هذا الطغيان ،فهم يترددون حيارى
ضلالا ًلا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً ،حيثما يمموا لا يرون إلا هذا الضلال ،وهذا التردد ،وهذا الطغيان!
Shamela.org ١٢٤
البقرة ][20 - 8 ٣
وقال بعض المفسرين :ليس المقصود بقوله)) :وَم َا ك َانُوا مُه ْتَدِينَ(( الهداية الدينية فقط ،فلما وصفوا بالخسارة في هذه التجارة أشير إلى
عدم اهتدائهم إلى طرق التجارة الصحيحة؛ لأنهم ليسوا خبراء بالتجارة ،وهي :تحصيل أقصى قدر من الربح فضلا ً عن ثبات رأس
المال ،فشأن التجار البصراء بالأمور الحرص على أعظم ربح ممكن ،أما إذا أتى رجل يدعي أنه تاجر ثم إذا به يضيع الربح من أصله ثم
يفقد أيضا ًرأس المال فبلا شك أن هذا دليل على أنه غير عالم بأساليب التجارة الرابحة ،وليس مثل التجار البصراء الذين عندهم بصيرة
وعلم وخبرة بهذا العلم.
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :الل ّٰه يستهزئ بهم( والآية التي بعدها ٣.١٠
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :الل ّٰه يستهزئ بهم( والآية التي بعدها
)الل ّه ُ ي َ ْستَهْزِئ ُ بِهِمْ( أي :يجازيهم باستهزائهم.
يقول الإمام السيوطي رحمه الل ّٰه تبارك وتعالىَ :
)و َيَم ُ ّدهُمْ( أي :يمهلهم.
طغْيَانِهِمْ( بتجاوزهم الحد في الـكفر.
)فِي ُ
)يَعْمَه ُونَ( يترددون تحـيراً ،والجملة في محل نصب حال.
ن اشْ تَرَو ُا َ
الضّ لالَة َ ب ِال ْهُد َى( أي :استبدلوها به. وقولهُ ) :أوْلَئ ِ َ
ك ال َ ّذ ِي َ
)فَمَا ر َبِ ح َْت تِ جَارَتُهُمْ( أي :ما ر بحوا فيها؛ بل خسروا لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم.
)وَم َا ك َانُوا مُه ْتَدِينَ( أي :فيما فعلوا.
Shamela.org ١٢٥
البقرة ][20 - 8 ٣
ل فَتَف ََر ّقَ ن هَذ َا صِر َاطِي مُسْتَق ِيم ًا فَا َت ّبِع ُوه ُ و َلا ٺَت ّب ِع ُوا ال ُ ّ
سب ُ َ وقال :هذه سبل على رأس كل منها شيطان يدعو إليه ،ثم تلا قوله تعالى} :و َأَ َ ّ
بِك ُ ْم ع َنْ سَب ِيلِه ِ{ ]الأنعام.([١٥٣:
ات لا يُبْصِر ُونَ(( يعني :لا يبصرون ما حولهم فهم متحيرون عن الطر يق خائفون؛ فكذلك ارتباط المثل بصفة
كه ُ ْم فِي ظُلُم َ ٍ
قوله)) :و َت َر َ َ
المنافقين الذين آمنوا بإظهار كلمة الإيمان ،فاستمتعوا بها واستفادوا منها بحفظ أموالهم ودمائهم ،وجر يان أحكام الإسلام عليهم ،فإذا
كن ّون في صدورهم لا على ما ماتوا جاءهم الخوف والعذاب ،وأذهب الل ّٰه عنهم هذا النور عند الموت؛ بحيث يجازون على ما كانوا ي ُ ُ
كانوا يظهرون بين الناس.
والمنافق ينتفع في الدنيا بهذا النور الذي هو كلمة لا إله إلا الل ّٰه ،وبإظهارهم الإيمان والتوحيد ومحبة المؤمنين)) ،فَلَم ّا أَ ضَاء َ ْ
ت م َا
حو ْلَه ُ(( انتهت فترة استفادته من هذا الإظهار بالموت ،انطفأ نوره ،ولم يعد ينتفع بهذا النور ،فهذا حاله بعد الموت! فالحاصل أنهم َ
انتفعوا بكلمة :لا إله إلا الل ّٰه مدة حياتهم القليلة ،ثم قطع الل ّٰه هذا الانتفاع عنهم بالموت ،فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب.
م ٌ ب ُ ْكمٌ عُم ْ ٌ
ي فَه ُ ْم لا يَرْجِع ُونَ{ ]البقرة.[١٨: يقول تبارك وتعالى} :ص ُ ّ
)صم( يعني :هم صم عن الحق ،فلا يسمعونه سماع قبول.
قوله) :بكم( أي :خرس عن الخـير فلا يقولونه.
قوله) :عمي( أي :عن طر يق الهدى فلا يرونه.
Shamela.org ١٢٦
البقرة ][20 - 8 ٣
Shamela.org ١٢٧
البقرة ][20 - 8 ٣
دينهم؛ لأنهم يخافون إذا سمعوا هذا الوحي الذي فيه تنفير ٌ عن الـكفر وترغيب في الإيمان أن تميل قلوبهم؛ ولذلك يضعون أصابعهم في
آذانهم من هذه الصواعق؛ حذر الموت الذي هو التحول مما هم عليه إلى الإسلام ،كأن هذا التحول عندهم موت ،فبالتالي يسدون
منافذ الهدى؛ كي لا يصل الوحي إلى أسماعهم.
ِيط ب ِالْك َافِرِينَ(( يعني :محيط بهم علما ًوقدرة ،فلا يفوتونه ولا يعجزونه ،وهنا أظهر الل ّٰه سبحانه وتعالى ما كان يمكن أن
مح ٌقوله)) :و ََالل ّه ُ ُ
يضمر؛ لأن السياق يقتضي أن يقول :يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والل ّٰه محيط بهم ،فإظهار كلمة الكافرين في
قوله) :والل ّٰه محيط بالكافرين( لبيان أن ما دهمهم من البلاء وحل بهم كان بسبب كفرهم ،كقوله تعالى} :أَ صَاب َْت حَرْثَ قَو ْ ٍم ظَلَم ُوا
أَ نْف ُسَه ُ ْم ف َأَ ه ْلـَكَت ْه ُ{ ]آل عمران [١١٧:فأظهر هذا الوصف ،وهو أنهم قوم ظلموا أنفسهم؛ لأن الإهلاك الناشئ عن السخط والغضب
لا عن قضاء وقدر فإنه يكون أشد على هؤلاء الكافرين؛ فلذلك أظهر وصفهم بالكافرين.
Shamela.org ١٢٨
البقرة ][34 - 21 ٤
ن بِه ِ{ ]الحج ،[١١:قال :هذا دين حسن ،أصبنا فيه خيرا ً من كثرة الأموال والصحة ونتاج الخيل والإبل إلى}ف َِإ ْن أَ صَابَه ُ خَيْر ٌ اطْ م َأَ َ ّ
غير ذلك من متاع الدنيا.
))و َِإ ْن أَ صَابَت ْه ُ فِت ْن َة ٌ(( أي :اختبار وابتلاء.
))انق َلَبَ عَلَى و َجْ هِه ِ(( أي :انقلب على عقبه.
ك ه ُو َ الْخُسْر َانُ ال ْمُبِينُ{ ]الحج.[١١: خسِر َ ال ُد ّن ْيَا و َالآ ِ
خرَة َ ذَل ِ َ } َ
فإذا ابتلي في صحته بمرض أو في ماله بفقر أو بأي مصيبة في الدنيا تراه ينقلب على عقبيه و يقول :هذا دين سوء ما رأينا فيه خيراً،
ويتطير ويتشاءم من هذا الدين والعياذ بالل ّٰه ،فهذا حال هؤلاء المنافقين.
الل ّه ُ لَذ َه َبَ بِسَمْعِه ِ ْم و َأَ بْصَارِهِمْ(( يعني :ولو شاء الل ّٰه لذهب بأسماعهم وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بالباطنة ،فكما
قوله)) :و َلَو ْ شَاء َ َ
طمس بصائرهم وختم على قلوبهم وأعمى قلوبهم عن رؤ ية الحق ،كذلك أيضا ًيمكن أن يفسد عليهم حواسهم الظاهرة ،كما أفسد عليهم
حواسهم الباطنة.
ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ(( يعني :إن الل ّٰه على كل شيء شاءه سبحانه وتعالى قدير ،ومنه إذهاب ما ذكر من هذه الحواس.
الل ّه َ عَلَى ك ُ ّ ِ
ن َ ))إ َ ّ
قولهِ :
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الناس اعبدوا الل ّٰه ربكم( ٤.١
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الناس اعبدوا الل ّٰه ربكم(
هنا التفات في أسلوب الخطاب حيث إن الل ّٰه سبحانه وتعالى التفت مباشرة في خطابه إلى الناس أجمعين آمرا ً إياهم بأول صيغة أمر
ن م ِنْ قَبْل ِـك ُ ْم لَع َل ّـك ُ ْم ٺَت ّق ُونَ{ ]البقرة.[٢١:
اس اعْبُد ُوا ر ََب ّكُم ُ ال َ ّذ ِي خ َلَقَك ُ ْم و َال َ ّذ ِي َ تأتي في القرآن ،وهي قوله تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الن ّ ُ
اس{ يعني :كل المكلفين سواء منهم المؤمنون أو الكافرون ،فكلهم مخاطبون. قوله} :ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الن ّ ُ
نس ِإ َلّا لِيَعْبُد ُونِ{ ]الذار يات [٥٦:يعني :يعبدونني قوله} :اعْبُد ُوا ر ََب ّكُم ُ{ أي :وحدوا ربكم ،كقوله تعالى} :وَم َا خ َلَقْتُ الْج َِنّ و ِ
َالإ َ
وحدي؛ فكذلك هنا} :اعْبُد ُوا ر ََب ّكُم ُ{ يعني :اعبدوا ربكم وحده ولا تشركوا به شيئاً.
قوله} :ال َ ّذ ِي خ َلَقَكُمْ{ يعني :أنشأكم ولم تكونوا شيئاً ،والذي أنعم عليكم بنعمة الوجود بعد العدم.
قوله} :و َال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ قَبْل ِـكُمْ{ يعني :وخلق الذين من قبلـكم.
قوله} :لَع َل ّـك ُ ْم ٺَت ّق ُونَ{ يعني :لعلـكم ٺتقون بعبادته عقابه وعذابه ،و )لعل( أصلها في اللغة للترجي ،لـكنها في كلام الل ّٰه سبحانه وتعالى
لتحقيق الوقوع.
Shamela.org ١٢٩
البقرة ][34 - 21 ٤
ْض ف ِرَاشًا{ يعني :بساطا ًيفترش ،لا هي غاية في الصلابة ولا هي في غاية الليونة ،حتى لا تستطيعون أن
ل لـَكُم ُ الأَ ر َ قوله} :ال َ ّذ ِي َ
جع َ َ
تستقروا عليها ،وإنما جعلت لـكم فراشا ًأي :بساطاً.
قوله} :و َال َ ّ
سم َاء َ بنَِاءً{ السماء هنا اسم جنس ،أي :خلق السماوات سقفا ًكالبناء يشد بعضه بعضاً ،وهذه حقيقة ظهرت لمن يدرسون
الفلك ،فهم يعلمون هذا التناسق وهذا التماسك العجيب في تكوين هذه الأجرام السماو ية ،وثباتها ودورانها المحكم وغير ذلك مما يذهل
العقول إذا تدبره الإنسان ،فالسماوات بناء محكم يشد بعضه بعضاً ،ودائما ًيعبرون عن ذلك بالجاذبية ،وإنما هي سنة الل ّٰه سبحانه وتعالى
وقوة الل ّٰه وقدرة الل ّٰه ،وإلا فمن وراء كل هذه الخواص؟ إن المسبب الحقيقي لهذا التماسك والاتزان هو الل ّٰه سبحانه وتعالى.
ات رِزْقًا لـَكُمْ{ أي :أخرج من أنواع الثمرات رزقا ًتأكلونه وتعلفون به دوابكم. ن َ
الثمَّر َ ِ ج بِه ِ م ِ َ سم َاء ِ م َاء ً ف َأَ ْ
خر َ َ ن ال َ ّ
ل مِ َ
قوله} :و َأَ ن ْز َ َ
تجْع َلُوا ل َِل ّه ِ أَ ند َاد ًا{ يعني :شركاء في العبادة.
قوله} :فَلا َ
قوله} :و َأَ ن ْتُم ْ تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [٢٢:يعني :تعلمون أن الل ّٰه هو المنفرد بخلقكم ورزقكم ،وتعلمون أن هذه الأنداد لا تملك لـكم رزقا ًولا خلقا ً
ولا ضرا ً ولا نفعاً.
فإذا كان هذا هو الحال ،فإن الل ّٰه سبحانه وتعالى لا يصلح أن يجعل له ندا ً واحدا ً فكيف بالأنداد الـكثيرة؟! فإذا كان الأمر كذلك،
وكان من يخلق ليس كمن لا يخلق ،فلا يستقيم أن تجعل له شر يكا ًواحداً ،فكيف بأنداد متعددة ومتكاثرة؟! فلا يكون إلها ًإلا من
يخلق وهو الل ّٰه سبحانه وتعالى.
وهنا إشارة إلى حقيقة إيمانية مهمة جداً ،واستدلال بثلاثة أدلة على قضية من قضايا الإيمان ،وهي قضية البعث والنشور ،وهذا هو
الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الآخرة ،فإذا كان الل ّٰه سبحانه وتعالى قد هان عليه وسهل عليه أن ينشئنا أول مرة فإن إعادتنا
بالبعث والنشور يكون أسهل مرة ثانية.
ْض ف ِرَاشًا و َال َ ّ
سم َاء َ بنَِاءً{ ]البقرة ،[٢٢:والل ّٰه تبارك ل لـَكُم ُ الأَ ر َ الدليل الثاني :الإشارة إلى عظيم خلق السماء والأرض} :ال َ ّذ ِي َ
جع َ َ
الن ّاسِ{ ]غافر [٥٧:يعني :هي أعظم آية لمن ق َ ض أَ كْ ب َر ُ م ِنْ خ َل ْ ِ
ات و َالأَ ْر ِ ق ال َ ّ
سم َو َ ِ وتعالى يقول في شأن السماوات والأرض} :لَخَل ْ ُ
علم ،فمن خلق هذا كله فهو بالأولى قادر على إعادته ،وهو أهون عليه وأسهل عليه.
الدليل الثالث على البعث والنشور :دليل حي وحسي نلمسه جميعا ًوهو إحياء الأرض بعد موتها ،فالذي يحيي الأرض بعد موتها -وهو
سبحانه وتعالى -هو الذي يحيي الموتى ،فهذا مظهر من مظاهر عموم قدرته على كل شيء سبحانه وتعالى؛ فلذلك يقول تبارك وتعالى
ات رِزْقًا لـَكُمْ{ ]البقرة ،[٢٢:فهذه إشارة إلى إحياء الأرض بعد موتها ،فالذي يحيي ن َ
الثمَّر َ ِ ج بِه ِ م ِ َ سم َاء ِ م َاء ً ف َأَ ْ
خر َ َ ن ال َ ّ
ل مِ َ
هنا} :و َأَ ن ْز َ َ
تج ْع َلُوا ل َِل ّه ِ أَ ند َاد ًا و َأَ ن ْتُم ْ تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة.[٢٢:
الأرض بعد موتها قادر على إحياء الناس بعد موتهم} ،فَلا َ
تفسير قوله تعالى) :وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا( ٤.٣
تفسير قوله تعالى) :وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا(
الل ّه ِ ِإ ْن كُنتُم ْ صَادِق ِينَ{
ن َ قال تبارك وتعالى} :و َِإ ْن كُنتُم ْ فِي ر َي ٍْب م َِم ّا نَز ّل ْنَا عَلَى عَبْدِن َا ف َأْ تُوا بِس ُورَة ٍ م ِنْ مِثْلِه ِ و َا ْدع ُوا شُهَد َاءَك ُ ْم م ِنْ د ُو ِ
]البقرة.[٢٣:
قوله} :و َِإ ْن كُنتُم ْ فِي ر َي ٍْب{ أي :في شك ،و )إن( كلمة تفيد الريب.
قوله} :م َِم ّا نَز ّل ْنَا عَلَى عَبْدِن َا{ أي :عبدنا محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم.
قوله} :ف َأْ تُوا بِس ُورَة ٍ م ِنْ مِثْلِه ِ{ هذا تعجيز وتح ّدِ.
وقوله عز وجل} :و َِإ ْن كُنتُم ْ فِي ر َي ٍْب م َِم ّا نَز ّل ْنَا عَلَى عَبْدِن َا{ ]البقرة [٢٣:هذا التعبير للإيذان بأن أقصى ما يمكن صدوره عنهم مع
Shamela.org ١٣٠
البقرة ][34 - 21 ٤
Shamela.org ١٣١
البقرة ][34 - 21 ٤
بيانية؛ وكذلك هنا} :ف َأْ تُوا بِس ُورَة ٍ م ِنْ مِثْلِه ِ{ }م ِنْ { :للبيان ،يعني :سورة تكون مثله في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب.
والسورة قطعة لها أول وآخر ،وأقلها ثلاث آيات.
الل ّه ِ ِإ ْن كُنتُم ْ صَادِق ِينَ{ ]البقرة ،[٢٣:استحضروا واستدعوا من شئتم من الجن
ن َ وليس هذا فحسب؛ لـكن} :و َا ْدع ُوا شُهَد َاءَك ُ ْم م ِنْ د ُو ِ
والإنس ورؤسائكم وأشرافكم وعلمائكم وبلغائكم ،وادعوا حتى آلهتكم التي تعبدونها من دون الل ّٰه ،لتعينكم إن كنتم صادقين في أن محمدا ً قاله
عرب فصحاء مثله صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم.
ٌ من عند نفسه ،فافعلوا ذلك؛ فإنكم
Shamela.org ١٣٢
البقرة ][34 - 21 ٤
قوله} :ك ُ َل ّمَا رُزِق ُوا مِنْهَا{ ]البقرة [٢٥:أي :كلما أطعموا من تلك الجنات.
قوله} :م ِنْ ثَم َرَة ٍ رِزْقا ًقَالُوا هَذ َا ال َ ّذ ِي رُزِق ْنَا م ِنْ قَبْلُ{ ]البقرة [٢٥:يعني :هذا مثل الذي رزقنا قبله في الجنة؛ لتشابه ثمارها ،بقرينة قوله
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة( ٤.٦
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه لا يستحيي أن يضرب مثلا ًما بعوضة(
ُوت{
ل الْع َنكَب ِ لما ضرب الل ّٰه سبحانه وتعالى المثل بالذباب في قوله} :و َِإ ْن يَسْلُبْهُم ُ ال ُذ ّب َابُ َ
شي ْئًا{ ]الحج ،[٧٣:وفي قوله} :كَمَث َ ِ
]العنكبوت [٤١:فكأن اليهود استغربوا وقالوا :كيف تزعمون أن القرآن كلام ربكم وكلام إلهكم ثم يذكر هذه الأشياء الحقيرة،
الل ّه َ لا يَسْت َحْ يِي أَ ْن يَضْرِبَ م َثَل ًا م َا بَع ُوضَة ً فَمَا فَو ْقَه َا{
ن َ مثل :الذباب والعنكبوت؟! فأنزل الل ّٰه سبحانه وتعالى ردا ً عليهم هذه الآية}ِ :إ َ ّ
]البقرة [٢٦:و )مثلاً( المفعول الأول و )ما( المفعول الثاني؛ لأن )ما( هذه اسمية إبهامية ،وإذا دخلت كلمة )ما( الاسمية الإبهامية
على اسم نكرة أبهمته إبهاما ًتاما ًوزادته شيوعا ًوعموماً ،كقولك :أعطني كتابا ًما.
الل ّه َ لا يَسْت َحْ يِي أَ ْن يَضْر ِبَ م َثَل ًا م َا{ ]البقرة [٢٦:يعني أن يجعل أي مثل كان ،أو تكون )ما(
ن َ أي :أعطني أي كتاب كان ،فمعنى}ِ :إ َ ّ
زائدة لتأكيد حقارتها.
قوله} :بَع ُوضَة ً فَمَا فَو ْقَه َا{ البعوض هو صغار البق قوله} :فَمَا فَو ْقَه َا{ يعني :ابتداء من البعوضة فما هو أكبر منها ،أي :لا يترك الل ّٰه سبحانه
وتعالى بيانه لما في هذا المثل الذي يضربه الل ّٰه من الحكم أو معنى} :فَمَا فَو ْقَه َا{ يعني :ما دونها ،فيكون المقصود ما يكون أقل منها في
الصغر ،فهذا من الأضداد.
إذاً :يريد الل ّٰه سبحانه وتعالى أن يبېن لهم أنه كما لا يستنكف الل ّٰه عن خلقها كذلك لا يستنكف عن ضرب المثل بها ،وقد ضرب
طال ِبُ و َال ْمَطْلُوبُ { ]الحج،[٧٣: شي ْئًا لا يَسْتَنقِذ ُوه ُ مِن ْه ُ ضَع َُف ال َ ّ المثل في القرآن الـكريم بالذباب فقال سبحانه} :و َِإ ْن يَسْلُبْهُم ُ ال ُذ ّب َابُ َ
ُوت لَبَي ْتُ
ن ال ْبُي ِ َت بَي ْتًا و َِإ َ ّ
ن أَ وْه َ َ ُوت َاتّ خَذ ْ
ل الْع َنكَب ِ الل ّه ِ أَ وْلِيَاء َ كَمَث َ ِ
ن َ ن َاتّ خَذ ُوا م ِنْ د ُو ِ ل ال َ ّذ ِي َ
وضرب المثل بالعنكبوت فقال سبحانه} :م َث َ ُ
ُوت لَو ْ ك َانُوا يَعْلَم ُونَ{ ]العنكبوت [٤١:فالتمثيل إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى ،بغض النظر عن الشيء الذي ضرب به الْعَنْكَب ِ
المثل هل هو حقير أم عظيم ،فالمقصود كشف هذه المعاني وتجليتها؛ فلذلك لا يستحيي الل ّٰه أن يضرب مثلا ًبهذه الأشياء.
ن آم َن ُوا فَيَعْلَم ُونَ أَ َن ّه ُ الْح َُقّ { ]البقرة [٢٦:الهاء تعود على المثل.
قوله} :ف َأَ َمّا ال َ ّذ ِي َ
قوله} :فَيَعْلَم ُونَ أَ َن ّه ُ{ أي :المثل الثابت الواقع موقعه }م ِنْ ر َ ّبِهِمْ{.
الل ّه ُ بِهَذ َا م َثَل ًا{ ]البقرة [٢٦:إعراب )مثلاً( هنا :تمييز ،يعني :ماذا أراد الل ّٰه بهذا المثل؟
كف َر ُوا فَيَق ُولُونَ م َاذ َا أَ ر َاد َ َ قوله} :و َأَ َمّا ال َ ّذ ِي َ
ن َ
و )ما( اسم استفهام وإنكار ،يعني :أي فائدة في هذا المثل؟ فرد الل ّٰه سبحانه وتعالى عليهم استنكارهم بقوله تعالى} :يُضِ ُ ّ
ل بِه ِ كَث ِير ًا
و َيَهْدِي بِه ِ كَث ِير ًا وَم َا يُضِ ُ ّ
ل بِه ِ ِإ َلّا الْف َا ِ
سق ِينَ{ ]البقرة [٢٦:يعني :هذا المثل يضل الل ّٰه به كثيرا ً عن الحق؛ لـكفرهم به ،ويهدي به كثيرا ً
من المؤمنين؛ لتصديقهم به.
Shamela.org ١٣٣
البقرة ][34 - 21 ٤
تفسير قوله تعالى) :الذين ينقضون عهد الل ّٰه من بعد ميثاقه( ٤.٧
تفسير قوله تعالى) :الذين ينقضون عهد الل ّٰه من بعد ميثاقه(
الل ّهِ{ ]البقرة [٢٧:هذا وصف الفاسقين ،والفسوق هو الخروج ،تقول :فسقت الرطبة يعني: قال تبارك وتعالى} :ال َ ّذ ِي َ
ن يَنقُضُونَ ع َ ْهد َ َ
خرجت.
يعني :ينقضون ما عهده إليهم في الـكتب من الإيمان بمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم.
قوله} :م ِنْ بَعْدِ م ِيثَاقِه ِ{ ]البقرة ،[٢٧:يعني :من بعد توكيده عليهم.
صلَ{ ]البقرة [٢٧:يعني :من الإيمان بالأنبياء جميعا ًدون تمييز ودون تفر يق بينهم.
الل ّه ُ بِه ِ أَ ْن يُو َ
قوله} :و َي َ ْقطَع ُونَ م َا أَ م َرَ َ
و يوجد خلاف في معنى) :ما الل ّٰه به أن يوصل( فقال بعض العلماء :أمروا أن يصلوا العلم بالعمل ،وقال آخرون :أراد الل ّٰه أن يوصل
الرحم ،أو أراد الل ّٰه أن يوصل الإيمان بجميع الأنبياء ،تؤمن بموسى فإذا بعث عيسى تؤمن بعيسى فإذا بعث محمد عليه الصلاة والسلام
تؤمن بمحمد ،ولا تفرق بين الأنبياء.
صلَ{ ]البقرة [٢٧:من الإيمان بالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم وصلة الرحم وغير ذلك.
الل ّه ُ بِه ِ أَ ْن يُو َ
إذاً :قوله} :و َي َ ْقطَع ُونَ م َا أَ م َرَ َ
سد ُونَ فِي الأَ ْرضِ{ ]البقرة [٢٧:بالمعاصي والتعو يق عن الإيمان.
قوله} :و َي ُ ْف ِ
قولهُ } :أوْلَئِكَ{ أي :الموصوفون بما ذكر }هُم ُ الْخَاسِر ُونَ{ ]البقرة [٢٧:يعني :أن مصيرهم إلى النار المؤبدة إن لم يؤمنوا.
تفسير قوله تعالى) :كيف تكفرون بالل ّٰه وكنتم أمواتا( ٤.٨
Shamela.org ١٣٤
البقرة ][34 - 21 ٤
َات{ ]فصلت.[١٢: قوله} :فَسَ َو ّاه َُنّ { يعني :صيرها ،وفي آية أخرى} :فَقَضَاه َُنّ َ
سب ْ َع سَمَاو ٍ
ل شَيْء ٍ عَل ِيم ٌ{ ]البقرة [٢٩:يعني :يعلم على سبيل الإجمال وعلى سبيل التفصيل كل دقائق الأمور،
َات و َه ُو َ بِك ُ ّ ِ قوله} :فَسَ َو ّاه َُنّ َ
سب ْ َع سَمَاو ٍ
أفلا تعتبرون أن القادر على خلق ذلك ابتداء -وهو أعظم منكم -قادر على إعادتكم؟ فخلق السماوات والأرض أعظم من خلق الناس،
فمن خلق ذلك أفلا يقوى على إعادتكم أنتم؟!
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة( ٤.١٠
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة(
ض خ َلِيف َة ً{ ]البقرة[٣٠:
ل فِي الأَ ْر ِ ل ر َُب ّ َ
ك لِل ْمَلائِكَة ِ ِإن ِ ّي ج َاع ِ ٌ ل ر َُب ّكَ{ ]البقرة [٣٠:يعني :واذكر يا محمد} :و َِإ ْذ قَا َ
قال عز وجل} :و َِإ ْذ قَا َ
يعني :يخلفني في تنفيذ الأحكام فيها ،وهو آدم عليه السلام.
سد ُ ف ِيهَا{ ]البقرة [٣٠:يعني :بالمعاصي.
ل ف ِيهَا م َنْ ي ُ ْف ِ
تجْع َ ُ
قوله} :قَالُوا أَ َ
ك الدِّم َاءَ{ ]البقرة [٣٠:يعني :ير يقها بالقتل.
قوله} :و َي َ ْسف ِ ُ
كما فعل بنو الجان حين كانوا فيها ،فلما أفسدوا أرسل الل ّٰه عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال.
وبعض العلماء يقول :فهمت الملائكة من كلمة )خليفة( أن الخليفة سيحكم بين الناس في أقضياتهم ونزاعهم ،وفهموا أنه سيحصل
سد ُ ف ِيهَا
ل ف ِيهَا م َنْ ي ُ ْف ِ
تجْع َ ُ
فساد من هؤلاء المخلوقين ،يحتاج إلى وجود خليفة يحكم بينهم في الدماء والأموال وغير ذلك ،فمن ثم قالوا} :أَ َ
ِس لَكَ{ ]البقرة.[٣٠:
ح ب ِحَمْدِك َ و َنُق َ ّد ُ
ن نُس َب ِّ ُ
نح ْ ُ
ك الدِّم َاء َ و َ َ
و َي َ ْسف ِ ُ
ح ب ِحَمْدِك َ{ يعني :نسبح متلبسين بحمدك؛ لأن التسبيح تنز يه لل ّٰه عن النقائص التي لا تليق به ،والتحميد إثبات الـكمال له،
قوله} :نُس َب ِّ ُ
فلذلك دائما ًيقترن التسبيح بالتحميد ،فنقول :سبحان الل ّٰه وبحمده.
ِس لَكَ{ أي :ننزهك عما لا يليق بك ،ومعنى ذلك :أننا نحن أحق بالاستخلاف.
قوله} :و َنُق َ ّد ُ
ل ِإن ِ ّي أَ ع ْلَم ُ م َا لا تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [٣٠:أي :يقول تعالى :أنا أعلم ما المصلحة في استخلاف آدم عليه السلام ،وأن ذريته فيهم
قوله} :قَا َ
المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم ،فقالت الملائكة :لن يخلق ربنا خلقا ًأكرم عليه منا ولا أعلم منا لسبقنا له.
يعني :لأننا سبقنا قبل هذا الخليفة في الخلق فنحن أفضل منه ،ونحن نرى ما لم يره هذا الخليفة ،فخلق الل ّٰه آدم من أديم الأرض -أي:
وجهها ،بأن قبض منها قبضة من جميع ألوانها ،وعجنت بالمياه المختلفة ،وسواه ونفخ فيه الروح فصار حيوانا ًحساسا ًبعد أن كان جماداً.
Shamela.org ١٣٥
البقرة ][34 - 21 ٤
تفسير قوله تعالى) :قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا( ٤.١٢
تفسير قوله تعالى) :قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا(
سب ْح َانَكَ{ ]البقرة ،[٣٢:تنزيها ًلك عن الاعتراض عليك.
قال تعالى} :قَالُوا ُ
قوله} :لا عِلْم َ لَنَا ِإ َلّا م َا ع َل ّم ْتَنَا{ ]البقرة [٣٢:يعني :إياه.
قوله}ِ :إ َن ّ َ
ك أَ ن ْتَ الْعَل ِيم ُ الْحَكِيم ُ{ ]البقرة [٣٢:أي :الذي لا يخرج شيء عن علمه وحكمته.
ل م ِنْ حَمَإ ٍ مَسْن ُونٍ{ ]الحجر [٢٨:يعني :في المستقبل؛ لأنه لم يكن قد خلق آدم عليه السلام،
ق بَشَر ًا م ِنْ صَلْصَا ٍ ل ر َُب ّ َ
ك لِل ْمَلائِكَة ِ ِإن ِ ّي خ َال ِ ٌ قَا َ
س َو ّي ْت ُه ُ و َنَف َخْ تُ ف ِيه ِ م ِنْ ر ُوحِي فَق َع ُوا لَه ُ سَا ِ
جدِينَ{ ]الحجر.[٢٩: فالأمر بالسجود كان قبل خلقه} ،ف َِإذ َا َ
س َو ّي ْت ُه ُ و َنَف َخْ تُ ف ِيه ِ م ِنْ ر ُوحِي فَق َع ُوا لَه ُ سَا ِ
جدِينَ{ ق بَشَر ًا م ِنْ طِينٍ * ف َِإذ َا َ ل ر َُب ّ َ
ك لِل ْمَلائِكَة ِ ِإن ِ ّي خ َال ِ ٌ وفي سورة )ص( قال سبحانه}ِ :إ ْذ قَا َ
]الحجر.[٧٢ - ٧١:
Shamela.org ١٣٦
البقرة ][34 - 21 ٤
Shamela.org ١٣٧
البقرة ][34 - 21 ٤
أمر الل ّٰه سبحانه وتعالى الملائكة أن تسجد لآدم عليه السلام كرامة عظيمة من الل ّٰه تبارك وتعالى لآدم عليه السلام ،وهذا السجود
اختلف المفسرون فيه ،فبعضهم قال :إنه سجود تكريم لآدم ،وقيل :السجود كان لل ّٰه ،وآدم قبلة ،وقيل :إن السجود لآدم كان تحية،
وقيل :كان السجود لآدم عبادة بأمر الل ّٰه ،وهو سبحانه الذي فرضه عليهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الل ّٰه تعالى :قال أهل العلم :السجود كان لآدم بأمر الل ّٰه وفرضه ،وعلى هذا إجماع كل من يسمع قوله.
أي :أن السجود كان لآدم بأمر وإيجاب الل ّٰه سبحانه وتعالى؛ فإن الل ّٰه تعالى قال) :اسجدوا لآدم( ولم يقل :اسجدوا إلى آدم ،وهذا يبطل
قول من قال :إن آدم كان قبلة وإن السجود كان لل ّٰه؛ لأنه لم يقل :اسجدوا إلى آدم أو إلى جهة آدم ،لـكن قال) :اسجدوا لآدم(.
يقول شيخ الإسلام :فإن الل ّٰه تعالى قال) :اسجدوا لآدم( ولم يقل :إلى آدم.
َاسجُد ُوا ل َِل ّهِ{ ]فصلت،[٣٧:
س و َلا لِلْقَمَرِ و ْ وكل حرف له معنى ً ،وفرق بين قولك سجد له وبين سجد إليه ،قال تعالى} :لا تَسْجُد ُوا لِل َ ّ
ش ْم ِ
ات و َالأَ ْرضِ{ ]الرعد [١٥:قال :وأجمع المسلمون على أن السجود للأحجار والأشجار وقال تبارك وتعالى} :وَل َِل ّه ِ يَسْجُد ُ م َنْ فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
والدواب محرم ،وأما الـكعبة فيقال :كان النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ،ثم صلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم إلى
الـكعبة ،ولا يقال :صلى لبيت المقدس ولا صلى للـكعبة؛ لأننا لا نعبد الـكعبة ،وإنما الـكعبة قبلة للعبادة فقط.
فلذلك نقول :صليت إلى القبلة أو إلى الـكعبة ،ولا نقول :صليت للـكعبة.
قال :والصواب أن صاحب الخضوع بالقلب والاعتراف بالعبودية لا يصلي على الإطلاق إلا لل ّٰه سبحانه وتعالى ،وأما السجود فشر يعة
من الشرائع يتبع الأمر.
يعني :أن خضوع القلب والتعبد لا يكون إلا لل ّٰه ،وأما السجود في حد ذاته فشر يعة من الشرائع يتبع الأمر ،فلو أمرنا الل ّٰه سبحانه
وتعالى أن نسجد لأحد من خلقه لسجدنا طاعة واتباعا ًلأمره ،ولو أمرنا الل ّٰه أن نسجد لأحد من خلقه لأطعنا؛ لأنه أمر صادر من الل ّٰه
عز وجل.
فسجود الملائكة لآدم عبادة لل ّٰه وطاعة وقربة يتقربون بها إليه ،وهو لآدم تشر يف وتعظيم وتكريم ،وكذلك سجود أخوة يوسف له كان
يأت أن آدم سجد للملائكة ،بل لم يؤمر بالسجود إلا لل ّٰه رب العالمين ،وبالجملة أهل السنة قالوا :إنه سجود تعظيم وتكريم
تحية وسلاماً ،ولم ِ
وتحية لآدم عليه السلام.
وقالت المعتزلة :كان آدم بالقبلة يُسجد إليه ،ولم يسجدوا له ،قالوا ذلك هربا ً من أن تكون الآيات الـكريمة حجة عليهم؛ فإن أهل السنة
قالوا :وصالح البشر أفضل من الملائكة ،واحتجوا بسجود الملائكة لآدم ،وخالفت المعتزلة في ذلك وقالت :الملائكة أفضل من البشر،
وسجود الملائكة لآدم كان كالقبلة.
خرْت َ ِن ِإلَى يَو ْ ِم الْق ِيَامَة ِ ل َأَ حْ تَنِك ََنّ ذُرِّ َي ّت َه ُ ِإ َلّا
ك هَذ َا ال َ ّذ ِي ك ََر ّمْتَ عَل َيّ لئَ ِ ْن أَ َ ّ
ل أَ ر َأَ ي ْت َ َ
ويبطله ما حكى الل ّٰه سبحانه عن إبليس بقوله} :قَا َ
ك هَذ َا ال َ ّذ ِي ك ََر ّمْتَ عَل َيّ{ ]الإسراء.[٦٢:
ل أَ ر َأَ ي ْت َ َ
قَلِيل ًا{ ]الإسراء [٦٢:فكان هذا السجود فعلا ًتكريما ًلآدم ،والدليل هنا في قوله} :قَا َ
Shamela.org ١٣٨
البقرة ][34 - 21 ٤
Shamela.org ١٣٩
البقرة ][34 - 21 ٤
القول الثاني :أنه كان مؤمنا ًثم كفر ،يعني :أنه كان من الكافرين في سابق علم الل ّٰه ،أو صار من الكافرين ،وهذا قول الأكثرين ،أي:
أنه كان مؤمنا ًثم كفر.
والذي عليه الأكثرون أن إبليس هو أول كافر بالل ّٰه.
واختلف الناس بأي سبب كفر إبليس لعنه الل ّٰه :فقالت الخوارج :إنما كفر بمعصية الل ّٰه ،وكل معصية كفر ،وهذا قول باطل بالكتاب
والسنة وإجماع الأمة ،إذ ليس كل معصية كفراً.
وقال آخرون :كفر بترك السجود لآدم ومخالفته أمر الل ّٰه.
وقال آخرون :كفر لأنه خالف الأمر الشفهي من الل ّٰه ،فإن الل ّٰه خاطب الملائكة وأمرهم بالسجود ،ومخالفة الأمر الشفهي أشد قبحاً.
وقال جمهور الناس :كفر إبليس لأنه أبى السجود واستكبر وعاند وطعن واعتقد أنه محق في تمرده؛ لأن إبليس طعن في حكمة الل ّٰه
وأمره ،وهذا كفر لا شك ،بخلاف المعصية الظاهرة ،واستدل أيضا ًإبليس بقوله :أنا خير منه ،فكأنه ترك السجود لآدم تسفيها ًلأمر
الل ّٰه وحكمته ،وهذا الـكبر عبر عنه النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم بقوله) :لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر(.
الرد على من قال :إن الشجرة التي نهي آدم عنها هي شجرة العلم والمعرفة ٤.١٤.٦
الرد على من قال :إن الشجرة التي نهي آدم عنها هي شجرة العلم والمعرفة
العلماء يقولون :إن السجود كان بعد خلق آدم ،بعد أن أظهر الل ّٰه شرف آدم عليهم بالعلم؛ وذلك بعد أن علم آدم الأسماء كلها ،ثم
عرضها على الملائكة ،فقال} :أَ ن ْب ِئ ُونِي ب ِأَ سْمَاء ِ ه َؤ ُلاء ِ ِإ ْن كُنتُم ْ صَادِق ِينَ{ ]البقرة ،[٣١:ثم قال) :يا آدم أنبئهم بأسمائهم( إلى آخر الآيات،
والشاهد من ذلك :أن الل ّٰه شرف آدم على الملائكة بالعلم ،وبعدما شرفه بالعلم أمرهم بالسجود له.
وفي هذا التفسير رد على ما يدعيه أهل الكتاب من اليهود والنصارى ،فإن أصل انحرافهم في العقيدة في هذا الباب هو ابتداء ً من قصة
آدم عليه السلام؛ فهم اقتبسوا هذا القصة من الهنادكة والبوذيين والبراهمة وقدماء المصر يين.
وهم يزعمون أن الل ّٰه سبحانه وتعالى أباح لآدم وحواء أن يأكلا من أي شجرة من شجر الجنة ما عدا شجرة معينة ،ويزعمون أنها شجرة العلم
والبصيرة والمعرفة! ويزعم هؤلاء الـكفار بأن الل ّٰه سبحانه وتعالى كان يخشى من آدم؛ لأن آدم لو أكل من هذه الشجرة فسيصير عنده
علم ومعرفة وبصيرة ،فلذلك نهاه حتى يبقى بلا معرفة وبصيرة! قالوا :ولما خالف آدم الأمر ،وأكل من شجرة المعرفة والبصيرة صار
عنده علم ومعرفة وبصيرة ،فلذلك -والعياذ بالل ّٰه -غضب الل ّٰه عليه ،وطرده من الجنة من أجل ذلك!
Shamela.org ١٤٠
البقرة ][49 - 35 ٥
اقتبسوها من قدماء المصر يين ،وهذا ثابت بالأدلة التار يخية ،والهنود وأهل الوثنية اقتبسوا منهم نظر ية أن الخطيئة لابد منها والعياذ بالل ّٰه!
وأن ربنا ينزل و يجسد ويذبح حتى يمحوا عن البشر ية هذه الخطيئة ،وهم مع ذلك يتناقضون ،فإذا كان المسيح تحمل خطايا البشر فلماذا
يشترطون التعميد؟! والتعميد عندهم هو :أن الطفل الذي لا يغطس في الماء الذي يسمونه مقدسا ً-والل ّٰه أعلم هو منجس أم مقدس-
يبقى حاملا ًهذه الخطيئة! فمعنى ذلك :أنه رغم ما يزعمون من نزول المسيح وصلبه والعياذ بالل ّٰه! فما زالت البشر ية ملوثة في اعتقادهم،
حتى إنهم في بعض الأراضي الموقوفة للـكنيسة في بعض البلاد يمنعون دفن أي مولود أو أي إنسان إذا لم يكن قد عمد؛ لأنهم لا
يعتبرونه قد دخل في النصرانية؛ لأن هذه عندهم صبغة مهمة جداً ،ولابد أن يعمد بهذا الماء الذي يصفونه بأنه مقدس! وليس الآن
أوان التفصيل في موضوع التعميد ،لـكن الشاهد أن هذه نقطة مهمة جدا ً في العقيدة بيننا وبين أهل الكتاب ،وهذا بسبب تحر يفهم
كلام الل ّٰه عز وجل ،ولذلك انعكست هذه القضية في موقف الحضارة الغربية المعاصرة في العلاقة بين العلم والدين ،فهم لهم انطباع أن
هناك عداوة بين العلم وبين الدين مبنية ومأخوذة من هذا التصور الموجود في التوراة ،وهو أن هذه الشجرة كانت شجرة المعرفة ،فالدين
هو دين الل ّٰه ،والعلم هو شجرة المعرفة ،فالدين يكره العلم و يخاف منه ،وبينهما عداوة ،ولذلك الل ّٰه سبحانه وتعالى حذر آدم أن يأكل من
هذه الشجرة لأنه كان يخاف أن يصير لآدم بصيرة وعلم! -تعالى الل ّٰه وحاشاه.-
فهذا الانطباع هو السبب في العداء بينهم وبين الدين والعلم دائماً ،و يعتقدون أن الدين عدو للعلم ،وأنهما متناقضان ،ولا يمكن أن يلتقيا.
ثم جاءت التجربة الواقعية فأكدت هذا الأمر حينما حصل الصراع بين الـكنيسة وبين الاكتشافات الحديثة ،فكلما كان يكتشف
علماؤهم نظر ية أو حقيقة علمية كان القساوسة وعلماء الطبيعة والفيز ياء -إن جاز هذا التعبير -يتصادمون ،فلما حصل هذا الصدام
حصل التمرد والـكفر بالـكنيسة وظهور دين العلمانية الجديد! فهم لما فقدوا الثقة في النصرانية لم يبحثوا عن الدين الحق ،لـكن هجروا الحق
وذلك الدين المحرف معاً.
فقصة آدم عليه السلام لها تأثير خطير في التصور النصراني ،وهي قضية أصلية جدا ً في العقيدة عندهم ،وأن آدم وحواء لم يتب الل ّٰه
عليهما ،وإنما نزلا ملوثين بالخطيئة ،بل ورثا الخطيئة كل البشر ية من بعدهم! هذا مظهر من مظاهر الانحراف عند أهل الكتاب ،وهناك
انحراف آخر عند الذين يتبنون نظر ية دارون أو ما يسمى بنظر ية التطور أيضاً؛ فهم ينكرون هذه الحقيقة التي يصدع بها القرآن ،وينكرون
أن أصل البشر ية شيء اسمه آدم وحواء؛ لأن العملية عندهم موضوع خلية تركبت ونمت وحصل تطور عبر آلاف سحيقة من القرون،
ثم كان منها الإنسان إلى آخر هذا الكلام! وليس الأوان أوان مناقشة هذا بالتفصيل ،لـكن هذه إشارة واضحة إلى فساد هذه العقيدة،
وكما هو معلوم فقد بين القرآن أن بداية البشر ية كانت خلقا ًمباشرا ً من الل ّٰه سبحانه وتعالى لآدم ،ثم بعد ذلك لـ حواء ،وليس كما يزعم
أصحاب نظر ية التطور ،وقد هزمت الآن ،وليس فقط بالأدلة الدينية حتى بالأدلة العلمية وأدلة علم الجينات أو الوراثة.
تفسير قوله تعالى) :وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا( ٥.١
تفسير قوله تعالى) :وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً(
ن ال َ ّ
ظالِمِينَ{ حي ْثُ شِئ ْتُم َا و َلا تَقْر َب َا هَذِه ِ ال َ ّ
شجَرَة َ فَتَكُون َا م ِ َ ك الْج َنَ ّة َ وَك ُلا مِنْهَا ر َغَدًا َ
قال تبارك وتعالى} :و َقلُ ْنَا ي َا آدَم ُ اسْ كُنْ أَ ن ْتَ وَز َ ْوج ُ َ
]البقرة.[٣٥:
قوله) :اسْ كُنْ أَ ن ْتَ ( هذا تأكيد للضمير المستتر في )اسكن( حتى يعطف عليه )وزوجك( وقوله) :وَز َ ْوجُكَ( يعني :حواء بالمد ،خلقها
Shamela.org ١٤١
البقرة ][49 - 35 ٥
Shamela.org ١٤٢
البقرة ][49 - 35 ٥
سبب العطف في سورة البقرة بالواو وفي سورة الأعراف بالفاء ٥.١.١
Shamela.org ١٤٣
البقرة ][49 - 35 ٥
تفسير قوله تعالى) :فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه( ٥.٢
تفسير قوله تعالى) :فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه(
ض مُسْتَق َر ّ ٌ وَم َتَاعٌ ِإلَى حِينٍ{
ض عَد ُ ّو ٌ و َلـَك ُ ْم فِي الأَ ْر ِ جهُم َا م َِم ّا ك َان َا ف ِيه ِ و َقلُ ْنَا اه ْبِط ُوا بَعْ ُ
ضك ُ ْم لِبَعْ ٍ خر َ َ قوله تعالى} :ف َأَ ز َل ّهُم َا ال َ ّ
شيْطَانُ عَنْهَا ف َأَ ْ
]البقرة.[٣٦:
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :فأزلهما إبليس( أي :أذهبهما ،وفي قراءة )فأزالهما( أي :نحاهما.
اصحـِينَ{ ن َ
الن ّ ِ ك عَلَى شَ ج َرَة ِ الْخل ُْد ِ وَمُل ْكٍ لا يَب ْلَى{ ]طه} [١٢٠:و َقَاسَمَهُم َا ِإن ِ ّي لـ َ ُ
كمَا لم َ ِ َ وقوله) :عنها( أي :الجنة ،بأن قال لهما} :ه َلْ أَ دُل ّ َ
]الأعراف.[٢١:
جهُم َا م َِم ّا ك َان َا ف ِيه ِ( أي :من النعيم.
خر َ َ
وقوله) :ف َأَ ْ
وقوله) :و َقلُ ْنَا اه ْبِط ُوا( يعني :إلى الأرض.
وإذا قلنا :إن الخطاب هنا موجه إلى آدم وحواء فيقصد به آدم وحواء وما اشتملا عليه من ذريتهما.
ضكُمْ( أي :بعض الذر ية )لبعض عدو( يعني :من ظلم بعضكم بعضاً.
وقوله) :بَعْ ُ
تفسير قوله تعالى) :فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم( ٥.٣
تفسير قوله تعالى) :فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم(
الت ّ َو ّابُ َ
الر ّحِيم ُ{ ]البقرة [٣٧:يعني :ألهمه الل ّٰه سبحانه وتعالى كلمات، ات فَتَابَ عَلَيْه ِ ِإ َن ّه ُ ه ُو َ َ
قوله تبارك وتعالى} :فَتَل َ ّقى آدَم ُ م ِنْ ر َبِّه ِ كَل ِم َ ٍ
ات(.
وفي قراءة أخرى )فَتَل َ ّقى آدَم َ م ِنْ ر َبِّه ِ كَل ِم َ ٌ
وقد بين الل ّٰه تعالى هذه الكلمات في سورة الأعراف في قوله} :قَالا ر َ َب ّنَا ظَلَم ْنَا أَ نفُسَنَا و َِإ ْن ل َ ْم تَغْفِر ْ لَنَا و َتَرْحَم ْنَا لَنَكُونَنّ م ِ َ
ن الْخَاسِر ِينَ{
]الأعراف [٢٣:فلما تلقى هذه الكلمات دعا بها.
ل الل ّٰه سبحانه وتعالى توبته.
وقوله) :فتاب عليه( أي :قَب ِ َ
وهل معنى ذلك أن حواء لم تقبل توبتها؟
الجواب كلا! وإنما لم تذكر حواء في التوبة لأنه لم يجر لها ذكر في سياق هذه الآيات ،لا أن توبتها لم تقبل ،بل توبتها قبلت.
الت ّ َو ّابُ ( يعني :على عباده َ
)الر ّحِيم ُ( بهم. )إ َن ّه ُ ه ُو َ َ
وقولهِ :
Shamela.org ١٤٤
البقرة ][49 - 35 ٥
تفسير قوله تعالى) :قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى( ٥.٤
تفسير قوله تعالى) :قلنا اهبطوا منها جميعا ًفإما يأتينكم مني هدى(
يح ْزَنُونَ{ ]البقرة.[٣٨:
ْف عَلَيْه ِ ْم و َلا ه ُ ْم َ قال تعالى} :قلُ ْنَا اه ْبِط ُوا مِنْهَا جَم ِيع ًا ف َِإ َمّا ي َأْ تِيَن ّك ُ ْم م ِن ِ ّي هُدًى فَم َنْ تَبِـ َع هُد َايَ فَلا َ
خو ٌ
قوله) :قلُ ْنَا اه ْبِط ُوا مِنْهَا( يعني :من الجنة) ،جميعاً( كرره ليعطف عليه) :ف َِإ َمّا ي َأْ تِيَن ّك ُ ْم م ِن ِ ّي هُدًى( وهذا فيه إدغام ،يعني :أصلها )فإن
ما( فأدغمت نون )إن( الشرطية في )ما( الزائدة ،فصارت) :فإما(.
وقوله) :ف َِإ َمّا ي َأْ تِيَن ّك ُ ْم م ِن ِ ّي هُدًى( يعني :كتاب ورسول.
وقوله) :فَم َنْ تَبِـ َع هُد َايَ ( أي :فآمن بي وعمل بطاعتي.
يح ْزَنُونَ( يعني :في الآخرة بأن يدخلوا الجنة.
ْف عَلَيْه ِ ْم و َلا ه ُ ْم َ
خو ٌ
وقوله) :فَلا َ
الخلاف في ماهية ومكان الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام ٥.٤.١
الخلاف في ماهية ومكان الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام
هناك خلاف كبير جدا ً بين العلماء في هذه الجنةالتي كان فيها آدم عليه السلام؟ فبعضهم قال :إنها كانت جنة في الأرض على رأس
جبل بالمشرق تحت خط الاستواء ،وقالوا :الهبوط يعني :الانتقال من بقعة إلى بقعة ،كما في قوله تعالى} :اه ْبِط ُوا مِصْر ًا{ ]البقرة[٦١:
واستدلوا بأدلة كثيرة.
وفر يق آخر من العلماء قال :إن هذه الجنة هي جنة الخلد ،وجنة المأوى ،وليست جنة في الأرض.
يقول ابن مفلح رحمه الل ّٰه :أكثر الناس على أن المراد بالجنة التي أسكنها الل ّٰه آدم جنة الخلد دار الثواب ،ثم قال :قال شيخ الإسلام
تقي الدين بن تيمية رحمه الل ّٰه :وهذا قول أهل السنة والجماعة ،ومن قال :إنها جنة في الأرض بالهند أو جدة أو غير ذلك فهو من الملحدة
المبتدعين ،والكتاب والسنة يرد هذا القول.
وقد استوفى الكلام فيهما الإمام العلامة ابن القيم الجوز ية رحمه الل ّٰه تعالى في كتابين هما :مفتاح دار السعادة ،وكذلك كتاب حادي
الأرواح إلى بلاد الأفراح.
وابن القيم بعدما سرد بالتفصيل أدلة كل فر يق من الفر يقين لم يرجح ،وإنما ختم كلامه ببيت شعر هو :إذا تلاقت الفحول في لجب
فكيف حال الغصيص في الوسط يعني :أنه يعتذر عن الترجيح في هذه المسألة.
تفسير قوله تعالى) :والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون( ٥.٥
تفسير قوله تعالى) :والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون(
صحَابُ َ
الن ّارِ ه ُ ْم ف ِيهَا خ َالِد ُونَ{ ]البقرة) [٣٩:بآياتنا( يعني :كتبنا. كف َر ُوا وَك َ َذّبُوا ب ِآي َاتنَِا ُأوْلَئ ِ َ
ك أَ ْ قال تعالى} :و َال َ ّذ ِي َ
ن َ
صحَابُ َ
الن ّارِ ه ُ ْم ف ِيهَا خ َالِد ُونَ( أي :ماكثون أبدا ً لا يفنون ولا يخرجون. وقولهُ ) :أوْلَئ ِ َ
ك أَ ْ
تفسير قوله تعالى) :يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم( ٥.٦
تفسير قوله تعالى) :يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم(
Shamela.org ١٤٥
البقرة ][49 - 35 ٥
لما قدم الل ّٰه تعالى دعوة الناس عموما ًوذكر مبدأهم في الآيات السابقة ،تكلم عن بدأ الخلق ،وذكر قصة آدم وحواء عليهما السلام ،ودعا
وخص من كل بني آدم بني إسرائيل بالذات ،فخص سبحانه وتعالى بالخطاب بني إسرائيل -وهم اليهود -لأنهم كانوا أولى الناس
بالإيمان بالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ ولأنهم يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة ،وقد جرى الكلام معهم هنا من الآية رقم ) (٤٠إلى
الآية رقم ) ،(١٤٢فكل الخطاب في الآيات المقبلة إلى الآية رقم ) (١٤٢هو في بني إسرائيل ،يعني :أن مائة آية كلها في خطاب
بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا أولى الناس بأن ينقادوا و يؤمنوا بهذا النبي الأمي العربي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
ونلاحظ في هذه الآيات المائة أنه تارة دعاهم بالملاطفة ،وتارة بذكر إنعام الل ّٰه سبحانه وتعالى عليهم وعلى آبائهم ،وتارة بالتخو يف ،وتارة
ل
بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم ،وتارة بذكر عقوباتهم التي عاقبهم الل ّٰه سبحانه وتعالى بها ،فقال تبارك وتعالى} :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِ َ
ا ْذك ُر ُوا نِعْمَتِي َ َال ّتِي أَ نْعَمْتُ عَلَيْك ُ ْم و َأَ وْف ُوا بِع َ ْهدِي ُأ ِ
وف بِع َ ْهدِك ُ ْم و َِإ َي ّايَ فَارْه َب ُونِ{ ]البقرة.[٤٠:
قوله) :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِلَ( هم أولاد يعقوب عليه السلام؛ لأن إسرائيل هو يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وقد هيجهم اللٰه تعالى بذكر أبيهم إسرائيل ،كما قال لنا في أول سورة الإسراء} :ذُرِّ َي ّة َ م َنْ حَمَل ْنَا م َ َع ن ُ ٍ
وح ِإ َن ّه ُ ك َانَ عَبْدًا َ
شكُور ًا{ ّ
]الإسراء [٣:يخاطبنا بذلك؛ لأن الأب الثاني للبشر ية هو نوح عليه السلام ،وذكرنا بنوح؛ لأن نوح عليه السلام كان عبدا ً شكوراً؛
كان يأكل اللقمة فيحمد الل ّٰه عليها ،ويشرب الشربة فيحمد الل ّٰه عليها ،فهذا تعر يض بنا نحن.
شكُور ًا{ ]الإسراء [٣:أي :فكونوا أنتم كذلك فقوله} :ذُرِّ َي ّة َ م َنْ حَمَل ْنَا م َ َع ن ُ ٍ
وح{ ]الإسراء [٣:أي :كونوا كأبيكم نوح؛ ِ}إ َن ّه ُ ك َانَ عَبْدًا َ
شاكرين للٰه سبحانه وتعالى كأبيكم نوح ،فهذا هو المقصود بقوله) :ذر ية( يعني :يا ذر ية )م َنْ حَمَل ْنَا م َ َع ن ُ ٍ
وح ِإ َن ّه ُ ك َانَ عَبْدًا َ
شكُور ًا( أي: ّ
فكونوا مثله.
وهنا خاطب بني إسرائيل باسم أبيهم يعقوب عليه السلام تهييجا ًلعواطفهم ،وتذكيرا ً بأن هذا العبد الصالح كان مطيعا ًلل ّٰه ،يعني :فكونوا
مثله ،وكأنه قيل :يا بني العبد الصالح المطيع لل ّٰه! كونوا مثل أبيكم ،كما تقول :يا ابن الـكريم! افعل كذا ،يا ابن العالم! اطلب العلم،
فكذلك هنا المراد :يا بني إسرائيل العبد الصالح المطيع لل ّٰه! أطيعوا الل ّٰه كما أطاعه أبوكم إسرائيل عليه السلام.
وقوله) :ا ْذك ُر ُوا نِعْمَتِي َ َال ّتِي أَ نْعَمْتُ عَلَيْكُمْ( قال ابن جرير :نعمه التي أنعم بها على بني إسرائيل كثيرة جدا ً منها :اصطفاؤه منهم الرسل؛
لأن الأنبياء من بعد إبراهيم عليه السلام كانوا جميعا ًمن ذر ية يعقوب عليه السلام ،ولم تخرج عنهم إلا إلى محمد عليه الصلاة والسلام
الذي هو من ذر ية إسماعيل عليه السلام.
ومن هذه النعم إنزاله عليهم الـكتب ،واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه إلى التمكين لهم في الأرض،
وتفجير عيون الماء من الحجر ،وإطعام المن والسلوى ،فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلى آبائهم على ذكر ،وألا ينسوا
صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم ،فيحل بهم من النقم ما أحل بمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها وجحد صنائعه سبحانه وتعالى عنده.
فالنعم نص الل ّٰه عليها في كثير من الآيات مثل قوله تبارك وتعالى} :وَظ ََل ّل ْنَا عَلَيْكُم ُ ال ْغَم َام َ و َأَ نزَل ْنَا عَلَيْكُم ُ ال ْم ََنّ و َال َ ّ
سل ْو َى{ ]البقرة،[٥٧:
َاب{ ]البقرة ،[٤٩:ومثل قوله تعالى} :ونريد أن نَم ُ َنّ عَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن نَج ّي ْنَاك ُ ْم م ِنْ آ ِ
ل فِرْعَوْنَ يَس ُوم ُونَك ُ ْم سُوء َ الْعَذ ِ ومثل قوله تعالى} :و َِإ ْذ َ
نجْعَلَه ُ ْم أَ ئ َِم ّة ً و َ َ
نجْعَلَهُم ُ ال ْوَارِثِينَ{ ]القصص.[٥: ض وَ َ
اسْ ت ُضْ عِف ُوا فِي الأَ ْر ِ
ن العهد هو :الميثاق ،وقد أشير إليه ل ا ْذك ُر ُوا نِعْمَتِي َ َال ّتِي أَ نْعَمْتُ عَلَيْك ُ ْم و َأَ وْف ُوا ب ِع َ ْهدِي ُأ ِ
وف بِع َ ْهدِك ُ ْم و َِإ َي ّايَ فَارْه َب ُو ِ وقوله :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِ َ
الصّ لاة َ و َآتَي ْتُم ُ َ
الز ّك َاة َ و َآمَن ْتُم ْ الل ّه ُ ِإن ِ ّي مَعَك ُ ْم لئَ ِ ْن أَ قَم ْتُم ُ َ
ل َ ل و َبَعَث ْنَا مِنْهُم ُ اث ْن َ ْي ع َشَر َ نَق ِيبًا و َقَا َ
الل ّه ُ م ِيثَاقَ بَنِي ِإسْر َائيِ َ
في قوله تعالى} :و َلَق َ ْد أَ خَذ َ َ
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ{ ]المائدة [١٢:فهذا هو
تجْرِي م ِنْ َ ن عَنْك ُ ْم سَي ِّئَاتِك ُ ْم وَل َ ُأ ْدخِلَن ّك ُ ْم ج ََن ّ ٍ
ات َ حسَنًا ل َ ُأ َ
ك ّف ِر َ َ ّ ُالل ّه َ قَرْضًا َ
ب ِرُسُل ِي وَع َ َّزرْتُمُوه ُ ْم و َأَ ق ْر َضْ تُم َ
عهده ،وهذا هو عهدهم.
أما عهدهم هم فهو في قوله تعالى} :لئَ ِ ْن أَ قَم ْتُم ُ َ
الصّ لاة َ{ ]المائدة [١٢:يعني :أن هذا هو حق الل ّٰه على العباد ،كما جاء في حديث معاذ.
Shamela.org ١٤٦
البقرة ][49 - 35 ٥
تفسير قوله تعالى) :وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم( ٥.٧
أهل الكتاب؛ لأن م َنْ خلفكم تب ٌع لـكم ،فإثمهم عليكم ،فكل من يأتي بعدكم و يقتدي بكم في هذه ال ُ ّ
سنة القبيحة ،وهي التكذيب بالنبي عليه
الصلاة والسلام؛ فإثمه عليكم مع تحمله لإثمه.
}و َلا تَشْت َر ُوا ب ِآي َاتِي{ ]البقرة [٤١:يعني :لا تستبدلوا ،وهذه استعارة) ،بآياتي( يعني :التي في كتابكم من نعت محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم
)ثمنا ً قليلاً( أي :عوضا ً يسيرا ً من الدنيا ،أي :لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سفلتكم} ،و َِإ َي ّايَ ف َ َات ّق ُونِ{ ]البقرة [٤١:أي:
ن في ذلك دون غيري. خافو ِ
تفسير قوله تعالى) :ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون( ٥.٨
تفسير قوله تعالى) :ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون(
ل و َتَكْتُم ُوا الْح َقّ و َأَ ن ْتُم ْ تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [٤٢:أي :لا تخلطوا الحق بالباطل ،الحق الذي أنزلت عليكم،
قوله} :و َلا تلَ ْبِس ُوا الْح َقّ ب ِال ْبَاطِ ِ
بالباطل الذي تفترونه )و َتَكْتُم ُوا الْح َقّ ( عطف يعني :ولا تكتموا الحق ،وهو نعت وصفة محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم في التوراة) ،و َأَ ن ْتُم ْ
تَعْلَم ُونَ( أي :والحال أنكم تعلمون أنه الحق ،والواو هنا )وأنتم تعلمون( واو الحال.
هنا يذكر القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى تنبيها ًفيقول :كثيرا ً ما يستدل مجادلة أهل الكتاب على عدم تحر يف كتبهم بهذه الآية وأمثالها ،فيقولون:
أيها المسلمون يوجد في كتابكم عبارات أو نصوص أو آيات تؤكد أن التوراة هي كلام الل ّٰه ،وأن التوراة من عند الل ّٰه كقوله عز وجل:
Shamela.org ١٤٧
البقرة ][49 - 35 ٥
تفسير قوله تعالى) :وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين( ٥.٩
تفسير قوله تعالى) :وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين(
الز ّك َاة َ و َا ْركَع ُوا م َ َع َ
الر ّاكِع ِينَ{ ]البقرة ،[٤٣:هذا دليل على أن كل الأنبياء خوطبوا بالصلاة، الصّ لاة َ و َآتُوا َ
قال تبارك وتعالى} :و َأَ ق ِيم ُوا َ
الز ّك َاة َ و َا ْركَع ُوا م َ َع َ
الر ّاكِع ِينَ(، الصّ لاة َ و َآتُوا َ
وما خلت شر يعة من الشرائع من إقامة الصلاة ،وهنا الأمر متكرر في ظاهره )و َأَ ق ِيم ُوا َ
فدار اللفظ بين التأسيس والتوكيد فيحمل هذا الأمر على التأسيس؛ لأن فيه معنى ً زائداً.
إذا ً نقول :إن قوله تعالى) :واركعوا مع الراكعين( ليست تأكيدا ً لـ )أقيموا الصلاة( وإنما هي أمر زائد على مجرد إقامة الصلاة وهو:
أن تكون في جماعة ،فهذا أمر بصلاة الجماعة ،وقوله) :وأقيموا الصلاة( أمر بتأدية الصلاة.
والأمر بإقامة الصلاة لا يأتي في القرآن بكلمة )صلوا( ،ولـكن يأتي بـ )أقيموا( يعني :مراعاة حدودها ،وآدابها ،وخشوعها ،وحضور
القلب فيها ،وليس مجرد الصلاة ،ودائما ً القرآن يمتدح المؤمنين بأنهم يقيمون الصلاة ،كما قال تعالى} :و َيُق ِيم ُونَ َ
الصّ لاة{ ]البقرة،[٣:
ل الصّ لاة َ{ ]النساء ،[١٦٢:وقال} :و َأَ قَام َ َ
الصّ لاة َ{ ]البقرة ،[١٧٧:وما ذكر لفظ )صلى( إلا في المنافقين} :ف َو َي ْ ٌ وقال} :و َال ْمُق ِيمِينَ َ
لِل ْمُصَلِّينَ * ال َ ّذ ِي َ
ن ه ُ ْم ع َنْ صَلاتِه ِ ْم سَاه ُونَ{ ]الماعون ،[٥ - ٤:إلى آخر الآيات ،أما ما جاء في سورة المعارج من قوله تبارك وتعالى:
سه ُ ال َش ّ ُرّ جَز ُوعًا * و َِإذ َا م َ َ ّ
سه ُ ا ْلخـَي ْر ُ م َن ُوعًا * ِإ َلّا ال ْمُصَلِّينَ{ ]المعارج ،[٢٢ - ١٩:هذه في المؤمنين فما ق ه َلُوعًا * ِإذ َا م َ َ ّ
الإنس َانَ خ ُل ِ َ
ن ِِ}إ َ ّ
الجواب؟
الجواب أنه أتبعها بمعاني إقامة الصلاة ،فوافقت كل ما ورد في القرآن من التعبير عن ذلك بإقامة الصلاة ،فإنه لم يقل) :إلا المصلين(
وسكت؛ لـكن أتى بمعنى إقامة الصلاة بقوله}ِ :إ َلّا ال ْمُصَلِّينَ * ال َ ّذ ِي َ
ن ه ُ ْم عَلَى صَلاتِه ِ ْم د َائِمُونَ{ ]المعارج ،[٢٣ - ٢٢:ثم ذكر جملا ً
من الصفات وختم الآيات بقوله} :و َال َ ّذ ِي َ
ن ه ُ ْم عَلَى صَلاتِه ِ ْم يُحَافِظ ُونَ{ ]المعارج ،[٣٤:فأضاف نفس معنى إقامة الصلاة إلى وصف
Shamela.org ١٤٨
البقرة ][49 - 35 ٥
المصلين.
يقول تبارك وتعالى} :و َا ْركَع ُوا م َ َع َ
الر ّاكِع ِينَ{ ]البقرة ،[٤٣:هذا أمر بالصلاة مع المصلين ،يقول الإمام السيوطي هنا :هم محمد وأصحابه
صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،ورضي الل ّٰه تعالى عنهم ،و يؤخذ من هذا :أن الـكفار مخاطبون بفروع الشر يعة ،فهنا أمرهم بصلاة الجماعة
مع النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
حسَابيَِه ْ{ ن يَظ ُُن ّونَ{ ]البقرة [٤٦:يعني :يوقنون ،والظن يأتي بمعنى الشك وبمعنى اليقين ،ومثله قوله تعالى}ِ :إن ِ ّي ظَنَنتُ أَ ن ِ ّي م ُلا ٍ
ق ِ }ال َ ّذ ِي َ
]الحاقة) ،[٢٠:إني ظننت( يعني :أيقنت )أني ملاق حسابيه(.
ن يَظ ُُن ّونَ أَ َ ّنه ُ ْم م ُلاقُوا ر َ ّبِه ِ ْم و َأَ َ ّنه ُ ْم ِإلَيْه ِ ر َاجِع ُونَ{ ]البقرة [٤٦:أي :محشورون إليه يوم القيامة للجزاء ،والظن هنا بمعنى:
إذاً :قوله} :ال َ ّذ ِي َ
حسَابيَِه ْ{ ]الحاقة ،[٢٠:وكذلك يقول تعالى في صفة المؤمنين} :و َب ِالآخرَة ِ ه ُ ْم يُوق ِن ُونَ{
ق ِ
اليقين ،كما في قوله تعالى}ِ :إن ِ ّي ظَنَنتُ أَ ن ِ ّي م ُلا ٍ
]البقرة ،[٤:يقول ابن جرير :العرب قد تسمي اليقين ظناً ،نظير تسميتهم الظلمة :سُدفة ،والضياء :سدفة ،فكلمة سدفة -بالسين والدال
Shamela.org ١٤٩
البقرة ][49 - 35 ٥
والفاء -بمعنى :الظلام وبمعنى :الضياء؛ كذلك تسمي المغيث صارخاً ،والمستغيث صارخ أيضاً ،وما أشبه ذلك من الأسماء التي سمي
بها الشيء وضده ،والشواهد على ذلك من أشعار العرب أكثر من أن تحصى.
تفسير قوله تعالى) :يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم( ٥.١٢
تفسير قوله تعالى) :يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم(
ل ا ْذك ُر ُوا نِعْمَتِي َ َال ّتِي أَ نْعَمْتُ عَلَيْك ُ ْم و َأَ ن ِ ّي ف ََضّ ل ْتُك ُ ْم عَلَى الْع َالم َي ِنَ{ ]البقرة [٤٧:يقول القاضي :محمد بن
قال تبارك وتعالى} :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِ َ
كنعان في قرة العينين :قوله تعالى} :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِلَ{ ]البقرة [٤٠:قد قصت الآيات من الآية (٤٠) :إلى الآية (١٢٣) :من سورة
البقرة أخبار بني إسرائيل ،واليهود منهم خاصة مع موسى عليه السلام ،وطرفا ً من أخبار النصارى ،فالتبس على بعض الناس ما فيها
من ثناء على بني إسرائيل ،وما في آيات أخرى من ذم اليهود ولعنهم ،وسبب ذلك عدم التفر يق بين بني إسرائيل واليهود ،والظن بأنهما
شيء واحد ،وهذا خطأ واضح؛ لأن القرآن الـكريم فرق بينهما ،فإذا جمعنا الآيات التي تذكر بني إسرائيل في مقابلة الآيات التي نزلت في
اليهود ،نرى أن إسرائيل هو لقب نبي الل ّٰه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ،وأن بني إسرائيل هم أولاده ،يوسف
وإخوته وذر ياتهم ،يعني :يوسف عليه السلام لما انتقل إلى مصر ،وكان له مكان من المجد والوزارة والجاه العظيم ،واستجلب إخوته
طع َا ِم ك َانَ ح ًِل ّا ووالديه إلى مصر ،كثروا كثرة عظيمة ،فهؤلاء هم بنو إسرائيل ،يعني :يوسف وإخوته وذر ياتهم ،قال تعالى} :ك ُ ُ ّ
ل ال َ ّ
ل َ
الت ّوْر َاة ُ{ ]آل عمران ،[٩٣:فإسرائيل وبنوه كانوا مسلمين ،فعندما يذكر ل أَ ْن تُنَز ّ َ
سه ِ م ِنْ قَب ْ ِ ل ِإ َلّا م َا ح َرّم َ ِإسْر َائيِ ُ
ل عَلَى ن َ ْف ِ لِبَنِي ِإسْر َائيِ َ
الل ّٰه تبارك وتعالى بني إسرائيل بخـبر فالمقصود أولاد يعقوب ،الصالحـين والطالحـين من ذريتهم لا اليهود ،أما اليهود فهم الذين عبدوا
عجل السامري ثم تابوا ،واسمهم مشتق من هاد َ بمعنى :تاب ورجع ،ولـكن توبتهم لم تكن صادقة ،قال الل ّٰه حاكيا ًعن موسى}ِ :إ َن ّا هُدْن َا
ِإلَيْكَ{ ]الأعراف [١٥٦:يعني :رجعنا وتبنا إليك ،و يقول تعالى في أمرهم} :و َ ُأشْر ِبُوا فِي قُلُو بِهِم ُ ال ْعِجْ َ
ل بِكُ ْفرِهِمْ{ ]البقرة ،[٩٣:وهم
فئة من بني إسرائيل ،وليسوا كل بني إسرائيل ،فليس كل إسرائيل ٍيّ يهودياً ،كما أنه ليس كل يهودي إسرائيلياً.
ل ا ْذك ُر ُوا نِعْمَتِي َ َال ّتِي أَ نْعَمْتُ عَلَيْكُمْ( يعني :بالشكر عليها بطاعتي ))و َأَ ن ِ ّي ف ََضّ ل ْتُكُمْ(( يعني :فضلت آباءكم؛ لأن
يقول تعالى) :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِ َ
تفضيل الآباء شرف للأبناء ،قال ذلك مع أنه يخاطب اليهود وبني إسرائيل الذين كانوا موجودين في زمن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
وقوله) :عَلَى الْع َالم َي ِنَ( ،هذا عام يراد به الخاص ،أي :على عالم َِي زمانهم ،واليهود كثيرا ً ما يتشدقون بهذه الآيات في المحافل الدولية،
حتى كانوا في الأمم المتحدة من قبل يأتون بنصوص من القرآن لتثبت أحقيتهم بفلسطين ،وبأن القرآن يمدحهم؛ ولذلك كان بعض
العلماء لما كان يتناظر مع أحد اليهود وأراد أن يلزم العالم المسلم بقوله :أنا أقر بنبوة موسى ،وأنت توافقني عليها ،وفي نفس الوقت لا أقر
بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام ،فيلزمك أن توافقني أنا ولا أوافقك أنت! فأجابه العالم :إن كان موسى الذي بشر بمحمد فهذا الذي
أوافقك على نبوته ،وإن كان موسى الذي ما بشر به فهذا لا أقر بنبوته.
فالشاهد :أن هذه الآيات فيها امتنان على بني إسرائيل ،على عالمي زمانهم ،وليس على الإطلاق ،فهذا عام أريد به الخاص؛ لأن الل ّٰه
سبحانه وتعالى فضلهم بأن أنزل عليهم الـكتب وجعل فيهم أنبياء ،وجعلهم ملوكاً.
تفسير قوله تعالى) :واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا( ٥.١٣
تفسير قوله تعالى) :واتقوا يوما ًلا تجزي نفس عن نفس شيئاً(
ل و َلا ه ُ ْم يُنصَر ُونَ{ ]البقرة،[٤٨:
شف َاع َة ٌ و َلا يُؤْخَذ ُ مِنْهَا ع َ ْد ٌ
ل مِنْهَا َ
شي ْئًا و َلا يُقْب َ ُ
س َ
ْس ع َنْ ن َ ْف ٍ قال تعالى} :و ََات ّق ُوا يَوْم ًا لا َ
تجْزِي نَف ٌ
Shamela.org ١٥٠
البقرة ][49 - 35 ٥
Shamela.org ١٥١
البقرة ][49 - 35 ٥
Shamela.org ١٥٢
البقرة ][49 - 35 ٥
تفسير قوله تعالى) :وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب( ٥.١٤
تفسير قوله تعالى) :وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب(
َاب يُذ ِ َّبح ُونَ أَ ب ْنَاءَك ُ ْم و َيَسْت َحْ ي ُونَ نِس َاءَك ُ ْم و َفِي ذ َلـِك ُ ْم بَلاء ٌ م ِنْ ر َبِّك ُ ْم عَظ ِيم ٌ{ نَج ّي ْنَاك ُ ْم م ِنْ آ ِ
ل فِرْعَوْنَ يَس ُوم ُونَك ُ ْم سُوء َ الْعَذ ِ قال تعالى} :و َِإ ْذ َ
]البقرة.[٤٩:
قوله) :وإذ نجيناكم( أي :واذكروا إذ نجيناكم ،يعني :نجيناكم أنتم المخاطبون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وآباءكم ،والخطاب
نَج ّي ْنَاك ُ ْم م ِنْ آ ِ
ل فِرْعَوْنَ يَس ُوم ُونَك ُ ْم للموجودين في زمن نبينا صلى الل ّٰه عليه وسلم بما أنعم على آبائهم تذكيرا ً لهم بنعمة الل ّٰه تعالى ليؤمنوا) ،و َِإ ْذ َ
Shamela.org ١٥٣
البقرة ][66 - 51 ٦
فقال لقومه :أضحى بنو إسرائيل شعبا ً أكثر منا ،فهلم نحتال لهم لئلا ينموا ،فيخشى أنه إذا حدث حرب أنهم يحاربوننا و يخرجونا من
أرضنا ،فسلط عليهم رؤساء تسخير كي يذلوهم بأثقالهم ،وكان كلما اشتد تعبدهم ازدادوا كثرة وشدة ،فشق على المصر يين كثرتهم
وخافوا منهم ،فجعل أهل مصر يستعبدونهم جوراً ،و يأمرونهم بالعمل الشديد بالطين واللبن وكل فلاحة الأرض وغيرها من الأعمال
الشاقة.
وأمر فرعون بذبح أبنائهم كما قص الل ّٰه تعالى ،ولم يزل الأمر من هذه الشدة عليهم حتى نجاهم الل ّٰه بإرسال موسى عليه وعلى نبينا الصلاة
والسلام ،فقوله تبارك وتعالى هنا)) :و َفِي ذ َلـِكُمْ(( أي :في ذلك العذاب أو الإنجاء ))بَلاء ٌ م ِنْ ر َبِّك ُ ْم عَظ ِيم ٌ(( ،كلمة )في ذلك(
نَج ّي ْنَاكُمْ((.
إشارة إما إلى ذلك العذاب أو إلى ذلك الإنجاء في قوله)) :و َِإ ْذ َ
إذاً :كلمة )بَلاءٌ( محتملة معنيين ،فالبلاء إما أن يأتي بمعنى :النعمة أو بمعنى :النقمة ،فإذا قلنا) :وفي ذلـكم( الإنجاء )بلاء( أي :نعمة،
وإذا قلنا) :وفي ذلـكم( العذاب )بلاء( أي :نقمة ،فبلاء بمعنى :ابتلاء أو بمعنى :إنعام؛ بحسب ما تترتب عليه الإشارة ،إما إلى الإنجاء
وإما إلى العذاب.
Shamela.org ١٥٤
البقرة ][66 - 51 ٦
قال تعالى} :ث َُم ّ عَفَو ْن َا عَنْكُمْ{ ]البقرة [٥٢:أي :محونا ذنوبكم )من بعد ذلك( أي :من بعد ذلك الاتخاذ ،فالاتخاذ هو الذي يعاتبون
عليه)) ،لَع َل ّـك ُ ْم تَشْك ُر ُونَ(( أي :نعمتنا عليكم.
تفسير قوله تعالى) :وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلـكم تهتدون( ٦.٣
تفسير قوله تعالى) :وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلـكم تهتدون(
قال تعالى} :و َِإ ْذ آتَي ْنَا م ُوس َى الْكِتَابَ و َالْفُر ْقَانَ لَع َل ّـك ُ ْم تَه ْتَد ُونَ{ ]البقرة.[٥٣:
)والفرقان( عطف تفسير على الكتاب يعني)) :و َِإ ْذ آتَي ْنَا م ُوس َى الْكِتَابَ (( الذي هو الفرقان ،فعطف الفرقان على التوراة عطف تفسير،
والمقصود من ذلك الكتاب الفارق بين الحق والباطل والحلال والحرام ،فنزلت الصفات منزلة تغاير الذوات ،فعطفها عليها ،كما يقول
الشاعر :إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الـكتيبة في المزدحم وهنا القاسمي زاد ذلك توضيحا ً فقال)) :و َِإ ْذ آتَي ْنَا م ُوس َى الْكِتَابَ
و َالْفُر ْقَانَ(( يعني :الجامع بين كونه كتابا ً منزلا ً وفرقانا ً يفرق بين الحق والباطل كقولك) :رأيت الغيث والليث( ،فهذا مثال آخر غير
بيت الشعر ،فهل معنى ذلك )رأيت الغيث( المطر )والليث( الأسد أم أنك تقصد مدح رجل بصفتين؟ تقصد مدح رجل واحد
بصفتين فقلت) :رأيت الغيث والليث( وتريد الرجل الجامع بين صفة الغيث ،وصفة الليث ،فالغيث صفة الـكرم كما في الحديث) :كان
أجود من الريح المرسلة( ،ومعنى المثل :رأيت رجلا ً جامعا ً بين الـكرم والجراءة والشجاعة ،ونحو ذلك قوله تعالى} :و َلَق َ ْد آتَي ْنَا م ُوس َى
و َه َار ُونَ الْفُر ْقَانَ وَضِيَاء ً وَذِك ْرًا لِل ْم َُت ّق ِينَ{ ]الأنبياء ،[٤٨:ثلاث صفات في وصف شيء واحد وهو التوراة} ،و َلَق َ ْد آتَي ْنَا م ُوس َى و َه َار ُونَ
الْفُر ْقَانَ وَضِيَاء ً وَذِك ْرًا لِل ْم َُت ّق ِينَ{ ]الأنبياء [٤٨:يعني :الكتاب الجامع بين كونه فرقانا ًوضياء وذكرى.
))لَع َل ّـك ُ ْم تَه ْتَد ُونَ(( يعني :لـكي تهتدوا بالعمل بما فيه من الأحكام.
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم( ٦.٤
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم(
ِاتخَاذِكُم ُ ال ْعِجْ َ
ل فَت ُوبُوا ِإلَى ب َارِئِك ُ ْم فَاق ْتُلُوا أَ نفُسَك ُ ْم ذ َلـِك ُ ْم خَيْر ٌ ل م ُوس َى لِقَوْمِه ِ ي َا قَو ْ ِم ِإ َن ّك ُ ْم ظَلَم ْتُم ْ أَ نفُسَك ُ ْم ب ِ ّ
قال تبارك وتعالى} :و َِإ ْذ قَا َ
الت ّ َو ّابُ َ
الر ّحِيم ُ{ ]البقرة.[٥٤: لـَك ُ ْم عِنْد َ ب َارِئِك ُ ْم فَتَابَ عَلَيْك ُ ْم ِإ َن ّه ُ ه ُو َ َ
ل م ُوس َى لِقَوْمِه ِ(( لمَنْ م ِنْ قومه؟ للذين عبدوا العجل من قومه؛ لأن بني إسرائيل ليسوا كلهم عبدوا العجل ،فسبط:
قوله)) :و َِإ ْذ قَا َ
)بني لاوي( لم يعبدوا العجل ،فالخطاب هنا موجه للذين عبدوا العجل من قومه من بني إسرائيل ،والقوم :اسم للرجال دون النساء،
خر ْ ق َوم ٌ فالأصل في كلمة )القوم( أنها تطلق على الرجال دون النساء ،والدليل من القرآن آية في سورة الحجرات هي قوله تعالى} :لا ي َ ْس َ
ل أدري م ِنْ قَو ْ ٍم و َلا نِس َاء ٌ م ِنْ نِس َاءٍ{ ]الحجرات [١١:فغاير بينهما ،فدل على أن القوم للرجال ،و يقول الشاعر :ولا أدري وسوف إخا ُ
ل
أقوم آل حصن أم نساء ُ يعني :أرجال هم أم نساء؟ فعبر عن الرجال بالقوم ،وسموا قوما ً لأنهم هم الذين يقومون بالأمور} :الر ِ ّج َا ُ
ق َو ّام ُونَ عَلَى النِّسَاءِ{ ]النساء ،[٣٤:فهم يقومون بالأمور ،ويتولون الحروب والقيادة وغير ذلك.
ِاتخَاذِكُم ُ ال ْعِجْلَ(( إلهاً ،ما إعراب العجل؟
ل م ُوس َى لِقَوْمِه ِ(( يعني :الذين عبدوا العجل)) :ي َا قَو ْ ِم ِإ َن ّك ُ ْم ظَلَم ْتُم ْ أَ نفُسَك ُ ْم ب ِ ّ
))و َِإ ْذ قَا َ
مفعول أول للمصدر ،والمصدر هنا عامل) :باتخاذكم العجل( والمفعول به الثاني محذوف وتقديره :إلهاً ،يعني :يا قوم! إنكم ظلمتم أنفسكم
باتخاذكم العجل إلهاً؛ لأنهم قالوا} :هَذ َا ِإلَهُك ُ ْم و َِإلَه ُ م ُوس َى فَنَسِيَ{ ]طه.[٨٨:
Shamela.org ١٥٥
البقرة ][66 - 51 ٦
)فتوبوا إلى بارئكم( أي :خالقكم ،يعني :توبوا من عبادة العجل)) :فَاق ْتُلُوا أَ نفُسَكُمْ(( ،ليقتل البريء منكم المجرم ،والمقصود :الذين لم
يعبدوا يقتلوا العجل الذين عبدوا العجل ،ولم يكن الأمر موجها ً إلى جميع بني إسرائيل ،وإنما كان الأمر موجها ً إلى الذين لم يعبدوا
العجل أن يقتلوا إخوانهم ممن تلطخوا بعبادة العجل.
))ذ َلـِك ُ ْم خَيْر ٌ لـَك ُ ْم عِنْد َ ب َارِئِكُمْ(( الإشارة هي إلى القتل ،يعني :فوفقكم الل ّٰه لفعل ذلك ،وأرسل عليكم سحابة سوداء مظلمة؛ لئلا يرى
بعضكم بعضا ًفيرحمه ،حتى قتل منكم نحو سبعين ألفاً.
هذا هو القول الأول في تفسير)) :فَاق ْتُلُوا أَ نفُسَكُمْ(( يعني :يقتل البريء منكم المجرم ،وبعض العلماء قالوا :هذا خطاب للكل ،أن يقتل
بعضهم بعضاً ،فجعل القتل للقتيل شهادة وللحي توبة ،فالذي يقتل يكون شهيداً ،والشهادة تمحوا عنه عبادة العجل ،والذي يبقى حيا ًفإن
هذا يكون توبة من الل ّٰه سبحانه وتعالى عليه؛ لـكن الذي اعتمده هنا الإمام السيوطي :قوله)) :فَاق ْتُلُوا أَ نفُسَكُمْ(( أي :ليقتل البريء
منكم المجرم الذي عبد العجل ،والذين لم يعبدوا العجل هم من سبط )بني لاوي( سبط من أسباط بني إسرائيل من أبناء يعقوب عليه
الت ّ َو ّابُ َ
الر ّحِيم ُ((. ))إ َن ّه ُ ه ُو َ َ
السلام ،فهؤلاء اللاو يون هم الذين لم يعبدوا العجل)) ،فَتَابَ عَلَيْكُمْ(( أي :قبل توبتكم ِ
تفسير قوله تعالى) :ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلـكم تشكرون( ٦.٦
تفسير قوله تعالى) :ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلـكم تشكرون(
قال الل ّٰه تعالى} :ث َُم ّ بَعَث ْنَاك ُ ْم م ِنْ بَعْدِ مَو ْتِك ُ ْم لَع َل ّـك ُ ْم تَشْك ُر ُونَ{ ]البقرة)) [٥٦:ث َُم ّ بَعَث ْنَاكُمْ(( أي :أحييناكم ))م ِنْ بَعْدِ مَو ْتِك ُ ْم لَع َل ّـك ُ ْم
تَشْك ُر ُونَ(( يعني :تشكرون نعمتنا لذلك الإحياء.
Shamela.org ١٥٦
البقرة ][66 - 51 ٦
]البقرة [٥٧:يعني :كانوا في فترة التيه في شدة الحر ،فكان الل ّٰه سبحانه وتعالى يظللهم بالغمام ،وهو سحاب رقيق ،فلذلك قال السيوطي:
))وَظ ََل ّل ْنَا عَلَيْكُم ُ الْغَم َام َ(( أي :سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه)) ،و َأَ نزَل ْنَا عَلَيْكُم ُ ال ْم ََنّ و َال َ ّ
سل ْو َى(( يعني :وأنزلنا
عليكم في َ
الت ّي ِه المن والسلوى ،يقول هما :الترنجبين ،وهو شيء مثل العسل الأبيض ،يقع على الشجر فيأكله الناس ،ولا أستطيع أن
أقطع وأجزم بأنه موجود حتى الآن؛ لـكن حكى لي أحد إخواننا الأفاضل أنه منذ عشرين سنة سافر إلى العراق ،فأحضر معه نوعا ًمن
)البودرة( البيضاء وطعمها كالعسل تماماً ،يقول :إنهم في تركيا والعراق في الصباح يجمعونها من فوق أوراق الأشجار ،وهي تسقط من
السماء ،وهذه الظاهرة موجودة في تركيا والعراق ،فيجمعونها و يضيفون لها بعض المكسرات ويسمونها في المحلات )م َنّ السماء( ،وأنا
قد أكلت منها ،لـكن هل هذا هو الملف الل ّٰه تعالى أعلم.
والطير السماني هو السلوى.
ات م َا رَز َق ْنَاكُمْ(( يعني :ونزلنا عليكم المن والسلوى ،وقلنا :كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تدخروا ،وطبيعة اليهود
))ك ُلُوا م ِنْ طَي ِّب َ ِ
معروفة ،فكفروا النعمة وادخروا ،فقطع الل ّٰه تعالى عنهم النعمة لما ادخروا.
))وَم َا ظَلَم ُون َا(( يعني :ما نقصونا وما ضرونا)) ،و َلـَكِنْ ك َانُوا أَ نف ُسَه ُ ْم يَظْل ِم ُونَ((؛ لأن وباله عليهم؛ هذا معنى الظلم ،فهم الذين ظلموا
أنفسهم بقطع هذه النعمة عنهم.
تفسير قوله تعالى) :وإذ قلنا ادخلوا هذه القر ية وسنزيد المحسنين( ٦.٨
تفسير قوله تعالى) :وإذ قلنا ادخلوا هذه القر ية وسنزيد المحسنين(
خطَاي َاك ُ ْم وَسَنَز ِيد ُ ح َّ
طة ٌ نَغْفِر ْ لـَك ُ ْم َ شئ ْتُم ْ ر َغَدًا و َا ْدخ ُلُوا ال ْبَابَ سُ َج ّدًا و َقُولُوا ِ
حي ْثُ ِ
قال تعالى} :و َِإ ْذ قلُ ْنَا ا ْدخ ُلُوا هَذِه ِ الْقَر ْيَة َ فَك ُلُوا مِنْهَا َ
ال ْم ُحْ سِنِينَ{ ]البقرة [٥٨:يعني :بعدما بقوا في صحراء التيه وخرجوا منها)) :و َِإ ْذ قلُ ْنَا ا ْدخ ُلُوا(( قلنا لهم بعد خروجهم من التيه :ادخلوا
هذه القر ية بيت المقدس أو أر يحا.
شئ ْتُم ْ ر َغَدًا(( يعني :أكلا ًواسعا ًلا حجر فيه)) :ر َغَدًا(( ،أي :لا حجر فيه)) :و َا ْدخ ُلُوا ال ْبَابَ (( يعني :ادخلوا بابها
حي ْثُ ِ
))فَك ُلُوا مِنْهَا َ
سجداً ،والباب هنا المقصود به :باب القر ية ))سُ َج ّدًا(( يعني :منحنين أو ركعاً ،والانحناء قد يسمى سجودا ً ))و َا ْدخ ُلُوا ال ْبَابَ سُ َج ّدًا((
أي :منحنين؛ لأجل مهمة كبرى ،وهل يمكن أن يدخلوا الباب وهم ساجدون؟ سيبقى الأمر صعبا ً أن يزحف على الأرض وهو
ساجد ،فلذلك تعيَ ّن أن يفسر قوله) :وادخلوا الباب( أي :باب القر ية )سجداً( أي :منحنين ،لـكي يستطيعوا أن يمشوا ،والمقصود :وهم
راكعون.
)وقولوا حطة( يعني :مسألتنا حطة ٌ؛ لأنها مرفوعة هنا ،فلا بد أن تقدر كخـبر ،ولو قلنا إن تقديرها) :نسألك حطة( لكانت منصوبة،
والمعنى :نسألك أن تحط عنا ذنوبنا ،وتغفر لنا هذه الذنوب.
وهنا أمرهم بفعل وقول ،أما الفعل فهو :السجود ،والقول :أثناء الدخول يقولون :حطة ،يعني :ح ُّط عنا خطايانا ،فهم عكسوا الفعلين،
لا امتثلوا في الأمر ولا في الفعل.
خطَاي َاكُمْ(( في قراءة )يُغفر لـكم خطاياكم(. ح َّ
طة ٌ نَغْفِر ْ لـَك ُ ْم َ وقوله)) :و َق ُولُوا ِ
))وَسَنَز ِيد ُ ال ْم ُحْ سِنِينَ(( يعني :بالطاعة ثواباً.
تفسير قوله تعالى) :فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم( ٦.٩
تفسير قوله تعالى) :فبدل الذين ظلموا قولا ًغير الذي قيل لهم(
Shamela.org ١٥٧
البقرة ][66 - 51 ٦
تفسير قوله تعالى) :وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد( ٦.١١
تفسير قوله تعالى) :وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد(
ْض م ِنْ بَقْلِه َا و َق َِث ّائِهَا و َف ُومِهَا و َعَد َسِه َا
يخْرِجْ لَنَا م َِم ّا تُن ْب ِتُ الأَ ر ُ حدٍ فَا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك ُ قال تعالى} :و َِإ ْذ قلُ ْتُم ْ ي َا م ُوس َى لَنْ نَصْ بِر َ عَلَى َطع َا ٍم و َا ِ
ن
َب م ِ َ ن لـَك ُ ْم م َا سَأَ ل ْتُم ْ و َضُر ِب َْت عَلَيْهِم ُ الذِّل َ ّة ُ و َال ْم َ ْ
سكَن َة ُ و َب َاءُوا بِغَض ٍ ل أَ تَسْتَبْدِلُونَ ال َ ّذ ِي ه ُو َ أَ دْنَى ب ِال َ ّذ ِي ه ُو َ خَيْر ٌ اه ْبِط ُوا مِصْر ًا ف َِإ َ ّ
و َبَصَلِه َا قَا َ
صو ْا وَك َانُوا يَعْتَد ُونَ{ ]البقرة [٦١:يعني :لن نصبر على
ك بِمَا ع َ َ الل ّه ِ و َيَقْتُلُونَ َ
الن ّب ِيِّينَ بِغَيْر ِ الْحَقّ ِ ذَل ِ َ َات َ الل ّه ِ ذَل ِ َ
ك ب ِأَ َ ّنه ُ ْم ك َانُوا ي َ ْكف ُر ُونَ ب ِآي ِ َ
نوع واحد من الطعام ،وهو المن والسلوى.
Shamela.org ١٥٨
البقرة ][66 - 51 ٦
ْض(( )يخرج لنا( يعني :شيئاً)) :م َِم ّا تُن ْب ِتُ الأَ ر ُ
ْض م ِنْ بَقْلِه َا(() ،من( هنا :للبيان ،ما الذي يخْرِجْ لَنَا م َِم ّا تُن ْب ِتُ الأَ ر ُ ))فَا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك ُ
يخرج من الأرض؟ وما الذي تنبته الأرض؟ ))م ِنْ بَقْلِه َا و َق َِث ّائِهَا و َف ُومِهَا(( أي :حنطتها ،أو )ثومها( في قراءة ابن مسعود ،وهنا أشار
يخْرِجْ لَنَا م َِم ّا تُن ْب ِتُ الأَ ر ُ
ْض م ِنْ بَقْلِه َا القاسمي إشارة طيبة إلى أن العرب أحيانا ًيبدلون الفاء بالثاء ،يقول أحد العلماء)) :فَا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك ُ
و َق َِث ّائِهَا و َف ُومِهَا(( يقول :هو الثوم؛ لقراءة ابن مسعود) :وثومها( وللتصريح به في التوراة في هذه القصة ،فالفوم المقصود به :الثوم ،وقد
ذكر ابن جرير شواهد لإبدال الثاء فاء ،مثل الإبدال الذي في لفظ الخيل والخـير ،فكثيرا ً ما يعبر العرب عن الخيل بالخـير؛ ولذلك سمى
النبي عليه الصلاة والسلام زيد الخيل بـ )زيد الخـير( ،والحديث ربط بينهما) :الخيل معقود في نواصيها الخـير إلى يوم القيامة(.
يقول :ذكر ابن جرير شواهد إبدال الثاء فاء؛ لتقارب مخرجيهما ،لذلك العرب يبدلونها كقولهم للأثاثي :أثافي ،تقول) :ثالثة الأثافي(،
فالعرب عندما كانوا يطبخون يأتون بحجرين صغيرين تحت القدر ،و يأتون بحجر كبير وراءهما؛ لـكي تكون ثلاثة أحجار ،والإناء يستقر
عليه ،فيسمون الحجر الثالث :ثالثة الأثافي.
وقولهم) :وقعوا في عاثور شر( عاثور هو الحفرة ،أو يقال) :عافور شر( ،كذلك المغافير يقولون فيها :المغاثير.
ل أَ تَسْتَبْدِلُونَ(( أي :قال لهم موسى ))أَ تَسْتَبْدِلُونَ ال َ ّذ ِي ه ُو َ أَ دْنَى(( أدنى :أخف ))ب ِال َ ّذ ِي ه ُو َ خَيْر ٌ(( أي :بالذي
))و َعَد َسِه َا و َبَصَلِه َا قَا َ
هو أشرف ،يعني :أتأخذونه بدله؟! والهمزة استفهام للإنكار ،فأبوا أن يرجعوا ،فدعا موسى الل ّٰه سبحانه وتعالى بما طلبوه ،والسيوطي
يملأ ما بين الآيات بالمعاني التي ينبغي أن تكون موهبة الفهم يعني :فدعا موسى ربه سبحانه وتعالى بما طلبوه ،فقال تعالى)) :اه ْبِط ُوا
مِصْر ًا ف َِإ َ ّ
ن لـَك ُ ْم م َا سَأَ ل ْتُم ْ((.
الل ّه ُ آم ِنِينَ{ ]يوسف[٩٩: ما الفرق بين)) :اه ْبِط ُوا مِصْر ًا ف َِإ َ ّ
ن لـَك ُ ْم م َا سَأَ ل ْتُم ْ(( ،وبين قول يوسف عليه السلام} :ا ْدخ ُلُوا مِصْر َ ِإ ْن شَاء َ َ
تحْتِي{ ]الزخرف.[٥١:
تجْرِي م ِنْ َ
ك مِصْر َ و َهَذِه ِ الأَ نْهَار ُ َ وبين قول فرعون لعنه الل ّٰه} :أَ لَي َ
ْس ل ِي مُل ْ ُ
قوله) :ادخلوا مصر إن شاء الل ّٰه آمنين( هذه علم على مصر المعروفة ،وقوله) :اهبطوا مصراً( أي :مصرا ً من الأمصار ،فلم تكن علما ً
على مكان فنونت.
إذاً :قوله)) :اه ْبِط ُوا مِصْر ًا(( أي :انزلوا مصرا ً من الأمصارَ ،
أيّ بلدٍ ،أنتم تسألون أشياء هينة لا تستحق هذا الذي تفعلونه كله ،فانزلوا
أي بلد فيها الثوم والعدس ،فمعنى الكلام :اهبطوا مصرا ً من الأمصار فهذا شيء هيِّن ،أنتم تطلبون شيئا ً دنيئا ً بالنسبة لما كان يعطيكم
ك مِصْر َ و َهَذِه ِ
ْس ل ِي مُل ْ ُ
الل ّٰه سبحانه وتعالى ،انزلوا في أي بلد ،فستجدون ما تطلبون ،ولـكن مصر الممنوعة من الصرف هي بلادنا} ،أَ لَي َ
تحْتِي{ ]الزخرف ،[٥١:أما قوله) :مصراً( بالتنوين يعني :بلدا ً من البلدان أو مصرا ً من الأمصار.
تجْرِي م ِنْ َ
الأَ نْهَار ُ َ
))اه ْبِط ُوا مِصْر ًا ف َِإ َ ّ
ن لـَك ُ ْم م َا سَأَ ل ْتُم ْ(( يعني :فإن لـكم فيه ما سألتم من النبات.
قوله)) :و َضُر ِب َْت عَلَيْهِم ُ الذِّل َ ّة ُ و َال ْم َ ْ
سكَن َة ُ(( أي :جعلت عليهم الذلة والهوان )والمسكنة( وهو أثر الفقر؛ لأن الفقير إذا اشتد فقره وعناؤه
فإنه يسكن ،فالفقر يقترن بالسكون وقلة الحركة ،فلذلك يعبر به عن المسكنة) ،والمسكنة( أثر الفقر من السكون والخزي ،فهي لازمة
لليهود وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته ،أي :طبعت عليهم فلا تفارقهم ،مثل أي عملة معدنية عليها النقش المكتوب أو
الرسم الموجود ،فهذا هو السر في استعمال تعبير) :ضربت عليهم( يعني :لازمتهم فلا تفارقهم الذلة والمسكنة ،كما أن الكتابة والنقوش
التي تكون على المعادن -التي تسك -تكون لازمة لها لا تفارقها.
وهنا القاسمي أتى بمعنى عظيم جداً ،يقول رحمه الل ّٰه تعالى :والمسكنة مفعلة من السكون؛ لأن المسكين قليل الحركة والنهوض لما به من
الفقر ،والمسكين :مفعيل منه ،وفي الذلة :استعارة بالكناية ،ضربت عليهم الذلة حيث شبهت بالقبة في الشمول والإحاطة ،فالذل يحيط
بهم ،أو شبهت الذلة بهم بلصوق الطين بالحائط في عدم الانفكاك ،وهذا الخـبر الذي أخبر الل ّٰه تعالى به هو معلوم في جميع الأزمنة؛ فإن
اليهود أذل الفرق وأشدهم مسكنة ،وأكثرهم تصاغراً ،لم ينتظم لهم جمع ،ولا خفقت على رءوسهم راية ،ولا ثبتت لهم ولاية ،بل
Shamela.org ١٥٩
البقرة ][66 - 51 ٦
ما زالوا عبيد العصي في كل زمن ،وطروقة كل فحل في كل عصر ،ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بلغت الـكثرة أي مبلغ
فهو مرتد بأثواب المسكنة.
وهذه الحقيقة لا يماري فيها أي إنسان يتعامل مع اليهود أو رأى اليهود واقترب منهم ،حتى ولو كان اليهودي أغنى أغنياء العالم ،فمهما
يكن عنده من غنى فإنك تجد الذل والمسكنة وصفا ًلازما ًله لا يفارقه أبداً ،أما ما هم عليه الآن فهذا خلاف الأصل ،وهذا من العلو
الذي ذكره الل ّٰه سبحانه وتعالى} :و َلَتَعْل ُ َنّ عُل ًُو ّا كَب ِير ًا{ ]الإسراء ،[٤:ولـكن سنة الل ّٰه سبحانه وتعالى} :و َِإ ْن ع ُ ْدتُم ْ عُدْن َا{ ]الإسراء ،[٨:إن
عدتم إلى الإفساد عدنا لأن نسلط عليكم عبادا ً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ،فلا شك أنه لن يدوم لليهود ما هم فيه الآن
من العلو والغلبة ،وإن كنا نعتقد أنهم حتى في هذه الحالة ما زالت الذلة والمسكنة مضروبة عليهم قال الل ّٰه} :و َِإ ْذ ت َأَ َذّنَ ر َُب ّ َ
ك لَيَبْع َث َ ّن عَلَيْه ِ ْم
َاب{ ]الأعراف ،[١٦٧:لا بد أن يسلط الل ّٰه سبحانه وتعالى عليهم من يسومهم سوء العذاب حتى
ِإلَى يَو ْ ِم الْق ِيَامَة ِ م َنْ يَس ُومُه ُ ْم سُوء َ الْعَذ ِ
الل ّهِ((.
ن َ الل ّهِ(( )باءوا( يعني :رجعوا ))بِغَض ٍ
َب م ِ َ ن َ َب م ِ َ
ولو كانوا أطفالا ًيرمونهم بالحجارة ،فما بالك بمن فوقهم؟! ))و َب َاءُوا بِغَض ٍ
))ذَلِكَ(( يعني :ذلك الضرب والغضب المشار إليه بقوله)) :و َضُر ِب َْت عَلَيْهِم ُ الذِّل َ ّة ُ و َال ْم َ ْ
سكَن َة ُ(() ،ذلك( أي :الضرب والغضب
)بأنهم( أي :بسبب أنهم )كانوا يكفرون بآيات الل ّٰه و يقتلون النبيين بغير الحق( كزكر يا و يحيى عليهما السلام.
))بِغَيْر ِ الْحَقّ ِ(( أي :ظلماً ،ومثل هذا القيد لا مفهوم له؛ لأن كل نبي قتل لا بد أنه قتل بغير حق ،فهذا ليس له مفهوم مخالفة،
مثل قوله تعالى} :و َلا تُكْر ِه ُوا فَتَيَاتِك ُ ْم عَلَى ال ْبِغ َاء ِ ِإ ْن أَ ر َ ْدنَ تَح َُصّ نًا{ ]النور ،[٣٣:فهل يفهم من ذلك أن الإماء إن لم يردن تحصنا ً يجوز
أن يكرهن على البغاء؟! لا مفهوم له؛ وكذلك قوله} :و َلا تَقْتُلُوا أَ وْلاد َك ُ ْم َ
خشْي َة َ ِإمْلاقٍ{ ]الإسراء ،[٣١:فهل يمكن لإنسان أن يقتل
أولاده بسبب عدم الإملاق؟ لا ،كذلك قوله} :لا ت َأْ ك ُلُوا الر ِّب َا أَ ضْ ع َافًا مُضَاعَف َة ً{ ]آل عمران ،[١٣٠:هل م َنْ يأكل الربا بنسبة ضئيلة،
وليس أضعافا ًمضاعفة يحل له الربا؟! لا ،فهذا كله مما لا مفهوم له ،كذلك هنا)) :و َيَقْتُلُونَ َ
الن ّب ِيِّينَ ب ِغَيْر ِ الْحَقّ ِ(( ،هذا بيان بأن كل
الل ّه ِ ِإلَهًا آخَر َ لا
قتل للأنبياء يكون بغير حق ،ولا يمكن لأحد أن يقتل الأنبياء و يكون على حق ،فهو مثل قوله تعالى} :وَم َنْ ي َ ْدع ُ م َ َع َ
بُرْه َانَ لَه ُ بِه ِ{ ]المؤمنون [١١٧:فهل يمكن لإنسان أن يعبد إلها ًغير الل ّٰه إذا كان عنده برهان على ذلك؟! لا ،فهذا لا مفهوم له.
صو ْا وَك َانُوا يَعْتَد ُونَ(( أي :يتجاوزون الحد في المعاصي.
ك بِمَا ع َ َ
))ذَل ِ َ
Shamela.org ١٦٠
البقرة ][66 - 51 ٦
تفسير قوله تعالى) :وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور( ٦.١٣
تفسير قوله تعالى) :ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت( ٦.١٥
تفسير قوله تعالى) :ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت(
ْت فَق ُل ْنَا لَه ُ ْم كُونُوا ق ِرَدَة ً خ َاسِئِينَ{ ]البقرة ،[٦٥:اللام هنا لام القسم) :ولقد علمتم( ن اعْتَدَوْا مِنْك ُ ْم فِي ال َ ّ
سب ِ قال تعالى} :و َلَق َ ْد عَلِم ْتُم ُال َ ّذ ِي َ
أي :عرفتم) ،الذين اعتدوا( أي :تجاوزوا الحد) ،منكم في السبت( وقصة السبت معروفة ،وقد حصلت لأهل المدينة التي اسمها الآن
)إيلات( على خليج العقبة ،وكانت تسمى )أيلة(.
ْت(( أي :الذين تجاوزوا الحد منكم في السبت؛ لصيد السمك وقد نهيناهم عنه)) ،فَق ُل ْنَا لَه ُ ْم ن اعْتَدَوْا مِنْك ُ ْم فِي ال َ ّ
سب ِ ))و َلَق َ ْد عَلِم ْتُم ُ ال َ ّذ ِي َ
كُونُوا ق ِرَدَة ً خ َاسِئِينَ(( يعني :مبعدين ،فمسخهم الل ّٰه سبحانه وتعالى مسخا ً حقيقيا ً فكانوا قردة ،وهلـكوا بعد ثلاثة أيام؛ لأن سنة الل ّٰه
Shamela.org ١٦١
البقرة ][81 - 67 ٧
سبحانه وتعالى أن القوم الذين يمسخون لا يعيشون ،فيمسخون أولا ً ثم يموتون ،ولا يكون لهم عقب ونسل)) :فَق ُل ْنَا لَه ُ ْم كُونُوا ق ِرَدَة ً
خ َاسِئِينَ(( )خاسئين( يعني :مبعدين ،فكانوا كذلك وهلـكوا بعد ثلاثة أيام.
تفسير قوله تعالى) :فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها( ٦.١٦
تفسير قوله تعالى) :فجعلناها نكالا ًلما بين يديها وما خلفها(
قال تعالى} :فَجَعَل ْنَاه َا نَك َال ًا لم َِا بَيْنَ يَدَيْهَا وَم َا خ َلْفَه َا وَمَوْعِظَة ً لِل ْم َُت ّق ِينَ{ ]البقرة [٦٦:يعني :تلك العقوبة) ،نَك َال ًا( يعني :عبرة لغيرهم مانعة
من العمل بمثل ما عملوا)) :نَك َال ًا لم َِا بَيْنَ يَدَيْهَا وَم َا خ َلْفَه َا(( أي :الأمم التي في زمانها وبعد زمانها)) ،وَمَوْعِظَة ً لِل ْم َُت ّق ِينَ(( أي :المتقين
لل ّٰه ،وخصوا بالذكر لأنهم هم الذين ينتفعون بالموعظة ،بخلاف غيرهم.
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال موسى لقومه إن الل ّٰه يأمركم أن تذبحوا بقرة( ٧.١
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال موسى لقومه إن الل ّٰه يأمركم أن تذبحوا بقرة(
ل أَ ع ُوذ ُ ب َِالل ّه ِ أَ ْن أَ كُونَ م ِ َ
ن الْجا َه ِلِينَ{ ]البقرة[٦٧: الل ّه َ ي َأْ م ُرُك ُ ْم أَ ْن ت َ ْذبَح ُوا بَق َرَة ً قَالُوا أَ ت َ ّتخِذ ُن َا ه ُزُو ًا قَا َ
ن َ ل م ُوس َى لِقَوْمِه ِ ِإ َ ّ
قال تعالى} :و َِإ ْذ قَا َ
يعني :واذكر إذ قال موسى لقومه ،انظر دقة السيوطي في التفسير ،يقول) :وإذ قال موسى لقومه( يعني :واذكر إذ قال موسى لقومه ،وقد
قُتل لهم قتيل لا يدرى قاتله ،وقد سألوه أن يدعو الل ّٰه أن يبينه لهم فدعاه ،فأصل الآية هنا كأن فيها تقديما ًوتأخيراً ،فالذي حصل أن
قتل لهم قتيل ،ولم يعرفوا من الذي قتله ،ففزعوا إلى موسى وقالوا له :ادع لنا ربك يبېن لنا من الذي قتل هذا القتيل ،فدعاه؛ فلذلك
الل ّه َ ي َأْ م ُرُك ُ ْم أَ ْن ت َ ْذبَح ُوا بَق َرَة ً(( ،أَ َيّ بقرة ٍ) ،قالوا أتتخذنا هزؤاً( وفي قراءة أخرى)) :قَالُوا أَ ت َ ّتخِذ ُن َا
ن َ ل م ُوس َى لِقَوْمِه ِ ِإ َ ّ
يقول تعالى)) :و َِإ ْذ قَا َ
ه ُزُو ًا(( أو )هزءاً( ثلاث قراءات ،وقولهم) :أتتخذنا هزؤاً( هذا من سوء أدبهم مع نبيهم عليه السلام ،وهذه سنتهم وأخلاقهم ،وهم
يرون كل هذه المعجزات ،سبحان الل ّٰه!! )أتتخذنا هزءاً( بالهمز مع ضم الزاي وسكونها ،أو )هزواً( بضم الزاي ،مع إبدال الهمزة واواً،
أي :مهزوءا ً بنا! حيث نأتيك ونشكو لك أنه قتل منا قتيل ،ولا ندري من قاتله ،ونسألك أن تسأل ربك سبحانه وتعالى أن يبېن لنا
الل ّه َ ي َأْ م ُرُك ُ ْم أَ ْن ت َ ْذبَح ُوا بَق َرَة ً(( ،أتهزأ بنا؟ أتسخر منا؟! )أتتخذنا هزواً( أي :مهزوءا ً بنا ،حيث
ن َ ))إ َ ّ
الذي قتله ،فتجيب علينا وتقولِ :
ن الْجا َه ِلِينَ(( ،يعني :أمتنع بالل ّٰه من أن أكون من الجاهلين أي :المستهزئين ،فلما علموا ل أَ ع ُوذ ُ ب َِالل ّه ِ أَ ْن أَ كُونَ م ِ َ
تجيبنا بمثل ذلك)) :قَا َ
أن الموضوع عزم وجد وفرض لا هزل فيه ،قالوا :ادع لنا ربك يبېن لنا ما هي؟ فشددوا على أنفسهم ،ولو أنهم ذبحوا أي بقرة لقبل
الل ّٰه سبحانه وتعالى ذلك منهم؛ لـكن شددوا على أنفسهم فعاقبهم الل ّٰه بالتشديد عليهم؛ وذلك أن التوراة كان فيها آصار وأغلال ،فقد
كانت الشرائع أحيانا ً تنزل عقوبة لهم؛ لطبائعهم الخبيثة ،فكان من رحمة الل ّٰه سبحانه وتعالى أن بعث لهم محمدا ً عليه الصلاة والسلام:
ل َال ّتِي ك َان َْت عَلَيْهِمْ{ ]الأعراف[١٥٧:؛ لأن في التوراة أصرارا ً وأغلالا ًشديدة جداً ،وهي ٺتلاءم مع
ض ُع عَنْه ُ ْم ِإصْر َه ُ ْم و َالأَ غ ْلا َ
}و َي َ َ
طبيعتهم الخبيثة واللئيمة.
تفسير قوله تعالى) :قالوا ادع لنا ربك يبېن لنا ما هي( ٧.٢
تفسير قوله تعالى) :قالوا ادع لنا ربك يبېن لنا ما هي(
Shamela.org ١٦٢
البقرة ][81 - 67 ٧
هي َ{ ]البقرة [٦٨:انتبهوا! هنا جاءت كلمة )ما هي َ( جاءت فلما علموا أنه عزم أي :فرض لا هزل فيه} :قَالُوا ا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك يُبَې ِ ّ ْن لَنَا م َا ِ
مرتين ،في كل مرة عن سؤال مخالف لسؤال آخر ،وعن موضوع غير الآخر فكيف نميز بينهما؟ ففي الحالة الأولى كان المسئول عنه
ن بَيْنَ ذَلِكَ{ ]البقرة ،[٦٨:فالجواب يدل على أن السؤال كان ل ِإ َ ّنهَا بَق َرَة ٌ لا فَار ٌ
ِض و َلا بِك ْر ٌ ع َوَا ٌ ل ِإ َن ّه ُ يَق ُو ُ
سنها ،والدليل قوله تعالى} :قَا َ
عن السن.
ل ِإ َن ّه ُ هي َ ِإ َ ّ
ن ال ْبَق َر َ تَش َابَه َ عَلَي ْنَا{ ]البقرة ،[٧٠:يعني :هل هي عاملة أم سائمة؟! بدليل} :قَا َ الحالة الثانية} :قَالُوا ا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك يُبَې ِ ّ ْن لَنَا م َا ِ
ْض و َلا ت َ ْسقِي الْحَر ْثَ مُس ََل ّم َة ٌ لا شِي َة َ ف ِيهَا{ ]البقرة.[٧١: ل ِإ َ ّنهَا بَق َرَة ٌ لا ذ َلُو ٌ
ل ٺُثِير ُ الأَ ر َ يَق ُو ُ
ل ِإ َ ّنهَا بَق َرَة ٌ لا فَار ٌ
ِض(( يعني :ليست كبيرة ))إ َن ّه ُ يَق ُو ُ
هي َ(( أي :ما سنها؟ ))قَالَ(( أي :موسى ِ ))قَالُوا ا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك يُبَې ِ ّ ْن لَنَا م َا ِ
ن بَيْنَ ذَلِكَ(( يعني :بين ذلك المذكور من السنين
َف في سنها ))ع َوَا ٌ
السن ))و َلا بِك ْر ٌ(( يعني :ولا هي بكر صغيرة)) ،ع َوَانٌ(( أي :نَص ٌ
}فَافْع َلُوا م َا تُؤْم َرُونَ{ ]البقرة [٦٨:أي :ما تؤمرون به من ذبحها.
تفسير قوله تعالى) :قالوا ادع لنا ربك يبېن لنا ما لونها( ٧.٣
تفسير قوله تعالى) :قالوا ادع لنا ربك يبېن لنا ما لونها(
صفْرَاء ُ فَاق ِـ ٌع لَوْنُهَا{ ]البقرة [٦٩:أي :شديدة الصفرة} ،تَس ُ ُرّ
ل ِإ َ ّنهَا بَق َرَة ٌ َ
ل ِإ َن ّه ُ يَق ُو ُ قال تعالى} :قَالُوا ا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك يُبَې ِ ّ ْن لَنَا م َا لَوْنُهَا قَا َ
َ
الن ّاظِرِينَ{ ]البقرة [٦٩:أي :تعجب الناظرين إليها ،وهذا معروف فعلاً ،فاللون الأصفر من الألوان التي تدخل السرور على النفس،
ويدخل البهجة والفرحة والسرور على النفس.
صاف ،يعني :لا يخالطه أي لون آخر ،فسوف تدخل السرور على نفسك عندما تراها بهذا المنظر.
ٍ وتخيل بقرة في لون أصفر
)فاقع لونها( أي :شديد الصفرة) ،تسر الناظرين( أي :إليها من حسنها.
تفسير قوله تعالى) :قالوا ادع لنا ربك يبېن لنا ما هي إن البقر تشابه علينا( ٧.٤
تفسير قوله تعالى) :قالوا ادع لنا ربك يبېن لنا ما هي إن البقر تشابه علينا(
هي َ{ ]البقرة [٧٠:يعني :أسائمة هي أم عاملة؟ أتشتغل في الحرث أم لا؟ ِ}إ َ ّ
ن ال ْبَق َر َ تَش َابَه َ قال تعالى} :قَالُوا ا ْدع ُ لَنَا ر ََب ّ َ
ك يُبَې ِ ّ ْن لَنَا م َا ِ
عَلَي ْنَا{ ]البقرة [٧٠:أي :البقر المنعوت بما ذكر)) ،تَش َابَه َ عَلَي ْنَا(( ،لـكثرته؛ فلم نهتد إلى المقصود.
فهم في هذه المرة تأدبوا مع الل ّٰه وقالوا :و َِإ َن ّا ِإ ْن شَاء َ َ
الل ّه ُ لَمُهْتَد ُونَ ،فنفعتهم.
ل ِإ َ ّنهَا بَق َرَة ٌ لا ذ َلُولٌ{ ]البقرة [٧١:يعني :غير مذللة بالعمل} ،ٺُثِير ُ الأَ ر َ
ْض{ ]البقرة [٧١:أي :لا ٺثير الأرض؛ فهي بقرة ل ِإ َن ّه ُ يَق ُو ُ
}قَا َ
معززة مكرمة لا تشتغل بالحرث ،ولا تسقي الحرث ،وكلمة )لا( هنا تنفي الاثنين ،الذل وإثارة الأرض ،يعني :هي معززة مكرمة ،لا
تعمل في الحرث ولا الزراعة.
ْض(؛ لأن التي ٺثير الأرض تكون مذللة بالعمل ،فهذه البقرة لا ٺثير الأرض، ل ِإ َ ّنهَا بَق َرَة ٌ( ،ما لها؟ )لا ذ َلُو ٌ
ل ٺُثِير ُ الأَ ر َ ل ِإ َن ّه ُ يَق ُو ُ
)قَا َ
أي :لا تقلبها للزراعة ،والجملة )ٺثير الأرض( صفة لذلول داخلة في النفي أي :لا تعمل في حراثة الأرض.
}و َلا ت َ ْسقِي الْحَر ْثَ { ]البقرة ،[٧١:المقصود بالحرث الأرض المهيأة للزراعة ،فهي لا تسقي الأرض المهيأة للزراعة.
}مُس ََل ّم َة ٌ لا شِي َة َ ف ِيهَا{ ]البقرة) ،[٧١:مسلمة( يعني :من العيوب وآثار العمل)) ،لا شِي َة َ ف ِيهَا(( يعني :لا لون آخر فيها ،ولا يخالط لونها
الأصفر الفاقع أي لون آخر.
Shamela.org ١٦٣
البقرة ][81 - 67 ٧
جئ ْتَ
جئ ْتَ ب ِالْحَقّ ِ{ ]البقرة ،[٧١:انظر إلى سوء الأدب مع نبيهم عليه السلام ،وكأنه من قبل لم يأت به! )قَالُوا الآنَ ِ
}قَالُوا الآنَ ِ
ب ِالْحَقّ ِ( ،يعني :نطقت بالبيان التام.
فطلبوها فوجدوها عند الفتى اليتيم المقيم مع أمه فاشتروها بملء مسكها ذهباً ،والمسك هو الجلد.
}فَذَبَح ُوه َا وَم َا ك َاد ُوا ي َ ْفع َلُونَ{ ]البقرة [٧١:يعني :وما كادوا يفعلون بسبب غلاء ثمنها.
وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام) :لو ذبحوا أي بقرة كانت لجزأتهم ،ولـكن شددوا على أنفسهم؛ فشدد الل ّٰه عليهم(.
Shamela.org ١٦٤
البقرة ][81 - 67 ٧
]البقرة [٧٤:يعني :وإنما يؤخركم لوقتكم ،وفي قراءة) :وما الل ّٰه بغافل عما يعملون( ،وعلى هذا يكون التفات من الخطاب إلى الغيبة.
Shamela.org ١٦٥
البقرة ][81 - 67 ٧
يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى في هذه الآية وهو يؤيد تفسير ابن جرير الطبري} :ث َُم ّ يُح َرِّف ُونَه ُ{ ]البقرة [٧٥:يعني :يغيرونه ،يقول :ما نقلناه
عن ابن جرير وابن كثير في تفسير} :ث َُم ّ يُح َرِّف ُونَه ُ{ ]البقرة ،[٧٥:هو الأنسب باعتبار السياق -يعني :سياق الآيات القرآنية ،-ولا يتوهم
من ذلك دفع التحر يف اللفظي عن التوراة ،يعني :في هذا الموضع يمكن أن يقال :إن التحر يف هنا تحر يف للمعاني ،لـكن هذا لا
ينفي أنهم حرفوا الألفاظ ،فهذا ثابت في مواضع أخرى في القرآن ،لـكن في هذا الموضع بالذات الأقرب لسياق الآيات أن يقال :إن
التحر يف هنا تحر يف معنوي.
ولا يتوهم من ذلك دفع تحر يفهم اللفظي عن التوراة فإنه واقع بلا ريب ،فقد بدلوا بعضا ً منها وحرفوا لفظه ،وأولوا بعضا ً منها بغير
المراد ،وكذا يقال في الإنجيل ،ويشهد لذلك كلام أحبارهم ،فقد نقل العلامة الجليل الشيخ رحمة الل ّٰه الهندي في كتابه إظهار الحق:
أن أهل الكتاب سلفا ً وخلفا ً عادتهم جار ية بأن يبدلوا غالبا ً الأسماء في تراجمهم ،ويذكرون بدلها معانيها ،وهذا خطأ عظيم ،ومنشأ
ل ي َأْ تِي م ِنْ بَعْدِي اسْم ُه ُ أَ حْمَد ُ{ ]الصف [٦:عليه
للفساد ،مثلما فعلوا في كلمة) :الفراقليد( أو كلمة) :حمد( ،كما قال الل ّٰه} :وَم ُبَش ِّر ًا ب ِرَسُو ٍ
الصلاة والسلام ،فإنهم ترجموا معناها فقالوا :يعني :المستحق للحمد والمجد والثناء والمديح ،فحولوها وترجموها بالمعنى ،وبالتالي صارت
تلك الكلمة المشهورة عندهم وهي :الفراقليد أو البراقليط ،بالباء والفاء ،وهذه الكلمة معناها في اللغة اليونانية القديمة التي ترجم إليها
الإنجيل أولاً :الذي في اسمه حمد كثير ،أو الأمجد ،أو الأشهر ،أو الذي يستحق الثناء والحمد ،وهو محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم من حيث
الاشتقاق ،فالفراقليد تعني :أفعل تفضيل من حمد يعني :أحمد ،تماما ً كما قال الل ّٰه تبارك وتعالى ،ولـكن في القوم سجية غير محدثة وهي
التبديل والتحر يف ،هذه حرفة يهودية قديمة ،وتأسى بهم في ذلك أيضا ً النصارى ،فحرفوها ،والآن بدأت التراجم الحديثة تخلو من
كلمة )الفراقليد( ،لما رأوا أن هذه الكلمة قد استدل بها المسلمون ،وجعلوا بدلها المعزي أو المخلص حتى يهربوا ،وكل من يتابع التراجم
المتعددة لـكتبهم يجد عشرات الآلاف من الشواهد على هذا التحر يف! يقول :وأنهم يزيدون تارة شيئا ً بطر يق التفسير في الكلام،
فبحجة التفسير يزيدون في الكتاب الذي هو كلام الل ّٰه في زعمهم ،ولا يشيرون إلى التفسير ،ولا يفصلون بين كلام الل ّٰه الأصلي وبين
الكلام الذي يزيدونه! وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم ،ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك
الأمور كثيرة ،ثم ساق بعضا ًمنها.
وبعض علماء النصارى قال :إن يد المسلمين استطاعت أن تصل إلى الأناجيل وتحرفها ،والدليل على ذلك وجود كلمة الفراقليد في
الأناجيل ،فهذا يدل على أن المسلمين وصلوا للإنجيل وحرفوا فيه! قال :إننا لا نستطيع أن ننكر أن الفراقليد تعني أحمد ،فهذا يدل على
أن المسلمين هم الذين وضعوها! وهذا مسكين ،إذ إن هذه الكلمة في كل الـكتب القديمة والحديثة ،وهذه الكلمة موجودة عندهم من
قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ،وأهل الكتاب إذا قرأوا كلامه سيضحكون منه ،لـكن في نفس الوقت نحن نستفيد من ذلك
الدلالة الواضحة والصر يحة بوجود اسم أحمد عليه الصلاة والسلام في الأناجيل.
يقول أحد علماء النصارى في مسيرة البابا :إن بعضهم ذهب إلى أن روح القدس -من الوقاية -الـكتبة عثرة الخطأ الطفيف ،وإن روح
القدس تساهل معهم ،يعني :أن روح القدس لم يثبت كتبة الأناجيل في كل الأحوال ،لـكنه أحيانا ًكان يتساهل معهم في التصحيح،
أي :أنه لم يقهم عثرة الخطأ الطفيف ،ولا كفاهم زلة القدم ،حتى لم يستحل أنهم خلطوا البشر يات بالإلهيات! وفيه أيضاً :إن بين
النسخة العبرانية والسامرية واليونانية من الأسفار الخمسة خلافا ًعظيما ًفي أمر التاريخ.
إذاً :تحر يف الأسفار الخمسة أمر بين بشهادة أحد علمائهم.
وفيه أيضا ًفي الفصل الواحد والثلاثين :إن بعض علمائهم زعم أنه وجد في الترجمة اللاتينية العامية للعهدين :العتيق والجديد نيفا ًوأربعة
آلاف غلطة ،ورأى آخر فيها ما يزيد على ثمانية آلاف خطأ ،فثبت من شهادتهم وقوع التحر يف اللفظي فيها ،وهذا هو المقصود.
إذاً :التحر يف اللفظي مما لا ينكره أحد.
أما القول بتحر يف الأسفار كلها أو جلها ،وأن كل ما في التوراة وكل ما في الإنجيل محرف فهذا إسراف ،قال الحافظ ابن حجر في
Shamela.org ١٦٦
البقرة ][81 - 67 ٧
تفسير قوله تعالى) :وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا( ٧.٨
تفسير قوله تعالى) :وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا(
قال الل ّٰه تعالى} :و َِإذ َا لَق ُوا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا{ ]البقرة ،[٧٦:الواو هنا تعود إلى طائفة من اليهود ،جمعوا بين كفر اليهودية وبين النفاق.
قال السيوطي رحمه الل ّٰه) :وإذا لقوا( أي :منافقوا اليهود.
ن آم َن ُوا قَالُوا آم ََن ّا{ ]البقرة ،[٧٦:آمنا بأن محمدا ً عليه الصلاة والسلام نبي وهو مبشر به في كتابنا ،فإما أنهم قالوا ذلك
}و َِإذ َا لَق ُوا ال َ ّذ ِي َ
مجاملة لحلفائهم من الأوس والخزرج ،أو أنهم قالوا ذلك باعتبار أن هذه حقيقة أجلى من أن تذكر؛ فكانوا لا يستطيعون أن ينكروها
إذا قابلوا المسلمين.
ض قَالُوا{ ]البقرة [٧٦:أي :إذا انضم اليهود بعضهم إلى بعض) ،قال( رؤساؤهم
}و َِإذ َا خ َلا{ ]البقرة [٧٦:أي :رجع} ،بَعْضُه ُ ْم ِإلَى بَعْ ٍ
Shamela.org ١٦٧
البقرة ][81 - 67 ٧
تفسير قوله تعالى) :أو لا يعلمون أن الل ّٰه يعلم ما يسرون وما يعلنون( ٧.٩
تفسير قوله تعالى) :أو لا يعلمون أن الل ّٰه يعلم ما يسرون وما يعلنون(
إذاً :قوله تبارك وتعالى} :وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ لا يَعْلَم ُونَ الْكِتَابَ ِإ َلّا أَ م َان ِ َيّ{ ]البقرة ،[٧٨:هذه الآية في حق المقلدين من اليهود.
)منهم( ،من أهل الكتاب.
)أميون( ،جمع أمي ،وهو الرجل الذي لا يحسن الكتابة.
)لا يعلمون الكتاب( ،لا يدرون ما فيه؛ لأنهم لا يستطيعون الاطلاع على الكتاب؛ لأنهم لا يحسنون الكتابة ،وصفة الأمية لا تعني عدم
العلم؛ لأن العلم يحصل بواسطة طرائق أخرى أعلاها وأسماها وأجلها الوحي كما حصل لنبينا صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،فهنا وصفهم
بالأمية وبعدم العلم؛ فهم لا يدرون ما فيه من صفات النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ومن صفاته صلى الل ّٰه عليه وسلم أنه أمي ،لماذا؟ لأنه
Shamela.org ١٦٨
البقرة ][81 - 67 ٧
نحسب ،الشهر هكذا وهكذا وهكذا( ،أي :لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتنا إلى كتاب ولا حساب ،وهذا ليس مدحا ًللأمية لـكنه إشارة
إلى يسر الشر يعة الإسلامية ،وأنها شر يعة سهلة يستطيع أن يطبقها الشخص الأمي البدوي في الصحراء وعالم الفلك سواء بسواء ،إذ
كلاهما يستطيع أن يعرف متى وقت الفجر والظهر والعصر عن طر يق الظل والشمس ،كذلك متى يدخل الشهر ومتى يخرج.
هذا معنى أمة أمية ،يعني :شر يعتنا شر يعة تخاطبنا بما هو معهود للأميين البساطة والسهولة واليسر ،فكل الناس يستوون في سهولة تحصيل
العلم وتطبيق هذه الشرائع ،قال تبارك وتعالى} :ه ُو َ ال َ ّذ ِي بَع َثَ فِي ال ُأمّ ِيِّينَ رَسُول ًا مِنْهُمْ{ ]الجمعة ،[٢:عليه الصلاة والسلام.
يقول ابن جرير :نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه إشارة إلى أنه باق على أصل ولادة أمه ،كما
ن ُأ َمّهَاتِك ُ ْم لا تَعْلَم ُونَ َ
شي ْئًا{ ]النحل ،[٧٨:أي :فهو باق على أصل هذه النسبة إلى أمه من ساعة ما خرَجَك ُ ْم م ِنْ بُط ُو ِ
قال الل ّٰه} :و ََالل ّه ُ أَ ْ
ولد من بطن أمه وهو باق لم يكتسب التعلم بالكتابة والحساب.
وقوله}ِ :إ َلّا أَ م َان ِ َيّ{ ]البقرة ،[٧٨:هذا استثناء منقطع ،وتأتي فيه إلا بمعنى لـكن ،مثل قوله تعالى} :وَرَه ْبَان َيِ ّة ً اب ْتَدَع ُوه َا م َا كَتَب ْنَاه َا عَلَيْه ِ ْم
الل ّهِ{ ]الحديد ،[٢٧:هل معنى ذلك :أن الل ّٰه كتبها عليهم ابتغاء مرضاته؟ لا ،لـكن المقصود :ما أمرناهم بالرهبانية،
ن َ ِإ َلّا اب ْتِغ َاء َ رِضْ وَا ِ
وتحريم الطيبات ،لـكن كتبنا عليهم ابتغاء مرضات الل ّٰه بالعبادات الشرعية ،و )إلا( هنا أيضا ًمثل قوله تعالى} :م َا لَه ُ ْم بِه ِ م ِنْ عِلْم ٍ ِإ َلّا
ن{ ]النساء [١٥٧:أي :لـكن اتباع الظن؛ لأن العلم يتنافى مع الظن ،وكذلك قوله} :و َِإذِ اع ْتَزَلْتم ُُوه ُ ْم وَم َا يَعْبُد ُونَ ِإ َلّا َ
الل ّهَ{ ات ّبَِاعَ ال َ ّ
ظ ِّ
]الـكهف [١٦:يعني :لـكن لم تعتزلوا عبادة الل ّٰه ،وليس المعنى أنهم يعبدون الل ّٰه مع غيره.
وما الدليل على أن الاستثناء هنا منقطع في قوله تعالى} :وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ لا يَعْلَم ُونَ الْكِتَابَ ِإ َلّا أَ م َان ِ َيّ{ ]البقرة[٧٨:؟ لأن ما يتمنى وما
يختلق وما يتلى ليس من جنس علم الكتاب ،أي :لا يعلمون الكتاب لـكن يعلمون أماني منتهم بها أحبارهم ،فإن هذه الأماني ليست
من جنس الكتاب حتى تستثنى منه و يكون استثناء ً منفصلاً ،بل هي أماني وأكاذيب كان يخـترعها أحبارهم.
فلذلك نقول :ليس ما يتمنى و يختلق ويتلى من جنس علم الكتاب ،أي :لا يعلمون الكتاب لـكن يعلمون أماني منتهم بها أحبارهم.
)وأماني( جمع أمنية ،أصلها أمنو ية على وزن أفعولة ،فأعلت إعلال سيد وميت مع أن الألف فيهما أصلها الواو ،وقال بعض العلماء:
تمنى الشيء ،يعني :قدره وأحب أن يصير إليه ،وتمنى الكتاب قرأه ،وتمنى أيضا ًتأتي بمعنى كذب ،يقول عثمان :ما تمنيت منذ أسلمت،
يعني :ما كذبت منذ أسلمت.
فهم لا يعلمون الكتاب لـكن يتمنون الأماني حسبما منتهم أحبارهم من أن الل ّٰه سبحانه وتعالى يعفو عنهم ،وأن آباءهم الأنبياء يشفعون
لهم ،وغير ذلك من أمانيهم الفارغة التي لا تستند إلى الكتاب بل هي على زعم رؤسائهم ،مثلما ما حكى الل ّٰه تعالى عنهم} :و َقَالُوا لَنْ
ك أَ م َان ُِيّهُمْ{ ]البقرة [١١١:فهذه أحلامهم وأمانيهم وأكاذيبهم ،وقال تعالى} :لَي َ
ْس ب ِأَ م َانيِِّك ُ ْم ل الْج َنَ ّة َ ِإ َلّا م َنْ ك َانَ ه ُود ًا أَ ْو نَصَار َى تِل ْ َ
ي َ ْدخ ُ َ
ك أَ م َان ُِيّه ُ ْم ق ُلْ ه َاتُوا بُرْه َانَك ُ ْم ِإ ْن كُنتُم ْ صَادِق ِينَ{
يج ْز َبِه ِ{ ]النساء ،[١٢٣:وقال تبارك وتعالى} :تِل ْ َ
اب م َنْ يَعْم َلْ سُوءًا ُ
ل الْكِت َ ِ
و َلا أَ م َان ِ ِيّ أَ ه ْ ِ
]البقرة.[١١١:
أو يكون معنى الآية :لا يعلمون الكتاب لـكن أكاذيب مختلقة سمعوها من علمائهم فتقبلوها على التقليد ،وحمله البعض على القراءة ،وقالوا:
ل و َلا نَبِ ٍ ّي ِإ َلّا ِإذ َا تَم ََن ّى أَ لْقَى
ك م ِنْ رَسُو ٍ
الأماني المقصود بها القراءة ،واستشهدوا على ذلك بقوله تبارك وتعالى} :وَم َا أَ ْرسَل ْنَا م ِنْ قَب ْل ِ َ
Shamela.org ١٦٩
البقرة ][81 - 67 ٧
يتناسب مع قوله تبارك وتعالى} :وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ لا يَعْلَم ُونَ الْكِتَابَ ِإ َلّا أَ م َان ِ َيّ{ ]البقرة ،[٧٨:فالأمي لا يقرأ ،فلذلك يترجح التفسير الأول:
ل الْج َنَ ّة َ ِإ َلّا
إلا أكاذيب اختلقها لهم أحبارهم ومنوهم بها ،مثل قولهم :لو دخلنا النار فلن تمسنا النار إلا أياما ًمعدودة ،أو} :لَنْ ي َ ْدخ ُ َ
م َنْ ك َانَ ه ُود ًا أَ ْو نَصَار َى{ ]البقرة ،[١١١:أو :نحن شعب الل ّٰه المختار ،إلى غير ذلك من الأماني التي يمنيهم بها رؤساءهم وأحبارهم.
Shamela.org ١٧٠
البقرة ][81 - 67 ٧
)إلا أماني( كل ما عندهم :نحن أفضل الأمم ،نحن شعب الل ّٰه المختار ،نحن سندخل الجنة ،ولن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ًمثلنا
أو نصرانياً ،وهكذا.
)فو يل لهم مما كتبت أيديهم وو يل لهم مما يكسبون( الأول ماضي والثاني مضارع ،تنبيها ًعلى ما قال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من
سن في الإسلام سنة حسنة -يعني :قالها في الإسلام ولها عموم يدل عليها -فله أجرها ،وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ،ومن سن في
الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ،ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة( ،وحديث) :ما من نفس تقتل ظلما ًإلا كان على ابن آدم الأول
كفل منها(؛ لأنه أول من سن القتل ظلماً.
فكذلك هؤلاء الذين حرفوا الكتاب أضلوا بعدهم أمما ًمن المقلدين والأتباع ،ولما كانت الكتابة قد استغرقت زمنا ًفي الماضي ،ولذلك عبر
عنها بالماضي ،فقال) :و يل لهم مما كتبت أيديهم( من هذا التحر يف؛ لأن كلاهما يثبت وقوع تحر يف بالكتابة.
وقوله) :وو يل لهم مما يكسبون( ،عبر عن هذا المعنى بالمضارع لإفادة استمرار الوزر ،كما قال تعالى} :و َنَكْت ُبُ م َا ق َ ّدم ُوا و َآث َار َهُمْ{
]يس [١٢:والمقصود :الآثار التي تبقى بعد موتهم من السنن الحسنة أو السيئة.
والل ّٰه أتى بوصف اللنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم في التوراة والإنجيل وبإشارة مدرجة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم ،وقد قال العلماء :كل
كتاب منزل من السماء متضمن ذكر النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم بإشارات ،فماذا تكون بإشارات ،وليست في كل الأحوال إشارة واضحة
وبينة تماماً؟ لو كان ذلك متجليا ًللعوام لما عوتب علماؤهم على كتمانه ،ثم ازداد الأمر غموضا ًبنقله من لسان إلى لسان من العبري إلى
السر ياني إلى العربي ،إلا أن محصلته عند الراسخـين في العلم جلي ،وعند العامة خفي ،ولذلك توجه العتاب إلى العلماء؛ لأنهم كتموا هذا
الحق؛ ولأنه لا يدرك هذه الإشارات إلا العلماء الراسخون.
تفسير قوله تعالى) :وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة( ٧.١١
تفسير قوله تعالى) :وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما ًمعدودة(
الن ّار ُ ِإ َلّا أَ َي ّام ًا مَعْد ُودَة ً{ ]البقرة ،[٨٠:وذلك لما أوعدهم النبي عليه الصلاة والسلام وخوفهم بالنار ردوا
سنَا َ
قال الل ّٰه تعالى} :و َقَالُوا لَنْ تَم َ َ ّ
وقالوا :لن تصيبنا النار إلا أياما ًمعدودة قليلة ،ووصفها بمعدودة وصف دقيق جدا ً في التعبير عن هذا المعنى ،يعني :حتى لو دخلنا النار
فلن نخلد فيها :هذا كلام اليهود ،لماذا؟ لأن كل معدود منقضي ،وانظر إلى رمضان يقول الل ّٰه تبارك وتعالى فيه} :أَ َي ّام ًا مَعْد ُود ٍ
َات{
]البقرة ،[١٨٤:فما دام أن له عددا ً فلابد أن ينقضي ،ولذلك وصفها الل ّٰه تعالى بأنها أياما ً معدودات ،فكل معدود منقضي ،ولذلك
قالوا :لن تمسنا النار إلا أياما ًمعدودة ،فهم يريدون أن يقولوا :حتى وإن دخلنا النار فلن نخلد فيها ،ولن نمكث فيها إلا أياما ًمعدودات،
وقد اختلف المفسرون في هذه الأيام المعدودات :فقال بعضهم -كما ذكر السيوطي :-هي أربعون يوما ًمدة عبادة آبائهم العجل ،أي:
لأنهم عبدوا العجل أربعين يوما ًفسيبقون في النار أربعين يوما ًفقط.
وبعضهم قال :سبعة أيام؛ لأن اليهود يزعمون أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة ،وعن كل ألف سنة سيعذبون يوماً ،وبالتالي يبقون في
النار سبعة أيام.
الل ّه ِ ع َ ْهدًا{ ]البقرة [٨٠:يعني :بأن الل ّٰه سبحانه وتعالى لن يعذبكم سوى هذا المقدار! )قل( ،قل لهم يا محمد.
}قُلْ أَ َتّ خ َ ْذتُم ْ عِنْد َ َ
)أتخذتم( أصلها) :أأتخذتم( فحذفت منها همزة الوصل استغناء ً بهمزة الاستفهام) ،قل أتخذتم عند الل ّٰه عهداً( أي :ميثاقا ًمن الل ّٰه بذلك.
الل ّه ُ ع َ ْهدَه ُ{ ]البقرة [٨٠:يعني :إذا كان الل ّٰه فعلا ًوعدكم بهذا فلن يخلف عهده ،لـكن هذا لم يحصل وليس عندكم عهد من
يخ ْل َِف َ
}فَلَنْ ُ
الل ّٰه تبارك وتعالى بذلك.
الل ّه ِ م َا لا تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة) ،[٨٠:أم( هذه منقطعة مقدرة ببل والهمزة ،يعني :بل أتقولون على الل ّٰه ما لا تعلمون؟!
}أَ ْم تَق ُولُونَ عَلَى َ
Shamela.org ١٧١
البقرة ][81 - 67 ٧
Shamela.org ١٧٢
البقرة ][91 - 82 ٨
الخلاصة) :بلى( يعني :ليس الأمر كما زعمتم ،بلى ستمسكم النار وتخلدون فيها.
)من كسب سيئة( شركاً.
)وأحاطت به خطيئته( هنا بالإفراد ،وفي قراءة أخرى الجمع )خطيئاته( أي :استولت عليه وأحدقت به من كل جانب بأن مات
مشركاً.
)فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون( روعي فيه معنى )من( ،لا لفظ )من( ،فـ) :من( قد تكون مفردا ً لـكن باقي الآية تراعي
المعنى؛ )من( يعبر في لفظها عن واحد ،لـكن من حيث المعنى بالجمع ،فروعي في )من( هنا معنى الجمع) ،فأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون(.
تفسير قوله تعالى) :وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الل ّٰه( ٨.١
تفسير قوله تعالى) :وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الل ّٰه(
الل ّه َ و َب ِال ْوَالِدَي ْ ِن ِإحْ سَان ًا وَذِي الْقُر ْبَى و َال ْيَتَام َى و َال ْمَسَاكِينِ و َق ُولُوا ل ِ َلن ّا ِ
س ل لا تَعْبُد ُونَ ِإ َلّا َ
قال الل ّٰه تعالى} :و َِإ ْذ أَ خَذْن َا م ِيثَاقَ بَنِي ِإسْر َائيِ َ
حسْنًا{ ]البقرة.[٨٣:
ُ
)وإذ( أي :واذكر إذ) ،أخذنا ميثاق بني إسرائيل( في التوراة) ،لا تعبدون( ،يعني :وقلنا :لا تعبدون ،بالتاء والياء )لا يعبدون( خبر
بمعنى النهي ،وقرئ شذوذاً) :لا تعبدوا( ،لـكن القراءة الصحيحة بإثبات النون ،فالفعل مضارع مرفوع بثبوت النون مثل قوله تعالى:
)لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم( ،جاء الفعل المضارع في المواضع الثلاثة مرفوعاً؛ لأن )لا( التي قبله ليست ناهية ،فالجملة
خبر ية جاء النهي فيها بلفظ الخـبر ،وهذا أبلغ من صريح النهي ،فمثلا ً حديث) :لا ضرر ولا ضرار( ،لا هنا نافية؛ فهو خبر لـكن من
ل فِي الْح َ ِجّ { ]البقرة،[١٩٧:
جد َا َ
حيث المعنى إنشاء ،أو بعبارة أخرى :هو نفي يراد به النهي ،مثل قوله تعالى} :فَلا ر َف َثَ و َلا فُس ُوقَ و َلا ِ
فهذه ظاهرها الخـبر ،والمقصود بها الإنشاء ،ولا يمكن أن يكون المقصود بها الخـبر؛ إذ ليس كل الحجاج فيهم أحد يرفث أو يفسق أو
يجادل.
فكذلك هنا} :لا تَعْبُد ُونَ ِإ َلّا َ
الل ّهَ{ ]البقرة) ،[٨٣:لا( هنا لا نافية وليست ناهية؛ لأنها لو كانت ناهية فسوف تكون الآية هكذا )لا
تعبدوا إلا الل ّٰه( ،فيلزم حذف النون ،لـكن الآية) :لا تعبدون( فالفعل مرفوع ،فدل على أن) :لا( هنا هي النافية ،لـكن من حيث
المعنى :هي خبر مقصود به الإنشاء.
كل الكلام الـكثير الذي قلناه الآن حول كلمة )لا تعبدون( لخصه السيوطي رحمه الل ّٰه في ثلاث كلمات فقال :خبر بمعنى النفي.
قوله) :و َب ِال ْوَالِدَي ْ ِن ِإحْ سَان ًا( أي :وأحسنوا بالوالدين إحسانا ًيعني :براً.
)وَذِي الْقُر ْبَى( يعني :القرابة ،وهذا عطف على الوالدين.
حسَناً(.
حسْنًا{ ،القراءة التي يعتمدها الجلال السيوطيَ ) : قوله} :و َال ْيَتَام َى و َال ْمَسَاكِينِ و َق ُولُوا ل ِ َلن ّا ِ
س ُ
أي :قولوا للناس حُسنا أو حَسناً ،أي :قولا ً حسنا ً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم
والرفق بهم.
وهذه الآية نحتاجها كثيرا ً جداً؛ لأن كثيرا ً من الإخوة الملتزمين يتصورون أن الفظاظة والإساءة والغلظة وسوء الخلق جائز مع الـكفار،
وهذه الآية دليل على استحباب التزام الرفق وحسن الخلق مع كل الخلق حتى لو كانوا كفاراً ،كما قال الل ّٰه واصفا ًنبيه} :و َِإ َن ّ َ
ك لَعَلى
Shamela.org ١٧٣
البقرة ][91 - 82 ٨
فهذه الآية من الآيات التي ينبغي أن يفهمها الإخوة فهما ً جيداً) ،قولوا للناس( تشمل المسلمين والنصارى واليهود وكل خلق الل ّٰه
سبحانه وتعالى ،فحسن الخلق واجب مع جميع الناس خصوصا ًعند النصيحة أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالكلمة الطيبة
صدقة.
اب
ل الْكِت َ ِ
فهذه الآية دليل على التزام أدب الرفق وحسن الخلق حتى مع المخالفين في العقيدة والدين ،ولذلك قال تعالى} :و َلا تُجَادِلُوا أَ ه ْ َ
ِإ َلّا ب َِال ّتِي ِهي َ أَ حْ سَنُ{ ]العنكبوت ،[٤٦:أما المبادأة بالظلم أو العدوان أو السب أو غير ذلك مما يتنافى مع حسن الخلق فلا يليق بالمسلم؛
حسْنًا( ،فلا يقابل القسيس و يصرخ في وجهه و يعتبر أن هذه بطولة ،أو يشتمه بألفاظ قبيحة ،وقد يجره لأن الل ّٰه يقول) :و َق ُولُوا ل ِ َلن ّا ِ
س ُ
ذلك إلى أن يقابله بالمثل فيسب الل ّٰه أو يسب محمدا ً عليه الصلاة والسلام ،فسدا ً لهذه الذر يعة ينبغي تجنب ذلك.
Shamela.org ١٧٤
البقرة ][91 - 82 ٨
]البقرة ،[٨٣:يعني :تولى آباؤكم}ِ :إ َلّا قَلِيل ًا مِنْك ُ ْم و َأَ ن ْتُم ْ مُعْرِضُونَ{ ]البقرة.[٨٣:
الآيات التي ٺتكلم عن اليهود كثيرة في القرآن الـكريم ،وكذلك التي تتحدث عن بني إسرائيل في عصر النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم،
والمقصود بذلك آباؤهم ،وأقصد الآيات التي ٺتكلم على جرائم ارتكبها آباؤهم و يخاطب بها ذريتهم من بعدهم في عهد النبي صلى الل ّٰه
عليه وسلم ،والقرآن ما زال يخاطبهم إلى يومنا هذا؛ لأن هذه إشارة إلى أن ما ركز فيهم من الطباع الخبيثة والخصال الذميمة واللئيمة
لا ٺتغير ،وينبغي أن نيئس من أن يتغير اليهود إلا أن يشاء الل ّٰه سبحانه وتعالى؛ فهذه طبيعتهم.
وقد رأينا في الأحداث الأخيرة هذه المذبحة البشعة التي قام بها جبان من اليهود ،عندما كان المسلمون يصلون في بيت الل ّٰه سبحانه
وتعالى وفي حالة سجود ،وليسوا حتى في حالة قيام -فانظر كيف الجـبن -قتلهم ،وهل هذه بطولة؟ هل يعجز الإنسان عن أن يقتل آلاف
الناس بهذه الطر يقة؟! لا ،لـكنه الخبث والخسة اليهودية ،هذا هو اللائق باليهود ،ونحن نستغرب منهم هذا؛ لأن هذا هو الأصل ،وهذه
هي أخلاقهم وطباعهم ،أناس قتلوا الأنبياء ،قتلوا يحيى عليه السلام وأهدوا رأسه إلى امرأة بغي من بغايا بني إسرائيل لما طلبته ،فهم
قتلة الأنبياء ،وأخس خلق الل ّٰه سبحانه وتعالى وأرذلهم ،فلن ٺتغير هذه الطباع فيهم.
وفي التلفز يون البر يطاني استضافوا بعض أحبار اليهود -لعنهم الل ّٰه -من داخل فلسطين المحتلة ،وسألوهم :ما رأيكم عما حصل في مسجد
الخليل؟ فقالوا :هذا الإنسان بطل ،لقد فعل ما نتمنى نحن جميعا ًأن نفعله ،ولـكننا لا نجرؤ على ذلك! هذا الشخص بطل ،وهذه بطولة؛
لأنه يقتل هؤلاء الأجانب الموجودين في بلاد ليست بلادهم ،فهم يستحقون القتل وإلا فليخرجوا! فيصفون هذه الجرائم وهذه الخسة
والنذالة بأنها بطولة.
كذلك مناحن بيجن نفسه كان مشرفا ً على مذبحة دير ياسين المعروفة ،وكان يقول في أحد كتبه متحدثا ً عن القتل الذي ارتكبه ضد
المسلمين :أنا أقاتل إذا ً أنا موجود ،مثل الذي قال :أنا أفكر إذا ً أنا موجود ،فهو لا يحس بوجوده في الحياة إلا إذا قتل ،فالقتل والإجرام
والخسة والنذالة هذه الطباع لا ٺتغير في اليهود أبداً ،فلذلك لا تعجبوا إذا لاحظتم أن الآيات كلها تخاطبهم على أفعال فعلها أسلافهم،
ثم يعاتب بها من كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وإلى يومنا هذا ،لماذا؟ لأن طباعهم لا ٺتغير} ،أَ فَت َ ْطم َع ُونَ أَ ْن يُؤْم ِن ُوا لـَكُمْ{
]البقرة ،[٧٥:يعني :ايئسوا فلا أمل فيهم إلا أن يشاء الل ّٰه سبحانه وتعالى.
Shamela.org ١٧٥
البقرة ][91 - 82 ٨
Shamela.org ١٧٦
البقرة ][91 - 82 ٨
Shamela.org ١٧٧
البقرة ][91 - 82 ٨
Shamela.org ١٧٨
البقرة ][91 - 82 ٨
Shamela.org ١٧٩
البقرة ][91 - 82 ٨
ذلك ،قال الأزهري :المريم المرأة التي لا تحب محادثة الرجال ،وكأنه قيل لها ذلك تشبيها ًلها بـ مريم البتول؛ لانعزالها عن الناس وعدم
اختلاطها بالرجال.
Shamela.org ١٨٠
البقرة ][91 - 82 ٨
ك وهو كهل ،أي كبير في السن ،فالمقصود بذلك اقترانه بمعجزة نزوله من السماء في آخر الزمان حاكما ًبالقرآن ،فيقول تعالى}ِ :إ ْذ أَ َي ّ ُ
دت ّ َ
كهْل ًا{ ]المائدة ،[١١٠:هذه خصيصة من خصائصه ،ولأنه تعالى حفظه بجـبر يل حتى لم يدن اس فِي ال ْم َ ْهدِ و َ َ س تُك َل ِ ّم ُ َ
الن ّ َ ب ِر ِ
ُوح الْقُد ُ ِ
ِيم{ ]آل عمران [٣٦:هكذا قالت امرأة عمران أم مريم) ،و َِإن ِ ّي ُأعِيذ ُه َا ب ِ َ
ك ن َ
الر ّج ِ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ منه الشيطان} :و َِإن ِ ّي ُأعِيذ ُه َا ب ِ َ
ك وَذُرّ َِي ّتَهَا م ِ َ
ِيم( ،ولذلك قال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ما من مولود يولد إلا يطعنه الشيطان في خاصرته؛ فيستهل ن َ
الر ّج ِ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ وَذُرّ َِي ّتَهَا م ِ َ
ِيم(. ن َ
الر ّج ِ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ صارخا ًإلا ابن مريم وأمه( ،وذلك استجابة لهذه الدعوة) :و َِإن ِ ّي ُأعِيذ ُه َا ب ِ َ
ك وَذُرّ َِي ّتَهَا م ِ َ
ك
حي ْنَا ِإلَي ْ َ
ك أَ ْو َ
هناك تفسير بأن )روح القدس( هو الإنجيل نفسه ،قالوا :لأن الل ّٰه وصف القرآن أيضا ً بأنه روح ،كما قال} :وَكَذَل ِ َ
ر ُوح ًا م ِنْ أَ ْمر ِن َا{ ]الشورى ،[٥٢:فإن القرآن سبب الحياة الأبدية ،والتحلي بالعلوم والمعارف التي هي حياة القلوب وانتظام المعاش،
ك ب ِر ِ
ُوح ك ِإ ْذ أَ َي ّ ُ
دت ّ َ ك و َعَلى و َالِدَت ِ َ
ن م َْر ي َم َا ْذكُر ْ نِعْمَتِي عَلَي ْ َ
الل ّه ُ ي َا ع ِيس َى اب ْ َ
ل َ وهذا التفسير رده الحافظ ابن كثير مستدلا ًبقوله تعالى}ِ :إ ْذ قَا َ
َالإنج ِيلَ{ ]المائدة [١١٠:فذكر أنه أيده بالإنجيل ،وأيده بروح
َالت ّوْر َاة َ و ِ ك الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َ كهْل ًا و َِإ ْذ ع َل ّم ْت ُ َ
اس فِي ال ْم َ ْهدِ و َ َ س تُك َل ِ ّم ُ َ
الن ّ َ الْقُد ُ ِ
َالإنج ِيلَ( تكرير قول لا معنى له،
َالت ّوْر َاة َ و ِ ك الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َ القدس ،فلو كان الروح الذي أيده به هو الإنجيل لكان قوله) :و َِإ ْذ ع َل ّم ْت ُ َ
فالل ّٰه أعز من أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم ،فيكون تكرار بلا فائدة وبلا جدوى ،فدل هذا على المغايرة ،وأن روح القدس في أول
الكلام ليس هو الإنجيل المذكور في آخره.
ات و َأَ َي ّدْن َاه ُ ب ِر ِ
ُوح الْقُدُسِ{ ]البقرة[٨٧: ن م َْر ي َم َال ْبَي ِّن َ ِ
ل و َآتَي ْنَا ع ِيس َى اب ْ َ
س ِ قال تبارك وتعالى} :و َلَق َ ْد آتَي ْنَا م ُوس َى الْكِتَابَ و َق َ ّفي ْنَا م ِنْ بَعْدِه ِ ب ُ
ِالر ّ ُ
المقصود :فلم تستقيموا ،ولم تؤمنوا به ،ولم تستجيبوا له ،هذا هو جواب الكلام.
Shamela.org ١٨١
البقرة ][91 - 82 ٨
بِمَا لا تَه ْو َى أَ نفُسُكُم ُ اسْ تَكْبَرْتُم ْ فَفَرِ يق ًا ك َ َذّب ْتُم ْ و َفَرِ يق ًا تَقْتُلُونَ{ ]البقرة.[٨٧:
)أَ فَك ُ َل ّمَا ج َاءَك ُ ْم رَسُو ٌ
ل بِمَا لا تَه ْو َى( أي :بما لا تحب أنفسكم من الحق ،ولا بد أن نقول :من الحق لأهميتها.
)اسْ تَكْبَرْتُم ْ( تكبرتم عن اتباعه.
هذا هو جواب )كلما( ،وهو محل الاستفهام ،والمراد بهذا الاستفهام التوبيخ.
)فَفَرِ يق ًا ك َ َذّب ْتُم ْ( المقصود ففر يقا ًمنهم )كذبتم( كعيسى عليه السلام) ،و َفَرِ يق ًا تَقْتُلُونَ( ،وعبر عن الماضي بالمضارع لحكاية الحال الماضية،
أي :قتلتم من الأنبياء كزكر يا و يحيى.
هذا الذي اعتمده السيوطي.
قوله تعالى) :أَ فَك ُ َل ّمَا ج َاءَك ُ ْم رَسُو ٌ
ل بِمَا لا تَه ْو َى أَ نفُسُكُم ُ( قيل :أصلها بما لا تهواه أنفسكم ،وحذفت الهاء حتى لا تطول الكلمة،
)اسْ تَكْبَرْتُم ْ( يعني :استكبرتم عن إجابة هذا الرسول احتقارا ً للرسل واستبعادا ً للرسالة ،وأصل الهوى الميل إلى الشيء ،ويجمع على أهواء
كما جاء في التنز يل ،وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار ،ولذلك لا يستعمل لفظ الهوى في الغالب إلا فيما ليس بحق،
وفيما لا خير فيه ،وهذه الآيات من ذلك ،لـكن قد يستعمل الهوى في الحق ،والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام) :لا يؤمن
أحدكم حتى يكون هواه تبعا ًلما جئت به( ،وبعض العلماء يضعفون هذا الحديث وبعضهم يحسنه ،ومنه أيضا ًقول عمر رضي الل ّٰه تعالى
عنه في أسارى بدر :فهوي رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت.
أي :ولم يحب ما قلت ،وقالت عائشة رضي الل ّٰه تعالى للنبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :والل ّٰه ما أرى ربك إلا يسارع في هواك( والحديثان
أخرجهما مسلم ،فهذه من المواضع القليلة التي يستعمل فيها الهوى في غير سياق الذم ،لـكن الغالب استعماله فيما لا خير فيه وفيما
ليس بحق.
)فَفَرِ يق ًا ك َ َذّب ْتُم ْ و َفَرِ يق ًا تَقْتُلُونَ( قدم فر يقا ً في الموضعين للاهتمام ،وتشو يق السامع إلى ما فعلوا بهم لا للقصر ،والتقديم أحيانا ً يكون
للقصر ،لـكن المقصود به هنا للاهتمام وتشو يق السامع إلى ما فعلوا بهم ،ثم هنا محذوف وهو كلمة )منهم( ،يعني :فر يقا ً منهم كذبتم
وفر يقا ًمنهم تقتلون ،وبدأ بالتكذيب ثم بعد ذلك ثنى بالقتل ،لماذا؟ لأن التكذيب هو أول ما يفعلونه بالشخص ،يبدءون أولا ًبالتكذيب
وبعد التكذيب يقتلونه ،ولأنه المشترك بين المكذوب والمقتول ،فيكذبون الرسول ،وحتى الذي يقتلونه فإنهم لا يقتلونه إلا بعدما يكذبونه.
و يلاحظ في السياق :أن الخطاب لبني إسرائيل في عهد النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وهذه قاعدة عظيمة جدا ً لفهم طبيعة هؤلاء المجرمين
السفاحين القتلة اليهود لعنهم الل ّٰه ،حيث نسب الل ّٰه القتل إليهم مع أن القتلة هم آباؤهم ولم ذاك؟ لأنهم يرضون بهذا القتل ،ولحوق
مذمته بهم ،والمذمة ما زالت تلحق أيضا ًبهؤلاء الذين كانوا في عهد النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم لرضاهم عن ذلك ،وكما أشرنا من قبل؛
فإن نسبة هذه الأفعال إلى اليهود في عهد نبينا صلى الل ّٰه عليه وسلم إشارة إلى أن الطبيعة واحدة ،الطبيعة الخبيثة اللئيمة والغدر والذل
والهوان والخيانة وكل هذه الأخلاق الذميمة ،فإن قلوب اليهود هي وعاء مستقر دائم لها ،لا ينفك اليهودي أبدا ً عن هذه الأخلاق
في كل الأمم -وهذه قاعدة -بغض النظر حتى عن الأدلة الشرعية ،فبالاستقراء لا تزال فيهم هذه الصفات مغروسة في طباعهم لا
يستطيعون منها فكاكا ًولا خلاصاً ،والواقع الذي نعيشه خير شاهد على ذلك ،وقد اهتم القرآن الـكريم بالربط بين موسى ومحمد عليهما
السلام ،والربط بين القرآن وبين التوراة ،وسردت كثير جدا ً من آيات القرآن الـكريم للحديث عن بني إسرائيل ،وكما تلاحظون فإن
سورة البقرة بعامتها في الكلام على أحوال بني إسرائيل ،إشارة إلى علاقة خصبة بين الأمة المحمدية وبين الأمة الإسرائيلية ،هذه العلاقة
التي ستستمر إلى آخر الزمان ،حينما ينزل المسيح عليه السلام ،وكل ما يحصل الآن في هذا الزمان هو عبارة عن تهيئة لما يؤمنون
هم به ونؤمن نحن به ،أمر واحد يؤمن به اليهود والنصارى والمسلمون ،وهو أنه لا بد من صدام وملحمة عظيمة جداً ،ومقتلة كبيرة
تحصل بين أهل الإيمان وأهل الإسلام وبين هؤلاء الكافرين ،مع اختلاف العقائد ،وهم يجزمون بها قطعا ً بلا شك وبلا جدال،
Shamela.org ١٨٢
البقرة ][91 - 82 ٨
لـكن لا يظهرون لنا هذا ،و يجزمون أن كل التحركات الموجودة الآن في العالم والتغييرات التي تحصل هي تهيئة لنزول المسيح المنتظر،
هذا كلام اليهود في عام ) ،(٢٠٠٠وهم يحددون سنة ألفين لمجيء المسيح المنتظر الذي يحكم العالم -بزعمهم -من القدس و يعيد إليها
اليهود ،والنصارى يعتقدون نفس الشيء ،لـكن النصارى يعتقدون أن المجيء الثاني للمسيح هو بصفته -والعياذ بالل ّٰه -إلهاً ،والمسلمون
يعتقدون أيضا ًبمجيء المسيح ،فالكل مجمعون على مجيء المسيح ولـكن مع اختلافنا في حقيقة هذا المسيح؛ لأن اليهود يقولون :إن المسيح
لم يأت بعد ،والذي أتى هو ساحر وكذاب ،ويسبون المسيح عليه السلام ،و يقولون :إن المسيح الحقيقي هو الذي ننتظره ،وسيأتي في
آخر الزمان ،وهم سيتبعونه ،وهذا المسيح هو المسيح الدجال الأعور الـكذاب ،فهذا هو الذي سيتبعه اليهود كما أخبر النبي صلى الل ّٰه عليه
وسلم ،والمسلمون يعتقدون بمجيء مسيح الضلالة المسيح الدجال ،ومسيح الهدى وهو رسول الل ّٰه عيسى عليه السلام ينزل من السماء
ليحسم هذه المعركة ،و يقتل بحربته الدجال ،و يحكم بالقرآن وبالإسلام ،ولا نريد التفصيل في هذا المعنى ،لـكن كل الأحداث التي
تدور تنبع من هذه العقيدة ،والتحضير لموقعة )هرم جد( ،التي هي الملحمة الـكبرى التي وصفها النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وهي كائنة
لا محالة ،وستكون الكلمة العليا والظهور فيها للمسلمين كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الل ّٰه عليه وسلم.
قلنا :نسب القتل إليهم مع أن القاتل آباؤهم لرضاهم به ولحوق مذمته بهم ،وعبر بالمضارع للحال الماضية استحضارا ً لصورتها ،ولفظاعتها
واستعظامها ،أو يكون )وفر يقا ًكذبتم( في الماضي )وفر يقا ًتقتلون( مشاكلة للأفعال المضارعة الواقعة في الفواصل فيما قبل ،ففواصل
الآيات التي سبقتها كلها أفعال مضارعة بهذه الصيغة ،فهذه تكون من باب المشاكلة لهذه الأفعال المضارعة الواقعة في الفواصل السابقة،
أو )وفر يقا ًتقتلون( إشارة إلى أنكم مستمرون في ذلك كما فعل آباؤكم في عهد موسى عليه السلام ومن بعده في قتل الأنبياء ،وإنكم على
ما كان عليه آباؤكم ،فقد حاولوا بالفعل قتل رسول الل ّٰه محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم.
يقول تعالى) :وفر يقا ً تقتلون( تحاولون قتله ،ولولا أني عصمته لقتلتموه ،ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة ،فالمضارع للحال ،ولا ينافيه
قتل البعض ،والمراد من القتل مباشرة الأسباب الموجبة لزوال الحياة ،سواء ترتب عليها القتل أو لا) ،فر يقا ً تقتلون( إما أن يكون
قتلا ًحقيقا ًللبعض ،وإما أن يكون تسببا ًفي القتل ومباشرة لأسبابه كما فعلوا مع النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم حيث أنهم حاولوا قتله.
وقيل :لا حاجة إلى التعميم ،ولا أن نقول :فر يقا ً قتلتم ،وفر يقا ً باشرتم الأسباب معه؛ لأن الذي وقع منهم مع النبي عليه الصلاة
والسلام كان قتلا ً بالحقيقة ،فإنه عليه الصلاة والسلام قتل حقيقة بالسم الذي ناولوه على ما وقع في الصحيح بلفظ) :وهذا أوان
انقطاع أبهري من ذلك السم( ،فالرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم صرح بهذا قرب وفاته ،وكأن الل ّٰه سبحانه وتعالى كتب له أيضا ً ثواب
الشهادة عليه الصلاة والسلام؛ لأن أثر هذا السم ظل معه حتى قال) :هذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم( ،أي :هذا أوان خروج
روحي ومفارقة الحياة ،نتيجة لذلك السم الذي وجده بعدما نهش نهشة بسيطة من هذه الذراع المسمومة.
ونفهم من ذلك :أن قتل النبي عليه الصلاة والسلام لم يتحقق منهم زمان نزول الآية ،بل الذي وقع مباشرة الأسباب ،ولم يكن عليه
الصلاة والسلام قد فارق الحياة ،فالمقصود هنا من قوله) :فر يقا ً تقتلون( أيضا ً مباشرة الأسباب ،فلابد من التعميم بأن نقول بالقتل
حقيقة أو بمباشرة الأسباب ،أي :تعميم النوعين.
وقال بعض العلماء :لا حاجة إلى التعميم ،بل نقول :قتل حقيقي فقط؛ لأنهم بالفعل قتلوا النبي عليه الصلاة والسلام ،ورد فر يق آخر
من العلماء بأن هذه الآيات لما نزلت لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام قد فارق الحياة بعد ،ولم يكن بعد قد أفضى إلى الرفيق الأعلى،
فلابد من التعميم بذكر النوعين ،القتل المباشر أو التسبب في القتل كما حصل مع النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ لأنه كان حيا ًوقت نزول
هذه الآيات.
Shamela.org ١٨٣
البقرة ][91 - 82 ٨
قال تبارك وتعالى} :و َقَالُوا قُلُوبُنَا غُل ٌْف{ ]البقرة [٨٨:قالوا- :أي :اليهود -للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم استهزاءً :قلوبنا غلف ،وغلف بتسكين
الل ّه ُ بِكُ ْفرِهِمْ{
اللام جمع أغلف ،أي :مغشاة بأغطية فلا تعي ما تقول ،ولا يصل إليها ما تقول من هذا الدين! قال تعالى} :بَلْ لَعَنَهُم ُ َ
]البقرة ،[٨٨:بل هنا للإضراب ،يعني :ليست القضية أن قلوبهم غلف ،بل هي أشد من ذلك ،فقد لعنهم الل ّٰه وأبعدهم من رحمته
وخذلهم من القبول ،وليس عدم قبولهم لخلل في قلوبهم.
}فَق َلِيل ًا م َا يُؤْم ِن ُونَ{ ]البقرة) [٨٨:ما( زائدة لتأكيد القلة ،يعني :إيمانهم قليل جداً ،ويزيد هذه الآية إيضاحا ًقوله تبارك وتعالى) :وقالوا
قلوبنا غلف( الواو هنا واو عطف على استكبرتم ،فتكون تفسيرا ً للاستكبار ،يعني التكذيب بسبب الاستكبار ،وعلى التقديرين ففيه التفات
من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن استكبرتم وكذبتم فيها خطاب ،فسواء كان العطف في )وقالوا قلوبنا غلف( على استكبرتم أو عطف على
كذبتم ففي الحالتين يوجد صورة من صور البلاغة وهي الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ،فالالتفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا ً
عن مخاطبتهم وإبعادا ً لهم عن عز الحضور الذي يقتضيه سياق المخاطب.
وقولهم) :قلوبنا غلف( أي :لا فائدة منا ،كما قال غيرهم} :سَوَاء ٌ عَلَي ْنَا أَ وَعَظْتَ أَ ْم ل َ ْم تَكُنْ م ِ َ
ن ال ْوَاعِظ ِينَ{ ]الشعراء ،[١٣٦:وقصدوا
بهذا إقناط النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عن الإجابة ،وقطع طمعه عنهم بالكلية ،يعني :ليس هناك أي أمل ،فلا تطمع أبدا ً أننا نستجيب
لدينك! وقال السدي :يقولون :عليها غلاف ،وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله )غلف( :قلبي عليه غلاف فلا يخلص إليه ما
تقول ،أي عندما تريد أن تقول لإنسان :لن يؤثر ف َيّ كلامك ،فتقول له :قلبي عليه غلاف فلن يصل إليه هذا الكلام الذي تقول ،وقرأ:
}و َقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَ ك َِن ّة ٍ م َِم ّا ت َ ْدع ُون َا ِإلَيْه ِ{ ]فصلت ،[٥:وهذا هو الذي رجحه ابن جرير ،واستشهد له بما روي عن حذيفة رضي الل ّٰه عنه أنه
قال) :القلوب أربعة -فذكر منها :-وقلب أغلف مغضوب عليه ،وذاك قلب الكافر(.
أي :أنه موضوع داخل غلاف.
ن غلُف ،لـكن الغل ْف بتسكين اللام جمع أغلف ،كأحمر وحمر ،والأغلف
والغلف جمع أغلف ،مثل كلمة حمر جمع أحمر ،وهناك جمع ثا ٍ
هو الذي لا يفقه ،وأصله في الذي لم يخـتن ،يعني :أن قلوبنا مغشاة بأغشية خلقية مانعة عن وصول ما جئت به إليها ،وهذا مثل قولهم:
}و َقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَ ك َِن ّة ٍ م َِم ّا ت َ ْدع ُون َا ِإلَيْه ِ{ ]فصلت [٥:أو جمع غلاف ،ويجمع على غلُف ،يعني :إما أن قلوبنا غلف جمع أغلف أو جمع
غلاف ،كخمار وخمر ،ويجمع على غلف ،فهي داخل أغطية وأغشية وأغلفة فلا يصل إليها ما تقول من هذا الدين ،أو هي أوعية للعلم،
ونحن مستغنون عما تأتينا به ،ولا نحتاج إلى ما عندك من العلم أو الوحي ،فيمدحون أنفسهم ويزكونها لعنهم الل ّٰه ،أي :فلو كان ما تقوله
حقا ًوصدقا ًلوعته ،فقلوبنا مملوءة علما ًفلا تسع بعد ذلك شيئاً ،فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره ،وما عندنا من التوراة نحن مستغنون
به عن القرآن ،فهذا تفسير آخر أنهم أرادوا أنها أوعية مملوءة بالعلم ،فكيف لمثلنا أن يتبع إنسانا ًأمياً؟! وهذا تفسير بعيد.
عن ابن عباس قال :يقولون) :قلوبنا غلف( يعني أوعية مملوءة ،ولا نحتاج إلى علم محمد ولا غيره ،قال ابن جرير) :وقالوا قلوبنا غلف(
جمع غلاف ،أي :أوعية ،بمعنى أنهم ادعوا أن قلوبهم مملوءة بالعلم ،لا يحتاجون معه إلى علم آخر ،ولهذا قال تعالى) :بل لعنهم الل ّٰه
الل ّه ُ عَلَيْهَا
بكفرهم( أي :ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها ،كما قال في سورة النساء} :و َقَو ْلِه ِ ْم قُلُوبُنَا غُل ٌْف بَلْ طَب َ َع َ
بِكُ ْفرِهِمْ{ ]النساء [١٥٥:إلى آخر الآية.
وقوله تعالى) :بل لعنهم الل ّٰه بكفرهم( ،هذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه ،والمعنى :أن قلوبكم أصلا ً خلقت على فطرة التمكن من
النظر الصحيح الذي يوفق إلى الحق كما قال عليه الصلاة والسلام) :كل مولود يولد على الفطرة(؛ فقلوبكم أصلا ً كانت مهيئة للهداية
والانقياد للحق ،والنظر الصحيح الذي يئول و يؤدي إلى الحق ،لـكن الل ّٰه تبارك وتعالى أبعدهم وأبطل استعدادهم الخلقي الفطري للنظر
الصحيح بسبب اعتقاداتهم الفاسدة ،وجهالاتهم الباطلة الراسخة في قلوبهم ،يعني :لما زاغوا أزاغ الل ّٰه قلوبهم.
Shamela.org ١٨٤
البقرة ][91 - 82 ٨
أو المقصود :أنها لم تأب قبول ما تقوله لعدم كونه حقا ً وصدقاً ،فهؤلاء اليهود رفضوا ما دعوتهم إليه من الحق ليس لأنه ليس حقا ً
ولا صدقاً ،وإنما لأنه سبحانه وتعالى طردهم وخذلهم بكفرهم فأصمهم وأعمى أبصارهم.
أو أن المعنى :أن الل ّٰه سبحانه وتعالى أقصاهم عن رحمته؛ فأنى لهم ادعاء العلم الذي أعظم أثر له هو حصول رحمة الل ّٰه ،فالل ّٰه سبحانه
وتعالى طردهم من رحمته ،فمن يطرد من رحمة الل ّٰه لن يكون عالما ًعلما ًينفعه ،فإذا كانت فعلا ًقلوبكم فيها علم ،فالعلم يكون سببا ً لحصول
الرحمة ،وأنتم مطرودون من الرحمة ،فالمسألة أنكم مطرودون مخذولون ،وليست المسألة علما ًتدعونه في قلوبكم.
الل ّه ُ بِكُ ْفرِه ِ ْم فَق َلِيل ًا م َا يُؤْم ِن ُونَ{ ]البقرة [٨٨:الفاء هنا سببية ،يعني :بسبب لعنة الل ّٰه إياهم) ،فقليلا ًما يؤمنون( المقصود أنهم
}بَلْ لَعَنَهُم ُ َ
يؤمنون إيمانا ً قليلا ًو )ما( مزيدة لتأكيد معنى القلة) ،فقليلا ًما يؤمنون( قيل :أي يؤمنون ببعض الكتاب ،وقيل :لأن المؤمنين منهم
قليلون ،وقيل :زمانا ًقليلا ًيؤمنون فيه بالحق ،قيل :هو زمن الاستفتاح ،كانوا يستفتحون فيه على الذين كفروا ،إذا حصل بينهم وبين
المشركين قتال يقولون لهم :إن هذا الزمان زمان بعثة نبي ،فنأوي إليه ،وسنؤمن به ونقاتلـكم ونغلبكم ،أو هو زمان بلوغ الروح التراقي
فيؤمنون عندما تبلغ أرواحهم التراقي ،وقيل :هو إيمان مؤقت ،وهو المشار إليه في قوله تبارك وتعالى حكاية عنهم} :آم ِن ُوا ب ِال َ ّذ ِي ُأنْز ِ َ
ل
ن آم َن ُوا وَجْه َ ال َنّهَارِ و َاكْ ف ُر ُوا آ ِ
خرَه ُ{ ]آل عمران [٧٢:حرب نفسية ،أي :تظاهروا بالدخول في الإسلام في الصباح ثم ارتدوا عنه عَلَى ال َ ّذ ِي َ
في المساء ،وهذا طعن في هذا الدين وتشكيك للناس فيه ،يقولون :لماذا ارتدوا؟! لأنهم ما وجدوا فيه خيرا ً -والعياذ بالل ّٰه -فهذه الفترة
قليلة )فقليلا ًما يؤمنون( يعني مثل هذه الفترة الوجيزة.
إذاً) :قليلا ًما يؤمنون( يعني :إيمانا ًقليلاً.
إما أن إيمانهم ببعض الكتاب ،أو أن المؤمن منهم قليل ،أو زمانا ً قليلا ً يؤمنون وهو زمن الاستفتاح ،لـكن لما بعث فعلا ً النبي الذي
كانوا يستفتحون به كفروا ،فإيمانهم كان إيمانا ًمؤقتا ًلفترة قصيرة من الزمن ،أو عند بلوغ الروح التراقي يؤمنون بحقيقة بعثة محمد صلى
اب ِإ َلّا لَيُؤْم ِن َ ّن بِه ِ قَب ْ َ
ل مَو ْتِه ِ{ ]النساء ،[١٥٩:والهاء هنا تعود على أهل الكتاب ،أو: ل الْكِت َ ِ
الل ّٰه عليه وسلم ،كما قال تعالى} :و َِإ ْن م ِنْ أَ ه ْ ِ
ن آم َن ُوا وَجْه َ ال َنّهَارِ( هذه الفترة فقط. الإيمان القليل وهو المذكور في قوله) :آم ِن ُوا ب ِال َ ّذ ِي ُأنْز ِ َ
ل عَلَى ال َ ّذ ِي َ
وقيل :لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم و يكفرون بأكثره ،وقال الواقدي -وهو تفسير غريب في هذه الآية :-يعني لا يؤمنون لا قليلا ً
ولا كثيراً ،واستدل لصحة تفسيره بقوله :تقول :ما أقل ما يفعل فلان كذا! لشخص لا يفعل الشيء أبداً ،ولا يفعله ألبتة ،وقال
الـكسائي :تقول العرب :مررنا بأرض قل ما تنبت الـكراث والبصل ،يعني لا تنبت شيئاً ،ورد الألوسي على الواقدي تفسيره ،وقال:
إنه قول بارد جداً ،ولو أوقد عليه الواقدي ألف سنة!
تفسير قوله تعالى) :ولما جاءهم كتاب من عند الل ّٰه( ٨.٧
Shamela.org ١٨٥
البقرة ][91 - 82 ٨
قوله تعالى) :ولما جاءكم كتاب من عند الل ّٰه( الواو هنا عاطفة على قوله تعالى) :وقالوا قلوبنا غلف(.
وقوله تعالى) :ولما جاءكم كتاب( كتاب بالتنكير للتعظيم) ،من عند الل ّٰه( ووصفه بأنه من عند الل ّٰه أيضا ً ز يادة تشر يف لهذا الكتاب،
فمعروف أنه من عند الل ّٰه ،لـكن ذكر هنا )كتاب من عند الل ّٰه( فوصفه بأنه من عنده للتفر يق والإيذان بأنه جدير بأن يقبل ما فيه
ويتبع؛ لأنه من خالقهم وإلههم ،أي :هو من عند الل ّٰه الذي خلقكم ،فأولى بكم أن تؤمنوا به.
)مصدق لما معهم( هنا جعله مصدقا ً )لما معهم( باللام ،ولم يقل :مصدقا ً بما معهم؛ لأنه لو قال :مصدقا ً بما معهم ،كان فيه إعطاء
وصف التبعية للقرآن لما معهم هم ،وقد آمن وصدق بما معهم ،لـكن )لما معهم( فيه إعطاء القرآن وصف الهيمنة ،كما قال} :وَمُهَيْمِنًا
عَلَيْه ِ{ ]المائدة.[٤٨:
إذاً :لم يقل :مصدقا ً بما معهم ،فجعله مصدقا ً له لا به ،إشارة إلى أنه بمنزلة الواقع ونفس الأمر لكتابهم ،لـكونه مشتملا ً على الإخبار
عنه محتاجا ًفي صدقه إليه ،وإلى أنه في إعجازه مستغن عن تصديق الغير ،فالقرآن يصدق غيره؛ لأنه نوه بالتوارة ومدحها ،فهذه الحكمة
من استعمال اللام بدل الباء في قوله) :مصدقا ًلما معهم( ،لـكن لو قال :بما معهم ،فكأن التوراة هي التي تشهد للقرآن ،لـكن الحقيقة
أن القرآن مهيمن على ما عندهم من الـكتب.
)وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا( الاستفتاح هو الاستنصار ،ومعنى الفتح هو الحكم والقضاء ،فالاستفتاح يعني أن يحكم
الل ّٰه سبحانه وتعالى و يقضي بينهم وبين أعدائهم بالنصر ،وفي الحديث) :كان النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين(،
الل ّه ُ أَ ْن ي َأْ تِي َ ب ِالْفَت ِْح{ ]المائدة ،[٥٢:وكلمة النصر تعني فتح شيء مغلق،
يعني :يستنصر بدعائهم وصلاتهم ،ومنه أيضا ًقوله تعالى} :فَع َس َى َ
فهو يرجع إلى قولهم :فتحت الباب.
وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الل ّٰه عنه أن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :إنما ينصر الل ّٰه هذه الأمة بضعفائها؛ بدعوتهم
وصلاتهم وإخلاصهم(.
وروى النسائي أيضا ً عن أبي الدرداء رضي الل ّٰه عنه قال :سمعت رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يقول) :فإنكم إنما ترزقون وتنصرون
بضعفائكم(.
وقيل) :وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا( أي :يستخبرون عنهم ،من بين وقت وآخر وهم يسألون :هل ولد مولود صفته كذا
وكذا؟ )فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به( ،مع أنكم كنتم تستفتحون به من قبل عليه الصلاة والسلام ،لـكن لما جاءهم كفروا به ،وهذا
مثل قوله تعالى} :و َجَ حَد ُوا بِهَا و َاسْ تَيْق َنَتْهَا أَ نْف ُسُه ُ ْم ظُل ْمًا و َعُل ًُو ّا{ ]النمل ،[١٤:إشارة إلى أن نوع كفرهم إنما هو كفر الجحود والاستكبار.
وهنا قوله تعالى) :فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به( )ما( موصولة ،أي :فلما جاءهم الذي عرفوا كفروا به ،فإيراد الموصول هنا بالإضمار
لبيان كمال مكابرتهم ،ولم يقل الل ّٰه سبحانه وتعالى :فلما جاءهم كفروا به ،ولـكن قال) :فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به( فأورد الموصول
ولم يستعمل الضمير؛ لأنه لو قال) :فلما جاءهم( سيكون الفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على الكتاب أو على الرسول ،وإنما قال:
)فلما جاءهم ما عرفوا( والذي كانوا يستفتحون بمجيئه من قبل كفروا به ،فهذا لبيان كمال مكابرتهم وجحودهم ،أو )فلما جاءهم ما
عرفوا( المقصود به هنا الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وليس الكتاب على التفسير الأول ،لـكن المقصود بقوله) :جاءهم ما عرفوا(
يعني محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وقد يعبر عن العاقل )بما( إذا أريد الصفة ،فأحيانا ًيعبر العرب )بما( عن صفات من يعقل مثل قوله
تبارك وتعالى في سورة الكافرون} :و َلا أَ ن ْتُم ْ عَابِد ُونَ م َا أَ عْبُد ُ{ ]الكافرون [٣:يعني إلهي الذي أعبده الذي صفته كذا وكذا ،فعبر عن
سم َاء ِ وَم َا بَنَاه َا{ ]الشمس [٥:المقصود :ومن بناها وهو الل ّٰه سبحانه وتعالى،
الل ّٰه سبحانه وتعالى )بما أعبد( ،و يقول تبارك وتعالى} :و َال َ ّ
ن النِّسَاءِ{ ]النساء ،[٣:النساء عاقل ،فعبر عنهن )بما( ،لـكن المقصود هنا الصفة في الطيب ،فلذلك كحُوا م َا طَابَ لـَك ُ ْم م ِ َ
وقوله} :فَان ِ
قال) :فانكحوا ما طاب لـكم(؛ لأنه هنا يعبر )بما( عن صفات من يعقل ،وهكذا )فلما جاءهم ما عرفوا( ،وعلى التفسير الآخر يكون
Shamela.org ١٨٦
البقرة ][91 - 82 ٨
المراد :الكتاب ،أي :فلما جاءهم الكتاب كفروا به ،فتكون) :ما عرفوا( اسم موصول ،أو) :فلما( الثانية تكرير لطول العهد ،واقتضى
ن يح ُِب ّونَ أَ ْن يُحْمَد ُوا بِمَا ل َ ْم ي َ ْفع َلُوا فَلا َ
تحْسَبَنّه ُ ْم بِمَف َازَة ٍ م ِ َ تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن يَفْرَحُونَ بِمَا أَ تَوا و َ ُ الأمر التكرار لما بعد العهد ،كما في قوله تعالى} :لا َ
َاب{ ]آل عمران ،[١٨٨:فهذا تكرار أيضا ًبسبب طول العهد أو الفصل.
الْعَذ ِ
وقيل) :ولما جاءهم كتاب من عند الل ّٰه( جوابه محذوف ،وهو :كذبوا به ،فهذه معاملتهم مع الكتاب المصدق) ،فلما جاءهم كتاب(
وهنا ليس تكراراً ،وفي تفسير آخر :أن )لما( الثانية) :فلما جاءهم( ليست تكرارا ً لـ )ما( الأولى ،وإنما هذه يقصد بها الأمر غير تلك،
فالأولى )ولما جاءهم كتاب من عند الل ّٰه مصدق لما معهم( تقديره :كذبوا به ،فهذه معاملتهم مع الكتاب الذي يصدق ما معهم ،أما
قوله) :فلما جاءهم ما عرفوا( ،فالمقصود بها الرسول عليه الصلاة والسلام) ،كفروا به( فهذه معاملتهم مع الرسول المستفتح به ،ورجح
هذا التفسير بأن لما الأولى المقصود بها شيء غير لما الثانية؛ لأن التكرار يحتمل التوكيد ،أما هنا فيكون تأسيسا ً وليس تكرارا ً للمعنى؛
فالتأسيس أولى من التأكيد.
أي :أن أي كلام يحتمل أن يدور بين أمرين ،إما أن يكون التكرار فيه للتوكيد أو لتأسيس معنى جديد ،وما دام يحتمل الأمرين
الل ّهِ{ ]محمد ،[١:وصدوا ممكن أن تكون بمعنى أعرضوا،
ل َ ص ُ ّدوا ع َنْ سَب ِي ِ
كف َر ُوا و َ َ فيترجح أن يكون للتأسيس ،مثل قوله تعالى} :ال َ ّذ ِي َ
ن َ
ص َ ّد عَن ْه ُ{ ]النساء [٥٥:أي :أعرض عنه ،ومثل :كلمني فصددت عنه.
فتكون توكيدا ً لمعنى الـكفر ،وقوله} :وَمِنْه ُ ْم م َنْ َ
يعني :أعرضت عنه ،لـكن كلمة صدوا ربما تحتمل معنى آخر ،أي :كفروا في أنفسهم وصدوا غيرهم ،مثل أي داعية للـكفر والفساد،
يصد غيره عن سبيل الل ّٰه ،فهنا توكيد لكلمة صدوا ،فعلى القول الأول تكون تكراراً ،وعلى القول الثاني تكون بمعنى صدوا غيرهم ،وفيها
معنى التأسيس لمعنى جديد ،كفروا في أنفسهم وصدوا غيرهم.
كذلك هنا )ولما جاءهم كتاب من عند الل ّٰه() :فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به( فيحتمل أن التكرار للتوكيد لبعد العهد ،أو للتأسيس؛
لأن هذه مقصود بها معنى غير الآخر ،فقوله) :فلما جاءهم كتاب( هذه لها معنى مستقل جوابه وتقديره :كذبوا بالكتاب المصدق) ،ولما
جاءهم ما عرفوا( وهو الرسول المبعوث الذي كانوا يستفتحون به أيضا ًكفروا به ،فهنا يترجح التأسيس على التوكيد.
Shamela.org ١٨٧
البقرة ][91 - 82 ٨
هذا تشر يف لكل الأنبياء عليهم السلام بإضافتهم إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى.
)فباءوا بغضب( أي :رجعوا )بغضب على غضب( هنا تفسيران :إما أنه غضب على غضب يعني هما غضبان ،وإما غضب على غضب
المقصود تعدد هذا الغضب ،فالذين قالوا :هما غضبان اختلفوا في تفسير ما الغضب الأول وما الغضب الثاني ،قال بعضهم :الغضب
الأول غضب الل ّٰه سبحانه وتعالى عليهم لعبادتهم العجل ،والثاني :بسبب كفرهم بالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
وقيل :الغضب الأول :هو بسبب كفرهم بالإنجيل ،والثاني :بسبب كفرهم بالقرآن ،أو كفرهم بعيسى ثم كفرهم بمحمد صلى الل ّٰه عليه
وسلم ،أو غضب أولا ًبقولهم :عزير ابن الل ّٰه ،والغضب الثاني بقولهم :يد الل ّٰه مغلولة ،وبكفرهم بمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم.
القول الآخر :أنه ليس المقصود غضبين وإنما المراد به الترادف والتكاثر ،وليس غضبان فقط ،فهذا فيه إيذان بتجديد الحال عليهم ،كما
في قول الشاعر :ولو كان رمحا ًواحدا ً لاتقيته ولـكنه رمح وثان وثالث المقصود أنها رماح كثيرة.
)وللكافرين عذاب مهين( و يلاحظ أنه قدم قوله) :وللكافرين( ولم يقل :وعذاب مهين للكافرين ،وهذا التقديم يفيد أن غير الكافرين إذا
عذب فإنما يعذب للتطهير لا للإهانة والإذلال ،وهذا أمر مهم جداً ،فالعذاب المهين في القرآن لا يأتي إلا في حق الكافرين فقط ،أما
من عداهم من عصاة الموحدين فلا يعذب للإهانة ،وتلاحظ أن التقديم هنا لبيان هذا المعنى ،وأن هذا النوع من العذاب -الذي يراد به
الإهانة -إنما هو في حق الكافرين ،ولذلك قدمه ،فقال )وللكافرين عذاب مهين( ،فعذاب الكافرين المقصود به إهانتهم ،أما غيرهم من
عصاة الموحدين فالمقصود بعذابهم تطهيرهم من أثر هذه الذنوب ،وإذا استقرأت القرآن الـكريم وٺتبعت المواضع التي ذكر فيها :عذاب
مهين ،ستجد أن العذاب المهين لا يكون إلا في حق الكافرين كفرا ً أكبر والعياذ بالل ّٰه ،وتقديم هذا الخـبر )وللكافرين عذاب مهين( يفيد
أن غير الكافرين إذا عذب فإنما يعذب للتطهير لا للإهانة والإذلال ،ولذا لم يوصف عذاب غيرهم به في القرآن ،فلا متمسك للخوارج
في أنه خص العذاب بالكافرين ،فقد قالوا :هذا يدل على أن كل من يعذب فهو من الكافرين ،فيرد عليهم بأن العذاب المهين لا يكون
إلا للكافرين ،ومن عدا ذلك من الموحدين يعذب عذابا ً للتطهير لا للإهانة والإذلال ،فالمسلم الفاسق أو الموحد العاصي فإنه سيعذب
لـكن ليس عذاب الإهانة.
روى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر(
أي :الغبار الدقيق الذي يرى في ظل الشمس) ،يعلوهم كل شيء من الصغار ،حتى يدخلوا سجنا ًفي جهنم يقال له :بولس ،فتعلوهم
نار الأنيار ،يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار( ،وهذا الحديث صحيح.
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الل ّٰه( ٨.٩
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الل ّٰه(
ن بِمَا ُأنز ِ َ
ل عَلَي ْنَا و َي َ ْكف ُر ُونَ بِمَا وَر َاءَه ُ و َه ُو َ الْح َُقّ م ُ َ
ص ّدِقًا لم َِا مَعَه ُ ْم قُلْ فَل ِم َ الل ّه ُ قَالُوا نُؤْم ِ ُ
ل َ ل لَه ُ ْم آم ِن ُوا بِمَا أَ نز َ َ
قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :و َِإذ َا ق ِي َ
الل ّه ِ م ِنْ قَب ْ ُ
ل ِإ ْن كُنتُم ْ مُؤْم ِنِينَ{ ]البقرة.[٩١: تَقْتُلُونَ أَ ن ْب ِيَاء َ َ
)وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الل ّٰه( جمهور العلماء على أن المقصود به القرآن الـكريم ،وقال بعض العلماء :المقصود به كل ما أنزل الل ّٰه
من الـكتب الإلهية على العموم ،ومع هذا فإن جل الغرض الإيمان بالقرآن ،لـكن سلك مسلك التعميم إشعارا ً بتحتم الامتثال من حيث
مشاركته لما آمنوا به في أنه منزل من عند الل ّٰه ،وتنبيها ً على أن الإيمان بما عداه من غير إيمان به ليس إيمانا ً بما أنزل الل ّٰه ،و يفهم منها:
أنكم لا تؤمنون بما أنزل عليكم حتى تؤمنوا بما أنزل على النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) ،قالوا نؤمن بما أنزل علينا( نعم نؤمن بما أنزل الل ّٰه،
لـكن فقط بما أنزل علينا نحن ،ونستمر على الإيمان بالتوراة وما في حكمها مما أنزل لتقرير حكمها ،ولا نقبل من قرآنكم إلا ما يوافق حكم
توراتنا فحسب) ،علينا( ،يعني :على أنبياء بني إسرائيل ،وليس عليهم أنفسهم ،وفيه إيماء إلى أن عدم إيمانهم بالقرآن كان بغيا ًوحسدا ً
Shamela.org ١٨٨
البقرة ][91 - 82 ٨
على نزوله على من ليس منهم ،ولو كان من بني إسرائيل لآمنوا ،وفيها إشارة إلى أن كفرهم كان حسدا ً للنبي عليه الصلاة والسلام؛
لأنه كان من ولد إسماعيل ،ولذلك يقولون دائما ًفي تعيير العرب :إنهم أبناء الجار ية ،احتقارا ً لهم ،وهم يحسدوننا من أجل ذلك على
هذا الإسلام ،ولم يؤمنوا بالرسول حسدا ً وبغياً.
أو قولهم) :نؤمن بما أنزل علينا( يعني على أنفسنا ،أي :تكليفهم بما في المنزل من الأحكام ،وذموا بهذه المقالة لما فيها من التعر يض
بشأن القرآن ،أي :أنهم عندما قالوا) :نؤمن بما أنزل علينا( هذا فيه تعر يض بالقرآن أنه ليس من عند الل ّٰه ،ودسائسهم مشهورة.
أو لأنهم تأولوا الأمر المطلق العام ونزلوه على خاص هو الإيمان بما أنزل عليهم كما هو ديدنهم في تأو يل الكتاب على غير المراد منه.
)وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الل ّٰه( يقولون :نحن نؤمن فعلا ً بما أنزل الل ّٰه ،نحن نؤمن بما أنزل علينا ،فحملوا اللفظ العام الآمر بالإيمان
بكل ما أنزل الل ّٰه -من القرآن وما عداه من الـكتب -على ما أنزل عليهم فقط ،والواجب أن يؤمنوا بجميع الـكتب على وجه العموم.
)و يكفرون بما وراءه( بما سواه ،وقيل :بما وراءه بما بعده ،والمعنى واحد ،فوراء بمعنى خلف ،وقد تكون بمعنى قدام ،فكلمة وراء من
الأضداد ،تأتي بمعنى الكلمة وضدها ،كما قال تعالى} :وَك َانَ وَر َاءَه ُ ْم م َلِكٌ { ]الـكهف [٧٩:المقصود بها هنا :أمامهم ملك ،فلو مشوا
َ ل لـَك ُ ْم م َا وَر َاء بالسفينة قليلا ً فإن جنود الملك سيأخذون السفينة لصالحهم ،والوراء ولد الولد ،الحفيد ،و يقول تبارك وتعالى} :و َ ُأ ِ
ح َّ
ذ َلـِكُمْ{ ]النساء [٢٤:يعني :ما سوى ذلك) ،و يكفرون بما وراءه( يعني :بما سواه ،فالهاء تعود على قوله تعالى) :قالوا نؤمن بما أنزل
علينا( ،ما أنزل عليهم فقط ،و يكفرون بما وراء ما أنزل عليهم.
)وهو الحق مصدقا ًلما معهم( كلمة مصدقا ًلما معهم ٺتضمن الرد على قولهم) :نؤمن بما أنزل علينا(؛ حيث إن من لم يصدق بما وافق
التوراة لم يصدق بها.
)قل فلم تقتلون أنبياء الل ّٰه من قبل إن كنتم مؤمنين(؟ فأنتم تزعمون أنكم تؤمنون بما أنزل عليكم ،وأن آباءكم وأسلافكم قد آمنوا بما أنزل
عليهم من التوارة ،والتوراة لا تسوغ قتل الأنبياء ،وأنتم تزعمون أنكم تؤمنون فقط بما أنزل عليكم ،فماذا فعلتم على ما أنزل عليكم؟! هل
التوراة تبيح لـكم قتل الأنبياء؟! قال تعالى) :فلم تقتلون( ،وعبر بالمضارع ،مع أن كلمة) :من قبل( تشير إلى الماضي ،فكان الأصل:
فلم قتلتم الأنبياء من قبل ،لـكن أتى بها في صيغة المضارع للدلالة على استمرارهم على القتل في الأزمنة الماضية ،وهذا شأنهم وديدنهم،
وهذه عادتهم لا ٺتغير أبداً ،هذه الطبيعة اللئيمة والخبيثة في القتل والغدر والخيانة ،فالتعبير بالمضارع لاستمرار أسلافهم في العهد المحمدي
وما بعده كما كانوا في العهد الموسوي وما بعده ،فالقتل والغدر والخيانة من طبيعتهم ومن فطرهم التي لا يستطيعون منها فكاكاً ،وتعلمون
الحادث الذي حصل في رمضان السابق من قتل العدد الهائل غدرا ً وخيانة في داخل مسجد الخليل ،فهذا فيهم أمر طبيبعي ،ورغم
أن الناس ثاروا وقاموا وكأن الأمر جديد على اليهود ،إلا أن هذه هي طبيعة اليهود ،تجد أحدهم في أحد كتبه يقول :أنا قاتل إذا ً أنا
موجود ،هذا شعارهم! كما يقول الرجل :أنا أفكر إذا ً أنا موجود ،يعني لا يتصور وجوده بدون أن يكون سفاكا ًللدماء قتالاً ،ومعروف
عن هؤلاء المذابح في صبرا وشاتلا ودير ياسين وغير ذلك من تار يخهم الأسود.
هتلر كان يقول :أنا قتلت نصف اليهود واستبقيت النصف الآخر حتى يعلم العالم لماذا قتلت النصف الأول! يعني :حتى يذوقوا أخلاق
اليهود و يعرفوا فساد اليهود في الأرض ،فقتلت نصفا ً وأبقيت نصفا ً حتى يعلم الناس لماذا قتلت النصف الأول حينما يرون أخلاقهم
وبقاياهم وماذا يفعلون! يقول العلماء :الخطاب لمن حضر محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم والمراد أسلافهم ،وإنما توجه الخطاب لأبنائهم لأنهم
كانوا يتولون أولئك الذين قتلوا ،كما قال تعالى} :و َلَو ْ ك َانُوا يُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّه ِ و َ
َالن ّب ِ ِيّ وَم َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَيْه ِ م َا َاتّ خَذ ُوه ُ ْم أَ وْلِيَاءَ{ ]المائدة ،[٨١:فإذا
تولوهم فهم بمنزلتهم ،فلذلك كانوا راضين عن قتل الأنبياء ،ولا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام ،ولذلك نقول) :فلم تقتلون أنبياء
الل ّٰه( المراد به أسلافهم ،وإن كان الخطاب موجها ًإلى من كانوا معاصرين للنبي عليه الصلاة والسلام ،لماذا؟ لأنهم كانوا يتولون أولئك
القتلة الذين قتلوا الأنبياء ،والل ّٰه يقول) :و َلَو ْ ك َانُوا يُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّه ِ و َ
َالن ّب ِ ِيّ وَم َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَيْه ِ م َا َاتّ خَذ ُوه ُ ْم أَ وْلِيَاءَ( فإذا تولوهم فهم بمنزلتهم ،وقيل:
Shamela.org ١٨٩
البقرة ][120 - 106 ٩
إنهم رضوا فعلهم فنسب ذلك إليهم )فلم تقتلون أنبياء الل ّٰه من قبل إن كنتم مؤمنين( يعني :إن كنتم مؤمنين فلم رضيتم بقتل الأنبياء؟!
وقيل) :إن( بمعنى )ما( ،أداة شرطية ،أي :لم رضيتم بقتلهم إن كنتم مؤمنين؟ وقيل) :إن( بمعنى )ما( نافية.
تنبيه) :فلم تقتلون أنبياء الل ّٰه( لم ،أصلها لما بالألف ،وحذفت الألف فرقا ً بين الاستفهام والخـبر ،ولا ينبغي أن يوقف عليها؛ لأنه إن
وقف عليها بلا هاء كان لحناً ،ونقف عليها بالهاء في غير القرآن ،وهذا بحث متعلق بالتجويد وليس من صلب موضوعنا.
نختم بكلام السيوطي في تفسير هذه الآية ،يقول) :وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الل ّٰه( ،القرآن وغيره ،قالوا) :نؤمن بما أنزل علينا( أي:
التوراة ،قال تعالى) :و يكفرون بما وراءه( ،الواو هنا للحال) ،بما وراءه( يعني :سواه أو بعده من القرآن) ،وهو الحق( حال) ،مصدقاً(
حال ثانية مؤكدة) ،لما معهم.
قل فلم تقتلون( يعني :قل لهم) :فلم تقتلون( أي :قتلتم )أنبياء الل ّٰه من قبل إن كنتم مؤمنين( يعني :بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتلهم،
والخطاب للموجودين في زمن نبينا صلى الل ّٰه عليه وسلم بما فعل آباؤهم لرضاهم به.
تفسير قوله تعالى) :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخـير منها أو مثلها( ٩.١
تفسير قوله تعالى) :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخـير منها أو مثلها(
ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ{ ]البقرة.[١٠٦:
الل ّه َ عَلَى ك ُ ّ ِ
ن َ ت بِ خـَيْرٍ مِنْهَا أَ ْو مِث ْلِه َا أَ ل َ ْم تَعْل َ ْم أَ َ ّ
قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :م َا نَنسَخْ م ِنْ آيَة ٍ أَ ْو نُنسِه َا ن َأْ ِ
قوله عز وجل) :ما ننسخ من آية( )ما( شرطية ،ولذلك جزمت فعل الشرط وجواب الشرط ،والنسخ هو الرفع والإزالة ،تقول:
نسخت الشمس الظل ،أي :أزالت الظل ،فقوله تعالى) :ما ننسخ من آية( أي :ما ن ُزل حكم آية ،من الإزالة.
والنسخ على أنواع :إما أن يرفع حكم الآية لـكن يبقى اللفظ ،وإما أن يبقى الحكم ويرفع اللفظ ،وهو ما يعرف بنسخ التلاوة ،ولذلك
يقول السيوطي) :ما ننسخ من آية( أي :نُز ِل حكمها إما مع لفظها أو لا ،وفي قراءة بضم النون )ما ننسخ( من أنسخ ،فيكون تفسيرها
على هذه القراءة :ما نأمرك أو نأمر جبر يل عليه السلام بنسخها.
)أو نَنْسَأْ ها( وفي القراءة الأخرى) :أو نُنْس ِها( وعلى قراءة )ننسأها( من النسأ ،أي :نؤخرها ،فلا نزل حكمها ولـكن نرفع تلاوتها ،أو
نؤخرها في اللوح المحفوظ ،وفي قراءة بلا همز )أو ننسها( أي :من النسيان ،أي :نمحها من قلبك.
وجواب الشرط قوله تعالى) :نأت بخـير منها( أي :أنفع للعباد في السهولة أو كثرة الأجر.
)ألم تعلم أن الل ّٰه على كل شيء قدير( ومما يشمله عموم قدرته :النسخ والتبديل ،والاستفهام هنا للتقرير ،والمقصود :أن الل ّٰه سبحانه
وتعالى على كل شيء قدير.
يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى في هذه الآية) :ما ننسخ من آية( أي :ما نبدل من آية بغيرها ،كنسخنا آيات التوراة بآيات القرآن) ،أو
ظا م َِم ّا ذُك ِّر ُوا بِه ِ{ ]المائدة [١٣:وقرئ) :أو ننسأها( أي :نؤخرها ونتركها بلا
ح ًّ
ننسها( أي :نذهبها من القلوب ،كما أخبر بقوله} :و َنَس ُوا َ
نسخ ،كما أبقى كثيرا ً من أحكام التوراة في القرآن ،وعلى هذه القراءة الثانية) :أو ننسأها( نشر على ترتيب هذا اللف ،قوله) :نأت بخـير
منها( أي :من المنسوخة المبدلة ،وذلك كما فعل في الآيات التي شرعت في هذه الملة الحنيفية ،شرع فيها اليسر ورفع الحرج والعنت،
فكانت خيرا ً من تلك الآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل ،وجاء فيها اليسر والسماحة ،ورفعت الآصار والأغلال كما جاء
ل َال ّتِي ك َان َْت عَلَيْهِمْ{ ]الأعراف[١٥٧:؛ لأن بني إسرائيل شرعت
ض ُع عَنْه ُ ْم ِإصْر َه ُ ْم و َالأَ غ ْلا َ
في وصف النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم} :و َي َ َ
Shamela.org ١٩٠
البقرة ][120 - 106 ٩
لهم أحكام مغلظة عقوبة لهم وتأديباً ،فرفعت في هذه الملة السمحة الحنيفية )أو مثلها( أي :مثل تلك الآيات الموحيات من قبل،
فيوحي الل ّٰه عز وجل إلى نبيه مثلما أوحى من قبل ،كما يرى في كثير من الآيات في القرآن الموافقة لما بين يديها مما اقتضت الحكمة بقاءه
ُف ال ُأولَى * صُ ح ِ
ُف ِإ ب ْر َاه ِيم َ وَم ُوس َى{ ]الأعلى[١٩ - ١٨: ن هَذ َا لَفِي ُ
الصّ ح ِ واستمراره ،مثل قول الل ّٰه تبارك وتعالى في سورة الأعلى}ِ :إ َ ّ
ْس ب َِالن ّ ْف ِ
س{ ]المائدة [٤٥:إلى آخره. ن َ
الن ّف َ و يقول تعالى} :وَكَتَب ْنَا عَلَيْه ِ ْم ف ِيهَا أَ َ ّ
تفسير قوله تعالى) :ألم تعلم أن الل ّٰه له ملك السماوات والأرض( ٩.٢
تفسير قوله تعالى) :ألم تعلم أن الل ّٰه له ملك السماوات والأرض(
الل ّه ِ م ِنْ و َل ِ ٍيّ و َلا نَصِ يرٍ{ ]البقرة.[١٠٧:
ن َ ض وَم َا لـَك ُ ْم م ِنْ د ُو ِ
ات و َالأَ ْر ِ ك ال َ ّ
سم َو َ ِ الل ّه َ لَه ُ مُل ْ ُ
ن َ قال تبارك وتعالى} :أَ ل َ ْم تَعْل َ ْم أَ َ ّ
)ألم تعلم أن الل ّٰه له ملك السماوات والأرض( أي :يفعل فيهما ما يشاء سبحانه وتعالى) ،وما لـكم من دون الل ّٰه( أي من غير الل ّٰه) ،من
ولي( )من( زائدة ،والأصل أن تكون) :ما لـكم من دون الل ّٰه ولي ولا نصير() ،من ولي( يحفظكم )ولا نصير( يمنع عذابه عنكم إن
أتاكم.
يقول القاسمي) :ألم تعلم أن الل ّٰه له ملك السماوات والأرض( فهو يملك أموركم ويدبرها ،وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ أو منسوخ،
)وما لـكم من دون من ولي( يلي أموركم )ولا نصير( أي :ناصر يمنعكم من العذاب ،وقضية العلم بما ذكر من الأمور الثلاثة هو الجزم
والإيقان؛ لأنه تعالى لا يفعل بهم في أمر من أمور دينهم أو دنياهم إلا ما هو خير لهم ،والعمل بموجبه من الثقة به ،والتوكل عليه،
وتفو يض الأمر إليه ،فهذا الخطاب وربط هذا الموقف بصفة علم الل ّٰه سبحانه وتعالى فيه إرشاد المؤمنين إلى أن يحسنوا ظنهم بربهم
تبارك وتعالى ،و يؤمنوا به حق الإيمان ،و يعلموا أن الل ّٰه سبحانه وتعالى لا يريد فيهم في الدين ولا في الدنيا إلا ما هو الخـير والأفضل لهم.
وفيه إرشاد إلى عدم الإصغاء إلى أقاو يل اليهود وتشكيكاتهم التي من جملتها ما قالوا في أمر النسخ.
و يجب أن نستصحب هنا أن هذه الآيات كلها تمهيد لما سيأتي عما قريب من الآيات التي فيها نسخ القبلة ،فهنا نوع من الإرهاصات
والتمهيد في القرآن الـكريم لما سيأتي عما قريب من نسخ القبلة ،فالسبب :تمهيد لقلوب المؤمنين كي لا تفتتن بأقاو يل اليهود وتشكيكاتهم
بسبب ما وقع من تغيير القبلة ،كذلك أيضا ًالآيات التي ستأتي عما قريب وفيها قصة إبراهيم عليه السلام وإسماعيل وبناء البيت والتنو يه
بعظمة البيت وشرفه وعلو مقامه ،ففيها أيضا ًتنو يه إرهاص وتقدمة بين يدي تحو يل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام.
فالمقصود :أن ينتفي عن المؤمنين الإصغاء إلى أقاو يل اليهود وتشكيكاتها التي من جملتها ما قالوا في أمر النسخ ،حيث أنكروا نسخ أحكام
التوراة ،وقالوا :إن التوارة أحكامها لا تنسخ ،ولذلك جحدوا نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام لمجيئهما من عند الل ّٰه بتغيير من
حكم التوارة ،فأخبرهم الل ّٰه سبحانه وتعالى أن له ملك السماوات والأرض وسلطانهما ،وأن الخلق أهل مملـكته وطاعته ،عليهم السمع
والطاعة لأمره ونهيه ،وأن له أمرهم بما يشاء ،ونهيهم عما يشاء ،ونسخ ما يشاء ،وإقرار ما يشاء ،والذي حمل اليهود على منع النسخ إنما
هو الـكفر والعناد ،وإلا فقد وجد في شر يعتهم النسخ بكثرة ،وقد كثرت المطاعن التي يأخذها المستشرقون والببغاوات الذين يوردون
شبهاتهم من وقوع النسخ في القرآن الـكريم ،وقد تولى الجواب عنها برد مفحم واف العلامة ابن خليل الرحمن الهندي رحمه الل ّٰه في كتابه:
إظهار الحق ،وهو من أروع الـكتب التي فيها تفنيد عقيدة النصارى ،حيث ذكر فيه أمثلة وافرة مما وقع من النسخ في التوراة والإنجيل،
وهي موجودة في الباب الثالث من هذا الكتاب.
قال بعض الفضلاء :نزلت هذه الآية لما قال المشركون أو اليهود :إن محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه و يأمر
بخلافه ،يشيرون إلى ما وقع من النسخ في بعض الأحكام ،وفي الآية رد عليهم؛ لأن المقصود بنسخ الحكم السابق تهيئة النفوس لأرقى
منه ،وحتى ترقى النفوس إلى ما هو أعلى منه وأفضل ،وهو معنى قوله تعالى) :نأت بخـير منها(؛ لأن الخالق تعالى ربى الأمة المسلمة
Shamela.org ١٩١
البقرة ][120 - 106 ٩
في ثلاث وعشرين سنة تربية تدر يجية لا تتم لغيرها بواسطة العوامل الاجتماعية إلا في قرون عديدة ،لذلك كان نزول الأحكام عليها
على حسب قابليتها ،ومتى ارتقت قابليتها بدل الل ّٰه لها ذلك الحكم بغيره ،وهذه سنة الخالق عز وجل في الأفراد والأمم على حد سواء،
فإنك لو نظرت في الكائنات الحية من أول الخلية النباتية إلى أرقى شكل من أشكال الأشجار ،ومن أول رتبة من رتب الحيوانات إلى
الإنسان؛ لرأيت أن النسخ ناموس طبيعي محسوس في الأمور المادية والأدبية معاً ،فإن انتقال الخلية الإنسانية إلى جنين ،ثم إلى طفل
فيافع فشاب فكهل فشيخ ،وما يتبع كل دور من هذه الأدوار من الأحوال الناسخة للأحوال التي قبلها ير يك الدليل على أن التبدل في
الكائنات ناموس طبيعي محقق ،وإذا كان هذا النسخ ليس بمستنكر في الكائنات فكيف يستنكر نسخ حكم وإبداله بحكم آخر في الأمة،
وهي في حالة نمو وتدرج من الأدنى إلى الأرقى ،فهذا باختصار ما أشار إليه القاسمي في هذا المعنى.
تفسير قوله تعالى) :أم تريدون أن تسألوا رسولـكم كما سئل موسى من قبل( ٩.٣
تفسير قوله تعالى) :أم تريدون أن تسألوا رسولـكم كما سئل موسى من قبل(
ل{ ل سَوَاء َ ال َ ّ
سب ِي ِ ض َّ
ن فَق َ ْد َ ل وَم َنْ يَتَب َ ّد ِ
ل ال ْـكُفْر َ ب ِِالإ يمَا ِ ل م ُوس َى م ِنْ قَب ْ ُ
قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :أَ ْم تُر ِيد ُونَ أَ ْن تَسْأَ لُوا رَسُولـَك ُ ْم كَمَا سُئ ِ َ
]البقرة [١٠٨:قوله تعالى) :أم تريدون( )أم( هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة ،فهي تساوي بل والهمزة ،يعني :بل أتريدون ،وهذه
ٺتكرر كثيرا ً في القرآن ،ولذلك قال السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :أم تريدون( بمعنى بل وبمعنى همزة الإنكار ،يعني بل أتريدون أن تسألوا
رسولـكم كما سئل موسى؟ يعني :كما سأله قومه بنو إسرائيل ،والإشارة بذلك إلى قولهم) :أرنا الل ّٰه جهرة( وغير ذلك من أسئلتهم.
يقول الشنقيطي رحمه الل ّٰه تعالى في تفسير هذه الآية :لم يبېن هنا الذي سئله موسى من قبل ما هو ،ولـكنه بينه في موضع آخر وذلك
جهْرَة ً{ ]النساء.[١٥٣:
الل ّه َ َ سم َاء ِ فَق َ ْد سَأَ لُوا م ُوس َى أَ كْ بَر َ م ِنْ ذَل ِ َ
ك فَق َالُوا أَ رِن َا َ ن ال َ ّ
ل عَلَيْه ِ ْم ك ِتَاب ًا م ِ َ
اب أَ ْن تُنَز ِّ َ
ل الْكِت َ ِ
ك أَ ه ْ ُ
في قوله} :يَسْأَ ل ُ َ
)ومن يتبدل الـكفر بالإيمان( أي :من يأخذه بدله بترك النظر في الآيات البينات واقتراح غيرها) ،فقد ضل سواء السبيل( أي :أخطأ
الطر يق الحق ،والسواء في الأصل هو الوسط.
تفسير قوله تعالى) :ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا( ٩.٤
تفسير قوله تعالى) :ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً(
حسَدًا م ِنْ عِنْدِ أَ نفُسِه ِ ْم م ِنْ بَعْدِ م َا تَبېَ ّنَ لَهُم ُ الْح َُقّ فَا ْعف ُوا اب لَو ْ ي َر ُ ُدّونَك ُ ْم م ِنْ بَعْدِ ِإ يمَانِك ُ ْم ُ
ك َ ّفار ًا َ قال عز وجل} :و َ َدّ كَث ِير ٌ م ِنْ أَ ه ْ ِ
ل الْكِت َ ِ
ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ{ ]البقرة.[١٠٩:
الل ّه َ عَلَى ك ُ ّ ِ
ن َ الل ّه ُ ب ِأَ ْمرِه ِ ِإ َ ّ
و َاصْ فَحُوا ح ََت ّى ي َأْ تِي َ َ
)ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم( )لو( هنا مصدر ية ،ولو تأتي بمعنى أن ،كقوله} :وَو َ ُدّوا لَو ْ ت َ ْكف ُر ُونَ{ ]الممتحنة [٢:أي :ودوا
أن تكفروا ،كذلك هنا )لو( مصدر ية بمعنى أن كقول الشاعر :ما كان ضرك لو مننت وربما َ
منّ الفتى وهو المر يض المحنق )لو يردونكم
من بعد إيمانكم كفارا ً حسداً( هذا مفعول له )من عند أنفسهم( يعني :حسدا ً كائنا ًمن عند أنفسهم حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة ،وهذه
إشارة إلى أن الحسد إنما هو من أخلاق الـكفار ،وأنه يتنافى مع الإيمان ،فالمؤمن ليس بحسود ،ونرى في كثير من آيات القرآن أن
الحسد قرين الـكفر ،وهو تمني زوال نعمة الل ّٰه عز وجل عن الغير) ،من بعد ما تبېن لهم الحق( الموجود في التوراة في شأن النبي صلى
الل ّٰه عليه وسلم) ،فاعفوا( عنهم ،واتركوهم ،وأعرضوا عنهم) ،واصفحوا( أي :أعرضوا عنهم فلا تجازوهم بما يقولون) ،حتى يأتي الل ّٰه
بأمره( فيهم من القتال) ،إن الل ّٰه على كل شيء قدير(.
يقول الشنقيطي رحمه الل ّٰه تعالى موضحا ً بصورة أوسع المراد بقوله تعالى) :فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الل ّٰه بأمره( :هذه الآية في أهل
الكتاب كما هو واضح من السياق ،والأمر في قوله تعالى) :حتى يأتي الل ّٰه بأمره( قال بعض العلماء :هو واحد الأوامر ،يعني :كلمة
Shamela.org ١٩٢
البقرة ][120 - 106 ٩
)أمره( مفرد ،جمعها أوامر أو أمور ،فأتى هنا بلفظ المفرد فاحتمل أن يكون )حتى يأتي الل ّٰه بأمره( المقصود به الأمر الذي جمعه
أوامر ،أو بأمره الأمر الذي جمعه أمور ،يقول :قال بعض العلماء الأمر هو واحد الأوامر ،وقال بعضهم :هو واحد الأمور ،فعلى القول
ن لا يُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّه ِ و َلا ب ِال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ و َلا الأول بأنه الأمر الذي هو ضد النهي فإن الأمر المذكور وهو المصرح به في قوله} :قَاتِلُوا ال َ ّذ ِي َ
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ ح ََت ّى يُعْط ُوا الْجِز ْيَة َ ع َنْ يَدٍ و َه ُ ْم صَاغِرُونَ{ ]التوبة،[٢٩:ن ال َ ّذ ِي َن الْحَقّ ِ م ِ َ يُح َرِ ّم ُونَ م َا ح َرّم َ َ
الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ و َلا يَدِين ُونَ دِي َ
الل ّه ُ لَه َُنّ سَب ِيل ًا{ ]النساء ،[١٥:والسبيل هو ما نزل فيما بعد من الأحكام ل َ يجْع َ َوتكون مشابهة لقوله تعالى} :ح ََت ّى يَت َو ََف ّاه َُنّ ال ْمَو ْتُ أَ ْو َ
فيما يتعلق بالمرأة التي تأتي الفاحشة ،فكذلك هنا) :حتى يأتي الل ّٰه بأمره( إذا قلنا :أمره هو واحد الأوامر ،فالمعنى اصبروا واعفوا عنهم
ن لا يُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّه ِ و َلا
ولا تجازوهم إلى أن يأمركم الل ّٰه بجهادهم ،وجهاد أهل الكتاب شرع في سورة التوبة في قوله تعالى} :قَاتِلُوا ال َ ّذ ِي َ
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ ح ََت ّى يُعْط ُوا الْجِز ْيَة َ ع َنْ يَدٍ و َه ُ ْم صَاغِرُونَ{
ن ال َ ّذ ِي َ
ن الْحَقّ ِ م ِ َ خر ِ و َلا يُح َرِ ّم ُونَ م َا ح َرّم َ َ
الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ و َلا يَدِين ُونَ دِي َ ب ِال ْيَو ْ ِم الآ ِ
]التوبة.[٢٩:
وعلى القول بأن الأمر.
واحد الأمور ،فهو ما صرح الل ّٰه سبحانه وتعالى به في الآيات الدالة على ما أوقع في اليهود من القتل والتشريد؛ كقوله تعالى} :ف َأَ ت َاهُم ُ
يخْرِبُونَ بُي ُوتَه ُ ْم ب ِأَ يْدِيه ِ ْم و َأَ يْدِي ال ْمُؤْم ِنِينَ فَاعْتَب ِر ُوا ي َا ُأول ِي الأَ بْصَارِ * و َلَو ْلا أَ ْن كَت َبَ َف فِي قُلُو بِهِم ُ ُ
الر ّعْبَ ُ يح ْتَسِب ُوا و َقَذ َ حي ْثُ ل َ ْم َ
الل ّه ُ م ِنْ َ َ
الن ّارِ{ ]الحشر ،[٣ - ٢:والآية غير منسوخة على التحقيق ،والنسخ الذي خرَة ِ عَذ َابُ َ الل ّه ُ عَلَيْهِم ُ الْجَلاء َ لَع َ َ ّذبَه ُ ْم فِي ال ُد ّن ْيَا و َلَه ُ ْم فِي الآ ِ
َ
يقصده الشنقيطي رحمه الل ّٰه تعالى هنا هو النسخ الاصطلاحي ،فبعض الناس يقولون :إن آية براءة نسخت كل موادعة ،نسخت الآيات
الآمرة بالعفو والصفح والصبر والإعراض وعدم مؤاخذة المشركين والصبر على أذاهم ،فيقول :الآية غير منسوخة على التحقيق ،فإن
لكل مقام مقالاً ،ولكل حدث حديثاً ،ففي حالة الضعف كان هذا هو التكليف الخاص بالمؤمنين أن يصبروا و يعفوا و يصفحوا إلى أن
يأتي أمر الل ّٰه بجهادهم.
سك ُ ْم م ِنْ خَيْرٍ{ ]البقرة [١١٠:أي :من طاعة كصلة رحم وصدقة الصّ لاة َ و َآتُوا َ
الز ّك َاة َ وَم َا تُق َ ّدِم ُوا ل ِأَ نف ُ ِ يقول تبارك وتعالى} :و َأَ ق ِيم ُوا َ
الل ّه َ بِمَا تَعْم َلُونَ بَصِ ير ٌ{ ]البقرة [١١٠:يعني :فيجاز يكم به سبحانه وتعالى.
ن َ الل ّه ِ ِإ َ ّ
)تجدوه( أي :تجدوا ثوابه }تجِد ُوه ُ عِنْد َ َ
تفسير قوله تعالى) :وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى( ٩.٥
تفسير قوله تعالى) :وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ً أو نصارى(
ل الْج َنَ ّة َ ِإ َلّا م َنْ ك َانَ ه ُود ًا أَ ْو نَصَار َى{ ]البقرة.[١١١:
قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :و َقَالُوا لَنْ ي َ ْدخ ُ َ
)وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً( هودا ً جمع هائد) ،أو نصارى( قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي
النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،أي قال اليهود :لن يدخلها إلا اليهود ،وقالت النصارى :لن يدخلها إلا النصارى ،وهنا تصحيح من القاضي
محمد كنعان في الحاشية ،يقول :قول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبي صلى
الل ّٰه عليه وسلم.
هذا سهو من الجلال السيوطي رحمه الل ّٰه ،فإن التي أشار إليها لم ينزل بشأنها قوله تعالى) :وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو
َت الْيَه ُود ُ عَلَى شَيْءٍ{ ]البقرة،[١١٣: ت َ
الن ّصَار َى لَيْس ِ الن ّصَار َى عَلَى شَيْء ٍ و َقَال َ ِ
َت َت الْيَه ُود ُ لَيْس ِ
نصارى( ،بل نزل فيها قوله تعالى} :و َقَال َ ِ
وذلك أن اليهود والنصارى تناظروا ،فقالت اليهود للنصارى :لستم على شيء ،وكفروا بعيسى والإنجيل ،فقال النصارى لليهود :ما أنتم
على شيء ،ونحن نقول للفر يقين :صدقتم ،لا هؤلاء على شيء ولا هؤلاء على شيء ،فقال النصارى لليهود :ما أنتم على شيء وجحدوا
نبوة موسى ،وكفروا بالتوراة ،فنزلت هذه الآية وهي قوله تعالى) :وقالت اليهود ليست النصارى على شيء(.
Shamela.org ١٩٣
البقرة ][120 - 106 ٩
وهذه الآية إخبار عما يظنه كل فر يق لنفسه من النجاة وللآخر من الهلاك ،وليست مرتبطة بسبب النزول؛ لأنه لا يشترط أن كل آية
في القرآن يكون لها سبب نزول ،لـكن هذا إخبار عن اعتقاد كل فر يق من هذين الفر يقين.
وفي قوله) :وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ً أو نصارى( أسلوب من الأساليب البلاغية ،كلمة) :قالوا( فيها نوع من الإجمال،
وهذا كلام ملفوف ،ثم نشر وأوضح بقوله) :وقالوا( فالواو فيها لف ،ثم نشر ما لفته الواو بقوله) :إلا من كان هودا ً أو نصارى(.
}تِلْكَ{ ]البقرة ،[١١١:أي :القولة )أمانيهم( ،أي :شهواتهم الباطلة} ،قُلْ ه َاتُوا بُرْه َانَكُمْ{ ]البقرة) ،[١١١:قل( ،أي :قل لهم) ،هاتوا
برهانكم( حجتكم على ذلك ،انظر إلى أسلوب القرآن الـكريم في طلب الاعتداد بالبرهان وبالحجة ،وطلب إقامة الحجة والكلام بعلم} ،ق ُلْ ه َاتُوا
بُرْه َانَك ُ ْم ِإ ْن كُنتُم ْ صَادِق ِينَ{ ]البقرة ،[١١١:فالذي يدعي دعوى هو المسئول على أن يؤديها بالبرهان ،لا أن يدعي الإنسان دعوى و يلزم
من يدعوه إليها بأن يثبتها له ،المفروض أنت الذي تدعو تكون مسلحا ًبالبرهان ولا ٺتكلم إلا بما قام عليه الدليل والبرهان ،وإلا كنت
كاذباً ،وهذا هو المفهوم من قوله تعالى) :قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين(؛ فالصادق هو من يأتي بالبرهان) ،إن كنتم صادقين(
فيما تقولون.
تفسير قوله تعالى) :بلى من أسلم وجهه لل ّٰه وهو محسن فله أجره( ٩.٦
تفسير قوله تعالى) :بلى من أسلم وجهه لل ّٰه وهو محسن فله أجره(
يح ْزَنُونَ{ ]البقرة) [١١٢:بلى(
ْف عَلَيْه ِ ْم و َلا ه ُ ْم َ
خو ٌ
جرُه ُ عِنْد َ ر َبِّه ِ و َلا َ
ن فلََه ُ أَ ْ
س ٌ يقول تبارك وتعالى} :بلََى م َنْ أَ سْ لَم َ و َجْ ه َه ُ ل َِل ّه ِ و َه ُو َ ُ
مح ْ ِ
المقصود بها :بلى يدخل الجنة غيرهم ،اليهود قالوا :لا يدخل الجنة غير اليهود ،والنصارى قالوا :لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً،
ولا يشاركنا فيها غيرنا ،فجاءت الآية بقوله) :بلى( ،وهذا إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة ،ونحن نعلم أن بلى تأتي لإثبات ما نفي،
وكأن قائلا ًيقول :من هؤلاء الغير؟ فيأتي
الجواب ) من أسلم وجهه لل ّٰه( أي :انقاد لأمر الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء ،فإذا أسلم الإنسان وجهه لل ّٰه
سبحانه وتعالى فغيره من الأعضاء أولى؛ لأن الوجه هو أشرف أجزاء البدن ،فحينما يسجد الإنسان على الأرض ،و يضع وجهه وجبهته
التي هي أشرف جزء في بدنه على الأرض تذللا ًلل ّٰه سبحانه وتعالى فأولى أن ينقاد لل ّٰه غير ذلك من أعضاء بدنه) ،بلى من أسلم وجهه
لل ّٰه( أي انقاد لأمره) ،وهو محسن( أي :موحد لل ّٰه سبحانه وتعالى موافق لهدي رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ونزيد حقا ًمن حقوق
التوحيد وهو من أوكد حقوق التوحيد يقترن دائما ً بتوحيد المعبود :ألا وهو توحيد الطر يق الموصلة إليه ،فأي إنسان لا ينجو إلا بهذين
التوحيدين :توحيد العبادة ،وتوحيد الاتباع ،توحيد المعبود وهو الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وتوحيد الطر يق الموصلة إليه ،وهو طر يق على رأسه
محمد عبد الل ّٰه ورسوله صلى الل ّٰه عليه وسلم) ،فله أجره عند ربه( ،أي :ثواب عمله ،وهو الجنة) ،ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون(
يعني في الآخرة.
تفسير قوله تعالى) :وقالت اليهود ليست النصارى على شيء( ٩.٧
تفسير قوله تعالى) :وقالت اليهود ليست النصارى على شيء(
ل ال َ ّذ ِي َ
ن لا َت الْيَه ُود ُ عَلَى شَيْء ٍ و َه ُ ْم يَت ْلُونَ الْكِتَابَ كَذَل ِ َ
ك قَا َ ت َ
الن ّصَار َى لَيْس ِ الن ّصَار َى عَلَى شَيْء ٍ و َقَال َ ِ
َت َت الْيَه ُود ُ لَيْس ِ
قال تعالى} :و َقَال َ ِ
يخ ْتَلِف ُونَ{ ]البقرة.[١١٣:
يحْكُم ُ بَيْنَه ُ ْم يَوْم َ الْق ِيَامَة ِ ف ِيم َا ك َانُوا ف ِيه ِ َ
الل ّه ُ َ
ل قَو ْلِه ِ ْم ف َ َ
يَعْلَم ُونَ مِث ْ َ
)وقالت النصارى ليست اليهود على شيء( أي :ليسوا على شيء يعتد به ،وإن كانوا هم على شيء باطل ،فلذلك لا بد هنا في تفسيرها
أن نقول :ليست النصارى على شيء حق ،ولـكنهم على شيء باطل ،فبما أنه لم يذكر صفة البطلان هذه فلا بد من هذا التقدير ،أن
Shamela.org ١٩٤
البقرة ][120 - 106 ٩
تقول :على شيء معتد به من الدين ،أو على شيء له قيمة يذكر أو ينجي ،لأن ما معهم مهلـكهم ،فهذا إخبار عن كفر اليهود ،قالوا:
ليست النصارى على شيء ،وبالتالي كفروا بالمسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من أجل ذلك) ،وقالت النصارى ليست اليهود على
شيء( أي :شيء معتد به ،وكفرت النصارى بموسى) ،وهم يتلون الكتاب( الفر يقان :فر يق اليهود وفر يق النصارى )يتلون الكتاب(،
ْت{ والكتاب هنا اسم جنس؛ لأنهما في الحقيقة كتابان ،التوراة والإنجيل ،فالمقصود هنا اسم جنس ،مثل قوله} :قُلْ يَت َو ََف ّاك ُ ْم م َل َ ُ
ك ال ْمَو ِ
]السجدة [١١:على أحد التفسيرين ،وفي الكتاب المنزل على اليهود تصديق عيسى ،وفي كتاب النصارى تصديق موسى ،والجملة )وهم
يتلون الكتاب( جملة حالية.
وهذه الواقعة بعينها وقعت في أمة محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فإن كل طائفة من أهل البدع والضلال تكفر الأخرى مع اتفاقهم على
تلاوة القرآن ،فهذا المعنى موافق لما أخبر به الصادق المصدوق صلى الل ّٰه عليه وسلم في قوله) :لتتبعن سنن من كان قبلـكم شبرا ً بشبر
وذراعا ً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم ،قالوا :اليهود والنصارى؟ قال :فمن؟( يعني :من غير اليهود والنصارى؟ فمما وافق
فيه الضلال من الفرق الضالة في هذه الأمة اليهود والنصارى :هذا الانقسام والتفرق في الدين بأن تكفر كل طائفة من لا يوافقها،
وكفرت كل طائفة الأخرى مع اتفاقهم جميعا ًعلى تلاوة القرآن! )كذلك قال الذين لا يعلمون( يعني :كما قال هؤلاء ،والإشارة إلى
اليهود والنصارى) ،قال الذين لا يعلمون( المقصود بالذين لا يعلمون هم المشركون من العرب وغيرهم) ،مثل قولهم( هذا بيان لمعنى
كلمة )كذلك( ،أي :قالوا لكل ذي دين :ليسوا على شيء ،فكما قالت اليهود للنصارى :لستم على شيء ،وقالت النصارى لليهود :لستم
على شيء ،فإن هذه العبارة التي واجهوا بها الحق ليسوا هم وحدهم في ذلك ،بل قالها أيضا ًالمشركون سواء مشركوا العرب أو غيرهم
ممن دعاهم الرسل إلى التوحيد.
والآية فيها توبيخ شديد لليهود والنصارى ،لماذا؟ لأنه وصفهم بأنهم أتوا بما أتى به الذين لا يعلمون ،فالمشركون العرب كانوا أمة أمية،
ولم ينزل عليهم كتاب من قبل ،أما اليهود والنصارى فأنزلت عليهم الـكتب ،وفيها الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالرسل والرسالات
والقدر وسائر أمور الإيمان ،فكان المفترض أن يكون أهل الكتاب أول مؤمن بالقرآن ،ففي هذه الآية توبيخ شديد لهم؛ لأنهم بفعلهم
وبقولهم هذا نظموا أنفسهم -مع علمهم.
يقول تعالى) :فالل ّٰه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون( يعني من أمر الدين ،فيدخل المحق الجنة والمبطل النار.
تفسير قوله تعالى) :ومن أظلم ممن منع مساجد الل ّٰه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها( ٩.٨
تفسير قوله تعالى) :ومن أظلم ممن منع مساجد الل ّٰه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها(
الآيات السابقة في توبيخ أهل الكتاب ،فبعد توبيخ أهل الكتاب توجه الخطاب إلى المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم
وأصحابه رضي الل ّٰه عنهم من مكة ،ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام ،وصدوهم عنه عام الحديبية ،وكل هذا تخريب للمسجد
الحرام ،وعمارة المسجد إحياء المكان وشغله بما وضع له.
عمارة المسجد لها معنيان :عمارة المساجد ببنائها ،وأيضا ً عمارة المسجد بإحياء هذ المكان وإشغاله بما وضع له ،فالمسجد أقيم لعبادة
الل ّٰه ،فعمارته بالاعتكاف ،بصلاة الجماعة ،بقرءاة القرآن ،بمجالس الذكر ،هذه العمارة أو أحد نوعي العمارة المشار إليها في قوله تعالى:
ن ال ْمُهْتَدِينَ{ الل ّه َ ف َع َس َى ُأوْلَئ ِ َ
ك أَ ْن يَكُونُوا م ِ َ ْش ِإ َلّا َ الصّ لاة َ و َآتَى َ
الز ّك َاة َ و َل َ ْم َ
يخ َ ن ب َِالل ّه ِ و َال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ و َأَ قَام َ َ الل ّه ِ م َنْ آم َ َ ِ}إ َن ّمَا يَعْم ُر ُ مَسَا ِ
جد َ َ
]التوبة ،[١٨:والمقصود هنا توبيخ المشركين بعد توبيخ أهل الكتاب.
الل ّه ِ أَ ْن ي ُ ْذك َر َ ف ِيهَا اسْم ُه ُ و َ َ
سع َى فِي خَر َابِهَا{ ]البقرة [١١٤:يعني :لا أحد أظلم ممن صد عن قال الل ّٰه تعالى} :وَم َنْ أَ ظْ لَم ُ م َِم ّنْ م َن َ َع مَسَا ِ
جد َ َ
بيوت الل ّٰه سبحانه وتعالى كي لا يذكر فيها اسمه بالصلاة والتسبيح والذكر) ،وسعى في خرابها( ،خرابها إما أن يكون بالهدم أو بالتعطيل.
Shamela.org ١٩٥
البقرة ][120 - 106 ٩
يقول السيوطي :نزلت إخبارا ً عن الروم الذين خربوا بيت المقدس ،أو نزلت في المشركين لما صدوا النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عام
الحديبية من البيت ،وصحح القرطبي رحمه الل ّٰه تعالى أنها عامة في كل مسجد إلى يوم القيامة ،والآية عامة ،والوعيد فيها عام لكل من
يرهب أو يخيف أو يؤذي أو يتسبب في تخريب بيوت الل ّٰه سبحانه وتعالى؛ فاللفظ هنا عام ورد بصيغة الجمع ،فتخصيصها قول ضعيف؛
لأن الآية) :ومن أظلم ممن منع مساجد الل ّٰه( ،فإذا جاءت بصيغة الجمع وفي سياق العموم فلا يصح تخصيصها ،و يكون القول بتخصيصها
بمسجد واحد كبيت المقدس أو المسجد الحرام عام الحديبية قولا ًضعيفاً ،فالقول الآخر للعموم يشمل هذه الأمثلة ،ويشمل كل من
يخرب بيوت الل ّٰه سبحانه وتعالى إلى يوم القيامة.
} ُأوْلَئ ِ َ
ك م َا ك َانَ لَه ُ ْم أَ ْن ي َ ْدخ ُلُوه َا ِإ َلّا خ َائِف ِينَ{ ]البقرة) [١١٤:أولئك( الذين يخربونها هذا التخريب )ما كان لهم أن يدخلوها إلا
خائفين( ،قال بعض العلماء :هو خبر بمعنى الأمر ،والمقصود بذلك :أخيفوهم بالجهاد ،فلا يدخلها أحد منهم آمناً ،يعني :لا يدخلها
المشركون الذين يخربونها آمنين أبداً ،فأخيفوهم فلا يدخلون بيوت الل ّٰه وهم آمنون} ،لَه ُ ْم فِي ال ُد ّن ْيَا ِ
خزْيٌ { ]البقرة ،[١١٤:يعني :هوان
َاب عَظ ِيم ٌ{ ]البقرة [١١٤:وهو النار.
خرَة ِ عَذ ٌ
بالقتل والسبي والجز ية} ،و َلَه ُ ْم فِي الآ ِ
يقول الشنقيطي رحمه الل ّٰه تعالى في هذه الآية الـكريمة :قال بعض العلماء :نزلت في صد المشركين النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عن البيت
الحرام في عمرة الحديبية عام ست ،وعلى هذا القول فالخراب معنوي ،أي أن معنى قوله) :وسعى في خرابها( خراب معنوي ،وهو
جدِ الْحَرَا ِم{ ]الفتح.[٢٥:
س ِ ص ُ ّدوك ُ ْم ع َ ِ
ن ال ْم َ ْ كف َر ُوا و َ َ خراب المساجد بمنع العبادة فيها ،وهذا القول يبينه ويشهد له قوله تعالى} :هُم ُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ
وقال بعض العلماء :الخراب المذكور هو الخراب الحسي بالهدم ،والآية نزلت فيمن خرب بيت المقدس ،وهو بختنصر أو غيره ،وهذا
جد َ كَمَا دَخ َلُوه ُ أَ َ ّو َ
ل م َ َّرة ٍ و َلِيُتَب ِّر ُوا م َا عَلَو ْا س ِ
خرَة ِ لِيَس ُوءُوا وُجُوهَك ُ ْم و َلِي َ ْدخ ُلُوا ال ْم َ ْ
القول يبينه ويشهد له قوله جل وعلا} :ف َِإذ َا ج َاء َ وَعْد ُ الآ ِ
ٺَت ْب ِير ًا{ ]الإسراء.[٧:
تفسير قوله تعالى) :ولل ّٰه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الل ّٰه( ٩.٩
تفسير قوله تعالى) :ولل ّٰه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الل ّٰه(
الل ّه َ و َاسِـ ٌع عَل ِيم ٌ{ ]البقرة.[١١٥:
ن َ الل ّه ِ ِإ َ ّ
قال تبارك وتعالى} :وَل َِل ّه ِ ال ْمَشْر ِقُ و َال ْمَغْرِبُ ف َأَ يْنمََا تُو َُل ّوا ف َث َم ّ وَجْه ُ َ
يقول السيوطي :نزلت لما طعن اليهود في نسخ القبلة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيث ما توجهت به الراحلة ،لأنه في
السفر يجوز للإنسان أن يصلي النافلة على الراحلة ،ولا يشترط أن يستقبل القبلة في أثناء صلاة النافلة.
)ولل ّٰه المشرق والمغرب( المقصود من المشرق والمغرب كل الأرض؛ لأن المشرق والمغرب هما ناحيتاها؛ لأن الأرض إما شرق وإما
غرب) ،فأينما تولوا( وجوهكم في الصلاة بأمره ،فالمفعول هنا محذوف تقديره :وجوهكم ،فأينما تولوا وجوهكم في الصلاة بأمره) ،فثم(
هناك) ،وجه الل ّٰه( أي :قبلته التي رضيها) ،إن الل ّٰه واسع عليم( واسع يسع فضله كل شيء ،عليم بتدبير خلقه.
Shamela.org ١٩٦
البقرة ][120 - 106 ٩
Shamela.org ١٩٧
البقرة ][120 - 106 ٩
Shamela.org ١٩٨
البقرة ][120 - 106 ٩
سب ْح َانَكَ{ ]المائدة [١١٦:تنزيها ً لك ،هذا لا يليق بك ،فكيف أقوله؟! كذلك هنا قال عز وجل) :سبحانه( هو منزه
ل ُ
الجواب } قَا َ
عن هذا؛ لأن هذا نقص ،ولا يليق هذ النقص بالل ّٰه سبحانه وتعالى.
يقول :ثم لما كان اقتناء الولد لفقر ما يعني :أن الإنسان يقتني الأولاد لفقره؛ يريد امتداد نسله ،فهذا نوع من الفقر ،ونوع من الاحتياج
إلى امتداد النسل وبقاء النوع ،والل ّٰه سبحانه وتعالى منزه عن ذلك ،أو الفقر إلى أن يعينه هذا الولد ويتحمل عنه مسئوليات الحياة ،أو
يعينه لشدة حاجته إليه.
قال :ثم لما كان اقتناء الولد لفقر ما ،وذلك لما تقدم أن الإنسان افتقر إلى نسل يخلفه؛ لأن الإنسان غير كامل في نفسه ،بين تعالى بقوله:
)بل له ما في السماوات والأرض( أنه لا يتوهم له فقر ،فيحتاج إلى اتخاذ ما هو سد لفقره ،فصار في قوله) :له ما في السماوات
والأرض( دلالة ثانية ،إذا كان الل ّٰه سبحانه وتعالى غنيا ًحميدا ً له ما في السماوات والأرض فهل يحتاج و يفتقر إلى ولد؟ ثم زاد حجة
بقوله) :كل له قانتون( ،فإذا كان هو يملك هؤلاء جميعا ًبما فيهم المسيح وعزير والملائكة) ،بل له ما في السماوات والأرض( هؤلاء
عبيده ،وهو ربهم ومالـكهم وخالقهم ،فكيف يحتاج إليهم؟! ولما كان الولد يعتقد فيه خدمة الأب ومظاهرته كما قال عز وجل:
حفَدَة ً{ ]النحل ،[٧٢:بين أن كل ما في السماوات والأرض مع كونه ملكا ًله قانت له أيضاً :إما
جك ُ ْم بَنِينَ و َ َ
ل لـَك ُ ْم م ِنْ أَ ْزو َا ِ
}وَجَع َ َ
طائعا ً وإما كارها ً وإما مسخراً ،يعني كل من في السماوات والأرض قانتون بمعنى مطيعون منقادون ،إما طواعية وإما رغم أنوفهم
تجري عليهم أحكام الل ّٰه ،يمرضه إذا شاء أن يمرضه ،ويميته إذا شاء أن يميته ،ويبتليه إذا شاء أن يبتليه ،ولا يملك دفعا ً لأمره ،هذا
ات هو القنوت الاضطراري ،وهو غير القنوت الاختياري الذي عليه أهل الطاعة والتوحيد ،وهذا كقوله} :ول َِل ّه ِ يَسْجُد ُ م َنْ فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
ض َطو ْعًا وَكَر ْه ًا{ ]الرعد [١٥:وقوله} :و َِإ ْن م ِنْ شَيْء ٍ ِإ َلّا يُس َب ِّ ُ
ح ب ِحَمْدِه ِ{ ]الإسراء ،[٤٤:وهكذا أبلغ الحجة لمن هو على المحجة. و َالأَ ْر ِ
Shamela.org ١٩٩
البقرة ][120 - 106 ٩
تشبثوا بعلم عزير بلا تعلم ،فقالوا :هو ابن الل ّٰه ،وتقرير الحجة من خلال هذه الآية وهي قوله) :بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا ً
فإنما يقول له كن فيكون( إن الل ّٰه سبحانه وتعالى مبدع الأشياء كلها ،فلا يبعد أن يوجد أحد بلا أب ،أو يتعلم أحد بلا واسطة بشر.
يقول الراغب :ذكر تعالى في هذه الآية حجة رابعة شرحها :إن الأب هو عنصر للابن منه تكون ،والل ّٰه مبدع الأشياء كلها ،فلا يكون
عنصرا ً للولد؛ لأن الأب عنصر الابن.
يعني الابن يتكون من أبيه ،والل ّٰه سبحانه وتعالى هو الذي أبدع الأشياء كلها ،فلا يكون عنصرا ً للولد ،فمن المحال أن يكون المنفعل
فاعلاً.
)وإذا قضى أمرا ً فإنما يقول له كن فيكون( أي :إذا أراد أمراً ،والقضاء :هو إنفاذ المقدر ،والمقدر :ما حد من مطلق معلوم.
Shamela.org ٢٠٠
البقرة ][120 - 106 ٩
تفسير قوله تعالى) :وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الل ّٰه أو تأتينا آية( ٩.١٢
تفسير قوله تعالى) :وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الل ّٰه أو تأتينا آية(
الل ّهُ{ ]البقرة[١١٨: ل ال َ ّذ ِي َ
ن لا يَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [١١٨:من كفار مكة ،قالوا للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم} :لَو ْلا يُكَل ِّمُنَا َ قال الل ّٰه تعالى} :و َقَا َ
هلا يكلمنا الل ّٰه ،يقترحون على الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم أن يكلمهم الل ّٰه خطابا ًمباشراً} ،أَ ْو ت َأْ تِينَا آيَة ٌ{ ]البقرة [١١٨:يعني :مما اقترحناه
ل ال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ قَب ْلِهِمْ{ ]البقرة [١١٨:من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم، على صدقك)) ،كَذَلِكَ(( ]البقرة ،[١١٨:كما قال هؤلاء }قَا َ
فليست القضية قضية حجة ،فإن الل ّٰه سبحانه وتعالى لا يرسل نبيا ًإلا مؤيدا ً بالحجة والمعجزة والبراهين ،ولـكن الظالمين بآيات الل ّٰه يجحدون
جحودا ً وعناداً ،وإلا فجميع الأنبياء أتوا بحجج ،فحتى لو استجاب الل ّٰه سبحانه وتعالى لهم لما يطلبون لما ازدادوا إلا كفرا ً وعتواً ،ولذلك
أعرض الل ّٰه سبحانه وتعالى عن إجابتهم.
ل قَو ْلِهِمْ{ ]البقرة [١١٨:من التعنت وطلب الآيات} ،تش َابَه َْت قُلُو بُهُمْ{ ]البقرة [١١٨:في الـكفر والعناد.
}مِث ْ َ
صو ْا بِه ِ{ ]الذار يات [٥٣:تشابه الكلام حتى كأن كل جيل كان
وفي الآية تسلية للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،كما قال في آية أخرى} :أَ تَوَا َ
يوصي الذي بعده :إذا أتاك النبي فقل له نفس هذا الكلام! كأنهم تواصوا به ،وقيل :يوصي بعضهم بعضا ً بها ،فيكون ردهم بنفس
الألفاظ والشبهات والشتائم والظلم ،تشابهت قلوبهم في الـكفر والعناد ،وبالتالي تشابهت مواقفهم ،ففيه تسلية للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
}ق َ ْد بَي ّ َن ّا الآي ِ
َات لِقَو ْ ٍم يُوق ِن ُونَ{ ]البقرة [١١٨:يعني :يعلمون أنها آيات فيؤمنون ،فاقتراح آية معها تعنت ،فهلا يوقنون بهذه الآيات التي
جاءتهم ،ولا يقترحون آيات جديدة؛ لأن هذا يكون تعنتاً.
ل ِإلَيْه ِ ْم و َلَنَسْأَ ل َنّ ال ْمُرْسَلِينَ{ ]الأعراف [٦:فسؤال المرسلين :هل بلغتم البلاغ المبين أم لا؟ ولا يحاسب ن ُأ ْر ِ
س َ وقوله تعالى} :فَلَنَسْأَ ل َنّ ال َ ّذ ِي َ
اب الْ جحَ ِِيم{ يعني :لن نسألك ما
صح َ ِ
ل ع َنْ أَ ْ
الأنبياء على كفر الكافر؛ لأن الهداية لا يملـكها إلا الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فمعنى قوله} :و َلا تُسْأَ ُ
لهم لم يؤمنوا ،إنما عليك البلاغ ،وعلى هذه القراءة تكون )لا( نافية ،وفي قراءة بالجزم )ولا تَسألْ ( بفتح التاء على الخطاب ،على أنها
ناهية ،ينهاه عن أصحاب الجحيم فهم هالـكون ،فلا تسأل عنهم ولا تهتم لهم.
تفسير قوله تعالى) :ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى( ٩.١٤
تفسير قوله تعالى) :ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى(
الن ّصَار َى ح ََت ّى ٺَت ّب ِـ َع م َِل ّتَهُمْ{ ]البقرة [١٢٠:أي :أن اليهود لن يرضوا عنك حتى تكون
ك الْيَه ُود ُ و َلا َ
قال الل ّٰه عز وجل} :و َلَنْ تَرْض َى عَن ْ َ
يهودياً ،والنصارى لن يرضوا عنك حتى تكون نصرانياً ،وهذا خبر الل ّٰه سبحانه وتعالى ،ومن أصدق من الل ّٰه حديثاً؟ ومن أصدق من
الل ّٰه قيلاً؟ فنأخذ القضية على أنها يقينية مسلم بها ،ولا نشك فيها لحظة ،وأنهم بدون ذلك لن يرضوا ،ومهما فعلتم لن يرضوا أبداً! ففي
Shamela.org ٢٠١
البقرة ][134 - 124 ١٠
هذا مخرج من كثير من المضائق التي يعيشها المسلمون في هذا الزمان ،يطبقون خداعهم ونفاقهم وكذبهم ودجلهم ،لـكن إذا استصحبنا
هذه الآية ،وأن الل ّٰه هو الذي خلقهم ،وهو الذي يعلم دخائل نفوسهم ،وما جبلوا عليه من الصفات الذميمة والغدر والخيانة والغش؛
لوجدنا المخرج ،فالل ّٰه يقول) :ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى ٺتبع ملتهم( ،وما دمت لم تصل إلى هذه الغاية فلن يرضوا عنك
أبدا ً مهما فعلت ،وهذا مشاهد محسوس كما تعلمون.
الل ّه ِ ه ُو َ ال ْهُد َى{ ]البقرة ،[١٢٠:تنفي المستقبل ،فهم لن يرضوا أبداً ،ولهذا فإن مثل هذه المعاني جاءت في صيغة }قُلْ ِإ َ ّ
ن هُد َى َ
الاستمرار كثيراً) ،ولا يزالون( استمرار} ،و َلا ي َز َالُونَ يُق َاتِلُونَك ُ ْم ح ََت ّى ي َر ُ ُدّوك ُ ْم ع َنْ دِينِك ُ ْم ِإ ِ
ن اسْ تَطَاع ُوا{ ]البقرة [٢١٧:وغيرها من الآيات
في نفس هذا المعنى تفيد ثبات هذا الموقف.
الل ّه ِ ه ُو َ ال ْهُد َى{ ]البقرة [١٢٠:أي :الإسلام )هو الهدى( وما عداه الضلال ،ولا يمكن أبدا ً أن يوجد طر يق آخر غير }قُلْ ِإ َ ّ
ن هُد َى َ
دين الإسلام يكون فيه هدى.
الل ّه ِ ه ُو َ ال ْهُد َى و َلئَِنِ ا َت ّبَعْتَ أَ ه ْوَاءَه ُ ْم بَعْد َ ال َ ّذ ِي ج َاءَك َ م ِ َ
ن ال ْعِلْم ِ م َا الن ّصَار َى ح ََت ّى ٺَت ّب ِـ َع م َِل ّتَه ُ ْم قُلْ ِإ َ ّ
ن هُد َى َ ك الْيَه ُود ُ و َلا َ
}و َلَنْ تَرْض َى عَن ْ َ
الل ّه ِ م ِنْ و َل ِ ٍيّ و َلا نَصِ يرٍ{ ]البقرة) [١٢٠:ولئن( هذه اللام لام القسم ،أي :والل ّٰه لئن اتبعت أهواءهم التي يدعونك إليها فرضاً،
ن َ ك مِ َ
لَ َ
وإلا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم مما هو دون ذلك بكثير ،فكيف بهذا الأمر الخطير ،ولـكن هذا نوع من الفرض لبيان
شي ْئًا قَلِيل ًا{ ]الإسراء.[٧٤:
ن ِإلَيْه ِ ْم َ
ك ُ
هذه المعاني ،كقوله تعالى} :و َلَو ْلا أَ ْن ثَب ّت ْنَاك َ لَق َ ْد كِدْتَ تَرْ َ
Shamela.org ٢٠٢
البقرة ][134 - 124 ١٠
Shamela.org ٢٠٣
البقرة ][134 - 124 ١٠
الأمور الداعية إلى التوحيد ،الوازعة عن الشرك ،فيقبلوا الحق و يتركوا ما هم عليه من الباطل ،ولا يبعد أن ينتصب بمضمر معطوف
ل ا ْذك ُر ُوا نِعْمَتِي َ َال ّتِي أَ نْعَمْتُ عَلَيْك ُ ْم و َأَ ن ِ ّي ف ََضّ ل ْتُك ُ ْم عَلَى الْع َالم َي ِنَ{ ]البقرة [٤٧:أي:
على اذكروا في الآية التي قبلها مباشرة} :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِ َ
واذكروا -يا بني إسرائيل -إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ،خوطب به بنو إسرائيل ليتأملوا فيما يحكى عمن ينتهون إلى ملته من إبراهيم وبنيه
عليهم السلام من الأفعال والأقوال ،فيقتدوا بهم ويسيروا سيرهم ،أي :واذكروا إذ ابتلى أباكم إبراهيم ،فأتم ما ابتلاه به ،فوفوا وتمسكوا
بالإسلام فكونوا مثله ،فما لـكم لا تقتدون به فتفعلوا عند الابتلاء فعله في إيفاء العهد ،والثبات على الوعد؛ ليجاز يكم الل ّٰه على ذلك جزاء
المحسنين؟
Shamela.org ٢٠٤
البقرة ][134 - 124 ١٠
ل غَي ْر ُ صَالِ ٍح{ ]هود [٤٦ - ٤٥:وفي قراءة) :إنه ليس من أهلك إنه عَم ِ َ
ل غير صالح( ،وهو قطعا ًمن ك ِإ َن ّه ُ ع َم َ ٌ ح ِإ َن ّه ُ لَي َ
ْس م ِنْ أَ ه ْل ِ َ ي َا نُو ُ
صلبه ،ولـكن ليس على دينك ،وليس من المؤمنين الذين وعدتك بإنجائهم ،فهؤلاء -يا إبراهيم -ليسوا من أبنائك في الدين وإن كانوا
من نسلك وذريتك.
وفي قوله) :لا ينال عهدي الظالمين( إجابة خفية لدعوته عليه السلام ،ووعد إجمالي منه تعالى بتشر يك بعض ذريته بنيل عهد الإمامة،
يفهم منها :أن من ذريته فعلا ًمن سينال الإمامة ،أما الظالمون منهم الذين ليسوا أبناءه في الدين فلن ينالوا هذه الإمامة ،كما قال تعالى:
)وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب( ،وفي ذلك أتم ترغيب في التخلق بوفائه ،يعني :إن كنتم يا عرب أو يا يهود أو يا نصارى تزعمون
أن أباكم إبراهيم عليه السلام ،فإن كنتم من الظالمين الذين انحرفوا عن ملته فلن تكونوا أئمة في الدين ،فتخلقوا بأخلاقه ،ووفوا بالذي
وفى به حتى تكونوا على طر يقته عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
Shamela.org ٢٠٥
البقرة ][134 - 124 ١٠
فهذه إشارة إلى أنهم إن شكروا أبقى رفعتهم كما أدام رفعته ،وإن ظلموا لم تنلهم دعوته ،فضربت عليهم الذلة وما معها ،لا يجزي أحد
عنهم شيئا ًولا هم ينصرون.
Shamela.org ٢٠٦
البقرة ][134 - 124 ١٠
مفعلة من الثو َب ،وهو الرجوع بالكلية ،وليس مجرد رجوع فقط ،إنما رجوع مع انجذاب القلب كما يجذب المغناطيس الحديد ،فهكذا
حال القلوب مع هذا البيت المشرف ،وسر هذا التفضيل ظاهر في انجذاب الأفئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها له ،لم يقل :وإذ
جعلنا البيت مرجعا ًللناس يرجعون إليه ،لـكن استعمل كلمة مثابة ،لأنه رجوع مع انجذاب شديد ،فالقلوب ترتمي وتنجذب إليه انجذابا ً
قو ياً؛ فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد ،فهو الأولى بقول القائل :محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس أفئدة الرجال
الهيولى بضم الياء مخففة أو مشددة ،مادة الشيء التي يصنع منها ،فهيولى الـكرسي الخشب ،أو هيولى المسمار الحديد ،أو هيولى الملابس
القطنية القطن ،وهكذا.
والقائل هنا يمدح أحد المخلوقين ويذكر محاسنه ،وبلا شك فإن الـكعبة المشرفة أولى بهذا الثناء وهذا المديح؛ فهم يثوبون إلى البيت على
تعاقب الأعوام من جميع الأقطار ،ولا يقضون منه وطراً ،وكلما ازدادوا له ز يارة ازدادوا له اشتياقاً ،بل بالعكس تجد الذي يزور
البيت الحرام ويشرفه الل ّٰه سبحانه وتعالى بذلك لا يكون كمن لم يزره في شدة الشوق إليه ،فإن من ذاق وعرف ليس كمن لم يذق ولم
يعرف ،فتجد من زاره لا يقضي منه وطراً ،ولا يشبع أبدا ً من مجاورة هذا البيت والحج إليه ،يقول :فكلما ازدادوا له ز يارة ازدادت
قلوبهم به تعلقاً ،وازدادوا له تعطشا ًواشتياقاً.
جعل البيت مثابا ًلهم ليس منه الدهر يقضون الوطر و يقول آخر واصفا ًالـكعبة المشرفة :لا يرجع الطرف عنها حين يبصرها حتى يعود
إليها الطرف مشتاقا ً فالإنسان إذا نظر من بعيد عنها ينجذب من جديد إلى النظر إليها كي يملأ عينه منها ،وهذا استجابة لدعوة إبراهيم
عليه السلام.
و يقول آخر :سل الل ّٰه كم لها من قتيل وسليب وجريح وكم أنفق في حبها من الأموال والأرواح ما الذي يدفع الإنسان إلى أن يبذل
الآلاف؟ تجد شركات الطيران والسفارات يصعبون على الناس الحصول على تأشيرات الحج والعمرة ،ومع ذلك هل يتوقف الناس؟!
لا ،بل يثوبون إلى البيت ،و يضحي المسلم بكل شيء ،بالمال الذي يدخره ،وبفراق أهله وأولاده ،بترك عمله ،بمفارقة وطنه ،بكل هذه
التضحيات! هل سيجد هناك منصبا ًدنيو يا ًفيعطيه أحد مالاً؟ هل سيجد جنات وبساتين ومناظر جميلة وجبال تكسوها الثلوج كما يجد
الذين يحجون إلى سويسرا وأوروبا؟! لا يجد إلا الحر الشديد ،وقد يجد المعاملة الغليظة من بعض أهل تلك البلاد ،فلا شيء من أمور
الدنيا يجذبه ،وليس إلا هذا المغناطيس الذي وضعه الل ّٰه سبحانه وتعالى في هذا البيت المشرف ،زاده الل ّٰه تشر يفا ًوتكريماً.
فقد رضي المحب بمفارقة فلذات الأكباد والأهل والأحباب والأوطان ،مقدما ًبين يديه أنواع المخاوف والمتالف والمصاعب والمشاق،
وهو يستلذ ذلك كله ويستطيبه.
فهذا معنى مثابة للناس ،يثوبون إليه لايشبعون منه ،إذا ذهبوا إليه يعودون منه من كل حدب وصوب ،ومن كل جهة منجذبين إليه،
هذا معنى قوله) :مثابة للناس(.
Shamela.org ٢٠٧
البقرة ][134 - 124 ١٠
المشرفة ،لـكن المراد من قوله) :وأمناً( كل الحرم ،كما قال تعالى} :هَدْيا ًب َالـِ ـ َغ ال ْـكَعْبَة ِ{ ]المائدة [٩٥:فهنا صرح بالـكعبة ،لـكن هل
المقصود الـكعبة ذاتها؟ لا ،لماذا؟ لأنه لا يذبح أحد الهدي داخل الـكعبة؛ فالمراد :هديا ً بالغ الحرم؛ لأنه لا يذبح في الـكعبة ولا في
المسجد الحرام ،وهذا على طر يق الحكم لا على وجه الخـبر فقط.
فقوله) :مثابة للناس وأمناً( ليس فقط خبرا ً أنه آمن ،لـكنه فيه تكليف ،بمعنى :أمّ ِنوا من يدخله ،ولا تروعوا من يدخله ،فهو خبر
ومقصود منه أيضا ً الأمر والإنشاء والتسلية ،وهذا ظاهره خبر ،والمراد منه الإنشاء وإصدار الحكم الشرعي لتأمين من يدخل البيت
الحرام ،وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون ،أهل مكة بالذات لا يقترب أحد منهم ،ولا يؤذيهم ولا
يروعهم أحد ،اعتدادا ً بحرمة البيت ،وهذا الأمان الذي شرعه الل ّٰه لهم ،وكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يعرض له.
Shamela.org ٢٠٨
البقرة ][134 - 124 ١٠
Shamela.org ٢٠٩
البقرة ][134 - 124 ١٠
بيانه في قصة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت من رواية ابن عباس عند البخاري.
قال ابن كثير :وقد كان هذا المقام ملصقا ً بجدار الـكعبة قديماً.
ومن تأمل في الجهة الشرقية من الـكعبة يجد مكان المقام ما زال واضحاً ،يقول ابن كثير :ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما
يلي الحجر ،يمين الداخل من الباب.
والحرم كان ضيقا ً جدا ً من قبل ،وكأن الخليل عليه السلام لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الـكعبة ،أو أنه انتهى عنده البناء
فتركه هناك ،ولهذا -والل ّٰه أعلم -أمر عند الفراغ من الطواف بصلاة سنة الطواف هناك ،وناسب أن تكون الصلاة عند مقام إبراهيم
حيث انتهى بناء الـكعبة فيه ،كما فعل رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فإنه لما قدم مكة طاف بالبيت سبعاً ،وجعل المقام بينه وبين
البيت ،فصلى ركعتين.
قال ابن كثير :وإنما أخره عن جدار الـكعبة إلى موضعه الآن عمر رضي الل ّٰه عنه ،فالذي حوله من المكان اللصيق بالـكعبة إلى المكان
الموجود الآن هو عمر رضي الل ّٰه تعالى ،ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة رضي الل ّٰه عنهم ،فقد روى البيهقي بسنده إلى عائشة رضي
الل ّٰه عنها قالت) :إن المقام كان في زمان رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وزمان أبي بكر رضي الل ّٰه عنه ملتصقا ًبالبيت ،ثم أخره عمر بن
الخطاب رضي الل ّٰه عنه(.
قيل :ذهب السيل به بعد تحو يل عمر إياه من موضعه هذا فرده عمر إليه.
َالر ّ َكّ ِع ال ُ ّ
سجُودِ{ ]الحج [٢٦:الطائفين حوله ،وعن سعيد بن جبير :هم طائِف ِينَ و َالْق َائِمِينَ و ُ
شي ْئًا و َ َطهِّر ْ بَيْتِي َ لِل َ ّ
ك بِي َ
ْت أَ ْن لا تُشْر ِ ْ
مَك َانَ ال ْبَي ِ
الذين يأتون من الغربة ،يعني الآفاقيين ،يأتون فيطوفون حوله) ،والعاكفين( المقصود بهم أهله المقيمون به أو المعتكفون فيه.
روى ابن أبي حاتم بسنده إلى ثابت قال :قلت لـ عبد الل ّٰه بن عبيد بن عمير :ما أراني إلا مكلما ًأمير المؤمنين أن يمنع الناس الذين ينامون
في المسجد الحرام ،فإنهم يجنبون و يحدثون ،لأن العين وكاء السه؟ قال :لا تفعل ،فإن ابن عمر سئل عنهم فقال :هم العاكفون.
وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر رضي الل ّٰه تعالى عنهما كان ينام في مسجد الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم وهو عزب.
َالر ّ َكّ ِع ال ُ ّ
سجُودِ{ كف ِينَ و ُ قال في الـكشاف :يجوز أن يريد بالعاكفين الواقفين ،يعني :القائمين في الصلاة ،كما قال} :لِل َ ّ
طائِف ِينَ و َال ْع َا ِ
]البقرة ،[١٢٥:جمع راكع وساجد ،والمعنى للطائفين والمصلين؛ لأن القيام والركوع والسجود هيئات المصلي.
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا( ١٠.٤
تفسير قوله تعالى) :وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا ً آمناً(
Shamela.org ٢١٠
البقرة ][134 - 124 ١٠
Shamela.org ٢١١
البقرة ][134 - 124 ١٠
صحت أحاديث متعددة بتحريم القتال في مكة ،ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الل ّٰه عنه قال :سمعت رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم
يقول) :لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح( ،فهو آمن من الآفات ،لم يصل إليه جبار إلا قصمه الل ّٰه ،كما فعل بأصحاب الفيل.
َب اجْ ع َلْ هَذ َا ال ْبَلَد َ آم ِنًا{ ]إبراهيم [٣٥:بالتعر يف ،والكلام في هذا كثير ولن نفصل فيه الآن ،لـكن
وقوله تعالى في سورة إبراهيم} :ر ِّ
باختصار شديد :هنا قال) :اجعل هذا بلدا ً آمناً( بالتنكير باعتبار أنه لم يكن بنى البيت ،وكان لا يزال في بداية بنائه ،فلم يعمر بالحجاج
والطائفين والمعتكفين وغير ذلك ،وفي سورة إبراهيم قال) :رب اجعل هذا البلد(؛ لأن الـكعبة كانت قد بنيت بالفعل ،فقال) :هذ
البلد آمناً(.
)وارزق أهله من الثمرات( سأل إبراهيم ذلك؛ لأن مكة لم يكن فيها زرع ولا ثمر ،فاستجاب الل ّٰه تعالى له فصارت يجبى إليها ثمرات
كل شيء) ،من آمن منهم بالل ّٰه واليوم الآخر( هذه بدل من أهله ،وهو بدل بعض) ،وارزق أهله من الثمرات( بدل بعض من كل،
)من آمن منهم بالل ّٰه واليوم الآخر( يعني :ارزق المؤمنين من أهله خاصة ،وإنما خصهم بالدعاء إظهارا ً لشرف الإيمان ،واهتماما ًبشأن
أهله ،فالذي يهمه هم أهل الإيمان ،وهذا من مراعاة حسن الأدب في المسألة ،حيث ميز الل ّٰه تعالى المؤمنين عن الكافرين في باب
الإمامة ،في قوله) :لا ينال عهدي الظالمين(؛ فتأدب إبراهيم عليه السلام في الدعاء فلم يدخل الظالمين في دعوته ،وإنما قال) :من آمن
منهم بالل ّٰه واليوم الآخر( ،وفيه ترغيب لقومه في الإيمان وزجر عن الـكفر ،فقال الل ّٰه تعالى معلما ًأن شمول الرحمانية بأمن الدنيا ورزقها
لجميع عمرة الأرض) :قال ومن كفر( يعني :رزقي في الدنيا أثر من آثار اسمي الرحمن ،الذي هو رحمان الدنيا الذي تعم رحمته الكافرين
والمؤمنين ،ويرزق الجميع ،و يعطي الجميع الصحة وأعراض الدنيا والأرزاق وغير ذلك مما هو مشاهد محسوس ،فهذه الرحمة العامة تكون
ابتلاء وفتنة للكافرين ،ونعمة للمؤمنين) ،قال ومن كفر( يعني :أنيله أيضا ًما ألهمتك من الدعاء بالأمن والرزق ،فهو عطف على فعل
محذوف دل الكلام عليه.
)فأمتعه( والمقصود بالمتاع الرزق عبر عنه بكلمة المتعة وما معنى المتعة؟ المتعة هي زاد قليل وبلغة ،تخسيسا ً لحظهم من الرزق كما قال:
جه َ َن ّم ُ{ ]آل عمران ،[١٩٧ - ١٩٦:وكذلك قال هنا) :ومن كفر(
ل ث َُم ّ م َأْ و َاه ُ ْم َ
كف َر ُوا فِي ال ْب ِلادِ * م َتَاعٌ قَلِي ٌ ك تَق َُل ّبُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ }لا يَغ َُر َّن ّ َ
يعني :أرزقه وأمتعه قليلاً ،فهذا تخسيس لهذا المتاع الذي ينالونه وتحقير له ،وأكد ذلك بقوله) :فأمتعه قليلاً( يعني :تمتيعا ًقليلاً ،سواء
بنعمة الأمن أو بنعمة الرزق.
و )قليلاً( إما أن المعنى أن كمية المتاع تكون قليلا ًأو أن زمان المتعة قليل إلى أن تنقضي آجالهم فيفضون إلى ربهم.
)ثم أضطره إلى عذاب النار( يعني :ألجئه إلى عذاب النار ،كما قال تعالى} :يَوْم َ يُد َ ُعّونَ ِإلَى ن َارِ َ
جه َ َن ّم َ د َ ًع ّا{ ]الطور ،[١٣:وقال تعالى:
}يَوْم َ ي ُ ْسحَب ُونَ فِي َ
الن ّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ{ ]القمر [٤٨:وقرئ )فأمتعه قليلا ًثم أضطره( بلفظ الأمر فيهما على أنهما دعاء من إبراهيم عليه
السلام.
)وبئس المصير( يعني :عذاب النار ،والمصير في اللغة هو ما ينتهي إليه الأمر.
تفسير قوله تعالى) :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل( ١٠.٥
تفسير قوله تعالى) :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل(
ك أَ ن ْتَ ال َ ّ
سمِي ُع ال ْعَل ِيم ُ{ ]البقرة [١٢٧:يقول عز ل ر َ َب ّنَا تَق ََب ّلْ م َِن ّا ِإ َن ّ َ
ْت و َِإسْمَاعِي ُ
ن ال ْبَي ِ
قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :و َِإ ْذ يَرْف َ ُع ِإ ب ْر َاه ِيم ُ الْق َوَاعِد َ م ِ َ
وجل) :وإذ يرفع إبراهيم القواعد( )وإذ( أي :واذكر إذ يرفع إبراهيم القواعد والأسس ،أو الجدر) ،من البيت( يبنيه ،متعلق بيرفع،
)وإسماعيل( عطف على إبراهيم عليه السلام ،وهنا يتقدر فعل :يقولان ،أي :وهما يبنيان البيت يقولان) :ربنا تقبل منا( بناءنا هذا
البيت الحرام) ،إنك أنت السميع( للقول) ،العليم( أي :بالفعل.
Shamela.org ٢١٢
البقرة ][134 - 124 ١٠
)ربنا واجعلنا مسلمين( أي منقادين لك )ومن ذريتنا( واجعل من أولادنا )أمة( جماعة )مسلمة لك( )ومن ذريتنا أمة مسلمة لك(
من هنا للتبعيض؛ لأنه تقدم قوله) :لا ينال عهدي الظالمين( وهو نفس المعنى الذي ذكرناه في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:
)وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالل ّٰه واليوم الآخر( كذلك ذكر هنا مراعاة لنفس هذا الأدب قالا عليهما السلام) :ومن
ن وَظَالِم ٌ لِن َ ْف ِ
سه ِ م ُبِينٌ{ ]الصافات[١١٣:؛ فهي للتبعيض. س ٌ ذريتنا( ،يقصدا بذلك المحسنين من الذر ية ،كما في قوله} :وَم ِنْ ذُرّ َِي ّتِهِم َا ُ
مح ْ ِ
)وأرنا( علمنا) ،مناسكنا( شرائع عبادتنا أو حجنا) ،وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم( ،سألاه التوبة مع عصمتهما تواضعا ً وتعليما ً
لذريتهما ،وإشارة إلى أن هذا البيت هو موضع غسل الذنوب ،فمن أراد أن يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه فليأت هذا البيت ،وليدع
الل ّٰه سبحانه وتعالى فيه ،فإنه مقام ومحل وموضع إجابة مثل هذا الدعاء.
)ربنا وابعث فيهم( أي :في أهل البيت الحرام) ،رسولا ً منهم( أي :من أنفسهم ،وقد أجاب الل ّٰه دعاءه بمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم،
وكل نبي كان يدعو لنفسه ولقومه ،أما إبراهيم عليه السلام فقد دعا لنفسه ولقومه ولهذه الأمة المرحومة؛ أمة محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم،
)يتلو عليهم آياتك( القرآن )و يعلمهم الكتاب( القرآن )والحكمة( ما فيه من الأحكام) ،ويزكيهم( يطهرهم من الشرك) ،إنك أنت
العزيز( الغالب )الحكيم( في صنعه.
يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى هنا) :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل( أي :اذكر بناءهما البيت ورفعهما القواعد منه ،وصيغة
الاستقبال لحكاية الحال الماضية ،ولم يقل :وقد رفع إبراهيم البيت وإسماعيل ودعوا بكذا وكذا ،مع أن الكلام عن الماضي ،لـكنه عبر
بصيغة المضارع الذي يفيد الاستقبال ،لماذا؟ كي يستحضر الإنسان صورتها العجيبة ،والقواعد :جمع قاعدة ،وهي الأساس والأصل لما
فوقه ،قال الزجاج :القواعد أساطين البناء التي تعمده.
وقد بين الل ّٰه سبحانه وتعالى في سورة الحج أنه أراه موضع البيت ،ولم يكن الأمر إلا تكليفا ً من الل ّٰه سبحانه وتعالى ،حيث يقول عز
وجل) :وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت( يعني :عينا له محله وعرفنا إبراهيم به ،وقد اختلف العلماء في تفصيل ذلك ،قال بعضهم:
الل ّٰه سبحانه وتعالى دله على مكان البيت بسحابة ،وكان ظلها على قدر مساحته ،أي :جاءت سحابة مستطيلة فوقفت بحذاء البيت في
السماء ،وكان الظل مواز يا ً لحدود الـكعبة المشرفة ،وقيل :دله عليه بريح تسمى الخدوج ،كشفت عنه حتى ظهر أسه القديم ،فبنى عليه
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ،فإبراهيم ليس هو الذي أسس البيت ابتداءً ،لـكن القواعد كانت موجودة ،والذي فعله رفع البناء
ْت{ ]الحج [٢٦:أي :دللناهعلى الأسس التي كانت موجودة أصلاً ،ولذلك قال تعالى في سورة الحج} :و َِإ ْذ بَو ّأْ ن َا ل ِ ِإ ب ْر َاه ِيم َ مَك َانَ ال ْبَي ِ
عليه وعرفناه به ،وفي هذه الآية قال) :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا( ولابد أن نقدر هنا :يقولان ،مثل
َاب * سَلام ٌ عَلَيْك ُ ْم بِمَا صَبَرْتُم ْ فَنِعْم َ عُقْب َى ال َد ّارِ{ ]الرعد [٢٤:تقدر هنا :يقولون.
لب ٍقوله تعالى} :و َال ْمَلائِك َة ُ ي َ ْدخ ُلُونَ عَلَيْه ِ ْم م ِنْ ك ُ ّ ِ
وهنا ترك مفعول :تقبل ،ولم ينص عليه ،وما هو الذي يتقبل؟ ترك هكذا ليعم الدعاء وغيره من القرب والطاعات ،والتي من جملتها ما
هما بصدده من البناء.
)إنك أنت السميع( لدعائنا ،والسميع أبلغ من السامع؛ لأنها صيغة مبالغة ،والاستماع يكون بمعنى القبول والإجابة ،كقوله صلى الل ّٰه
عليه وسلم في الدعاء الطو يل الذي رواه مسلم) :أعوذ بك من دعاء لا يسمع( أي :لا يستجاب ،ومنه قول المصلي :سمع الل ّٰه لمن
حمده ،يعني :استجاب الل ّٰه لمن حمده ،أو قبل الل ّٰه حمد من حمده ،وأنشدوا :دعوت الل ّٰه حتى خفت ألا يكون الل ّٰه يسمع ما أقول أي:
يستجيب ،وإلا فالل ّٰه عالم بضمائرنا ونياتنا.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما في حديث مجيء إبراهيم عليه السلام لتفقد إسماعيل عليهما السلام ،ثم قال :يا
إسماعيل! إن الل ّٰه قد أمرني بأمر ،قال :فاصنع ما أمرك ربك ،قال :وتعينني؟ قال :وأعينك ،قال :فإن الل ّٰه أمرني أن أبني هاهنا بيتاً،
وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها ،قال :فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ،فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ،حتى إذا
Shamela.org ٢١٣
البقرة ][134 - 124 ١٠
ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له ،فقام عليه وهو يبني ،وإسماعيل يناوله الحجارة ،وهما يقولان أثناء عملية البناء) :ربنا تقبل منا إنك
أنت السميع العليم(.
تفسير قوله تعالى) :ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك( ١٠.٦
تفسير قوله تعالى) :ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك(
الت ّ َو ّابُ َ
الر ّحِيم ُ{ ]البقرة.[١٢٨: ك أَ ن ْتَ َ
سك َناَ و َت ُْب عَلَي ْنَا ِإ َن ّ َ ك وَم ِنْ ذُرّ َِي ّت ِنَا ُأ َمّة ً مُسْل ِم َة ً ل َ َ
ك و َأَ رِن َا م َنَا ِ قال تعالى} :ر َ َب ّنَا و َاجْ عَل ْنَا مُسْل ِمَيْنِ ل َ َ
)ربنا واجعلنا مسلمين لك( أي :مخلصين لك وجوهنا ،من قوله :أسلم وجهه لل ّٰه ،أو مستسلمين ،يقال :أسلم له وسلم واستسلم ،إذا خضع
وأذعن ،والمعنى :أي زدنا إخلاصا ًأو إذعانا ًلك) ،ومن ذريتنا( يعني واجعل من ذريتنا )أمة مسلمة لك(.
ولم يبېن هنا تبارك وتعالى من هي هذه الأمة التي دعا لها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بقولهما) :ومن ذريتنا أمة مسلمة لك( ،لـكن
الل ّٰه سبحانه وتعالى بين في سورة الجمعة أن تلك الأمة هي أمة العرب ،وأن الرسول هو سيد الرسل عليه الصلاة والسلام ،وذلك في
ل م ُبِينٍ
ل لَفِي ضَلا ٍ قوله} :ه ُو َ ال َ ّذ ِي بَع َثَ فِي ال ُأمّ ِيِّينَ رَسُول ًا مِنْه ُ ْم يَت ْلُوا عَلَيْه ِ ْم آي َاتِه ِ و َي ُزَكّ ِيه ِ ْم و َيُع َل ِّمُهُم ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َِإ ْن ك َانُوا م ِنْ قَب ْ ُ
ن مِنْه ُ ْم ل َم ّا يلَ ْ َ
حق ُوا بِهِمْ{ ]الجمعة[٣ - ٢:؛ لأن الأميين هم العرب بالإجماع ،والرسول المذكور هو نبينا محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم * و َآخَر ِي َ
إجماعاً ،ولم يبعث رسول من ذر ية إسماعيل إلا نبينا محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم وحده ،فإن الدعاء هنا )ومن ذريتنا( من إسماعيل الذي
هو ابن إبراهيم عليه السلام ،وما خرج من ذر ية إسماعيل إلا رسول واحد هو سيد المرسلين وأشرفهم نبينا محمد صلى الل ّٰه عليه وآله
وسلم ،فيتحتم أن تكون الأمة هي أمة العرب ،والرسول هو النبي محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فلم يبعث رسول من ذر ية رسول من ذر ية
إبراهيم وإسماعيل إلا نبينا محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم وحده ،وثبت في الصحيح :أنه هو الرسول الذي دعا به إبراهيم ،ولا ينافي ذلك
عموم رسالته إلى الأسود والأحمر؛ لأنه بعث لأمة العرب ،ودعوته للعالمين كلهم في كل زمان ومكان.
الل ّه ُ ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا مِنْكُمْ{ ]النور ،[٥٥:وإنما خص الذر ية بالدعاء؛ و )من( في قوله) :ومن ذريتنا( للتبعيض أو للتبيين ،كقوله} :و َعَد َ َ
لأنهم أحق بالشفقة ،ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع.
)وأرنا مناسكنا( أي :عرفنا متعبداتنا ،ومناسكنا جمع منسَك أو منسِك بفتح السين وكسرها ،وهو المتعبد ،وشرعة العبادة ،يقع على
المصدر والزمان والمكان ،من النسك وهو العبادة والطاعة ،وكل ما تقرب به إلى الل ّٰه تعالى ،فلذلك يقال في الذبيحة التي يتقرب الإنسان
بها إلى الل ّٰه :النسيكة ،ومن المفسرين من حمل المناسك على مناسك الحج ،لشيوعها في أعماله ومواضعه ،فالإراءة حينئذ لتعر يف تلك
الأعمال والبقاع ،يعني عرفنا أعمال الحج والبقاع والأماكن التي نمارس فيها شعائر الحج ،وقد رويت آثار عن بعض الصحابة والتابعين
ٺتضمن أن جبر يل أرى إبراهيم المناسك ،وأن الشيطان تعرض له فرماه عليه السلام ،قالوا :وفي ذلك ظهور لشرف عمل الحج ،حيث
كان متلقى عن الل ّٰه بلا واسطة ،لـكونه علما ً على آتي يوم الدين حيث لا واسطة هناك بين الرب والعباد ،والذي عول عليه أئمة اللغة
ما ذكرناه أولا ًمن حمل المناسك على ما يرجع إليه أصل هذه اللفظة ،وهي :العبادة والتقرب إلى الل ّٰه تعالى واللزوم لما يرضيه ،وجعل
ذلك عاما ًلكل ما شرعه الل ّٰه لإبراهيم عليه السلام ،فيكون المعنى :علمنا كيف نعبدك ،وأين نعبدك ،وبماذا نتقرب إليك ،حتى نخدمك
كما يخدم العبد مولاه.
)وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم( هذا الدعاء للتفر يط لأصحاب التقصير ،فإن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه فإنه لا ينفك عن
التقصير من بعض الوجوه ،إما على سبيل السهو والنسيان ،أو على سبيل ترك الأولى ،فالدعاء منهما عليهما السلام لأجل ذلك.
Shamela.org ٢١٤
البقرة ][134 - 124 ١٠
تفسير قوله تعالى) :ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك( ١٠.٧
تفسير قوله تعالى) :ربنا وابعث فيهم رسولا ًمنهم يتلو عليهم آياتك(
ك أَ ن ْتَ ال ْعَزِيز ُ الْحَكِيم ُ{ ]البقرة،[١٢٩: ك و َيُع َل ِّمُهُم ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َي ُزَكّ ِيه ِ ْم ِإ َن ّ َ قال الل ّٰه تعالى} :ر َ َب ّنَا و َابْع ْ
َث ف ِيه ِ ْم رَسُول ًا مِنْه ُ ْم يَت ْلُو عَلَيْه ِ ْم آي َات ِ َ
وهذا إخبار عن تمام بقية دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام لأهل الحرم ،أن يبعث الل ّٰه فيهم رسولا ً منهم ،يعني من ذية إبراهيم عليه
السلام ،وهم العرب من ولد إسماعيل ،وقد أجاب الل ّٰه تعالى لإبراهيم عليه السلام هذه الدعوة ،فبعث في ذريته رسولا ًمنهم وهو محمد
صلى الل ّٰه عليه وسلم إلى الناس كافة ،وقد أخبر صلى الل ّٰه عليه وسلم عن نفسه أنه دعوة إبراهيم ،ومراده هذه الدعوة المذكورة في قوله:
)ربنا وابعث فيهم رسولا ًمنهم يتلو عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم( ،فقد أخرج الإمام أحمد عن
العرباض بن سار ية رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :إني عند الل ّٰه لخاتم النبيين ،وإن آدم عليه السلام لمنجدل
في طينته( يعني :في علم الل ّٰه كان هو خاتم النبيين ،وآدم ينفخ فيه الروح ،ثم قال) :وسأنبئكم بأول ذلك؛ أنا دعوة أبي إبراهيم ،وبشارة
عيسى بي ،ورؤ يا أمي التي رأت ،وكذلك أمهات النبيين يرين( ،وأخرج أيضا ً نحوه عن أبي أمامة رضي الل ّٰه عنه قال) :قلت :يا نبي الل ّٰه!
ما كان أول بدء أمرك؟ قال :دعوة أبي إبراهيم ،وبشرى عيسى بي ،ورأت أمي أنه يخرج منها نورا ً أضاءت منها قصور الشام( وهذا
الحديث صحيح.
وقوله عليه الصلاة والسلام) :أول أمري دعوة أبي إبراهيم( هي المذكورة هنا في هذه الآية }ر َ َب ّنَا و َاب ْع ْ
َث ف ِيه ِ ْم رَسُول ًا مِنْهُمْ{
ل ي َأْ تِي م ِنْ بَعْدِي اسْم ُه ُ أَ حْمَد ُ{
]البقرة) ،[١٢٩:وبشرى عيسى بي( وهي قول المسيح عليه السلام تصر يحا ً باسمه} :وَم ُبَش ِّر ًا ب ِرَسُو ٍ
ل مقاصد رسالة عيسى ،فكلمة الإنجيل معناها البشارة.
]الصف ،[٦:بل إن البشارة برسالة محمد عليه الصلاة والسلام من أج ّ ِ
Shamela.org ٢١٥
البقرة ][134 - 124 ١٠
Shamela.org ٢١٦
البقرة ][134 - 124 ١٠
الصلاح؛ لأن هذا يدل على شرف وصف الإنسان بأنه إنسان صالح أو عبد صالح ،لماذا؟ لأنه تعالى بين أن مقام إبراهيم عليه السلام
المفخم المعظم في الآخرة إنما هو بكونه من الصالحـين؛ فحيث جعل الل ّٰه تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام متصفا ًبالصلاح فهو حقيق
بالإمامة لعلو رتبته عند الل ّٰه تعالى في الدارين ،فأعطاه الل ّٰه سبحانه وتعالى في الدنيا أعلى المراتب؛ فلا بد أن تكون رتبة الصالحـين التي
جعلها أيضا ًلإبراهيم في الآخرة هي أفخم المراتب وأعلاها ،ففي ذلك أعظم ترغيب في اتباع دينه والاهتداء بهديه ،وفي هذا أيضا ًأشد
ذم لمن خالفه ،كل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الـكريم ،وإقامة للحجة عليهم؛ لأن أكثر ذلك معطوف
ل ا ْذك ُر ُوا نِعْمَتِي َ َال ّتِي أَ نْعَمْتُ عَلَيْك ُ ْم و َأَ ن ِ ّي ف ََضّ ل ْتُك ُ ْم عَلَى الْع َالم َي ِنَ{ ]البقرة.[٤٧:
على قوله تعالى) :اذكروا( في قوله} :ي َا بَنِي ِإسْر َائيِ َ
فهذا تذكير ،وما زلنا في سياق الكلام الذي يذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى و يعظ به بني إسرائيل وأهل الكتاب لما عندهم من أمر هذا النبي
الـكريم إبراهيم الخليل عليه السلام ،ولما ذكر إمامته عليه السلام ذكر ما يؤتم به فيه ،فإذا كان إبراهيم إماما ًوإمامته شرفته بهذه الفضائل
في الدنيا وفي الآخرة ،ففي أي شيء نأتم بإبراهيم عليه السلام؟ وما الذي ينبغي أن نأتم بإبراهيم به حتى نحوز مثلما حاز في الدنيا
والآخرة؟ وما هو سبب اصطفائه وصلاحه؟ الذي نأتم به فيه هو دينه وملته وما أوصى به بنيه ،وما أوصى به بنيه سلفا ًعن خلف ،ولا
سيما يعقوب عليه السلام المنوه بنسبة أهل الكتاب إليه؛ لأن يعقوب عليه السلام ينتسب أهل الكتاب إليه ،وهو إسرائيل عليه السلام.
تفسير قوله تعالى) :إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين( ١٠.٩
تفسير قوله تعالى) :إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين(
Shamela.org ٢١٧
البقرة ][134 - 124 ١٠
هنا أن إبراهيم عليه السلام عبر عن كلمة لا إله إلا الل ّٰه بمعناها ،لماذا؟ لأن لا إله إلا الل ّٰه ٺتكون من شقين ،شق فيه نفي ،وشق فيه
إثبات) ،لا إله( معنى ذلك الـكفر بالطاغوت ،والـكفر بكل إله باطل يعبد من دون الل ّٰه ،ونفي لكل ما عدا الل ّٰه من الآلهة الزائفة،
)إلا الل ّٰه( :إثبات لاستحقاقه وحده تبارك وتعالى بإفراده بالعبادة والتوحيد ،فعبر إبراهيم عليه السلام عن كلمة لا إله إلا الل ّٰه بشرح
معناها) :إنني براء مما تعبدون( هذا معنى لا إله ،كفر بالطواغيت) ،إلا الذي فطرني( لـكن الذي فطرني هذا استثناء منقطع ،أي:
ربي وخالقي سبحانه وتعالى هو الإله الذي أستمسك بعبادته وتوحيده ،وإنما أبرأ مما تعبدون من دونه) ،إنني براء مما تعبدون إلا الذي
فطرني فإنه سيهدين( )وجعلها كلمة باقية في عقبه( أي :لا إله إلا الل ّٰه جعلها كلمة باقية في عقبه ،وكل طائفة من نسله توصي بها
الذين من بعدهم ،كما سيأتي بيان ذلك في وصية يعقوب عليه السلام ،فلذلك أنثها ،لأنها تعود إلى كلمة) ،وجعلها كلمة( والمراد بها لا
إله إلا الل ّٰه ،وكذلك هنا في قوله تبارك وتعالى) :ووصى بها إبراهيم( يعني بهذه الجملة التي قال فيها) :أسلمت لرب العالمين( وهي كلمة
التوحيد وكلمة الإسلام ،أو تأو يل هذه الكلمة ،أو أن قوله تبارك وتعالى) :ووصى بها( أي :بملة إبراهيم في قوله تبارك وتعالى الآنف
الذكر) :ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه(؛ فتكون الهاء عائدة إلى ملة إبراهيم عليه السلام.
ثم يقول تبارك وتعالى) :ووصى بها إبراهيم بنيه( صيغة الجمع تفيد أن إبراهيم عليه السلام رزق من الولد غير إسماعيل من هاجر ،وإسحاق
من سارة ،وعند أهل الكتاب في سفر التكوين من التوراة أن إبراهيم عليه السلام تزوج بعد وفاة سارة أم إسحاق امرأة أخرى اسمها:
قصورة ،فولدت له ستة من الأولاد ،فعلى هذا يكون بنوه ثمانية.
)ووصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب( هذا معطوف على إبراهيم عليه السلام ،والمقصود :ووصى يعقوب بنيه؛ لأن يعقوب أوصى بنيه
أيضا ً كما أوصى إبراهيم بنيه ،والدليل قوله تبارك وتعالى) :إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي( كما سيأتي.
وبعض القراء قرءوا) :ووصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب( بالنصب عطفا ً على بنيه ،ومعناه :أن إبراهيم وصى بهذه الكلمة بنيه ونافلته
يعقوب الذي هو ابن ابنه ،لماذا؟ لأن يعقوب ولد في حياة جده إبراهيم وأدرك من حياته خمس عشرة سنة ،كما يستفاد من سفر
التكوين في التوراة ،فإن فيها :أن إبراهيم عليه السلام ولد له إسحاق وهو ابن مائة سنة ،ومات وهو ابن مائة وخمس وسبعين سنة.
الل ّه ِ ِ
الإسْ لام ُ{ ]آل عمران،[١٩: ن عِنْد َ َ الأديان ،وهو دين الإسلام الذي لا دين غيره عند الل ّٰه تبارك وتعالى ،كما قال عز وجل}ِ :إ َ ّ
ن الد ِّي َ
ن الْخَاسِر ِينَ{ ]آل عمران.[٨٥:
خرَة ِ م ِ َ
ل مِن ْه ُ و َه ُو َ فِي الآ ِ وقال أيضاً} :وَم َنْ يَب ْت َِغ غَيْر َ ِ
الإسْ لا ِم دِينًا فَلَنْ يُقْب َ َ
ن فَلا تَمُوت َُنّ { ]البقرة ،[١٣٢:بما أن الل ّٰه سبحانه وتعالى اختاره لـكم ،وأعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان،
الل ّه َ اصْ طَفَى لـَكُم ُ الد ِّي َ
ن َ ِ}إ َ ّ
ولا دين غيره عند الل ّٰه تبارك وتعالى ،فإنه يتسبب عن هذا الاصطفاء أني أقول لـكم وأوصيكم) :فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون( فالفاء في
)فلا( سببية ،يعني تسبب عن هذا الاصطفاء لهذا الدين أنني الآن أوصيكم بهذه الوصية) :لا تموتن إلا وأنتم مسلمون( ،والمعنى :الزموا
الإسلام -لأن الموت ليس بأيدينا -واثبتوا على الإسلام ،فإذا أدرككم الموت صادفكم وأنتم ثابتون على الإسلام.
فالمقصود النهي عن حال بخلاف حال الإسلام وقت الموت ،نظير ذلك قوله :لا تصل إلا وأنت خاشع ،هل هذا نهي عن الصلاة؟
ليس نهيا ً عن الصلاة ،ولـكنك تنهاه عن ترك الخشوع في حال الصلاة ،فهذه إشارة إلى أن الموت على حال غير حال الثبات على
الإسلام موت لا خير فيه ،وأنه ليس بموت السعداء ،كما تقول في الأمر :مت وأنت شهيد ،فليس مرادك الأمر بالموت ،ولـكن أن
يكون على صفة الشهداء إذا مات ،وهذه أشرف ميتة ينبغي أن يموت عليها الإنسان إذا أتاه الموت ،وهي أن يموت على صفة الشهداء؛
Shamela.org ٢١٨
البقرة ][134 - 124 ١٠
تفسير قوله تعالى) :أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت( ١٠.١١
Shamela.org ٢١٩
البقرة ][134 - 124 ١٠
Shamela.org ٢٢٠
البقرة ][143 - 135 ١١
الدين ،وهو الذي من أجله خلقت السماوات والأرض ،ومن أجله خلقت الجنة والنار ،وهو توحيد الل ّٰه تبارك وتعالى ،ولم يمزجا
الوصية بأي وصية أخرى ،لشدة الاهتمام في هذا الموقف الخطير بقضية التوحيد.
Shamela.org ٢٢١
البقرة ][143 - 135 ١١
Shamela.org ٢٢٢
البقرة ][143 - 135 ١١
وقد أفادت هذه الآيات الـكريمة أن ما عليه الفر يقان محض ضلال وارتكاب بطلان ،وأن الدين المرضي عند الل ّٰه الإسلام ،وهو دعوة
الخلق إلى توحيده تعالى وعبادته وحده لا شر يك له ،ولما خالف المشركون هذا الأصل العظيم بعث الل ّٰه نبيه محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم
خاتم النبيين بدعوة الناس جميعا ًإلى هذا الأصل ،ولهذا أردف الل ّٰه تبارك وتعالى قولهم هذا بقوله) :قولوا آمنا( وهذا أمر بالتوحيد.
تفسير قوله تعالى) :قولوا آمنا بالل ّٰه وما أنزل إلينا( ١١.٢
تفسير قوله تعالى) :قولوا آمنا بالل ّٰه وما أنزل إلينا(
ل و َِإ ْسحَاقَ و َيَعْق ُوبَ و َالأَ سْ بَاطِ وَم َا ُأوتِي َ م ُوس َى وَع ِيس َى وَم َا قال تعالى} :قُولُوا آم ََن ّا ب َِالل ّه ِ وَم َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَي ْنَا وَم َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَى ِإ ب ْر َاه ِيم َ و َِإسْمَاعِي َ
ن لَه ُ مُسْل ِم ُونَ{ ]البقرة ،[١٣٦:يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :قولوا( هذا خطاب
نح ْ ُ ُأوتِي َ َ
الن ّب ُِي ّونَ م ِنْ ر َ ّبِه ِ ْم لا نُف َرِّقُ بَيْنَ أَ حَدٍ مِنْه ُ ْم و َ َ
للمؤمنين )آمنا بالل ّٰه( وحده )وما أنزل إلينا( من القرآن )وما أنزل إلى إبراهيم( وهي الصحف العشر )وإسماعيل وإسحاق و يعقوب
والأسباط( التفسير المشهور في الأسباط أنهم أولاد يعقوب عليه السلام ،لـكن القاضي محمد كنعان صاحب حاشية قرة العينين أتى
بتنبيه يتعلق بأولاد يعقوب فقال :أولاد يعقوب وهو إسرائيل عليه السلام ،اتفق العلماء على أن يوسف بن يعقوب نبي ،أما إخوته فقد
قال بعضهم :إنهم أنبياء ،ودليلهم على ذلك :أنهم هم المعنيون بقوله تعالى) :والأسباط( الذين هم أولاد يعقوب عليه السلام.
ولـكن الصواب :أن إخوة يوسف العشرة ،ما عدا بنيامين ليسوا بأنبياء قطعاً؛ لأن ما صدر عنهم نحو أخيهم يوسف ووالديهم لا يصدر
مثله من أنبياء ،بل ولا يرضون بمثله ،والأنبياء معصومون من مثل هذه الأشياء الشنيعة التي فعلها إخوة يوسف عليه السلام به وبأبيهم.
قال القاضي عياض في الشفا :وأما إخوته فلم ٺثبت نبوتهم ،وقال ابن كثير :لم يقم دليل على نبوتهم ،وبمثله قال القرطبي والرازي،
وقال السيوطي في رسالة سماها :رفع التعسف عن إخوة يوسف :لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين نبوتهم ،وقال ابن كثير :ومن
استدل على نبوتهم بقوله تعالى) :والأسباط( فليس استدلاله بقوي؛ لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل ،وكان يوجد فيهم من
الأنبياء الذين نزل عليهم الوحي من السماء.
فبطون بني إسرائيل يقال لهم :أسباط ،كالقبائل في العرب ،وكالشعوب في العجم ،ولا وجه لتفسير الأسباط بأولاد يعقوب لصلبه،
بل هي تعني الجماعات الـكثيرة.
)وما أوتي موسى( يعني من التوراة )وعيسى( من الإنجيل )وما أوتي النبيون من ربهم( من الـكتب والآيات) ،لا نفرق بين أحد
منهم( فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى )ونحن له مسلمون(.
قوله تعالى) :قولوا آمنا بالل ّٰه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم( بين الل ّٰه عز وجل في سورة الأعلى أن الذي أنزل إلى إبراهيم كان
ُف ال ُأولَى * صُ ح ِ
ُف ِإ ب ْر َاه ِيم َ وَم ُوس َى{ ]الأعلى [١٩ - ١٨:أما صحف موسى فهي التوراة. ن هَذ َا لَفِي ُ
الصّ ح ِ صحفاً ،كما قال}ِ :إ َ ّ
)ق ُولُوا( يعني :أيها المؤمنون ،وفيه إظهار لمز ية فضل الل ّٰه عليهم ،حيث يلقنهم ولا يستنطقهم.
ل و َِإ ْسحَاقَ و َيَعْق ُوبَ و َالأَ سْ بَاطِ ( يعني :آمنا بالأحكام التي كانوا متعبدين بها) ،وَم َا
ل ِإلَى ِإ ب ْر َاه ِيم َ و َِإسْمَاعِي َ )آم ََن ّا ب َِالل ّه ِ وَم َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَي ْنَا وَم َا ُأنز ِ َ
ُأوتِي َ م ُوس َى وَع ِيس َى( من التوراة كما قال} :ث َُم ّ آتَي ْنَا م ُوس َى الْكِتَابَ { ]الأنعام [١٥٤:وهي التوراة بالإجماع} ،و َق َ ّفي ْنَا ب ِع ِيس َى اب ْ ِن م َْر ي َم َ
الإنج ِيلَ{ ]الحديد.[٢٧:
و َآتَي ْنَاه ُ ِ
)وَم َا ُأوتِي َ َ
الن ّب ُِي ّونَ م ِنْ ر َ ّبِهِمْ( يعني ذكرهم وذكر وغيرهم) ،لا نُف َرِّقُ بَيْنَ أَ حَدٍ مِنْهُمْ( في الإيمان ،وليس هذا في التفضيل؛ لأنه ثبتت
ل{ ]الأحقاف ،[٣٥:ورسول الل ّٰه محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم فضل على سائر
س ِ ن ُ
الر ّ ُ المفاضلة بين الأنبياء }فَاصْ بِرْ كَمَا صَبَر َ ُأوْلُوا الْعَز ْ ِم م ِ َ
الأنبياء والمرسلين في الدنيا وفي الآخرة ،فمعنى )لا نفرق بين أحد منهم( يعني :في الإيمان ،نؤمن بهم جميعاً ،ولا نكفر ببعض كما فعلت
Shamela.org ٢٢٣
البقرة ][143 - 135 ١١
اليهود والنصارى حيث كفر اليهود بعيسى وبمحمد عليهما الصلاة والسلام ،وكفرت النصارى بمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم.
ن لَه ُ مُسْل ِم ُونَ( أي :منقادون ،وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه قال :كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية،
نح ْ ُ
)و َ َ
و يفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ،فقال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ،وقولوا :آمنا بالل ّٰه وما
أنزل إلينا(.
وتلقين الل ّٰه سبحانه وتعالى للمؤمنين بأن يقولوا هذه الشهادة العظيمة فيه إظهار لمز ية فضل الل ّٰه عليهم؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى يلقنهم ماذا
يقولون تعبيرا ً عن إيمانهم وعقيدتهم في هذه الأمور الجسيمة.
وقد بين تبارك وتعالى في موضع آخر أن المؤمنين استجابوا لهذا الأمر ،وفعلوا ذلك ،وامتثلوا تكليف الل ّٰه سبحانه وتعالى لهم ،فهنا قال:
ل و َِإ ْسحَاقَ و َيَعْق ُوبَ و َالأَ سْ بَاطِ وَم َا ُأوتِي َ م ُوس َى وَع ِيس َى وَم َا ُأوتِي َ َ
الن ّب ُِي ّونَ م ِنْ }ق ُولُوا آم ََن ّا ب َِالل ّه ِ وَم َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَي ْنَا وَم َا ُأنز ِ َ
ل ِإلَى ِإ ب ْر َاه ِيم َ و َِإسْمَاعِي َ
ل ن َ
الر ّسُو ُ ن لَه ُ مُسْل ِم ُونَ{ ]البقرة[١٣٦:؛ فبين في آخر سورة البقرة أنهم امتثلوا هذا الأمر بقوله} :آم َ َ
نح ْ ُ
ر َ ّبِه ِ ْم لا نُف َرِّقُ بَيْنَ أَ حَدٍ مِنْه ُ ْم و َ َ
ن ب َِالل ّه ِ وَم َلائِكَتِه ِ وَكُتُبِه ِ وَرُسُلِه ِ{ ]البقرة [٢٨٥:إلى آخر الآيات ،وذكر جزاءهم على ذلك في
لٌ آم َ َ بِمَا ُأنز ِ َ
ل ِإلَيْه ِ م ِنْ ر َبِّه ِ و َال ْمُؤْم ِن ُونَ ك ُ ّ
تفسير قوله تعالى) :فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا( ١١.٣
تفسير قوله تعالى) :فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا(
الل ّه ُ و َه ُو َ ال َ ّ
سمِي ُع الْعَل ِيم ُ{ كهُم ُ َ
ق فَسَي َ ْكف ِي َ ل م َا آم َنتُم ْ بِه ِ فَقَدِ اه ْتَد َوا و َِإ ْن تَو َل ّو ْا ف َِإ َن ّمَا ه ُ ْم فِي ِ
شق َا ٍ يقول تبارك وتعالى} :ف َِإ ْن آم َن ُوا بِمِث ْ ِ
]البقرة) [١٣٧:فإن آمنوا( أي :اليهود والنصارى) ،بمثل ما آمنتم به( يقول السيوطي :مثل زائدة ،والمقصود :فإن آمنوا بالذي آمنتم
به) ،فقد اهتدوا وإن تولوا( عن الإيمان به) ،فإنما هم في شقاق( أي :في خلاف معكم) ،فسيكفيكهم الل ّٰه( يعني :سيكفيك الل ّٰه -يا
محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم -شقاقهم) ،وهو السميع( لأقوالهم) ،العليم( بأحوالهم ،وقد كفاه إياهم بقتل بني قر يظة ونفي بني النضير
وضرب الجز ية عليهم.
Shamela.org ٢٢٤
البقرة ][143 - 135 ١١
في الشر صابغ وقال الراغب :الصبغة إشارة من الل ّٰه عز وجل إلى ما أوجده في الناس من بدائه العقول التي ميزنا بها من البهائم ،ووشحنا
بها.
صبغنا بالفطرة وبالعقل كي يقودنا هذا العقل إلى التفكر والوصول إلى التوحيد ،ووشحنا بها لمعرفته ومعرفة حسن العدالة وطلب الحق،
الل ّهِ{ ]الروم ،[٣٠:وهو
ق َ ل لِ خَل ْ ِ
اس عَلَيْهَا لا تَبْدِي َ الل ّه ِ َال ّتِي فَطَر َ َ
الن ّ َ ك لِلد ِّي ِن حَن ِيف ًا فِطْرَة َ َ
وهو المشار إليه بالفطرة في قوله} :ف َأَ ق ِ ْم و َجْ ه َ َ
المعني بقوله عليه السلام) :كل مولود يولد على الفطرة( ،وتسمية ذلك بالصبغة من حيث أن قوى الإنسان التي ركب عليها تجري مجرى
الصبغة التي هي زينة المصبوغ.
ولما كانت النصارى إذا لقنوا أولادهم النصرانية يقولون :صبغناه ،وهو التعميد ،فهم يصبغون المولود في الماء المقدس عندهم ،والذي
لا يغمس في هذا الماء فإنه لا تصح نصرانيته ،ولا يدخل الملـكوت الأحمر! فبين تعالى أن الإيمان بمثل ما آمنتم به هو صبغة الل ّٰه وفطرته
التي ركزها في الخلق ،ولا أحد أحسن صبغة من الل ّٰه تبارك وتعالى ،وقال بعض المفسرين كـ الحسن وقتادة ومجاهد) :صبغة الل ّٰه( دين
الل ّٰه ،وقال بعضهم :إنها الشر يعة ،وقال بعضهم :هي الختان ،وهي إشارة إلى مغزى واحد؛ لأن الختان من مقتضى هذه الشر يعة.
الل ّه ِ ِ
صبْغ َة ً( استفهام للإنكار وللنفي ،يعني لا صبغة أحسن من صبغته تعالى؛ لأنها صبغة قلب لا تزول لثباتها لما ن َ ن مِ َ
)وَم َنْ أَ حْ سَ ُ
تولاها الحفيظ العليم ،وهذه الصبغة من نوع الصبغات التي لا تزول أبداً؛ لأنها فطرة الل ّٰه ،ومن يصبغ مثل ما صبغنا الل ّٰه؟! هو الذي
صبغنا بالتوحيد والإسلام ،بخلاف هذه الصبغة التي يفعلها هؤلاء؛ فيصبغ الل ّٰه قلوبنا بالتوحيد صبغة لا تزول لثباتها؛ لأن الذي يتولاها
هو الحفيظ العليم ،فلا يرتد أحد عن دينه سخطة له بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه ،ولذلك كان من ضمن أسئلة هرقل لـ أبي سفيان
في شأن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أنه قال له :هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ أي :هل يوجد من أتباع محمد عليه
الصلاة والسلام وأصحابه بعدما يدخل في الإسلام ينتكس ويرتد عنه؟ فذكرت أن لا ،يعني لا أحد من الصحابة رضي الل ّٰه عنهم يرتد
بعد أن يدخل في الإسلام ،ثم قال :وسألتك هل يرتد أحد منهم بعد أن يدخل فيه سخطة عليه ،فذكرت أن لا ،وكذلك الإيمان إذا
خالطت بشاشته القلوب.
فهذا فيه إشارة إلى نفس هذا المعنى الذي نذكره الآن.
الل ّه ِ ِ
صبْغ َة ً( يعني هذه الصفة لا تزول بتوفيق الل ّٰه تبارك وتعالى ،فهذا فيه معنى الابتهاج والفخر والاعتزاز ن َ الل ّه ِ وَم َنْ أَ حْ سَ ُ
ن مِ َ صبْغ َة َ َ
) ِ
بهذه الصبغة ،فتبا ً وسحقا ً للذين يريدون أن يحرفونا عن صبغة الل ّٰه التي اصطفاها لنا ،وهي الشرف بهذا الإسلام وباتباع خاتم الأنبياء
عليه الصلاة والسلام.
ن لَه ُعَابِد ُونَ{ ]البقرة [١٣٨:يعني :شكرا ً له على هذه النعمة أن فطرنا على التوحيد ،وصبغنا بصبغة الإسلام والإيمان ،فنحن نشكر
نح ْ ُ
}و َ َ
الل ّٰه على نعمته هذه ،ونشكر له سائر نعمه بأن نكون له وحده عابدين ،ولذلك قال تعالى) :ونحن له عابدون( شكرا ً لتلك النعمة ولسائر
نعمه ،فكيف تذهب عنا صبغته ونحن نؤكدها بالعبادة ،ونقويها بها؟ والعبادة تز يل رين القلب فينطبع فيه صورة الهداية ،وهو عطف
على )آمنا( داخل معه تحت الأمر )ونحن له عابدون(.
تفسير قوله تعالى) :قل أتحاجوننا في الل ّٰه وهو ربنا وربكم( ١١.٥
تفسير قوله تعالى) :قل أتحاجوننا في الل ّٰه وهو ربنا وربكم(
مخ ْلِصُونَ{ ]البقرة [١٣٩:قل لهم:
ن لَه ُ ُ الل ّه ِ و َه ُو َ ر َ ُب ّنَا وَر َُب ّك ُ ْم و َلَنَا أَ عْمَالُنَا و َلـَك ُ ْم أَ عْمَالـُك ُ ْم و َ َ
نح ْ ُ قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :قُلْ أَ تُحَا ُ ّ
جونَنَا فِي َ
)أتحاجوننا( أي :أتخاطبوننا وتجادلوننا )في الل ّٰه( أن اصطفى نبيا ًمن العرب ،ولم يكن هذا النبي من بني إسرائيل؟ )وهو ربنا وربكم(؛
يخ ْتَار ُ م َا ك َانَ لَه ُ ْم ا ْلخـ ِيَرَة ُ{ ]القصص،[٦٨:
ق م َا يَش َاء ُ و َ َ
يخ ْل ُ ُ فنحن سواء في هذه العبودية لل ّٰه ،فله أن يصطفي من عباده من يشاء} ،وَر َُب ّ َ
ك َ
ليس لـكم الخـيرة ،فالل ّٰه سبحانه وتعالى كلنا سواء أمامه في العبودية ،وكلنا مربوبون له ،فله أن يصطفي من عباده من يشاء سبحانه
Shamela.org ٢٢٥
البقرة ][143 - 135 ١١
وتعالى ،وهو ربنا وربكم )ولنا أعمالنا( أي نجازى بها )ولـكم أعمالـكم( تجازون بها ،فلا يبعد في أن يكون في أعمالنا ما نستحق به الإكرام،
أو في أعمالـكم ما تجازون عليه ،فكلانا عبد مربوب لل ّٰه تبارك وتعالى ،فلا يبعد بعدما استوينا في هذه الأمور أن يكون في أعمالنا ما
نستحق به إكرام ربنا ،وقد كان بالفعل ،فكانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس) ،ونحن له مخلصون( في الدين والعمل دونكم،
فبالتالي نحن أولى بالاصطفاء.
قوله) :قل أتحاجوننا( استفهام إنكاري ،والجمل الثلاث أحوال) ،أتحاجوننا في الل ّٰه وهو ربنا وربكم( ،هذه جملة حال) ،ولنا أعمالنا
ولـكم أعمالـكم( ،حال ثانية) ،ونحن له مخلصون( حال ثالثة.
قوله تعالى) :قل أتحاجوننا( المحاجة المخاصمة في الدين) ،قل( منكرا ً لمحاجتهم ومو بخا ًلهم عليها) ،أتحاجوننا في الل ّٰه( ،أي :أتناظروننا في
توحيد الل ّٰه والإخلاص له ،واتباع الهدى ،وترك الهوى؟ )وهو ربنا وربكم( يعني المستحق لإخلاص العبودية له وحده لا شر يك له
ونحن وأنتم في العبودية له سواء )ولنا أعمالنا ولـكم أعمالـكم( أي :نحن برآء منكم ومما تعبدون ،وأنتم برآء منا ،كما قال في الآية الأخرى:
ل و َأَ ن َا بَر ِيء ٌ م َِم ّا تَعْم َلُونَ{ ]يونس ،[٤١:وقال تعالى} :ف َِإ ْن ح َا ُ ّ
جوك َ فَق ُلْ }و َِإ ْن ك َ َذّبُوك َ فَق ُلْ ل ِي ع َمَل ِي و َلـَك ُ ْم ع َمَلـُك ُ ْم أَ ن ْتُم ْ بَر ِيئُونَ م َِم ّا أَ عْم َ ُ
ن{ ]آل عمران.[٢٠: ي ل َِل ّه ِ وَم َ ِ
ن ا َت ّبَع َ ِ أَ سْ لَم ْتُ و َجْ ه ِ َ
)ونحن له مخلصون( في العبادة والتوجه لا نشرك به شيئاً ،بينما أنتم تشركون به عزيرا ً والمسيح والأحبار والرهبان.
تفسير قوله تعالى) :تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولـكم ما كسبتم( ١١.٧
تفسير قوله تعالى) :تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولـكم ما كسبتم(
Shamela.org ٢٢٦
البقرة ][143 - 135 ١١
كسَب ْتُم ْ و َلا تُسْأَ لُونَ ع ََم ّا ك َانُوا يَعْم َلُونَ{ ]البقرة ،[١٤١:لما ذكر تعالى
كسَب َْت و َلـَك ُ ْم م َا َ ك ُأ َمّة ٌ ق َ ْد خ َل َ ْ
ت لَهَا م َا َ قال تبارك وتعالى} :تِل ْ َ
حسن طر يقة الأنبياء المتقدمين ،ولم يدع لليهود متمسكا ًمن جهتهم؛ أتبع ذلك الإشارة إلى أن الدين دائر مع أمره في كل زمان ،وأنه
لا ينفعهم إلا ما كانوا عليه بحكم ما تجدد من المنزل المعجز لكافة أهل الأرض أحمرهم وأسودهم.
معنى الكلام :عليكم بترك الكلام في تلك الأمة ،لا تجادلوا هذه الأمة المحمدية ،أو المقصود :عليكم بترك الكلام في تلك الأمة الماضية ،ولا
تشتغلوا بالكلام بعد كل هذا في إبراهيم وإسماعيل وادعاء أنهما كانوا على اليهودية أو النصرانية ،دعوكم من هذا) ،تلك أمة قد خلت(،
ل و َِإ ْسحَاقَ و َيَعْق ُوبَ و َالأَ سْ ب َ َ
اط ك َانُوا ه ُود ًا أَ ْو نَصَار َى{ ]البقرة،[١٤٠: والإشارة إلى المذكورين في قوله} :أَ ْم تَق ُولُونَ ِإ َ ّ
ن ِإ ب ْر َاه ِيم َ و َِإسْمَاعِي َ
عليكم بترك الكلام في تلك الأمة ،فلها ما كسبت ،وانظروا فيما دعاكم إليه خاتم النبيين محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فإن ذلك أنفع لـكم،
وأعود عليكم بالنفع والفائدة ،ولا تسألون إلا عن عملـكم.
قال الراغب :إعادة هذه الآية من أجل أن العادة مستحكمة في الناس صالحهم وطالحهم أنهم يفتخرون بآبائهم و يقتدون بهم في
متحر ياتهم ،سيما في أمور دينهم ،ولهذا حكى عن الـكفار قولهم}ِ :إ َن ّا وَجَدْن َا آب َاءَن َا عَلَى ُأ َمّة ٍ و َِإ َن ّا عَلَى آث َارِه ِ ْم مُقْتَد ُونَ{ ]الزخرف،[٢٣:
فأكد الل ّٰه تعالى الكلام هنا بأننا ينبغي ألا نقلد الآباء والأجداد ،وألا نفتخر بما كان عليه الآباء والأجداد ،وقد ذكر هذا على أثر ما
حكى من وصية إبراهيم و يعقوب بنيه بذلك؛ تنبيها ًعلى أن الأمر سواء كان على ما قلت أو لم يكن ،فليس لـكم ثواب فعلهم ولا عليكم
عقابه ،يعني :سواء هذا الذي ذكرناه عن إبراهيم وإسماعيل وقع أو لم يقع ،فأنتم غير مسئولين عن أفعالهم ،فلا أنتم ٺثابون بأفعالهم ولا
تعاقبون على مخالفاتهم إن فرض ذلك ،وإنما) :من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه( ،هذا لا يعنيكم أنتم ،الآن انظروا فيما يدعوكم
إليه رسول الل ّٰه محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ولما ذكر ادعاءهم اليهودية والنصرانية لآبائهم عاب أيضا ًعليهم تأكيدا ً وتنبيها ًعلى نحو ما قال:
م َا اكْ تَسَب َْت{ ]البقرة ،[٢٨٦:وقوله) :و َلا تَزِر ُ و َازِرَة ٌ وِ ْزر َ ُأ ْ
خر َى{ ]الأنعام ،[١٦٤:ولما جرت به عادتهم وتفردت به معرفتهم ،يعني
كما يقول العرب :كل شاة تناط برجليها ،يعني تعلق برجليها ،يعني لها حالها المستقل ،ولا شأن لها بالآخرين.
تفسير قوله تعالى) :سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها( ١١.٨
تفسير قوله تعالى) :سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها(
س م َا و َلّاه ُ ْم ع َنْ قِب ْلَتِهِم ُ َال ّتِي ك َانُوا عَلَيْهَا ق ُلْ ل َِل ّه ِ ال ْمَشْر ِقُ و َال ْمَغْرِبُ يَهْدِي م َنْ يَش َاء ُ ِإلَى ن َ
الن ّا ِ ل ال ُ ّ
سفَه َاء ُ م ِ َ قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :سَيَق ُو ُ
صِر َاطٍ مُسْتَق ٍِيم{ ]البقرة.[١٤٢:
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :سيقول السفهاء( الجهال )من الناس( الناس المقصود بهم هنا اليهود والمشركون) ،ما ولاهم( يعني:
أي شيء صرف النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم والمؤمنين عن قبلتهم التي كانوا عليها ،أي عن استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس،
والإتيان بالسين في) :سيقول( دالة على الاستقبال ،وهي من الإخبار بالغيب ،فهذا من علامة نبوة النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
)قل لل ّٰه المشرق والمغرب( أي :أن الجهات كلها ملك لل ّٰه ،فيأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء فلا اعتراض عليه.
جعَل ْنَاك ُ ْم ُأ َمّة ً
ك َ
)يهدي من يشاء إلى صراط( أي :طر يق مستقيم ،وهو دين الإسلام ،ومنهم أنتم ،دل على هذا قوله تعالى} :وَكَذَل ِ َ
سطًا{ ]البقرة [١٤٣:يعني :أنتم -أيها المخاطبون -خير أمة أخرجت للناس ،ومن أجل ذلك جعلناكم أمة وسطاً.
وَ َ
Shamela.org ٢٢٧
البقرة ][143 - 135 ١١
Shamela.org ٢٢٨
البقرة ][143 - 135 ١١
قوله تبارك وتعالى هنا) :سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها( سبق أن أشرنا أن سنة الل ّٰه تبارك وتعالى في
الآيات العظام وفي الأمور الجسيمة أن يسبقها بإرهاصات تمهد القلوب لتقبل هذا الأمر الجديد ،فهناك أمور عجيبة تحصل قبل وقوع
الآية العظمى التي ستأتي ،من ذلك مثلاً :إذا راجعنا سورة آل عمران تجد أن الل ّٰه سبحانه وتعالى قدم بين يدي مولد المسيح عليه السلام
ل ي َا م َْر ي َم ُأَ َن ّى ل َ ِ
ك هَذ َا من غير أب قصة امرأة عمران وزكر يا ،وكيف أنها رأت كرامات الل ّٰه التي كان يكرم بها مريم عليها السلام} ،قَا َ
ك د َعَا زَكَر ِ َي ّا ر ََب ّه ُ{ ]آل عمران [٣٨:وهذا تمهيد لحدوث الآية العظمى الل ّهِ{ ]آل عمران ،[٣٧:ثم يقول تعالى} :ه ُنَال ِ َ
ت ه ُو َ م ِنْ عِنْدِ َ
قَال َ ْ
ك د َعَا زَكَر ِ َي ّا ر ََب ّه ُ( فطمع في رحمة الل ّٰه ،فدعا
فيما بعد ،فلما رأى هذه الـكرامة ،وأن الل ّٰه قادر على أن يرزق من يشاء بغير حساب )ه ُنَال ِ َ
الل ّٰه سبحانه وتعالى أن يهب له الولد فوهبه الل ّٰه الولد مع أنه كان قد طعن في السن ،فرزقه الل ّٰه سبحانه وتعالى يحيى عليه السلام ،فهذه
إرهاصات ومقدمات تمهد القلوب لما هو أعظم مما سيأتي ،وهو ميلاد المسيح عليه السلام ،وهو من آيات الل ّٰه سبحانه وتعالى.
كذلك نلاحظ أن بعثة النبي عليه الصلاة والسلام حدث غير مجرى تاريخ البشر ية كلها ،فتجد إرهاصات كثيرة بين يدي بعثة الرسول
صلى الل ّٰه عليه وسلم ،من ذلك :حادثة الفيل فقد ولد في نفس السنة ،إشارة إلى أن هذا البيت وهذه البلدة وهذه الـكعبة يراد بها أمر
عظيم ،ولذلك حماها الل ّٰه سبحانه وتعالى من جيش أبرهة لما أراد هذا البيت وأهله بسوء ،فحصلت حادثة الفيل ،وهي آية من آيات الل ّٰه
سبحانه وتعالى ،لماذا؟ كي تمهد أيضا ًالقلوب لحدوث مثل هذه المعجزة العظمى ،وهذا الأمر المهم ،وهو بعثة رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه
وسلم ،كذلك الجن وجدوا أن السماء حرست بالشهب والنيازك ،وأنهم لن يستطيعوا أن يسترقوا السمع كما كان يحصل من قبل؛ وهذا
أيضا ًتمهيد بين يدي بعثته صلى الل ّٰه عليه وسلم.
ومن تلك الإرهاصات :قول النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :رأت أمي كأن نورا ً خرج منها أضاءت له قصور الشام(.
ومن هذه الإرهاصات :هواتف الجن كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه عنه أن الجن كانوا ينطقون ببعثة النبي صلى الل ّٰه عليه
وسلم ،إلى غير ذلك من الممهدات ،فكلها أمور تمهد لحصول أمر أخطر منها وأعظم.
وكذلك هنا أيضا ً لو أننا ٺتبعنا الآيات السابقة في الأرباع الماضية ،نجد إرهاصات وتقدمة وتوطئة وتمهيد لهذا الحدث الخطير ،وهو
حدث تحو يل القبلة ،وقد بدأت الآيات بالتنو يه بدين الإسلام ،ونسبة ذلك إلى ملة إبراهيم عليه السلام ،وأنه كان مسلما ًموحداً ،وأن
أبا الأنبياء الخليل عليه السلام كان على ملة الإسلام ،وكذب من قال :إنه كان يهوديا ًأو كان نصرانياً.
ثم أتت قصة بناء الـكعبة المشرفة ،وفضل هذه الـكعبة ،ودعاء إبراهيم وإسماعيل ببعثة النبي عليه السلام بعد ذلك ،ثم أتت الآيات
تتحدث عن النسخ في آيات الل ّٰه} :م َا نَنسَخْ م ِنْ آيَة ٍ أَ ْو نُنسِه َا{ ]البقرة ،[١٠٦:وكل هذا تمهيد للقلوب؛ حتى إذا ما حصل نسخ للقبلة
تكون القلوب قد تقبلت هذا الحدث ،ولم يبق حجة لأعداء الدين أن يطعنوا وينفذوا من خلال هذه الثغرة ،فهذا نوع من الإرهاصات
نحو الحدث ،وهو الذي ينبه الل ّٰه أيضا ًقبل وقوعه بقوله) :سيقول السفهاء( ،فقبل أن يقولوا ينبهنا و يقول) :سيقول السفهاء( و يصفهم
بالسفه ،وقد كان ذلك بالفعل وقالوا كما أخبر الل ّٰه تبارك وتعالى ،فهذا خبر حصل قبل وقوع الحدث ،وفائدته :توطين النفس واستعدادها
على ما بعد الحدث.
Shamela.org ٢٢٩
البقرة ][143 - 135 ١١
الصلاة والسلام عن غيب وقد وقع كما أخبر ،فيكون ذلك معجزة.
)قل لل ّٰه المشرق والمغرب( هذا جواب عن شبهتهم ،وتقريره :أن الجهات كلها ملك لل ّٰه ،فهي لل ّٰه من ناحية الملـكية ،وحدود الأرض
من مشرقها إلى مغربها كل هذا ملك له تبارك وتعالى ،فلا يستحق شيء منها لذاته أن يكون قبلة ،بل إنما تصير قبلة لأن الل ّٰه تعالى هو
الذي جعلها قبلة ،فلا اعتراض عليه بالتحو يل من جهة إلى أخرى ،وما أمر به فهو الحق.
)يَهْدِي م َنْ يَش َاء ُ ِإلَى صِر َاطٍ مُسْتَق ٍِيم( هذا فيه تعظيم لأهل الإسلام ،وإظهار عناية الل ّٰه تبارك وتعالى بهم ،وتفخيم شأن الـكعبة ،كما
فخمه عند إضافته إليه في قوله تعالى} :و َ َطهِّر ْ بَيْتِي َ{ ]الحج ،[٢٦:فهذه إضافة تفخيم وتشر يف وتعظيم للـكعبة المشرفة ،كذلك هنا قال:
)ق ُلْ ل َِل ّه ِ ال ْمَشْر ِقُ و َال ْمَغْرِبُ يَهْدِي م َنْ يَش َاء ُ ِإلَى صِر َاطٍ مُسْتَق ٍِيم( إشارة كما ذكرنا لتعظيم الـكعبة وشرفها ،وإشارة إلى شدة عناية الل ّٰه
سبحانه وتعالى بهذه الأمة ،حيث امتن عليهم بأن هداهم إلى هذا الحكم ،وهو استقبال الـكعبة المشرفة.
الل ّه َ
ن َ الل ّه ُ لِي ُضِ ي َع ِإ يمَانَك ُ ْم ِإ َ ّ
الل ّه ُ وَم َا ك َانَ َ
ن هَد َى َل م َِم ّنْ يَنق َل ِبُ عَلَى عَق ِبَيْه ِ و َِإ ْن ك َان َْت لـَكَب ِيرَة ً ِإ َلّا عَلَى ال َ ّذ ِي َ عَلَيْهَا ِإ َلّا لِنَعْلَم َ م َنْ يَت ّب ِـ ُع َ
الر ّسُو َ
Shamela.org ٢٣٠
البقرة ][143 - 135 ١١
Shamela.org ٢٣١
البقرة ][143 - 135 ١١
تعني :أنك بعدما تدبرت ورأيت الآيات واستحضرت معناها شهدت بهذه الآيات على وجود الل ّٰه سبحانه وتعالى وتوحيده ،فالشهادة
قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر ،وليس عن تقليد ،وقال تعالى) :أَ شَهِد ُوا خ َلْقَهُمْ{ ]الزخرف [١٩:أي :أحضروا
وشاهدوا خلق الملائكة؟ ثم قال تعالى} :سَتُكْت َبُ شَه َادَتُهُمْ{ ]الزخرف.[١٩:
ك عَلَى ه َؤ ُلاء ِ شَه ِيدًا{ ]النساء [٤١:أي :على هؤلاء ل ُأ َمّة ٍ ب ِشَه ِيدٍ و َ ِ
جئ ْنَا ب ِ َ جئ ْنَا م ِنْ ك ُ ّ ِ
ومن ذلك أيضا ً قوله تبارك وتعالى} :فَكَي َْف ِإذ َا ِ
ت{
س م َا عَم ِل َ ْ المشركين شهيداً ،وقال تبارك وتعالى) :وَجِيء َ ب َِالن ّب ِيِّينَ و َال ُش ّهَد َاء ِ و َقُضِيَ بَيْنَه ُ ْم ب ِالْحَقّ ِ و َه ُ ْم لا يُظْلَم ُونَ * وَو ُف ِّي َْت ك ُ ُ ّ
ل ن َ ْف ٍ
ك عَلَى ه َؤ ُلاء ِ ل ُأ َمّة ٍ ب ِشَه ِيدٍ و َ ِ
جئ ْنَا ب ِ َ جئ ْنَا م ِنْ ك ُ ّ ِ
]الزمر ،[٧٠ - ٦٩:قيل :الشهداء وصف للأنبياء أنفسهم؛ لقوله تعالى} :فَكَي َْف ِإذ َا ِ
ل م َاذ َا ُأ ِ
جب ْتُم ْ{ ]المائدة.[١٠٩: ل فَيَق ُو ُ
س َ الل ّه ُ ُ
الر ّ ُ شَه ِيدًا{ ]النساء [٤١:فشهيد كل أمة هو رسولها} ،يَوْم َ يَجْم َ ُع َ
ل ُأ َمّة ٍ شَه ِيدًا عَلَيْه ِ ْم م ِنْ
ل ِإلَيْه ِ ْم و َلَنَسْأَ ل َنّ ال ْمُرْسَلِينَ{ ]الأعراف ،[٦:وقال تعالى} :و َيَوْم َ نَب ْع َثُ فِي ك ُ ّ ِ ن ُأ ْر ِ
س َ وقال تعالى} :فَلَنَسْأَ ل َنّ ال َ ّذ ِي َ
Shamela.org ٢٣٢
البقرة ][143 - 135 ١١
ذلك ،فاليهودي والنصراني والمجوسي والمشرك كلهم متطرف ،وكل من ليس من أهل السنة والجماعة من المسلمين فهو أيضا ًمتطرف،
فالخارجي متطرف ،والمرجئ متطرف ،والجـبري متطرف ،والقدري متطرف وهكذا ،في كل قضية هناك طرفان ووسط ،فالمعتدل
الوحيد في هذا الوجود هو أولاً :المسلم ،ثانياً :الذي يكون من أهل السنة والجماعة ،وكل من خالفه في عقيدته ومنهجه فهو المتطرف.
Shamela.org ٢٣٣
البقرة ][143 - 135 ١١
كن ْتُم ْ
الرسول شهيدا ً عليكم بقيامه عليكم بما بلغكم وأمركم ونهاكم وحذركم وأنذركم ،وعلى هذا القول ،فتكون هذه الآية نظير قوله تعالىُ } :
ن ال ْمُنكَر ِ و َتُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّهِ{ ]آل عمران ،[١١٠:فكذلك هنا قوله تعالى} :وَكَذَل ِ َ
ك ُوف و َتَنْهَوْنَ ع َ ِ َت ل ِ َلن ّا ِ
س ت َأْ م ُرُونَ ب ِال ْمَعْر ِ خرِج ْ خَيْر َ ُأ َمّة ٍ ُأ ْ
سطًا لِتَكُونُوا{ ]البقرة ،[١٤٣:وهذا تعليل ،أي :كي تكونوا شهداء على الناس ،فالوسط بمعنى الخيار ،وقد صرح به في جَعَل ْنَاك ُ ْم ُأ َمّة ً و َ َ
َت ل ِ َلن ّاسِ{ ]آل عمران [١١٠:وإلى هذا المعنى يشير مجاهد في تفسيره لهذه الآية الـكريمة حيث قال: كن ْتُم ْ خَيْر َ ُأ َمّة ٍ ُأ ْ
خرِج ْ قوله تعالىُ } :
لتكونوا شهداء لمحمد عليه الصلاة والسلام على الأمم :اليهود والنصارى والمجوس ،لأنكم نواب عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم في
إقامة الحجة على الأمم.
يعني أن هذه الأمة نائبة عن الرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة الحجة ،فإذا قصرت هذه الأمة في ذلك فكيف يصلحون أن يكونوا
شهداء؟ وكيف تكونون شهداء وأنتم ما بلغتموهم وقصرتم في إقامة الحجة عليهم؟ فلا بد أن نُشه ِد نحن الأمم جميعا ً على أحقية إرساله
كن ْتُم ْ
صلى الل ّٰه عليه وسلم إليها ،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وظيفة هذه الأمة كما وصفها الل ّٰه تبارك وتعالى بذلك في قولهُ } :
ن ال ْمُنكَر ِ و َتُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّهِ{ ]آل عمران [١١٠:وكما وصف نبيه عليه الصلاة والسلام
ُوف و َتَنْهَوْنَ ع َ ِ َت ل ِ َلن ّا ِ
س ت َأْ م ُرُونَ ب ِال ْمَعْر ِ خَيْر َ ُأ َمّة ٍ ُأ ْ
خرِج ْ
ض
ن ال ْمُنكَر ِ{ ]الأعراف ،[١٥٧:ووصف المؤمنين بقوله} :و َال ْمُؤْم ِن ُونَ و َال ْمُؤْم ِنَاتُ بَعْضُه ُ ْم أَ وْلِيَاء ُ بَعْ ٍ
ُوف و َيَنْهَاه ُ ْم ع َ ِ
بقوله} :ي َأْ م ُرُه ُ ْم ب ِال ْمَعْر ِ
ن ال ْمُنكَر ِ{ ]التوبة.[٧١:
ُوف و َيَنْهَوْنَ ع َ ِ
ي َأْ م ُرُونَ ب ِال ْمَعْر ِ
Shamela.org ٢٣٤
البقرة ][143 - 135 ١١
المسلمين من العلوم الإلهية الموروثة عن خاتم المرسلين ما قد ملأ العالم نورا ً وهدى( وهذا نلمسه الآن بأيدينا في ظل انحطاط هؤلاء
المشركين ،وكيف أن أمة المسلمين -على ما فيها من الضعف -أهدى الأمم عقولاً ،وأنضجها عقولاً ،وأقومها بأمر الل ّٰه تبارك وتعالى.
Shamela.org ٢٣٥
البقرة ][143 - 135 ١١
وصفوا الل ّٰه تعالى بصفات المخلوق الناقصة ،فقالوا :إن الل ّٰه فقير ونحن أغنياء ،وقالوا -والعياذ بالل ّٰه :-يد الل ّٰه مغلولة ،وقالوا -والعياذ بالل ّٰه:-
إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت ،إلى غير ذلك ،والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به فقالوا :إنه يخلق ويرزق
و يغفر ويرحم ويتوب على الخلق ويثيب و يعاقب ،والمؤمنون آمنوا بالل ّٰه سبحانه وتعالى ليس له سمي ولا ند ولم يكن له كفوا ً أحد،
ض ِإ َلّا
ات و َالأَ ْر ِ وليس كمثله شيء ،فإنه رب العالمين ،وخالق كل شيء ،وكل ما سواه عباد له ،فقراء إليه}ِ ،إ ْن ك ُ ُ ّ
ل م َنْ فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
ن عَبْدًا * لَق َ ْد أَ حْ صَاه ُ ْم و َع َ ّده ُ ْم ع َ ً ّدا * وَك ُُل ّه ُ ْم آتيِه ِ يَوْم َ الْق ِيَامَة ِ فَرْد ًا{ ]مريم.[٩٥ - ٩٣: آتِي َ
الر ّحْم َ ِ
ات ُأح َِل ّ ْ
ت لَهُمْ{ ]النساء،[١٦٠: ن ه َاد ُوا ح َرّمْنَا عَلَيْه ِ ْم طَي ِّب َ ٍ
ن ال َ ّذ ِي َ
ومن ذلك أمر الحلال والحرام ،فإن اليهود كما قال الل ّٰه تعالى} :فَبِظُلْم ٍ م ِ َ
فلا يأكلون ذوات الظفر مثل الإبل والبقر ،ولا شحم الثرب -وهو شحم رقيق يغشى الـكرش والأمعاء والكليتين -ولا الجدي في لبن أمه
إلى غير ذلك مما حرم عليهم من الطعام واللباس وغيرهما ،حتى قيل :إن المحرمات عليهم ثلاثمائة وستون نوعا ًمن المحرمات -أما المحرمات
من الطعام في الإسلام محصورة وضيقة جداً -والواجب عليهم مائتان وثمانية وأربعون أمراً ،وكذلك شدد عليهم في النجاسات حتى لا
يؤاكلوا الحائض ولا يجامعوها في البيوت -يعني لا يعيشون معها في البيوت ،-وأما النصارى فاستحلوا الخبائث- ،أي :عكس التشديد
الذي كان عند اليهود -أما النصارى فاستحلوا الخبائث وجميع المحرمات ،وباشروا جميع النجاسات ،وإنما قال لهم المسيح} :و َل ِ ُأ ِ
ح َّ
ل
ن لا يُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّه ِ و َلا ب ِال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ و َلا يُح َرِ ّم ُونَ م َا ح َرّم َ ْض ال َ ّذ ِي حُرِّم َ عَلَيْكُمْ{ ]آل عمران ،[٥٠:ولهذا قال تعالى} :قَاتِلُوا ال َ ّذ ِي َ
لـَك ُ ْم بَع َ
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ ح ََت ّى يُعْط ُوا الْجِز ْيَة َ ع َنْ يَدٍ و َه ُ ْم صَاغِرُونَ{ ]التوبة ،[٢٩:فإذا كان هذا حالهم
ن ال َ ّذ ِي َ
ن الْحَقّ ِ م ِ َ
الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ و َلا يَدِين ُونَ دِي َ
َ
ل شَيْء ٍ فَسَأَ كْ تُبُهَا ل َِل ّذ ِي َ
ن يَت ّق ُونَ َت ك ُ َ ّ أيضا ً في الحلال والحرام ،فكيف نعت الل ّٰه المؤمنين في هذا الباب ،يقول تعالى} :وَرَحْمَتِي و َ ِ
سع ْ
ل مَع َه ُ ُأوْلَئ ِ َ
ك هُم ُ ال ْمُفْلِحُونَ{ ]الأعراف.[١٥٧ - ١٥٦: الن ّور َ ال َ ّذ ِي ُأنز ِ َ
وَع َ َّزر ُوه ُ و َنَصَر ُوه ُ و َا َت ّب َع ُوا ُ
وهذا باب يطول وصفه.
وهكذا أهل السنة والجماعة في الفرق ،فهم في باب أسماء الل ّٰه وآياته وصفاته وسط بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسماء الل ّٰه وآياته
و يعطلون حقائق ما نعت الل ّٰه به نفسه حتى يشبهونه بالعدم والموات ،وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال ويشبهونه بالمخلوقات،
فيؤمن أهل السنة والجماعة بما وصف الل ّٰه به نفسه ،وما وصفه به رسوله صلى الل ّٰه عليه وسلم من غير تحر يف ولا تعطيل ،ومن غير
تكييف ولا تمثيل.
وهم في باب خلقه وأمره وسط بين المكذبين بقدرة الل ّٰه وبين المفسدين لدين الل ّٰه ،بين المجبرة وبين القدر ية إلى أن يقول شيخ الإسلام
رحمه الل ّٰه تعالى) :وهم في باب الأسماء والأحكام والوعد الوعيد وسط بين الوعيدية الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في
النار و يخرجونهم من الإيمان بالكلية ،وبين المرجئة الذين يقولون :إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء( ثم ناقش بالتفصيل طرفي النقيض
في هذا الموضوع بين الفرق الضالة ،كما ذكر وسطية هذه الأمة أهل السنة والجماعة في شأن الصحابة بين الغالية الذين يغالون في علي رضي
الل ّٰه عنه و يبن هؤلاء الجفاة الذين يعادونه و يعادون عثمان رضي الل ّٰه تعالى عنه.
تفسير قول الل ّٰه عز وجل) :وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب ١١.١٠
على عقبيه(
تفسير قول الل ّٰه عز وجل) :وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه(
بحـِيرَة ٍ{ ]المائدة[١٠٣:
الل ّه ُ م ِنْ َ
ل َ جعَل ْنَا الْقِبْلَة َ َال ّتِي كُنتَ عَلَيْهَا{ ]البقرة [١٤٣:أي ما شرعنا القبلة ،كقوله} :م َا َ
جع َ َ قال تعالى} :وَم َا َ
Shamela.org ٢٣٦
البقرة ][143 - 135 ١١
كن ْتُم ْ خَيْر َ ُأ َمّة ٍ{ ]آل عمران [١١٠:يعني أنتم خير أمة ،فكنت ]البقرة [١٤٣:يعني التي أنت عليها أو التي صرت إليها الآن ،كقوله تعالىُ } :
جعَل ْنَا الْقِبْلَة َ َال ّتِي كُنتَ عَلَيْهَا{ ]البقرة [١٤٣:يعني تطلبها ،أي :حر يصا ً عليها وراغبا ً فيها،
أنت عليها ،أو التي كنت عليها حر يصاً} ،وَم َا َ
سم َاءِ{ ]البقرة [١٤٤:يعني لشدة حرصه على أن تحول القبلة. والدليل على هذا قوله تعالى فيما بعد ذلك} :ق َ ْد ن َر َى تَق َُل ّبَ و َجْ ه ِ َ
ك فِي ال َ ّ
ِ}إ َلّا لِنَعْلَم َ م َنْ يَت ّب ِـ ُع َ
الر ّسُولَ{ ]البقرة [١٤٣:يعني الحكمة في هذا التشر يع؛ لنعلم من يتبع الرسول في كل ما يؤمر به ،فيثبت عند تقلب
الأحكام لما في قلبه من صدق التعلق بالل ّٰه والتوجه له على أي حال }م َِم ّنْ يَنق َل ِبُ عَلَى عَق ِبَيْه ِ{ ]البقرة [١٤٣:أي يرتد عن دينه فينافق
أو يكفر ممن كان يظهر الاتباع ،وأصل المنقلب على عقبيه هو الراجع مستدبرا ً في الطر يق الذي كان قد قطعه منصرفا ً عنه ،استعير
لكل راجع عن أمر كان فيه من دين أو خير.
قال ابن جرير :قد ارتد في محنة الل ّٰه أصحاب رسوله صلى الل ّٰه عليه وسلم في القبلة رجال ممن كان قد أسلم ،يعني :هذا الامتحان والابتلاء
بتحو يل القبلة تسبب في ارتداد بعض من كان من المسلمين ،وأظهر كثير من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم فقالوا :ما بال محمد
يحولنا مرة إلى هاهنا ومرة إلى هاهنا ،وقال المسلمون فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس :بطلت أعمالنا
وأعمالهم وضاعت؛ لأن أول ما نسخ هو القبلة؛ فلذلك كان هذا الابتلاء وهذا الامتحان عظيما ًحتى أن من المسلمين من قال :بطلت
صلاتنا فيما مضى أي :التي كنا نستقبل فيها بيت المقدس ،وكذلك بطلت صلاة إخواننا الذين ماتوا وهم لم يشهدوا هذا التحو يل! وقال
المشركون :تحـير محمد في دينه ،فكان ذلك فتنة للمؤمنين وتمحيصا ًلهم ،ومعنى قوله تعالى} :عَلَى عَق ِبَيْه ِ{ ]البقرة [١٤٣:ٺثنية عقب ،وهو
مؤخر القدم ،والانقلاب عليهما مثل قوله تعالى} :ث َُم ّ أَ دْب َر َ و َاسْ تَكْبَر َ{ ]المدثر ،[٢٣:ومثل قوله }ك َ َذّبَ و َتَو َلَ ّى{ ]العلق.[١٣:
ك ه ُ ْم لَهَا عَام ِلُونَ{ ]المؤمنون [٦٣:وهذا يعني أن الل ّٰه يعلمها ،وبين الل ّٰه
ن ذَل ِ َ ُأ َمّهَاتِكُمْ{ ]النجم ،[٣٢:وقال تعالى} :و َلَه ُ ْم أَ عْمَا ٌ
ل م ِنْ د ُو ِ
Shamela.org ٢٣٧
البقرة ][143 - 135 ١١
Shamela.org ٢٣٨
البقرة ][154 - 144 ١٢
لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني! قال :يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال :أما علمك أنه
استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني! قال :يا رب
كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال :استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ،أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي( فهنا نسب الل ّٰه
سبحانه وتعالى المرض والاستسقاء والاستطعام إلى نفسه ،وكان ذلك لغيره.
وحكي عن بعض العرب سماعاً :أجوع في غير بطني ،وأعرى في غير ظهري ،ومعنى ذلك أن بعض العرب كان يشتكي ،أو أن المقصود
التعبير عن جوع أهله وعياله وعري ظهورهم ،كذلك قوله تعالى هنا} :وَم َا جَعَل ْنَا الْقِبْلَة ََال ّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ِإ َلّا لِنَعْلَم َ{ ]البقرة [١٤٣:يعني
الل ّهُ{ ]البقرة[١٤٣: ل م َِم ّنْ يَنق َل ِبُ عَلَى عَق ِبَيْه ِ و َِإ ْن ك َان َْت لـَكَب ِيرَة ً ِإ َلّا عَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن هَد َى َ ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي} ،م َنْ يَت ّب ِـ ُع َ
الر ّسُو َ
والتاء في قوله) :وإن كانت( تعود على التولية أو الجعل أو التحو يل أي :التولية إليها أو الجعل أو التحو يل )لـكبيرة( أي :ثقيلة شاقة؛
الل ّهُ{ ]البقرة [١٤٣:يعني هدى الل ّٰه قلوبهم فأيقنوا لأن مفارقة الإلف بعد طمأنينة النفس إليه أمر شاق جداً}ِ ،إ َلّا عَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن هَد َى َ
بتصديق الرسول ،وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه ،وأن الل ّٰه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد ،فله أن يكلف عباده بما
شاء ،وينسخ ما يشاء ،وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ،بخلاف الذين في قلوبهم مرض ،فإنهم كلما حدث أمر أحدث
ض ف َزَادَتْه ُ ْم رِجْ سًا ِإلَى رِجْ سِه ِ ْم وَم َاتُوا و َه ُ ْم لهم شكاً ،لـكن يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق ،يقول تعالى} :و َأَ َمّا ال َ ّذ ِي َ
ن فِي قُلُو بِه ِ ْم م َرَ ٌ
ظالِمِينَ ِإ َلّا َ
خسَار ًا{ ]الإسراء.[٨٢: شف َاء ٌ وَرَحْم َة ٌ لِل ْمُؤْم ِنِينَ و َلا يَز ِيد ُ ال َ ّ
ن م َا ه ُو َ ِ
ن الْقُر ْآ ِ
ل مِ َ
ك َاف ِر ُونَ{ ]التوبة ،[١٢٥:و يقول تعالى} :و َنُنَز ِّ ُ
Shamela.org ٢٣٩
البقرة ][154 - 144 ١٢
شطْر َ
ك َ
ل و َجْ ه َ َ سم َاء ِ فَلَن ُوَلِّيَن ّ َ
ك قِبْلَة ً تَرْضَاه َا ف َو َ ّ ِ ولمخالفة اليهود؛ أجابه الل ّٰه سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله} :ق َ ْد ن َر َى تَق َُل ّبَ و َجْ ه ِ َ
ك فِي ال َ ّ
ل ع ََم ّا يَعْم َلُونَ{ ن ُأوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَم ُونَ أَ َن ّه ُ الْح َُقّ م ِنْ ر َ ّبِه ِ ْم وَم َا َ
الل ّه ُ بِغ َاف ِ ٍ ن ال َ ّذ ِي َ حي ْثُ م َا كُنتُم ْ ف َو َُل ّوا وُجُوهَك ُ ْم َ
شطْرَه ُ و َِإ َ ّ جدِ الْحَرَا ِم و َ َ
س ِ
ال ْم َ ْ
]البقرة.[١٤٤:
هذه الآيات جاءت بعدما أخبر الل ّٰه سبحانه وتعالى المؤمنين مسبقا ًأنه سيحصل تحو يل للقبلة ،وأن السفهاء من الناس سوف يخوضون
س م َا و َلّاه ُ ْم ع َنْ قِب ْلَتِهِم ُ َال ّتِي ك َانُوا عَلَيْهَا قُلْ ل َِل ّه ِ ال ْمَشْر ِقُ و َال ْمَغْرِبُ يَهْدِي م َنْ يَش َاء ُ ِإلَى صِر َاطٍ الن ّا ِ ن َ ل ال ُ ّ
سفَه َاء ُ م ِ َ في هذا الأمر} ،سَيَق ُو ُ
ن هَد َىل م َِم ّنْ يَنق َل ِبُ عَلَى عَق ِبَيْه ِ و َِإ ْن ك َان َْت لـَكَب ِيرَة ً ِإ َلّا عَلَى ال َ ّذ ِي َ جعَل ْنَا الْقِبْلَة َ َال ّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ِإ َلّا لِنَعْلَم َ م َنْ يَت ّب ِـ ُع َ
الر ّسُو َ مُسْتَق ٍِيم * وَم َا َ
ومزارهم ،وأيضا ً لشدة حرصه على مخالفة أهل الكتاب واليهود؛ أجابه الل ّٰه تبارك وتعالى إلى تطلعه بقوله عز وجل} :ق َ ْد ن َر َى تَق َُل ّبَ
ك قِبْلَة ً تَرْضَاه َا{ ]البقرة [١٤٤:و )قد( هنا للتحقيق ،وليست للتقليل ،وهي تأتي للتقليل وتأتي أيضا ًللتحقيق سم َاء ِ فَلَن ُوَلِّي َن ّ َ
ك فِي ال َ ّ
و َجْ ه ِ َ
سم َاءِ( أي :في جهة السماء ،متطلعا ً إلى الوحي، كما هنا) ،قد نرى( لتأكيد وقوع هذه الرؤ ية ،يقول السيوطي) :تَق َُل ّبَ و َجْ ه ِ َ
ك فِي ال َ ّ
ومتشوقا ً للأمر باستقبال الـكعبة ،وكان صلى الل ّٰه عليه وسلم يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم؛ ولأنه أدعى إلى إسلام العرب؛ لأن العرب
أيضا ً يعظمونها ،فإذا حولت القبلة إلى الـكعبة المشرفة فهذا سيكون فيه تأليف لهم ،وجذب لقلوبهم نحو الإسلام؛ لأنها قبلة إبراهيم
عليه السلام.
وفي هذه الآية الجليلة بيان لحسن أدب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فإنه كان ينتظر ،ولم يسأل ربه تبارك وتعالى ذلك ،وإنما كان يتطلع
بقلبه ويتطلع بعينه ،وينظر إلى السماء منتظرا ً ومتشوقا ًإلى نزول الوحي بالأمر باستقبال الـكعبة المشرفة.
جد ِ
س ِ
شطْر َال ْم َ ْ
ك َ
ل و َجْ ه َ َ يقول تعالى} :فَلَن ُوَلِّي َن ّ َ
ك قِبْلَة ًتَرْضَاه َا{ ]البقرة) [١٤٤:فلنولينك( أي :لنحولنك إلى قبلة )ترضاها( أي :تحبها }ف َو َ ّ ِ
الْحَرَا ِم{ ]البقرة) [١٤٤:فول وجهك( يعني :في الصلاة ،فاستقبل في الصلاة المسجد الحرام) ،شطر( يعني :نحو )المسجد الحرام( أي:
الـكعبة المشرفة ،وإنما لم يقل :فول وجهك شطر الـكعبة؛ لأن المقصود استقبال الجهة ،وليس عين الـكعبة ،وعين الـكعبة معناه جسم
الـكعبة ،وهذا يكون لمن هو قريب منها ،أما من بعد عنها فإنه يستقبل الجهة فقط؛ ولذلك تكون الصفوف حول الـكعبة مستديرة،
لأنهم لو وقفوا بصورة صفوف مربعة في الجهات فإن الذين عند الأركان والزوايا لن يستقبلوا الـكعبة ،فلذلك لا بد على من كان
مستقبلا ًأحد الأركان أن يستقبل جسم الـكعبة ،وألّا ينعطف ،بل يقع امتداد جسمه على جسم أو عين الـكعبة المشرفة ،فالقريب من
الـكعبة يجب عليه أن يستقبل عينها ،ولذلك فالصفوف تكون مستديرة؛ لأنه بالاستدارة فقط يحصل هذا الاستقبال لكل المصلين.
ل و َجْ هَكَ(( أي استقبل في
ك قِبْلَة ً تَرْضَاه َا ف َو َ ّ ِ
أما من بعد عن الـكعبة فواجبه أن يستقبل جهتها؛ ولذلك قال تعالى هنا)) :فَلَن ُوَلِّيَن ّ َ
الصلاة )شطر( أي نحو )المسجد الحرام( ولم يقل :الـكعبة ،وإن كان المقصود هو الـكعبة.
حي ْثُ م َا كُنتُم ْ ف َو َُل ّوا وُجُوهَك ُ ْم َ
شطْرَه ُ(( حتى يدفع الل ّٰه تبارك وتعالى احتمال الخصوصية؛ لأنه يحتمل أن يكون هذا الأمر كالأمر ))و َ َ
بقيام الليل خاصا ًبالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ فلذلك نص الل ّٰه تبارك وتعالى على الأمر باستقبال الـكعبة لسائر المؤمنين كي يدفع احتمال
الخصوصية في ذلك بالنبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
Shamela.org ٢٤٠
البقرة ][154 - 144 ١٢
شطْرَه ُ(( الخطاب هنا للأمة ،والمقصود ولوا وجوهكم في الصلاة؛ لأن استقبال القبلة شرط لصحة حي ْثُ م َا كُنتُم ْ ف َو َُل ّوا وُجُوهَك ُ ْم َ ))و َ َ
الصلاة.
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَم ُونَ أَ َن ّه ُ الْح َُقّ م ِنْ ر َ ّبِهِمْ(( الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه أي :التولي إلى الـكعبة) ،الحق( أي :الثابت
ن ال َ ّذ ِي َ
))و َِإ َ ّ
)من ربهم( لما في كتبهم من نعت النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم من أنه يتحول إليها.
ل ع ََم ّا تَعْم َلُونَ(( والخطاب هنا للمؤمنين ،أي :عما تعملون أيها المؤمنون من امتثال أمره ،والقراءة الأخرى بالياء ))وَم َا
الل ّه ُ بِغ َاف ِ ٍ
))وَم َا َ
ل ع ََم ّا يَعْم َلُونَ(( يعني :اليهود ،والل ّٰه ليس بغافل عما يعملون مثل استنكار أمر القبلة المشرفة.
الل ّه ُ بِغ َاف ِ ٍ
َ
جدِ الْحَرَا ِم((
س ِ
شطْر َ ال ْم َ ْ
ك َ
ل و َجْ ه َ َ
يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى :أما خطابه الخاص للنبي عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى)) :ف َو َ ّ ِ
فتشر يفا ًله وإجابة لرغبته ،وأما خطابه العام بعده فهو خطاب للأمة )وحيث ما كنتم( أيها الأمة؛ لأنه كان يجوز أن يعتقد أن هذا
ل ِإ َلّا قَلِيل ًا{ ]المزمل ،[٢:ولأنه لما كان الأمر في تحو يل أمر قد خص عليه الصلاة والسلام به كما خص بقوله تبارك وتعالى} :ق ُ ِم َ
الل ّي ْ َ
القبلة أمرا ً له فقط خصهم بخطاب مفرد؛ ليكون ذلك أبلغ؛ وليكون لهم في ذلك تشر يف؛ ولأن في الخطاب العام تعليق حكم آخر به،
وهو أنه لا فرق بين القرب والبعد في وجوب التوجه إلى الـكعبة.
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَم ُونَ أَ َن ّه ُ الْح َُقّ م ِنْ ر َ ّبِهِمْ(( هذا ينطبق على ما تقدم ذكره ،فإما أن يكون الضمير في )أنه( يعود إلى الرسول
ن ال َ ّذ ِي َ
))و َِإ َ ّ
أي :أن الرسول عليه الصلاة والسلام حق من عند الل ّٰه تبارك وتعالى ،وإما أن يكون المراد القبلة نفسها ،فجاز أن يكون المراد بقوله:
))لَيَعْلَم ُونَ أَ َن ّه ُ الْح َُقّ م ِنْ ر َ ّبِهِمْ(( أن القوم يعلمون أن الرسول مع شرعه ونبوته حق ،فيشتمل ذلك على أمر القبلة وغيرها ،و يحتمل أن
يرجع الضمير في )أنه( إلى هذا التكليف الخاص بالقبلة ،وهذا المعنى هو الأقرب للسياق ،فاليهود كانوا يعلمون مما في كتبهم أن الـكعبة
هي البيت العتيق التي جعلها الل ّٰه تعالى قبلة لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ،وكانوا يعلمون نبوة محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم بما ظهر عليه
من المعجزات ،ومتى علموا نبوته فقد علموا لا محالة أن كل ما أتى به فهو حق ،فكان هذا التحو يل حقاً ،ففي هذه الحالة هم يلزمون
بذلك ،وعلى كلا الاحتمالين فهم يعلمون أن هذا الأمر حق من عند الل ّٰه تبارك وتعالى.
يقول القاسمي :وثم وجه آخر في علمهم أحقية ذلك التحو يل ،وأنه من أعلام نبوته صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وبيانه :أن أمره تعالى للنبي
صلى الل ّٰه عليه وسلم ولكافة من اتبعه باستقبال الـكعبة من جملة الاستعلان الذي هو مذكور في التوراة إشارة لخاتم النبيين صلى الل ّٰه عليه
وسلم ،فقد جاء في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية ،ويسمى :سفر الاستثناء ،وهذا موجود في التوراة إلى اليوم) :وهذه هي
البركة التي بارك بها موسى رجل الل ّٰه بني إسرائيل قبل موته- ،يعني :أن موسى قبل موته ذكر بني إسرائيل بهذه البشرى -فقال :جاء
الرب من سيناء ،وأشرق لهم من ساعير ،وتلألأ من جبل فاران( ،وفي بعض الألفاظ الأخرى) :واستعلن من فاران(.
فهذه البشارة تنبيه على موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا ًالصلاة والسلام ،فالل ّٰه تعالى أنزل التوراة على موسى في طور سيناء وأشار إلى
هذا بقوله) :جاء الرب من سيناء(.
وأشار إلى نزول جبر يل على عيسى عليه السلام بقوله) :وأشرق لهم من ساعير( ،وساعير :هي البلدة التي ولد فيها المسيح عليها السلام،
وذلك في قر ية تدعى الناصرة.
وقوله) :وتلألأ أو استعلن من جبل فاران( ،تلألؤه من جبل فاران عبارة عن إنزاله القرآن على محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم في جبل
فاران ،وأهل الكتاب لا يشكون أبدا ً أن كلمة فاران في كتبهم تعني :جبال مكة ،أي :الجبال المحيطة بمكة ،يقول القاسمي :ولا يخالفنا في
ذلك أهل الكتاب ،فأهل الكتاب يعترفون فعلا ًبأن فاران هي مكة ،ففي الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين يحاور إسماعيل
عليه السلام هكذا) :وكان الل ّٰه مع الغلام فكبر وكان ينمو رامي قوس- ،كما جاء في الحديث) :ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً(
عليه السلام -وكان ينمو رامي قوس ،وسكن في بر ية فاران( ،وفاران هي :الجبال المحيطة بمكة ،فلا شك أن إسماعيل عليه السلام سكن
Shamela.org ٢٤١
البقرة ][154 - 144 ١٢
تفسير قوله تعالى) :ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك إنك إذا لمن الظالمين( ١٢.٢
تفسير قوله تعالى) :ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك إنك إذا ً لمن الظالمين(
ولما ذكر تعالى أن أهل الكتاب يعلمون أن هذه القبلة حق أعلم أن صفتهم لا ٺتغير في الاستمرار على المعاندة ،وأن الاستكبار عن الانقياد
ن ُأوتُوا الكِتَابَ
للحق صفة راسخة ثابتة فيهم لا ٺتبدل ولا ٺتغير ،فأقسم الل ّٰه تبارك وتعالى بعد هذه الآيات مباشرة فقال} :و َلئَ ِ ْن أَ تَي ْتَ ال َ ّذ ِي َ
Shamela.org ٢٤٢
البقرة ][154 - 144 ١٢
والمبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته في عناده ،وفيه إراحة للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم من التطلع إلى هدي بعضهم ،يعني :تيئيس
له وقطع لطمعه في إيمانهم.
قال الراغب :إن قيل :كيف أعلن بأنهم لا يتبعون قبلته وقد آمن منهم فر يق؟ -فالمعلوم أن من أهل الكتاب فر يقا ًقد آمنوا وأسلموا،
فكيف نفهم معنى قوله تبارك وتعالى) :ما تبعوا قبلتك(؟ -قيل :إن هذا حكم على الكل دون الأبعاض ،فهذا الحكم يعم الأغلب،
فإذا شذ البعض فإنه لا ينافي هذا الحكم الكلي ،بدلالة أنك لو قلت :ما آمنوا ،وقد آمن بعضهم ،لم يكن منافياً ،وقيل :عني به أقوام
مخصوصون.
أيضا ًفي قوله تبارك وتعالى) :وما أنت بتابع قبلتهم( إشارة إلى أن من عرف الل ّٰه حق معرفته فمن المحال أن يرتد ،ولذا قيل :ما رجع
من رجع إلا من الطر يق ،ومعنى ذلك :أن الإنسان الذي يرتد وينتكس لم يصل إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى ،ولم يصل إلى المعرفة بالل ّٰه،
أما الذي يصل حق الوصول فإنه لا يترك أبدا ً دين الل ّٰه سبحانه وتعالى ومحبته؛ ولذلك فالذي يرجع إنما يرجع من أثناء الطر يق قبل أن
يصل؛ لأنه بعد أن يصل لا يمكن أبدا ً بعد أن يتمكن من معرفة الل ّٰه سبحانه وتعالى وحبه أن يؤثر عليه غيره؛ ولذلك قالوا :ما رجع من
رجع إلا من الطر يق ،أي ما أخل بالإيمان إلا من لم يصل إليه حق الوصول.
وفي هذه الآية الـكريمة أيضا ًتنو يه بفضل العلم ،حيث سمى أمر النبوات والدلائل والمعجزات باسم العلم؛ فلذلك ننبه على أن العلم أعظم
ن ال َ ّ
ظالِمِينَ{ فأطلق ن ال ْعِلْم ِ ِإ َن ّ َ
ك ِإذ ًا لم َ ِ َ المخلوقات شرفا ًومرتبة ،وذلك إشارة إلى قوله تعالى} :و َلئَِنِ ا َت ّبَعْتَ أَ ه ْوَاءَه ُ ْم م ِنْ بَعْدِ م َا ج َاءَك َ م ِ َ
لفظة العلم على الوحي والنبوة والدلائل والمعجزات ،فدل على أن العلم أشرف المخلوقات لأنه ينتظم في معنى هذه الأمور الشر يفة.
ودلت الآية على أن توجه الوعيد إلى العلماء أشد من توجهه على غيرهم؛ لقوله تعالى) :من بعد ما جاءك من العلم(.
تفسير قوله تعالى) :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم( ١٢.٣
تفسير قوله تعالى) :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم(
قال عز وجل} :ال َ ّذ ِي َ
ن آتَي ْنَاهُم ُ الْكِتَابَ يَعْرِف ُونَه ُ كَمَا يَعْرِف ُونَ أَ ب ْنَاءَهُمْ{ ]البقرة [١٤٦:أي :يعرفون محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم )كما يعرفون
أبناءهم( أي :بنعته في كتبهم ،قال عبد الل ّٰه بن سلام :لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ،ومعرفتي لمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم أشد،
يعني من شدة انطباق الصفات الموجودة في التوراة وفي الـكتب السابقة في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام ،فهو يعرفه أشد من
معرفته ابنه مع أن ابنه رآه بنفسه ،وهذا وصف عن غيب لم يره ،لـكنه لما رآه صارت معرفته بالرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم أشد من
معرفته بابنه؛ ولذلك أسلم عبد الل ّٰه بن سلام رضي الل ّٰه تبارك وتعالى عنه وكان من خيرة الصحابة رضي الل ّٰه عنهم أجمعين.
ل{ ]الأعراف[١٥٧:
َالإنج ِي ِ
الت ّوْر َاة ِ و ِ الن ّب ِ َيّ ال ُأ ِم ّ َيّ ال َ ّذ ِي َ
يجِد ُونَه ُ مَكْت ُوب ًا عِنْد َه ُ ْم فِي َ ل َ ن يَت ّب ِع ُونَ َ
الر ّسُو َ ومن هذه البشارات قوله تعالى} :ال َ ّذ ِي َ
حتى صفات الرسول عليه الصلاة والسلام الجسدية وجدت في التوراة ،ومن أبرزها ختم النبوة أو خاتم النبوة ،وإلى اليوم فإن الإشارة
إلى ختم النبوة وإلى العلامة التي بين كتفيه موجودة في التوراة وفي كتبهم ،فهو لا يلتبس عليهم ،وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فلا
تلتبس أشخاص أبنائهم بغيرهم ،فشبه المعرفة العقلية الحاصلة بمطالعة الـكتب السماو ية بالمعرفة الحسية؛ لأن كلا ًمنهما يقيني لا اشتباه
فيه ،وقد روي عن عمر رضي الل ّٰه عنه أنه قال لـ عبد الل ّٰه بن سلام رضي الل ّٰه عنه :أتعرف محمداًَ كما تعرف ولدك؟ قال :نعم وأكثر،
نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته ،وابني لا أدري ما كان من أمه ،فقبل عمر رأسه.
ن فَرِ يق ًا مِنْه ُ ْم لَيَكْتُم ُونَ الْح َقّ { ]البقرة [١٤٦:وإن من أهل الكتاب مع ذلك التحقق ومع ذلك الإيقان بصفته) ،ليكتمون الحق(
}و َِإ َ ّ
أي يخفونه ولا يعلنونه) ،وهم يعلمون( أي :وهم يعلمون الحق ،و يعلمون عاقبة ترك الحق ،ولم يقل تبارك وتعالى مثلاً :وإن فر يقا ًمنهم
ليكتمونه وهم يعلمون؛ لأن في إظهار كلمة الحق وتفضيلها على الضمير إشارة إلى طبيعة هذا النبي ،ولـكنهم ينكرونه و يجحدونه )وهم
Shamela.org ٢٤٣
البقرة ][154 - 144 ١٢
يعلمون( وفي هذا إشارة إلى فظاعة ذنبهم ،لأن المرتكب ذنبا ً عن جهل ليس كمن يرتكبه عن علم؛ ولذلك قال تعالى) :الحق من
ربك فلا تكونن من الممترين( الحق من ربك :يعني الحق كائن من ربك) ،فلا تكونن من الممترين( أي :الشاكين في هذا الأمر،
فلا تكونن من هذا النوع ،وهذا أبلغ من قوله :الحق من ربك فلا تمتر ،ولـكن قال) :الحق من ربك فلا تكونن من الممترين( يعني
الشاكين ،يقول الراغب :وليس هذا نهيا ًعن الشك؛ لأن الشك لا يكون بقصد من الشاك ،بل قوله تعالى) :فلا تكونن من الممترين(
ن الْجا َه ِلِينَ{ ]هود.[٤٦:
ك أَ ْن تَكُونَ م ِ َ
حث على اكتساب المعارف المز يلة للشك واستعمالها ،وعلى ذلك أيضا ًقوله تعالى}ِ :إن ِ ّي أَ عِظ ُ َ
تفسير قوله تعالى) :ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخـيرات أينما تكونوا يأت بكم الل ّٰه جميعا( ١٢.٤
تفسير قوله تعالى) :ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخـيرات أينما تكونوا يأت بكم الل ّٰه جميعاً(
قال تبارك وتعالى)) :ولكل وجهة هو موليها(( ولكل من الأمم )وجهة( أي :قبلة )هو موليها( يعني :موليها وجهه في صلاته،
َات{ ]البقرة [١٤٨:أي :بادروا إلى الطاعات وخذوا وفي قراءة) :ولكل وجهة هو مولاها( أي مأمور بالتوجه إليها) ،فَاسْ تَبِق ُوا ا ْلخـَيْر ِ
ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ{
الل ّه َ عَلَى ك ُ ّ ِ
ن َ الل ّه ُ جَم ِيع ًا{ ]البقرة [١٤٨:أي :يجمعكم يوم القيامة فيجاز يكم بأعمالـكم}ِ ،إ َ ّ ت بِكُم ُ َ
ن م َا تَكُونُوا ي َأْ ِ
بها} ،أَ ي ْ َ
]البقرة.[١٤٨:
تفسير قوله تعالى) :ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام( ١٢.٥
تفسير قوله تعالى) :ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام(
حي ْثُ خَر َجْ تَ
ثم إنه تعالى أكد حكم التحو يل وبين عدم تفاوت أمر الاستقبال في حالتي السفر والحضر ،فقال تبارك وتعالى} :وَم ِنْ َ
ل ع ََم ّا تَعْم َلُونَ{ ]البقرة [١٤٩:وهنا إنشاء حكم جديد بخلاف الآيات
الل ّه ُ بِغ َاف ِ ٍ جدِ الْحَرَا ِم و َِإ َن ّه ُ لَلْح َُقّ م ِنْ ر َب ِّ َ
ك وَم َا َ س ِ
شطْر َال ْم َ ْ
ك َ
ل و َجْ ه َ َ
ف َو َ ّ ِ
المشابهة لذلك عما قريب) ،ومن حيث خرجت( أي :لسفر )فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الل ّٰه بغافل عما
تعملون( أو )عما يعملون( بالياء وبالتاء ،فكرره لبيان أن حكم السفر وغيره سواء ،فالمسافرون وغيرهم يستوون في اشتراط استقبال القبلة
ما أمكن ذلك ،فقوله عز وجل هنا) :ومن حيث خرجت( أي :ومن أي بلد خرجت للسفر ،لأنه في الآية السابقة يقول تعالى) :فول
وجهك شطر المسجد الحرام( ثم قال )وحيث ما كنتم( أي :في حالة الإقامة ،أما هنا قال) :ومن حيث خرجت( والخروج يكون في
السفر) ،ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام(.
ولما عظم أمر القبلة وذكر انتفاء أقوال السفهاء وتنوع ضربهم وجدالهم كان الحال مقتضيا ًلما فيه تأكيد لأمرها وتعظيم ٌ لشأنها ،وتوهية ٌ
ل
حي ْثُ خَر َجْ تَ ف َو َ ّ ِ
لشبههم؛ فلذلك كرر الل ّٰه تبارك وتعالى أيضا ً الإشارة أو التنبيه إلى أمر استقبال القبلة فقال للمرة الثالثة} :وَم ِنْ َ
تخْشَو ْه ُ ْم س عَلَيْك ُ ْم حُ َ ج ّة ٌ ِإ َلّا ال َ ّذ ِي َ
ن ظَلَم ُوا مِنْه ُ ْم فَلا َ حي ْثُ م َا كُنتُم ْ ف َو َُل ّوا وُجُوهَك ُ ْم َ
شطْرَه ُ لِئ َل ّا يَكُونَ ل ِ َلن ّا ِ جدِ الْحَرَا ِم و َ َ
س ِ
شطْر َ ال ْم َ ْ
ك َ
و َجْ ه َ َ
و َاخْ شَوْنِي و َل ِ ُأت َِم ّ نِعْمَتِي عَلَيْك ُ ْم و َلَع َل ّـك ُ ْم تَه ْتَد ُونَ{ ]البقرة [١٥٠:يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :كرره للتأكيد) ،لئلا يكون للناس( أي:
اليهود أو المشركين) ،عليكم حجة( أي :مجادلة في التولي إلى غيره ،وتنتفي مجادلتهم لـكم ،من قول اليهود :يجحد ديننا ويتبع قبلتنا ،وقول
المشركين :يدعي ملة إبراهيم و يخالف قبلته ،فهذا معنى قوله تعالى) :لئلا يكون للناس عليكم حجة( فإذا قلنا إن الناس المقصود بهم هنا
اليهود لعنهم الل ّٰه ،فتكون الحجة هي :أن يكون لهم ما يحاجونكم و يجادلونكم به ،وهو قول اليهود :يجحد ديننا ويتبع قبلتنا ،أي :كيف
تجحد ديننا ولا تكون مثلنا على اليهودية أو النصرانية ،ثم تستقبل قبلتنا؟ فيكون في تحو يل القبلة إلى البيت الحرام إبطال لهذه الحجة ،فهو
يخالف دينهم و يخالف قبلتهم.
وإذا قلنا :المقصود بالناس هم المشركون ،فإن المشركين قالوا :يدعي ملة إبراهيم و يخالف قبلته! فكان في تحو يل القبلة إدحاض لهذه
الشبهة.
Shamela.org ٢٤٤
البقرة ][154 - 144 ١٢
)لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم( يعني بالعناد ،فإنهم يقولون :ما تحول إليها إلا ميلا ً إلى دين آبائه ،والاستثناء هنا
متصل ،والمعنى :لا يكون لأحد عليكم كلام إلا كلام هؤلاء) ،فلا تخشوهم( يعني :لا تخافوا جدالهم في التولي إليها) ،واخشوني(
أي :بامتثال أمري) ،ولأتم نعمتي عليكم( وهذا العطف هنا هو على قوله) :لئلا يكون( يعني إنما عليكم أن تمتثلوا هذا الحكم وتنصاعوا
إليه ،أولاً :لئلا يكون للناس عليكم حجة ،وثانياً :لأتم نعمتي عليكم ،يعني بالهداية إلى معالم دينكم.
قال العلماء في قوله) :ولأتم نعمتي عليكم( إن في هذا الجزء من الآية بشارة للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم والمؤمنين بفتح مكة وكافة جزيرة
العرب والأرض) ،ولعلـكم تهتدون( يعني :إلى الحق.
تفسير قوله تعالى) :كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم( ١٢.٦
تفسير قوله تعالى) :كما أرسلنا فيكم رسولا ًمنكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم(
قال تبارك وتعالى} :كَمَا أَ ْرسَل ْنَا ف ِيك ُ ْم رَسُول ًا مِنْك ُ ْم يَت ْلُو عَلَيْك ُ ْم آي َاتنَِا و َي ُزَكّ ِيك ُ ْم و َيُع َل ِّمُكُم ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َيُع َل ِّمُك ُ ْم م َا ل َ ْم تَكُونُوا تَعْلَم ُونَ *
فَا ْذك ُر ُونِي أَ ْذكُر ْك ُ ْم و َاشْ ك ُر ُوا ل ِي و َلا ت َ ْكف ُر ُونِ{ ]البقرة [١٥٢ - ١٥١:في الآية السابقة في قصة إبراهيم عليه السلام قال} :ر َ َب ّنَا و َابْع ْ
َث
ك ك و َيُع َل ِّمُهُم ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َي ُزَكّ ِيهِمْ{ ]البقرة [١٢٩:فهنا الزاي والكاف قريبة من ختام الآية}ِ :إ َن ّ َ ف ِيه ِ ْم رَسُول ًا مِنْه ُ ْم يَت ْلُو عَلَيْه ِ ْم آي َات ِ َ
أَ ن ْتَ ال ْعَزِيز ُ الْحَكِيم ُ{ ]البقرة [١٢٩:ففيها الزاي والكاف ،ففي آخر دعاء إبراهيم عليه السلام أن يزكيهم ،وفي آخر الآية العزيز الحكيم،
والتزكية بالزاي والكاف قرينة للعزيز الحكيم ،أما هنا فقال) :يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم و يعلمكم الكتاب والحكمة و يعلمكم ما لم تكونوا
تعلمون(.
قوله تعالى) :كما أرسلنا( هذا متعلق بأتم أي) :ولأتم نعمتي عليكم( كما أرسلنا ،يعني :أتمها أتماما ً كإتمامها بإرسالنا فيكم رسولا ً منكم
محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم) ،يتلو عليكم آياتنا( أي :القرآن) ،ويزكيكم( أي :يطهركم من الشرك )و يعلمكم الكتاب( وهو القرآن الـكريم
)والحكمة( وهي ما فيه من الأحكام ،وقد ذكرنا من قبل أن أي آية يأتي فيها ذكر الكتاب مقرونا ًبالحكمة في سياق الامتنان على هذه
الأمة المحمدية فلا بد من تفسير الحكمة بأنها.
سنة النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،وهذا باتفاق من السلف) ،و يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون(.
)فاذكروني أذكركم( يعني :اذكروني بالصلاة والتسبيح وغيره )أذكركم( يعني :أجاز يكم ،وفي الحديث القدسي عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم
عن الل ّٰه تعالى قال) :من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه( متفق عليه.
)واشكروا لي( أي :نعمتي بالطاعة )ولا تكفرون( يعني :بالمعصية.
)كما أرسلنا فيكم( يعني :أيها العرب )رسولا ًمنكم( المراد به أيضا ًمن العرب ،وفي إرساله فيهم ومنهم نعمة عظيمة عليهم لما لهم فيه من
الشرف ،ولأن المشهور من حال العرب :الأنفة الشديدة من الانقياد إلى الغير ،فهم لا ينقادون لغيرهم من الأمم ،فبعث الل ّٰه تعالى
من واسطتهم ليكونوا إلى القبول أقرب.
)يتلو عليكم آياتنا( أي :يقرأ عليكم القرآن الذي هو من أعظم النعم؛ لأنه معجزة باقية ،ولأنه يتلى فتؤدى به العبادات ويستفاد منه
جميع العلوم ومجامع الأخلاق الحميدة ،فتحصل من تلاوته كل خيرات الدنيا والآخرة.
)ويزكيكم( أي :يطهركم من الشرك والأفعال الجاهلية وسفاسف الأخلاق )و يعلمكم الكتاب( يعني :القرآن ،وهذا ليس بتكرار؛ لأن
تلاوة القرآن عليهم غير تعليمه إياهم ،ففي صدر الآية )يتلو عليكم آياتنا( فهذا مجرد تلاوة الآيات ،أما هنا )يعلمكم الكتاب والحكمة(
وهي العلم بسائر الشر يعة التي يشتمل القرآن على تفصيلها؛ ولذلك قال الشافعي رضي الل ّٰه عنه :الحكمة هي سنة الرسول صلى الل ّٰه عليه
وسلم.
Shamela.org ٢٤٥
البقرة ][154 - 144 ١٢
)و يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون( إشارة إلى أنه تعالى أرسل رسوله على حين فترة من الرسل ،وجهالة من الأمم ،والخلق كانوا متحيرين
ضالين في أمر أديانهم ،فبعث الل ّٰه تعالى النبي بالحق حتى علمهم ما احتاجوا إليه في دينهم ،فصاروا أعمق الناس علماً ،وأبرهم قلوباً،
وأقلهم تكلفاً ،وأصدقهم لهجة ،وذلك من أعظم أنواع النعم ،قال تعالى} :لَق َ ْد م ََنّ َ
الل ّه ُ عَلَى ال ْمُؤْم ِنِينَ ِإ ْذ بَع َثَ ف ِيه ِ ْم رَسُول ًا م ِنْ أَ نْفُسِه ِ ْم
يَت ْلُوا عَلَيْه ِ ْم آي َاتِه ِ و َي ُزَكّ ِيهِمْ{ ]آل عمران ،[١٦٤:وفي هذا ذم لمن لم يعرف قدر هذه النعم ،ذم للذين لا يشكرون الل ّٰه سبحانه وتعالى على
ن ب َ ّدلُوا نِعْم َة َ
نعمة الإسلام ونعمة القرآن والوحي الذي علمنا الل ّٰه به ما لم نكن نعلم ،وهذا كقول الل ّٰه تبارك وتعالى} :أَ ل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال َ ّذ ِي َ
الل ّه ِ ُ
كفْرًا و َأَ ح َُل ّوا قَوْمَه ُ ْم د َار َ ال ْب َوَارِ{ ]إبراهيم [٢٨:قال ابن عباس :يعني :كفرا ً بنعمة الل ّٰه بمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فأعظم نعمة امتن َ
الل ّٰه سبحانه وتعالى بها على البشر ية هي بعثة محمد صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم سيد الأولين والآخرين ،فهم بدلوا نعمة الل ّٰه كفراً ،أنعم الل ّٰه
عليهم بالرسول فكفروا به وكذبوه وجحدوه وحاربوه) ،وأحلوا قومهم دار البوار( ،ومن أجل ذلك ندب الل ّٰه المؤمنين إلى الاعتراف بهذه
النعمة ،ومقابلتها بذكره وشكره ،فبعدما قال تعالى) :كما أرسلنا( الآية قال) :فاذكروني( يعني :كما أنعمت عليكم بهذه النعمة فاشكروها
لي ،فهناك ربط بين أول هذه الآية وبين الآية التالية) ،فاذكروني أذكركم واشكروا لي( أي :هذه النعمة ولا تكفروا بها) ،فاذكروني
أذكركم( أي :اذكروني -أيها المؤمنون -بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه ،أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لـكم ،وقد كان بعضهم
يتأول ذلك :أنه من الذكر بالثناء والمدح ،وقال القاشاني :اذكروني بالإجابة والطاعة :أذكركم بالمجيب والثواب ،وهذا هو معنى ما قبله،
لأن الل ّٰه تعالى يقول} :و َِإ ْذ ت َأَ َذّنَ ر َُب ّك ُ ْم لئَ ِ ْن شَكَرْتُم ْ ل َأَ زِيد ََن ّك ُ ْم و َلئَ ِ ْن َ
كفَرْتُم ْ ِإ َ ّ
ن عَذ َابِي لَشَدِيد ٌ{ ]إبراهيم [٧:إذا ذكرتموني بإجابتي وبطاعتي
وبعبادتي أذكركم بالمزيد من النعم وبتواليها عليكم) ،واشكروا لي( يعني :فيما أنعمت عليكم من الإسلام والهداية للدين الذي شرعته لـكم،
)ولا تكفرون( يعني :لا تجحدوا إحساني إليكم فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم.
وقال السمرقندي :النعمة في الحقيقة هي العلم ،وما سواه فهو تحول من راحة إلى راحة وليس بنعمة ،فالعلم لا يمل منه صاحبه،
بل يطلب منه الز يادة ،فأمر الل ّٰه تعالى بشكر هذه النعمة وهي نعمة بعثه رسولا ً يعلمهم الكتاب والحكمة ،ولما كان للعرب ولع بالذكر
الل ّه َ كَذِكْر ِك ُ ْم آب َاءَك ُ ْم أَ ْو أَ َ
ش َ ّد ذِك ْر ً{ سكَك ُ ْم فَا ْذك ُر ُوا َ لآبائهم ووقائعهم جعل الل ّٰه تعالى ذكره لهم عوض ما كانوا يذكرون} ،ف َِإذ َا ق َ َ
ضي ْتُم ْ م َنَا ِ
]البقرة [٢٠٠:فالانشغال بذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى بدل القعود فيما كانوا عليه في الجاهلية ،فإنهم كانوا إذا انقضت المناسك يتفاخرون
بالآباء والأجداد وبالعظام البالية الجاهلية ،فالل ّٰه تعالى يقول لهم) :فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الل ّٰه كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً( أي:
دعوكم من موضوع الافتخار بالآباء ،وانشغلوا بذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فالل ّٰه سبحانه وتعالى هنا لما علم أن من طباع العرب :ولعهم
وشغفهم بذكر آبائهم ووقائع آبائهم جعل تعالى ذكره لهم عوض ما كانوا يذكرون ،كما جعل كتابه عوضا ًعن أشعارهم ،فالقرآن عوض
عن الشعر الذي كانوا يتناشدونه ،وذكرهم الل ّٰه وذكر الل ّٰه إياهم عوض عن التفاخر الذي كانوا يتفاخرون به بآبائهم ،فهز عزائمهم بذلك
بما يسره به من ذكره لهم ،روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :يقول الل ّٰه عز
وجل :أنا مع عبدي حين يذكرني ،فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ،وإن اقترب إلي
شبرا ً اقتربت إليه ذراعاً ،وإن اقترب إلي ذراعا ًاقتربت إليه باعاً ،فإن أتاني يمشي أتيته هرولة( أخرجه البخاري.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الل ّٰه عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أنه قال) :لا يقعد قوم يذكرون
الل ّٰه عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الل ّٰه فيمن عنده( والأحاديث في فضل الذكر متواترة،
و يكفي فيه هذه الآية الـكريمة) :فاذكروني أذكركم( جزاء أن تذكروا الل ّٰه أن يذكركم الل ّٰه ،ولذلك بكى أبي بن كعب لما علم أن الل ّٰه سبحانه
وتعالى تكلم باسمه ،قال) :أذكرني باسمي؟ قال :نعم ،فبكى أبي رضي الل ّٰه تعالى عنه( وهذا بلا شك شرف عظيم أن يذكرك الل ّٰه ،فاذكر
الل ّٰه يذكرك الل ّٰه.
أما قوله) :واشكروا لي ولا تكفرون( ففيه أمر بشكره على نعمه وعدم جحدها ،فالـكفر هنا كفر النعمة لا الشرك به ،والـكفر يطلق
Shamela.org ٢٤٦
البقرة ][154 - 144 ١٢
ِيظ بِهِم ُ ال ْـكُ َ ّفار َ{ ]الفتح [٢٩:والتكفير للبذرة يعني دفنها في إما على الستر والتغطية ،تقول :كفر البذر يعني :غطاه )يُعْجِبُ ُ
الز ّ َرّاعَ لِي َغ َ
الأرض وكذلك الـكفر هنا المقصود به :لا تكفروا نعمتي ،وليس المقصود به هنا :كفر التكذيب ،وقد وعد الل ّٰه تعالى على شكره بمزيد
الخـير فقال} :و َِإ ْذ ت َأَ َذّنَ ر َُب ّك ُ ْم لئَ ِ ْن شَكَرْتُم ْ ل َأَ زِيد ََن ّك ُ ْم و َلئَ ِ ْن َ
كفَرْتُم ْ ِإ َ ّ
ن عَذ َابِي لَشَدِيد ٌ{ ]إبراهيم [٧:قال ابن عطية :اشكروا لي واشكروني
بمعنى واحد ،واشكروا لي أفصح وأبلغ من الشكر.
ن اشْ كُر ْ ل ِي و َل ِوَالِدَيْكَ{ ]لقمان [١٤:والذي أتى
فيمكن أن تقول :أشكرك ،أو تقول :أشكر لك ،وأشكر لك أفصح وأبلغ ،قال تعالى} :أَ ِ
في القرآن أن الشكر يتعدى باللام ،فيكون أبلغ وأفصح.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الل ّٰه مع الصابرين( ١٢.٧
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الل ّٰه مع الصابرين(
َالصّ لاة ِ ِإ َ ّ
ن ِالصّ بْر ِ و َ أرشد الل ّٰه تعالى المؤمنين إثر الأمر بالشكر إلى الاستعانة بالصبر والصلاة ،فقال تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا اسْ ت َع ِين ُوا ب َ
الصّ ابِر ِينَ{ ]البقرة [١٥٣:لأن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر الل ّٰه عليها ،أو أن يكون في نقمة فيصبر عليها ،كما جاء في حديث الل ّه َ م َ َع َ
َ
صحيح مرفوع) :عجبا ًلأمر المؤمن! إن أمره كله خير ،وليس ذاك إلا للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا ً له ،وإن أصابته ضراء
صبر فكان خيرا ً له(.
َالصّ لاة ِ و َِإ َ ّنهَا
ِالصّ بْر ِ و َ
وذكر تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب في سبيل الل ّٰه الصبر والصلاة ،كما تقدم في قوله} :و َاسْ ت َع ِين ُوا ب َ
لـَكَب ِيرَة ٌ ِإ َلّا عَلَى الْخا َشِع ِينَ{ ]البقرة ،[٤٥:وفي الحديث) :أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى( ،أي :كان إذا
اشتد به الأمر أو نزل به الـكرب يفزع إلى الصلاة.
ثم إن الصبر ثلاثة أنواع :صبر على ترك المحارم والمآثم ،وصبر على فعل الطاعات ،وصبر على المصائب والـكربات.
وذلك أن الصبر معناه حبس النفس ،وبهذا المعنى فهو إما صبر على ترك المحارم والمآثم ،وإما صبر على فعل الطاعات ،وإما صبر على
المصائب والـكربات ،والثاني أكثر ثوابا ً لأنه المقصود ،أما الصبر الثالث -وهو الصبر على المصائب والنوائب -فهو واجب كالاستغفار
من المعايب ،فإنك تستغفر من المعايب والذنوب لأنك الذي تسببت فيها ،أما الصبر على المصائب فإنه لا اختيار لك فيها ،بل يقدرها
الل ّٰه سبحانه وتعالى عليك؛ ولذلك فإننا نحتج بالقدر في المصائب ،ولا نحتج به في المعايب ،فلا يجوز لإنسان أن يرتكب معصية ثم يقول:
إنا لل ّٰه وإنا إليه راجعون ،قدر الل ّٰه وما شاء فعل! بل الواجب في المعاصي أن تظل إلى أن تلقى الل ّٰه وأنت تستغفر وتندم وٺتوب ،حتى
تعلم حالك عند الل ّٰه ،أما المصائب فهي التي تقول فيها :إنا لل ّٰه وإنا إليه راجعون ،وتصبر وتحتسب.
ِالصّ بْر ِ و َ
َالصّ لاة ِ{ خص الصلاة ههنا بالذكر لتكررها وعظمها. وقوله} :اسْ ت َع ِين ُوا ب َ
)إن الل ّٰه مع الصابرين( يعني بالمعونة.
وهذه الآية من الآيات التي فيها ذكر معية الل ّٰه سبحانه وتعالى لبعض خلقه) :إن الل ّٰه مع الصابرين( وهذه هي المعية الخاصة؛ لأن من
آيات القرآن ما تذكر فيها المعية مع الخلق كافة ،ومنها ما يخصص الل ّٰه سبحانه وتعالى بها بعض عباده ،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية
كن ْتُم ْ{ ]الحديد ،[٤:وفي قوله تبارك وتعالى} :أَ ل َ ْم ت َر َ
ن م َا ُ
رحمه الل ّٰه تعالى :لفظ المعية في كتاب الل ّٰه جاء عاما ً كما في قوله} :و َه ُو َ مَعَك ُ ْم أَ ي ْ َ
نج ْو َى ثَلاثَة ٍ ِإ َلّا ه ُو َ ر َاب ِعُه ُ ْم و َلا خَمْسَة ٍ ِإ َلّا ه ُو َ سَادِسُه ُ ْم و َلا أَ دْنَى م ِنْ ذَل ِ َ
ك ض م َا يَكُونُ م ِنْ َ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ الل ّه َ يَعْلَم ُ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ ن َ أَ َ ّ
ل شَيْء ٍ عَل ِيم ٌ{ ]المجادلة [٧:فهذه معية عامة بمعنى أن الل ّٰه
الل ّه َ بِك ُ ّ ِ
ن َ ن م َا ك َانُوا ث َُم ّ يُنَب ِّئُه ُ ْم بِمَا عَم ِلُوا يَوْم َ الْق ِيَامَة ِ ِإ َ ّ
و َلا أَ كْ ثَر َ ِإ َلّا ه ُو َ مَعَه ُ ْم أَ ي ْ َ
سبحانه وتعالى مع خلقه أجمعين ،وهذه المعية ليست معية للذات -أي :ليس معناها أن ذات الل ّٰه سبحانه وتعالى تختلط بذوات خلقه،
Shamela.org ٢٤٧
البقرة ][154 - 144 ١٢
معاذ الل ّٰه -لـكن هي معية للصفات ،فهو سبحانه مع العباد بالعلم والمراقبة والشهادة والخـبرة بأحوالهم.
ل لا
محْسِن ُونَ{ ]النحل ،[١٢٨:وقوله} :قَا َ ن َات ّقَو ْا و َال َ ّذ ِي َ
ن ه ُ ْم ُ الل ّه َ م َ َع ال َ ّذ ِي َ
ن َ وجاء أيضا ً لفظ المعية خاصا ً كما في قوله تبارك وتعالى}ِ :إ َ ّ
كمَا أَ سْم َ ُع و َأَ ر َى{ ]طه [٤٦:فهذه المعية المذكورة في هذه الآية لا تشمل فرعون وجنده وسحرته فهي معية خاصة. تَخَافَا ِإ َن ّنِي مَع َ ُ
الل ّه َ م َع َنَا{ ]التوبة.[٤٠:
ن َ تح ْز َ ْن ِإ َ ّ
ل لِصَاحِبِه ِ لا َ
)إ ْذ يَق ُو ُ
كذلك قوله تعالى حاكيا ًعن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلمِ :
فلو كان المراد :معنا بذاته ،لكان التعميم يناقض التخصيص -يعني :لو أن معية الل ّٰه سبحانه وتعالى هي بذاته لكان التعميم في بعض
الآيات يناقض التخصيص في البعض الآخر؛ لأنه سيكون مع الجميع بذاته ،تعالى الل ّٰه عن ذلك -لـكنه قد عرف أن قوله )لا تحزن
إن الل ّٰه معنا( أراد به تخصيص نفسه وأبا بكر دون عدوهم من الـكفار.
محْسِن ُونَ{ ]النحل [١٢٨:خصهم بذلك دون الظالمين والفجار. ن َات ّقَو ْا و َال َ ّذ ِي َ
ن ه ُ ْم ُ الل ّه َ م َ َع ال َ ّذ ِي َ
ن َ كذلك قوله}ِ :إ َ ّ
وأيضا ً فلفظ المعية ليست في لغة العرب ولا في شيء من القرآن أنه يراد به اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى ،فعندما تقول :سرت
مع القمر ،ليس معناه أن تختلط ذاتك بذات القمر ،بل القمر في السماء وأنت في الأرض ،وكذلك حينما ترسل ابنك أو أخاك إلى
الل ّه ِ و َال َ ّذ ِي َ
ن مَع َه ُ{ ل َ أطراف الأرض وتقول له :إنني معك ،فلا تعني بذلك أن ذاتك مع ذاته ،كما في قوله تبارك وتعالى} :مُح َم ّدٌ رَسُو ُ
]الفتح [٢٩:فليس فيها اختلاط الذوات.
الل ّه َ وَكُونُوا م َ َع َ
الصّ ادِق ِينَ{ ]التوبة ،[١١٩:وقوله تعالى} :وَج َاهَد ُوا وكذلك قوله} :ف َُأوْلَئ ِ َ
ك م َ َع ال ْمُؤْم ِنِينَ{ ]النساء ،[١٤٦:وقولهَ :
}ات ّق ُوا َ
م َعَكُمْ{ ]الأنفال [٧٥:ومثل هذا كثير ،فامتنع أن يكون قوله} :و َه ُو َ مَعَكُمْ{ ]الحديد [٤:دالا ًعلى أن ذاته مختلطة بذوات الخلق.
وبين شيخ الإسلام أن لفظ المعية في اللغة وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على
عرشه ،و يكون حكم معيته لكل موقف بحسبه ،فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان ،و يخص بعضهم بالإعانة والنصرة والتأييد،
وهي المعية الخاصة لأولياء الل ّٰه من الأنبياء والمرسلين والصالحـين ،أما المعية العامة فهي لكل الخلق ،فهو معهم بالسلطان أي :بالعلم
بالقدرة وغير ذلك ،لـكن في الحالتين ليست تقتضي اختلاط الذوات ،بل هو على العرش عليم بما يفعله خلقه تبارك وتعالى.
تفسير قوله تعالى) :ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الل ّٰه أموات بل أحياء ولـكن لا تشعرون( ١٢.٨
تفسير قوله تعالى) :ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الل ّٰه أموات بل أحياء ولـكن لا تشعرون(
الل ّه ِ أَ مْو َ ٌ
ات بَلْ أَ حْ يَاء ٌ و َلـَكِنْ لا تَشْع ُر ُونَ{ ]البقرة) [١٥٤:ولا تقولوا( هذا عطف على ل َ ل فِي سَب ِي ِ
قال عز وجل} :و َلا تَق ُولُوا لم َِنْ يُقْت َ ُ
ِالصّ بْر ِ و َ
َالصّ لاة ِ{ ]البقرة) [١٥٣:ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الل ّٰه أموات( يعني :لا تقولوا: قوله من قبل} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا اسْ ت َع ِين ُوا ب َ
هم أموات مثل غيرهم من الأموات ,بل موتهم ذو صفة خاصة ،فهم ليسوا كغيرهم من الأموات ،وهذا هو المقصود من النهي هنا.
)بل أحياء( يعني :بل هم أحياء ،وأرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت كما جاء في صحيح مسلم.
)بل أحياء ولـكن لا تشعرون( أي :لا تعلمون ما هم فيه.
ففي هذه الآية ينهى الل ّٰه تعالى عباده المؤمنين أن يقولوا للشهداء :هم أموات ،بمعنى الذين تلفت نفوسهم وعدموا الحياة ،وتصرمت عنهم
اللذات ،وأصبحوا كالجمادات كما يتبادر من معنى الميت؛ ولذلك الإمام السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى في تفسيره لهذه الآية) :لا تقولوا لمن
يقتل في سبيل الل ّٰه أموات( يعني :لا تقولوا :هم أموات مثل غيرهم من الأموات) ،بل أحياء( يعني بل هم أحياء.
و يقول القاسمي :ينهى الل ّٰه تعالى عباده المؤمنين أن يقولوا للشهداء :أموات ،بمعنى لا تسووهم بالأموات ،لا تظنوا أنهم أموات كالأموات
الذين تلفت نفوسهم وعدموا الحياة ،وتصرمت عنهم اللذات ،وأضحوا كالجمادات ،كما يتبادر من معنى الميت ،و يأمرهم سبحانه بأن
تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن قُت ِلُوا فِي يقولوا لهم) :بل أحياء( بل قولوا :هم أحياء؛ لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ،كما قال تعالى في آل عمران} :و َلا َ
Shamela.org ٢٤٨
البقرة ][188 - 178 ١٣
الل ّه ِ أَ مْو َ ٌ
ات بَلْ ل َ ل فِي سَب ِي ِ
فقوله في هذه الآية الـكريمة في آل عمران) :بل أحياء عند ربهم( هذا تفسير لهذه الآية} :و َلا تَق ُولُوا لم َِنْ يُقْت َ ُ
أَ حْ يَاء ٌ و َلـَكِنْ لا تَشْع ُر ُونَ{ ]البقرة) ،[١٥٤:بل أحياء( نفهمها من قوله) :أحياء عند ربهم(.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى( ١٣.١
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى(
َاص فِي الْقَتْلَى{ ]البقرة) ،[١٧٨:كتب( أي :فرض )عليكم القصاص( قال تبارك وتعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ الْقِص ُ
القصاص مأخوذ من التتبع ،اقتص الأثر يعني :ٺتبعه ،أو من القطع؛ لأن الذي يقتص من الجاني يقطع منه مثلما قطع من المجني عليه،
أو من المساواة والمعادلة ،فأصل معنى القصاص العدل والتساوي والمساواة.
َاص(( أي :فرض عليكم المماثلة)) ،فِي الْقَتْلَى(( يعني :المساواة في القتلى ،والمراد في وصف القتلى ،يعني :من
))كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ الْقِص ُ
حيث الحر ية والإسلام وغير ذلك.
إذاً :القصاص في القتلى بمعنى المماثلة ،والسؤال الذي نريد أن نطرحه الآن :ما وجوه العدل والمساواة عند القصاص؟ في الوصف
وفي الفعل ،في الوصف يعني :لا يقتل الحر بالعبد ،بل كما قال الل ّٰه} :الْحُر ّ ب ِالْحُرِّ{ ]البقرة ،[١٧٨:وكذا المماثلة في الإسلام ،فلا يقتل
مسلم بكافر.
وتجب المماثلة بالفعل بأن يقتل القاتل بمثل ما قتل ،فيقتص منه بنفس الطر يقة التي قتل بها ذلك المقتول.
)والأنثى بالأنثى( وكذلك جاءت السنة بأن الذكر يقتل بها ،فقد )أمر النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم برض -أي :بدق -رأس يهودي بين
حجرين لرضه رأس جار ية( رواه الشيخان.
كذلك تعتبر المماثلة في الدين ،فلا يقتل مسلم ولو عبدا ً بكافر ،ولو حراً؛ لماذا؟ لأن للإسلام التميز ،والإسلام كمال ،والـكفر نقص ،فلا
يسوى بينهما ،فلا يقتل المسلم ولو عبدا ً بكافر ولو كان حراً ،لقول النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :لا يقتل مسلم بكافر( رواه البخاري.
وقوله بعد ذلك} :الْح ُر ّ ب ِالْحُرِ ّ و َالْعَبْد ُ ب ِالْعَبْدِ{ ليس شرحا ً لما تقدم ،ولا ربط بين قوله) :كتب عليكم القصاص( وبين ما أتى بعدها،
ْس ب َِالن ّ ْف ِ
س{ ]المائدة،[٤٥: وعلى هذا الأساس فالإمام أبو حنيفة رحمه الل ّٰه تعالى يجوز قتل المسلم بالكافر؛ أخذا ً بعموم قوله تعالىَ :
}الن ّف َ
Shamela.org ٢٤٩
البقرة ][188 - 178 ١٣
ْس ب َِالن ّ ْف ِ
س{ ]المائدة.[٤٥: ن َ
الن ّف َ وقوله} :وَكَتَب ْنَا عَلَيْه ِ ْم ف ِيهَا أَ َ ّ
أما جمهور العلماء فذهبوا إلى قوله تبارك وتعالى)) :الْح ُر ّ ب ِالْحُرِّ(( ،وقال الإمام أبو حنيفة :إن العلة في وجود كلمة) :الحر بالحر والعبد
بالعبد( ليس المقصود بها المساواة ،فيجوز أن يقتل الحر بالعبد أو المسلم بالكافر ،لـكن المقصود بها الرد على ما كان سائدا ً عند بعض
القبائل العربية ،فقد كان عندهم أن القبيلة إذا كانت في عز ومنعة وفرسان وقوة ،فقتل منهم عبد؛ فيأنفون أن يقتل به عبد مثله،
لـكن يقولون :لا يقتل العبد منا بعبد ونحن أشهر القبائل ،وأرفع القبائل ،وأعزها وأمنعها ،ولابد أن يقتل به حر ،وإذا قتلت منهم
امرأة فيقولون :لا نقبل قتل امرأة في مقابلها ،لـكن لابد أن يقتل بها رجل ،وإذا قتل منهم وضيع يقولون :لا نقبل في مقابلته إلا
شر يف ،وهكذا.
فلهذا أبو حنيفة يذهب إلى أن قوله تعالى} :الْحُر ّ ب ِالْحُرِ ّ و َالْعَبْد ُ ب ِالْعَبْدِ{ إشارة إلى إسقاط هذا المعنى الذي كان سائدا ً في بعض القبائل
العربية.
أما جمهور العلماء فقالوا :لا يقتل الحر بالعبد؛ لأن العبودية أثر من آثار الـكفر ،والعبد قد يكون مسلماً ،لـكن أصل سبب الاسترقاق هو
الـكفر ،فالذي جلب له الرق هو الـكفر ،فوجود هذا الأثر منقصة فيه ،فبالتالي لا يستوي مع الحر ،والحر لا يقتل إلا بالحر ،ولا يقتل
الحر بالعبد ،والأنثى بالأنثى ،وبينت السنة أن الذكر يقتل بالأنثى؛ لأنه تعتبر المماثلة في الدين ،ولابد أن يكون هناك اتفاق ومعادلة
وتساوي في الدين ،فلا يقتل المسلم بالكافر؛ لقول النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ألا لا يقتل مسلم بكافر( رواه البخاري.
]الحجرات ،[٩:فأثبت الإيمان مع وجود القتال} ،ف َأَ صْ لِحُوا بَيْنَهُم َا{ ]الحجرات ،[٩:ثم قال بعد ذلك}ِ :إ َن ّمَا ال ْمُؤْم ِن ُونَ ِإخْ وَة ٌ ف َأَ صْ لِحُوا بَيْنَ
أَ خَو َيْكُمْ{ ]الحجرات ،[١٠:كذلك صدر الآيات هنا بقوله) :يا أيها الذين آمنوا( فالخطاب للمؤمنين مع وقوع التقاتل بينهم ،ثم قال أيضاً:
)فَم َنْ عُفِ َي لَه ُ م ِنْ أَ خِيه ِ( مع وجود القتل لـكنه سماه أخاً ،فهذا يدل على بقاء أخوة الإيمان مع حصول هذه الـكبيرة.
)فَم َنْ عُفِ َي لَه ُ( يعني :من القاتلين) ،م ِنْ أَ خِيه ِ( أي :من دم أخيه المقتول) ،شَيْءٌ( يعني :بأن ترك القصاص منه ،وتنكير )شيء(
يفيد سقوط القصاص بالعفو من بعض الورثة ،يعني :إذا عفا بعض الورثة وبعضهم لم يعفو يسقط القصاص.
كذلك إذا عفي عن بعض القصاص يسقط كل القصاص ،فقوله) :فَم َنْ عُفِ َي لَه ُ م ِنْ أَ خِيه ِ شَيْءٌ( يفيد سقوط القصاص بالعفو عن
بعضه ،وبالعفو من بعض الورثة.
وفي ذكر )أخيه( تعطف داع إلى العفو ،وهذا من رحمة الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فإنه ذكر وصف الإخوة كي يعطف قلب الذي سيقتص
على قلب أخيه الجاني لعله يعفو عنه أو يرأف به ،وفيه إيذان بأن القتل لا يقطع أخوة الإيمان.
إذاً :فائدة التعبير بأخيه تعطف داع إلى العفو ،وإيذان بأن القتل لا يقطع أخوة الإيمان.
Shamela.org ٢٥٠
البقرة ][188 - 178 ١٣
Shamela.org ٢٥١
البقرة ][188 - 178 ١٣
والآن سنذكر نموذجا ً عمليا ً ونرى فعلا ً أن هذا القرآن مستحيل أن يكون كلام البشر أبداً ،ولا يقوى بشر على ذلك ،يقول القاسمي:
ص حَيَاة ٌ(( ،كيف يكون القصاص الذي هو قتل القاتل
كلام في غاية الفصاحة والبلاغة لما فيه من الغرابة)) ،و َلـَك ُ ْم فِي الْقِصَا ِ
وعرف القصاص ونك ّر الحياة،
ّ حياة؟ حيث جعل الشيء محل ضده ،فإن القصاص قتل وتفويت للحياة ،وقد جعل مكانا ًومرسا ًللحياة،
ص حَيَاة ٌ( ،وهذا يدل على أن في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة ،وذلك أنهم كانوا يقتلون
)و َلـَك ُ ْم فِي الْقِصَا ِ
بالواحد الجماعة ،وكم قتل مهلهل بأخيه حتى كاد يفني بكر بن وائل؟! كان يقتل بالمقتول غير قاتله كما يحصل الآن في الصعيد للأسف
الشديد من عادة الثأر ،يقتل القاتل فيقتلون رجلا ًمن العائلة يكون مواز يا ًللمقتول في الوجاهة الاجتماعية أو غير ذلك من الأمور.
فهذا من آثار الجاهلية والعياذ بالل ّٰه ،فيجب أن يقتل القاتل ،وليس بهذه الطر يقة الفوضو ية الجاهلية التي نراها في الصعيد.
يقول :وكان يقتل بالمقتول غير قاتله فتثور الفتنة ،و يقع بينهم التناحر ،فلما جاء الإسلام بشرع القصاص كانت فيه حياة أي حياة!
وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل؛ لأن القاتل يمتنع من القتل ،فإذا أراد أن يقتل ،عرف
أنه يقتل ،فيرتدع و ينزجر.
))لَع َل ّـك ُ ْم ٺَت ّق ُونَ(( يعني :أن تقتلوا ،فإذا انكف القاتل عن القتل ماذا يحصل؟ يحيا هو و يحيا الذين كان يريد أن يقتلهم ،فهي حياة له
ولهؤلاء؛ لأنه إذا هم بالقتل فعلم أنه يقتص منه ارتدع فسلم صاحبه من القتل وسلم هو من القود ،والقود هو القصاص؛ سمي بذلك
لأن القاتل كان يقاد بحبل إلى أن يقتص منه ،فالقصاص سبب حياة نفسين.
Shamela.org ٢٥٢
البقرة ][188 - 178 ١٣
Shamela.org ٢٥٣
البقرة ][188 - 178 ١٣
يقول :نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا تطيق إطلاقها ،ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي
كالمقيدة.
ص حَيَاة ٌ(.
إذاً :هذا الفرق أيضا ًمن حيث اللغة ،فالقتل أنفى للقتل غير )و َلـَك ُ ْم فِي الْقِصَا ِ
العاشر :أن المثل كالمتناقض من حيث الظاهر؛ لأن الشيء لا ينفي نفسه ،فقولهم :القتل أنفى للقتل ،هل الشيء ينفي نفسه؟! الشيء
لا ينفي نفسه ،فهذا فيه تناقض من حيث الظاهر.
الحادي عشر :سلامة الآية من تكرير القاف ،وبعدها عن غنة النون.
تفسير قوله تعالى) :كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت( ١٣.٣
َب ِإن ِ ّي لم َِا أَ نزَل ْتَ ِإل َيّ م ِنْ خَيْرٍ فَق ِير ٌ{
]البقرة ،[٢٧٢:المقصود به المال ،وكذلك قول موسى عليه السلام كما حكاه الل ّٰه تبارك وتعالى} :ر ِّ
]القصص [٢٤:فالمقصود بالخـير المال.
))إ ْن ت َرَك َ خَيْر ًا ال ْوَص َِي ّة ُ(( إشارة إلى إن المال الذي تحصل الوصية به ما كان مجموعا ً من وجه حلال محمود ،فهذا هو الذي
وقولهِ :
يسمى خيراً ،فإن المال لا يقال له خير إلا إذا كان كثيرا ً ومن مكان طيب ،فالمال الذي يكون خيرا ً و يوصف بكلمة خير لابد أن يكون
كثيرا ً ووفيرا ً وليس مالا ًقليلاً ،ومن مكان طيب ،أي :من مصدر حلال ،فهذا هو الذي يوصف بالخـير ،لـكن مال قليل من مصدر
حلال أو مال كثير من مصدر غير طيب لا يسمى خيراً.
))إ ْن ت َرَك َ خَيْر ًا(( فيه إشارة إلى أن الإنسان إذا أٺته علامات الموت أو أمارات الموت وليس عنده مال كثير،
فقوله تعالى هناِ :
وورثته فقراء ،فهذا لا يدخل في الأمر بالوصية هنا ،إنما الوصية لمن ترك مالا ًوفيراً.
))إ ْن ت َرَك َ خَيْر ًا ال ْوَص َِي ّة ُ(( )خيراً( يعني :مالاً) ،الوصية( وهو مرفوع بِكُت ِب ،وتقدير الكلام :كتب عليكم الوصية إذا حضر أحدكم
ِ
الموت ،يعني :وقت حضور الموت) ،إن ترك خيرا ً الوصية( يعني :فليوص.
ُوف(( يعني :بالعدل ،ولا يكون عدلا ًإلا إذا لم يزد عن الثلث ،ولم يفضل الغني.
))لِل ْوَالِدَي ْ ِن و َالأَ ق ْر َبِينَ ب ِال ْمَعْر ِ
وهذا الجزء من سورة البقرة حافل بالأحكام الشرعية الـكثيرة جداً ،فنحن نكتفي بهذه الإشارات العابرة ونرجو أن تفصل في أوقات
أخرى.
الوصية تكون -كما ذكرنا -لمن ترك مالا ًكثيرا ً وورثته أغنياء ،فيوصي بالثلث ولا يزيد على الثلث ،واستحب بعض العلماء أن يقلل عن
الثلث كما نصح النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الل ّٰه تعالى عنه ،وأيضا ًلا يفضل الغني في إعطاء الوصية.
)حقا ًعلى المتقين( مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله.
)على المتقين( يعني :على المتقين الل ّٰه ،الذين يتقون الل ّٰه.
Shamela.org ٢٥٤
البقرة ][188 - 178 ١٣
وقوله)) :كُت ِبَ عَلَيْكُمْ(( يعني :فرض ،وهذا الحكم منسوخ ،وهذا الموضع أوضح نموذج يدل على جواز نسخ القرآن بالسنة ،فإن هذه
الآية منسوخة بقوله صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم) :إن الل ّٰه أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث( والوارث هو الذي أنزل الل ّٰه
سبحانه وتعالى فر يضته في القرآن الـكريم كما في سورة النساء ،فقد أعطى الل ّٰه سبحانه وتعالى كل ذي حق حقه ،فما دام الشخص يرث
فليس له نصيب في الوصية ،وهذا البلاء الآن منتشر للأسف بسبب جهل الناس ،تجد الرجل يوصي لأولاده الذكور دون الإناث،
ولا ينبغي أن يوصي للورثة ولو للذكور والإناث ،والعطاء في حال الحياة هبة ،أما أن يقول :إذا مت فأعطوا فلانا ً كذا من أولاده
فهذه وصية ،والوصية لا تجوز للوارث؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى قد أعطى هذا الوارث حقه بآيات الفرائض المعروفة في سورة النساء.
إذاً :الوصية تكون لغير الوارثين ،فيعطي -مثلاً -الأقارب الذين لا يرثون مثل أولاد ابنه المتوفى أو غيرهم من أقربائه ،و يجوز أن يوصي
إلى جهة من جهات الخـير مثل ملاجئ أيتام مستشفيات وغير ذلك من الأعمال الخـير ية.
ووجوب الوصية منسوخ بآيات الميراث ،و بحديث) :لا وصية لوارث( رواه الترمذي وقال :حديث حسن صحيح.
تفسير قوله تعالى) :فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه( ١٣.٤
تفسير قوله تعالى) :فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه(
قال تعالى} :فَم َنْ ب َ ّدلَه ُ بَعْد َ م َا سَمِع َه ُ{ ]البقرة [١٨١:يعني :من بدل الإيصاء من شاهد أو وصي.
)بعد ما سمعه( يعني :بعد ما علمه.
}ف َِإ َن ّمَا ِإثْمُه ُ{ ]البقرة [١٨١:أي :إثم الإيصاء المبدل.
ن يُب َ ّدِلُونَه ُ{ ]البقرة ،[١٨١:السياق كان يقتضي أن يقال :فإنما إثمه عليهم ،أي :على الذين سبق ذكرهم في قوله)) :فَم َنْ ب َ ّدلَه ُ((،
}عَلَى ال َ ّذ ِي َ
لـكنه أقام الظاهر مقام المضمر إشارة إلى جريمتهم بالتبديل ،وأنها التي تستوجب عقوبتهم كما سيأتي.
الل ّه َ سَم ِيعٌ{ ]البقرة [١٨١:لقول الموصي.
ن َ ِ}إ َ ّ
}عَل ِيم ٌ{ ]البقرة [١٨١:بفعل الوصي فمجاز عليه ،و يترتب على أن الل ّٰه سميع عليم أنه سيجاز يه.
خفْتُم ْ أَ َلّا ت ُ ْق ِ
سط ُوا فِي ال ْيَتَام َى{ ص جَنَف ًا{ ]البقرة [١٨٢:أحيانا ً يطلق الخوف على العلم ،مثل قوله تعالى} :و َِإ ْن ِ
َاف م ِنْ م ُو ٍ
}فَم َنْ خ َ
]النساء [٣:أي :إن علمتم ،كذلك هنا) :فمن خاف( يعني :توقع أو علم ،تقول مثلاً :أخاف أن تمطر السماء ،يعني :أتوقع وأظن أن
تمطر ،فالتوقع والظن الغالب الجاري مجرى العلم يطلق عليه الخوف.
)فمن خاف من مُوْصٍ( أو )من م ُو َّصٍ( قراءتان.
)جنفاً( يعني :ميلا ًعن الحق خطأً ،فالجنف هو الميل عن الحق عن طر يق الخطأ لا العمد.
)أو إثماً( بأن تعمد ذلك بالز يادة على الثلث أو تخصيص غني مثلاً.
)فأصلح بينهم( يعني :أصلح بين الوصي والموصى له بالأمر بالعدل ،وهذا الإصلاح يترتب عليه تبديل الوصية؛ لأن الوصي مال عن
الحق خطأ أو أَ ثِم بتعمد الجور والظلم في الوصية.
)فمن خاف من موص جنفا ًأو إثما ًفأصلح بينهم( بين الوصي والموصى له عن طر يق إقامة العدل بينهم.
}فَلا ِإثْم َعَلَيْه ِ{ ]البقرة [١٨٢:أي :لا يأثم بهذا التبديل ،بل هذا من فروض الـكفاية ،فيجب على المسلمين أن يتصدوا لمن يوصي وصية
جائرة بأن يصلح بينهم بإقامة العدل وهو شرع الل ّٰه سبحانه وتعالى.
الل ّه َ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ{
ن َ )فأصلح بينهم فلا إثم عليه( أي :في ذلك التبديل لماذا؟ لأنه بدل الباطل بالحق الذي يوافق شرع الل ّٰه}ِ ،إ َ ّ
]البقرة.[١٨٢:
Shamela.org ٢٥٥
البقرة ][188 - 178 ١٣
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام إن كنتم تعلمون( ١٣.٥
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام إن كنتم تعلمون(
الصيَام ُ كَمَا كُت ِبَ عَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ قَبْل ِـكُمْ{ ]البقرة) [١٨٣:كتب( يعني :فرض عليكم قال عز وجل} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ ِّ
الصيام.
)كما كتب( كما فرض على الذين من قبلـكم ،يعني :لستم وحدكم من الأمم في هذه الفر يضة.
}لَع َل ّـك ُ ْم ٺَت ّق ُونَ{ ]البقرة [١٨٣:أي :المعاصي؛ لأن الصيام يكسر الشهوة الباعثة إلى المعاصي.
قال تعالى} :أَ َي ّام ًا مَعْد ُود ٍ
َات{ ]البقرة [١٨٤:نصب بالصيام أو يقدر :صوموا أياما ًمعدودات.
)معدودات( أي :قلائل أو مؤقتة بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي ،وقلله تسهيلا ً على المكلفين ،يعني :في كل السنة تصوم شهرا ً
واحداً ،لذلك قال) :أَ َي ّام ًا مَعْد ُود ٍ
َات( ،رحمة وتسهيلا ًعلى المكلفين وتخفيفاً.
}فَم َنْ ك َانَ مِنْكُمْ{ ]البقرة [١٨٤:يعني :حين شهود شهر رمضان.
سفَرٍ{ ]البقرة [١٨٤:أي :مسافرا ً سفر القصر ،وأجهده الصوم في الحالين المرض أو السفر فأفطر }ف َع ِ َ ّدة ٌ م ِنْ أَ َي ّا ٍم ُأخَر َ{
}مَر ِيضًا أَ ْو عَلَى َ
]البقرة) [١٨٤:عدة( يعني :فعليه عدة ما أفطر ،يعني :نفس العدد الذي أفطره يقضيه.
)من أيام أخر( يعني :يصوم هذا بدله.
}و َعَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن يُط ِيق ُونَه ُ{ ]البقرة [١٨٤:يعني :وعلى الذين لا يطيقونه لـكبر أو مرض لا يرجى برؤه )مرض مزمن(.
سكِينٍ{ ]البقرة [١٨٤:يعني :فدية هي طعام مسكين ،يعني :قدر ما يأكله المسكين في اليوم ،وفي قراءة بإضافة )فدية(
}فِدْيَة ٌ َطع َام ُ م ِ ْ
وهي للبيان.
وقيل) :لا( غير مقدرة في قوله} :و َعَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن يُط ِيق ُونَه ُ{ ]البقرة ،[١٨٤:فنحن قلنا :التقدير :وعلى الذين لا يطيقونه لـكبر أو مرض
مزمن فدية طعام مسكين ،وقيل) :لا( غير مقدرة ،وكانوا مخـيرين في صدر الإسلام بين الصوم والفدية ،ثم نسخ التخيير بتعيين الصوم
بقوله} :فَم َنْ شَهِد َ مِنْكُم ُ ال َش ّهْر َ فَل ْي َ ُ
صمْه ُ{ ]البقرة ،[١٨٥:قال ابن عباس :إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا ً على الولد فإنها باقية بلا
نسخ في حقهما.
}فَم َنْ تَطَ َو ّعَ خَيْر ًا{ ]البقرة [١٨٤:يعني :بالز يادة على القدر المذكور في الفدية ،بدل أن يخرج مدا ً أخرج صاعاً.
)فهو خير له( أي :التطوع خير له وأفضل.
}و َأَ ْن تَصُوم ُوا خَيْر ٌ لـَكُمْ{ ]البقرة) [١٨٤:أن تصوموا( مبتدأ مصدر مؤول من أن والفعل ،وخبره )خير لـكم( ،والتقدير :وصيامكم خير
لـكم من الإفطار والفدية.
ِ}إ ْن كُنتُم ْ تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [١٨٤:أنه خير لـكم فصوموا تلك الأيام.
تفسير قوله تعالى) :شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن( ١٣.٦
تفسير قوله تعالى) :شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن(
قال تعالى} :شَهْر ُ رَمَضَانَ ال َ ّذ ِي ُأنز ِ َ
ل ف ِيه ِ الْقُر ْآنُ{ ]البقرة [١٨٥:يعني :من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر منه.
}هُدًى ل ِ َلن ّاسِ{ ،هدى حال ،أي :هاديا ًمن الضلالة.
ات{ أي :آيات واضحات.
}و َبَي ِّن َ ٍ
ن ال ْهُد َى{ مما يهدي إلى الحق من الأحكام.
}م ِ َ
Shamela.org ٢٥٦
البقرة ][188 - 178 ١٣
}و َالْفُر ْقَانِ{ يعني :ومن الفرقان الذي يفرق به بين الحق والباطل.
سفَرٍ ف َع ِ َ ّدة ٌ م ِنْ أَ َي ّا ٍم ُأخَر َ{ تقدم تفسيره }فَم َنْ شَهِد َ مِنْكُم ُ{ يعني :من حضر ولم يكن مسافراً} ،ال َش ّهْر َ فَل ْي َ ُ
صمْه ُ وَم َنْ ك َانَ مَر ِيضًا أَ ْو عَلَى َ
في الآية السابقة ،فلماذا كرر؟ كرر لئلا يتوهم نسخه بتعميم )فمن شهد(؛ لأنه قد يتوهم أن قوله تبارك وتعالى} :فَم َنْ شَهِد َ مِنْكُم ُ ال َش ّهْر َ
صمْه ُ{ يعني :كلـكم يجب أن تصوموا حتى لو كنتم مرضى أو مسافرين ،فكرر الل ّٰه سبحانه وتعالى هذه الرخصة للمر يض وللمسافر لأنه
فَل ْي َ ُ
تفسير قوله تعالى) :وإذا سألك عبادي عني فإني قريب( ١٣.٧
تفسير قوله تعالى) :أحل لـكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم( ١٣.٨
تفسير قوله تعالى) :أحل لـكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم(
الصيَا ِم َ
الر ّف َثُ ِإلَى نِس َائِكُمْ{ ]البقرة) [١٨٧:الرفث( بمعنى :الإفضاء ،والإفضاء يعدى بإلى ،أما الرفث قال تعالىُ } :أ ِ
ح َّ
ل لـَك ُ ْم لَيْلَة َ ِّ
َ
)الر ّف َثُ ِإلَى نِس َائِكُمْ( يعني :بالجماع. فيعدى بالباء ،يقال :رفث بالمرأة ،لـكن لأن الرفث هنا بمعنى الإفضاء عداه بإلى فقال:
Shamela.org ٢٥٧
البقرة ][188 - 178 ١٣
ل فِي الْح َ ِجّ { ]البقرة ،[١٩٧:وكنى به هنا عن الجماع ،وسنة الل ّٰه
جد َا َ
والرفث أصله قول الفحش ،قال الل ّٰه} :فَلا ر َف َثَ و َلا فُس ُوقَ و َلا ِ
سبحانه وتعالى التكنية عما يستقبح ذكره صر يحا ً كقوله تعالى} :فَلَم ّا تَغ َ َ ّ
شاه َا{ ]الأعراف ،[١٨٩:وكقوله تبارك وتعالى} :ف َأْ تُوا حَرْثَك ُ ْم
أَ َن ّى ِ
شئ ْتُم ْ{ ]البقرة.[٢٢٣:
الصيَا ِم َ
الر ّف َثُ ِإلَى نِس َائِكُمْ(( ،نزل نسخا ًلما كان في صدر الإسلام من تحريمه ،وتحريم الأكل والشرب بعد العشاء )) ُأ ِ
ح َّ
ل لـَك ُ ْم لَيْلَة َ ِّ
أو إذا نام قبل ذلك ،فقد كان الإنسان إذا تعشى يحرم عليه بعد ذلك المفطرات بقية الليل ،أو إذا نام قبل أن يتعشى فلا يحل له أن
يأتي شيئا ًمن المفطرات أيضا ًفي الليل ،كما حصل لـ قيس بن صرمة فغشي عليه نصف النهار من الجوع إذ تأخرت امرأته في تحصيل
الطعام وغابت عنه ساعات ،فلما رجعت وهو نائم قالت له :خيبة لك! فصام اليوم الثاني ولم يكن قد أفطر في اليوم السابق ولا تسحر،
فغشي عليه في نصف النهار ،رواه البخاري.
اس لَه َُنّ { هذا كناية عن تعانقهما أو احتياج كل منهما إلى صاحبه، الر ّف َثُ ِإلَى نِس َائِك ُ ْم ه َُنّ لِب َ ٌ
اس لـَك ُ ْم و َأَ ن ْتُم ْ لِب َ ٌ الصيَا ِم َ } ُأ ِ
ح َّ
ل لـَك ُ ْم لَيْلَة َ ِّ
يقول الراغب :جعل اللباس كناية عن الزوج لـكونه سترا ً لنفسه ولزوجه أن يظهر منهما سوء.
فالمفروض أن الزوج يستر امرأته وهي أيضا ًتستره ،فكل منهما لباس بمعنى أنه يستر الآخر كما أن الملابس تستر البدن ،فكل منهما ينبغي
أن يكون سترا ً للآخر ،فلا يكشف عيبه ،ولا يفشي سره ،ولا يظهر أي عيب فيه ،كما أن اللباس ستر يمنع أن يبدو منه السوءة ،وعلى
ذلك كني عن المرأة بالإزار ،فوصفت بأنها إزار الرجل لأنها تستره.
وأيضا ًسمي النكاح حصنا ًلـكونه حصنا ًلذو يه من تعاطي القبيح ،والمحصن أحيانا ًيأتي بمعنى المتزوج.
إذاً :المعنى) :هن لباس لـكم( يعني :أنتم تسترونهن وهن يسترنكم ،وهذا ألطف من قول بعضهم :شبه كل واحد من الزوجين لاشتماله
على صاحبه في الضم باللباس المشتمل على لابسه.
قال الزمخشري :فإن قلت :ما موقع قوله)) :ه َُنّ لِب َ ٌ
اس لـَكُمْ((؟ قلت :هو استئناف كالبيان لسبب الإحلال ،يعني :أشار بهذا التعبير
إلى الحكمة من أن الل ّٰه سبحانه وتعالى أحل لهم الرفث إلى النساء في ليالي رمضان بعد أن كان قد حرم عليهم؛ لأنه إذا كانت بينكم
الل ّه ُ
وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة قل صبركم عنهن ،وصعب عليكم اجتنابهن؛ فلذلك رخص لـكم في مباشرتهن ،ولذلك قال} :عَل ِم َ َ
أَ َن ّك ُ ْم كُنتُم ْ َ
تخ ْتَانُونَ أَ نفُسَكُمْ{ ،اختيان النفس هو نزوعها إلى رغبتها ،ومنه قولهم :خانته رجلاه ،إذا لم يقدر على المشي.
أي :علم الل ّٰه أنكم كنتم تختانون أنفسكم لو لم يحل لـكم ذلك ،علم الل ّٰه أنه إذا لم يبح لـكم هذا فإنكم كنتم سوف تختانون أنفسكم ،فأحله
رحمة بكم ولطفاً.
وفي الاختيان وجه آخر وهو أنه عنى به مخالفة الحق بنقض العهد ،أي :كنتم تظلمونها بتعر يضها للعقاب لو لم يحل ذلك لـكم ،قالوا:
والاختيان أبلغ من الخيانة ،ففيه ز يادة وشدة.
الل ّه ُ أَ َن ّك ُ ْم كُنتُم ْ َ
تخ ْتَانُونَ أَ نفُسَكُمْ{ أي :تخونون أنفسكم بالجماع ليلة الصيام ،وقد وقع ذلك لـ عمر وغيره كما رواه أحمد وابن أبي حاتم }عَل ِم َ َ
بسند حسن وغيرهم ،واعتذروا إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
وإذا صح هذا فعلى العين والرأس ،وإن لم يصح فيكون المعنى :علم الل ّٰه أنكم كنتم تختانون أنفسكم لو لم يبح لـكم ذلك ،لشدة ومشقة ذلك
عليكم.
}فَتَابَ عَلَيْكُمْ{ أي :قبل توبتكم.
}وَعَف َا عَنْكُمْ{ يعني :إذ أحل لـكم إتيانهن.
}فَالآنَ ب َاشِر ُوه َُنّ { أي :جامعوهن.
}و َاب ْت َغ ُوا{ هذا الأمر على الإباحة ليس على الإ يجاب؛ لأنه سبقه حظر ،ومعنى )و َاب ْت َغ ُوا( أي :اطلبوا.
Shamela.org ٢٥٨
البقرة ][188 - 178 ١٣
معنى قوله تعالى) :وكلوا واشربوا حتى يتبين لـكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر( ١٣.٨.٢
معنى قوله تعالى) :وكلوا واشربوا حتى يتبين لـكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر(
قوله تعالى} :وَك ُلُوا و َاشْر َبُوا{ أي :الليل كله ،وهذا الأمر على الإباحة ،والمعنى :وكلوا واشربوا الليل كله ،فهو مباح لـكم.
}ح ََت ّى يَتَبيَ ّنَ{ أي :يظهر.
ن الْف َجْ رِ{ يعني :من الفجر الصادق ،أي :وكلوا واشربوا حتى يتبين لـكم الخيط الأبيض من
ن الْخيَ ْطِ الأَ سْ وَدِ م ِ َ
}لـَكُم ُ الْخيَ ُْط الأَ ب ْي َُض م ِ َ
الفجر الصادق من الخيط الأسود من الليل ،فقوله) :من الفجر( متعلق بالخيط الأبيض ،وحذف )من الليل( المتعلق بالخيط الأسود.
شبه ما يبدو من البياض وما يمتد معه من الغبش بخيطين أبيض وأسود في الامتداد.
ل{ أي :ثم أتموا الصيام من الفجر إلى الليل ،ولابد من تقدير كلمة )من الفجر( إلى الليل ،وما الدليل على
الل ّي ْ ِ }ث َُم ّ أَ ت ُِم ّوا ِّ
الصيَام َ ِإلَى َ
تقدير )من الفجر(؟ الدليل ما قبلها) :حتى يتبين لـكم( ،وقوله) :إلى الليل( يعني :إلى دخول الليل بغروب الشمس.
}و َلا تُبَاشِر ُوه َُنّ { أي :نساؤكم.
جدِ{ ،وهذا نهي لمن كان يخرج وهو
كف ُونَ{ المقصود هنا الوطء) ،وأنتم عاكفون( يعني :مقيمون بنية الاعتكاف }فِي ال ْمَسَا ِ
}و َأَ ن ْتُم ْ عَا ِ
معتكف فيجامع امرأته و يعود ،وهذا لا يحل في الاعتكاف لا في الليل ولا في النهار.
الل ّهِ{ تلك الأحكام المذكورة حدود الل ّٰه حدها لعباده ليقفوا عندها.
ك حُد ُود ُ َ
}تِل ْ َ
}فَلا تَقْر َبُوه َا{ ،هذا أبلغ من )لا تعتدوها( في هذا الموضع؛ لأنه إذا نهى عن الاقتراب فمن باب أولى أن ينهى عن التعدي.
ك يُبَې ِ ّنُ{ يعني :بين لـكم ما ذكر.
}كَذَل ِ َ
س لَع َل ّه ُ ْم يَت ّق ُونَ{ يعني :يتقون محارمه.
الل ّه ُ آي َاتِه ِ ل ِ َلن ّا ِ
ك يُبَې ِ ّنُ َ
}كَذَل ِ َ
Shamela.org ٢٥٩
البقرة ][188 - 178 ١٣
Shamela.org ٢٦٠
البقرة ][188 - 178 ١٣
وهو إرسال الدلو في البئر للاستقاء ،ثم استعير لكل إلقاء قول أو فعل يتوصل به إلى شيء ،فكل من ألقى شيئا ً ليتوصل به إلى شيء
يقال :قد أدلى ،ومنه يقال للمحتج الذي يحتج و يقيم الحجة :أدلى فلان بحجته ،كأنه يرسل الحجة حتى يصل إلى مراده ،كإدلاء المستقي
الدلو ليصل إلى مطلوبه من الماء ،وفلان يدلي إلى الميت بقرابة أو رحم إذا كان منتسبا ً إليه؛ فيطلب الميراث بتلك النسبة ،يدلي إليه
بقرابة ،فكأنه اتخذ من هذه القرابة سببا ًيوصله إلى حقه من الميراث.
والباء في قوله) :وتدلوا بها( صلة الإدلاء ،والمعنى :لا تلقوا أمرها والحكومة بها إلى الحكام ،أو لا تلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه
الرشوة ليعينوكم على اقتطاع أموال الناس) ،وقد لعن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش -وهو الواسطة الذي يمشي
بينهما (-رواه أهل السنن ،وذلك لأن ولي الأمر إذا أكل هذا السحت -وهي :الرشوة ،وتسمى أحيانا ًبالهدية ،والإكرامية ،والقهوة-
احتاج أن يسمع الـكذب من شهادة الزور وغيرها مما فيه إعانة على الإثم والعدوان.
وولي الأمر إنما جعل ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ،هذا مقصود الولاية ،وإذا كان الوالي يمكن من المنكر بمال يأخذه كان قد أتى
بضد المقصود ،مثل من نصبته ليعينك على عدوك فأعان عدوك عليك ،وبمنزلة من أخذ مالا ًليجاهد به في سبيل الل ّٰه فقاتل المسلمين،
فالحاكم أو القاضي إنما جعل ليقيم العدل بين الناس ،وليحمي الناس من ظلم بعضهم لبعض ،فإن كان ظالما ًفقد أتى بضد المقصود من
ولايته ،فيكون مثل من نصبته ليعينك على عدوك فأعان عدوك عليك.
))و َتُدْلُوا بِهَا ِإلَى الْح ُ َ ّ
كا ِم(( )بها( الهاء تعود إلى الحكومة ،وكلمة حكومة معناها في مثل هذا السياق وفي كلام السلف ليس المعنى
السياسي الذي يتبادر الآن إلى أذهاننا ،بل المعنى رفع الدعوة إلى القاضي ،هذه تسمى حكومة.
))و َتُدْلُوا بِهَا(( يعني :بهذه الحكومة والدعوة ،وترفعونها إلى القضاء.
))إلَى الْح ُ َ ّ
كا ِم(( جمع حاكم ،وهو منفذ الحكم بين الناس. ِ
Shamela.org ٢٦١
البقرة ][188 - 178 ١٣
Shamela.org ٢٦٢
البقرة ][195 - 189 ١٤
المحتال وزره ،ولهذا قال تعالى في آخر الآية} :و َأَ ن ْتُم ْ تَعْلَم ُونَ{ أي :تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجونه في كلامكم.
قال قتادة :اعلم -يا ابن آدم -أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ًولا يحق لك باطلاً ،وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود،
والقاضي بشر يخطئ و يصيب ،واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض.
يعني :القضاء حسم الخصومة في الدنيا فقط ،ولـكنها ستحسم يوم القيامة ،فليس كل ما تقدر عليه بحكم قاضي أو بسلطة أو بغير ذلك
يكون حلالا ًلك ،إنما الحلال ما أحله الل ّٰه.
يقول :واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الل ّٰه بينهما يوم القيامة فيقضي على المنكر للحق بأجود مما قضي به
للمبطل على المحق في الدنيا.
الل ّه َ لَع َل ّـك ُ ْم تُفْلِحُونَ{ ]البقرة ،[١٨٩:يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :يسألونك( يعني :يا محمد صلى
َات ّقَى و َأْ تُوا ال ْبُي ُوتَ م ِنْ أَ ب ْوَابِهَا و ََات ّق ُوا َ
الل ّٰه عليه وسلم.
)عن الأهلة( جمع هلال ،لم تبدو دقيقة ثم تزيد حتى تمتلئ ثم تعود كما بدأت ولا تكون على حالة واحدة كالشمس؟! )قل هي
مواقيت( يعني :قل لهم :هي مواقيت ،جمع ميقات.
)للناس( يعني :يعلمون بها أوقات زرعهم ومتاجرهم وعدد نسائهم.
العدد جمع عدة ،أي :ليحصوا عدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها ،وصيامهم وإفطارهم.
)والحج( الحج يدخل فيما سبق لـكن الل ّٰه سبحانه وتعالى أفرد الحج بالذكر لبيان شرفه وفضيلته على ما عداه من الأعمال.
)قل هي مواقيت للناس والحج( عطف على الناس ،أي :ليعلم بها وقت الحج ،فلو استمرت على حالة واحدة لم يعرف ذلك.
)وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها( يعني :في الإحرام ،بأن تنقبوا فيها نقبا ً تدخلون منه وتخرجون ،وتتركوا الباب ،وهم ناس
من الأنصار كانوا يفعلون ذلك ويزعمونه براً.
)ولـكن البر( يعني :ولـكن ذا البر )من اتقى( يعني :الذي يتقي الل ّٰه بترك مخالفته.
)وأتوا البيوت من أبوابها( يعني :في الإحرام وغيره ،يعني :في حالة الإحرام كغير الإحرام ائتوا البيوت من أبوابها.
)واتقوا الل ّٰه لعلـكم تفلحون( أي :تفوزون.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال :بلغنا أنهم قالوا :يا رسول الل ّٰه! لم خلقت الأهلة؟ فنزلت هذه الآية.
وروى أبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما قال :نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة قالا :يا رسول الل ّٰه! ما بال
الهلال يطلع دقيقا ًمثل الخيط ،ثم يزيد حتى يعظم ويستدير ،ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان ،ولا يكون على حال واحدة؟
يعني :لماذا القمر تعتر يه هذه التغييرات ز يادة ونقصانا ًفي حين الشمس تكون ثابتة على حال واحدة؟ فنزلت هذه الآية.
Shamela.org ٢٦٣
البقرة ][195 - 189 ١٤
Shamela.org ٢٦٤
البقرة ][195 - 189 ١٤
إلا ويستهل صارخا ً إلا ابن مريم وأمه(؛ وذلك استجابة لدعوة امرأة عمران وهي أم مريم عليها السلام حينما قالت} :و َِإن ِ ّي ُأعِيذ ُه َا
ِيم{ ]آل عمران ،[٣٦:فيثبت النبي عليه الصلاة والسلام أن كل مولد يولد يطعنه الشيطان في خاصرته؛ ن َ
الر ّج ِ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ ك وَذُرّ َِي ّتَهَا م ِ َ
بِ َ
إعلانا ً له بالعداوة من أول لحظة ،وأنه سيتلقاه بالعداوة كما عادى أبو يه من قبل ،فهذا إعلان لعداوته له من أول لحظة ينزل فيها إلى
الدنيا ،فهذا لا يمكن أن يصل إليه العلم البشري ،فلذلك تكفل الل ّٰه سبحانه وتعالى بإ يحائه إلى نبيه عليه الصلاة والسلام.
أما تفسيرات الظواهر الموجودة والمبثوثة في الآفاق وفي الـكون وفي أنفسنا فتركت لأهل الدنيا يكتشفونها ويتحدثون عنها ،أما الشرع
فلا يهمه تفسير الهلال لماذا ينقص ويزيد وغير ذلك ،فإنما يهمه الحكمة من وراء ذلك والغاية.
فذكر أن الغاية هي أن ذلك مواقيت للناس والحج.
يقول :فلو أجيبوا بأن اختلاف تشكلات الهلال بحسب محاذاته للشمس فإذا حاذاها طرف منه استنار ذلك الطرف ،ثم تزداد المحاذاة
والاستنارة حتى إذا تمت بالمقابلة امتلأ ،ثم تنقص المحاذاة والاستنارة حتى إذا حصل الاجتماع أظلم بالكلية؛ لكان هذا الجواب
اشتغالا ً بعلم الهيئة الذي لا ينتفع به في الدين ولا يتعلق به صلاح معاشهم ومعادهم ،والنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم إنما بعث لبيان ما
يصلح ديننا ودنيانا.
وقد روي أن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :من اقتبس علما ً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد( أخرجه الإمام أحمد
وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما.
وقال علي رضي الل ّٰه عنه :من طلب علم النجوم تكهن.
وهو من العلم الذي قال فيه رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :علم لا ينفع وجهل لا يضر( وإن كان لا يصح هذا الحديث.
Shamela.org ٢٦٥
البقرة ][195 - 189 ١٤
على أي حال هذا أسلوب من الأساليب الحسنة في الجواب ،إشعارا ً بأن الأولى السؤال عن الحكمة فيه وليس عن كيفية تشكله،
ونظيره عند العرب أن شاعرا ً أٺته امرأته تشكو إليه من كثرة الضيفان وقرى الأضياف ،ونحتاج إلى الاستشهاد بهذه الأشعار؛ لأن
القرآن نزل بلغة العرب ،يقول الشاعر :أتت تشتكي عندي مداولة القرى وقد رأت الضيفان ينحون منزلي فقلت كأني ما سمعت كلامها
هم الضيف جدي في قراهم وعجلي فلم يجبها فيما شكت إليه ،وانتقل إلى ما يفيد و يجدي.
ل{ ك م َاذ َا يُنفِق ُونَ قُلْ م َا أَ نفَقْتُم ْ م ِنْ خَيْرٍ فَلِل ْوَالِدَي ْ ِن و َالأَ ق ْر َبِينَ و َال ْيَتَام َى و َال ْمَسَاكِينِ و َاب ْ ِن ال َ ّ
سب ِي ِ وكما قال أيضا ً تبارك وتعالى} :يَسْأَ لُون َ َ
]البقرة ،[٢١٥:سألوا عن بيان الشيء الذي يخرجونه ،فأجيبوا ببيان المصرف الذي ينفقونه؛ لأن هذا هو الذي يفيدهم ،فينزل سؤال
السائل منزلة غير سؤاله لتوخي التنبيه له بألطف وجه على موضع سؤال هو أليق بحاله أن يسأل عنه ،أو هو أهم له إذا تأمله ،وهذا
بلا شك :ينشط السامع إلى ما سمعه ،وهذا الأسلوب الحكيم لربما طابق المقام فحرك من نشاط السامع ما سلبه حكم الوقوف ،وأبرزه
في معرض المذكور ،وهل ألان شكيمة الحجاج في ذلك الخارجي ،وسل سخيمته حتى آثر أن يحسن على أن يسيء ،غير أن سحره بهذا
الأسلوب؟ إذ توعده الحجاج بالقيد في قوله :لأحملنك على الأدهم ،فقال متغاضيا ً-أي :الرجل قالها بصيغة التغاضي :-مثل الأمير يحمل
على الأدهم والأشهب! فـ الحجاج كان يتهدده أنه يركبه على الفرس الأدهم ،و يطاف به في الأسواق ،وهذا أسلوب من أساليب المعاقبة
من قبل.
فالرجل تغاضى عن ذلك وسحر الحجاج بأسلوبه حينما لجأ إلى هذا الأسلوب الحكيم الذي نتحدث عنه ،فلما قال له :لأحملنك على الأدهم،
أظهر له أنه فهم غير ما أراد ،وهو يعلم حقيقة ذلك ،ولـكنه تغابى ،وكأنه فهم أنه يريد أن يكرمه ،وسيحمله على الفرس الأدهم ،فقال:
مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب يعني :مثلك رجل شر يف ذو سلطان ولا يليق بك أن تحمل على الأدهم ،بل تحملنا على شيء
أعظم من ذلك ،فقال متغاضياً :مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب ،مبرزا ً وعيده في معرض الوعد ،مترتبا ًبأن ير يه بألطف وجه
أن امرأ مثله في مكمل الإمرة المطاعة خليق بأن يفد لا أن يوفد ،وأن يعد لا أن يوعد.
معنى قوله تعالى) :وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها( ١٤.١.٣
Shamela.org ٢٦٦
البقرة ][195 - 189 ١٤
ن َات ّقَى
أما الأمور الشرعية -وهو البر -فلا سبيل إلى أخذه إلا من جهة النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وهو أحكام التقوى)) :و َلـَك َِنّ ال ْب َِر ّ م َ ِ
و َأْ تُوا ال ْبُي ُوتَ م ِنْ أَ ب ْوَابِهَا(( ،فعوتبوا عندما جاءوا يسألون النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عما يمكنهم معرفته من غير جهته ،فلو سألوا عالما ًمن
أهل الهيئة فإنه سيشرح لهم موضوع الهلال كيف يزيد وينقص ،فلما جاءوا يسألونه عما أمكنهم معرفته من غير جهته بين لهم أنه ليس
البر سؤال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عما ليس مختصا ًبعلم نبوته ،ولـكن البر هو مجرد التقوى؛ وذلك يكون بالعلم والعمل المختص بالدين.
قال أبو مسلم الأصبهاني :المراد بهذه الآية ما كانوا يعملونه من النسيء ،فإنهم كانوا يؤخرون الحج عن وقته الذي عينه الل ّٰه له ،فيحرمون
الحلال و يحلون الحرام ،فذكر إتيان البيوت من ظهورها مثل لمخالفة الواجب في الحج وشهوره.
وقد روى البخاري وغيره عن أبي إسحاق قال :سمعت البراء رضي الل ّٰه تعالى عنه يقول :نزلت هذه الآية فينا ،كان الأنصار إذا حجوا
فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم ،ولـكن من ظهورها -يعني :من النافذة أو من فتحة الجدار -قال :فجاء رجل من الأنصار
ْس ال ْب ُِر ّ ب ِأَ ْن ت َأْ تُوا ال ْبُي ُوتَ م ِنْ
فدخل من قبل بابه ،وخالف هذه العادة التي كانت عند الأنصار في الجاهلية ،فعيروه فنزلت)) :و َلَي َ
ن َات ّقَى و َأْ تُوا ال ْبُي ُوتَ م ِنْ أَ ب ْوَابِهَا(( ،وقول البراء :نزلت هذه الآية فينا ،كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا إلى آخر
ظه ُورِه َا و َلـَك َِنّ ال ْب َِر ّ م َ ِ
ُ
الأثر؛ هذا بحسب ما ظنه هو ،وليس معنى ذلك أنها نزلت فيهم فقط ،ولـكن نقول :هي تصدق على هذا الحال ،لا أن ذلك كان
سبب نزولها ،فأحيانا ً يقول العلماء :نزلت هذه الآية في كذا ،وليس المقصود أن هذا هو سبب النزول ،وإنما المقصود أن هذه الآية
تصدق على هذا الحال ،وإن لم يكن هو سبب النزول.
))و َأْ تُوا ال ْبُي ُوتَ م ِنْ أَ ب ْوَابِهَا(( أي :تحروا لكل عمل إتيان الشيء الديني منه ،تنبيها ًعلى أن ما يطلب من غير وجهه يصعب تناوله.
ثم قال)) :و ََات ّق ُوا َ
الل ّهَ(( ،حثا ًلنا أن نجعل تقوى الل ّٰه شعارنا في كل ما نتحراه ،وبين أن ذلك ذر يعة إلى تحصيل الفلاح.
تفسير قوله تعالى) :وقاتلوا في سبيل الل ّٰه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا( ١٤.٢
تفسير قوله تعالى) :وقاتلوا في سبيل الل ّٰه الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا(
الل ّه ِ ال َ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَك ُ ْم و َلا تَعْتَد ُوا{ ]البقرة ،[١٩٠:لما صد النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عن البيت عام ل َ قال تبارك وتعالى} :و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ
الحديبية ،وصالح الـكفار على أن يعود العام القادم ،و يخلوا له مكة ثلاثة أيام ،وتجهز لعمرة القضاء؛ خاف المسلمون ألا تفي قريش
الل ّه ِ ال َ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَك ُ ْم و َلا ل َ بذلك و يقاتلونهم ،وكره المسلمون قتالهم في الحرم والإحرام والشهر الحرام؛ فنزلت هذه الآية} :و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ
تَعْتَد ُوا{ يعني :لا تتحرجوا عن القتال إذا قاتلـكم المشركون أثناء إرادتكم عمرة القضاء ،حتى ولو كنتم محرمين ،ولو كنتم داخل البلد
الحرام ،ولو كنتم في الشهر الحرام؛ لأنكم لستم البادئين بهذا العدوان.
الل ّهِ(( أي :لإعلاء دينه.
ل َ ))و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ
))ال َ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَكُمْ(( أي :من الـكفار.
))و َلا تَعْتَد ُوا(( أي :لا تعتدوا عليهم بابتداء القتال.
يح ُ ّ
ِب ال ْمُعْتَدِينَ{ ]البقرة [١٩٠:أي :المتجاوزين ما ح ُد لهم ،وهذا منسوخ بآية براءة} :و َقَاتِلُوا ال ْمُشْرِكِينَ ك ََاف ّة ً كَمَا يُق َاتِلُونَك ُ ْم الل ّه َ لا ُ
ن َ ِ}إ َ ّ
ك ََاف ّة ً{ ]التوبة ،[٣٦:وبقوله} :و َاق ْتُلُوه ُ ْم َ
حي ْثُ ثَقِفْتُم ُوهُمْ{ ]البقرة [١٩١:وقد سبق أن تكلمنا بالتفصيل في معنى النسخ هنا ،وأنه ليس
المقصود به المعنى الاصطلاحي المتأخر ،وهو أن يرد دليل شرعي متراخيا ًعن دليل شرعي آخر مقتضيا ًخلاف حكمه ،ولـكن النسخ
هنا رفع الإيهام والإبهام يعني :حسب حال المسلمين من القوة والضعف ،فإن كانوا في حال قوة وتمكين فإنهم يبدءون المشركين
حي ْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ{ ]التوبة [٥:إلى آخر الآية ،وإن كانوا لا يستطيعون
خ الأَ شْه ُر ُالْحُرُم ُ فَاق ْتُلُوا ال ْمُشْرِكِينَ َ
بالقتال ،كما قال تعالى} :ف َِإذ َا انس َل َ َ
Shamela.org ٢٦٧
البقرة ][195 - 189 ١٤
إلا الدفاع فيجب عليهم الدفاع ،وإن كانوا لا يستطيعون الدفاع فيصبروا و يأخذوا بآيات الإعراض عن المشركين والصفح والصبر على
الأذى ،وقد سبق أن تكلمنا عن هذا بالتفصيل مراراً.
ل{ ]البقرة) [١٩١:الفتنة( أي الشرك الذي يقع منهم )أشد( أي :أعظم) ،من القتل( أي :من قتالهم في ش ُ ّد م ِ َ
ن الْقَت ْ ِ }و َالْفِت ْن َة ُ أَ َ
الحرم أو في الإحرام الذي استعظمتموه؛ لأنه إن كنتم تخافون أن يقاتلوكم وتنتهكوا بقتالهم حرمة الإحرام والشهر الحرام والبلد الحرام،
فما هم عليه من الشرك وهم داخل الحرم الشر يف وفي الشهر الحرام أشد من قتلـكم إياهم.
جدِ الْحَرَا ِم{ ]البقرة [١٩١:يعني :في الحرم؛ لأن المسجد الحرام يطلق على عدة إطلاقات :يطلق على الـكعبة
س ِ
}و َلا تُق َاتِلُوه ُ ْم عِنْد َ ال ْم َ ْ
الل ّه ُ ال ْـكَعْب َة َ ال ْبَي ْتَ الْحَرَام َ{ ]المائدة ،[٩٧:و يطلق على المسجد ،و يطلق على مكة ومنى ،قال الل ّٰه} :هُم ُ ال َ ّذ ِي َ
ن ل َ جع َ َ
نفسها كقوله تعالىَ } :
جدِ الْحَرَا ِم{ ]الإسراء،[١:
س ِ سب ْح َانَ ال َ ّذ ِي أَ سْر َى ب ِعَبْدِه ِ لَي ْل ًا م ِ َ
ن ال ْم َ ْ جدِ الْحَرَا ِم{ ]الفتح ،[٢٥:وقال تعالىُ } :
س ِ ص ُ ّدوك ُ ْم ع َ ِ
ن ال ْم َ ْ كف َر ُوا و َ َ
َ
جدِ الْحَرَا ِم(( يعني :في الحرم ،وحدود
س ِ
ومعلوم أن الإسراء كان من بيت أم هانئ من داخل مكة ،فقوله هنا)) :و َلا تُق َاتِلُوه ُ ْم عِنْد َ ال ْم َ ْ
الحرم أوسع من حدود مكة.
}ح ََت ّى يُق َاتِلُوك ُ ْم ف ِيه ِ ف َِإ ْن قَاتَلُوك ُ ْم فَاق ْتُلُوهُمْ{ ]البقرة [١٩١:يعني :فإن قاتلوكم فيه) ،فاقتلوهم( يعني :فيه ،وفي قراءة :بلا ألف في الأفعال
الثلاثة ،يعني) :ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم(.
ك جَز َاء ُ الْك َافِرِينَ{ ]البقرة [١٩١:يعني :كذلك القتل والإخراج جزاء الكافرين.
}كَذَل ِ َ
تفسير قوله تعالى) :فإن انتهوا فإن الل ّٰه غفور رحيم( ١٤.٤
تفسير قوله تعالى) :فإن انتهوا فإن الل ّٰه غفور رحيم(
الل ّه َ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ{
ن َ ن انتَهَو ْا{ ]البقرة [١٩٢:أي :عن الـكفر وأسلموا ،لا بد أن ننتبه لهذا؛ لأن الل ّٰه قال في آخرها} :ف َِإ َ ّ
قال تعالى} :ف َِإ ِ
]البقرة ،[١٩٢:والل ّٰه سبحانه لا يغفر للمشرك ،أو لا يرحم المشرك ،فلا بد أن نفسر الانتهاء هنا بمثل قوله تبارك وتعالى} :ق ُلْ ل َِل ّذ ِي َ
ن
ف{ ]الأنفال ،[٣٨:فإن انتهوا عن الـكفر وأسلموا :فإن الل ّٰه غفور لهم ،رحيم بهم.
كف َر ُوا ِإ ْن يَنتَه ُوا يُغْفَر ْ لَه ُ ْم م َا ق َ ْد سَل َ َ
َ
تفسير قوله تعالى) :وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لل ّٰه( ١٤.٥
تفسير قوله تعالى) :وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لل ّٰه(
ن انتَهَو ْا فَلا ع ُ ْدو َانَ ِإ َلّا عَلَى ال َ ّ
ظالِمِينَ{ ]البقرة ،[١٩٣:ما إعراب كلمة ن ل َِل ّه ِ ف َِإ ِ
قال تعالى} :و َقَاتِلُوه ُ ْم ح ََت ّى لا تَكُونَ فِت ْن َة ٌ و َيَكُونَ الد ِّي ُ
)فتنة(.
)كان( هنا ليست ناسخة ،بل هي تامة ،والتقدير :وقاتلوهم حتى لا توجد فتنة ،فكان هنا تامة مثل كان الل ّٰه ولم يكن شيء معه ،فالل ّٰه:
لفظ الجلالة هنا فاعل ،ومثله قوله تعالى} :و َِإ ْن ك َانَ ذ ُو عُسْرَة ٍ{ ]البقرة ،[٢٨٠:ذ ُو :فاعل.
Shamela.org ٢٦٨
البقرة ][195 - 189 ١٤
))ح ََت ّى لا تَكُونَ(( أي :حتى لا توجد)) ،فِت ْن َة ٌ(( أي :شرك.
ن ل َِل ّهِ(( يعني :وحده لا يعبد إلا هو)) ،ف َِإ ِ
ن انتَهَو ْا(( يعني :عن الشرك ،فلا تعتدوا عليهم ،دل على هذا ثم قال تعالى)) :و َيَكُونَ الد ِّي ُ
التفسير قوله تعالى)) :فَلا ع ُ ْدو َانَ ِإ َلّا عَلَى ال َ ّ
ظالِمِينَ(( يعني :فلا تعتدوا عليهم بقتل أو غيره ،ومن انتهى وتوقف فليس بظالم ،فلا عدوان
عليه.
يسمى عدواناً ،ولـكن أطلق الل ّٰه سبحانه وتعالى عليه عدوانا ًمن باب المقابلة فقط؛ لاجتماعهما في نص واحدٍ كما قال تعالى} :وَجَز َاء ُ
سَي ِّئَة ٍ سَي ِّئ َة ٌ مِث ْلُه َا{ ]الشورى ،[٤٠:فهل السيئة الثانية التي تقابل أنت بها الأولى تعتبر سيئة؟ لا ،بل هذا من العدل ،وهي حسنة ،وهذا
ل م َا ع ُوقِب ْتُم ْ بِه ِ{ ]النحل،[١٢٦:
من باب المشاكلة اللفظية لوجودهما في نص واحد ،ومثل ذلك قوله تعالى} :و َِإ ْن عَاقَب ْتُم ْ ف َع َاق ِب ُوا بِمِث ْ ِ
فأطلق على الفعل الأول لفظ العقوبة من باب المشاكلة أو المقابلة.
}و ََات ّق ُوا َ
الل ّهَ{ ]البقرة [١٩٤:يعني :في الانتصار وترك الاعتداء.
الل ّه َ م َ َع ال ْم َُت ّق ِينَ{ ]البقرة [١٩٤:أي :بالعون والنصر.
ن َ }و َاع ْلَم ُوا أَ َ ّ
تفسير قوله تعالى) :وأنفقوا في سبيل الل ّٰه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلـكة( ١٤.٧
تفسير قوله تعالى) :وأنفقوا في سبيل الل ّٰه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلـكة(
الل ّهِ{ ]البقرة [١٩٥:أي :في طاعته كالجهاد أو في غيره} ،و َلا تلُْق ُوا ب ِأَ يْدِيكُمْ{ ]البقرة [١٩٥:أي :بأنفسكم،
ل َ قال تعالى} :و َأَ نفِق ُوا فِي سَب ِي ِ
عبر عن الأنفس بالأيدي ،وهذه الباء يقول عنها النحاة :إنها زائدة ،أي :لا تلقوا بأيديكم إلى التهلـكة بترك الجهاد؛ لأن هذا يقوي العدو
عليكم.
يح ُ ّ
ِب ال ْم ُحْ سِنِينَ{ ]البقرة [١٩٥:أي :يثيبهم على هذه النفقة. الل ّه َ ُ
ن َ }و َأَ حْ سِن ُوا{ ]البقرة [١٩٥:أي :بالنفقة وغيرها}ِ ،إ َ ّ
ز يادة تفسير لقوله تعالى) :وقاتلوا في سبيل الل ّٰه الذين يقاتلونكم( ١٤.٨
ز يادة تفسير لقوله تعالى) :وقاتلوا في سبيل الل ّٰه الذين يقاتلونكم(
يح ُ ّ
ِب ال ْمُعْتَدِينَ{ ]البقرة ،[١٩٠:هذا تهييج وإغراء بالأعداء الل ّه َ لا ُ
ن َ الل ّه ِ ال َ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَك ُ ْم و َلا تَعْتَد ُوا ِإ َ ّ ل َ قال تعالى} :و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ
الذين همتهم قتال الإسلام وأهله ،يعني :كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم.
Shamela.org ٢٦٩
البقرة ][195 - 189 ١٤
))و َلا تَعْتَد ُوا(( يعني بابتداء القتال ،أو )لا تعتدوا( بتعدي حدود الل ّٰه ،وتجاوز الآداب الشرعية في القتال ،كقتل النساء أو الصبية
أو الرهبان المتعبدين من أصحاب الصوامع ،والذين بينكم وبينهم عهد ،أو التمثيل بالجثث أو المفاجئة بالقتال من غير دعوة ،فكل هذا
داخل في العدوان.
يح ُ ّ
ِب ال ْمُعْتَدِينَ{ أي :المتجاوزين حكمه في هذا. الل ّه َ لا ُ
ن َ ِ}إ َ ّ
ل{ يعني: ش ُ ّد م ِ َ
ن الْقَت ْ ِ خرَجُوك ُ ْم و َالْفِت ْن َة ُ أَ َ
حي ْثُ أَ ْ
خرِجُوه ُ ْم م ِنْ َ
حي ْثُ ثَقِفْتُم ُوه ُ ْم و َأَ ْ
))و َاق ْتُلُوهُمْ(( يعني :هؤلاء الذي يقاتلونكم اقتلوهمَ } ،
المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان أشد عليه من القتل ،ففتنتهم إياكم في الحرم عن دينكم بالتعذيب والإخراج من الوطن أشد قبحا ًمن
القتل فيه ،إذ لا بلاء على الإنسان أشد من إيذائه في اعتقاده الذي تمكن من عقله ونفسه ،ورآه سعادة له في عاقبة أمره.
فالجملة دفع لما قد يقع من استعظام قتلهم في الحرم ،وإعلام بأن القصاص منهم بالقتل دون جرمهم بفتنة المؤمنين؛ لأن الفتنة أشد من
القتل.
جدِ الْحَرَا ِم ح ََت ّى يُق َاتِلُوك ُ ْم ف ِيه ِ{؛ لأن حرمته لذاته ،وحرمة سائر الحرم من أجله ،وهذا بمثابة الاستثناء من
س ِ
وقوله} :و َلا تُق َاتِلُوه ُ ْم عِنْد َ ال ْم َ ْ
حي ْثُ ثَقِفْتُم ُوهُمْ{ يعني اقتلوهم حيث ثقفتموهم إلا في المسجد الحرام فلا تبدءوهم بقتال في الحرم ،إلا إذا قاتلوكم
قوله} :و َاق ْتُلُوه ُ ْم َ
حي ْثُ ثَقِفْتُم ُوهُمْ{ ،يعني :اقتلوهم في أي مكان من الأرض وجدتموهم فيه إلا في المسجد
فيه ،فهذا استثناء من عموم قوله} :و َاق ْتُلُوه ُ ْم َ
الحرام ،فلا تبدءوا بقتالهم حتى يبدءوا هم بقاتلـكم فيه؛ مراعاة لحرمة الحرم.
))ف َِإ ْن قَاتَلُوكُمْ(( يعني :في الحرم ،فلا تفكروا في الفرار من الحرم ،ولـكن اثبتوا في الحرم ،وقاتلوهم فيه؛ إذ لا حرمة لهم حينئذ عند
المسجد الحرام.
ك جَز َاء ُ الْك َافِرِينَ{ ،لا يجعل لهم حرمة كما لم يراعوا حرمة الل ّٰه في آياته ،فدلت الآية على الأمر بقتال المشركين في الحرم إذا بدءوا
}كَذَل ِ َ
بالقتال فيه؛ دفعا ًلصولتهم ،كما بايع النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال ،لما تألب عليه بطون قريش
ن ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ ،ثم كف الل ّٰه القتال بينهم وقال} :و َه ُو َ ال َ ّذ ِي ك َ ّ
َف أَ يْدِيَه ُ ْم عَنْك ُ ْم و َأَ يْدِيَك ُ ْم عَنْه ُ ْم ببِ َ ْط ِ
م َ َك ّة َ م ِنْ بَعْدِ أَ ْن أَ ظْ ف َر َك ُ ْم عَلَيْهِمْ{ ]الفتح ،[٢٤:وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم لـ خالد ومن معه يوم الفتح) :إن عرض لـكم أحد من قريش
فاحصدوهم حصدا ً حتى توافوني على الصفا( ،فما عرض لهم أحد إلا أناموه ،وأصيب من المشركين اثنا عشر رجلا ً كما في السيرة،
والل ّٰه سبحانه وتعالى أحل لنبيه مكة ساعة من النهار كما جاء في الحديث) :وإن الل ّٰه قد أحلها لي ساعة من النهار ،وإن حرمتها اليوم
كحرمتها بالأمس( أي :أباح الل ّٰه له مكة ساعة من النهار عند فتحها ،وبعد ذلك عادة حرمتها ،وحتى أنه يحرم حمل السلاح بمكة بعد
ذلك إلى الأبد.
الل ّه َ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ{ ،قال القاسمي :فكفوا عنهم ولا ٺتعرضوا لهم تخلقا ًبصفتي الحق تبارك وتعالى:
ن َ ن انتَهَو ْا(( أي :عن القتال} ،ف َِإ َ ّ
))ف َِإ ِ
المغفرة والرحمة ،وقال بعضهم) :فإن انتهوا( أي :عن الشرك والقتال) ،فإن الل ّٰه غفور( لما سلف من طغيانهم) ،رحيم( بقبول توبتهم
وإيمانهم.
ن ل َِل ّهِ(( ،وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الل ّٰه
))و َقَاتِلُوه ُ ْم ح ََت ّى لا تَكُونَ فِت ْن َة ٌ(( أي :حتى لا توجد في الحرم فتنة)) ،و َيَكُونَ الد ِّي ُ
عنهما أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الل ّٰه ،وأن محمدا ً رسول الل ّٰه ،و يقيموا
الصلاة ،و يؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ،وحسابهم على الل ّٰه(.
))إ َلّا عَلَى ال َ ّ
ظالِمِينَ(( الذين يبتدئون بالقتال. ن انتَهَو ْا(( يعني :عن قتالـكم في الحرم ))فَلا ع ُ ْدو َانَ(( أي :لا سبيل لـكم بالقتل ِ
))ف َِإ ِ
قيل لـ ابن عمر :أنت صاحب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج معنا في هذا القتال؟ -أي :القتال في الفتنة -فقال :يمنعني
أن الل ّٰه حرم ذلك ،قالوا :فإن الل ّٰه قال)) :و َقَاتِلُوه ُ ْم ح ََت ّى لا تَكُونَ فِت ْن َة ٌ((! فقال :قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لل ّٰه ،وأنتم
Shamela.org ٢٧٠
البقرة ][195 - 189 ١٤
تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ،و يكون الدين لغير الل ّٰه ،رواه البخاري ،ثم ساق رواية أخرى فيها :قال ابن عمر رضي الل ّٰه عنهما:
)على عهد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وكان الإسلام قليلا ًوكان الرجل يفتن في دينه ،إما قتلوه وإما يعذبونه ،حتى كثر الإسلام
فلم تكن فتنة(.
ز يادة تفسير لقوله تعالى) :ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلـكة( ١٤.١٠
ز يادة تفسير لقوله تعالى) :ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلـكة(
الل ّهِ{ ]البقرة [١٩٥:أمر بالإنفاق في سائر وجوه القربات والطاعات ،ومن أهمها صرف الأموال في
ل َ قال تعالى} :و َأَ نفِق ُوا فِي سَب ِي ِ
قتال الأعداء ،وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم)) ،و َلا تلُْق ُوا ب ِأَ يْدِيك ُ ْم ِإلَى ال َتّه ْلـُكَة ِ(( أي :إلى ما يقود و يؤدي إلى الهلاك،
للتعرض لما تستوخم عاقبته جهلا ًبه.
يقول الراغب الأصفهاني :وللآية تأو يلان بنظرين :أحدهما :أنه نهي عن الإسراف في الإنفاق وعن التهور في الإقدام ،هذا هو التفسير
الأول)) :و َلا تلُْق ُوا ب ِأَ يْدِيك ُ ْم ِإلَى ال َتّه ْلـُكَة ِ(( يعني :لا تسرفوا في النفقة ،أنفقوا ولـكن لا تسرفوا في النفقة)) ،و َلا تلُْق ُوا ب ِأَ يْدِيك ُ ْم ِإلَى
ال َتّه ْلـُكَة ِ(( يعني :لا تتهوروا في الإقدام على مقاتلة الأعداء.
الثاني :أنه نهي عن البخل بالمال ،وعن القعود في الجهاد.
إذاً :التفسير الأول :فيه النهي عن الإفراط في القتال وعن التهور في الإقدام.
التفسير الثاني :فيه النهي عن البخل بالمال ،ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلـكة لأنكم إن امتنعتم عن النفقة في سبيل الل ّٰه سيضعف جيش
المسلمين ،وبالتالي تهلـكون جميعا ًالفقير والغني.
Shamela.org ٢٧١
البقرة ][195 - 189 ١٤
قال بعض المفسرين)) :و َلا تلُْق ُوا ب ِأَ يْدِيك ُ ْم ِإلَى ال َتّه ْلـُكَة ِ(( نهي عن البخل بالمال ،ونهي عن القعود عن الجهاد ،فإذا نكل الناس عن
الجهاد فهذا إلقاء بالأيدي إلى التهلـكة؛ لأن المشركين يعلون على المسلمين ،فهو نهي عن البخل والإحجام عن الجهاد؛ ولهذا قال تعالى:
}و َال َ ّذ ِي َ
ن ِإذ َا أَ نفَق ُوا ل َ ْم يُسْر ِف ُوا و َل َ ْم يَقْت ُر ُوا{ ]الفرقان ،[٦٧:وقال تعالى} :و َلا َ
تجْع َلْ يَدَك َ مَغْلُولَة ً ِإلَى ع ُنُقِكَ{ ]الإسراء ،[٢٩:ولما كان
أمر الإنفاق أخص بالأنصار الذين كانوا أهل الأموال لتجرد المهاجرين عنها اشتهر في هذه الآية استدلال العلماء بهذا الحديث الصحيح
الذي رواه جمع من العلماء منهم أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن أسلم أبي عمران قال :كنا بمدينة الروم ،فأرسلوا
إلينا صفا ًعظيما ًمن الروم ،فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ،وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ،وعلى الجماعة فضالة بن عبيد ،فحمل
رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيه! فصاح الناس :سبحان الل ّٰه!! يلقي بيديه إلى التهلـكة ،فقام أبو أيوب الأنصاري رضي
الل ّٰه تعالى عنه فقال :يا أيها الناس! إنكم لتؤولون هذه الآية هذا التأو يل ،وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار -ولم يذكر المهاجرين
لأنهم تركوا الأموال والتجارة والبيوت وكل متاع الدنيا؛ ابتغاء رضوان الل ّٰه سبحانه وتعالى ،ونصرة لرسوله عليه الصلاة والسلام ،فلما
أتوا المدينة كانوا فقراء ،والذين كان لهم أموال هم الذين كانوا يستوطنون المدينة من الأنصار -لما أعز الل ّٰه الإسلام وكثر ناصروه ،قال
بعضنا لبعض سرا ً -يعني :ما جهروا بهذا في المدينة ،وإنما كان يستخفون به :-إن أموالنا قد ضاعت ،وإن الل ّٰه قد أعز الإسلام وكثر
ناصروه ،فلو أقمنا في أموالنا ،فأصلحنا ما ضاع منها -أي :نجلس ونستثمر الأموال وننميها-؛ فأنزل الل ّٰه تعالى هذه الآية على نبيه صلى الل ّٰه
عليه وسلم يرد علينا ما قلنا.
مع أن الرسول ما سمع منهم ذلك ،لـكن الل ّٰه سبحانه وتعالى أنزل هذه الآية يرد عليهم هذا الذي قالوه خفية عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه
عليه وسلم ،يقول أبو أيوب :فكانت التهلـكة الإقامة على الأموال ،وإصلاحها وتركنا الغزو ،فما زال أبو أيوب شاخصا ًفي سبيل الل ّٰه حتى
دفن بأرض الروم ،رضي الل ّٰه تعالى عنه.
يقول القاسمي :إنكار أبي أيوب رضي الل ّٰه عنه إما لـكونه لا يقول بعموم اللفظ ،بل بخصوص السبب ،وإما لرد زعم أنها نزلت في
القتال ،يعني :في حمل الواحد على جماعة العدو كما تأولوها ،وهذا هو الظاهر.
والأقرب -والل ّٰه تعالى أعلم -في تفسير هذه الآية :ليس المقصود عدم الإسراف في النفقة؛ لأنه كما لا خير في السرف ،فلا سرف في
الخـير ،فلو أن إنسانا ًتصدق بماله في سبيل الل ّٰه ابتغاء وجه الل ّٰه فإنه لا يذم ،أو أنفق المال في وجوه الخـير كقرى الأضياف وإكرامهم،
والنفقة على اليتامى والفقراء والمساكين أو في الجهاد في سبيل الل ّٰه ،فهذا لا يذم ،فكما أنه لا خير في الإسراف؛ كذلك لا إسراف في
الخـير.
الل ّه ِ و َلا تلُْق ُوا ب ِأَ يْدِيك ُ ْم ِإلَى ال َتّه ْلـُكَة ِ{ أي :بترك النفقة؛ لأنكم إذا تركتم النفقة يضعف جيش
ل َ إذاً :معنى قوله تعالى} :و َأَ نفِق ُوا فِي سَب ِي ِ
المسلمين ويتقوى الأعداء فيهلـكوكم ويستأصلوكم ،أو) :ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلـكة( أي :بترك الجهاد ،خلاف ما يفهم بعض الناس
في هذا الزمان ،كلما عملت أي شيء من أعمال الدين تجد من ينكر عليك و يقول)) :و َلا تلُْق ُوا ب ِأَ يْدِيك ُ ْم ِإلَى ال َتّه ْلـُكَة ِ((! فيقولون :لمن
ينصح الناس) :لا تلقوا بأيديكم إلى التهلـكة( ،و يقولون للذي يصلي في المساجد) :لا تلقوا بأيديكم إلى التهلـكة(!! إذاً :من يقوم بالدين؟!
ترك هذه الأعمال هو عين إلقاء الأيدي إلى التهلـكة ،فتضييع الواجبات الشرعية هو عين إلقاء الأيدي إلى التهلـكة.
هذا الرجل الذي حمل على صف الروم لا شك أنه سيكسر هؤلاء الرومان ،لما يرون من شجاعة المسلمين ،وبيعهم للدنيا ،وكيف يخرج
الواحد منهم وحده ولا يخاف منهم ،و يطعن في كل هؤلاء ،و يقابل كل هذا الصف ،فيكفي الانكسار والهزيمة النفسية التي تحصل
لأعداء الدين ،فإنهم يقولون :هذا رجل واحد ،فكيف بهذا الجيش العظيم من المسلمين؟! حينئذٍ تنكسر قلوبهم ويذلون ،و يخافون
ويرهبون من المسلمين ،فهذا الرجل أدخل الرهبة والرعب في قلوب الكافرين حينما يرون هذا الاستبسال من جنود المسلمين ،فهذا لا
يسمى إلقاء ً بالأيدي إلى التهلـكة؛ لأن الذي يدخل في صفوف الـكفار و يقاتلهم غير منتحر ،ولهذا نظائر كثيرة في التاريخ الإسلامي،
كحادثة حديقة الموت المشهورة لما حملوا البراء على ترس ورموه داخل الحصن ،مع تكدس الجيوش الكافرة فيه ،فقاتلهم حتى تمكن من
Shamela.org ٢٧٢
البقرة ][199 - 196 ١٥
Shamela.org ٢٧٣
البقرة ][199 - 196 ١٥
و َال ْعُمْرَة َ ل َِل ّهِ(( يعني :أن الإنسان إذا شرع في الحج أو العمرة ولو تطوعا ً يجب عليه إتمامه ،ولا يقطع الأداء كما قال تبارك تعالى} :و َلا
تُبْط ِلُوا أَ عْمَالـَكُمْ{ ]محمد ،[٣٣:فمن شرع في عبادة لزمه إتمامها ،إذا كانت عبادة واجبة ،أما أعمال التطوع لا يلزمه إتمامها إلا الحج
والعمرة لهذه الآية)) :و َأَ ت ُِم ّوا الْح َجّ و َال ْعُمْرَة َ((.
وهذه الآية اختلف العلماء فيها هل هي دليل على فرضية الحج أم لا ،فمن قال :إنها دليل على فرضية الحج فإنه يفسر )أتموا( بمعنى:
ن اسْ تَطَاعَ ِإلَيْه ِ سَب ِيل ًا{ ]آل عمران.[٩٧:
ْت م َ ِ س ُِ
حج ّ ال ْبَي ِ أدوا الحج والعمرة لل ّٰه ،فتكون مثل قوله تعالى} :وَل َِل ّه ِ عَلَى َ
الن ّا ِ
وفر يق آخر قالوا :هذه الآية ليست دليلا ًعلى فرضية الحج ،فإنها نزلت سنة خمس من الهجرة ،والحج فرض بقوله تبارك وتعالى} :وَل َِل ّه ِ
ن اسْ تَطَاعَ ِإلَيْه ِ سَب ِيل ًا{ ]آل عمران [٩٧:وذلك في سنة تسع من الهجرة ،وأجاب عن هذه الآية بأنها لا علاقة
ْت م َ ِ س ِ
حَ ُ ج ّ ال ْبَي ِ عَلَى َ
الن ّا ِ
لها بموضوع الفرضية ،وإنما هي توجب إتمامهما بعد الشروع فيهما فقط ،ولا علاقة لها بفرضية الحج.
قال الراغب) :أتموا( خطاب لمن خرج حاجا ًأو معتمراً ،فأمر ألا يصرف وجهه حتى يتمهما ،وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الل ّٰه تعالى،
واحتج به في وجوب إتمام كل عبادة دخل الإنسان فيها متنفلاً ،وأنه متى أبطلها وجب قضاؤها ،وقيل :إنه خطاب لهم ولمن لم
ل{ ]البقرة [١٨٧:وإلى
الل ّي ْ ِ يتلبس بالعبادة ،وذكر لفظ الإتمام تنبيه على توفية حقها وإتمام شرائطها كقوله تعالى} :ث َُم ّ أَ ت ُِم ّوا ِّ
الصيَام َ ِإلَى َ
هذا ذهب الشافعي رحمه الل ّٰه ،واحتج به على وجوب العمرة ،وإنما قال في الحج والعمرة) :لل ّٰه( ولم يقل ذلك في الصلاة والزكاة ،من
أجل أنهم كانوا يتقربون ببعض أفعال الحج والعمرة إلى أصنامهم ،فخصهما بالذكر لل ّٰه تعالى ،حثا ًعلى الإخلاص فيهما.
معنى قوله تعالى) :ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله( ١٥.١.٢
معنى قوله تعالى) :ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله(
Shamela.org ٢٧٤
البقرة ][199 - 196 ١٥
محِلَ ّه ُ{ يعني :الموضع الذي يحل فيه نحر الهدي ،والمقصود به موضع الإحصار ،وهذا
سك ُ ْم ح ََت ّى يَب ْل ُ َغ ال ْهَدْيُ َ
تح ْلِق ُوا ر ُءُو َ
قوله تعالى} :و َلا َ
أقرب إلى يسر الإسلام من أن يقال :إن المحل هو أن يواعد رجلا ًفي الحرم ليذبحه له في موعد معين ،والنبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم
لما حصره وأصحابه كفار قريش عن الدخول في الحرم ،حلقوا وذبحوا هديهم بالحديبية ،ولم يبعثوا بالهدي إلى الحرم.
قوله تعالى)) :و َأَ ت ُِم ّوا الْح َجّ و َال ْعُمْرَة َ ل َِل ّهِ(( يقول السيوطي :أدوهما بحقوقهما.
وهناك أقوال كثيرة في تفسيرها :القول الأول) :الإتمام( المقصود به :الأمر بالأداء كما قال تعالى} :و َِإذِ اب ْتَلَى ِإ ب ْر َاه ِيم َ ر َُب ّه ُ بِكَل ِم َ ٍ
ات
ل{ ]البقرة.[١٨٧:
الل ّي ْ ِ ف َأَ تَم ّه َُنّ { ]البقرة [١٢٤:يعني :أداهن ،ومنه أيضا ًقوله تعالى} :ث َُم ّ أَ ت ُِم ّوا ِّ
الصيَام َ ِإلَى َ
القول الثاني في تفسير )وأتموا( يعني :إتمامهما بعد الشروع فيهما ،فمن أحرم بنسك وجب عليه المضي فيه ،ولا يفسخه.
القول الثالث :إتمامهما :أن تحرم بهما من دويرة أهلك ،وهذا قول علي رضي الل ّٰه تعالى عنه وقال سفيان الثوري :إتمامهما أن تفرد كل
واحد منهما بسفره ،يعني :اجعل سفرة واحدة للحج ،وسفرة واحدة للعمرة ،وهذا دليل لمن فضل الإفراد على التمتع والقران ،فإنهم
استدلوا بهذا التفسير فقالوا)) :و َأَ ت ُِم ّوا الْح َجّ و َال ْعُمْرَة َ ل َِل ّهِ(( يعني :أن تحرم بهما من دويرة أهلك ،يعني :تنشئ سفرا ً مستقلا ًلكل نسك،
وقالوا :إن التمتع فيه جمع نسكين في سفر واحد ،وذهبوا إلى أنه يجب على المتمتع الذبح ليجبر النقص في عبادته؛ لأنه لم يسافر لكل
نسك ،بل أدى الحج والعمرة في سفرة واحدة ،فإنه يؤدي العمرة في أشهر الحج ثم يبقى في مكة متمتعا ًحتى يوم الترو ية ،فيهل بالحج،
ففي سفرة واحدة أدى العمرة والحج وتمتع ووفر على نفسه مشقة سفر ثان ،قالوا :يجب عليه الدم في حالة التمتع حتى يجـبر هذا النقص
الذي نشأ عن عدم سفرة أخرى ،وموضوع المفاضلة بين أنواع الحج بحث طو يل ،وليس هو مقصود كلامنا الآن.
القول الرابع في معنى قوله تعالى)) :و َأَ ت ُِم ّوا الْح َجّ و َال ْعُمْرَة َ ل َِل ّهِ(( :قال سفيان الثوري :إتمامهما أن تخرج قاصدا ً لهما ،لا لتجارة ولا لغير
ذلك ،يعني :أن تجرد النية لإرادة الحج والعمرة ،وهذا لا يعني تحريم التجارة في الحج أو ز يارة الأقارب أو صلة رحم أو غير ذلك،
لـكن قال :إتمامهما أن تكون قاصدا ً الحج أو العمرة فقط.
القول الخامس)) :و َأَ ت ُِم ّوا الْح َجّ و َال ْعُمْرَة َ ل َِل ّهِ(( يعني :أدوهما كاملتين ظاهرا ً وباطناً.
يقول السيوطي)) :و َأَ ت ُِم ّوا الْح َجّ و َال ْعُمْرَة َ ل َِل ّهِ(( أدوهما بحقوقهما) ،فإن أحصرتم( أي :منعتم عن إتمامهما بعدو )فما استيسر( يعني :ما
تيسر )من الهدي( عليكم ،يعني :عليكم أن تذبحوا ما تيسر أو تهدوا ما تيسر ،وأقل ما يجزئ شيء شاة.
محِلَ ّه ُ{ أي :لا تتحللوا حتى يبلغ الهدي المذكور محله ،يعني :حيث يحل ذبحه ،وهو مكان الإحصار،
سك ُ ْم ح ََت ّى يَب ْل ُ َغ ال ْهَدْيُ َ
تح ْلِق ُوا ر ُءُو َ
}و َلا َ
بدلالة فعل النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم لما أحصر في الحديبية نحر في نفس الموضع ،فيذبح المحصر في موضع الإحصار بنية التحلل ،و يفرق
اللحم على مساكين ذلك الموضع ،ثم يحلق ،وبه يحصل التحلل.
معنى قوله تعالى) :فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية( ١٥.١.٣
معنى قوله تعالى) :فمن كان منكم مريضا ًأو به أذى من رأسه ففدية(
سه ِ{ أذى كقمل أو صداع أو أي علة مرضية أدت إلى أن يحلق رأسه وهو
قوله تعالى} :فَم َنْ ك َانَ مِنْك ُ ْم مَر ِيضًا أَ ْو بِه ِ أَ ذ ًى م ِنْ ر َأْ ِ
محرم ،ومعروف أن قص الشعر أو حلقه في أثناء الإحرام من محظورات الإحرام ،وفي الأثر المعروف عن ابن عباس رضي الل ّٰه تعالى
عنهما قال :من ترك شيئا ًمن نسكه أو نسيه فليهرق دماً.
صد َقَة ٍ{ ثلاثة آصع من غالب قوت البلد على ستة مساكين }أَ ْو
}فَفِدْيَة ٌ{ يعني :فعليه فدية؛ لأنه حلق }م ِنْ صِيَا ٍم{ يعني :ثلاثة أيام }أَ ْو َ
نُس ُكٍ { أي :ذبح شاة ،و )أو( للتخيير ،فيختار شيء من هذه الثلاث ،وألحق به من حلق لغير عذر؛ لأنه أولى بالـكفارة ،وكذا من
Shamela.org ٢٧٥
البقرة ][199 - 196 ١٥
استمتع بغير الحلق كالطيب واللبس والدهن لعذر ،فمن تعاطى من هذه الأشياء المحظورة في الإحرام فعليه فدية من صيام أو صدقة أو
نسك.
وقوله تعالى)) :فَم َنْ تَم َت ّعَ(( أي :استمتع ))ب ِال ْعُمْرَة ِ(( أي :بسبب فراغه منها تمتع بمحظورات الإحرام ،و يكون الإنسان متمتعا ً بأن
يؤدي عمرة في أشهر الحج ،وهي من أول شوال ،فمن أدى العمرة يمكث في الحرم ولا يخرج إلى مسافة قصر ،واختلف العلماء إذا خرج
مسافرا ً من مكة ثم عاد مُهلا ًبالحج ،والراجح أنه مفرد لا متمتع؛ لأنه سافر سفرتين للعمرة وللحج ،فمن أدى -مثلاً -عمرة في شوال ،ثم
رجع إلى مصر ،ثم أحرم بالحج من مصر وذهب ليؤدي الحج فهل هذا متمتع؟ لا ليس متمتعاً ،وبعض العلماء يقولون :إنه لا ينقض
تمتعه إلا إذا عاد إلى الميقات الذي أتى منه أو أي ميقات من المواقيت المعروفة أو إذا سافر مسافة قصر ،وهذا أقرب الأقوال ،وهو
مذهب الإمام أحمد ،فإذا خرج من مكة دون مسافة السفر وعاد مهلا ًبالحج فلا زال متمتعاً.
قال الراغب :لا يجب الدم أو بدله في التمتع إلا بأربعة شرائط :الأول :إيقاع العمرة في أشهر الحج ،والتحلل منها في أشهر الحج.
الثاني :أن يتمم بالحج من سنته ،يعني :إذا أدى العمرة ،ثم بقي في مكة حتى حج السنة القادمة ،فهل هذا متمتع؟ لا ،فلابد أن يؤدي
العمرة في أشهر الحج.
الثالث :ألا يرجع إلى الميقات لإنشاء الحج.
الرابع :ألا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ لأن أهل مكة ليس لهم تمتع ،فلو أن رجلا ًيعيش في مكة أدى العمرة في أشهر الحج،
ثم أهل بالحج في يوم الترو ية ،فهل هو متمتع؟ لا ،فأهل مكة ليس لهم تمتع.
وقوله تعالى} :فَم َنْ تَمَت ّ َع ب ِال ْعُمْرَة ِ{ أي :بسبب فراغه من العمرة بمحظورات الإحرام ِ}إلَى الْح َ ِجّ { أي :إلى الإحرام به بأن يكون أحرم بها
ْي(( وهو شاة يذبحها بعد الإحرام به ،ولا بد أن يذبح في يوم النحر؛ لقوله تعالى)) :ح ََت ّى يَب ْل ُ َغ ال ْهَدْيُ
ن ال ْهَد ِ
في أشهره ))فَمَا اسْ تَي ْسَر َ م ِ َ
محِلَ ّه ُ(( والمحل نوعان :محل زماني ،ومحل مكاني.
َ
المحل المكاني :هو الحرم ،سواء في منى أو في مكة ،فالحرم كله منحر يذبح فيه.
المحل الزماني :هو :يوم النحر ،فهذا هو المحل الزماني الذي يحل فيه ذبح الأنعام ،أما الذبح قبل ذلك فهذا -والل ّٰه تعالى أعلم -لا يصح.
Shamela.org ٢٧٦
البقرة ][199 - 196 ١٥
مرحلتين من الحرم عند الشافعي ،فإن كان فلا دم عليه ولا صيام وإن تمتع.
َاب{. الل ّه َ َ
شدِيد ُ ال ْعِق ِ ن َ الل ّهَ{ أي :فيما يأمركم به وينهاكم عنه }و َاع ْلَم ُوا أَ َ ّ
}و ََات ّق ُوا َ
تفسير قوله تعالى) :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم( ١٥.٣
تفسير قوله تعالى) :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا ًمن ربكم(
ح أَ ْن تَب ْت َغ ُوا{ ]البقرة [١٩٨:يعني :في أن تبتغوا ،أي :تطلبوا.
ْس عَلَيْك ُ ْم جُنَا ٌ
قال تعالى} :لَي َ
}ف َضْ ل ًا م ِنْ ر َبِّكُمْ{ ]البقرة [١٩٨:بالتجارة في الحج ،نزل ردا ً لـكراهتهم ذلك ،فبعض الناس كانوا يتحرجون من التجارة في الحج،
ْس عَلَيْك ُ ْم جُنَاحٌ(( وهذه الصيغة تفيد الإباحة.
فنزلت هذه الآية لإباحة ذلك)) ،لَي َ
الل ّه َ عِنْد َ ال ْمَشْعَرِ الْحَرَا ِم{ بعد المبيت بمزدلفة للتلبية والتهليل والدعاء،
ات{ بعد الوقوف بها} ،فَا ْذك ُر ُوا َ
}ف َِإذ َا أَ ف َضْ تُم ْ{ أي :دفعتم }م ِنْ ع َرَف َ ٍ
وقيل :المشعر الحرام هو جبل في آخر المزدلفة يقال له :قزح ،وأغلب الناس لا يقفون هذه الوقفة ،وهذه غير وقفة عرفات ،ووقفة
عرفات كل الناس يهتمون بها ،أما وقفة المزدلفة فيندر من يهتم بها من الحجاج ،وهي وقفة تكون بعد صلاة الفجر ،فيصلي الحاج الفجر
مبكرا ً جدا ً بقدر المستطاع ثم يستقبل القبلة ،و يظل واقفا ًيدعو حتى إذا أسفر جدا ً -يعني :ينتشر الضوء وتكاد الشمس أن تطلع -يتجه
إلى منى لرمي جمرة العقبة الـكبرى ،فهذه الوقفة من المواضع المباركة في الحج ،ولـكن أكثر الناس يغفل عنها ،وفي الحديث) :أنه صلى
الل ّٰه عليه وسلم وقف في المشعر يذكر الل ّٰه ويدعو حتى أسفر جداً( رواه مسلم.
Shamela.org ٢٧٧
البقرة ][199 - 196 ١٥
}و َا ْذك ُر ُوه ُ كَمَا هَد َاكُمْ{ لمعالم دينه ومناسك حجه ،والكاف هنا للتعليل ،يعني :لأنه هداكم} ،و َِإ ْن كُنتُم ْ م ِنْ قَبْلِه ِ{ يعني :من قبل هداه،
ن َ
الضّ الِّينَ{ يعني :عن هذه الشرائع. }لم َ ِ َ
Shamela.org ٢٧٨
البقرة ][217 - 203 ١٦
معنى قوله تعالى) :فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه( ١٦.١.٢
معنى قوله تعالى) :فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه(
قال تعالى} :فَم َنْ تَع َ َج ّ َ
ل فِي يَوْم َيْنِ فَلا ِإثْم َ عَلَيْه ِ{ ]البقرة.[٢٠٣:
قوله) :من تعجل( أي :بالنفر من منى بعد رمي الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة فلم يمكث حتى يرمي في اليوم الثالث ،واكتفى
برمي الجمار في يومين من هذه الأيام فلا يأثم بهذا التعجيل.
فيرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة ،كل جمرة يرميها بسبع حصيات ،ثم من رمى اليوم الثاني ،وأراد أن يدع البيتوتة
الليلة الثالثة ورمي يومها فهذا سائغ له ،بشرط ألا تغرب عليه الشمس وهو في منى ،أي :إذا رمى الجمرات ونوى أن يتعجل لـكنه قبل
أن يخرج من منى و يغادرها غربت الشمس عليه ،فيجب عليه في هذه الحالة أن يبيت ،فمن أراد التعجل يجب عليه أن يخرج من منى
قبل غروب الشمس.
Shamela.org ٢٧٩
البقرة ][217 - 203 ١٦
)ومن تأخر( يعني :من أخر الرمي أو بقي في منى حتى رمى في اليوم الثالث )فلا إثم عليه( ،أي :في تأخره ،وال ُ ّ
سنة هي التأخر؛ لأن
النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم لم يتعجل في يومين ،بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشر يق الثلاثة.
ولا يقال هذا اللفظ -أي) :فلا إثم عليه( -في حق من أتى بتمام العمل ،والأصل أن كلمة )فلا إثم عليه( تقال في حق المقصر ،ولا
تقال أصلا ًفي حق من كم ّل العمل وأتى بكماله ،فقوله) :ومن تأخر فلا إثم عليه( هي مجرد مشاكلة للفظ الأول في قوله) :فمن تعجل في
يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه( ،وإلا فإن الذي يأتي بالعبادة على أكمل وجوهها لا يقال في حقه) :فلا إثم عليه( ،ولـكن
هذا من باب المشاكلة ،ولها نظائر في القرآن الـكريم مثل قوله تعالى} :وَجَز َاء ُ سَي ِّئَة ٍ سَي ِّئ َة ٌ مِث ْلُه َا{ ]الشورى ،[٤٠:هل السيئة التي تعاقب
أنت فيها بالمثل تسمى سيئة؟ لا ،فمثلاً :القصاص أو العقوبة بالمثل هي عدل ،وسميت سيئة فقط لمجرد المشاكلة؛ لاشتمالهما في لفظ
واحد مشاكلة للفظ الثاني.
ل م َا ع ُوقِب ْتُم ْ بِه ِ{ ]النحل) ،[١٢٦:عوقبتم به( هذه يراد بها الإيذاء الذي بدئ
كذلك أيضا ًقوله تبارك وتعالى} :و َِإ ْن عَاقَب ْتُم ْ فَع َاق ِب ُوا بِمِث ْ ِ
به ،فهل هذا الابتداء للإيذاء يسمى عقوبة؟ كلا! لا يسمى عقوبة ،لـكن هذا من باب المشاكلة.
ل م َا اعْتَد َى عَلَيْكُمْ{ ]البقرة ،[١٩٤:هل مقابلة المعتدي بمثل عدوانه يسمى
ن اعْتَد َى عَلَيْك ُ ْم فَاعْتَد ُوا عَلَيْه ِ بِمِث ْ ِ
كذلك قوله تعالى} :فَم َ ِ
عدواناً؟ في الحقيقة ليس عدواناً ،لـكنه عدل ،لـكن تسميته بالاعتداء من باب المشاكلة اللفظية ،ونحن نعلم أن جزاء السيئة والعدوان
ليس بسيئة ولا عدوان ،فإذا حمل على موافقة اللفظ ما لا يصح في المعنى فلأن يحمل على موافقة اللفظ ما يصح في المعنى أولى؛ لأن
المقصود نفي الاسم عنه ،يعني :أنه من حيث المعنى صحيح ،فمن تأخر فلا إثم عليه.
وقيل :رفع الإثم عن المتعجل والمتأخر على وجه الإباحة ،أي :المقصود :فلا إثم في الحالتين ،بمعنى :إباحة التعجل وإباحة التأخر.
وقيل :رفع الإثم أنه حق ظهورهما بإقامتهما الحج ،فعجل أو تأخر) ،فلا إثم عليه( يعني :ستغفر له ذنوبه ،أو ستحط عنه آثامه بسبب
أنه أدى الحج بشرطه.
)فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه( بمعنى :أن الل ّٰه سبحانه وتعالى سيغفر له ذنوبه وآثامه.
كذلك) :ومن تأخر فلا إثم عليه( أيضا ًله نفس هذا الثواب ،وعلى ذلك دل قول النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم) :من حج فلم يرفث
ن َات ّقَى{ ]البقرة ،[٢٠٣:فما دام الأول اتقى
ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه( ،والشرط في ذلك هو التقوى ،لذلك قال} :لم ِ َ ِ
الل ّٰه ،والثاني اتقى الل ّٰه ،فحج ولم يرفث ولم يفسق كان جزاءه رفع الآثام عنه وتطهيره منها.
)لمن اتقى( أي :أن الذي ذكر من التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر أو من الأحكام إنما هو لمن اتقى؛ لأنه هو الذي ينتفع بهذا
الل ّهِ{ ]الروم،[٣٨: ك خَيْر ٌ ل َِل ّذ ِي َ
ن يُر ِيد ُونَ وَجْه َ َ الحج ،فالذي ينتفع بالحج هو الذي يتقي الل ّٰه تبارك وتعالى ،كما في قوله تبارك وتعالى} :ذَل ِ َ
وكذلك قوله تعالى) :هدى للمتقين( ،فكذلك هنا قوله) :فلا إثم عليه( إنما يكون هذا )لمن اتقى(.
)واتقوا الل ّٰه( أي :في جميع أموركم.
)واعلموا أنكم إليه تحشرون( أي :للجزاء على أعمالـكم ،وهذا تأكيد للأمر بالتقوى ،وحث على التشديد في أمرها؛ لأن من تصور أنه لابد
له من حشر ومحاسبة ومساءلة ،وأن بعد الموت لا دار إلا الجنة أو النار صار ذلك من أقوى الدواعي له إلى تقوى الل ّٰه عز وجل.
والحشر :اسم لما يقع من أحداث ابتداء من خروج الموتى من الأجداث -من القبور -للبعث والنشور إلى انتهاء موقف الحساب ودخول
الناس الجنة أو النار ،هذا هو ما يطلق عليه اسم :الحشر.
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :واذكروا الل ّٰه( :بالتكبير عند رمي الجمرات.
)في أيام معدودات( :وهي أيام التشر يق الثلاثة.
)فمن تعجل( أي :استعجل بالنفر من منى.
)في يومين( أي :في ثاني أيام التشر يق بعد رمي الجمار ،و )تعجل( أي :بأن يرمي الجمار ثم ينفر.
Shamela.org ٢٨٠
البقرة ][217 - 203 ١٦
تفسير قوله تعالى) :فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه( ١٦.٢
تفسير قوله تعالى) :فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه(
تفسير قوله تعالى) :ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا والل ّٰه لا يحب الفساد( ١٦.٣
تفسير قوله تعالى) :ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا والل ّٰه لا يحب الفساد(
ض الل ّه َ عَلَى م َا فِي قَل ْبِه ِ و َه ُو َ أَ ل َُد ّ الْخِصَا ِم * و َِإذ َا تَو َلَ ّى َ
سع َى فِي الأَ ْر ِ ك قَو ْلُه ُ فِي الْحيََاة ِ ال ُد ّن ْيَا و َيُشْهِد ُ َ
س م َنْ يُعْجِب ُ َ ن َ
الن ّا ِ يقول تعالى} :وَم ِ َ
يح ُ ّ
ِب الْفَسَاد َ{ ]البقرة.[٢٠٥ - ٢٠٤: ل و ََالل ّه ُ لا ُ ك الْحَر ْثَ و ََالن ّ ْ
س َ سد َ ف ِيهَا و َيُه ْل ِ َ
لِي ُ ْف ِ
قوله تعالى) :يعجبك قوله في الحياة الدنيا( أي :يعظم في نفسك حلاوة حديثه وفصاحته في أمر الحياة الدنيا التي هي مبلغ علمه.
)ويشهد الل ّٰه على ما في قلبه( أي :يحلف بالل ّٰه على الإيمان به ،يقول :الل ّٰه يشهد أن في قلبي الإيمان بالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،الل ّٰه يشهد
أنني صادق في ذلك ،الل ّٰه يشهد أنني مؤمن بالقرآن! فهو يحلف بالل ّٰه على الإيمان به والمحبة له ،وأن الذي في قلبه موافق للسانه؛ لئلا
يُتفرس فيه الـكفر والعداوة.
أو أن معنى) :ويشهد الل ّٰه على ما في قلبه( أي :يظهر لك الإسلام ويبارز الل ّٰه بما في قلبه من الـكفر والنفاق ،وهذا معنى دقيق ينبغي
التنبه له.
فحظك أنت منه الكلام المعذور والإقرار بالإيمان والتصديق ،فهو يخبئ في قلبه ما الل ّٰه مطلع عليه ،وحظ الل ّٰه منه أنه مطلع على ما في
قلبه ،فيجعل الل ّٰه يرى في قلبه النفاق ،وحظك أنت التصديق باللسان! يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى) :ويشهد الل ّٰه على ما في قلبه( أي:
يحلف بالل ّٰه على الإيمان به والمحبة له ،وأن الذي في قلبه موافق للسانه؛ لئلا يُتفرس فيهم الـكفر والعداوة.
أو معناه :يظهر لك الإسلام ويبارز الل ّٰه بما في قلبه من الـكفر والنفاق ،على نحو ما وصف به أهل النفاق ،كما وصف الل ّٰه أهل النفاق
الل ّهِ{
ن َ س و َلا يَسْت َخْ ف ُونَ م ِ َ ن َ
الن ّا ِ الل ّهِ{ ]المنافقون ،[١:كقوله تعالى} :يَسْت َخْ ف ُونَ م ِ َ
ل َ بقوله حاكيا ً عنهم حين قالوا} :نَشْهَد ُ ِإ َن ّ َ
ك لَرَسُو ُ
]النساء.[١٠٨:
وقوله عز وجل} :و َه ُو َ أَ ل َُد ّ الْخِصَا ِم{ ]البقرة [٢٠٤:أي :شديد الخصومة والجدل بالباطل.
يح ُ ّ
ِب الْفَسَاد َ{ ]البقرة.[٢٠٥: ل و ََالل ّه ُ لا ُ ك الْحَر ْثَ و ََالن ّ ْ
س َ سد َ ف ِيهَا و َيُه ْل ِ َ
ض لِي ُ ْف ِ ثم يقول تعالى} :و َِإذ َا تَو َلَ ّى َ
سع َى فِي الأَ ْر ِ
)وإذا تولى( أي :إذا انصرف عمن خدعه بكلامه ،سواء الرسول عليه السلام أو غيره ،وانصرف من أمام هذا الذي قال له هذا الكلام
المعقول ،وأشهده على ما في قلبه من الإيمان والتصديق كاذباً.
)سعى( أي :مشى.
)سعى في الأرض ليفسد فيها( :ليدخل ال ُ ّ
شبه في قلوب المسلمين ،وباستخراج الحيل في تقو ية الـكفر ،وهذا المعنى يسمى :فساداً ،وهو
إثارة الشبهات والتشويش على الناس بإيمانهم.
كذلك أيضاً :استخراج الحيل والأساليب التي بها يقوي الـكفار على المسلمين فهذا فساد ،كقول الل ّٰه عز وجل حاكيا ًعن الملأ من قوم
سد ُوا فِي الأَ ْرضِ{ ]الأعراف [١٢٧:أي :يردوا قومك عن دينهم و يفسدوا عليهم عقيدتهم.
فرعون قولهم} :أَ تَذَر ُ م ُوس َى و َقَوْم َه ُ لِي ُ ْف ِ
Shamela.org ٢٨١
البقرة ][217 - 203 ١٦
إذا حصل هذا التشويش والتشكيك بإثارة الشبهات في الدين وفي العقيدة وفي غير ذلك من أمور الدين ،فيحصل بذلك أن الناس
ينقسمون و يختلفون ،وبالتالي ٺتفرق كلمتهم ،و يؤدي إلى أن يتبرأ بعضهم من بعض ،فتنقطع الأرحام ،وتسفك الدماء ،وبيان هذا كثير
في القرآن المجيد.
)ويهلك الحرث( أي :الزرع) ،والنسل( أي :النواسل الناتجة.
قال بعض المحققين :إن إهلاك الحرث والنسل كناية عن الإيذاء الشديد ،والتعبير به عن ذلك صار من قبيل المثل.
أي :إذا أردت أن تعبر عن شخص تمادى في الإفساد فإنك تذكر أن هذا قد أدى إلى إهلاك الحرث والنسل.
)والل ّٰه لا يحب الفساد( أي :لا يرضى فعله.
فكل فساد يبغضه الل ّٰه سبحانه وتعالى ولا يرضى عنه ،ولذلك نقول :إنه لا ينبغي أن يسمح بوجود الفساد حتى في الـكفار ،وبعض
الناس يقول :عندي جهاز خبيث مثلا ًكالدش أو هذه الأجهزة المعروفة بالفجور ،فهل أعطيها لرجل نصراني؛ لأني أريد أن أتوب،
فلو أعطيتها لمسلم فسيفسد أهله وأولاده؟! ف
الجواب إن الل ّٰه سبحانه وتعالى لا يحب الفساد سواء أتى من مسلم أو أتى من كافر ،وتقليل الفساد ما أمكن هو أمر يحبه الل ّٰه عز وجل،
سواء كان المفسد مسلما ًأو كافراً.
وأنت تلاحظ في أوائل الآيات في سورة البقرة حينما حكى الل ّٰه سبحانه وتعالى صفات هؤلاء المنافقين ،بدأ أولا ً بنهيهم عن الفساد،
ثم ثنى بأمرهم بالإيمان ،فدل على أن الـكفار مخاطبون بفروع الشر يعة على التفصيل الذي نذكره في مناسبات أخرى ،فالل ّٰه سبحانه
ن م ُصْ لِحُونَ * أَ لا ِإ َ ّنه ُ ْم هُم ُ ال ْم ُ ْف ِ
سد ُونَ و َلـَكِنْ ض قَالُوا ِإ َن ّمَا َ
نح ْ ُ سد ُوا فِي الأَ ْر ِ
ل لَه ُ ْم لا ت ُ ْف ِ
وتعالى قبل أن يأمرهم بالإيمان قال} :و َِإذ َا ق ِي َ
ن ال ُ ّ
سفَه َاءُ{ ]البقرة.[١٣: ن كَمَا آم َ َ
اس قَالُوا أَ نُؤْم ِ ُ ن َ
الن ّ ُ ل لَه ُ ْم آم ِن ُوا كَمَا آم َ َ
لا يَشْع ُر ُونَ{ ]البقرة ،[١٢ - ١١:ثم قال} :و َِإذ َا ق ِي َ
إذاً) :والل ّٰه لا يحب الفساد( عامة ،فكل فساد لا يحبه الل ّٰه سبحانه وتعالى ،سواء كان الذي قام به مسلما ًأم مشركاً.
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل له اتق الل ّٰه أخذته العزة بالإثم( ١٦.٤
تفسير قوله تعالى) :وإذا قيل له اتق الل ّٰه أخذته العزة بالإثم(
جه َ َن ّم ُ و َلَب ِئ َ
ْس الْمِه َاد ُ{ ]البقرة.[٢٠٦: الل ّه َ أَ خَذ َت ْه ُ ال ْع َِز ّة ُ ب ِِالإ ْث ِم فَحَسْب ُه ُ َ
ق َ ل لَه ُ َات ّ ِ
يقول تعالى} :و َِإذ َا ق ِي َ
)إذا قيل له( أي :تذكيرا ً وموعظة له) ،اتق الل ّٰه( يعني :في النفاق ،واحذر سوء عاقبته ،أو )إذا قيل له اتق الل ّٰه( أي :في هذا الإفساد
الذي تفسده في الأرض ،وهذا الإهلاك ،وهذا الجدال بالباطل.
)أخذته العزة بالإثم( أي :حملته الأنفة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم وهو :التكبر.
فيقول مثلاً :نحن في حضارة منذ سبعة آلاف سنة ،ولا يمكن أن يعقب طارئ يغيرنا عن عقيدتنا! فقوله تبارك وتعالى) :أخذته
العزة( أي :يتكبر عن الانقياد للحق ،تحمله الأنفة وحمية الجاهلية ،يحمى ويحمر أنفه ،أي :بحمية الجاهلية على الفعل بالإثم ،وتدفعه هذه
الحمية إلى إثم التكبر وعدم الانقياد للحق.
أو المعنى) ،أخذته العزة بالإثم( أي :أخذته الحمية للإثم الذي في قلبه فمنعته عن قبول الناصح.
)فحسبه جهنم( أي :فتكفيه جهنم إذا صار إليها واستقر فيها جزاء ً وفاقاً.
)ولبئس المهاد( أي :الفراش الذي يستقر عليه بدل فراش عزته ،والمهاد والمهد معروف ،وكل شيء وطيء يطلق عليه :ممهد ،كطر يق
ممهد ،والمهاد يجعل تارة جمعا ًوتارة يجعل الآلة) ،مهاد( جمع مهد ،أو )مهاد( الآلة التي هي الفراش.
َاب أَ ل ٍِيم{ ]آل عمران ،[٢١:فكلمة التبشير أو
وجعل جهنم مهاد الظالم كما جعل العذاب مبشرا ً به في قوله تبارك وتعالى} :فَبَش ِّرْه ُ ْم بِعَذ ٍ
البشارة أو البشرى مأخوذ من البشرة؛ لأن الإنسان إذا سمع الخـبر الحسن الطيب يظهر على بشرته السرور والانشراح ،فلذلك سميت
Shamela.org ٢٨٢
البقرة ][217 - 203 ١٦
Shamela.org ٢٨٣
البقرة ][217 - 203 ١٦
تفسير قوله تعالى) :ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الل ّٰه( ١٦.٥
تفسير قوله تعالى) :ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الل ّٰه(
الل ّه ِ و ََالل ّه ُ ر َء ُ ٌ
وف ب ِال ْع ِبَادِ{ ]البقرة.[٢٠٧: س م َنْ يَشْر ِي ن َ ْفسَه ُ اب ْتِغ َاء َ م َْرضَاة ِ َ ن َ
الن ّا ِ يقول تعالى} :وَم ِ َ
قوله) :يشري( أي :يبيع نفسه بأن يبذلها في طاعة الل ّٰه عز وجل.
)ابتغاء مرضاة الل ّٰه( أي :طلب رضا الل ّٰه عز وجل.
)والل ّٰه رءوف بالعباد( حيث أرشدهم لما فيه رضاه ،وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة مع كفرهم به وتقصيرهم في أمره ،وهذا يتعلق
برحمة العباد في الدنيا وهي عامة للمؤمن والكافر.
تنبيه مهم :قال بعض العلماء :كان مقتضى المقابلة للفر يق الأول أن يوصف هذا الفر يق بالعمل الصالح ،مع عدم الدعوى والتبجح
بالقول ،أو مع مطابقة قوله لعمله ،وموافقة لسانه لما في جنانه.
فالآية) :ومن الناس من يشري نفسه( ٺتضمن عكس الصفات السابقة كلها ،وإن لم تنص عليها صراحة ،فإن من يبيع نفسه لل ّٰه،
و يجود بها ،فهذا يدل على أقصى غاية الجود ،فالجود بالنفس يدل على أقصى وأعلى درجات الإيمان واليقين التي تستلزم ما عداها وما
دونها من صفات الإيمان ،فإن من يبيع نفسه لل ّٰه لا يريد ثمنا ًلها غير مرضاته ،فلا يتحرى إلا العمل الصالح وقول الحق والإخلاص في
القلب ،فلا يتكلم بلسانين ،ولا يقابل الناس بوجهين ،ولا يؤثر على ما عند الل ّٰه عرض الحياة الدنيا ،وهذا هو المؤمن الذي يعتز بالقرآن
وبإيمانه.
فهذه ٺتضمن الصفات المقابلة لصفات الفر يق الأول ،إلى أن يأتي في الدلالة على اتصاف المؤمن بهذه الصفات قوله تعالى) :ومن
الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الل ّٰه( ،إذ بلغ اجتهاده في إرضاء الل ّٰه إلى حد أنه حمل روحه على كفيه وجاد بها إرضاء لل ّٰه ،فهل
مثل هذا يكون ذا وجهين؟! وهل مثل هذا يتكلم بلسانين؟! وهل مثل هذا يرتضي عرض الدنيا بدلا ًعن الآخرة؟! إذاً :هذا الوصف
يتضمن كل الصفات المقابلة لصفات الفر يق الأول.
وقد أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال :أقبل صهيب مهاجرا ً إلى النبي صلى الل ّٰه عليه
وسلم ،فتبعه نفر من قريش ،فنزل عن راحلته ،وأخرج ما في كنانته -أي :أخرج السهام من الكنانة -ثم قال :يا معشر قريش! لقد علمتم
أني من أرماكم رجلاً ،وايم الل ّٰه! لا تصلون إلي حتى أرمي كل سهم معي في كنانتي ،ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ،ثم
افعلوا ما شئتم -ثم بعد هذا الإرهاب لهم يقول :-وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا :نعم.
فالباطل أمام المال يسيل لعابه ،نسوا أنهم خرجوا يطاردون هذا المهاجر إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى وإلى رسوله ،فبعدما أرهبهم بهذه الطر يقة
أغراهم بالمال فخضعوا أمام المال وسال لعابهم ،فنسوا ما عندهم من العقائد الباطلة التي خرجوا يقاتلونه من أجلها ،فلما قال لهم :وإن
شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا :نعم ،فلما قدم على النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم المدينة قال) :ربح البيع أبا يحيى! ربح البيع
الل ّه ِ و ََالل ّه ُ ر َء ُ ٌ
وف ب ِال ْع ِبَادِ{ ]البقرة.[٢٠٧: س م َنْ يَشْر ِي ن َ ْفسَه ُ اب ْتِغ َاء َ م َْرضَاة ِ َ ن َ
الن ّا ِ أبا يحيى!( ونزلت هذه الآية} :وَم ِ َ
وهناك قول لبعض العلماء وهو :أن هذه الآية نزلت في قصة قريش ،فإذا صحت فلا يعني ذلك أنها بالفعل نزلت في هذا الحديث
Shamela.org ٢٨٤
البقرة ][217 - 203 ١٦
بالذات ،وإنما يعني أنها تصدق على هذه الواقعة ،فإن من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال :نزلت الآية في كذا ،فإنه يريد
بذلك أنها ٺتضمن هذا الحكم ،لا أن هذا كان السبب في وجودها ،فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية ،لا من جنس النقل لما
وقع في أسباب النزول التي يدخلها قدر من الاجتهاد ،لـكن لا يعول في أسباب النزول إلا على ما صح منه ،وارتفع عن درجة الضعف.
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :ومن الناس من يشري نفسه( أي :يبيع نفسه.
والبيع قد يطلق على الشراء ،والشراء يطلق على البيع ،ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام) :البيعان بالخيار ما لم يتفرقا() ،البيعان(
يعني :البائع والمشتري ،فهو يطلق على البائع والمشتري.
)ومن الناس من يشري( أي :يبيع نفسه ويبذلها في طاعة الل ّٰه.
)ابتغاء( أي :طلب.
)مرضاة الل ّٰه( أي :رضاه ،وهو صهيب لما آذاه المشركون هاجر إلى المدينة وترك لهم ماله.
)والل ّٰه رءوف بالعباد( :حيث أرشدهم لما فيه رضاه.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة( ١٦.٦
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة(
Shamela.org ٢٨٥
البقرة ][217 - 203 ١٦
أو اصطدامها ،ويرجح الأهم ،لـكن لا يوصف شيء من أمر الدين أبدا ً بأنه قشور ،وأننا ينبغي أن نهتم باللب؛ لأن الذي تراه أنت لبا ً
يراه غيرك قشراً ،فتصبح الأمور فوضى ،فهذه الآية من أعظم ما يستدل به على إبطال هذه البدعة والضلالة ،وهي تقسيم الدين إلى
قشور ولباب ،أو إلى مظاهر وجواهر.
ثم يتبع ذلك التقسيم المناداة بإهمال هذه القشور ،والتمسك باللباب والروح! فبعضهم يقول لك :كن مع روح النص! فكأنه يقول:
علينا أن نستمسك بروح النصوص لا بحرفيتها! وهم يريدون أن يهلـكوا روح النصوص لا أن يتبعوا أرواح النصوص.
سلْم ِ ك ََاف ّة ً{ ]البقرة [٢٠٨:أي :التزموا بجميع شرائع الإسلام ،وأنت -أيها المسلم -ادفع بهذه الآية في }ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ا ْدخ ُلُوا فِي ال ِّ
نحر كل من يعاندك أو يعارضك ،إذا نصحته بقول الل ّٰه أو بقول رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ورددت على قوله بأن هذه سفاسف
أو أنها أمور تافهة ،أو أنها قشور ،فقل له :يقول الل ّٰه عز وجل) :ادخلوا في السلم كافة( يعني :التزموا بكل وجميع شرائع الإسلام دون
استثناء.
ات ال َ ّ
شيْطَانِ{ ]البقرة [٢٠٨:أي :طرقه التي يأمركم بها. خط ُو َ ِ
}و َلا ٺَت ّب ِع ُوا ُ
وقد جاء التعبير بخطوات الشيطان؛ لأن الشيطان خبير في استدراج الإنسان إلى المحرمات ،فلا يأمره مباشرة أن يرتكب الفاحشة،
لـكن يسهل الأمر ،يسهل له النظر في البداية ،وربما زين له هذا بقوله :تأمل في خلق الل ّٰه وإبداع الل ّٰه في خلقه ،كما يز يغ بذلك بعض
زنادقة العصر فيقول :إن غض البصر لابد أن نفهمه فهما ًعصر ياً ،أنت تنظر للمحرمات مثلا ًمن النساء المتبرجات أو غير ذلك وقلبك
سليم ،بنية التأمل في إبداع خلق الل ّٰه وغير ذلك من الكلام! فهذا من خطوات الشيطان حيث يستدرج الإنسان خطوة خطوة.
كذلك أيضاً :الفسق والفجور يسمونه فناً ،وأن الموضوع بعيد جدا ً عن هذا التفكير الحيواني الذي تتهموننا به يا معشر المتدينين!! وهم
أشد الناس فسادا ً وغرقا ًفيما حرم الل ّٰه سبحانه وتعالى.
إذاً :الشيطان يضل الإنسان عن طر يق خطوات يتم فيها استدراج الإنسان خطوة خطوة ،فلو أتى بك من أعلى السلم وقال لك :ار ِم
نفسك! فستقول :لا ،سأهلك! لـكنه يأخذك خطوة خطوة ،درجة درجة ،وهذه حيلته :نظرة فابتسامة فكلام فسلام فموعد فلقاء!
والل ّٰه أعلم ما يكون من البلاء بعد ذلك! فهذه حكمة من الل ّٰه سبحانه وتعالى أنه يقول) :خطوات الشيطان( ،عندما يستدرجك إلى
الحرام.
خطْوات( ،وقد قرئ بهما في القراءات
خط ُوات( أو ) ُ
خط ُوات( وإسكانها لغة ،أي :في اللغة يمكن أن تكونُ ) :
م الطاء من ) ُ
وض ّ
السبع.
ِ}إ َن ّه ُ لـَك ُ ْم عَد ُ ّو ٌ م ُبِينٌ{ ]البقرة [٢٠٨:أي :ظاهر العداوة أو مظهر لها.
كما أخبرناكم عن قصته مع أبيكم آدم عليه السلام وغيره مما شواهده ظاهرة.
سلْم ِ ك ََاف ّة ً(( )السلم( بفتح السين وكسرها يعني :الإسلام. يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى)) :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ا ْدخ ُلُوا فِي ال ِّ
)كافة( حال من السلم أي :في جميع شرائعه.
)ولا ٺتبعوا خطوات( أي :طرق )الشيطان( أي :تزيينه بالتفر يق بين أمور الدين.
)إنه لـكم عدو مبين( أي :بيّن العداوة.
Shamela.org ٢٨٦
البقرة ][217 - 203 ١٦
)من بعد ما جاءتكم البينات( أي :الآيات الظاهرة على أن ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحق )فاعلموا أن الل ّٰه عزيز حكيم(.
يقول السيوطي) :فإن زللتم( أي :م ِل ْتم عن الدخول في جميعه.
)من بعد ما جاءتكم البينات( أي :الحجج الظاهرة على أنه حق.
)فاعلموا أن الل ّٰه عزيز( لا يعجزه شيء عن انتقامه منكم.
)حكيم( أي :في صنعه.
تفسير قوله تعالى) :هل ينظرون إلا أن يأتيهم الل ّٰه( ١٦.٨
Shamela.org ٢٨٧
البقرة ][217 - 203 ١٦
بيان خطأ السيوطي في تفسير قوله تعالى) :هل ينظرون إلا أن يأتيهم الل ّٰه( ١٦.٨.١
بيان خطأ السيوطي في تفسير قوله تعالى) :هل ينظرون إلا أن يأتيهم الل ّٰه(
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى في قوله عز وجل) :هل ينظرون( أي :ما ينتظر التاركون الدخول فيه) ،إلا أن يأتيهم الل ّٰه( يعني :إلا
أن يأتيهم أمر الل ّٰه ،كقوله} :أَ ْو ي َأْ تِي َ أَ مْرُ ر َبِّكَ{ ]النحل [٣٣:أي :عذابه.
اهـ.
وفي مثل هذه المواضع في التفسير لا يجوز الاعتماد على كلام الجلالين ،أي :في مواضع التأو يل المخالف لمنهج السلف ،وهذا من
المواضع التي خالف فيها السيوطي منهج السلف ،ولابد من الاعتماد في مثل هذه المواضع على منهج السلف ،فلا نقول مثلاً) :والل ّٰه
ِب ال ْم ُحْ سِنِينَ{ ]آل عمران ،[١٣٤:أي :يثيبهم! بل هذه صفة من صفات الل ّٰه لا يجوز تأو يلها يح ُ ّ يحب المتقين( أي :يثيبهم! أو }و ََالل ّه ُ ُ
وتعطيلها.
ن الْغَم َا ِم و َال ْمَلائِك َة ُ و َقُضِيَ الأَ مْرُ{ ]البقرة [٢١٠:هذه الآية لها أسباب تدل
ل مِ َ كذلك قوله هنا} :ه َلْ يَنظ ُر ُونَ ِإ َلّا أَ ْن ي َأْ تِيَهُم ُ َ
الل ّه ُ فِي ظُل َ ٍ
على أن هذا الوعيد أخروي ،ولذلك قال ابن كثير في معنى هذه الآية :يقول تعالى مهددا ً للكافرين بمحمد صلوات الل ّٰه وسلامه عليه:
ن الْغَم َا ِم و َال ْمَلائِك َة ُ{ ]البقرة [٢١٠:يعني :يوم القيامة؛ لفصل القضاء بين الأولين والآخرين،
ل مِ َ }ه َلْ يَنظ ُر ُونَ ِإ َلّا أَ ْن ي َأْ تِيَهُم ُ َ
الل ّه ُ فِي ظُل َ ٍ
فيجزي كل عامل بعمله إن خيرا ً فخـير ،وإن شرا ً فشر.
ص ً ّفا
ك َ ْض د َ ًكّا د َ ًكّا * وَج َاء َ ر َُب ّ َ
ك و َال ْمَل َ ُ ولهذا قال تعالى) :وقضي الأمر وإلى الل ّٰه ترجع الأمور( كما قال تعالى} :ك َلَ ّا ِإذ َا د ُ َكّ ِ
ت الأَ ر ُ
الإنس َانُ و َأَ َن ّى لَه ُ الذِّك ْر َى{ ]الفجر ،[٢٣ - ٢١:وقال عز وجل} :ه َلْ يَنظ ُر ُونَ ِإ َلّا أَ ْن ت َأْ تِيَهُم ُ ص ً ّفا * وَجِيء َ يَوْم َئِذٍ بِ جَه َ َن ّم َ يَوْم َئِذٍ يَتَذ َ َك ّر ُ ِ
َ
َات ر َبِّكَ{ ]الأنعام ،[١٥٨:فوصف الل ّٰه سبحانه وتعالى نفسه بالإتيان في ظلل من الغمام
ْض آي ِ ال ْمَلائِك َة ُ أَ ْو ي َأْ تِي َ ر َُب ّ َ
ك أَ ْو ي َأْ تِي َ بَع ُ
كوصفه بالمجيء في آيات أخر ،ونحوهما مما وصف به نفسه في كتابه أو صح عن رسوله صلى الل ّٰه عليه وسلم.
والقول في الصفات كالقول في الذات ،والل ّٰه تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ،فمن قال :كيف يجيء الل ّٰه
سبحانه وتعالى؟ فيقال له :كيف ذاته؟ فسيقول :لا أعلم كيفية ذاته ،فيقال له :وكذلك لا نعلم كيفية صفاته؛ فالكلام على الصفات
فرع عن الكلام في الذات ،فلأنك ٺثبت ذاتا ًلا كذوات المخلوقين ،كذلك ٺثبت صفات لا كصفات المخلوقين ،فالسلف يقولون :نحن
نجري هذه الصفات على ظاهرها ،و يعنون أن ظاهرها هو ما يليق بالل ّٰه سبحانه وتعالى ،والظاهر لائق بالل ّٰه سبحانه وتعالى ،يعني :إذا
الل ّهِ{ ]المائدة [٦٤:أو غير ذلك من الصفات، سمعت صفة من صفات الل ّٰه كقوله} :ث َُم ّ اسْ ت َو َى عَلَى الْعَرْشِ{ ]الأعراف ،[٥٤:أو} :يَد ُ َ
مثل :أن الل ّٰه يحب أو يفرح أو يعجب ،أو غير ذلك من الصفات ،فظاهرها هو كما يليق به سبحانه وتعالى ،وليس ظاهرها مشابهة
المخلوقين ،فمن قال كما قال السلف :ظاهرها على ما يليق بالل ّٰه ،فبالتالي لن يحتاج لها إلى تأو يل ولا إلى تعطيل ،ولا إلى غير ذلك من
المسالك الضالة.
ومن العلماء من فهم أن ظاهرها هو مشابهة المخلوقين ،فاحتاج إلى أن ينفي الصفة ليحترز من ذلك فقال :الظاهر غير مراد ،ومعنى
القول بأن الظاهر غير مراد ،أي :إذا قال) :استوى على العرش( يكون ظاهر الكلام غير مقصود؛ لأن ظاهره يقتضي التشبيه ،وهو
مشابهة المخلوقين كما يزعمون.
وهذا المسلك يترتب عليه كثير من المخاطر ،وأول شيء أنه لما سمع صفات الل ّٰه لم يقل :هي كما يليق بالل ّٰه سبحانه وتعالى ،وإنما قال:
كالمخلوقين ،فانصرف ذهنه إلى التشبيه ،فأراد الهروب من هذا التشبيه فوقع في حفرة أخرى وهي حفرة التعطيل ،فعطل الصفة
وأنكرها ،فبالتالي يكون قد حرف الكلام؛ لأنه نفى عن الل ّٰه ما وصف به نفسه.
أما منهج السلف ففيه السلامة من هذا؛ لأنك لا تقع في التشبيه ،بل أنت تقول :ظاهرها هو كما يليق بالل ّٰه سبحانه وتعالى ،وتؤكد ذلك
ْس كَمِثْلِه ِ شَيْء ٌ و َه ُو َ ال َ ّ
سمِي ُع الب َصِ ير ُ{ ]الشورى ،[١١:فكما أننا لا نعلم كيفية ذات الل ّٰه ،كذلك لا نعلم كيفية صفاته ،وقد بقولك} :لَي َ
Shamela.org ٢٨٨
البقرة ][217 - 203 ١٦
تفسير قوله تعالى) :سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة( ١٦.٩
تفسير قوله تعالى) :سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة(
ل ك َ ْم آتَي ْنَاه ُ ْم م ِنْ آيَة ٍ بَي ِّنَة ٍ{ ]البقرة [٢١١:أي) :سل( يا محمد! )بني إسرائيل( ،وهذا تبكيت لهم وإلزام
يقول تعالى} :سَلْ بَنِي ِإسْر َائيِ َ
لهم بالحجة) ،كم آتيناهم( )كم( استفهامية ،وهي َ
معل ّقة بـ )سل( عن المفعول الثاني ،فـ )كم( ثاني مفعولي لـ )آتينا( ،ومميزها قوله:
)من آية بينة( أي :ظاهرة كفلق البحر ،وإنزال المن والسلوى؛ فبدلوها كفراً.
الل ّهِ{ ]البقرة [٢١١:أي :يبدل ما أنعم الل ّٰه به عليه من الآيات؛ لأنها سبب الهداية )من بعد ما
ولذلك قال تعالى} :وَم َنْ يُب َ ّدِلْ نِعْم َة َ َ
جاءته( أي :يبدلها كفرا ً بدل أن يتعظ بها ويستدل بها على الإيمان والتوحيد والرسالة.
)من بعد ما جاءته( :كفراً.
الل ّه ِ ُ
كفْرًا و َأَ ح َُل ّوا قَوْمَه ُ ْم د َار َ ال ْب َوَارِ{ ن ب َ ّدلُوا نِعْم َة َ َ
)فإن الل ّٰه شديد العقاب( ولذلك قال تعالى في سورة إبراهيم} :أَ ل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال َ ّذ ِي َ
]إبراهيم.[٢٨:
يقول البقاعي :لما كان بنو إسرائيل أعلم الناس بظهور مجد الل ّٰه في الغمام ،لما رأى أسلافهم منه عند خروجهم من مصر ،وفي جبل
الطور ،وقبة الزمان ،وما في ذلك على ما نقل إليهم من وفور الهيئة وتعاظم الجلال؛ قال تعالى جوابا ًلمن قال :كيف يكون هذا؟ وهو
إشارة إلى إتيان الل ّٰه سبحانه وتعالى والملائكة في ظلل من الغمام ،فجاء الجواب مباشرة} :سَلْ بَنِي ِإسْر َائيِلَ{ ]البقرة ،[٢١١:فإن بني
إسرائيل عندهم علم من هذا ،وهذا موجود ومكتوب في كتبهم ،وهو مجيء الل ّٰه سبحانه وتعالى في ظلل من الغمام والملائكة.
Shamela.org ٢٨٩
البقرة ][217 - 203 ١٦
َاب{ ]غافر ،[٤٠:فإن كل ما دخل تحت الحساب والحق والتقدير فهو م ُتناه ٍ ،وما لا يكون
حس ٍ }ف َُأوْلَئ ِ َ
ك ي َ ْدخ ُلُونَ الْج َنَ ّة َ يُرْز َقُونَ ف ِيهَا بِغَيْر ِ ِ
متناهيا ًكان لا محالة خارجا ًعن الحساب ،فهو ثواب إلى ما لا نهاية؛ لأنه إذا دخل في الحساب صار محصورا ً معدوداً ،أما إذا كان
بغير حساب فلا نهاية له ولا حصر.
Shamela.org ٢٩٠
البقرة ][217 - 203 ١٦
Shamela.org ٢٩١
البقرة ][217 - 203 ١٦
ك م َاذ َا يُنفِق ُونَ{ ]البقرة [٢١٥:أي :الذي ينفقونه ،والسائل هو :عمرو بن الجموح وكان شيخا ًذا مال ،فسأل النبي
قوله تعالى} :يَسْأَ لُون َ َ
صلى الل ّٰه عليه وسلم عما ينفق وعلى من ينفق.
شقّي
)قل( يعني :قل لهم} :م َا أَ نفَقْتُم ْ م ِنْ خَيْرٍ{ ]البقرة ،[٢١٥:بيان شامل للقليل والـكثير ،وفيه بيان الشيء المنفق ،الذي هو أحد ِ
السؤال ،وأجاب عن المصرف الذي هو الشق الآخر بقوله} :قُلْ م َا أَ نفَقْتُم ْ م ِنْ خَيْرٍ{ ]البقرة ،[٢١٥:وكلمة) :من خير( تطلق على المال
ل{ ]البقرة [٢١٥:أي :هؤلاء أولى بهذا الجانب. }فَلِل ْوَالِدَي ْ ِن و َالأَ ق ْر َبِينَ و َال ْيَتَام َى و َال ْمَسَاكِينِ و َاب ْ ِن ال َ ّ
سب ِي ِ
}وَم َا ت َ ْفع َلُوا م ِنْ خَيْرٍ{ ]البقرة [٢١٥:يعني :إنفاق أو غيره.
الل ّه َ بِه ِ عَل ِيم ٌ{ ]البقرة ،[٢١٥:فيجازي عليه.
ن َ }ف َِإ َ ّ
تفسير قوله تعالى) :كتب عليكم القتال وهو كره لـكم( ١٦.١٤
تفسير قوله تعالى) :كتب عليكم القتال وهو كره لـكم(
قال عز وجل} :كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ الْق ِتَالُ{ ]البقرة [٢١٦:يعني :فرض عليكم القتال للـكفار.
}و َه ُو َ كُرْه ٌ لـَكُمْ{ ]البقرة [٢١٦:يعني :مكروه لـكم طبعا ًلمشقته.
شي ْئًا و َه ُو َ شَرّ ٌ لـَكُمْ{ ]البقرة ،[٢١٦:لميل النفس إلى الشهوات الموجبة لهلاكها
تح ُِب ّوا َ
شي ْئًا و َه ُو َ خَيْر ٌ لـَك ُ ْم وَع َس َى أَ ْن ُ
}وَع َس َى أَ ْن تَك ْر َه ُوا َ
ونفورها عن التكليفات الموجبة لسعادتها ،فلعل لـكم في القتال -وإن كرهتموه -خيراً؛ لأن فيه إما الظفر والغنيمة أو الشهادة والأجر،
وفي تركه -وإن أحببتموه -شراً؛ لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر.
}و ََالل ّه ُ يَعْلَم ُ{ ]البقرة [٢١٦:يعني :ما هو خير لـكم.
}و َأَ ن ْتُم ْ لا تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [٢١٦:يعني :ذلك ،فبادروا إلى ما يأمركم به.
وقفة عند قوله تعالى) :كتب عليكم القتال وهو كره لـكم( ١٦.١٤.١
وقفة عند قوله تعالى) :كتب عليكم القتال وهو كره لـكم(
الل ّه ِ
ل َ ل و َه ُو َ كُرْه ٌ لـَكُمْ{ ]البقرة [٢١٦:هذا في قتال المتعرضين لقتال المسلمين ،كما قال} :و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ
قوله تعالى} :كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ الْق ِتَا ُ
ال َ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَك ُ ْم و َلا تَعْتَد ُوا{ ]البقرة.[١٩٠:
والمراد بقتالهم :جهادهم بما يبيدهم أو يقهرهم و يخذلهم و يضعف قوتهم.
قال بعض الحكماء :سيف الجهاد والقتال هو آية العز -أي :علامة العز ،-وبه مُص ّرت الأمصار ،ومُدّنت المدن ،وانتشرت المبادئ
والمذاهب ،وحفظت الشرائع والقوانين ،وبه حمي الإسلام من أن تعبث به أيدي العابثين في الغابر ،وهو الذي يحميه من طمع الطامعين
في الحاضر ،وبه امتدت سيطرة الإسلام إلى ما وراء جبال الأورال شمالاً ،وخط الاستواء جنوباً ،وجدران الصين شرقاً ،وجبال
البرانس غرباً ،فيجب على المسلمين ألا يتملصوا من قول بعض الأوروبيېن :إن الدين الإسلامي قد انتشر بالسيف ،فإن هذا القول لا
يضر جوهر الدين شيئاً ،فإن المنصفين منهم يعلمون أنه قام بالدعوة والإقناع ،وأن السيف لم يجرد إلا لحماية الدعوة ،وإنما التملص منه
يضر المسلمين.
أي :التبرؤ من الجهاد ،فبعضهم يجعل الإسلام كأنه وضع داخل قفص الاتهام ،وكأنه هو المحامي الذي يدافع و يبرر جريمة الجهاد،
و يقولون :لا ،كل الغزوات كانت دفاعا ً وردا ً للعدوان ،ولم يكن هناك مبادأة ،وغير ذلك من هذا الكلام الاستسلامي الانهزامي!
وأخطر ما في التملص من هذا الكلام هو أنهم يضرون المسلمين؛ لأن هذا سيقعدهم عن نصرة الدين بالسيف ،و يقودهم إلى التخاذل
Shamela.org ٢٩٢
البقرة ][217 - 203 ١٦
والتواكل ،ويحملهم على الاعتقاد بترك الوسائل ،فيخلدون إلى الضعف كما هي حالتهم اليوم ،وتقتلعهم الأمم القو ية التي جعلت شعار
تمدنها :السيف أو الـكوخ ،ولعلـكم سمعتم كلمة كلينتون أو قرأتموها في الأيام الأخيرة حينما قال :إننا اتفقنا -هو وميتران -على ألا
تقوم قائمة لإسلام قوي ،وسنستعين على ذلك بالدول الإسلامية ذات الموارد الفقيرة! يقول هذا العالم :فيجب على المسلمين أن يدرسوا
آيات الجهاد صباح مساء ،و يطيلوا النظر في قوله تعالى} :و َأَ ع ِ ُ ّدوا لَه ُ ْم م َا اسْ تَطَعْتُم ْ م ِنْ ق َُو ّة ٍ{ ]الأنفال [٦٠:لعلهم يتحفزون إلى مجاراة
الأمم القو ية.
}و َه ُو َ كُرْه ٌ لـَكُمْ{ ]البقرة [٢١٦:المقصود هنا :الـكراهة الج ِبِلّية الطبعية ،وهي أن الإنسان يكره أن يُقتل أو يموت ،لـكن شرعاً :المؤمن
يحب الجهاد ،فلا تناقض.
شي ْئًا{ ]البقرة [٢١٦:كالجهاد في سبيل الل ّٰه.
}وَع َس َى أَ ْن تَك ْر َه ُوا َ
}و َه ُو َ خَيْر ٌ لـَكُمْ{ ]البقرة [٢١٦:كما ذكرنا.
شي ْئًا و َه ُو َ شَرّ ٌ لـَك ُ ْم و ََالل ّه ُ يَعْلَم ُ و َأَ ن ْتُم ْ لا تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة ،[٢١٦:بعض العلماء قال :قوله تعالى} :و ََالل ّه ُ يَعْلَم ُ و َأَ ن ْتُم ْ لا
تح ُِب ّوا َ
}وَع َس َى أَ ْن ُ
تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [٢١٦:المقصود صنف معين من الأعراب وغيرهم ،فهم الذين يصدق عليهم أنهم لا يعلمون ،وأما المؤمنون الراسخون
فقد أعلمهم الل ّٰه من عنده ما علموا أن القتال خير لهم ،وأن التخلف شر لهم ،حتى إن علمهم ذلك ظهر على ألسنتهم بما يسيل الدموع
وينير القلوب من شدة علمهم بهذه الحقيقة ،فحـين شاورهم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم بالتوجه إلى غزوة بدر ،قام أبو بكر رضي الل ّٰه
تعالى عنه فقال وأحسن ،ثم قام عمر رضي الل ّٰه عنه فقال وأحسن ،ثم قام المقداد بن عمرو رضي الل ّٰه عنه فقال) :يا رسول الل ّٰه!
امض بما أمرك الل ّٰه فنحن معك ،والل ّٰه! لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى)) :اذْه َْب أَ ن ْتَ وَر َُب ّ َ
ك فَق َاتِلا ِإ َن ّا ه َاه ُنَا قَاعِد ُونَ((
]المائدة ،[٢٤:ولـكن :اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ،فوالذي بعثك بالحق! لو سرت إلى برك الغماد -وهو مكان وراء
مكة بخمس ليالي مما يلي البحر -لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ،فقال له رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم خيرا ً ودعا له( ثم قام سعد
بن معاذ فقال) :امض -يا رسول الل ّٰه -لما أردت ونحن معك ،فوالذي بعثك بالحق! لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك،
ما تخلف منا رجل واحد ،وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً(.
فقوله) :ما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً( يدل على أن الصحابة من الراسخـين في الإيمان ،وهم برآء من هذه الـكراهة ،بل تضلعوا من علم
الوحي حتى أيقنوا بمحبة هذا الجهاد ،ولم يكرهوه.
ثم قال سعد) :إنا لصبر في الحرب ،صدق في اللقاء ،فلعل الل ّٰه ير يك منا ما تقر به عينك ،فسر بنا على بركة الل ّٰه(.
ونحن إذا توسعنا في هذا الكلام سنجد نماذج عظيمة جدا ً من السلف رضي الل ّٰه تعالى عنهم في الجهاد؛ لأنه لا يمكن أن هؤلاء يكرهون
الجهاد في سبيل الل ّٰه أبداً ،بل كما قال خالد بن الوليد لبعض قواد الـكفار :جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة! وكما في قصة
عبد الل ّٰه بن حذافة رضي الل ّٰه تعالى عنه لما أسر مع مجموعة من المسلمين ،وأغراه ملك الروم أن يتنص ّر و يخلي سبيله فأبى ،فأتى بأسير
ووضع في إناء زيت يفور و يغلي ثم أخرج وهو عظام تلوح.
فعرض عليه الدخول في النصرانية فأبى ،فع ُلق عبد الل ّٰه بن حذافة رضي الل ّٰه عنه وأمر الملك أن يرمى بالسهام قريبا ً من يديه ورجليه
ورأسه؛ إخافة له وإرهابا ً فأبى ،ولما وضعوا في هذا الإناء الذي يغلي أحد الأسرى وأخرج فإذا هو عظام تلوح بكى في هذه اللحظة،
فطمع الملك في تنص ّره لما رآه يبكي ،فعرض عليه النصرانية فقام فأبى ،فقالوا :إذا ً ما يبكيك؟! قال :حينما رأيت هذا الأسير الذي قد
فعل به كذا ،تذكرت أن لي نفسا ً واحدة ،وكنت أود أن لي سبعين نفسا ً تعذب كلها في الل ّٰه كما عذبت هذه النفس! فبكى لأن له
نفسا ًواحدة فقط ستعذب هذا العذاب في سبيل الل ّٰه.
هل يمكن أن هذا يكره الجهاد في سبيل الل ّٰه؟!! إذاً :هناك نماذج في الحقيقة تطول جدا ً من سير السلف ٺثبت أنهم ما كرهوا القتال في
سبيل الل ّٰه.
Shamela.org ٢٩٣
البقرة ][217 - 203 ١٦
فهذان تفسيران للآية :الأول :إما أن يكون }و َه ُو َ كُرْه ٌ لـَكُمْ{ ]البقرة [٢١٦:يعني :كراهة طبعية كقول عائشة :كلنا يكره الموت.
الثاني :أن قوله} :و ََالل ّه ُ يَعْلَم ُ و َأَ ن ْتُم ْ لا تَعْلَم ُونَ{ ]البقرة [٢١٦:أي :في طبقة معينة من الناس كالأعراب وغيرهم ،أما الذين رسخ إيمانهم
وتعلموا من النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ومن الوحي فهم لا يكرهون الجهاد ،بل بعضهم كان يبكي لما اعتذر لهم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم
ن ال َد ّم ِْع جد ُ م َا أَ ْحم ِلـُك ُ ْم عَلَيْه ِ تَو َل ّوا و َأَ عْيُنُه ُ ْم تَف ُ
ِيض م ِ َ عن حملهم معه للجهاد كما قال الل ّٰه} :و َلا عَلَى ال َ ّذ ِي َ
ن ِإذ َا م َا أَ تَوْك َ لِت َحْ مِلَه ُ ْم قلُ ْتَ لا أَ ِ
حَز َن ًا أَ َلّا َ
يجِد ُوا م َا يُنفِق ُونَ{ ]التوبة.[٩٢:
Shamela.org ٢٩٤
البقرة ][242 - 229 ١٧
وفي رواية ابن أبي حاتم وصححها الشيخ أحمد شاكر رحمه الل ّٰه :بعث النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عبد الل ّٰه بن جحش الأسدي في جيش على
رأس سبعة عشر شهرا ً من الهجرة في اثني عشر رجلا ًمن المهاجرين ،كل اثنين يعتقبان على بعير ،فوصلوا إلى بطن نخلة يرصدون عيرا ً
لقريش ،وبعث معه كتابا ًوأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه ،فلما سار يومين فتح الكتاب فوجد فيه) :إذا نظرت في كتابي
هذا فامض حتى تنزل بنخلة -موضع بين مكة والطائف -ارصد بها عيرا ً لقريش ،وتعلم لنا من أخبارهم( ،فقال :سمعا ً وطاعة ،وأخبر
أصحابه بذلك ،ولم يستكرههم بل خيرهم من شاء أن يستمر معه فليستمر ،ومن شاء أن يعود فليعد ،قال :فمن أحب الشهادة فلينهض،
ومن كره الموت فليرجع ،أما أنا فناهض ،فنهضوا كلهم ،فلما كان في أثناء الطر يق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا ً
لهما كانا يعتقبانه ،فتخلفا في طلبه ،ومضى عبد الل ّٰه بن جحش حتى نزل بنخلة ،فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا ًوأدما ًوتجارة فيها عمرو
بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبد الل ّٰه بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة ،فتشاور المسلمون وقالوا :نحن في آخر يوم من
رجب ،ولئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ،ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام! فتردد القوم وهابوا
الإقدام عليهم ،ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على مقاتلتهم ،فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ،وأسروا عثمان والحكم ،وأفلت
نوفل فأعجزهم ،ثم أقبل عبد الل ّٰه بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وقد عزلوا من ذلك
الخمس ،وهو أول خمس كان في الإسلام ،وأول قتيل في الإسلام ،وأول أسيرين في الإسلام ،فأنكر رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ما
ل محمد الشهر الحرام ،ويروى أن اليهود أيضا ً
فعلوه ،واشتد تعييب قريش وإنكارهم ذلك ،وزعموا أنهم قد وجدوا مقالاً ،فقالوا :قد أح ّ
دخلوا في هذه المعمعة ولم يفوتوا الفرصة ،بل ضلوا يخوضون في التشنيع على المسلمين ،واستعملوا بعض العبارات كنوع من التفاؤل
بإثارة الحرب على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فقالوا :عمرو أي :ع ُمرت الحرب ،الحضرمي :حضرت الحرب ،قتله واقد :وقدت
الحرب ،فجعل الل ّٰه عليهم ذلك وبهم ،ولما كثر الكلام في هذه الحادثة ،وأكثر الناس في ذلك القيل والقال أنزل الل ّٰه تبارك وتعالى هذه
الآية الـكريمة.
قوله تعالى) :قتال فيه( هذا بدل من الشهر وهو بدل اشتمال) :يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه( فهو بدل اشتمال من الشهر؛ لأن
السؤال اشتمل على الشهر وعلى القتال ،وسؤالهم إنما كان عن الشهر؛ لأجل القتال فيه ،فأبدل )قتال( من )الشهر( كما أنشد سيبو يه:
فما كان قيس ملـكه ملك واحد ولـكنه بنيان قوم تهدّما قوله :ملـكه ملك واحد بدل اشتمال.
تقول مثلاً :أعجبني زيد علمه ،فـ )علمه( بدل اشتمال؛ لأن زيدا ً يشتمل على العلم ويشتمل على غيره ،فأبدل منه هذا ،كذلك تقول مثلاً:
نفعني زيد كلامه ،فـ )كلامه( بدل اشتمال من زيد ،ومثله قولك :س ُرق زيد ماله ،أو :سلب زيد ثوبه ،وهكذا.
ل فيه( بدل من الشهر؛ لأن القتال يقع في الشهر.
فقوله) :قتا ٍ
تفسير قوله تعالى) :الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان( ١٧.١
تفسير قوله تعالى) :الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان(
شي ْئًا ِإ َلّا أَ ْن يَخَافَا أَ َلّا يُق ِيم َا
ل لـَك ُ ْم أَ ْن ت َأْ خُذ ُوا م َِم ّا آتَي ْتُم ُوه َُنّ َ يح ِ ُ ّ
ن و َلا َ ُوف أَ ْو تَسْر ِيح ٌ ب ِِإحْ سَا ٍ
ن فَإ ْمسَاك ٌ بِمَعْر ٍ طلاقُ م َ َّرت َا ِ قال تعالى} :ال َ ّ
كالل ّه ِ ف َُأوْلَئ ِ َ
الل ّه ِ فَلا تَعْتَد ُوه َا وَم َنْ يَتَع َ َ ّد حُد ُود َ َ ك حُد ُود ُ َ َت بِه ِ تِل ْ َ الل ّه ِ فَلا جُنَا َ
ح عَلَيْهِم َا ف ِيم َا اف ْتَد ْ الل ّه ِ ف َِإ ْن ِ
خفْتُم ْ أَ َلّا يُق ِيم َا حُد ُود َ َ حُد ُود َ َ
هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ{ ]البقرة.[٢٢٩:
Shamela.org ٢٩٥
البقرة ][242 - 229 ١٧
تفسير قوله تعالى) :فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره( ١٧.٢
تفسير قوله تعالى) :فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا ًغيره(
قوله تعالى) :فإن طلقها( هذا مرتبط بما قبله ،حيث قال تعالى) :الطلاق( يعني :التطليق )مرتان( ،ثم قال) :فإن طلقها( يعني :إن
طلقها الزوج بعد الثنتين )فلا تحل له من بعد( يعني :من بعد الطلقة الثالثة لا تحل له )حتى تنكح زوجا ًغيره( أي :حتى تتزوج زوجا ً
غيره و يطأها ،للحديث الذي رواه الشيخان ،فلا تحل له بعد الطلقة الثالثة حتى تتزوج زوجا ً غيره و يطأها؛ لأن كلمة )تنكح( كما هو
معلوم لفظ مشترك بين العقد وبين الوطء ،فبالتالي نص هنا في التفسير على الوطء كي لا يظن أنه يكفي مجرد العقد؛ لأن الحديث دل
على ذلك ،ودلت الشر يعة على تحريم نكاح المحلل ،فقد لعن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم المحلل والمحلل له ،وسماه النبي عليه الصلاة والسلام
بالتيس المستعار ،فمن الحيل المحرمة نكاح التحليل.
فلذلك قال) :حتى تنكح( يعني :تتزوج )زوجا ًغيره( و يطأها ،ولابد من وطئها؛ لحديث رواه الشيخان عن عائشة رضي الل ّٰه تعالى عنها
قالت) :جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فقالت :إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي -أي :طلقني
الطلاق البتة ثلاثاً -فتزوجني عبد الرحمن بن َ
الز ّبير ،وما معه إلا مثل هدبة الثوبة -أي :هو عنين -فتبسم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فقال:
أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا ،حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك( ،وهذا كناية عن الوطء.
فيجب أن يكون النكاح الثاني مقصودا ً لذاته ،لا لتحليل المرأة للزوج الأول ،فأي نكاح لابد أن يكون الزوج ناو يا ًفيه التأبيد ،لابد أن
ينوي التأبيد ،وأي عقد زواج يكون مؤقتا ً فهو نكاح متعة ،وهذا قد نسخ وحرم ،فعقد النكاح لمدة معينة لا يجوز عندنا أهل السنة،
وإنما يجب أن يكون على التأبيد ،والتأبيد أن ينوي أن يعيش معها إلى الأبد و يتزوجها إلى الأبد.
فلذلك ينبغي أن يكون هذا النكاح الثاني مقصودا ً لذاته لا لمجرد التحليل ،فمن وطأها لابد أن ينوي ،لا أن ينوي بالوطء أن يحللها
لزوجها ،لـكن ينوي بالعقد أن يتزوجها إلى الأبد.
Shamela.org ٢٩٦
البقرة ][242 - 229 ١٧
يقول :يجب أن يكون النكاح الثاني مقصودا ً لذاته لا لتحليل المرأة للزوج الأول ،فإن قصد به التحليل كان الطرفان آثمين بالإجماع مع
خلاف في صحة العقد؛ لقوله صلى الل ّٰه عليه وسلم في الحديث الصحيح) :لعن الل ّٰه المحلل والمحلل له( رواه النسائي والترمذي.
قوله تعالى) :فإن طلقها( الفاعل هنا الزوج الثاني) ،فإن طلقها( أي :الزوج الثاني طلقها لأي سبب ،فهو نوى التأبيد لـكن حصل
بينهما نزاع أو أي شيء حتى طلقها لا لقصد التحليل ،لـكن طلقها لمشاكل عائلية.
)فإن طلقها( أي :الزوج الثاني )فلا جناح عليهما( يعني :الزوجة والزوج الأول )أن يتراجعا( يعني :أن يتراجعا إلى النكاح بعد انقضاء
العدة ،ولابد من هذا الشرط ،لابد أن يكون النكاح بعد انقضاء العدة.
الل ّهِ{ ]البقرة [٢٣٠:أي :تلك المذكورات حدود الل ّٰه. الل ّه ِ و َتِل ْ َ
ك حُد ُود ُ َ ِ}إ ْن ظ ََن ّا أَ ْن يُق ِيم َا حُد ُود َ َ
)يُبَيِّنُهَا لِقَو ْ ٍم يَعْلَم ُونَ( أي :يتدبرون.
تفسير قوله تعالى) :وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن( ١٧.٣
صيانة حقوقها ،وبالتالي يُع ُ ّد هذا التصرف منه منافيا ًلما أوصى به النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم في قوله) :استوصوا بالنساء خيرا ً فإنهن
عوان عندكم( يعني :أسيرات عندكم.
Shamela.org ٢٩٧
البقرة ][242 - 229 ١٧
وقوله عليه الصلاة والسلام) :إني أحرج حق الضعيفين :اليتيم والمرأة( يعني :أنتم في حرج إذا ضيعتم حق هذين الضعيفين :اليتيم والمرأة.
فالشاهد أن الرجل لا يجوز له أن يمسكها ضراراً.
تجد الرجل يتزوج مثلاً ،ثم يطلق مرتين ويبقي الثالثة ،ثم يتزوج امرأة أخرى ،و يضعها على ذمته دون أن يراجعها ،فتصبح معلقة لا
هي ذات زوج ولا هي مطلقة ،ولا شك أن هذا يتنافى مع الأخلاق الإسلامية ،ومثل هذه التصرفات لا يأتي بها من يخاف الل ّٰه
سبحانه وتعالى أو يستحيي من الل ّٰه ،فليس كل ما تقدر عليه أو ما يوفره لك القانون أو يحرره لك المحامي يكون حقا ً لك ،فإذا كنت
ٺتقي الل ّٰه فينبغي أن تلتزم بشرع الل ّٰه عز وجل.
سكُوه َُنّ (( أي :بالرجعة )ضِر َار ًا( ُوف أَ ْو سَرِّحُوه َُنّ بِمَعْر ٍ
ُوف و َلا تُم ْ ِ سكُوه َُنّ بِمَعْر ٍ
ن أَ ج َلَه َُنّ ف َأَ ْم ِ
قال تعالى)) :و َِإذ َا ط ََل ّقْتُم ُ النِّسَاء َ فَبَلَغْ َ
أي لأجل الضرار لتعتدوا عليهن بالإلجاء إلى الافتداء ،فيضيق عليها حتى تفتدي نفسها بالمال ،أو ٺتنازل عن حقوقها عنده.
الل ّه ِ ه ُزُو ًا((.
َات َ قال تعالى)) :و َلا ت َ ّتخِذ ُوا آي ِ
هنا عدة قراءات ،فقد قرئ )ه ُزواً( بالهمزة مع ضم الزاي )ه ُز ُءًا( ،وبالهمزة مع سكون الزاي )هُز ْءًا( ،وفي قراءة بضم الزاي وإبدال
الهمزة واواً ،وهي رواية حفص عن عاصم أي :مهزوءا ً بها.
والمعنى :لا تهزءوا بآيات الل ّٰه بأن تخالفوها ولا ترفعوا بها رأسا ًولا تلقوا لها بالاً.
الل ّه ِ عَلَيْكُمْ(( يعني :بالإسلام.
ثم يقول تعالى)) :و َا ْذك ُر ُوا نِعْم َة َ َ
اب(( ]البقرة [٢٣١:أي :القرآن.
ن الْكِت َ ِ
ل عَلَيْك ُ ْم م ِ َ
))وَم َا أَ نز َ َ
)والحكمة( يعني :ما في القرآن من الأحكام.
وحيث ما وردت الحكمة مقترنة بالكتاب في سياق الامتنان على هذه الأمة المحمدية فالمقصود بها السنة ،وهذا لا يتعارض مع تفسير
السيوطي للحكمة هنا بما في القرآن من الأحكام ،ولـكن المعروف أن الحكمة هنا هي السنة كما سبق الاستدلال على ذلك.
))يَعِظُك ُ ْم بِه ِ(( يعني :اذكروا هذه النعمة بأن تشكروها وتعملوا بهذه الأحكام التي أنزلها الل ّٰه سبحانه وتعالى وامتن بها عليكم.
ل شَيْء ٍ عَل ِيم ٌ(( أي :لا يخفى عليه شيء.
الل ّه َ بِك ُ ّ ِ
ن َ الل ّه َ و َاع ْلَم ُوا أَ َ ّ
))و ََات ّق ُوا َ
تفسير قوله تعالى) :وإذا طلقتم النساء فبلغن أجهلن فلا تعضلوهن( ١٧.٤
تفسير قوله تعالى) :وإذا طلقتم النساء فبلغن أجهلن فلا تعضلوهن(
ن أَ ج َلَه َُنّ فَلا تَعْضُلُوه َُنّ { ]البقرة [٢٣٢:ليس المقصود ببلوغ الأجل هنا مقاربة انقضاء عدتهن،
ثم يقول تعالى} :و َِإذ َا ط ََل ّقْتُم ُالنِّسَاء َ فَبَلَغْ َ
بل المراد بـ )بلغن أجلهن( هنا انقضاء العدة بالفعل ،حيث بانت من زوجها بينونة صغرى.
فـ )إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن( أي :انقضت عدتهن )فلا تعضلوهن( الخطاب هنا للأولياء ،والعضل :هو مضارة المرأة بأن يمنعها
من زوجها.
أي :أن يأتيها زوج كفء فلا يزوجها ،فهذا هو العضل ،وهو صورة من صور التعسف أو سوء استعمال السلطة التي أعطاها الل ّٰه
سبحانه وتعالى الأولياء.
وهذه الآية من أوضح الأدلة على أن الولي هو صاحب الحق في تزويج المرأة ،فالنهي عن العضل يثبت أن له سلطة ،وأن الولي أبا المرأة
-مثلاً -أو وليها الشرعي هو الذي يتولى تزو يجها؛ لأنه لو كان الأمر إليها لما احتيج إلى النهي عن العضل ،فالنهي عن العضل لأن سلطة
التزويج من سلطة الولي فقط ،كما قال صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ،فنكاحها باطل،
فنكاحها باطل( ،وقال عليه الصلاة والسلام) :لا نكاح إلا بولي( ،والآيات في هذا كثيرة ،منها الآية التي أشرنا إليها سابقا ً في قوله
Shamela.org ٢٩٨
البقرة ][242 - 229 ١٧
كحُوا ال ْمُشْرِكِينَ ح ََت ّى يُؤْم ِن ُوا{ ]البقرة ،[٢٢١:و )تُنكِح( فعل مضارع ،وماضيه )أنكح(.
تبارك وتعالى} :و َلا تُن ِ
وأما )ولا تَنكَحوا المشركات( فهو من )نَكَح( بمعنى :تزوج ،أي :فلا تتزوجوا المشركات ،أما حينما نزوج نحن بناتنا فيقول تبارك
وتعالى) :ولا تُنكحوا( يعني :لا ت ُزوجوا بناتكم المشركين ،فلم يقل :لا يَنكَحن هن المشركين حتى يؤمنوا؛ لأنه لا سلطة للمرأة في التزويج،
فالسلطة هي للرجل ،ولذلك قال) :ولا تُنكِحوا المشركين( يعني :لا تزوجوهن بناتكم حتى يؤمنوا.
وهذا أيضا ًدليل على اشتراط الولي في النكاح.
وقوله تبارك وتعالى)) :فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن(( ،والخطاب هنا للأولياء ،أي :لا تمنعوهن من أن ينكحن أزواجهن،
وليس المراد :أي أزاوج! وإنما أزواجهن المطلقون لهن ،وهو الزوج الذي طلقها فيما مضى حتى انقضت عدتها منه وبانت منه بينونة
صغرى.
يقول السيوطي) :فلا تعضلوهن( خطاب للأولياء ،أي :لا تمنعوهن من أن ينكحن أزواجهن المطلقين لهن؛ لأن سبب نزولها أن
أخت معقل بن يسار رضي الل ّٰه تعالى عنه طلقها زوجها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها ،وأخته هذه كان يتقدم إليها كثير من أشراف
الناس ووجهائهم ،فكان يتأبى عليهم ،وفضله هو بتزو يجها.
فلما تزوجها طلقها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها ،فأراد أن يراجعها فمنعه معقل بن يسار وأبى وأخذته الحمية وقال :أكرمتك وزوجتك
إياها فطلقتها ثم لم تراجعها حتى انقضت العدة ،وبعد ذلك تطلب أن تراجعها! فأصر ألا يعيدها إليه ،وهي ترغب أن تعود إلى زوجها،
فلما نزلت هذه الآية قال معقل :سمعا ًلربي وطاعة ،ثم دعاه فقال :أزوجك وأكرمك تعظيما ًلأمر الل ّٰه سبحانه وتعالى.
الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ لِيَحْكُم َ بَيْنَه ُ ْم أَ ْن يَق ُولُوا سَمِعْنَا و َأَ َطعْنَا{ ]النور.[٥١: وهكذا الإيمان ِ}إ َن ّمَا ك َانَ قَو ْ َ
ل ال ْمُؤْم ِنِينَ ِإذ َا دُع ُوا ِإلَى َ
ولا شك أن قوله تعالى) :فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن( إنما هو إذا تراضوا بينهم بالمعروف؛ لأن المرأة إذا امتنعت عن العودة
إلى زوجها الذي بانت منه بينونة صغرى فلا تلزم بالقبول إذا خطبها بعد ذلك.
وقد رغب الل ّٰه في إرجاع المرأة إلى زوجها الأول إذا خطبها بعد انقضاء عدتها؛ لما كان بينهما من العلاقة القائمة والمعاشرة الطو يلة،
فلا يؤمن أن يقع نوع من العلاقة والمواصلة المحرمة بينهما؛ لما كان بينهما سابقا ًمن الارتباط والعلاقة ،فإذا سد الباب الحلال عليهما
قد ينفتح باب الريبة في العلاقة بينهما لقوة العلاقة بينهما فيما مضى ،ولذلك كان هذا الحكم سدا ً لهذا الباب من أبواب الفتنة.
قوله تعالى) :فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن( أي :المطلقين لهن.
ُوف( )إذا تراضوا( الواو تعود على الأزواج والنساء.
ضو ْا بَيْنَه ُ ْم ب ِال ْمَعْر ِ
)إذ َا ت َر َا َ
ِ
)بينهم بالمعروف( أي :المعروف شرعاً؛ لأن المعروف هو ما عرفه الشرع ،والمنكر هو ما أنكره ونهى عنه.
ن ب َِالل ّه ِ و َال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ(؛ لأن الذي يؤمن بالل ّٰه واليوم الآخر و يخشى )ذلك( أي :ذلك النهي عن العضل )يُوع َُظ بِه ِ م َنْ ك َانَ مِنْك ُ ْم يُؤْم ِ ُ
الل ّٰه سبحانه وتعالى ويتقيه هو الذي ينتفع بهذه الموعظة.
)ذلـكم( يعني :ترك العضل )أزكى لـكم وأطهر( )أزكى( أي :خير لـكم وأطهر لـكم ولهن ،أي :للأزواج والزوجات ،فهو أطهر لما يخشى
على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة السابقة بينهما.
)والل ّٰه يعلم( أي :ما فيه من مصلحة.
)وأنتم لا تعلمون( أي :ذلك ،فاتبعوا أمره.
Shamela.org ٢٩٩
البقرة ][242 - 229 ١٧
)والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين( )حولين( :يعني عامين )كاملين( هذه صفة مؤكدة.
)لمن أراد( يعني :ذلك الحكم لمن أراد )أن يتم الرضاعة( ،ولا ز يادة عليها ،فلا تزيد الرضاعة على سنتين هجريتين.
وقوله تعالى) :وعلى المولود له رزقهن وكسوتهم بالمعروف( )وعلى المولود له( أي :الأب )رزقهن( يعني :إطعام الوالدات ،فينفق عليها،
فـ )رزقهن( أي :الإطعام) ،وكسوتهن( يعني :النفقة والـكسوة عن الإرضاع إذا كن مطلقات.
)بالمعروف( أي :بقدر طاقته.
ْس ِإ َلّا و ُسْ عَه َا{ ]البقرة [٢٣٣:أي :إلا طاقتها. }لا تُك ََل ّ ُ
ف نَف ٌ
)لا تضار والدة بولدها( الباء هنا سببية ،يعني :لا يجوز أن تضار امرأة بسبب ولدها ،كأن تكره -مثلاً -على إرضاعه إذا امتنعت ،أو
تمنع من إرضاعه إذا رغبت ،وهذا -أيضاً -من الأخلاق السيئة الموجودة الآن في كثير من الرجال والنساء ،تجد البعد عن شرع الل ّٰه
سبحانه وتعالى وضعف اليقين في القلوب ،نجد الذي يستطيع أن يفعل فعلا ًلا يتورع أبداً ،والشيطان يربي هذه الأخلاق السيئة ،وقل
من تجده يفارق زوجته بالتي هي أحسن؛ لأن ضعيف التقوى إذا قدر فإنه لا يرحم ولا يتورع عن أي نوع من الأذى ،تجد المرأة
وأسرتها يحاربون على أن يحجبوا الابن عن أبيه ،وتجد الرجل -أيضاً -يحاول أن ينكر بقدر استطاعته مصادر دخله ،بحيث إذا رفعت
القضية إلى القاضي لا يستطيع القاضي أن يفرض عليه مبلغا ًكبيرا ً من المال بسبب قلة دخله.
لماذا لا تتراضوا بينكم بالمعروف؟! ولماذا لا تُحكِّموا شرع الل ّٰه سبحانه وتعالى بصدق ،فتعطى المرأة حقها و يعطى الزوج حقه؟! وقوله
تعالى) :لا تضار والدة بولدها( يعني :بسبب ولدها بأن تكره -مثلاً -على إرضاعه إذا امتنعت.
)ولا مولود له بولده( أي :ولا يضار -أيضاً -الأب بولده أي :بسبب ولده -بأن يكلف فوق طاقته.
وإضافة الولد إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف ،فأضاف الل ّٰه سبحانه وتعالى الولد إلى الأم فقال تعالى) :لا تضار والدة بولدها(،
وهذه الإضافة المقصود بها الاستعطاف يعني :لتتذكر أن هذا هو ولدها فكيف تجعله سببا ًلشقائها وسببا ًفي تعذيبها؟! كذلك قوله تعالى:
)ولا مولود له بولده( ليعلم الطرف الآخر من النساء أن هذا ولده ،فهذا نوع من الاستعطاف ،فهو ولده فكيف تجعلونه سببا ًفي شقائه
بمضارته؟! وهذا يفيد أن الولد لأبيه؛ لقوله تعالى )ولا مولود له بولده( ،أما الأم فقال) :والدة( ،وقال) :والوالدات( ،وحين ذكر
الأب قال) :مولود له( ،فالولد مختص بأبيه ،فهو له ،وهو من كسبه.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام) :أنت ومالك لأبيك( فاختص الأب بهذا.
قال تعالى) :وعلى الوارث مثل ذلك( الذي يرث الأب إذا مات هو الصبي ابنه ،فقوله تعالى) :وعلى الوارث مثل ذلك( يعني :يجب
على الوارث -الذي هو الصبي -أن ينفق على الأم التي ترضعه ،فيعطيها الـكسوة والطعام في أثناء فترة الرضاع مثلما يجب على المولود
له المتوفى أيضاً ،والذي يرضع -وهو الوارث -لا يتمكن من أن يعطي الأم نفقتها حال رضاعه ،فإذا ً لابد أن يكون المقصود ولي هذا
الصبي؛ لأنه هو الذي يكون متمكنا ًمن المال ويرعاه و يقوم بحاجاته منه.
فالمقصود بقوله هنا) :وعلى الوارث( أي :وارث الأب وهو الصبي ،أي :على وليه في ماله.
و )على( هنا تطلق بمعنى الوجوب ،فيجب على الولي أن ينفق من مال الصبي على أمه في الرضاع.
)مثل ذلك( يعني :مثل الذي على الأب للوالدة من النفقة والـكسوة.
قال تعالى) :فإن أرادا( أي :الوالدان )فصالاً( أي :فطاما ًله قبل الحولين) ،فإن أرادا فصالا ًعن تراض منهما وتشاور(.
فانظر كيف الإسلام يراعي مستقبل الأطفال حتى في حال فراق الوالدين ،فتصور أن الأب والأم في حالة طلاق ،لـكن أوجب الل ّٰه
عليهما أن يتشاورا ويتحاورا فيما هو الأصلح لهذا الولد ،ما هي مصلحته في الناحية البدنية وغيرها.
)فإن أرادا فصالا ًعن تراض( من غير أجبار وإكراه )وتشاور( يوجد أخذ ورد وشورى لأجل مصلحة هذا الصبي.
)فإن أرادا( أي :الوالدان )فصالاً( أي :فطاما ًله قبل الحولين )عن تراض( أي :اتفاق منهما )وتشاور( يعني :بينهما لتظهر مصلحة
Shamela.org ٣٠٠
البقرة ][242 - 229 ١٧
الصبي فيه.
)فلا جناح عليهما( يعني :لا جناح عليهما في ذلك إن رأيا أن المدة إذا قلت يكون في ذلك مصلحة الولد ،فلا جناح عليهما ولا يتحرجا
من قوله تعالى) :والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين( ،ما دام في هذا مصلحة لهذا الصبي.
قوله تعالى) :وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم( )إن أردتم( هذا خطاب للآباء فقط )أن تسترضعوا أولادكم( يعني :تطلبون لهم مراضع
غير الوالدات ،فإذا كنت تريد أن ترضع ولدك غير هذه الأم المطلقة )فلا جناح عليكم إذا سلمتم( يعني :لا جناح عليكم في هذا
الاسترضاع ،وهو طلب المرضع غير الأم.
)فلا جناح عليكم( أي :فيه )إذا سلمتم( أي :إليهن )ما آتيتم بالمعروف( ،أي :إلى المرضعة غير الأم.
أي :إذا سلمتم إلى هذه المرضعة التي تسترضعونها ما آتيتم -أي :أردتم إيتاءه -لهن من الأجرة )بالمعروف( أي :بالذي تطيب به النفس.
)واتقوا الل ّٰه واعلموا أن الل ّٰه بما تعملون بصير( يعني :لا يخفى عليه شيء مما تعملون.
تفسير قوله تعالى) :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهم أربعة أشهر وعشرا( ١٧.٦
تفسير قوله تعالى) :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ًيتربصن بأنفسهم أربعة أشهر وعشراً(
ن ب ِأَ نفُسِه َِنّ أَ رْبَع َة َ أَ شْهُرٍ وَعَشْر ًا{ ]البقرة.[٢٣٤:
ن يُت َو ََف ّوْنَ مِنْك ُ ْم و َيَذَر ُونَ أَ ْزو َاج ًا يَتَر ََب ّصْ َ
قال تعالى} :و َال َ ّذ ِي َ
قوله تعالى) :والذين يتوفون( يعني :يموتون ،والفعل مبني لما لم يسم فاعله )يُت َوفون( ،وليس )يَتوفون( بالبناء للفاعل ،ولذلك يحكى أن
الخليل بن أحمد مشى في جنازة ،فسأله سائل فقال :من المُتوفي؟ قال :الل ّٰه.
فغضب ،ومن هنا بدأ في تدوين علوم النحو وضبط علوم اللغة ،فنذر نفسه لحفظ اللسان العربي وقواعد اللغة العربية وفهم اللغة العربية؛
لأن الرجل قال له :من المتوفي؟ فرد عليه وقال :الل ّٰه هو الذي يتوفى.
فالل ّٰه يتوفى الأنفس ،أما الميت فيسمى "متوفى" ،فهذا هو الصحيح ،أن تقول) :متوفى( أو) :توفي فلانٌ( ،أو تقول) :توفاه الل ّٰه( ،ولا
تقول) :تَو َفَ ّى(.
يقول) :والذين يتوفون منكم( يعني :يموتون.
)ويذرون( يتركون )أزواجا ً يتربصن بأنفسهن( )يتربصن( أيضا ً هنا ظاهره الخـبر والمقصود به الإنشاء وهو الأمر ،يعني :ليتربصن
بأنفسهن يعني بعدهن عن النكاح ،فيحبسن أنفسهن عن الزواج لمدة أربعة أشهر وعشر ليال ،فهذه الآية موضوعها مدة إحداد المرأة
على زوجها المتوفى.
والمدة أربعة أشهر وعشر ليال ،لا وعشرة أيام؛ لأنه لو كانت وعشرة أيام لقال) :أربعة أشهر وعشرة(.
وهذا في غير الحوامل ،فالمرأة إما أن تكون حاملا ًأو حائلاً ،فالمرأة الحامل عدتها أن تضع حملها ،ودليله آية الطلاق ،وهي قوله تعالى:
ن حَم ْلَه َُنّ { ]الطلاق ،[٤:فلو أنها بعد وفاة الزوج -مثلاً -بيومين أو ثلاثة وضعت حملها فقد انقضت }و َ ُأوْلاتُ الأَ حْمَا ِ
ل أَ ج َلُه َُنّ أَ ْن ي َ َ
ضع ْ َ
عدتها ،فيمكن أن تكون العدة أياما ًقليلة ،ويمكن أن تقارب تسعة أشهر ،فأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن.
أما المرأة الحائل فعدتها أربعة أشهر وعشراً ،والأمة على النصف من ذلك بالس َُن ّة.
)فإذا بلغن أجلهن( أي :انقضت عدة تربصهن فانقضت الأربعة الأشهر والعشر الليالي.
)فلا جناح عليكم( يعني :أيها الأولياء )فيما فعلن في أنفسهن( أي :فيما فعلن في أنفسهن من التزين والتعرض للخطاب ،وقد وردت
السنة ببيان جواز هذا كما في حديث سبيعة الأسلمية وقول أبي السنابل بن بعكك لها.
)بالمعروف( أي :شرعاً.
)والل ّٰه بما تعملون خبير( أي :عالم بباطنه كظاهره.
Shamela.org ٣٠١
البقرة ][242 - 229 ١٧
تفسير قوله تعالى) :ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء( ١٧.٧
تفسير قوله تعالى) :ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء(
خطْبَة ِ النِّسَاءِ{ ]البقرة [٢٣٥:هذا أيضا ًمن أحكام إحداد المتوفى عنها زوجها ،وهو
ح عَلَيْك ُ ْم ف ِيم َا ع َ َّرضْ تُم ْ بِه ِ م ِنْ ِ
قوله تعالى} :و َلا جُنَا َ
أنه لا يجوز لأحد أن يصرح بطلب زواجها ،لـكن يعرض.
فقوله) :ولا جناح عليكم فيما عرضتم( المقصود :ما لوحتم به من خطبة النساء ،والمراد النساء المتوفى عنهن أزواجهن وهن في العدة،
أما إذا انقضت العدة فيجوز التصريح ،لـكن المقصود هنا في أثناء العدة.
)ولا جناح عليكم فيما عرضتم به( أي :لوحتم.
َّ
ورب راغب فيك ،هذا )من خطبة النساء( أي :المتوفى عنهن أزواجهن في العدة ،كقول الإنسان مثلاً :إنك لجميلة ،ومن يجد مثلك؟
كله تعر يض.
)أو أكننتم في أنفسكم( فأنتم إما أن تُعرِّضوا ،وإما أن تضمروا في أنفسكم قصد نكاحهن) ،أو أكننتم( يعني :أضمرتم.
)في أنفسكم( أي :من قصد نكاحهن.
)علم الل ّٰه أنكم ستذكرونهن( يعني :بالخطبة فلا تصبرون عنهن ،فأباح لـكم التعر يض ،فنفس لـكم ووسع لـكم في هذا الأمر؛ لأن الل ّٰه علم
أنكم قد لا تمسكون أنفسكم عن الاقتراب من هذا الأمر فأباح لـكم التعر يض.
)ولـكن لا تواعدوهن سراً( يعني :نكاحاً.
)إلا أن تقولوا قولا ًمعروفاً( )إلا( هنا بمعنى )لـكن( ،فهو استثناء منقطع ،أي :لـكن يباح لـكم أن تقولوا قولا ًمعروفا ًوالمعروف هو
ما عرف شرعاً ،والذي عرف شرعا ًهنا هو إباحة التعر يض.
)إلا أن تقولوا( يعني :لـكن أن تقولوا قولا ًمعروفاً.
أي :ما عرف شرعا ًمن التعر يض فلـكم ذلك.
)ولا تعزموا عقدة النكاح( يعني :لا تعزموا على عقد النكاح.
)حتى يبلغ الكتاب( يعني المكتوب من العدة )أجله( أن ينتهي.
)واعلموا أن الل ّٰه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه( يعني :ما في أنفسكم من العزم وغيره فاحذروه أن يعاقبكم إذا عزمتم ،فلا تعزم عقدة
النكاح ،فإذا عزمت فهذا مخالف لهذا التشر يع.
)واعلموا أن الل ّٰه غفور( أي :لمن يحذره )حليم( بتأخير العقوبة عن مستحقها.
تفسير قوله تعالى) :ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن( ١٧.٨
تفسير قوله تعالى) :ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن(
سوه َُنّ { ]البقرة ،[٢٣٦:وفي قراءة )ما لم ت ُ ُ
ماسّ وهن( بضم التاء ،أي :تجامعوهن. ح عَلَيْك ُ ْم ِإ ْن ط ََل ّقْتُم ُ النِّسَاء َ م َا ل َ ْم تَم َ ُ ّ
قال تعالى} :لا جُنَا َ
}أَ ْو ت َ ْفرِضُوا لَه َُنّ فَرِ يضَة ً{ ]البقرة [٢٣٦:يعني :أو لم تفرضوا لهن فر يضة.
والفر يضة هي المهر؛ لأن أحد أسماء المهر :الفر يضة ،فهو الأجر أو المهر أو الفر يضة.
والمقصود :لا تبعة عليكم في الطلاق -عدم المسيس والفرض -بإثم ولا مهر.
ح عَلَيْك ُ ْم ِإ ْن ط ََل ّقْتُم ُ النِّسَاء َ م َا ل َ ْم تَم َ ُ ّ
سوه َُنّ أَ ْو ت َ ْفرِضُوا لَه َُنّ فَرِ يضَة ً{ ،الكلام هنا في النساء اللاتي عقد عليهن، فقوله تعالى هنا} :لا جُنَا َ
كمن تزوج امرأة فعقد عليها ولم يبن بها )ما لم تمسوهن( يعني :لم تطئوهن.
Shamela.org ٣٠٢
البقرة ][242 - 229 ١٧
وأيضا ً إذا لم يفرض لها مهراً ،ومعروف أن العقد لا يكون إلا بمهر ،ولا يجوز بحال من الأحوال التعاقد على إسقاط المهر ،فلا يجوز
أبدا ً إسقاط المهر قبل العقد ،لـكن يمكن للمرأة بعد العقد أن ٺتنازل عن المهر ،لـكن لا يجوز أبدا ً أن يتزوج الإنسان ويسقط المهر الذي
فرض شرعا ًلإظهار خطر المحل ،لـكن لا يشترط ،فيصح العقد إذا لم يسم المهر ولم يحدد مهر معين.
و يصح العقد بتقديم جزء من المهر وتأخير الجزء الآخر ،لـكن لا يجوز أبدا ً العقد على أن يسقط المهر ،بل لابد من مهر وإن لم يعين ،ولم
تحدد قيمته.
ح عَلَيْك ُ ْم ِإ ْن ط ََل ّقْتُم ُ النِّسَاء َ م َا ل َ ْم تَم َ ُ ّ
سوه َُنّ أَ ْو ت َ ْفرِضُوا لَه َُنّ فَرِ يضَة ً(( يعني :لم تحددوا الفر يضة التي هي والدليل هذه الآية)) :لا جُنَا َ
المهر.
فهذه حالة امرأة معقود عليها لم يسم مهرها.
فقوله تعالى) :ما لم تمسوهن( أي :تجامعوهن )أو تفرضوا( يعني :أو لم تفرضوا لهن فر يضة.
أي :مهراً.
و )ما( مصدر ية ظرفية ،أي :لا تبعة عليكم -في الطلاق زمن عدم المسيس وعدم الفرض -بإثم ولا مهر.
)ومتعوهن( يعني :أعطوهن ما يتمتعن به.
)على الموسع قدره( أي :على الغني الموسر منكم قدره )وعلى المقتر قدره( أي :الضيق الرزق عليه قدره فلا ينظر إلى قدر الزوجة ولـكن
ينظر إلى استطاعة الزوج؛ لأنه لم ينسب القدر إلى المرأة.
)متاعا ًبالمعرف( )متاعاً( المقصود به) :تمتيعاً(؛ لأن الفعل )متعوهن( مصدره )تمتيعاً( )بالمعروف( أي :شرعاً.
و )بالمعروف( متعلق بـ )متاعاً( أو متعلق بصفة )متاعاً( المقدرة.
)حقاً( صفة ثانية أو مصدر مؤكد.
)على المحسنين( أي :المطيعين.
Shamela.org ٣٠٣
البقرة ][242 - 229 ١٧
)إن الل ّٰه بما تعملون بصير( يعني سيجاز يكم به.
تفسير قوله تعالى) :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول( ١٧.١١
تفسير قوله تعالى) :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ًوصية لأزواجهم متاعا ًإلى الحول(
َاج{ ]البقرة.[٢٤٠:
خر ٍل غَيْر َ ِإ ْ ن يُت َو ََف ّوْنَ مِنْك ُ ْم و َيَذَر ُونَ أَ ْزو َاج ًا وَص َِي ّة ً ل ِأَ ْزو َا ِ
جه ِ ْم م َتَاعًا ِإلَى الْحَو ْ ِ قال تعالى} :و َال َ ّذ ِي َ
قوله تعالى) :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ًوصية( يعني :فليوصوا وصية.
أي :يوصي الزوج لزوجته بعد موته أن يكون لها هذا القدر من المتاع.
و )وصية( منصوب بفعل محذوف تقديره )فليوصوا وصية( ،وفي قراءة) :والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا ً وصية ٌ( أي :عليهم
وصية.
قوله تعالى) :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ًوصية( يعني :فليوصوا وصية.
Shamela.org ٣٠٤
البقرة ][242 - 229 ١٧
Shamela.org ٣٠٥
البقرة ][252 - 243 ١٨
ُأجُور َه َُنّ { ]النساء ،[٢٤:فهذه المطلقة المدخول بها يجب لها مهر المثل ،وإذا كانت موطوءة بشبهة فيفرض لها مهر المثل ،فالموطوءة
بنكاح صحيح أولى أن يثبت لها مهر المثل.
وهل المتعة واجبة لكل مطلقة؟ دل قوله تعالى)) :وَم َت ِّع ُوه َُنّ عَلَى ال ْم ُوس ِ
ِـع قَدَرُه ُ و َعَلَى ال ْمُقْتِر ِ قَدَرُه ُ(( على وجوب المتعة للمطلقة قبل
المسيس وقبل الفرض ،وقد اختلف الفقهاء :هل المتعة واجبة لكل مطلقة؟ ذهب الحسن البصري إلى أنها واجبة لكل مطلقة؛ لعموم
ح ً ّقا عَلَى ال ْم َُت ّق ِينَ{ ]البقرة.[٢٤١:
ُوف َ قوله تعالى} :وَلِل ْمُط ََل ّق ِ
َات م َتَاعٌ ب ِال ْمَعْر ِ
ح ً ّقا عَلَى ال ْم ُحْ سِنِينَ(( ،ولو كانت واجبة
ح ً ّقا عَلَى ال ْم َُت ّق ِينَ(( وقولهَ )) :
وقال مالك :إنها مستحبة للجميع وليست واجبة؛ لقوله تعالىَ )) :
لأطلقها على الخلق أجمعين.
وذهب الجمهور -الحنفية والشافعية والحنابلة -إلى أنها واجبة للمطلقة التي لم يفرض لها مهر؛ لأن هذه هي التي قال الل ّٰه في شأنها:
)ومتعوهن( ،وأما التي فرض لها مهر فتكون المتعة لها مستحبة ،وهذا مروي عن ابن عمر وابن عباس وعلي رضي الل ّٰه عنهم ،ولعله
يكون الأرجح وفيه الجمع بين الأدلة ،والل ّٰه أعلم.
والحكم الأخير :ما معنى المتعة؟ وما هو قدرها؟ المتعة :ما يدفعه الزوج من مال أو كسوة لمطلقته إيناسا ًوإكراما ًودفعا ًلوحشة الطلاق
الذي وقع عليها ،وتقديرها مفوض إلى الاجتهاد.
قال مالك :ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها.
وقال الشافعي :المستحب على الموسع خادم ،وعلى المتوسط ثلاثون درهماً ،وعلى المقتر مقنعة.
وقال أبو حنيفة :أقلها درع وخمار وملحفة ،ولا تزاد على نصف المهر.
وقال أحمد :فيها درع وخمار بقدر ما تجوز فيه الصلاة ،ونُقل عنه أنه قال :هي بقدر يسار الزوج وإعساره لقوله تعالى) :على الموسع
قدره وعلى المقتر قدره( ،وهي مقدره باجتهاد الحاكم ،ولعل هذا الرأي الأخير أرجح ،والل ّٰه تعالى أعلم.
Shamela.org ٣٠٦
البقرة ][252 - 243 ١٨
تفسير قوله تعالى) :ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت( ١٨.١
تفسير قوله تعالى) :ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت(
ل
الل ّه َ لَذ ُو ف َضْ ٍ
ن َ الل ّه ُ م ُوتُوا ث َُم ّ أَ حْ يَاه ُ ْم ِإ َ ّ
ل لَهُم ُ َ
ْت فَق َا َ ن خَرَجُوا م ِنْ دِي َارِه ِ ْم و َه ُ ْم ُأل ُ ٌ
وف حَذَر َ ال ْمَو ِ قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :أَ ل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال َ ّذ ِي َ
عَلَى َ
الن ّاسِ{ ]البقرة.[٢٤٣:
اب
صح َ ِ ل ر َُب ّ َ
ك ب ِأَ ْ )ألم تر( بمعنى :ألم تعلم ،والرؤ ية إما تكون رؤ ية بصر ية ،وإما أن تكون بمعنى الرؤ يا العلمية ،كقوله} :أَ ل َ ْم ت َر َ َ
كي َْف فَع َ َ
ل{ ]الفيل [١:يعني :ألم تعلم ،وكذلك هنا )ألم تر( يعني :ألم تعلم.
الْف ِي ِ
)ألم ترى إلى الذين خرجوا( يعني :ممن تقدمكم من الأمم ،خرجوا من ديارهم التي ألفوها لما وقع فيها مالا طاقة لهم به من الموت،
وقع بهم كرب وبلاء ،إما أنه الطاعون كما جاء في بعض الروايات ،وإما أنهم دعوا إلى الخروج من ديارهم التي اعتادوا عليها وألفوها
إلى الجهاد في سبيل الل ّٰه تبارك وتعالى ،والأظهر أنهم دعوا إلى الخروج إلى الجهاد.
ولفظة )ألم تر( قد تذكر لمن تقدم علمه بالفعل ،وقد تذكر لمن لم يتقدم له علم بالفعل.
فيمكن أن يكون المعنى ألم تعلم.
ويمكن أن تقال لشخص علم بالفعل وق ُصد من هذه الصياغة التعجب أو التعجيب ،والتقرير والتذكير ،كما تقول -مثلاً :-ألا ترى إلى
ما يصنع فلان؟! و يكون قد علم ما يصنع فلان ،لـكن المقصود منه التعجب من فعله ومن حاله.
فقوله عز وجل هنا) :ألم تر( تقال لمن تقدم علمه ،فتكون للتعجيب والتقرير ،كإخبار من يعرف التاريخ ،وقد تذكر لمن لا يكون كذلك
فتكون لتعر يفه وتعجيبه.
وفعل )رأى( متع ٍّد أصلاً ،ولا يحتاج إلى حرف الجر )إلى( ،لـكن لما ضمن الفعل معنى )تنظر( عدي بـ )إلى( ،يعني :ألم تنظر إلى،
وفائدة استعارته أن النظر قد يتعدى عن الرؤ ية فإذا أريد الحث على نظر ناتج لا محالة للرؤ ية استعيرت له.
ألف ،أو ألوف جمع آلف ،كشاهد جمعها شهود ،كذلك )وهم
)ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف( ألوف في العدد جمع ٍ
ألوف( ،وهذا قول آخر ،بمعنى أنهم خرجوا وهم مؤتلفون ،لم يدفعهم إلى الخروج من ديارهم أنهم كانوا متقاتلين فيما بينهم أو متناحرين
أو متخاصمين ،إنما كانوا مؤتلفين.
فقوله تعالى) :وهم ألوف( إما أن يكون في العدد جمع ألف ،أو :وهم ألوف مؤتلفون ومجتمعون جمع آلف بالمد كشاهد وشهود.
أي :إن خروجهم لم يكن عن افتراق كان منهم وخصام ،ولـكن حذر الموت ،و )حذر( مفعول له ،أي :فرارا ً من الموت.
Shamela.org ٣٠٧
البقرة ][252 - 243 ١٨
)ثم أحياهم( هذا عطف بـ )ثم( إما على مقدر يستدعيه المقام ،والمعنى :ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت
فقال لهم الل ّٰه :موتوا فماتوا ثم أحياهم ،فتكون )أحياهم( معطوفة على )فماتوا(.
وحذف قوله) :فماتوا( للدلالة على الاستغناء عن ذكره ،فإنه لا أن يتخلف مراد الل ّٰه تبارك وتعالى عن إرادته ،فالل ّٰه أراد منهم أن يموتوا،
ل لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ{ ]يس ،[٨٢:فلما قال لهم :موتوا كان لابد أن يموتوا كما أراد فلا يتخلف أبدا ً مراد الل ّٰه ِ}إ َن ّمَا أَ مْرُه ُ ِإذ َا أَ ر َاد َ َ
شي ْئًا أَ ْن يَق ُو َ
الل ّٰه ،وقد ماتوا بالفعل ،ولشدة اليقين بوقوع هذا المراد من الل ّٰه سبحانه وتعالى لم يذكر )فماتوا(؛ لأن هذا واقع ولابد ،لاستحالة عدم
وقوعه ،فاستغني عن ذكره باستحالة عدم وقوع مراد الل ّٰه.
أو تكون )ثم أحياهم( معطوفة على )قال( )فقال لهم الل ّٰه موتوا ثم أحياهم( والتقدير) :قال ثم أحياهم( ،فهي معطوفة على )قال(
ل ماض.
فهذه فعل ماض وهذه فع ٌ
Shamela.org ٣٠٨
البقرة ][252 - 243 ١٨
وانتزع من القصص المشهورة ما ينفع في تذكرهم ،ولم يسرد القصص بتمامها مع جميع خصوصياتها ،والحكمة في ذلك أن القرآن الـكريم لو
سرد تفاصيل القصص وتفاصيل كل الأحداث التي ٺتعلق بهذه القصص فإن العوام إذا سمعوا القصص النادرة غاية الندرة ،أو سمعوا
الخصوصيات يميلون إلى القصص نفسها و يفوتهم التذكر والاعتبار الذي هو الغرض الأصلي هنا.
فإذا ذكرت القصة كلها من أولها إلى آخرها بجميع ما يتعلق بها من أحداث ووقائع ،فالناس ينجرون إلى متابعة تسلسل الأحداث،
وينبهرون به ،وينجذبون إليه ،و يفوتهم الاعتبار ،فلذلك القرآن الـكريم ما ذكر كل تفاصيل قصصهم ،وإنما ذكر ما ينفعهم لأجل الاعتبار.
وهذا يظهر لنا إذا قارنا بين كثير من قصص القرآن الـكريم وبين نفس القصص إذا ذكرت في التوراة مثلاً ،فنجد القصص في التوراة
موجودة بتفاصيل عجيبة جداً ،وتفاصيل كثيرة جداً ،بما في ذلك الأسماء ،ومواقع البلاد ،وأنواع الضيوف ،والطيور وغير ذلك من
تفاصيل وخصوصيات القصة ،أما القرآن الـكريم فحذرا ً وتجنبا ً لما يحصل من العوام ،لأنهم إذا سمعوا القصص بجميع خصوصياتها
وتفصيلاتها يميلون إلى هذه الخصوصيات وتسلسلها ،وينسون وينشغلون عن موضع العبرة ،مع أن العبرة والاعتبار والتذكر هو الغرض
الأصلي من سردها ،فيذكر الل ّٰه من القصة في القرآن.
ونظير هذا الكلام في موضوع القصص ما قاله بعض العارفين :إن الناس لما حفظوا قواعد التجويد شغلوا عن الخشوع في التلاوة!
ولذلك ينبغي أن ينتبه الإنسان إذا درس علم التجويد ألا يلبس عليه الشيطان بأن يصرف كل همه إلى مراعاة قواعد التجويد ومخارج
الحروف دون الاعتبار بالمعاني.
تفسير قوله تعالى) :وقاتلوا في سبيل الل ّٰه واعلموا أن الل ّٰه سميع عليم( ١٨.٢
تفسير قوله تعالى) :وقاتلوا في سبيل الل ّٰه واعلموا أن الل ّٰه سميع عليم(
الل ّه َ سَم ِي ٌع عَل ِيم ٌ{ ]البقرة [٢٤٤:من المخاطبون هنا في قوله) :وقاتلوا(؟ إما أن يكون
ن َ الل ّه ِ و َاع ْلَم ُوا أَ َ ّ
ل َ قال تبارك وتعالى} :و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ
المخاطبون هم الذين أماتهم الل ّٰه ثم أحياهم ،فبعدما أحياهم أمرهم قائلاً) :وقاتلوا في سبيل الل ّٰه( ،وإما أن يكون الخطاب لأمة محمد
صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،فيكون المقصود تحذيرهم ،أي :لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء ،فلا ينفعكم الهرب ،ولـكن قاتلوا في
سبيل الل ّٰه إذا استنفرتم إلى الجهاد.
قال المفسرون :في إتباع القصة المتقدمة الأمر بالقتال دليل على أنها سيقت بعثا ًعلى الجهاد ،فحرض على الجهاد بعد الإعلام بأن الفرار
كن ْتُم ْ صَادِق ِينَ{
سكُم ُ ال ْمَو ْتَ ِإ ْن ُ من الموت لا يغني ،كما قال تعالى} :ال َ ّذ ِي َ
ن قَالُوا ل ِ ِإخْ وَانِه ِ ْم و َقَعَد ُوا لَو ْ أَ طَاع ُون َا م َا قُت ِلُوا قُلْ فَا ْدر َءُوا ع َنْ أَ نْف ُ ِ
]آل عمران.[١٦٨:
وقوله) :سبيل الل ّٰه( السبيل أصلا ًهو الطر يق ،سميت المجاهدة سبيلا ًإلى الل ّٰه تعالى من حيث إن الإنسان يسلـكها ويتوصل إلى الل ّٰه بها
ليتمكن من إظهار عبادته تعالى ونشر الدعوة إلى توحيده وحماية أهلها والمدافعة عن الحق وأهله.
فالجهاد سبيل الل ّٰه لأنه يحمي الحق وينشره في ربوع الأرض ،والقتال في سبيل الل ّٰه شرع لإزالة الضرر العام ،والضرر العام هو منع
الحق وتأييد الشرك ،فالجهاد هو لإزالة هذا المانع.
الل ّه َ سَم ِي ٌع عَل ِيم ٌ{ ]البقرة [٢٤٤:باعث على صدق النية والإخلاص) ،سميع عليم( سميع لأقوالـكم عليم
ن َ وفي قوله تعالى} :و َاع ْلَم ُوا أَ َ ّ
بأحوالـكم وضمائركم.
فهذا حث على أن يكون الجهاد في سبيل الل ّٰه لا ر ياء ولا سمعة ولا لطلب الغنيمة ،كما في الصحيحين عن أبي موسى رضي الل ّٰه تعالى
عنه قال) :سئل رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة و يقاتل حمية و يقاتل ر ياء أي ذلك في سبيل الل ّٰه؟ فقال صلى
الل ّٰه عليه وسلم :من قاتل لتكون كلمة الل ّٰه هي العليا فهو في سبيل الل ّٰه(.
Shamela.org ٣٠٩
البقرة ][252 - 243 ١٨
تفسير قوله تعالى) :من ذا الذي يقرض الل ّٰه قرضا حسنا( ١٨.٣
تفسير قوله تعالى) :من ذا الذي يقرض الل ّٰه قرضا ًحسناً(
ُط و َِإلَيْه ِ تُرْجَع ُونَ{ ]البقرة.[٢٤٥:
حسَنًا فَيُضَاعِف َه ُ لَه ُ أَ ضْ ع َافًا كَث ِيرَة ً و ََالل ّه ُ يَقْب ُِض و َيَبْس ُ
الل ّه َ قَرْضًا َ
ِض َقال تعالى} :م َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي ي ُ ْقر ُ
هذا حث من الل ّٰه تعالى لعباده على الصدقة ،وهذه الآية مكررة في الكتاب الـكريم في أكثر من موضع ،يقول القرطبي) :من ذا الذي
يقرض الل ّٰه( طلب القرض في هذه الآية هو تقريب للناس بما يفهمون ،هذا هو الأسلوب الذي يفهم به الناس ،وهذا نوع من البساطة
في التعبير حتى يفهموا عن الل ّٰه سبحانه وتعالى آياته ،والل ّٰه سبحانه وتعالى هو الغني الحميد ،لـكنه تعالى شبه إعطاء المؤمنين وإنفاقهم في
الدنيا بالقرض ،كما شبه إعطاء النفوس والأموال في طلب الجنة بالبيع والشراء كما يأتي في سورة براءة ،وكنى الل ّٰه سبحانه وتعالى عن
الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا ً في الصدقة ،كما كنى عن المر يض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة كما في الحديث
المعروف.
وأشير هنا إلى أن قوله سبحانه وتعالى) :من ذا الذي يقرض الل ّٰه( لا نفهم منه كما فهم اليهود -لعنهم الل ّٰه -حينما قالوا) :إن الل ّٰه فقير
ونحن أغنياء( يسخرون من القرآن الـكريم ،فقالوا :الل ّٰه -سبحانه وتعالى -يستقرضنا ويسألنا القرض ،فالل ّٰه فقير ونحن أغنياء.
وقد علم ما رد الل ّٰه سبحانه وتعالى عليهم في مقالتهم الشنيعة هذه.
ففي حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم عنه رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :إن الل ّٰه عز وجل يقول يوم
القيامة :يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني! قال :يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال :أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم
تعده ،أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟!( ،إذا ً معنى قله) :مرضت فلم تعدن( ،أنك لو أتيته لنلت ثواب عيادة المر يض.
)يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني! قال :يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال :أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان
فلم تطعمه ،أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟! يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني ،قال :يا رب! كيف أسقيك وأنت
رب العالمين؟! قال :استسقاك -سألك سقيا الماء -عبدي فلان فلم تسقه ،أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي؟!(.
حسَنًا(( ،فهذا كله خرج مخرج التشر يف لمن كني عنه ترغيبا ً
الل ّه َ قَرْضًا َ
ِض َفمن نفس هذا الباب جاء قوله تعالى)) :م َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي ي ُ ْقر ُ
لمن خوطب به.
وعن ابن مسعود رضي الل ّٰه عنه قال) :لما نزلت هذه الآية قال أبو الدحداح الأنصاري :يا رسول الل ّٰه! وإن الل ّٰه يريد منا القرض؟ قال:
نعم يا أبا الدحداح.
قال :أرني يدك يا رسول الل ّٰه! فناوله يده قال :فإني قد أقرضت ربي حائطي ،وكان له حائط فيه ستمائة نخلة ،وفيه أم الدحداح وعيالها،
فجاء أبو الدحداح فناداها يا أم الدحداح! قالت :لبيك.
قال :اخرجي؛ فقد أقرضته ربي عز وجل.
فكان النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم يقول) :رب عرق لـ أبي الدحداح مدلل في الجنة( ،وفي رواية) :كم من عذق رداح في الجنة لـ أبي
الدحداح(.
حسَنًا(( يعني :طيبة به نفسه بغير من ولا أذى) ،فيضاعفه له أضعافا ً كثيرة( ،وهذا
الل ّه َ قَرْضًا َ
ِض َقوله تعالى)) :م َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي ي ُ ْقر ُ
سن ْبلَُة ٍ م ِائَة ُ ح ََب ّة ٍ و ََالل ّه ُ يُضَاع ُ
ِف لم َِنْ ل ُ
ل فِي ك ُ ّ ِ
سب ْ َع سَنَاب ِ َ الل ّه ِ كَمَث َ ِ
ل ح ََب ّة ٍ أَ ن ْبَت َْت َ ل َ ل ال َ ّذ ِي َ
ن يُنفِق ُونَ أَ مْوَالَه ُ ْم فِي سَب ِي ِ كقوله عز وجل} :م َث َ ُ
يَش َاء ُ و ََالل ّه ُ و َاسِـ ٌع عَل ِيم ٌ{ ]البقرة.[٢٦١:
ُط(( أي:
ولما رغب رهب ،فرغب أولا ًفي إقراضه سبحانه وتعالى بهذه الآية ،ثم أتبعه جملة مرهبة مرغبة فقال)) :و ََالل ّه ُ يَقْب ُِض و َيَبْس ُ
يضيق على من يشاء من عباده في الرزق و يوسعه على من يشاء.
Shamela.org ٣١٠
البقرة ][252 - 243 ١٨
وما دام الذي يبسط و يقبض والذي يوسع و يضيق الرزق هو الل ّٰه سبحانه وتعالى إذا ً فلا تبخلوا بما وسع عليكم؛ لئلا يبدل الل ّٰه سبحانه
وتعالى السعة التي أودعها فيكم بالتضييق.
))و َِإلَيْه ِ تُرْجَع ُونَ(( يعني :يوم القيامة فيجاز يكم.
قال المهايمي :وكيف ينكر بسط الل ّٰه وقبضه وهو الذي يعطي الفقير الملك ويسلبه من أهله الملوك الذين هم سلالة الملوك وأبناء الملوك؟!
فالل ّٰه سبحانه وتعالى يؤتي الملك من يشاء و ينزعه ممن يشاء ،فالملك الذي هو سبط الملوك ومن سلالتهم يمنعه الل ّٰه الملك و يؤتيه للفقير!
وهو أيضا ً سبحانه وتعالى يقوي الضعفاء في الجمع القليل و يضعف الأقو ياء في الجمع الـكثير ،فلا ينكر هذا ،وهذا تمهيد بين يدي هذه
القصة التي حكاها الل ّٰه سبحانه وتعالى عن الملأ من بني إسرائيل ،حيث آتى طالوت الملك مع أنه لم يكن من سبط الملوك ولم يكن من
سلالة الملوك ،وأيضا ًنصر جنوده الذي كان فيهم داود عليه السلام على قوم جالوت رغم قلة عَدَدِهم وعُدَدِهم بالنسبة إليهم.
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :أم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف( ١٨.٤
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :أم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف(
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى} :أَ ل َ ْم ت َر َ{ ]البقرة [٢٤٣:استفهام تعجيب وتشو يق إلى استماع ما بعده ،يعني :ألم ينته علمك إلى الذين
خرجوا من ديارهم وهم ألوف أربعة يعني إما أربعة آلاف ،أو ثمانية ،أو عشرة آلاف ،أو ثلاثون ،أو أربعون أو سبعون ألفاً ،كلها
أقوال.
)حذر الموت( هذا مفعول له ،وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون ببلادهم ففروا ،وهذا الذي قاله السيوطي مرجوح ،والأرجح
أنه دعاهم ملـكهم إلى الجهاد فهربوا من وجه عدوهم حذر الموت ،وهذا القول أقرب ،ويشير إليه قوله تعالى} :و َه ُ ْم ُأل ُ ٌ
وف حَذَر َ
ْت{ ]البقرة [٢٤٣:فخافوا القتال مع كثرة عددهم ،فالفرار من الطاعون لا يستدعي الإشارة إلى أنهم ألوف ،بل الذي يستدعي
ال ْمَو ِ
الإشارة إلى أنهم كانوا ألوفا ًهو دعوتهم إلى القتال.
)فقال الل ّٰه لهم موتوا ثم أحياهم( ماتوا ثم أحياهم بعد ثمانية أيام أو أكثر بدعاء نبيهم حزقيل ،فعاشوا دهرا ً عليهم أثر الموت.
وقوله) :عليهم أثر الموت( هذه المبالغة لا دليل عليها؛ لأنه يقول :عاشوا دهرا ً بعدما أحيوا عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوبا ً إلا عاد
كالـكفن! واستمرت في أسباطهم ،وهذا القول -كما ترى -حكاه السيوطي بغير دليل ،فلا ينبغي التعو يل عليه.
الن ّاسِ{ ]البقرة [٢٤٣:ومن هذا الفضل إحياء هؤلاء} ،و َلـَك َِنّ أَ كْ ثَر َ َ
الن ّاسِ{ ]البقرة [٢٤٣:وهم الـكفار }لا ل عَلَى َ
الل ّه َ لَذ ُو ف َضْ ٍ
ن َ ِ}إ َ ّ
يَشْك ُر ُونَ{ ]البقرة.[٢٤٣:
الل ّهِ{ ]البقرة [٢٤٤:أي :لإعلاء دينه
ل َ والقصد من ذكر خبر هؤلاء تشجيع المؤمنين على القتال ،ولذا عطف عليه }و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ
الل ّه َ سَم ِيعٌ{ ]البقرة [٢٤٤:لأقوالـكم }عَل ِيم ٌ{ ]البقرة [٢٤٤:بأحوالـكم فيجاز يكم.
ن َ }و َاع ْلَم ُوا أَ َ ّ
حسَناً{ ]البقرة [٢٤٥:يعني :بأن ينفقه لل ّٰه عز وجل
الل ّهَ{ ]البقرة [٢٤٥:يعني :بإنفاق ماله في سبيل الل ّٰه }قَر ْضا ً َ
ِض َ}م َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي ي ُ ْقر ُ
عن طيب قلب -كما ذكرنا -بغير من ولا أذى} ،فَيُضَاعِف َه ُ لَه ُ{ ]البقرة ،[٢٤٥:وفي قراءة أخرى) :في ُضع ّ ِفه له(.
}أَ ضْ ع َافا ً كَث ِيرَة ً{ ]البقرة [٢٤٥:من عشرة إلى أكثر من سبعمائة.
ُط{ ]البقرة [٢٤٥:تقرأ بالصاد أو السين ،أي :يعطيه لمن يشاء
}و ََالل ّه ُ يَقْب ُِض{ ]البقرة [٢٤٥:أي :يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء }و َيَبْس ُ
سبحانه.
}و َِإلَيْه ِ تُرْجَع ُونَ{ ]البقرة [٢٤٥:يعني :في الآخرة بالبعث فيجاز يكم بأعمالـكم.
Shamela.org ٣١١
البقرة ][252 - 243 ١٨
Shamela.org ٣١٢
البقرة ][252 - 243 ١٨
تفسير قوله تعالى) :وقال لهم نبيهم إن الل ّٰه قد بعث لـكم طالوت ملكا( ١٨.٦
تفسير قوله تعالى) :وقال لهم نبيهم إن الل ّٰه قد بعث لـكم طالوت ملكاً(
الل ّه َ ق َ ْد بَع َثَ لـَك ُ ْم طَالُوتَ م َلِك ًا{ ]البقرة ،[٢٤٧:هذا شروع في تفصيل ما جرى بينه عليه السلام وبينهم
ن َ ل لَه ُ ْم نَب ُِيّه ُ ْم ِإ َ ّ
قوله تعالى} :و َقَا َ
الل ّه َ ق َ ْد بَع َثَ لـَك ُ ْم
ن َ ))إ َ ّ
من الأقوال والأفعال ،إثر الإشارة الإجمالية إلى مصير حالهم ،يعني :قال لهم بعدما أوحي إليه ما أوحيِ :
مل ّـكه عليكم ،فانتهوا في تدبير الحرب إلى أمره ،وكان طالوت من سبط لم يكن الملك فيهم ،وطالوت اسم أعجمي طَالُوتَ م َلِك ًا(( يعنيَ :
كـ جالوت وداود؛ لذلك لم ينصرف ،وإن كان بعض العلماء زعم أنه اسمٌ عربي مأخوذ من الطول ،لما وصف به من البسطة في
الجسم؛ لـكن هذا البناء ليس من أبنية العرب ،فمنع صرفه ُ؛ للعلمية وشبه العجمة ،وقد زعم الكتابيون أنه المعروف عندهم :بـ شاءول.
ن ال ْمَالِ{ ن أَ ح َُقّ ب ِال ْمُل ْكِ مِن ْه ُ و َل َ ْم يُؤ ْتَ َ
سع َة ً م ِ َ نح ْ ُ الل ّه َ ق َ ْد بَع َثَ لـَك ُ ْم طَالُوتَ م َلِك ًا قَالُوا أَ َن ّى يَكُونُ لَه ُ ال ْمُل ْ ُ
ك عَلَي ْنَا و َ َ ن َ ل لَه ُ ْم نَب ُِيّه ُ ْم ِإ َ ّ
}و َقَا َ
]البقرة [٢٤٧:ثلاث جرائم ،جريمة إثر جريمة -لعنهم الل ّٰه -فهذا اعتراض على نبيهم؛ بل على الل ّٰه تعالى بعدما أوحى الل ّٰه إليه ما أوحى؛
لأن نبيهم لا يتكلم لهم من قبل نفسه ،وإنما بالوحي ،وهذه هي عادة القوم في سوء الأدب مع الأنبياء ومع الل ّٰه عز وجل ،قالوا)) :أَ َن ّى
ن أَ ح َُقّ ب ِال ْمُل ْكِ مِن ْه ُ((؟! يعني :لأن فينا من هو من سلالة الملوك الذين
نح ْ ُ
ك عَلَي ْنَا(( يعني :كيف يكون له الملك علينا ))و َ َ
يَكُونُ لَه ُال ْمُل ْ ُ
توارثوا الملك ،وهذا ليس من أبناء الملوك ،قال الحرالي :فثنوا اعتراضهم ،يعني :هم أولا ًاعترضوا فقالوا)) :أَ َن ّى يَكُونُ لَه ُال ْمُل ْ ُ
ك عَلَي ْنَا((،
ن أَ ح َُقّ ب ِال ْمُل ْكِ مِن ْه ُ(( ،فافتخروا بما ادعوه من استحقاق الملك على من ملـكه الل ّٰه عليهم ،فكان فيهم
نح ْ ُ
ثم ثنوا بجريمة ثانية فقالوا)) :و َ َ
ن أَ ح َُقّ ب ِال ْمُل ْكِ حظ من فخر إبليس حيث قال حين ُأمر بالسجود لآدم} :أَ ن َا خَيْر ٌ مِن ْه ُ{ ]الأعراف ،[١٢:وهؤلاء أيضا ًقالوا)) :و َ َ
نح ْ ُ
ن ال ْمَالِ(( ،فهذا كما عبر عنه بعض العلماء :استصنام للمال ،جعلوا مِن ْه ُ(( ،قال الحرالي :وثلثوا جرائمهم بقولهم)) :و َل َ ْم يُؤ ْتَ َ
سع َة ً م ِ َ
ن ال ْمَالِ(( ،فصار لهذا الملك مانعان من استحقاق الملك في نظرهم :الأول :أنه ليس من سبط المال صنما ً يعبد)) :و َل َ ْم يُؤ ْتَ َ
سع َة ً م ِ َ
الملوك.
الثاني :أنه مملق ،أي :فقير ليس عنده مال ،والملك لا بد له من مال يعتضد به.
ن ال ْمَالِ(( :-استصنام المال -أي :اتخاذ المال صنما ًيعبد -وأنه مما قال الحرالي :فكان في هذه الثالثة -يعني قولهم)) :و َل َ ْم يُؤ ْتَ َ
سع َة ً م ِ َ
يقام به الملك ،وإنما الملك بإيتاء الل ّٰه ،وليس بالمال ،فكان في هذه الفتنة الثالثة جهل وشرك ،فتزايدت صنوف فتنتهم فيما انبعثوا إلى
طلبه من أنفسهم.
الل ّه َ اصْ طَف َاه ُ عَلَيْك ُ ْم وَز َادَه ُ ب َ ْسطَة ً فِي ال ْعِلْم ِ و َالْجِسْمِ{ ]البقرة [٢٤٧:لما استبعدوا تملـكه بسقوط نسبه وفقره رد عليهم أن ملاك
ن َ ل ِإ َ ّ
}قَا َ
يخ ْتَار ُ م َا ك َانَ لَه ُ ْم ا ْلخـ ِيَرَة ُ{ ]القصص ،[٦٨:فهذا هو الجواب الأول على باطلهم
ق م َا يَش َاء ُ و َ َ
يخ ْل ُ ُ الأمر هو اصطفاء الل ّٰه تعالى} :وَر َُب ّ َ
ك َ
وهو :أن ملاك الأمر إنما هو اصطفاء الل ّٰه تعالى وقد اختاره عليكم ،وهو أعلم بالمصالح منكم.
ثانياً :أن العمدة في الملك وفور العلم ،ليتمكن به من معرفة أمور السياسة ،وبسطة البدن؛ ليعظم خطره في القلوب ،و يقدر على مقاومة
الأعداء ،ومكابدة الحروب ،وقد خصه الل ّٰه تعالى منهما بحظ وافر ،فالل ّٰه الذي آتاه الملك ،زاده بسطة في العلم والجسم ،فصار في غاية
الوفرة من القوة العلمية ،والقوة العملية ،التي هي أساس القائد والأمير.
}و ََالل ّه ُ يُؤْتِي م ُل ْـك َه ُ م َنْ يَش َاءُ{ ]البقرة [٢٤٧:يعني :من غير إرث ولا مال ،إذ لا يشترط على الل ّٰه تعالى شيء ،فهو الفعال لما يريد ،فلا
ل ع ََم ّا ي َ ْفع َ ُ
ل و َه ُ ْم يُسْأَ لُونَ{ ]الأنبياء[٢٣:؛ وليس لأحد أن يشترط على الل ّٰه شروطاً ،فيقول: را َدّ لحكمه ،ولا معقب لقضائه} ،لا يُسْأَ ُ
Shamela.org ٣١٣
البقرة ][252 - 243 ١٨
يشترط في الملك أن يكون من سلالة كذا أو من سبط الملوك أو يشترط أن يكون ذا مال ،وإنما الل ّٰه سبحانه وتعالى هو الذي يصطفي،
وهو الذي يؤتي الملك ،فهو الذي اصطفاه عليكم ،وهو الذي زاده بسطة في مؤهلات الملك ،فزاده بسطة في العلم والجسم )و ََالل ّه ُ يُؤْتِي
م ُل ْـك َه ُ م َنْ يَش َاءُ{ فهو الفعال لما يريد} ،و ََالل ّه ُ و َاسِـ ٌع عَل ِيم ٌ{ ]البقرة [٢٤٧:أي :يوسع على الفقير و يغنيه ،وهو يعلم من يليق به الملك ممن لا
يليق به ،وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة ،يعني :لم يقل تعالى) :والل ّٰه يؤتي ملـكه من يشاء وهو واسع عليم( وإنما قال} :و ََالل ّه ُ و َاسِـ ٌع
عَل ِيم ٌ{ ]البقرة ،[٢٤٧:فكرر لفظ الجلالة لتربية المهابة في قلوبهم من الل ّٰه سبحانه وتعالى.
وثمرة هذه الآية :أن النبوة والإمامة لا تستحق بالإرث ،وأن الح ِرف الدنيئة لا تمنع الغنى والسيادة؛ لأنه روي أن طالوت كان دباغا ً
أو سقاء ً مع فقره.
وتدل هذه الآيات على أنه يشترط في الأمير ونحوه القوة على ما تولى ،فيكون سليما ًمن الآفات ،عالما ًبما يحتاج إليه؛ لأن الل ّٰه تعالى ذكر
البسطة في العلم والجسم؛ ردا ً على ما اعتبروه ،فدائما ًيشير القرآن إلى مؤهلات الإمامة ،وهي :القوة العلمية والعملية كما في قوله تبارك
ِيظ عَل ِيم ٌ{ ]يوسف ،[٥٥:وكذلك في قوله تبارك وتعالى:
حف ٌض ِإن ِ ّي َ
ل اجْ عَلْنِي عَلَى خَز َائ ِ ِن الأَ ْر ِ
وتعالى حاكيا ًعن يوسف على السلام} :قَا َ
ن اسْ ت َأْ جَرْتَ الْقَو ُِيّ الأَ م ِينُ{ ]القصص.[٢٦: } ُأوْل ِي الأَ يْدِي و َالأَ بْصَارِ{ ]ص ،[٤٥:وكذلك في قول بنت الرجل الصالح}ِ :إ َ ّ
ن خَيْر َ م َ ِ
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى)) :أَ ل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال ْمَل َ ِإ(( يعني :الجماعة ))م ِنْ بَنِي ِإسْر َائيِ َ
ل م ِنْ بَعْدِ م ُوس َى(( أي :من بعد موت موسى،
َث لَنَا م َلِك ًا(( أي :أقم
))إ ْذ قَالُوا لِنَب ِ ٍيّ لَهُم ُ(( هو شمو يل ،وأحيانا ً يقولون :صاموئيل ))ابْع ْ
يعني :ألم ينته علمك إلى قصتهم وخبرهم؟ ِ
الل ّهِ(( أي :نقاتل معه في سبيل الل ّٰه ،يعني :تنتظم به كلمتنا ،ونرجع إليه.
ل َ لنا ملكا ً))نُق َات ِلْ فِي سَب ِي ِ
ل أَ َلّا تُق َاتِلُوا(( والاستفهام لتقرير التوقع
))إ ْن كُت ِبَ عَلَيْكُم ُ الْق ِتَا ُ
ل ه َلْ عَسَي ْتُم ْ(( قال النبي لهم) :هل عسيتم( بالفتح والـكسرِ ،
))قَا َ
الل ّه ِ و َق َ ْد ُأ ْ
خر ِجْ نَا م ِنْ دِي َارِن َا و َأَ ب ْنَائنَِا(( يعني: ل َ بها يعني :أنا أتوقع منكم جبنكم هذا ما قاله لهم نبيهم ))قَالُوا وَم َا لَنَا أَ َلّا نُق َات ِ َ
ل فِي سَب ِي ِ
بسبيهم وقتلهم ،وقد فعل بهم ذلك قوم جالوت ،أي :لا مانع منه مع وجود مقتضيه ،يعني :لا يوجد مانع ،وفي نفس الوقت المقتضي
موجود ،فيجب أن يوجد الفعل وهو القتال ،قال تعالى)) :فَلَم ّا كُت ِبَ عَلَيْهِم ُ الْق ِتَالُ(( لما فرض عليهم القتال ))تَو َل ّو ْا(( عنه وجبنوا
))إ َلّا قَلِيل ًا مِنْهُمْ(( وهم الذين عبروا النهر مع طالوت كما سيأتي إن شاء الل ّٰه ))و ََالل ّه ُ عَل ِيم ٌ ب ِال َ ّ
ظالِمِينَ(( فمجازيهم. ِ
الل ّه َ ق َ ْد بَع َثَ لـَك ُ ْم
ن َ ل لَه ُ ْم نَب ُِيّه ُ ْم ِإ َ ّ
وسأل النبي -أي :المذكور في الآية السابقة -ربه إرسال ملك ،فأجابه إلى إرسال طالوت)) :و َقَا َ
ن أَ ح َُقّ ب ِال ْمُل ْكِ مِن ْه ُ((؛ لأنه ليس من سبط المملـكة ولا النبوة ،وكان نح ْ ُ طَالُوتَ م َلِك ًا قَالُوا أَ َن ّى(( يعني :كيف ))يَكُونُ لَه ُال ْمُل ْ ُ
ك عَلَي ْنَا و َ َ
الل ّه َ اصْ طَف َاه ُ(( قال النبي لهم) :إن الل ّٰه
ن َ ل ِإ َ ّ
ن ال ْمَالِ(( يعني :يستعين بها على إقامة الملك ))قَا َ دباغا ً أو راعيا ً ))و َل َ ْم يُؤ ْتَ َ
سع َة ً م ِ َ
اصطفاه عليكم( أي :اختاره للملك ))وَز َادَه ُ ب َ ْسطَة ً(( أي :سعة ،بالسين والصاد ))فِي ال ْعِلْم ِ و َالْجِسْمِ(( وكان أعلم بني إسرائيل يومئذ،
وأجملهم وأتمهم خلقا ً}و ََالل ّه ُ يُؤْتِي م ُل ْـك َه ُ م َنْ يَش َاءُ{ إيتاءه ،لا اعتراض عليه)) ،و ََالل ّه ُ و َاسِـعٌ(( أي :فضله ))عَل ِيم ٌ(( بمن هو أهل له.
تفسير قوله تعالى) :وقال لهم نبيهم إن آية ملـكه أن يأتيكم التابوت( ١٨.٧
تفسير قوله تعالى) :وقال لهم نبيهم إن آية ملـكه أن يأتيكم التابوت(
ل ه َار ُونَ تَحْم ِلُه ُ ال ْمَلائِك َة ُ سكِين َة ٌ م ِنْ ر َبِّك ُ ْم و َبَق َِي ّة ٌ م َِم ّا ت َرَك َ آ ُ
ل م ُوس َى و َآ ُ ل لَه ُ ْم نَب ُِيّه ُ ْم ِإ َ ّ
ن آيَة َ م ُل ْـكِه ِ أَ ْن ي َأْ تيَِك ُ ْم َ
الت ّابُوتُ ف ِيه ِ َ قوله تعالى} :و َقَا َ
ن آيَة َ م ُل ْـكِه ِ أَ ْن ي َأْ تيَِكُم ُ َ
الت ّابُوتُ { ك لآيَة ً لـَك ُ ْم ِإ ْن كُنتُم ْ مُؤْم ِنِينَ{ ]البقرة [٢٤٨:يعني :لما طلبوا منه آية على ملـكه ،قال}ِ :إ َ ّ ِإ َ ّ
ن فِي ذَل ِ َ
]البقرة [٢٤٨:يعني :الصندوق ،يقول السيوطي :كان فيه صور الأنبياء أنزله الل ّٰه على آدم إلخ هذه من المآخذ الشديدة على السيوطي في
Shamela.org ٣١٤
البقرة ][252 - 243 ١٨
تفسير الجلالين ،وهي التساهل في سرد مثل هذه الإسرائيليات بلا سند وبلا دليل ،كما سبق أن أشرنا إلى قوله رحمه الل ّٰه تعالى في قوله
الل ّه ُ م ُوتُوا ث َُم ّ أَ حْ يَاهُمْ(( حيث قال :فعاشوا دهرا ً عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوبا ًإلا عاد كالـكفن! ما الدليل
ل لَهُم ُ َ
تبارك وتعالى)) :فَق َا َ
على هذا؟ أيضا ًقال السيوطي هنا :إن التابوت -وهو الصندوق -كان فيه صور الأنبياء أنزله الل ّٰه على آدم واستمر إليهم فغلبتهم العمالقة
عليه ،وأخذوه ،وكانوا يستفتحون به على عدوهم ،و يقدمونه في القتال ويسكنون إليه! وقد رد القاضي كنعان على قول السيوطي :كان
فيه صور الأنبياء ،فقال :لقد تساهل السيوطي رحمه الل ّٰه في هذا من غير دليل ،ثم إن قوله هذا مخالف لإخباره تعالى عما في التابوت؛
سكِين َة ٌ م ِنْ ر َبِّكُمْ{ ]البقرة ،[٢٤٨:وأيضا ًففي تصوير الأنبياء بعد وغرابة ،بالإضافة
لأن الل ّٰه ما قال :فيه صور الأنبياء ،وإنما قال} :ف ِيه ِ َ
إلى أن حكم التصوير في الشرائع السابقة غير معلوم لدينا ،فلنقف عند حدود ما أخبر الل ّٰه تعالى به ،ولنترك المبالغة؛ فإنها غير محمودة.
وهذه الملاحظات أنتم مسئولون عنها في التفسير؛ حتى لا تعتمد كلام السيوطي فيها ،فتذكر الكلام الأصح.
سكِين َة ٌ م ِنْ ر َبِّكُمْ{ ]البقرة [٢٤٨:يقول) :فيه سكينة( أي :طمأنينة لقلوبكم }م ِنْ
الت ّابُوتُ ف ِيه ِ َ ل لَه ُ ْم نَب ُِيّه ُ ْم ِإ َ ّ
ن آيَة َ م ُل ْـكِه ِ أَ ْن ي َأْ تيَِكُم ُ َ }و َقَا َ
ل ه َار ُونَ{ ]البقرة [٢٤٨:أي :تركاهما ،وهي نعلا موسى ،وعصاه ،وعمامة هارون ،وقفيز من المنّ ر َبِّك ُ ْم و َبَق َِي ّة ٌ م َِم ّا ت َرَك َ آ ُ
ل م ُوس َى و َآ ُ
الذي كان ينزل عليهم ،ورضاض من الألواح يعني :فتات من الألواح }تَحْم ِلُه ُ ال ْمَلائِك َة ُ{ ]البقرة [٢٤٨:هذا حال من فاعل يأتيكم:
ك ل َآيَة ً لـَكُمْ{ ]البقرة [٢٤٨:يعني :على ملـكه ِ}إ ْن كُنتُم ْ مُؤْم ِنِينَ{ ]البقرة ،[٢٤٨:فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ِ}إ َ ّ
ن فِي ذَل ِ َ
ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت؛ فأقروا بملـكه وتسارعوا إلى الجهاد ،فاختار من شبابهم سبعين ألفاً.
الت ّابُوتُ (( أن يرد ل لَه ُ ْم نَب ُِيّه ُ ْم ِإ َ ّ
ن آيَة َ م ُل ْـكِه ِ(( أي :إن علامة أن ملـكه من الل ّٰه تعالى ))أَ ْن ي َأْ تيَِكُم ُ َ يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى)) :و َقَا َ
سكِين َة ٌ م ِنْ ر َبِّكُمْ(( فيه وقار وجلال وهيبة ،أو فيه سكون نفوس بني
الل ّٰه إليكم التابوت الذي أخذ منكم ،وهو صندوق التوراة)) :ف ِيه ِ َ
ل ه َار ُونَ(( يعني :من آثارهم الفاضلة. إسرائيل ،يتقوون به على الحرب) ،وبقية( أي :جملة مما ذهب جلها ))م َِم ّا ت َرَك َ آ ُ
ل م ُوس َى و َآ ُ
))تَحْم ِلُه ُ ال ْمَلائِك َة ُ ِإ َ ّ
ن فِي ذَلِكَ(( أي :في رد التابوت إليكم)) ،ل َآيَة ً لـَكُمْ(( لعلامة لـكم على أنه ملـكه الل ّٰه ِ
))إ ْن كُنتُم ْ مُؤْم ِنِينَ(( أي:
بآيات الل ّٰه وأنبيائه.
قال البقاعي رحمه الل ّٰه :التابوت -والل ّٰه أعلم -الصندوق الذي وضع فيه اللوحان اللذان كتب فيهما العشر الآيات ،ويسمى تابوت
الشهادة ،وكانوا إذا حاربوا حمله جماعة منهم ،ويتقدمون به أمام الجيش ،فيكون ذلك سبب انتصارهم ،وكان العمالقة أصحاب جالوت
سكِين َة ٌ
قد أخذوه منهم في جملة ما أخذوا من نفائسهم ،وقد ذكرهم بمآثره ترغيبا ًفيه وحملا ًلهم على قبول قيادة طالوت لهم ،قال} :ف ِيه ِ َ
ك ل َآيَة ً لـَك ُ ْم ِإ ْن كُنتُم ْ مُؤْم ِنِينَ{. ل ه َار ُونَ تَحْم ِلُه ُ ال ْمَلائِك َة ُ ِإ َ ّ
ن فِي ذَل ِ َ م ِنْ ر َبِّك ُ ْم و َبَق َِي ّة ٌ م َِم ّا ت َرَك َ آ ُ
ل م ُوس َى و َآ ُ
Shamela.org ٣١٥
البقرة ][252 - 243 ١٨
شك فإن هذا امتحان وابتلاء شديد؛ ليميز الل ّٰه سبحانه وتعالى الخبيث من الطيب الذي ينقاد لشرع الل ّٰه ،وبلا شك أن الذي يغترف
غرفة ففتنته أشد مع شدة الحر ،فعند أن يتناول غرفة واحدة من الماء ،يكون شوقه إلى المزيد أكثر.
وفي قراءة) :إلا من اغترف غ َْرفة ً بيده( يعني :أي غرفة سواء كانت قليلة أو كثيرة ،أما على قراءة) :غ ُرفة بيده( فهي إعلام بملئها.
))ف َشَر ِبُوا مِن ْه ُ ِإ َلّا قَلِيل ًا مِنْهُمْ(( يعني :شربوا منه إلى حد الارتواء ،ولم يكتفوا بغرفة واحدة ،وإنما شربوا وتمادوا في الشرب إلى حد
))إ َلّا قَلِيل ًا مِنْهُمْ(( لم يشربوا إلا بما أذن الل ّٰه تعالى.
الارتواء ،قال تعالىِ :
))فَلَم ّا ج َاوَزَه ُ(( الهاء تعود على ال َنّهر أو النه َر ))فَلَم ّا ج َاوَزَه ُ ه ُو َ(( ،المشار إليه طالوت ))و َال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا م َع َه ُ(( الذين شربوا غرفة واحدة
أو لم يشربوا)) ،قَالُوا لا طَاق َة َ لَنَا ال ْيَوْم َ بِ جَالُوتَ وَجُن ُودِه ِ(( فقد سلبت شجاعتهم ،يظنون هنا بمعنى :يوقنون.
الل ّه ِ و ََالل ّه ُ م َ َع
ن َ الل ّهِ(( أي :أنهم يرجعون إليه بعد الموت} ،ك َ ْم م ِنْ ف ِئَة ٍ قَلِيلَة ٍ غَلَب َْت ف ِئ َة ً كَث ِيرَة ً ب ِِإ ْذ ِ
ن يَظ ُُن ّونَ أَ َ ّنه ُ ْم م ُلاق ُوا َ
ل ال َ ّذ ِي َ
))قَا َ
صلَ(( أي :خرج طالوت بالجنود من بيت المقدس ،وكان الحر َ
الصّ ابِر ِينَ{ ]البقرة ،[٢٤٩:يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى)) :فَلَم ّا ف َ َ
شديداً ،وطلبوا منه الماء )قال إن الل ّٰه مبتليكم( أي :مختبركم )بنهر( يعني :ليظهر المطيع منكم والعاصي ،وهذا النهر هو :النهر الذي بين
الأردن وفلسطين)) :فَم َنْ شَر ِبَ مِن ْه ُ(( من مائه؛ لأن النهر المقصود به ماء النهر؛ لأن النهر هو الأخدود نفسه.
َف غ ُْرف َة ً ْس م ِن ِ ّي(( أي :من أتباعي ))وَم َنْ ل َ ْم ي َ ْطعَمْه ُ(( يعني :يتركه ))ف َِإ َن ّه ُ م ِن ِ ّي ِإ َلّا م َ ِ
ن اغ ْتَر َ ))فَم َنْ شَر ِبَ مِن ْه ُ(( أي :من مائه ))فَلَي َ
))إ َلّا
بيَِدِه ِ(( بالضم أو بالفتح غ ُرفة أو غ َرفة بيده ،فاكتفى بها ولم يزد عليها فإنه مني ))ف َشَر ِبُوا مِن ْه ُ(( يعني :لما وافوه شربوا بكثرة ِ
قَلِيل ًا مِنْهُمْ(( فاقتصروا على الغرفة التي اغترفها كل واحد منهم كما تقدم ،روي أنها كفتهم لشربهم ودوابهم ،وكانوا ثلاثمائة وبضعة
عشر رجلاً ،وهذه الحكاية ضعيفة جداً.
))فَلَم ّا ج َاوَزَه ُ ه ُو َ و َال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا مَع َه ُ(( الذين اقتصروا على الغرفة)) ،قَالُوا(( ،أي :الذين شربوا ))لا طَاق َة َ لَنَا ال ْيَوْم َ(( يعني :لا قوة
))لَنَا ال ْيَوْم َ بِ جَالُوتَ وَجُن ُودِه ِ(( أي :بقتالهم ،وجبنوا ولم يجاوزوه.
الل ّهِ(( أي :بالبعث ،وهم الذين جاوزوه) ،كم( بمعنى :كثير ))ك َ ْم م ِنْ ف ِئَة ٍ(( أي :جماعة
ن يَظ ُُن ّونَ( يوقنون ))أَ َ ّنه ُ ْم م ُلاق ُوا َ
ل ال َ ّذ ِي َ
)قَا َ
الل ّهِ(( أي :بإرادته)) ،و ََالل ّه ُ م َ َع َ
الصّ ابِر ِينَ(( أي :بالعون والنصح. ن َ ))قَلِيلَة ٍ غَلَب َْت ف ِئ َة ً كَث ِيرَة ً ب ِِإ ْذ ِ
Shamela.org ٣١٦
البقرة ][252 - 243 ١٨
ل عَلَى الْع َالم َي ِنَ{ ]البقرة [٢٥١:وسنة التدافع من سنن الل ّٰه سبحانه وتعالى ،يدفع وقتل المسلمين ،وتخريب المساجد }و َلـَك َِنّ َ
الل ّه َ ذ ُو ف َضْ ٍ
الناس بعضهم ببعض؛ كي لا تفسد الأرض.
تفسير قوله تعالى) :تلك آيات الل ّٰه نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين( ١٨.١٠
تفسير قوله تعالى) :تلك آيات الل ّٰه نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين(
ك لم َِنْ ال ْمُرْسَلِينَ{ ]البقرة [٢٥٢:أي :هذه الآيات )آيات الل ّٰه نتلوها( أي :نقصها، الل ّه ِ نَت ْلُوه َا عَلَي ْ َ
ك ب ِالْحَقّ ِ و َِإ َن ّ َ ك آي َاتُ َ
قال تعالى} :تِل ْ َ
ن ال ْمُرْسَلِينَ{ ]البقرة [٢٥٢:التأكيد بإن وغيرها ردّ ٌ )عليك( يا محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم }ب ِالْحَقّ ِ{ ]البقرة [٢٥٢:أي :بالصدق }و َِإ َن ّ َ
ك لم َ ِ َ
ن ال ْمُرْسَلِينَ(( ،يشهد له بصدق لقول الـكفار له صلى الل ّٰه عليه وسلم) :لست مرسلاً( فالل ّٰه سبحانه وتعالى يحامي عنه و يقول)) :و َِإ َن ّ َ
ك لم َ ِ َ
رسالته صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
Shamela.org ٣١٧
البقرة ][252 - 243 ١٨
وإتيان التابوت ،وانهزام جالوت ،وقتل داود إياه وتملـكه؛ آيات الل ّٰه؛ إذ هي أخباره بالمغيبات ،وتدل على كمال قدرته سبحانه وحكمته.
ن ال ْمُرْسَلِينَ(( بما دل ّت عليه هذه ))نَت ْلُوه َا عَلَيْكَ(( أي :ينزل عليك جبر يل بها ))ب ِالْحَقّ ِ(( أي :اليقين الذي لا يرتاب فيه ))و َِإ َن ّ َ
ك لم َ ِ َ
الآيات من علمك بها من غير م ُعل ِّم من البشر ،ثم بإعجازها الباقي على مدى الدهر.
وفي هذه القصص معتبر لهذه الأمة في احتمال الشدائد في الجهاد كما احتملها المؤمنون في الأمم المتقدمة ،كما أن فيها تسلية للرسول
صلى الل ّٰه عليه وسلم من الـكفار والمنافقين ،كأنه يقال له :لقد عرفت بهذه الآيات ما جرى على الأنبياء عليهم السلام في بني إسرائيل
َ
يعظمنّ عليك كفر من كفر بك ،وخلاف من خالفك؛ لأنك مثلهم ،وإنما بعث الكل لتأدية من الخلاف عليهم والرد لقولهم ،فلا
الرسالة ،ولامتثال الأمر على سبيل الاختيار والطوع لا على سبيل الإكراه ،فلا عتب عليك في خلافهم وكفرهم ،والوبال في ذلك
يرجع عليهم.
ن ال ْمُرْسَلِينَ(( هي كالتنبيه على ذلك ،فستجري عليك السنة التي جرت على إخوانك السابقين من المرسلين. ))و َِإ َن ّ َ
ك لم َ ِ َ
Shamela.org ٣١٨
البقرة ][256 - 253 ١٩
-يعني :أنا ما شاركت في الحرب ،وما خالفت كلام أبي ،لـكن أنا الآن أتكلم ،-فتحول من عنده نحو آخر وتكلم بمثل هذا الكلام ،فرد
له الشعب جوابا ً كالجواب الأول ،وسمع الكلام الذي تكلم به داود وأخبروا به أمام شاءول فاستحضره ،فقال داود :عبدك يذهب
و يحارب هذا الفلسطيني ،فقال شاءول لداود :لا تستطيع أن تذهب إلى هذا الفلسطيني فهو رجل حرب منذ صباه ،فقال داود لـ
شاءول :كان عبدك يرعى لأبيه غنما ً فجاء أسد مع دب -يعني :أراد أن يقيم له الدليل على أنه شجاع وأنه يستطيع القتال -وأخذ شاة من
القطيع فذهبت وراءه ،ولما قام عليّ أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته ،قتل عبدك الأسد والدب جميعاً ،وهذا الفلسطيني الأغلف يكون
لواحد منهما ليرى صفوف الل ّٰه الحي ،وقال داود :الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدب هو ينقذني من يد هذا الفلسطيني،
فقال شاءول لداود :اذهب وليكن الرب معك.
وألبس شاءول داود ثيابه ،وجعل خوذة من نحاس على رأسه ،وألبسه درعاً ،فتقلد داود ذلك ولم يكن من قبل قد جرب ،فقال داود
لـ شاءول :لا أقدر أن أمشي بهذه لأني لم أجربها ،ونزعها داود عنه -أي :خلع الدرع ،لأنه لا يستطيع أن يمشي بها -وأخذ عصاه،
وانتقى له خمسة حجارة ملساء من الوادي ،وجعلها في كنف الرعاء الذي له -أي :في الجراب ،-ومقلاعه بيده ،ليتقدم نحو الفلسطيني،
ولما نظر الفلسطيني ورأى داود استحقره؛ لأنه كان غلاما ً أشقر جميل المنظر ،فقال الفلسطيني لداود :ألعلي أنا كلب حتى تأتي إليّ
بعصا؟! ولعن الفلسطيني داود! وقال الفلسطيني لداود :تعال إليّ لأعطي لحمك لطيور السماء ووحوش البر ية ،فقال داود للفلسطيني:
أنت تأتي إليّ بسيف وبرمح وبترس ،وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم ،هذا اليوم يحبسك الرب في
يدي ،فأقتلك وأقطع رأسك وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا اليوم لطيور السماء وحيوانات الأرض ،فتعلم كل الأرض أنه
يوجد إله لإسرائيل ،وتعلم هذه الجماعات كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب؛ لأن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا ،وكان لما
قام الفلسطيني وذهب وتقدم للقاء داود أن داود أسرع وركض نحو الصف للقاء الفلسطيني ،ومد داود يده إلى الـكنف وأخرج منه
حجراً ،ورماه بالمقلاع وضرب الفلسطيني في جبهته ،فارتز الحجر في جبهته ،وسقط على وجهه إلى الأرض فتمكن داود من الفلسطيني
بالمقلاع والحجر ،وضرب الفلسطيني وقتله ،ولم يكن سيف بيد داود ،فركض داود ووقف على الفلسطيني وأخذ سيفه واخترطه من
غمده -يعني أخذ سيف جالوت -وقطع به رأسه ،فلما رأى الفلسطينيون أن جبارهم قد مات هربوا ،فقام رجال إسرائيل ويهوذا
وهتفوا ولحقوا الفلسطينيين إلى الوادي وحتى أبواب عقرون إلى آخر القصة.
تلاحظون الفرق الشاسع بين القرآن الـكريم والتوراة ،والقرآن لا يذكر كل هذه التفاصيل ،و يكتفي بذكر موضع العبرة.
تفسير قوله تعالى) :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض( ١٩.١
تفسير قوله تعالى) :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض(
ات
ن م َْر ي َم َ ال ْبَي ِّن َ ِ
َات و َآتَي ْنَا ع ِيس َى اب ْ َ الل ّه ُ وَر َف َ َع بَعْضَه ُ ْم دَرَج ٍ ض مِنْه ُ ْم م َنْ ك ََل ّم َ َ
ل ف ََضّ ل ْنَا بَعْضَه ُ ْم عَلَى بَعْ ٍ س ُ ك ُ
الر ّ ُ قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :تِل ْ َ
كف َر َ
ن وَمِنْه ُ ْم م َنْ َ ن اخْ تَلَف ُوا فمَِنْه ُ ْم م َنْ آم َ َ
ك ِ ل ال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ بَعْدِه ِ ْم م ِنْ بَعْدِ م َا ج َاءَتْهُم ُ ال ْبَي ِّنَاتُ و َلـ َ ِ الل ّه ُ م َا اق ْتَت َ َ و َأَ َي ّدْن َاه ُ ب ِر ِ
س و َلَو ْ شَاء َ َ
ُوح الْقُد ُ ِ
ل م َا يُر ِيد ُ{ ]البقرة.[٢٥٣: الل ّه ُ م َا اق ْتَتَلُوا و َلـَك َِنّ َ
الل ّه َ ي َ ْفع َ ُ و َلَو ْ شَاء َ َ
قوله تعالى) :تلك الرسل( تلك :مبتدأ ،والرسل :صفة ،والخـبر) :فضلنا بعضهم على بعض( يعني :بتخصيصه بمنقبة ليست لغيره)) ،مِنْه ُ ْم
م َنْ ك ََل ّم َ َ
الل ّهُ(( كموسى)) ،وَر َف َ َع بَعْضَهُمْ(( أي :محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم )درجات( يعني :رفعه على غيره درجات ،بعموم الدعوة
Shamela.org ٣١٩
البقرة ][256 - 253 ١٩
والنبوة ،وتفضيل أمته على سائر الأمم ،والمعجزات المتكاثرة ،والخصائص العديدة.
وهذا فيه إشارة إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الل ّٰه الأنصاري رضي الل ّٰه عنه أن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم قال:
)أعطيت خمسا ً لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي :نصرت بالرعب مسيرة شهر ،وجعلت لي الأرض مسجدا ً وطهوراً ،فأيما رجل من
أمتي أدركته الصلاة فليصل ،وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ،وأعطيت الشفاعة ،وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ،وبعثت
إلى الناس عامة(.
وليست هذه الخمس فقط هي خصائص النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،بل هي كثيرة جداً ،وقد خصها بعض الأئمة بعلم مستقل من علوم
الدين يسمى :الخصائص النبو ية ،وأشهر ما ألف في ذلك وأقدمه :الشفاء بتعر يف حقوق المصطفى صلى الل ّٰه عليه وسلم للقاضي عياض،
والخصائص الـكبرى للسيوطي ،وظهر مؤخرا ً مختصر لأحد العلماء ،وقد حقق أحاديثه بعمل جيد ،فهذا علم مستقل من علوم الدين
وهو معرفة خصائص النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،وقد تكلمت هذه المصنفات على مئات الخصائص ،وأيضا ًالغماري له كتاب
في خصائص النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
ُوح الْقُدُسِ(( يعني :الروح المقدسة وهو جبر يل عليه السلام ،كان ات و َأَ َي ّدْن َاه ُ(( أي :قويناه ))ب ِر ِ
ن م َْر ي َم َال ْبَي ِّن َ ِ
وقوله)) :و َآتَي ْنَا ع ِيس َى اب ْ َ
يسير معه حيث سار.
ل ال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ بَعْدِهِمْ(( من بعد الرسل من أممهم ))م ِنْ بَعْدِ م َا الل ّهُ(( يعني :لو شاء الل ّٰه أن يهدي الناس جميعا ً ))م َا اق ْتَت َ َ ))و َلَو ْ شَاء َ َ
ن اخْ تَلَف ُوا((؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى شاء ذلك ))فمَِنْه ُ ْم م َنْ آمَنَ((
ك ِ
ج َاءَتْهُم ُ ال ْبَي ِّنَاتُ ((؛ لاختلافهم ،وتضليل بعضهم بعضاً)) ،و َلـ َ ِ
ل م َا يُر ِيد ُ(( يعني: الل ّه ُ م َا اق ْتَتَلُوا(( هذا تأكيد)) ،و َلـَك َِنّ َ
الل ّه َ يَفْع َ ُ كف َر َ(( دعوى المسيح ))و َلَو ْ شَاء َ َ
أي :ثبت على إيمانه ))وَمِنْه ُ ْم م َنْ َ
من توفيق من شاء ،وخذلان من شاء.
١٩.١.١تفسير الشنقيطي لقوله تعالى) :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض(
تفسير الشنقيطي لقوله تعالى) :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض(
َات(( يقول الشنقيطي رحمه الل ّٰه تعالى ض مِنْه ُ ْم م َنْ ك ََل ّم َ َ
الل ّه ُ وَر َف َ َع بَعْضَه ُ ْم دَرَج ٍ ل ف ََضّ ل ْنَا بَعْضَه ُ ْم عَلَى بَعْ ٍ
س ُ ك ُ
الر ّ ُ قوله تبارك تعالى)) :تِل ْ َ
في أضواء البيان :لم يبېن هنا هذا الذي كلمه الل ّٰه منهم ،وقد بين أن منهم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بقوله} :وَك ََل ّم َ َ
الل ّه ُ م ُوس َى
س بِرِسَالاتِي و َبِك َلامِي{ ]الأعراف ،[١٤٤:فهذه الآيات توضح ما أجمله في ك عَلَى َ
الن ّا ِ تَكْلِيم ًا{ ]النساء ،[١٦٤:وقوله}ِ :إن ِ ّي اصْ طَفَي ْت ُ َ
ض مِنْه ُ ْم م َنْ ك ََل ّم َ َ
الل ّهُ(( ،فبينت آيات أخر أن ممن كلم الل ّٰه موسى عليه السلام. قوله)) :ف ََضّ ل ْنَا بَعْضَه ُ ْم عَلَى بَعْ ٍ
وقال ابن كثير) :منهم من كلم الل ّٰه( موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام؛ وكذلك آدم كما ورد في الحديث المروي في صحيح ابن حبان
عن أبي ذر رضي الل ّٰه تعالى عنه.
ك
قال مقيدة -أي :الشنقيطي -عفا الل ّٰه عنه :تكليم آدم الوارد في صحيح ابن حبان يبنيه قوله تعالى} :و َقلُ ْنَا ي َا آدَم ُ اسْ كُنْ أَ ن ْتَ وَز َ ْوج ُ َ
الْج َنَ ّة َ{ ]البقرة [٣٥:وأمثالها من الآيات ،فإنه ظاهر بأنه غير واسطة الملك ،وإنما كان تكليما ًمباشرا ً من الل ّٰه سبحانه وتعالى.
و يظهر من هذه الآية نهي حواء عن الشجرة على لسانه ،فهو رسول إليها بذلك ،يعني :الل ّٰه سبحانه وتعالى كلم آدم عليه السلام ،وآدم
بلغ حواء كما قال تعالى} :و َقلُ ْنَا ي َا آدَم ُ اسْ كُنْ أَ ن ْتَ وَز َ ْوجُكَ{ ]البقرة ،[٣٥:فالتكليف لآدم.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى)) :مِنْه ُ ْم م َنْ ك ََل ّم َ َ
الل ّهُ(( ،وقد سئل رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم عن آدم :أنبي مرسل هو؟ فقال:
)نعم ،نب ّي ٌ مكلم( ،فهذا يدل على دخول آدم عليه السلام في قوله تعالى)) :مِنْه ُ ْم م َنْ ك ََل ّم َ َ
الل ّهُ(( يعني :بلا واسطة.
قال ابن عطية :وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة ،فعلى هذا تبقى خاصية موسى عليه السلام.
Shamela.org ٣٢٠
البقرة ][256 - 253 ١٩
وقال ابن جرير :لأن آدم كان هو النبي أيام حياته بعد أن ُأهبط إلى الأرض ،والرسول من الل ّٰه جل ثناؤه إلى ولده ،فغير جائز أن
يكون معنيا ً-وهو الرسول -بقوله تعالى} :ف َِإ َمّا ي َأْ تِيَن ّك ُ ْم م ِن ِ ّي هُدًى{ ]البقرة [٣٨:أي :رسل.
وقد وصف نوح عليه السلام بأنه أول رسول في حديث الشفاعة) :فيأتون نوحا ًفيقولون :أنت أول الرسل إلى أهل الأرض( ،ويشهد له
َالن ّب ِيِّينَ م ِنْ بَعْدِه ِ{ ]النساء ،[١٦٣:وهذا يشكل على ما تقدم أن آدم رسول! والظاهر: حي ْنَا ِإلَى ن ُ ٍ
وح و َ ك كَمَا أَ ْو َ قوله تعالى}ِ :إ َن ّا أَ ْو َ
حي ْنَا ِإلَي ْ َ
أنه لا طر يق للجمع بين هذه النصوص إلا من وجهين :آن آدم أرسل لزوجه في الجنة ،ونوح أول رسول أرسل في الأرض ،ويدل
على هذا الجمع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما في حديث الشفاعة ففيه) :ائتوا نوحا ًفإنه أول رسول بعثه الل ّٰه إلى أهل الأرض( فمفهومه:
أن آدم عليه السلام أول رسول من الل ّٰه إلى زوجه حواء في الجنة ،وليس رسولا ً إلى أهل الأرض ،فلا تعارض ،فقوله) :إلى أهل
الأرض( لو لم يرد به الاحتراز عن رسول بعث لغير أهل الأرض لكان ذلك الكلام حشواً ،لـكن المقصود به الاحتراز عن رسالة آدم
إلى زوجه في الجنة كما ذكرناه ،ويستأنس له بكلام ابن عطية الذي ذكرناه سابقا ًعند حديث) :نعم ،نبي مكلم( ،قال ابن عطية :وقد
تأوّل بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة ،فعلى هذا يبقى التكليم خاصية لموسى عليه السلام.
أما الوجه الثاني للجمع فهو أن آدم أرسل إلى ذريته وهم على الفطرة لم يصدر منهم كفر فأطاعوه ،ونوح هو أول رسول أرسل إلى
اس قوم كافرين ينهاهم عن الإشراك بالل ّٰه تعالى ،و يأمرهم بإخلاص العبادة له وحده ،ويدل على هذا الوجه قوله تعالى} :وَم َا ك َانَ َ
الن ّ ُ
الل ّه ُ َ
الن ّب ِيِّينَ{ اس ُأ َمّة ً و َا ِ
حدَة ً فَبَع َثَ َ ِإ َلّا ُأ َمّة ً و َا ِ
حدَة ً{ ]يونس [١٩:يعني :كانوا على الدين الحنيف حتى كفر قوم نوح ،وقوله} :ك َانَ َ
الن ّ ُ
]البقرة [٢١٣:إلى آخر الآية.
ك
َات(( أشار في مواضع أخر إلى أن منهم محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم كقوله تعالى} :ع َس َى أَ ْن يَب ْع َث َ َ
وقوله تعالى)) :وَر َف َ َع بَعْضَه ُ ْم دَرَج ٍ
Shamela.org ٣٢١
البقرة ][256 - 253 ١٩
صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :لا تخـيروني على موسى ،فإن الناس يَصعقون -أو يُصعقون -يوم القيامة فأكون من أول من يفيق ،فإذا موسى
باطش بجانب العرش ،فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الل ّٰه؟( ،فهنا يخـبر في الحديث بقوله) :لا تخـيروني على موسى( يعني:
لا تقولوا :أنا خير ٌ من موسى عليه السلام ،وفي رواية) :لا تفضلوا بين أنبياء الل ّٰه( ،وفي رواية) :لا تخـيروني من بين الأنبياء(.
قال القرطبي :وهذه الآية مشكلة ،والأحاديث ثابتة بأن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :لا تخـيروا بين الأنبياء ،ولا تفضلوا بين أنبياء
الل ّٰه( أي :لا تقولوا :فلان خير ٌ من فلان ،ولا فلان أفضل من فلان.
قال ابن كثير في الجواب عن هذا الإشكال ما نصه :والجواب من وجوه :أحدها :أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل.
يعني :يحتمل أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى الصحابة عن التفضيل كما في هذا الحديث ،وكما في قوله أيضاً) :لا تقولوا :أنا خير
من يونس بن متى( قبل أن يوحى إليه بتفضيله صلى الل ّٰه عليه وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين كقوله مثلاً) :أنا سيد الناس يوم القيامة،
ولا فخر(.
الثاني :أن هذا قاله من باب هضم النفس فقال) :لا تخـيروا بين أنبياء الل ّٰه(.
الثالث :أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاتم يعني :في هذه الحال بالذات ينهى عن
وقوع المفاضلة فيها؛ لأن سبب ورود الحديث :أن رجلا ً يهوديا ً قال :والذي اصطفى موسى على العالمين! فغضب المسلم ولطمه منكرا ً
عليه؛ لأن الل ّٰه اصطفى محمدا ً عليه الصلاة والسلام على العالمين.
الرابع :لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية.
الخامس :ليس مقام التفضيل إليكم وإنما هو إلى الل ّٰه عز وجل ،وعليكم الانقياد والتسليم له والإيمان به.
واختار القرطبي أن منع التفضيل إنما هو في خصوص النبوة ،يعني :في أصل النبوة لا تفاضل ،وإنما يحصل التفاضل في أمور أخر زائدة
على النبوة ،وجوز القرطبي التفاضل في ز يادة الأحوال والخصوص والـكرامات ،فقد قال ما نصه :قلت :وأحسن من هذا قول من قال:
إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها ،وإنما التفضيل في ز يادة الأحوال والخصوص -التي
هي الخصائص -والألطاف والمعجزات المتباينة ،أما النبوة في نفسها فلا ٺتفاضل ،وإنما يتفاضلوا بأمور أخر زائدة عليها؛ ولذلك منهم
رسل وأولو عزم ،ومنهم من اتخذ خليلاً ،ومنهم من كلم الل ّٰه ،ورفع بعضهم درجات ،وهذا قول حسن فيه جمع بين الآي والأحاديث
من غير نسخ.
وقد أشار ابن عباس إلى هذا المعنى فقال :إن الل ّٰه فضل محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم على الأنبياء وعلى أهل السماء ،فقالوا :بم -يا ابن
نجْزِي ال َ ّ
ظالِمِينَ{ جه َ َن ّم َ كَذَل ِ َ
ك َ نجْزِ يه ِ َ
ك َ
عباس -فضله على أهل السماء؟! فقال :إن الل ّٰه تعالى قال} :وَم َنْ يَق ُلْ مِنْه ُ ْم ِإن ِ ّي ِإلَه ٌ م ِنْ د ُونِه ِ فَذ َل ِ َ
كالل ّه ُ م َا تَق َ َ ّدم َ م ِنْ ذَن ْب ِ َ
ك َ ]الأنبياء ،[٢٩:وهذا في حق الملائكة ،وقال لمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم}ِ :إ َن ّا فَت َحْ نَا ل َ َ
ك فَتْح ًا م ُب ِينًا * لِيَغْف ِر َ ل َ َ
ك صِر َاطًا مُسْتَق ِيم ًا{ ]الفتح ،[٢ - ١:قالوا :فما فضله على الأنبياء؟ قال :قال الل ّٰه تعالى} :وَم َا أَ ْرسَل ْنَا خر َ و َيُت َِم ّ نِعْم َت َه ُ عَلَي ْ َ
ك و َيَهْدِي َ َ وَم َا ت َأَ َ ّ
ن قَوْمِه ِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ{ ]إبراهيم ،[٤:وقال الل ّٰه عز وجل لمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم} :وَم َا أَ ْرسَل ْنَاك َ ِإ َلّا ك ََاف ّة ً ل ِ َلن ّاسِ{
ل ِإ َلّا بِلِسَا ِ
م ِنْ رَسُو ٍ
]سبأ ،[٢٨:فأرسله إلى الجن والإنس.
سلُ(( فيقول :هذه إشارة إلى من ذكر منهم في سورة البقرة، ك ُ
الر ّ ُ وأشار أيضا ًالقاسمي إلى بعض الفوائد التي ٺتعلق بهذه الآية)) :تِل ْ َ
أو تلك الرسل المعلومة المعروفة للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم)) :ف ََضّ ل ْنَا بَعْضَه ُ ْم عَلَى بَعْضٍ(( بأن خص بمنقبة ليست لغيره ))مِنْه ُ ْم م َنْ ك ََل ّم َ
َات(( الل ّهُ(( هذا تفصيل للتفضيل ،أي :منهم من َ
فضّ له الل ّٰه بأن كلمه من غير واسطة ،وهو موسى عليه السلام)) ،وَر َف َ َع بَعْضَه ُ ْم دَرَج ٍ َ
يعني :كإبراهيم اتخذه الل ّٰه خليلاً ،وداود آتاه الل ّٰه النبوة والخلافة والملك.
َات(( محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ لأنه هو المفضل عليهم؛ حيث أوتي ما لم يؤته أحد
والظاهر أنه أراد بقوله تعالى)) :وَر َف َ َع بَعْضَه ُ ْم دَرَج ٍ
Shamela.org ٣٢٢
البقرة ][256 - 253 ١٩
من الآيات المتكاثر المرتقية إلى ألف آية أو أكثر ،ولو لم يؤت صلى الل ّٰه عليه وسلم إلا القرآن وحده لـكفى به فضلا ً منيفا ً على سائر
مر ِ الدهر دون سائر المعجزات ،وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى،
ما أوتي الأنبياء؛ لأنه المعجزة الباقية على ّ
َات(( فاكتفى بهذا عن أن يقول :إنه محمد عليه الصلاة والسلام ،فهذا فيه ز يادة تعظيم وتفخيم لمقام النبي
لقوله)) :وَر َف َ َع بَعْضَه ُ ْم دَرَج ٍ
صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ لأن هذا فيه شهادة بأنه العلم الذي لا يشتبه ،والمتميز الذي لا يلتبس بغيره ،فمن شدة تميزه صلى الل ّٰه عليه وسلم
َات(( ،على أساس أن هذا معروف فلا يحتاج
على سائر الأنبياء لم يكن هناك داع للتصريح باسمه؛ بل قال تعالى)) :وَر َف َ َع بَعْضَه ُ ْم دَرَج ٍ
للتنصيص على اسمه ،وهو محمد عليه الصلاة والسلام ،كما يقال للرجل :من فعل هذا؟ فيقول :أحدكم أو بعضكم.
ويريد به الذي عرف واشتهر بتلك الأفعال ،مثل رجل يستطيع رفع أوزان ثقيلة جداً ،وهو معروف في وسط مجموعة من الناس،
فتقول :من رفع هذه الأثقال؟ فيقول :أحدهم أو أحدكم أو بعضكم ،وهو معروف أنه لا يفعله إلا هذا ،فيكون الإيهام وعدم التصريح
أفخم من التصريح به ،كما سئل الحطيئة عن أشعر الناس؟ فذكر زهيرا ً والنابغة ثم قال :ولو شئت لذكرت الثالث؟ يعني :بذلك نفسه ،ولو
قال :ولو شئت لذكرت نفسي.
لم يفخم أمره ،فلو صرح لكان أضعف من أن يقول :لو شئت لذكرت الثالث ،فكأن الثالث هذا معروف ،وليس محتاجا ًأن يذكر أنه
متمكن من الشعر.
قالوا :و يجوز أن يريد إبراهيم ومحمدا ً وغيرهما من أولي العزم.
ات(( كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ))و َأَ َي ّدْن َاه ُ ب ِر ِ
ُوح الْقُدُسِ(( وهو جبر يل عليه السلام. ن م َْر ي َم َال ْبَي ِّن َ ِ
وقوله)) :و َآتَي ْنَا ع ِيس َى اب ْ َ
ن م ِنْ بَعْدِهِمْ(( يعني :من بعد الرسل؛ لاختلافهم في الدين ،وتش ُع ّب مناهجهم ،وتكفير بعضهم
ل ال َ ّذ ِي َ
الل ّه ُ م َا اق ْتَت َ َ
قوله تعالى)) :و َلَو ْ شَاء َ َ
ل م َا يُر ِيد ُ((. الل ّه ُ م َا اق ْتَتَلُوا و َلـَك َِنّ َ
الل ّه َ ي َ ْفع َ ُ كف َر َ و َلَو ْ شَاء َ َ
ن وَمِنْه ُ ْم م َنْ َ
ن اخْ تَلَف ُوا فمَِنْه ُ ْم م َنْ آم َ َ
ك ِ
بعضا ً))م ِنْ بَعْدِ م َا ج َاءَتْهُم ُ ال ْبَي ِّنَاتُ و َلـ َ ِ
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم( ١٩.٢
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم(
شف َاع َة ٌ و َالْك َاف ِر ُونَ هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ{ ل أَ ْن ي َأْ تِي َ يَوْم ٌ لا بَي ْ ٌع ف ِيه ِ و َلا خُلَ ّة ٌ و َلا َ قال تبارك وتعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا أَ نفِق ُوا م َِم ّا رَز َق ْنَاك ُ ْم م ِنْ قَب ْ ِ
]البقرة.[٢٥٤:
))ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا أَ نفِق ُوا م َِم ّا رَز َق ْنَاكُمْ(( ،هذا أمر بالإنفاق لبعض من المال) ،مما( من هنا :تبعيضية ،يعني :من بعض ما رزقناكم،
قيل :وهو أمر إ يجاب ،وإذا كان الأمر هنا على سبيل الإ يجاب فالمراد بالنفقة الزكاة ،والذي يرجح و يؤكد و يقوي القول بأن المراد
هنا :النفقة الواجبة؛ الوعيد الذي عقب الل ّٰه سبحانه وتعالى أمره بالنفقة هنا فقد قال)) :و َالْك َاف ِر ُونَ هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ(( فوصف مانع هذه
النفقة بالـكفر والظلم ،وهذا الوعيد يدل على أنه أراد النفقة الواجبة ،وليس نفقة التطوع.
فقوله)) :و َالْك َاف ِر ُونَ هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ(( ،عنى بهم مانعوها ،فالمقصود بالكافرين هنا :مانعوا الزكاة.
وقال الأصم وأبو علي :أراد النفقة في الجهاد.
وقال أبو مسلم وابن جريج :أراد الفرض والنفل ،وهو المتجه ،يعني :أن المقصود بالنفقة الواجبة والنافلة.
ل أَ ْن ي َأْ تِي َ يَوْم ٌ(( وهو يوم القيامة ))لا بَي ْ ٌع ف ِيه ِ(( لأن الإنسان ما دام السوق قائما ًيستطيع أن يبيع ،فعن طر يق هذا البساط
))م ِنْ قَب ْ ِ
التجاري يستطيع أن يحصل مالا ً في الدنيا ينفع به نفسه ،أما في الآخرة فيقول تعالى)) :لا بَي ْ ٌع ف ِيه ِ(( يعني :لا بيع فيه فتحصلون ما
تنفقونه ،أو تفتدون به من العذاب ،فالإنسان في الدنيا يبيع ويشتري فيحصل على المال ،وهذا المال إما أن ينفقه في سبيل الل ّٰه وإما أن
يفتدي به ،أما في الآخرة فلا يستطيع أن يبيع ،ولا يستطيع أن ينفق ،فإذا قصر في النفقة في الدنيا لا يستطيع أن يفتدي بماله نفسه في
Shamela.org ٣٢٣
البقرة ][256 - 253 ١٩
الل ّه َ غَنِيّ ٌ ع َ ِ
ن ال ْع َالم َي ِنَ{ ]آل عمران [٩٧:فعبر عن تارك الحج ن َ كف َر َ ف َِإ َ ّ
ن اسْ تَطَاعَ ِإلَيْه ِ سَب ِيل ًا وَم َنْ َ
ْت م َ ِ س ُِ
حج ّ ال ْبَي ِ سبحانه} :وَل َِل ّه ِ عَلَى َ
الن ّا ِ
خرَة ِ ن لا يُؤ ْتُونَ َ
الز ّك َاة َ و َه ُ ْم ب ِالآ ِ ل لِل ْمُشْرِكِينَ * ال َ ّذ ِي َ
بالـكفر؛ لأن هذا من فعل الـكفار ،وقال الل ّٰه في الزكاة أيضا ًفي سورة فصلت} :وَو َي ْ ٌ
ه ُ ْم ك َاف ِر ُونَ{ ]فصلت.[٧ - ٦:
إذاً :قوله)) :و َالْك َاف ِر ُونَ هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ(( أراد :والتاركون الزكاة هم الظالمون ،واستعمال لفظة )الكافرون( بدل )التاركون الزكاة(
كف َر َ{ ]آل عمران [٩٧:ولم يقل :ومن لم يحج فإن الل ّٰه غني
للتغليظ في هذه المعصية وللتهديد كما في قوله تعالى في آخر آية الحج} :وَم َنْ َ
عن العالمين ،فآثر لفظة) :من كفر( على من لم يحج ،للتغليظ ولبيان أن ترك الزكاة من صفات الـكفار ،و يحتمل أن يكون المعنى:
))و َالْك َاف ِر ُونَ هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ(( أي :لأنفسهم لوضع الأموال في غير مواضعها ،فلا تكونوا -أيها المؤمنون -مثلهم في عدم الإنفاق فتضعون
أموالـكم في غير مواضعها.
وفي هذه الآية دلالة على حسن المسارعة إلى الخـيرات قبل فواتها بهجوم ما يمنع منها من مرض أو غيره.
يوم القيامة هو يوم الموقف الأكبر ،لـكن كل إنسان منا له يوم القيامة موقف خاص به ،وله ساعة وله يوم آخر نسبي ،وهي لحظة موته
التي بها يبتدئ رحلته إلى اليوم الآخر ،فبمجرد خروج روحك فأنت تنتقل من الدنيا إلى الدار الآخرة؛ فلذلك ينبغي أن ننفق :كما
ص َ ّدقَ و َأَ كُنْ م ِ َ
ن ِيب ف َأَ َ ّ
ل قَر ٍ َب لَو ْلا أَ َ ّ
خرْتَنِي ِإلَى أَ ج َ ٍ ل أَ ْن ي َأْ تِي َ أَ حَد َكُم ُ ال ْمَو ْتُ فَيَق ُو َ
ل ر ِّ قال تعالى} :و َأَ نْفِق ُوا م ِنْ م َا رَز َق ْنَاك ُ ْم م ِنْ قَب ْ ِ
ل أَ ْن الل ّه ُ ن َ ْفسًا ِإذ َا ج َاء َ أَ ج َلُه َا{ ]المنافقون ،[١١ - ١٠:وقال هنا} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا أَ نفِق ُوا م َِم ّا رَز َق ْنَاك ُ ْم م ِنْ قَب ْ ِ خر َ َ َ
الصّ الِ حـ ِينَ * و َلَنْ يُؤ َ ِّ
شف َاع َة ٌ و َالْك َاف ِر ُونَ هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ{. ي َأْ تِي َ يَوْم ٌ لا بَي ْ ٌع ف ِيه ِ و َلا خُلَ ّة ٌ و َلا َ
قال السيوطي)) :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا أَ نفِق ُوا م َِم ّا رَز َق ْنَاكُمْ(( زكاته ))م ِنْ قَب ْ ِ
ل أَ ْن ي َأْ تِي َ يَوْم ٌ لا بَيْعٌ(( فداء ))ف ِيه ِ و َلا خُلَ ّة ٌ(( يعني:
شف َاع َة ٌ(( يعني :بغير إذنه وهو يوم القيامة ،وفي قراءة بنصب الثلاثة) :من قبل أن يأتي يوم لا بي َع فيه ولا خلة َ
صداقة تنفع ))و َلا َ
ولا شفاعة َ(.
))و َالْك َاف ِر ُونَ(( أي :بالل ّٰه أو بما فرض عليهم)) ،هُم ُ ال َ ّ
ظالم ُِونَ(( لوضعهم أمر الل ّٰه في غير محله.
تفسير قوله تعالى) :الل ّٰه لا إله إلا هو الحي القيوم( ١٩.٣
Shamela.org ٣٢٤
البقرة ][256 - 253 ١٩
الل ّه ِ آلِه َة ً{ ]مريم ،[٨١:وقوله} :فَمَا أَ غْن َْت عَنْه ُ ْم آلِهَتُهُم ُ َال ّتِي
ن َ من القرآن تدل على أن هناك آلهة باطلة ،كقوله تعالى} :و ََاتّ خَذ ُوا م ِنْ د ُو ِ
ن َاتّ خَذ َ ِإلَه َه ُ ه َوَاه ُ{ ]الجاثية ،[٢٣:فكلمة )إله( تطلق على الإله الحق الل ّه ِ م ِنْ شَيْءٍ{ ]هود ،[١٠١:قوله} :أَ ف َرأَ َ ي ْتَ م َ ِ
ن َ ي َ ْدع ُونَ م ِنْ د ُو ِ
شيْطَانَ ِإ َن ّه ُ لـَك ُ ْم عَد ُ ّو ٌ
والإله الباطل ،فالشيطان )إله( لـكن إله باطل ،والدليل قوله تعالى} :أَ ل َ ْم أَ ْعه َ ْد ِإلَيْك ُ ْم ي َا بَنِي آدَم َ أَ ْن لا تَعْبُد ُوا ال َ ّ
ك ال َ ّذ ِي ظَل ْتَ عَلَيْه ِ عَا ِ
كف ًا{ ]طه [٩٧:وهو عجل السامري، م ُبِينٌ{ ]يس ،[٦٠:والطاغوت هو الشيطان ،وقال تعالى} :و َانظُر ْ ِإلَى ِإلَه ِ َ
وفي السنة حديث معروف يدل على أن المال إله يعبد) :تعس عبد الدينار ،تعس عبد القطيفة ،تعس عبد الخميصة ،تعس وانتكس،
وإذا شيك فلا انتقش( أو كما قال صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فالآلهة الباطلة كثيرة جدا ً لا تنتهي ولا تنحصر ،ومنها ما يعبد برضاه ،ومنها ما
لا يعبد برضاه ،ومنها ما لا يشعر كالأحجار والأصنام ،والمسيح عيسى عليه السلام إله باطل عبده النصارى زوراً؛ وكذلك عزير عليه
السلام عبده اليهود ،وهما بريئان بلا شك من هذا؛ كذلك الأولياء والصالحون قد يعبدون بعد موتهم ،وهم غير راضين عن هذا ،أما
الآلهة التي عبدت من دون الل ّٰه وهي راضية فإنها تكون في النار يوم القيامة.
إذاً :نحن لا نقدر) :موجود( في خبر لا التي للجنس في كلمة التوحيد :لا إله إلا الل ّٰه ،فلا نقول :التقدير لا إله موجود إلا الل ّٰه؛ لأن
هناك آلهة كثيرة باطلة غير الل ّٰه ،لـكن نقول :لا إله حق إلا الل ّٰه ،يعني :لا إله يعبد بحق إلا الل ّٰه سبحانه وتعالى ،أما كل إله دون الل ّٰه
عز وجل فهو إله باطل ،و يجب أن تكفر به.
يقول السيوطي هنا رحمه الل ّٰه تعالى) :الل ّٰه لا إله( أي :لا معبود بحق في الوجود )إلا هو الحي( أي :الدائم البقاء )القيوم( المبالغ في
القيام بتدبير خلقه.
ات وَم َا فِي الأَ ْرضِ(( ملكا ًوخلقا ًوعبيداً. ))لا ت َأْ خُذُه ُ سِن َة ٌ(( أي :نعاس ))و َلا نَوْم ٌ لَه ُ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
))م َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي(( يعني :لا أحد ))ي َ ْشف َ ُع عِنْدَه ُ ِإ َلّا ب ِِإذْنِه ِ(( يعني :إلا بإذنه له فيها ،فلا تكون شفاعة إلا بأن يأذن الل ّٰه لمن يشفع في
يح ِيط ُونَ ب ِشَيْء ٍ م ِنْ ع ِل ْمِه ِ(( أي:
هذه الشفاعة ))يَعْلَم ُ م َا بَيْنَ أَ يْدِيهِمْ(( أي :الخلق ))وَم َا خ َلْفَهُمْ(( أي :من أمر الدنيا والآخرة ))و َلا ُ
))إ َلّا بِمَا شَاءَ(( يعني :إلا بما شاء أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل.
لا يعلمون شيئا ًمن معلوماته ِ
ْض(( قيل :أحاط علمه بهما ،وهذا القول ضعيف ،وقيل)) :وَسِـ َع كُرْس ُِي ّه ُ(( أي :ملـكه ،وقيل:
ات و َالأَ ر َ ))وَسِـ َع كُرْس ُِي ّه ُ ال َ ّ
سم َو َ ِ
الـكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته ،لحديث) :ما السماوات السبع في الـكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس( يقول القاضي
كنعان :هذا حديث موقوف على ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما ،ولم يوجد مسندا ً إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
قال القرطبي :والذي تقتضيه الأحاديث أن الـكرسي مخلوق بين يدي العرش ،والعرش أعظم منه ،وأخرج الآجري وأبو حاتم البستي
في صحيحه والبيهقي وذكر أنه صحيح عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم أنه قال) :ما السماوات السبع! في جنب الـكرسي إلا كحلقة ملقاة
في صحراء( يعني :صحراء شاسعة مترامية الأطراف ،ألقيت فيها حلقة صغيرة ،فكل السماوات السبع بما فيها بالنسبة إلى الـكرسي كحلقة
ألقيت في أرض فلاة ،قال) :وفضل العرش على الـكرسي كفضل الفلاة على الحلقة( يعني :النسبة بين العرش وبين الـكرسي كالنسبة
بين الـكرسي وبين السماوات السبع ،فالعرش غير الـكرسي وأعظم منه ،وبعض العلماء قالوا :إن الـكرسي هو العرش ،لـكن هذا الحديث
يثبت أن العرش غير الـكرسي ،وهو أعظم منه ،وهذا هو الصحيح ،وذهب بعضهم إلى أن العرش هو الـكرسي ،وعلى هذا القول مشى
الجلالان في هذا التفسير ،وقد نبهنا على ذلك في مواضعه.
Shamela.org ٣٢٥
البقرة ][256 - 253 ١٩
وهذه الآية ٺثبت أن الل ّٰه سبحانه وتعالى لا يغفل أبدا ً عن تدبير أمر هذا الـكون كله ،لـكن هذا بطر يق الالتزام المقتضي عدم الغفلة
التي يتنزه الل ّٰه عنها ،وقد أكد ذلك بالنص الصريح فقال)) :لا ت َأْ خُذُه ُ سِن َة ٌ و َلا نَوْم ٌ(( ،فهذا تأكيد لقيوميته؛ لأنه لا يكون قيوما ًمن
كان يغفل عن تدبير مصالحه ،فالل ّٰه لا يغفل أبداً ،وبالتالي لا تأخذه النعاس ولا النوم.
سِن َة( على وزن عِد َة ،وهي شدة النوم أو أوله أو النعاس ،قال المهايمي :السنة فتور يتقدم النوم ،الفتور الذي يكون في أول مبادئ
و )ال ّ
النوم هو السنة ،ثم يكون النوم الذي هو أعمق ،وهو :حال تعرض للحيوان من استرخاء دماغه تمنع الحواس الظاهرة من الإحساس.
والسنة والنوم على هذا منقصان للحياة ،ومنافيان للقيومية؛ لأنهما من التغيرات المنافية لوجوب الوجود الذي للقيوم ،ونفى النوم أولا ً
ي الْق َُي ّوم ُ(( ،فإنه يلزم من حياته وقيوميته أنه لا يغفل أبدا ً سبحانه وتعالى ،ثم صرح فقال)) :لا
التزاماً ،ثم نفاه تصر يحا ًبقوله)) :الْح َ ُ ّ
ت َأْ خُذُه ُ سِن َة ٌ و َلا نَوْم ٌ(( وهذا النفي يدل على ثبوت كمال ما ينافيه.
ات(( يعني :من الملائكة والشمس والقمر ومن كمال قيوميته اختصاصه بملك العلو يات والسفليات المشار إليها بقوله)) :لَه ُ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
والـكواكب ))وَم َا فِي الأَ ْرضِ(( يعني :من العوالم المشاهدات ،وهذا إخبار بأن الجميع في ملـكه وتحت قهره وسلطانه كقوله تعالى:
ن عَبْدًا * لَق َ ْد أَ حْ صَاه ُ ْم و َع َ ّده ُ ْم ع َ ً ّدا{ ]مريم.[٩٤ - ٩٣: ض ِإ َلّا آتِي َ
الر ّحْم َ ِ ات و َالأَ ْر ِ ِ}إ ْن ك ُ ُ ّ
ل م َنْ فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
قوله)) :م َنْ ذ َا(( يعني :م َن م ِن الأنبياء أو من م ِن الملائكة فضلا ً عما ادعى الـكفار شفاعته من الأصنام؟! يعني :إذا كان الأنبياء
والملائكة أنفسهم لا يملـكون شفاعة إلا بإذن الل ّٰه ،فكيف تزعمون أنتم -أيها الكافرون الذين خاطبهم القرآن -أن أصنامكم وآلهتكم تملك
الشفاعة من دون الل ّٰه؟! الأنبياء والملائكة لا يملـكون الشفاعة إلا بإذن الل ّٰه.
وإذا كان هنا نفي هذا النوع من الشفاعة ،فبالأولى أن فيها نفيا ًلأن يقاوم الل ّٰه سبحانه وتعالى أحد أو أن يناصبه أو يبطل إرادته.
))م َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي ي َ ْشف َ ُع عِنْدَه ُ(( أي :لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه يعني :بتمكينه تحقيقا ً للعبودية كما قال تعالى} :و َك َ ْم م ِنْ م َل َكٍ فِي
الل ّه ُ لم َِنْ يَش َاء ُ و َيَرْض َى{ ]النجم ،[٢٦:وقال تعالى} :و َلا ي َ ْشف َع ُونَ ِإ َلّا لم ِ َ ِ
ن ارْتَض َى{ شي ْئًا ِإ َلّا م ِنْ بَعْدِ أَ ْن ي َأْ ذَنَ َ
شف َاعَتُه ُ ْم َ
ات لا تُغْنِي َ ال َ ّ
سم َو َ ِ
]الأنبياء ،[٢٨:وهذا من جلاله وكبر يائه عز وجل ،فلا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة كما في حديث
الشفاعة يقول عليه الصلاة والسلام) :آتي تحت العرش -يعني :لا يشفع مباشرة -فأخر ساجدا ً فيدعني الل ّٰه ما شاء أن يدعني ،ثم يقال:
ارفع رأسك ،وقل يسمع ،واشفع تشفع -صلى الل ّٰه عليه وسلم -قال :فيحد لي حدا ً فأدخلهم الجنة( ،وقال له أبو هريرة) :يا رسول الل ّٰه!
من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال صلى الل ّٰه عليه وسلم :لقد ظننت -يا أبا هريرة -ألا يسألني عن هذا الحديث أول منك؛ لما
رأيت من حرصك على الحديث :أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال :لا إله إلا الل ّٰه خالصا ًمن قلبه( فهذه الشفاعة هي لأهل
الإخلاص والتوحيد بإذن الل ّٰه ،ولا تكون أبدا ً لمن أشرك بالل ّٰه.
المشركون يدعون لآلهتهم الشفاعة ،وهم ليسوا بموحدين ولا مخلصين ،فبالتالي ليسوا من أهل هذه الشفاعة.
قوله) :يعلم ما بين أيديهم( يعني :ما عملوه بالفعل من أمور الدنيا أو مما يخصهم.
))وَم َا خ َلْفَهُمْ(( يعني :ما حجب عنهم ولم يعلموه؛ لأن الخلف هو ما لا يناله الحس ،فأنبأ أن علمه من وراء علمهم ،وهو محيط بعملهم
فيما علموا وما لم يعلموا ،فهذه الجملة كقوله تعالى} :عَالِم ُ الْغَي ِ
ْب و َال َش ّه َادَة ِ{ ]الأنعام ،[٧٣:فقوله)) :يَعْلَم ُ م َا بَيْنَ أَ يْدِيهِمْ(( هو الشهادة،
وقوله)) :وَم َا خ َلْفَهُمْ(( هو الغيب.
يح ِيط ُونَ ب ِشَيْء ٍ م ِنْ ع ِل ْمِه ِ ِإ َلّا بِمَا شَاءَ(( أي :لا يعلمون شيئا ًمن معلوماته إلا بما أراد أن يعلمهم به منها على ألسنة الرسل وقوله)) :و َلا ُ
كما قال تعالى} :عَالِم ُالْغَي ِ
ْب فَلا ي ُ ْظه ِر ُعَلَى غَي ْبِه ِ أَ حَدًا * ِإ َلّا م َ ِ
ن ارْتَض َى م ِنْ رَسُولٍ{ ]الجن [٢٧ - ٢٦:ليكون ما يطلعه عليه من علم غيبه
دليلا ًعلى نبوته.
Shamela.org ٣٢٦
البقرة ][256 - 253 ١٩
ْض((.
ات و َالأَ ر َ ل شَيْء ٍ ع ِل ْمًا{ ]الأعراف ،[٨٩:فأخبر أن علمه وسع كل شيء فكذلك قوله)) :وَسِـ َع كُرْس ُِي ّه ُ ال َ ّ
سم َو َ ِ }وَسِـ َع ر َ ُب ّنَا ك ُ َ ّ
قال ابن جرير :وقول ابن عباس هذا يدل على صحة قول من قال :إن العلماء هم الـكراسي؛ لأنهم المعتمد عليهم ،كما يقال :أوتاد
الأرض ،يعني :أنهم الذين تصلح بهم الأرض ،ومنه قوله الشاعر :يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوب يعني:
بذلك علمه في حوادث الأمور ونوالها ،وروى ابن جرير أيضا ً عن الحسن :أن الـكرسي في الآية :هو العرش ،وأيده بعضهم بأن لفظ
ل ي َا أَ ُ ّيهَا المَل َ ُأ أَ ُي ّك ُ ْم ي َأْ تِينِي ب ِعَر ْشِه َا قَب ْ َ
ل أَ ْن ي َأْ تُونِي مُسْل ِمِينَ{ عرش المملـكة وكرسيها مترادفان؛ ولذلك قال تعالى على لسان سليمان} :قَا َ
]النمل ،[٣٨:يقول :فالعرش والـكرسي هما شيء واحد.
Shamela.org ٣٢٧
البقرة ][256 - 253 ١٩
معنى قوله تعالى) :ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم( ١٩.٣.٣
Shamela.org ٣٢٨
البقرة ][256 - 253 ١٩
وممن قال :إنها مقصورة على اليهود والنصارى :ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما ،قال :كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن
تهوده ،فلما أجلي بني النضير كان فيهم من أبناء الأنصار ،فقالت الأنصار :لا ندع أبناءنا ،فأنزل الل ّٰه هذه الآية ،وهذا القول بلا شك
قول صحيح)) :لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ(( يعني :لا يكره أحد على الدخول في الدين ،فهذا إنما هو في اليهود والنصارى ،وإلا فالمشركون
لا يقبل منهم إلا الإسلام ،ولذلك نلاحظ أن السيوف التي بعث بها النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم تنوعت ،فهناك سيف على المشركين،
وسيف على أهل الكتاب ،وسيف على أهل القبلة.
حي ْثُ وَجَدْتُمُوه ُ ْم وَخُذ ُوه ُ ْم و َاحْ صُر ُوه ُ ْم
خ الأَ شْه ُر ُالْحُرُم ُ فَاق ْتُلُوا ال ْمُشْرِكِينَ َ
أما سيف المشركين فهو قوله تعالى في سورة البراءة} :ف َِإذ َا انس َل َ َ
الل ّه َ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ{ ]التوبة.[٥:
ن َ الز ّك َاة َ فَخ ُلَ ّوا سَب ِيلَه ُ ْم ِإ َ ّ
الصّ لاة َ و َآتَوُا َ
صدٍ ف َِإ ْن ت َابُوا{ أي :من الشرك }و َأَ قَام ُوا َ و َاق ْعُد ُوا لَه ُ ْم ك ُ َ ّ
ل م َْر َ
الل ّهِ{ ]الحجرات ،[٩:والبغاة هم الذين يخرجون على الإمام المسلم بسبب تأو يل ِإحْد َاهُمَا عَلَى ال ُأ ْ
خر َى فَق َاتِلُوا َال ّتِي تَبْغ ِي ح ََت ّى تَفِيء َ ِإلَى أَ ْمر ِ َ
فاسد كما هو معروف ومفصل في كتب الفقه.
أما من أعلن قبوله للإسلام وشهد الشهادتين ،ودخل في حكم الإسلام؛ فهذا لا يقال في حقه)) :لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ(( ،فما دمت مسلما ً
فعليك إذا ً أن تحـترم قوانينه وشر يعته ونظمه ،فلا ينبغي لمسلم أعلن إسلامه وشهد الشهادتين أن يضيع الصلاة أو الزكاة -إن وجبت
عليه -أو الحج أو غير ذلك من واجبات الدين ،و يقول)) :لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ((! لا يجوز له أن يعطل الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ،و يقول)) :لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ(( ،فإن هذا لغير المسلم.
أما المسلم فيجب عليه أن يحـترم نظم هذا الدين وقوانينه وشر يعته ،وإن كان هذا لا تعتمده القوانين الوضعية ،وأي دولة إذا أراد أحد
رعاياها أن يغير نظمها ودساتيرها وقوانينها يحاكمونه بتهمة الخيانة المتعمدة ،وأقل ما يكون في حقه أن يقتل؛ لأنه خرج عن النظام أو
يريد أن يغيره ،وإذا كان هذا في القوانين الوضعية -ولا يعد هذا إكراها ً ولا سبيلا ً إلى أن يقولوا :لا إكراه في هذا -فكيف بدين الل ّٰه
سبحانه وتعالى؟! فمن دخل في هذا الدين يجب عليه أن يحـترم شر يعته ،وألا يحيد عنها ،فلذلك لا ينبغي أبدا ً الرجوع في هذا إلى بشر
فمثلاً :من تركت الحجاب لا يحتج لفعلها بقوله تعالى)) :لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ(( ،تقال هذه الآية في حق يهودية أو نصرانية ،أما المسلمة
الل ّه ُ وَرَسُولُه ُ أَ مْرًا أَ ْن يَكُونَ لَهُم ُ ا ْلخـ ِيَرَة ُ م ِنْ أَ ْمرِهِمْ{ ]الأحزاب،[٣٦:
ن و َلا مُؤْم ِنَة ٍ ِإذ َا ق َض َى َ
فينبغي أن تذكر بقوله تعالى} :وَم َا ك َانَ لم ُِؤْم ِ ٍ
فالإنسان عبد لل ّٰه مقيد بأوامر الل ّٰه عز وجل ،ليس حرا ً في أن يبتدع ما شاء من الشرائع بعد أن أعلن انتماءه إلى الدين.
ن واضح جلية دلائله وبراهينه،
ن الغ َ ِيّ{ يعني :لا تكرهوا أحدا ً على الدخول في دين الإسلام ،فإنه بي ٌ }لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّي ِن ق َ ْد تَبېَ ّنَ ُ
الر ّشْ د ُ م ِ َ
لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ،بل من هداه الل ّٰه إلى الإسلام وشرح صدره ونوره بصيرته دخل فيه على بينة ،ومن عمي
قلبه فإنه لا يفيده الدخول فيه مكرها ًمغصوباً؛ فالنفي بمعنى :النهي ،وهو ما ذهب إليه في تأو يل الآية كثير من العلماء.
))لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ(( ظاهر الخـبر النفي ،ومعناه النهي ،يعني :لا تكرهوا أحدا ً على الدخول في الدين.
إذاً :ما الجواب عما هو مشهور عن بعض السلف من أنه قال :نحن خير الناس للناس ،نسوقهم إلى الجنة بالسلاسل؟ هل هذا إكراه في
الدين؟ هذا تفسيره أن المسلمين في حالة الجهاد مع الأعداء يحصل من نتائج المعركة أنهم يأسرون بعض الـكفار ،فيؤخذون بالسلاسل
إلى ديار الإسلام؛ فإذا عاشوا وسط المسلمين ورأوا الإسلام مطبقاً ،وأنصتوا لعقيدة التوحيد؛ فإنهم يدخلون في هذا الدين أفواجاً.
فمن علم الل ّٰه في قلبه منهم خيرا ً فتح قلبه وشرح صدره للإسلام ،فتكون السلاسل هي التي قادته للدخول في الإسلام ،وليس المقصود
Shamela.org ٣٢٩
البقرة ][256 - 253 ١٩
Shamela.org ٣٣٠
البقرة ][263 - 257 ٢٠
ف ِيك ُ ْم ِإ ًلّا و َلا ذِ َمّة ً{ ]التوبة ،[٨:فالباطل لا يعرف عهودا ً ولا مواثيق ولا قوانين ،ولا أخلاق ولا أعراف ولا دين ،ولا حقوق إنسان
ولا أي شيء ،وفي الغرب عندهم مثل مشهور يقولون فيه :القوة هي الحق ،لا يوجد شيء اسمه حق ،لـكن متى كانت معك العضلات
والقوة فهذا هو الحق ،افرض على الناس عقيدتك وباطلك وفسادك ما دامت القوة معك! فهذا المبدأ هو الذي عليه الـكفار في كل
كي َْف و َِإ ْن ي َ ْظه َر ُوا عَلَيْك ُ ْم لا يَرْقُب ُوا ف ِيك ُ ْم ِإ ًلّا و َلا ذِ َمّة ً{ ]التوبة ،[٨:ولا يستحيون ،ولا يوجد عندهم
بقاع الأرض وذيولهم وأحذيتهمَ } ،
أدنى قدر من الاستحياء حتى فيمن يحملوا أسماء المسلمين من هؤلاء الأنذال الذين يفنون أعمارهم و يوقفون حياتهم في الصد عن سبيل
الل ّٰه ،وإعلان الحرب على الل ّٰه ورسوله وعباد الل ّٰه المؤمنين ،وفتنتهم في دينهم ،لعنهم الل ّٰه وأخزاهم وقصم ظهورهم! فالمقصود :ما أكره
أحد على الدخول في دين الإسلام أبداً ،لـكن من دخل في الدين فإنه يكره على احترامه؛ لأن هذه شر يعته وهذا نظامه.
ُوت(( أي :بالشيطان وبما يدعو إليه من عبادة الأوثان. قوله تعالى)) :فَم َنْ ي َ ْكفُر ْ ب ِال َ ّ
طاغ ِ
))و َيُؤْم ِنْ ب َِالل ّهِ(( وحده)) ،فَقَدِ اسْ تَمْسَ َ
ك ب ِال ْعُرْوَة ِ ال ْوُثْقَى(( ،والعروة الوثقى أحد أسماء كلمة النجاة كلمة الشهادة لا إله إلا الل ّٰه ،ولذلك
ُوت و َيُؤْم ِنْ ب َِالل ّه ِ فَقَدِ اسْ تَمْسَ َ
ك ب ِال ْعُرْوَة ِ ال ْوُثْقَى لا انفِصَام َ لَهَا{ ]البقرة [٢٥٦:أي :فقد تمسك من الدين يقول هنا} :فَم َنْ ي َ ْكفُر ْ ب ِال َ ّ
طاغ ِ
بأقوى سبب ،وشبه ذلك بالعروة القو ية التي لا تنفصل؛ فهي في نفسها محكمة ،مبرمة قو ية ،ورأسها قوي شديد.
روى الشيخان عن عبد الل ّٰه بن سلام قال :رأيت رؤ يا على عهد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم :رأيت كأني في روضة خضراء ،وسطها
عمود حديد ،أسفله في الأرض وأعلاه في السماء ،في أعلاه عروة ،فقيل لي :اصعد عليه ،فقلت :لا أستطيع ،فجاءني منصف -أي:
وصيف -فرفع ثيابي من خلفي فقال :اصعد ،فصعدت حتى أخذت بالعروة فقال :استمسك بالعروة ،واستيقظت وإنها لفي يدي،
وعبد الل ّٰه بن سلام كان من كبار أحبار اليهود ،استيقظ وهو يمسك هذه العروة في يده ،قال :فأتيت رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم
فقصصتها عليه فقال) :أما الروضة فروضة الإسلام ،وأما العمود فعمود الإسلام ،وأما العروة فهي العروة الوثقى ،وأنت على الإسلام
حتى تموت(.
}و ََالل ّه ُ سَم ِي ٌع عَل ِيم ٌ{ ]البقرة ،[٢٥٦:هذا اعتراض تذليلي حامل على الإيمان ،رادع عن الـكفر والنفاق؛ لما فيه من الوعد والوعيد.
تفسير قوله تعالى) :الل ّٰه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور( ٢٠.١
تفسير قوله تعالى) :الل ّٰه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور(
ات الن ّورِ ِإلَى ال ُ ّ
ظلُم َ ِ ن ُ يخْرِجُونَه ُ ْم م ِ َ كف َر ُوا أَ وْلِيَاؤ ُهُم ُ ال َ ّ
طاغ ُوتُ ُ ن َ ات ِإلَى ُ
الن ّورِ و َال َ ّذ ِي َ ن ال ُ ّ
ظلُم َ ِ جه ُ ْم م ِ َ
يخْرِ ُ }الل ّه ُ و َل ِ ُيّ ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ُ قال الل ّٰه تعالىَ :
صحَابُ َ
الن ّارِ ه ُ ْم ف ِيهَا خ َالِد ُونَ{ ]البقرة.[٢٥٧: ُأوْلَئ ِ َ
ك أَ ْ
بعدما ذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى شأن هذه الولاية ،وكيف أنه يتولى عباده المؤمنين فيخرجهم من الظلمات؛ شرع تبارك وتعالى في ذكر
نماذج من هدايته للمؤمنين ،وتوليه عباده وأنبياءه بالنصرة والحجة والبرهان على مناوئيهم ،فبدأ أولا ً بذكر قصة إبراهيم عليه السلام مع
ل أَ ن َا ل ِإ ب ْر َاه ِيم ُ ر َب ِ ّي َ ال َ ّذ ِي ُ
يحْيِي و َيُمِيتُ قَا َ ك ِإ ْذ قَا َ النمرود ،فقال تبارك وتعالى} :أَ ل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال َ ّذ ِي ح ََاجّ ِإ ب ْر َاه ِيم َ فِي ر َبِّه ِ أَ ْن آت َاه ُ َ
الل ّه ُ ال ْمُل ْ َ
Shamela.org ٣٣١
البقرة ][263 - 257 ٢٠
]البقرة ،[٢٥٨:فهذا أنموذج لولاية الل ّٰه عز وجل لأوليائه بالنصرة والتأييد والحجة والبرهان.
قوله تعالى)) :أَ ل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال َ ّذ ِي ح ََاجّ (( ،هذه ألف التوكيد ،وهي في الكلام بمعنى التعجب أي :اعجبوا من هذا الذي )حاج إبراهيم
في ربه( أي :جادل إبراهيم في ربه.
الل ّه ُ ال ْمُلْكَ(( يعني :لأن الل ّٰه آتاه الملك ،فحمله بطره بنعمة الل ّٰه على ذلك ،وهو الملك الكافر نمرود ،ولا شك أن في هذا التعبير
))أَ ْن آت َاه ُ َ
الل ّه ُ ال ْمُلْكَ(( ،فبدل أن يحمد الل ّٰه سبحانه وتعالى حملته هذه النعمة لما آتاه الل ّٰه الملك
إشارة إلى أن الملك فتنة على من أوتيه؛ ))أَ ْن آت َاه ُ َ
على المحاجة في الل ّٰه ،وهذا أقبح وجوه الـكفر في موضع ما يجب عليه من الشكر ،كما تقول في شخص :عاداني فلان لأني أحسنت إليه!
تجْع َلُونَ رِزْقَك ُ ْم
تريد أنه فعل عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان الذي صار إليه ،وهذا مثل قوله تبارك وتعالى} :و َ َ
أَ َن ّك ُ ْم تُكَذِّبُونَ{ ]الواقعة ،[٨٢:أهذا شكر نعمي ورزقي عليكم أنكم تكذبون بآياتي وبرسلي؟! وهذا من نفس هذا الباب ،قال تبارك وتعالى
ل أَ ن َا ُأحْ يِي و َ ُأم ِيتُ (( يعني :بالقتل والعفو ،ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر ،فظن أن
الل ّٰه تبارك وتعالى ،فقال النمرود)) :قَا َ
هذا يعطيه حقا ًأنه يحيي ويميت! فلما رآه إبراهيم عليه السلام غبيا ًلا يفهم ولا يعقل ولا يعرف أصول المناظرة ،قال إبراهيم)) :ف َِإ َ ّ
ن
الل ّه َ ي َأْ تِي
ن َ ِب(( ،فانتقل إبراهيم عليه السلام إلى حجة أوضح منها ،فقال له)) :ف َِإ َ ّ
ن ال ْمَغْر ِ
ت بِهَا م ِ َ
ق ف َأْ ِ
ن ال ْمَشْر ِ ِ
س مِ َ الل ّه َ ي َأْ تِي ب ِال َ ّ
ش ْم ِ َ
كف َر َ و ََالل ّه ُ لا يَهْدِي الْقَوْم َ ال َ ّ
ظالِمِينَ((. ِب فَبُه ِتَ ال َ ّذ ِي َ
ن ال ْمَغْر ِ
ت بِهَا م ِ َ
ق ف َأْ ِ
ن ال ْمَشْر ِ ِ
س مِ َ ب ِال َ ّ
ش ْم ِ
فهذا الطاغية سلك مسلك التلبيس والتمو يه؛ وهذا يدل على جهله ،ويتضح من الآيات :أن إبراهيم عليه السلام وصف ربه بالإحياء
ل ِإ ب ْر َاه ِيم ُ ر َب ِ ّي َ ال َ ّذ ِي ُ
يحْيِي و َيُمِيتُ (( ،لـكن الإحياء والإماتة أمر له حقيقة وله مجاز ،وإبراهيم عليه السلام قصد ))إ ْذ قَا َ
والإماتة قالِ :
الحقيقة ،بأن الل ّٰه سبحانه وتعالى هو الذي يدخل الروح في البدن فيحييها أو ينزعها منه و يخرجها فيميتها ،فإبراهيم ما أراد إلا الحقيقة،
ل أَ ن َا ُأحْ يِي و َ ُأم ِيتُ (( يقول :إني إذا أتيت برجلين فأقتل هذا فأكون أنا الذي قد
أما النمرود فإنه فزع إلى المجاز وموه على قومه ))قَا َ
أمته ،وأعفو عن هذا ،فأكون قد أحييته.
فسلم له إبراهيم تسليم الجدل ،وليس معنى ذلك أن إبراهيم عليه السلام ما استطاع أن يبطل حجته ،إلا أنه لما رآه غبيا ًلا يعقل ولا يفهم
انتقل إلى ما لا يستطيع أبدا ً أن يموه به على العوام ،وانتقل معه من الخصام إلى أمر لا يحتمل إلا الحقيقة ،ولا مجاز فيه على الإطلاق،
ِب فَبُه ِتَ ال َ ّذ ِي َ
كف َر َ((. ن ال ْمَغْر ِ
ت بِهَا م ِ َ
ق ف َأْ ِ
ن ال ْمَشْر ِ ِ
س مِ َ الل ّه َ ي َأْ تِي ب ِال َ ّ
ش ْم ِ ن َ فقال له)) :ف َِإ َ ّ
فلما سلك الطاغية مسلك التلبيس والتمو يه على الرعاع ،وكان بطلان جوازه من الجلاء -الظهور -بحيث لا يخفى على أحد؛ لأن هذا
الجواب الذي أجاب به هذا النمرود واضح في بطلانه بحيث لا يحتاج إلى جهد في إبطاله ،فبطلانه يغني عن إبطاله ،وسقوطه يغني عن
إسقاطه ،فما انشغل بالجواب عنه؛ لأن هذا تمو يه حيث يقول :أنا أحيي وأميت بهذا المعنى ،فكان التصدي لإسقاط كلامه من قبيل
السعي في تحصيل الحاصل؛ لذلك انتقل إبراهيم عليه السلام إرسالا ًلعنان المناظرة معه إلى حجة أخرى لا تجري فيها المغالطة ،ولا يتيسر
للطاغية أن يخرج عنها بمخرج المكابرة أو المشاغبة أو التلبيس على العوام.
ِب(( ،ولا شك أن من قدرته تباركن ال ْمَغْر ِ
ت بِهَا(( أنت ))م ِ َ
ق ف َأْ ِ
ن ال ْمَشْرِ ِ
س مِ َ الل ّه َ ي َأْ تِي ب ِال َ ّ
ش ْم ِ ن َ فقال إبراهيم عليه السلام)) :ف َِإ َ ّ
وتعالى أنه لا تقوم الساعة حتى يأتي الل ّٰه سبحانه وتعالى بالشمس من المغرب ،فهذه من علامات الساعة الـكبرى ،أن تطلع الشمس
Shamela.org ٣٣٢
البقرة ][263 - 257 ٢٠
من المغرب؛ لأن الل ّٰه وحده هو الذي يقدر على ذلك تبارك وتعالى.
))فَبُه ِتَ ال َ ّذ ِي َ
كف َر َ(( ،لما قال له :فائت بها من المغرب ،يعني :إذا كنت كما تدعي تحيي وتميت ،فالذي يحيى ويميت هو الذي يتصرف
في الوجود ،في خلق ذواته ،وفي تسخير كواكبه وحركاته ،فهذه الشمس تطلع كل يوم من المشرق ،فإن كنت إلها ً كما ادعيت فائت
بها من المغرب)) :فَبُه ِتَ ال َ ّذ ِي َ
كف َر َ(( ،تحـير ودهش وأرغم بالحجة ،لما علم عجزه وانقطاعه ،وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا.
))و ََالل ّه ُ لا يَهْدِي الْقَوْم َ ال َ ّ
ظالِمِينَ(( بالـكفر إلى محجة الاحتجاج ،أي :أن الل ّٰه لا يهديهم إلى إقامة الحجة وإلى فهم الحجج والبراهين ،وما
شدِيد ٌ{ ]الشورى.[١٦:
َاب َ
َب و َلَه ُ ْم عَذ ٌ يحتج به ،فلا يلهمهم حجة ولا برهانا ًبل} :حُ َ ج ّتُه ُ ْم د َا ِ
حضَة ٌ عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم و َعَلَيْه ِ ْم غَض ٌ
تفسير قوله تعالى) :أو كالذي مر على قر ية وهي خاو ية على عروشها( ٢٠.٢
تفسير قوله تعالى) :أو كالذي مر على قر ية وهي خاو ية على عروشها(
ل ك َ ْم
الل ّه ُ م ِائَة َ عَا ٍم ث َُم ّ بَع َث َه ُ قَا َ
الل ّه ُ بَعْد َ مَوْتِهَا ف َأَ م َاتَه ُ َ ل أَ َن ّى ُ
يحْيِي هَذِه ِ َ قال الل ّٰه تعالى} :أَ ْو ك َال َ ّذ ِي م َ َّر عَلَى قَر ْيَة ٍ و َ ِ
هي َ خ َاوِ يَة ٌ عَلَى ع ُرُوشِه َا قَا َ
ل بَلْ لَبِث ْتَ م ِائَة َ عَا ٍم{ ]البقرة [٢٥٩:إلى آخر الآية.
ْض يَو ْ ٍم قَا َ
ل لَبِث ْتُ يَوْم ًا أَ ْو بَع َ
لَبِث ْتَ قَا َ
))أَ ْو ك َال َ ّذ ِي(( يعني :أو رأيت كالذي ،النموذج الأول هو قصة إبراهيم عليه السلام ،فيها تعهد الل ّٰه سبحانه وتعالى لأوليائه بأن يخرجهم
من الظلمات إلى النور ،و يؤيدهم بالحجة والبرهان ،وهذا مثال آخر أيضا ً فيه إخراج الل ّٰه سبحانه وتعالى لأوليائه من ظلمات الحـيرة
والاشتباه إلى نور الحجة والبرهان.
))أَ ْو ك َال َ ّذ ِي(( الكاف زائدة ،والمعنى :كيف هداه الل ّٰه تعالى وأخرجه من ظلمات الاشتباه إلى نور العيان والشهود)) :أَ ْو ك َال َ ّذ ِي م َ َّر
عَلَى قَر ْيَة ٍ(( ،والقر ية سميت قر ية ً لاجتماع الناس فيها ،ومنه قولهم :قريت الماء ،أي :جمعته ،فالقر ية سميت قر ية لاجتماع الناس فيها.
))م َ َّر عَلَى قَر ْيَة ٍ(( يقول السيوطي هنا :هي بيت المقدس ،وكان راكبا ًعلى حمار ،ومعه سلة تين وقدح وعصير ،وهو عزير عليه السلام،
وقيل غيره ،قال ابن كثير في تار يخه :المشهور أنه عزير نبي من أنبياء بني إسرائيل.
))أَ ْو ك َال َ ّذ ِي م َ َّر عَلَى قَر ْيَة ٍ و َ ِ
هي َ خ َاوِ يَة ٌ عَلَى ع ُرُوشِه َا(() ،وهي خاو ية( أي :ساقطة )على عروشها( والعروش هي السقوف ،وذلك لما
خرب بختنصر بيت المقدس ،وتلاحظون أن السيوطي رحمه الل ّٰه أحيانا ًيعتمد على بعض الإسرائيليات ،لـكننا إذا وقفنا على ما أوقفنا
الل ّٰه عليه فلن يؤثر هذا بشيء ،سواء صح أنها بيت المقدس أو غيرها؛ فهذا مما لم يتعرض الل ّٰه سبحانه لبيانه صراحة.
هي َ خ َاوِ يَة ٌ(( هذا الوصف يبېن مفهومه ما ذكره السيوطي بقوله :راكبا ً على حمار ومعه سلة تين وقدح ))أَ ْو ك َال َ ّذ ِي م َ َّر عَلَى قَر ْيَة ٍ و َ ِ
وعصير ،يعني :معه طعام وشراب ،وكان راكبا ًعلى حمار ،وهذا وفقا ًلما يأتي من الآيات؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى قال له} :و َانظُر ْ ِإلَى
ك ل َ ْم يَتَس ََن ّه ْ{) ،وهي خاو ية( أي :ساقطة حيطانها ،ومعنى ذلك أنها سقطت سقوفها،
ك و َشَر َاب ِ َ
حِمَارِك َ{ ،وقال له} :فَانظُر ْ ِإلَى َطع َام ِ َ
وبعدما سقطت السقوف سقطت الحيطان فوق السقوف ،هذا معنى) :وهي خاو ية( أي :ساقطة حيطانها على عروشها أي :سقوفها،
لما خربها بختنصر.
الل ّه ُ بَعْد َ مَوْتِهَا(( استعظاما ًلقدرة الل ّٰه تبارك وتعالى. ل أَ َن ّى ُ
يحْيِي(( يعني :كيف يحيي ))هَذِه ِ َ ))قَا َ
الل ّه ُ بَعْد َ مَوْتِهَا(( بأن يعمرها و يعيد أهلها إليها و يحييها بعد موتها.
يحْيِي هَذِه ِ َ
)) ُ
الل ّه ُ م ِائَة َ عَا ٍم(( يعني :أبقاه ميتا ًمائة عام ثم بعثه ،وكان إبقاؤه ميتا ًمائة عام يكفي لأن يزول بدنه تماما ًويتلاشى) ،ثم بعثه(
))ف َأَ م َاتَه ُ َ
جمع أجزاؤه بعد تفرقها ،وبعث روحه إلى بدنه ،قال بعض المفسرين :أنه أحيا سبحانه وتعالى جزءا ً من بدنه ثم أراه باقي الأجزاء وهي
تجتمع بعضها إلى بعض ،وينفخ الل ّٰه سبحانه وتعالى فيها الروح وهي الحياة.
قال) :ثم بعثه( أي :أحياه لير يه كيفية ذلك) ،قال كم لبثت( يعني :قال الل ّٰه تبارك وتعالى له)) :ك َ ْم لَبِث ْتَ (( ،قال بعض العلماء:
Shamela.org ٣٣٣
البقرة ][263 - 257 ٢٠
إن الذي قال له ذلك هو جبر يل أو سمع هاتفا ًمن السماء ،لـكن سياق الآيات يظهر أن القائل هو الل ّٰه سبحانه وتعالى ،والدليل قوله
كي َْف نُنشِز ُه َا ث َُم ّ ن َ ْكس ُوه َا لَحْمًا{ ،وهذه نون العظمة إشارة إلى أن الذي قال له هو الل ّٰه سبحانه
عز وجل بعد ذلك} :و َانظُر ْ ِإلَى ال ْعِظَا ِم َ
ْض يَو ْ ٍم(( ،وقد قال أصحاب الـكهف أيضاً} :قَالُوا لَبِث ْنَا ل ك َ ْم لَبِث ْتَ (( أي :كم مكثت ميتاً؟ ))قَا َ
ل لَبِث ْتُ يَوْم ًا أَ ْو بَع َ وتعالى)) :قَا َ
ْض يَو ْ ٍم{ ]الـكهف ،[١٩:فالمقصود هنا :أنهم قالوا ذلك على سبيل التفكير أو التخمين أو استقصارا ً للمدة ،يقول السيوطي:
يَوْم ًا أَ ْو بَع َ
لأنه نام أول النهار فقبض ،وبعث عند الغروب ،يعني أول يوم من موته كان في بداية النهار في الصباح ،ثم أحيي بعد مائة سنة عند
الغروب ،وأول ما سئل :كم لبثت؟ قال :لبثت يوماً ،لما ظن أن الشمس قد غربت ،فلما رأى أن الشمس قد بقي عليها وقت يسير
ْض يَو ْ ٍم((.
للغروب ،وما زال القرص ظاهراً ،استدرك فقال)) :أَ ْو بَع َ
لأنه نام أول النهار فقبض وأحيي عند الغروب فظن أنه نفس اليوم ،وهل هذا يعتبر كذباً؟ ليس كذباً ،ولـكنه إخبار بما عنده ،كما لو
سألتك مثلاً :هل أخوك في البيت؟ فأنت على حسب علمك أنه ليس في البيت قلت :ليس في البيت ،وهو في الحقيقة في البيت ،فليس
هذا كذباً ،وإذا أطلق عليه كذب فهو من حيث اللغة وليس من حيث الشرع الذي يستوجب الإثم ،كقوله في الحديث) :كذب
أبو السنابل( يعني :أخطأ ،وكل إخبار بما يخالف الواقع فهو كذب ،لـكن من الـكذب ما يأثم به صاحبه ،ومنه لا يأثم به صاحبه،
ْض يَو ْ ٍم(( كذباً؛ لأنه يخالف الحقيقة ،فنقول :هذا كذب لا يأثم عليه؛ لأنه لا يقصد
فإذا سمينا هذا القول منه)) :لَبِث ْتُ يَوْم ًا أَ ْو بَع َ
الإخبار بخلاف الحقيقة ،وهو غير متعمد ،وإنما يقوله تقديرا ً وتخمينا ًوإخبارا ً بما عنده.
ما الحكمة من أن الل ّٰه سبحانه وتعالى سأله هذا السؤال؟ الحكمة ليظهر له عجزه عن الإحاطة بشئونه ،يعني :أنت أيها العبد لا تحيط علما ً
بما يخصك أنت ،وبقيت ميتا ًمائة عام وأنت لا تدري ،وأنت غافل ،حتى إنك لتظن أنك بقيت يوما ًأو بعض يوم ،حتى الأمور التي
تخصك أنت لا تعرفها ،ولا يعرفها إلا الل ّٰه سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيء علماً.
وأيضاً :من الحكمة من السؤال بيان أن إحياءه لم يكن بعد مدة يسيرة؛ لأنه لو أحياه الل ّٰه سبحانه وتعالى بعد مدة يسيرة ربما يحصل
توهم أن البعث هين في الجملة ،إذ إن جسمه ما زال باقياً ،أما والأمر أنه أماته مائة عام حتى زال جسمه بالكلية وتحول إلى تراب،
وتفرقت أجزاؤه ،ثم يحييه الل ّٰه تبارك وتعالى؛ فإحياؤه بعد مدة طو يلة تنحسم به تماما ً مادة استبعاد وقوع البعث والنشور ،ثم يطلع في
تضاعيفه على أمر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى عندما يقول :كم لبثت؟ فيقول :لبثت يوما ًأو بعض يوم ،فيقول الل ّٰه له)) :بَلْ لَبِث ْتَ
م ِائَة َ عَا ٍم((.
))فَانظُر ْ(( بعدما بين له أنه لبث مائة عام نبهه إلى آية أخرى يراها الآن في هذه الحال بعد مائة عام ،وهي من آثار وبدائع قدرته
ك ل َ ْم يَتَس ََن ّه ْ{ ]البقرة ،[٢٥٩:فالطعام الذي من طبعه أن يتسارع
ك و َشَر َاب ِ َ
تبارك وتعالى ،وهي إبقاء الغذاء فقال} :فَانظُر ْ ِإلَى َطع َام ِ َ
إليه الفساد والتعفن بقي على ما كان عليه دهرا ً طو يلا ً من غير تغير! ))فَانظُر ْ ِإلَى طَع َامِكَ(( ،وهو التين ،أو غير التين في قول آخر،
ولا إشكال في ذلك)) ،و َشَر َابِكَ(( أي :العصير)) ،ل َ ْم يَتَس ََن ّه ْ(( يعني :لم يتغير مع طول الزمان ،مع تداعيه إلى الفساد ،والهاء في
)يتسنه( :قيل :أصل في الكلمة ،من سانهت ،وقيل :مشتقة من :ساميتُ ،وفي قراءة بحذفها) :لم يتسن( ،و يحتمل أن يكون الضمير
ك ل َ ْم يَتَس ََن ّه ْ{ ،إما أنه عبر عن المثنى بهاء المفرد ،وهذا جائز في اللغة ،و يحتمل أن
ك و َشَر َاب ِ َ
هنا في قوله تبارك وتعالى} :فَانظُر ْ ِإلَى َطع َام ِ َ
يكون الضمير لأقرب مذكور ،و يكون عائدا ً إلى الشراب؛ لأنه أقرب ،ثم تكون هناك ثم ّ جملة أخرى حذفت بدلالة هذه عليها ،فيكون
التقدير :وانظر إلى طعامك لم يتسنه ،وإلى شرابك لم يتسنه.
}و َانظُر ْ ِإلَى حِمَارِك َ{ ]البقرة ،[٢٥٩:انظر إلى حمارك كيف هو؟ فرآه ميتاً ،ورأى عظامه بيضا ًتلوح نخرة ،وكأن الل ّٰه عز وجل يقول
له :فعلنا ذلك لتعلم أن الل ّٰه على كل شيء قدير.
Shamela.org ٣٣٤
البقرة ][263 - 257 ٢٠
ك آيَة ً{ ]البقرة [٢٥٩:على البعث والنشور ،ونحن بلا شك إذا أردنا أن نسرد من القرآن أدلة البعث والنشور فمن الأدلة الواضحة
}و َلِن َجْ ع َل َ َ
هذه القصة التي حكاها الل ّٰه سبحانه وتعالى.
وروي في بعض الآثار الإسرائيلية :أنه بعدما عاد إلى قريته وجدها قد عم ّرت ،وأحياها الل ّٰه بعد موتها ،ثم لقي جار ية كانت لهم ،قد
طعنت جدا ً في السن ،فسألها عن عزير ،فقالت :عزير قد افتقدناه من كذا وكذا سنة ،فقال لها :أنا عزير ،قالت :لو كنت عزيرا ً فإن
عزيرا ً كان نبياً ،وكان يمسح على المر يض فيبرأ بإذن الل ّٰه ،وكانت قد عميت ،فمسح على عينها فأبصرت ،ثم رجعت إلى قومها تقول لهم:
إن هذا هو عزير! فوجد حفيده يكبره بخمسين سنة! ولا شك أن أهل القر ية لما رأوه يعود بعد مائة سنة بنفس الأمارات التي تدل
على أنه هو؛ لا شك أن هذا آية للناس الذين عاصروا هذه الواقعة ،وآية لمن يأتي بعدهم من الأجيال ،ويسمع هذه العبرة كما قصها الل ّٰه
سبحانه وتعالى في كتابه.
))و َانظُر ْ ِإلَى ال ْعِظَا ِم(( أي :عظام حمارك) ،كيف ننشزها( كيف نحييها- ،بضم النون والزاي ،-وفي القراءة الأخرى) :كيف نُنشر ُها(
بالراء ،وقرئ شذوذا ً بفتح النون ،من أنشر ونشر لغتان ،وعلى قراءة) :كيف نُنْشِز ُها( أو )ننش ُزها( أي :نحركها ونرفعها ،من النشر
وهو الارتفاع.
كي َْف نُنشِز ُه َا ث َُم ّ ن َ ْكس ُوه َا لَحْمًا{ ]البقرة ،[٢٥٩:فنظر إليها وقد تركبت العظام ،وكسيت لحماً ،ونفخ فيها الروح ،فأول نوع من أنواع
} َ
البعث أن الل ّٰه سبحانه وتعالى نفخ الروح في الحمار ،فقام الحمار ونهق علامة على عودة الحياة إليه بالصوت أيضاً! }فَلَم ّا تَبېَ ّنَ لَه ُ{
ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ{ ]البقرة [٢٥٩:يعني :أعلم علم مشاهدة )أن الل ّٰه على كل الل ّه َ عَلَى ك ُ ّ ِ
ن َ ل أَ ع ْلَم ُ أَ َ ّ
]البقرة ،[٢٥٩:لهم بالمشاهدة والمعاينة }قَا َ
شيء قدير( ،وفي قراءة) :فلما تبېن له قال اعلم( على أنها أمر من الل ّٰه سبحانه وتعالى له) :أن الل ّٰه على كل شيء قدير(.
تفسير قوله تعالى) :وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى( ٢٠.٣
تفسير قوله تعالى) :وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى(
ل
قال الل ّٰه تعالى مبينا ًكيف أنه يتولى عباده فيخرجهم من الظلمات إلى النور ،و يؤيدهم بالحجة والبراهين) :وإذ( يعني :واذكر إذ؛ }قَا َ
تح ِْي ال ْمَو ْتَى{ ]البقرة ،[٢٦٠:ليصير علمي عين يقين بالرؤ ية بعدما كان عندي علم يقين؛ لأن العلم درجات :علم
كي َْف ُ
َب أَ رِنِي َ
ِإ ب ْر َاه ِيم ُ ر ِّ
يقين ،وعين يقين ،وحق يقين.
لو أخبرتك بأن في هذه الحجرة عسلا ً وكنت تقطع بصدقي فهذا علم يقين ،فإذا فتحت لك الغرفة ودخلت ورأيت بعينك العسل فهذا
عين يقين ،أما إذا ذقته ووجدت طعمه ومذاقه فهذا حق اليقين؛ فالعلم نفسه على مراتب ،فإبراهيم عليه السلام أراد أن يترقى من علم
اليقين إلى عين اليقين بالمشاهدة عياناً ،وهذا أكمل ،وبلا شك أن الإنسان دائما ً يكون مستشرفا ً إلى مطالعة ما يخـبر عنه ،فالذي لم ير
الـكعبة يكون دائما ًمتطلعا ًإلى أن يراها ،فنحن لا نرى الملائكة ،ولذا تجد عندنا استشراف وتطلع إلى أن نرى الملائكة ،نريد أن نرى
كل ما هو غائب عنا ،وهذا من فطرة الإنسان ،حب الاستطلاع ،والاستزادة في مراتب العلم ودرجاته.
ل أَ و َل َ ْم تُؤْم ِنْ { ،قال تعالى له :أو لم تؤمن بقدرتي على الإحياء؟! سأله مع علمه بإيمانه
تح ِْي ال ْمَو ْتَى قَا َ
كي َْف ُ
َب أَ رِنِي َ
ل ِإ ب ْر َاه ِيم ُ ر ِّ
}و َِإ ْذ قَا َ
Shamela.org ٣٣٥
البقرة ][263 - 257 ٢٠
أوتيته من العلم بالوحي ،ومما يؤيد هذا التفسير ،وينفي الشك عن إبراهيم عليه السلام أن الل ّٰه سبحانه وتعالى قال في مناقشة إبراهيم
ل ِإ ب ْر َاه ِيم ُ ر َب ِ ّي َ ال َ ّذ ِي ُ
يحْيِي و َيُمِيتُ (( ،فإبراهيم عليه السلام يعرف أن الل ّٰه سبحانه وتعالى هو الذي يحيي ))إ ْذ قَا َ
عليه السلام للنمرودِ :
ويميت ،فهذه الآية بلا شك تدل على نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام.
لـكن تضافر الأدلة وتواردها أسكن للقلوب ،وأزيد للبصيرة واليقين.
Shamela.org ٣٣٦
البقرة ][263 - 257 ٢٠
السؤال أن يقول القائل :كيف يحكم زيد ٌ في الناس؟ فهل يفهم من هذا السؤال أنه يشك في أنه يحكم؟ لا يشك بأنه يحكم؛ لأن هذا
مقر أن زيدا ً إذا كان حاكما ً أو قاضيا ً فهو يحكم؛ لـكن السؤال هنا هو عن كيفية الحكم ،فهل هو حال الحكم يعدل أم يجور؟ كيف
حكمه في الناس وكيف سيرته؟ فالمقصود ليس الشك في أنه يحكم ،ولـكن المقصود هو السؤال عن حاله من العدل والإنصاف وغير
ذلك ،فهو لا يشك أنه يحكم فيهم ،ولـكنه سأل عن كيفية حكمه لا ثبوته.
قد يتلاعب الوهم ببعض الخواطر ،فيطرق إلى إبراهيم شكا ًمن هذه الآية ،فأتى هذا الحديث وهو قول النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :نحن
أحق بالشك من إبراهيم(؛ ليقطع به صلى الل ّٰه عليه وسلم دابر هذا الواهم ،يعني :ونحن لم نشك ،فلئلا يشك إبراهيم عليه السلام أحرى
وأولى.
تح ِْي ال ْمَو ْتَى(( ،ولا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها،
كي َْف ُ
َب أَ رِنِي َ
وسؤال إبراهيم عليه السلام إنما كان عن كيفية الإحياء)) :ر ِّ
فإنما هو طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه ،يعني :أنت مطالب بأن تؤمن بالبعث والنشور والإحياء ،لـكنك غير مطالب بأن تؤمن
بكيفية البعث والنشور ،وكيفية هذا الإحياء ،وهذا من السؤال عما ليس بشرط أو ما لا يتوقف الإيمان على علمه.
Shamela.org ٣٣٧
البقرة ][263 - 257 ٢٠
آمنت) ،ولـكن( سألتك )ليطمئن( أي :يدخل بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال ،وكي لا أسرح وأحوم في التخيلات عن كيفية
ذلك الإحياء؛ لأنني إذا رأيتها استقر قلبي إلى كيفيتها حينما أراها معاينة.
Shamela.org ٣٣٨
البقرة ][263 - 257 ٢٠
تفسير قوله تعالى) :مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الل ّٰه( ٢٠.٤
تفسير قوله تعالى) :مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الل ّٰه(
سن ْبلَُة ٍ م ِائَة ُ ح ََب ّة ٍ و ََالل ّه ُ يُضَاع ُ
ِف ل ُ
ل فِي ك ُ ّ ِ
سب ْ َع سَنَاب ِ َ الل ّه ِ كَمَث َ ِ
ل ح ََب ّة ٍ أَ ن ْبَت َْت َ ل َ ل ال َ ّذ ِي َ
ن يُنفِق ُونَ أَ مْوَالَه ُ ْم فِي سَب ِي ِ قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :م َث َ ُ
لم َِنْ يَش َاء ُ و ََالل ّه ُ و َاسِـ ٌع عَل ِيم ٌ{ ]البقرة.[٢٦١:
)مثل الذين( أي :صفة نفقات الذين )ينفقون أموالهم في سبيل الل ّٰه( أي :طاعته) ،كمثل حبة أنبتت( يعني :حبة ألقيت في الأرض
ثم أنبتت ساقاً ،وكانت الساق على سبع شعب ،وخرج من كل شعبة سنبلة فيها مائة حبة ،فصارت الحبة الواحدة سبعمائة بمضاعفة
الل ّٰه تبارك وتعالى لها.
لا شك أن هذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة؛ لأن فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الل ّٰه عز وجل لأصحابها كما
ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة ،ومصداقه قول النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد
إلى الل ّٰه إلا الطيب ،فإن الل ّٰه يتقبلها بيمينه ،ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه؛ حتى تكون مثل الجبل( متفق عليه.
ل ل ح ََب ّة ٍ أَ ن ْبَت َْت َ
سب ْ َع سَنَاب ِ َ الفلو :هو المهر الصغير ،وقيل :هو الفطيم من أولاد ذوات الحوافر ،ولا شك أن قوله سبحانه وتعالى)) :كَمَث َ ِ
سن ْبلَُة ٍ م ِائَة ُ ح ََب ّة ٍ(( أقوى وأبلغ وأعظم وأعجز ،وهل هناك إعجاز أكثر من أن تقول :كمثل حبة صارت سبعمائة؟ لا ،لماذا؟ لأن
ل ُ
فِي ك ُ ّ ِ
هذا التفصيل يبېن أن الل ّٰه ينميها و يضاعفها لصاحبها شيئا ً فشيئا ً ويربيها؛ فكذلك أيضا ً الذي ينفق ماله في سبيل الل ّٰه تبارك وتعالى ينميها
Shamela.org ٣٣٩
البقرة ][263 - 257 ٢٠
الل ّٰه له ،فتضاعف بسبعمائة ضعف ،وفي الحديث عن خريم بن فاتك الأسدي قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من أنفق
نفقة في سبيل الل ّٰه كتبت له بسبعمائة ضعف(.
ِف لم َِنْ يَش َاءُ(( يعني :يضاعف أكثر من ذلك لمن يشاء ،وقد وردت هذه المضاعفة في السنة في عدة نصوص منها قوله
))و ََالل ّه ُ يُضَاع ُ
صلى الل ّٰه عليه وسلم) :كل عمل ابن آدم يضاعف ،الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف( ،وقال الل ّٰه عز وجل) :إلا الصوم فإنه لي
وأنا أجزي به( ،متفق عليه ،ومنها حديث ابن مسعود رضي الل ّٰه عنه قال) :جاء رجل بناقة مخطومة فقال :هذه في سبيل الل ّٰه ،فقال
رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم :لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة( رواه الإمام أحمد ومسلم.
فبلا شك أن الإنسان الذي عنده يقين بوعد الل ّٰه سبحانه وتعالى وفي خبر الل ّٰه لا يفرط في هذا الباب من أبواب الخـير ،ولا يفرط فيه
إلا إنسان مغبون محروم.
وإذا كنا نصدق بمثل هذه الآيات فلا ينبغي أن يكون سلوكنا على ما نحن عليه من الشح عن النفقة في سبيل الل ّٰه ،وانظر كيف يتهافت
الناس على الأرباح إذا وجدت شركة تجار ية تعطي ر بحا ً عشرين بالمائة والذي سيزيد فالناس إليه أزيد ،ويهرع الناس إليه من كل
مكان ،وإذا كان سيضاعفها إلى ٢٠٠
))و ََالل ّه ُ و َاسِـعٌ(( فضله)) ،عَل ِيم ٌ(( بمن يستحق المضاعفة.
تفسير قوله تعالى) :الذين ينفقون أموالهم في سبيل الل ّٰه ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى( ٢٠.٥
تفسير قوله تعالى) :الذين ينفقون أموالهم في سبيل الل ّٰه ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ًولا أذى(
الل ّه ِ ث َُم ّ لا يُت ْب ِع ُونَ م َا أَ نفَق ُوا م ًَن ّا و َلا أَ ذ ًى{ ]البقرة.[٢٦٢:
ل َ قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :ال َ ّذ ِي َ
ن يُنفِق ُونَ أَ مْوَالَه ُ ْم فِي سَب ِي ِ
الل ّه ِ ث َُم ّ لا يُت ْب ِع ُونَ(( ،لا يعقبون ما أنفقوا منا ًولا أذى ،هنا عبر الل ّٰه سبحانه وتعالى:
ل َ قوله عز وجل)) :ال َ ّذ ِي َ
ن يُنفِق ُونَ أَ مْوَالَه ُ ْم فِي سَب ِي ِ
الل ّه ِ ث َُم ّ لا يُت ْب ِع ُونَ م َا أَ نفَق ُوا م ًَن ّا و َلا أَ ذ ًى{ ،هل )ثم( هنا على بابها على التراخي وتباعد الأزمنة؟
ل َ بـ )ثم( }ال َ ّذ ِي َ
ن يُنفِق ُونَ أَ مْوَالَه ُ ْم فِي سَب ِي ِ
الجواب لا ،ليست لتباعد الأزمنة ،لـكن استعيرت )ثم( هنا من تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة ،أو لإظهار التفاوت بين الإنفاق وبين
ترك المن والأذى ،فالسياق هنا يأبى حملها على الطرفين ،والمقصود هنا :تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة ،ولإظهار التفاوت بين الإنفاق
وترك المنّ والأذى ،وفي قول آخر :أن ثم لا تخرج عن الإشعار ببعد الزمن ،يعني :عنصر التفاوت الزمني موجود ،لماذا التفاوت
الزمني؟ المقصود :الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء زمان بقائه ،وهو هنا ليس لتراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه ،لـكن
لدوام وجود الفعل وتراخي زمان بقائه ،يعني :أنهم ينفقون أموالهم )ثم لا يتبعون( بل يستمرون على نفقة المال محصنين هذه الصدقة
من المن ومن الأذى ،متمادين في ذلك إلى النهاية ،حتى يلقوا الل ّٰه سبحانه وتعالى دون أن يفسدوا صدقاتهم بالمن والأذى ،فمعناها:
ليس لتراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه ،ولـكن معناها :دوام وجود الفعل ،وتراخي زمن بقائه ،وعليه حمل قوله تعالى) :ثم استقاموا(،
إذ معناها داوموا على الاستقامة دواما ً متراخيا ً ممتداً ،وتلك الاستقامة هي المعتبرة ،لا ما هو منقطع إلى ضده من الميل إلى الهوى
ن قَالُوا ر َ ُب ّنَا َ
الل ّه ُ ث َُم ّ اسْ تَق َام ُوا{ ]فصلت [٣٠:يعني :ثبتوا على ذلك إلى الموت، ن ال َ ّذ ِي َ
والشهوات ،فالمقصود بذلك الثبات حتى الممات}ِ :إ َ ّ
وإلى الخاتمة الحسنة.
سيَهْدِينِ{ ]الصافات ،[٩٩:في حين
ِب ِإلَى ر َب ِ ّي َ
ل ِإن ِ ّي ذ َاه ٌ
والسين في قوله) :ثم استقاموا( للتنفيس ،ففيها تنفيس ومد ،كقوله} :و َقَا َ
أنه قال في سورة الشعراء} :ال َ ّذ ِي خ َلَقَنِي فَه ُو َ يَهْدِينِ{ ]الشعراء ،[٧٨:فقطع أن الل ّٰه سبحانه وتعالى يهدي؛ لـكن المقصود هنا دوام
الاهتداء ،واستصحابه إلى النهاية؛ كذلك قوله)) :ث َُم ّ لا يُت ْب ِع ُونَ م َا أَ نفَق ُوا م ًَن ّا و َلا أَ ذ ًى(( يعني :يداومون على تناسي الإحسان وترك
الاعتداد به والامتنان ،ليسوا بتاركيه في أزمنة إلى الأذية وتقليد المنن بسببه ثم يتوبون ،لا ،بل هم مستمرون على ستر صدقاتهم ،أو
Shamela.org ٣٤٠
البقرة ][263 - 257 ٢٠
المحافظة عليها وصيانتها من المن والأذى ،لا ينقضون ذلك بمن ثم يتوبون منه ،بل هم لا يرتكبون أصلا ًالمن والأذى.
))ث َُم ّ لا يُت ْب ِع ُونَ م َا أَ نفَق ُوا(( أي :لا يعقبون)) ،م َا أَ نفَق ُوا م ًَن ّا(( منا ًعلى المنفق عليه ،وهو ذكره لمن أنفق عليه لير يه أنه أوجب بذلك
شكُور ًا{ ]الإنسان[٩:؛ لـكن إذا منّ عليك ،فمعنى ذلك أنه يريد
عليه حقاً ،والواجب أن يكون المنفق مخلصا ً}لا نُر ِيد ُ مِنْك ُ ْم جَز َاء ً و َلا ُ
حقا ً في مقابلة صدقته؛ ))ث َُم ّ لا يُت ْب ِع ُونَ م َا أَ نفَق ُوا م ًَن ّا و َلا أَ ذ ًى(( ،الأذى يكون بذكر ذلك لغيره ،والمن أن تمن على الشخص الذي
أنفقت عليه نفسه ،والأذى أن تخـبر غيره بأنك مننت عليه ،وذلك مما يؤذيه ،وهو يكره أن يعرف الناس أنك أديت إليه ذلك المعروف.
جر ُهُمْ{ يعني :ثواب إنفاقهم الموعود به من قبل وهو المضاعفة.
}لَه ُ ْم أَ ْ
يح ْزَنُونَ(( على
يح ْزَنُونَ{) ،لا خوف عليهم( فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة)) ،و َلا ه ُ ْم َ
ْف عَلَيْه ِ ْم و َلا ه ُ ْم َ
خو ٌ
}عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم و َلا َ
فائت من زهرة الدنيا؛ لصيرورتهم إلى ما هو خير من ذلك ،وهذا كله في الآخرة.
تفسير قوله تعالى) :قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى( ٢٠.٦
تفسير قوله تعالى) :قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى(
صد َقَة ٍ يَت ْب َعُه َا أَ ذ ًى و ََالل ّه ُ غَنِيّ ٌ ح َل ِيم ٌ{ ]البقرة.[٢٦٣:
ُوف وَمَغْف ِرَة ٌ خَيْر ٌ م ِنْ َ
ل مَعْر ٌ
قال الل ّٰه تعالى} :قَو ْ ٌ
)قول معروف( ،كلمة طيبة ودعاء للسائل ،وكلام حسن ،ورد على السائل جميل.
)ومغفرة( عن ظلمه القولي أو الفعلي ،إذ ممكن أن السائل يسيء أحيانا ًفي سؤاله و يلح ،أو يضايقك بطر يقة فيها نوع من الأذية ،وهنا
ل فَلا تَنْهَر ْ{ حث على أن تغفر له هذا الإلحاح؛ فإنك ٺثاب على ذلك ،وقد أرشد الل ّٰه تبارك وتعالى إلى هذا الأدب في قوله} :و َأَ َمّا ال َ ّ
سائ ِ َ
]الضحى.[١٠:
والمغفرة أن تسامحه وتعفو عنه في إلحاحه إذا فعل ،أو إذا ظلمك بظلم قولي أو فعلي) ،ومغفرة( ربما إذا لم تعطه يسيء إليك بكلام أو
بفعل ،فأنت أيضا ًهنا إذا فتح الل ّٰه عليك واستحضرت هذه الآية واعتبرت بها ،فتحتسب الأجر بالصبر عليه ،وأن تغفر له وتسامحه في
هذه الإساءة.
صد َقَة ٍ يَت ْب َعُه َا أَ ذ ًى(( لماذا؟ لأن الصدقة التي يتبعها )منّ وأذى( ماذا يترتب عليها؟ لا يحصل بها ثواب الصدقة؛ ثم يحصل
))خَيْر ٌ م ِنْ َ
إثم الأذى ،شخص تصدق يريد وجه الل ّٰه سبحانه وتعالى ،ويريد الثواب الذي يضاعفه الل ّٰه من الواحد إلى السبعمائة ضعف ،فهو يتصدق
لأجل الل ّٰه ،ثم بعد ذلك منّ أو آذى الذي أحسن إليه ،فعادت صدقته عليه وبالا ًوشؤما ًعليه؛ لأنه أولاً :أحبط ثواب صدقته ،وأوقع
ُوف(( كلمة
ل مَعْر ٌ
نفسه فيما لا طائل من ورائه ،وثانياً :حصل إثم الأذى؛ لأنه سيعاقب على هذا الأذى؛ فلذلك يقول تعالى)) :قَو ْ ٌ
طيبة )ومغفرة خير( من مثل هذه الصدقة ،لماذا خير؟ لأنه سيحبط ثواب الصدقة أولاً ،ثم يحصل إثم الأذى.
صد َقَة ٍ يَت ْب َعُه َا أَ ذ ًى(( بالمنّ والتعيير له بالسؤال ،إذا كان الشخص ممن يحل له السؤال)) ،و ََالل ّه ُ غَنِيٌّ(( عن صدقة
))وَمَغْف ِرَة ٌ خَيْر ٌ م ِنْ َ
ن والمؤذي.
العباد)) ،ح َل ِيم ٌ(( بتأخير العقوبة عن الما ّ
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى( ٢٠.٧
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى(
صد َقَاتِك ُ ْم ب ِال ْم ّ َِن و َالأَ ذ َى{ ]البقرة [٢٦٤:يعني :لا تبطلوا أجور صدقاتكم ،ولا تحبطوا هذا قال الل ّٰه تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا تُبْط ِلُوا َ
الثواب بالمنّ والأذى.
))ك َال َ ّذ ِي(( يعني :إبطالا ًكإبطال نفقة الذي )ينفق ماله رئاء الناس.
Shamela.org ٣٤١
البقرة ][286 - 283 ٢١
وفي هذه الآيات الـكريمة تقبيح لشأن المن ،والعرب كانت تقول لمن يعطي صدقة ثم يمن بها :هذه يد ٌ سوداء ،وتطلق العرب على ما
يعطى من غير مسألة :هذه يد بيضاء ،أما الذي يعطى عن مسألة فيقولون :يد خضراء ،يقول الشاعر :وصاحب سلفت منه إلي يد
راثت عليه مكافاتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاربني أبدى الندامة فيما كان أولاني وقال آخر :أفسدت بالمن ما أسديت من حسن
ليس الـكريم إذا أسدى بمنان وقال ثالث :أحسن من كل حسن في كل وقت وزمن صنيعة مربوبة خالية من المنن
تفسير قوله تعالى) :وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة( ٢١.١
تفسير قوله تعالى) :وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا ًفرهان مقبوضة(
الل ّه َ ر ََب ّه ُ و َلا
ق َ ضك ُ ْم بَعْضًا فَل ْي ُؤَدِّ ال َ ّذ ِي اؤْتُم ِ َ
ن أَ م َانَت َه ُ و َل ْيَت ّ ِ ن بَعْ ُ سفَرٍ و َل َ ْم تجِد ُوا ك َاتبًِا فَرِه َا ٌ
ن مَقْب ُوضَة ٌ ف َِإ ْن أَ م ِ َ قال الل ّٰه تعالى} :و َِإ ْن كُنتُم ْ عَلَى َ
تَكْتُم ُوا ال َش ّه َادَة َ وَم َنْ يَكْت ُ ْمه َا ف َِإ َن ّه ُ آثِم ٌ قَل ْب ُه ُ و ََالل ّه ُ بِمَا تَعْم َلُونَ عَل ِيم ٌ{ ]البقرة.[٢٨٣:
قوله تعالى) :وإن كنتم على سفر( يعني :إن كنتم مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى ،ولابد من ربط هذا الشرط بما قبله ،يعني :إن
كنتم على سفر وتداينتم؛ لأن صدر هذه الآية مرتبط بالآية التي قبلها ،وهي أطول آية في القرآن} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ِإذ َا تَد َايَنتُم ْ بِدَي ْ ٍن
ل مُسَ ًمّى{ ]البقرة [٢٨٢:فلابد من ربط هذه الآية بما قبلها يعني :إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى وكنتم على سفر ولم تجدوا
ِإلَى أَ ج َ ٍ
كاتبا ًفرهان مقبوضة ،يعني :الذي يستوثق به في هذه الحالة :رهان مقبوضة يقبضها صاحب الحق وثيقة لدينه.
ضك ُ ْم
ن بَعْ ُ
وهذا الرهان إنما يكون إذا لم يأمن بعضكم بعضا ً بلا وثيقة ،والدليل على هذا أنه سبحانه قال بعد ذلك مباشرة)) :ف َِإ ْن أَ م ِ َ
بَعْضًا(( يعني :لحسن ظنه به واستغنى بالثقة فيه وبأمانته عن الوثيقة ))فَل ْي ُؤَدِّ ال َ ّذ ِي اؤْتُم ِ َ
ن أَ م َانَت َه ُ(( يعني :من باب :أدِ الأمانة إلى من
ائتمنك )فليؤد الذي اؤتمن( وهو الشخص المدين ،وإنما عبر عنه بذلك ولم يقل :فليؤد المدين الدين وإنما قال) :فليؤد الذي اؤتمن أمانته(
لأن الرجل إذا وثق فيك وكان بوسعه ألا يعطيك هذا المال إلا باستيثاق برهن أو غيره ،فإنه يجب ألا تخيب ظنه وقد أحسن الظن
فيك.
وكثيرا ً ما يحصل نزاع بين الناس بسبب هذا الأمر ،ويشتكي كثير من الناس من أن بعض الناس لا يؤدي الحقوق إذا حان أجلها،
بل منهم من يجحد ويماطل! فنذكر في هذا المقام عبارة عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه تعالى عنه حينما قال :ما خان أمين قط ،ولـكن
اؤتمن غير أمين فخان.
فإذا كان الشخص فعلا ًمتصفا ًبصفة الأمانة فالأمين لا يمكن أبدا ً أن يخون إلا أن يشاء الل ّٰه ،لـكن الذي يحصل أنك تضع ثقتك في
غير موضعها ،ولـكن اؤتمن غير أمين فخان ،فهذا هو الواقع الذي يحصل ،فالل ّٰه سبحانه وتعالى كما ترون قد أنزل أطول آية في القرآن
-وهي آية الدين السابقة -لأجل حفظ مال المسلم في جنيهات معدودة ،فبين كيف تحفظ له؛ ولذلك يعتبرون هذه الآية من آيات
الرجاء ،وهناك بحث لطيف يذكره بعض العلماء وهو مبحث بعنوان :ما هي أرجى آية في القرآن؟ وفي المقابل أيضا ًما هي أخوف آية
في القرآن؟ فبعض العلماء ذهب إلى أن أرجى آية في القرآن لأهل المعاصي والكبائر من الموحدين هي هذه الآية آية الدين ،ووجه ذلك
أن هذه الآية تبېن كيف أن الل ّٰه سبحانه وتعالى يرعى و يحفظ ويشرع من التشر يعات ما يضمن حق المسلم ويراعي شئونه حتى في
أشياء دقيقة ،فأنزل أطول آية في القرآن لحفظ مال يسير من الدريهمات أو الجنيهات ،وإذا كان كذلك فلا شك أن عناية الل ّٰه سبحانه
وتعالى بعبده المؤمن في عرصات القيامة وفي أهوالها يرجى أن تكون أعظم ،وأن تكون رحمته أوسع ،فهذا هو وجهها.
Shamela.org ٣٤٢
البقرة ][286 - 283 ٢١
بعض الناس يستحيي في هذا المقام من كتابة الدين ،وهذا غير صحيح؛ لأن الاستيثاق بالكتابة أو بالإشهاد ليس معناه أنك تخونه أو أنك
لم ٺثق به ،لـكن هذا يكون لاعتبارات كثيرة ،منها :أنك يمكن أن تموت أنت أو يموت هو وبالتالي ينتقل لورثته الحق ،وورثته إذا
قالوا :أين ما يثبت أنه كان لك دين على الميت؟ فلا شك أن التوثيق يثبت الدين و يحسم الخلاف و يضبط حقوق الناس.
والأمر الآخر :أن بعض الناس قد ينسى ،فبعض الناس يكون حر يصا ًفي قلبه على أن يوثق الدين ،لـكنه يستحي وهذا الاستحياء لا
يسمى استحياء لـكنه عجز ،وهو لا يدخل في الحياء المحمود وإنما هو عجز.
ولذلك قال النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :ثلاثة يدعون الل ّٰه فلا يستجاب لهم -وذكر من هؤلاء الثلاثة -رجل أدان دينا ً فلم يشهد
عليه( أي :أقرض رجل رجلا ً مالا ً ولم يشهد عليه ولا كتبه ،فلما جاء موعد حلول أجل الدين وطالبه به جحده وقال :ما لك عندي
شيء ،فهنا إذا دعا صاحب المال على هذا المدين المقترض لا يستجيب الل ّٰه سبحانه وتعالى دعاءه عليه؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى قد شرع
من الأحكام ما يضمن له حقه ،وهو الذي بمحض إرادته تخلى عنها وتنازل عنها ،أو هو الذي وضع ثقته في محل لا يستحقها ،أي :ائتمن
شخصا ًوهو غير أمين.
فالشاهد من ذلك :أنه إذا دعا عليه لا يستجاب له ،وكيف يدعو عليه وقد أنزل الل ّٰه سبحانه وتعالى هذه الآية الطو يلة التي هي أطول
آية في القرآن ،ثم هو بمحض إرادته لم يعمل بها ،فليلم نفسه ولا يلم غيره؛ فهو الذي قصر.
ضك ُ ْم بَعْضًا(( يعني :لحسن ظنه به واستغنى بالثقة والأمانة عن أن يأخذ منه رهناً.
ن بَعْ ُ
يقول تبارك وتعالى هنا)) :ف َِإ ْن أَ م ِ َ
)فليؤد الذي اؤتمن أمانته( المقصود به :المدين ،وإنما عبر عنه بذلك لأنه العنوان لتعينه طر يقا ً للإعلام؛ لأنه لا يوجد طر يق للإعلام
الحق سوى الائتمان والثقة ولحمله على الأداء )أمانته( أي :دينه ،وإنما سمي أمانة لائتمانه عليه بترك الارتهان به.
)وليتق الل ّٰه ربه( يعني :في رعاية حقوق هذه الأمانة ،وفي الجمع بين عنوان الألوهية وصفة الربوبية من التحذير والتأكيد ما لا يخفى.
)ولا تكتموا( يعني :أيها الشهود! لا تكتموا الشهادة.
)ومن يكتمها فإنه آثم قلبه( قال الزمخشري :فإن قلت :هلا اقتصر على قوله) :فإنه آثم( ،وما فائدة ذكر القلب ،والجملة هي الآثمة لا
القلب وحده.
يعني :الرجل هو الآثم وليس قلبه فقط.
قال الزمخشري :قلت :كتمان الشهادة هو أن يضمرها في قلبه ،فلما كان إثما ً مقترفا ً بالقلب أسند إلى القلب؛ لأن إسناد الفعل إلى
الجارحة التي يعمل بها أبلغ ،ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد :هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني ،ومما عرفه قلبي؛ ولأن القلب هو
رئيس الأعضاء ،وهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله ،وإن فسدت فسد الجسد كله ،فكأنه قيل :قد تمكن الاسم في أصل
نفسه ،وملك الاسم أشرف مكان فيه وهو قلبه ،ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط ،ولـكنه أيضا ً متعلق
بالقلب )ومن يكتمها فإنه آثم قلبه(.
فاللسان عبارة عن ترجمان عما في القلب؛ ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح.
)وإن كنتم على سفر( يعني :إن كنتم مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل مسمى )ولم تجدوا كاتبا ًفرهان( وفي القراءة الأخرى )فرهُنُ(
وكلاهما جمع رهن )مقبوضة( مقبوضة أي :تستوثقون بها ،وهذا القيد الذي جاء في هذا الحكم معلق بقيدين )إن كنتم على سفر ولم
تجدوا كاتباً( فالقيد الأول :أن يكونوا في السفر ،والقيد الثاني :عند افتقاد َ
الكت ّاب ،لـكن بينت السنة جواز الرهن في الحضر ،وجواز
الرهن مع وجود الكاتب ،حتى لو وجدنا كاتبا ًوأمن بعضنا بعضا ًولم نكتب فلا حرج في ذلك.
والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الل ّٰه تعالى عنها )أن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم اشترى طعاما ً
من يهودي إلى أجل ورهنه درعا ًمن حديد( فهذا كان في الإقامة ولم يكن في السفر ،وهم كانوا في المدينة ،وسيجدون كاتباً ،لـكنه
مع ذلك لم يكتب.
فالتقييد بما ذكر من السفر ووجود الكتاب؛ لأن التوثيق فيه أشد؛ فالتوثيق في حالة السفر يحتاج الإنسان إليه أكثر من حالة الحضر.
Shamela.org ٣٤٣
البقرة ][286 - 283 ٢١
وأفاد قوله تعالى) :فرهان مقبوضة( اشتراط القبض في الرهن يعني :أنه لابد من قبض الشيء المرهون ،وأن يحوزه الشخص المرتهن.
وأفاد قوله) :مقبوضة( اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن.
)فإن أمن بعضكم بعضاً( أي :أمن الدائن المدين على حقه فلم يرتهن )فليؤد الذي اؤتمن( أي :المدين )أمانته( دينه )وليتق الل ّٰه ربه(
في أدائه )ولا تكتموا الشهادة( إذا دعيتم لإقامتها )ومن يكتمها فإنه آثم قلبه( خص بالذكر لأنه محل الشهادة ،ولأنه إذا أثم تبعه غيره
فيعاقب عليه معاقبة الآثمين.
تفسير قوله تعالى) :آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون( ٢١.٢
تفسير قوله تعالى) :آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون(
ن ب َِالل ّه ِ وَم َلائِكَتِه ِ وَكُتُبِه ِ وَرُسُلِه ِ لا نُف َرِّقُ بَيْنَ أَ حَدٍ م ِنْ رُسُلِه ِ و َقَالُوا
لٌ آم َ َ ل بِمَا ُأنز ِ َ
ل ِإلَيْه ِ م ِنْ ر َبِّه ِ و َال ْمُؤْم ِن ُونَ ك ُ ّ ن َ
الر ّسُو ُ قال الل ّٰه تعالى} :آم َ َ
ك ر َ َب ّنَا و َِإلَي ْ َ
ك ال ْم َصِ ير ُ{ ]البقرة.[٢٨٥: سَمِعْنَا و َأَ َطعْنَا غُفْرَان َ َ
قوله) :لا نفرق بين أحد من رسله( يعني :يقولون :لا نفرق بين أحد من رسله ،فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى،
ومعنى التفر يق هنا هو في الإيمان ،وليس معناه عدم المفاضلة بين الأنبياء؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى فضل الأنبياء بعضهم على بعض؛
لأن بعض الناس يتوهم أن الاعتقاد في أفضلية نبينا صلى الل ّٰه عليه وسلم على سائر الأنبياء هو من التفر يق بين الرسل!! ليس هذا هو
المقصود ،وإنما )لا نفرق بين أحد من رسله( يعني :في الإيمان ،بل نؤمن بجميع الرسل.
وقوله) :وقالوا سمعنا( يعني :سمعنا ما أمرنا به سماع قبول.
)وأطعنا غفرانك ربنا( يعني :نسألك غفرانك ربنا.
)وإليك المصير( أي :المرجع للبعث.
ات وَم َا ولما نزلت الآية التي قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة ،وشق عليهم المحاسبة بها ،والآية التي قبلها هي قوله تعالى} :ل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
الل ّهُ{ ]البقرة [٢٨٤:إلى آخر الآية فلما نزلت شكا المؤمنون من الوسوسة؛
سبْك ُ ْم بِه ِ َ
تخْف ُوه ُ يُحَا ِ
سك ُ ْم أَ ْو ُ
ض و َِإ ْن تُبْد ُوا م َا فِي أَ نف ُ ِ
فِي الأَ ْر ِ
الل ّه ُ نَفْسا ً
لأن الوسوسة مما يشق عليهم أن يحاسبوا بها ،والخواطر التي ترد على القلب ليس في طاقتهم أن يدفعوها ،فأنزل الل ّٰه} :لا يُك َل ّ ُِف َ
ِإ َ
لا ّ و ُسْ عَه َا{ ]البقرة.[٢٨٦:
تفسير قوله تعالى) :لا يكلف الل ّٰه نفسا إلا وسعها( ٢١.٣
تفسير قوله تعالى) :لا يكلف الل ّٰه نفسا ًإلا وسعها(
خذْن َا ِإ ْن نَسِينَا أَ ْو أَ خْ طَأْ ن َا ر َ َب ّنَا و َلا تَحْم ِلْ
كسَب َْت و َعَلَيْهَا م َا اكْ تَسَب َْت ر َ َب ّنَا لا تُؤَا ِ
الل ّه ُ ن َ ْفسًا ِإ َلّا و ُسْ عَه َا لَهَا م َا َ
قال الل ّٰه تعالى} :لا يُك َل ّ ُِف َ
ن م ِنْ قَبْلِنَا ر َ َب ّنَا و َلا تُح َم ِّل ْنَا م َا لا طَاق َة َ لَنَا بِه ِ و َاع ُ
ْف ع ََن ّا و َا ْغفِر ْ لَنَا و َا ْرحَم ْنَا أَ ن ْتَ مَو ْلان َا فَانصُرْن َا عَلَى الْقَو ْ ِم عَلَي ْنَا ِإصْر ًا كَمَا حَمَل ْت َه ُ عَلَى ال َ ّذ ِي َ
الْك َافِرِينَ{ ]البقرة.[٢٨٦:
الل ّه ُ ن َ ْفسًا ِإ َلّا و ُسْ عَه َا{ ]البقرة [٢٨٦:وهذا كلام مستأنف من الل ّٰه سبحانه وتعالى أي :اطمئنوا فإن الل ّٰه لن
قوله تعالى} :لا يُك َل ّ ُِف َ
يكلفكم إلا ما في طاقتكم ،ولن يحاسبكم على هذه الوساوس والخواطر ما لم ٺتكلموا أو تعملوا بها.
و يحتمل أن تكون هذه العبارة من باقي ذكر المؤمنين ودعائهم.
وقوله) :وسعها( يعني :ما تسعه قدرتها.
)لها ما كسبت( يعني :من الخـير ،والمقصود ثوابه.
Shamela.org ٣٤٤
البقرة ][286 - 283 ٢١
)وعليها ما اكتسبت( أي :من الشر ،فلا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه.
)ربنا لا تؤاخذنا( يعني :وقالوا) :ربنا لا تؤاخذنا( أي :بالعقاب) ،إن نسينا أو أخطأنا( يعني :تركنا الصواب لا عن عمد ،كما أخذت
به من قبلنا ،وقد رفع الل ّٰه سبحانه وتعالى ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث الصحيح) :إن الل ّٰه تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه( فسؤالهم اعتراف منهم بنعمة الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وقد رفع عنهم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
ولأن من خصال هذه الأمة رفع الآصار ورفع المشقة وإعذار الأمة بهذه الأعذار ،كالإكراه والجهل والنسيان وغير ذلك ،فمن
خصائص هذه الأمة العذر بالإكراه ،فهذه من الآصار التي كانت على من قبلنا ،فمثلا ًإذا تأملنا حكاية الل ّٰه سبحانه وتعالى عن أصحاب
الـكهف ،أنهم قالوا}ِ :إ َ ّنه ُ ْم ِإ ْن ي َ ْظه َر ُوا عَلَيْكُمْ{ ]الـكهف [٢٠:ثم ذكروا احتمالين فقط }يَرْجُم ُوك ُ ْم أَ ْو يُع ِيد ُوك ُ ْم فِي م َِل ّتِه ِ ْم و َلَنْ تُفْلِحُوا ِإذ ًا
أَ بَد ًا{ ]الـكهف [٢٠:يعني ما كان لهم عذر في أن يعودوا في ملتهم ،بل كان يجب عليهم أن يثبتوا على الدين ،فإما أن يرجموا وهم ثابتون
عليه ،وإما أن يعودوا كفاراً ،فلم يكن لهم سعة في الاعتذار بالإكراه؛ وإنما هذا من خصائص هذه الأمة.
)ربنا ولا تحمل علينا إصراً( يعني :أمرا ً يثقل علينا حمله.
)كما حملته على الذين من قبلنا( يعني :بني إسرائيل ،وإذا ٺتبعنا شرائع التوراة وجدنا من ذلك شيئا ًعظيما ًجداً ،ففي التوراة كثير من
الآصار والأغلال التي بعث النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم برفعها ،فالشرائع السابقة كانت تأتي خاصة لكل أمة تعالج العوج الذي في
أخلاقها وفي قلوبها ،وكانت بنو إسرائيل من أكبر الأمم عوجا ً وعتوا ً وعناداً ،فكما أنهم لما عاشوا تحت القهر بسبب فرعون وملائه
أذلوهم واستعبدوهم وآذوهم واضطهدوهم؛ فمشوا على الخنوع والمذلة ،فمن أجل ذلك عوقبوا بالتيه في الأرض حتى ينشأ جيل جديد
يتحرر من آثار هذا الذل الذي عاشوا عليه من قبل ،كذلك العوج الذي في أخلاق وطباع اليهود -لعنهم الل ّٰه -أدى إلى أن الل ّٰه سبحانه
وتعالى كان يشرع لهم كثيرا ً من الآصار والأغلال عقوبة لهم ،وكان يتم التشديد عليهم بسبب تنطعهم وعنادهم وعتوهم ،وخبث
Shamela.org ٣٤٥
البقرة ][286 - 283 ٢١
نزلت هذه الآية فقرأها صلى الل ّٰه عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة :قد فعلت( أي :رحمة من الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وأي شرف أن
ننتسب إلى هذه الأمة المرحومة! فتأمل إذا قرأت هذه الآية أن الل ّٰه سبحانه وتعالى يجيبك و يقول لك بعد كل دعاء :قد فعلت ،قد
فعلت ،قد فعلت! وهذا من رحمة الل ّٰه سبحانه وتعالى بنا أيتها الأمة.
Shamela.org ٣٤٦
البقرة ][286 - 283 ٢١
أمه و يؤدبانه فلا يسمع لهما فإن أباه وأمه يمسكانه و يأتيان به إلى شيوخ مدينتهم و يقولون لهم :ابننا هذا معاند ومارد ولا يسمع لقولنا
وهو مسرف وسكير؛ فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت!
معنى قوله تعالى) :ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا( ٢١.٣.٣
معنى قوله تعالى) :ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا(
قوله تعالى) :ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به( أي :من بليات الدنيا والآخرة ،فالدعاء الأول )ربنا ولا تحمل علينا إصراً( هذا طلب رفع
شدائد التكليف ،أما قوله) :ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به( فهذا فيه رفع شدائد البليات.
)واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين( فإن من حق المولى أن ينصر عبده وأن يتولى أمره على أعدائه،
وفيه إشارة إلى أن إعلاء كلمة الل ّٰه والجهاد في سبيل الل ّٰه تعالى حسبما مر في تضاعيف السورة الـكريمة هي غاية مطلبهم.
ثم تختم هذه السورة الطو يلة بقوله تعالى} :أَ ن ْتَ مَو ْلان َا فَانصُرْن َا عَلَى الْقَو ْ ِم الْك َافِرِينَ{ وذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الل ّٰه ،وهو
لتمكين كل الدين ،فأقصى غاية عند المؤمنين والمسلمين الصادقين إعلاء كلمة الل ّٰه والجهاد في سبيل الل ّٰه سبحانه وتعالى.
يقول الرفاعي فتضمن ذلك وجوب قتال الكافرين وأنهم أعدى الأعداء ،وأن قوله تعالى} :لا ِإك ْرَاه َ فِي الد ِّينِ{ ]البقرة [٢٥٦:ليس
ناهيا ًعن قتال المشركين وأعداء الدين ،وإنما هو إشارة إلى أن الدين صار في الوضوح إلى حد لا يتصور فيه إكراه ،بل ينبغي لكل عاقل
أن يدخل فيه بغاية الرغبة دون الإحواج إلى القتال ،فمن نصح نفسه دخل فيه بما دل عليه عقله ،ومن أبى دخل فيه قهرا ً بنصيحة الل ّٰه
التي هي الضرب بالحسام وماطر السهام.
Shamela.org ٣٤٧
البقرة ][286 - 283 ٢١
ختم بهما سورة البقرة ،ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان(.
فهذه الرحلة الطو يلة التي يقطعها الإنسان إذا قرأ سورة البقرة؛ كأن الل ّٰه سبحانه وتعالى جعل نهاية هذه السورة العظيمة المباركة هدية
للمؤمنين ومكافئة للمؤمنين إذا ختموا هذه السورة الـكريمة؛ فلذلك كان الحسن البصري رحمه الل ّٰه تعالى -كما أخرج عبد بن حميد في
مسنده -إذا قرأ آخر البقرة يقطعها و يقول :يا لك نعمة! يا لك نعمة! إذاً :أنعم الل ّٰه سبحانه وتعالى علينا بهذه السورة العظيمة ،وبالذات
خواتيمها ،ولها من الفضل ما ذكرناه.
Shamela.org ٣٤٨
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
و يحذرهم مما فيه هلاكهم ،ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته ،ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه ،يذكرهم بنعمه عليهم ،و يأمرهم بما يستوجبون
به تمامها ،و يحذرهم من نقمه ،ويذكرهم ما أعد لهم من الـكرامة إن أطاعوه ،وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه ،و يخـبرهم بصنعه
في أوليائه وأعدائه ،وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء ،ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوقاتهم ،ويذم أعداءه بسيئ أعمالهم
وقبيح صفاتهم.
و يضرب الأمثال ،وينوع الأدلة والبراهين ،و يجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة ،و يصدق الصادق ،و يكذب الكاذب ،و يقول
الحق ،ويهدي السبيل ،ويدعو إلى دار السلام ،ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها ،و يحذر من دار البوار ،ويذكر عذابها وقبحها وآلامها.
ويذك ِّر عباده بفقرهم إليه ،وشدة حاجتهم إليه من كل وجه ،وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ،ويذكر لهم غناءه عن جميع الموجودات،
وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه ،وكل ما سواه فقير إليه ،وأنه لا ينال أحد ذرة من الخـير فما فوقها إلا بفضله ورحمته ،ولا ذرة من
الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته.
وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه بألطف عتاب ،وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم ،وغافر زلاتهم ،ومقيم أعذارهم ،ومذهب فسادهم،
والدافع عنهم ،والحامي لهم ،والناصر لهم ،والـكفيل لمصالحهم ،والمنجي لهم من كل كرب ،والموفي لهم بوعده ،وأنه وليهم الذي لا
ولي لهم سواه ،فهو مولاهم الحق وناصرهم على عدوهم ،فنعم المولى ونعم النصير.
وإذا علمت القلوب من القرآن أن الل ّٰه جواد رحيم جليل ،هذا شأنه؛ فكيف لا تحبه ،وٺتنافس في القرب منه ،وتنفق أنفاسها في التودد
إليه ،و يكون أحب إليها من كل ما سواه ،ورضاه آثر عندها من رضا كل من سواه؟! وكيف لا تلهج بذكره وتصير حبه والشوق إليه
والأنس به هو رضاؤها وقوتها ودواؤها ،بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلـكت ولم تنتفع بحياتها؟! اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا،
ونور صدورنا ،وجلاء حزننا ،وأعنا على إكمال ما قصدناه بفضلك يا أرحم الراحمين!
Shamela.org ٣٤٩
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
ي الْق َُي ّوم ُ(( سبق تفسيره في سورة البقرة في آية الـكرسي.
))الل ّه ُ لا ِإلَه َ ِإ َلّا ه ُو َ الْح َ ُ ّ
َ
)نزل عليك( يعني :يا محمد.
)الكتاب( أي :القرآن.
)بالحق( أي :متلبسا ًبالحق أي :بالصدق في أخباره.
)مصدقا ًلما بين يديه( يعني :مصدقا ًبما قبله من الـكتب.
)وأنزل التوراة والإنجيل( والتوراة بالعبرانية معناها :الشر يعة ،والإنجيل معناه :البشارة ،وأصل الإنجيل بشارة؛ لأن أحد مقاصد بعثة
ل ي َأْ تِي م ِنْ بَعْدِي اسْم ُه ُ أَ حْمَد ُ{ ]الصف ،[٦:ولذلك تأتي في نصوص
عيسى عليه السلام الأساسية هي ما عبر عنه في قوله} :وَم ُبَش ِّر ًا ب ِرَسُو ٍ
الإنجيل -حتى بعد تحر يفها -كثير من النصوص التي تدل على أن هذا كان هدفا ًومقصدا ً أساسيا ًلبعثة عيسى عليه السلام.
وهناك رجل من كبار أحبار الكلدانيېن وهو داود الأشوري وكان من الأحبار ،وقد أسلم وأنار الل ّٰه قلبه بالإسلام فكتب كتبا ًقيمة،
هي في الحقيقة من أرقى الـكتب في هذا الموضوع ،وأفرد بعض الفصول لهذه المسألة ،وقد ناقش أن كلمة الإنجيل تعني البشارة ،وقال:
إن العبارة المشهورة عند النصارى عبارة محرفة وهي قولهم :المجد لل ّٰه في الأعالي ،وفي الناس المسرة ،وعلى الأرض السلام ،قال :إن
حقيقة هذه الكلمة هي :المجد لل ّٰه في الأعالي وفي الناس أحمد ،وعلى الأرض إسلام.
وأتى بالنقول التي تدل على هذا.
فإذا ً حتى كلمة الإنجيل تعني باللغة العبر ية الأصلية :البشارة ،والبشارة هي التبشير ببعثة محمد صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
)وأنزل التوراة والإنجيل من قبل( يعني :من قبل تنز يل القرآن.
)هدىً للناس( هذا حال بمعنى :هاديين من الضلالة.
وقوله) :للناس( يعني :لمن تبعهما ،وعبر هنا في )التوراة والإنجيل بـ )أنزل( ،لـكن في القرآن قال) :نزل عليك الكتاب بالحق( لأن
القرآن لم ينزل دفعة واحدة ،فكلمة )نزل( تقتضي التكرار ،لأن القرآن نزل مفرقا ً بحسب المناسبات والنوازل.
أما التوراة والإنجيل فقد أنزل كل منهما دفعة واحدة.
وقوله) :وأنزل الفرقان( بمعنى :الـكتب الفارقة بين الحق والباطل ،وذكره بعد ذكر هذه الثلاثة من الـكتب ليعم كل ما عداها ،فيعم
أيضا ً صحف إبراهيم عليه السلام ،وكل كتاب أنزله الل ّٰه على نبي.
ثم قال تعالى) :إن الذين كفروا بآيات الل ّٰه( أي :بالقرآن وغيره) ،لهم عذاب شديد(.
)والل ّٰه عزيز( أي :غالب على أمره ،فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده.
)ذو انتقام( يعني :ذو عقوبة شديدة لمن عصاه لا يقدر على مثلها أحد ،وليس من أسماء الل ّٰه الحسنى المنتقم ،لـكن قال سبحانه) :والل ّٰه
عزيز ذو انتقام(.
Shamela.org ٣٥٠
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء العزيز الحكيم( ٢٢.٣
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء العزيز الحكيم(
كي َْف يَش َاء ُ لا ِإلَه َ ِإ َلّا ه ُو َ ال ْعَزِيز ُ الْحَكِيم ُ{ سم َاء ِ * ه ُو َ ال َ ّذ ِي ي ُ َ
صوِ ّر ُك ُ ْم فِي الأَ ْرح َا ِم َ ض و َلا فِي ال َ ّ الل ّه َ لا َ
يخْفَى عَلَيْه ِ شَيْء ٌ فِي الأَ ْر ِ ن َ ))إ َ ّ
ِ
]آل عمران.[٦ - ٥:
قال تعالى) :إن الل ّٰه لا يخفى عليه شيء في الأرض( يعني :لا يخفى عليه شيء كائن في الأرض )ولا في السماء( لعلمه تبارك وتعالى
بما يقع في العالم من كل ٍيّ وجزئي ،وخصهما بالذكر لأن الحس لا يجاوزهما أعني الأرض والسماء.
)هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء( من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك.
)لا إله إلا هو العزيز( أي :في ملـكه )الحكيم( في صنعه.
تفسير قوله تعالى) :هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات إن الل ّٰه لا يخلف الميعاد( ٢٢.٤
تفسير قوله تعالى) :هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات إن الل ّٰه لا يخلف الميعاد(
َ
ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َي ْ ٌغ فَيت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ ات ف َأَ َمّا ال َ ّذ ِي َ اب و َ ُأخَر ُ م ُتَشَابِه َ ٌ ات ه َُنّ ُأ ُمّ الْكِت َ ِ كم َ ٌ
مح ْ َ
َات ُ
ك الْكِتَابَ مِن ْه ُ آي ٌ ل عَلَي ْ َ }ه ُو َ ال َ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
اب * ر َ َب ّنَا لا لٌ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا وَم َا ي َ ّذ َك ّر ُ ِإ َلّا ُأوْلُوا الأَ ل ْب َ ِ َالر ّاسِ خ ُونَ فِي ال ْعِلْم ِ يَق ُولُونَ آم ََن ّا بِه ِ ك ُ ّ الل ّه ُ و َ
الْفِت ْنَة ِ و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ وَم َا يَعْلَم ُ ت َأْ وِ يلَه ُ ِإ َلّا َ
يخ ْل ُِف الل ّه َ لا ُ ن َ س لِيَو ْ ٍم لا ر َي ْبَ ف ِيه ِ ِإ َ ّ الن ّا ِ ك ج َام ِـ ُع َ ك أَ ن ْتَ ال ْو َ َه ّابُ * ر َ َب ّنَا ِإ َن ّ َ
ك رَحْم َة ً ِإ َن ّ َتُز ِ ْغ قُلُوبَنَا بَعْد َ ِإ ْذ هَد َي ْتَنَا و َه َْب لَنَا م ِنْ لَدُن ْ َ
الْميِع َاد َ{ ]آل عمران [٩ - ٧:قال تعالى) :هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات( أي :واضحات الدلالة.
)هن أم الكتاب( يعني :أصل الكتاب المعتمد عليه في الأحكام.
ن لـكن لا تفهم كأوائل السور.
)وأخر متشابهات( يعني :لا تفهم معانيها ،فلها معا ٍ
]هود [١:ومعنى كونه محكماً :أنه ليس فيه عيب في ألفاظه ولا في معانيه.
ِيث ك ِتَاب ًا م ُتَشَابِهًا{ ]الزمر [٢٣:ومعنى كونه
ن الْحَد ِ }الل ّه ُ ن َز ّ َ
ل أَ حْ سَ َ وفي موضع آخر وصفه بأنه متشابه ،وذلك في قوله تبارك وتعالىَ :
متشابهاً :أنه يشبه بعضه بعضا ًفي الحكم والصدق.
قوله تعالى)) :ف َأَ َمّا ال َ ّذ ِي َ
ن فِي قُلُو بِه ِ ْم ز َيْغٌ(( أي :ميل عن الحق.
))فَيَت ّب ِع ُونَ م َا تَش َابَه َ مِن ْه ُ اب ْتِغ َاء َ الْفِت ْنَة ِ(( أي :طلب الفتنة لجهالهم بوقوعهم في الشبهات واللبس.
))و َاب ْتِغ َاء َ ت َأْ وِ يلِه ِ(( أي :ابتغاء تفسيره أو حقيقته ،فإما أن يكون تأو يله بمعنى تفسيره فيفسر له تفسيرا ً باطلا ًلا أصل له ،وإما أن يكون
تأو يله بمعنى حقيقته وهو الأقرب؛ ومعنى حقيقته كما في قوله تعالى} :ه َلْ يَنظ ُر ُونَ ِإ َلّا ت َأْ وِ يلَه ُ يَوْم َ ي َأْ تِي ت َأْ وِ يلُه ُ{ ]الأعراف [٥٣:يعني:
ح م ِنْ أَ ْمر ِ ر َب ِ ّي وَم َا ُأوتِيتُم ْ م ِ َ
ن ال ْعِلْم ِ ِإ َلّا قَلِيل ًا{ ل ُ
الر ّو ُ حقيقته واقعا ً كما هو ،وهذه الأشياء التي لا يعلم تأو يلها إلا الل ّٰه مثل الروح }ق ُ ِ
]الإسراء [٨٥:كذلك مفاتح الغيب الخمس المعروفة ،كذلك مثلا ًمعاني الحروف المقطعة في أوائل السور ،كذلك نعيم الجنة} :فَلا تَعْلَم ُ
Shamela.org ٣٥١
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
لٌ م ِنْ عِنْدِ ر َب ّنَِا(( كل من المحكم والمتشابه هو من عند الل ّٰه تبارك وتعالى.
))ك ُ ّ
))وَم َا ي َ ّذ َك ّر ُ(( بإدغام التاء في الذال؛ لأن أصلها يتذكر ،والمعنى :وما يتعظ )إلا أولوا الألباب( أي :أصحاب العقول.
و يقولون أيضا ً إذا رأوا من يتبع المتشابه)) :ر َ َب ّنَا لا تُز ِ ْغ قُلُوبَنَا(( يعني :لا تزغ قلوبنا عن الحق بابتغاء تأو يله الذي لا يليق بنا ،كما
أزغت قلوب أولئك.
))بَعْد َ ِإ ْذ هَد َي ْتَنَا(( أي :أرشدتنا إليه.
))و َه َْب لَنَا م ِنْ لَدُنْكَ(( أي :من عندك.
ك أَ ن ْتَ ال ْو َ َه ّابُ { ]آل عمران.[٨:
ً}إ َن ّ َ
))رَحْم َة ً(( أي :ٺثبيتا ِ
)ربنا( أي :يا ربنا.
)إنك جامع الناس ليوم( يعني :تجمعهم ليوم أو في يوم.
)لا ريب فيه( أي :لا شك فيه ،وهو يوم القيامة ،فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك.
)إن الل ّٰه لا يخلف الميعاد( يعني :موعده بالبعث ،وهذا فيه التفات عن الخطاب.
ك الْكِتَابَ روى الشيخان وغيرهما عن عائشة رضي الل ّٰه عنها قالت) :تلا رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم هذه الآية)) :ه ُو َ ال َ ّذ ِي أَ ن ْز َ َ
ل عَلَي ْ َ
ات(( ]آل عمران [٧:إلى آخرها وقال :فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الل ّٰه فاحذروهم(.
كم َ ٌ
مح ْ َ
َات ُ
مِن ْه ُ آي ٌ
٢٢.٥تفسير قوله تعالى) :إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الل ّٰه شيئا والل ّٰه شديد
العقاب(
تفسير قوله تعالى) :إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الل ّٰه شيئا ًوالل ّٰه شديد العقاب(
ن م ِنْ قَب ْلِه ِ ْم ك َ َذّبُوا
ل فِرْعَوْنَ و َال َ ّذ ِي َ
بآ ِ ك ه ُ ْم و َق ُود ُ َ
الن ّارِ * كَد َأْ ِ الل ّه ِ َ
شي ْئًا و َ ُأوْلَئ ِ َ ن َ كف َر ُوا لَنْ تُغْنِي َ عَنْه ُ ْم أَ مْوَالُه ُ ْم و َلا أَ وْلاد ُه ُ ْم م ِ َ ن ال َ ّذ ِي َ
ن َ ِ}إ َ ّ
َاب{ ]آل عمران.[١١ - ١٠:
شدِيد ُ ال ْعِق ِ
الل ّه ُ بِذ ُنُو بِه ِ ْم و ََالل ّه ُ َ
ب ِآي َاتنَِا ف َأَ خَذ َهُم ُ َ
كف َر ُوا لَنْ تُغْنِي َ عَنْهُمْ{ ]آل عمران [١٠:يعني :لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم. ن ال َ ّذ ِي َ
ن َ قال تعالى}ِ :إ َ ّ
)من الل ّٰه( أي من عذاب الل ّٰه شيئاً.
)وأولئك هم وقود النار( الوقود :بفتح الواو ما يوقد به.
)كدأب( المقصود به :دأبهم كدأب ،يعني :عادتهم كعادة )آل فرعون والذين من قبلهم( من الأمم كعاد وثمود.
)كذبوا بآياتنا فأخذهم الل ّٰه( أي :أهلـكهم.
)بذنوبهم والل ّٰه شديد العقاب(.
ونزلت هذه الآية لما رجع النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم منتصرا ً من بدر ودعا اليهود إلى الإسلام ،فقالوا له :لا يغرنك منا أن قتلت نفرا ً
من قريش أغمارا ً لا يعرفون فنون القتال ،لـكن إذا قاتلتنا سترى أننا نحن الناس ،فنزلت هذه الآيات في الرد على اليهود لعنهم الل ّٰه!
تفسير قوله تعالى) :قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد إن في ذلك لعبرة لأولي ٢٢.٦
الأبصار(
تفسير قوله تعالى) :قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار(
Shamela.org ٣٥٢
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
الل ّه ِ و َ ُأ ْ
خر َى ك َاف ِرَة ٌ ل َ ل فِي سَب ِي ِ جه َ َن ّم َ و َبِئ َ
ْس الْمِه َاد ُ * ق َ ْد ك َانَ لـَك ُ ْم آيَة ٌ فِي ف ِئَتَيْنِ ال ْتَق َتَا ف ِئ َة ٌ تُق َات ِ ُ تح ْشَر ُونَ ِإلَى َ
كف َر ُوا سَتُغْلَب ُونَ و َ ُ }قُلْ ل َِل ّذ ِي َ
ن َ
ك لَعِبْرَة ً ل ِ ُأوْل ِي الأَ بْصَارِ{ ]آل عمران.[١٣ - ١٢: ي َر َ ْونَه ُ ْم مِث ْلَيْه ِ ْم ر َأْ يَ الْع َيْنِ و ََالل ّه ُ يُؤ َيِّد ُ بنَِصْرِه ِ م َنْ يَش َاء ُ ِإ َ ّ
ن فِي ذَل ِ َ
)قل للذين كفروا( يعني :قل يا محمد )للذين كفروا( من اليهود.
)ستغلبون( في قراءة أخرى )سيغلبون( يعني :في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجز ية ،وقد وقع ذلك.
)وتحشرون( وفي قراءة )و يحشرون( أي :في الآخرة.
)إلى جهنم( فتدخلونها.
)وبئس المهاد( :يعني الفراش.
)قد كان لـكم آية( أي :عبرة ،وذك ّر الفعل )كان( هنا مع أن فاعله مؤنث )آية(؛ وذلك لأنه فصل بينهما بالخـبر )قد كان لـكم آية(.
ومعنى )آية( :علامة ،أي :يا أيها اليهود قد ظهرت لـكم آية على صحة دين الإسلام ،إذ لو كان الإسلام غير حق لما غلبت الفئة القليلة
الضعيفة المتمسكة بالحق الفئة الـكثيرة القو ية التي لم تتمسك به.
)في فئتين( أي :فرقتين )التقتا( يوم بدر بالقتال.
يح ْيَا م َنْ حَ َيّ ع َنْ بَي ِّنَة ٍ{
ك ع َنْ بَي ِّنَة ٍ و َ َ
ك م َنْ هَل َ َ
و يوم بدر وصفه الل ّٰه سبحانه وتعالى في بعض الآيات بأنه بينة كما قال تعالى} :لِيَه ْل ِ َ
]الأنفال [٤٢:ووصفه الل ّٰه سبحانه وتعالى بأنه فرقان كما في قوله تعالى} :وَم َا أَ نزَل ْنَا عَلَى عَبْدِن َا يَوْم َ الْفُر ْقَانِ{ ]الأنفال [٤١:وهو يوم بدر
فرق الل ّٰه فيه بين الحق والباطل.
))ق َ ْد ك َانَ لـَك ُ ْم آيَة ٌ فِي ف ِئَتَيْنِ ال ْتَق َتَا(( يعني :أن ما حصل في بدر كان علامة على صحة دين الإسلام.
الل ّهِ(( أي :في طاعته ،وهم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم وأصحابه ،وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ،ومعهم فرسان
ل َ ل فِي سَب ِي ِ
))ف ِئ َة ٌ تُق َات ِ ُ
وست أدرع وثمانية سيوف ،وأكثرهم رجالة لم يكونوا راكبين.
))و َ ُأ ْ
خر َى ك َاف ِرَة ٌ ي َر َ ْونَهُمْ(( أي :الـكفار.
)يرونهم مثليهم( يعني :يرون الـكفار مثليهم ،أي :مثلي المسلمين ،وكانوا نحو ألف رأي العين ،يعني :رؤ ية ظاهرة معاينة ،وقد نصرهم
الل ّٰه مع قلتهم.
)والل ّٰه يؤيد بنصره من يشاء( أي :يقوي بنصره من يشاء نصره.
)إن في ذلك( المذكور )لعبرة لأولي الأبصار( أي :لذوي البصائر ،أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنون.
تفسير قوله تعالى) :زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والل ّٰه عنده حسن المآب( ٢٢.٧
تفسير قوله تعالى) :زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والل ّٰه عنده حسن المآب(
ك م َتَاع ُ ل ال ْمُسَ َو ّمَة ِ و َالأَ ن ْع َا ِم و َالْحَر ِ
ْث ذَل ِ َ َب و َالْف َِضّ ة ِ و َالْخيَ ْ ِ ن النِّسَاء ِ و َال ْبَنِينَ و َالْق َنَاطِير ِ ال ْمُقَنْطَرَة ِ م ِ َ
ن ال َذ ّه ِ س ح ُّ
ُب ال َش ّه َو َ ِ
ات م ِ َ ن ل ِ َلن ّا ِ
}ز ُي ِ ّ َ
َآب{ ]آل عمران.[١٤:
ن ال ْم ِ
س ُ الْحيََاة ِ ال ُد ّن ْيَا و ََالل ّه ُ عِنْدَه ُ ُ
ح ْ
ات(( وهي ما تستميل النفس وتدعو إليه ،زينها الل ّٰه ابتلاء ً أو زينها الشيطان. س ح ُّ
ُب ال َش ّه َو َ ِ ن ل ِ َلن ّا ِ
قال تعالى)) :ز ُي ِ ّ َ
)من النساء( قدم النساء لعراقتهن في الفتنة ،كما قال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء(
وقال أيضاً) :فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ،فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء(.
))و َال ْبَنِينَ و َالْق َنَاطِير ِ(( أي :الأموال الـكثيرة )المقنطرة( أي :المجمعة.
)من الذهب والفضة( :وخصهما بالذكر من أنواع الأموال لأن من ملك الذهب والفضة وهما أصل المال يستطيع أن ينال كل ما
يتحصل بهما.
Shamela.org ٣٥٣
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
تفسير قوله تعالى) :قل أؤنبئكم بخـير من ذلـكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ٢٢.٨
خالدين فيها والمستغفرين بالأسحار(
تفسير قوله تعالى) :قل أؤنبئكم بخـير من ذلـكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها والمستغفرين بالأسحار(
ج مُطَ َهّرَة ٌ
ن ف ِيهَا و َأَ ْزو َا ٌ
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ خ َالِد ِي َ
تجْرِي م ِنْ َ ن َات ّقَو ْا عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم ج ََن ّ ٌ
ات َ قال تبارك وتعالى} :قُلْ أَ ؤُنَب ِّئُك ُ ْم بِ خـَيْرٍ م ِنْ ذ َلـِك ُ ْم ل َِل ّذ ِي َ
نو َ
َالصّ ادِق ِينَ و َالْق َانتِِينَ الن ّارِ * َ
الصّ ابِر ِي َ الل ّه ِ و ََالل ّه ُ بَصِ ير ٌ ب ِال ْع ِبَادِ * ال َ ّذ ِي َ
ن يَق ُولُونَ ر َ َب ّنَا ِإ َن ّنَا آم ََن ّا فَا ْغفِر ْ لَنَا ذ ُنُوبَنَا و َق ِنَا عَذ َابَ َ ن َ ن مِ َ
وَرِضْ وَا ٌ
ن ب ِالأَ ْسحَارِ{ ]آل عمران.[١٧ - ١٥:
و َال ْمُنْفِق ِينَ و َال ْمُسْتَغْفِرِي َ
َب ن النِّسَاء ِ و َال ْبَنِينَ و َالْق َنَاطِير ِ ال ْمُقَنْطَرَة ِ م ِ َ
ن ال َذ ّه ِ ات م ِ َ س ح ُّ
ُب ال َش ّه َو َ ِ ن ل ِ َلن ّا ِ
هذه الآيات جاءت مباشرة بعد قوله تبارك وتعالى} :ز ُي ِ ّ َ
ل ال ْمُسَ َو ّمَة ِ و َالأَ نْع َا ِم و َالْحَر ِ
ْث{ ]آل عمران [١٤:فبعدما ذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى هذه الأشياء التي هي أصول الفتنة في الدنيا و َالْف َِضّ ة ِ و َالْخيَ ْ ِ
َآب{ ]آل عمران.[١٤:
ن ال ْم ِ
س ُ ك م َتَاع ُ الْحيََاة ِ ال ُد ّن ْيَا و ََالل ّه ُ عِنْدَه ُ ُ
ح ْ وجذورها أشار إليها جميعا ًبقوله تعالى} :ذَل ِ َ
فهذا هو الذي زين للناس وهذا الذي يبتلى الناس بفتنته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة
والأنعام والحرث ،وهذه هي التي تراد لذاتها من عباد الدنيا ،أو ترغب في تحصيل ما لم يذكر من متاع الدنيا ،وأشار تبارك وتعالى لكل
هذا بقوله) :ذلك متاع الحياة الدنيا( أي :كالبلاغ الذي ينبغي أن يتبلغ الإنسان به لفترة وجيزة في سفر قصير.
وهذا يتوافق مع ما يرد في القرآن الـكريم ثم في سنة النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم في التحذير من فتنة الدنيا ،الأمر الذي يحقق صدق
تلك المقولة المشهورة :حب الدنيا رأس كل خطيئة! فإنك إذا فتشت وراء أي معصية تقع تجد حب الدنيا وراءها ،فالحروب التي
تقع إذا فتشت عن أسبابها تجد أنها ترجع إلى حب الدنيا ،والاطمئنان لها والخلود إليها والركون إليها ،فأما الشهوات فمعلوم كيف
يهلك كثير من الناس بسببها ،والحروب التي تقع على نطاق فردي أو على نطاق أممي وجماعي فإنما هي من أجل قطعة من الأرض
فيها بترول أو معادن أو ثروات زراعية أو غير ذلك من الثروات ،والتناحر والتحاسد الذي يكون بين الجار وجاره ،وبين الأخ وأخيه،
وبين الإنسان وشر يكه كله بسبب حب الدنيا ،فما يخطر ببالك شيء إلا يكون حب الدنيا هو سببه وهو من ورائه ،حتى التنافس على
الرئاسات وعلى الوجاهات وعلى الشهرة ،وإن كان ليس تنافسا ًفي الدنيا ،فإنه تنافس في حظ من حظوظ الدنيا.
فلذلك إذا أخرج الإنسان الدنيا من قلبه سلم من هذه الآفات جميعاً؛ لأنه لن يحوز شيئا ً من الدنيا إلا وهناك من هو أكثر منه حظا ً
فيه؛ ولذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الل ّٰه تعالى :ومن لم يذق الدنيا فإني طعمتها وسيق إل َيّ عذبها وعذابها فلم أر إلا جيفة مستحيلة
عليها كلاب همهن اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلما ً لأهلها وإن تجتذبها ناهشتك كلابها فالسلامة هي في ترك الدنيا والإعراض عنها
إلا ما يتبلغ به و يوصله إلى الدار الآخرة ،على حد قول بعض الصالحـين في الشعر الذي هو ذكره النووي في مقدمة ر ياض الصالحـين:
Shamela.org ٣٥٤
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
إن لل ّٰه عبادا ً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
تزينت ،قد طلقتك ثلاثا ًلا رجعة فيهن( أو كما قال رضي الل ّٰه تبارك ِ وقال علي رضي الل ّٰه عنه للدنيا) :غري غيري ،لي تشوفت أم إلي
وتعالى عنه.
َآب{ ]آل عمران [١٤:ثم لما أخبر الل ّٰه
ن ال ْم ِ
س ُ ك م َتَاع ُ الْحيََاة ِ ال ُد ّن ْيَا و ََالل ّه ُ عِنْدَه ُ ُ
ح ْ وهنا أشار الل ّٰه تعالى لكل هذه الفتن الدنيو ية بقوله} :ذَل ِ َ
تبارك وتعالى بحال الدنيا وفتنتها أخبر أن ما عنده خير مما في الدنيا وإن كان محبوباً؛ لأنه إذا كان قد زين لنا فتنة الدنيا من النساء
والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ،فهذا أيضا ًقد زين لنا ،وما زين لنا لابد أن نحبه وأن
َآب{ ]آل عمران.[١٤:
ن ال ْم ِ
س ُ
ح ْ
نميل إليه بطبعنا وبما ركب فينا من الميل لهذه الدنيا ،فأشار أولا ًبقوله} :و ََالل ّه ُ عِنْدَه ُ ُ
وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه عنه لما نزلت هذه الآية قال :يا رب! كيف وقد زينتها؟! فنزل قوله تعالى} :قُلْ أَ ؤُنَب ِّئُك ُ ْم بِ خـَيْرٍ
الل ّه ِ و ََالل ّه ُ بَصِ ير ٌ ب ِال ْع ِبَادِ{ ]آل
ن َ ج مُطَ َهّرَة ٌ وَرِضْ وَا ٌ
ن مِ َ ن ف ِيهَا و َأَ ْزو َا ٌ
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ خ َالِد ِي َ
تجْرِي م ِنْ َ ن َات ّقَو ْا عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم ج ََن ّ ٌ
ات َ م ِنْ ذ َلـِك ُ ْم ل َِل ّذ ِي َ
عمران.[١٥:
فأراد الل ّٰه تبارك وتعالى بهذه الآيات أن يخـبرنا أن ما عنده خير مما في الدنيا وإن كان محبوباً؛ لنترك ما نحبه من فتنة الدنيا لما نرجوه،
تجْرِي م ِنْ ن َات ّقَو ْا عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم ج ََن ّ ٌ
ات َ حيث إنه أعظم وخير؛ لشهادة الل ّٰه سبحانه وتعالى هنا في الآية)) :قُلْ أَ ؤُنَب ِّئُك ُ ْم بِ خـَيْرٍ م ِنْ ذ َلـِك ُ ْم ل َِل ّذ ِي َ
ن ف ِيهَا(( إلى آخر الآية.
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ خ َالِد ِي َ
َ
واختلف العلماء في منتهى هذا الاستفهام :فمنهم من قال :إنه يقف عند قوله تعالى) :قل أؤنبئكم بخـير من ذلـكم( ثم يكون
الجواب ) للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها( إلى آخرها.
ومنهم من قال :إن الاستفهام ينتهي عند قوله تعالى) :قل أؤنبئكم بخـير من ذلـكم للذين اتقوا عند ربهم( فيكون
الجواب ) جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها(.
قوله تعالى) :قل أؤنبئكم بخـير من ذلك( أي :بخـير من الشهوات المزينة لـكم من زهرة الدنيا وزينتها الزائلة لا محالة؛ ولذلك نلاحظ أن
القرآن يذم من يؤثر الحياة الدنيا} ،بَلْ تُؤ ْث ِر ُونَ الْحيََاة َ ال ُد ّن ْيَا * و َالآ ِ
خرَة ُ خَيْر ٌ و َأَ بْقَى{ ]الأعلى} ،[١٧ - ١٦:ف َأَ َمّا م َنْ َطغ َى * و َآث َر َ الْحيََاة َ
ال ُد ّن ْيَا{ ]النازعات [٣٨ - ٣٧:فالذي يؤثر الحياة الدنيا هو الخاسر كما يعلم هذا من ٺتبع الـكثير من الآيات في القرآن الـكريم.
)للذين اتقوا( يعني :للذين اتقوا الل ّٰه سبحانه وتعالى ولم ينهمكوا في شهواتهم.
)عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار( يعني :تنخرق بين جوانبها ،ونحن قلنا من قبل إن النهر هو عبارة عن الشق الذي يكون في
الأرض ،فالأصل أن يقال :ماء النهر هو الماء الذي يجري في هذا الشق ،لـكن أطلق تجاوزا ً استعمال النهر في المياه التي تجري ،والنهر
في الأصل هو الخندق المحفور ،فمعنى هذا أنها تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء ،وغير
ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
و )للذين اتقوا( خبر المبتدأ الذي هو )جنات( يعني :جنات للذين اتقوا ،و )تجري( صفة لها ،والعندية في قوله تبارك وتعالى) :للذين
اتقوا عند ربهم( مفيدة لـكمال علو رتبة الجنات وسمو طبقاتها ،لأنها أضيفت إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى.
)خالدين فيها( أي :ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا ،والذي يعمل أعمالا ًصالحة في سنوات محددة لا تساوي الحياة الخالدة
إلى أبد الآباد في جنات النعيم ،إنما يدخل الجنة و يخلد فيها برحمة الل ّٰه سبحانه وتعالى ،لـكن ما هو السر في أن الكافر يخلد في جهنم مع
أنه عصى الل ّٰه سنوات محددة ،والمؤمن يخلد في الجنة مع أن عمل كل منهما محدد ،والخلود الأبدي لهما بلا نهاية؟! قد أخذنا في كتاب
)فضائل النية( أن من فضائل النية أن يحصل بها الخلود في الجنة أو الخلود في النار.
فالخلود في النار كان بسبب نية البقاء على الـكفر ،والمؤمن من كانت نيته أن يبقى على طاعة الل ّٰه سبحانه وتعالى حتى لو عاش بلا نهاية،
فكانت نيته تلك سببا ًللخلود في جنة الرضوان.
Shamela.org ٣٥٥
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
)وأزواج مطهرة( أي :أزواج مطهرة من الأرجاس والأدناس البدنية والطبيعية ،مما لا تخلو منه نساء الدنيا غالباً ،وتلاحظون هنا
كيف أنه سبحانه وتعالى بعد ما ذكر زينة الدنيا من حب الشهوات من النساء وغيرها ذكر بعدها نعيم الجنة وما فيه من الأزواج المطهرة
من الآفات والأدناس ،فهن مطهرات من الحيض والنفاس وغير ذلك من الأذى الذي يوجد في نساء الدنيا ،فهذه إشارة إلى أفضلية
نساء الآخرة على نساء الدنيا ،ولذلك يستحب علماء السلف للشباب أن يكثروا من التشوق إلى الحور العين.
كان بعض السلف يقول :يا معشر الشباب! تشوقوا إلى الحور العين؛ لأنه يحرض و يحض على الأعمال الصالحة التي تبذل في خطبة
الحور العين ،ومن أهم وأفضل المهور للحور العين كما يقول بعض الشعراء :أيها النائم دعني لست أصغي للمنام إنني أطلب ملكا ًنيله
صعب المرام الخلد والفردوس في دار السلام وعروسا ً فاقت الشمس مع بدر التمام أحسن الأتراب قدا ً في اعتدال وقوام مهرها من
قام ليلا ً وهو يبكي في الظلام فالذي يخطب به الحور العين هو الأعمال الصالحة كالجهاد في سبيل الل ّٰه وقيام الليل وقراءة القرآن ،لا
كما يحصل من العناء والشقاء في سبيل الحصول على الحور الطين.
النساء في الدنيا خلقن من طين.
قوله) :ورضوان من الل ّٰه( هنا التنوين والتكبير للفظ )رضوان( أي رضوان من الل ّٰه سبحانه وتعالى قدره عظيم ،وهو أعظم لذة للروح
ن طَي ِّب َة ً
ك َ
ن ف ِيهَا وَمَسَا ِ
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ خ َالِد ِي َ
تجْرِي م ِنْ َ ات ج ََن ّ ٍ
ات َ الل ّه ُ ال ْمُؤْم ِنِينَ و َال ْمُؤْم ِن َ ِ
والجسد وأكبرها ،كما قال تبارك وتعالى} :و َعَد َ َ
الل ّه ِ أَ كْ ب َر ُ{ ]التوبة [٧٢:أي :أنه أكبر من كل هذا النعيم} ،ذَل ِ َ
ك ه ُو َ الْفَوْز ُ الْعَظ ِيم ُ{ ]التوبة ،[٧٢:وهذا ن َ ن مِ َ
ن وَرِضْ وَا ٌ فِي ج ََن ّ ِ
ات ع َ ْد ٍ
يتضمن ردا ً على الـكفرة من المستشرقين والنصارى وغيرهم ممن يطعنون في دين الإسلام بزعم أنه دين شهواني ،وذلك حين رغب في
الحور العين في الجنة ،قال هؤلاء :لقد أتاكم من جانب الملاذ الحسية ،فهذا من جهلهم وظلمة قلوبهم؛ لأن الإنسان روح وجسد ،فكما
أنه يتنعم ب
ِإ َي ّاك َ نَعْبُد ُ و َِإ َي ّاك َ نَسْت َع ِينُ{ ]الفاتحة ،[٥ - ٢:ثم }اهْدِن َا الصِّر َ
َاط ال ْمُسْتَق ِيم َ{ ]الفاتحة ،[٦:فقبل الدعاء أتى أيضا ًبالتوسل بالعمل الصالح.
ومن السنة حديث الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار وتوسل كل منهم بصالح عمله ،ثم فرج الل ّٰه سبحانه وتعالى عنهم.
Shamela.org ٣٥٦
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
علاقة حديث النزول بالعقيدة والرد على منكر نزول الرب سبحانه ٢٢.١٠.٢
علاقة حديث النزول بالعقيدة والرد على منكر نزول الرب سبحانه
ثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن من غير وجه ،عن جماعة من الصحابة رضي الل ّٰه تعالى عنهم أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه
عليه وسلم قال) :ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول :من يدعوني فأستجيب له؟
من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟(.
وفي رواية لـ مسلم) :ثم يبسط يديه تبارك وتعالى و يقول :من يقرض غير عدوم ولا ظلوم(؟ وفي رواية) :حتى ينفجر الفجر( ،يعني:
أن ذلك الفضل يظل إلى أن ينفجر الفجر.
Shamela.org ٣٥٧
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
Shamela.org ٣٥٨
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
السلام ،وقالوا :إنه أمر ملكا ًفكلمه ،فقالوا في قوله) :وكلمه ربه( أي :كلمه ملك ربه.
الل ّه ُ لا ِإلَه َ ِإ َلّا أَ ن َا فَاعْب ُ ْدنِي و َأَ ق ِ ِم
يقول شيخ الإسلام :هذا من تأو يلات الجهمية ،وهو باطل إذا لو كلمه ملك لما قال الملك}ِ :إ َن ّنِي أَ ن َا َ
جه َ َن ّم َ{ ]الأنبياء ،[٢٩:فالملائكة رسل الل ّٰه
نجْزِ يه ِ َ
ك َ َ
الصّ لاة َ لِذِكْر ِي{ ]طه ،[١٤:لقوله عز وجل} :وَم َنْ يَق ُلْ مِنْه ُ ْم ِإن ِ ّي ِإلَه ٌ م ِنْ د ُونِه ِ فَذ َل ِ َ
ل ِإ َلّا ب ِأَ ْمر ِ ر َب ِّ َ
ك لَه ُ م َا بَيْنَ أَ يْدِينَا وَم َا خ َلْف َنَا إلى الأنبياء ،تقول كما كان جبر يل عليه السلام يقول لمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم} :وَم َا نَت َنَز ّ ُ
الل ّه ُ لا ِإلَه َ ِإ َلّا
))إ َن ّنِي أَ ن َا َ
وَم َا بَيْنَ ذَلِكَ{ ]مريم ،[٦٤:و يقول :إن الل ّٰه يأمرك بكذا ،و يقول كذا ،ولا يمكن أن يقول ملك من الملائكة ِ
أَ ن َا فَاعْب ُ ْدنِي(( ،ولا أن يقول) :من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟( ،ولا يقول) :لا يسأل عن
عبادي غيري( كما رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما وسندهما صحيح.
وهذا أيضا ًمما يبطل حجة بعض الناس ،فإنه احتج بما رواه النسائي في بعض طرق الحديث أنه يأمر مناديا ًينادي ،إشارة إلى الحديث
الذي احتج به القرطبي تبعا ً للإمام ابن عطية رحمه الل ّٰه ،فإن هذا إن كان ثابتا ً عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فإن الرب يقول ذلك،
و يأمر مناديا ً بذلك ،جمعا ً بين الحديثين ،لا أن المنادي هو الذي يقول) :من يدعوني فأستجيب له( ،ومن روى عن النبي صلى الل ّٰه
عليه وسلم أن المنادي يقول ذلك فقد علمنا أنه يكذب على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،مع أنه خلاف للفظ المتواتر ،الذي نقلته
الأمة خلفا ًعن سلف.
Shamela.org ٣٥٩
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :قل أؤنبئكم بخـير من ذلـكم( والآيتين بعدها ٢٢.١١
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :قل أؤنبئكم بخـير من ذلـكم( والآيتين بعدها
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى} :قُلْ أَ ؤُنَب ِّئُكُمْ{ قل يا محمد لقومك) :أؤنبئكم( أي :أأخبركم.
Shamela.org ٣٦٠
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
تفسير قوله تعالى) :شهد الل ّٰه أنه لا إله إلا هو( ٢٢.١٢
تفسير قوله تعالى) :شهد الل ّٰه أنه لا إله إلا هو(
الل ّه ُ أَ َن ّه ُ لا ِإلَه َ ِإ َلّا ه ُو َ و َال ْمَلائِك َة ُ و َ ُأوْلُوا ال ْعِلْم ِ قَائِمًا ب ِالْقِسْطِ لا ِإلَه َ ِإ َلّا ه ُو َ الْعَزِيز ُ الْحَكِيم ُ{ ]آل عمران.[١٨:
قال تبارك وتعالى} :شَهِد َ َ
))شهد الل ّٰه(( أي :علم وأخبر ،أو :قال أو بين )أنه لا إله إلا هو( معبود حقيقي.
))والملائكة(( وشهد بذلك الملائكة.
))وأولوا العلم(( وفي مقدمتهم الأنبياء عليهم السلام فإنهم أشرف أولو العلم.
)وأولوا العلم( وهذه مرتبة جليلة للعلماء ،إذ لو كان هناك أحد أشرف من العلماء لقرنهم الل ّٰه باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء،
الل ّه ُ أَ َن ّه ُ لا ِإلَه َ ِإ َلّا ه ُو َ و َال ْمَلائِك َة ُ و َ ُأوْلُوا ال ْعِلْم ِ(( ،والعلم هنا المقصود به العلم بالدين وبالعلوم الشرعية كعلم التوحيد وغيره.
))شَهِد َ َ
هناك حديث يقول فيه النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم) :و يقل العلم و يظهر الجهل( ،كما هو الحال في هذا الزمان.
فإذا نظرنا في أحوال الناس نجد أن العلم بالدنيا يزيد ،والعلم بالدين يقل ،فدلت الآية على أنه إنما أراد بالعلم علوم الآخرة وليست علوم
الدنيا.
))قائما ًبالقسط(( أي :بالعدل في أحكامه تبارك وتعالى.
))لا إله إلا هو(( كرره تأكيداً.
وليبني عليه قوله)) :العزيز(( فلا يضام جنابه عظمة.
))الحكيم(( فلا يصدر شيء عنه إلا على وفق الاستقامة.
الل ّه ُ
هذا التكرار معروف عند العرب؛ فإذا طال عهدك بالكلام تعيد ما ذكرته حتى تصل الأول بالآخر؛ لأن الكلام هنا طال} :شَهِد َ َ
أَ َن ّه ُ لا ِإلَه َ ِإ َلّا ه ُو َ و َال ْمَلائِك َة ُ و َ ُأوْلُوا ال ْعِلْم ِ قَائِمًا ب ِالْقِسْطِ لا ِإلَه َ ِإ َلّا ه ُو َ الْعَزِيز ُ الْحَكِيم ُ{ ]آل عمران [١٨:حتى يصلها بالعزيز الحكيم.
Shamela.org ٣٦١
آل عمران ][20 - 1 ٢٢
هنا يقول السيوطي) :شهد الل ّٰه( أي :بيّن لخلقه بالدلائل والآيات.
))أنه لا إله(( أي :لا معبود في الوجود بحق.
))إلا هو(( شهد بذلك ))والملائكة(( بالإقرار.
))وأولوا العلم(( من الأنبياء والمؤمنين بالاعتقاد واللفظ.
))قائماً(( بتدبير مصنوعاته ،ونصبه على الحال ،والعامل فيها معنى الجملة أي :تفرد بذلك.
))بالقسط(( يعني :بالعدل.
))لا إله إلا هو(( كرره تأكيداً.
))العزيز(( في ملـكه ))الحكيم(( في صنعه.
تفسير قوله تعالى) :إن الدين عند الل ّٰه الإسلام( ٢٢.١٣
تفسير قوله تعالى) :فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لل ّٰه( ٢٢.١٤
Shamela.org ٣٦٢
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
تفسير قوله تعالى) :إن الذين يكفرون بآيات الل ّٰه( ٢٣.١
تفسير قوله تعالى) :إن الذين يكفرون بآيات الل ّٰه(
َاب
س فَبَش ِّرْه ُ ْم بِعَذ ٍ ن َ
الن ّا ِ َق و َيَقْتُلُونَ ال َ ّذ ِي َ
ن ي َأْ م ُرُونَ ب ِالْقِسْطِ م ِ َ الل ّه ِ و َيَقْتُلُونَ َ
الن ّب ِيِّينَ بِغَيْر ِ ح ّ ٍ َات َ ن ال َ ّذ ِي َ
ن ي َ ْكف ُر ُونَ ب ِآي ِ قال الل ّٰه تعالى}ِ :إ َ ّ
أَ ل ٍِيم{ ]آل عمران.[٢١:
الل ّهِ(( ،وهم اليهود لعنهم الل ّٰه ،فقد قتلوا زكر يا وابنه يحيى عليهما السلام ،وقتلوا حزقيال عليه
َات َ ن ال َ ّذ ِي َ
ن ي َ ْكف ُر ُونَ ب ِآي ِ ))إ َ ّ
قوله تعالىِ :
السلام قتله قاض يهودي لما نهاه حزقيال عن منكر فعله.
وزعموا أنهم قتلوا عيسى بن مريم عليهما السلام ،وسعوا بالفعل إلى قتل المسيح عليه السلام ،لـكن الل ّٰه عز وجل أنجاه منهم.
ولما كان اليهود الذين في المدينة راضين بصنيع أسلافهم صحت هذه الإضافة إليهم.
َقٍ( إشارة أن قتلهم للأنبياء كان بغير حق في اعتقادهم أيضاً ،ومعلوم أن مثل هذا القيد لا وقوله تعالى) :و َيَقْتُلُونَ َ
الن ّب ِيِّينَ بِغَيْر ِ ح ّ
مفهوم له ،أي لا يفهم منه أنه يمكن أن يقتل رجل نبيا ًو يكون على حق ،فمفهوم المخالفة هنا ملغي غير معتبر ،بل كل من يقتل نبيا ًأو
يؤذيه فهو بلا شك على غير الحق ،ولهذا المفهوم نظائر في القرآن الـكريم ،وذلك مثل قوله تعالى} :و َلا تَقْتُلُوا أَ وْلاد َك ُ ْم َ
خشْي َة َ ِإمْلاقٍ{
]الإسراء ،[٣١:فليس معنى ذلك أنه يجوز قتلهم لسبب آخر غير خوف الإملاق؟ ومثل قوله تعالى} :لا ت َأْ ك ُلُوا الر ِّب َا أَ ضْ ع َافًا مُضَاعَف َة ً{
]آل عمران ،[١٣٠:فليس معنى ذلك أنه يجوز أكل الربا إن كان قليلا ًلا يصل إلى أضعاف مضاعفة.
الل ّه ِ ِإلَهًا آخَر َ لا بُرْه َانَ لَه ُ بِه ِ ف َِإ َن ّمَا ِ
حسَابُه ُ عِنْد َ ر َبِّه ِ{ ]المؤمنون ،[١١٧:هل يحتمل أن يعبد رجل ومثل قوله عز وجل} :وَم َنْ ي َ ْدع ُ م َ َع َ
غير الل ّٰه و يكون له عنده برهان عليه؟ لا يمكن ،فمفهوم هذا لا يعتبر بل هو ملغي.
إذاً :فكل قتل للأنبياء يكون بغير حق ،ولـكن الحكمة من نصه تعالى هنا على قوله) :بغير حق( الإشارة إلى أنهم يعتقدون أن قتلهم
للأنبياء محرم عليهم ،وأنه ليس لهم حق في قتلهم.
إن رأس يحيى عليه السلام لما قطعوه أهدوه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
فقتل الأنبياء حرفة يهودية قديمة ،فهم مجرمون سفاكو دماء سفاحون ،لم ٺتغير فيهم هذه الطبيعة الخبيثة.
ن َ
الن ّاسِ( ،وهذا وإن كان في اليهود لا شك أن ما هم عليه من قتل الأنبياء بغير حق فكذلك هم )و َيَقْتُلُونَ ال َ ّذ ِي َ
ن ي َأْ م ُرُونَ ب ِالْقِسْطِ م ِ َ
نزوله ،لـكنه عام في كل من يتصف بهذه الصفات ،فإن قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس؛ بسبب أنهم يأمرونهم بالقسط ،أقبح
وأسوأ أنواع الـكبر ،كما قال النبي صلى الل ّٰه عليه على آله وسلم) :الـكبر بطر الحق وغمط الناس( ،وهذا رواه مسلم ،فيجمع بين التكبر
Shamela.org ٣٦٣
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
على الحق وبين غمط الناس وذلك ببخسهم منازلهم و بخسهم حقوقهم ،ولهذا لما تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق قابلهم الل ّٰه على
َاب أَ ل ٍِيم((.
ذلك بالذلة والصغار في الدنيا ،والعذاب المهين في الآخرة ،فلذلك قال تعالى)) :فَبَش ِّرْه ُ ْم بِعَذ ٍ
الل ّه ِ و َيَقْتُلُونَ َ
الن ّب ِيِّينَ(( ،وفي قراءة) :يقاتلون(. َات َ ن ال َ ّذ ِي َ
ن ي َ ْكف ُر ُونَ ب ِآي ِ ))إ َ ّ
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :قوله تعالىِ :
َق و َيَقْتُلُونَ ال َ ّذ ِي َ
ن ي َأْ م ُرُونَ ب ِالْقِسْطِ (( ،أي بالعدل. ))بِغَيْر ِ ح ّ ٍ
ن َ
الن ّاسِ(( ،وهم اليهود روي أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبياً ،فنهاهم مائة وسبعون من عبادهم فقتلوهم من يومهم. ))م ِ َ
)فبشرهم( أعلمهم.
)بعذاب أليم( أي :مؤلم ،وذكر البشارة تهكم بهم ،ودخلت الفاء في خبر إن لشبه اسمها الموصول بالشرط.
Shamela.org ٣٦٤
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
تفسير قوله تعالى) :ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب( ٢٣.٣
تفسير قوله تعالى) :ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ًمن الكتاب(
الل ّه ِ لِيَحْكُم َ بَيْنَه ُ ْم ث َُم ّ يَت َو َلَ ّى فَرِ ي ٌ
ق مِنْه ُ ْم و َه ُ ْم مُعْرِضُونَ{ ]آل اب َاب ي ُ ْدعَوْنَ ِإلَى ك ِت َ ِ ن ُأوتُوا نَصِ يبًا م ِ َ
ن الْكِت َ ِ قال تعالى} :أَ ل َ ْم ت َر َ ِإلَى ال َ ّذ ِي َ
عمران.[٢٣:
قوله)) :أوتوا نصيبا ًمن الكتاب(( أي :من التوراة ،والمراد بهؤلاء أحبار اليهود.
))يدعون إلى كتاب الل ّٰه(( وهو هنا القرآن.
))لِيَحْكُم َ بَيْنَه ُ ْم ث َُم ّ يَت َو َلَ ّى فَرِ ي ٌ
ق مِنْهُمْ(( ،هذا استبعاد لتوليهم بعد علمهم أن الرجوع إلى كتاب الل ّٰه واجب ،إذا قامت عليهم الحجج الدالة
على تنز يله.
وفي الآية تعجب واستغراب كيف للإنسان بعد أن علم أن الكتاب هو كتاب الل ّٰه ،وأن الحكم هو حكم الل ّٰه عز وجل ،ثم يتولى عن ذلك
و يعرض عن حكم الل ّٰه تبارك وتعالى.
))وهم معرضون(( هذا حال من ))فر يق((.
))وهم معرضون(( أي :معرضون عن قبول حكمه.
وجه حمل لفظ كتاب الل ّٰه في الآية على التوراة ٢٣.٣.١
الل ّهِ(( ،المقصود بهذا التفسير به أيضا ً التوراة) ،لِيَحْكُم َ بَيْنَه ُ ْم ث َُم ّ يَت َو َلَ ّى فَرِ ي ٌ
ق مِنْه ُ ْم اب َاب ي ُ ْدعَوْنَ ِإلَى ك ِت َ ِ ن ُأوتُوا نَصِ يبًا م ِ َ
ن الْكِت َ ِ ِإلَى ال َ ّذ ِي َ
و َه ُ ْم مُعْرِضُونَ(.
هذه القصة مرو ية في البخاري عن عبد الل ّٰه بن عمر رضي الل ّٰه عنهما) :أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم برجل منهم وامرأة
قد زنيا فقال لهم :كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا :نحممهما ونضربهما ،فقال :لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا :لا نجد فيها شيئاً،
فقال لهم عبد الل ّٰه بن سلام كذبتم ))ف َأْ تُوا ب َِالت ّوْر َاة ِ فَات ْلُوه َا ِإ ْن ُ
كن ْتُم ْ صَادِق ِينَ(( ]آل عمران ،[٩٣:فوضع الذي كان يقرؤها منهم إصبعه
على آية الرجم ،فطفق يقرأ دونها وما وراءها ،فنزع الرسول عليه الصلاة والسلام يده عن آية الرجم فقال :ما هذه؟ فلما رأوا ذلك
قالوا :هي آية الرجم ،فأمر بهما صلى الل ّٰه عليه وسلم فرجما قريبا ً من حيث موضع الجنائز عند المسجد ،يقول ابن عمر :فرأيت صاحبها
يجنأ عليها يقيها الحجارة(.
Shamela.org ٣٦٥
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
تفسير قوله تعالى) :ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات( ٢٣.٤
تفسير قوله تعالى) :ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما ًمعدودات(
الن ّار ُ ِإ َلّا أَ َي ّام ًا مَعْد ُود ٍ
َات وَغ َ َّره ُ ْم فِي دِينِه ِ ْم م َا ك َانُوا يَفْت َر ُونَ{ ]آل عمران.[٢٤: سنَا َ
ك ب ِأَ َ ّنه ُ ْم قَالُوا لَنْ تَم َ َ ّ
قال تعالى} :ذَل ِ َ
))ذَلِكَ(( يعني ذلك التولي وذلك الإعراض.
الن ّار ُ ِإ َلّا أَ َي ّام ًا مَعْد ُود ٍ
َات(( الباء هنا سببية يعني :بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم ،فهم غروا أنفسهم سنَا َ
))ب ِأَ َ ّنه ُ ْم قَالُوا لَنْ تَم َ َ ّ
وخدعوا أنفسهم لما دعوا إلى كتاب تبارك وتعالى ليحكم بينهم)) ،ث َُم ّ يَت َو َلَ ّى فَرِ ي ٌ
ق مِنْه ُ ْم و َه ُ ْم مُعْرِضُونَ(( أي :هم يعلمون أنهم آثمون،
وأنهم عاصون ،لـكنهم يغرون أنفسهم و يقولون :حتى لو عذبنا بسبب هذه الأشياء فنحن لن تمسنا النار إلا أياما ًمعدودات.
))وَغ َ َّره ُ ْم فِي دِينِه ِ ْم م َا ك َانُوا يَفْت َر ُونَ(( أي :من الـكذب والقول الباطل من أنهم لن يعذبوا إلا أياما ً معدودات ،وفي التعبير بالغرور
والافتراء إعلام بأن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل ،كما مر نظير ذلك في قوله تبارك وتعالى في أوائل سورة البقرة:
}وَمِنْه ُ ْم ُأمّ ُِي ّونَ لا يَعْلَم ُونَ الْكِتَابَ ِإ َلّا أَ م َان ِ َيّ{ ]البقرة ،[٧٨:أي :يمنون أنفسهم بهذه الأماني ،على ما يقوله لهم أحبارهم من هذه الأماني
الكاذبة.
تفسير قوله تعالى) :فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه( ٢٣.٥
تفسير قوله تعالى) :فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه(
كسَب َْت و َه ُ ْم لا يُظْلَم ُونَ{ ]آل عمران ،[٢٥:أي :فكيف
س م َا َ كي َْف ِإذ َا جَمَعْنَاه ُ ْم لِيَو ْ ٍم لا ر َي ْبَ ف ِيه ِ وَو ُف ِّي َْت ك ُ ُ ّ
ل ن َ ْف ٍ قال تعالى} :ف َ َ
يصنعون أو كيف تكون حالهم -إذا جمعناهم ليوم -اللام هنا بمعنى في ،يعني :في يوم.
))لا ر َي ْبَ ف ِيه ِ(( أي :لا شك فيه وهو يوم القيامة.
كسَب َْت(( أي :جزاء ما عملت من خير أو شر.
س م َا َ ))وَو ُف ِّي َْت ك ُ ُ ّ
ل ن َ ْف ٍ
))وهم لا يظلمون(( الضمير يعود لكل نفس على المعنى ،وإلا فالأصل أن يكون الضمير )وهي لا تظلم نفس شيئاً( ،لـكن لم ينظر
إلى اللفظ وإنما نظر إلى المعنى؛ لأن كل نفس تعبر عن عدد كبير ،فلذلك قال تعالى) :وهم لا يظلمون(؛ لأنه في معنى كل إنسان،
أي :لا يظلمون لا بز يادة عذاب ولا بنقصان الثواب.
Shamela.org ٣٦٦
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب( والآيتين بعدها ٢٣.٦
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ًمن الكتاب( والآيتين بعدها
ن ُأوتُوا نَصِ يبًا(( أي :حظاً.
))إلَى ال َ ّذ ِي َ
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى)) :أَ ل َ ْم ت َر َ(( ألم تنظرِ :
اب(( أي :التوراة. ن الْكِت َ ِ
))م ِ َ
))ي ُ ْدعَوْنَ(( هذا حال.
الل ّه ِ لِيَحْكُم َ بَيْنَه ُ ْم ث َُم ّ يَت َو َلَ ّى فَرِ ي ٌ
ق مِنْه ُ ْم و َه ُ ْم مُعْرِضُونَ(( ،أي :عن قبول حكمه ،نزلت في اليهود زنى منهم اثنان اب َ))ي ُ ْدعَوْنَ ِإلَى ك ِت َ ِ
فتحاكموا إلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فحـكم عليهما بالرجم فأبوا ،فجيء بالتوراة فوجد حكم الرجم فيها فرجما فغضبوا.
السيوطي كأنه يميل إلى القول إلى أن لفظ )كتاب الل ّٰه( في الآية المقصود به التوراة.
قوله) :ذلك( أي :ذلك التولي والأعراض.
))ب ِأَ َ ّنه ُ ْم قَالُوا(( أي :بسبب قولهم.
الن ّار ُ ِإ َلّا أَ َي ّام ًا مَعْد ُود ٍ
َات(( هنا السيوطي يميل إلى تفسير هذه الأيام المعدودات بأنها أربعون يوما ًمدة عبادة آبائهم العجل سنَا َ
))لَنْ تَم َ َ ّ
ثم تزول عنهم.
))وَغ َ َّره ُ ْم فِي دِينِه ِ ْم م َا ك َانُوا يَفْت َر ُونَ(( من قولهم ذلك.
إذاً :إعراب كلمة ))ما(( في قوله تعالى)) :وَغ َ َّره ُ ْم فِي دِينِه ِ ْم م َا ك َانُوا يَفْت َر ُونَ(( هو أنها اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون
في محل رفع فاعل.
كي َْف ِإذ َا جَمَعْنَاه ُ ْم لِيَو ْ ٍم(( يعني :كيف يكون حالهم إذا جمعناهم في يوم.
))ف َ َ
تفسير قوله تعالى) :قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء بغير حساب( ٢٣.٧
تفسير قوله تعالى) :قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء بغير حساب(
ك م َنْ تَش َاء ُك ال ْمُل ْكِ تُؤْتِي ال ْمُل ْ َ م م َال ِ َ الل ّه ُ َ ّ
ل َ يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى :ثم علم نبيه صلى الل ّٰه عليه وسلم كيف يدعوه ويمجده بقوله} :ق ُ ِ
ل ل فِي ال َنّهَارِ و َتُولِ ج ُ ال َنّهَار َ فِي َ
الل ّي ْ ِ ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ * }تُولِ ج ُ َ
الل ّي ْ َ ك عَلَى ك ُ ّ ِل م َنْ تَش َاء ُ بيَِدِك َ ا ْلخـَي ْر ُ ِإ َن ّ َ ك م َِم ّنْ تَش َاء ُ و َتُع ُِز ّ م َنْ تَش َاء ُ و َتُذِ ُ ّو َتَنْزِع ُ ال ْمُل ْ َ
َاب{ ]آل عمران.[٢٧ - ٢٦: حس ٍ ي و َتَرْز ُقُ م َنْ تَش َاء ُ بِغَيْر ِ ِ ن الْح َ ِ ّ ج ال ْمَي ِّتَ م ِ َتخْرِ ُ
ن ال ْمَي ّ ِِت و َ ُ ي مِ َ ج الْح َ ّ تخْرِ ُ
وَ ُ
)قل اللهم مالك الملك( أي :مالك جنس الملك على الإطلاق ملكا ًحقيقياً ،فهو المالك الحق لكل ما في هذا الوجود بحيث يتصرف
فيه كيفما يشاء ،إ يجادا ً وإعداماً ،وإحياء وإماتة ،وتعذيبا ًوإثابة ،من غير مشارك ولا ممانع.
ك م َنْ تَش َاءُ( هذا بيان لبعض وجوه التصرف الذي تستدعيه مالـكية الملك ،وتحقيق لاختصاصها به تعالى حقيقة ،فلا يوجد
)تُؤْتِي ال ْمُل ْ َ
مالك في الحقيقة إلا الل ّٰه سبحانه وتعالى ،ما الذي عندك؟ لا الملك ولا الر ياسة ولا الحكم ،ولا حتى أرواحنا التي بين جنبينا ما هي إلا
ملك لل ّٰه عز وجل ،إنا لل ّٰه وإنا إليه راجعون.
ك ال ْمُل ْكِ (( ،يعني أنت المالك لهذا الملك كله على الحقيقة، الل ّه ُ َ ّ
م م َال ِ َ ل َ ك م َنْ تَش َاءُ( هي تؤكد ما قبلها وتحققه وتجزم به)) ،ق ُ ِ
)تُؤْتِي ال ْمُل ْ َ
وملـكيتك له ملـكية كاملة وتامة وشاملة لا يشاركك فيها أحد ،ولا يمانعك فيها أحد.
Shamela.org ٣٦٧
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
Shamela.org ٣٦٨
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
ودخلت على حدود فرنسا ،ودخل الناس في دين الل ّٰه أفواجاً.
من الذي آتى هذه الأمة الضعيفة المهينة الذليلة هذا الملك؟ إنه الل ّٰه سبحانه وتعالى.
وفي قوله تعالى)) :تؤتي الملك من تشاء(( إشعار بأن الل ّٰه ينيل ملك فارس والروم للعرب ،مع أنهم كانوا من أبعد الأمم عن الملك،
حتى ينتهي الأمر إلى أن يطلب الل ّٰه الملك من جميع أهل الأرض ،وذلك بظهور ملك يوم الدين ،فآتى الل ّٰه هذه الأمة الملك والتمكين
على سائر الأمم؛ بسبب تمسكها بالدين ،وإقامة دين الل ّٰه تبارك وتعالى.
كِن َ ّن لَه ُ ْم دِينَهُم ُ ف ال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ قَب ْلِه ِ ْم و َلي َم ُ َ ّ ات لَيَسْتَخْلِف َنّه ُم فِي الأَ ْر ِ
ض كَمَا اسْ تَخْل َ َ ن آم َن ُوا مِنْك ُ ْم و َعَم ِلُوا َ
الصّ الِ ح َ ِ الل ّه ُ ال َ ّذ ِي َ
يقول عز وجل} :و َعَد َ َ
شي ْئًا{ ]النور ،[٥٥:فكما هو معلوم أن أقوى مؤثر في الإنسان ال َ ّذ ِي ارْتَض َى لَه ُ ْم و َلَيُب َ ّدِل ََنّه ُ ْم م ِنْ بَعْدِ َ
خو ْفِه ِ ْم أَ مْنًا يَعْبُد ُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي َ
هو مؤثر البيئة المحيطة به )فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه( ،ولا يوجد شيء يغلب تأثير البيئة إلا شيئا ً واحدا ً فقط وهو العقيدة
والدين.
تجد أن الناس في هذه البيئة كسالى مقصرون خاملون متخلفون ،فلم يلغ هذه الصفات ولم يطهرهم من هذه الرذائل إلا الإسلام،
فإذا تخلوا عن الدين فإنهم سيعودون إلى الوضع الأصلي ،وهذا ما نحن فيه الآن ،إلا أن يشاء الل ّٰه سبحانه وتعالى أن يمكن لدينه و يعيد
المسلمين إلى عزهم ومجدهم.
تفسير قوله تعالى) :تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل( ٢٣.٧.٢
تفسير قوله تعالى) :تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل(
َاب{
حس ٍي و َتَرْز ُقُ م َنْ تَش َاء ُ ب ِغَيْر ِ ِ
ن الْح َ ِ ّ
ج ال ْمَي ِّتَ م ِ َ
تخْرِ ُ
ن ال ْمَي ّ ِِت و َ ُ ج الْح َ ّ
ي مِ َ تخْرِ ُ
ل وَ ُ ل فِي ال َنّهَارِ و َتُولِ ج ُ ال َنّهَار َ فِي َ
الل ّي ْ ِ قوله تعالى} :تُولِ ج ُ َ
الل ّي ْ َ
ل(( ،أي :تدخل أحدهما في الآخر؛ إما بالتعقيب وإما بالز يادة أو بالنقص. ل فِي ال َنّهَارِ و َتُولِ ج ُال َنّهَار َ فِي َ
الل ّي ْ ِ ]آل عمران)) [٢٧:تُولِ ج َ
ُالل ّي ْ َ
ي(( ،كالحيوان من النطفة والنطفة منه ،والبيض من الطير وعكسه ،وقيل)) :تخرج
ن الْح َ ِ ّ
ج ال ْمَي ِّتَ م ِ َ
تخْرِ ُ
ن ال ْمَي ّ ِِت و َ ُ ج الْح َ ّ
ي مِ َ تخْرِ ُ
))و َ ُ
الحي من الميت(( أي :تخرج المؤمن الحي من صلب الكافر الميت.
قال القفال :والكلمة محتملة للكل ،أما الـكفر والإيمان فقد قال تعالى} :أَ وَم َنْ ك َانَ مَي ْتًا ف َأَ حْ يَي ْنَاه{ ]الأنعام ،[١٢٢:أي :كان ميتا ً
يح ِْي
بالـكفر فهديناه ،فجعل الـكفر موتا ً والإيمان حياة ،وأخرج النبات من الأرض فصارت حية وكانت قبل ذلك ميتة فقال} :و َ ُ
كي َْف ت َ ْكف ُر ُونَ ب َِالل ّه ِ
ْض بَعْد َ مَوْتِهَا{ ]فاطر ،[٩:وقالَ } :
ْض بَعْد َ مَوْتِهَا{ ]الروم ،[١٩:وقال} :فَسُقْنَاه ُ ِإلَى بلََدٍ م َي ّ ٍِت ف َأَ حْ يَي ْنَا بِه ِ الأَ ر َ
الأَ ر َ
وَكُنتُم ْ أَ مْوَات ًا ف َأَ حْ يَاك ُ ْم ث َُم ّ يُمِيتُك ُ ْم ث َُم ّ ُ
يح ْي ِيك ُ ْم ث َُم ّ ِإلَيْه ِ تُرْجَع ُونَ{ ]البقرة.[٢٨:
َاب(( ،أي :ترزق رزقا ًواسعا ًغير محدود من غير تضييق ولا تقصير ،كما تقول :فلان يعطي بغير حساب،
حس ٍ))و َتَرْز ُقُ م َنْ تَش َاء ُ بِغَيْر ِ ِ
َاب((.
حس ٍيعني :لا يحسب ما يعطيه ،فكذلك هنا قال تعالى)) :و َتَرْز ُقُ م َنْ تَش َاء ُ بِغَيْر ِ ِ
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :قل اللهم مالك الملك( والآية بعدها ٢٣.٧.٣
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :قل اللهم مالك الملك( والآية بعدها
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :ونزلت لما وعد صلى الل ّٰه عليه وسلم أمته ملك فارس والروم ،فقال المنافقون :هيهات! يعد أتباعه ملك
فارس والروم ،فنزل قوله تعالى) :قل اللهم( يعني :يا ألله )مالك الملك( أي :يا مالك الملك.
)تؤتي الملك( أي :تعطي الملك )من تشاء( من خلقك.
)وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء( تعزه بإيتائه الملك.
)وتذل من تشاء( أي :بنزعه منه )بيدك( أي :بقدرتك.
Shamela.org ٣٦٩
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
تفسير قوله تعالى) :لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء والل ّٰه رءوف بالعباد( ٢٣.٨
تفسير قوله تعالى) :لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء والل ّٰه رءوف بالعباد(
الل ّه ِ فِي شَيْء ٍ ِإ َلّا أَ ْن ٺَت ّق ُوا مِنْه ُ ْم تُق َاة ً
ن َْس م ِ َ ك فَلَي َ ن ال ْمُؤْم ِنِينَ وَم َنْ يَفْع َلْ ذَل ِ َ قال تبارك وتعالى} :لا ي َ ّتخِذِ ال ْمُؤْم ِن ُونَ الْك َافِرِي َ
ن أَ وْلِيَاء َ م ِنْ د ُو ِ
ض و ََالل ّه ُ ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ سم َو َ ِ صد ُورِك ُ ْم أَ ْو تُبْد ُوه ُ يَعْلَم ْه ُ َ
الل ّه ُ و َيَعْلَم ُ م َا فِي ال َ ّ تخْف ُوا م َا فِي ُ الل ّه ِ ال ْم َصِ ير ُ * قُلْ ِإ ْن ُ و َيُح َ ّذِر ُكُم ُ َ
الل ّه ُ ن َ ْفسَه ُ و َِإلَى َ
ت م ِنْ سُوء ٍ تَو َ ُدّ لَو ْ أَ َ ّ
ن بَيْنَهَا و َبَي ْن َه ُ أَ مَدًا بَع ِيدًا و َيُح َ ّذِر ُكُم ُ َ
الل ّه ُ مح ْضَر ًا وَم َا عَم ِل َ ْ
ت م ِنْ خَيْرٍ ُ
س م َا عَم ِل َ ْ
ل ن َ ْف ٍ ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ * يَوْم َ َ
تجِد ُ ك ُ ُ ّ عَلَى ك ُ ّ ِ
وف ب ِال ْع ِبَادِ{ ]آل عمران.[٣٠ - ٢٨:
ن َ ْفسَه ُ و ََالل ّه ُ ر َء ُ ٌ
)لا ي َ ّتخِذِ ال ْمُؤْم ِن ُونَ الْك َافِرِي َ
ن أَ وْلِيَاءَ( أولياء جمع ولي ومعانيه كثيرة منها :المحب والصديق والنصير.
قال الزمخشري :نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها ويتعاشر ،وقد
كرر ذلك في القرآن ،قال تعالى} :وَم َنْ يَت َوَل ّه ُ ْم مِنْك ُ ْم ف َِإ َن ّه ُ مِنْهُمْ{ ]المائدة ،[٥١:لذلك قال بعض الصحابة محذراً) :ليحذر أحدكم أن يصير
الل ّه َ وَرَسُولَه ُ{ ]المجادلة،[٢٢: تجِد ُ قَوْم ًا يُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّه ِ و َال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ يُوَا ُدّونَ م َنْ ح َا َدّ َ يهوديا ًأو نصرانيا ًوهو لا يشعر ،وتلا هذه الآية} :لا َ
إلى آخر الآية(.
ض ِإ َلّا ت َ ْفع َلُوه ُ تَكُنْ فِت ْن َة ٌ فِي
كف َر ُوا بَعْضُه ُ ْم أَ وْلِيَاء ُ بَعْ ٍ والمحبة في الل ّٰه والبغض في الل ّٰه باب عظيم وأصل من أصول الإيمان} ،و َال َ ّذ ِي َ
ن َ
ض و َفَسَاد ٌ كَب ِير ٌ{ ]الأنفال [٧٣:إذا فقد موضوع الولاء والبراء من قلوب الناس فإنه ستقع فتنة وفساد كبير جداً ،إن قضية الولاء الأَ ْر ِ
والبراء من أكثر القضايا التي تظاهرت عليها الأدلة في القرآن والسنة بعد توحيد الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فهي أصل متين من أصول الدين،
لـكن في ظل العلمانية التي تزخر بها وسائل الإعلام الآن ،وفي ظل دعاوى حقوق الإنسان المزعومة ،تعتبر التفرقة على أساس الدين
جريمة ،أما الإسلام فيفرق -لا التفرقة العنصر ية -لـكنه تفر يق على أساس الدين؛ لأنه يقسم الناس إلى مؤمن وكافر ،فالمؤمن يحب في
الل ّٰه ويبغض في الل ّٰه ،فإذا انهار هذا الجدار وقع الفساد ،كما قال تعالى}ِ :إ َلّا ت َ ْفع َلُوه ُ تَكُنْ فِت ْن َة ٌ فِي الأَ ْر ِ
ض و َفَسَاد ٌ كَب ِير ٌ{ ]الأنفال،[٧٣:
وذلك كما نرى اليوم ،فإن انهيار هذا الحاجز بين المسلمين والكافرين أدى إلى التمييع والذوبان بين الحق والباطل بحيث يلتبس على عامة
الناس.
قوله) :من دون المؤمنين( أي :لا يجعل المؤمن ولايته لمن هو غير مؤمن ،والمعنى :لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين،
وهذا كلام جرى على المثل في المكان؛ لأنه كلمة )دون( تستعمل في المكان ،فتقول :مثلاً :زيد دونك ،أي :تحتك ،وأنت لست تريد
المكان ،وإنما تريد أن زيدا ً دونك في الشرف ،فجعلت الشرف بمنزلة الارتفاع في المكان ،والخِسّة كالاستفال في المكان؛ ولذلك قال
ن ال ْمُؤْم ِنِينَ((. تعالى هنا)) :لا ي َ ّتخِذِ ال ْمُؤْم ِن ُونَ الْك َافِرِي َ
ن أَ وْلِيَاء َ م ِنْ د ُو ِ
وقوله تعالى) :من دون المؤمنين( أي :حال كونكم متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالا ً أو اشتراكاً ،بمعنى :أن يترك المؤمنين و يوالي
Shamela.org ٣٧٠
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
الكافرين ،أو يوالي المؤمنين و يوالي معهم المشركين ،فلا ينبغي لمؤمن أن يوالي و يحب بقلبه وجوارحه أعداء الل ّٰه تبارك وتعالى.
ففيه إشارة إلى أن الأحق بالموالاة هم المؤمنون ،وأنهم الذين يستحقون الموالاة ،وأن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الـكفرة.
الل ّه ِ فِي شَيْءٍ(( أي :أن من يوالي الـكفرة فليس من ولاية الل ّٰه في شيء ،فالل ّٰه سبحانه وتعالى
ن َ ْس م ِ َ
ك فَلَي َ
قوله تعالى)) :وَم َنْ ي َ ْفع َلْ ذَل ِ َ
بريء منه وهو يفعل ذلك؛ لأن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان ،كما يقول بعض الشعراء :تود عدوي ثم تزعم أنني صديقك ليس
النوك عنك بعازب أي :تحب عدوي ثم تزعم أنني صديقك ،ليست الحماقة عنك ببعيدة.
))إ َلّا أَ ْن ٺَت ّق ُوا مِنْه ُ ْم تُق َاة ً(( أي :إلا أن تخافوا منهم محذوراً ،فأظهروا لهم الموالاة باللسان دون القلب لدفعه؛ لأن البغض
قوله تعالىِ :
بالقلب فرض عين على المسلم في كل حال؛ لـكن يجوز إظهار الموالاة تقية إذا خشي على نفسه بشرطه.
كما روى البخاري عن أبي الدرداء رضي الل ّٰه تعالى عنه قال) :إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم( ،يعني :تقية.
الل ّه ِ فِي شَيْءٍ(( هو تحريم موالاة
ن َ ْس م ِ َ
ك فَلَي َ
ن ال ْمُؤْم ِنِينَ وَم َنْ ي َ ْفع َلْ ذَل ِ َ فثمرة هذه الآية)) :لا ي َ ّتخِذِ ال ْمُؤْم ِن ُونَ الْك َافِرِي َ
ن أَ وْلِيَاء َ م ِنْ د ُو ِ
الـكفار.
إذاً :هناك مسالك محددة يستنبط منها الحكم بالتحريم.
والدليل على التحريم في هذه الآية هو النهي المستفاد من قوله) :لا( وهي هنا ناهية.
الل ّه ِ فِي شَيْء ٍ ِإ َلّا أَ ْن ٺَت ّق ُوا
ن َ ْس م ِ َ
ومن أقوى ما يستفاد منه التحريم قوله تعالى)) :وَم َنْ ي َ ْفع َلْ ذَلِكَ(( أي :من يوالي الـكفار)) ،فَلَي َ
الل ّه ِ ال ْم َصِ ير ُ(( وقضية البراء من الـكفار وبغضهم في الل ّٰه سبحانه وتعالى من أخطر الفتن التي يتعرض مِنْه ُ ْم تُق َاة ً و َيُح َ ّذِر ُكُم ُ َ
الل ّه ُ ن َ ْفسَه ُ و َِإلَى َ
لها الناس ،فلا شك أن الناس يتأثرون كثيرا ً بهذا الواقع.
فتضيع معالم الدين بسبب الإلحاح والتكرار على هذه المبادئ وهذه الديانة الجديدة التي طلعت تحت مسمى :حقوق الإنسان ،ونحن قد
ذكرنا من قبل أن أعظم حق من حقوق الإنسان هو ألا يحال بينه وبين هذا الدين ،وأن من حق كل إنسان أن يسمع سماعا ً صحيحا ً
عن الإسلام ،وأن كل من يشوه الدين أو يصد عن سبيل الل ّٰه سبحانه وتعالى أو ينفر الناس من دين الل ّٰه عز وجل ،فهو منتهك لأعظم
حق من حقوق الإنسان.
تفسير قوله تعالى) :قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الل ّٰه( ٢٣.٨.١
تفسير قوله تعالى) :قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الل ّٰه(
ل شَيْء ٍ قَدِير ٌ{
ض و ََالل ّه ُ عَلَى ك ُ ّ ِ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ
سم َو َ ِ صد ُورِك ُ ْم أَ ْو تُبْد ُوه ُ يَعْلَم ْه ُ َ
الل ّه ُ و َيَعْلَم ُ م َا فِي ال َ ّ تخْف ُوا م َا فِي ُ
قال تبارك وتعالى} :قُلْ ِإ ْن ُ
]آل عمران.[٢٩:
هذا توعد لمن أراد إخفاء مودة الـكفار وموالاتهم أو إظهارها ،أو تكذيب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أو الـكفر.
وهذا فيه تخو يف للناس من أن يقعوا في ذلك.
تفسير قوله تعالى) :يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا( ٢٣.٨.٢
Shamela.org ٣٧١
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
وقيل :التكرار هنا ليس للتأكيد فحسب ،بل فيه إشارة إلى أن تحذير الل ّٰه سبحانه وتعالى في قوله)) :و َيُح َ ّذِر ُكُم ُ َ
الل ّه ُ ن َ ْفسَه ُ(( ،باعثه،
الل ّه ُ بِعَذ َابِك ُ ْم ِإ ْن
ل َ والدافع له هو رأفة الل ّٰه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده؛ لأنه سبحانه وتعالى غني عن تعذيبهم ،قال عز وجل} :م َا ي َ ْفع َ ُ
شَكَرْتُم ْ و َآمَن ْتُم ْ{ ]النساء ،[١٤٧:الل ّٰه سبحانه لا يريد أن يهلـككم أو يعذبكم؛ لأنه رحيم بكم ،ورءوف بكم ،ومن رأفته أنه يحذركم نفسه
وف ب ِال ْع ِبَادِ((.
حتى لا ٺتعرضوا لعقابه ،وكذلك قال)) :و ََالل ّه ُ ر َء ُ ٌ
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :لا يتخذ المؤمنون( إلى قوله تعالى) :يوم تجد كل نفس( الآيات ٢٣.٨.٣
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :لا يتخذ المؤمنون( إلى قوله تعالى) :يوم تجد كل نفس( الآيات
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى)) :لا ي َ ّتخِذِ ال ْمُؤْم ِن ُونَ الْك َافِرِي َ
ن أَ وْلِيَاءَ(( أي :يوالونهم.
ن ال ْمُؤْم ِنِينَ(( أي :من غير المؤمنين.
))م ِنْ د ُو ِ
))وَم َنْ ي َ ْفع َلْ ذَلِكَ(( أي :يواليهم.
الل ّه ِ فِي شَيْءٍ(( أي :ليس من دين الل ّٰه في شيء.
ن َ ْس م ِ َ
))فَلَي َ
))إ َلّا أَ ْن ٺَت ّق ُوا مِنْه ُ ْم تُق َاة ً(( مصدر تقيته ،أي :تخافوا مخافة فلـكم موالاتهم باللسان دون القلب.
ِ
قال ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما) :التقاة :التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان( ،رواه البيهقي في السنن والحاكم وغيرهما.
وهذا قبل عزة الإسلام ،و يجري حكم التقية في كل بلدة ليس الإسلام قو يا ًفيها.
تفسير قوله تعالى) :قل إن كنتم تحبون الل ّٰه فاتبعوني يحببكم الل ّٰه( ٢٣.٩
تفسير قوله تعالى) :قل إن كنتم تحبون الل ّٰه فاتبعوني يحببكم الل ّٰه(
الل ّه ُ و َيَغْفِر ْ لـَك ُ ْم ذ ُنُوبَك ُ ْم و ََالل ّه ُ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ{ ]آل عمران ،[٣١:أي :قل لهم يا محمد:
يح ْبِبْكُم ُ َ تح ُِب ّونَ َ
الل ّه َ فَا َت ّبِع ُونِي ُ كن ْتُم ْ ُ
قال تعالى} :ق ُلْ ِإ ْن ُ
الل ّهُ((.
يح ْبِبْكُم ُ َ تح ُِب ّونَ َ
الل ّه َ فَا َت ّبِع ُونِي ُ كن ْتُم ْ ُ
))إ ْن ُ
ِ
يقول السيوطي :إن معنى يحببكم يثيبكم ،وهذا التأو يل مرفوض وغير مقبول؛ لـكن منهج السلف في هذا إثبات صفة المحبة لل ّٰه عز
وجل.
Shamela.org ٣٧٢
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
))و َيَغْفِر ْ لـَك ُ ْم ذ ُنُوبَك ُ ْم و ََالل ّه ُ غَف ُور ٌ رَحِيم ٌ(( أي :إن اتبعتموني يغفر لـكم ما قد سلف.
))رَحِيم ٌ(( أي :رحيم بكم.
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم( ٢٣.١١
تفسير قوله تعالى) :إن الل ّٰه اصطفى آدم ونوحا ًوآل إبراهيم(
ل ِعم ْرَانَ عَلَى الْع َالم َي ِنَ{ ]آل عمران.[٣٣:
ل ِإ ب ْر َاه ِيم َ و َآ َ
الل ّه َ اصْ طَفَى آدَم َ و َنُوح ًا و َآ َ
ن َ قال تبارك وتعالى}ِ :إ َ ّ
الل ّه َ اصْ طَفَى(( أي :اختار للنبوة ،أو اصطفى بالنبوة آدم ونوحاً.
ن َ ))إ َ ّ
قوله تعالىِ :
Shamela.org ٣٧٣
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
)وآل إبراهيم وآل عمران( ،بمعنى :أنفسهما ،ولا شك أنه لا يفهم من الآية أن هذا الاصطفاء لكل من انحدر من ذر ية هؤلاء الأنبياء
عليهم السلام ،وإنما المقصود الثناء على المؤمنين منهم والصالحـين ،ولا يدخل في هذا الثناء من كفر بالل ّٰه تبارك وتعالى من ذر ية إبراهيم
وعمران.
وآل إبراهيم :هم عشيرته وذوو قرباه ،وهم :إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما ،ولا شك أن من جملتهم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛
لأنه يدخل في الاصطفاء بطر يق الأولى ،وعدم التصريح به اختلف فيه المفسرون؛ ولم يصرح الل ّٰه تبارك وتعالى هنا بأفضلية محمد صلى
الل ّٰه عليه وسلم على هؤلاء الأنبياء المذكورين عليهم السلام؛ للإيذان باستغنائه صلى الل ّٰه عليه وسلم عن أن يذكر في هذا السياق؛ ولـكمال
شهرة أمره في الخلة ،فإن الل ّٰه سبحانه وتعالى اتخذه خليلا ً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ،ولشهرة مقامه الشر يف حتى على لسان من سبقه
من الأنبياء ،فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام عن نفسه) :أنا دعوة أبي إبراهيم( ،والمقصود دعوته التي سبق الكلام عليها في سورة
البقرة} :ر َ َب ّنَا و َابْع ْ
َث ف ِيه ِ ْم رَسُول ًا مِنْه ُ ْم يَت ْلُو عَلَيْه ِ ْم آي َاتِكَ{ ]البقرة [١٢٩:إلى آخر الآية ،فلشدة شهرته بأنه أفضل خلق الل ّٰه سبحانه وتعالى
أجمعين ،أو أفضل بني آدم على الإطلاق لم يحتج النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم أن يذكر هنا في هذا السياق.
أو لم يذكر؛ لأنه صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم جاوز مرتبة الاصطفاء ،وارتفع على جميع الأنبياء والمرسلين ،فالرسل عليهم الصلاة والسلام
خلقوا للرحمة ،أما محمد صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم فقد خلق بنفسه رحمة ولم يخلق للرحمة ،كما قال تبارك وتعالى} :وَم َا أَ ْرسَل ْنَاك َ ِإ َلّا رَحْم َة ً
لِل ْع َالم َي ِنَ{ ]الأنبياء ،[١٠٧:وكما جاء في بعض الأحاديث قال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :أنا رحمة مهداة( ،ولذلك جعله الل ّٰه سبحانه وتعالى
أمانا ً للخلق مؤمنهم وكافرهم؛ لأنه صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم لما بعثه الل ّٰه أمنت البشر ية كلها من العذاب الذي يستأصل هذه البشر ية،
فلن يهلك الل ّٰه سبحانه وتعالى هذه الأمة بسنة عامة ،أو بعذاب عام يستأصلهم كما حصل للأمم الكافرة من قبلهم.
إذاً :هو داخل في هذا الاصطفاء بطر يق الأولو ية ،وإنما استغني عن ذكره؛ لأن رتبته أعلى من مجرد الاصطفاء المذكور هنا.
ل ِعم ْرَانَ(( اصطفى آل عمران؛ لأنه جعل فيهم عيسى عليه السلام؛ لأن من آل عمران عليه السلام عيسى ،وعمران
ل ِإ ب ْر َاه ِيم َ و َآ َ
))و َآ َ
هنا هو والد مريم التي هي أم عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
))عَلَى ال ْع َالم َي ِنَ(( أي :عالمي زمانهم ،أما الذي فضل على العالمين بإطلاق فهو نبينا ورسولنا محمد صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
قوله )عَلَى الْع َالم َي ِنَ( أي :بجعل الأنبياء من نسل هؤلاء المذكورين ،ويستدل بهذه الآية على تفضيل الأنبياء على الملائكة لدخولهم في
العالمين؛ لأن العالم يشمل الأنبياء ويشمل الملائكة ،فهذه الآية مما يحتج به لمذهب من فضل الأنبياء عليهم السلام على الملائكة.
تفسير قوله تعالى) :إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا( ٢٣.١٣
تفسير قوله تعالى) :إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً(
))إ ْذ ك أَ ن ْتَ ال َ ّ
سمِي ُع ال ْعَل ِيم ُ{ ]آل عمرانِ [٣٥: مح ََر ّر ًا فَتَق ََب ّلْ م ِن ِ ّي ِإ َن ّ َ
ك م َا فِي ب َ ْطنِي ُ
َب ِإن ِ ّي نَذَرْتُ ل َ َ
ت امْرَأَ ة ُ ِعم ْرَانَ ر ِّ
قال تعالى}ِ :إ ْذ قَال َ ِ
Shamela.org ٣٧٤
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
ت امْرَأَ ة ُ ِعم ْرَانَ(( أي :اذكر إذ قالت امرأة عمران ،واسمها :حنة ،لما أسنت واشتاقت للولد فدعت الل ّٰه عز وجل ،فلما أحست قَال َ ِ
ك أَ ن ْتَ ال َ ّ
سمِي ُع الْعَل ِيم ُ{ ]آل عمران.[٣٥: مح ََر ّر ًا فَتَق ََب ّلْ م ِن ِ ّي ِإ َن ّ َ
ك م َا فِي ب َ ْطنِي ُ
َب ِإن ِ ّي نَذَرْتُ ل َ َ
بالحمل قالت} :ر ِّ
مح ََر ّر ًا(.
ك م َا فِي ب َ ْطنِي ُ
)إن ِ ّي نَذَرْتُ ( أي :نذرت أن أجعل) ،ل َ َ
ِ
يقول الزجاج :كان على أولادهم فرضا ًأن يطيعوهم في نذرهم ،وهذا في شر يعتهم ،أي :لو أن الأب نذر ابنه للتفرغ لعبادة الل ّٰه سبحانه
وتعالى كان على الولد أن يطيع أباه في ذلك ،فكان الرجل ينذر في ولده أن يكون خادما ًفي مكان العبادة.
وقال القاضي أبو يعلى :والنذر في مثلما نذرت صحيح في شر يعتنا ،فإنه إذا نذر الإنسان إن ينشئ ولده الصغير على عبادة الل ّٰه وطاعته
وأن يعلمه القرآن والفقه وعلوم الدين صح مثل هذا النذر.
وانظر إلى قولها)) :ما في بطني(( ولذلك قدر السيوطي -وهذا من دقته في التفسير -في الجملة السابقة)) :إذ قالت امرأة عمران(( قال:
لما أسنت واشتاقت للولد فدعت الل ّٰه وأحست بالحمل ،فقوله :أحست بالحمل ،استنبطها من قولها)) :ما في بطني(( لأنها أحست بهذا
الحمل.
))محرراً(( أي :عتيقا ًخالصا ًمن شواغل الدنيا لخدمة بيتك المقدس.
هذا التعبير في غاية الدقة في الحقيقة ،فهو يتحرر من أن يعبد الدنيا ،ويتذلل في طلبها؛ ليكون خالصا ًلعبادة الل ّٰه وحده.
معنى قولها)) :نذرت لك ما في بطني محرراً(( أي :نذرته وقفا ً على طاعتك ،لا أشغله بشيء من أموري ،فلم تطلب منه الاستئناس
به ،ولا ما يطمع الناس من أولادهم؛ لأن الناس يطمعون من وجود الذر ية إشباع ما في الفطرة من الاستئناس بالأولاد ،كذلك
أيضا ًالاستنصار بهم ،والاستعانة بهم ،فهي تنازلت عن حظ نفسها من هذا الولد.
َب ه َْب ل ِي
يقول العلماء :وهكذا على كل أحد إذا طلب ولدا ً أن يطلبه بالوجه الذي طلبت امرأة عمران وطلب زكر يا حيث قال} :ر ِّ
ك ذُرِّ َي ّة ً طَي ِّب َة ً{ ]آل عمران [٣٨:أي :صالحة.
م ِنْ لَدُن ْ َ
ن َ
الصّ الِ حـ ِينَ{ ]الصافات.[١٠٠: َب ه َْب ل ِي م ِ َ
وما سأل إبراهيم عليه السلام} :ر ِّ
وقال تعالى في دعاء عباد الرحمن} :ر َ َب ّنَا ه َْب لَنَا م ِنْ أَ ْزو َاجِنَا وَذُرِّ َي ّاتنَِا ق َُر ّة َ أَ ع ْيُنٍ{ ]الفرقان [٧٤:هبة من الل ّٰه سبحانه وتعالى.
فهكذا الواجب أن يطلب الولد لا من أجل الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم ،فانظر إلى امرأة عمران لما منّ الل ّٰه
تعالى عليها بالولد نظرت أن حظها من الأنس به متروك ،فنذرته على خدمة الل ّٰه تعالى في مكان العبادة ،وهذا نذر الأحرار من الأبرار.
قال القرطبي رحمه الل ّٰه تعالى :وأرادت بقولها)) :محرراً(( أي :محررا ً من رق الدنيا وأشغالها.
وهذه إشارة إلى أن من لا يشتغل بطاعة الل ّٰه سبحانه وتعالى اشتغالا ً محضا ًفهو لا بد له من نوع من الاسترقاق لمطالب الدنيا ومآربها،
ويشبه هذا ما حكاه القرطبي أيضا ًعن رجل من العباد أنه قال لأمه :يا أمه! ذريني لل ّٰه أتعبد له وأتعلم العلم ،فقالت :نعم ،فسار حتى
ك فلان ،قالت :قد تركناك لل ّٰه ولا نعود فيك.
تبصر ،ثم عاد إليها فدق الباب ،فقالت :من؟ فقال لها :ابن ُ
هذه القصة قد يكون فيها شيء من النظر.
و ))محرراً(( كما ذكرنا مأخوذ من الحر ية ،والحر ية ضد العبودية ،ومن هذا تحرير الكتاب ،يقال :الكتاب الفلاني حرره المصنف الفلاني،
وخلصه من الاضطراب والفساد ،والمحرر :هو الخالص لل ّٰه عز وجل لا يشوبه شيء من أمر الدنيا ،تقول :طين حر ،أي طين لا رمل
فيه ،وهناك عبارة مشهورة عند الناس يقولون :ذهب ح ُر ،أي :لم يخالطه النحاس ولا غيره.
))فَتَق ََب ّلْ م ِن ِ ّي(( ،التقبل :هو أخذ الشيء على وجه الرضا.
ك أَ ن ْتَ ال َ ّ
سمِيعُ(( أي :السميع للدعاء ،والمقصود بالسميع هنا هو المجيب ،كما تقول في الصلاة :سمع الل ّٰه لمن حمده ،يعني :أجاب ))إ َن ّ َ
ِ
الل ّٰه سبحانه وتعالى.
Shamela.org ٣٧٥
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
تفسير قوله تعالى) :فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى( ٢٣.١٤
تفسير قوله تعالى) :فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى(
ْس ال َذ ّك َر ُ ك َال ُأن ْث َى و َِإن ِ ّي س ََم ّيْتُهَا م َْر ي َم َ و َِإن ِ ّي ُأعِيذ ُه َا ب ِ َ
ك َت و َلَي َ ضعْتُهَا ُأن ْث َى و ََالل ّه ُ أَ ع ْلَم ُ بِمَا و َ َ
ضع ْ َب ِإن ِ ّي و َ َ
ت ر ِّ
ضعَتْهَا قَال َ ْ
قال تعالى} :فَلَم ّا و َ َ
ِيم{ ]آل عمران [٣٦:قال بعض المفسرين :هلك عمران بعد ذلك وهي حامل ،كلمة هلك تأتي في سياق الذم، ن َ
الر ّج ِ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ وَذُرّ َِي ّتَهَا م ِ َ
كما تقول :هلك الطاغوت الفلاني مثلاً ،لـكن قد يعبر بها أحيانا ًعن الموت ،كما قال تبارك وتعالى حاكيا ًعلى لسان مؤمن آل فرعون:
الل ّه ُ م ِنْ بَعْدِه ِ رَسُول ًا{ ]غافر،[٣٤: َك م َِم ّا ج َاءَك ُ ْم بِه ِ ح ََت ّى ِإذ َا هَل َ َ
ك قلُ ْتُم ْ لَنْ يَبْع َثَ َ ات فَمَا زِل ْتُم ْ فِي ش ٍّ
ل ب ِال ْبَي ِّن َ ِ }و َلَق َ ْد ج َاءَك ُ ْم يُوس ُ
ُف م ِنْ قَب ْ ُ
كذلك قوله تعالى}ِ :إ ْن امْرُؤ ٌ هَلَكَ{ ]النساء [١٧٦:أي مات؛ ولذلك يشيع في مسائل الميراث هلك هالك عن كذا وكذا.
ضعَتْهَا(( أي :ولدتها جار ية.
))فَلَم ّا و َ َ
مح ََر ّر ًا فَتَق ََب ّلْ م ِن ِ ّي ِإ َن ّ َ
ك أَ ن ْتَ ك م َا فِي ب َ ْطنِي ُ
َب ِإن ِ ّي نَذَرْتُ ل َ َ
يعود الضمير في قوله)) :وضعتها(( إلى مذكور من قبل في الآية السابقة} :ر ِّ
ضعَتْهَا{ ]آل عمران ،[٣٦ - ٣٥:الضمير يعود إلى؟ إلى ))ما(( التي في قولها)) :ما في بطني محرراً(( والأصل ال َ ّ
سمِي ُع الْعَل ِيم ُ * فَلَم ّا و َ َ
أنه يكون مذكراً؛ لـكن أنث على المعنى؛ لأن ما في بطنها كان أنثى في علم الل ّٰه.
أو يكون على تأو يل)) :فلما وضعتها(( أي :هذه النسمة أو هذه النفس ،وهي مؤنث.
ضعْتُهَا ُأن ْث َى{ ]آل
َب ِإن ِ ّي و َ َ
))فلما وضعتها(( أي :ولدتها جار ية ،وكانت ترجو أن يكون غلاماً ،إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان ،قالت} :ر ِّ
عمران [٣٦:إما أنها قالت ذلك على سبيل الاعتذار ،أو أنها تحسرت؛ لأنها كانت أنثى ،إذ جهلت قدرها ،ولو علمت أم مريم عليها
السلام قدر مريم لما تحسرت ،لـكن إن قلنا :إنها تحسرت فيكون ذلك على أنها جهلت قدر مريم عليها السلام.
ضعْتُهَا ُأن ْث َى و ََالل ّه ُ أَ ع ْلَم ُ بِمَا
))إن ِ ّي و َ َ
َب(( أي :يا ربِ ،
ت(( أي :معتذرة أو متحسرة ،إذ جهلت قدرها)) :ر ِّ
ضعَتْهَا قَال َ ْ
))فَلَم ّا و َ َ
َت(( أي :أن الل ّٰه عالم بما وضعت.
ضع ْ
وَ َ
َت(( بكسر التاء على أنه خطاب من الملائكة.
ضع ِ
ضع َتُ (( ،بضم التاء ،أو)) :و ََالل ّه ُ أَ ع ْلَم ُ بِمَا و َ َ
وفي قراءة)) :و ََالل ّه ُ أَ ع ْلَم ُ بِمَا و َ َ
َت(( ،هذه جملة اعتراض من كلامه سبحانه وتعالى.
ضع ْ
))و ََالل ّه ُ أَ ع ْلَم ُ بِمَا و َ َ
ْس ال َذ ّك َر ُ ك َال ُأن ْث َى(( ،أي :ليس الذكر الذي طلبتُ كالأنثى التي وهبت؛ لأن الذكر يحرر و يقصد للخدمة ،والأنثى لا تصلح لها؛
))و َلَي َ
لضعفها وعورتها ،وما يعتريها من الحيض ونحوه ،مما يمنع أن ٺتفرغ لهذه العبادة.
))و َِإن ِ ّي س ََم ّيْتُهَا م َْر ي َم َ(( ،ومريم في لغتهم هي العابدة ،سمتها بذلك تفاؤلا ًورجاء أن يكون فعلها مطابقا ًلاسمها.
وهكذا ينبغي عند اختيار الأسامي أن يتفاءل الإنسان عندما يسمي ابنه أو بنته ،عسى أن يكون مثل هذا المسمى.
))و َِإن ِ ّي ُأعِيذ ُه َا ب ِ َ
ك وَذُرّ َِي ّتَهَا(( أي :أولادها ،ولم يكن لها من الذر ية سوى المسيح عليه السلام.
ِيم(( بمعنى :المرجوم المطرود ،وفي الحديث يقول صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين ن َ
الر ّج ِ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ ))م ِ َ
يولد فيستهل صارخا ًإلا مريم وابنها( ،وهذا رواه الشيخان وغيرهما.
فقوله) :ما من مولود يولد( :هذا يعم كل مولود بما في ذلك الأنبياء والمرسلين ،وإلا لما كان لاختصاص مريم وعيسى عليهما السلام
بهذا الأمر معنى.
ليس معنى ذلك :أن الشيطان إذا نزغ أو نفث في خاصرة هذا المولود أنه يكون مسلطا ًعليه؛ لا يشترط ذلك؛ لأن الأنبياء معصومون
Shamela.org ٣٧٦
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
ك عَلَيْه ِ ْم سُلْطَانٌ{ ]الحجر [٤٢:لـكن هو عبارة عن إعلان بالعداوة منذ ُ اللحظة الأولى ،لا شك أن هذا
ْس ل َ َ من ذلك}ِ :إ َ ّ
ن عِبَادِي لَي َ
الصراخ الذي يحصل من الطفل المولود عند ولادته له سببان :السبب الأول :سبب مادي يمكن التوصل إليه بالخـبرات البشر ية والعلم
البشري ،فلذلك تركه الل ّٰه سبحانه وتعالى للأطباء والمتخصصين في هذا المجال ،برقي علمهم يكتشفون هذه الأسباب ،وفوائد الصراخ
بالنسبة للمولود وغير ذلك.
السبب الثاني :وهو السبب الغيبي الذي لا يمكن أن يدرك بالحواس ،ولا بتجارب ولا بعلوم مادية تترقى من وقت لآخر ،فهو سبب
غيبي لا نراه؛ ولذلك أخبرنا عنه الل ّٰه تبارك وتعالى على لسان رسوله صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين
يولد فيستهل صارخاً( ،كما جاء في بعض الروايات) :يصرخ( ،لماذا يصرخ؟ السبب الذي لا نستطيع أن نعرفه إلا من طر يق الوحي،
هو هذا الذي ذكره عليه الصلاة والسلام ،وهو) :أن الشيطان يعلن له العداوة منذ ُ اللحظة الأولى فينخسه و يطعنه في خاصرته أو في
ِيم{ ن َ
الر ّج ِ ن ال َ ّ
شيْطَا ِ جنبه فيستهل صارخا ً إلا ابن مريم وأمه ،استجابة لدعوة امرأة عمران حينما قالت} :و َِإن ِ ّي ُأعِيذ ُه َا ب ِ َ
ك وَذُرّ َِي ّتَهَا م ِ َ
]آل عمران ،[٣٦:فهذا الحديث يدل على إجابة هذه الدعوة.
َاب{ ]آل عمران)) [٣٧:فَتَق ََب ّلَه َا ر َ ُ ّبهَا(( أي :قبل مريم من أمها،
حس ٍالل ّه َ يَرْز ُقُ م َنْ يَش َاء ُ بِغَيْر ِ ِ
ن َ الل ّه ِ ِإ َ ّ
ت ه ُو َ م ِنْ عِنْدِ َ أَ َن ّى ل َ ِ
ك هَذ َا قَال َ ْ
والقبول هو أخذ الشيء على وجه الرضا.
ن(( يعني :أنها صالحة؛ لأن تكون محررة ،وأن امرأة عمران وفت بنذرها ،وذلك كما جاء في بعض التفاسير:
حس َ ٍ ))فَتَق ََب ّلَه َا ر َ ُ ّبهَا بِق َب ُو ٍ
ل َ
أنها لفتها في خرقة وأرسلتها إلى المسجد ،وورد أنها ربتها حتى كبرت وصلحت لخدمة المسجد فأرسلتها؛ لـكن الإمام القرطبي رحمه الل ّٰه
تعالى لم يفته أن ينوه على شيء مهم جدا ً قال :حتى لو كانت تصلح في شر يعتهم أن تقوم بخدمة المسجد ،فلعل الحجاب لم يكن عندهم
كما كان في صدر الإسلام.
واستدل بالحديث المتفق عليه) :أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد على عهد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فماتت( والحديث معروف،
فمعنى ذلك :أن هذا كان في بداية الإسلام ،وفي صدر الإسلام؛ كذلك كانت المرأة تصلح أو الأنثى تصلح في شر يعتهم لمثل هذا ،ولم
يكن الحجاب بنفس الصورة في الإسلام موجودا ً عندهم ،فلأجل ذلك كانت في المسجد ،والل ّٰه أعلم.
Shamela.org ٣٧٧
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
وأتت بها أمها الأحبار سدنة بيت المقدس ،فقالت) :دونكم هذه النذيرة خذوها ،فتنافسوا فيها؛ لأنها بنت إمامهم وسيدهم عمران ،فقال
زكر يا :أنا أحق بها؛ لأن خالتها عندي ،فقالوا :لا ،حتى نقترع.
فالأقرب أنهم تنافسوا أيهم يكفل مريم تنافسا ً في الخـير؛ لأنهم جميعا ً كانوا يحبون ذلك ويتنافسون عليه ،لا كما زعم بعضهم أنهم
أصابهم فقر ،وتنازعوا فيمن يتحمل نفقتها كأنهم كانوا متضررين من ذلك ،فحسما ًللنزاع اقترعوا.
هذا بعيد! فقال زكر يا) :أنا أحق بها؛ لأن خالتها عندي ،فقالوا :لا ،حتى نقترع ،فانطلقوا وهم تسعة وعشرون إلى نهر الأردن ،وألقوا
أقلامهم على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد فهو أولى بها ،ومن غرق قلمه أو ذهب مع الماء فلا حق له فيها ،فثبت قلم زكر يا ،فأخذها
وبنى لها غرفة في المسجد بسلم لا يصعد إليها غيره ،وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها ،فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ،وفاكهة
ل عَلَيْهَا زَكَر ِ َي ّا الْمِح ْرَابَ وَجَد َ عِنْد َه َا رِزْقًا(( ]آل عمران ،([٣٧:أحد الصحابة
ك َ ّفلَه َا زَكَر ِ َي ّا ك ُ َل ّمَا دَخ َ َ
الشتاء في الصيف ،كما قال تعالى)) :و َ َ
رضي الل ّٰه تعالى عنهم أيضا ًكان له مثل هذه الـكرامة ،وذلك عندما كان مأسورا ً عند الـكفار ،فكان يوجد عنده قطف من العنب في
الشتاء ،والل ّٰه أعلم.
ك َ ّفلَه َا زَكَر ِ َي ّا(( أي :ضمها إليه ،أصل كلمة)) :زكر يا(( تذكار الرب ،يعني :تذكر الرب سبحانه وتعالى ،وهي تقرأ)) :زكر يا(( أو
))و َ َ
ك َ ّفلَه َا زَكَر ِ َي ّا(( ،إذاً :إعراب زكر يا مفعول ثان.
)زكر ياء( والمكفل هو الل ّٰه سبحانه وتعالى)) :و َ َ
ل عَلَيْهَا زَكَر ِ َي ّا الْمِح ْرَابَ (( ،المحراب :هو أشرف المجالس؛ لأن المحراب هو الغرفة والموضع العالي ،وهو سيد
ك َ ّفلَه َا زَكَر ِ َي ّا ك ُ َل ّمَا دَخ َ َ
))و َ َ
المجالس ومقدمها وأشرفها.
وسمي محراب المسجد بهذا الاسم؛ لانفراد الإمام فيه وبعده عن القوم يقال :فلان حرب لفلان؛ يعني :إذا كان بينهما مباغضة ومباعدة
وخصام ،فيعبرون عن ذلك بكلمة) :حرب( لأن فيه معنى البعد.
وقيل :المحراب مأخوذ من المحاربة؛ لأن المصلي يحارب الشيطان ،و يحارب نفسه بإحضار قلبه.
وعلى أي الأحوال فالمحراب المقصود به أنه أشرف الأماكن وأكرم المواضع من المجلس ،وأشرف المسجد هو مقام الإمام.
ل عَلَيْهَا زَكَر ِ َي ّا الْمِح ْرَابَ (() ،كلما( صيغة عموم تعم الوقت كله ،أي :كلما دخل الغرفة ))وَجَد َ عِنْد َه َا رِزْقًا قَا َ
ل ي َا م َْر ي َم ُ ))ك ُ َل ّمَا دَخ َ َ
الل ّهِ(( ،مع أنها كانت صغيرة؛ لـكنها أجابت هذه الإجابة التي تفصح عن
ت ه ُو َ م ِنْ عِنْدِ َ أَ َن ّى ل َ ِ
ك هَذ َا(( أي :من أين لك هذا؟ ))قَال َ ْ
الل ّهِ(( أي :أنه يأتيني به من الجنة.
يقينها وإيمانها ،بالل ّٰه عز وجل)) ،ه ُو َ م ِنْ عِنْدِ َ
َاب(( ،الحساب هنا بمعنى :التضييق والتقتير.
حس ٍالل ّه َ يَرْز ُقُ م َنْ يَش َاء ُ ب ِغَيْر ِ ِ
ن َ ))إ َ ّ
ثم ذكرت التعليل؛ حيث قالتِ :
الل ّه َ يَرْز ُقُ م َنْ يَش َاءُ(( ،فيه كرامة لـ مريم عليها السلام.
ن َ ))إ َ ّ
فقولهاِ :
َاب(( أي :بغير تقدير لـكثرته ،أو بغير استحقاق تفضلا ًمنه تبارك وتعالى
حس ٍَاب(( أي :رزقا ًواسعا ًبلا تبعة ،أو ))بِغَيْر ِ ِ
حس ٍ))بِغَيْر ِ ِ
ومحض فضل ومن ّة من الل ّٰه عز وجل.
Shamela.org ٣٧٨
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
ك د َعَا زَكَر ِ َي ّا ر ََب ّه ُ(( ،أي :أنه طمع في أن يحقق الل ّٰه سبحانه وتعالى له ما يصبو إليه؛ لأنه لما رأى أن الل ّٰه سبحانه وتعالى رزقها
))ه ُنَال ِ َ
الفاكهة في غير حينها ،وعلم أن القادر على الإتيان بالشيء في غير حينه قادر على الإتيان بالولد حين الـكبر ،وكان أهل بيته انقرضوا.
َب ه َْب ل ِي م ِنْ لَدُنْكَ(( أي :من عندك، ك د َعَا زَكَر ِ َي ّا ر ََب ّه ُ(( ،أي :لما دخل المحراب للصلاة في جوف الليل)) :قَا َ
ل ر ِّ ))ه ُنَال ِ َ
))ذُرِّ َي ّة ً طَي ِّب َة ً(( أي :ولدا ً صالحاً.
ك سَم ِي ُع ال ُد ّعَاءِ(( أي :مجيب الدعاء.
))إ َن ّ َ
ِ
تفسير قوله تعالى) :فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب( ٢٣.١٧
تفسير قوله تعالى) :فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب(
ن َ
الصّ الِ حـ ِينَ{ الل ّه ِ وَسَيِّدًا و َ َ
حصُور ًا و َنَب ًِي ّا م ِ َ ن َ ص ّدِقًا بِكَل ِمَة ٍ م ِ َ
الل ّه َ يُبَش ِّرُك َ بِيَح ْي َى م ُ َ
ن َ اب أَ َ ّ
قال تعالى} :فَنَاد َت ْه ُ ال ْمَلائِك َة ُ و َه ُو َ قَائِم ٌ يُصَل ِّي فِي الْمِح ْر َ ِ
]آل عمران.[٣٩:
اب(( ،قيل :الملائكة على ظاهرها ،وقيل :المقصود بها :ملك واحد وهو جبر يل عليه السلام.
))فَنَاد َت ْه ُ ال ْمَلائِك َة ُ و َه ُو َ قَائِم ٌ يُصَل ِّي فِي الْمِح ْر َ ِ
اب(( أي :المسجد أو مكان العبادة.
))و َه ُو َ قَائِم ٌ يُصَل ِّي فِي الْمِح ْر َ ِ
الل ّهَ(( :يعني :بأن الل ّٰه ،وفي قراءة بالـكسر :بتقدير أن الملائكة أو أن جبر يل قال) :إن الل ّٰه(. ن َ ))أَ َ ّ
))يُبَش ِّرُك َ(( ،إما يُبش ِّر ُك ،أو يَب ْش ُرك ،الب َش َرة هي ظاهر الجلد.
))بِيَح ْي َى(( ،يحيى أصلها في لغتهم :يوحنا ،ومعناها في نعمة الرب.
الل ّهِ(( أي :بكلمة كائنة من الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وهي كلمة :كن؛ لأن هناك آية أخرى فصلت ما هي هذه الكلمة
ن َ ص ّدِقًا بِكَل ِمَة ٍ م ِ َ
))م ُ َ
كما في قوله تعالى}ِ :إ َن ّمَا قَو ْلُنَا ل ِشَيْء ٍ ِإذ َا أَ رَدْن َاه ُ أَ ْن نَق ُو َ
ل لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ{ ]النحل.[٤٠:
الل ّهِ(( أي :يحيى ،مصدقا ً بعيسى أنه روح الل ّٰه وأمره وكلمته؛ لـكن روح المسيح كباقي أرواح المخلوقات ،أي أن قوله
ن َ ))بِكَل ِمَة ٍ م ِ َ
ح مِن ْه ُ{ ]النساء [١٧١:ليس المقصود البعضية أو الجزئية والعياذ بالل ّٰه ،لا يمكن أبدا ً أن يكون المسيح جزءا ً من الل ّٰه سبحانه
تعالى} :وَر ُو ٌ
وتعالى معاذ الل ّٰه ،هذا كفر بلا شك.
Shamela.org ٣٧٩
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
ات لـكن المقصود بـ )من( هنا ،م ِن الابتدائية أي :أن ابتداء خلقه منه سبحانه وتعالى ،وذلك كما في قوله تعالى} :و َسَ َخ ّر َلـَك ُ ْم م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
ض جَم ِيع ًا مِن ْه ُ{ ]الجاثية [١٣:هل كل ما في السماوات والأرض جزء من الل ّٰه؟! لا ،لـكن ابتداء خلقها من الل ّٰه ،كذلك وَم َا فِي الأَ ْر ِ
الل ّهِ(( هي )كن(. ن َ قوله)) :بِكَل ِمَة ٍ م ِ َ
حه ِ(( ]السجدة ،[٩:فكل مخلوق ينفخ الل ّٰه فيه من روحه ،وهذه الروح مخلوقة بلا شك خلقها الل ّٰه ،كما
خ ف ِيه ِ م ِنْ ر ُو ِ
أما قوله)) :و َنَف َ َ
تقول :بيت الل ّٰه ،ناقة الل ّٰه ،هذه إضافة تشر يف ،فروح الل ّٰه يعني :الروح التي خلقها الل ّٰه له.
حه ِ{ ]السجدة.[٩: س َو ّاه ُ و َنَف َ َ
خ ف ِيه ِ م ِنْ ر ُو ِ ن م ِنْ طِينٍ{ ]السجدة} ،[٧:ث َُم ّ َ
الإنس َا ِ
ق ِو يقول تعالى} :و َبَد َأَ خ َل ْ َ
حصُور ًا(( أي :ممنوعا ً من النساء من غير علة ،بمعنى :أنه لا يرغب فيهن؛ بسبب
))وَسَيِّدًا(( أي :متبوعا ً يسود قومه و يفوقهم ))و َ َ
اشتغاله بطاعته لل ّٰه سبحانه وتعالى وعبادته ،فإنما يمتنع من ذلك عفة وزهدا ً واجتهادا ً في الطاعة؛ لأن هذا بلا شك وارد في سياق الثناء
على يحيى عليه السلام ،فالثناء يكون بالأمر المكتسب ،لا بالأمر الجبلي ،بهذا يبطل قول بعض المفسرين :إنه كان عنينا ًلا يأتي النساء.
وصيغة )حصور( بوزن فعول ،وهي بمعنى :حاصر ،أي :أنه يحصر نفسه عن الشهوات ،ونقول :إن هذا لعله كان في شرعهم ،أما
شرعنا فهو بخلاف ذلك ،فإنه لا يمدح الإنسان بالزهد في هذا الأمر ،بل بالعكس حرض نبينا صلى الل ّٰه عليه وسلم على هذا ،ونهى عن
التبتل كما نهى عثمان بن مظعون رضي الل ّٰه تعالى عنه ،وكما نهى أبا هريرة عن الاختصاء ،وكما قال في حديث الرهط الثلاثة) :وأنكح
النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس مني(.
إذاً :ديننا وشرعنا بخلاف ذلك ،وإنما فيه حث وتحر يض على النكاح ،أما الرهبانية في هذه الأمة فهو الجهاد ،وقال عليه الصلاة
والسلام) :تناكحوا تناسلوا فإني مباه ٍ بكم الأمم يوم القيامة( ،وفي حديث عياض بن حمار المشهور في صحيح مسلم ،قال عليه الصلاة
والسلام) :وأهل النار خمسة( ،فذكر من أهل النار) :الضعيف الذي لا زبر -أي :لا عقل -له ،والذين هم فيكم تبعا ً لا يبغون أهلا ً
ولا مالاً( ،أي :من لا يطمح في أن يتزوج و يكون له أهل أو يجتهد في توسيع رزقه.
قوله) :لا يبغون أهلا ًولا مالاً( ،هذا من دناءة الهمة وخستها ،يقول :حتى لا أتحمل المسئولية ،وإذا انضم إلى ذلك ما يدعو إليه من
الفواحش ،فإن الأمة تصير إلى المهالك والمفاسد.
ن َ
الصّ الِ حـ ِينَ(( ،أي :ناشئا ً من الصالحـين؛ لأنه من ذر ية قو ٍم صالحـين ومن أصلابهم ،أو كائنا ً من جملتهم ،والصالح :هو ))و َنَب ًِي ّا م ِ َ
الذي يؤدي لل ّٰه ما افترض عليه ،و يؤدي إلى الناس حقوقهم ،هذا حد الرجل الصالح.
وروي )أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها عليه السلام(.
تفسير قوله تعالى) :قال رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الـكبر( ٢٣.١٨
تفسير قوله تعالى) :قال رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الـكبر(
ل م َا يَش َاءُ{ ]آل عمران.[٤٠:
الل ّه ُ ي َ ْفع َ ُ
ك َ َب أَ َن ّى يَكُونُ ل ِي غُلام ٌ و َق َ ْد بلََغَنِي َ ال ْـكِب َر ُ و َامْرَأَ تِي عَاق ِر ٌ قَا َ
ل كَذَل ِ َ ل ر ِّ
قال تعالى} :قَا َ
َب أَ َن ّى يَكُونُ ل ِي غُلام ٌ و َق َ ْد بلََغَنِي َ ال ْـكِب َر ُ و َامْرَأَ تِي عَاق ِر ٌ(( ،قال بعض المفسرين:
ل ر ِّ
قال عز وجل حاكيا ً عن زكر يا عليه السلام)) :قَا َ
َب أَ َن ّى(( أي :كيف؟ أو من أين؟ ))يَكُونُ ل ِي غُلام ٌ(( ل ر ِّلما تحققت البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الـكبر! ))قَا َ
أي :ولد.
قولهم للطفل :غلام على معنى التفاؤل ،أي :أنه سيكبر و يصير غلاماً ،ولا يموت طفلاً ،وقولهم للـكهل :غلام ،بمعنى :أنه كان من
قبل غلاماً.
))و َق َ ْد بلََغَنِي َ ال ْـكِب َر ُ(( ،أي :بلغت الـكبر وبلغني الـكبر.
Shamela.org ٣٨٠
آل عمران ][41 - 21 ٢٣
قال بعض المفسرين :ليس المقصود هنا أن زكر يا يستبعد هذا الأمر ،وإنما كان يريد أن يستفهم عن كيفية وجود الولد ،هل ستعود
زوجته شابة؟ لأنها كانت عاقراً ،وكان كبيرا ً في السن ،أم يأتي وهما على هذه الحال قد بلغا من الـكبر عتياً.
َب أَ َن ّى يَكُونُ ل ِي غُلام ٌ(( كان على وجه التواضع ،بمعنى :بأي منزلة أستوجب هذا وأنا لست مستحقا ً لهذه الـكرامة
أو أن قوله)) :ر ِّ
أو لإجابة هذا الدعاء.
))و َق َ ْد بلََغَنِي َ ال ْـكِب َر ُ(( أي :بلغت نهاية السن مائة وعشرين سنة.
ل كَذَلِكَ(( أي :أن الأمر كذلك في كونه يخلق غلاما ًمنكما ،وأنتما
))و َامْرَأَ تِي عَاق ِر ٌ(( أي :معقورة قد بلغت ثمانية وتسعين سنة)) :قَا َ
كبيران في السن ،بمعنى :أنكما لن ترجعا شباباً.
ل م َا يَش َاءُ(( أي :لا يعجزه شيء ،ولا يحتاج إلى سبب.
))الل ّه ُ ي َ ْفع َ ُ
َ
ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه الل ّٰه أن يسأل هذا
َب أَ َن ّى يَكُونُ ل ِي غُلام ٌ(( كي يأتي المقصود من الجواب بإظهار قدرة الل ّٰه عز وجل.
السؤال )) ر ِّ
يخ ْلُقُ{ ]آل عمران ،[٤٧:وسنوضح الفرق إن شاء الل ّٰه.
الل ّه ُ َ
ك َ ل كَذَل ِ ِ
وهنا في قصة زكر يا قال) :يفعل( أما في قصة المسيح} :قَا َ
Shamela.org ٣٨١
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
Shamela.org ٣٨٢
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
السلام ،حتى يأتي بالقول الفصل في كل من تنازعوا فيه ،فالقرآن حاكم على ما جاء قبله ومخـبر بالصدق في ذلك ،فهذا كقوله تعالى:
طورِ{ ]القصص ،[٤٦:وكقوله في }وَم َا كُنتَ بِ جَان ِِب الْغَر ْب ِ ِيّ ِإ ْذ نادينا( ]القصص ،[٤٤:وكقوله تبارك وتعالى} :وَم َا كُنتَ بِ جَان ِِب ال ُ ّ
ك ك م ِنْ أَ ن ْبَاء ِ الْغَي ِ
ْب نُوحِيهَا ِإلَي ْ َ قصة يوسف عليه السلام} :وَم َا كُنتَ لَدَيْه ِ ْم ِإ ْذ أَ جْم َع ُوا أَ مْرَه ُ ْم و َه ُ ْم يَم ْك ُر ُونَ{ ]يوسف [١٠٢:وقوله} :تِل ْ َ
ل هَذ َا{ ]هود ،[٤٩:فهذه إشارة إلى أن مصدر هذه الأخبار كلها الوحي لا غير. ك م ِنْ قَب ْ ِ
م َا كُنتَ تَعْلَمُه َا أَ ن ْتَ و َلا قَوْم ُ َ
كن ْتَ لَدَيْه ِ ْم ِإ ْذ يلُْق ُونَ أَ ق ْلامَهُمْ(( أي :في الماء يقترعون ليظهر لهم ))أَ ُ ّيه ُ ْم ي َ ْكف ُ ُ
ل م َْر ي َم َ(( ،أي :أيهم يضمها إليه وأيهم يربيها. ))وَم َا ُ
قال العلماء :هذه الآية أصل في جواز القرعة عند التنازع.
يخ ْت َصِ م ُونَ(( ،أي :في كفالتها ،وكما ذكرنا أنهم يختصمون تنافسا ًفي حيازة هذا الشرف ،لا تدافعا ً كما زعم بعض
كن ْتَ لَدَيْه ِ ْم ِإ ْذ َ
))وَم َا ُ
الناس.
تفسير قوله تعالى) :إذ قالت الملائكة يا مريم إن الل ّٰه يبشرك( ٢٤.٤
تفسير قوله تعالى) :إذ قالت الملائكة يا مريم إن الل ّٰه يبشرك(
ن ال ْمُق ََر ّبِينَ{ ]آل ن م َْر ي َم َ وَجِيهًا فِي ال ُد ّن ْيَا و َالآ ِ
خرَة ِ وَم ِ َ ح ع ِيس َى اب ْ ُ الل ّه َ يُبَش ِّر ُ ِ
ك بِكَل ِمَة ٍ مِن ْه ُ اسْم ُه ُ ال ْمَسِي ُ ن َ ت ال ْمَلائِك َة ُ ي َا م َْر ي َم ُ ِإ َ ّ
ِ}إ ْذ قَال َ ِ
عمران.[٤٥:
ك بِكَل ِمَة ٍ مِن ْه ُ(( أي :بولد.
الل ّه َ يُبَش ِّر ُ ِ
ن َ ت ال ْمَلائِك َة ُ(( أي :اذكر إذ قالت الملائكة وهو جبر يل عليه السلام)) :ي َا م َْر ي َم ُ ِإ َ ّ
))إ ْذ قَال َ ِ
ِ
فالمقصود بالكلمة هو الولد يحصل بكلمة من الل ّٰه بلا واسطة أب ،فهذا من إطلاق السبب وإرادة المسبب.
ن م َْر ي َم َ((.
ح ع ِيس َى اب ْ ُ
))اسْم ُه ُ ال ْمَسِي ُ
يجوز في غير القرآن أن تقول :بكلمة منه اسمها ،لـكن ذ َك ّر الضمير الراجع إلى الكلمة؛ لـكونها عبارة عن مذكر وهو المسيح عيسى بن مريم.
وبدأ باللقب لأنه أشهر ،ولذلك كثير من العلماء يشتهرون بألقابهم.
ن م َْر ي َم َ(( المسيح معناه :المدهون بدهن القدس ،أو المسيح بمعنى :أنه كان لا يوجد له أخمص قدمين ،أو ح ع ِيس َى اب ْ ُ
))اسْم ُه ُ ال ْمَسِي ُ
المسيح بمعنى :أنه كان كثير السياحة في الأرض ،أو المسيح بمعنى :أنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ بإذن الل ّٰه تبارك وتعالى.
والمسيح :مسيح الحق وهو المسيح عليه السلام ،ومسيح الضلالة وهو الدجال الأعور.
ن م َْر ي َم َ(( أنه ابن مريم لا ابن الل ّٰه ،كما يزعم الملحدون من النصارى ،وصرح بنسبته إليها تنبيها ًعلى
ح ع ِيس َى اب ْ ُ
وفي قوله)) :اسْم ُه ُ ال ْمَسِي ُ
أنه يولد بلا أب ،ولو كان له أب لنسبه إليه.
فهذا فيه رد على ملاحدة النصارى الذين يزعمون أنه ابن الل ّٰه.
))وجيهاً(( أي :ذا جاه.
والوجيه :هو المحبب المقبول ،وهو ذو الجاه والمنزلة الرفيعة عند ذوي القدر والمعرفة.
))وَجِيهًا فِي ال ُد ّن ْيَا(( بالنبوة.
)والآخرة( بالشفاعات والدرجات العلى.
ن ال ْمُق ََر ّبِينَ(( ،أي :من المقربين عند الل ّٰه تبارك وتعالى يوم القيامة.
))وَم ِ َ
Shamela.org ٣٨٣
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
اس فِي ال ْم َ ْهدِ(( ،والمهد :هو الموضع الذي يهيأ و يوطأ للصبي لينام فيه ،وهو يكلم الناس حال كونه طفلاً ،و يكلمهم حال ))و َيُك َل ِ ّم ُ َ
الن ّ َ
كونه كهلاً.
فهو عليه السلام مجرد أن ولد تكلم كلاما ً حكيما ً ذا معاني سامية ورفيعة؛ لأن كلام الأنبياء أكمل وأعظم وأفصح الكلام ،قال لهم
الل ّه ِ آت َانِي َ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَب ًِي ّا * و َ َ
جعَلَنِي م ُبَارَك ًا الل ّهِ{ ]مريم ،[٣٠:بدأ بالإعلان عن العبودية ِ}إن ِ ّي عَبْد ُ َ
ل ِإن ِ ّي عَبْد ُ َ
وهو في المهد} :قَا َ
ن م َا كُنتُ { ]مريم ،[٣١ - ٣٠:إلى آخر الآيات.
أَ ي ْ َ
كلام الأنبياء من غير تفاوت بين الحالتين لا شك أنه في غاية الإعجاز ،وفي ذلك أيضا ًبشارة ببقائه وامتداد أجله وأنه لن يموت صغيراً،
بل يبقى إلى أن يشاء الل ّٰه.
أما الـكهل :فهو من بدأ الشيب يخالط شعره ،أو من جاوز الثلاثين إلى الأربعين أو من الأربعين إلى الخمسين ،وقيل له :كهل؛ لانتهاء
شبابه وكمال قوته ،والانتهاء ليس معناه :أنه انتهت قوته ،بل الانتهاء هو وصولها إلى أكمل ما يكون في هذه السن ،بمعنى :أن الإنسان
يكون كاملا ًبدنيا ًوكاملا ًعقليا ًٺتوافر قوته العقلية والبدنية ،ومنه يقال :قد اكتهل النبات ،أي :بلغ عنفوان قوته ونموه ونضجه.
الغلام يكون طفلا ًثم بعد ذلك إذا اقترب من البلوغ يسمى :مراهقاً ،فالمراهق هو من كان قبل البلوغ ،ثم بعد المراهق يسمى :محتلماً،
ثم إذا بدأت اللحية تنبت فيه يقال :اتصلت لحيته ،ثم يوصف بأنه مجتمع ،ثم كهل ،والـكهل هو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
الحكمة من تكليم عيسى عليه السلام الناس في المهد وعند الـكهولة ٢٤.٥.١
Shamela.org ٣٨٤
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
تفسير قوله تعالى) :قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر( ٢٤.٦
تفسير قوله تعالى) :قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر(
ق م َا يَش َاء ُ ِإذ َا ق َض َى أَ مْرًا ف َِإ َن ّمَا يَق ُو ُ
ل لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ{ ]آل عمران.[٤٧: يخ ْل ُ ُ
الل ّه ُ َ
ك َ ل كَذَل ِ ِ َب أَ َن ّى يَكُونُ ل ِي وَلَد ٌ و َل َ ْم يَمْسَ ْ
سنِي بَشَر ٌ قَا َ ت ر ِّ
}قَال َ ْ
َب(( تخاطب الل ّٰه سبحانه وتعالى.
ت ر ِّ
))قَال َ ْ
))أَ َن ّى(( ،أي :كيف؟! ))يَكُونُ ل ِي وَلَد ٌ و َل َ ْم يَمْسَ ْ
سنِي بَشَر ٌ(( أي :بتزوج ولا غيره.
والمسيس :هو الجماع.
ل كَذَلِكِ(( أي :قال جبر يل :الأمر كذلك ،من خلق ولد منك بلا أب ،هذا أمر الل ّٰه سبحانه وتعالى.
))قَا َ
ق م َا يَش َاءُ(( أي :قد يخلقه بسبب وقد يخلقه بدون سبب ،ولذلك يقول النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم) :لو أن الماء الذي يخ ْل ُ ُ
)) َ
يكون منه الولد أرقته على صخرة لكان منه الولد ،وليخلقن الل ّٰه نفسا ًهو خالقها( ،أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
ق ما يشاء(( أي :لا يحتاج إلى سبب ولا يعجزه شيء.
يخ ْل ُ ُ
الل ّه ُ َ
ك َ ))كَذَل ِ ِ
ل م َا يَش َاءُ{ ]آل عمران[٤٠:؛ لأن الخلق المنبئ عن
ق م َا يَش َاءُ(( أما في قصة زكر يا قال} :يَفْع َ ُ
يخ ْل ُ ُ
وصرح هاهنا بالخلق بقولهَ )) :
الإحداث للمكون أنسب بهذا المقام؛ لئلا يبقى لمبطل شبهة.
))إذ َا ق َض َى أَ مْرًا(( ،أي :إذا أراد خلقه.
ِ
حدَة ٌ ك َلَم ٍْح
ل لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ(( ،أي :فهو يكون من غير تأخر ومن غير حاجة إلى سبب ،كما قال تعالى} :وَم َا أَ مْرُن َا ِإ َلّا و َا ِ
))ف َِإ َن ّمَا يَق ُو ُ
ب ِال ْب َصَر ِ{ ]القمر [٥٠:أي :إنما نأمر مرة واحدة لا ٺثنية فيها ،فيكون ذلك الشيء سر يعا ًكلمح البصر.
تفسير قوله تعالى) :و يعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل( ٢٤.٧
تفسير قوله تعالى) :و يعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل(
َالإنج ِيلَ{ ]آل عمران.[٤٨:
َالت ّوْر َاة َ و ِ }و َيُع َل ِّم ُه ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َ
}و َيُع َل ِّم ُه ُ{ ]آل عمران ،[٤٨:بالياء ،وفي قراءة) :ونعلمه( بالنون.
))الْكِتَابَ (( إما الكتابة نفسها أو الخط ،أو الكتاب هنا المقصود به جنس الكتاب ،أي :جنس الـكتب الإلهية.
))و َالْح ِ ْ
كم َة َ(( ،وهي تهذيب الأخلاق.
َالإنج ِيلَ(( ،إذا قلنا :إن الكتاب المقصود به جنس الـكتب الإلهية فيكون ذكر التوراة والإنجيل هنا من باب ذكر الخاص ))و َ
َالت ّوْر َاة َ و ِ
بعد العام ،وإنما خصصا بالذكر لشرفهما وز يادة فضلهما على غيرهما.
تفسير قوله تعالى) :ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم( ٢٤.٨
Shamela.org ٣٨٥
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
))إلَى بَنِي ِإسْر َائيِلَ(( أي :إلى جميع بني إسرائيل ،فالمسيح عليه السلام ما أرسل إلا إلى بني إسرائيل ،وهو نفسه قال ذلك حتى في
ِ
الإنجيل الذي بين أيديهم) :إنما أرسلت إلى خراف بني إسرائيل الضالة(.
ما أرسل نبي من الأنبياء إلى جميع البشر ،إنما اختص بذلك خاتمهم وسيدهم محمد صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم.
أما الأنبياء فكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ،فموسى عليه السلام كان رسولا ً إلى بني إسرائيل} :أَ ْن أَ ْرسِلْ مَع َنَا بَنِي ِإسْر َائيِلَ{
]الشعراء ،[١٧:كان كل طلبه من فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل.
كذلك المسيح عليه السلام إنما كان رسولا ًإلى بني إسرائيل ،وإنما بولس الخبيث أو شاول كان يهوديا ًوهو الذي أفسد الديانة النصرانية،
وكان يعذب النصارى و يضطهدهم أشد الاضطهاد ،ثم تظاهر بولس بالدخول فيها ليفسدها.
فهو الذي ابتدع مسألة الذهاب في أقطار الأرض ليعمدوا النصرانية وينشروها باسم كذا وكذا ،وموضوع التبشير الذي ابتدعه بولس
الخبيث تحت زعم أنه حصل له رؤ يا أو كشف أو شيء من هذا ،فيمكن أن يكون من الشفافية ،ويمكن أن يكون كذاباً؛ لأنه نفسه
كان شيطاناً.
على أي الأحوال فالمسيح عليه السلام ما بعث إلى البشر ية كلها ،وما يسمى الآن بالتبشير ودعوة الناس إلى النصرانية كله افتراء
وباطل؛ لأن المسيح لم يبعث إلى القبط ولا إلى الفرنجة ولا إلى كذا وكذا ،وإنما بعث إلى قومه بني إسرائيل فقط ،أما الديانة التي
ينبغي أن تكون عالمية فهي ديانة واحدة فقط وهي الإسلام ،ودعوة واحدة وهي دعوة رسول الل ّٰه محمد صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم.
))وَرَسُول ًا ِإلَى بَنِي ِإسْر َائيِلَ(( ،أي :في الصبا أو بعد البلوغ ،فنفخ جبر يل في جيب درعها ،وجيب درعها هو فتحة الصدر ،فحملت،
وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم.
جئ ْتُك ُ ْم ب ِآيَة ٍ(( ،الآية هي العلامة على صدقه ،وهي
فلما بعثه الل ّٰه إلى بني إسرائيل قال لهم)) :أَ ن ِ ّي(( أي :بأني رسول الل ّٰه إليكم)) ،ق َ ْد ِ
ليست آية واحدة بل آيات متعددة ،فالتنكير هنا للتفخيم ،والجار متعلق بمحذوف وقع حالاً ،أي :جئتكم متلبسا ًومحتجا ًبآية من ربكم،
وهي علامة على صدقي.
قوله) :أَ ن ِ ّي( وفي قراءة بالـكسر استئنافاً ،أي) :بآية من ربكم إني أخلق لـكم(.
))أَ خْلُقُ(( أي :أصور.
فلا يصح هنا إلا أن نفسر كلمة) :أَ خْلُقُ( بمعنى :أصور؛ لأنه لا يجوز إسناد فعل الخلق بمعنى الإ يجاد إلى غير الل ّٰه تعالى ،فإن الل ّٰه
الل ّهِ{ ]فاطر ،[٣:فلا خالق على سبيل الإ يجاد ل شَيْءٍ{ ]الرعد ،[١٦:وقال} :ه َلْ م ِنْ خ َال ِ ٍ
ق غَي ْر ُ َ ق ك ُ ِّ
}الل ّه ُ خ َال ِ ُ
سبحانه وتعالى كما قالَ :
إلا الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وما فعله المسيح عليه السلام كانت معجزات أجراها الل ّٰه تعالى على يديه؛ تصديقا ًله ليؤمن بنو إسرائيل برسالته
ويتبعوه.
ق لـكم(( أي :أصور لـكم.
))أَ ن ِ ّي أَ خْل ُ ُ
كهَي ْئَة ِ ال َ ّ
طيْر ِ(( أي :مثل هيئة الطير ،فالكاف هنا اسم مفعول. ط ِينِ َ
ن ال ّ
))م ِ َ
الل ّهِ(( ،الضمير هنا يعود على الكاف الذي في قولهَ ) :
كهَي ْئَة ِ ال َ ّ
طيْر ِ(. ن َ خ ف ِيه ِ فَيَكُونُ َطيْر ًا ب ِِإ ْذ ِ
))ف َأَ نف ُ ُ
خ ف ِيه(( أي :في المصور الذي هو مثل هيئة الطير.
))ف َأَ نف ُ ُ
))فَيَكُونُ َطيْر ًا(( أي :حقيقيا ًذا حياة ،وفي قراءة) :فيكون طائراً(.
الل ّهِ(( أي :بإرادته وأمره لا باستقلال مني.ن َ
))ب ِِإ ْذ ِ
يقول السيوطي :فخلق لهم الخفاش؛ لأنه أكمل الطير خلقاً ،يطير وهم ينظرونه ،فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً؛ ليتميز فعل المخلوق
من فعل الخالق.
وهذا الكلام يحتاج إلى خبر مرفوع إلى المعصوم صلى الل ّٰه عليه وسلم.
Shamela.org ٣٨٦
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
الل ّهِ(( ،كرره لنفي توهم الألوهية فيه؛ لأن هذه معجزات قاهرة فعلية ،فأحيا عاذر صديقا ً له ،وابن العجوز،
ن َ ))و َ ُأح ِْي ال ْمَو ْتَى ب ِِإ ْذ ِ
وابنة العاشر ،أي ابنة الذي كان يجبي الضرائب والعشر ،فعاشوا وولد لهم ،وأحيا سام بن نوح ومات في الحال.
وكل هذا الكلام من الإسرائيليات التي تحتاج إلى نوع من التحفظ.
))و َ ُأنَب ِّئُك ُ ْم بِمَا ت َأْ ك ُلُونَ وَم َا ت َ ّد ِ
خر ُونَ فِي بُي ُوتِكُمْ(( ،أي :مما تخبئون مما لم أعاينه ،فكان يخـبر الشخص بما أكل وبما لم يأكل بعد ،ولم يقل
هنا :بإذن الل ّٰه؛ لأنه علم من السياق أن هذا كله إنما هو بإذن الل ّٰه عز وجل ،فاستغنى عن إعادته لشدة ظهوره.
كن ْتُم ْ مُؤْم ِنينَ{ ،أي :هذا المذكور فيه دلالة لـكم على صدقي في دعوى الرسالة.
ك ل َآيَة ً لـَك ُ ْم ِإ ْن ُ ))إ َ ّ
ن فِي ذَل ِ َ ِ
تفسير قوله تعالى) :ومصدقا لما بين يدي من التوراة صراط مستقيم( ٢٤.٩
تفسير قوله تعالى) :ومصدقا ًلما بين يدي من التوراة صراط مستقيم(
ْض ال َ ّذ ِي حُرِّم َ عَلَيْكُمْ(( ،فهذا فيه دليل يؤيد القول بأن المسيح عليه السلام نسخ بعض شر يعة موسى عليه السلام. ))و َل ِ ُأ ِ
ح َّ
ل لـَك ُ ْم بَع َ
بعض العلماء يقولون :لم يحصل نسخ وإنما كانت هناك أشياء مبهمة ومختلطة عليهم وضحها لهم ،والل ّٰه تعالى أعلم.
فأحل لهم من السمك والطير ما لا شوكة له يؤذي بها.
وقيل :أحل الجميع؛ لأن كلمة )بعض( تأتي بمعنى :كل.
جئ ْتُك ُ ْم ب ِآيَة ٍ م ِنْ ر َبِّكُمْ(( أي :جئتكم بآيات تعلمون بها صدقي ،وإنما وحد الآيات وعبر عنها بكلمة آية ٍ؛ لأن الكل من جنس واحد.
))و َ ِ
قوله)) :م ِنْ ر َبِّكُمْ(( أي :من عند ربكم ،كرره تأكيدا ً وليبني عليه)) :ف َ َات ّق ُوا َ
الل ّه َ و َأَ طِيع ُونِ(( أي :فيما آمركم به من توحيد الل ّٰه
وطاعته.
َاط مُسْتَق ِيم ٌ(( ،أي :طر يق مستقيم ،فكذبوه ولم يؤمنوا به عليه الل ّه َ ر َب ِ ّي وَر َُب ّك ُ ْم فَاعْبُد ُوه ُ هَذ َا(( ،أي :هذا الذي آمركم به ))صِر ٌ
ن َ ))إ َ ّ
ِ
السلام.
٢٤.١٠الأسئلة
الأسئلة
Shamela.org ٣٨٧
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
Shamela.org ٣٨٨
آل عمران ][51 - 42 ٢٤
و يكفي الممتنع عن الإنجاب عقوقا ًأن يكون هو الشخص الأول الذي يقطع هذه السلسلة ،التي تبدأ بآدم وتنتهي به.
أيضا ًورد من حديث أبي ذر رضي الل ّٰه تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له في وصية جامعة) :ولك في جماعك زوجتك
أجر ،قال أبو ذر :كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال صلى الل ّٰه عليه وسلم :أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات
أكنت تحتسبه؟ قلت :نعم ،قال :فأنت خلقته؟ قال :بل الل ّٰه خلقه ،قال :فأنت هديته؟ قال :بل الل ّٰه هداه ،قال :فأنت ترزقه؟ قال:
بل الل ّٰه كان يرزقه؟ قال :فكذلك تضعه في حلاله وجنبه حرامه فإن شاء الل ّٰه أحياه وإن شاء أماته ولك أجر( فهذا يدل على أنه يستحب
أن ينوي عند إتيان أهله طلب الولد الصالح.
فعلى المسلم أن يستحضر هذه النية فإنه يثاب عليها ،يقول تعالى} :فَالآنَ ب َاشِر ُوه َُنّ و َاب ْت َغ ُوا م َا كَت َبَ َ
الل ّه ُ لـَكُمْ{ ]البقرة [١٨٧:المقصود
ألا تباشروهن لقضاء الوطر وحده ،ولـكن لابتغاء ما وضع الل ّٰه في النكاح من التناسل.
الل ّه ُ لـَكُمْ{ ]البقرة [١٨٧:يعني :من أجل طلب الولد(.
وقال أبو هريرة وابن عباس وأنس)) :و َاب ْت َغ ُوا م َا كَت َبَ َ
وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم لـ جابر رضي الل ّٰه تعالى عنه) :إذا قدمت فالـكيس الـكيس( أي :الجماع الجماع والعقل العقل ،الحديث متفق
عليه.
قال العلماء :المقصود بالـكيس أي :الجماع لطلب الولد ،فهذا فيه تحر يض على طلب الذر ية.
وأيضا ًروى البخاري في صحيحه :باب من طلب الولد للجهاد ،من حديث أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم
قال) :قال سليمان بن داود عليهما السلام :لأطوفن الليلة على مائة امرأة ،أو تسع وتسعين ،كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الل ّٰه،
فقال له صاحبه :قل :إن شاء الل ّٰه ،فلم يقل إن شاء الل ّٰه ،فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ،والذي نفس محمد بيده لو
قال :إن شاء الل ّٰه لجاهدوا في سبيل الل ّٰه فرسانا ًأجمعون( ،فالشاهد هنا كما في ترجمة الباب أنه ينوي عند المجامعة حصول الولد ليجاهد
في سبيل الل ّٰه ،فيحصل له بذلك أجر ،حتى لولم يرزق الولد لـكنه يثاب على هذه النية.
و يقول عمر رضي الل ّٰه عنه) :إني لأكره نفسي على الجماع؛ رجاء أن يخرج الل ّٰه مني نسمة تسبح الل ّٰه تعالى(.
وقال رضي الل ّٰه عنه) :تكثروا من العيال فإنكم لا تدرون ممن ترزقون(.
الموضوع يحتاج إلى كلام أوسع من هذا ،لـكن باختصار شديد ذكرنا أن موضوع تحديد النسل أو ما إلى ذلك من المسميات ،قد يباح
بالجزء سواء بالإجهاض أو بتحديد النسل في حياة فردية حسب ظروف معينة ومعطيات معينة ،فيباح مثل هذا الفعل خلافا ًللأصل
لبعض الأفراد ،لـكن أن يكون هناك إعلان عام للناس يرغبون في تحديد النسل أو في الإجهاض أو غير ذلك من هذه الأشياء فهذا
حرام قطعاً؛ لأن هذا يخالف المقاصد العليا للشر يعة الإسلامية.
والمقاصد العليا للشر يعة الإسلامية :هي حفظ الدين والعقل والدم والنسل والعرض والمال.
إذاً :فكل ما يخل بهذه الضرور يات أو هذه المصالح فإنه يحرم في الشر يعة.
فإذا قالوا :هذه سياسة عليا للدولة ،نقول :كذلك الدولة الإسلامية عندها سياسات عليا لا تقبل النقاش ،من هذه السياسات العليا
للدولة الإسلامية أنه لا يجوز الجهر بأي دعوى ٺتصادم مع المقاصد العليا للشر يعة الإسلامية ،فمثلاً :الشر يعة الإسلامية حرضت على
الزواج ،وسلـكت في سبيل ذلك كل ما أمكن من الوسائل لتسهيل الزواج وتيسيره والحض عليه ،فهذه هي السياسة العليا للدولة
الإسلامية في هذه المسألة ،فلا يجوز بحال من الأحوال تبني دعوى تناقض هذه السياسة ،بمعنى :أن يحرض الشباب على العزوبية،
أو تأخير الزواج ،أو منع الزواج المبكر أو غير ذلك من الوسائل المضادة للمقاصد العليا للشر يعة الإسلامية ،ولذلك لا تستعجب ولا
تستغرب إذا وجدت علماء الحديث يدلون بقاعدة كلية في هذا الباب ،فيقولون :أي حديث فيه التحر يض على العزوبة فهو حديث لا
يصح؛ لمنافاته مقاصد الشر يعة ،فهذا مما يستدل به على ضعف المتن؛ لأنه يخالف مقاصد الشر يعة ،حتى لو صح سنده ،مع أنه لا يوجد
أي حديث صح سنده يحرض على تقليل النسل أبداً ،ولو صح وصادم المقاصد العليا للشر يعة الإسلامية فيطعن في الحديث ،وهذا لا
Shamela.org ٣٨٩
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
يكون إلا للأئمة الكبار وليس لكل الناس نقد الحديث من جهة المتن.
إذاً :أحد الأسباب التي يطعن بها في المتن مع صحة السند منافاته للمقاصد العليا للشر يعة الإسلامية التي تعلم من الدين بالضرورة.
هناك من الناس من يلعبون بعقول الناس ،فتراهم يأتون إلى بعض الحالات الفردية التي يجوز فيها الإجهاض أو تحديد النسل ليعمموها،
مع أن الحالات الفردية هذه محددة ومقيدة بظروف خاصة ،ولا يجوز تبني ما يخالف المقاصد العليا للشر يعة الإسلامية :ومن المقاصد
العليا للشر يعة الإسلامية :التحر يض على الزواج.
تيسير الزواج بكل وسيلة.
منع أي دعوى للعزوبة.
منع قضاء الوطر في خارج دائرة الزواج.
تفسير قوله تعالى) :فلما أحس عيسى منهم الـكفر قال من أنصاري إلى الل ّٰه( ٢٥.١
تفسير قوله تعالى) :فلما أحس عيسى منهم الـكفر قال من أنصاري إلى الل ّٰه(
الل ّه ِ آم ََن ّا ب َِالل ّه ِ و َاشْه َ ْد ب ِأَ َن ّا
ن أَ نْصَار ُ َ
نح ْ ُ الل ّه ِ قَا َ
ل الْحَوَارِ ُي ّونَ َ ل م َنْ أَ نْصَارِي ِإلَى َ يقول الل ّٰه تبارك وتعالى} :فَلَم ّا أَ ح َ ّ
َس ع ِيس َى مِنْهُم ُ ال ْـكُفْر َ قَا َ
مُسْل ِم ُونَ{ ]آل عمران.[٥٢:
قوله تعالى)) :فَلَم ّا أَ ح َ ّ
َس(( أي :علم وعرف عن طر يق الحس والمعرفة والمعاينة.
))مِنْهُم ُ ال ْـكُفْر َ(( أي :من بني إسرائيل الذي ذكروا في الآيات السابقة في خطاب المسيح عليه السلام ،وأرادوا أن يقتلوه عليه السلام.
الل ّهِ(( أي :من أعواني ذاهبا ًومتوجها ًوملتجئا ًإلى الل ّٰه؛ لأنصر دينه.
ل م َنْ أَ نْصَارِي ِإلَى َ
))قَا َ
الل ّهِ(( أي :من أنصاري مع الل ّٰه ،أو من ينصرني مع الل ّٰه ،أو :من أعواني ذاهبا ًومتوجها ًإلى الل ّٰه ،لأنصر
))إلَى َ
وقال بعض المفسرينِ :
شدِيدٍ{ ]هود.[٨٠: ن ل ِي بِك ُ ْم ق َُو ّة ً أَ ْو آوِي ِإلَى رُكْ ٍ
ن َ ل لَو ْ أَ َ ّ
دينه ،كما قال بعض الأنبياء عليهم السلام} :قَا َ
Shamela.org ٣٩٠
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
تفسير قوله تعالى) :ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول( ٢٥.٢
تفسير قوله تعالى) :ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول(
ل فَاكْ تُب ْنَا م َ َع بعد أن أشهدوا نبيهم عليه السلام على هذا الإيمان أشهدوا الل ّٰه تبارك وتعالى فقالوا} :ر َ َب ّنَا آم ََن ّا بِمَا أَ ن ْزَل ْتَ و َا َت ّبَعْنَا َ
الر ّسُو َ
ال َ ّ
شاهِدِينَ{ ]آل عمران.[٥٣:
))ر َ َب ّنَا آم ََن ّا بِمَا أَ ن ْزَل ْتَ (( من الإنجيل.
))و َا َت ّبَعْنَا َ
الر ّسُولَ(( عيسى عليه السلام.
))فَاكْ تُب ْنَا م َ َع ال َ ّ
شاهِدِينَ(( أي :فليكن جزاؤنا على إشهادنا إياك وعلى إيماننا بك أن تكتبنا مع الشاهدين لك بالوحدانية ولرسولك
بالصدق.
الل ّه ُ أَ َن ّه ُ لا ِإلَه َِإ َلّا ه ُو َ و َال ْمَلائِك َة ُ و َ ُأوْلُوا ال ْعِلْم ِ قَائِمًا ب ِالْقِسْطِ لا
وهؤلاء الشاهدون يحتمل أنهم الذين تقدم ذكرهم في قوله تبارك وتعالى} :شَهِد َ َ
ِإلَه َِإ َلّا ه ُو َ الْعَزِيز ُ الْحَكِيم ُ{ ]آل عمران ،[١٨:أو اكتبنا مع الشاهدين أي :مع الأنبياء الذين يشهدون لأتباعهم أنهم آمنوا بهم وصدقوهم.
تفسير قوله تعالى) :ومكروا ومكر الل ّٰه والل ّٰه خير الماكرين( ٢٥.٣
تفسير قوله تعالى) :ومكروا ومكر الل ّٰه والل ّٰه خير الماكرين(
الل ّه ُ و ََالل ّه ُ خَي ْر ُ ال ْمَاكِر ِينَ{ ]آل عمران.[٥٤:
قال تعالى} :وَم َك َر ُوا وَم َك َر َ َ
))وَم َك َر ُوا(( أي :كفار بني إسرائيل ،مكروا بعيسى عليه السلام إذ وكلوا به من يقتله غيلة.
الواو هنا تعود على الذين أحس عيسى منهم الـكفر من بني إسرائيل.
الل ّهُ(( أي :في المقابل مكر الل ّٰه سبحانه وتعالى بهم ،بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله ،وهذا التفسير هو الذي اعتمده
))وَم َك َر َ َ
السيوطي.
يقول القاضي كنعان :الصحيح أن الذي ألقي عليه شبه عيسى كان أحد تلاميذه من الحوار يين ،فقتلوا هذا الذي ألقي عليه الشبه ورفع
عيسى إلى السماء ،ونجاه الل ّٰه سبحانه وتعالى من بين أيديهم.
))و ََالل ّه ُ خَي ْر ُ ال ْمَاكِر ِينَ(( أي :أعلمهم به ،وهذه الصفة بلا شك أنها في حق الل ّٰه تبارك وتعالى على ما يليق بجلال الل ّٰه سبحانه وتعالى،
}الل ّه ُ ي َ ْستَهْزِئ ُ بِه ِ ْم و َيَم ُ ّده ُ ْم فِي
الل ّه َ و َه ُو َ خ َادِعُهُمْ{ ]النساء ،[١٤٢:وكقوله تبارك وتعالىَ : كقوله تبارك وتعالى}ِ :إ َ ّ
ن ال ْمُنَافِق ِينَ يُخَادِع ُونَ َ
طغْيَانِه ِ ْم يَعْمَه ُونَ{ ]البقرة.[١٥:
ُ
يرد علينا سؤال وهو :هل يجوز في الدعاء أن يقال :يا خير الماكرين امكر لي؟
الجواب أجاز بعض العلماء ذلك ،واستشهدوا بدعاء النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح) :اللهم امكر لي ولا تمكر علي(.
تفسير قوله تعالى) :إذ قال الل ّٰه يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي( ٢٥.٤
تفسير قوله تعالى) :إذ قال الل ّٰه يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي(
كف َر ُوا ِإلَى يَو ْ ِم الْق ِيَامَة ِ ث َُم ّ ن ا َت ّب َع ُوك َ فَو ْقَ ال َ ّذ ِي َ
ن َ ل ال َ ّذ ِي َ
كف َر ُوا وَج َاع ِ ُ
ن َن ال َ ّذ ِي َ
ك ِإل َيّ وَمُطَهّ ِرُك َ م ِ َ
ك وَر َاف ِع ُ َ الل ّه ُ ي َا ع ِيس َى ِإن ِ ّي م ُت َو َف ِّي َ
ل َ ِ}إ ْذ قَا َ
تخ ْتَلِف ُونَ{ ]آل عمران.[٥٥: ِإل َيّ م َْرجِعُك ُ ْم ف َأَ حْكُم ُ بَي ْنَك ُ ْم ف ِيم َا ُ
كن ْتُم ْ ف ِيه ِ َ
الل ّهُ(( أي :اذكر إذ قال الل ّٰه)) :يا عيسى إني متوفيك((.
ل َ ))إ ْذ قَا َ
ِ
Shamela.org ٣٩١
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
ح ِإ َن ّه ُ لَي َ
ْس م ِنْ أَ ه ْلِكَ{ ]هود [٤٦:وقوله} :ي َا آدَم ُ نلاحظ في القرآن الـكريم أن الل ّٰه سبحانه وتعالى ينادي عامة الأنبياء بأسمائهم} :ي َا نُو ُ
س بِرِسَالاتِي و َبِك َلامِي{ ك عَلَى َ
الن ّا ِ ك الْج َنَ ّة َ{ ]البقرة [٣٥:و ))ي َا ع ِيس َى ِإن ِ ّي م ُت َو َف ِّيكَ(( و }قَا َ
ل ي َا م ُوس َى ِإن ِ ّي اصْ طَفَي ْت ُ َ اسْ كُنْ أَ ن ْتَ وَز َ ْوج ُ َ
]الأعراف ،[١٤٤:وهكذا.
أما نبينا محمد صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم فلم يناده الل ّٰه تبارك وتعالى باسمه قط في القرآن الـكريم ،إنما ناداه بصفاته الشر يفة كـ} :ي َا أَ ُ ّيهَا
الن ّب ِ ُيّ{ ]الأنفال} ،[٦٤:ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الر ّسُولُ{ ]المائدة ،[٤١:وهذا من كرامته ال ْم َُز ّمِّلُ{ ]المزمل [١:و }ي َا أَ ُ ّيهَا ال ْم ُ َ ّدث ّ ِر ُ{ ]المدثر [١:و }ي َا أَ ُ ّيهَا َ
على الل ّٰه سبحانه وتعالى وبلوغه في الشرف مقاما ًلم يكن لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
الل ّه ُ ي َا ع ِيس َى ِإن ِ ّي م ُت َو َف ِّيكَ(( أي :قابضك.
ل َ ))إ ْذ قَا َ
ِ
ك ِإل َيّ(( أي :من الدنيا من غير موت.
))وَر َاف ِع ُ َ
))وَمُطَهّ ِرُك َ(( أي :مبعدك.
ن ا َت ّب َع ُوك َ(( أي :صدقوا بنبوتك من المسلمين.
ل ال َ ّذ ِي َ
كف َر ُوا وَج َاع ِ ُ ن ال َ ّذ ِي َ
ن َ ))م ِ َ
وهذه تشمل طائفتين :تشمل الطائفة التي آمنت بالمسيح عليه السلام ممن أدركوا بعثته ،ووافقوه على دين الإسلام قبل بعثة النبي محمد
صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم.
ن ا َت ّب َع ُوك َ( هم الذين اتبعوا رسول الل ّٰه محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم.
ل ال َ ّذ ِي َ
الطائفة الثانية التي شملتهم هذه الآية) :وَج َاع ِ ُ
ن ا َت ّب َع ُوك َ(( أي :الذين صدقوا نبوتك من المسلمين؛ لأننا اتبعنا المسيح عليه
ل ال َ ّذ ِي َ
فنحن المسلمين أيضا ً ندخل في قوله تعالى)) :وَج َاع ِ ُ
السلام على الحقيقة ،وأما النصارى فهم أعداء المسيح عليه السلام يعاديهم ويبغضهم و يبرأ إلى الل ّٰه منهم تماماً ،كما أن اليهود يدعون
كذبا ًمع اعتزازهم بموسى عليه السلام وأنهم على دينه وملته ،كذلك نقول :نحن أتباع موسى على الحقيقة ونحن أولى به منهم ،ولذلك
النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم عندما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يعظمون يوم عاشوراء و يصومونه ،فسألهم عن ذلك ،فقالوا) :إنه
اليوم الذي نجى الل ّٰه فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه قال :نحن أولى بموسى منهم( وقال) :أنا أولى الأنبياء بالمسيح عليه
السلام ،ما بيني وبينه نبي( أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فإذاً :نحن أتباع المسيح ،وأتباع موسى عليهما السلام؛ لأننا على نفس الدين الذي دعوا إليه ،ولأننا نؤمن بالأنبياء كلهم ،فالذي يكفر
برسالة نبي واحد فإنه قد كفر بجميع الأنبياء ،و يحبط كل إيمانه و يصير مرتداً ،ومن كذب بنبوة المسيح فقد كفر ،ومن كفر بالإنجيل
الذي أنزله الل ّٰه على عيسى فقد كفر ولا ينفع إيمانه بالقرآن ولا بالتوراة ،بل الإيمان حقيقة متركبة من أجزاء مرتبطة ببعضها ،لا ينفك
ولا ينفصل بعض منها عن البعض الآخر.
كف َر ُوا(( أي :فوق الذين كفروا بك وهم اليهود ،وكذالك ومن حرف دين المسيح من النصارى، ن ا َت ّب َع ُوك َ فَو ْقَ ال َ ّذ ِي َ
ن َ ل ال َ ّذ ِي َ
))وَج َاع ِ ُ
فالذين اتبعوك يعلونهم بالحجة وكذلك بالتمكين لهم في الأرض.
الذين كفروا بالمسيح قسمان :الأول :اليهود لعنهم الل ّٰه فهم الذين كفروا بالمسيح وسبوه وسبوا أمه ورموها بالبهتان وبالإفك المبين.
الثاني :الذين حرفوا دين المسيح من النصارى وعبدوه وألهوه.
))إلَى يَو ْ ِم الْق ِيَامَة ِ ث َُم ّ ِإل َيّ م َْرجِعُكُمْ(( هذا وعد لا يتخلف ،وما نحن عليه من الضعف والوضع الذي يعيشه المسلمون الآن ،فهذا ليس
ِ
هو الأصل بل هذا من الاستثناءات؛ لأن الغالب والأصل أن المؤمنين دائما ًفوق الذين كفروا ،ولا يجوز أن يظن بالل ّٰه سبحانه وتعالى
أنه يدع المسلمين مقهورين إلى الأبد ،بل لابد أن تعود الـكرة كما قال تعالى} :و َِإ ْن ع ُ ْدتُم ْ عُدْن َا{ ]الإسراء.[٨:
فمن سوء الظن بالل ّٰه أن يظن أنه يمكن للـكفار أن يستأصلوا المسلمين ويبيدوهم وترتفع كلمتهم عليهم ،هذا خلاف الأصل.
خاصة إذا قلنا :إن أحد ركني هذه الفوقية المقصود به العلو في الحجة والبيان ،فهذا بلا شك قائم في كون المؤمنين والموحدين يعلون
Shamela.org ٣٩٢
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
الـكفار دائما ًبالحجة والبرهان ،كما بيناه وكما سيأتي تفصيله إن شاء الل ّٰه.
وأحيانا ًيعلونهم بالسيف ،أما ما نحن فيه من أوضاع آخر الزمان فهي تخالف في القاعدة الأصلية.
تخ ْتَلِف ُونَ(( أي :من أمر الدين.
كن ْتُم ْ ف ِيه ِ َ
))ف َأَ حْكُم ُ بَي ْنَك ُ ْم ف ِيم َا ُ
تفسير قوله تعالى) :فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا( ٢٥.٥
تفسير قوله تعالى) :وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم( ٢٥.٦
أقوال المفسرين في مسألة رفع المسيح إلى السماء وتوفي الل ّٰه تعالى له ٢٥.٧
أقوال المفسرين في مسألة رفع المسيح إلى السماء وتوفي الل ّٰه تعالى له
قضية رفع المسيح عليه السلام إلى السماء وتوفي الل ّٰه سبحانه وتعالى إياه ،اختلف المفسرون في تفسيرها.
الل ّه ُ ي َا ع ِيس َى ِإن ِ ّي م ُت َو َف ِّيكَ{ ]آل عمران [٥٥:أي مستوف مدة إقامتك بين قومك.
ل َ يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى}ِ :إ ْذ قَا َ
}الل ّه ُ يَت َو َفَ ّى الأَ نْف َ
ُس حِينَ مَوْتِهَا والتوفي يطلق على الإماتة ،وكذلك يطلق على استيفاء الشيء كما في كتب اللغة ،يقول تبارك وتعالىَ :
و ََال ّتِي ل َ ْم تَم ُ ْ
ت فِي م َنَامِهَا{ ]الزمر [٤٢:أي :أنه يتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ،وذلك بالنوم ،فهذا تشبيه للنائمين بالموتى ،ومنه قوله
تعالى} :و َه ُو َ ال َ ّذ ِي يَت َو ََف ّاك ُ ْم ب َِالل ّي ْ ِ
ل{ ]الأنعام ،[٦٠:أي :أنهم لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك.
Shamela.org ٣٩٣
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
ن ال َ ّذ ِي َ
ن ك ِإل َيّ وَمُطَهّ ِرُك َ م ِ َ
ثم بين سبحانه في بشارته بالرفعة إلى محل كرامته ،ومجاورته لملائكته ،ومعدن النزاهة عن الأدناس} ،وَر َاف ِع ُ َ
كف َر ُوا{ ]آل عمران ،[٥٥:أي :من مكرهم وخبث صحبتهم.
َ
ك ِإل َيّ( ،ظاهرها يدل على أن الل ّٰه تعالى فوق سماواته ،كما قال تعالى} :بَلْ ر َفَع َه ُ َ
الل ّه ُ ِإلَيْه ِ وَك َانَ ك وَر َاف ِع ُ َ
)إن ِ ّي م ُت َو َف ِّي َ
هذه الآية الـكريمةِ :
الل ّه ُ عَز ِيز ًا حَكِيم ًا{ ]النساء ،[١٥٨:وفي قوله تعالى} :يَخَاف ُونَ ر َ َ ّبه ُ ْم م ِنْ فَو ْقِه ِ ْم و َيَفْع َلُونَ م َا يُؤْم َرُونَ{ ]النحل ،[٥٠:وقوله تعالى} :يُدَب ّ ِر ُ َ
هي َ تَمُور ُ{
ْض ف َِإذ َا ِ
ِف بِكُم ُ الأَ ر َ سم َاء ِ أَ ْن َ
يخْس َ ج ِإلَيْه ِ{ ]السجدة ،[٥:وقال تعالى} :أَ أَ م ِنتُم ْ م َنْ فِي ال َ ّ سم َاء ِ ِإلَى الأَ ْر ِ
ض ث َُم ّ يَعْر ُ ُ ن ال َ ّ
الأَ مْرَ م ِ َ
]الملك ،[١٦:أي :من فوق السماء.
وهو مذهب السلف قاطبة كما نقله الإمام الذهبي في كتابه )العلو للعلي الغفار(.
قال أبو الوليد بن رشد في )مناهج الأدلة( :لم يزل أهل الشر يعة من أول الأمر يثبتون لل ّٰه سبحانه وتعالى جهة الفوق حتى نفتها المعتزلة،
ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشاعرة ،كـ أبي المعالي الجويني ومن اقتدى بقوله.
إلى أن قال أبو الوليد بن رشد :والشرائع كلها مبنية على أن الل ّٰه في السماء.
الشرائع هنا بالمعنى الأعم لا تقتصر فقط على الشرائع التي هي بمعنى الأحكام الفقهية؛ لأن الشر يعة تطلق أحيانا ًعلى كل الدين.
يقول :والشرائع كلها مبنية على أن الل ّٰه في السماء ،وأن منه ٺتنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين ،وأن من السماوات نزلت الـكتب وإليها
كان الإسراء بالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الل ّٰه والملائكة في السماء ،كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك
بالمعقول.
فإثبات العلو واجب بالشرع وبالعقل ،وإبطاله إبطال للشرائع.
يقول الدارمي :وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الل ّٰه فوق عرشه فوق سماواته.
وقد بسط نصوص السلف الحافظ الذهبي في كتاب )العلو( فانظره.
يقول القاسمي :هذا ولما كان ذوو الهمم العوالي أشد التفاتا ً إلى ما يكون عليه خلفاؤهم من بعدهم ،أراد الل ّٰه تبارك وتعالى أن يبشر
كف َر ُوا ِإلَى يَو ْ ِم الْق ِيَامَة ِ((. ن ا َت ّب َع ُوك َ فَو ْقَ ال َ ّذ ِي َ
ن َ ل ال َ ّذ ِي َ
المسيح عليه السلام بذلك حتى يطمئنه ،فقال تبارك وتعالى)) :وَج َاع ِ ُ
ثم يقول :وكذا كان ولم يزل من انتحل النصرانية فهم فوق اليهود ،ولا يزالون كذلك إلى أن يعدموا فلا يبقى منهم أحد.
الحقيقة أن هذه الآية إحدى الآيات الأساسية في موضوع الإيمان برفع المسيح عليه السلام حياً ،ونزوله وقتل المسيح الدجال في آخر
الزمان.
الل ّه ُ ي َا ع ِيس َى ِإن ِ ّي
ل َ فهناك عدة آيات في موضوع رفع المسيح إلى السماء حياً ،الآية الأولى هي هذه الآية من سورة آل عمران}ِ :إ ْذ قَا َ
كف َر ُوا ِإلَى يَو ْ ِم الْق ِيَامَة ِ ث َُم ّ ِإل َيّ م َْرجِعُك ُ ْم ف َأَ حْكُم ُ بَي ْنَك ُ ْم ن ا َت ّب َع ُوك َ فَو ْقَ ال َ ّذ ِي َ
ن َ ل ال َ ّذ ِي َ
كف َر ُوا وَج َاع ِ ُ ن ال َ ّذ ِي َ
ن َ ك ِإل َيّ وَمُطَهّ ِرُك َ م ِ َ
ك وَر َاف ِع ُ َ
م ُت َو َف ِّي َ
تخ ْتَلِف ُونَ{ ]آل عمران.[٥٥:
كن ْتُم ْ ف ِيه ِ َ
ف ِيم َا ُ
ك ِإل َيّ( ،فقال
ك وَر َاف ِع ُ َ
)إن ِ ّي م ُت َو َف ِّي َ
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الل ّٰه تعالى في هذه الآية ما ملخصه :اختلف المفسرون في قوله تعالىِ :
قتادة وغيره :هذا من المقدم والمؤخر ،وتقديره :يا عيسى إني رافعك إلي ومتوفيك ،يعني بعد ذلك.
أي :أن الل ّٰه سبحانه وتعالى رفعه إليه وهو حي لم يمت إلى اليوم ،وقد لقيه النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في رحلة الإسراء والمعراج.
قوله :ثم متوفيك بعد ذلك أي :حينما ينزل في آخر الزمان ،فإنه يعيش من جديد و يحكم بالإسلام ثم يتوفاه الل ّٰه تبارك وتعالى.
يرد سؤال عابر :من آخر الصحابة موتاً؟ المسيح عليه السلام؛ لأن المسيح عليه السلام هو نبي وصحابي في نفس الوقت؛ لأن تعر يف
الصحابي ينطبق على المسيح؛ لأنه لقي النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم فترة -ولو كانت قصيرة -في ليلة المعراج مؤمنا ً برسالته ،فهذا
هو حد الصحابي وتعر يف الصحابي ،فلذلك عيسى نبي وصحابي ،وهو لم يمت حتى الآن ،فهو آخر الصحابة موتا ًعليه وعلى نبينا الصلاة
والسلام.
Shamela.org ٣٩٤
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
Shamela.org ٣٩٥
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
إليه حياً؛ لينزل في آخر الزمان فينتقم من هؤلاء الذين كادوا له وآذوه ،فيقاتلهم على الإسلام وحده ،فمن أبى منهم قتل.
خلاصة الأقوال في هذه القضية :الأول :رأي الجمهور الذي اختاره ابن كثير ورواه عن الحسن :وهو تفسير التوفي بالإنامة)) ،م ُت َو َف ِّيكَ((
أي :ملق عليك النوم.
الثا
تفسير قوله تعالى) :ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم( ٢٥.٨
تفسير قوله تعالى) :ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم(
ِيم{ ]آل عمران.[٥٨:
َات و َالذِّكْر ِ الْحَك ِ
ن الآي ِ
ك مِ َ
ك نَت ْلُوه ُ عَلي ْ َ
قال تبارك وتعالى} :ذَل ِ َ
))ذَلِكَ(( أي :المذكور من أمر عيسى عليه السلام.
))نَت ْلُوه ُ(( أي :نقصه.
َات((.
ن الآي ِ
))عَليْكَ(( ،يا محمد ))م ِ َ
َات(( فيه إشارة إلى أنه لا مصدر لك كي تعلم هذه الأشياء إلا ما يطلعك الل ّٰه سبحانه وتعالى عليه
ن الآي ِ
ك مِ َ
ك نَت ْلُوه ُ عَلي ْ َ
وقوله)) :ذَل ِ َ
عن طر يق الوحي.
َات(( حال من الهاء في )نتلوه( ،وعامله ما في )ذلك( من معنى الإشارة.
ن الآي ِ
))م ِ َ
ِيم(( أي :المحكم وهو القرآن الـكريم ،والمحكم بمعنى المعصوم من أن يتطرق إليه خلل.
))و َالذِّكْر ِ الْحَك ِ
ِيم(( بمعنى :المشتمل على الحكم.
أو ))الْحَك ِ
تفسير قوله تعالى) :إن مثل عيسى عند الل ّٰه كمثل آدم خلقه من تراب( ٢٥.٩
تفسير قوله تعالى) :إن مثل عيسى عند الل ّٰه كمثل آدم خلقه من تراب(
َاب ث َُم ّ قَا َ
ل لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ{ ]آل عمران.[٥٩: الل ّه ِ كَمَث َ ِ
ل آدَم َ خ َلَق َه ُ م ِنْ ت ُر ٍ ل ع ِيس َى عِنْد َ َ ِ}إ َ ّ
ن م َث َ َ
ل ع ِيس َى(( أي :إن مثل شأنه العجيب الغريب في إنشائه من غير أب. ))إ َ ّ
ن م َث َ َ ِ
الل ّهِ(( أي :في تقدير الل ّٰه وحكمه.
))عِنْد َ َ
))كَمَث َ ِ
ل آدَم َ(( أي :كشأن آدم أيضا ً العجيب في خلقه من غير أب ،وهو من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم ،ولا
يستطيع أن يجيب ،أي :أيهما أعجب وأغرب خلق آدم أم خلق المسيح عليه السلام؟ لا شك أن خلق آدم أغرب ،فكأن الل ّٰه سبحانه
وتعالى يقول لهم :إن كنتم تستدلون على ألوهية المسيح المزعومة بكونه خلق من غير أب ،فكان أولى أن تعبدوا آدم؛ لأن آدم خلق لا
من أب ولا من أم ،فهذا هو المقصود.
َاب(( أي :آدم ،والمقصود هنا أن الل ّٰه سبحانه وتعالى خلق آدم على
ثم شرع تعالى في تبيين وجه الشبه بينهما بقوله)) :خ َلَق َه ُ م ِنْ ت ُر ٍ
َاب ث َُم ّ قَا َ
ل لَه ُ كُنْ فَيَكُونُ{ ]آل عمران[٥٩: هيئة الإنسان وقالبه وشكله ،لم يكن قد نفخ فيه الروح؛ لأن الآية تقول} :خ َلَق َه ُ م ِنْ ت ُر ٍ
فكان.
فالهاء هنا في قوله)) :خلقه(( تعود على قالب آدم ،الذي هو العجين المعجون من طين.
))ث َُم ّ قَا َ
ل لَه ُ كُنْ (( أي :كن بشراً.
))فَيَكُونُ(( أي :فكان ،وكذلك عيسى عليه السلام قال له :كن من غير أب ،فكان.
Shamela.org ٣٩٦
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
تفسير قوله تعالى) :فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم( ٢٥.١١
تفسير قوله تعالى) :فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم(
ن ال ْعِلْم ِ فَق ُلْ تَع َالَو ْا ن َ ْدع ُ أَ ب ْنَاءَن َا و َأَ ب ْنَاءَك ُ ْم و َنِس َاءَن َا و َنِس َاءَك ُ ْم و َأَ نْفُسَنَا و َأَ نْفُسَك ُ ْم ث َُم ّ نَبْتَه ِلْ فَن َجْ ع َلْ لَعْن َة َ }فَم َنْ ح َا َجّ َ
ك ف ِيه ِ م ِنْ بَعْدِ م َا ج َاءَك َ م ِ َ
الل ّه ِ عَلَى الْك َاذِبِينَ{ ]آل عمران.[٦١:
َ
))فمن حاجك(( أي :فمن جادلك من النصارى في عيسى.
ن ال ْعِلْم ِ(( أي :من العلم بشأنه وبأمره.
))م ِنْ بَعْدِ م َا ج َاءَك َ م ِ َ
))فَق ُلْ تَع َالَو ْا(( أي :فقل لهم تعالوا ،والمقصود من هذا أن الل ّٰه سبحانه وتعالى بعدما أقام عليهم الحجج على بطلان ما هم عليه من
الارتياب في شأن المسيح عليه السلام ،يأمر الل ّٰه تعالى نبيه أن يقول لهم :لم يبق من تفسير لما أنتم عليه من الإصرار على الـكفر إلا
أنكم معاندون وجاحدون؛ لأنكم إذا كنتم جهلة فقد كان ما أقمته عليكم من الحجج يستوجب زوال وصف الجهل عنكم ،أما وقد أقيمت
عليكم الحجج الواضحة وما استطعتم لها ردا ً ولا دفعاً ،فلم يبق منكم إلا العناد ،فلا سبيل لرفع هذا العناد إلا بالمباهلة.
أي :فقل لهم :أيها المجادلون ))تعالوا(( أنا ادعوكم إلى الفيصل بيني وبينكم الذي يكشف من منا صاحب الحق ومن منا على باطل.
))فَق ُلْ تَع َالَو ْا ن َ ْدع ُ أَ ب ْنَاءَن َا و َأَ ب ْنَاءَك ُ ْم و َنِس َاءَن َا و َنِس َاءَك ُ ْم و َأَ نْفُسَنَا و َأَ نْفُسَكُمْ(( هذا الاختيار اختيار دقيق ،حيث اختار أعز أهله وألصقهم
بقلبه ،فهم الذين يخاطر الرجل بنفسه من أجلهم ،و يحارب دونهم ،فيأتي بهؤلاء ويباهل.
))ثم نبتهل(( أي :نتضرع ونجتهد في الدعاء.
الابتهال يشمل الاجتهاد في الدعاء سواء كان باللعنة أو بغيرها ،والمقصود بالابتهال هنا أن نلعن من يكون على باطل ،كما قال)) :فَن َجْ ع َلْ
الل ّهِ(( أي :طرده وإبعاده من رحمته.
لَعْن َة َ َ
))عَلَى الْك َاذِبِينَ(( أي :منا ومنكم ،ليهلـكهم الل ّٰه وينجي الصادقين ،فلا يبقي بعد أن أقمنا عليكم دلائل العقل ودلائل النقل إلا المباهلة.
Shamela.org ٣٩٧
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
Shamela.org ٣٩٨
آل عمران ][61 - 52 ٢٥
معناه :أن الاثنين يقفان في المواجهة ،فالرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه يدعون أن تنزل اللعنة على الكاذب في شأن عيسى،
والآخرون أيضا ً يدعون أن تنزل اللعنة على الكاذب في شأن عيسى عليه السلام ،فلماذا أدخل غيره في ذلك مع أن المخاصمة كانت
بين اثنين فقط؟ أدخلهم؛ لأن هذا أوكد في الدلالة على ثقته و يقينه من الحق الذي هو عليه ،وأن الل ّٰه سبحانه وتعالى فاطر السماوات
والأرض ورب السماوات والأرض المطلع على هذا الحال معه ،وسينصره ،وسيخذل عدوه ،بحيث إذا استجيبت الدعوة واستجيبت
هذه المباهلة هلك الكافر وذووه فاستؤصلوا جميعا ًولم يبق منهم عين ولا أثر.
ثم يقول :وخص الأبناء والنساء؛ لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب ،وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ،ومن
ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب.
ثم يقول :ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم :حماة الحقائق ،وقدمهم في الذكر على الأنفس} :فَق ُلْ تَع َالَو ْا ن َ ْدع ُ أَ ب ْنَاءَن َا و َأَ ب ْنَاءَك ُ ْم و َنِس َاءَن َا
و َنِس َاءَك ُ ْم و َأَ نْفُسَنَا و َأَ نْفُسَكُمْ{ ]آل عمران [٦١:لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ،وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها.
وفيه دليل على فضل أصحاب الـكساء عليهم السلام.
وأصحاب الـكساء من آل البيت ،وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ،ولا يقتصر وصف آل البيت عليهم.
ثم يقول :وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك.
حكم المباهلة
هذه الآية تدل على جواز المحاجة في أمر الدين ،وأن من جادل وأنكر شيئا ًمن الشر يعة جازت مباهلته اقتداء ً بما أمر به النبي صلى الل ّٰه
عليه وسلم.
والمباهلة هي الملاعنة ،وهذا في الحقيقة مخرج لأصحاب الحق ،إذا كان مع الإنسان حق أبلج وأوضح من الشمس في رابعة النهار ،ومع
ذلك يعاند خصمه و يصر على باطله ،ففي هذه الحالة تجوز لك المباهلة اقتداء ً بالنبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم} ،فَق ُلْ تَع َالَو ْا ن َ ْدع ُ
أَ ب ْنَاءَن َا و َأَ ب ْنَاءَكُمْ{ ]آل عمران ،[٦١:فتحضر نفسك وأبناءك ونساءك وتقف في صف ،وكذلك خصمك يحضر نفسه وأبناءه ونساءه ،ثم
ٺتباهلون وتجعلون لعنة الل ّٰه على الكاذبين ،فبلا شك أن هذا سيكون كفيلا ًلتبرئة المظلوم ،وإيضاح الحق من الباطل.
أنموذج للمباهلة
في الحقيقة هناك حوادث كثيرة فيما يتعلق بموضوع المباهلة وقعت حتى مع أهل البدع ،بل إن بعض الصحابة كـ ابن عباس وغيره لما
اختلف مع بعض إخوانه من الصحابة في بعض القضايا الفقهية طلب المباهلة ،كي يعلن وثوقه بما هو عليه من الرأي في هذه المسألة.
لا أطيل في ذكر الأمثلة وإن كانت كثيرة ،لـكن أقتصر فقط على هذا الذي ذكره العلامة أبو المعالي محمود شكري الألوسي رحمه الل ّٰه
في كتابه )غاية الأماني في الرد على النبهاني( يقول في أثناء مناقشة مذهب ابن عربي الملحد :قال الإمام أحمد بن علي بن حجر الشافعي:
إنه ذكر لمولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني أشياء من كلام ابن عربي ،وسأله رجل عن ابن عربي ،فقال له شيخنا :هو كافر.
قال :وسمعت الحافظ شهاب الدين ابن حجر يقول :جرى بيني وبين بعض المحبين لـ ابن عربي منازعة كثيرة في أمر ابن عربي ،حتى إن
الرجل المنازع لي في أمره هددني بالشكوى إلى السلطان بمصر بأمر غير الذي تنازعنا فيه إذا لم أكف عن الكلام في ابن عربي ،فقلت
له :ما للسلطان في هذا مدخل ،نحن نتناظر مناظرة علمية ،فتعال نتباهل ،وقلت :ما تباهل الاثنان فكان أحدهما كاذبا ً إلا وأصيب،
فقال لي :باسم الل ّٰه! هيا توكلنا على الل ّٰه ،قال :فقلت له :قل :اللهم إن كان ابن عربي على ضلال فالعني بلعنتك ،فقال ذلك ،فقلت
Shamela.org ٣٩٩
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
أنا :اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك ،وافترقنا ،قال :وكان يسكن الروضة ،فاستضافه شخص من أبناء الهند ،ثم بدا له
أن يتركه وخرج في أول الليل مصمما ًعلى عدم المبيت ،فخرجوا يشيعونه إلى بيته ،ففي أثناء رجوعه أحس بشيء مر على رجله ،فقال
لأصحابه :مر على رجلي شيء ناعم فنظروا فلم يروا شيئاً ،وما رجع إلى منزله إلا وقد عمي في نفس الليلة ،وما أصبح إلا ميتاً ،وكان
ذلك في ذي القعدة سنة سبع وسبعين ،وكانت هذه المباهلة في رمضان منها ،وعند وقوع المباهلة عرفت أن السنة لا تمضي عليه،
وكانت بمحضر من جماعته.
تفسير قوله تعالى) :قد خلت من قبلـكم سنن فسيروا في الأرض( ٢٦.١
تفسير قوله تعالى) :هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين( ٢٦.٢
تفسير قوله تعالى) :هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين(
س و َهُدًى وَمَوْعِظَة ٌ لِل ْم َُت ّق ِينَ{ ]آل عمران.[١٣٨:
ن ل ِ َلن ّا ِ
}هَذ َا بَيَا ٌ
أي أن القرآن تخو يف نافع للمتقين ،وهو هدى لهم.
تفسير قوله تعالى) :ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين( ٢٦.٣
تفسير قوله تعالى) :ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين(
كن ْتُم ْ مُؤْم ِنِينَ{ ]آل عمران.[١٣٩:
تح ْزَنُوا و َأَ ن ْتُم ُ الأَ ع ْلَوْنَ ِإ ْن ُ
قوله تعالى} :و َلا تَهِن ُوا و َلا َ
أي :لا تضعفوا عن الجهاد فيما نالـكم من الجراح ،ولا تحزنوا على من قتل منكم ،والحال أنكم الأعلون الغالبون دون عدوكم ،فإن مصير
أمرهم إلى الدمار حسبما شاهدتم من عاقبة أسلافهم.
)إن كنتم مؤمنين( أي :فلا تهنوا ولا تضعفوا إذا كنتم مؤمنين؛ لأن الإيمان يورث قوة القلب ،والثقة بنصر الل ّٰه تعالى ،وعدم المبالاة
بأعدائه ،أو )إن كنتم مؤمنين( فأنتم الأعلون؛ لأن الإيمان يقتضي العلو لا محالة.
تفسير قوله تعالى) :إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله( ٢٦.٤
تفسير قوله تعالى) :إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله(
Shamela.org ٤٠٠
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
Shamela.org ٤٠١
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
الصادقين في الإسلام ،ولم يميز الصادق من غيره ،ولو هزم المسلمون دائما ًلم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ،فيضيع الدين ،فاقتضت
حكمة الل ّٰه أن جمع لهم بين الأمرين ،أحيانا ً ينتصرون وأحيانا ً تكون الأخرى؛ ليتميز من يتبعهم و يطيعهم على الحق وما جاءوا به،
ْف ف َِإ ْن أَ صَابَه ُ خَيْر ٌ اطْ م َأَ َ ّ
ن بِه ِ{ الل ّه َ عَلَى حَر ٍ
س م َنْ يَعْبُد ُ َ ن َ
الن ّا ِ ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة ،ممن يعبدون الل ّٰه على حرف} :وَم ِ َ
]الحج ،[١١:إذا كثرت الأموال وعوفي في صحته ووجد السعة والرخاء والرفاهية يقول :هذا دين طيب رأينا منه الخـير ،فإذا كانت
ن
الأخرى فابتلي بموت أولاده أو بمرض أو بفقر أو غير ذلك ،يقول :هذا دين شؤم والعياذ بالل ّٰه ،فمثل هذا نزل فيه قوله تعالى} :وَم ِ َ
ْف{ ]الحج [١١:يريد دينا ًلا ابتلاء فيه ،فإذا ابتلي} :ف َِإ ْن أَ صَابَه ُ خَيْر ٌ اطْ م َأَ َ ّ
ن بِه ِ و َِإ ْن أَ صَابَت ْه ُ فِت ْن َة ٌ انق َلَبَ عَلَى الل ّه َ عَلَى حَر ٍ
س م َنْ يَعْبُد ُ َ َ
الن ّا ِ
تفسير قوله تعالى) :وليمحص الل ّٰه الذين آمنوا ويمحق الكافرين( ٢٦.٥
تفسير قوله تعالى) :وليمحص الل ّٰه الذين آمنوا ويمحق الكافرين(
ق الْك َافِرِينَ{ ]آل عمران.[١٤١:
ح َ الل ّه ُ ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا و َيَم ْ َ ِص َح َ
قال تبارك وتعالى} :وَلِيم ُ َ ّ
Shamela.org ٤٠٢
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
))وليمحص الل ّٰه الذين آمنوا(( أي :لينقيهم و يخلصهم من الذنوب ومن آفات النفوس ،وأيضا ً يمحصهم و يخلصهم من المنافقين الذين
يخالطونهم ولا يعرفونهم ،فحصل للمؤمنين تمحيصان :تمحيص من نفوسهم ،وتمحيص ممن كان يظهر أنه منهم ولـكنه في الحقيقة عدو لهم.
ق الْك َافِرِينَ(( أي :ويهلـكهم ،فإنهم إذا كانت لهم الغلبة يبغون في الأرض
ح َ
ثم ذكر حكمة أخرى وهي محق الكافرين فقال)) :و َيَم ْ َ
وينشرون الفساد و يظلمون الناس ،فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ،إذا أراد الل ّٰه تعالى أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض لهم
الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم ،ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم ،كما جاء
في الحديث) :إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ،حتى إذا لم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ،فيعمل
بعمل أهل النار فيدخلها( ،لابد من السبب وهو العمل.
فلذلك إذا أراد الل ّٰه سبحانه وتعالى شرا ً بشخص لخبث نفسه وعدائه لدينه ،فإنه ييسر له الأسباب ويمهله ويمده في الغي ،ويتمادى في
ظلم الناس وفي محاربة دين الل ّٰه عز وجل ،و يظن أنه سيحقق إنجازات وانتصارات بأن غلب دين الل ّٰه وغلب أولياء الل ّٰه عز وجل وحقق
نصرا ً يتباهى به و يفخر ويتيه به ،وهذا المسكين لا يدري أن كل ما يوقعه من البلاء بأولياء الل ّٰه فسيوقع الل ّٰه به أضعاف أضعافه في
ن تَؤ ُزّه ُ ْم أَ ًزّا{ جهنم وبئس المصير ،فلذلك يقيض الل ّٰه لهم من الأسباب كما قال عز وجل} :أَ ل َ ْم ت َر َ أَ َن ّا أَ ْرسَل ْنَا ال َ ّ
شيَاطِينَ عَلَى الْك َافِرِي َ
]مريم [٨٣:أي :تدفعهم إلى الشر دفعا ً}و َقَي ّضْ نَا لَه ُ ْم ق ُر َن َاء َ ف َز َي ّن ُوا لَه ُ ْم م َا بَيْنَ أَ يْدِيه ِ ْم وَم َا خ َلْفَهُمْ{ ]فصلت ،[٢٥:فإذا ً إذا أراد الل ّٰه به
هذا فإنه ييسره للعسرى ،كلما أراد ظلما ً لا يسد عليه باب الظلم ،بل يجعله يتمادى في الظلم ويتمادى في محاربة الل ّٰه عز وجل؛ حتى
يوقعه في سوء عاقبة هذه الأعمال.
ق الْك َافِرِينَ(( ،المحق :هو ذهاب الشيء بالكلية حتى لا يبقى منه شيء ،أو لا يرى منه شيء ،وقد محق الل ّٰه الذين
ح َ
قوله تعالى)) :و َيَم ْ َ
حاربوا رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يوم أحد ،وأصروا على الـكفر جميعاً.
تفسير قوله تعالى) :ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه( ٢٦.٧
Shamela.org ٤٠٣
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
وعن علي رضي الل ّٰه تعالى عنه قال) :كنت إذا سمعت من رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم حديثا ً نفعني الل ّٰه بما شاء منه ،وإذا
حدثني عنه غيري استحلفته ،فإذا حلف لي صدقته ،وإن أبا بكر رضي الل ّٰه عنه حدثني وصدق أبو بكر عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم
أنه قال :ما من رجل يذنب ذنبا ًفيتوضأ فيحسن الوضوء ،ثم يصلي ركعتين فيستغفر الل ّٰه عز وجل إلا غفر له( ،وهذا حديث صحيح،
وهذا الحديث هو المعروف بحديث صلاة التوبة.
صلاة التوبة هي أن الإنسان إذا أذنب ذنبا ًفإنه يتوضأ و يحسن الوضوء ،ثم يصلي ركعتين فيستغفر الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فإذا فعل ذلك
غفر الل ّٰه له.
قوله تعالى)) :فَق َ ْد ر َأَ يْتمُُوه ُ(( أي :رأيتم سبب هذا الموت ،إما رأيتم سببه باستشهاد إخوانكم أو قتل إخوانكم وإما بالحرب نفسها.
))و َأَ ن ْتُم ْ تَنْظ ُر ُونَ(( ،أي :تبصرون الحال لما انهزمتم وقد كنتم تتمنون مثل هذا الموقف؛ لتنالوا مثل ما نال شهداء بدر؟!
تفسير قوله تعالى) :وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل( ٢٦.٨
تفسير قوله تعالى) :وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل(
لما أشيع أن النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم قتل قال المنافقون :إن كان قتل فارجعوا إلى دينكم ،فنزل قوله تعالى} :وَم َا مُحَم ّدٌ ِإ َلّا رَسُو ٌ
ل
الل ّه ُ ال َ ّ
شاكِر ِينَ{ شي ْئًا وَسَي َجْ زِي َ ل انْق َلَب ْتُم ْ عَلَى أَ ْعق َابِك ُ ْم وَم َنْ يَنْق َل ِْب عَلَى عَق ِبَيْه ِ فَلَنْ يَض ُ َرّ َ
الل ّه َ َ ل أَ ف َِإ ينْ م َاتَ أَ ْو قُت ِ َ
س ُ ت م ِنْ قَبْلِه ِ ُ
الر ّ ُ ق َ ْد خ َل َ ْ
]آل عمران.[١٤٤:
))وما محمد(( صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،وهذا من المواضع التي ذكر فيها اسم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم صراحة ،وكما نلاحظ أنه لا
الل ّهِ{ ]الفتح} [٢٩:و َآم َن ُوا بِمَا نُز ِّ َ
ل عَلَى مُحَم ّدٍ{ ]محمد ،[٢:أو هنا)) :وَم َا مُحَم ّدٌ ِإ َلّا ل َ يأتي اسمه إلا في حالة الخـبر عنه بالرسالة} :مُحَم ّدٌ رَسُو ُ
رَسُولٌ(( ،لـكن لم يناد النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم باسمه في القرآن قط ،إنما نودي بصفته؛ تعظيما ً لشأنه صلى الل ّٰه عليه وسلم :يا
أيها النبي ،يا أيها الرسول ،يا أيها المزمل ،يا أيها المدثر ،وهكذا ،بخلاف غيره من إخوانه من الأنبياء فقد نودوا بأسمائهم :يا إبراهيم،
ل
س ُ ت(( أي :مضت)) ،م ِنْ قَبْلِه ِ ُ
الر ّ ُ يا نوح ،يا موسى ،يا عيسى ،وهكذا ،فهنا خبر عنه بصفة الرسالة)) :وَم َا مُح َم ّدٌ ِإ َلّا رَسُو ٌ
ل ق َ ْد خ َل َ ْ
أَ ف َِإ ينْ م َاتَ (( أي :أن المقصود ما محمد عليه الصلاة والسلام إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفتؤمنون به في حال حياته ،فإن
مات انْق َلَب ْتُم ْ عَلَى أَ ْعق َابِكُمْ؟! ))أَ ف َِإ ينْ م َاتَ أَ ْو قُتِلَ(( أي :كغيره ،والمقصود من الآية إثبات أنه لا منافاة بين الرسالة وبين القتل أو
الموت؛ لأن هذه سنة الل ّٰه الماضية في أنبيائه ورسله من قبل ،فإنهم لابد أن يفارقوا الدنيا إما بموت وإما بقتل ظلماً ،كما وقع من اليهود
لعنهم الل ّٰه حينما قتلوا يحيى عليه السلام وزكر يا.
ل انْق َلَب ْتُم ْ عَلَى أَ ْعق َابِكُمْ(( أي :ارتددتم ورجعتم إلى الـكفر.
))أَ ف َِإ ينْ م َاتَ أَ ْو قُت ِ َ
والجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري أي :ما كان محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم معبودا ً فترجعوا بموته؟! لو أنكم كنتم تعبدونه لحق لـكم
أن ترجعوا عن عبادته إذا مات ،لـكن أنتم تعبدون الل ّٰه تبارك وتعالى.
شي ْئًا(( أي :وإنما يضر نفسه. ))وَم َنْ يَنْق َل ِْب عَلَى عَق ِبَيْه ِ فَلَنْ يَض ُ َرّ َ
الل ّه َ َ
الل ّه ُ ال َ ّ
شاكِر ِينَ((. ))وَسَي َجْ زِي َ
أي :سيجزي الل ّٰه الذين يثبتون على الإسلام؛ لأن الكلام في حق من ينتكسون أو ينقلبون على أعقابهم ويرتدون ،أو :سيجزي الذين
يثبتون في القتال ،والأول أقرب ،والل ّٰه تعالى أعلم.
والل ّٰه عز وجل سماهم هنا شاكرين لأنهم شكروا نعمة الإسلام التي هي أجل نعمة وأعز شيء يمن الل ّٰه به على الإنسان ،فهم يشكرون
هذه النعمة بالثبات عليها وعدم جحودها أو النكوص على الأعقاب.
Shamela.org ٤٠٤
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
وهذه الآية تلاها أبو بكر رضي الل ّٰه تبارك وتعالى عنه في يوم موت النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،وتلاها الناس كلهم ،وذلك لما أنكر
عمر موت النبي عليه الصلاة والسلام ،فأعرض عنه أبو بكر وتلا هذه الآية في الناس ،يقول عمر) :فكأني ما عرفت هذه الآية قبل
يومئذ( أي :كأنه ما سمع هذه الآية من قبل ،فنزلت عليه بردا ً وسلاما ًوسكينة.
معنى هذه الآية كما يقول القاسمي :أن من كان على يقين من دينه وبصيرة من ربه لا يرتد بموت الرسول وقتله ،ولا يفتر عما كان عليه؛
لأنه يجاهد لربه لا للرسول ،كأصحاب الأنبياء السالفين ،كما قال أنس بن النضر عم أنس بن مالك يوم أحد حين أرجف المنافقون
وأشاعوا بقتل رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وبلغ إليه تقاول بعضهم :ليت فلانا ً يأخذ لنا أمانا ً من أبي سفيان ،وقول المنافقين أيضاً:
لو كان نبيا ًما قتل؛ يقول أنس بن النضر) :يا قوم! إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد حي لا يموت ،وما تصنعون بالحياة بعد رسول
الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فقاتلوا على ما قاتل عليه ،وموتوا على ما مات عليه ،ثم قال :اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء ،وأبرأ إليك
مما جاء به هؤلاء ،ثم شد بسيفه وقاتل حتى قتل رضي الل ّٰه تعالى عنه(.
وروى ابن أبي نجيح عن أبيه) :أن رجلا ًمن المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ،فقال له :يا فلان! أشعرت
أن محمدا ً صلى الل ّٰه عليه وسلم قد قتل ،فقال الأنصاري :إن كان محمد قد قتل فقد بلغ ،فقاتلوا عن دينكم ،فنزل)) :وَم َا مُحَم ّدٌ ِإ َلّا رَسُو ٌ
ل
تفسير قوله تعالى) :وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الل ّٰه( ٢٦.٩
تفسير قوله تعالى) :وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الل ّٰه(
شاكِر ِينَ{ الل ّه ِ ك ِتَاب ًا م ُؤ َ َجّل ًا وَم َنْ يُر ِ ْد ثَوَابَ ال ُد ّن ْيَا نُؤ ْتِه ِ مِنْهَا وَم َنْ يُر ِ ْد ثَوَابَ الآ ِ
خرَة ِ نُؤ ْتِه ِ مِنْهَا وَسَن َجْ زِي ال َ ّ ن َ س أَ ْن تَمُوتَ ِإ َلّا ب ِِإ ْذ ِ
}وَم َا ك َانَ لِن َ ْف ٍ
]آل عمران.[١٤٥:
الل ّهِ(( أي :بقضاء الل ّٰه تبارك وتعالى.
ن َ س أَ ْن تَمُوتَ ِإ َلّا ب ِِإ ْذ ِ
))وَم َا ك َانَ لِن َ ْف ٍ
))ك ِتَاب ًا(( أي :كتب ذلك كتاباً.
))م ُؤ َ َجّل ًا(( أي :مؤقتا ً لا يتقدم ولا يتأخر ،فلم انهزمتم والهزيمة لا تدفع الموت والثبات لا يقطع الحياة؟! فالموت إذا كان مكتوبا ً
لإنسان بسبب معين وبأجل معين فلابد أن يأتي ،هذه عقيدة راسخة لا شك فيها على الإطلاق ،ولذلك قال الشاعر :أي يومي من
الموت أفر يوم لا قدر أو يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر فلذلك نلاحظ في آيات الجهاد عموما ًكيف أن الل ّٰه
سبحانه وتعالى يؤكد على هذين الأمرين اللذين هما سبب نكوص كثير من الناس عن الجهاد :خوف انقطاع الرزق ،أو خوف حضور
الأجل ،فبين الل ّٰه تبارك وتعالى كما في هذه الآيات أن الأجل مكتوب ،ولن يتقدم ولن يتأخر.
يقول الصديق رضي الل ّٰه عنه) :احرص على الموت توهب لك الحياة(.
وقال أبي سليمان خالد بن الوليد رضي لل ّٰه تعالى عنه حينما مات على فراشه) :ما في جسدي موضع إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة
بسيف ،وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير ،فلا نامت أعين الجبناء(.
))وَم َنْ يُر ِ ْد ثَوَابَ ال ُد ّن ْيَا(( أي :من يرد بعمله جزاءه من الدنيا ))نُؤ ْتِه ِ مِنْهَا(( هذا تعر يض لمن حضر الجهاد طلبا ً للغنائم فقط ،أي:
Shamela.org ٤٠٥
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
تفسير قوله تعالى) :وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير( ٢٦.١٠
تفسير قوله تعالى) :وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير(
ِب َ
الصّ ابِر ِينَ{ ]آل عمران.[١٤٦: الل ّه ِ وَم َا ضَعُف ُوا وَم َا اسْ تَك َانُوا و ََالل ّه ُ ُ
يح ُ ّ ل َ ل مَع َه ُ رِ ب ُ ّيِ ّونَ كَث ِير ٌ فَمَا و َه َن ُوا لم َِا أَ صَابَه ُ ْم فِي سَب ِي ِ
}وَك َأَ ي ِّنْ م ِنْ نَبِ ٍ ّي قَات َ َ
ل مَع َه ُ رِ ب ُ ّيِ ّونَ كَث ِير ٌ(( أي :وكم من نبي قاتل ،وفي قراءة) :قتل معه ربيون كثير( بالبناء للمفعول.
قال تعالى)) :وَك َأَ ي ِّنْ م ِنْ نَبِ ٍ ّي قَات َ َ
تفسير قوله تعالى) :وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا( ٢٦.١١
تفسير قوله تعالى) :وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا(
شرع بعد ذلك في بيان محاسنهم القولية ،وهو ما استنصر به الأنبياء وأممهم على قومهم من الاستغفار والاعتراف بالتقصير ،ودعاء الل ّٰه
تبارك وتعالى والاستغاثة به ،فبعد ما مدح أفعالهم مدح أقوالهم ،قال عز وجل)) :وَم َا ك َانَ قَو ْلَهُمْ(( أي :عند قتل نبيهم مع ثباتهم
وصبرهم ،هذا على التفسير المرجوح بأن الأنبياء يمكن أن يقتلوا في الجهاد ،وقد بينا من قبل أن هذا مذهب مرجوح.
))إ َلّا أَ ْن قَالُوا ر َ َب ّنَا ا ْغفِر ْ لَنَا ذ ُنُوبَنَا و َِإسْر َافَنَا فِي أَ ْمر ِن َا(( الإسراف هو تجاوز الحد إيذاناً؛ بأن ما أصابهم لسوء فعلهم ،وهذا اعتراف
ِ
منهم بأنهم مسيئون ،وقد أضافوا الذنوب لأنفسهم.
))و َثَب ّ ِْت أَ قْد َام َنَا(( ،أي :بالقوة على الجهاد.
))و َان ْصُرْن َا عَلَى الْقَو ْ ِم الْك َافِرِينَ((.
Shamela.org ٤٠٦
آل عمران ][148 - 137 ٢٦
يح ُ ّ
ِب ال ْم ُحْ سِنِينَ(( ،فالتوبة والاعتراف بالذنب هو من فلما اعترفوا بأنهم مسيئون ،كان هذا منهم إحساناً ،فأعقبها بقوله)) :و ََالل ّه ُ ُ
الإحسان.
أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى) :وما كان قولهم إلا أن قالوا( ٢٦.١١.١
أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى) :وما كان قولهم إلا أن قالوا(
يقول الرازي :فيه دقيقة لطيفة :وهي أن هؤلاء لما اعترفوا بكونهم مسيئين حيث قالوا)) :ر َ َب ّنَا ا ْغفِر ْ لَنَا(( ،إلى آخر الآية سماهم الل ّٰه
محسنين ،كأن الل ّٰه تعالى يقول :إذا اعترفت بإساءتك وعجزك فأنا أصفك بالإحسان ،وأجعلك حبيبا ًلنفسي ،حتى تعلم أنه لا سبيل للعبد
إلى الوصول إلى النصر والتمكين والعزة والرفعة إلا بإظهار الذلة والمسكنة والعجز له سبحانه.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الل ّٰه تعالى :لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم ،وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها ،وأنها
نوعان :تقصير في حق ،أو تجاوز لحد ،وعلموا أيضا ً أن النصر منوط بالطاعة ،حينئذ قالوا)) :ر َ َب ّنَا ا ْغفِر ْ لَنَا ذ ُنُوبَنَا(( أي :الذنوب التي
بسببها تصبح الدولة والغلبة لأعدائنا ،كما يقول الشاعر :بذنوبنا دامت بليتنا والل ّٰه يكشفها إذا تبنا فكل المصائب التي تحل بالمسلمين في
كل زمان ،اعتاد الناس على أن ينظروا فيها إلى ظلم الحكام ،ولا يلتفت كثير من الناس إلى حقيقة أن تسليط هؤلاء الظالمين على
ْض ال َ ّ
ظالِمِينَ بَعْضًا بِمَا ك َانُوا ك نُو َل ِّي بَع َ
المسلمين في كل زمان ومكان إنما هو بسبب ذنوبهم ،ودليل ذلك في قوله تبارك وتعالى} :وَكَذَل ِ َ
ي َ ْكسِب ُونَ{ ]الأنعام ،[١٢٩:فالل ّٰه عز وجل يولي ظالما ًعلى الظالمين ،ولولا أن الناس ظالمون لما عوقبوا بهذا السلطان ،ولذلك يقول النبي
صلى الل ّٰه عليه وسلم) :خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالل ّٰه أن تدركوهن -وذكر هذه الذنوب وعقوبتها ومنها :-إلا ابتلوا بشدة المئونة ،وجور
السلطان عليهم( ،يعني :أن المعاصي تكون عقوبتها أحيانا ًتسليط الظالمين على الرعية ،ولذلك لما عوتب بعض الخلفاء أنه لا يسلك بهم
سنن عمر بن الخطاب وأبي بكر رضي الل ّٰه تعالى عنهما قال لهم :لو كنتم أنتم مثل الرعية التي حكمها أبو بكر وعمر لـكنت أنا مثل أبي بكر
أو مثل عمر ،لـكن ابتليتم بي وابتليت بكم.
أو كما قال رحمه الل ّٰه تعالى.
ويشيع على لسان العلماء قولهم :عمالـكم أعمالـكم ،أي :كيفما تكونوا يولى عليكم.
َف قَوْم َه ُ ف َأَ طَاع ُوه ُ ِإ َ ّنه ُ ْم ك َانُوا قَوْم ًا فَا ِ
سق ِينَ{ ]الزخرف ،[٥٤:فلا ينبغي أن نلتفت فقط وصف الل ّٰه حال فرعون وقومه قال} :فَاسْ تَخ َ ّ
إلى ظلم الظلمة وطغيانهم ،وإنما ينبغي أن نلتفت إلى أننا سبب في ظلمهم لنا ،وسر هذا الالتفات وأهمية هذا التشخيص هو أن نعرف
من أين ُأتينا ،فنبادر إلى العلاج الصحيح ،وهو كما فعل هؤلاء الربيون)) :وَم َا ك َانَ قَو ْلَه ُ ْم ِإ َلّا أَ ْن قَالُوا ر َ َب ّنَا ا ْغفِر ْ لَنَا ذ ُنُوبَنَا((.
))و َثَب ّ ِْت أَ قْد َام َنَا(( ،ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يقدروا على ٺثبيت أقدام أنفسهم والنصر على
أعدائهم ،فسألوه مغفرة ذنوبهم ،وٺثبيت أقدامهم ونصرهم على عدوهم ،فوفوا المقامين حقهما :مقام المقتضي وهو التوحيد والالتجاء
إليه سبحانه وتعالى ،ومقام إزالة المانع من النصرة وهو الذنوب والإسراف ،وهذا تأديب من الل ّٰه تعالى في كيفية الطلب بالأدعية عند
الل ّه َ لا يُغَي ِّر ُ م َا بِقَو ْ ٍم ح ََت ّى يُغَي ِّر ُوا م َا ب ِأَ نفُسِهِمْ{
ن َ النوائب والمحن ،سواء كانت المحن في الجهاد أو في غيره ،كما قال تبارك وتعالى}ِ :إ َ ّ
]الرعد.[١١:
إذاً :التحول والتغيير ينبغي أن يبدأ من أنفسنا ،كل إنسان يراجع نفسه و يفتش لعل ذنبا ًيفعله أو معصية يرتكبها ،أو إسرافا ًأو تجاوزا ً
للحد ،هو السبب في كل المصائب التي تعم المسلمين.
Shamela.org ٤٠٧
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
تفسير قوله تعالى) :فآتاهم الل ّٰه ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة( ٢٦.١٢
تفسير قوله تعالى) :فآتاهم الل ّٰه ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة(
يح ُ ّ
ِب ال ْم ُحْ سِنِينَ{ ]آل عمران.[١٤٨: خرَة ِ و ََالل ّه ُ ُ
اب الآ ِ
ن ثَو َ ِ
س َ الل ّه ُ ثَوَابَ ال ُد ّن ْيَا و َ ُ
ح ْ }ف َآت َاهُم ُ َ
الل ّه ُ ثَوَابَ ال ُد ّن ْيَا(( أعطاهم النصر والغنيمة وقهر العدو ،والثناء الجميل ،وانشراح الصدر بنور الإيمان ،وكفارة السيئات ،هذا ))ف َآت َاهُم ُ َ
ثواب الدنيا.
خرَة ِ(( أي :الجنة ،وحسنه هو التفضل فوق الاستحقاق ،بأن يعطيك الل ّٰه سبحانه وتعالى ما تستحقه ويتفضل
اب الآ ِ
ن ثَو َ ِ
س َ
ح ْ
))و َ ُ
عليك بما هو أوسع وأعظم منة منه وتكرماً.
الل ّه ُ ثَوَابَ ال ُد ّن ْيَا(( ،بينما وصف ثواب الآخرة
ونلاحظ هنا أنه سبحانه وتعالى لم يصف ثواب الدنيا بالحسن بل قال)) :ف َآت َاهُم ُ َ
خرَة ِ(( فهو سبحانه أراد أن يميز ثواب الآخرة بهذا الحسن؛ لأنه هو المعتد به عند الل ّٰه اب الآ ِ
ن ثَو َ ِ
س َ
ح ْ
بالحسن ،قال عز وجل)) :و َ ُ
تبارك وتعالى ،أما ثواب الدنيا فغير دائم ،بل ينقطع وتشوبه الأكدار والمنغصات.
يح ُ ّ
ِب ال ْم ُحْ سِنِينَ((. ثم قال :أما ثواب الآخرة فإنه دائم لا ينقطع ،ولذلك قال)) :و ََالل ّه ُ ُ
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا( ٢٧.١
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا(
كف َر ُوا ي َر ُ ُدّوك ُ ْم عَلَى أَ ْعق َابِك ُ ْم فَتَنْق َلِب ُوا خ َاسِر ِينَ{ ]آل عمران.[١٤٩: قال تبارك وتعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ِإ ْن تُط ِيع ُوا ال َ ّذ ِي َ
ن َ
الرد على الأعقاب هو مثل للحور بعد الـكور ،وقد كان النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم يدعو في السفر و يقول) :وأعوذ بك من الحور
بعد الـكور( ،بالراء ،وروي بالنون )الـكون( ،ومعنى ذلك :أن الإنسان في حالة السفر يبتعد عن بيئة إخوانه وأهله الذين يعرفونه ،فقد
يكون الشيطان أقوى عليه ،وسمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن حقيقة الشخص ،فتراه يتحول إلى سبع مفترس؛ لأنه ابتعد عن المراقبة.
فالإنسان قد يتكلف الأخلاق في دار الإقامة ،وقد يتكلف ذلك إذا قابل إخوانه ساعة أو ساعتين ،أما في السفر فإنه لابد أن تغلبه
شخصيته الحقيقية وتظهر طبيعته ،ولذلك لما سأل عمر عن إنسان فقال رجل) :أنا أعرفه ،فقال له عمر :هل التصقت به؟ هل تعاملت
معه بالمال؟ هل سافرت معه؟( فهذه الأشياء هي التي تكشف الإنسان ،ومن أراد أن يشهد على إنسان لابد أن يكون قد خالطه مخالطة
دقيقة ومنها السفر.
والـكور مأخوذ من تكوير العمامة ،فالإنسان إذا أراد أن يثبت العمامة على رأسه فإنه يكورها ،وإذا أراد أن يفكها فكها ،وعملية الفك
للعمامة تسمى التحوير ،فالحور بعد الـكور هذا تعبير أريد به انفراط عقد الإنسان بعد استمساكه ،أو زلل قدمه عن طر يق الاستقامة
بعدما كان مستقيماً ،فهذا معنى الحور بعد الـكور ،أما إذا قلنا :بعد الـكون بالنون أي :بعد كونه على الطر يق المستقيم يحيد عنه ويرتد
على عقبيه.
فقوله تعالى)) :ي َر ُ ُدّوك ُ ْم عَلَى أَ ْعق َابِكُمْ(( هو مثل يضرب في الحور بعد الـكور.
))فَتَنْق َلِب ُوا خ َاسِر ِينَ(( ذكر )خاسرين( لأننا إذا أطعنا أعداء الل ّٰه عز وجل فسنخسر كل شيء ،وأعظم ما نخسره -كما يفهم من سياق
الآية -الإسلام؛ لأن الل ّٰه تعالى قال} :و َلا ي َز َالُونَ يُق َاتِلُونَك ُ ْم ح ََت ّى ي َر ُ ُدّوك ُ ْم ع َنْ دِينِك ُ ْم ِإ ِ
ن اسْ تَطَاع ُوا{ ]البقرة.[٢١٧:
Shamela.org ٤٠٨
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
)خاسرين( أي :خاسرين للإسلام ،خاسرين لمحبة الل ّٰه عز وجل ورضوانه ،خاسرين لثوابه الدنيوي والأخروي.
أما ثمرة هذه الآية :فهي الدلالة للمؤمنين ألا ينزلوا على حكم الكافرين ،ولا يقبلوا مشورتهم؛ خشية أن يردوهم عن دينهم؛ لأن الل ّٰه عز
وجل الذي يعلم من خلق أخبرنا بخفايا قلوبهم ودواخل أمورهم ،وأنهم لن يقصروا في إيقاع الأذى بنا.
تفسير قوله تعالى) :بل الل ّٰه مولاكم وهو خير الناصرين( ٢٧.٢
تفسير قوله تعالى) :بل الل ّٰه مولاكم وهو خير الناصرين(
الل ّه ُ مَو ْلاك ُ ْم و َه ُو َ خَي ْر ُ َ
الن ّاصِر ِينَ{ ]آل عمران.[١٥٠: ل َ يقول تعالى} :ب َ ِ
أي :ناصركم فأطيعوه ،فكونوا مع الل ّٰه عز وجل ولا تلتفتوا إلى أعدائكم وأعداء دينكم.
}و َه ُو َ خَي ْر ُ َ
الن ّاصِر ِينَ{ أي :فأطيعوه دون هؤلاء الكافرين ،فإنه سبحانه وتعالى ينصركم عليهم بالقتال ،وينصركم بدون قتال.
تفسير قوله تعالى) :سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا( ٢٧.٣
تفسير قوله تعالى) :سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا(
ْس مَث ْو َى ال َ ّ
ظالِمِينَ{ ]آل عمران.[١٥١: الر ّعْبَ بِمَا أَ شْرَكُوا ب َِالل ّه ِ م َا ل َ ْم يُنَز ِّلْ بِه ِ سُلْطَان ًا وَم َأْ و َاهُم ُ َ
الن ّار ُ و َبِئ َ كف َر ُوا ُ وب ال َ ّذ ِي َ
ن َ }سَنُلْقِي فِي قُل ُ ِ
كف َر ُوا ُ
الر ّعْبَ { سبق أن قلنا :إن قوة المؤمن وب ال َ ّذ ِي َ
ن َ بين تبارك وتعالى ذلك كيف ينصرهم بدون قتال قال عز وجل} :سَنُلْقِي فِي قُل ُ ِ
في قلبه ،وليست في بدنه ،فالكافر إذا رأيته يعجبك جسمه لـكن قلبه كقلب الفأر المذعور ،ولذلك يقول تبارك وتعالى هنا} :سَنُلْقِي فِي
مح ََصّ نَة ٍ أَ ْو م ِنْ وَر َاء ِ جُدُرٍ{. كف َر ُوا ُ
الر ّعْبَ { وكذلك قال تبارك وتعالى في وصف اليهود} :لا يُق َاتِلُونَك ُ ْم جَم ِيع ًا ِإ َلّا فِي قُر ًى ُ وب ال َ ّذ ِي َ
ن َ قُل ُ ِ
ولا شك أنكم قد سمعتم ما حكاه الجنود المسلمون في حرب رمضان مما رأوا من الفزع الذي نزل على اليهود بمجرد أن كانت الصيحة
تدوي :الل ّٰه أكبر! ففزعوا كالفئران وولوا هاربين مذعورين كالجرذان الهاربة ،وخط برليف وما أدراك ما خط برليف ،كيف دك
بهذه الصيحة الإيمانية؟!! فالرعب يقذفه الل ّٰه تبارك وتعالى في قلب الكافر؛ لأنه على قدر الشرك يكون الرعب في القلب ،وعلى قدر
الإيمان يكون الثبات؛ لأن الشجاعة والثبات ورباطة الجأش لا تكون تامة إلا للموحد الموقن في توحيده ،وأعلى الموحدين الموقنين في
توحيدهم هو رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،ولذلك خصه الل ّٰه تبارك وتعالى بخصال ،منها ما جاء في قوله صلى الل ّٰه عليه وسلم:
)ونصرت بالرعب مسيرة شهر( أي :أن العدو إذا كان بينه وبين المسلمين مسافة تقطع في شهر ،فإن الل ّٰه سبحانه يلقي في قلبه الرعب
من النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
وعلينا ألا ننخدع بما نحن عليه الآن من ضعف ومن هوان؛ لأن خاصية رعب الـكفار منه عليه الصلاة والسلام هي لأمته من بعده
أيضاً ،وآية ذلك أنك تجد في هذا الزمان مع شدة ضعف المسلمين أن العالم في حالة رعب وفزع وهلع وخوف من الإسلام ومن
المسلمين ،ويسلـكون كل المسالك ليتخلصوا من هذا الذي يقض مضاجعهم.
هناك تصر يحات للوزير الفرنسي في حلف الأطلنطي في الأسابيع الماضية يقول فيها :إننا لا نخاف إلا الإسلام ،وإننا نرعب من الإسلام،
وإن المعركة القادمة ستكون مع الإسلام.
ولذلك يتخذون إجراءات وقائية كثيرة حتى يتقوا خطر الإسلام ،وهم يمشون إلى حتفهم ،فكأن جمع اليهود بهذه الصورة من أجل أن
جئ ْنَا بِك ُ ْم لَف ِيف ًا{ ]الإسراء ،[١٠٤:كنا ونحن صغار نسمع العجائز يقلن :لو قام لليهود
خرَة ِ ِ
يتحقق وعد الل ّٰه عز وجل} :ف َِإذ َا ج َاء َ وَعْد ُ الآ ِ
ملك لقامت القيامة ،والعلامات والإرهاصات ٺتكاثر في هذا الزمان بصورة مذهلة ،وهي تنبئ أن شيئا ًما سيحصل ،والل ّٰه تعالى أعلم.
Shamela.org ٤٠٩
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
وجاء في الحديث عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أنه قال) :لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ،وحتى يقول الحجر والشجر :يا عبد الل ّٰه! يا
مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله(.
إذاً :اليهود يقذف الل ّٰه الرعب في قلوبهم.
و )الرعب( بسكون العين وضمها وهو الخوف.
لقد عزم المشركون بعد ارتحالهم من أحد على العود واستئصال المسلمين ،فألقى الل ّٰه في قلوبهم الرعب فلم يعودوا لقتال المسلمين كما
عزموا.
}بِمَا أَ شْرَكُوا ب َِالل ّهِ{ ،أي :بسبب إشراكهم ألقينا في قلوبهم الرعب؛ لأنه على قدر الشرك يكون الرعب ،والشجاعة والثبات لا تكون
تامة إلا للموحد الموقن في توحيده.
}م َا ل َ ْم يُنَز ِّلْ بِه ِ سُلْطَان ًا{ ،أي :حجة على عباده ،وهي الأصنام أو غيرها.
ْس مَث ْو َى ال َ ّ
ظالِمِينَ{ ،أي :مأوى أو مقر أو مقام )الظالمين( أي :الكافرين. }وَم َأْ و َاهُم ُ َ
الن ّار ُ و َبِئ َ
تفسير قوله تعالى) :ولقد صدقكم الل ّٰه وعده إذ تحسونهم بإذنه( ٢٧.٤
تفسير قوله تعالى) :ولقد صدقكم الل ّٰه وعده إذ تحسونهم بإذنه(
تح ُِب ّونَ
صي ْتُم ْ م ِنْ بَعْدِ م َا أَ ر َاك ُ ْم م َا ُ الل ّه ُ وَعْدَه ُ ِإ ْذ تَح ُ ُ ّ
سونَه ُ ْم ب ِِإذْنِه ِ ح ََت ّى ِإذ َا فَشِل ْتُم ْ و َتَنَازَعْتُم ْ فِي الأَ ْمر ِ وَع َ َ صد َقَكُم ُ َ
قال تبارك وتعالى} :و َلَق َ ْد َ
مِنْك ُ ْم م َنْ يُر ِيد ُ ال ُد ّن ْيَا وَمِنْك ُ ْم م َنْ يُر ِيد ُ الآ ِ
خرَة َ ث َُم ّ صَر َفَك ُ ْم عَنْه ُ ْم لِيَب ْتَلِيَك ُ ْم و َلَق َ ْد عَف َا عَنْك ُ ْم و ََالل ّه ُ ذ ُو ف َضْ ٍ
ل عَلَى ال ْمُؤْم ِنِينَ{ ]آل عمران.[١٥٢:
)ولقد صدقكم( أي :وعدكم الل ّٰه تبارك وتعالى بالنصر ،وقد صدقكم ولم يتخلف وعده تبارك وتعالى ،فوعدكم بالنصر في قوله تعالى} :و َِإ ْن
شي ْئًا{ ]آل عمران.[١٢٠: تَصْ ب ِر ُوا و َٺَت ّق ُوا لا يَض ُ ُرّك ُ ْم َ
كيْد ُه ُ ْم َ
))إ ْذ تَح ُ ُ ّ
سونَهُمْ(( أي :تقتلونهم ،يقال :حسه إذا قتله ،أو )إذ تحسونهم( أي :إذ تقتلونهم قتلا ًكثيراً. ِ
)بإذنه( بإرادته ،أو بتيسيره وتوفيقه.
))ح ََت ّى ِإذ َا فَشِل ْتُم ْ(( ،أي :جبنتم عن القتال.
))و َتَنَازَعْتُم ْ(( ،أي :اختلفتم.
))فِي الأَ ْمر ِ(( إما الشأن ،وإما الأمر الذي هو ضد النهي ،أي :أمر النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم بالمقام في سفح الجبل للرمي.
يقول القاضي كنعان هنا :إن موقع الرماة لم يكن في سفح جبل أحد كما هو شائع ،بل كان على تلة صغيرة مشرفة على أرض المعركة،
وذلك أن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أمر خمسين رجلا ًمن الرماة بقيادة عبد الل ّٰه بن جبير رضي الل ّٰه عنه بأن يثبتوا على تلك التلة؛ ليدفعوا
خيل المشركين بالنبل؛ لئلا يأتوا من ورائهم.
)حتى إذا فشلتم وتنازعتم( أي :اختلفتم في أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالمقام في سفح الجبل للرمي ،فقال بعضكم :نذهب للغنيمة
فقد نصر أصحابنا ،وقال بعضكم :لا نخالف أمر النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ لأن الأمر كان واضحا ًحتى لو غلب المسلمون فعلى الرماة أن
يثبتوا ولا يتحركوا من مواقعهم حتى يأذن لهم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم بالنزول.
صي ْتُم ْ(( ،أي :عصيتم أمره فتركتم المركز؛ لطلب الغنيمة.
))وَع َ َ
تح ُِب ّونَ(( ،أي :من بعد ما أراكم الل ّٰه ما تحبون من النصر والغنيمة.
))م ِنْ بَعْدِ م َا أَ ر َاك ُ ْم م َا ُ
,جواب )إذا( يفهم من سياق الكلام ،وتقديره حتى إذا فعلتم ذلك كله منعكم الل ّٰه نصره.
Shamela.org ٤١٠
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
تفسير قوله تعالى) :إذ تصعدون ولا تلوون على أحد( ٢٧.٥
تفسير قوله تعالى) :إذ تصعدون ولا تلوون على أحد(
تح ْزَنُوا عَلَى م َا فَاتَك ُ ْم و َلا م َا أَ صَابَك ُ ْم و ََالل ّه ُ خَب ِير ٌ ل ي َ ْدع ُوك ُ ْم فِي ُأ ْ
خر َاك ُ ْم ف َأَ ث َابَك ُ ْم غ ًَم ّا ب ِغ َ ٍ ّم لِك َيْلا َ ِ}إ ْذ تُصْ عِد ُونَ و َلا تَل ْو ُونَ عَلَى أَ حَدٍ و َ
َالر ّسُو ُ
بِمَا تَعْم َلُونَ{ ]آل عمران.[١٥٣:
ِ}إ ْذ تُصْ عِد ُونَ{ أي :اذكروا )إذ تصعدون( أي :تبعدون في الأرض هاربين.
وقوله )تصعدون( إما متعلق بقوله) :ثم صرفكم عنهم ليبتليكم( ،وإما بمقدر وهو اذكروا )إذ تصعدون(.
والإصعاد هو الإبعاد في الأرض والجري فيها فرارا ً من العدو.
وهنا قراءة أخرى) :إذا تَصعدون( من الفعل الثلاثي صعد أي :على الجبل.
}و َلا تَل ْو ُونَ عَلَى أَ حَدٍ{ أي :لا تعرجون ولا تعطفون بالوقوف على أحد؛ لأنكم قد حددتم اتجاه الهرب من شدة الدهشة والروعة.
Shamela.org ٤١١
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
وقيل :الباء بمعنى :على )غما ًبغم( أي :غما ًمضاعفا ًعلى غم فوت الغنيمة.
أو الباء تكون باء المقابلة أو العوض ،أي :كما أدخلتم على المشركين الغم في يوم بدر ،دخل عليكم الغم في يوم أحد ،فصرتم متكافئين
من هذه الحيثية.
تح ْزَنُوا{ متعلق بـ )عفا( في الآية السابقة في قوله تبارك وتعالى)) :و َلَق َ ْد عَف َا عَنْكُمْ(( أو متعلق بأثابكم.
}لِك َيْلا َ
)ولا ما أصابكم( أي من القتل والهزيمة }و ََالل ّه ُ خَب ِير ٌ بِمَا تَعْم َلُونَ{.
تفسير قوله تعالى) :ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا( ٢٧.٦
تفسير قوله تعالى) :ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً(
ل عَلَيْك ُ ْم م ِنْ بَعْدِ الْغ َ ِ ّم أَ م َن َة ً نُع َاسًا يَغْش َى طَائِف َة ً مِنْك ُ ْم وَطَائِف َة ٌ ق َ ْد أَ ه َم ّتْه ُ ْم أَ نْف ُسُه ُ ْم يَظ ُُن ّونَ ب َِالل ّه ِ غَيْر َ الْحَقّ ِ ظ ََنّ الْجا َه ِل َِي ّة ِ يَق ُولُونَ ه َلْ }ث َُم ّ أَ ن ْز َ َ
ن الأَ ْمر ِ شَيْء ٌ م َا قُتِل ْنَا ه َاه ُنَا ق ُلْ ك يَق ُولُونَ لَو ْ ك َانَ لَنَا م ِ َ يخْف ُونَ فِي أَ نْفُسِه ِ ْم م َا لا يُبْد ُونَ ل َ َ ن الأَ ْمر ِ م ِنْ شَيْء ٍ قُلْ ِإ َ ّ
ن الأَ مْرَ ك َُل ّه ُ ل َِل ّه ِ ُ لَنَا م ِ َ
َاتِص م َا فِي قُلُوبِك ُ ْم و ََالل ّه ُ عَل ِيم ٌ بِذ ِ ح َ صد ُورِك ُ ْم وَلِيم ُ َ ّ الل ّه ُ م َا فِي ُ ل ِإلَى مَضَاجِعِه ِ ْم و َلِيَب ْتَلِي َ َ ن كُت ِبَ عَلَيْهِم ُ الْقَت ْ ُ كن ْتُم ْ فِي بُي ُوتِك ُ ْم لَبَرَز َ ال َ ّذ ِي َلَو ْ ُ
ُ
الصّ د ُورِ{ ]آل عمران.[١٥٤:
)أمنة( أي :أمناً.
بعد نزول المسيح عليه السلام يقول عليه الصلاة والسلام) :وتقع الأمنة على الأرض( أي :الأمن )حتى ترتع الأسود مع الإبل،
والنمار مع البقر ،والذئاب مع الغنم ،و يلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم(.
َاس أَ م َن َة ً مِن ْه ُ{ ]الأنفال.[١١: شِيكُم ُ ُ
الن ّع َ وهناك آية أخرى في القرآن استعملت فيها كلمة) :أمنة( في سورة الأنفال}ِ :إ ْذ يُغ َ ّ
فـ )نعاساً( بدل من أمنة ،أي :نوماً} ،يَغْش َى طَائِف َة ً مِنْكُمْ{) ،يغشى( أو )تغشى( بالياء والتاء.
)طائفة منكم( وهم المؤمنون ،فكانوا يميلون تحت الحجف ،وهي :التروس من الجلد ،وتسقط السيوف منهم ،فهذه من رحمة الل ّٰه تبارك
وتعالى بالمؤمنين أنه أنزل عليهم من بعد هذا الغم الذي وقع بهم )أمنة نعاساً(.
روى البخاري في التفسير عن أنس عن أبي طلحة رضي الل ّٰه تعالى عنه قال) :غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ،قال :فجعل
سيفي يسقط من يدي وآخذه(.
و يقول أبو طلحة) :رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر ،وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت حجفته من النعاس ،فذلك قوله تعالى)) :ث َُم ّ
ل عَلَيْك ُ ْم م ِنْ بَعْدِ الْغ َ ِ ّم أَ م َن َة ً نُع َاسًا(((.
أَ ن ْز َ َ
وقد ساق الرازي لذلك النعاس فوائد :منها :أن المشركين كانوا في غاية الحرص على قتل الصحابة في ذلك الموقف ثأرا ً ليوم بدر،
فبقاؤهم في النوم مع السلامة في مثل تلك المعركة من أدل الدلائل على أن حفظ الل ّٰه وعصمته معهم ،ولا شك أن هذه رحمة من
الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وأنه هو الذي يحفظهم و يعصمهم من القتل ،وذلك مما يز يل الخوف عن قلوبهم ،و يورثهم مزيد الوثوق بوعد الل ّٰه
تبارك وتعالى.
ثم أخبر عز وجل أن من لم يصبه ذلك النعاس فهو ممن أهمته نجاة وسلامة نفسه ،لا هم الدين ولا النبي ولا الصحابة رضي الل ّٰه تعالى
عنهم ،ولذلك قال} :وَطَائِف َة ٌ ق َ ْد أَ ه َم ّتْه ُ ْم أَ نْف ُسُهُمْ{ أي :ما بهم إلا هم أنفسهم وقصد خلاصها ،فهؤلاء لم ينعموا بهذا النعاس ،بل بقوا
في القلق والجزع والفزع والخوف.
}يَظ ُُن ّونَ ب َِالل ّه ِ غَيْر َ الْحَقّ ِ{ أي :غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به سبحانه وتعالى }ظ ََنّ الْجا َه ِل َِي ّة ِ{.
يقول السيوطي} :وَطَائِف َة ٌ ق َ ْد أَ ه َم ّتْه ُ ْم أَ نْف ُسُهُمْ{ أي :حملتهم على الهم ،فلا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم وأصحابه ،فلم
Shamela.org ٤١٢
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
تفسير قوله تعالى) :إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان( ٢٧.٧
تفسير قوله تعالى) :إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان(
الل ّه َ غَف ُور ٌ ح َل ِيم ٌ{ ]آل عمران.[١٥٥:
ن َ الل ّه ُ عَنْه ُ ْم ِإ َ ّ
كسَب ُوا و َلَق َ ْد عَف َا َ
ض م َا َ ن ِإ َن ّمَا اسْ تَز َل ّهُم ُ ال َ ّ
شيْطَانُ ببَِعْ ِ ن تَو َل ّو ْا مِنْك ُ ْم يَوْم َ ال ْتَقَى ا ْلجم َْع َا ِ
ن ال َ ّذ ِي َ
ِ}إ َ ّ
ن تَو َل ّو ْا مِنْكُمْ{ أي :تولوا عن القتال.
ن ال َ ّذ ِي َ
ِ}إ َ ّ
)يوم التقى الجمعان( جمع المسلمين وجمع الـكفار ُبأح ُد ،وهم المسلمون إلا اثني عشر رجلاً.
كسَب ُوا{ من الذنوب ،وهو مخالفة أمر النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
ض م َا َ ِ}إ َن ّمَا اسْ تَز َل ّهُم ُ ال َ ّ
شيْطَانُ{ ،يعني :أزلهم بوسوسته }ببَِعْ ِ
الل ّه َ غَف ُور ٌ{ للمؤمنين} ،ح َل ِيم ٌ{ أي :لا يعجل على العصاة بل يصبر ويمهل.
ن َ الل ّه ُ عَنْه ُ ْم ِإ َ ّ
}و َلَق َ ْد عَف َا َ
ولا شك أن الحليم من أعظم أسماء الل ّٰه الحسنى.
)إن الل ّٰه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته( ،فالل ّٰه يحلم و يصبر على الأذى ،يشتمه بنو آدم وينسبون إليه الولد ،و يصدون عن سبيله
جه َ َن ّم َ و َلَه ُ ْم
ات ث َُم ّ ل َ ْم يَت ُوبُوا فَلَه ُ ْم عَذ َابُ َ ن ال َ ّذ ِي َ
ن فَتَن ُوا ال ْمُؤْم ِنِينَ و َال ْمُؤْم ِن َ ِ و يحاربون أولياءه ،ومع ذلك هو حليم بهم ،حتى إنه قال}ِ :إ َ ّ
عَذ َابُ الْحَرِ يقِ{ ]البروج.[١٠:
فاشترط في تعذيبهم ألا يتوبوا ،بحيث لو تابوا مع ما فعلوه من الجرم الشنيع ،لتاب عليهم تبارك وتعالى.
Shamela.org ٤١٣
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا( ٢٧.٨
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا(
ض أَ ْو ك َانُوا غ ً ُّزى لَو ْ ك َانُوا عِنْد َن َا م َا م َاتُوا وَم َا قُت ِلُوا
كف َر ُوا و َقَالُوا ل ِ ِإخْ وَانِه ِ ْم ِإذ َا ضَر َبُوا فِي الأَ ْر ِ
ن َ }ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا تَكُونُوا ك َال َ ّذ ِي َ
يحْيِي و َيُمِيتُ و ََالل ّه ُ بِمَا تَعْم َلُونَ بَصِ ير ٌ{ ]آل عمران.[١٥٦:
حسْرَة ً فِي قُلُو بِه ِ ْم و ََالل ّه ُ ُ
ك َ
الل ّه ُ ذَل ِ َ
ل َ لِي َجْ ع َ َ
تفسير قوله تعالى) :ولئن قتلتم في سبيل الل ّٰه أو متم( ٢٧.٩
Shamela.org ٤١٤
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
تفسير قوله تعالى) :فبما رحمة من الل ّٰه لنت لهم( ٢٧.١١
يح ُ ّ
ِب ال ْمُت َوَكِّلِينَ{ ]آل عمران.[١٥٩: الل ّه َ ُ
ن َ الل ّه ِ ِإ َ ّ
فَت َو َ َكّلْ عَلَى َ
الل ّه ِ لِن ْتَ لَهُمْ{ ،أي :يا محمد سهلت أخلاقك مع أنهم خالفوك وعصوا أمرك.
ن َ }فَبِم َا رَحْمَة ٍ م ِ َ
كن ْتَ ف َ ً ّ
ظا{ أي :سيئ الخلق. }و َلَو ْ ُ
ْب{ أي :جافيا ًفأغلظت لهم.
يظ الْق َل ِ
}غَل ِ َ
}لانْف َُضّ وا م ِنْ َ
حو ْلِكَ{ أي :تفرقوا.
ْف عَنْهُمْ{ أي :تجاوز عنهم ما أتوه.
}فَاع ُ
}و َاسْ تَغْفِر ْ لَهُمْ{ أي :ذنبهم حتى أغفر لهم.
}وَشَاوِرْهُمْ{ أي :استخرج آراءهم.
}فِي الأَ ْمر ِ{ أي :في شأنك ،سواء في الحرب أو غيرها تطييبا ًلقلوبهم ،وكي يستن بك المسلمون و يقتدوا بك في الشورى.
وكان صلى الل ّٰه عليه وسلم كثير المشاورة لهم ،ولولا ضيق الوقت لذكرنا أمثلة كثيرة من الشورى وفوائدها.
}ف َِإذ َا ع ََزمْتَ { أي :على إمضاء ما تريد بعد المشاورة.
الل ّهِ{ أي :ثق به بعد المشاورة.
}فَت َو َ َكّلْ عَلَى َ
تفسير قوله تعالى) :إن ينصركم الل ّٰه فلا غالب لـكم( ٢٧.١٢
تفسير قوله تعالى) :إن ينصركم الل ّٰه فلا غالب لـكم(
الل ّه ِ فَل ْيَت َو َ َكّ ِ
ل ال ْمُؤْم ِن ُونَ{ ]آل عمران.[١٦٠: يخْذ ُل ْـك ُ ْم فَم َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي يَن ْصُر ُك ُ ْم م ِنْ بَعْدِه ِ و َعَلَى َ ِ}إ ْن يَن ْصُرْكُم ُ َ
الل ّه ُ فَلا غَال ِبَ لـَك ُ ْم و َِإ ْن َ
}فَم َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي يَن ْصُر ُك ُ ْم م ِنْ بَعْدِه ِ{ ،أي :بعد خذلانه لا ناصر لـكم.
الل ّهِ{ لا على غيره.
}و َعَلَى َ
}فَل ْيَت َو َ َكّ ِ
ل{ ،أي :المؤمنون.
لما فقدت قطيفة حمراء يوم بدر قال بعض الناس :لعل النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم أخذها ،فنزلت الآية مبينة عصمته صلى الل ّٰه عليه وسلم
عن ذلك ،قال عز وجل} :وَم َا ك َانَ لِنَب ِ ٍيّ أَ ْن يَغ ُ َ ّ
ل{ أي :ما ينبغي لنبي أن يخون في الغنيمة ،فلا تظنوا به ذلك.
Shamela.org ٤١٥
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
ت بِمَا غ َ َ ّ
ل يَوْم َ الْق ِيَامَة ِ{ أي :حاملا ًله على عنقه كما بين ذلك النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم. }وَم َنْ يَغْل ُلْ ي َأْ ِ
تفسير قوله تعالى) :لقد من الل ّٰه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا( ٢٧.١٦
تفسير قوله تعالى) :لقد من الل ّٰه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً(
ل لَفِي الل ّه ُ عَلَى ال ْمُؤْم ِنِينَ ِإ ْذ بَع َثَ ف ِيه ِ ْم رَسُول ًا م ِنْ أَ نْفُسِه ِ ْم يَت ْلُوا عَلَيْه ِ ْم آي َاتِه ِ و َي ُزَكّ ِيه ِ ْم و َيُع َل ِّمُهُم ُ الْكِتَابَ و َالْح ِ ْ
كم َة َ و َِإ ْن ك َانُوا م ِنْ قَب ْ ُ }لَق َ ْد م ََنّ َ
ل م ُبِينٍ{ ]آل عمران.[١٦٤:
ضَلا ٍ
}لَق َ ْد م ََنّ َ
الل ّه ُ عَلَى ال ْمُؤْم ِنِينَ ِإ ْذ بَع َثَ ف ِيه ِ ْم رَسُول ًا م ِنْ أَ نْفُسِهِمْ{ أي :عربيا ً مثلهم؛ ليفهموا عنه ،وليشرفوا به؛ لأن الأمم السابقة من
اليهود أو النصارى كانوا يفخرون على العرب؛ لأنهم أهل علم وأهل كتاب ،فقد بعث فيهم عيسى وموسى وغيرهم من الأنبياء.
هل العرب كان لهم شرف يشرفون به؟ قد يقال :كانوا يشرفون بالانتساب إلى إبراهيم عليه السلام.
نقول :لـكن هذا الانتساب يشترك معهم فيه اليهود والنصارى ،وإنما شرفوا ببعثة محمد صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
}يَت ْلُوا عَلَيْه ِ ْم آي َاتِه ِ{ أي :آيات القرآن.
}و َي ُزَكّ ِيهِمْ{ أي :يطهرهم من الذنوب.
Shamela.org ٤١٦
آل عمران ][167 - 149 ٢٧
Shamela.org ٤١٧
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
تفسير قوله تعالى) :ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الل ّٰه أمواتا( ٢٨.١
تفسير قوله تعالى) :ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الل ّٰه أمواتاً(
الل ّه ِ أَ مْوَات ًا بَلْ أَ حْ يَاء ٌ عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم يُرْز َق ُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آت َاهُم ُ َ
الل ّه ُ م ِنْ ف َضْ لِه ِ و َيَسْتَبْشِر ُونَ ل َ تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن قُت ِلُوا فِي سَب ِي ِ يقول تبارك وتعالى} :و َلا َ
جر َ ال ْمُؤْم ِنِينَ{
الل ّه َ لا يُضِ ي ُع أَ ْ
ن َ الل ّه ِ و َف َضْ ٍ
ل و َأَ َ ّ ن َ يح ْزَنُونَ * يَسْتَبْشِر ُونَ بنِِعْمَة ٍ م ِ َ ْف عَلَيْه ِ ْم و َلا ه ُ ْم َ خو ٌ حق ُوا بِه ِ ْم م ِنْ خ َلْفِه ِ ْم أَ َلّا َ ب ِال َ ّذ ِي َ
ن ل َ ْم يلَ ْ َ
]آل عمران.[١٧١ - ١٦٩:
الل ّه ِ أَ مْوَات ًا{ ]آل عمران.[١٦٩: ل َن قُت ِلُوا فِي سَب ِي ِ تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
قوله تعالى} :و َلا َ
الل ّه ِ أَ وِ ادْف َع ُوا قَالُوا لَو ْ نَعْلَم ُ
ل َ ل لَه ُ ْم تَع َالَو ْا قَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ إذا رجعنا إلى سياق الآيات السابقة يقول عز وجل} :و َلِيَعْلَم َ ال َ ّذ ِي َ
ن ن َافَق ُوا و َق ِي َ
Shamela.org ٤١٨
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
الل ّه ُ عَل َيّ ِإ ْذ ل َ ْم أَ كُنْ م َعَه ُ ْم شَه ِيدًا{ ]النساء [٧٢:أي :حاضراً ،ليس
حالة الغنيمة ،أما إذا وقع البلاء وسقط الشهداء فيقول} :ق َ ْد أَ نْعَم َ َ
الشهيد المذكور هنا في الآية هو الذي يقتل في سبيل الل ّٰه ،بل المقصود بالشهيد :هو الذي حضر المعركة ،والمنافق يحمد الل ّٰه أنه لم يكن
حاضرا ً ساعة الجهاد والقتال.
فلذلك هنا يبېن الل ّٰه تبارك وتعالى لهم أن القتل الذي يحذرونه و يحذرون الناس منه ليس مما يحذر ،بل إن كان في سبيل الل ّٰه فهو من
أج َ ّ
ل المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون.
ل ِإلَى مَضَاجِعِهِمْ{ ]آل كن ْتُم ْ فِي بُي ُوتِك ُ ْم لَبَرَز َ ال َ ّذ ِي َ
ن كُت ِبَ عَلَيْهِم ُ الْقَت ْ ُ إن الحذر من القتل لا يجدي ولا يغني كما قال عز وجل} :قُلْ لَو ْ ُ
عمران [١٥٤:أي :لا تحسبنهم أمواتا ًتعطلت أرواحهم.
Shamela.org ٤١٩
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
بن أنس الأصبحي رحمه الل ّٰه عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه
عليه وسلم) :إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الل ّٰه تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه(.
قوله) :يعلق( أي :يأكل ،وفي هذا الحديث )أن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة( ،وأما أرواح الشهداء فكما تقدم في
حواصل طير خضر ،فهي كالـكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين ،فإنها تطير بأنفسها ،فنسأل الل ّٰه الـكريم المنان أن يميتنا على
الإيمان.
يقول الواحدي :الأصح في حياة الشهداء ما روي عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم )من أن أرواحهم في أجواف طير خضر ،وأنهم يرزقون
و يأكلون ويتنعمون(.
تفسير قوله تعالى) :فرحين بما آتاهم الل ّٰه من فضله ٢٨.١.٣
Shamela.org ٤٢٠
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
يح ْزَنُونَ(( معنى الآية :ويستبشرون بما تبېن لهم من حال من
ْف عَلَيْه ِ ْم و َلا ه ُ ْم َ حق ُوا بِه ِ ْم م ِنْ خ َلْفِه ِ ْم أَ َلّا َ
خو ٌ ))و َيَسْتَبْشِر ُونَ ب ِال َ ّذ ِي َ
ن ل َ ْم يلَ ْ َ
تركوا خلفهم من المؤمنين ،وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة ،بشرهم الل ّٰه بذلك فهم مستبشرون به ،وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم
لمن خلفهم حث للباقين من بعدهم على الجد في الجهاد والرغبة في نيل منازل الشهداء.
Shamela.org ٤٢١
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
فقال أبو سفيان :والل ّٰه لقد أجمعنا الـكرة عليهم لنستأصل بقيتهم.
قال :فإني أنهاك عن ذلك(.
ن اسْ ت َج َابُوا ل َِل ّه ِ و َ
َالر ّسُولِ(( الآية ،قالت عائشة لـ عروة :كان أبواك منهم: قال البخاري :عن عروة عن عائشة رضي الل ّٰه عنها )))ال َ ّذ ِي َ
الزبير وأبو بكر رضي الل ّٰه تعالى عنهما لما أصاب نبي الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ما أصابه يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا
فقال :من يذهب في أثرهم ،فانتدب منهم سبعون رجلا ًفيهم أبو بكر والزبير(.
تفسير قوله تعالى) :الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لـكم( ٢٨.١.٥
تفسير قوله تعالى) :الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لـكم(
في بعض كتب السيرة :أن المشركين أرسلوا رسولا ًإلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في حمراء الأسد ،فأخبروه بأنهم قد جمعوا المسير
إليه وإلى أصحابه؛ ليستأصلوا بقيتهم ،فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه ،هذا الرسول بلغ الرسالة ،فقال الصحابة رضي الل ّٰه عنهم:
اس ق َ ْد جَم َع ُوا لـَك ُ ْم فَاخْ شَو ْه ُ ْم ف َزَاد َه ُ ْم ِإ يمَان ًا و َقَالُوا ن َ
الن ّ َ اس ِإ َ ّ ل لَهُم ُ َ
الن ّ ُ )حسبنا الل ّٰه ونعم الوكيل( ،فأنزل الل ّٰه تعالى في ذلك} :ال َ ّذ ِي َ
ن قَا َ
الل ّه ُ و َنِعْم َ ال ْوَك ِيلُ{ ]آل عمران.[١٧٣:
حسْبُنَا َ
َ
اس(( أي :الركب الذين استقبلوهم. ل لَهُم ُ َ
الن ّ ُ ))ال َ ّذ ِي َ
ن قَا َ
اس(( أي :أبا سفيان وأصحابه. ن َ
الن ّ َ ))إ َ ّ
ِ
))ق َ ْد جَم َع ُوا لـَكُمْ(( أي :الجموع؛ ليستأصلوكم.
))فَاخْ شَو ْهُمْ(( فلا تأتوهم.
))ف َزَاد َهُمْ(( ذلك القول.
))إ يمَان ًا(( أي :تصديقا ًبالل ّٰه و يقيناً ،يعني :لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا ،بل ثبت به الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم في كل ما يأمر به وينهى
ِ
عنه ،وفي الآية دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ))ف َزَاد َه ُ ْم ِإ يمَان ًا((.
حسْبُنَا الل ّٰه(( أي :كافينا أمرهم.
))و َقَالُوا َ
))و َنِعْم َ ال ْوَك ِيلُ(( ،أي :نعم الموكول إليه ،والمفوض إليه الأمر هو الل ّٰه تبارك وتعالى.
Shamela.org ٤٢٢
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
الل ّه ُ و َنِعْم َ ال ْوَك ِيلُ(( ،استحباب هذه الكلمة عند الغم والأمور العظيمة ،وهي الكلمة التي قالها المؤمنون
حسْبُنَا َ
وفي قوله تعالى)) :و َقَالُوا َ
اس ق َ ْد جَم َع ُوا لـَك ُ ْم فَاخْ شَو ْهُمْ(( ،وهي التي قالها إبراهيم عليه السلام حينما ألقي في النار. ن َ
الن ّ َ ))إ َ ّ
هنا كما في هذه الآية حينما قيل لهمِ :
وهذا هو الراجح في هذه الآية أن تحمل على غزوة حمراء الأسد ،وهي التي تسمى :غزوة بدر الصغرى ،أو غزوة بدر الثانية.
روى ابن جرير :أنه لما عمد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم لموعد أبي سفيان فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش ،فيقولون:
قد جمعوا لـكم ،يريدون أن يكيدوهم بذلك ويرعبوهم ،فيقول لهم المؤمنون :حسبنا الل ّٰه ونعم الوكيل ،حتى قدموا بدرا ً فوجدوا أسواقها
عافية لم ينازعهم فيها أحد ،وتخلف المشركون ولم يحضروا الموعد المتفق عليه.
الل ّه ِ و َف َضْ ٍ
ل(( ،النعمة أنهم سلموا ،والفضل أن عيرا ً مرت في أيام الموسم فاشتراها رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ن َ ))فَانْق َلَب ُوا بنِِعْمَة ٍ م ِ َ
فربح فيها مالا ًفقسمه بين أصحابه.
يقول ابن كثير :والصحيح أن الآية نزلت في شأن غزوة حمراء الأسد.
أقوال المفسرين في قوله تعالى) :ولا تحسبن الذين قتلوا( وما بعدها من الآيات ٢٨.١.٧
أقوال المفسرين في قوله تعالى) :ولا تحسبن الذين قتلوا( وما بعدها من الآيات
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى في هذه الآيات :ونزل في الشهداء -يعني :شهداء أحد قالوا) :من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق؛
لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد ،فقال الل ّٰه تعالى :أنا أبلغهم عنكم(.
تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن قُت ِلُوا(( ،بالتخفيف والتشديد. ثم قال تعالى)) :و َلا َ
أي :قُت ِلوا أو قت ِّلوا.
الل ّهِ(( ،أي :لأجل دينه.
ل َ))فِي سَب ِي ِ
الل ّه ِ
ل َ ل فِي سَب ِي ِ
))أَ مْوَات ًا بَلْ أَ حْ يَاءٌ(( ،يعني :بل هم أحياء حياة لا يدرك أهل الدنيا حقيقتها ،كما قال تعالى} :و َلا تَق ُولُوا لم َِنْ يُقْت َ ُ
ات بَلْ أَ حْ يَاء ٌ و َلـَكِنْ لا تَشْع ُر ُونَ{ ]البقرة.[١٥٤:
أَ مْو َ ٌ
))بَلْ أَ حْ يَاء ٌ عِنْد َ ر َ ّبِهِمْ(( )أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت( ،كما في الحديث الذي رواه مسلم وغيره.
))يُرْز َق ُونَ(( أي :يأكلون من ثمار الجنة.
))فَرِحِينَ(( حال من ضمير يرزقون.
الل ّه ُ م ِنْ ف َضْ لِه ِ و َيَسْتَبْشِر ُونَ(( أي :يفرحون.
))بِمَا آت َاهُم ُ َ
ْف(( أي :بأن لا )خوف عليهم( حق ُوا بِه ِ ْم م ِنْ خ َلْفِهِمْ(( ،أي :من إخوانهم المؤمنين ،ويبدل من الذين)) :أَ َلّا َ
خو ٌ ))ب ِال َ ّذ ِي َ
ن ل َ ْم يلَ ْ َ
أي :الذين لم يلحقوا بهم )ولا هم يحزنون( أي :في الآخرة.
المعنى :يفرحون بأمنهم وفرحهم.
))يَسْتَبْشِر ُونَ بنِِعْمَة ٍ(( أي :ثواب.
الل ّه ِ و َف َضْ ٍ
ل(( ،ز يادة عليه. ن َ ))م ِ َ
))و َأَ َ ّ
ن(( ،بالفتح عطفا ًعلى نعمة ،وبالـكسر استئنافا ًيعني :أنها قراءة أخرى )وإن الل ّٰه لا يضيع أجر المؤمنين( أي :بل يأجرهم.
))ال َ ّذ ِينَ(( ،هذا مبتدأ.
}اسْ ت َج َابُوا ل َِل ّه ِ و َ
َالر ّسُولِ{ أي :استجابوا دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان وأصحابه العود تواعدوا مع النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم
وأصحابه سوق بدر العام المقبل من يوم أحد.
Shamela.org ٤٢٣
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
يقول القاضي كنعان :ما ذكره الجلال السيوطي هو قول مجاهد وعكرمة.
وقال القرطبي :وقد شذا في قولهما هذا.
وذلك أن جمهور المفسرين على أن هذه الواقعة هي غزوة حمراء الأسد ،فهي بعد أحد مباشرة.
يقول :وقال ابن إسحاق والواقدي :إنها نزلت ثناء على المسلمين الذين شهدوا مع رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم معركة أحد ،ثم خرجوا
معه في اليوم التالي ليوم أحد ،خرجوا معه فساروا ثمانية أميال من المدينة وكانوا ستمائة وثلاثين رجلاً ،ووصلوا إلى موضع يقال له:
حمراء الأسد ،فأقاموا به بضعة أيام ،ثم رجعوا إلى المدينة من غير أن يلقوا عدوهم ،فعرفت هذه بغزوة حمراء الأسد ،وكانت جبرا ً
لخللهم يوم أحد عندما خالفوا أمر النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم وتفرقوا عنه.
قال القرطبي :وتفسير الجمهور لهذه الآية أنهم سبعون رجلا ًانتدبهم النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ليذهبوا في أثر كفار مكة مخافة أن يرجعوا.
فلذلك كان قول السيوطي مرجوحا ً كما ذكرنا ،إنما المقصود هنا غزوة حمراء الأسد؛ وذلك لقوله تعالى} :م ِنْ بَعْدِ م َا أَ صَابَهُم ُ الْقَرْحُ{،
أي :في أحد ،وخبر المبتدأ )للذين أحسنوا منهم( يعني :بطاعته )واتقوا( أي :مخالفته.
)أجر عظيم( وهو الجنة.
)الذين( هذه بدل من )الذين( قبله أو نعت.
)قال لهم الناس( أي :نعيم بن مسعود الأشجعي ،وقد أرسله أبو سفيان ليثبط المسلمين وهم يستعدون للقاء المشركين في موسم بدر.
اس(( أبا سفيان وأصحابه المشركين. ن َ
الن ّ َ ))إ َ ّ
ِ
))ق َ ْد جَم َع ُوا لـَكُمْ(( الجموع ليستأصلوكم إن خرجتم للقائهم في موسم بدر.
))فَاخْ شَو ْهُمْ(( ولا تأتوهم.
))ف َزَاد َهُمْ(( أي :ذلك القول.
))إ يمَان ًا(( تصديقا ًبالل ّٰه و يقيناً.
ِ
الل ّهُ(( ،أي :هو كافينا أمرهم.
حسْبُنَا َ
))و َقَالُوا َ
إن كثيرا ً من الناس يقولون كلمة) :حسبنا الل ّٰه( ولا يستحضرون معناها.
حسبي الل ّٰه معناها :الل ّٰه يكفيني هذا الشر أو هذا الضر أو هذا الأذى ،أو يكفيني الرزق أو غير ذلك من الأمور.
))و َنِعْم َ ال ْوَك ِيلُ(( أي :نعم من يفوض إليه الأمر هو الل ّٰه تبارك وتعالى.
اس ق َ ْد جَم َع ُوا لـَكُمْ(( ،قال جماعة من العلماء: ن َ
الن ّ َ اس ِإ َ ّ ل لَهُم ُ َ
الن ّ ُ يقول العلامة الشنقيطي رحمه الل ّٰه تعالى في قوله تعالى)) :ال َ ّذ ِي َ
ن قَا َ
اس ق َ ْد جَم َع ُوا لـَكُمْ(( ،نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من خزاعة ،كما أخرجه ابن مردو يه من ن َ
الن ّ َ ))إ َ ّ
المراد بالناس القائلينِ :
حديث أبي رافع.
ِف أَ وْلِيَاءَه ُ{ ]آل عمران.[١٧٥: ويدل لهذا التفسير الإشارة المفردة في قوله تعالى}ِ :إ َن ّمَا ذ َلـِكُم ُ ال َ ّ
شيْطَانُ يُخَو ّ ُ
))إ َن ّمَا ذ َلـِكُم ُ ال َ ّ
شيْطَانُ(( ،فوقعت الإشارة بقول: قال صاحب الإتقان :قال الفارسي :ومما يقوي أن المراد به واحد بكلمة الناس قولهِ :
)ذلـكم( إلى شخص واحد بعينه ،ولو كان المعنى جمعا ًلقال) :إنما أولئكم( فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ على أن المقصود شخص واحد.
الل ّه ِ و َف َضْ ٍ
ل(( بسلامة وربح. ن َ يقول)) :فَانْق َلَب ُوا(( أي :رجعوا من بدر ))بنِِعْمَة ٍ م ِ َ
))ل َ ْم يَمْسَسْه ُ ْم سُوءٌ(( أي :من قتل أو جرح.
الل ّهِ(( أي :بطاعته وطاعة رسوله صلى الل ّٰه عليه وسلم في الخروج.
))و َا َت ّب َع ُوا رِضْ وَانَ َ
ل عَظ ٍِيم(( ،أي :على أهل طاعته.
))و ََالل ّه ُ ذ ُو ف َضْ ٍ
Shamela.org ٤٢٤
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
Shamela.org ٤٢٥
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
تفسير قوله تعالى) :ولا يحسبن الذين كفروا أن ما نملي لهم خير لأنفسهم( ٢٨.٥
تفسير قوله تعالى) :ولا يحسبن الذين كفروا أن ما نملي لهم خير لأنفسهم(
كف َر ُوا أَ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم خَيْر ٌ ل ِأَ نْفُسِه ِ ْم ِإ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم لِيَزْد َاد ُوا ِإثْمًا و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
َاب مُهِينٌ{ ]آل عمران.[١٧٨: يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن َ قال تعالى} :و َلا َ
كف َر ُوا أَ َن ّمَا نُمْل ِي لَهُمْ( الإملاء والاستدراج من الل ّٰه سبحانه وتعالى لأعدائه المحاربين دينه وأوليائه. يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن َ )و َلا َ
وقوله)) :أَ َن ّمَا نُمْل ِي لَهُمْ(( أي :بتطو يل أعمارهم وإمهالهم وتأخيرهم دهرا ً طو يلاً ،حيث يدعهم الل ّٰه سبحانه وتعالى يتقلبون في البلاد
و يغترون بما هم عليه.
فلا يحسبن هؤلاء أن هذا الإملاء خير لهم ،بل هو في الحقيقة سبب مزيد عذابهم؛ لأنهم إذا طال عمرهم في الـكفر والمعاصي والصد
عن سبيل الل ّٰه ،فمعنى ذلك أن الز يادة في العمر شؤم عليهم يقول عليه الصلاة والسلام) :خيركم من طال عمره وحسن عمله( هذا هو
منطوق الحديث ،أما مفهومه) :شركم من طال عمره وساء عمله(؛ لأن من طال عمره في الشر زادت سيئاته ،أما من مات قبل أن
كف َر ُوا أَ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم خَيْر ٌ يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن َ يطول عمره ،وعنده معاص وظلم للناس فإنه ستقل سيئاته ،فلذلك يقول الل ّٰه تعالى هنا)) :و َلا َ
))إ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم لِيَزْد َاد ُوا ِإثْمًا(( ،بكثرة المعاصي فيزادوا عذاباً.
ل ِأَ نْفُسِهِمْ(( ،بل هو سبب مزيد عذابهم؛ لأنه ِ
َاب مُهِينٌ(( أي :لهم في الآخرة عذاب ذو إهانة ،في أسفل دركات النار.
))و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
َ
))أن ّمَا نُمْل ِي لَهُمْ(( ،في )ما( وجهان :أن تكون مصدر ية أو موصولة. قوله:
إذا قلنا إنها موصولة فقد حذف عائدها ،أي :إملاؤنا لهم ،أو الذي نمليه لهم ،وإذا قلنا :إنها موصولة فحق كلمة )ما( أن تكون غير
متصلة بـ )أن( وعندما تكون )ما( مصدر ية فتوصل بـ )إن(.
Shamela.org ٤٢٦
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
ولـكنها وقعت في مصحف الإمام متصلة ،مصحف الإمام هو مصحف عثمان رضي الل ّٰه عنه ،فلا يخالف ،وٺتبع سنة الإمام في خط
المصاحف ،وما الثانية )إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً( هذه متصلة فهي تسمى :ما الكافة؛ لأنها تمنع عمل إن ،وأنا أذكر بيتين من الشعر
ذكرهما أحد العلماء في شأن شخص أراد وظيفة ،وكان من أراد أن ينال الوظيفة لابد أن يبذل رشوة أو هدية ،فقال لهم هذا الرجل:
ما أعطي ،أو :ما أدفع الرشوة ،فعزلوه وقالوا له :ما تستحق العمل ،فكفوه عن العمل؛ فلذلك نظم أحد العلماء بيتين فقال مخاطبا ً
َاب
هذا الرجل الشر يف أو الأمين :عزلوك لما قلت ما أعطي وولوا من بذل أوما علمت بأن ما حرف يكف عن العمل ))و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
مُهِينٌ(( ،في قوله تعالى) :مهين( معنى لطيف ،وهو أنه لما تضمن الإملاء التمتع بطيبات الدنيا وزينتها ،كانت العاقبة هي النقيض ،وذلك
بالإهانة.
وذلك أن الل ّٰه سبحانه وتعالى عندما يملي للإنسان فإنه سبحانه وتعالى يعطيه المال والصحة والعافية ،ثم تراه يغتر وقد يشتم الل ّٰه سبحانه
وتعالى و يفعل أقبح أفعال الـكفر ،ومع ذلك يمد له ويملي له حتى يكون نصيبه من العذاب أشد واستحقاقه له أكبر ،ومثل هذا
الشخص المتجبر المتكبر المغرور أخبر الل ّٰه سبحانه وتعالى بأنه سيعامله بنقيض قصده ،فتكون عاقبته في الدنيا المهانة.
َاب مُهِينٌ(( إذا لاحظنا هذا المعنى ،فإنها معاملة له بنقيض قصده؛ لتعززه وتجـبره ،فهو يريد العزة لنفسه ،فعاقبه الل ّٰه
قوله)) :و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
في الآخرة بالعذاب المهين ،فوصف عذاب مثل هذا الشخص بالإهانة؛ ليكون جزاؤه جزاء ً وفاقاً.
كف َر ُوا أَ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم خَيْر ٌ ل ِأَ نْفُسِه ِ ْم ِإ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم لِيَزْد َاد ُوا ِإثْمًا و َلَه ُ ْم يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن َ يقول العلامة الشنقيطي رحمه الل ّٰه تعالى في هذه الآية }و َلا َ
َاب مُهِينٌ{ ]آل عمران :[١٧٨:ذكر في هذه الآية الـكريمة أنه يملي للكافرين ويمهلهم لز يادة الإثم عليهم وشدة العذاب ،وبين في موضع
عَذ ٌ
آخر أنه لا يمهلهم متنعمين هذا الإمهال إلا بعد أن يبتليهم بالبأساء والضراء ،فإذا لم يتضرعوا أفاض عليهم النعم وأمهلهم حتى يأخذهم
بغتة ،كقوله تعالى} :وَم َا أَ ْرسَل ْنَا فِي قَر ْيَة ٍ م ِنْ نَبِ ٍ ّي ِإ َلّا أَ خَذْن َا أَ ه ْلَه َا ب ِال ْب َأْ سَاء ِ و َال َض ّ َرّاء ِ لَع َل ّه ُ ْم ي َ َض ّ َرّع ُونَ{ ]الأعراف [٩٤:البأساء :الفقر
والفاقة ،والضراء :هي المرض} ،ث َُم ّ ب َ ّدل ْنَا مَك َانَ ال َ ّ
سي ِّئَة ِ الْحَسَن َة َ{ ]الأعراف ،[٩٥:لما ابتلاهم الل ّٰه سبحانه وتعالى لم يتضرعوا ،ولم يتوبوا،
ولم يرجعوا إلى الل ّٰه ،فماذا يفعل بهم؟ يمد لهم ويملي لهم إملاء ،ويستدرجهم استدراجاً ،يقول تبارك وتعالى} :ث َُم ّ ب َ ّدل ْنَا مَك َانَ ال َ ّ
سي ِّئَة ِ
الْحَسَن َة َ ح ََت ّى عَف َوا{ ]الأعراف ،[٩٥:أي :كثر فيهم الخـير والرزق والبركة }و َقَالُوا ق َ ْد م َ َّس آب َاءَن َا ال َض ّ َرّاء ُ و َال َس ّ َرّاءُ{ ]الأعراف،[٩٥:
أما نحن ففي مأمن }ف َأَ خَذْن َاه ُ ْم بَغْت َة ً و َه ُ ْم لا يَشْع ُر ُونَ{ ]الأعراف.[٩٥:
ك ف َأَ خَذْن َاه ُ ْم ب ِال ْب َأْ سَاء ِ و َال َض ّ َرّاء ِ لَع َل ّه ُ ْم يَت َض َ َرّع ُونَ * فَلَو ْلا ِإ ْذ ج َاءَه ُ ْم ب َأْ سُنَا تَض َ َرّع ُوا{
وكقوله تعالى} :و َلَق َ ْد أَ ْرسَل ْنَا ِإلَى ُأم َ ٍم م ِنْ قَب ْل ِ َ
]الأنعام ،[٤٣ - ٤٢:إلى قوله تعالى} :أَ خَذْن َاه ُ ْم بَغْت َة ً ف َِإذ َا ه ُ ْم مُب ْلِس ُونَ{ ]الأنعام.[٤٤:
حي ْثُ لا يَعْلَم ُونَ * و َ ُأمْل ِي لَه ُ ْم ِإ َ ّ
ن جه ُ ْم م ِنْ َ
بين سبحانه في موضع آخر أن ذلك الاستدراج من كيده المتين وهو قوله تعالى} :سَنَسْت َ ْدرِ ُ
كيْدِي م َتِينٌ{ ]الأعراف.[١٨٣ - ١٨٢:
َ
وبين في موضع آخر أن الـكفار يغترون بذلك الاستدراج ،فيظنون أنه من المسارعة لهم في الخـيرات ،وأنهم يوم القيامة يؤتون خيرا ً من
َات بَل لا يحْسَب ُونَ أَ َن ّمَا نُم ِ ُ ّده ُ ْم بِه ِ م ِنْ م َا ٍ
ل و َبَنِينَ{ ]المؤمنون} * [٥٥:نُس َارِع ُ لَه ُ ْم فِي ا ْلخـَيْر ِ ذلك الذي أوتوه في الدنيا ،كقوله تعالى} :أَ َ
ل ل َ ُأوتَي َ ّن م َال ًا وَوَلَد ًا{ ]مريم ،[٧٧:وقوله عز وجل} :و َلئَ ِ ْن يَشْع ُر ُونَ{ ]المؤمنون ،[٥٦:وقال عز وجل} :أَ ف َرأَ َ ي ْتَ ال َ ّذ ِي َ
كف َر َ ب ِآي َاتنَِا و َقَا َ
جد َ َ ّ
ن خَيْر ًا مِنْهَا م ُنق َلَبًا{ ]الـكهف ،[٣٦:ما دام أكرمني في الدنيا لابد أن يكرمني في الآخرة ،وقوله تعالى} :و َلئَ ِ ْن رُدِدْتُ ِإلَى ر َب ِ ّي ل َأَ ِ
ن بِمُع َ َ ّذبِينَ{ ]سبأ ،[٣٥:ونظائر
نح ْ ُ
ن أَ كْ ث َر ُ أَ مْوَال ًا و َأَ وْلاد ًا وَم َا َ
نح ْ ُ جعْتُ ِإلَى ر َب ِ ّي ِإ َ ّ
ن ل ِي عِنْدَه ُ لَلْحُسْن َى{ ]فصلت ،[٥٠:وقوله} :و َقَالُوا َ رُ ِ
ذلك من القرآن الـكريم.
Shamela.org ٤٢٧
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
تفسير قوله تعالى) :ما كان الل ّٰه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه( ٢٨.٦
تفسير قوله تعالى) :ما كان الل ّٰه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه(
يج ْتَبِي م ِنْ رُسُلِه ِ ْب و َلـَك َِنّ َ
الل ّه َ َ الل ّه ُ لِيُطْل ِعَك ُ ْم عَلَى ال ْغَي ِ ن ال َ ّ
طي ّ ِِب وَم َا ك َانَ َ الل ّه ُ لِيَذَر َ ال ْمُؤْم ِنِينَ عَلَى م َا أَ ن ْتُم ْ عَلَيْه ِ ح ََت ّى يَمِيز َ الْخبَِيثَ م ِ َ
}م َا ك َانَ َ
م َنْ يَش َاء ُ ف َآم ِن ُوا ب َِالل ّه ِ وَرُسُلِه ِ و َِإ ْن تُؤْم ِن ُوا و َٺ َت ّق ُوا فَلـَك ُ ْم أَ ْ
جر ٌ عَظ ِيم ٌ{ ]آل عمران.[١٧٩:
لقد أشار الل ّٰه تبارك وتعالى إلى بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد :وهي أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق
الكاذب ،فإن المسلمين لما أظهرهم الل ّٰه على أعدائهم يوم بدر وصار لهم الصيت ،دخل معهم في الإسلام ظاهرا ً من ليس معهم فيه
باطناً ،فاقتضت حكمة الل ّٰه عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق ،فأظهر المنافقون في هذه الغزوة ما كانوا يكتمونه،
وظهر ما كانوا يسترونه و يخفونه ،وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ً ظاهراً ،وعرف المؤمنون أن لهم عدوا ً بين أظهرهم
الل ّه ُ لِيَذَر َ ال ْمُؤْم ِنِينَ عَلَى م َا أَ ن ْتُم ْ عَلَيْه ِ ح ََت ّى
وهم معهم لا يفارقونهم فاستعدوا لهم وتحرجوا منهم ،ولذلك قال تبارك وتعالى هاهنا} :م َا ك َانَ َ
يج ْتَبِي م ِنْ رُسُلِه ِ م َنْ يَش َاء ُ ف َآم ِن ُوا ب َِالل ّه ِ وَرُسُلِه ِ و َِإ ْن تُؤْم ِن ُوا و َٺَت ّق ُوا ْب و َلـَك َِنّ َ
الل ّه َ َ الل ّه ُ لِيُطْلِعَك ُ ْم عَلَى الْغَي ِ ن ال َ ّ
طي ّ ِِب وَم َا ك َانَ َ يَمِيز َ الْخبَ ِيثَ م ِ َ
تفسير قوله تعالى) :ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الل ّٰه( ٢٨.٧
تفسير قوله تعالى) :ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الل ّٰه(
Shamela.org ٤٢٨
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
ات بخ ِلُوا بِه ِ يَوْم َ الْق ِيَامَة ِ وَل َِل ّه ِ م ِير َاثُ ال َ ّ
سم َو َ ِ الل ّه ُ م ِنْ ف َضْ لِه ِ ه ُو َ خَيْر ًا لَه ُ ْم بَلْ ه ُو َ شَرّ ٌ لَه ُ ْم سَيُطَ َو ّق ُونَ م َا َ يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن يَبْخَلُونَ بِمَا آت َاهُم ُ َ }و َلا َ
ض و ََالل ّه ُ بِمَا تَعْم َلُونَ خَب ِير ٌ{ ]آل عمران.[١٨٠:
و َالأَ ْر ِ
يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن يَبْخَلُونَ{ ،بالياء والتاء. قال تعالى} :و َلا َ
الل ّه ُ م ِنْ ف َضْ لِه ِ{ ،أي :بزكاته. }ال َ ّذ ِي َ
ن يَبْخَلُونَ بِمَا آت َاهُم ُ َ
}ه ُو َ خَيْر ًا لَهُمْ{ أي :هذا البخل خيرا ً لهم.
أي :لا تحسبن بخل الباخلين خيرا ً لهم ،أو لا يحسبن الباخلون بخلهم خيرا ً لهم.
تفسير قوله تعالى) :لقد سمع الل ّٰه قول الذين قالوا إن الل ّٰه فقير ونحن أغنياء( ٢٨.٨
تفسير قوله تعالى) :لقد سمع الل ّٰه قول الذين قالوا إن الل ّٰه فقير ونحن أغنياء(
ل ذ ُوق ُوا عَذ َابَ
َق و َنَق ُو ُ
ن أَ غْن ِيَاء ُ سَنَكْت ُبُ م َا قَالُوا و َقَت ْلَهُم ُ الأَ ن ْب ِيَاء َ بِغَيْر ِ ح ّ ٍ
نح ْ ُ
الل ّه َ فَق ِير ٌ و َ َ
ن َ ن قَالُوا ِإ َ ّ
ل ال َ ّذ ِي َ
الل ّه ُ قَو ْ َ
قال عز وجل} :لَق َ ْد سَم ِـ َع َ
الْحَرِ يقِ{ ]آل عمران.[١٨١:
حسَنًا فَيُضَاعِف َه ُ لَه ُ أَ ضْ ع َافًا كَث ِيرَة ً{ ]البقرة ،[٢٤٥:قالت اليهود :يا محمد! افتقر ربك
الل ّه َ قَرْضًا َ
ِض َلما نزل قوله تعالى} :م َنْ ذ َا ال َ ّذ ِي ي ُ ْقر ُ
فسأل عباده القرض ،فأنزل الل ّٰه )لقد سمع الل ّٰه قول الذين قالوا إن الل ّٰه فقير ونحن أغنياء( الآية.
Shamela.org ٤٢٩
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس أيضا ًقال) :دخل أبو بكر الصديق بيت المدراس -بيت العبادات عند اليهود -فوجد من يهود ناسا ً
كثيرة قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له :فنحاص ،وكان من علمائهم وأحبارهم ،ومعه حبر يقال له :أشيع ،فقال له أبو بكر :و يحك
يا فنحاص! اتق الل ّٰه وأسلم ،فوالله إنك لتعلم أن محمدا ً رسول من عند الل ّٰه ،قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا ًعندكم في التوراة
والإنجيل ،فقال فنحاص :والل ّٰه يا أبا بكر ما بنا إلى الل ّٰه من حاجة من فقره ،وإنه إلينا لفقير ،ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ،وإنا عنه
لأغنياء ،ولو كان عنا غنيا ًما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ،ينهاكم عن الربا و يعطينا ،ولو كان غنيا ًما أعطانا الربا ،فغضب أبو بكر
رضي الل ّٰه عنه فضرب وجه فنحاص ضربا ًشديداً ،وقال :والذي نفسي بيده لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو
الل ّٰه ،فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين.
فذهب فنحاص إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فقال :يا محمد! أبصر ما صنع بي صاحبك ،فقال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم :ما
حملك على ما صنعت يا أبا بكر؟! فقال :يا رسول الل ّٰه! إن عدو الل ّٰه قال قولا ًعظيماً ،يزعم أن الل ّٰه فقير وأنهم عنه أغنياء ،فلما قال ذلك
غضبت لل ّٰه مما قال ،فضربت وجهه ،فجحد فنحاص ذلك ،وقال :ما قلت ذلك ،فأنزل الل ّٰه عز وجل فيما قال فنحاص)) :لَق َ ْد سَم ِـ َع
ل ذ ُوق ُوا عَذ َابَ الْحَرِ يقِ(((.
َق و َنَق ُو ُ
ن أَ غْن ِيَاء ُ سَنَكْت ُبُ م َا قَالُوا و َقَت ْلَهُم ُ الأَ ن ْب ِيَاء َ بِغَيْر ِ ح ّ ٍ
نح ْ ُ
الل ّه َ فَق ِير ٌ و َ َ
ن َ ن قَالُوا ِإ َ ّ
ل ال َ ّذ ِي َ
الل ّه ُ قَو ْ َ
َ
ولما كان مثل هذا القول لا يصدر إلا عن تمرد عظيم لـكونه في غاية الشناعة أشار إلى وعيده الشديد فقال تعالى)) :سَنَكْت ُبُ م َا
قَالُوا(( ،أي :ما قالوه مع هذه العظيمة الشنعاء ،في صحائف الحفظة.
)وقتلهم الأنبياء( أي :سنكتب أيضا ً قتلهم الأنبياء بغير حق ،وإنما ضمه مع ما قبله إيذانا ً بسوابقهم القبيحة ،فلذلك ربط الل ّٰه سبحانه
وتعالى هذا القول الشنيع بجرائم آبائهم ،ونسبها إليهم مع أنهم ليسوا هم الذين قتلوا الأنبياء اليهود في حياة النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛
ن أَ غْن ِيَاءُ(( بأول
نح ْ ُ
الل ّه َ فَق ِير ٌ و َ َ
ن َ ))إ َ ّ
لأنهم كانوا راضين بذلك ،بل هم سعوا في قتل النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،فليس قولهمِ :
جريمة يرتكبونها ،ومعلوم أن من اجترأ على قتل الأنبياء لا يستبعد منه أن يقول هذا الكلام.
ل ذ ُوقُوا عَذ َابَ الْحَرِ يقِ((.
))و َنَق ُو ُ
فوائد من قوله تعالى) :لقد سمع الل ّٰه قول الذين قالوا إن الل ّٰه فقير ونحن أغنياء( ٢٨.٨.١
فوائد من قوله تعالى) :لقد سمع الل ّٰه قول الذين قالوا إن الل ّٰه فقير ونحن أغنياء(
الل ّه َ فَق ِير ٌ
ن َ ن قَالُوا ِإ َ ّ
ل ال َ ّذ ِي َ هنا بعض الفوائد منها :الأولى :إيراد صيغة الجمع في الآية مع كون قائلها شخص واحد)) :لَق َ ْد سَم ِـ َع َ
الل ّه ُ قَو ْ َ
ن أَ غْن ِيَاء ُ سَنَكْت ُبُ م َا قَالُوا(( فتكلم عن هذا الواحد بصيغة الجمع؛ لرضا الباقين بذلك ،ونظائره في التنز يل كثيرة. نح ْ ُ
وَ َ
الثانية :إضافة عذاب الحر يق إضافة بيانية ،بمعنى :ذوقوا العذاب الذي هو الحر يق.
حاسة الذوق تكون لإدراك الطعم ،ثم اتسع فيه لإدراك سائر المحسوسات والحالات ،وذكره هاهنا لأن العذاب مترتب على قولهم
ن
نح ْ ُ
الل ّه َ فَق ِير ٌ و َ َ
ن َ ))إ َ ّ
الناشئ عن البخل والتهالك على المال ،وغالب حاجة الإنسان إليه هي تحصيل المطاعم ،فالذي دفعهم إلى قولهمِ :
أَ غْن ِيَاءُ(( هو بخلهم ،فهم يبخلون بأن يؤتوا مما آتاهم الل ّٰه من فضله.
المال إنما يقصد بصفة أساسية من أجل أن يأكل الإنسان منه ،فأهم شيء عند الإنسان من تحصيل المال هو الطعام؛ فلذلك هم
يتهالـكون على هذا المال خوفا ًمن فقدان هذا الطعام ،ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال؛ لأن أغلب استعمالات المال هي في الطعام.
ل{ ]البقرة.[١٨٨:
ل ال ْيَتَام َى ظُل ْمًا{ ]النساء [١٠:وقوله تعالى} :و َلا ت َأْ ك ُلُوا أَ مْوَالـَك ُ ْم بَي ْنَك ُ ْم ب ِال ْبَاطِ ِ ن ال َ ّذ ِي َ
ن ي َأْ ك ُلُونَ أَ مْوَا َ كما قال تعالى}ِ :إ َ ّ
Shamela.org ٤٣٠
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
تفسير قوله تعالى) :ذلك بما قدمت أيديكم وأن الل ّٰه ليس بظلام للعبيد( ٢٨.٩
تفسير قوله تعالى) :ذلك بما قدمت أيديكم وأن الل ّٰه ليس بظلام للعبيد(
ْس بِظ ََل ّا ٍم لِلْع َب ِيدِ{ ]آل عمران [١٨٢:قوله تعالى)) :ذَلِكَ(( أي :العذاب.
الل ّه َ لَي َ
ن َ َت أَ يْدِيك ُ ْم و َأَ َ ّ
ك بِمَا ق َ ّدم ْ
}ذَل ِ َ
))بِمَا ق َ ّدم ْ
َت أَ يْدِيكُمْ(( تقديم الأيدي هو عملها؛ لأن من يعمل شيئا ًيقدم يده ،والتعبير بالأيدي عن الأنفس؛ لأن عامة أفاعيلها إنما
تزاول بهن ،فهو من قبيل التعبير عن الكل بالجزء الذي مدار العمل عليه.
Shamela.org ٤٣١
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
ْس بِظ ََل ّا ٍم لِلْع َب ِيدِ(( فالل ّٰه سبحانه وتعالى لو عذب الناس بدون ذنب يرتكبونه هل يكون ظلاما ًللعبيد؟! هذه صيغة منفرة
الل ّه َ لَي َ
ن َ ))و َأَ َ ّ
ينزه الل ّٰه سبحانه وتعالى عنها؛ بل إنما يعذبهم بسبب ما اقترفوه من الذنوب.
تفسير قوله تعالى) :الذين قالوا إن الل ّٰه عهد إلينا( ٢٨.١٠
تفسير قوله تعالى) :الذين قالوا إن الل ّٰه عهد إلينا(
ات
ل م ِنْ قَبْل ِي ب ِال ْبَي ِّن َ ِ ُالن ّار ُ ق ُلْ ق َ ْد ج َاءَك ُ ْم ر ُ ُ
س ٌ ن ت َأْ كُل ُه َ
ل ح ََت ّى ي َأْ تِيَنَا بِقُر ْب َا ٍ الل ّه َ عَهِد َ ِإلَي ْنَا أَ َلّا نُؤْم ِ َ
ن ل ِرَسُو ٍ ن َ ن قَالُوا ِإ َ ّ
قال تبارك وتعالى} :ال َ ّذ ِي َ
و َب ِال َ ّذ ِي قلُ ْتُم ْ فَل ِم َ قَتَل ْتُم ُوه ُ ْم ِإ ْن ُ
كن ْتُم ْ صَادِق ِينَ{ ]آل عمران.[١٨٣:
))ال َ ّذ ِي َ
ن قَالُوا(( نصب بتقدير :أعني ،أو على الذم ،أو رفع بتقدير :هم الذين قالوا.
)إن الل ّٰه عهد إلينا( أي :أمرنا.
ات( أي :بالمعجزات
ل م ِنْ قَبْل ِي ب ِال ْبَي ِّن َ ِ ُالن ّار ُ قُلْ ( تبكيتا ًلهم وإظهارا ً لـكذبهم) :ق َ ْد ج َاءَك ُ ْم ر ُ ُ
س ٌ ن ت َأْ كُل ُه َ
ل ح ََت ّى ي َأْ تِيَنَا بِقُر ْب َا ٍ )أَ َلّا نُؤْم ِ َ
ن ل ِرَسُو ٍ
الواضحات.
)و َب ِال َ ّذ ِي قلُ ْتُم ْ( أي :وبنفس هذا الذي قلتموه ،وهو القربان الذي تأكله النار.
كن ْتُم ْ صَادِق ِينَ( ،أي :في أنكم ٺتبعون الحق وتنقادون
)إ ْن ُ
)فَل ِم َ قَتَل ْتُم ُوهُمْ( أي :لم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم؟! ِ
للرسل.
تفسير قوله تعالى) :فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك( ٢٨.١١
تفسير قوله تعالى) :فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك(
اب ال ْمُن ِيرِ{ ]آل عمران.[١٨٤: ات و ُ
َالز ّبُر ِ و َالْكِت َ ِ ك ج َاءُوا ب ِال ْبَي ِّن َ ِ
ل م ِنْ قَب ْل ِ َ }ف َِإ ْن ك َ َذّبُوك َ فَق َ ْد كُذِّبَ ر ُ ُ
س ٌ
)فإن كذبوك( أي :بعد بطلان عذرهم المذكور.
)فقد كذب رسل من قبلك( فلا تحزن وتس َ ّ
ل.
)جاءوا بالبينات والزبر( ،الزبر :جمع زبور أي :الـكتب الموحاة منه تعالى.
)والكتاب المنير( أي :الواضح الجلي.
والزبور والكتاب واحد في الأصل؛ وإنما ذكرا لاختلاف الوصفين ،فالزبور فيه حكم زاجرة ،والكتاب المنير هو المشتمل على جميع
الشر يعة.
Shamela.org ٤٣٢
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
الذبيحة اليومية عندهم خروف ليس فيه عيب ،يقدم كفارة للخطايا ،وذلك مرتان :صباحا ً ومساء ً طول مدة السنة ،فالتي في الصباح
تقدم عن خطايا الشعب ليلاً ،والتي في المساء عن خطاياهم نهاراً ،وقبل فعل الذبيحة تعترف كل الشعوب بخطاياها فوق الحيوان المراد
ذبحه على يد الكاهن الخادم.
ولهذا ينقل الإثم إليه بواسطة وضع وكلاء الشعب أيديهم على رأسه ،ثم يذبح و يقرب وقودا ،وفي غضون ذلك تسجد الجماعة في الدار
وتبخر الـكهنة على المذابح الذهبية ،و يقدمون الطلبات لل ّٰه عن الشعب ،وأما في يوم السبت فكانت ٺتضاعف الذبيحة ،و يقرب في كل
دفعة خروفان.
خلاصة الكلام فيما يتعلق بهذه الآية يقول تعالى)) :ت َأْ كُل ُه ُ َ
الن ّار ُ(( أي :أنه يذبح على هذه الـكيفية ،فبعدما يذبح تنزل نار من السماء
فتأكله ،وتكون معجزة وآية كما حصل في عهد موسى وهارون من نزول النار وأكلها الذبيحة ،وفي عهد سليمان أيضا ً كما جاء في كتبهم:
)أن سليمان لما أتم الدعاء هبطت النار من السماء وأكلت الذبائح( وكان جميع بني إسرائيل يعاينون هبوط النار.
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :الذين قالوا إن الل ّٰه عهد إلينا( وما بعدها ٢٨.١٢
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :الذين قالوا إن الل ّٰه عهد إلينا( وما بعدها
الل ّه َ عَهِد َ ِإلَي ْنَا((
ن َ يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى هنا)) :ال َ ّذ ِينَ(( هذه نعت للذين قبله ))قَالُوا(( أي :لمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلمِ :
))إ َ ّ
ن ت َأْ كُل ُه ُ َ
الن ّار ُ(( ،فلا نؤمن لك حتى ن ل ِرَسُولٍ(( أي :لا نصدق رسولا ً ))ح ََت ّى ي َأْ تِيَنَا بِقُر ْب َا ٍ
أي :قد عهد إلينا في التوراة ))أَ َلّا نُؤْم ِ َ
تأتينا أنت أيضا ً بقربان تأكله النار ،وهو ما يتقرب به إلى الل ّٰه من نعم وغيرها ،فإن قبل هذا القربان جاءت نار بيضاء من السماء
فأكلته وإلا بقي مكانه.
والعهد إلى بني إسرائيل كان موجوداً ،لـكن في حق المسيح ومحمد لم يعهد إليهم بذلك ،قال تعالى)) :ق ُلْ (( لهم توبيخاً)) :ق َ ْد ج َاءَك ُ ْم
ات(( أي :بالمعجزات ))و َب ِال َ ّذ ِي قلُ ْتُم ْ(( كزكر يا و يحيى فقتلتموهما ،والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الل ّٰه عليه
ل م ِنْ قَبْل ِي ب ِال ْبَي ِّن َ ِ
س ٌ
رُ ُ
وسلم ،وإن كان الفعل لأجدادهم؛ لـكنهم كانوا راضين بفعل أجدادهم.
كن ْتُم ْ صَادِق ِينَ(( أي :في أنكم تؤمنون عند الإتيان به.
))فَل ِم َ قَتَل ْتُم ُوه ُ ْم ِإ ْن ُ
ات(( أي :المعجزات ))و ُ
َالز ّبُر ِ(( كصحف إبراهيم وفي قراءة بإثبات الباء ك ج َاءُوا ب ِال ْبَي ِّن َ ِ
ل م ِنْ قَب ْل ِ َ ))ف َِإ ْن ك َ َذّبُوك َ فَق َ ْد كُذِّبَ ر ُ ُ
س ٌ
فيهما.
اب ال ْمُن ِير ِ(( أي :الواضح وهو التوراة والإنجيل ،والمعنى :فاصبر كما صبر هؤلاء الرسل الذين كُذِّبوا.
))و َالْكِت َ ِ
تفسير قوله تعالى) :كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم( ٢٨.١٣
تفسير قوله تعالى) :كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم(
ل الْج َنَ ّة َ فَق َ ْد فَاز َ وَم َا الْحيََاة ُ الن ّارِ و َ ُأ ْد ِ
خ َ ن َ ح عَ ِ ْت و َِإ َن ّمَا تُو ََف ّوْنَ ُأجُور َك ُ ْم يَوْم َ الْق ِيَامَة ِ فَم َنْ ز ُ ْ
حز ِ َ س ذ َائِق َة ُ ال ْمَو ِ قال تبارك وتعالى }ك ُ ُ ّ
ل ن َ ْف ٍ
Shamela.org ٤٣٣
آل عمران ][185 - 169 ٢٨
فقد أخرج الترمذي والحاكم وصححاه ،من حديث أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه ،قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :إن موضع سوط
أقوال المفسرين في قوله تعالى) :كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم( ٢٨.١٣.١
أقوال المفسرين في قوله تعالى) :كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم(
ك
ن * و َيَبْقَى وَجْه ُ ر َب ِّ َ ْت(( هذه كقوله تعالى} :ك ُ ُ ّ
ل م َنْ عَلَيْهَا فَا ٍ س ذ َائِق َة ُ ال ْمَو ِ يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى في هذه الآية)) :ك ُ ُ ّ
ل ن َ ْف ٍ
َالإك ْرَا ِم{ ]الرحمن.[٢٧ - ٢٦:
لو ِذ ُو الْجَلا ِ
وفي هذه الآية تعز ية لجميع الناس ،ووعد ووعيد للمصدق والمكذب.
وقوله) :وإنما توفون أجوركم يوم القيامة( قال الزمخشري :فإن قلت :فهذا يوهم نفي ما يروى أن القبر روضة من ر ياض الجنة أو حفرة
من حفر النار.
قلت :كلمة التوفية تز يل هذا الوهم؛ لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم ،وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور.
أي :فما يكون في القبر هو بعض الأجر ومن مقدمات الأجر ،أما إكمال الأجر وكماله وغايته فإنما تكون يوم القيامة.
وقال الرازي :بين تعالى أن تمام الأجر والثواب لا يصل إلى المكلف إلا يوم القيامة؛ لأن كل منفعة تصل إلى المكلف في الدنيا فهي
مكدرة بالغموم والهموم ،حتى الإنسان إذا جوزي في الدنيا فأي متاع في الدنيا لابد أن يصل إليه ما يكدره ،ولو لم يكدره إلا خوف
انقطاعه وزواله لكان كافيا ًفي تكديره.
والأجر التام والثواب الكامل إنما يصل إلى المكلف يوم القيامة؛ لأن السرور هناك يحصل بلا غم ،والأمن بلا خوف ،واللذة بلا
ألم ،والسعادة بلا خوف انقطاع ،وكذا القول في العقاب ،فإنه لا يحصل في الدنيا ألم خالص عن شوائب اللذة ،بل يمتزج به راحات
وتخفيفات ،وإنما الألم التام الخالص الباقي هو الذي يكون يوم القيامة ،نعوذ بالل ّٰه منه.
ن َ
الن ّارِ(( أي :أبعد عن النار التي هي مجمع الآفات والشرور. ح عَ ِ
حز ِ َ
))فَم َنْ ز ُ ْ
ل الْج َنَ ّة َ(( التي هي جامعة للذات والسرور ))فَق َ ْد فَاز َ(( أي :حصل له الفوز العظيم ،وهو الظفر بالمراد ،والنجاة من سخط ))و َ ُأ ْد ِ
خ َ
الل ّٰه والعذاب السرمد ،ونيل رضوان الل ّٰه والنعيم المخلد.
روى الإمام أحمد عن عبد الل ّٰه بن عمرو بن العاص رضي الل ّٰه تعالى عنهما ،قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من أحب أن
يزحزح عن النار ويدخل الجنة ،فلتدركه منيته وهو يؤمن بالل ّٰه واليوم الآخر ،وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه( أخرجه مسلم أيضاً.
Shamela.org ٤٣٤
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
ك م ِنْ ع َْز ِم ال ُأم ُورِ{ ]آل عمران.[١٨٦: تَصْ ب ِر ُوا و َٺَت ّق ُوا ف َِإ َ ّ
ن ذَل ِ َ
))لتبلون(( أي :لتختبرن.
))في أموالـكم(( أي :بما يصيبها من الآفات.
))وأنفسكم(( أي :بالقتل والأسر والجراح ،وما يرد عليها من أصناف المتاعب والمخاوف والشدائد.
س و ََالثمَّر َ ِ
ات{ ]البقرة [١٥٥:أي :لابد أن يبتلى ل و َالأَ نف ُ ِ
ن الأَ مْوَا ِ
ص مِ َ ْف و َالْج ُ ِ
وع و َن َ ْق ٍ وهذا كقوله تعالى} :و َلَنَب ْلُو َن ّك ُ ْم ب ِشَيْء ٍ م ِ َ
ن الْخَو ِ
المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله ،وقد صح عن النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم لما سأله سعد بن أبي وقاص رضي الل ّٰه
عنه قال) :يا رسول الل ّٰه! أي الناس أشد بلاءً؟ قال :الأنبياء ،ثم الأمثل فالأمثل ،يبتلي الرجل على حسب دينه ،فإن كان دينه صلبا ً
اشتد بلاؤه ،وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ،فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ،أي:
أنه تكفر خطاياه(.
))وإن تصبروا(( أي :على ذلك.
))وٺتقوا(( أي :مخالفة أمر الل ّٰه تعالى.
))فإن ذلك(( أي :الصبر والتقوى.
))من عزم الأمور(( أي :من كمال الأمور التي يتنافس فيها المتنافسون.
والمقصود من معزمات الأمور التي يجب أن يعزم عليها كل أحد؛ لما فيه من كمال المز ية والشرف ،أو مما عزم الل ّٰه تعالى عليه وأمر به
وبالغ فيه ،فلابد أن تصبروا وٺتقوا.
وفي إبراز الأمر بالصبر والتقوى في صورة الشرطية من إظهار كمال اللطف بالعباد ما لا يخفى.
قال بعض المفسرين :ثمرة الآية وجوب الصبر ،وأن الجهاد لا يسقط مع سماع ما يؤذي.
Shamela.org ٤٣٥
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
تفسير قوله تعالى) :وإذا أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب( ٢٩.٢
تفسير قوله تعالى) :وإذا أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب(
ْس
ظه ُورِه ِ ْم و َاشْ تَرَوْا بِه ِ ثَمَنًا قَلِيل ًا فَب ِئ َ ن ُأوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَي ِّن َُن ّه ُ ل ِ َلن ّا ِ
س و َلا تَكْتُم ُونَه ُ فَنَبَذ ُوه ُ وَر َاء َ ُ الل ّه ُ م ِيثَاقَ ال َ ّذ ِي َ
قال تبارك وتعالى} :و َِإ ْذ أَ خَذ َ َ
م َا يَشْت َر ُونَ{ ]آل عمران.[١٨٧:
Shamela.org ٤٣٦
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
))وإذ(( أي :واذكر إذ ))أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب(( وهم علماء اليهود والنصارى ،وكما ذكرنا من قبل :الغالب أنه إذا
استعملت صيغة :أوتوا ،أو أورثوا ،بالبناء للمجهول ،فإنه يكون في سياق ذمهم ،أما إذا أتت منسوبة إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى فهذا فيه
ن آتَي ْنَاهُم ُ الْكِتَابَ { ]البقرة ،[١٢١:وقوله تعالى} :ث َُم ّ أَ ْورَث ْنَا الْكِتَابَ ال َ ّذ ِي َ
ن اصْ طَفَي ْنَا م ِنْ مدح لأهل الكتاب ،وذلك مثل قوله} :ال َ ّذ ِي َ
عِبَادِن َا{ ]فاطر.[٣٢:
))لتبيينه للناس(( أي :لتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار التي من جملتها أمر نبوته صلى الل ّٰه عليه وسلم.
))ولا تكتمونه(( فيها نهي عن الـكتمان بعد الأمر بالبيان ،مبالغة في إ يجاب المأمور به؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ،فإذا صرح
بالأمر بالبيان ونهى عن الـكتمان ،فهذا أبلغ في إ يجاب هذا المأمور به.
))فنبذوه(( أي :الميثاق.
))وراء ظهورهم(( أي :طرحوه ولم يراعوه ،ونبذ الشيء وراء الظهر مثل في الاستهانة به والإعراض عنه بالكلية ،يقول بعض الشعراء
في هذا المعنى :لقد أخبرني من أرسلت أنما أخذت كتابي معرضا ًبشمالكا نظرت في عنوانه فنبذته كنبذك نعلا ًأخلقت من نعالكا فكلمة
نبذ الشيء وراء الظهر ،مثل يضرب في الاستهانة بالشيء والإعراض عنه بالكلية ،كما أن جعله نصب العين دليل على كمال الاعتناء
والاهتمام به.
))واشتروا به(( أي :استبدلوا به ))ثمنا ًقليلاً(( أي :شيئا ًحقيرا ً من حطام الدنيا.
))فبئس ما يشترون(( أي :بتغيير كلام الل ّٰه ونبذ ميثاقه.
قال بعض المفسرين :ثمرة الآية :وجوب إظهار الحق وتحريم كتمانه ،فيدخل فيه بيان الدين والأحكام والفتاوى والشهادات ،وغير
ذلك مما يجب إظهاره ،و يفهم من ذلك أنه يجوز كتمان العلم إذا كان الشخص الذي تكلمه لا يطيقه ولا يستوعبه ،أو يسيء فهمه،
أو يسيء تطبيقه أو غير ذلك.
ويدخل في كتمه منع الـكتب المنطو ية على علم الدين حيث تعذر الأخذ إلا منها.
٢٩.٢.١أقوال المفسرين في قوله تعالى) :وإذ أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب(
أقوال المفسرين في قوله تعالى) :وإذ أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب(
قال الزمخشري :كفى بهذه الآية دليلا ًعلى أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس وما علموه ،وألا يكتموا منه شيئا ًلغرض فاسد
من تسهيل على الظلمة ،وتطييب لنفوسهم ،واستجلاب لمسارهم ،أو لجر منفعة وحطام دنيا ،أو لتقية مما لا دليل عليه ولا أمارة ،أو
لبخل بالعلم وغيرة أن ينسب إليه غيرهم.
عن أبي هريرة رضي الل ّٰه تعالى عنه قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من
نار( وهذا أخرجه الترمذي ،ولـ أبي داود) :من سئل عن علم فكتمه ألجمه الل ّٰه بلجام من نار يوم القيامة(.
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ
الل ّه ُ م ِيثَاقَ ال َ ّذ ِي َ
وقال أبو هريرة) :لولا ما أخذ الل ّٰه عز وجل على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ،ثم تلا)) :و َِإ ْذ أَ خَذ َ َ
ظه ُورِهِمْ(( إلى آخر الآية. لَتُبَي ِّن َُن ّه ُ ل ِ َلن ّا ِ
س و َلا تَكْتُم ُونَه ُ فَنَبَذ ُوه ُ وَر َاء َ ُ
يقول العلامة أبو السعود في تصوير هذه المعاملة بعقد المعاوضة)) :فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا ًقليلاً(( هذا نوع من المعاوضة،
فهم بذلوا شيئا ًفي مقابل شيء ،وفي حالة المعاوضة يكون الشراء مؤذنا ًبالرغبة في المأخوذ ،والزهد أو الإعراض عن المعطى.
يعني :أنت معك مال تبذل هذا المال لتشتري به السلعة :آلة أو سيارة أو أي شيء ،فأنت ما تعمد إلى هذه المعاوضة إلا إذا كنت
ترى أن الذي تأخذه أفضل مما تعطيه.
Shamela.org ٤٣٧
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
والمقصود بالمعاملة الثمن الذي شأنه أن يكون وسيلة إليه ،وجعلوا الكتاب الذي حقه أن يتنافس فيه المتنافسون مصحوبا ًبالباء الداخلة
على الآلات والوسائل ،وهذا يدل على فظاعة حالهم وغاية قبحها بإيثارهم الدنيء الحقير على الشر يف الخطير ،و بجعلهم المقصد الأصلي
وسيلة ،والوسيلة مقصداً.
تفسير قوله تعالى) :لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا( ٢٩.٣
تفسير قوله تعالى) :لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا(
بعد أن وصفهم تعالى بأنهم يشترون بآيات الل ّٰه ثمنا ًقليلاً ،ويستعملون آيات الل ّٰه وكتاب الل ّٰه وسيلة لنيل مآربهم الدنيو ية ،ومع ذلك فهم
يح ُِب ّونَ أَ ْن يُحْمَد ُوا بِمَا ل َ ْم ي َ ْفع َلُوا تحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن يَفْرَحُونَ بِمَا أَ تَوا و َ ُ لا يستقبحون هذا الفعل ولا يندمون عليه ،بل يفرحون به ويسرون} :لا َ
َاب أَ ل ِيم ٌ{ ]آل عمران.[١٨٨:
َاب و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
ن الْعَذ ِ
تحْسَبَنّه ُ ْم بِمَف َازَة ٍ م ِ َ
فَلا َ
))لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا(( أي :بما فعلوا من اشتراء الثمن القليل بتغيير كلام الل ّٰه تعالى.
))و يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا(( أي :من وفاء الميثاق من غير تغيير ولا كتمان.
))فلا تحسبنهم بمفازة(( أي :بمنجاة من العذاب.
))ولهم عذاب أليم(( أي :بكفرهم وتدليسهم.
روى الإمام أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان قال) :اذهب يا رافع -وهو بوابه -إلى ابن عباس فقل له :لئن كان
كل امرئ منا فرح بما أتي ،وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذبن أجمعون ،فقال ابن عباس :مالـكم وهذه ،إنما نزلت في أهل الكتاب ،ثم
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ (( إلى قوله)) :و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
َاب أَ ل ِيم ٌ(( ثم قال ابن عباس :سألهم الل ّه ُ م ِيثَاقَ ال َ ّذ ِي َ
تلا ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما)) :و َِإ ْذ أَ خَذ َ َ
النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ،فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ،واستحمدوا بذلك إليه،
وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه( يعني :كأنهم استحقوا أن يحمدوا على هذا الذي أخبروا به النبي عليه الصلاة والسلام
بخلاف الواقع والحقيقة.
انظر كيف ٺتولى الآيات الذب عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،كما حصل ذلك في مواضع من القرآن الـكريم}ِ ،إ َن ّا أَ ْعطَي ْنَاك َ
ك ه ُو َ الأَ ب ْت َر ُ{ ]الـكوثر ،[٣ - ١:وغير ذلك من النصوص. ك و َانْ حَر ْ * ِإ َ ّ
ن شَانئِ َ َ ل ل ِر َب ِّ َ
ص ِّ
ال ْـكَو ْث َر َ * ف َ َ
فكذلك هنا لما سألهم النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء معين أوهموه أنهم قد أجابوه ،ومع ذلك أحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ،وبما
أتوا من كذبهم عليه وإخبارهم له بخلاف الذي كان يسألهم عنه ،فانظر كيف نزل الوحي يفضح هؤلاء اليهود ،و يكذبهم ،ويذب عن
النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري )أن رجالا ًمن المنافقين في عهد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الل ّٰه صلى
الل ّٰه عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ،وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فإذا قدم رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم
Shamela.org ٤٣٨
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
وهذه الآية وإن كانت محمولة على الـكفار لما تقدم ،ففيها ترهيب للمؤمنين مما ذم عليه أهلها من الإصرار على القبائح والفرح بها ،ومحبة
المدح بما ليس عندهم من الفضائل.
ويدخل في ذلك المراءون المتكثرون بما لم يعطوا ،وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :ومن ادعى دعوى كاذبة
ليتكثر بها لم يزده الل ّٰه إلا قلة( ،وفي الصحيحين أيضاً) :المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور( يعني :الثوبان اللذان يلبسهما ليسا ملـكه
في الحقيقة ،بل هما لغيره ،وهو يلبسهما و يظهر للناس أنهما له.
وهكذا المتشبع بما لم يعط ،وهو الذي يظهر للناس ما ليس عنده من الفضائل والعلم وغير ذلك.
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :وإذ أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب( وما بعدها ٢٩.٤
تفسير السيوطي لقوله تعالى) :وإذ أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب( وما بعدها
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ (( أي :واذكر )إذ أخذ الل ّٰه ميثاق الذين أوتوا الكتاب( أي:
الل ّه ُ م ِيثَاقَ ال َ ّذ ِي َ
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى)) :و َِإ ْذ أَ خَذ َ َ
العهد عليهم في التوراة ))لَتُبَي ِّن َُن ّه ُ(( أو )ليبيننه( أي :الكتاب ))ل ِ َلن ّا ِ
س و َلا تَكْتُم ُونَه ُ(( ،بالياء والتاء.
ظه ُورِهِمْ(( أي :فلم يعملوا به.
))فَنَبَذ ُوه ُ(( أي :طرحوا الميثاق ))وَر َاء َ ُ
))و َاشْ تَرَوْا بِه ِ(( أخذوا بدله ))ثَمَنًا قَلِيل ًا(( من الدنيا من سفلتهم برئاستهم في العلم ،فكتموه خوف فوته عليهم.
ْس م َا يَشْت َر ُونَ(( أي :فبئس شراؤهم هذا.
))فَب ِئ َ
يح ُِب ّونَ أَ ْن يُحْمَد ُوا بِمَا ل َ ْم يَفْع َلُوا(( من تحْسَب َ ّن(( أو لا يحسبن ))ال َ ّذ ِي َ
ن يَفْرَحُونَ بِمَا أَ تَوا(( أي :بما فعلوا في إضلال الناس ))و َ ُ ))لا َ
التمسك بالحق وهم على ضلال.
َاب(( أي :في الآخرة ،بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم.
ن الْعَذ ِ
تحْسَبَنّه ُ ْم بِمَف َازَة ٍ(( أي :بمكان ينجون فيه ))م ِ َ
))فَلا َ
َاب أَ ل ِيم ٌ(( أي :مؤلم فيها.
))و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
Shamela.org ٤٣٩
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
))إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار(( يذكر الل ّٰه تعالى عناوين مما خلق من الآيات في السماوات والأرض،
وهذه العناوين ينقسم الواحد منها في العلوم الحديثة إلى عشرات بل مئات التخصصات أحياناً ،وهي رسائل من الل ّٰه سبحانه وتعالى
يتعرف إلى عباده عن طر يقها ،وكان حق هذا العلم الذي تطور في هذا الزمان تطورا ً مدهشا ًمذهلا ًبفضل الل ّٰه سبحانه وتعالى أن يبېن
آيات الل ّٰه وعظمته.
لـكن المناهج العلمية الموجودة على مستوى العالم قائمة على العلمانية التي تعتبر إيراد الباحث لآية أو حديث خروجا ًعن المنهج العلمي.
وهذا جهل وجحود؛ قال بعض العلماء :كانت الجاهلية قبل الإسلام جاهلية الجهل ،أما الآن فهي جاهلية العلم؛ لأنك تجد أنهم يفصلون
فصلا ًكاملا ًبين آيات الل ّٰه سبحانه وتعالى وبين خالقها تبارك وتعالى.
وأيضا ًكل هذه العلوم وما فيها من الآيات والبدائع ومظاهر قدرة الل ّٰه سبحانه وتعالى وحكمته وعظمته ،لا يمكن أبدا ً أن يجـترئ أحد
على أن ينسبها إلى صانعها ،فهل هناك جحود أكثر من هذا؟ في الحقيقة هذا العلم علم جاحد؛ لأنه يفصل هذا المصنوع عن صانعه،
و يفصل المخلوقات عن خالقها تبارك وتعالى.
ونحن عندما نقرأ كتب العلماء السابقين في مثل هذه المواضع نجد أنهم كانوا يأتون بمعلومات محدودة جداً ،لعلوم كاملة :نبات ،حيوان
تشريح ،وغيرها من العلوم ،لـكن هذه العلوم انفتحت فيها عوالم ومجالات واسعة جداً ،وانكشف فيها ما لم يصل الأوائل منه إلى شيء
ولم يقفوا له على خبر ،وكان مقتضى ذلك أن يزيد إيمان الناس ،وأن يخضعوا لربهم تبارك وتعالى وأن يسلموا له.
ض
ات و َالأَ ْر ِ ق ال َ ّ
سم َو َ ِ ولذلك نحن نقول :هذه العلوم ليست من علوم الدنيا ،بل هذه العلوم هي تطبيق لهذه الآية الـكريمة}ِ :إ َ ّ
ن فِي خ َل ْ ِ
ات و َالأَ ْرضِ{ ق ال َ ّ
سم َو َ ِ الل ّه َ ق ِيَام ًا و َقُع ُود ًا و َعَلَى جُن ُو بِه ِ ْم و َيَتَف َ َك ّر ُونَ فِي خ َل ْ ِ
ن ي َ ْذك ُر ُونَ َ َات ل ِ ُأول ِي الأَ ل ْب َ ِ
اب * ال َ ّذ ِي َ ل و َال َنّهَارِ ل َآي ٍ ِلاف َ
الل ّي ْ ِ و َاخْ ت ِ
]آل عمران [١٩١:فهذه العلوم إذا درستها من هذا المنطلق فهي تماما ًكعلم التوحيد ،أو دراسة القرآن الـكريم الذي هو آيات الل ّٰه سبحانه
وتعالى.
الآيات إما آيات تكوينية في الـكون ،وإما آيات تنز يلية ،فكما أن آيات القرآن تنز يلية ،كذلك السماوات والأرض مملوءتان بالآيات
الـكونية ،وكلها تشير إلى وحدانية الل ّٰه تبارك وتعالى.
فيا عجبا ًكيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فكل ما تقع عينك عليه ينطق بوحدانية
الل ّٰه تبارك وتعالى ،وقد جاء )أن النبي عليه الصلاة والسلام قام ليلة من الليالي وظل يبكي حتى بل لحيته ،ثم ظل يبكي حتى بل حجره،
ثم ظل يبكي حتى بل الأرض ،إلى أن جاء بلال يؤذنه بصلاة الفجر ،فلما رآه يبكي بكى ،ثم قال :يا رسول الل ّٰه! تبكي وقد غفر الل ّٰه
لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ،قال :أفلا أكون عبدا ً شكوراً ،لقد أنزلت عليّ الليلة آيات و يل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ،وتلا قوله
ك فَق ِنَا عَذ َابَ َ
الن ّارِ{ ]آل عمران.([١٩١: سب ْح َان َ َ
ات و َالأَ ْرضِ{ ]آل عمران [١٩٠:إلى قولهُ } : ق ال َ ّ
سم َو َ ِ تعالى}ِ :إ َ ّ
ن فِي خ َل ْ ِ
إذاً :التفكر في هذه الآيات المذكورة في آل عمران ليس مستحبا ً فقط ،وإنما هو فر يضة ،بل عدم فعل ذلك من الكبائر؛ لأن من
علامات الـكبيرة التوعد عليها بالو يل ،فهذا يدل على أن الفرض على المسلم أن يتفكر في هذه الآيات ،وأن يكون له ورد تفكر كما يكون
له ورد من تلاوة القرآن.
قوله)) :واختلاف الليل والنهار(( لقد قام السلف بتفسير هذه الآيات طبقا ً لمعلوماتهم المحدودة ،لـكن الآن كشفت لنا كثير من
الأسرار والمعلومات ،والإنسان الجاهل المسكين يظن أنه إذا اكتشف كيف يسير هذا الـكون ،وكيف يتدبر أموره؟!! يظن أنه صار
هو المستقل بتدبير أمور الـكون.
لو أن رجلا ً اخترع جهازا ً دقيقا ً وخبأه في صندوق وأغلقه بالمفتاح ،ثم استطاع بعض الناس أن يفتح هذا الصندوق و يصف لنا ما
بداخله ،و يقول :إن هذه القطعة وضعت هنا للحكمة الفلانية ،وهذه وضعت هنا من أجل استعمالها في كذا ،واستطاع من خلال
الدراسة أن يكتشف ما فيها من الدقة والإحكام ،وسخرها بعد ذلك لفائدته ومصلحته ،هل يكون له الفضل في إبداع هذه الآلة؟ أم
أن الفضل هو لخالقها وصانعها.
Shamela.org ٤٤٠
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
لو تفكرنا في الوظائف الدقيقة التي تجري في جسم الإنسان ،سواء النشاط الهرموني ،أو نظام الجهاز البولي ،أو الجهاز الهضمي ،أو
الدوري ،أو العصبي ،أو العضلي أو غير ذلك من أجهزة الجسم ،لعرفنا عظمة الل ّٰه تعالى في إتقانها وإحكامها.
وقد اكتشف العلم الحديث هذه التفصيلات وعرفت للناس ،وأنت تعلم أن كل هذه الأشياء تجري في بدنك وأنت لا سلطان لك
عليها ،بل أغلبنا لا يعرف شيئا ًعنها ،فليس عنده خبر عن الإنزيمات ولا الهضم ولا الامتصاص ولا غير هذه الأشياء بتفاصيلها الدقيقة
جداً ،بل تفنى الأعمار قبل أن يصلوا إلى كل ما أودعه الل ّٰه من الأسرار في هذا الكائن ،كذلك عندما تنام أيها الإنسان في الليل فأن
هذه الأجهزة تعمل بحكمة الل ّٰه سبحانه وتعالى.
إذا ارتفعت نسبة هرمون معين بنسبة ضيئلة جدا ً فإنه يحصل خلل في وظائف الجسم فمن الذي يضبط هذه الأمور كله؟! الل ّٰه سبحانه
وتعالى يضبطها ،فما من ذرة من ذرات الـكون إلا وهو يدبرها و يوجهها ،وهذا هو معنى قولنا :لا حول ولا قوة إلا بالل ّٰه ،أي :لا يجري
شيء إلا بقدرة الل ّٰه سبحانه وتعالى وتوجيهه.
فالناس الذين ما عرفوا شيئا ً عن هذه العلوم ،كان الل ّٰه سبحانه وتعالى يتولاهم ويرعاهم ،وتسير أبدانهم ووظائف الـكون كوظائف
الشمس والقمر والنجوم والـكواكب منذ أن أودعها الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وفق قدرة الل ّٰه سبحانه وتعالى ،ولم تكن تنتظر هؤلاء الجهلة
في آخر الزمان لينازعوا الل ّٰه في ألوهيته وربوبيته ،و يفصلوا الخلق عن الخالق.
إذاً :الل ّٰه سبحانه وتعالى خلقنا ،وليس كما زعم هؤلاء الـكفار أن الل ّٰه سبحانه وتعالى خلق الإنسان فحركه ثم تركه ،وانتهت وظيفة الإله
وصار في غفلة عن خلقه ،معاذ الل ّٰه! أو كما زعموا -والعياذ بالل ّٰه -أن الل ّٰه سبحانه وتعالى يملك في الـكون ولا يحكم مثل ملـكة الإنجليز،
فهذا هو تصورهم عن الإله ،وهذا هو سبب معاداتهم للدين ،أو بتعبير أدق إيثارهم فصل الدين عن الحياة.
أما الإسلام فأتى بالتصور الشامل والعقيدة الشاملة لطبيعة العلاقة بين الل ّٰه سبحانه وبين خلقه ،وبين الخلق وبعضهم البعض ،وبين
الإنسان وبين نفسه.
يقول تعالى)) :واختلاف الليل والنهار(( أي :في تعاقبهما وكون كل منهما خلفة للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها ،أو في تفاوتهما
بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر ،وانتقاصه بازدياده.
قوله)) :لآيات(( أفضل طر يقة لتفسير هذا الجزء من الآية أن نحضر من كل تخصص من هذه العلوم من يشرح لنا أسرار هذا العلم،
وحكم الل ّٰه سبحانه وتعالى في تدبير الـكون بهذه المواضع كلها ،وبالتالي سنحول المسجد إلى جامعة شاملة لتعلم كل هذه العلوم ،وهذا
هو المفروض أن العلوم تدرس من هذا المنطلق الإيماني :تأمل سطور الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل وقد خط فيها لو
تأملت خطها ألا كل شيء ما خلا الل ّٰه باطل فهي آيات من الل ّٰه سبحانه وتعالى ،أما الطبيعة فهي مفتقرة إلى من يخلقها.
))لآيات(( أي :لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته وباهر حكمته ،والتكثير للتفخيم كما ًوكيفاً ،أي :كثرة عظيمة.
))لأولي الألباب(( أي :لذوي العقول المجلوة بالتزكية والتصفية بملازمة الذكر دائماً.
الل ّه َ ق ِيَام ًا هنا إشارة إلى أن القلوب لا تصفو ولا تتجلى إلا بذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى؛ وذلك عقب أولي الألباب بقوله)) :ال َ ّذ ِي َ
ن ي َ ْذك ُر ُونَ َ
و َق ُع ُود ًا(( وهذا هو الذي يفهم و يعي و يعقل عن الل ّٰه سبحانه وتعالى رسائله ،فبدلا ًمن أن نقول :إن السيل ظاهرة طبيعية ،نتذكر آيات
الل ّٰه سبحانه وتعالى }فَد َ ْمدَم َ عَلَيْه ِ ْم ر َ ُ ّبه ُ ْم بِذَنْبِه ِ ْم فَسَ َو ّاه َا{ ]الشمس} [١٤:بَلْ ه ُو َ م َا اسْ تَعْجَل ْتُم ْ بِه ِ رِيح ٌ ف ِيهَا عَذ ٌ
َاب أَ ل ِيم ٌ{ ]الأحقاف[٢٤:
كل هذه الآيات تربط الوقائع في كونه سبحانه هو المسير الحقيقي لها.
ذكرنا من قبل أيضاً :أننا عندما نقول) :آيات لأولي الألباب( أن الحقائق غير المرئية أو المغيبة عنا لا تخضع للتجربة ولا المشاهدة
والاستنتاج ولـكن ما لا نراه فإنه لا سبيل إلى معرفته إلا عن طر يق الوحي؛ لأنه إذا كان كل شيء يتم عن طر يق المعاينة فستنتفي
حكمة هذا الوجود كله ،وحكمة الابتلاء في الدنيا.
وهؤلاء الذين يحاربون الل ّٰه ورسوله و يحاربون الدين لو أراد الل ّٰه لأمر الملائكة أن تتخطفهم وتقطعهم إربا ً إربا ،أو لأنزل صاعقة من
Shamela.org ٤٤١
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
السماء على بيوت الظالمين على وجه الأرض ،فهو قادر على أن تستمر الآيات بصورة تكشف لنا هذه الوقائع قبل أن يكشفها لنا الغيب،
فنرى الملائكة ونرى الشياطين ونرى الجنة ونرى النار ،ونرى عذاب القبر ونعيمه إلى آخره.
ولـكن لو عاينا هذه الأشياء لا نتفت حكمة التكليف ،أي :أن كل الناس في هذه الحالة سيؤمنون بالإكراه عن طر يق هذه الآيات،
جعْنَا نَعْم َلْ صَالِ حاً ِإ َن ّا م ُوق ِن ُونَ{ ]السجدة [١٢:فهل ينفع هذا
فيكون حالهم تماما ًكيوم القيامة ،حينما يقولون} :ر َ َب ّنَا أَ ب ْصَرْن َا وَسَمِعْنَا فَا ْر ِ
اليقين؟! كذلك اليقين لا ينفع عند رؤ ية العذاب ،ولذلك يقتصر الل ّٰه سبحانه وتعالى على أن تحدث بعض هذه الآيات بين وقت
وآخر؛ تذكيرا ً للناس وتنبيها ًلهم واستعتاباً ،لـكن لا تستمر ولا تكون صالحة
تفسير قوله تعالى) :الذين يذكرون الل ّٰه قياما وقعودا( ٢٩.٧
تفسير قوله تعالى) :الذين يذكرون الل ّٰه قياما ًوقعوداً(
ك ض ر َ َب ّنَا م َا خ َلَقْتَ هَذ َا ب َاطِل ًا ُ
سب ْح َان َ َ ات و َالأَ ْر ِ ق ال َ ّ
سم َو َ ِ الل ّه َ ق ِيَام ًا و َق ُع ُود ًا و َعَلَى جُن ُو بِه ِ ْم و َيَتَف َ َك ّر ُونَ فِي خ َل ْ ِ قال تعالى} :ال َ ّذ ِي َ
ن ي َ ْذك ُر ُونَ َ
فَق ِنَا عَذ َابَ َ
الن ّارِ{ ]آل عمران.[١٩١:
الل ّه َ ق ِيَام ًا
أي :أنه لا يخلو حال من أحوالهم عن ذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى ،لا كما يفهمه الضالون من الصوفية أن معنى قوله) :ي َ ْذك ُر ُونَ َ
و َق ُع ُود ًا و َعَلَى جُن ُو بِهِمْ( أنهم يرقصون في أثناء الذكر ،فتارة يقفون وتارة يقعدون وتارة يضطجعون ،وهذه الحركات التي يفعلها هؤلاء
الجهلة ،إلحاد في فهم آيات الل ّٰه سبحانه وتعالى.
لقد كان صلى الل ّٰه عليه وسلم يذكر الل ّٰه على كل أحواله ،فالمراد تعميم الذكر للأوقات ،وعدم الغفلة عن ذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى في لحظة
من اللحظات ولا في حال من الأحوال ،بل المسلم يذكر الل ّٰه عز وجل دائماً.
))ويتفكرون في خلق السموات والأرض(( أي :في إنشائهما بهذه الأجرام العظام ،وما فيهما من عجائب المصنوعات وغرائب
المبتدعات؛ ليدلهم ذلك على كمال قدرة الصانع سبحانه وتعالى ،فيعلموا أن لهما خالقا ًقادرا ً مدبرا ً حكيماً؛ لأن عظم آثاره وأفعاله تدل
على عظم خالقها تبارك وتعالى.
إنما يكون الرسام أو المصور أو الممثل ممدوحا ًعند القوم ،بأنه بارع ومتقن عندما يقترب من محاكاة ما يسمونه هم بالطبيعة.
إذا ً خلق الل ّٰه سبحانه وتعالى هو أكمل الصور ،والناس كأنهم يتعرفون بهذا ضمنا ًعلى عظيم صنع الل ّٰه سبحانه؛ وذلك عندما يحاول الواحد
في عمله أن يحاكي ما خلق الل ّٰه تبارك وتعالى.
فهذا الذي صنع الطائرة استفاد في تصميمها من محاكاة ما خلق الل ّٰه سبحانه وتعالى من الطيور ،وكيف تتم عملية الطيران مثلاً؟!
فالشاهد أن خلق الل ّٰه سبحانه وتعالى هو أكمل المخلوقات وأبدعها.
معروف أن رسم ذوات الأرواح محرم ،لـكن أنا أضرب مثالاً :إذا كان الرسام يمدح بأنه قدير على الرسم والفنان على الفن والممثل
على التمثيل ،ويستدل على عظمته بعظمة ما صنع ،فكل ما صنع هؤلاء إنما هو مجرد محاكاة لما خلق الل ّٰه تبارك وتعالى ،أفلا تدل أفعال
الل ّٰه سبحانه وتعالى في السماوات والأرض على عظمة خالقها؟! فعظم آثار الل ّٰه سبحانه وتعالى وأفعاله تدل على عظمته سبحانه :وفي
كل شيء له آية تدل على أنه واحد وقال الشيخ أبو سليمان الداراني رحمه الل ّٰه تعالى :إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء
إلا رأيت لل ّٰه عليّ فيه نعمة ،ولي فيه عبرة.
إنها نعمة التفكر ،فهو ينظر في كل شيء فيجد نعمة الل ّٰه ،فيشكر لل ّٰه عز وجل ،وكذلك على المؤمن أن يعتبر وأن يتفكر ،وأنه يخصص
وقتا ًللتأمل والتفكر والتدبر.
وهنا خصص التفكر بالخلق كما في هذه الآية)) :ويتفكرون في خلق السموات والأرض(( لم يقل :ويتفكرون في الل ّٰه ،وإنما يتفكرون
Shamela.org ٤٤٢
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
فيما خلق الل ّٰه؛ لأننا منهيون عن التفكر في ذات الل ّٰه تبارك وتعالى؛ لأنه لا يمكن أن نصل إلى كنه ذاته تبارك وتعالى وصفاته ،وإنما
نتفكر في المخلوقات كما ندبنا إلى ذلك النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،وفي الحديث) :لا تفكروا في الل ّٰه ولـكن تفكروا فيما خلق(.
Shamela.org ٤٤٣
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
فهذه الأشياء ليست لمجرد التسلية ،ولا ينبغي أن نهجرها ،فالإنسان يحاول أن يتعمق فيها بنية التعبد والتفكر في خلق الل ّٰه سبحانه وتعالى،
ادرس واقرأ في علم الفضاء وفي علم النبات وفي علوم الحيوان وفي علوم الطب وفي غير ذلك من العلوم التي تكشف آيات الل ّٰه سبحانه
وتعالى ،حتى علوم الهندسة نفسها ،إذا تأملت في علوم الذرة وتركيب المادة والقوانين التي تحكمها تجد أشياء تبهر العقول ،وتنطق كلها
بأن الل ّٰه سبحانه وتعالى واحد لا شر يك له.
يقول الرازي :وعند هذا يعلم أن للخالق في تدبير تلك الورقة على هذه الخلقة حكما ً بالغة وأسرارا ً عجيبة ،وأن الل ّٰه تعالى أودع فيها قوىً
جاذبة لغذائها من قعر الأرض.
حتى الآن لم يستطيعوا أن يجزموا بنظر ية تفسر لنا كيف يصل الغذاء من التربة إلى كل أجزاء النبات؟! بل كلها احتمالات.
ثم إن ذلك الغذاء يسمونه القوة والجاذبية الأرضية ،فهم لا يريدون أن يعترفوا بقدرة الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فتراهم يشمئزون من ذكر الل ّٰه،
و يقولون :لو افترضنا أن هناك مغناطيسا ً داخل الـكرة الأرضية ،والقطب الشمالي أعلى والقطب الجنوبي أسفل ،وعلى هذا الأساس
وجدوا أن كل الظواهر تفسر تفسيرا ً صحيحا ًطبقا ًلهذا.
يقول الرازي :ثم إن ذلك الغذاء يجري في تلك العروق حتى يتوزع على كل جزء من أجزاء تلك الورقة ،بتقدير العزيز العلم.
ولو أراد الإنسان أن يعرف كيفية خلق تلك الورقة لعجز عنه ،فإذا عرف أن عقله قاصر عن الوقوف على كيفية خلق تلك الورقة
الصغيرة ،فحينئذٍ يقيس تلك الورقة على الشمس والقمر والنجوم ،والأرض مع ما فيها من البحار والجبال والمعادن والنبات والحيوان،
حينها سيعلم أن تلك الورقة بالنسبة إلى هذه الأشياء كالعدم ،فإذا عرف قصور عقله عن معرفة ذلك الشيء الحقير عرف أنه لا سبيل
له البتة إلى الاطلاع على عجائب حكمة الل ّٰه في خلق السماوات والأرض.
وإذا عرف بهذا البرهان النير قصور عقله وفهمه عن الإحاطة بهذا المقام لم يبق معه إلا الاعتراف بأن الخالق أجل وأعظم من أن
يحيط به وصف الواصفين ومعارف العارفين.
يقول :إذا عجز عن الورقة فالأولى ألا يعرف شيئا ًعن السماوات والأرض والجبال والـكواكب وغير ذلك.
ثم يقول :بل يسلم أن كل ما خلقه الل ّٰه ففيه حكم بالغة وأسرار عظيمة ،وإن كان لا سبيل إلى معرفتها ،وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى:
))ر َ َب ّنَا م َا خ َلَقْتَ هَذ َا ب َاطِل ًا(( وكلمة) :هذا( متضمنة لضرب من التعظيم يعني :ما خلقت هذا المخلوق البديع العظيم الشأن عبثا ًعار يا ً
عن الحكمة خاليا ًعن المصلحة ،بل منتظما ً بحِكَمٍ جليلة ومصالح عظيمة ،من جملتها :أن يكون دلالة على معرفتك ،ووجوب طاعتك،
واجتناب معصيتك ،وأن يكون مدارا ً لمعايش العباد ،ومنارا ً يرشدهم إلى معرفة أحوال المبدأ والمعاد.
قوله) :سبحانك( أي :تنزيها ًلك من العبث من أن تخلق شيئا ًبغير حكمة.
)فقنا عذاب النار( فيه استحباب هذا الذكر عند النظر إلى السماء)) ،ربنا ما خلقت هذا باطلا ًسبحانك فقنا عذاب النار(( وفيه تعليم
العباد كيفية الدعاء ،ففي الدعاء تقدم الثناء على الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فعن فضالة بن عبيد رضي الل ّٰه عنه قال) :سمع رسول الل ّٰه صلى
الل ّٰه عليه وسلم رجلا ً يدعو في صلاته لم يمجد الل ّٰه تعالى ،ولم يصل على النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فقال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم:
عجل هذا ،ثم دعاه فقال له أو لغيره :إذا صلى أحدكم -يعني :إذا دعا -فيبدأ بتحميد ربه سبحانه والثناء عليه ،ثم يصلي على النبي صلى الل ّٰه
عليه وسلم ،ثم يدعو بعد بما شاء( وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن هؤلاء العباد المخلصين أن ألسنتهم مستغرقة بذكر الل ّٰه تعالى ،وأبدانهم في طاعة الل ّٰه ،وقلوبهم في التفكر في
دلائل عظمة الل ّٰه ،ذكر أنهم مع هذه الطاعات يطلبون من الل ّٰه أن يقيهم عذاب النار ،مع أنهم يأتون بكل هذه الأشياء التي سبق ذكرها،
وهو أنهم يذكرون الل ّٰه قياما ًوقعودا ً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض إلى آخره ،لـكنهم مع ذلك وجلون خائفون
من عذاب الل ّٰه تبارك وتعالى.
Shamela.org ٤٤٤
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
تفسير قوله تعالى) :ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته( ٢٩.٨
تفسير قوله تعالى) :ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته(
خز َي ْت َه ُ وَم َا لِل َ ّ
ظالِمِينَ م ِنْ أَ نْصَارٍ{ ]آل عمران.[١٩٢: ل َ
الن ّار َ فَق َ ْد أَ ْ خ ِ قال تعالى} :ر َ َب ّنَا ِإ َن ّ َ
ك م َنْ ت ُ ْد ِ
))فقد أخزيته(( أي :أهنته ،وأظهرت فضيحته لأهل الموقف ،وسر إتباع الدعاء بوصف شدة النار هو عظم موقع السؤال؛ لأن من
سأل ربه حاجة وعرف عظمها وقوتها كانت داعيته في ذلك الدعاء أكمل ،وإخلاصه في طلبه أشد.
))وما للظالمين من أنصار(( أي :ليس لهم من ينصرهم و يقوم بتخليصهم.
وصرح بكلمة الظالمين للإشعار بتعليل دخولهم النار ،وأنه كان بسبب ظلمهم ووضعهم الأشياء في غير مواضعها.
))من أنصار(( ليس معناها إمكان وجود نصير ،ولـكن جمع الأنصار نظرا ً لجمع الظالمين ،والمقصود من الآية)) :وما للظالمين من
أنصار(( أي :ما لظالم من الظالمين نصير من الأنصار.
والمراد أيضا ًأنه لا يوجد أحد ينصر هؤلاء بالمدافعة والقهر ،بل من يشفع مثلا ًفي أهل الذنوب إنما يكون بإذن الل ّٰه تبارك وتعالى} :م َنْ
ذ َا ال َ ّذ ِي ي َ ْشف َ ُع عِنْدَه ُ ِإ َلّا ب ِِإذْنِه ِ{ ]البقرة [٢٥٥:وإن قلنا :إن المقصود بالظالمين هم الكافرون فليس في الآية دلالة على نفي الشفاعة.
تفسير قوله تعالى) :ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان( ٢٩.٩
تفسير قوله تعالى) :ربنا إننا سمعنا مناديا ًينادي للإيمان(
ك ّفِر ْ ع ََن ّا سَي ِّئَاتنَِا و َتَو ََف ّنَا م َ َع الأَ ب ْر َارِ{ ]آل
ن أَ ْن آم ِن ُوا ب ِر َبِّك ُ ْم ف َآم ََن ّا ر َ َب ّنَا فَا ْغفِر ْ لَنَا ذ ُنُوبَنَا و َ َ قال تعالى} :ر َ َب ّنَا ِإ َن ّنَا سَمِعْنَا م ُنَادِي ًا يُنَادِي ل ِ ِ
لإ يمَا ِ
عمران.[١٩٣:
كلمة )ربنا ربنا( جاءت خمس مرات في هذه الآيات ،لإظهار كمال الضراعة والابتهال.
الل ّه ِ
))سَمِعْنَا م ُنَادِي ًا(( المراد بالمنادي :الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم ،والنون هنا للتفخيم)) :سَمِعْنَا م ُنَادِي ًا(( ،وهذا كقوله} :وَد َاعِيًا ِإلَى َ
ب ِِإذْنِه ِ و َسِر َاج ًا م ُن ِير ًا{ ]الأحزاب.[٤٦:
وفي وصفه صلى الل ّٰه عليه وسلم بالمنادِي دلالة على كمال اعتنائه بشأن الدعوة وتبليغها إلى الداني والقاصي ،لما فيه من الإيذان برفع
الصوت)) :م ُنَادِي ًا يُنَادِي(( فهذا فيه مدح للنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم :أنه استغرق طاقته كلها في دعوة الداني والقاصي إلى الإسلام،
وأمته خليفة له في أداء هذه المهمة)) :ر َ َب ّنَا ِإ َن ّنَا سَمِعْنَا م ُنَادِي ًا يُنَادِي(( ،ينادي :يبلغ الناس ،وبقدر استطاعته يوصل صوته ودعوته إلى
القاصي والداني.
لإ يمَانِ(( يعني :ينادي لأجل الإيمان بالل ّٰه ،والمقصود أو الفائدة في الجمع بين)) :م ُنَادِي ًا يُنَادِي(( )للإيمان( أنه ذكر النداء
))يُنَادِي ل ِ ِ
مطلقاً ،ثم قيده بالإيمان تفخيما ًلشأن المنادي؛ لأنه لا منادي أعظم من مناد ينادي للإيمان؛ لأن المنادي يمكن أن يكون مناديا ًإلى
الحرب ،مناديا ًإلى الانتقام إلى الثأر إلى بعض المنافع ،فلا منفعة أعظم من النداء للإيمان.
لإ يمَانِ(( ،فهو أشرف ما ينادى به.
))م ُنَادِي ًا يُنَادِي ل ِ ِ
))أَ ْن آم ِن ُوا ب ِر َبِّك ُ ْم ف َآم ََن ّا(( أي :فامتثلنا أمره ،وأجبنا نداءه.
ك ّفِر ْ ع ََن ّا سَي ِّئَاتنَِا(( أي :استر لنا ذنوبنا ولا تفضحنا بها.
))ر َ َب ّنَا فَا ْغفِر ْ لَنَا ذ ُنُوبَنَا و َ َ
))وكفر عنا سيئاتنا(( التكفير بمعنى التغطية ،يكفر البذر يعني :يغطيها بالتراب ،والمعنى :أذهب عنا سيئاتنا بتبديلها حسنات.
))و َتَو ََف ّنَا م َ َع الأَ ب ْر َارِ(( أي :معدودين في جملتهم حتى نكون في درجتهم يوم القيامة.
Shamela.org ٤٤٥
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
تفسير قوله تعالى) :فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم( ٢٩.١١
تفسير قوله تعالى) :فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم(
ن ه َاجَر ُوا و َ ُأ ْ
خرِجُوا م ِنْ دِي َارِه ِ ْم ض فَال َ ّذ ِي َ ل مِنْك ُ ْم م ِنْ ذَكَرٍ أَ ْو ُأن ْث َى بَعْ ُ
ضك ُ ْم م ِنْ بَعْ ٍ قال تعالى} :فَاسْ ت َج َابَ لَه ُ ْم ر َ ُ ّبه ُ ْم أَ ن ِ ّي لا ُأضِي ُع ع َم َ َ
ل عَام ِ ٍ
ن
س ُ الل ّه ِ و ََالل ّه ُ عِنْدَه ُ ُ
ح ْ تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ ثَوَاب ًا م ِنْ عِنْدِ َ
تجْرِي م ِنْ َ ن عَنْه ُ ْم سَي ِّئَاتِه ِ ْم وَل َ ُأ ْدخِلَنّه ُ ْم ج ََن ّ ٍ
ات َ و َ ُأوذ ُوا فِي سَب ِيل ِي و َقَاتَلُوا و َقُت ِلُوا ل َ ُأ َ
ك ّف ِر َ َ ّ
تفسير قوله تعالى) :لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد( ٢٩.١٢
تفسير قوله تعالى) :لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد(
كف َر ُوا فِي ال ْب ِلادِ{ ]آل عمران [١٩٦:بين تعالى قبح ما أوتي الـكفرة من حظوظ الدنيا ،وكشف عن ك تَق َُل ّبُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ قال تعالى} :لا يَغ َُر َّن ّ َ
كف َر ُوا فِي ال ْب ِلادِ((. ك تَق َُل ّبُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ حقارة شأنها وسوء مغبتها إثر بيان حسن ما أوتي المؤمنون من الثواب ،ثم قال مباشرة)) :لا يَغ َُر َّن ّ َ
إذا كنت تحيا من أجل الجنة ،ومن أجل أن تنال هذا الثواب من تكفير السيئات وتزحزح عن النار ،وتخلد في جنات النعيم ،وقد
صبرت في سبيله على الأذى وهاجرت ،فلا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ،أي :لا تغتر بتصرفهم فيها بالمتاجر والمكاسب ،ولا
Shamela.org ٤٤٦
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق ودرك العاجل ،أو ما هم عليه في البلاد من كل المظاهر التي تغر الناس ،وكذلك افتتانهم بأحوال
الـكفار ،خاصة أن هذه الأحوال التي تفتنهم إنما هي في الدنيا ،والـكفار الذين فتن بهم هؤلاء ليسوا أفضل منا في الدين قطعاً ،لـكن
قد يكونون أفضل منا في الدنيا ،وكذلك في بعض الأمور التي يفخر بها هؤلاء المفتونون بهم ،ولـكن حالهم في الدين أن ما بينهم وبين
ل ث َُم ّ
كف َر ُوا فِي ال ْب ِلادِ(( لأن ما لديهم ))م َتَاعٌ قَلِي ٌ ك تَق َُل ّبُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ الل ّٰه خراب ،فلا خير فيهم؛ فلذلك لا يغرنك هذه المظاهر)) :لا يَغ َُر َّن ّ َ
جه َ َن ّم ُ(( كما قال بعض السلف) :لا خير في نعيم بعده النار ،ولا شر في بلاء بعده الجنة ،وكل نعيم دون الجنة حقير ،وكل
م َأْ و َاه ُ ْم َ
بلاء دون النار عافية( فهذه مقاييس لأولي الألباب ولأولي العقول.
تفسير قوله تعالى) :لـكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات( ٢٩.١٤
تفسير قوله تعالى) :لـكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات(
الل ّه ِ خَيْر ٌ ل ِ َ
لأب ْر َارِ{ ]آل الل ّه ِ وَم َا عِنْد َ َ
ن ف ِيهَا ن ُزُل ًا م ِنْ عِنْدِ َ
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ خ َالِد ِي َ
تجْرِي م ِنْ َ ن َات ّقَو ْا ر َ َ ّبه ُ ْم لَه ُ ْم ج ََن ّ ٌ
ات َ ن ال َ ّذ ِي َ
ك ِ
قال تعالى} :لـ َ ِ
عمران.[١٩٨:
النزل :هو ما يهيأ للضيف من منزل وما يقدم له من إكرام.
الل ّه ِ خَيْر ٌ ل ِ َ
لأب ْر َارِ(( يعني :مما يتقلب به الفجار من المتاع القليل الزائل ،فخـير ٌ للأبرار أن يشعروا بأن أعمال البر هي التي جلبت ))وَم َا عِنْد َ َ
لهم هذا الخـير.
ورد في البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه عنه قال) :جئت رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فإذا هو في مشربة له -أي :مكان
عال -متكئ على حصير ،وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ،وعند رجليه قرظ ،وعند رأسه أهب معلقة ،فرأيت أثر الحصير في
جنبه ،فبكيت ،فقال :ما يبكيك؟ قلت :يا رسول الل ّٰه! إن كسرى وقيصر فيما هم فيه ،وأنت رسول الل ّٰه! فقال :أما ترضى أن تكون
لهم الدنيا ولنا الآخرة؟(.
وعن عبد الل ّٰه بن مسعود رضي الل ّٰه عنه قال) :ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها ،لئن كان براً ،لقد قال الل ّٰه تعالى)) :وَم َا
الل ّه ِ خَيْر ٌ ل ِ َ
لأب ْر َارِ((. عِنْد َ َ
أي :إن كان من الأبرار وانتقل إلى الدار الآخرة ،فما عند الل ّٰه خير وأفضل للأبرار من الدنيا ،ولـكن إن كان كافرا ً أو فاجرا ً فكيف
يكون الموت خيرا ً له؟! إنه إذا كان مصرا ً على كفره فكلما امتد أجله زادت جرائمه ،وبالتالي زاد استحقاقه للعذاب؛ ولذلك قرأ ابن
كف َر ُوا أَ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم خَيْر ٌ ل ِأَ نْفُسِه ِ ْم ِإ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم لِيَزْد َاد ُوا ِإثْمًا و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
َاب مُهِينٌ{ يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن َ مسعود رضي الل ّٰه عنه قوله تعالى}) :و َلا َ
]آل عمران.([١٧٨:
Shamela.org ٤٤٧
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
وعن أبي الدرداء رضي الل ّٰه عنه قال) :ما من مؤمن إلا والموت خير ٌ له ،وما من كافر إلا والموت خير له ،ومن لم يصدقني فإن الل ّٰه
كف َر ُوا أَ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم خَيْر ٌ ل ِأَ نْفُسِه ِ ْم ِإ َن ّمَا نُمْل ِي لَه ُ ْم لِيَزْد َاد ُوا ِإثْمًا و َلَه ُ ْم عَذ ٌ
َاب يحْسَب َ ّن ال َ ّذ ِي َ
ن َ الل ّه ِ خَيْر ٌ ل ِ َ
لأب ْر َارِ{ ،و يقول} :و َلا َ يقول} :وَم َا عِنْد َ َ
مُهِينٌ{ ]آل عمران([١٧٨:
تفسير قوله تعالى) :وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالل ّٰه( ٢٩.١٥
تفسير قوله تعالى) :وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالل ّٰه(
الل ّه ِ ثَمَنًا قَلِيل ًا ُأوْلَئ ِ َ
ك لَه ُ ْم ل ِإلَيْه ِ ْم خ َاشِع ِينَ ل َِل ّه ِ لا يَشْت َر ُونَ ب ِآي ِ
َات َ ن ب َِالل ّه ِ وَم َا ُأنْز ِ َ
ل ِإلَيْك ُ ْم وَم َا ُأنْز ِ َ اب لَم َنْ يُؤْم ِ ُ
ل الْكِت َ ِ قال تعالى} :و َِإ َ ّ
ن م ِنْ أَ ه ْ ِ
َاب{ ]آل عمران.[١٩٩:
الل ّه َ سَر ِي ُع الْحِس ِ
ن َ جر ُه ُ ْم عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم ِإ َ ّ
أَ ْ
هذه جملة مستأنفة لبيان أن أهل الكتاب ليس كلهم كمن حكيت من قتل الأنبياء ،ومن نبذ الميثاق وتحر يف الكتاب وغير ذلك:
اب(( يعني :بعض أهل الكتاب ليسوا بنفس الصفة التي سبق ذكرها ،بل منهم طائفة يؤمنون بالل ّٰه حق الإيمان،
ل الْكِت َ ِ ))و َِإ َ ّ
ن م ِنْ أَ ه ْ ِ
و يؤمنون بما أنزل على النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،مع ما هم مؤمنون به من الـكتب المتقدمة وهم خاشعون لل ّٰه أي :مطيعون له ،خاضعون
متذللون بين يديه.
))لا يشترون بآيات الل ّٰه ثمنا ًقليلاً(( أي :لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد صلى الل ّٰه عليه وسلم ،وذكر صفته ونعته ومبعثه وصفة
أمته ،وهؤلاء هم خيرة أهل الكتاب وصفوتهم ،سواء كانوا هودا ً أو نصارى.
لا يكون الإنسان في خير إلا إذا أسلم ،لا يتصور أن القرآن يمدح أناسا ًلا يستحقون ،كما يفعل بعض المنافقين الذين يأتون بأمثال هذه
الآيات لمداهنة الـكفار فيقولون :القرآن يمدحهم بكذا ،وهذا يصور أن القرآن فيه تناقض ،إذ كيف تصفهم آيات بالـكفر ثم تمدحهم؟!
نقول :إن الذين يمدحهم القرآن هم الذين آمنوا منهم بنبيهم حين كان مبعوثا ًإليهم ،أو آمنوا بالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ممن أدركوا بعثته.
وبعد بعثة رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم سدت جميع الطرق المؤدية إلى الجنة ،ما عدا طر يقا ًواحدا ً على رأسه رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه
وسلم ،فلا يمكن أن يدخل أحد الجنة إلا إذا اتبع طر يقه وأسلم لل ّٰه سبحانه وتعالى ،يقول تعالى} :ال َ ّذ ِي َ
ن آتَي ْنَاهُم ُ الْكِتَابَ م ِنْ قَبْلِه ِ ه ُ ْم بِه ِ
جر َه ُ ْم م َ َّرتَيْنِ بِمَا صَب َر ُوا{ ]القصص٥٢: يُؤْم ِن ُونَ * و َِإذ َا يُت ْلَى عَلَيْه ِ ْم قَالُوا آم ََن ّا بِه ِ ِإ َن ّه ُ الْح َُقّ م ِنْ ر َب ّنَِا ِإ َن ّا ك َُن ّا م ِنْ قَبْلِه ِ مُسْل ِمِينَ * ُأوْلَئ ِ َ
ك يُؤ ْتَوْنَ أَ ْ
،[٥٤ -وقال تعالى} :وَم ِنْ قَو ْ ِم م ُوس َى ُأ َمّة ٌ يَهْد ُونَ ب ِالْحَقّ ِ و َبِه ِ يَعْدِلُونَ{ ]الأعراف ،[١٥٩:وهذه هي الطائفة الناجية.
ل و َه ُ ْم يَسْجُد ُونَ{ ]آل عمران ،[١١٣:وهذه الصفات الل ّه ِ آن َاء َ
الل ّي ْ ِ اب ُأ َمّة ٌ قَائِم َة ٌ يَت ْلُونَ آي ِ
َات َ ل الْكِت َ ِ
وقال تعالى} :لَيْس ُوا سَوَاء ً م ِنْ أَ ه ْ ِ
َ
توجد في اليهود ولـكن قليلاً ،تجد عدد اليهود الذين يسلمون دائما ًقليلين بالنسبة إلى عدد النصارى ،كما وجد في عبد الل ّٰه بن سلام وأمثاله
ش َ ّد جد َ َ ّ
ن أَ َ ممن آمن من أحبار اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس ،وأما النصارى فكثير منهم يهتدون وينقادون للحق ،كما قال تعالى} :لَت َ ِ
سِيسِينَ وَرُه ْبَان ًا ك ب ِأَ َ ّ
ن مِنْه ُ ْم ق ِ ّ ن قَالُوا ِإ َن ّا نَصَار َى ذَل ِ َ
ن آم َن ُوا ال َ ّذ ِي َ
ن أَ ق ْر َبَه ُ ْم م َو َ َدّة ً ل َِل ّذ ِي َ
جد َ َ ّ ن آم َن ُوا الْيَه ُود َ و َال َ ّذ ِي َ
ن أَ شْرَكُوا و َلَت َ ِ س عَد َاوَة ً ل َِل ّذ ِي َ َ
الن ّا ِ
ن الْحَقّ ِ يَق ُولُونَ ر َ َب ّنَا آم ََن ّا فَاكْ تُب ْنَا م َ َع ن ال َد ّم ِْع م َِم ّا ع َرَف ُوا م ِ َ
ِيض م ِ َل ت َر َى أَ عْيُنَه ُ ْم تَف ُ الر ّسُو ِل ِإلَى َ و َأَ َ ّنه ُ ْم لا يَسْتَكْب ِر ُونَ * و َِإذ َا سَم ِع ُوا م َا ُأنز ِ َ
الل ّه َ
ن َ جر ُه ُ ْم عِنْد َ ر َ ّبِه ِ ْم ِإ َ ّ
ك لَه ُ ْم أَ ْ ك جَز َاء ُ ال ْم ُحْ سِنِينَ{ ]المائدة ،[٨٥ - ٨٢:وهكذا قال هناُ )) :أوْلَئ ِ َ ن ف ِيهَا وَذَل ِ َ تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ خ َالِد ِي َ
م ِنْ َ
َاب((. سَر ِي ُع الْحِس ِ
ومعروف أن جعفر بن أبي طالب لما قرأ سورة مريم بحضرة النجاشي ،وعنده البطارقة والقساوسة بكى وبكوا معه حتى أخضبوا لحاهم،
Shamela.org ٤٤٨
آل عمران ][200 - 186 ٢٩
وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم إلى أصحابه وصلى عليه.
اب لَم َنْ يُؤْمِنُ(( يعني :مسلمة أهل الكتاب الذين يؤمنون بالل ّٰه تبارك وتعالى.
ل الْكِت َ ِ فالمقصود من قوله تبارك وتعالى)) :و َِإ َ ّ
ن م ِنْ أَ ه ْ ِ
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا( ٢٩.١٦
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا(
الل ّه َ لَع َل ّـك ُ ْم تُفْلِحُونَ{ ]آل عمران.[٢٠٠: قال تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا اصْ ب ِر ُوا وَصَاب ِر ُوا وَر َابِط ُوا و ََات ّق ُوا َ
))ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا اصْ ب ِر ُوا(( يعني :اصبروا على مشاق الطاعات ،وما يمسكم من المكاره والشدائد.
))وصابروا(( أي :غالبوا أعداء الل ّٰه بالصبر على شدائد الجهاد ،لا تكونوا أقل منهم صبرا ً وثباتاً.
ذكر المصابرة بعد الصبر مما يدل على شدته وصعوبته.
))وَر َابِط ُوا(( أي :أقيموا على المرابطة والغزو في سبيل الل ّٰه ،وذلك بالترصد والاستعداد لحرب الأعداء ،وكذلك برباط الخيل كما قال
الل ّه ِ و َعَد ُ َ ّوكُمْ{ ]الأنفال.[٦٠:
ل تُرْه ِب ُونَ بِه ِ عَد ُ َ ّو َ
تعالى} :وَم ِنْ رِب َاطِ الْخيَ ْ ِ
والأصل في الربط أو الرباط هو أن يربط كل من الفر يقين خيولهم في الثغور ،وكل معد لصاحبه ،ثم صار لزوم الثغر رباطاً ،مثل
المناطق الساحلية -مثلاً -التي يمكن أن يغزى المسلمون من خلالها ،وربما سميت الخيل نفسها رباطاً.
وقد وردت الأحاديث بالترغيب في الرباط في سبيل الل ّٰه وذكر فضله وأجره ،منها :قول رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :رباط يوم في
سبيل الل ّٰه خير من الدنيا وما عليها( أي :أن يقف في موقعه يحرس الثغر أو بلاد المسلمين.
وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ،وإن مات جرى عليه عمله الذين كان يعمله ،وأجري عليه
رزقه ،وأمن الفتان( ،يعني :أمن فتنة القبر وعذاب القبر ،فأحد أسباب النجاة من فتنة القبر :هو أن يموت مرابطا ًفي سبيل الل ّٰه تبارك
وتعالى.
و يقول صلى الل ّٰه عليه وسلم) :كل ميت يختم على عمله -أي :ينتهي عمله بموته -إلا الذي مات مرابطا ً في سبيل الل ّٰه ،فإنه ينمو له عمله
إلى يوم القيامة ،و يأمن فتنة القبر(.
وقيل أيضاً)) :رابطوا(( يدخل في معناها انتظار الصلاة بعد الصلاة؛ لقول النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ألا أخبركم بما يمحو الل ّٰه به الخطايا
ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره ،وكثرة الخطا إلى المساجد ،وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلـكم الرباط ،فذلـكم الرباط،
فذلـكم الرباط(.
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال) :أقبل عليّ أبو هريرة رضي الل ّٰه عنه يوما ًفقال :أتدري يا ابن أخي فيم نزلت هذه الآية)) :ي َا أَ ُ ّيهَا
ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا اصْ ب ِر ُوا وَصَاب ِر ُوا وَر َابِط ُوا((؟ قلت :لا.
قال :أما إنه لم يكن في زمان النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم غزو يرابطون فيه؛ ولـكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة( يعني :لم يكن هناك ثغور
في حياة النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم حين نزلت هذه الآية ،ولم تكن البلاد قد فتحت ،حتى يرابطوا و يحرسوا هذه الثغور ،ولـكنها نزلت في
قوم كانوا يعمرون المساجد و يصلون الصلاة في مواقيتها ،ثم يذكرون الل ّٰه فيها ،فعليهم أنزلت)) :اصبروا(( أي :على الصلوات الخمس،
الل ّهَ(( فيما عليكم)) ،لَع َل ّـك ُ ْم تُفْلِحُونَ(( أي :تفوزون.
))وصابروا(( أي :أنفسكم وهواكم)) ،ورابطوا(( في مساجدكم ))و ََات ّق ُوا َ
)ولعل( لتغييب المآل ،لئلا يتكلوا على الآمال ،أي حتى لا يقطع لهم بالفلاح فيتكلوا في هذه الحالة على مجرد الآمال.
Shamela.org ٤٤٩
النساء ][4 - 1 ٣٠
مقدمة في فضل سورة النساء ووقت نزولها وسبب تسميتها بالنساء ٣٠.١
مقدمة في فضل سورة النساء ووقت نزولها وسبب تسميتها بالنساء
نشرع بإذن الل ّٰه في تفسير سورة النساء ،وقد روى العوفي عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما قال) :نزلت سورة النساء بالمدينة( ،وكذا
الل ّه َ ي َأْ م ُرُك ُ ْم أَ ْن
ن َ روى ابن مردو يه عن عبد الل ّٰه بن الزبير وزيد بن ثابت ،وقد زعم النحاس أنها مكية ،مستندا ً إلى أن قوله تعالى}ِ :إ َ ّ
تُؤ َ ُدّوا الأَ م َان ِ
َات ِإلَى أَ ه ْلِه َا{ ]النساء ،[٥٨:نزلت بمكة اتفاقا ًفي شأن مفتاح الـكعبة ،وهذا المستند واه ٍ ،يعني :الاستناد إلى أن هذه الآية
نزلت في مكة غير صحيح ،حتى لو صح أن هذه الآية نزلت بمكة؛ لأنه يمكن أن تكون السورة مدنية وتكون فيها آية أو آيتان أو أكثر
نزلت في مكة ،خصوصا ًأن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة فهو مدني ،وما نزل قبل الهجرة فهو مكي ،حتى لو كان هذا الذي نزل بعد
الهجرة في خارج المدينة أو في مكة نفسها كهذه الآية.
فحد المكي والمدني :أن ما نزل بعد الهجرة يكون مدنيا ًبغض النظر عن مكانه ،ومن راجع أسباب نزول آياتها عرف الرد عليه ،حيث
تم فتح مكة في سنة ثمان من الهجرة ،والقصة معروفة وسيأتي عليها الكلام إن شاء الل ّٰه.
Shamela.org ٤٥٠
النساء ][4 - 1 ٣٠
ومما يرد عليه أيضا ًما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الل ّٰه تعالى عنها قالت) :ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عند النبي صلى الل ّٰه
عليه وسلم( ودخول النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم على عائشة رضي الل ّٰه عنها كان بعد الهجرة اتفاقاً ،وقيل :نزلت عند الهجرة.
وآياتها مائة وسبعون وخمس ،وقيل :وسبع ،كذا في الإتقان.
وروى الحاكم عن عبد الل ّٰه بن مسعود رضي الل ّٰه عنه قال) :إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها ،الآية
جر ًا عَظ ِيم ًا{ ]النساء.[٤٠:
ْت م ِنْ لَدُن ْه ُ أَ ْ
حسَن َة ً يُضَاعِ ْفه َا و َيُؤ ِ ل ذ َ َرّة ٍ و َِإ ْن ت َ ُ
ك َ الل ّه َ لا ي َ ْظل ِم ُ مِثْق َا َ
ن َ الأولى}ِ :إ َ ّ
ك ّفِر ْ عَنْك ُ ْم سَي ِّئَاتِك ُ ْم و َن ُ ْدخِل ْـك ُ ْم م ُ ْدخ َل ًا كَر ِيمًا{ ]النساء.[٣١:
تج ْتَن ِب ُوا ك َبَائ ِر َ م َا تُنْهَوْنَ عَن ْه ُ ن ُ َ
الآية الثانية}ِ :إ ْن َ
ك ب َِالل ّه ِ فَقَدِ اف ْتَر َى ِإثْمًا عَظ ِيم ًا{ ]النساء.[٤٨:
ك لم َِنْ يَش َاء ُ وَم َنْ يُشْرِ ْ
الل ّه َ لا يَغْف ِر ُ أَ ْن يُشْرَك َ بِه ِ و َيَغْف ِر ُ م َا د ُونَ ذَل ِ َ
ن َ الثالثة}ِ :إ َ ّ
الل ّه َ ت َو ّاب ًا رَحِيم ًا{
ل لَوَجَد ُوا َ الل ّه َ و َاسْ تَغْف َر َ لَهُم ُ َ
الر ّسُو ُ الرابعة :قوله تبارك وتعالى} :و َلَو ْ أَ َ ّنه ُ ْم ِإ ْذ ظَلَم ُوا أَ نف ُسَه ُ ْم ج َاءُوك َ فَاسْ تَغْف َر ُوا َ
]النساء.([٦٤:
تج ْتَن ِب ُوا ك َبَائ ِر َ م َا تُنْهَوْنَ عَن ْه ُ{ ]النساء[٣١:
وروى عبد الرزاق عنه أيضا ًقال) :خمس آيات من النساء لهن أحب إليّ من الدنيا جميعاً}ِ :إ ْن َ
الل ّه َ لا يَغْف ِر ُ أَ ْن يُشْرَك َ بِه ِ{ ]النساء ،[٤٨:وقوله} :وَم َنْ
ن َ حسَن َة ً يُضَاعِ ْفه َا{ ]النساء ،[٤٠:وقوله}ِ :إ َ ّ
ك َ
إلى آخر الآية ،وقوله} :و َِإ ْن ت َ ُ
الل ّه َ غَف ُور ًا رَحِيم ًا{ ]النساء.([١١٠:
يجِدِ َ يَعْم َلْ سُوءًا أَ ْو ي َ ْظل ِ ِم ن َ ْفسَه ُ ث َُم ّ يَسْتَغْفِرِ َ
الل ّه َ َ
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما قال) :ثمان آيات نزلت في سورة النساء خير ٌ لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس
الل ّه ُ لِيُبَيِّنَ لـَك ُ ْم و َيَهْدِيَك ُ ْم سُنَنَ ال َ ّذ ِي َ
ن م ِنْ قَب ْل ِـك ُ ْم و َيَت ُوبَ عَلَيْك ُ ْم و ََالل ّه ُ عَل ِيم ٌ حَكِيم ٌ{ ]النساء.[٢٦: وغربت ،أولهن} :يُر ِيد ُ َ
ن يَت ّب ِع ُونَ ال َش ّه َو َ ِ
ات أَ ْن تَمِيلُوا مَي ْل ًا عَظ ِيم ًا{ ]النساء.[٢٧: الثانية} :و ََالل ّه ُ يُر ِيد ُ أَ ْن يَت ُوبَ عَلَيْك ُ ْم و َيُر ِيد ُ ال َ ّذ ِي َ
الإنس َانُ ضَع ِيف ًا{ ]النساء ،([٢٨:ثم ذكر قول ابن مسعود سواء ً في الخمسة الباقية.
ق ِالل ّه ُ أَ ْن يُخ َ ّف َِف عَنْك ُ ْم وَخ ُل ِ َ
الثالثة} :يُر ِيد ُ َ
وسميت هذه السورة سورة النساء؛ لأن ما نزل منها في أحكام النساء أكثر مما نزل في غيرها.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة( ٣٠.٢
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة(
جه َا و َب َ َّث مِنْهُم َا رِج َال ًا كَث ِير ًا و َنِس َاء ً و ََات ّق ُوا َ
الل ّه َ ق مِنْهَا ز َ ْو َ
حدَة ٍ وَخ َل َ َ اس َات ّق ُوا ر ََب ّكُم ُ ال َ ّذ ِي خ َلَقَك ُ ْم م ِنْ ن َ ْف ٍ
س و َا ِ يقول الل ّٰه تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الن ّ ُ
الل ّه َ ك َانَ عَلَيْك ُ ْم ر َق ِيبًا{ ]النساء.[١:
ن َ ال َ ّذ ِي تَس َاءَلُونَ بِه ِ و َالأَ ْرح َام َ ِإ َ ّ
Shamela.org ٤٥١
النساء ][4 - 1 ٣٠
كذلك أيضاً :جعله تعالى إيانا صنوانا ً مفرعة من أرومة واحدة ،أي :أن أصلنا واحد وهو آدم عليه السلام ،فمن موجبات هذا أن
نحـترز عن الإخلال بما أمرنا بمراعاته فيما بيننا من حقوق الأخوة ،ومن صلة الأرحام ،فحق هذه الأخوة أن تراعى حقوقها ،وحق
هذه الأرحام أن توصل ،كذلك رعاية حال الأيتام ،والعدل في النكاح ،فهذه كلها من الحقوق التي تستوجبها هذه الرابطة التي تربطنا
بني البشر بعضنا ببعض ،سيما إذا وجدت معها الرابطة الإيمانية ،ولو لم توجد الرابطة الإيمانية ،فمعروف أن للأرحام حرمة ،والعدل
يكون محمودا ً مع كل الناس سواء اليتامى أو الزوجات.
هذا كله مما يتفرع عن ثبوت هذه الرابطة النسبية في عودتنا جميعا ً إلى أصل واحد وهو آدم عليه السلام ،وقد ثبت في صحيح مسلم
من حديث جرير بن عبد الل ّٰه البجلي رضي الل ّٰه عنه) :أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر ،وهم
اس َات ّق ُوا ر ََب ّكُم ُ ال َ ّذ ِي خ َلَقَك ُ ْم مجتابو النمار -أي :من عريهم وفقرهم -قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته} :ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الن ّ ُ
ْس م َا ق َ ّدم ْ
َت ل ِغَدٍ{ ]الحشر ،[١٨:ثم حضهم على الل ّه َ و َل ْتَنْظُر ْ نَف ٌ حدَة ٍ{ حتى ختم الآية ،ثم قال} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا َات ّق ُوا َ س و َا ِ
م ِنْ ن َ ْف ٍ
الصدقة ،فقال :تصدق رجل من ديناره ،من درهمه ،من صاع بره ،من صاع تمره( ،إلى آخر الحديث.
كذلك أيضا ًصح عن ابن مسعود رضي الل ّٰه تعالى عنه في حديث خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم يقولها بين يدي
ق
حدَة ٍ وَخ َل َ َ اس َات ّق ُوا ر ََب ّكُم ُ ال َ ّذ ِي خ َلَقَك ُ ْم م ِنْ ن َ ْف ٍ
س و َا ِ كلامه وخطبه وحاجته ،كان يقرأ ثلاث آيات وهذه الآية منها)) :ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الن ّ ُ
جه َا(( إلى آخر الآية.
مِنْهَا ز َ ْو َ
جه َا(( أي :من نفسها وهي حواء عليها السلام.
ق مِنْهَا ز َ ْو َ
))وَخ َل َ َ
لم يجعل الل ّٰه سبحانه وتعالى الزوجات من خارج أنفسنا؛ لأن ذلك يتنافى مع ما يقتضيه الزواج من السكينة والمودة والرحمة ،كما قال
سك ُ ْم أَ ْزو َاج ًا{ ]الروم [٢١:يعني :من جنس البشر ،فالإنسي لا يتزوج بجنية والجني لا
ق لـَك ُ ْم م ِنْ أَ نف ُ ِ
تبارك وتعالى} :وَم ِنْ آي َاتِه ِ أَ ْن خ َل َ َ
يتزوج بإنسية.
ثم قال تعالى)) :و َب َ َّث مِنْهُم َا(( أي :نشر من تلك النفس وزوجها المخلوقة منها عن طر يق التوالد والتناسل)) :رِج َال ًا كَث ِير ًا و َنِس َاءً((
أي :كثيرة ،هنا ترك التصريح بصيغة الـكثرة في حق النساء للاكتفاء بالوصف المذكور؛ لأنها تفهم من السياق :وبث منهما رجالا ً
كثيرا ً ونساء كثيرة.
Shamela.org ٤٥٢
النساء ][4 - 1 ٣٠
الل ّه َ
تج ْع َلُوا َ
أما من أداه التساؤل باسمه تعالى إلى التساهل في شأنه وجعله عرضة لعدم إجلاله فهذا محظور قطعاً ،كما قال تعالى} :و َلا َ
ع ُرضَة ً ل ِأَ يْمَانِك ُ ْم أَ ْن تَب َُر ّوا و َٺَت ّق ُوا و َتُصْ لِحُوا بَيْنَ َ
الن ّاسِ{ ]البقرة ،[٢٢٤:على أحد التفسيرين. ْ
إذا ً لا ينبغي امتهان اسم الل ّٰه عز وجل بأن تدخله في كل صغيرة وكبيرة وفي الأمور الحقيرة ،أو الأمور التي ليس فيها تعظيم ،بل اجعل
اسم الل ّٰه والحلف باسم الل ّٰه في الأمور العظيمة التي لها شأن.
فهذا هو الذي يحمل عليه الحديث الوارد بلعن من سأل بوجه الل ّٰه )ملعون من سأل بوجه الل ّٰه(.
ومن الأدلة على جواز السؤال بالل ّٰه قوله صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من استعاذ بالل ّٰه فأعيذوه ،ومن سألـكم بالل ّٰه فأعطوه ،ومن دعاكم فأجيبوه،
ومن صنع إليكم معروفا ًفكافئوه ،فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه( والشاهد هنا قوله) :من سألـكم بالل ّٰه
فأعطوه( لذلك فإن المتسولين إذا عرفوا هذا الحكم ظفروا به ،وقد يخشى أن يسيئوا استخدامه ،فإنه إذا سألك السائل بوجه الل ّٰه فيجب
عليك قطعا ًأن تعطيه ،وأن تجيبه تعظيما ًلاسم الل ّٰه تبارك وتعالى) :من سألـكم بالل ّٰه فأعطوه( لا ترده بأي حال من الأحوال.
وعن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما مرفوعاً) :من استعاذ بالل ّٰه فأعيذوه ،ومن سألـكم بوجه الل ّٰه فأعطوه(.
وعن ابن عمر مرفوعا ًوالحديث ضعيف) :من سئل بالل ّٰه فأعطى كتب له سبعون حسنة(.
وفي البخاري عن البراء بن عازب رضي الل ّٰه عنه) :أمرنا رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم بسبع وذكر منها :وإبرار القسم( ،يعني :إذا أقسم
عليك أخوك أن تبرئ قسمه.
وعن جابر رضي الل ّٰه تعالى عنه مرفوعاً) :لا يسأل بوجه الل ّٰه تعالى إلا الجنة( ،المقصود :من سأل بوجه الل ّٰه في غير بر ،أو وصولا ًإلى
مصالح دنيو ية ،أو كان ذلك على غير سبيل التعظيم والإجلال.
Shamela.org ٤٥٣
النساء ][4 - 1 ٣٠
روى الطبراني عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً) :ملعون من سأل بوجه الل ّٰه ،وملعون من سئل بوجه الل ّٰه ثم منع سائله ،ما لم يسأل
هجراً( أي :ما لم يسأل أمرا ً قبيحا ًلا يليق وهذا الحديث فيه كلام.
وفي الحديث أيضاً) :شر الناس رجل سئل بوجه الل ّٰه ولم يعط(.
ك
الل ّه َ ك َانَ عَلَيْك ُ ْم ر َق ِيبًا(( ،أي :مراقبا ً لجميع أحوالـكم وأعمالـكم فهو يراها و يعلمها ،كما قال تعالى} :وَم َا يَعْز ُبُ ع َنْ ر َب ِّ َ
ن َ ))إ َ ّ
قال تعالىِ :
ل شَيْء ٍ شَه ِيدٌ{ ]المجادلة ،[٦:وفي الحديث) :اعبد
سم َاءِ{ ]يونس [٦١:وكما قال تعالى} :و ََالل ّه ُ عَلَى ك ُ ّ ِ
ض و َلا فِي ال َ ّ
ل ذ َ َرّة ٍ فِي الأَ ْر ِ
م ِنْ مِثْق َا ِ
الل ّٰه كأنك تراه ،فإن لم تكن تراه فإنه يراك(.
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه :سورة النساء مدنية وآياتها مائة وخمس أو ست أو سبع وسبعون آية.
اس(( أي :أهل مكة. ))ي َا أَ ُ ّيهَا َ
الن ّ ُ
))ات ّق ُوا ر ََب ّكُم ُ(( أي :عقابه بأن تطيعوه.
َ
حدَة ٍ(( آدم. ))ال َ ّذ ِي خ َلَقَك ُ ْم م ِنْ ن َ ْف ٍ
س و َا ِ
جه َا(( حواء ،بالمد ،خلقها من ضلع من أضلاعه -أي :أضلاع آدم -اليسرى.
ق مِنْهَا ز َ ْو َ
))وَخ َل َ َ
))و َب َ َّث(( أي :فرق ونشر ))مِنْهُم َا(( أي :من آدم ومن حواء.
))رِج َال ًا كَث ِير ًا و َنِس َاءً(( كثيرة.
)واتقوا الل ّٰه الذي ت َ ّساءلون( -بتشديد السين -فيه إدغام التاء في السين ،وفي قراءة بالتخفيف بحذفها أي) :تساءلون(.
)به( أي :فيما بينكم ،حيث يقول بعضكم لبعض :أسألك بالل ّٰه ،وأنشدك بالل ّٰه.
))و َالأَ ْرح َام َ(( )و( :واتقوا )الأرحام( أن تقطعوها ،وفي قراءة بالجر عطفا ًعلى الضمير في )به( وكانوا يتناشدون بالرحم.
الل ّه َ ك َانَ عَلَيْك ُ ْم ر َق ِيبًا(( أي :حافظا ًلأعمالـكم فيجاز يكم بها ،أي :لم يزل متصفا ًبذلك.
ن َ ))إ َ ّ
ِ
الل ّه َ ك َانَ عَلَيْك ُ ْم ر َق ِيبًا(( أي :وما زال عليكم رقيباً.
ن َ ))إ َ ّ
)كان( في مثل هذا الموضع تفيد الاستمرار ،ولا تفيد التعبير عن الماضي ِ
تفسير قوله تعالى) :وآتوا اليتامى أموالهم ولا ٺتبدلوا الخبيث بالطيب( ٣٠.٣
تفسير قوله تعالى) :وآتوا اليتامى أموالهم ولا ٺتبدلوا الخبيث بالطيب(
طي ّ ِِب و َلا ت َأْ ك ُلُوا أَ مْوَالَه ُ ْم ِإلَى أَ مْوَالـِك ُ ْم ِإ َن ّه ُ ك َانَ حُوب ًا كَب ِير ًا{ ]النساء.[٢:
قوله تعالى} :و َآتُوا ال ْيَتَام َى أَ مْوَالَه ُ ْم و َلا ٺَتَب َ ّدلُوا الْخبَِيثَ ب ِال َ ّ
Shamela.org ٤٥٤
النساء ][4 - 1 ٣٠
إن الل ّٰه سبحانه وتعالى كما تلاحظون هنا قرن الكلام في حقوق اليتامى بحقوق النساء ،كما فعل ذلك النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم في قوله:
)إني أحرج عليكم حق الضعيفين :اليتيم ،والمرأة( يعني :أنتم في حرج إن ضيعتم حق هذين الضعيفين.
فالخطاب هنا للأولياء.
Shamela.org ٤٥٥
النساء ][4 - 1 ٣٠
Shamela.org ٤٥٦
النساء ][4 - 1 ٣٠
}أَ َلّا ت ُ ْق ِ
سط ُوا فِي ال ْيَتَام َى{ ]النساء [٣:المقصود باليتامى هنا :يتامى النساء.
قال الزمخشري و يقال للإناث :اليتامى كما يقال للذكور ،وهو جمع يتيمة على القلب ،كما قيل) :أيامى( والأصل )أيائم( ويتائم.
فحصل قلب فصارت يتامى.
ن النِّسَاءِ{ ]النساء [٣:أي :من طبن لنفوسكم من جهة الجمال والحسن والعقل والصلاح منهن. كحُوا م َا طَابَ لـَك ُ ْم م ِ َ
}فَان ِ
))م َا طَابَ لـَكُمْ(( ،عبر هنا بـ )ما( التي هي لغير العاقل؛ لأنه يجوز التعبير بـ )ما( عن العاقل إذا أريد بها الصفة ،تقول :ما زيد؟
يعني :هل هو رجل فاضل؟ هل هو رجل كريم أم بخيل؟ فإذا كان الكلام لبيان الصفة ،فيجوز استعمال )ما( للعاقل كما في قوله:
)فانكحوا ما طاب لـكم( المقصود هنا أن )ما( صفة.
هذه الآية دليل على أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته ،إذ كانت هي سنة النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم؛ حتى تطيب له إذا رآها.
Shamela.org ٤٥٧
النساء ][4 - 1 ٣٠
اليتامى( كان فيها نهي ،فالنفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه.
ولذلك فهذه الآية قد حفت بالمرغبات لهن في غير اليتامى ،حيث وصف النساء عدا اليتامى بقوله) :ما طاب( وهذا كما قلنا :فيه نوع
من الحث والترغيب والاستمالة بعيدا ً عن اليتامى؛ حتى لا تظلمونهن.
اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له ،بمعنى أنه يجوز لمن لم يخف عدم القسط في اليتامى أن ينكح أكثر
من واحدة.
Shamela.org ٤٥٨
النساء ][4 - 1 ٣٠
قال الزمخشري :سوى في السهولة واليسر بين الحرة الواحدة ،وبين الإماء من غير حصر ولا توقيت عدد ،ولعمري إنهن أقل تبعة وأقصر
شغبا ًوأخف مؤنة من المهائر -يعني :من الحرائر ،-لا عليك أكثرت منهن أم أقللت ،عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل ،عزلت عنهن
أم لم تعزل.
ك أَ دْنَى أَ َلّا تَع ُولُوا{ ]النساء [٣:أي :الاقتصار على واحدة ،أو على نكاح الإماء بالتسري) ،أدنى( أي :أقرب )أن لا تعولوا( أي:
}ذَل ِ َ
ذلك أقرب ألا تميلوا ،ولا تجوروا لانتفائه رأسا ًبانتفاء محله في الأول ،يعني :لو كانت حرة واحدة أصالة زال احتمال الجور ،وانتفاء
خطره في الثاني إذا نكحتم الإماء ،في هذه الحالة ينتفي الخطر بخلاف اختلاف العدد في المهائر؛ لأن التعدد في الحرائر فيه الميل
المحظور متوقع لتحقق أمرين :تحقق المحل ،وتحقق الخطر ،لتحقق المحل أم لمجرد التعدد في الحرائر ،يصبح هو نفسه محل لهذه المخالفة
التي هي عدم العدل ،لـكن إذا كانت واحدة فذلك يكون أدنى وأقرب ألا يقع في الجور والظلم والميل عن الحق ،وهذا هو اختيار
ك أَ دْنَى أَ َلّا تَع ُولُوا{ ]النساء.[٣:
أكثر المفسرين }ذَل ِ َ
)تعولوا( من عال يعول إذا جار وعدل عن الحق.
ومن الوجوه المحتملة فيه :كونه مضارعاً ،بمعنى :عال فلانا ًعولا ًوعيالة ً أي :كثر عياله كأعول وأعيل ،وعلى هذا الوجه اقتصر الإمام
المهايمي في تفسيره حيث قال :أي :ذلك أقرب من ألا تكثر عيالـكم ،فيمكن معه القناعة ،بحيث لا يضطر إلى الجور في أموال اليتامى.
تدل هذه الآية على أن من خشي الوقوع فيما لا يجوز ،قبح منه ما دعا إلى ذلك القبيح ،كأن يخشى الإنسان من نفسه أن يقع فيما
لا يجوز فينبغي أن يسد الذرائع ،مثل :أن الإنسان لا يأمن نفسه إذا التقط اللقطة أن يطمع فيها ولا يحفظها لصاحبها ولا يعرفها ،ففي
هذه الحالة يحرم عليه أن يلتقط اللقطة ،كذلك هنا إذا خشي مع تعدد الزوجات أن يقع في الجور والظلم ففي هذه الحالة ينبغي له أن
يكف عن الزواج بأكثر من واحدة ،كذلك لا يجوز لمن عرف أنه يخون الوديعة ولا يحفظها فإنه لا يجوز له قبول الوديعة.
هناك إشكال وإجمال في مسألة الربط بين قوله تبارك وتعالى} :و َآتُوا ال ْيَتَام َى أَ مْوَالَه ُ ْم و َلا ٺَتَب َ ّدلُوا الْخبَ ِيثَ ب ِال َ ّ
طي ّ ِِب و َلا ت َأْ ك ُلُوا أَ مْوَالَه ُ ْم ِإلَى
أَ مْوَالـِك ُ ْم ِإ َن ّه ُ ك َانَ حُوب ًا كَب ِير ًا{.
ن النِّسَاء ِ مَث ْن َى و َثُلاثَ وَر ُب َاعَ ف َِإ ْن ِ
خفْتُم ْ أَ َلّا كحُوا م َا طَابَ لـَك ُ ْم م ِ َ خفْتُم ْ أَ َلّا ت ُ ْق ِ
سط ُوا فِي ال ْيَتَام َى فَان ِ وهذه الآية التي بعدها مباشرة} :و َِإ ْن ِ
ك أَ دْنَى أَ َلّا تَع ُولُوا{ ]النساء.[٣:
َت أَ يْمَانُك ُ ْم ذَل ِ َ
حدَة ً أَ ْو م َا م َلـَك ْ
تَعْدِلُوا ف َوَا ِ
ك أَ دْنَى أَ َلّا تَع ُولُوا(( أي :أدنى ألا تكثر عيالـكم فتفتقروا وتضطروا إلى الجور في مال اليتيم الذي أنتم أوصياء
وهو أن قوله تعالى)) :ذَل ِ َ
عليه ،في هذه الصورة يظهر لنا وجه الربط بين هذه الآية والتي قبلها.
Shamela.org ٤٥٩
النساء ][4 - 1 ٣٠
القول الأول :أن الخطاب للأزواج؛ لأن فيما قبله خطابا ً للأزواج )فانكحوا ما طاب لـكم من النساء( ثم قال تعالى) :و َآتُوا النِّسَاء َ
صد ُقَاتِه َِنّ نِ حْلَة ً( ،فمقتضى السياق أن يكون الخطاب هنا للأزواج.
َ
صد ُقَاتِه َِنّ نِ حْلَة ً( أن الأمر هنا موجه إلى أولياء النساء؛ لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي
والقول الآخر :في قوله) :و َآتُوا النِّسَاء َ َ
النساء من مهورهن شيئاً؛ ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت :هنيئا ًلك الناتجة ،ومعناه :أنك تأخذ مهرها إبلا ًفتضمها إلى إبلك،
فتنتج مالك و يكثر.
وقال ابن الأعرابي :الناتجة :ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته ،فنهى الل ّٰه تعالى عن ذلك ،وأمر بدفع الحق إلى أهله؛ ولذلك
المهر هو من حق المرأة ،ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذن منها ،سواء من وليها أو من أقاربها.
للأسف الشديد يوجد هذا الوضع في بعض البلاد إذا تزوجت المرأة فإنها توزع على العائلة كلها ،على الخال والعم والأب والإخوة،
هذا الوضع للأسف الشديد موجود ،فهنا يأمر الل ّٰه تبارك وتعالى الأولياء ألا يأخذوا أبدا ً من مال المرأة أو مهرها شيئاً ،بل يمكنوها منه
وهي حرة التصرف فيه.
}ف َِإ ْن طِبْنَ لـَك ُ ْم ع َنْ شَيْء ٍ مِن ْه ُ ن َ ْفسًا فَك ُلُوه ُ ه َن ِيئًا مَر ِيئًا{ ]النساء.[٤:
)ف َِإ ْن طِبْنَ لـَك ُ ْم ع َنْ شَيْء ٍ مِن ْه ُ( الهاء هنا تعود على )صدقاتهن( ،أي :فإن أحللن لـكم من المهر شيئا ًبطيبة نفس؛ جلبا ًلمودتكم لا لحياء
عرض لهن منكم أو من غيركم ،ولا لاضطرارهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم ،وسوء معاشرتكم.
Shamela.org ٤٦٠
النساء ][21 - 12 ٣١
ن م َِم ّا ت َرَكْ تُم ْ{ ،إلى آخر الآية }م ِنْ بَعْدِ الر ّب ُ ُع م َِم ّا ت َرَكْ تُم ْ ِإ ْن ل َ ْم يَكُنْ لـَك ُ ْم وَلَد ٌ ف َِإ ْن ك َانَ لـَك ُ ْم وَلَد ٌ فَلَه َُنّ ُ
الثمّ ُ ُ أما النساء فخاطبهن بقوله} :و َلَه َُنّ ُ
وَص َِي ّة ٍ تُوصُونَ بِهَا أَ ْو دَيْنٍ{ فكان الخطاب للنساء بضمير الغائب.
يقول القاسمي :في الآية ما يدل على فضل الرجال على النساء؛ لأنه تعالى حيث ذكر الرجال في هذه الآية ذكرهم على سبيل المخاطبة،
وحيث ذكر النساء ذكرهن على سبيل المغايبة ،وأيضا ً خاطب الل ّٰه الرجال في هذه الآية سبع مرات ،وذكر النساء فيها على سبيل الغيبة
أقل من ذلك ،وهذا يدل على تفضيل الرجال على النساء كما فضلوا عليهن في النصيب.
Shamela.org ٤٦١
النساء ][21 - 12 ٣١
حدٍ مِنْهُم َا ال ُ ّ
سد ُُس ف َِإ ْن ك َانُوا{ ،أي :هؤلاء الإخوة والأخوات من أم }أَ كْ ثَر َ م ِنْ ذَلِكَ{ ،يعني :أكثر من ل و َا ِ خ أَ ْو ُأخْ ٌ
ت فَلِك ُ ّ ِ }وَلَه ُ أَ ٌ
ث{ ،شركاء في الثلث يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم ،وقلنا :إن هذه حالة من الحالات التي يستوي فيها الذكر مع واحد }فَه ُ ْم شُرَك َاء فِي ُ
الث ّل ُ ِ ُ
الأنثى.
والكلالة :من لا ولد له ولا والد ،أي :لا أصل له ولا فرع ،الأصل كالأب ،والفرع كالأبناء ،أو من تكلل نسبه بنسبك كابن العم
وشبهه.
ل إذا لم يخلف ولدا ً ولا والدا ً يرثانه ،وأصل كلمة كلالة أنها
والكلالة في الأصل مصدر ،كل الميت يكل كلا ً وكلالة ،يعني :فهو ك ّ
مصدر ،ثم قد تقع الكلالة على العين دون الحدث فتكون اسما ًللميت الموروث ،وإن كانت في الأصل اسما ًللحدث على حد قولهم} :هَذ َا
الل ّهِ{ ]لقمان ،[١١:وما المقصود من) :هذا خلق الل ّٰه(؟ أي :هذا مخلوق الل ّٰه ،وجاز أن تكون اسما ًللوارث على حد قولهم :رجل
ق َ خ َل ْ ُ
عدل ،أي :عادل ،ورجل كلالة يعني :يرث كلالة ،وماء غور أي :غائر.
فالكلالة هو :الذي لم يخلف ولدا ً ولا والداً.
ل يُور َثُ ك َلالَة ً(( ،ذكر الل ّٰه سبحانه وتعالى الكلالة في موضعين في سورة النساء :أولهما هذه الآية} :و َِإ ْن ك َانَ رَج ُ ٌ
ل ))و َِإ ْن ك َانَ رَج ُ ٌ
ف م َا ت َرَك َ{ ]النساء [١٧٦:إلى آخر الآية ،فجعل الكلالة هنا ْس لَه ُ وَلَد ٌ وَلَه ُ ُأخْ ٌ
ت فَلَه َا ن ِصْ ُ ك لَي َ
الل ّه ُ يُفْت ِيك ُ ْم فِي الْك َلالَة ِ ِإ ْن امْرُؤ ٌ هَل َ َ
ل َ قُ ِ
الأخت للأب والأم ،والأخ للأب والأم.
وعن الشعبي قال :قال أبو بكر رضي الل ّٰه عنه) :إني قد رأيت في الكلالة رأياً ،فإن كان صوابا ً فمن الل ّٰه وحده لا شر يك له ،وإن يك
خطأ فمني ومن الشيطان والل ّٰه بريء منه :أن الكلالة ما خلا الولد والوالد(.
خ أَ ْو ُأخْ ٌ
ت{ ،أن المقصود به الأخ والأخت من الأم ،وهذا باتفاق العلماء) ،وإن واتفق العلماء على أن المراد من قوله تعالى} :وَلَه ُ أَ ٌ
كان رجل يورث كلالة وله أخ( من الأم.
))أَ ْو ُأخْ ٌ
ت(( ،من الأم.
قال القرطبي :أجمع العلماء على أن الإخوة هاهنا هم الإخوة لأم.
قال :ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا؛ لأن هذا المذكور في الآية باتفاق العلماء يخالف
ميراث المذكورين هنا.
يعني :أن الأخ لأم أو الأخت لأم يخالف نصيبهما نصيب الإخوة للأبوين أو الإخوة لأب.
َظ ال ُأنثَيَيْنِ{ ]النساء ،[١٧٦:هم فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله تعالى} :و َِإ ْن ك َانُوا ِإخْ وَة ً رِج َال ًا و َنِس َاء ً فَلل ِ َذ ّكَر ِ مِث ْ ُ
ل ح ِّ
الإخوة لأبوين أو لأب.
Shamela.org ٤٦٢
النساء ][21 - 12 ٣١
الل ّه َ وَرَسُولَه ُ{ ،يعني :في قسمة المواريث وغيرها. }وَم َنْ يُط ِ
ِـع َ
تحْتِهَا الأَ نْهَار ُ{ أي :تجري الأنهار من تحت أشجارها ومساكنها.
تجْرِي م ِنْ َ }ي ُ ْدخِل ْه ُ ج ََن ّ ٍ
ات َ
ن ف ِيهَا{ أي :لا يموتون ولا يخرجون.
}خ َالِد ِي َ
ك الْفَوْز ُ الْعَظ ِيم ُ{ ،أي :النعم الوافرة في الجنة.
}وَذَل ِ َ
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :ولـكم نصف ما ترك أزواجكم وله عذاب مهين( ٣١.٤
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :ولـكم نصف ما ترك أزواجكم وله عذاب مهين(
ف م َا ت َرَك َ أَ ْزو َاجُك ُ ْم ِإ ْن ل َ ْم يَكُنْ لَه َُنّ وَلَد ٌ(( ،منكم أو من غيركم.
أولا ًنعود لكلام السيوطي يقول رحمه الل ّٰه تعالى)) :و َلـَك ُ ْم ن ِصْ ُ
ن م ِنْ بَعْدِ وَص َِي ّة ٍ يُوصِينَ بِهَا أَ ْو دَيْنٍ(( ،وألحق بالولد في ذلك ولد الابن بالإجماع. ))ف َِإ ْن ك َانَ لَه َُنّ وَلَد ٌ فَلـَكُم ُ ُ
الر ّب ُ ُع م َِم ّا ت َرَكْ َ
)ولهن( يعني :الزوجات تعددن أو لا.
))و َلَه َُنّ ُ
الر ّب ُ ُع م َِم ّا ت َرَكْ تُم ْ ِإ ْن ل َ ْم يَكُنْ لـَك ُ ْم وَلَد ٌ ف َِإ ْن ك َانَ لـَك ُ ْم وَلَد ٌ(( ،منهن أو من غيرهن.
ن م َِم ّا ت َرَكْ تُم ْ م ِنْ بَعْدِ وَص َِي ّة ٍ تُوصُونَ بِهَا أَ ْو دَيْنٍ(( ،وولد الابن في ذلك كالولد إجماعاً. ))فَلَه َُنّ ُ
الثمّ ُ ُ
ل يُور َثُ ك َلالَة ً(( )يورث( هذه الجملة في محل رفع صفة لرجل ،والخـبر أي :وخبر كان هو كلمة )كلالة(.
))و َِإ ْن ك َانَ رَج ُ ٌ
)وإن كان رجل يورث كلالة( يعني :إن كان رجل كلالة ،وهذا الرجل صفته أنه يورث.
ولم نقل :إن الجملة حال؛ لأن الرجل نكرة.
)كلالة( مصدر كل ،كل يعني :لا والد له ولا ولد.
)أو امرأة( يعني :تورث كلالة لا ولد لها ولا والد.
Shamela.org ٤٦٣
النساء ][21 - 12 ٣١
)وله( أي :للمورث كلالة سواء كان رجلا ًأو أي شخص يورث كلالة.
)وله أخ أو أخت( أي :من أم وقرأ ابن مسعود وغيره هذه القراءة ،مثل هذه القراءة تسمى :قراءة تفسير ية ،يعني :أن الصحابي
عندما يقرأ الآية يزيد فيها كلمة من عنده لتفسير المعنى ،وليس هذا إضافة للقرآن ،لـكن هذه القراءة تسمى :قراءة تفسير ية ،فكذلك
خ أَ ْو ُأخْ ٌ
ت{ ،من أم. هنا ابن مسعود لما قرأ هذه الآية قرأها قراءة تفسير وبيان لمعناها فقال} :وَلَه ُ أَ ٌ
)فلكل واحد منهما السدس( يعني :مما ترك.
)فإن كانوا( أي :الإخوة والأخوات من الأم )أكثر من ذلك( يعني :أكثر من واحد) ،فهم شركاء في الثلث( وكلمة )شركاء( هنا
بمعنى أنه يستوي في ذلك ذكرهم وأنثاهم ،فهذا من المواضع التي يستوي فيه الذكور والإناث.
))م ِنْ بَعْدِ وَص َِي ّة ٍ يُوص َى بِهَا أَ ْو دَي ْ ٍن غَيْر َ مُضَارٍّ(( ،حال من ضمير يوصى ،أي :غير مدخ ٍ
ل الضرر على الورثة بأن يوصي المورث بأكثر
من الثلث.
والإضرار كما ذكرنا من قبل له صور كثيرة منها :الإضرار في الوصية؛ وذلك بأن يوصي أكثر من الثلث حتى يقلل نصيب الورثة من
ميراثه.
الل ّهِ.
ن َ الل ّهِ(( ،فهذا مصدر مؤكد ليوصيكم ،بمعنى :يوصيكم وَص َِي ّة ً م ِ َ
ن َ قوله)) :وَص َِي ّة ً م ِ َ
))و ََالل ّه ُ عَل ِيم ٌ(( ،أي :بما دبره لخلقه من الفرائض.
))ح َل ِيم ٌ(( ]النساء ،[١٢:أي :بتأخير العقوبة عمن خالفه.
وخصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق.
يعني :هذه موانع الإرث ،فإذا وجد مانع منها فإن السنة هنا تخصص عموم القرآن ،بمعنى :أن الولد يرث أباه ،أو أي شخص يرث من
مورثه ،فإذا اختلفا في الدين فإنه يمنع من الإرث.
كذلك شخص قتل مورثه ليتعجل وراثته ،فهذا يعاقب بنقيض قصده؛ لأن القاعدة تقول :من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
فكذلك إذا قام الوارث وقتل مورثه؛ ليتعجل ميراثه فالشرع هنا يعاقبه بالحرمان من الإرث منه ،وهذا من حكمة الشارع؛ لأن هذا
يسد باب اتخاذ ذلك القتل ذر يعة للحصول على هذا الميراث؛ لأنه إذا علم أنه سيحرم لن يعمد إلى إراقة دمه ،فإذا ً السنة خصت توريث
من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل ،أو اختلاف دين؛ لأنه )لا يتوارث أهل ملتين شتى( كما قال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،أو رق
فلا يرث من فيه مانع من موانع الميراث الثلاثة هذه ،قال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :لا يرث المسلم الكافر ،ولا يرث الكافر المسلم( ،وهذا
متفق عليه.
)تلك حدود الل ّٰه( أي :تلك الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده حدود الل ّٰه وشرائعه التي حدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها.
)ومن يطع الل ّٰه ورسوله( بما حكما به.
)يدخله( أو )ندخله( بالياء والنون التفاتاً.
)جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم(.
)ومن يعص الل ّٰه ورسوله ويتعد حدوده يدخله( أو ندخله )نارا ً خالدا ً فيها وله عذاب مهين( يعني :له فيها عذاب مهين ذو إهانة ،وروعي
في الضمائر في الآيتين لفظ )من( ،وروعي في )خالدين( معناها.
Shamela.org ٤٦٤
النساء ][21 - 12 ٣١
حقيقة السبيل في قوله :أو يجعل الل ّٰه لهن سبيلا ٣١.٥.٢
Shamela.org ٤٦٥
النساء ][21 - 12 ٣١
حكم من أتى الفاحشة من الرجال أول الإسلام قبل الجلد والرجم ٣١.٦.١
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :واللاتي يأتين الفاحشة إن الل ّٰه كان توابا رحيما( ٣١.٧
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :واللاتي يأتين الفاحشة إن الل ّٰه كان توابا ًرحيماً(
يقول السيوطي في الآيات السابقة )واللاتي يأتين الفاحشة( أي :الزنا.
)من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم( أي :من رجالـكم المسلمين.
)فإن شهدوا( عليهن بها.
)فأمسكوهن( احبسوهن.
)في البيوت( وامنعوهن من مخالطة الناس.
)حتى يتوفاهن الموت( أي :ملائكة الموت.
)أو( بمعنى :إلى أن.
Shamela.org ٤٦٦
النساء ][21 - 12 ٣١
)يجعل الل ّٰه لهن سبيلاً( طر يقا ً إلى الخروج منها ،أمروا بذلك أول الإسلام ثم جعل لهم سبيلا ً بجلد البكر مائة وتغريبها عاماً ،ورجم
المحصنة ،وفي الحديث لما بين الحد قال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :خذوا عني خذوا عني قد جعل الل ّٰه لهن سبيلاً ،الثيب ترجم ،والبكر
تجلد( ،وهذا رواه مسلم.
)واللذان( بتخفيف النون وتشديدها.
)يأتيانها( أي :الفاحشة من الزنا أو اللواط.
)منكم( أي :من الرجال.
)فآذوهما( بالسب والضرب بالنعال.
)فإن تابا( أي :منها.
)وأصلحا( أي :العمل.
)فأعرضوا عنهما( ولا تؤذوهما.
)إن الل ّٰه كان تواباً( على من تاب.
الل ّه ِ ل َِل ّذ ِي َ
ن يَعْم َلُونَ هذا أمر مهم جداً ،انظر إلى دقة التفسير ،توابا ً على من تاب ،وإنما ُأخذ هذا من الآية التي بعدها}ِ :إ َن ّمَا َ
الت ّو ْبَة ُ عَلَى َ
ال ُ ّ
سوء َ بِ جَه َالَة ٍ ث َُم ّ يَت ُوبُونَ م ِنْ قَر ٍ
ِيب{ ]النساء ،[١٧:فالتوبة على من تاب وقال :يا ألله! تاب الل ّٰه عليه.
)رحيماً( به ،وهذا منسوخ بالحد إن أريد به الزنا ،وكذا إن أريد به اللواط عند الشافعي.
تفسير قوله تعالى) :إنما التوبة على الل ّٰه للذين يعملون السوء بجهالة( ٣١.٨
تفسير قوله تعالى) :إنما التوبة على الل ّٰه للذين يعملون السوء بجهالة(
الل ّه ُ عَلِيم ًا حَكِيم ًا{
الل ّه ُ عَلَيْه ِ ْم وَك َانَ َ ِيب ف َُأوْلَئ ِ َ
ك يَت ُوبُ َ الل ّه ِ ل َِل ّذ ِي َ
ن يَعْم َلُونَ ال ُ ّ
سوء َ بِ جَه َالَة ٍ ث َُم ّ يَت ُوبُونَ م ِنْ قَر ٍ يقول تبارك وتعالى ِ}إ َن ّمَا َ
الت ّو ْبَة ُ عَلَى َ
]النساء.[١٧:
Shamela.org ٤٦٧
النساء ][21 - 12 ٣١
قوله) :إنما التوبة على الل ّٰه( متعلق بما تعلق به الخـبر من الاستقرار ،ومعنى كون التوبة عليه سبحانه في قوله) :إنما التوبة على الل ّٰه( أي:
إنما التوبة التي يقبلها الل ّٰه.
كلمة) :على( للدلالة على التحقق لحكم سبق الوعد ،حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه وتعالى.
Shamela.org ٤٦٨
النساء ][21 - 12 ٣١
Shamela.org ٤٦٩
النساء ][21 - 12 ٣١
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :إنما التوبة على الل ّٰه أعتدنا لهم عذابا أليما( ٣١.١٠
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :إنما التوبة على الل ّٰه أعتدنا لهم عذابا ًأليماً(
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :قوله) :إنما التوبة على الل ّٰه( أي :كتب على نفسه قبولها بفضله.
)للذين يعملون السوء( أي :المعصية.
)بجهالة( يعني :حال كونهم جاهلين إذا عصوا ربهم.
)ثم يتوبون من قريب( أي :من زمن قريب قبل أن يغرغروا.
هنا السيوطي نحا منحى عامة المفسرين في تفسير ثم يتوبون من قريب وقد ذكرنا ما فيه.
)فأولئك يتوب الل ّٰه عليهم( يعني :يقبل توبتهم.
)وكان الل ّٰه عليماً( أي :بخلقه.
)حكيماً( في صنعه بهم.
)وليست التوبة للذين يعملون السيئات( يعني :الذنوب.
)حتى إذا حضر أحدهم الموت( يعني :أخذ في النزع.
)قال( عند مشاهدة ما هو فيه.
)إني تبت الآن( فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه.
)ولا الذين يموتون وهم كفار( إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا تقبل منهم.
)أولئك أعتدنا( أي :أعددنا.
)لهم عذابا ًأليماً( أي :مؤلماً.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا يحل لـكم أن ترثوا النساء كرها( ٣١.١١
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا يحل لـكم أن ترثوا النساء كرهاً(
يح ِ ُ ّ
ل لـَك ُ ْم أَ ْن تَر ِثُوا النِّسَاء َ كَر ْه ًا{ ]النساء ،[١٩:نهي شرع تبارك وتعالى في بيان جملة أخرى من أحكام النساء }ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا َ
عما كان يفعله أهل الجاهلية بالنساء من الإيذاء والظلم.
Shamela.org ٤٧٠
النساء ][21 - 12 ٣١
يح ِ ُ ّ
ل لـَك ُ ْم أَ ْن تَر ِثُوا النِّسَاء َ كَر ْه ًا(() ،كرهاً( بفتح الكاف وضمها ك َرها ًأو ك ُرها ،قراءتان ،والمقصود هنا لا يحل لـكم قوله تعالى)) :لا َ
أن ترثوا النساء حال كونهن كارهات لذلك ،أو مكرهات على ذلك ،والتقييد بالـكره لا يدل على الجواز عند عدمه ،يعني :التقييد بالـكره
لا يدل أنها عند حالة الرضا يكون ذلك جائزاً؛ لأن تخصيص الشيء للذكر لا يدل على نفي ما عداه ،بل يجري هذا مجرى الغالب،
و يخرج مخرج الغالب كما في قوله تعالى} :و َلا تَقْتُلُوا أَ وْلاد َك ُ ْم َ
خشْي َة َ ِإمْلاقٍ{ ]الإسراء ،[٣١:فالتقييد بخشية الإملاق هنا لا يدل على
جواز قتل الأولاد عند عدم الإملاق.
سبب نزول قوله تعالى) :لا يحل لـكم أن ترثوا النساء( ٣١.١١.٢
Shamela.org ٤٧١
النساء ][21 - 12 ٣١
Shamela.org ٤٧٢
النساء ][21 - 12 ٣١
العوج( ،أو كما قال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم.
فالمؤمن يزن الأمور بهذه الطر يقة بحيث يعلم أن العوج الذي في المرأة ليس من تكلفها ،بل قسم كبير جدا ً منه يكون فطر يا ً جبلت
عليه ،فينبغي الصبر عليها ،وعلى العموم في ضوء هذا الكلام ينبغي أن لا يغضب النساء من هذا؛ لأن هذا فيه عذر لهن ،وتخفيف من
وقوع الحرج عليهن ،على أي الأحوال هذا هو الفرق بين الرجل والمرأة في البغض.
الل ّه ُ ف ِيه ِ خَيْر ًا كَث ِير ًا{ ،كان يمكن في غير القرآن الـكريم
ل َ يجْع َ َ ذكر الفعل الأول قال تعالى} :ف َِإ ْن كَرِه ْتُم ُوه َُنّ فَع َس َى أَ ْن تَك ْر َه ُوا َ
شي ْئًا و َ َ
الاستغناء عن هذا الفعل كأن يقال :فإن كرهتموهن فعسى أن يكون فيهن خير كثير ،وحصر عليه هذا الحكم في الفعل الثاني الذي هو
الل ّه ُ ف ِيه ِ خَيْر ًا كَث ِير ًا(( ،لماذا؟ للتوصل إلى تعميم مفعوله ،فكرر فعلين ،يعني :إذا قال :فإن كرهتموهن
ل َ يجْع َ َ
شي ْئًا و َ َ
))فَع َس َى أَ ْن تَك ْر َه ُوا َ
فعسى أن يجعل الل ّٰه فيهن خيرا ً كثيراً.
فتكون هنا الـكراهة ٺتعلق بالمرأة فقط التي يبغضها ،لـكن كرر الفعل فقال)) :ف َِإ ْن كَرِه ْتُم ُوه َُنّ (( ،ثم قال)) :ف َع َس َى أَ ْن تَك ْر َه ُوا َ
شي ْئًا((،
يدل على عموم هذه القاعدة :أن الأمر ليس فقط مختصا ًبكراهية الزوجات ،ولـكن المقصود به في عامة أحوالك وفي كل شئونك ،هذه
سنة من الل ّٰه سبحانه وتعالى )فعسى أن تكرهوا شيئا ًو يجعل الل ّٰه فيه خيرا ً كثيراً( ،كما نلاحظ عامة الناس يستدلون بها في كل مناسبة
ولا يحصرونها في شأن النساء.
يقول أبو السعود :ذكر الفعل الأول مع الاستغناء عنه وحصر العلية في الثاني للتوصل إلى تعميم مفعوله؛ ليفيد أن ترتيب الخـير الـكثير
من الل ّٰه تعالى ليس مخصوصا ًبمكروه دون مكروه ،بل هو سنة إلهية جار ية على الإطلاق حسب اقتضاء الحكمة ،وإنما نحن في جزء من
جزئياتها الذي هو أمر النساء ،وفيه من المبالغة في الحمل على ترك المفارقة وتعميم الإرشاد ما لا يخفى ،يعني :لو لم يكرر الفعل لم تأت
شي ْئًا(( ،فصارت فيها عموم لكل الأحوال.
كلمة) :شيئاً()) ،فَع َس َى أَ ْن تَك ْر َه ُوا َ
في الحقيقة يذكر هنا تنبيها ً جليلا ً في الوصية بالنساء والإحسان إليهن ،نحاول أن نقتصر منه على ما نستطيع يقول :كفى في هذا الباب
هذه الآية الجليلة الجامعة وهي قوله تعالى} :و َعَاشِر ُوه َُنّ ب ِال ْمَعْر ِ
ُوف{.
قال ابن كثير :أي :طيبوا أقوالـكم لهن ،وحسنوا أفعالـكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ،كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله ،يعني :من
صور المعروف هنا طيب الأقوال والألفاظ ،وحسن الأفعال ،والتزين بأن يلبس ما تستحسنه بحسب القدرة ،فإن هذا من المعاشرة
بالمعروف.
ل عَلَيْه َِنّ دَرَج َة ٌ{ ]البقرة ،[٢٢٨:وهي درجة القوامة ،وقال صلى الل ّٰه ل ال َ ّذ ِي عَلَيْه َِنّ ب ِال ْمَعْر ِ
ُوف وَلِلرِ ّج َا ِ يقول تبارك وتعالى} :و َلَه َُنّ مِث ْ ُ
عليه وسلم) :خيركم خيركم لأهله ،وأنا خيركم لأهلي(.
وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم في حجة الوداع) :ألا واستوصوا بالنساء خيراً ،فإنما هن عوان عندكم -عوان يعني :أسيرات -ليس تملـكون
منهن شيئا ًغير ذلك ،إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ،فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع ،واضربوهن ضربا ًغير مبرح ،فإن أطعنكم فلا تبغوا
عليهن سبيلاً( ،بعض الناس يفهمون هذا الأمر فهما ًخاطئاً ،و يطبقونه تطبيقا ًخاطئاً ،و يجهلون أن ضرب النساء مكروه ،وهو إنما يباح
بشروطه وضوابطه.
Shamela.org ٤٧٣
النساء ][21 - 12 ٣١
ثم قال الغزالي رحمه الل ّٰه تعالى :واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها ،بل احتمال الأذى منها ،يعني :أن تحتمل الأذى
الذي يصدر منها ،والحلم عند طيشها وغضبها ،اقتداء برسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فقد كانت أزواجه يراجعنه الكلام وتهجره الواحدة
منهن يوما ًإلى الليل.
وراجعت امرأة عمر عمر رضي الل ّٰه تعالى عنه فقال) :أتراجعيني؟! فقالت :إن أزواج رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يراجعنه وهو خير
منك(.
وكان رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يقول لـ عائشة )إني لأعلم إذا كنت عني راضية ،وإذا كنت علي غضبى ،قالت :فقلت :من أين
تعرف ذلك؟ فقال :أما أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين :لا ورب محمد ،وإذا كنت غضبى قلت :لا ورب إبراهيم ،قالت :قلت:
أجل والل ّٰه يا رسول الل ّٰه! ما أهجر إلا اسمك( ،صلى الل ّٰه عليه وسلم.
ثم قال الغزالي رحمه الل ّٰه تعالى :الأدب الثالث :أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة ،فهي التي تطيب قلوب النساء،
وقد كان رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يمزح معهن ،و ينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال ،حتى روي) :أنه صلى الل ّٰه عليه وسلم
كان يسابق عائشة في العدو ،فسبقته يوماً ،وسبقها في بعض الأيام ،فقال صلى الل ّٰه عليه وسلم :هذه بتلك(.
وقالت عائشة رضي الل ّٰه عنها) :سمعت أصوات أناس من الحبشة وهم يلعبون في يوم عيد ،فقال لي رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم:
أتحبين أن تري لعبهم؟! قالت :قلت :نعم فأرسل إليهم فجاءوا ،وقام رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب
ووضعت رأسي على منكبه ،وجعلوا يلعبون وأنا أنظر ،وجعل رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يقول :حسبك؟ وأقول :لا ،لا تعجل
مرتين أو ثلاثاً ،ثم قال :يا عائشة حسبك؟ فقلت :نعم(.
وفي رواية للبخاري قالت) :رأيت النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ،حتى أكون أنا
الذي أسأم ،فاقدروا قدر الجار ية الحديثة السن الحر يصة على اللهو(.
وفي بعض الروايات بينت أنها ما كانت تقصد فقط أن ترى لعب الحبشة ،لـكنها أرادت أن تنظر النساء وتعلم الأخر يات قدرها عند
رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم.
وقال عمر رضي الل ّٰه عنه) :ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي ،فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلاً(.
وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم لـ جابر) :هلا بكرا ً تلاعبها وتلاعبك( ،وهذا رواه الشيخان.
ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت :والل ّٰه لقد كان ضحوكا ًإذا ولج ،سكوتا ًإذا خرج ،آكلا ًما وجد ،غير سائل عما فقد.
تفسير قوله تعالى) :وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج( ٣١.١٢
تفسير قوله تعالى) :وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج(
لقد نهى تبارك وتعالى عن أخذ شيء من صداق النساء ممن أراد فراقهن ،نهى الذي يريد فراق امرأة أن يأخذ منها شيئا ًمن صداقها،
ْج و َآتَي ْتُم ْ ِإحْد َاه َُنّ ق ِنطَار ًا فَلا ت َأْ خُذ ُوا مِن ْه ُ َ
شي ْئًا أَ ت َأْ خُذ ُونَه ُ بُه ْتَان ًا و َِإثْمًا م ُب ِينًا{ ]النساء.[٢٠: ْج مَك َانَ زَو ٍ
ل زَو ٍ
قال تعالى} :و َِإ ْن أَ ر َ ْدت ُم ُاسْ تِبْد َا َ
)وإن أردتم استبدال زوج( أي :إن أردتم تزوج امرأة ترغبون فيها.
)مكان زوج( ترغبون عنها ،بأن تطلق زوجتك وتتزوج أخرى مكانها.
وكلمة) :زوج( هنا المقصود بها الزوجات يعني :هي هنا مفرد لـكن المقصود بها الجمع ،ولذلك قال بعدها) :وآتيتم إحداهن قنطاراً(
أي :مالا ًكثيرا ً مهراً.
)فلا تأخذوا منه شيئاً( يعني :لا تأخذوا منه شيئا ًيسيرا ً فضلا ًعن الـكثير ،فإذا نهى عن القليل فهو يشمل بالأولى الـكثير.
Shamela.org ٤٧٤
النساء ][21 - 12 ٣١
تفسير قوله تعالى :وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ٣١.١٣
تفسير قوله تعالى :وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض
ض و َأَ خ َ ْذنَ مِنْك ُ ْم م ِيثَاقًا غَلِيظًا{ ]النساء [٢١:في الآية إنكار لأخذه إثر إنكار
ضك ُ ْم ِإلَى بَعْ ٍ
كي َْف ت َأْ خُذ ُونَه ُ و َق َ ْد أَ ف ْض َى بَعْ ُ
قال تعالى} :و َ َ
على سبيل التعجب ،أي :بأي وجه تستحلون المهر.
)وقد أفضى بعضكم إلى بعض( أي :وصل بعضكم إلى بعض فأخذ عوضه.
)وأخذن منكم ميثاقا ً غليظاً( أي :عهدا ً وثيقا ً مؤكداً ،هذا كله مزيد تأكيد ،يعسر معه نقظه كالثوب الغليظ يعسر و يصعب جدا ً أن
تشقه ،فكذلك هنا الل ّٰه سبحانه وتعالى يشير إلى أن العهد الوثيق الغليظ المؤكد هو الذي أخذه النساء من الرجال.
قال الزمخشري :الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة.
ووصفه بالغلظ؛ لقوته وعظمه ،فقد قالوا :صحبة عشرين يوما ًقرابة ،بمعنى :أنك إذا صحبت قوما ًعشرين يوما ًفقد صارت لهذه الصحبة
حرمة ،ألسنا نسمع العوام يقولون :عيش وملح؟ وهذا الكلام كله في حق شخص سافر مع واحد في قطار ساعات أو أياماً ،فكيف
بما يكون بين الزوجين فهو أعظم حرمة من هذا الذي تعارف الناس على احترامه والوفاء بحقه؟! فقد قالوا :صحبة عشرين يوما ًقرابة،
فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟! وقال الشهاب الخفاجي :قلت :بل قالوا :صحبة يوم نسب قريب ،وذمة يعرفها
اللبيب.
صحبة يوم واحد نسب قريب تجعل لهذا الذي صحبته يوما ًحرمة عندك ،وذمة يعرفها اللبيب ،يعني :حسن العهد من الإيمان.
فهذا المعنى ينبغي أن يحيا وأن يجدد في قلوب الناس ،وإلا فقد صرنا في هذه الأزمان نرى من التنكر للأخوة ولهذه الصحبة ،وصار
منتشرا ً الآن في أخلاق الناس إلا من رحم الل ّٰه تبارك وتعالى ،فالمؤمن يكون حسن العهد يراعي حرمة ما مضى.
والسياق هنا في شأن النساء.
قوله) :وكيف تأخذونه( يعني :كيف بك بين يوم وليلة إذا حصل بينك وبينها نزاع أو تريد أن تطلقها وتتزوج غيرها ،وتقلب لها ظهر
المجن وتنقلب رأسا ًعلى عقب بعدما كان لها هذه الحرمة وهذه الصحبة وهذه الحقوق وهذا العهد الغليظ الذي أخذه الل ّٰه سبحانه وتعالى
عليك؟! ثم بعد ذلك تنقلب إلى شخص لا ينظر إلا نظرة مادية يريد أن يستحوذ على حق هذه المرأة ،وأن يأخذ من مالها الـكثير؟ يقول
ْج و َآتَي ْتُم ْ ِإحْد َاه َُنّ ق ِنطَار ًا(( ،يعني :وكنتم آتيتم إحداهن قنطاراً ،يعني :مالا ً كثيرا ً ومهرا ً
ْج مَك َانَ زَو ٍ
ل زَو ٍ
تعالى)) :و َِإ ْن أَ ر َ ْدت ُم ُ اسْ تِبْد َا َ
)فلا تأخذوا منه شيئاً( هذا هو أول نهي وتنفير )شيئاً( يعني :ولو يسيرا ً فما بالك بالـكثير؟! ثم يقول ثانياً) :أتأخذونه بهتانا ًوإثما ًمبينا(
كي َْف ت َأْ خُذ ُونَه ُ و َق َ ْد أَ ف ْض َى
يعني أتأخذونه آثمين باهتين ظالمين مبطلين؟ ثم مزيد من التعجب والاستغراب لهذا التطرف قوله تعالى)) :و َ َ
ضك ُ ْم ِإلَى بَعْضٍ(( يعني :وأنتم بينكم من الحرمة ما ليس له نظير.
بَعْ ُ
ض و َأَ خ َ ْذنَ مِنْك ُ ْم م ِيثَاقًا غَلِيظًا{ يعني :ما يكون بين الزوجين من علاقة لا يمكن أن توجد بين شخصين آخرين.
ضك ُ ْم ِإلَى بَعْ ٍ
}و َق َ ْد أَ ف ْض َى بَعْ ُ
)وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض( فهذا مما يوجب مزيدا ً من الحرمة.
)وأخذن منكم ميثاقا ً غليظاً( الميثاق الغليظ هو العهد الوثيق المؤكد ،الذي يعسر نقضه كالثوب الغليظ يعسر شقه ،أو هو التأكيد
ُوف أَ ْو تَسْرِيح ٌ ب ِِإحْ سَانٍ{
الذي أتاكم في القرآن الـكريم وفي السنة إثر التأكيد بالإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان }فَإ ْمسَاك ٌ بِمَعْر ٍ
]البقرة ،[٢٢٩:فإن كنت ستمسكها فبمعروف ،وإن كنت ستطلقها فبإحسان.
لا ترتكب الفجور في الخصومة بأن تنقلب إلى إنسان مادي لا يبحث إلا عن المال حتى ولو تعدى حدود الل ّٰه.
Shamela.org ٤٧٥
النساء ][21 - 12 ٣١
وقيل :إن الميثاق الغليظ هو قول الولي عند العقد :أنكحتك على ما في كتاب الل ّٰه من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
Shamela.org ٤٧٦
النساء ][30 - 24 ٣٢
القول الثالث :لا ناسخ ولا منسوخ ،بل إن هذه الآية تحرم أخذ الشيء من مال المرأة بدون طيب نفس منها ،وآية البقرة تبيح أن
تفتدي بأن يأخذ من مهر المرأة أو صداقها ما تطيب بها نفسها فلا تعارض إذا ً بين الآيتين.
َت بِه ِ{ ]البقرة ،[٢٢٩:هذا صريح في أن الل ّه ِ فَلا جُنَا َ
ح عَلَيْهِم َا ف ِيم َا اف ْتَد ْ خفْتُم ْ أَ َلّا يُق ِيم َا حُد ُود َ َ
والل ّٰه تعالى قال في سورة البقرة} :ف َِإ ْن ِ
ق زوجها أو خ َلْق َه ُ أو نقص دينه أو خافت إثما ً بترك حقه أبيح لها أن تفتدي منه ،وحل له أخذ الفدية منها؛
الزوجة إذا كرهت خ ُل ُ َ
الل ّه ِ فَلا جُنَا َ
ح الل ّه ِ ف َِإ ْن ِ
خفْتُم ْ أَ َلّا يُق ِيم َا حُد ُود َ َ شي ْئًا ِإ َلّا أَ ْن يَخَافَا أَ َلّا يُق ِيم َا حُد ُود َ َ يح ِ ُ ّ
ل لـَك ُ ْم أَ ْن ت َأْ خُذ ُوا م َِم ّا آتَي ْتُم ُوه َُنّ َ لقوله تعالى)) :و َلا َ
َت بِه ِ(( ،يجوز في هذه الحالة أن تفتدي وتبرئه.
عَلَيْهِم َا ف ِيم َا اف ْتَد ْ
يح ِ ُ ّ
ل لـَك ُ ْم أَ ْن تَر ِثُوا النِّسَاءَ(( أي :ذاتهن ))كَر ْه ًا(( بالفتح والضم لغتان يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى)) :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا َ
وقراءتان ،كانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم ،فإن شاءوا تزوجوهن بلا صداق أو زوجوهن وأخذوا صداقهن ،أو عضلوهن ،يعني:
منعوهن من الزواج حتى يفتدين بما ورثنه أو يمتن فيرثوهن ،فنهوا عن ذلك.
))و َلا تَعْضُلُوه َُنّ (( يعني :ولا أن تعضلوهن أي :تمنعوا أزواجكم عن نكاح غيركم بإمساكهن ،ولا رغبة لـكم فيهن وإنما تمسكوهن
ضراراً.
ض م َا آتَي ْتُم ُوه َُنّ (( يعني :من المهر.
))لِتَذْه َب ُوا ببَِعْ ِ
))إ َلّا أَ ْن ي َأْ تِينَ بِف َا ِ
حشَة ٍ م ُبَي ِّنَة ٍ(( الفاحشة المبينة :هي الزنا ،أو نشوز فلـكم في هذه الحالة أن تضاروهن حتى يفتدين منكم و يختلعن. ِ
))و َعَاشِر ُوه َُنّ ب ِال ْمَعْر ِ
ُوف(( أي :بالإجمال في القول ،والنفقة ،والمبيت.
))ف َِإ ْن كَرِه ْتُم ُوه َُنّ (( فاصبروا.
الل ّه ُ ف ِيه ِ خَيْر ًا كَث ِير ًا(( ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا ً صالحاً.
ل َ يجْع َ َ
شي ْئًا و َ َ
))فَع َس َى أَ ْن تَك ْر َه ُوا َ
ْج(( أي :أخذ بدلها بأن طلقتموها.
ْج مَك َانَ زَو ٍ
ل زَو ٍ
))و َِإ ْن أَ ر َ ْدت ُم ُ اسْ تِبْد َا َ
))و َآتَي ْتُم ْ ِإحْد َاه َُنّ (( يعني :وقد آتيتم إحداهن أي :الزوجات.
)قنطارا(
Shamela.org ٤٧٧
النساء ][30 - 24 ٣٢
ومعلوم أن الأصل في الفروج هو التحريم ،وليس الإباحة ،ولذلك نعجب كثيرا ً حينما نلاحظ بعض الإخوة يتساءل مثلا ًيقول :هل
أخو الزوج يعتبر أجنبيا ًعلى زوجة أخيه؟ نعم ،يعتبر أخو الزوج أجنبيا ًعلى زوجة أخيه.
كذلك يحرم عليه أن يجمع بين الأختين ،والمرأة وعمتها ،والمرأة وخالتها.
والعبرة في الحكم على امرأة بالمحرمية ،هو أن تحرم عليه على التأبيد ،أما التحريم المؤقت فكل النساء حرام على الرجل إلا زوجته وما
ملـكت يمينه ،كما سيأتي.
فالأصل في الفروج التحريم ،فالمرأة التي تمشي في الشارع هذه محرمة ،وزوجة الجار محرمة ،وهكذا.
ن النِّسَاءِ(( ،يعني :حرمت عليكم أيضا ً المحصنات ،وهي في غير هذا الموضع تقرأ :المحصِ نات أو يقول تعالى هنا)) :و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ
ن النِّسَاءِ(( ،يعني :ذوات الأزواج أو المزوجات،
المحصَنات ،أما في هذا الموضع فباتفاق القراء لا تقرأ إلا بالفتح)) ،و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ
حرائر كن أو إماء ،مسلمات أو غير مسلمات.
الحكمة من هذا التحريم هو حفظ الأنساب ،فإذا لم تراع هذه الحدود فإنه ستختلط الأنساب وتضيع.
ن النِّسَاءِ(( ،يعني :ذوات الأزواج من النساء ،وقد حرم عليكم أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن ،يعني :ما دامت
))و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ
هي في عصمة رجل آخر ،فكي لا يختلط النسب يحرم عليكم أن تتزوجوهن إلا بعد أن يتوفى زوجها أو بعد أن يفارقها بالطلاق.
Shamela.org ٤٧٨
النساء ][30 - 24 ٣٢
معنى قوله) :وأحل لـكم ما وراء ذلـكم( وما يستثنى من ذلك ٣٢.١.٣
قوله تبارك وتعالى)) :و َأَ ْن تَجْم َع ُوا بَيْنَ ال ُأخْ تَيْنِ((.
لـكن على كل حال فقد صح عن النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها ،والمرأة وخالتها ،فلا يجوز للرجل
أن يجمع بين المرأة وبين عمتها ،ولا بين المرأة وبين خالتها ،وقد حكى الترمذي المنع من ذلك عن كافة أهل العلم ،وقال :لا نعلم بينهم
اختلافا ًفي ذلك.
ومن هذا التخصيص لهذا العموم :نكاح المعتدة ،هذه المرأة التي تكون في العدة يحرم نكاحها أثناء العدة.
كذلك أيضاً :القادر على الحرة لا يجوز له أن يتزوج الأمة كما سيأتي إن شاء الل ّٰه ،فالقادر على التزوج من حرة لا يجوز له أن يتزوج
أمة.
من ذلك أيضاً :الرجل الذي عنده أربع زوجات لا يحل له الخامسة وذلك بالإجماع ،فهذا أيضا ً تخصيص لهذا العموم.
من ذلك أيضاً :الملاعنة ،ونوع تحريم الملاعنة مؤبد ،يعني :الرجل إذا لاعن امرأته وحصلت الملاعنة من الطرفين كما في سورة النور،
في هذه الحالة بمجرد وقوع الملاعنة تحرم عليه إلى الأبد.
والدليل على ذلك هو من السنة ،لـكن هل هناك دليل من القرآن الـكريم؟ نعم ،بل جملة من الأدلة من القرآن الـكريم التي تدل على
حجية سنة النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في التشر يع.
Shamela.org ٤٧٩
النساء ][30 - 24 ٣٢
قوله تعالى) :ب ِأَ مْوَالـِكُمْ( يعني :أن تطلبوا ما رواء هؤلاء المحرمات من النساء تزوجهن ببذل الأموال وبصرفها في مهورهن بالصداق.
حكم تعجيل المهر وتأجيله والإسقاط منه قبل فرضه وبعده ٣٢.١.٦
))ف َآتُوه َُنّ ُأجُور َه َُنّ فَرِ يضَة ً(( ،يعني :مهورهن التي فرضتم لهن.
ضة ِ(( ،ولا جناح عليكم فيما تراضيتم أنتم وهن به من بعد الفر يضة ،يعني :من الحط
ضي ْتُم ْ بِه ِ م ِنْ بَعْدِ الْفَرِ ي َ
ح عَلَيْك ُ ْم ف ِيم َا ت َر َا َ
))و َلا جُنَا َ
منه إذا حصل بعدما أثبتم المهر ،حصل أن رجلا ً أعسر أو المرأة أرادت أن تسامحه في المهر كله ،برضا نفس لا بأس ،أو بأن تحط
عنه بعضه فلا بأس ،أو بالز يادة عليه فلا بأس.
لـكن هل يجوز ابتداء ً الاتفاق على إسقاط المهر؟ لا يجوز بحال أن يتم زواج بدون مهر ،لـكن يمكن بعدما يستقر المهر في ذمته أن تحط
عنه كله أو بعضه برضاها.
قد يحصل أن يتزوج بدون أن يحدد مهراً ،وهو جائز ،لـكن يجب عليه المهر بعد العقد ،لـكن هناك فرق بين من يتزوج ولا يحدد المهر،
وبين من يتزوج ويتفق على إسقاط المهر قبل الزواج ،فهذا لا يجوز بحال من الأحوال باتفاق العلماء ،لـكن يمكن أن يتزوج ويبقى
المهر إما مؤجلاً ،أو معجلا ً بعضه ومؤجلا ً بعضه إلى آخره ،فإن فرضتم المهر ورضيت المرأة وطابت عن شيء منه نفسا ً فكلوه هنيئا ً
مريئا ً كما جاء في الآيات الأخرى مثل قوله تعالى} :ف َِإ ْن طِبْنَ لـَك ُ ْم ع َنْ شَيْء ٍ مِن ْه ُ ن َ ْفسًا فَك ُلُوه ُ ه َن ِيئًا مَر ِيئًا{ ]النساء ،[٤:كذلك هو مثل
َاح{ ]البقرة.[٢٣٧: قوله تبارك وتعالى}ِ :إ َلّا أَ ْن يَعْف ُونَ أَ ْو يَعْف ُو َ ال َ ّذ ِي بيَِدِه ِ ع ُ ْقدَة ُ النِّك ِ
الل ّه َ ك َانَ عَلِيم ًا حَكِيم ًا{ ]النساء) ،[٢٤:عليماً( أي :بخلقه) ،حكيماً( أي :فيما دبره لهم. ن َِ}إ َ ّ
ن النِّسَاءِ(( ،قلنا :إنها تقرأ أحيانا ًبالفتح ،وأحيانا ًبالـكسر ،لـكن هنا في هذه الآية بالذات
وقبل أن نتجاوز قوله تعالى)) :و َال ْم ُحْ صَنَاتُ م ِ َ
لا تقرأ إلا بالفتح باتفاق القراء ،فإذا قرئت بالفتح فتكون هذه مشتقة من أحصَن ،ومحصن مشتقة من أحصن ،يعني :من الفعل المبني
للمعلوم يشتق اسم الفاعل ،أحصَن فهو محصن يعني :أحصن نفسه ،أو محصَن فهو أحصن ،يعني :أحصنه غيره.
َ
أحصنّ ،يعني :أحصن فروجهن أو أحصن أزواجهن ،واشتقاق الكلمة من أما القراءة بالـكسر) :و َال ْم ُحْ صْ نَاتُ ( فتكون مشتقة من
الإحصان الذي هو المنع.
Shamela.org ٤٨٠
النساء ][30 - 24 ٣٢
))ف َآتُوه َُنّ ُأجُور َه َُنّ فَرِ يضَة ً(( ،يعني :الأجر الذي يبذله لها.
ضة ِ(( ،يعني :إن انتهى أجل هذا النكاح؛ لأن نكاح المتعة يكون مؤجلاً ،فإذا انتهى
ضي ْتُم ْ بِه ِ م ِنْ بَعْدِ الْفَرِ ي َ
ح عَلَيْك ُ ْم ف ِيم َا ت َر َا َ
))و َلا جُنَا َ
ذلك الأجل فإنها في حل ،وإذا مات هو لا ترثه ،وإذا ماتت هي لا يرثها إلى آخره.
ونكاح المتعة :هو الزواج إلى أجل معلوم بلفظ المتعة كمتعتك ،وروي ذلك عن ابن عباس رضي الل ّٰه تعالى عنهما أنه كان يرى نكاح
المتعة ،ثم نسخت هذه الآية بما روى ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني رضي الل ّٰه تعالى عنه قال) :رأيت رسول الل ّٰه صلى
الل ّٰه عليه وسلم قائما ًبين الركن والباب وهو يقول :يا أيها الناس! إني كنت أذنت لـكم في الاستمتاع -يعني :في نكاح المتعة -ألا وإن الل ّٰه
حرمها إلى يوم القيامة ،فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها -أي :من كان عنده امرأة ممن نكحها نكاح المتعة فليخل سبيلها -ولا
تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً(.
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه تعالى عنه أنه خطب وقال) :ما بال رجال ينكحون هذه المتعة ،وقد نهى رسول الل ّٰه
صلى الل ّٰه عليه وسلم عنها ،لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته(.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيره عن علي بن أبي طالب رضي الل ّٰه تعالى عنه) :أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم نهى
عن متعة النساء يوم خيبر ،وعن أكل لحوم الحمر الأنسية -يعني :الحمير الأهلية.(-
اختلف العلماء في بيان متى تم تحريم نكاح المتعة على أقوال :فمن قائل :يوم خيبر ،استدلالا ً بهذه الرواية المتفق عليها عن علي بن أبي
طالب رضي الل ّٰه عنه.
ومنهم من قال :إنه تم تحريم المتعة في عام فتح مكة.
ومنهم من قال :بل هو عام حنين ،وهذا القول الثالث هو بنفسه الثاني؛ لأن معركة حنين وفتح مكة متصلتان.
القول الرابع :أن نكاح المتعة حرم عام حجة الوادع ،وهو وجه من بعض الرواة ،سافر فيه وهمه من فتح مكة إلى حجة الوادع ،وسفر
الوهم من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة كثيرا ً ما يعرض للحفاظ ،يعني :هذه الحالة تعرف عند علماء
الحديث بسفر الوهم ،وهو أن الراوي يسافر بوهمه و بخياله من موقع إلى موقع ،فيبدل الأسماء أو الأماكن أو الوقائع.
والعلماء لهم طرائف في الترجيح عند هذه الحالات ،ومنها :هذا الذي نحن بصدده ،والصحيح أن المتعة حرمت عام فتح مكة كما في
صحيح مسلم ،ولو كان التحريم زمن خيبر للزم النسخ مرتين ،وهذا لا عهد لمثله في الشر يعة ألبتة ،ولا يقع مثله في هذه الشر يعة.
كما أن خيبر لم يكن فيها مسلمات ،بل كان فيها يهوديات ،ولم تكن قد نزلت آية المائدة التي فيها إباحة نكاح الكتابيات} ،و َال ْم ُحْ صَنَاتُ
ن ُأوتُوا الْكِتَابَ { ]المائدة ،[٥:لأن آية المائدة نزلت في حجة الوداع يوم النحر ،وهي في سياق قوله تعالى} :ال ْيَوْم َ أَ كْ مَل ْتُ لـَك ُ ْم
ن ال َ ّذ ِي َ
مِ َ
الإسْ لام َ دِينًا{ ]المائدة ،[٣:فلو كان التحريم في خيبر فمعنى ذلك أن النسخ حصل مرتين،
دِينَك ُ ْم و َأَ تْمَمْتُ عَلَيْك ُ ْم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لـَكُم ُ ِ
وهذا لا يقع في الشر يعة.
Shamela.org ٤٨١
النساء ][30 - 24 ٣٢
أما ما جاء في رواية علي بن أبي طالب رضي الل ّٰه تعالى عنه) :أنه نهى عن متعة النساء يوم خيبر ،وعن أكل لحوم الحمر الأهلية أو
الأنسية( فهذا الحديث ثبت بلفظين :أحدهما :هذا اللفظ الذي الذي سبق.
وهناك لفظ آخر :وهو الاقتصار على نهي النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عن نكاح المتعة ،وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
يعني :اللفظ الآخر) :أنه نهى عن متعة النساء وعن أكل لحوم الحمر الأنسية يوم خيبر(.
فإذا ً يكون يوم خيبر فيه بيان تحريم أكل لحوم الحمر الأنسية ،وليس فيه بيان تحريم نكاح المتعة.
فإذا ً هذا الجواب على من يستدل بأن تحريم المتعة حصل في خيبر.
والصحيح أنه حصل في فتح مكة ،وهذا الحديث كما ذكرنا ثبت في الصحيحين بهذا اللفظ ،وثبت أيضا ًفي رواية أخرى بالاقتصار على
نهي النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم عن نكاح المتعة ،وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ،فكلمة )يوم خيبر( ليست لبيان تحريم المتعة ،وإنما
لتحريم لحوم الحمر الأهلية ،فتوهم بعض الرواة أن يوم خيبر ربط بين تحريم الاثنين معاً.
ليس هذا فحسب ،بل بعض الرواة اقتصر على رواية الحديث) :حرم رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم المتعة زمن خيبر( ،فقصرها على
هذه المرتبة الثانية من الخطأ الذي وقع ومن الغلط البين.
فإن قيل :فما سر جمع علي بن أبي طالب رضي الل ّٰه عنه في هذا الحديث بين الأمرين؟ يعني :علي جمع في الحديث بين النهي عن متعة
النساء وعن أكل لحوم الحمر الأنسية.
فنقول :سر ذلك أنه كان يناظر ابن عمه عبد الل ّٰه بن عباس رضي الل ّٰه تعالى عنهما؛ لأن ابن عباس كان يبيحهما ،فناظره في المسألتين،
وروى له التحريمين ،وقيد تحريم الحمر بزمن خيبر وأطلق تحريم المتعة ،وقال له) :إنك امرؤ تائه ،إن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم
حرم المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر(.
إذاً :كلمة يوم خيبر جاء في تحريم لحوم الحمر الأهلية وليست في تحريم نكاح المتعة كما قاله سفيان بن عيينة وعليه أكثر الناس.
فروى علي رضي الل ّٰه عنه الأمرين محتجا ًعليه بهما لا مقيدا ً لهما بيوم خيبر.
لـكن هل تحريم نكاح المتعة هو من باب تحريم الفواحش ،أم أنه حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر؟ هي حرمت كتحريم
الفواحش تماماً ،والفواحش لا تباح بحال.
أما القول بأنه حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها فقط في حالة الاضطرار ،فهذا القدر هو الذي نظر فيه عبد الل ّٰه بن عباس رضي الل ّٰه
تعالى عنهما ،فـ ابن عباس لم يبحها بإطلاق كما يزعم الشيعة ،والشيعة إلى الآن يتمادون في موضوع نكاح المتعة كما هو معلوم عنهم ،وهو
من خبائثهم.
إذا ً ابن عباس نظر إلى أنها لم تحرم تحريما ًمطلقا ًكتحريم الفواحش ،والفواحش لا تباح بحال ،وإنما ذهب إلى أنها تحرم عند الاستغناء
عنها وتباح للمضطر ،فهذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال :أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم ،فلما توسع فيها من توسع ولم يقف عند
الضرورة أمسك ابن عباس رضي الل ّٰه تعالى عنهما عن الإفتاء بحلها ورجع عنه ،وكان ابن مسعود يرى مثل قوله ،أو قريبا ًمنه.
وقد روي أن سعيد بن جبير رحمه الل ّٰه تعالى قال لـ ابن عباس رضي عنهما) :أتدري ما صنعت بفتواك -فتواه التي هي إباحة نكاح
المتعة-؟ فقد سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر ،وكان من الشعر الذي قيل :قد قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن
عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس فقال ابن عباس :إنا لل ّٰه وإنا إليه راجعون ما بهذا أفتيت،
ولا أحللت إلا مثلما أحل الل ّٰه الميتة والدم(.
إذا ً معنى هذا الكلام :أن هذا هو القدر الذي اجتهد فيه ابن عباس رضي الل ّٰه تعالى عنهما ،وكما ذكرنا :فالإجماع منعقد على خلاف
ذلك ،يعني :الإجماع على تحريم نكاح المتعة.
Shamela.org ٤٨٢
النساء ][30 - 24 ٣٢
تفسير قوله تعالى) :ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات( ٣٢.٢
تفسير قوله تعالى) :ومن لم يستطع منكم طولا ًأن ينكح المحصنات المؤمنات(
لقد شرع الل ّٰه بعد ذلك في بيان نكاح ما يستباح للضرورة كنكاح المتعة ،يعني :على قول ابن عباس أو على قول من يرى أنه في حالة
الاضطرار يباح للمسلم المتعة ،فكأن الل ّٰه سبحانه وتعالى هنا يبېن لنا ما يستباح للضرورة ،لـكن الفرق بين هذه الضرورة وما يأتي الآن
هو أن الضرورة التي أبيح لأجلها نكاح المتعة كانت ضرورة مؤقتة انقطعت إلى يوم القيامة ،بحيث عاد حراما ً تحريما ًشاملا ًكاملا ًأبدياً.
فيشرع عز وجل هنا في بيان نكاح ما يستباح للضرورة كنكاح المتعة ،لـكنها ضرورة مستمرة لا تنقطع بكثرة الإسلام ،أما الضرورة
التي أبيح لأجلها نكاح المتعة فهي ضرورة مؤقتة انقطعت في ذلك الوقت وانتهت.
ات فمَ ِنْ م َا
ات ال ْمُؤْم ِن َ ِ
ح ال ْم ُحْ صَن َ ِ أما الضرورة التي ستأتي فهذه مستمرة كما في قوله تبارك وتعالى} :وَم َنْ ل َ ْم يَسْتَط ِـعْ مِنْك ُ ْم َطوْل ًا أَ ْن يَن ِ
ك َ
ات و ََالل ّه ُ أَ ع ْلَم ُ ب ِِإ يمَانِكُمْ{ ]النساء.[٢٥:
َت أَ يْمَانُك ُ ْم م ِنْ فَتَيَاتِكُم ُ ال ْمُؤْم ِن َ ِ
م َلـَك ْ
))وَم َنْ ل َ ْم يَسْتَط ِـعْ مِنْك ُ ْم َطوْل ًا(() ،طولاً( يعني :غنى ً.
كحَ(( ،يعني :غنى ً لأن ينكح.
))أَ ْن يَن ِ
)من لم يستطع منكم( من لم يقدر) ،منكم(.
)ومن لم يستطع منكم( الخطاب هنا للأحرار ،أي :ومن لم يستطع منكم أيها الأحرار طولاً ،يعني :لم يقدر أن يحصل غنى ً يمكنه أن
ينكح المحصنات المؤمنات.
Shamela.org ٤٨٣
النساء ][30 - 24 ٣٢
ك و َنِس َاء ِ ال ْمُؤْم ِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْه َِنّ م ِنْ ج َلابِيبِه َِنّ (( ،الإدناء شيء زائد على لبس الجلباب ،يقال :أدن الثوب من
ك و َبَنَات ِ َ
ج َ
))قُلْ ل ِأَ ْزو َا ِ
وجهك ،يعني :غطه به.
هذا كلام العلماء في غير زمان الغربة الذي نحن فيه الآن ،حيث صار كل من هب ودب يتطاول على الدين ،ويسترسل مع الموجة
الشيطانية -التي نحن فيها -حيث صرنا نسمع نوعا ً من الافتراء على الل ّٰه وعلى كتاب الل ّٰه تبارك وتعالى في تفسيره ،فهذه الآية باتفاق
المفسرين في هذا المعنى.
قوله تعالى)) :يُدْنِينَ عَلَيْه َِنّ م ِنْ ج َلابِيبِه َِنّ (( ،يعني :هن في الأصل لابسات الجلباب ،لـكن أمرن بشيء زائد على الجلباب ألا وهو
الإدناء بتغطية الوجه.
ن فَلا يُؤْذَيْنَ(( ،ذلك أدنى أن يعرفن بأنهن حرائر فلا يتعرض لهن المنافقون بالأذية ،ولذلك )كان عمر رضي
ك أَ دْنَى أَ ْن يُعْر َف ْ َ
))ذَل ِ َ
الل ّٰه تعالى عنه إذا رأى أمة متقنعة أو مغطية وجهها كان يعلوها ضربا ً بالدرة و يقول :ٺتشبهين بالحرة يا لـكع( يضربها كي لا تشابه
الحرائر في لبسهن وهيئتهن.
Shamela.org ٤٨٤
النساء ][30 - 24 ٣٢
وكما أن دينكم هو دين الإسلام فبعضكم من بعض في الانتساب لآدم وفي ملة الإسلام ،فلا تستنكفوا من نكاحهن ،فهذا نوع من
التسلية والتعز ية لمن عجز على نكاح الحرة ،واضطر إلى نكاح الأمة.
Shamela.org ٤٨٥
النساء ][30 - 24 ٣٢
Shamela.org ٤٨٦
النساء ][30 - 24 ٣٢
َاب(( ،أي :الحد ،فيجلدن خمسين و يغربن نصف سنة ،هذا على مذهب من يقول بالجمع بين الجلد والتغريب ،كي
ن الْعَذ ِ
قوله)) :م ِ َ
يجمع بين عقوبة البدن وعقوبة القلب؛ لأن الغربة عذاب على القلب ،ولذلك لما قالوا لبعض العلماء :لماذا كان السفر قطعة من العذاب؟
قال :لأن فيه فراق الأحباب ،فهذا عذاب للقلب.
كذلك أيضا ًهناك حكمة أخرى من تشر يع التغريب ،وهي تغيير البيئة التي تذكر العاصي بأصحابه الذين يؤزونه أزاً ،وذكر يات الفساد أو
المعاصي التي كان يرتكبها ،فإذا غيرت البيئة كان ذلك أعون له على فتح صفحة جديدة من حياته ،وهذا الأسلوب تلجأ إليه بعض
الجماعات -مثل جماعة التبليغ -في تربية أفرادها ،فتراهم يعزلون الشخص عن بيئته حتى إنه مهما كان فاسدا ً في بيئته فهم يجعلونه يعيش
معهم في حالة تعبد وذكر وغير ذلك فترة معينة ،بحيث ٺتغير بالفعل صفاته وأخلاقه.
Shamela.org ٤٨٧
النساء ][30 - 24 ٣٢
الافتراق في الحالين قبل الإحصان وبعده في إقامة الحد لا في قدره) ،فإذا أحصن فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب(.
فالكلام هنا متعلق بإقامة الحد وليس بقدر إقامة الحد ،يعني :أنه في حالة الثيب الذي يتولى إقامة الحد هو الإمام ،وهذا أقرب الأقوال
التي تقال في هذه الآية.
)فإذا أحصن( سر هذا القيد الشرطي هو ليس في مقدار الجلد ،لأنه في الحالتين القدر واحد ،لـكن الذي يتولى إقامة الحد قبل
الإحصان هو سيدها ،والذي يتولى إقامة الحد عليها بعد الإحصان هو الإمام ،وهذا أقرب ما يقال كما حققه بعض العلماء.
َاب((،
ن الْعَذ ِ
ات(( ،أي :الحرائر الأبكار إذا زنين)) ،م ِ َ
ف م َا عَلَى ال ْم ُحْ صَن َ ِ ))ف َِإذ َا ُأحْ صِ َنّ ف َِإ ْن أَ تَيْنَ بِف َا ِ
حشَة ٍ(( ،أي :زنا)) ،فَعَلَيْه َِنّ ن ِصْ ُ
أي :الحد ،فيجلدن خمسين ،و يغربن نصف سنة ،و يقاس عليهن العبيد ،ولم يجعل الإحصان شرطا ً لوجوب الحد ،بل لإفادة أنه لا
رجم عليهن أصلاً.
))ذَلِكَ(( ،يعني :إباحة نكاح الإماء المؤمنات عند عدم الطول ،أي :الغنى والقدرة على نكاح الحرائر.
خشِيَ الْع َن َتَ مِنْكُمْ(() ،خشي( أي :خاف) ،العنت( أي :الزنا ،و يفسر بالمشقة في التحفظ من الزنا؛ لأن أصل كلمة
ك لم َِنْ َ
))ذَل ِ َ
)العنت( هي المشقة ،وهي تطلق على الزنا نفسه؛ لأن الفاحشة سبب لهذه المشقة؛ لماذا؟ لأنه إذا وقع فيه فإنه يترتب عليه الحد في
الدنيا أو العقوبة في الآخرة.
)ذلك لمن خشي العنت منكم( يعني :هذه الإباحة لمن خشي العنت منكم أيها الأحرار ،بخلاف من لا يخافه من الأحرار ،فلا يحل له
نكاح الأمة إذا لم ٺتوافر هذه الشروط.
وكذلك من استطاع طول حرة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أمة وهو قول الشافعي.
ات(( ،الإماء الكافرات فلا يحل له نكاح الأمة الكافرة ولو عدم القدرة وخاف العنت ،يعني :لابد
وخرج بقوله)) :م ِنْ فَتَيَاتِكُم ُ ال ْمُؤْم ِن َ ِ
من اجتماع الشروط الثلاثة ،فلو أن رجلا ًكان غير قادر على نكاح الحرائر ،و يخشى العنت ،لـكن الأمة التي تزوجها كافرة فهل يجوز
له ذلك؟ لا ،لابد من اجتماع ثلاثة شروط لا يتم الجواز إلا بجميعها.
Shamela.org ٤٨٨
النساء ][30 - 24 ٣٢
السفر والحضر ،وعلى بيعها للحاضر والبادي ،وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا نزيد عليه؛ ولأن الأمة ممتهنة مبتذلة خراجة
ولاجة ،وذلك كله ذل ومهانة ،والعزة هي اللائقة بالمؤمنين ،كما أن مهر الأمة لمولاها ،فلا تقدر الأمة على التمتع به ،ولا على هبته للزوج.
فخلاصة الكلام :أنه بنكاح الأمة لا ينتظم أمر المنزل ،كما يقول الشاعر :إذا لم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت مصالح داره.
تفسير قوله تعالى) :يريد الل ّٰه ليبين لـكم ويهديكم سنن الذين من قبلـكم( ٣٢.٣
تفسير قوله تعالى) :يريد الل ّٰه ليبين لـكم ويهديكم سنن الذين من قبلـكم(
Shamela.org ٤٨٩
النساء ][30 - 24 ٣٢
Shamela.org ٤٩٠
النساء ][30 - 24 ٣٢
ولا من الذي قبله ،بل من بعد رمضان تجدهم يقعدون ويتكلمون عن إقامة المسلسلات والفوازير ،وكيف سيكون الاستمتاع برمضان
القادم؛ لتحو يله إلى شهر للشهوات ،فهؤلاء هم بغاة الشر الذين يقال لهم) :يا باغي الشر أقصر ،و يا باغي الخـير أقبل(.
فالشاهد أن أولى الناس بهذا الوصف هم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
ن يَت ّب ِع ُونَ ال َش ّه َو َ ِ
ات أَ ْن تَمِيلُوا مَي ْل ًا عَظ ِيم ًا(( ،يعني :أن تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرم الل ّٰه عليكم فتكونوا مثلهم؛ لأن ))و َيُر ِيد ُ ال َ ّذ ِي َ
الضائع يحب من الناس جميعا ًأن يكونوا ضائعين مثله؛ لأنه إذا وجد مستقيمين فإنه يشعر بالوحشة فيريد أن كل الناس تضيع مثله.
التي بعث بها رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم ،وقد وضع الل ّٰه عز وجل عنا الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا.
جاءت الشر يعة للتخفيف والتسهيل والتيسير ،وهذا الموضوع يطول الكلام فيه ولا يتسع له الآن.
الإنس َانُ ضَع ِيف ًا{ ]النساء ،[٢٨:أي :لا يصبر عن النساء والشهوات ،فناسبه هذا التخفيف فدل على
ق ِالل ّه ُ أَ ْن يُخ َ ّف َِف عَنْك ُ ْم وَخ ُل ِ َ
}يُر ِيد ُ َ
أنه لا سبيل إلى قضاء الوطر في هذا الباب إلا بنكاح الحرائر أو نكاح الإماء بشروطه ،ولا يوجد طر يق غير ذلك.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالـكم وكان ذلك على الل ّٰه يسيرا( ٣٢.٦
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالـكم وكان ذلك على الل ّٰه يسيراً(
ض مِنْك ُ ْم و َلا تَقْتُلُوا أَ نفُسَك ُ ْم ِإ َ ّ
ن ل ِإ َلّا أَ ْن تَكُونَ تِ جَارَة ً ع َنْ ت َر َا ٍ قال تبارك وتعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا ت َأْ ك ُلُوا أَ مْوَالـَك ُ ْم بَي ْنَك ُ ْم ب ِال ْبَاطِ ِ
الل ّه ِ يَسِير ًا{ ]النساء) [٣٠ - ٢٩:يا أيها الذين
ك عَلَى َ
ْف نُصْ لِيه ِ ن َار ًا وَك َانَ ذَل ِ َ
ك ع ُ ْدو َان ًا وَظُل ْمًا فَسَو َ
الل ّه َ ك َانَ بِك ُ ْم رَحِيم ًا * وَم َنْ ي َ ْفع َلْ ذَل ِ َ
َ
آمنوا لا تأكلوا أموالـكم( المقصود :لا يأكل بعضكم أموال بعض.
)بينكم بالباطل( أي :بالحرام شرعاً ،كالربا والغصب والقمار والرشوة والسرقة والخيانة وسائر الحيل ،وما أكثر هذه الحيل الآن التي
تؤكل فيها الأموال بالباطل ،كل المكاسب المحرمة التي تأتي عن طر يق الحرام ،أو تأتي بأكل أموال الناس بالباطل فهذا كله داخل في
ل((. هذه الآية)) :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا ت َأْ ك ُلُوا أَ مْوَالـَك ُ ْم بَي ْنَك ُ ْم ب ِال ْبَاطِ ِ
الربا من أكل أموال الناس بالباطل ،الغصب ،السرقة ،القمار ،الرشوة ،وما أدراك ما الرشوة ،والخيانة وأجر المغني والمطرب وحلوان
الـكهان وثمن البغي من المحرمات ،كل هذه الأشياء تدخل في أكل الأموال بالباطل.
))إ َلّا أَ ْن تَكُونَ تِ جَارَة ً ع َنْ ت َر َا ٍ
ض مِنْكُمْ(( أو )إلا أن تكون ِ}إ َلّا أَ ْن تَكُونَ تِ جَارَة ً{) ،تجارة ٌ( أو )تجارة ً( يمكن أن تقرأ بالوجهينِ :
تجارة ٌ عن تراض منكم( ،إذا قلنا) :إلا أن تكون تجارة ٌ( فإعراب التجارة هنا نائب فاعل ،وإذا قلنا) :إلا أن تكون تجارة ً( فتجارة
خبر تكون.
التجارة المقصود بها هنا :معاوضة مع بعض كالبيع ،أو تكون الأموال أموال تجارة.
)عن تراض( يعني :هذه الأموال صادرة عن تراض منكم ،فلـكم في هذه الحالة أن تأكلوها.
Shamela.org ٤٩١
النساء ][30 - 24 ٣٢
)عن تراض منكم( يعني :هنا البيان بأن شرط الربح في التجارة التراضي ،والتراضي إما أن يكون بعبارة صر يحة ،وإما بإشارة مفهومة،
فالعبارة الصر يحة هي الإ يجاب ،مثل قولك :بعتك كذا وكذا بسعر كذا ،هذا هو الذي يشترط فيه الإ يجاب والقبول ،أو يكون لفظ
من الإنسان أو شيء غير اللفظ يدل على التراضي ،كالتعاطي.
))إ َلّا أَ ْن تَكُونَ تِ جَارَة ً ع َنْ ت َر َا ٍ
ض مِنْكُمْ(( ،أخذ الشافعي اعتبار الإ يجاب والقبول لفظاً ،يعني :الإمام الشافعي رحمه من هذه الآيةِ :
الل ّٰه تعالى ،اعتمادا ً على هذه الآية ذهب إلى عدم جواز بيع المعاطاة ،وبيع المعاطاة هو الذي يتم بدون التلفظ بعبارة الإ يجاب والقبول،
كما يحصل مع أي واحد -مثلاً -يبيع سلعة و يعلق سعرها بجانبها ،فتقول له :هات اثنين كيلو فيقوم بوزنها ،ثم تعطيه الفلوس دون أن
تقول له :بع لي ،ودون أن يقول هو :قبلت.
إلى آخر هذه العبارات.
))إ َلّا أَ ْن تَكُونَ تِ جَارَة ً ع َنْ ت َر َا ٍ
ض مِنْكُمْ(( ،يعني :إلا أن تكون الأموال فما حجة الإمام الشافعي فيما ذهب إليه؟ قال :قوله تعالىِ :
تجارة صادرة عن تراض منكم.
وقال الشافعي رحمه الل ّٰه تعالى :التراضي أمر قلبي ،فلا بد من الدليل عليه ،أي :لا بد من إقامة الدليل الظاهرة على ما في القلب؛
لأنك لا تستطيع النظر في قلب البائع أو المشتري ،لذلك فلا بد من الدليل عليه ،فجعل الشرع صيغة الإ يجاب والقبول أمارة ودليلا ً
على وجود التراضي؛ لأن الناس يعجزون عن أن يطلع بعضهم على قلوب بعض ليطمئنوا إلى أنه قد حصل التراضي ،فأقيمت عبارة
الإ يجاب والقبول مقام التراضي الذي محله القلب؛ لـكن استدل من يبيح بيع المعاطاة بنفس الآية ،قالوا :الآية تدل على جواز بيع
المعاطاة؛ لأنها تقول" :عن تراض منكم" وكما أن الأقوال تدل على التراضي ،فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا ًعلى التراضي،
فصح بيع المعاطاة مطلقاً ،فيكون من الأيسر على الناس أن ما تعارفوا على أنه يعبر عن التراضي يصح به البيع؛ مثل قول بعضهم :توكل
على الل ّٰه ،أو بعتك أو أدخل يده في جيبه وأخرج النقود ،فهذا كله بدل على التراضي.
وقولهم إنه ورد في بعض النصوص كلمة بعت منك وبعتك ،فنحن نقول :لا نختلف على أن البيع يصح بمثل عبارة :بعتك أو بعت
منك ،كما في هذه الروايات التي يحتج بها من اشترط الإ يجاب والقبول؛ لـكن النزاع في دعوى أن البيع لا يصح إلا بالإ يجاب والقبول،
))إ َلّا أَ ْن تَكُونَ تِ جَارَة ً ع َنْ ت َر َا ٍ
ض مِنْكُمْ(( ،فدل ذلك على أن التراضي هو ولم يرد في اشتراط ذلك شيء صريح؛ لأن الل ّٰه تعالى قالِ :
المناط ،ولابد من الدلالة عليه إما بنص أو بإشارة أو بكتابة ،أو يقول له :توكل على الل ّٰه ،أو أي عبارة يفهم منها الرضا ،ففي هذه الحالة
يقع البيع ،بأي لفظ وقع وعلى أي صيغة كان ،وبأي إشارة مفيدة ،يعني :لا يشترط اللفظ ،بل يقبل ما يقوم مقام اللفظ الصريح ما
دام يدل على التراضي.
Shamela.org ٤٩٢
النساء ][30 - 24 ٣٢
قوله تبارك وتعالى)) :و َلا تَقْتُلُوا أَ نفُسَكُمْ(( ،فيه وجهان للتفسير :الوجه الأول) :ولا تقتلوا أنفسكم( أي :لا تقتلوا من كان من
جنسكم من المؤمنين ،فإن المؤمنين كلهم كنفس واحدة.
والتعبير عنهم بالأنفس للمبالغة في الزجر عن قتلهم ،وذلك بتصوير القتل بصورة لا يكاد يفعلها عاقل ،وقد ذكرنا أمثلة مشابهة لهذا مما
خر ْ ق َوم ٌ م ِنْ قَو ْ ٍم ع َس َى أَ ْن يَكُونُوا خَيْر ًا مِنْه ُ ْم و َلا نِس َاء ٌ م ِنْ نِس َاء ٍ ع َس َى أَ ْن يَك َُنّ جاء في القرآن كقوله تعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا ي َ ْس َ
خَيْر ًا مِنْه َُنّ و َلا تَل ْم ِز ُوا أَ نفُسَكُمْ{ ]الحجرات) ،[١١:ولا تلمزوا أنفسكم( أي :ولا تلمزوا إخوانكم.
وقوله تعالى} :لَو ْلا ِإ ْذ سَمِعْتُم ُوه ُ ظ ََنّ ال ْمُؤْم ِن ُونَ و َال ْمُؤْم ِنَاتُ ب ِأَ نفُسِه ِ ْم خَيْر ًا{ ]النور [١٢:المقصود هنا :بإخوانهم خيراً ،قال تعالى)) :ظ ََنّ
ال ْمُؤْم ِن ُونَ و َال ْمُؤْم ِنَاتُ ب ِأَ نفُسِه ِ ْم خَيْر ًا(( أي :بإخوانهم.
فقوله تعالى)) :و َلا تَقْتُلُوا أَ نفُسَكُمْ(( يعني :لا يقتل المسلم أخاه المسلم.
Shamela.org ٤٩٣
النساء ][30 - 24 ٣٢
عليه وسلم.
إذاً :في هذه الأحاديث أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الاسم ،يعني :لا بد أن نعرف هذه النعمة التي نحن نتمتع بها،
هذا البدن ،وهذه الحواس التي أعطانا الل ّٰه عز وجل وهذه الروح ،ليست ملكا ًلنا ،يعني :أنت لا تملك نفسك ،وليس من حقك أن
كي َْف ت َ ْكف ُر ُونَ ب َِالل ّه ِ
تقتل نفسك في أي وقت وتعطل هذه الحياة أو تكفر بنعمة الحياة ،الل ّٰه سبحانه وتعالى هو الذي خلق ابن آدمَ } :
وَكُنتُم ْ أَ مْوَات ًا ف َأَ حْ يَاك ُ ْم ث َُم ّ يُمِيتُك ُ ْم ث َُم ّ ُ
يح ْي ِيك ُ ْم ث َُم ّ ِإلَيْه ِ تُرْجَع ُونَ{ ]البقرة ،[٢٨:فتعجل إنهاء الأجل بالانتحار هذا من العدوان على حرمات
الل ّٰه تبارك وتعالى.
عندما كنا نتكلم على موضوع التبرع بالأعضاء ،وذكرنا كلام العلماء الذين منعوا ذلك وقلنا :إنهم بنو المنع على أنك لا تملك هذه الأعضاء،
بل هي وديعة الل ّٰه سبحانه وتعالى عندك ،فأنت لا تملـكها كقطع غيار السيارات والآلات وغير ذلك.
الل ّه َ
ن َ ))إ َ ّ
فيؤخذ من هذه الأحاديث أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره ،فهل بعد ذلك لا نستطيع أن نفهم قوله تعالىِ :
ك َانَ بِك ُ ْم رَحِيم ًا((؟
Shamela.org ٤٩٤
النساء ][30 - 24 ٣٢
عشرة ملايين والعياذ بالل ّٰه ،بينما تكاد تجد البلاد الإسلامية خالية من هذا المرض ،حتى إن منظمة الصحة العالمية في تقريرها تطالب
للحد من مرض الإيدز بتدعيم التوجيه الديني الإسلامي؛ لأنه من أعظم طرق الوقاية والحماية من هذا المرض الخطير ،ولأن القيم
الإسلامية هي التي عصمت منطقة الشرق الأوسط كلها من هذا الشر ،ومنطقة الشرق الأوسط المقصود بها البلاد الإسلامية ،فقد
أثبتت الإحصائيات أن عدد الحالات في شمال أفر يقيا مائة ألف حالة ،وهذا العدد يعتبر قليلا ً جداً ،وقالوا :إن جميع هذه الحالات
إنما كانت بسبب نقل الدم ،وبسبب الوافدين الذين يأتون من بلاد الغرب وينشرون هذا المرض الخبيث ،ولـكن هذا بلا شك إنما
يعزى لفضل الل ّٰه سبحانه وتعالى علينا والتقيد بالإسلام ،مع أننا غير ملتزمين بالإسلام كما يرضي الل ّٰه ،ومع ذلك فقد حفظنا الإسلام
وعصمنا من هذه الشرور ،وانظر إلى كلامهم أيضا ًعن البلاد الإسلامية فيما يتعلق بالـكحولات ،فهم قد أعيتهم الحيلة ولم يجدوا أي
طر يقة لزجر الناس عن الـكحول وبيان أخطارها ،بينما في البلاد الإسلامية بفضل الل ّٰه مهما وجد المنحرفون والفاسدون بيننا ،لـكن
الغالب الأعم أننا في عافية من بلاء الخمر والـكحول ،أما في الغرب حتى الأطفال ينتحرون.
فهم في أمور كثيرة جدا ً في الحقيقة ينظرون إلينا بنوع من الحسد ،ومع ذلك فهم يكرهون على الاعتراف بفضل الإسلام في حماية
المسلمين من هذه الشرور.
بالنسبة للانتحار فإنك تجد أنه كلما ارتقت المجتمعات بمستوى الرخاء المادي والعلمي كلما ازدادت نسب الانتحار ،فتجد أن أعلى بلاد
العالم في الدخل التي هي السويد ،معدل الانتحار فيها معدل كبير جداً ،أما في بلاد المسلمين فهو شيء نادر بالنسبة لغير البلاد الإسلامية،
وهذه من نعمة الل ّٰه ومن فضائل الإسلام ،وفضائل وبركات هذه الملة الحنيفية.
وما وجد هذا الداء إلا بعد أن تسربت المفاهيم الغربية في المجتمعات الإسلامية ،وبدأ يظهر ضعف الإيمان ،وضعف اليقين في الناس،
وبالتالي بدأنا نسمع عن هذه الحالات ،فهؤلاء يكفرون بنعمة الحياة ،ومهما تعلل المنتحر بالأعذار فهو لا يعذر في قتل نفسه ،ولن تشفع
له ،ولن تدفع عنه نقمة الل ّٰه ،إلا أن يشاء الل ّٰه سبحانه وتعالى.
لو أن شخصا ًرسب في الامتحان ،فإعادته للسنة أهون من أن يقتل نفسه فيصير إلى عذاب دائم ،يعني :بهذه الصورة إن هو قتل نفسه
فهذا ما عنده يقين ،هل هذا عنده إيمان أو يقين؟! هو ما نظر للمصيبة التي تعود عليه في دينه بأن يعذب في قبره و يعذب بالنار يوم
القيامة ،وأن ما خسره في الدنيا فإنه يمكن تعو يضه والتراجع عنه.
و يعلم أن هذا البلاء لا يدفع إلا بمشيئة الل ّٰه ،واحد يغلب في مباراة أو في سباق أو واحد كما ذكرنا مات عزيز عليه أو أثقلته الديون،
فضلا ًعمن ذكرنا ممن يقتل نفسه؛ لأن الزعيم صاحبه مات ،أو الذي يحبه أو المطرب أو المغنية أو غير ذلك من هذه الأشياء ،أو قد لا
يجد ما يقتات به فينتحر ،فالإيمان هو الذي يحجز المؤمنين عن مثل هذه الأفعال الشنيعة؛ لأن المؤمن يصبر على قضاء الل ّٰه عز وجل
وقدره ،يقول عليه الصلاة والسلام) :عجبا ً لأمر المؤمن إن أمره له كله خير ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا ً له ،وإن أصابته ضراء
صبر فكان خيرا ً له ،وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن!(.
نجد أيضا ًالأمراض النفسية الفضيعة ،معدلها في بلاد المسلمين قليل جدا ً بالنسبة لما هي عليه في بلاد الـكفار ،فهذا لا شك مما يجعلنا
نتمسك بما تبقى لدينا من الإسلام و بحبل الل ّٰه ،مع أننا لسنا على الطر يقة المرجوة.
يقول الشافعي رحمه الل ّٰه تعالى :فلا حزن يدوم ولا سرور ولا بأس عليك ولا رخاء فلا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
و يقول آخر :طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا ً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار فالدنيا
دار ابتلاء ،لابد من الصبر فيها مهما تنوع البلاء ،المهم أن لا يكون البلاء في الدين ،كما قال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ولا تجعل مصيبتنا
في ديننا( ،إذا كانت المصيبة في غير الدين فلا تجزع؛ لأن الدنيا تعوض.
من كل شيء إذا ضيعته عوض وليس في الل ّٰه إن ضيعت من عوض سئل شيخ الإسلام عن رجل له مملوك هرب ثم رجع ،فلما
رجع أخذ سكينه وقتل نفسه ،فهل يأثم سيده؟ يأثم على قتل نفسه فأجاب شيخ الإسلام رحمه الل ّٰه تعالى :الحمد لل ّٰه ،لم يكن له أن
Shamela.org ٤٩٥
النساء ][42 - 31 ٣٣
يقتل نفسه ،وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه ،بل كان عليه إذا لم يمكنه رفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرج الل ّٰه ،فإن
كان سيده ظلمه حتى فعل ذلك ،مثل أن يقتر عليه في النفقة ،أو يعتدي عليه في الاستعمال ،أو يضر به ،أو يضره بغير حق ،أو يريد
به فاحشة ونحو ذلك فإن على سيده من الوزر بقدر ما نسب إليه من المعصية ،ولم يصل النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم على من قتل نفسه،
فقال لأصحابه) :صلوا عليه( ،فيجوز لعموم الناس أن يصلوا عليه ،وأما أئمة الدين الذين يقتدى بهم ،فإذا تركوا الصلاة عليه زجرا ً لغيره
اقتداء ً بالنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فهذا حق ،والل ّٰه تعالى أعلم.
إذا ً المنتحر لا يصلي عليه من يقتدى به من العلماء وغير ذلك ،لا يصلى عليه حتى ينزجر أمثاله من الناس وحتى يعرفوا أن هذه عقوبة
من يفعل ذلك ،لـكن يترك عموم الناس يصلون عليه لبقائه في دائرة الإسلام حتى لو أتى بهذه الـكبيرة ،وهو في مشيئة الل ّٰه ،إن شاء
ل ِإ َلّا أَ ْن تَكُونَ عذبه وإن شاء غفر له ،فهذا ما تيسر في تفسير قوله تبارك وتعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا لا ت َأْ ك ُلُوا أَ مْوَالـَك ُ ْم بَي ْنَك ُ ْم ب ِال ْبَاطِ ِ
ك عَلَى
ْف نُصْ لِيه ِ ن َار ًا وَك َانَ ذَل ِ َ
ك ع ُ ْدو َان ًا وَظُل ْمًا فَسَو َ
الل ّه َ ك َانَ بِك ُ ْم رَحِيم ًا * وَم َنْ ي َ ْفع َلْ ذَل ِ َ
ن َ ض مِنْك ُ ْم و َلا تَقْتُلُوا أَ نفُسَك ُ ْم ِإ َ ّ
تِ جَارَة ً ع َنْ ت َر َا ٍ
الل ّه ِ يَسِير ًا{ ]النساء.[٣٠ - ٢٩:
َ
Shamela.org ٤٩٦
النساء ][42 - 31 ٣٣
هذه الأعمال المكفرة ،لها ثلاث درجات :إحداها :أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها ،والقيام بحقوقها،
يعني :كالذي يتعاطى دواء ً ضعيفا ًيقصر عن مقاومة الداء كما ًوكيفاً ،فهذه الحالة الأولى بالنسبة للأعمال المكفرة التي تكفر الخطايا.
الدرجة الثانية :أن تقاوم الصغائر ،ولـكنها لا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر.
الدرجة الثالثة :أن تقوى على تكفير الصغائر ،وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر.
وفي الصحيح عنه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا :بلى يا رسول الل ّٰه! قال :الإشراك بالل ّٰه ،وعقوق الوالدين ،وكان
متكئا ً فجلس فقال :ألا وقول الزور ،ألا وقول الزور ،ألا وقول الزور( ،وكما في الحديث) :اجتنبوا السبع الموبقات( ،وغير ذلك من
الأحاديث التي ذكرت كبائر الذنوب.
تج ْتَن ِب ُوا ك َبَائ ِر َ م َا تُنْهَوْنَ عَن ْه ُ(( وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة ،قال ابن
))إ ْن َ
يقول الإمام السيوطي رحمه الل ّٰه تعالىِ :
عباس :هي -أي :الكبائر -إلى السبعمائة أقرب ،وفي رواية أخرى :إنها إلى السبعين أقرب ،وهذه الرواية أصحهما عن ابن عباس ،يعني:
أن الكبائر عددها إلى السبعين أقرب منها إلى غيره.
ك ّفِر ْ عَنْك ُ ْم سَي ِّئَاتِكُمْ(( صغائر الذنوب بالطاعات.
))ن ُ َ
))و َن ُ ْدخِل ْـك ُ ْم م ُ ْدخ َل ًا(( بضم الميم وفتحها أي :إدخالا ًأو موضعا ً)كريماً( وهو الجنة.
تفسير قوله تعالى) :ولا تتمنوا ما فضل الل ّٰه به بعضكم على بعض( ٣٣.٢
تفسير قوله تعالى) :ولا تتمنوا ما فضل الل ّٰه به بعضكم على بعض(
الل ّه َ ك َانَ
ن َ الل ّه َ م ِنْ ف َضْ لِه ِ ِإ َ ّ يب م َِم ّا اكْ تَسَب ُوا وَلِلنِّسَاء ِ نَصِ ٌ
يب م َِم ّا اكْ تَسَبْنَ و َاسْ أَ لُوا َ ل نَصِ ٌ
ض لِلرِ ّج َا ِ
ضك ُ ْم عَلَى بَعْ ٍ
الل ّه ُ بِه ِ بَعْ َ
ل َ }و َلا تَتمََن ّو ْا م َا ف ََضّ َ
ل شَيْء ٍ عَلِيم ًا{ ]النساء.[٣٢: بِك ُ ّ ِ
نهى تبارك وتعالى عن التحاسد ،وعن تمني ما فضل الل ّٰه به بعض الناس على بعض من المال ونحوه ،مما يجري فيه التنافس ،ولذلك
الل ّه َ
ن َ الل ّه َ م ِنْ ف َضْ لِه ِ ِإ َ ّ يب م َِم ّا اكْ تَسَب ُوا وَلِلنِّسَاء ِ نَصِ ٌ
يب م َِم ّا اكْ تَسَبْنَ و َاسْ أَ لُوا َ ل نَصِ ٌ
ض لِلرِ ّج َا ِ
ضك ُ ْم عَلَى بَعْ ٍ
الل ّه ُ بِه ِ بَعْ َ
ل َ قال} :و َلا تَتمََن ّو ْا م َا ف ََضّ َ
ل شَيْء ٍ عَلِيم ًا{ ]النساء.[٣٢: ك َانَ بِك ُ ّ ِ
ضك ُ ْم عَلَى بَعْضٍ(( ،من جهة الدنيا أو الدين؛ لئلا يؤدي إلى التحاسد
الل ّه ُ بِه ِ بَعْ َ
ل َ يقول السيوطي في قوله تعالى)) :و َلا تَتمََن ّو ْا م َا ف ََضّ َ
والتباغض.
))للرجال نصيب(( يعني :ثواب)) ،مما اكتسبوا(( بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره.
))وَلِلنِّسَاء ِ نَصِ ٌ
يب م َِم ّا اكْ تَسَبْنَ(( ،من طاعة أزواجهن ،وحفظ فروجهن وغير ذلك ،وقد نزلت هذه الآية لما قالت أم المؤمنين أم سلمة
ضك ُ ْم عَلَى
الل ّه ُ بِه ِ بَعْ َ
ل َ رضي الل ّٰه تعالى عنها) :يغزو الرجال ولا تغزو النساء ،وإنما لنا نصف الميراث ،فأنزل الل ّٰه تعالى)) :و َلا تَتمََن ّو ْا م َا ف ََضّ َ
بَعْضٍ(((؛ لأن النساء على لسان أم سلمة يسألن كيف يغزو الرجال ونحن لا نغزو ،وفي نفس الوقت نعطى نصف الميراث ،فأنزل
ات
ات و َال ْمُؤْم ِنِينَ و َال ْمُؤْم ِن َ ِ ضك ُ ْم عَلَى بَعْضٍ(( ،قال مجاهد :وأنزل فيها}ِ :إ َ ّ
ن ال ْمُسْل ِمِينَ و َال ْمُسْل ِم َ ِ الل ّه ُ بِه ِ بَعْ َ
ل َ الل ّٰه تعالى)) :و َلا تَتمََن ّو ْا م َا ف ََضّ َ
ات{ ]الأحزاب [٣٥:إلى آخر الآية المعروفة في سورة الأحزاب ،وحديث أم سلمة صحيح الإسناد.
و َالْق َانتِِينَ و َالْق َانتِ َ ِ
وفي رواية :نزلت لما قالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الل ّٰه تعالى عنها) :ليتنا كنا رجالا ً فجاهدناً ،وكان لنا مثل أجر الرجال(.
يب م َِم ّا اكْ تَسَب ُوا وَلِلنِّسَاء ِ نَصِ ٌ
يب م َِم ّا اكْ تَسَبْنَ(( أنه ينبغي لكل فر يق أن يرضى بما قسم له. ل نَصِ ٌ
فالمقصود من الآية)) :لِلرِ ّج َا ِ
الل ّه َ م ِنْ ف َضْ لِه ِ(( يعني :ما احتجتم إليه يعطكم.
))و َاسْ أَ لُوا َ
ل شَيْء ٍ عَلِيم ًا(( ومنه محل الفضل وسؤالـكم. الل ّه َ ك َانَ بِك ُ ّ ِ
ن َ ))إ َ ّ
ِ
Shamela.org ٤٩٧
النساء ][42 - 31 ٣٣
تفسير قوله تعالى) :ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون( ٣٣.٣
تفسير قوله تعالى) :ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون(
ل شَيْء ٍ
الل ّه َ ك َانَ عَلَى ك ُ ّ ِ َت أَ يْمَانُك ُ ْم ف َآتُوه ُ ْم نَصِ يبَه ُ ْم ِإ َ ّ ن و َالأَ ق ْر َبُونَ و َال َ ّذ ِي َ
جعَل ْنَا م َوَالِي َ م َِم ّا ت َرَك َ ال ْوَالِد َا ِ
ن َ ن عَقَد ْ ل َ
قال تبارك وتعالى} :و َلِك ُ ّ ٍ
شَه ِيدًا{ ]النساء.[٣٣:
)ولكل( أي :لكل من الفر يقين من الرجال أو النساء.
جعَل ْنَا م َوَالِي َ(( ،موالي :جمع مولى ،يعني :المقصود ورثة وعصبة يعطون مما ترك الوالدان والأقربون ،فيرثون ما تركوا لهم من المال.
)) َ
َت أَ يْمَانُكُمْ{ ]النساء ،[٣٣:أو) :والذين عاقدت أيمانكم( بالألف ودونها ،وهذا المبتدأ ضمن معنى الشرط؛ لذلك وقع خبره }و َال َ ّذ ِي َ
ن عَقَد ْ
مع الفاء؛ لأنه جاء بمعنى الشرط :يعني) :والذين إن عاقدتموهم فآتوهم نصيبهم( فكلمة) :الذين عقدت( أو )عاقدت أيمانكم( تضمنت
فيها معنى الشرط؛ فلذلك جاءت الفاء في الخـبر ،فقال تعالى} :ف َآتُوه ُ ْم نَصِ يبَهُمْ{ ]النساء.[٣٣:
أما قوله تعالى)) :أَ يْمَانُكُمْ(( ،فهذا جمع يمين ،إما أنها تكون يمينا ً بمعنى القسم ،أو الأيمان من الأيادي ،أي :اليد ،اليمنى)) ،و َال َ ّذ ِي َ
ن
َت أَ يْمَانُكُمْ(( جمع يمين بمعنى القسم ،وإن كان هذا أولى؛ لأن العقد خلاف اليد.
عَقَد ْ
والل ّٰه جل وعلا قال} :و َلا تَنقُضُوا الأَ يْمَانَ{ ]النحل ،[٩١:ما الذي ينصرف إليه كلمة )الأيمان( هنا؟ العقد وليس اليد} :و َلا تَنقُضُوا
الأَ يْمَانَ بَعْد َ تَوْكِيدِه َا{ ]النحل ،[٩١:فلهذا يرجح أن يكون المقصود بالذين عقدت أيمانكم أنها جمع يمين بمعنى القسم ،وهذا أرجح من
َت(( أو )عاقدت أيمانكم( بمعنى :اليد ،فيلزم من ذلك أنهم كانوا يضعون الأيدي عند القول بأنها اليد ،حتى إن قلنا)) :و َال َ ّذ ِي َ
ن عَقَد ْ
المعاهدات ،أو يضع يده في يد من يتفق معه توثيقا ً لهذا العقد ،كما يحصل في عقود الزواج وغير ذلك ،وحتى عند البيع ،كانوا إذا
وافق البائع والمشتري وحصل الإ يجاب والقبول فيتم الصفق باليد على اليد الأخرى ،إيماء ً إلى توكيد هذا العقد ونفوذه.
َت أَ يْمَانُكُمْ(( جمع يمين بمعنى القسم ،أو اليد التي يضعونها في العهود. فقوله هناك)) :و َال َ ّذ ِي َ
ن عَقَد ْ
المقصود من الآية :هؤلاء الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث ،فكان هذا الحلف يحصل في الجاهلية ،بمعنى :أن
الإنسان له أن يتخذ حليفا ًأو وليا ًويتفق معه و يقول :إن دمي دمك ،ومالي مالك ،وإذا أنا مت فإنك ترثني بدون أسباب الميراث الذي
هو عن طر يق النسب.
َت أَ يْمَانُكُمْ(( أو )والذين عاقدت أيمانكم( يعني :من هؤلاء الحلفاء فيكون عقد اليمين في الحلف والعقود والعروض)) ،و َال َ ّذ ِي َ
ن عَقَد ْ
الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة وعلى الإرث.
}ف َآتُوه ُ ْم نَصِ يبَهُمْ{ ،فآتوهم الآن نصيبهم وحظوظهم من الميراث وهو السدس.
ل شَيْء ٍ شَه ِيدًا{ ]النساء [٣٣:يعني :مطلع على حالـكم ،وهذا منسوخ بقوله تبارك وتعالى في سورة الأنفال} :و َ ُأوْلُوا
الل ّه َ ك َانَ عَلَى ك ُ ّ ِ
ن َ ِ}إ َ ّ
الأَ ْرح َا ِم بَعْضُه ُ ْم أَ وْلَى ببَِعْضٍ{ ]الأنفال.[٧٥:
وهذه الآية المذكورة يؤخذ منها أنهم أمروا بأن يوفوا بعقود الموالاة التي كانت بينهم في الجاهلية على النصرة والإرث ،فأمروا أن يوفوا
بما عاقدوا ،ونهوا أن ينشئوا بعد هذه الآية معاقدة جديدة ،بمعنى :أنهم نهوا عن إنشاء معاقدة جديدة فيما يأتي ،ولـكن أمروا بأن يوفوا
بما تم في الجاهلية.
Shamela.org ٤٩٨
النساء ][42 - 31 ٣٣
َالل ّاتِي تَخَاف ُونَ نُش ُوز َه َُنّ ف َعِظ ُوه َُنّ و َاهْ ج ُر ُوه َُنّ فِي ال ْمَضَاج ِ
ِـع و َاضْر ِبُوه َُنّ ف َِإ ْن أَ َطعْنَك ُ ْم فَلا تَب ْغ ُوا عَلَيْه َِنّ سَب ِيل ًا ِإ َ ّ الل ّه ُ و َ
الل ّه َ
ن َ حف َِظ َ
ْب بِمَا َ
لِل ْغَي ِ
ك َانَ عَل ًِي ّا كَب ِير ًا{ ]النساء.[٣٤:
)الرجال قوامون( أي :مسلطون.
)قوامون( جمع قوام ،وهو القائم بالمصالح والتأديب والتدبير ،يعني :الرجال مسئولون عن هذه الأشياء.
)على النساء( أي :يقومون عليهن آمرين ناهين قيام الولاة على الرعية ،فمسألة القوامة هي مسألة تنظيمية ،وليست مسألة استفزاز ية،
وليس معنى ذلك أن الرجل يطغى على المرأة و يظلمها ،لـكن بما ميز وبما فضل به الرجل على المرأة فإنه بذلك يصير له حق القوامة،
بمعنى :أنه مسئول عن تسيير أمرها ،كما يلي الراعي أمر رعيته و يقوم على أمرها.
Shamela.org ٤٩٩
النساء ][42 - 31 ٣٣
أيضا ًيدخل في حفظ الغيب ،عدم نشر ما يكون بين الزوجين متعلقا ًبالجماع ،فهذا يذكر أيضا ًفي حفظ الغيب.
)حافظات للغيب بما حفظ( لهن) ،الل ّٰه(.
الل ّهُ(( ،تحتمل أمرين :إما أنها للمقابلة ،كما تقول :هذا في مقابلة ذاك ،يعني :كما أن الل ّٰه سبحانه
حف َِظ َ
فالباء هنا في قوله تعالى)) :بِمَا َ
وتعالى حفظ لهن حقوقهن ،بأن أوصى الأزواج بالنساء ،وكذلك فعل رسوله صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،فشرع لهن الحقوق وأمر الأزواج
بحفظ هذه الحقوق ،فينبغي في مقابلة ذلك أن تحذر الزوجة من أن تخونه في غيبته في عرضه وماله ونفسها إلى آخره ،فهذا معنى
)حافظات للغيب بما حفظ الل ّٰه( ،يعني :في مقابلة ما حفظ الل ّٰه لهن ،فعليهن أن يطعن أزواجهن و يحفظن الغيب.
أو الباء هنا في قوله تعالى) :بما حفظ الل ّٰه( أي :مستعينات بحفظ الل ّٰه تبارك وتعالى ،فالباء للاستعانة ،ومعنى ذلك :أن هؤلاء النساء
الصالحات القانتات حافظات للغيب كما ذكرنا بما حفظ الل ّٰه لهن ،يعني :لا يتم حفظهن للغيب من حفظ الفروج والأموال وغير ذلك
إلا باستعانتهن بالل ّٰه ،إذ لو ت ُركن لدواعي أهوائهن ونفوسهن لغلبت عليهن الأهواء ،إلا أن يحفظهن الل ّٰه؛ لأن الل ّٰه خير ٌ حافظاً ،فمهما كن
صالحات فإنهن لا يثقن بأنفسهن وإنما يستعنّ بالل ّٰه في حفظ الغيب بما حفظ الل ّٰه تبارك وتعالى.
الثالثة)) :و َاضْر ِبُوه ُنّ (( ضربا ًغير مبرح إن لم يرجعن بالهجران ،يعني :إن لم ينفع الهجران ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهي الضرب غير
المبرح.
))ف َِإ ْن أَ َطعْنَكُمْ(( يعني :فيما يراد منهن)) ،فَلا تَب ْغ ُوا(( لا تطلبوا ))عَلَيْه َِنّ سَب ِيل ًا(( ،طر يقا ًإلى ضربهن ظلماً.
وأيضاً :لا شك أن هذه الآية مما يحتاج إلى كثير من التفصيل؛ لأن بعض الناس يسيء فهم موضوع ضرب النساء ،حتى إن أعداء
الإسلام يشنعون على كلام الل ّٰه تبارك وتعالى و يضلون الناس عن سبيله ،بسبب سوء مسلك بعض الرجال الجهلة من المسلمين.
فأعداء الدين من الـكفار ينشرون في وسائل الأعلام أن المسلم يعتقد أنه يجب عليه أن يضرب زوجته كل يوم في الصباح وفي المساء،
و يعتقد أيضا ً أن هذه عبادة ،وهذا مما يضحك ،لـكن هذا واقع ،فهم يشنعون على الإسلام بهذه الافتراءات والأكاذيب ،مع أن
Shamela.org ٥٠٠
النساء ][42 - 31 ٣٣
الضرب بعد استيفاء شروطه مكروه ،أي :أن الضرب مباح مع الـكراهة ولا يباح بإطلاق؛ ولذلك ما ضرب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه
وسلم بيده لا امرأة ولا خادما ً ولا شاة قط ،إلا أن يجاهد في سبيل الل ّٰه تبارك وتعالى؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هؤلاء
الذين يظلمون النساء) :ما تجدون أولئك خياركم( يعني :مع الإباحة فإن خيار المسلمين لا يفعلون ذلك.
فالموضوع فيه تفصيل ،ومن ذلك أنه ينظر إن كان الضرب يجدي فليجأ إليه ،أما إن كان الضرب يزيد في النشوز فلا داعي أصلا ً
للجوء إليه ،وهذا ليس فقط في حق النساء ،بل حتى الصغار ،فالضرب ليس عملية تنفيس ،بمجرد أن يغضب على الولد فهو يريد أن
يستريح ويشفي غليله بضربه.
فمع أن الضرب قد يؤدي إلى التشو يه العضوي البدني في الولد لـكن خطورته في التشو يه النفسي أعظم وأكبر ،حيث تصبح عنده عاهة
نفسية.
المقصود من الضرب أنه وسيلة للتأديب ،فإذا لم يؤد للتأديب ،ولم يعد بفائدة فسيكون ضررا ً محضاً ،وإنما يلجأ إليه لأجل تحصيل المنفعة
من ورائه.
الل ّه َ ك َانَ عَل ًِي ّا كَب ِير ًا(( يعني :فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتموهن ،وإذا كنتم قد جعلـكم الل ّٰه من القوامين عليهن وأعلى منهن فاعلموا
ن َ ))إ َ ّ
ِ
الل ّه َ ك َانَ عَل ًِي ّا كَب ِير ًا(( ،أي أعلى منكم ،وأكبر منكم ،فإن ظلمتموهن ينتقم الل ّٰه
ن َ ))إ َ ّ
أن الل ّٰه أعلى منكم فاتقوا الل ّٰه فيهن؛ ولذلك قالِ :
سبحانه وتعالى منكم؛ ولذلك قال بعض السلف) :إني لأستحيي من الل ّٰه أن أظلم من لا يجد له ناصرا ً إلا الل ّٰه تبارك وتعالى(.
Shamela.org ٥٠١
النساء ][42 - 31 ٣٣
قول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :و يوكل الزوج ،فيه اشتراط التوكيل وهو مذهب الشافعي والأحناف ،ومعنى يوكله :أن صاحب السلطة
الحقيقية هو الزوج لا الحكم؛ لأن مهمة الحكمين عند الشافعية والأحناف منحصرة فقط في الإصلاح ،وليس لهما أي طر يقة غير
الإصلاح بين الزوجين إلا بتفو يض من الزوجين.
أما مذهب مالك فيمنح الحكمين حق الحكم بالتفر يق من دون توكيل الزوجين لهما؛ لأن الحكم نفسه لا يكون حكما ً إلا إذا كان له
سلطة في اتخاذ مثل هذا القرار ،فعند المالـكية لا يفتقر إلى التوكيل؛ لأنه بوصفه حكما ًله حق الطلاق حسبما يتفقان ،أما عند الشافعية
والأحناف فلا بد من التوكيل.
تفسير قوله تعالى) :واعبدوا الل ّٰه ولا تشركوا به شيئا( ٣٣.٦
تفسير قوله تعالى) :واعبدوا الل ّٰه ولا تشركوا به شيئاً(
شي ْئًا و َب ِال ْوَالِدَي ْ ِن ِإحْ سَان ًا و َبِذِي الْقُر ْبَى و َال ْيَتَام َى و َال ْمَسَاكِينِ و َالْجا َرِ ذِي الْقُر ْبَى و َالْجا َرِ
الل ّه َ و َلا تُشْرِكُوا بِه ِ َ
قال تبارك وتعالى} :و َاعْبُد ُوا َ
مخ ْتَال ًا فَخُور ًا{ ]النساء.[٣٦: ِب م َنْ ك َانَ ُ يح ُ ّ
الل ّه َ لا ُ
ن َ َت أَ يْمَانُك ُ ْم ِإ َ ّ
ل وَم َا م َلـَك ْ ْب و َاب ْ ِن ال َ ّ
سب ِي ِ ِب ب ِالْجنَ ِ الْجن ُ ُِب و َ
َالصّ اح ِ
)واعبدوا الل ّٰه( وحدوه) ،ولا تشركوا به شيئاً( كما جاء في الحديث المشهور من حديث معاذ أنه قال) :ما حق الل ّٰه على العباد ،وما
حق العباد على الل ّٰه؟ قال عليه الصلاة والسلام :حق الل ّٰه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ،وحق العباد على الل ّٰه :أن يدخلهم
الجنة( أو كما قال صلى الل ّٰه عليه وسلم.
تنزل ))و َب ِال ْوَالِدَي ْ ِن ِإحْ سَان ًا(( أي :أحسنوا بالوالدين إحساناً ،يقدر فعل قبله وهو :وأحسنوا.
وهذا مما يبېن عظم بر الوالدين ،حيث إن الل ّٰه سبحانه وتعالى يأتي به مقترنا ً بالأمر بعبادته ،يعني :يأتي الأمر بالتوحيد ثم يليه مباشرة
الأمر ببر الوالدين.
))و َب ِال ْوَالِدَي ْ ِن ِإحْ سَان ًا(( ،الإحسان إلى الوالدين لا يتوقف على حياتهما ،وإنما يمتد حتى بعد وفاتهما ،وذلك بالدعاء لهما وبالتصدق
عنهما وغير ذلك.
}و َبِذِي الْقُر ْبَى{ ]النساء ،[٣٦:يعني :القرابة.
يح ُ ّ
ِب م َنْ ك َانَ الل ّه َ لا ُ
ن َ َت أَ يْمَانُك ُ ْم ِإ َ ّ
ل وَم َا م َلـَك ْ ْب و َاب ْ ِن ال َ ّ
سب ِي ِ ِب ب ِالْجنَ ِ }و َال ْيَتَام َى و َال ْمَسَاكِينِ و َالْجا َرِ ذِي الْقُر ْبَى و َالْجا َرِ الْجن ُ ُِب و َ
َالصّ اح ِ
مخ ْتَال ًا فَخُور ًا{ ]النساء.[٣٦: ُ
)وبذي القربى( يعني بذلك :القرابة.
)واليتامى( لأن اليتامى فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم ،فأمر الل ّٰه بالإحسان إليهم والحنو عليهم ،تنزلا ًلرحمته عز وجل.
Shamela.org ٥٠٢
النساء ][42 - 31 ٣٣
Shamela.org ٥٠٣
النساء ][42 - 31 ٣٣
Shamela.org ٥٠٤
النساء ][42 - 31 ٣٣
ل(( هو المنقطع في سفره ،والمقصود به :المسافر الغريب الذي انقطع عن بلده وأهله ،وهو يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ))و َاب ْ ِن ال َ ّ
سب ِي ِ
ما يتبلغ به ،وابن سبيل حتى لو كان ثر يا ًفي بلده وانقطعت به السبيل فهو يستحق من الزكاة.
نسب ابن السبيل إلى السبيل -الذي هو الطر يق -لمروره عليه ،وملابسته وملازمته له ،فهو لا يستطيع أن يتحرك منه إلى بلده؛ لأنه لا
يجد ما يبلغه ،أو الذي يريد غير بلده لأمر يلزمه ،فهذا يعطى قدر ما يتبلغ به إلى وطنه.
وقال ابن بري :ابن السبيل هو :الذي أتى به الطر يق ،ولم يذكر السلف من المفسرين وأهل اللغة )السائل( في معنى ابن السبيل؛ لأنه
ل و َال َ ّ
سائِلِينَ{ ]البقرة.[١٧٧: ن ال َ ّ
سب ِي ِ ْس ال ْب َِر ّ(( إلى قوله تعالى} :و َاب ْ َ
جاء تابعا ًلابن السبيل في البقرة من قوله)) :لَي َ
وقال بعضهم في تعر يف ابن السبيل :ومنسوب إلى ما لم يلده كذاك الل ّٰه نزل في الكتاب ومنسوب إلى ما لم يلده ،أي :ابن السبيل
منسوب إلى السبيل.
Shamela.org ٥٠٥
النساء ][42 - 31 ٣٣
)فخوراً( هو الذي يعدد مناقبه و يقول :أنا فعلت وفعلت وغير ذلك تكبرا ً واختيالاً.
إنما خص الل ّٰه تعالى هذين الوصفين بالذم في هذا الموضع؛ لأن المختال هو المتكبر ،وكل من كان متكبرا ً فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق،
بل يتجاهل حقوق الناس ومنزلتهم ،كما قال النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :الـكبر بطر الحق وغمط الناس(.
)فخوراً( أي :أنه لا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الر ياء والسمعة؛ بل لرد أمر الل ّٰه تبارك وتعالى.
عن أبي رجاء الهروي قال :لا تجد سيئ الملـَكة وسيئ الخلق وحسودا ً إلا وجدته مختالا ً فخوراً ،هذه صفة أساسية ،وتلا هذه الآية:
مخ ْتَال ًا فَخُور ًا((. يح ُ ّ
ِب م َنْ ك َانَ ُ الل ّه َ لا ُ
ن َ َت أَ يْمَانُك ُ ْم ِإ َ ّ
))وَم َا م َلـَك ْ
شق ًِي ّا{ ]مريم ،[٣٢:وقد ورد في ذم الخيلاء
يج ْعَلْنِي ج ََب ّار ًا َ
ثم قال :ولا عاقا ًإلا وجدته جبارا ً شقياً ،وتلا قوله تعالى} :و َب ًَر ّا ب ِوَالِدَتِي و َل َ ْم َ
والفخر الـكثير من الأدلة من الكتاب والسنة.
من الضنين بنائل غيره ،يقول الشاعر :وإن امرأ ً ظنت يداه على امرئ بنيل يد من غيره لبخيل يقول الزمخشري :ولقد رأينا ممن بلي
بداء البخل من إذا طرق سمعه أن أحدا ً جاد على أحد سقط به وحل حبوته ،واضطرب ودارت عيناه في رأسه ،كأنما نهب رحله،
وكسرت خزانته ضجرا ً من ذلك وحسرة على جوده.
الل ّه ُ م ِنْ ف َضْ لِه ِ(( ،أي :من المال والغنى ،يكون الل ّٰه سبحانه وتعالى قد أعطاهم النعم والغنى فيظهرون الفقر
))و َيَكْتُم ُونَ م َا آت َاهُم ُ َ
و يكتمون هذه النعم؛ كذلك إذا كانوا موسرين يظهرون الإعسار والعجز بقدر إمكانهم.
ن عَذ َاب ًا مُهِينًا(( ،فهو وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا ً بأن من هذا شأنه فهو كافر بنعمة الل ّٰه تعالى ،ومن كان
))و َأَ عْتَدْن َا لِلْك َافِرِي َ
عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء.
ٌ كافرا ً بنعمة الل ّٰه تعالى فله
الل ّه ُ م ِنْ ف َضْ لِه ِ(( من العلم
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :الذين يبخلون بما يجب عليهم و يأمرون الناس بالبخل)) ،و َيَكْتُم ُونَ م َا آت َاهُم ُ َ
والمال ،وهم اليهود كانوا يقولون للأنصار :لا تنفقوا أموالـكم على محمد صلى الل ّٰه عليه وسلم إنما نخشى عليكم الفقر ،وكانوا أيضا ً يكتمون
ما علموه من صدق النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ولا يقولون الحق وهم يعلمون خبر المبتدأ في قوله) :وأعتدنا( محذوف تقديره :لهم وعيد
شديد.
)للكافرين( بذلك وبغيره) ،عذبا ًمهيناً( أي :ذا إهانة.
تفسير قوله تعالى) :والذين ينفقون أموالهم و يؤت من لدنه أجرا عظيما( ٣٣.٨
تفسير قوله تعالى) :والذين ينفقون أموالهم و يؤت من لدنه أجرا ً عظيماً(
شيْطَانُ لَه ُ قَرِينًا فَسَاء َ قَرِينًا * وَم َاذ َا عَلَيْه ِ ْم لَو ْ آم َن ُوا ن ال َ ّخر ِ وَم َنْ يَكُ ِ س و َلا يُؤْم ِن ُونَ ب َِالل ّه ِ و َلا ب ِال ْيَو ْ ِم الآ ِ ن يُنفِق ُونَ أَ مْوَالَه ُ ْم رِئَاء َ
الن ّا ِ َ }و َال َ ّذ ِي َ
ْت م ِنْ لَدُن ْه ُ حسَن َة ً يُضَاعِ ْفه َا و َيُؤ ِك َ ل ذ َ َرّة ٍ و َِإ ْن ت َ ُ
الل ّه َ لا ي َ ْظل ِم ُ مِثْق َا َ
ن َ الل ّه ُ بِه ِ ْم عَلِيم ًا * ِإ َ ّالل ّه ُ وَك َانَ َ ب َِالل ّه ِ و َال ْيَو ْ ِم الآ ِ
خر ِ و َأَ نفَق ُوا م َِم ّا رَز َقَهُم ُ َ
Shamela.org ٥٠٦
النساء ][42 - 31 ٣٣
)وإن تك حسنة ٌ( بالرفع على أن )كان( تامة ،وحسنة :تكون فاعلا ً فجائز.
ضعّفْها( يعني :الل ّٰه سبحانه وتعالى من عدله إذا
قوله) :يضاعفها( أي :من عشر إلى أكثر من سبعمائة ،وفي قراءة) :وإن تك حسنة ً ي ُ َ
هم الإنسان بالسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه بها شيء ،أما إذا هم بها فعملها ففي هذه الحالة تكتب عليه سيئة.
أما المكفرات فكثيرة جدا ً التي قد يكفر بها عنه ،أما الحسنة فبعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ،و يضاعف بعد ذلك لمن يشاء فوق
السبعمائة ضعف ،وفي ذلك قال بعض العلماء :الو يل لمن غلبت آحاده عشراته.
يعني :الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الل ّٰه عز وجل ،والسيئة بمثلها إلا أن يعفو الل ّٰه عنها ،فهذا الرجل عنده رصيد
من الخطايا والآثام -التي هي بالآحاد -غلبت العشرات بل المئات من الحسنات ،معنى ذلك :أن هذا إنسان مصر على معصية الل ّٰه عز
وجل ،ومتفنن في ذلك ،حتى إن آحاده غلبت عشراته ،فمثل هذا يستحق فعلا ًأن يهلك والعياذ بالل ّٰه ،فلا يهلك على الل ّٰه إلا هالك.
ل ذ َ َرّة ٍ(( لا يبخس أحدا ً من ثواب عمله ،ولا يزيد في عقابه شيئا ًمقدار ذرة ،وهي النملة الصغيرة في
الل ّه َ لا ي َ ْظل ِم ُ مِثْق َا َ
ن َ ))إ َ ّ
قوله تعالىِ :
قول أهل اللغة ،قال ثعلب :مائة من الذر زنة حبة شعير ،يعني :المقصود بهذه الآية ضرب المثل بأقل الأشياء ،ولا نحتاج إلى التعسف
من بعض الناس حيث يقومون بحمل ألفاظ القرآن الـكريم على ما استحدث من الاصطلاحات الآتية ،كأن يتكلم بعضهم عن الإعجاز
العلمي في القرآن الـكريم ،فيقول :القرآن أخبر بأن الذرة ليست هي أصغر مكونات المادة ،بل هنا الذرة تنقسم إلى الإلـكترونات ،أو
ل ذ َ َرّة ٍ(( إلى قوله} :و َلا
النيترونات إلى آخره ،و يقول :القرآن الـكريم يبېن ذلك ،أين هذا أيها المدعي؟! فيقول)) :لا يَعْز ُبُ عَن ْه ُ مِثْق َا ُ
ك و َلا أَ كْ ب َر ُ{ ]سبأ ،[٣:أي :أن هناك أصغر من الذرة.
أَ صْ غ َر ُ م ِنْ ذَل ِ َ
لـكن كلمة )الذرة( إذا أطلقت في العرف أو في لغة العرب فإن أذهانهم تنصرف إلى هذا المعنى الصارف الآن.
الذرة بسهولة عند العرب أصغر شيء في نظرهم ،حتى إنهم كانوا يقولون :هي النملة الصغيرة ،فخرج الكلام هنا على أصغر شيء يعرفه
الناس.
ونحن إذا عرفنا ما هو أصغر من الذرة ،فهل الل ّٰه عز وجل يظلم أقل من الذرة؟ الل ّٰه عز وجل منزه عن الظلم) :يا عبادي! إني حرمت
الظلم على نفسي ،وجعلته بينكم محرما ًفلا تظالموا(.
Shamela.org ٥٠٧
النساء ][42 - 31 ٣٣
ْت م ِنْ لَدُن ْه ُ(( أي :ز يادة على هذه الأضعاف) ،من لدنه( أي :بما يناسب
حسَن َة ً يُضَاعِ ْفه َا(( أي :يضاعف ثوابها)) ،و َيُؤ ِ
ك َ
))و َِإ ْن ت َ ُ
عظمته على سبيل التفضل.
جر ًا عَظ ِيم ًا(( أي :عطاء ً جز يلاً ،والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً ،منها :قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الشفاعة الطو يل
))أَ ْ
يقول الل ّٰه عز وجل) :ارجعوا ،فمن وجدتم معه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار.
وفي لفظ) :أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ،فأخرجوهم من النار ،فيخرجون خلقا ًكثيراً(.
ل ذ َ َرّة ٍ(((.
الل ّه َ لا ي َ ْظل ِم ُ مِثْق َا َ
ن َ ))إ َ ّ
ثم يقول أبو سعيد اقرءوا إن شئتمِ :
Shamela.org ٥٠٨
النساء ][72 - 69 ٣٤
تفسير قوله تعالى) :يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول( ٣٣.١٠
تفسير قوله تعالى) :يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول(
ل لَو ْ تُس َ َو ّى بِهِم ُ الأَ ر ُ
ْض{ ]النساء.[٤٢: كف َر ُوا وَعَصَوُا َ
الر ّسُو َ }يَوْم َئِذٍ يَو َ ُدّ ال َ ّذ ِي َ
ن َ
)يومئذ( أي :يوم هذا المجيء.
)يود الذين كفروا لو( )لو( بمعنى :أن المصدر ية.
)تسوى( بالبناء للمفعول أو بالبناء للفاعل ،مع حذف إحدى التاءين بالأصل ،ومع إدغامها في السين ،يعني :تقرأ) :وعصوا الرسول لو
تُسَو ّى( أو) :لو ت َ ّسو ّى بهم الأرض( يعني :يتمنون بأن يكونوا ترابا ًمثلها لعظم هول ذلك اليوم.
ل لَو ْ تُس َ َو ّى بِهِم ُ الأَ ر ُ
ْض(( أي :يتمنون أن يتحولوا إلى تراب ،كل أمتي يوم القيامة في هذا كف َر ُوا وَعَصَوُا َ
الر ّسُو َ ))يَوْم َئِذٍ يَو َ ُدّ ال َ ّذ ِي َ
ن َ
ل الْك َاف ِر ُ ي َا لَي ْتَنِي كُنتُ ت ُر َاب ًا{ ]النبأ.[٤٠:
الموقف؛ حتى لا يحاسبوا ولا يعذبوا ،كما قال تبارك وتعالى} :و َيَق ُو ُ
الل ّه َ حَدِيثًا{ ]النساء [٤٢:أي :أنهم يعترفون بجميع ما فعلوه ،فهم لا يقدرون على كتمانه؛ لأن جوارحهم
قوله تعالى} :و َلا يَكْتُم ُونَ َ
هي التي ستشهد عليهم ،فهم يودون أن يدفنوا في الأرض حال كونهم لا يكتمون الل ّٰه حديثاً ،ولا يكذبونه بقولهم} :و ََالل ّه ِ ر َب ّنَِا م َا ك َُن ّا
مُشْرِكِينَ{ ]الأنعام [٢٣:أي :مع كل الجرائم التي ارتكبوها في الدنيا يأتون يوم القيامة وهم يحسبون أن الـكذب يمكن أن ينجيهم ،فأي
حيلة يتوقعون منها فائدة يسلـكونها؛ فلذلك يحلفون أمام الل ّٰه سبحانه وتعالى يقولون} :و ََالل ّه ِ ر َب ّنَِا م َا ك َُن ّا مُشْرِكِينَ{ ]الأنعام ،[٢٣:كما روى
ابن جرير عن الضحاك :أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما فقال) :يا ابن عباس ،قول الل ّٰه تعالى} :و َلا يَكْتُم ُونَ َ
الل ّه َ
حَدِيثًا{.
وقوله} :و ََالل ّه ِ ر َب ّنَِا م َا ك َُن ّا مُشْرِكِينَ{ ]الأنعام ([٢٣:كأنه يسأل عن الجمع بين هاتين الآيتين؛ لأن فيها نوعا ً من الإشكال فهو يستوضح،
فقال له ابن عباس :إني أحسبك قمت من عند أصحابك ،فقلت :ألقي على ابن عباس متشابه القرآن.
فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الل ّٰه تعالى جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد فيقول المشركون :إن الل ّٰه لا يتقبل من أحد شيئا ًإلا
ممن وحده ،فيقولون :تعالوا نجحد ،فسألهم فقالوا :والل ّٰه ربنا ما كنا مشركين ،قال :فيختم الل ّٰه على أفواههم ويستنطق جوارحهم ،فتشهد
عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين ،فعند ذلك يتمنون لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الل ّٰه حديثاً.
Shamela.org ٥٠٩
النساء ][72 - 69 ٣٤
Shamela.org ٥١٠
النساء ][72 - 69 ٣٤
ثم جود الرازي الكلام في سبقه رضي الل ّٰه تعالى عنه إلى التصديق ،وفي كونه صار قدوة للناس في ذلك؛ لأن أبا بكر رضي الل ّٰه تعالى
عنه لما صدق وبادر بتصديق النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم بمجرد ما علم أنه أرسل أو نبئ صار قدوة لمن تبعه على الإسلام بعد ذلك.
في هذه الآية أيضا ًدليل على صحة إمامة أبي بكر رضي الل ّٰه تعالى عنه؛ لأن هذه الآية تدل على إنعام الل ّٰه عز وجل على هؤلاء الصديقين،
وأجمع المسلمون على تسمية أبي بكر بـ الصديق ،فدل على أوليته وأحقيته بالإمامة دون من عداه.
)والشهداء( يعني :الذين استشهدوا في سبيل الل ّٰه تبارك وتعالى.
)والصالحـين( الذين صلحت أحوالهم وحسنت أعمالهم.
فوائد مستقاة من قوله تعالى) :ومن يطع الل ّٰه والرسول فأولئك مع الذين أنعم الل ّٰه عليهم( ٣٤.١.٥
فوائد مستقاة من قوله تعالى) :ومن يطع الل ّٰه والرسول فأولئك مع الذين أنعم الل ّٰه عليهم(
هنا بعض التنبيهات المتعلقة بهذه الآية الـكريمة :أولها :أنه ليس المراد أن يكون من أطاع الل ّٰه وأطاع الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم مع
النبيين والصديقين والشهداء والصالحـين في درجة واحدة؛ لأن هذا يقتضي التسو ية في الدرجة بين الفاضل والمفضول ،بينما لا يمكن
أن تكون مرتبة ومنزلة واحد من عوام المسلمين في الجنة كمرتبة الرسول صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،أو كمرتبة أبي بكر وعمر وغير هؤلاء
المذكورين.
لـكن المقصود أن أولئك يكونون معهم في دار واحدة ،يعني :تضمهم دار واحدة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤ ية الآخر وإن
بعد المكان؛ لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضاً ،وإذا أرادوا الز يارة والتلاقي قدروا عليه.
فهذا هو المراد من هذه المعية ،يعني :يمكنهم أن يتلاقوا وأن يتزاوروا ،فهم مع الذين أنعم الل ّٰه عليهم جميعا ًفي دار واحدة وهي الجنة،
وإن تفاوتت مراتبهم ومنازلهم ،فهم يتفاوتون ولـكنهم يتزاورون ،وكل من فيها قد رزق الرضا بما أعطاه الل ّٰه سبحانه وتعالى ،وقد ذهب
عنه اعتقاد أنه مفضول؛ لأنه لن يشعر بأن غيره أفضل منه ،حيث ينزع منه هذا الشعور حتى لا يكدر عليه هذا النعيم ،فلا يحس أن
ل{ ]الحجر.[٤٧:
صد ُورِه ِ ْم م ِنْ غ ِ ّ ٍ
غيره أفضل منه ،بل رزق الرضا بما أتاه الل ّٰه سبحانه وتعالى ،كما قال عز وجل} :و َن َزَعْنَا م َا فِي ُ
ثانيها :أنه لا مرتبة بعد النبوة في الفضل والعلم أفضل من مرتبة الصديقية ،ولذلك أينما ذكر في القرآن الصديق والنبي لم يجعل بينهما
ن
الل ّه ُ عَلَيْه ِ ْم م ِ َ
ن أَ نْعَم َ َ ص ّدِيق ًا نَب ًِي ّا{ ]مريم [٥٦:وقال هنا)) :ف َُأوْلَئ ِ َ
ك م َ َع ال َ ّذ ِي َ واسطة كما قال عز وجل في صفة إدريس}ِ :إ َن ّه ُ ك َانَ ِ
َالص ّدِيق ِينَ(( فهو يقرن دائما ً بين الصديقين والأنبياء ،وإذا ترقيت في النطق من الصديقية وصلت إلى النبوة ،وإن نزلت من َ
الن ّب ِيِّينَ و ِّ
ص َ ّدقَ بِه ِ{ ]الزمر [٣٣:فلم
ق وَ َ النبوة ستجد أسفل الأنبياء مباشرة الصديقين ولا متوسط بينهما ،وقال عز وجل} :و َال َ ّذ ِي ج َاء َ ب ِّ
ِالص ْد ِ
يجعل بينهما واسطة.
Shamela.org ٥١١
النساء ][72 - 69 ٣٤
وكما دلت هذه الدلائل على نفي الواسطة فقد وصف الل ّٰه هذه الأمة بأنها خير أمة ،والأمة أجمعت على جعل أبي بكر حتى جعلوا الإمام
بعد الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فلم توجد واسطة بين النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم وبين أبي بكر في الخلافة ،وإنما خلفه مباشرة أبو بكر
ل لِصَاحِبِه ِ
رضي الل ّٰه تعالى عنه ،وتحقق عموم قوله عز وجل في شأن الصديق رضي الل ّٰه تعالى عنه} :ث َانِي َ اث ْنَيْنِ ِإ ْذ هُمَا فِي ال ْغ َارِ ِإ ْذ يَق ُو ُ
الل ّه َ مَع َنَا{ ]التوبة [٤٠:وقال له النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :يا أبا أبكر ما ظنك باثنين الل ّٰه ثالثهما؟!(.
ن َ تح ْز َ ْن ِإ َ ّ
لا َ
فتحقق هذا الأمر فلم يطلق لقب :خليفة رسول الل ّٰه إلا على أبي بكر؛ لأنه في عهد عمر رضي الل ّٰه تعالى عنه قالوا :لو ظللنا كلما أتى
خليفة جديد نضيف له هذا اللفظ لطال جداً ،يعني :إذا قيل في حق أبي بكر :خليفة رسول الل ّٰه ،ثم قيل في حق عمر :خليفة خليفة
رسول الل ّٰه ،وفي حق الثالث :خليفة خليفة خليفة رسول الل ّٰه ،فإن الأمر سيطول ،فمن لذلك رأوا أن يستبدلوها بلقب أمير المؤمنين.
فشاء الل ّٰه سبحانه وتعالى أن يختص أبا بكر بهذه النسبة ،وأن يكون الل ّٰه ثالثهما ،كما في الحديث) :يا أبا بكر ما ظنك باثنين الل ّٰه ثالثهما(
فعبارة خليفة رسول الل ّٰه قرن فيها اسم أبي بكر بالرسول صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،فأيضا ً لما توفي رضي الل ّٰه تعالى عنه دفنوه إلى جنب
رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،وما ذاك إلا أن الل ّٰه تعالى رفع الواسطة بين النبيين والصديقين في هذه الآية.
فمن ثم ارتفعت الواسطة بينهما في هذه الوجوه التي ذكرناها.
٣٤.١.٦سبب نزول قوله تعالى) :ومن يطع الل ّٰه والرسول فأولئك مع الذين أنعم الل ّٰه عليهم(
سبب نزول قوله تعالى) :ومن يطع الل ّٰه والرسول فأولئك مع الذين أنعم الل ّٰه عليهم(
أما سبب نزول هذه الآية فعن سعيد بن جبير قال) :جاء رجل من الأنصار إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وهو محزون ،فقال
له النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم :يا فلان! ما لي أراك محزوناً؟ قال :يا نبي الل ّٰه! شيء فكرت فيه ،قال :وما هو؟ قال :نحن نغدو عليك
ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك ،وغدا ً ترفع مع النبيين فلا نصل إليك ،فلم يرد النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم شيئا ًفأتاه جبر يل بهذه الآية:
Shamela.org ٥١٢
النساء ][72 - 69 ٣٤
صلى الل ّٰه عليه وسلم :من مات على ذلك كان مع النبيين والشهداء يوم القيامة هكذا ،ما لم يعق والديه ،ونصب أصبعيه(.
وقال ابن كثير :وأعظم من هذا كله بشارة ما ثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة) :أن
رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال :المرء مع من أحب ،المرء مع من أحب ،قال أنس:
فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث ،ثم قال أنس بن مالك :والل ّٰه! إني لأحب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم وأحب أبا بكر وعمر
وأرجو أن يبعثني معهم ،وإن لم أعمل بعملهم(.
إذاً :هذا من أوثق الأسباب التي يتعلق بها الإنسان كي ينال هذه المراتب العالية ،لا بالأماني والغرور ولـكن بالاجتهاد في الطاعة وفي
العبادة.
انظر! مجرد محبة هؤلاء الصالحـين تنفعك في الآخرة ،وتنال هذا الثواب العظيم) :المرء مع من أحب(.
وقوله) :المرء مع من أحب( هذا عام يشمل كل من يحب أحدا ً من المخلوقين ،فالذي يحب المغنين والممثلين والمطربين وأبطال الـكرة
والر ياضة يكون معهم ،والذي يحب الظلمة والمتجبرين يكون معهم ،وكذلك الذي يحب الرسول عليه الصلاة والسلام والذي يحب
الصحابة فإنه يكون معهم.
فإذاً :من الأسباب التي توصل إلى المراتب العالية في الجنة الاجتهاد في محبة الصالحـين ،كما قال الإمام ابن المبارك رحمه الل ّٰه تعالى:
أحب الصالحـين ولست منهم ،وأبغض الطالحـين وأنا شر منهم.
وقال الإمام الشافعي :أحب الصالحـين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأبغض من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة على
أي الأحوال؟ فمحبة الصحابة من أعظم الأسباب التي يرجى أن تنفع صاحبها يوم القيامة ،وبالعكس من وجد في قلبه والعياذ بالل ّٰه
بغضا ً لأحد من الصحابة رضي الل ّٰه تعالى عنهم فهذا نذير شؤم عليه ،ونذير سوء عاقبة؛ لأن من يكون في صف مقابل ومضاد لصف
ْض ال َ ّ
ظالِمِينَ بَعْضًا بِمَا ك َانُوا ي َ ْكسِب ُونَ{ ك نُو َل ِّي بَع َ
فيه أبو بكر وعمر فسوف يوليه الل ّٰه عز وجل الظالمين مثله ،قال عز وجل} :وَكَذَل ِ َ
]الأنعام.[١٢٩:
فينبغي على كل من وجد في قلبه شيئا ًعلى أحد من الصحابة أن يطهر قلبه منه ،وللأسف الشديد كنت أتحدث مع بعض الناس عن
مسألة الصحابة رضي الل ّٰه عنهم وما ينبغي لهم من المحبة في قلوبنا ،والجميل الذي في أعناقنا ،ونذكر ما بذله لنا الصحابة رضي الل ّٰه تعالى
عنهم ،فوجدت أن بعض الناس الذين نشئوا على المناهج الدراسية في ظل الثورة المشئومة يحطون من قدر عمرو بن العاص رضي الل ّٰه
تعالى عنه ،فالمسلم المنصف مهما قرأ فإنه لا يتصور أن هذا هو الشخص الذي درست شخصيته في التاريخ ،وصارت الصورة منطبعة
في ذهن الـكثيرين بشكل مشوه ،حتى إن أغلب الناس نتيجة تربيتهم منذ نعومة أظفارهم يبغضون عمرو بن العاص ويبغضون معاو ية
رضي الل ّٰه تعالى عنهما وغيرهما من الصحابة؛ لأن الخبثاء يعمدون إلى شخصيات مثل شخصية عمرو بن العاص فيشوهون صورته كذبا ً
وزوراً ،مع أنه هو الذي فتح مصر وطهرها من الوثنية والرجس والأوثان والـكفر المبين ،وهو الذي جعله الل ّٰه سببا ً لأن يخرجنا من
الظلمات إلى النور ،وأعداء الدين يريدون أن يقطعونا عن هذه الجذور.
فلو أن كل أمم الأرض خاضوا في حق عمرو بن العاص لكان واجبا ً على المصر يين بالذات أن لا يخوضوا معهم أبداً ،بل الواجب
عليهم أن يذبوا عنه ويستغفروا له و يترضوا عنه رضي الل ّٰه تعالى عنه.
عمرو بن العاص وأمثاله من الصحابة -الذين ٺتطاول عليهم الأقلام المسمومة -داخلون في عموم نصوص القرآن والسنة التي تحث على
محبة الصحابة واحترامهم ،وهي كثيرة جداً.
والل ّٰه سبحانه وتعالى قد قسم المؤمنين إلى ثلاثة أقسام :المهاجرين ،والأنصار ،ومن يحب المهاجرين والأنصار ،فمن ليس من هؤلاء
الأقسام الثلاثة فليس من المؤمنين ،إما أن تكون مهاجر يا ًأو أنصار يا ًوهم الصحابة رضي الل ّٰه عنهم ،أو تكون ممن أتى بعدهم محبا ًلهم،
فإذا لم تحبهم فلست منهم وليسوا منك.
Shamela.org ٥١٣
النساء ][72 - 69 ٣٤
Shamela.org ٥١٤
النساء ][72 - 69 ٣٤
يدخل في قول النبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم) :دعوا لي أصحابي ،والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ً ما بلغ مد أحدهم
ولا نصيفه(.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم( ٣٤.٣
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم(
Shamela.org ٥١٥
النساء ][92 - 88 ٣٥
Shamela.org ٥١٦
النساء ][92 - 88 ٣٥
سبب نزول قوله تعالى) :فما لـكم في المنافقين فئتين والل ّٰه أركسهم( ٣٥.١.١
سبب نزول قوله تعالى) :فما لـكم في المنافقين فئتين والل ّٰه أركسهم(
يوضح ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن زيد بن ثابت رضي الل ّٰه عنه) :أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس
قد خرجوا معه في الجيش ،وثبطوا الناس عن القتال ،فكان أصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم فيهم فرقتين؛ فرقة تقول :نقتلهم،
وفرقة تقول :لا ،هم مؤمنون -يعني :باعتبار ما كانوا يظهرون -فأنزل الل ّٰه تعالى} :فَمَا لـَك ُ ْم فِي ال ْمُنَافِق ِينَ ف ِئَتَيْنِ{ ]النساء [٨٨:فقال رسول
الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم :إنها طيبة -يعني :المدينة -وإنها تنفي الخبث كما ينفي الـكير خبث الحديد( يعني :المدينة تطرد المنافقين منها
وتتخلص منهم.
وذكر الإمام محمد بن إسحاق في وقعة أحد :أن عبد الل ّٰه بن أبي ابن سلول رجع يومئذٍ بثلث الجيش -وهم ثلاثمائة -وبقي النبي صلى الل ّٰه
عليه وسلم في سبعمائة.
وثمة رواية أخرى في سبب نزول هذه الآية ،فقد روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف) :أن قوما ًمن العرب أتوا رسول الل ّٰه
صلى الل ّٰه عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة وحماها ،فأركسوا فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحابه -يعني :النبي
صلى الل ّٰه عليه وسلم -فقالوا لهم :ما لـكم رجعتم؟ قالوا :أصابنا وباء المدينة ،فقالوا :أما لـكم في رسول الل ّٰه أسوة حسنة ،فقال بعضهم:
نافقوا ،وقال بعضهم :لم ينافقوا ،فأنزل الل ّٰه تعالى} :فَمَا لـَك ُ ْم فِي ال ْمُنَافِق ِينَ ف ِئَتَيْنِ و ََالل ّه ُ أَ ْركَسَهُمْ{ ]النساء ([٨٨:أي :نكسهم وردهم إلى
الـكفر.
)بما كسبوا( يعني :بسبب ما كسبوا من لحاقهم بالـكفار ،وابتعادهم عن المؤمنين.
)أتريدون أن تهدوا من أضل الل ّٰه( تهدوا هنا بمعنى :أن تصفوا بالهداية من أضل الل ّٰه ،وأن تعدوا هؤلاء الضلال من جملة المهتدين.
فهنا توبيخ على هذا الفعل من المؤمنين الذين لم يعدوا هؤلاء منافقين و يبرءوا منهم ،وإشعار بأن هذا الأمر منهم يؤدي إلى أن يعدوا
هؤلاء المنافقين من جملة المهتدين وهو من المحال؛ لأن هداية من أضله الل ّٰه تعالى من المستحيل ،فإنه من يضلل الل ّٰه فلا هادي له،
لذلك يقول الل ّٰه لهم) :أتريدون أن تهدوا من أضل الل ّٰه(.
)ومن يضلل الل ّٰه( يعني :عن دينه.
)فلن تجد له سبيلاً( أي :طر يقا ًإلى الهدى.
Shamela.org ٥١٧
النساء ][92 - 88 ٣٥
تفسير قوله تعالى) :إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق( ٣٥.٣
تفسير قوله تعالى) :إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق(
ُ ن يَصِ لُونَ ِإلَى قَو ْ ٍم بَي ْنَك ُ ْم و َبَيْنَه ُ ْم م ِيثَاقٌ أَ ْو ج َاءُوك ُ ْم َ قال تبارك وتعالى}ِ :إ َلّا ال َ ّذ ِي َ
صد ُور ُه ُ ْم أَ ْن يُق َاتِلُوك ْم أَ ْو يُق َاتِلُوا قَوْمَه ُ ْم و َلَو ْ شَاء َ
َت ُ
حصِر ْ
الل ّه ُ لـَك ُ ْم عَلَيْه ِ ْم سَب ِيل ًا{ ]النساء.[٩٠: ل َ
جع َ َ
سلَم َ فَمَا َن اع ْتَزَلُوك ُ ْم فَل َ ْم يُق َاتِلُوك ُ ْم و َأَ لْقَو ْا ِإلَيْكُم ُ ال َ ّ
الل ّه ُ لَس ََل ّطَه ُ ْم عَلَيْك ُ ْم فَلَق َاتَلُوك ُ ْم ف َِإ ِ
َ
)إلا الذين يصلون( يعني :الذين يلجئون.
)إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق( يعني :عهد هدنة أو أمان ،فاجعلوا حكمهم كحكمهم؛ لأن هذا سيؤدي إلى قتال من وصلوا إليه ،فيفضي
إلى نقض الميثاق.
Shamela.org ٥١٨
النساء ][92 - 88 ٣٥
وفي هذا احترام للعهود والمواثيق ،يعني :الحكم السابق في قوله تبارك وتعالى) :فإن تولوا( أي :عن الهجرة وانحازوا للـكفار مع قدرتهم
على الهجرة إليكم.
)فخذوهم( يعني :بالأسر.
)واقتلوهم حيث وجدتموهم( في الحل أو الحرم.
)ولا تتخذوا منهم وليا ًولا نصيراً(.
من الذي يستثنى من هؤلاء المذكورين؟! يستثنى من لجأ إلى قوم بين المسلمين وبينهم ميثاق ،ففي هذه الحالة ينبغي عدم التعرض له،
بل يعامل كمعاملة هؤلاء الذين لهم عهد ولهم هدنة ولهم ميثاق؛ لأنه إذا دخل هذا في جوار هؤلاء القوم الذين لهم عهد وميثاق،
وحاول المسلمون أن يقتلوه وهو في جوارهم فهذا سيؤدي إلى قتال هؤلاء المعاهدين ،وبالتالي تنقض العهود ،ومن ثم أمر الل ّٰه سبحانه
وتعالى بأن هؤلاء يعاملون كمعاملة هؤلاء الذين بيننا وبينهم ميثاق.
)أو جاءوكم حصرت صدورهم( يعني :وهؤلاء الذين جاءوكم يستثنون مع هؤلاء اللاجئين.
)حصرت صدورهم( يعني :قد ضاقت وانقبضت نفوسهم.
)أن يقاتلوكم( لإرادتهم المسالمة فهم يريدون أن يكونوا سلما ًلـكم ،و يكرهون وتضيق نفوسهم بأن يقاتلوكم.
)أو يقاتلوا قومهم( أي :معكم لمكان القرابة منهم ،فهؤلاء لا يريدون أن يقاتلوكم ،ولا يريدون أن يضموا إليكم ليقاتلوا قومهم وقبيلتهم،
فهم لا لـكم ولا عليكم.
إذا ً المستثنى هنا من المأمور بأخذهم فر يقان :أحدهما :من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين.
الآخر :من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفر يقين.
الل ّه ُ لَس ََل ّطَه ُ ْم عَلَيْك ُ ْم فَلَق َاتَلُوكُمْ( إشعار بقوتهم في أنفسهم ،وأن التعرض لقتلهم فيه إظهار لقوتهم الخفية ،فهذه الجملة جار ية
)و َلَو ْ شَاء َ َ
مجرى التعليل لاستثنائهم من الأخذ والقتل.
)ولو شاء الل ّٰه لسلطهم عليكم فلقاتلوكم( يقول القاسمي :فيها إشعار بأنه لديهم قوة كاملة هم يستطيعون أن يقاتلوكم ،لـكن الل ّٰه هو الذي
كف أيديهم عنكم ،وأنتم إذا تعرضتم لقتلهم فستستفزونهم ،وبالتالي سيأخذون موقفا ًمعاديا ًويشرعون في قتالـكم ،هذا هو التعليل لسبب
استثنائهم من الأخذ والقتل.
)فإن اعتزلوكم( يعني :إن تركوكم مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك.
)فلم يقاتلوكم( مع أنهم متمكنون من قتالـكم وقادرون على قتالـكم ،لـكن الل ّٰه سبحانه وتعالى كفهم عنكم.
)وألقوا إليكم السلم( أي :الانقياد والاستسلام.
)فما جعل الل ّٰه لـكم عليهم سبيلاً( أي :ليس لـكم حق في أن تأخذوهم بالأسر أو بالقتل ،إذ لا ضرر منهم على الإسلام ،وقتالهم يظهر
كمال قوتهم.
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :فما لـكم في المنافقين فما جعل الل ّٰه لـكم عليهم سبيلا( ٣٥.٤
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :فما لـكم في المنافقين فما جعل الل ّٰه لـكم عليهم سبيلاً(
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى :ولما رجع ناس من معركة أحد -وهم المنافقون -اختلف الناس فيهم ،فقال فر يق :نقتلهم ،وقال فر يق:
لا ،فنزل) :فما لـكم( أي :ما شأنكم صرتم )في المنافقين فئتين( فرقتين ،لذلك فإن إعراب كلمة فئتين يكون بتقدير كلمة صرتم.
)والل ّٰه أركسهم( أي :ردهم.
)بما كسبوا( من الـكفر والمعاصي.
Shamela.org ٥١٩
النساء ][92 - 88 ٣٥
)أتريدون أن تهدوا من أضل الل ّٰه( أتريدون أن تهدوا من أضله الل ّٰه ،أي :تعدوهم من جملة المهتدين ،والاستفهام في الموضعين للإنكار.
)ومن يضلل الل ّٰه فلن تجد له سبيلاً( أي :ومن يضلله الل ّٰه فلن تجد له طر يقا ًإلى الهدى.
)ودوا( أي :تمنوا.
)لو تكفرون كما كفروا فتكونون( أنتم وهم )سواءً( في الـكفر.
)فلا تتخذوا منهم أولياء( توالونهم وإن أظهروا لـكم الإيمان.
)حتى يهاجروا في سبيل الل ّٰه( هجرة صحيحة تحقق إيمانهم.
)فإن تولوا( يعني :عن الهجرة كما ذكرنا وأقاموا على ما هم عليه.
)فخذوهم( بالأسر.
)واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً( توالونه )ولا نصيراً( تنتصرون به على عدوكم.
)إلا الذين يصلون( يلجئون.
)إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق( عهد بالأمان لهم ،كما عاهد صلى الل ّٰه عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعين على النبي صلى
الل ّٰه عليه وسلم ولا يعينه ،على أن من لجأ إليه لا يتعرض الرسول صلى الل ّٰه عليه وسلم له.
)أو( الذين )جاءوكم( وقد )حصرت( ضاقت) ،صدورهم( عن )أن يقاتلوكم( مع قومهم) ،أو يقاتلوا قومهم( معكم ،أي :ممسكين عن
قتالـكم وقتالهم فلا ٺتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل.
وهذا وما بعده منسوخ بآية السيف.
وسبق البيان أن معنى النسخ في مثل هذه المواضع من القرآن الـكريم يتفاوت بحسب حال المسلمين ،أما النسخ الآخر كنسخ الخمر والربا
أو غير ذلك من الأشياء التي نسخ حكمها تماماً.
)ولو شاء الل ّٰه( تسليطهم عليكم) ،لسلطهم عليكم( بأن يقوي قلوبهم) ،فلقاتلوكم( ولـكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب.
)فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم( الصلح أي :انقادوا.
)فما جعل الل ّٰه لـكم عليهم سبيلاً( أي :طر يقا ًبالأخذ أو القتل.
Shamela.org ٥٢٠
النساء ][92 - 88 ٣٥
٣٥.٥.١أقوال المتقدمين من أهل التفسير في قوله تعالى) :ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم
أقوال المتقدمين من أهل التفسير في قوله تعالى) :ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم
ل م َا ر ُ ُدّوا ِإلَى الْفِت ْنَة ِ ُأ ْر ِ
كس ُوا ف ِيهَا ف َِإ ْن ل َ ْم ن يُر ِيد ُونَ أَ ْن ي َأْ م َن ُوك ُ ْم و َي َأْ م َن ُوا قَوْمَه ُ ْم ك ُ َ ّ
جد ُونَ آخَر ِي َ
يقول الحافظ ابن كثير :قال تعالى) :سَت َ ِ
حي ْثُ ثَقِفْتُم ُوه ُ ْم و َ ُأوْلَئِك ُ ْم َ
جعَل ْنَا لـَك ُ ْم عَلَيْه ِ ْم سُلْطَان ًا م ُب ِينًا(. سلَم َ و َيَكُ ُ ّفوا أَ يْدِيَه ُ ْم فَخُذ ُوه ُ ْم و َاق ْتُلُوه ُ ْم َ
يَعْتَز ِلُوك ُ ْم و َيلُْق ُوا ِإلَيْكُم ُ ال َ ّ
هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم ،ولـكن نية هؤلاء غير نية أولئك ،فإن هؤلاء المذكورين قوم منافقون يظهرون للنبي صلى الل ّٰه
عليه وسلم ولأصحابه الإسلام؛ ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ،و يصانعون الـكفار في الباطن ،فيعبدون معهم ما
ستَهْزِئُونَ{
ن مُ ْ يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم ،وهم في الباطن مع أولئك ،كما قال تعالى} :و َِإذ َا خ َلَو ْا ِإلَى شَيَاطِينِه ِ ْم قَالُوا ِإ َن ّا مَعَك ُ ْم ِإ َن ّمَا َ
نح ْ ُ
]البقرة.[١٤:
وعن مجاهد :أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم فيسلمون ر ياء ،ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في
الأوثان ،يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا و يصلحوا.
وقال الأكثرون من المفسرين :في الآية دلالة على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا لم يجز لنا قتالهم
يخْرِجُوك ُ ْم م ِنْ دِي َارِك ُ ْم أَ ْن تَب َُر ّوه ُ ْم و َت ُ ْق ِ
سط ُوا ِإلَيْه ِ ْم ِإ َ ّ
ن ن ل َ ْم يُق َاتِلُوك ُ ْم فِي الد ِّي ِن و َل َ ْم ُ
ن ال َ ّذ ِي َ ولا قتلهم ،ونظيره قوله تعالى} :لا يَنْهَاكُم ُ َ
الل ّه ُ ع َ ِ
الل ّه ِ ال َ ّذ ِي َ
ن يُق َاتِلُونَكُمْ{ ]البقرة [١٩٠:فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا ل َ سط ِينَ{ ]الممتحنة ،[٨:وقوله تعالى} :و َقَاتِلُوا فِي سَب ِي ِ يح ُ ّ
ِب ال ْم ُ ْق ِ الل ّه َ ُ
َ
دون من لم يقاتلنا.
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم( بإظهار الإيمان عندكم.
)و يأمنوا قومهم( بالـكفر إذا رجعوا إليهم ،وهم بنو أسد وغطفان.
)كلما ردوا إلى الفتنة( دعوا إلى الشرك.
)أركسوا فيها( يعني :وقعوا أشد وقوع.
)فإن لم يعتزلوكم( بترك قتالـكم.
)و يلقوا( ولم يلقوا إليكم السلم.
)و يكفوا أيديهم( عنكم.
)فخذوهم( بالأسر.
)واقتلوهم حيث ثقفتموهم( وجدتموهم.
)وأولئكم جعلنا لـكم عليهم سلطانا ًمبيناً( برهانا ًبينا ًظاهرا ً على قتلهم وسبيهم؛ لغدرهم.
Shamela.org ٥٢١
النساء ][92 - 88 ٣٥
خطَأ ً فَت َحْ رِير ُ ر َقَبَة ٍ مُؤْم ِنَة ٍ وَدِيَة ٌ مُس ََل ّم َة ٌ ِإلَى أَ ه ْلِه ِ ِإ َلّا أَ ْن خطَأ ً وَم َنْ قَت َ َ
ل مُؤْم ِنًا َ ل مُؤْم ِنًا ِإ َلّا َ
ن أَ ْن يَقْت ُ َ
قال تبارك وتعالى} :وَم َا ك َانَ لم ُِؤْم ِ ٍ
ن فَت َحْ رِير ُ ر َقَبَة ٍ مُؤْم ِنَة ٍ و َِإ ْن ك َانَ م ِنْ قَو ْ ٍم بَي ْنَك ُ ْم و َبَيْنَه ُ ْم م ِيثَاقٌ فَدِيَة ٌ مُس ََل ّم َة ٌ ِإلَى أَ ه ْلِه ِ و َ َ
تحْرِير ُ ي َ َصّ َ ّدقُوا ف َِإ ْن ك َانَ م ِنْ قَو ْ ٍم عَد ُ ٍّو لـَك ُ ْم و َه ُو َ مُؤْم ِ ٌ
)وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ًإلا خطأً( يعني :ما ينبغي ولا يصح ولا يليق بمؤمن قتل أخيه المؤمن ،ولا يجـترئ على إهدار دم أخيه
المؤمن؛ لأن الإيمان زاجر عن ذلك ،لـكن قد يقع ذلك على وجه الخطأ ،كالحوادث التي تقع في الطرقات أو أي طر يقة لا يجوز فيها
القتل العمد ،إلا على وجه الخطأ ،فإنه ربما يقع لعدم حصول الاحتراز عنه بالكلية تحت الطاقة البشر ية؛ لأن هذا قد يكون بغير قصده.
قال الزمخشري :فإن قلت :ما إعراب قوله) :إلا خطأً(؟ لها عدة وجوه :الأول :مفعول له ،ومعناه :ما ينبغي له أن يقتله لعلة من
العلل إلا للخطأ وحده.
الثاني :أن يكون حالاً ،بمعنى :في حال كونه خطأً.
خطَأً( يعني :قتلا ًخطأً ،فيكون صفة للمصدر.
ل مُؤْم ِنًا ِإ َلّا َ
ن أَ ْن يَقْت ُ َ
الثالث :أن يكون صفة للمصدر ،يعني) :وَم َا ك َانَ لم ُِؤْم ِ ٍ
وكل هذه الوجوه جائزة.
على أي الأحوال المعنى :أن من شأن المؤمن أن ينتفي عنه حصول قتل المؤمن ابتداء ً ألبتة ،إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن
يرمي كافرا ً فيصيب مسلماً ،أو يرمي شخصا ًعلى أنه كافر فإذا هو مسلم.
خطَأً( يعني :بما ذكرنا ،وإن عفي عنه ،صحيح هو غير متعمد ولا يعامل معاملة القاتل المتعمد للقتل ،لـكن
ل مُؤْم ِنًا َ
قوله تعالى) :وَم َنْ قَت َ َ
هو مع ذلك لا يخلو من تقصير في حق الل ّٰه تبارك وتعالى ،وهذا الخطأ لا يهدر دم المؤمن بالكلية ،بل لابد أن يتحمل دم أخيه المؤمن
الذي قتل خطأ.
ولذلك يقول تعالى) :ومن قتل مؤمنا ًخطأً( إذا قدر وقوع ذلك.
)فتحرير رقبة مؤمنة( يعني :فالواجب عليه لحق الل ّٰه اعتاق نفس محكوم عليها بالإيمان ولو صغيرة؛ ليعتق الل ّٰه عنه بكل جزء منها جزءا ً
منه من النار.
فهذا فيما يتعلق بحق الل ّٰه تبارك وتعالى.
روى الإمام أحمد بسنده) :عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء فقال :يا رسول الل ّٰه إن عليّ عتق رقبة مؤمنة ،فإن كنت ترى
هذه مؤمنة أعتقتها ،فقال لها رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم :أتشهدين أن لا إله إلا الل ّٰه؟ قالت :نعم.
قال :أتشهدين أني رسول الل ّٰه؟ قالت :نعم قال :أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ قالت :نعم ،قال :أعتقها( وهذا إسناد صحيح.
وفي موطأ مالك ،ومسند الشافعي وأحمد ،وصحيح مسلم ،وسنن أبي داود والنسائي ،عن معاو ية بن الحكم) :أنه لما جاء بتلك الجار ية
السوداء قال لها رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم :أين الل ّٰه؟ قالت :في السماء -يعني :فوق السماء -قال :من أنا؟ قالت :أنت رسول الل ّٰه
صلى الل ّٰه عليه وسلم ،قال :أعتقها فإنها مؤمنة(.
Shamela.org ٥٢٢
النساء ][92 - 88 ٣٥
ولهذا منع الكافر العبد من أن يتصرف تصرف الأحرار ،وهذا فيما يتعلق بحق الل ّٰه سبحانه وتعالى في هذا الذي قتل أخاه المؤمن خطأً،
خطَأ ً فَت َحْ رِير ُ ر َقَبَة ٍ مُؤْم ِنَة ٍ( ،فالواجب عليه في حق الل ّٰه تحرير رقبة مؤمنة ،أما خطَأ ً وَم َنْ قَت َ َ
ل مُؤْم ِنًا َ ل مُؤْم ِنًا ِإ َلّا َ
ن أَ ْن يَقْت ُ َ
)وَم َا ك َانَ لم ُِؤْم ِ ٍ
في حق البشر أولياء هذا الميت )وَدِيَة ٌ مُس ََل ّم َة ٌ ِإلَى أَ ه ْلِه ِ( يعني :الواجب عليه دية لحق ورثة المقتول ،وتكون الدية عوضا ً لهم عما فاتهم
من قتيلهم ،فيؤتى بالدية وتوزع على الورثة الشرعيين لهذا القتيل ،كما توزع الأنصبة الشرعية للورثة.
مقدار دية المقتول ومن تدفع لهم وكيفية توز يعها عليهم ٣٥.٦.٣
مقدار دية المقتول ومن تدفع لهم وكيفية توز يعها عليهم
قد بينت السنة مقدار الدية ،وذلك فيما رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
عن أبيه عن جده) :أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا ًوفيه :أن في النفس الدية مائة من الإبل ،وعلى أهل
الذهب ألف دينار(.
وروى أبو داود عن جابر عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم) :أنه فرض في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل ،وعلى أهل البقر مائتي
بقرة ،وعلى أهل الشاة ألفي شاة ،وعلى أهل الحلل مائتي حلة(.
وفي الموطأ) :أن عمر بن الخطاب رضي الل ّٰه تعالى عنه قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق
اثني عشر ألف درهم( وهذه الدية إنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله.
Shamela.org ٥٢٣
النساء ][94 ٣٦
يعني :أن هذه الدية التي تعطى لورثة القتيل وتوزع عليهم حسب إرثهم ،لا يدفعها القاتل خطأ نفسه بل تكون واجبة على عاقلته،
والعاقلة هم :القرابة والعصبة من الذكور.
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الل ّٰه( ٣٦.١
تفسير قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الل ّٰه(
ض الل ّه ِ فَتَب َي ّن ُوا و َلا تَق ُولُوا لم َِنْ أَ لْقَى ِإلَيْكُم ُ ال َ ّ
سلام َ لَسْتَ مُؤْم ِنًا تَب ْت َغ ُونَ ع َرَ َ ل َ قال الل ّٰه تبارك وتعالى} :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ِإذ َا ضَر َب ْتُم ْ فِي سَب ِي ِ
الل ّه َ ك َانَ بِمَا تَعْم َلُونَ خَب ِير ًا{ ]النساء.[٩٤: ن َ الل ّه ُ عَلَيْك ُ ْم فَتَبَي ّن ُوا ِإ َ ّ
ل فَم ََنّ َ
ك كُنتُم ْ م ِنْ قَب ْ ُ الل ّه ِ مَغ َانِم ُ كَث ِيرَة ٌ كَذَل ِ َالْحيََاة ِ ال ُد ّن ْيَا ف َعِنْد َ َ
في الآيات السابقة بين الل ّٰه تبارك وتعالى كفارة القتل الخطأ ،ثم بين حكم القتل العمد ،ثم هنا يحذر تبارك وتعالى عما يؤدي إلى القتل
العمد ،فإذا كانت الآية الـكريمة قد تناولت القتل العمد ،فهنا بيان لأمر يؤدي إلى القتل العمد ،وهو عدم الاكتراث وقلة المبالاة
وعدم التحرز في الأمور التي تؤدي إلى وقوع هذا القتل العمد.
))يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم(( يعني :إذا ذهبتم.
))في سبيل الل ّٰه(( يعني :مجاهدين في سبيل الل ّٰه إلى أرض العدو.
))فتبينوا(( يعني :اطلبوا بيان كل ما تأتون وما تذرون ،ولا تعجلوا فيه بغير تدبر ولا رو ية.
))ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً(( نهي عما هو نتيجة لترك المأمور به ،وتعيين لمادة مهمة من المواد التي يجب فيها التبين،
فبعدما حثنا الل ّٰه عز وجل على التبين والتثبت وعدم التعجل في الأمور ،عين مادة مهمة وموضعا ًمهما ًمن المواضع التي يتأكد فيها التبين
والتثبت والاهتمام ،وهي)) :و َلا تَق ُولُوا لم َِنْ أَ لْقَى ِإلَيْكُم ُ ال َ ّ
سلام َ لَسْتَ مُؤْم ِنًا(( يعني :لا تقولوا لمن أظهر الانقياد لدعوتكم وقال :لا إله
إلا الل ّٰه ،أو سلم عليكم فحياكم بتحية الإسلام :لست مؤمنا ًفي الباطن ،وإنا لن نقبل ظاهرك؛ لأن باطنك يخالفه ،وإنما قلت ذلك باللسان
لتطلب الأمان من القتل فقط.
فيقول الل ّٰه تبارك وتعالى :من انقاد لدعوتكم وأعلن ذلك بقوله :لا إله إلا الل ّٰه ،أو قال لـكم :السلام عليكم ،لا تقولوا له :لست مؤمنا ًفي
الباطن ،وإن أظهرت لنا هذا في الظاهر لتتقي به أو لتطلب الأمان ،بل اقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه ،يعني :إذا كنت ترى
المسلم يقاتل الـكفار وظل يطارد رجلا ًمن الـكفار ثم في النهاية حصره المسلم في مكان ورفع السيف ليقتله فقال الكافر :لا إله إلا الل ّٰه،
في هذه الحالة يجب عليه أن يكف عن قتله ،حتى لو كان الظاهر أنه إنما قال ذلك ليلوذ بالكلمة ليحقن بها دمه ،ما دام قالها فيجب
الـكف عن قتله.
))تبتغون عرض الحياة الدنيا(( يعني :تطلبون بقتله عرض الحياة الدنيا كالمال الذي معه كغنيمة ،وهذا العرض من أعراض الحياة
الدنيا هو سر يع النفاد وجملة ))تبتغون(( حال من فاعل ))لا تقولوا(( فهي منبئة عما يحملهم على العجلة وترك التأني)) ،تبتغون((
يعني :والحال أنكم تبتغون عرض الحياة الدنيا.
))فعند الل ّٰه مغانم كثيرة(( تعليل للنهي عن أخذ ماله لما فيه من الوعد الضمني يعني :كأنه قيل :لا تبتغوا ماله فعند الل ّٰه مغانم كثيرة
يغنمكموها و يغنيكم عن ارتكاب ما ارتكبتموه.
))كذلك كنتم من قبل(( هذا تعليل للنهي عن القول المذكور ،فيعلل الل ّٰه سبحانه وتعالى هذا النهي الذي أتى في هذه الآية عن أن
Shamela.org ٥٢٤
النساء ][94 ٣٦
نقول للرجل الذي يظهر الإسلام أو شعيرة من شعائر الإسلام :لست مؤمناً ،يقول تعالى)) :كذلك(( يعني :لا تقتلوه ولا ٺتعرضوا
له بل اقبلوا ظاهره وكلوا سريرته إلى الل ّٰه؛ فإنكم كذلك كنتم من قبل فمن الل ّٰه عليكم.
))فتبينوا(( أي :كنتم مثل هذا الرجل الذي ألقى إليكم السلام في أول إسلامكم ،ولا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لـكم من تحية
الإسلام ونحوها.
))فمن الل ّٰه عليكم(( بأن قبل منكم تلك المرتبة ،وعصم بها دماءكم وأموالـكم ،ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم.
والفاء في قوله)) :فتبينوا(( فصيحة ،يعني :إذا كان الأمر كذلك فاطلبوا بيان هذا الأمر البين وقيسوا حاله بحالـكم ،فهذه المرحلة أنتم
أنفسكم مررتم بها من قبل ،وما كان يظهر منكم إلا مثلما ظهر من هذا الرجل من شعائر الإسلام ،فقيسوا حاله بحالـكم ،وافعلوا به ما
ل بكم في أوائل أموركم ،من قبول ظاهر الحال ،من غير وقوف على الباطن ،فنحن البشر حينما يتعامل بعضنا مع بعض إنما نقف
فُع ِ َ
عند حد الظاهر ،أما البواطن وما في القلوب فهذا ما لا سبيل إلى الاطلاع عليه.
كل أحكام الدنيا إنما تبنى على ما يظهره الناس بعضهم لبعض ،أما تواطؤ الظاهر والباطن فهذا لا يطلع عليه إلا الل ّٰه سبحانه وتعالى.
))إن الل ّٰه كان بما تعملون خبيراً(( يعني :فلا تتهاونوا في القتل وكونوا محـترزين محتاطين في ذلك.
٣٦.١.١سبب نزول قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الل ّٰه فتبينوا(
سبب نزول قوله تعالى) :يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الل ّٰه فتبينوا(
قال ابن كثير في سبب نزولها :أخرج الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما قال) :مر رجل من بني سليم بنفر من
أصحاب النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم يرعى غنما ًله فسلم عليهم فقالوا :لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا ،فعمدوا إليه فقتلوه ،وأتوا بغنمه إلى النبي
Shamela.org ٥٢٥
النساء ][94 ٣٦
صلى الل ّٰه عليه وسلم قالوا :يا رسول الل ّٰه! إن رجلا ً شهد أن لا إله إلا الل ّٰه فقتله المقداد ،فقال :يا مقداد! أقتلت رجلا ً يقول :لا إله
٣٦.١.٢المقصود من قوله تعالى) :يأ أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الل ّٰه فتبينوا(
المقصود من قوله تعالى) :يأ أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الل ّٰه فتبينوا(
قال الرازي :اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين ،وأمر المجاهدين بالتثبت فيه؛ لئلا يسفكوا دما ًحراما ًبتأو يل
ضعيف.
وفي )الإكليل( استدل بظاهرها على قبول توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام ،وعلى أن الكافر يحكم له بالإسلام إذا أظهر ما ينافي اعتقاده،
على قراءة السلام إذا قرأناها) :ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم(.
وفي الآية وجوب التثبت في الأمور خصوصا ًالقتل.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الل ّٰه تعالى في فتح الباري :في الآية دليل على أن من أظهر شيئا ً من علامات الإسلام لم يحل دمه حتى
يختبر أمره؛ لأن السلام تحية المسلمين ،وكان تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك ،فكانت هذه علامة.
وأما على قراءة السلم) :ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم( السلم المراد به :الانقياد ،والانقياد علامة من علامات الإسلام.
Shamela.org ٥٢٦
النساء ][94 ٣٦
وسائر الأعمال.
الحكم الأول :وجوب التثبت والتأني ،وعدم العجلة في الأمور.
الحكم الثاني :أنه يجب الأخذ بالظاهر ،فمن أظهر الإسلام أو شيئا ًمن شعائر الإسلام لا يكذب ،بل يقبل منه ،ويدخل في هذا الملحد
والمنافق ،وهذا هو مذهب كثير من العلماء ،ويدخل في هذا قبول توبة المرتد خلافا ًلـ أحمد ،وقبول توبة الزنديق وهذا قول عامة الأئمة.
وقال مالك :لا تقبل؛ لأن عين مذهبهم أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون.
أيضا ً تدل هذه الآية على أن التوصل للسبب المحرم من المال لا يجوز ،وقد ذكر العلماء صورا ً مختلفة في التوصل إلى المباح بالمحظور،
والمقصود بذلك قوله)) :تبتغون عرض الحياة الدنيا(( هذا هو محل الشاهد لهذا المعنى المذكور ،وإظهار الإسلام يحقن النفس والمال،
فالقتل توصل بمحظور إلى محظور.
وقوله تعالى)) :لمن ألقى إليكم السلام(( أو السلم ))لست مؤمناً(( السلم هو :الاستسلام ،وقيل :إظهار الإسلام ،وقيل :السلام
بالألف بمعنى :التحية.
قال أبو منصور :فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة والنهي عن الإقدام عندها ،وكذلك الواجب على المؤمن التثبت عند الشبهة في كل فعل
وكل خبر؛ لأن الل ّٰه تعالى أمر بالتثبت في الأعمال بقوله)) :فَتَب َي ّن ُوا و َلا تَق ُولُوا لم َِنْ أَ لْقَى ِإلَيْكُم ُ ال َ ّ
سلام َ لَسْتَ مُؤْم ِنًا(( وقال في الخـبر}ِ :إ ْن
ق بِنَبَإ ٍ فَتَبَي ّن ُوا{ ]الحجرات [٦:فأمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة كما أمر في الأفعال حيث قال سبحانه وتعالى لنبيه صلى ج َاءَك ُ ْم فَا ِ
س ٌ
ك بِه ِ عِلْم ٌ{ ]الإسراء.[٣٦:
ْس ل َ َ
ْف م َا لَي َ
الل ّٰه عليه وسلم} :و َلا تَق ُ
وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة؛ لأن الل ّٰه نهى المؤمنين أن يقولوا لمن قال أنه مسلم :لست مؤمنا ً))ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام
لست مؤمناً(( والمعتزلة يقولون :إن صاحب الـكبيرة ليس بمؤمن ،فهم يعاندون القرآن الـكريم ،مع أن من يقصدونه لا يقول :إني
مسلم ،مرة واحدة كحال هذا الذي تكلمت عنه الآية ،لـكنه يقولها ألف مرة.
فإذا نهى أن يقولوا :لست بمؤمن ،أمرهم أن يقولوا :أنت مؤمن ،فيقال لهم :أأنتم أعلم أم الل ّٰه؟ على ما قيل لأولئك.
Shamela.org ٥٢٧
النساء ][103 - 97 ٣٧
هذا يصلي وهذا يصلي ،وهذا يصوم وهذا يصوم ،وغير ذلك من شعائر الإسلام بزعمه؟! لا ،وإنما لما تأتي تقارن تأتي بوجوه الافتراق
وليس بوجوه الاتفاق ،فالمسلم يقول :لا إله إلا الل ّٰه ،والكافر لا يقول :لا إله إلا الل ّٰه المسلم يلقي السلام المسلم يصلي المسلم يزكي ،وهكذا،
والكافر لا يفعل هذه الأشياء!! أما هذا فجعل كل الناس في المجتمع الأصل فيهم أنهم كفرة مهما أظهروا من الإسلام.
وخطورة هذه البدعة لم تقف عند حد الترف الفكري ،وإنما انتقلت إلى ما هو أكبر وهو التطبيق العملي ،واستحلال دماء المخالفين
بصورة بشعة جداً ،تماما ً كما كانت صفة الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
الل ّه ِ فَتَبَي ّن ُوا و َلا تَق ُولُوا لم َِنْ أَ لْقَى
ل َ فهنا في نفس هذه الآية ما يدل على بطلان ما ذهبوا إليه)) :ي َا أَ ُ ّيهَا ال َ ّذ ِي َ
ن آم َن ُوا ِإذ َا ضَر َب ْتُم ْ فِي سَب ِي ِ
ِإلَيْكُم ُ ال َ ّ
سلام َ لَسْتَ مُؤْم ِنًا(( فيفهم من الآية أن نثبت له صفة الإيمان وأحكام الإيمان.
ثم انظر إلى قوله تعالى)) :كذلك كنتم من قبل فمن الل ّٰه عليكم فتبينوا(( أي :كنتم مستضعفين قبل ذلك وتكتمون إيمانكم أيضاً ،أليس
هذا كله في حق المؤمنين ،أم في حق الكافرين؟! في الحقيقة الكلام يطول في هذا وأعتقد أننا قد غطينا قضية التوقف والتبين من قبل
في سلسلة بحوث الـكفر والإيمان.
فليس هناك شيء في الإسلام أن مسلما ًما متوقف في وصفه بأنه مسلم أو غير مسلم.
تفسير قوله تعالى) :إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم( ٣٧.١
جه َ َن ّم ُ وَسَاء َ ْ
ت م َصِ يراً{ ]النساء.[٩٧: جر ُوا ف ِيهَا ف َُأوْلَئ ِ َ
ك م َأْ و َاه ُ ْم َ فَتُهَا ِ
ن تَو ََف ّاهُمْ{ يجوز أن يكون ماضيا ً بمعنى :توفتهم} ،ال ْمَلائِك َة ُ ظَالِم ِي أَ نفُسِهِمْ{ ،قد يراد بالظلم هنا الـكفر ،مثل قوله تعالى:
ن ال َ ّذ ِي َ
قوله}ِ :إ َ ّ
ن الش ِّرْك َ لَظُلْم ٌ عَظ ِيم ٌ{ ]لقمان ،[١٣:وقد يراد به المعصية ،كقوله تعالى} :فمَِنْه ُ ْم ظَالِم ٌ لِن َ ْف ِ
سه ِ{ ]فاطر ،[٣٢:و يصح إرادة المعنيين هنا. ِ}إ َ ّ
روى أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله(
وهناك أحاديث أخرى بنفس المعنى ،منها قوله) :برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في بلادهم( ،فالمسلم عليه أن يجتهد في البعد عن
الكافر فلا يساكنه ولا يعيش معه ،ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين ،لا تتراءى
نارهما(.
وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :لا يقبل الل ّٰه من مشرك بعدما أسلم عملا ًحتى يفارق المشركين إلى المسلمين(.
الهجرة مستمرة إلى أن تقوم الساعة من بلاد المعصية والفسوق إلى بلاد الطاعة ،ومن بلد الظلم إلى بلد العدل ،ومن بلد البدعة إلى بلد
السنة ،ومن بلد الـكفر إلى بلد الإسلام ،فالهجرة تكون أيضا ًمن المعاصي.
}وقَالُوا{ ،يعني :الملائكة تقول لهم تقريرا ً لهم بتقصيرهم وتوبيخا ً لهم} :ف ِيم َ كُنتُم ْ{ أي :في أي شيء كنتم في أمور دينكم؟ }قَالُوا ك َُن ّا
مُسْت َضْ عَف ِينَ فِي الأَ ْرضِ{ ،أي :كنا في أرض الأعداء مستضعفين غير قادرين أن نجهر بالأذان أو أن نقيم شعائر الإسلام ،عند ذلك
جر ُوا ف ِيهَا{ ،يعني :أم تكونوا قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد الل ّه ِ و َا ِ
سع َة ً فَتُهَا ِ ْض َتبكتهم الملائكة وتقول لهم} :أَ ل َ ْم تَكُنْ أَ ر ُ
Shamela.org ٥٢٨
النساء ][103 - 97 ٣٧
التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة؟ وهذا دليل على أن الرجل يجب أن يهاجر إذا كان في بلد
لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه.
والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر ،فإذا علم المرء أنه في غير بلده أقوم بحق الل ّٰه حقت عليه الهجرة.
مثال ذلك :لو تعرف بلدا ً أفضل من مصر من حيث إظهار الدين ،فعليك أن تتحول إليه إذا كنت مستطيعاً ،وهكذا كل إنسان في أي
مكان ،أما عند العجز فلا يكلف الل ّٰه نفسا ًإلا وسعها.
}ف َُأوْلَئِكَ{ النفر المذكورون.
جه َ َن ّم ُ((؛ لأنهم هم الذين أضعفوا أنفسهم ،إذ لم يلجئهم الأعداء إلى مساكنتهم في ديارهم.
))م َأْ و َاهُمْ(( أي :مصيرهم )) َ
ت م َصِ ير ًا{ ،أي :جهنم.
}وَسَاء َ ْ
ل و َالنِّسَاء ِ و َالْوِلْد َا ِ
ن لا يَسْتَط ِيع ُونَ حِيلَة ً و َلا يَه ْتَد ُونَ سَب ِيل ًا{ ثم استثنى سبحانه من أهل الوعيد ما بينه بقوله}ِ :إ َلّا ال ْمُسْت َضْ عَف ِينَ م ِ َ
ن الر ِ ّج َا ِ
]النساء.[٩٨:
ونحن في هذا الوقت عندنا جهة رسمية ٺتعلق بالهجرة اسمها :هيئة الجوازات والهجرة والجنسية.
فالهجرة إذا أطلقت الآن يكون معناها :الهجرة من بلاد المسلمين إلى بلاد الـكفار ،سواء أستراليا أو كندا أو أمريكا أو غير ذلك.
وعندما نقول :فلان مهاجر ،فإننا نعني أنه مهاجر من بلاد المسلمين إلى بلاد الـكفار ،فانعكس المفهوم ،وبدل ما كانت الهجرة من بلاد
الـكفار إلى بلاد المسلمين صار العكس الآن ،وصار المسلمون يهاجرون إلى بلاد الـكفار!
تفسير قوله تعالى) :إلا المستضعفين من الرجال وكان الل ّٰه عفوا غفورا( ٣٧.٢
تفسير قوله تعالى) :إلا المستضعفين من الرجال وكان الل ّٰه عفوا ً غفوراً(
الل ّه ُ أَ ْن يَعْف ُو َ عَنْه ُ ْم
ك ع َس َى َ ل و َالنِّسَاء ِ و َالْوِلْد َا ِ
ن لا يَسْتَط ِيع ُونَ حِيلَة ً و َلا يَه ْتَد ُونَ سَب ِيل ًا * ف َُأوْلَئ ِ َ قال الل ّٰه تعالى}ِ :إ َلّا ال ْمُسْت َضْ عَف ِينَ م ِ َ
ن الر ِ ّج َا ِ
الل ّه ُ عَفُو ّا ً غَف ُوراً{ ]النساء.[٩٩ - ٩٨:
وَك َانَ َ
ى أو عرج أو مرض أو هرم أو فقر. ِ}إ َلّا ال ْمُسْت َضْ عَف ِينَ م ِ َ
ن الر ِ ّج َالِ{ ،لعم ً
}و َالنِّسَاء ِ و َالْوِلْد َانِ{ ،أي :النساء والصبيان فإنهم معذورون في ترك الهجرة؛ لأنهم }لا يَسْتَط ِيع ُونَ حِيلَة ً{ ،يعني :في الخروج ،إذ لا قوة
لهم على الخروج ولا نفقة.
}و َلا يَه ْتَد ُونَ سَب ِيل ًا{ ،يعني :لا يعرفون طر يقا ًإلى دار الهجرة.
الل ّه ُ أَ ْن يَعْف ُو َ عَنْهُمْ{ أن يتجاوز عنهم بترك الهجرة. }ف َُأوْلَئ ِ َ
ك ع َس َى َ
الل ّه ُ عَف ُ ًو ّا غَف ُور ًا{ ،استدل به على وجوب الهجرة من دار الـكفر إلا على من لم
الل ّه ُ أَ ْن يَعْف ُو َ عَنْه ُ ْم وَك َانَ َ وقوله تعالى} :ف َُأوْلَئ ِ َ
ك ع َس َى َ
يطقها.
وعن مالك قال :الآية تقتضي أن كل من كان في بلد تغير فيه السنن فينبغي أن يخرج منها.
Shamela.org ٥٢٩
النساء ][103 - 97 ٣٧
قال جار الل ّٰه الزمخشري :وهذا يدل على أن الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب ،وعلم
أنه في غير بلده أقوم بحق الل ّٰه حقت عليه الهجرة ،ثم قال رحمه الل ّٰه :قال في التهذيب :وعن القاسم بن إبراهيم :إذا ظهر الفسق في دار
ولا يمكنه الأمر بالمعروف فالهجرة واجبة ،والل ّٰه المستعان! وهذا بناء ً على أن الدور ثلاث :دار إسلام.
ودار فسق.
ودار حرب.
وقال عليه الصلاة والسلام) :لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ،ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها( ،وقال أيضاً) :لا
تنقطع الهجرة ما قوتل العدو(.
والذي يستطيع الانتقال إلى بلد الإسلام ،لـكن وجوده في بلاد الـكفار فيه إظهار للدين ونشاط في الدعوة إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى،
بحيث يثب ِّت المسلمين هناك على الإسلام ،ويتسبب في دخول الـكفار إلى الإسلام ،فهذا بقاؤه هناك يكون أنسب له وأفضل له من
تحوله إلى بلاد المسلمين ،إذا كان لا يتأثر بهذه الفتن ،وهذه حالات استثنائية.
وقد روى البخاري والنسائي وغيرهما عن ابن عباس قال) :نزلت في جماعة أسلموا ولم يهاجروا ،وخرجوا مع المشركين يكثرون سوادهم
على رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فقتلوا يوم بدر مع الـكفار(.
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :إن الذين توفاهم الملائكة وكان الل ّٰه عفوا غفورا( ٣٧.٣
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى) :إن الذين توفاهم الملائكة وكان الل ّٰه عفوا ً غفوراً(
ن تَو ََف ّاهُم ُ ال ْمَلائِك َة ُ ظَالِم ِي أَ نفُسِهِمْ{ ،بالمقام مع الـكفار وترك الهجرة.
ن ال َ ّذ ِي َ
]}إ َ ّ
يقول السيوطيِ :
قالوا لهم مو بخـين )فيم كنتم( أي :في أي شيء كنتم في أمر دينكم؟ ))قَالُوا(( معتذرين) ،كنا مستضعفين( عاجزين عن إقامة الدين،
))فِي الأَ ْرضِ(( أرض مكة.
جر ُوا ف ِيهَا{ ،من أرض الـكفر إلى بلد آخر كما فعل غيركم. سع َة ً فَتُهَا ِالل ّه ِ و َا ِ
ْض َ )قالوا( لهم توبيخاً} :أَ ل َ ْم تَكُنْ أَ ر ُ
ل و َالنِّسَاء ِ و َالْوِلْد َا ِ
ن لا يَسْتَط ِيع ُونَ حِيلَة ً{ ،يعني :الذين لا قوة لهم على الهجرة ولا نفقة. قوله}ِ :إ َلّا ال ْمُسْت َضْ عَف ِينَ م ِ َ
ن الر ِ ّج َا ِ
}و َلا يَه ْتَد ُونَ سَب ِيل ًا{ ،طر يقاًَ إلى أرض الهجرة.
الل ّه ُ عَف ُ ًو ّا غَف ُور ًا{ ]النساء.[[٩٩:
الل ّه ُ أَ ْن يَعْف ُو َ عَنْه ُ ْم وَك َانَ َ }ف َُأوْلَئ ِ َ
ك ع َس َى َ
تفسير قوله تعالى) :ومن يهاجر في سبيل الل ّٰه يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة( ٣٧.٤
تفسير قوله تعالى) :ومن يهاجر في سبيل الل ّٰه يجد في الأرض مراغما ًكثيرا ً وسعة(
الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ ث َُم ّ ي ُ ْدرِكْه ُ ال ْمَو ْتُ فَق َ ْد
جر ًا ِإلَى َ
يخ ْر ُجْ م ِنْ بَي ْتِه ِ مُهَا ِ
ض م ُرَاغ َمًا وَم َنْ َ الل ّه ِ َ
يج ِ ْد فِي الأَ ْر ِ ل َ ج ْر فِي سَب ِي ِ
قال تبارك وتعالى} :وَم َنْ يُهَا ِ
الل ّه ِ وَك َانَ َ
الل ّه ُ غَف ُور ًا رَحِيم ًا{ ]النساء.[١٠٠: جرُه ُ عَلَى َ
و َق َ َع أَ ْ
ض م ُرَاغ َمًا(( ،يقول السيوطي :مهاجراً. الل ّه ِ َ
يج ِ ْد فِي الأَ ْر ِ ل َ ج ْر فِي سَب ِي ِ
قوله تعالى)) :وَم َنْ يُهَا ِ
سع َة ً(( في الرزق.
))كَث ِير ًا و َ َ
الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ ث َُم ّ ي ُ ْدرِكْه ُ ال ْمَو ْتُ (( ،في الطر يق كما وقع لـ جندع بن ضمرة.
جر ًا ِإلَى َ
يخ ْر ُجْ م ِنْ بَي ْتِه ِ مُهَا ِ
))وَم َنْ َ
الل ّهِ((.
جرُه ُ عَلَى َ
))فَق َ ْد و َقَعَ(( ثبت ))أَ ْ
الل ّه ُ غَف ُور ًا رَحِيم ًا((.
))وَك َانَ َ
Shamela.org ٥٣٠
النساء ][103 - 97 ٣٧
ض م ُرَاغ َمًا(( أي :طر يقا ً الل ّهِ(( يعني :في طاعة الل ّٰه عز وجلَ )) ،
يج ِ ْد فِي الأَ ْر ِ ل َ ج ْر فِي سَب ِي ِ
يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى)) :وَم َنْ يُهَا ِ
سع َة ً((.
يراغم فيه أنوف أعدائه القاصدين إدراكه)) ،كَث ِير ًا و َ َ
وفسرها السيوطي كما رأينا ))م ُرَاغ َمًا(( أي :مهاجراً ،ولا تعارض؛ لأن المقصود بأنه سيجد سبيلا ً وطر يقا ً أو مأوىً يستطيع فيه أن
يراغم أعداء الل ّٰه تبارك وتعالى.
وقد ذكرنا من قبل في عدة مناسبات أن الل ّٰه سبحانه وتعالى يحب من وليه أن يغيظ عدوه ،بأن يلزم طاعته تبارك وتعالى فيكون أقوى
ِيظ ال ْـكُ َ ّفار َ و َلا يَنَالُونَ م ِنْ عَد ُ ٍّو نَي ْل ًا ِإ َلّا كُت ِبَ لَه ُ ْم بِه ِ
وأعز من أعداء الل ّٰه تبارك وتعالى ،كما قال تبارك وتعالى} :و َلا يَطَئ ُونَ مَوْطِئًا يَغ ُ
ِيظ بِهِم ُ ال ْـكُ َ ّفار َ{ ]الفتح.[٢٩: ل صَالِ ح ٌ{ ]التوبة ،[١٢٠:كذلك قال تبارك وتعالى} :يُعْجِبُ ُ
الز ّ َرّاعَ لِي َغ َ ع َم َ ٌ
والنبي صلى الل ّٰه عليه وسلم سمى سجدتي السهو) :المرغمتين(؛ لأنهما ترغمان أنف الشيطان وتغيظانه.
ض م ُرَاغ َمًا كَث ِير ًا{ أي :يجد مكانا ً يستطيع فيه أن يقيم دينه و يظهره و يغيظ أعداءه الذين يقصدون أن يدركوه
يج ِ ْد فِي الأَ ْر ِ
قولهَ } :
ويردوه عن هجرته ،أو عن طاعته لل ّٰه سبحانه وتعالى.
سع َة ً(( أي :في الرزق ،أو سعة في إظهار الدين ،أو سعة وانشراحا ً في الصدر؛ لأن خوفه يتبدل أمنا ً إذا هاجر من بين
))كَث ِير ًا و َ َ
ظهراني المشركين.
جر ًا(( ،أي :من مكة.
يخ ْر ُجْ م ِنْ بَي ْتِه ِ مُهَا ِ
))وَم َنْ َ
الل ّهِ(( أي :إلى طاعة الل ّٰه أو إلى مكان أمر الل ّٰه بالهجرة إليه.
))إلَى َ
ِ
))وَرَسُولِه ِ(( أي :إلى رسوله صلى الل ّٰه عليه وسلم ،يعني :بالمدينة.
))ث َُم ّ ي ُ ْدرِكْه ُ ال ْمَو ْتُ (( يعني :في الطر يق قبل أن يصل إلى المقصد.
الل ّهِ(( يعني :فقد ثبت أجره على الل ّٰه سبحانه وتعالى ،ولا يستغرب هنا أن نفسر قوله تعالى)) :وَم َنْ َ
يخ ْر ُجْ م ِنْ جرُه ُ عَلَى َ
))فَق َ ْد و َق َ َع أَ ْ
الل ّه ِ وَرَسُولِه ِ(( يعني :للمدينة؛ لأن الهجرة في حياة النبي صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم هكذا كانت،
جر ًا ِإلَى َ
بَي ْتِه ِ(( يعني :من مكة)) ،مُهَا ِ
يعني :من مكة إلى المدينة أو من خارج المدينة إلى المدينة.
الل ّهِ(( يعني :فلا يخاف فوات أجره الكامل؛ لأنه لم يكن فقط يتمنى أماني أو أحلام يقظة وإنما هو نوى وجزم
جرُه ُ عَلَى َ
))فَق َ ْد و َق َ َع أَ ْ
وعزم ،ثم تحرك وخرج من بيته بنية الهجرة إلى الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فمثل هذا يثاب ثوابا ًكاملاً؛ لأنه نوى وشرع أيضا ًفي العمل.
أما عدم إتمام العمل بسبب إدراك الموت إياه في الطر يق مثلا ًفهذا ليس تقصيرا ً منه إذا لم يتم العمل ،لـكن كان عليه أن يسعى والتمام
على الل ّٰه سبحانه وتعالى.
الل ّه ُ غَف ُور ًا رَحِيم ًا(( سيغفر له ما فرط منه من الذنوب التي من جملتها القعود عن الهجرة إلى وقت الخروج ،ويرحمه الل ّٰه بإكمال
))وَك َانَ َ
ثواب هجرته.
سبب نزول قوله تعالى) :ومن يهاجر في سبيل الل ّٰه يجد في الأرض مراغما( ٣٧.٤.١
سبب نزول قوله تعالى) :ومن يهاجر في سبيل الل ّٰه يجد في الأرض مراغماً(
هنا بعض التنبيهات فيما يتعلق بسبب نزول هذه الآية ،أخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما قال:
)خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً ،فقال لأهله :احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله
وسلم( ،هناك روايات أخرى تدل على أنه كان قد مرض ،ومع شدة مرضه خشي أن يموت في مكة دون أن يهاجر ،فقال لأهله:
احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فمات في الطر يق قبل أن يصل إلى النبي صلى الل ّٰه عليه
Shamela.org ٥٣١
النساء ][103 - 97 ٣٧
ثمرة قوله تعالى) :ومن يهاجر في سبيل الل ّٰه يجد في الأرض مراغما( ٣٧.٤.٢
ثمرة قوله تعالى) :ومن يهاجر في سبيل الل ّٰه يجد في الأرض مراغماً(
ثمرة هذه الآية :أن من خرج للهجرة ومات في الطر يق فقد وقع أجره على الل ّٰه.
قال الحاكم :لـكن اختلف العلماء في الأجر الذي وقع له ،فقال بعضهم :أجر قصده ،أي يؤجر على النية ،وقيل :أجر عمله دون أجر
الهجرة ،يعني :يثاب على القدر الذي قطعه من الهجرة ،وقيل :بل له أجر الهجرة كاملة كأنه قد هاجر بالفعل ،وهذا هو الظاهر في
سبب نزول هذه الآية الـكريمة ،وقد جاء في معنى هذه الآية أحاديث وافرة منها ما في الصحيحين وغيرهما عن عمر بن الخطاب رضي
الل ّٰه عنه أن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى الل ّٰه ورسوله
فهجرته إلى الل ّٰه ورسوله ،ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه( قال ابن كثير :وهذا عام في
الهجرة وفي جميع الأعمال.
ومنها الحديث الثابت في الصحيحين) :في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ،ثم أكمل بذلك العابد المائة ،ثم سأل عالما ً هل له من
توبة؟ فقال له :ومن يحول بينك وبين التوبة ،ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد أخرى يعبد الل ّٰه فيه ،فلما ارتحل من بلده مهاجرا ً
إلى البلد الأخرى أدركه الموت في أثناء الطر يق ،فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقال هؤلاء :إنه جاء تائباً ،وقال
هؤلاء :إنه لم يصل بعد ،فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو منها ،فأمر الل ّٰه هذه أن ٺتقارب ،وهذه أن ٺتباعد
فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر ،فقبضته ملائكة الرحمة(.
وفي رواية) :أنه لما جاءه الموت نأى بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها(.
يعني :أراد أن يجتهد في الاقتراب من هذه القر ية الصالحة بقدر المستطاع ،حتى إنه لما نزل به الموت أخذ يزحف بصدره حتى يقترب
و يقطع أقصى مسافة ممكنة حتى ينقذ روحه من النار.
وروى الإمام أحمد عن عبد الل ّٰه بن عتيك رضي الل ّٰه عنه قال :سمعت رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم يقول) :من خرج من
بيته مجاهدا ً في سبيل الل ّٰه فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الل ّٰه ،أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الل ّٰه(.
Shamela.org ٥٣٢
النساء ][103 - 97 ٣٧
Shamela.org ٥٣٣
النساء ][103 - 97 ٣٧
خفْتُم ْ(( خرج مخرج الغالب حال نزول الآية ،يعني :أنهم حال نزول الآية كان الغالب أنهم إذا انطلقوا في أرجاء
))إ ْن ِ
وقوله تعالىِ :
الجزيرة مسافرين فإنهم لا يأمنون أن يفتنهم الذين كفروا ،إذ كانت أسفارهم بعد الهجرة في مبدئها مخوفة ،بل الغالب أنهم ما كانوا
يضربون في الأرض إلا في حالة الغزو ،ولم يكونوا يخرجون للتجارة ولا للسياحة ولا للنزهة ،إنما كانوا يخرجون وقد حشدهم الرسول
صلى الل ّٰه عليه وعلى آله وسلم في السرايا والغزوات.
وسائر الأحياء حرب للإسلام وأهله ،والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
وهذه إحدى الحالات التي لا يعمل فيها بالمفهوم ،بل يلغى؛ لأنه خرج مخرج الغالب ،والأمثلة على ذلك كثيرة كما في قوله تبارك وتعالى:
}و َلا تَقْتُلُوا أَ وْلاد َك ُ ْم م ِنْ ِإمْلاقٍ{ ]الأنعام ،[١٥١:هل معنى ذلك أن الإنسان يمكن أن يقتل ولده بسبب آخر غير الإملاق والفقر؟
لا ،لا يمكن؛ وذلك لأن هذه الآية خرجت مخرج الغالب ،يعني :كان الأغلب في سبب قتل الأولاد عندهم خوف الإملاق.
الل ّاتِي فِي حُ ج ُورِك ُ ْم م ِنْ نِس َائِكُم ُ{ ]النساء ،[٢٣:هل معنى ذلك :أنه لابد أن يكن الربائب في حجور
ومثل قوله تبارك وتعالى} :وَر َب َائبُِكُم ُ َ
أزواج الأمهات؟ لا ،بل يمكن أن تكون بنت الزوجة التي هي الربيبة لا تعيش مع أمها عند زوج أمها ،بل تحرم على الرجل بعد الدخول
على أمها ،فهذا المفهوم أيضا ًخرج مخرج الغالب.
ومثل قوله تعالى} :لا ت َأْ ك ُلُوا الر ِّب َا أَ ضْ ع َافًا مُضَاعَف َة ً{ ]آل عمران ،[١٣٠:هل معنى ذلك :أن هذه الآية لها مفهوم؟ لا ،بل هذا خرج
مخرج الغالب ،بمعنى :أن أغلب الربا إنما يكون أضعافا ًمضاعفة ،لـكن هل يصح أن يؤخذ من مفهوم الآية أنه يجوز للإنسان أن يتعامل
بالربا إذا كانت نسبته ضئيلة كما يقول المضللون وعلماء السوء؟! هؤلاء يخدعون الناس بقولهم :إن الربا لو كانت نسبته يسيرة فليس
بحرام؛ لأن ربنا قال)) :أَ ضْ ع َافًا مُضَاعَف َة ً(( ]آل عمران ،[١٣٠:فهذا من نفس الباب.
يدل أيضا ً على أن المراد بالآية صلاة السفر ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن يعلى بن أمية قال) :سألت عمر بن الخطاب
كف َر ُوا(( ،وقد أمن خفْتُم ْ أَ ْن يَفْت ِنَكُم ُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ ن َ
الصّ لاة ِ ِإ ْن ِ ح أَ ْن تَقْصُر ُوا م ِ َ
ْس عَلَيْك ُ ْم جُنَا ٌ
رضي الل ّٰه عنه قلت له :قوله تعالى)) :فَلَي َ
الناس؟ فقال لي عمر رضي الل ّٰه تعالى عنه :عجبت مما عجبت منه ،فسألت رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم عن ذلك فقال :صدقة تصدق
الل ّٰه بها عليكم فاقبلوا صدقته() ،صدقة( يعني :حكم ثابت مستمر.
خفْتُم ْ
))إ ْن ِ
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي حنظلة الحذاء قال) :سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال :ركعتان ،فقلت :أين قولهِ :
كف َر ُوا(( ونحن آمنون؟ فقال :سنة رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم(. أَ ْن يَفْت ِنَكُم ُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ
وروى ابن مردو يه عن أبي الوداك قال) :سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر فقال لي :هي رخصة نزلت من السماء فإن شئتم
فردوها( ،يعني :هل من الأدب أن تردوها على الل ّٰه سبحانه وتعالى ،فهذا يدل على أن القصر المذكور في الآية هو القصر في عدد
الركعات ،وأن ذلك كان مفهوما ًعندهم بمعنى الآية.
ح
ْس عَلَيْك ُ ْم جُنَا ٌ
ض فَلَي َ
قالوا :ومما يدل على أن لفظ القصر كان مخصوصا ًفي عرفهم بنص عدد الركعات ،يعني)) :و َِإذ َا ضَر َب ْتُم ْ فِي الأَ ْر ِ
ن َ
الصّ لاة ِ(( عرف لدى الصحابة أن كلمة ))تَقْصُر ُوا(( تطلق على قصر العدد في الصلاة ،وهذه اللغة هي التي تعارفوا أَ ْن تَقْصُر ُوا م ِ َ
عليها رضي الل ّٰه تعالى عنهم أجمعين ،ولذلك لما صلى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم الظهر ركعتين قال له ذو اليدين) :أقصرت الصلاة أم
نسيت؟( لأنه صلى الأربع اثنتين.
هناك مذهب آخر في هذه الآية لبعض السلف وهو :أن هذه الآية ليست في صلاة القصر في السفر وإنما هي في صلاة الخوف ،فيكون
المقصود بالقصر في قوله) :أن تقصروا من الصلاة( ليس قصر كمية عددية وإنما قصر كيفية كما رخص ذلك في السفر ،وكما سيأتي إن
شاء الل ّٰه تعالى؛ لأن كمية صلاة السفر ركعتان ،فهي باقية على ما كانت عليه في الأصل ،حيث إن الصلاة كانت ركعتين في الأصل،
فأقرت في السفر وزيدت في الحضر ،فإذا ً هي باقية على ما هي عليه ،وهذا مذهب عمر.
Shamela.org ٥٣٤
النساء ][103 - 97 ٣٧
كف َر ُوا(( ،وقال بعدها} :و َِإذ َا كُنتَ ف ِيه ِ ْم ف َأَ قَم ْتَ لَهُم ُ َ
الصّ لاة َ فَل ْتَق ُ ْم طَائِف َة ٌ مِنْه ُ ْم خفْتُم ْ أَ ْن يَفْت ِنَكُم ُ ال َ ّذ ِي َ
ن َ ))إ ْن ِ
قال :ولهذا قال تعالىِ :
مَعَكَ{ ]النساء [١٠٢:إلى آخر الآية ،فأوجز في الآية الأولى وأشار إلى مشروعية صلاة الخوف ،ثم بين المقصود من القصر هنا وهو
قصر الـكيفية ،وذكر صفته وكيفيته.
تفسير قوله تعالى) :وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة( ٣٧.٦
كف َر ُوا لَو ْ تَغْف ُلُونَ ع َنْ أَ سْ لِحَتِك ُ ْم و َأَ مْتِع َتِك ُ ْم فَيَمِيلُونَ حتَه ُ ْم و َ َدّ ال َ ّذ ِي َ
ن َ ح ْذر َه ُ ْم و َأَ سْ ل ِ َ
ك و َل ْي َأْ خُذ ُوا ِ ت طَائِف َة ٌ ُأ ْ
خر َى ل َ ْم يُص َُل ّوا فَل ْيُص َُل ّوا مَع َ َ و َل ْت َأْ ِ
الل ّه َ أَ ع َ ّد
ن َ ح ْذر َك ُ ْم ِإ َ ّ
ح عَلَيْك ُ ْم ِإ ْن ك َانَ بِك ُ ْم أَ ذ ًى م ِنْ مَطَرٍ أَ ْو كُنتُم ْ م َْرض َى أَ ْن تَضَع ُوا أَ سْ لِحَتَك ُ ْم وَخُذ ُوا ِ
حدَة ً و َلا جُنَا َ
عَلَيْك ُ ْم مَيْلَة ً و َا ِ
ن عَذ َاب ًا مُهِينًا{ ]النساء.[١٠٢: لِلْك َافِرِي َ
قوله)) :و َِإذ َا كُنتَ ف ِيهِمْ(( يعني :إذا كنت يا محمد حاضرا ً فيهم ،وأنتم تخافون العدو.
))ف َأَ قَم ْتَ لَهُم ُ َ
الصّ لاة َ(( يعني :فأقمت لهم صلاة الخوف ،وهذا جرى على عادة القرآن في الخطاب ،فلا مفهوم له ،أي :ليس حضوره
صلى الل ّٰه عليه وسلم شرطا ًلإقامة صلاة الخوف كما سنبين إن شاء الل ّٰه تعالى عما قريب.
وبعض الناس يقولون :إنه لا تصلى صلاة الخوف إلا في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى قال)) :و َِإذ َا
كُنتَ ف ِيه ِ ْم ف َأَ قَم ْتَ لَهُم ُ َ
الصّ لاة َ فَل ْتَق ُ ْم طَائِف َة ٌ مِنْه ُ ْم مَعَكَ(( ،فإذا لم يكن فهم بعد موته عليه الصلاة والسلام ،ألا يصلي الإمام الناس؟
صد َق َة ً تُطَهّ ِر ُه ُ ْم
بلى يصلي ،وهذا نفس الاستدلال الذي استدل به بعض مانعي الزكاة في تأو يلهم الفاسد لقوله تعالى} :خ ُ ْذ م ِنْ أَ مْوَالِه ِ ْم َ
و َت ُزَكّ ِيه ِ ْم بِهَا{ ]التوبة ،[١٠٣:قالوا :هذا فقط في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ،أما إذا مات الرسول عليه الصلاة والسلام فنحن
لا ندفع لغيره؛ لأن الأمر إنما هو إلى الرسول بنفسه ،وسيأتي الرد على ذلك إن شاء الل ّٰه.
))فَل ْتَق ُ ْم طَائِف َة ٌ مِنْه ُ ْم مَعَكَ(( يعني :طائفة تقوم معك وطائفة ٺتأخر.
حتَهُمْ(( يعني :هؤلاء الذين يصلون معك يأخذون أسلحتهم معهم في الصلاة.
))و َل ْي َأْ خُذ ُوا أَ سْ ل ِ َ
والمقصود بالأسلحة هنا :الأسلحة التي لا ٺتعارض مع الصلاة ،كالأسلحة الخفيفة التي يسهل حملها أثناء الصلاة دونما مشقة تعيق عن
أداء الصلاة.
))ف َِإذ َا سَ جَد ُوا(( سجدوا هنا بمعنى :صلوا.
))فَل ْيَكُونُوا م ِنْ وَر َائِكُمْ(( ،يعني :تكون الطائفة الأخرى من ورائكم ،يحرسونكم إلى أن تقضوا الصلاة ،ثم تذهب هذه الطائفة لتحرس.
حتَهُمْ(( أي :معهم إلى أن تقضوا الصلاة ،وقد فعل النبي صلى
ح ْذر َه ُ ْم و َأَ سْ ل ِ َ
ك و َل ْي َأْ خُذ ُوا ِ ت طَائِف َة ٌ ُأ ْ
خر َى ل َ ْم يُص َُل ّوا فَل ْيُص َُل ّوا مَع َ َ ))و َل ْت َأْ ِ
الل ّٰه عليه وسلم ذلك ببطن نخل كما رواه الشيخان.
في هذه الآيات بالذات كما جاء في كتب التفسير أن الصحابة كانوا متحركين في جهة القبلة ،والأعداء كانوا في الجهة المقابلة ،فكيف
تكون صفة هذه الصلاة وهم بهذا الاتجاه؟ يقف صف يصلي وهو مستقبل القبلة مع النبي عليه الصلاة والسلام ،والصف الآخر يقف
وراءه يحرسهم ،وهو معنى قوله)) :فَل ْيَكُونُوا م ِنْ وَر َائِكُمْ(( وسيأتي بيان تفصيل صلاة الخوف في الأحاديث.
كف َر ُوا لَو ْ تَغْف ُلُونَ ع َنْ أَ سْ لِحَتِك ُ ْم و َأَ مْتِع َتِكُمْ(( ،يعني :تمنوا لو تغفلون عن الأسلحة حال قيامكم إلى الصلاة. ))و َ َدّ ال َ ّذ ِي َ
ن َ
حدَة ً(( ،يعني :بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم ،هنا تعليل بالأمر لهؤلاء الذين يصلون بأن يأخذوا معهم الأسلحة.
))فَيَمِيلُونَ عَلَيْك ُ ْم مَيْلَة ً و َا ِ
Shamela.org ٥٣٥
النساء ][103 - 97 ٣٧
تفسير قوله تعالى) :فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الل ّٰه( ٣٧.٧
Shamela.org ٥٣٦
النساء ][103 - 97 ٣٧
Shamela.org ٥٣٧
النساء ][103 - 97 ٣٧
قلوبهم.
حدَة ً(( ،كثرة التحذير قد يوقع في
كف َر ُوا(()) ،فَيَمِيلُونَ عَلَيْك ُ ْم مَيْلَة ً و َا ِ ح ْذر َكُمْ(()) ،و َ َدّ ال َ ّذ ِي َ
ن َ تكرر في الآية التحذير)) :وَخُذ ُوا ِ
قلوب بعض المؤمنين أن الـكفار قد ينتصرون عليهم أو قد ينالون منهم ،أو أن غلبتهم متوقعة ،فلما وجد هذا الاحتمال نفى الل ّٰه سبحانه
الل ّه َ أَ ع َ ّد لِلْك َافِرِي َ
ن عَذ َاب ًا مُهِينًا((. ن َ ))إ َ ّ
وتعالى ذلك الإيهام ،وذلك بأن الل ّٰه تعالى هو الذي ينصرهم وأنه سيقيهم عدوهمِ ،
الل ّه ُ ب ِأَ يْدِيكُمْ{ ]التوبة ،[١٤:فهذا العذاب المهين ليس
ومن أسباب تعذيب الكافرين أن الل ّٰه يعذبهم بأيدي المؤمنين} ،قَاتِلُوه ُ ْم يُع َ ّذِبْهُم ُ َ
فقط في الآخرة لـكنه سيكون على أيديكم ،فلا تهملوا في الأخذ بالأسباب والاحتياط وأخذ الحذر والسلاح.
تابع تفسير قوله تعالى) :فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الل ّٰه قياما وقعودا( ٣٧.٩
تابع تفسير قوله تعالى) :فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الل ّٰه قياما ًوقعوداً(
ن َ
الصّ لاة َ ك َان َْت عَلَى ال ْمُؤْم ِنِينَ الصّ لاة َ ِإ َ ّ
الل ّه َ ق ِيَاما ً و َقُع ُودا ً و َعَلَى جُن ُوبِك ُ ْم ف َِإذ َا اطْ م َأْ نَنتُم ْ ف َأَ ق ِيم ُوا َ ضي ْتُم ْ َ
الصّ لاة َ فَا ْذك ُر ُوا َ قال الل ّٰه تعالى} :ف َِإذ َا ق َ َ
ضي ْتُم ْ َ
الصّ لاة َ{ يعني :إذا أتممتم الصلاة ،دون صلاة الخوف على ما فسر. ك ِتَابا ً مَو ْق ُوتاً{ ]النساء [١٠٣:قوله} :ف َِإذ َا ق َ َ
الل ّه َ ق ِيَام ًا و َقُع ُود ًا و َعَلَى جُن ُوبِكُمْ{ أي :فداوموا على ذكره تعالى في جميع الأحوال ،فإن ما أنتم عليه من الخوف والحذر مع العدو
}فَا ْذك ُر ُوا َ
جدير بالمواظبة على ذكر الل ّٰه والتضرع إليه.
أمر تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف ،وإن كان مشروعا ًبعد غيرها ،يعني :أن ذكر الل ّٰه يكون بعد صلاة الخوف آكد ،لما وقع فيها
من التخفيف في أركانها ،ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها ،كما قال تعالى في الأشهر الحرم:
}فَلا تَظْل ِم ُوا ف ِيه َِنّ أَ نْفُسَكُمْ{ ]التوبة ،[٣٦:فهل ظلم النفس بالمعاصي مباح فيما عدا الأشهر الحرم؟ لا ،بل هو محرم ،لـكن هنا آكدية
بحرمة ذلك الزمان ،كذلك في هذه الحالة المسلمون حاجتهم إلى الذكر أوكد.
}ف َِإذ َا اطْ م َأْ نَنتُم ْ{ أي :سكنت قلوبكم بالأمن وذهب عنكم الخوف.
}ف َأَ ق ِيم ُوا َ
الصّ لاة َ{ أي :على الحالة التي كنتم تعرفونها فلا تغيروا شيئا ًمن هيئتها.
ن َ
الصّ لاة َ ك َان َْت عَلَى ال ْمُؤْم ِنِينَ ك ِتَاب ًا مَو ْق ُوت ًا{ أي :فرضا ًمؤقتاً ،لا يجوز إخراجها عن أوقاتها. ِ}إ َ ّ
ما يتعلق بقوله تعالى) :وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة( من أحكام وأقوال ٣٧.١٠
ما يتعلق بقوله تعالى) :وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة( من أحكام وأقوال
فيما يتعلق بظاهر قوله تعالى)) :و َِإذ َا كُنتَ ف ِيهِمْ(( هناك من لم ير صلاة الخوف بعده صلى الل ّٰه عليه وسلم ،حيث زعموا أن صلاة
الخوف كانت خاصة بعهد رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فقالوا :إن الل ّٰه اشترط كونه فيهم ،فقال)) :و َِإذ َا كُنتَ ف ِيه ِ ْم ف َأَ قَم ْتَ لَهُم ُ
َ
الصّ لاة َ(( ومفهومها :أنه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لا تشرع صلاة الخوف ،ولا يخفى أن الأئمة والخلفاء بعد الرسول عليه الصلاة
صد َق َة ً{ ]التوبة[١٠٣:
والسلام يقومون مقامه ،فيتناولهم حكم الخطاب الوارد له صلى الل ّٰه عليه وسلم ،كما في قوله تعالى} :خ ُ ْذ م ِنْ أَ مْوَالِه ِ ْم َ
هذه ليست خاصة بالرسول عليه الصلاة والسلام ،بل الإمام عليه بعد ذلك أن يقوم بنفس الوظيفة في جمع الزكاة.
وقد قال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :صلوا كما رأيتموني أصلي( ،وعموم منطوق هذا الحديث مقدم على مفهوم قوله تعالى)) :و َِإذ َا كُنتَ
ف ِيهِمْ((.
Shamela.org ٥٣٨
النساء ][134 - 127 ٣٨
وقد روى أبو داود والنسائي والحاكم وابن أبي شيبة وغيرهم عن سعيد بن العاص أنه قال) :كنا في غزوة ومعنا حذيفة فقلنا :أيكم شهد
مع رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة :أنا ،فأمرهم حذيفة فلبسوا السلاح ،ثم قال :إن هاجكم هيج فقد حل
لـكم القتال ،فصلى بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة العدو ،ثم انصرف هؤلاء فقاموا مقام أولئك ،وجاء أولئك فصلى بهم
ركعة أخرى ثم سلم بهم( ،وكانت الغزوة بطبرستان ،قال بعضهم :وكان ذلك بحضرة الصحابة رضي الل ّٰه تعالى عنهم فلم ينكره أحد،
فحل محل الإجماع.
وروى أبو داود) :أن عبد الرحمن بن سمرة صلى بكابل صلاة الخوف(.
تفسير قوله تعالى) :ويستفتونك في النساء قل الل ّٰه يفتيكم فيهن( ٣٨.١
Shamela.org ٥٣٩
النساء ][134 - 127 ٣٨
}و َأَ ْن تَق ُوم ُوا لِل ْيَتَام َى ب ِالْقِسْطِ {) ،وأن تقوموا لليتامى( بالجر عطف على ما قبله ،يعني :وما يتلى في حق هؤلاء اليتامى كما في قوله تعالى:
طي ّ ِِب و َلا ت َأْ ك ُلُوا أَ مْوَالَه ُ ْم ِإلَى أَ مْوَالـِك ُ ْم ِإ َن ّه ُ ك َانَ حُوب ًا كَب ِير ًا{ ]النساء ،[٢:فهذا هو ما يتلى علينا في شأن اليتامى،
}و َلا ٺَتَب َ ّدلُوا الْخبَ ِيثَ ب ِال َ ّ
وأمرنا أن نقوم بحقهم بالقسط ،ونحو ذلك مما لا يكاد يحصر في الأمر برعاية حق اليتامى.
قال سعيد بن جبير :كما أنها إذا كانت ذات جمال ومال نكحتها واستأثرت بها ،كذلك إذا لم تكن ذات مال وجمال فانكحها واستأثر
بها.
والخطاب هنا للولاة أو للأولياء.
Shamela.org ٥٤٠
النساء ][134 - 127 ٣٨
)فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً( وفي قراءة )أن يصّ الحا بينهما صلحاً( وأصلها أن يتصالحا ،فأدغمت التاء في الصاد وشددت
فصارت )أن يصّ الحا بينهما صلحاً(.
)بينهما صلحاً( في القسم والنفقة ،يعني :في المبيت وفي النفقة.
هذا الصلح يكون فيه نوع من التنازل من جانب المرأة كي تبقى زوجة له ،وتضحي ببعض حقوقها عليه كي لا يطلقها و يعدل إلى
غيرها.
فتترك له شيئا ًطلبا ًلبقاء الصحبة ،فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها.
إما أنها ترضى بهذا الصلح الذي فيه التنازل عن بعض حقوقها ،فإن لم ترض بذلك فعليه أن يوفيها حقها كاملا ًأو يفارقها.
)والصلح خير( )خير( هنا أفعل تفضيل ،يعني :والصلح خير من الفرقة والنشوز والإعراض.
وعن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما :فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
ُس ال ُ ّ
ش َحّ { ،يعني :شدة البخل ،فهي جبلت عليه فكأنها حاضرة لا تغيب قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان} :و َ ُأحْ ضِر ِ
َت الأَ نف ُ
عنه ،وكأن الشح صفة لازمة للإنسان أو للنفس البشر ية ،فهذا تعبير عن شدة لصوق هذه الصفة بالإنسان.
والمعنى :أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها بسبب وجود هذا الشح ،فلا تكاد أبدا ً تسمح بنصيبها من زوجها ،كذلك الرجل
لا يكاد يسمح لها بنفسه إذا أحب غيرها.
)وإن تحسنوا( أي :عشرة النساء.
)وٺتقوا( أي :ٺتقوا الجور عليهن.
)فإن الل ّٰه كان بما تعملون خبيراً( يعني :فيجاز يكم به.
ح خَيْر ٌ(( الصلح خير من النشوز وخير من الإعراض وخير من الطلاق وخير من الفرقة ،فهذا يفيد ضمنا ًكراهة الطلاق ،كذلك و ُ
َالصّ ل ْ ُ
Shamela.org ٥٤١
النساء ][134 - 127 ٣٨
Shamela.org ٥٤٢
النساء ][134 - 127 ٣٨
المفاوضات لهذا الصلح نوع من الخصومة والاختلاف ،فإذا تلا قوله تعالى) :والصلح خير( رغب في الصلح ،فإذا حصل أثناء الصلح
مشاحة واختلاف منهم في الاتفاق ،ثم تذكر قوله تعالى) :وأحضرت الأنفس الشح( فيكون فيها نوع من المواساة للطرف الذي يلقى
الخصومة من الآخر.
يقول :فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبلية بغير استمالة مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته ،وكذا شح
نفسها بحقوقها مما يحمل الرجل على أن يقتنع من قبلها بشيء يسير ،ولا يكلفها بذل الـكثير ،فيتحقق بذلك الصلح.
قوله تعالى) :وإن تحسنوا( أي :في العشرة.
)وٺتقوا( النشوز والإعراض ،ونقض الحق.
)فإن الل ّٰه كان بما تعملون( من تحمل المشاق في ذلك.
)خبيراً( فيجاز يكم ويثيبكم.
ح
ن امْرَأَ ة ٌ خ َاف َْت م ِنْ بَعْلِه َا نُش ُوز ًا أَ ْو ِإعْرَاضًا فَلا جُنَا َ
و يلاحظ هنا أن خطاب الأزواج أتى بطر يق الالتفات ،يقول عز وجل)) :و َِإ ِ
ُس ال ُ ّ
ش َحّ (( ،فهذا كلام يقال للغائب ،ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب ح خَيْر ٌ و َ ُأحْ ضِر ِ
َت الأَ نف ُ عَلَيْهِم َا أَ ْن يُصْ ل ِح َا بَيْنَهُم َا صُلْح ًا و ُ
َالصّ ل ْ ُ
تحْسِن ُوا(( وهذا فيه تنبيه ،ففي خطاب الأزواج بطر يق الالتفات ،وقوله) :وإن تحسنوا( عبر عن رعاية حقوقهن فقال)) :و َِإ ْن ُ
بالإحسان.
)وٺتقوا( ولفظ التقوى المنبئ عن كون النشوز والإعراض مما يتوقى منه ،وٺتقوا النشوز وٺتقوا الإعراض عنهن ،وترتيب الوعد الـكريم
عليه في قوله) :فإن الل ّٰه كان بما تعملون خبيراً( هذا فيه الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة.
وفي البخاري عن عائشة رضي الل ّٰه عنها في هذه الآية قالت) :الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليس بمستكثر منها ،يريد أن يفارقها بعد
ما أسنت فتقول :أجعلك من شأني في حل ،فنزلت هذه الآية في ذلك(.
فتبقى زوجة له ويمسكها على أن ٺتسامح عن بعض حقوقها أو عن حقوقها حسبما يصطلحان(.
ن امْرَأَ ة ٌ خ َاف َْت
وروى ابن أبي حاتم عن خالد بن عرعرة قال) :جاء رجل إلى علي رضي الل ّٰه عنه فسأله عن قول الل ّٰه عز وجل)) :و َِإ ِ
ح خَيْر ٌ(( ،قال علي :يكون الرجل عنده المرأة فتنبو عيناه عنها ح عَلَيْهِم َا أَ ْن يُصْ ل ِح َا بَيْنَهُم َا صُلْح ًا و ُ
َالصّ ل ْ ُ م ِنْ بَعْلِه َا نُش ُوز ًا أَ ْو ِإعْرَاضًا فَلا جُنَا َ
من دمامتها أو كبرها أو سوء خلقها أو قذذها فتكره فراقه ،فإن وضعت له من مهرها شيئا ًحل له ،وإن جعلت له من أيامها فلا حرج(.
وكذا رواه أبو داود الطيالسي وابن جرير.
وروى ابن جرير أيضا عن عمر رضي الل ّٰه تعالى عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال) :هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها،
فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها ،فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز(.
وروى سعيد بن منصور عن عروة قال) :أنزل في سودة )وإن امرأة( إلى آخر الآية(.
وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ففرقت -يعني :خافت -أن يفارقها رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ضنت أن تخسر ارتباطها
بالنبي صلى الل ّٰه عليه وآله وسلم ،وعرفت من حب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه ،فوهبت يومها من رسول الل ّٰه صلى
الل ّٰه عليه وسلم لـ عائشة ،فقبل ذلك رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم.
وروى الحاكم عن عروة عن عائشة أنها قالت له) :يا بن أختي كان رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم
في مكثه عندنا -يعني :كان يعدل بينهن في القسم -وكان قل يوم إلا وهو يطوف على نسائه ،فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى
يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها ،ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت ،وفرقت -أي :خافت -أن يفارقها رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه
عليه وسلم :يا رسول الل ّٰه! يومي هذا لـ عائشة فقبل ذلك رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم منها ،قالت :فنزل في ذلك قول الل ّٰه تعال
Shamela.org ٥٤٣
النساء ][134 - 127 ٣٨
الل ّه َ
ن َ ل فَتَذَر ُوه َا ك َال ْم ُع َل ّقَة ِ و َِإ ْن تُصْ لِحُوا و َٺَت ّق ُوا ف َِإ َ ّ قال تبارك وتعالى} :و َلَنْ تَسْتَط ِيع ُوا أَ ْن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء ِ و َلَو ْ حَر َصْ تُم ْ فَلا تَمِيلُوا ك ُ َ ّ
ل ال ْمَي ْ ِ
ك َانَ غَف ُور ًا رَحِيم ًا{ ]النساء.[١٢٩:
يقول السيوطي رحمه الل ّٰه تعالى) :ولن تستطيعوا أن تعدلوا( تسووا.
)بين النساء( في المحبة.
)ولو حرصتم( على ذلك.
)فلا تميلوا كل الميل( إلى التي تحبونها في القسم والنفقة.
)فتذروها( أي :تتركوا الممال عنها.
)كالمعلقة( التي لا هي أيم ،ولا هي ذات بعل.
يعني :لا هي مزوجة ولا هي مطلقة.
)وإن تصلحوا( بالعدل في القسم.
)وٺتقوا( الجور.
)فإن الل ّٰه كان غفوراً( لما في قلبكم من الميل.
)رحيماً( بكم في ذلك.
Shamela.org ٥٤٤
النساء ][134 - 127 ٣٨
الزنا بالتراضي فليس بجريمة ،فالل ّٰه المستعان! وفي تونس حوكم بعض الناس بتهمة أنه ارتكب جريمة الزواج من امرأة ثانية ،فالمحامي كما
يقولون كان حاذقا ً واستطاع بحذقه كما يزعم الناس أن يخرجه من هذه الجريمة مثل الشعرة من العجين ،إذ أثبت المحامي أنها عاشقة
وليست زوجة ،وخليلة وليست حليلة ،والل ّٰه المستعان! و يجب على النساء اللائي فيهن نوع من الأنانية أن يفهمن أن الذي ينتفع بتعدد
الزوجات هو قسم كبير جدا ً من النساء وليس فقط الرجال ،مع أنه معروف أن المرأة جبلت على الغيرة الشديدة ،لـكن هذا أصلح
وأنسب وأفضل للمرأة.
فإذاً :هناك قسم كبير من النساء يكون التعدد أنسب لظروفهن ،وأفضل لهن من أن تبقى بلا زوج.
فالقضية ليست قضية القومية النسائية كما يحاولون أن يصوروا أن الرجال في جانب والنساء في جانب ،قوم الرجال ضد قوم النساء،
والحقيقة أن هذا التعدد فيه مصلحة حتى للنساء ،بل إن كثيرا ً من المجتمعات الإسلامية الآن لم يعد لها مخرج على الإطلاق من الفتن
التي تموج بها إلا بتعدد الزوجات.
وحصل هذا حتى في بعض المجتمعات الكافرة حيث أباحوا تعدد الزوجات باعتباره مخرجا ًمن الضياع الذي صارت فيه هذه المجتمعات،
ولاشك أن القضية حساسة تحتاج أن نتناولها من كل جوانبها ،ونرجو فيما بعد أن تكون هناك فرصة للتفصيل إن شاء الل ّٰه.
يقول القاضي كنعان :فشرعوا للناس قوانين تمنع التعدد وتعاقب عليه ،وتبيح الزنا ولا تعاقب عليه إذا حصل برضا الطرفين ،فأي
الحكمين خير للمرأة :أن تكون زوجة شر يفة ،أم أن تكون خليلة ،ثم إن الإسلام لم يفرض التعدد.
يعني :التعدد ليس بواجب بل مجرد حكم مشروع لم يفرض فرضاً؛ لأن بعض الناس وخاصة أعداء الإسلام في الخارج يحاولون التشنيع
على الإسلام ،فإذا تكلمت مع أي واحد منهم عن رأيه أو فكرته عن الإسلام فتراه ما يعرف عن الإسلام سوى أن الإسلام يوجب
على المسلم أن يتزوج بأربع نساء.
ولهم كثير من الافتراءات في هذا ومنها :أن الرجل المسلم لا يضع العصا عن عاتقه ،وأنه يجب عليه أن يضرب زوجته في الصباح وفي
المساء كل يوم كما يزعمون و يفترون ،وهم يقولون هذا للتنفير عن دين الل ّٰه سبحانه وتعالى والصد عن سبيل الل ّٰه عز وجل.
حتى إن تعدد الزوجات في مجتمعاتنا نادر جداً ،والذي يحيي هذه الشر يعة نادر جدا ً في المجتمع ،حيث إن ظروف الناس حالت دونها،
بل تجد أحيانا ًالشباب لا يتزوج حتى واحدة إلا بعد الأربعين أو الخامسة والثلاثين.
إذاً :أين مشكلة تعدد الزوجات؟! هي كلها عبارة عن أزمات مصطنعة وليست طبيعية؛ لترويج الفواحش في المجتمع ،حيث يضيقون
على الناس من جهة ثم يفتحون النوافذ إلى الحرام من جهة أخرى ،فالل ّٰه المستعان!! يقول :والإباحة معلق بإرادة الرجل والمرأة،
فلماذا تقبل المرأة أن تكون ضرة لمرأة أخرى؟ فإذا كان التعدد غير لائق كما يزعمون ويزعمن فإن بإمكان النساء وحدهن منعه؛ وذلك
بامتناعهن عن القبول بزوج متزوج ،وهذا ما لا يفعلنه.
إذاً :التعدد ليس فر يضة بل مجرد شيء مشروع للرجل له أن يفعله أو لا يفعله ،وكذلك المرأة لها أن تفعله أو لا تفعله ،فإذا كانت
القومية النسائية متفقه كلها على إنكار موضوع التعدد ،فالنساء يستطعن أن يمنعن التعدد تماماً؛ وذلك بأن يرفضن الزواج من الرجل
المتزوج.
معلوم أن التعدد فيه مصلحة لطائفة كثيرة جدا ً من النساء ،و يكون أنسب لهن وأفضل لظروفهن.
وهذه الآية مما يشغب به كثير من الذين يحرفون كلام الل ّٰه عن مواضعه حينما يقولون :القرآن جمع بين المتناقضات والعياذ بالل ّٰه ،وبعض
الناس يتكلفون فيقولون :إن الل ّٰه سبحانه وتعالى علق إباحة التعدد على القيام بالعدل ،وقالوا :إن هذا الشرط المذكور في هذه الآية
يستحيل أن يتحقق ،فهو علق على شرط لا يتحقق وغير مستطاع وهو العدل ،واستدلوا بهذه الآية)) :و َلَنْ تَسْتَط ِيع ُوا أَ ْن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاء ِ
و َلَو ْ حَر َصْ تُم ْ(( ،بينما في الحقيقة العدل في الآية الأولى غير العدل في هذه الآية.
َت أَ يْمَانُكُمْ{ ]النساء ،[٣:العدل هنا هو الذي يملـكه خفْتُم ْ أَ َلّا تَعْدِلُوا ف َوَا ِ
حدَة ً أَ ْو م َا م َلـَك ْ فقوله تبارك وتعالى في صدر سورة النساء} :ف َِإ ْن ِ
Shamela.org ٥٤٥
النساء ][134 - 127 ٣٨
الإنسان ،كالعدل في المبيت وفي النفقة ،هذه الأشياء الرجل لا عذر له إذا أخل بها ،أما العدل هنا في قوله عز وجل)) :و َلَنْ تَسْتَط ِيع ُوا
أَ ْن تَعْدِلُوا(( فالمقصود به :الميل القلبي الذي لا يملـكه الإنسان.
كان عليه الصلاة والسلام يقول في عائشة) :إن الل ّٰه رزقني حبها( ،فإذا كانت المحبة رزقا ًفالل ّٰه يبسط الرزق لمن شاء و يقدر.
فهذا الأمر ليس من كسبه وهو فوق طاقته ،لـكنه مأمور بالعدل الذي يستطيعه وهو العدل في النفقة وفي القسم ،أما العدل في الميل
القلبي فهذا يعذر الإنسان فيه)) ،و َلَنْ تَسْتَط ِيع ُوا أَ ْن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ(( أي :تسووا بينهن في جميع الوجوه ،بحيث لا يقع ميل ما إلى
جانب إحداهن في شأن من الشئون ،فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة ،فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع ،كما قاله
ابن عباس وغيره.
)ولو حرصتم( يعني :ولو حرصتم على إقامة العدل وبالغتم في ذلك لن تستطيعوا؛ لأن الميل القلبي يقع بلا اختيار.
وعن عائشة رضي الل ّٰه عنها قالت) :كان رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول :اللهم هذا قسمي فيما أملك
فلا تلمني فيما تملك ولا أملك( ،يعني :لا تلمني في ميل القلب ،رواه الإمام أحمد وأهل السنن ،وذكرنا أنه ضعيف.
)فلا تميلوا كل الميل( يعني :إذا ملتم إلى واحدة منهن ،فلا تبالغوا في الميل إليها.
ولا تتمادوا في ذلك ،ولـكن ثبتوا أنفسكم فلا تميلوا كل الميل؛ لأنك إذا ملت كل الميل ستضيع العدل الواجب الذي تملـكه وتستطيعه
وهو القسم.
)فتذروها( أي :تذروا التي ملتم عنها.
)كالمعلقة( أي :بين السماء والأرض ،لا تكون في إحدى الجهتين ،فهي لا ذات زوج ولا مطلقة.
وروى أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه قال :قال رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم) :من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما
جاء يوم القيامة وأحد شدقيه ساقط( ،هذه الرواية هنا بلفظ) :شدقيه( لـكن الأصح والل ّٰه أعلم أنها )شقيه( أي :جانبه.
)وإن تصلحوا( أي :نفوسكم بالتسو ية والقسمة بالعدل فيما تملـكون.
)وٺتقوا( أي :الحيف والجور.
)فإن الل ّٰه كان غفورا ً رحيماً( فيغفر لـكم ما سلف من ميلـكم.
تفسير قوله تعالى) :وإن يتفرقا يغن الل ّٰه كلا من سعته( ٣٨.٤
تفسير قوله تعالى) :وإن يتفرقا يغن الل ّٰه كلا ًمن سعته(
الل ّه ُ و َاسِعا ً حَكِيماً{ ]النساء.[١٣٠: الل ّه ُ ك ُلً ّا م ِنْ َ
سع َتِه ِ وَك َانَ َ ن َ قال تبارك وتعالى} :و َِإ ْن يَتَف ََر ّقَا يُغْ ِ
قوله) :وإن يتفرقا( أي :الزوجان بالطلاق.
)يغن الل ّٰه كلاً( عن صاحبه.
)من سعته( أي :من فضله؛ بأن يرزقها زوجا ًغيره ،ويرزقه غيرها.
سع ًا{ ،أي :لخلقه في الفضل.
الل ّه ُ و َا ِ
}وَك َانَ َ
}حَكِيم ًا{ ،فيما دبره لهم.
والمعنى :إن يتفرق الزوج والمرأة بالطلاق بأن لم يتم الصلح بينهما ،فالشرع لا يقبل أن تبقى المرأة كالمعلقة ،ولعلـكم تلحقون ذلك بحكم
ن يُؤ ْلُونَ م ِنْ نِس َائِه ِ ْم ت َر َُب ّ ُ
ص أَ رْبَعَة ِ أَ شْهُرٍ{ ]البقرة [٢٢٦:فمن حلف أن لا يقرب المرأة ولم يحدد الإيلاء المذكور في قوله تعالى} :ل َِل ّذ ِي َ
أجلا ً فالشرع يقول :هذا الوضع الذي هو إلى الأبد دون تحديد ليس في الإسلام ،لـكن ينظر المولي ويمهل أربعة أشهر }ف َِإ ْن فَاءُوا{
Shamela.org ٥٤٦
النساء ][134 - 127 ٣٨
تفسير قوله تعالى) :ولل ّٰه ما في السموات وما في الأرض وكفى بالل ّٰه وكيلا( ٣٨.٥
تفسير قوله تعالى) :ولل ّٰه ما في السموات وما في الأرض وكفى بالل ّٰه وكيلاً(
الل ّه َ و َِإ ْن ت َ ْكف ُر ُوا ن ُأوتُوا الْكِتَابَ م ِنْ قَبْل ِـك ُ ْم و َِإ َي ّاك ُ ْم أَ ِ
ن َات ّق ُوا َ صي ْنَا ال َ ّذ ِي َ
ض و َلَق َ ْد و َ َ ّ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ قال تبارك وتعالى} :وَل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
ن َات ّق ُوا َ
الل ّهَ(( بأن خافوا عقابه وذلك بأن تطيعوه. ))أَ ِ
))و َِإ ْن ت َ ْكف ُر ُوا(( وقلنا لهم ولـكم :إن تكفروا بما وصيتم به.
ات وَم َا فِي الأَ ْرضِ(( خلقا ًوملكا ًوعبيدا ً فلا يضره كفركم. ن ل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ ))ف َِإ َ ّ
الل ّه ُ غ َن ًِي ّا(( أي :عن خلقه وعبادتهم.
))وَك َانَ َ
))حَم ِيدًا(( أي :محمودا ً في صنعه بهم.
ات وَم َا فِي الأَ ْرضِ(( كرره تأكيدا ً لتقرير موجب التقوى. ))وَل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
كفَى ب َِالل ّه ِ وَك ِيل ًا(( أي :شهيدا ً بأن ما فيهما له.
))و َ َ
وجه تكرار قوله تعالى) :ولل ّٰه ما في السماوات وما في الأرض( الآيات ٣٨.٥.١
وجه تكرار قوله تعالى) :ولل ّٰه ما في السماوات وما في الأرض( الآيات
ن ُأوتُوا
صي ْنَا ال َ ّذ ِي َ
ض و َلَق َ ْد و َ َ ّ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ في الحقيقة هنا شيء يلفت النظر في هذه الجملة من الآيات ،يقول تعالى} :وَل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
الل ّه ُ غ َن ًِي ّا
ض وَك َانَ َ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ ن ل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ الل ّهَ{ ]النساء [١٣١:ثم قال} :و َِإ ْن ت َ ْكف ُر ُوا ف َِإ َ ّ الْكِتَابَ م ِنْ قَبْل ِـك ُ ْم و َِإ َي ّاك ُ ْم أَ ِ
ن َات ّق ُوا َ
كفَى ب َِالل ّه ِ وَك ِيل ًا{ ]النساء.[١٣٢:
ض وَ َ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ حَم ِيدًا{ ]النساء ،[١٣١:ثم قال} :وَل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
ذكره ثالثا ًإما لتقرير كونه تعالى غنيا ًحميداً ،فإن جميع المخلوقات تدل بحاجتها على غناه ،وبما أفاض عليها من الوجود وأنواع الخصائص
والـكمالات على كونه حميداً.
Shamela.org ٥٤٧
النساء ][134 - 127 ٣٨
وإما تمهيدا ً للاحقة )إن( الشرطية ،وهو بيان كونه تعالى قادرا ً على جميع المقدورات ،أي :له سبحانه ما فيهما من الخلائق خلقا ًوملكاً،
فهو قادر على الإفناء والإ يجاد ،فإن عصيتموه أيها الناس! فهو قادر على إعدامكم وإفنائكم بالكلية ،وعلى أن يوجد قوما ًآخرين يشتغلون
بعبادته وتعظيمه ،فذكر هذه الكلمات في هذا المقام ثلاث مرات؛ لتقرير ثلاثة أمور في سياقها كما بينا.
وقال الرازي :إذا كان الدليل الواحد دليلا ً على مدلولات كثيرة؛ فإنه يحصل ذكر ذلك الدليل ليستدل به على أحد تلك المدلولات،
ثم يذكر مرة أخرى ليستدل به على الثاني ،ثم ثالثا ًليستدل به على المدلول الثالث.
وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة؛ لأنه عند إعادة ذكر الدليل يخطر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول،
فكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجلى ،فظهر أن هذا التكرير في غاية الحسن والـكمال.
وأيضاً :فإذا أعدته ثلاث مرات ،وفرعت عليه في كل مرة إثبات صفة أخرى من صفات جلال الل ّٰه ،تنبه الذهن حينئذ؛ لـكون تخليق
السماوات والأرض دالا ًعلى أسرار شر يفة ،ومطالب جليلة؛ لأنه كلما ذكر هذا الجزء من الآية احتف بذكر صفات لل ّٰه عز وجل غير
المذكورة في المرة السابقة.
الل ّهَ{ ،ثم قال} :و َِإ ْن ن ُأوتُوا الْكِتَابَ م ِنْ قَبْل ِـك ُ ْم و َِإ َي ّاك ُ ْم أَ ِ
ن َات ّق ُوا َ صي ْنَا ال َ ّذ ِي َ
ض و َلَق َ ْد و َ َ ّ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ ففي الأولى} :وَل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
سم َو َ ِ
كفَى ب َِالل ّه ِ
ض وَ َ
ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ سم َو َ ِ الل ّه ُ غ َن ًِي ّا حَم ِيدًا{ ،ثم قال} :وَل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ ض وَك َانَ َ ات وَم َا فِي الأَ ْر ِ سم َو َ ِن ل َِل ّه ِ م َا فِي ال َ ّ
ت َ ْكف ُر ُوا ف َِإ َ ّ
وَك ِيل ًا{.
فعند ذلك يجتهد الإنسان في التفكر بما في السماوات والأرض؛ لأن هناك إشارة إلى أنه ينبغي عليكم أن ٺتفكروا فيما هو في السماوات
والأرض ،والاستدلال بأحوالها وصفاتها على صفات الخالق سبحانه وتعالى.
ولما كان الغرض الكلي من هذا الكتاب الـكريم صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الل ّٰه إلى الاستغراق في معرفة الل ّٰه ،وكان
هذا التكرار مما يفيد حصول هذا المطلوب و يؤكده ،لا جرم كان في غاية الحسن والـكمال.
كفَى ب َِالل ّه ِ وَك ِيل ًا(( أي :ربا ًحافظا ًتوكل بالقيام بجميع ما خلق.
))و َ َ
Shamela.org ٥٤٨
النساء ][149 - 148 ٣٩
قال بعض السلف :ما أهون العباد على الل ّٰه إذا أضاعوا أمره.
تفسير قوله تعالى) :لا يحب الل ّٰه الجهر بالسوء من القول( ٣٩.١
تفسير قوله تعالى) :لا يحب الل ّٰه الجهر بالسوء من القول(
الل ّه ُ سَم ِيع ًا عَلِيم ًا{ ]النساء.[١٤٨: ل ِإ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ وَك َانَ َ سوء ِ م ِ َ
ن الْقَو ْ ِ الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ
قال تبارك وتعالى} :لا ُ
قوله) :لا يحب الل ّٰه الجهر بالسوء من القول( يعني :لا يحب الل ّٰه أن يدعو أحد على أحد ،إلا أن يكون مظلوما ًفإنه قد أرخص له أن
يدعو على من ظلمه ،وذلك قوله) :إلا من ظلم( وإن صبر فهو خير له.
)وكان الل ّٰه سميعا ًعليماً( سميعا ًلما يقال ،عليما ًبما يفعل.
سوء ِ م ِ َ
ن الْقَوْلِ(( أي :لا يحب الل ّٰه تعالى أن يجهر بالقبيح الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ
يقول القاسمي رحمه الل ّٰه تعالى :قال الل ّٰه عز وجل)) :لا ُ
من القول) ،إلا من ظلم( إلا جهر المظلوم بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ،ويذكره بما فيه من السوء ،فإن ذلك غير مسخوط عنده
Shamela.org ٥٤٩
النساء ][149 - 148 ٣٩
سبحانه وتعالى ،حتى إنه يجيب دعاءه؛ لأن الل ّٰه سبحانه وتعالى حرم الظلم كما جاء في الحديث القدسي) :يا عبادي! إني حرمت الظلم
على نفسي وجعلته بينكم محرما ًفلا تظالموا( وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم) :اتقوا الظلم ،فإن الظلم ظلمات يوم القيامة( ،رواه مسلم.
وقال صلى الل ّٰه عليه وسلم لـ معاذ لما بعثه داعيا ًإلى الإسلام) :اتق دعوة المظلوم ،فإنه ليس بينها وبين الل ّٰه حجاب(.
قوله) :إلا من ظلم( يعني :إلا جهر المظلوم إذا دعا على ظالمه ،أو إذا تظل ّم به عند القاضي أو الحاكم ،وحكى هذا الظلم الذي وقع عليه،
سوء ِ م ِ َ
ن الْقَوْلِ((. الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ
فهذا أيضا ًلا يدخل في قوله)) :لا ُ
ومعلوم أن أنواع الظلم كثيرة كما جاء عن السلف ،حيث ذكروا أنواعا ًمنه ،وليس المراد حصر معنى الآية فيه ،بل القصد تنبيه المستمع
على أنواع من الظلم.
فمن ذلك ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الل ّٰه عنهما في الآية قال :لا يحب الل ّٰه أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون
مظلوماً ،فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه ،وذلك قوله) :إلا من ظلم( ،وإن صبر فهو خير ٌ له؛ لأنه إذا دعا عليه فقد أخذ
حقه ،وإن ادخرها للآخرة فهذا أفضل.
وعن مجاهد قال :هي في رجل أضاف رجلا ًفأساء قراه فتحول عنه ،والقراء :هو ما يؤدى للضيف وعند العرب فضلا ًعن المسلمين
من المذلة والمعرة أن الضيف يهجر الشخص الذي أضافه ،ويتحول عنه ثم يثني عليه.
وكلمة الثناء تطلق على الخـير ،وتطلق على الشر ،تقول :أثنى عليه خيراً ،وأثنى عليه شراً ،للحديث الذي في الجنازة )لما مرت جنازة
رجل ،فأثنوا عليها خيراً ،ولما مر رجل آخر سيئ فأثنوا عليه شراً(.
والثناء في هذا السياق المقصود به الشر ،يعني :شنع عليه ،واشتكى منه وجهر بمذمته؛ لأنه قصر في ضيافته؛ لذلك يقول مجاهد :هي في
رجل أضاف رجلا ًفأساء قراه ،فتحول عنه ،فجعل يثني عليه بما أولاه ،يثني عليه يعني :يذكره بالسوء والتقصير الذي أولاه في الضيافة.
وعن مجاهد قال :هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته ،فيخرج فيقول :أساء ضيافتي ولم يحسن ،فهذا جهر بالسوء.
وفي رواية :هو الضيف المحول رحله فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول.
قال ابن كثير :وقد روى الجماعة سوى النسائي والترمذي عن عقبة بن عامر رضي الل ّٰه عنه قال) :قلنا :يا رسول الل ّٰه! إنك تبعثنا فننزل
بقوم فلا يقرونا فما ترى في ذلك؟ فقال لنا رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم :إذا نزلتم بقوم فأمروا لـكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا منهم،
وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم(.
وروى الإمام أحمد عن المقدام بن أبي كريمة عن النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم قال) :أيما مسلم ضاف قوماً ،فأصبح الضيف محروماً ،فإن
حقا ًعلى كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله( ،يصبح من حق الضيف أن يأخذ بقدر قراه.
وروى هو وأبو داود عنه أيضا ً أنه سمع رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم يقول) :ليلة الضيف واجبة على كل مسلم ،فإن أصبح بفنائه
محروما ًكان دينا ًعليه ،فإن شاء اقتضاه ،وإن شاء تركه(.
ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة رضي الل ّٰه عنه) :أن رجلا ًأتى النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم ،فقال:
إن لي جارا ً يؤذيني ،فقال له :أخرج متاعك فضعه على قارعة الطر يق -أو في وسط الطر يق -فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطر يق،
فكل من مر به قال :ما لك؟! قال :جاري يؤذيني ،فيقول :اللهم العنه ،اللهم أخزه ،قال :فقال الرجل :ارجع إلى منزلك ،والل ّٰه لا
أوذيك أبداً( ،وقد رواه أبو داود في كتاب الأدب.
ل ِإ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ(( ،قال :هو الرجل يشتمك سوء ِ م ِ َ
ن الْقَو ْ ِ الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ
وقال عبد الـكريم بن مالك الجزري في هذه الآية)) :لا ُ
فتشتمه؛ لـكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه ،وإذا شتمك فلك أن تشتمه) ،إلا من ظلم( يعني :له أن يجهر بالسوء ،فإذا شتمك عياناً،
ن انت َصَر َ بَعْد َ ظُل ْمِه ِ
فلك أن تقتص منه بأن ترد بنفس ما شتمك به ،إلا إذا كانت كذباً ،فلا تكذب مثله ،وذلك لقوله تعالى} :و َلَم َ ِ
Shamela.org ٥٥٠
النساء ][149 - 148 ٣٩
ل ِإ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ{ ،أي :إلا من أكره على أن يجهر بالسوء من القول. سوء ِ م ِ َ
ن الْقَو ْ ِ الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ
وقال :قطرب في معنى الآية} :لا ُ
يعني :أكره كأن وقع تحت التعذيب أو الإكراه ،بحيث يجهر بالسوء من القول فهذا يباح له أن يجهر به.
وسئل المرتضى عنها ،فقال :لا يحب الل ّٰه ذلك ولا يريده لفاعله.
)إلا من ظلم( وذلك مثلما فعل مردة قريش بأصحاب رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم من التعذيب والضرب حتى يكرهوهم على شتم
ل به هكذا أن يتكلم بما ليس في قلبه ،وأن يجهر
رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم ،ففعل ذلك عمار فخل ّوه وصلبوا صاحبه ،فأجاز لمن ف ُع ِ َ
من قال بأن إلا في قوله) :إلا من ظلم( بمعنى لا ٣٩.١.٢
ل سوء ِ م ِ َ
ن الْقَو ْ ِ الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ ))إ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ(( أن )إلا( بمعنى :لا ،أي)) :لا ُ نقل السمرقندي وغيره عن الفراء في قوله تعالىِ :
ِإ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ(( يعني :حتى الذي يظلم لا يحب الل ّٰه منه أن يجهر بالسوء من القول ،يقول القاسمي :هذا من تحر يف الكلم عن مواضعه
-يعني :تفسير )إلا( بمعنى :لا -فإن الآية صر يحة في أنه يجوز للمظلوم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمه ،و يؤيده
الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم ،عن الشريد بن سويد عن رسول الل ّٰه صلى الل ّٰه عليه وسلم أنه
قال) :لي الواجد يحل عرضه وعقوبته( ،الواجد هو :الشخص الذي عليه دين أو حق للناس وعنده من المال ما يسدد به الدين و يعطي
للناس حقوقهم ،فهو ليس فقيرا ً أو معدما ًوليس لديه أي عذر ،ومع ذلك يماطل ويسو ّف ،ويتهرب من أداء حقوق الناس ،فإذا وقع
إنسان في هذه المماطلة والتسو يف مع كونه واجدا ً وغنيا ًفهذا ليه ومماطلته تحل عرضه وعقوبته ،يعني :تحل الشكوى منه والثناء عليه
ن ماطلني ،فلان يمنعني حقي ،فهذا داخل
بالشر الذي يفعله ،فيحق لك أن تذكره بسوء وتشتكيه إلى القاضي وتقول :فلان ظلمني ،فلا ٌ
ل ِإ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ{ ،فمن حق الذي ظلم أن يشتكي لـكن من لم يظلم وجهر بالسوء فهذا سوء ِ م ِ َ
ن الْقَو ْ ِ الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ
في قوله تعالى} :لا ُ
يكون مرتكبا ًلـكبيرة الغيبة.
والكلام هنا في الرخصة في الجهر بالسوء من القول في حق من ظلم ،أما من لم يظلم فجهره بالسوء داخل في الغيبة المحظورة.
أفادت الآية جواز الجهر بالدعاء على الظالم ،ودل ّت على أن من جهر بكلمة الـكفر مكرها ً لا يكفر ،وهذه الآية تضم إلى الآية التي في
سورة النحل ِ}إ َلّا م َنْ ُأكْرِه َ و َقَل ْب ُه ُ م ُ ْطم َئ ِ ّن ٌ ب ِِالإ يمَانِ{ ]النحل [١٠٦:وذلك لأن المكره مظلوم ،وإذا ثبت بطلان حكم لفظ الـكفر مع
الظلم ،فكذا يلزم في سائر الأحكام من البيع والعتاق والطلاق والإقرار.
ثم قال :والمحبة ها هنا بمعنى :الإباحة ،لا أن ذلك يريده الل ّٰه تعالى.
يقول القاسمي :هذه نزغة اعتزالية ،أي :تأو يل فاسد ،ثم قال :وتسميته سوءا ً بكونه يسوء المقالة فيه ،يعني :لأنك إذا اشتكيت من هذا
Shamela.org ٥٥١
النساء ][149 - 148 ٣٩
الظالم فهذا الكلام الذي تقوله يسوءه و يؤذيه ،وإلا فليس بقبيح في هذه الحال؛ لأن مقابلة الظالم بالجهر بالسوء من القول في حقه
إنما هو من العدل؛ وذلك كقوله تعالى} :وَجَز َاء ُ سَي ِّئَة ٍ سَي ِّئ َة ٌ مِث ْلُه َا{ ]الشورى ،[٤٠:وهذه مجرد مشاكلة في اللفظ للمجاورة ،لـكن هل
سوء ِ
الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ يح ُ ّ
ِب َ السيئة الثانية تسمى سيئة ،أم أنها من العدل؟ السيئة الثانية عدل وقصاص وليست قبيحة ،كذلك هنا)) :لا ُ
ل ِإ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ(( ،هذا أيضا ًليس سيئا ًولا قبيحا ًفي حال المقابلة وفي حال التشكي وقد ظلم. ن الْقَو ْ ِ
مِ َ
من قال بأن إلا في قوله) :إلا من ظلم( بمعنى الواو ٣٩.١.٣
ل ِإ َلّا م َنْ ُ
ظل ِم َ(( يعني) :ومن ظلم(. سوء ِ م ِ َ
ن الْقَو ْ ِ الل ّه ُ الْجَهْر َ ب ِال ُ ّ
ِب َيح ُ ّ
هناك من قال :إن )إلا( بمعنى) :الواو( ))لا ُ
ظل ِم( هذا بعيد ،إلا إذا قرئت )ومن ظَلَم( ،يقول
في الحقيقة لا أدري كيف يكون المعنى) :لا يحب الل ّٰه الجهر بالسوء من القول ومن ُ
البغوي الشاهد لهذا القول :وكل أخ مفارقه أخوه لعمرو أبيك إلا الفرقدان أي :والفراق دان ،يقول :وهذا خلاف الظاهر ،وهذا
المذهب مردود.
قولك) :إلا( بمعنى :الواو هذا خلاف ظاهر الآية الـكريمة فلا تشتغلوا به.
Shamela.org ٥٥٢
النساء ][149 - 148 ٣٩
Shamela.org ٥٥٣
النساء ][176 - 163 ٤٠
لأن بعض الناس قد يستغرب من ذلك) :ما نقص مال من صدقة( ،يعني :الصدقة لا تنقص المال أبداً ،ومن ليس عنده يقين
يستغرب هذا ،فلذلك حلف النبي صلى الل ّٰه عليه وسلم تأكيدا ً لهذه الحقائق ،و يقول في نفس الحديث) :وما زاد الل ّٰه عبدا ً بعفو إلا
عزاً ،وما تواضع أحد لل ّٰه إلا رفعه الل ّٰه(.
وقال الرازي :اعلم أن عواقب الخـير على كثرتها محصورة في أمرين :صدق مع الحق ،وخلق مع الخلق ،والذي يتعلق مع الخلق محصور
تخْف ُوه ُ(( إشارة إلى إيصال النفع إليهم.
))إ ْن تُبْد ُوا خَيْر ًا أَ ْو ُ
في قسمين :إيصال النفع إليهم ،ودفع الضرر عنهم ،فقوله تعالىِ :
))أَ ْو تَعْف ُوا(( إشارة إلى دفع الضرر عنهم ،فدخل في هاتين الكلمتين جميع أنواع الخـير وأعمال البر.
تفسر قوله تعالى) :إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح وكان الل ّٰه عزيزا حكيما( ٤٠.١
تفسر قوله تعالى) :إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح وكان الل ّٰه عزيزا ً حكيماً(
ل
حي ْنَا ِإلَى ِإ ب ْر َاه ِيم َ و َِإسْمَاعِي َ
َالن ّب ِيِّينَ م ِنْ بَعْدِه ِ و َأَ ْو َ حي ْنَا ِإلَى ن ُ ٍ
وح و َ ك كَمَا أَ ْو َ انتهينا في تفسير سورة النساء إلى قوله تعالى}ِ :إ َن ّا أَ ْو َ
حي ْنَا ِإلَي ْ َ
ل وَرُسُل ًا
ك م ِنْ قَب ْ ُ و َِإ ْسحَاقَ و َيَعْق ُوبَ و َالأَ سْ بَاطِ وَع ِيس َى و َأَ ُي ّوبَ و َيُون ُ َ
س و َه َار ُونَ وَسُلَيْم َانَ و َآتَي ْنَا د َاوُد َ ز َبُور ًا * وَرُسُل ًا ق َ ْد قَصَصْ نَاه ُ ْم عَلَي ْ َ